نقض كتاب "إجماع المحدثين" للشريف حاتم العوني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فقد سمعت برأي الشيخ حاتم في مسألة الإسناد المعنعن يوم صدرت محاضرته في الموضوع، فاستغربت هذا الرأي الجديد، وقلت في نفسي ربما ترجح لديه مذهب مسلم بالدليل وعظم عليه تخطئة البخاري فتأول نصوصه ونصوص الأئمة الموافقين له، ثم لما صدر الكتاب أهديت لي نسخة منه، وطلب مني غير واحد أن أكتب ردا عليه، لكني رأيت المسألة مسألة علمية والشيخ حاتم محدث وباحث مستقرئ له أن يجتهد، وليس محتما علينا أن نرد على كل من خالفنا في مذهب أو خالفناه في رأي، وبيان الأخطاء العلمية فرض كفاية، لكن يوم فتحت الكتاب بعد أن بقي في مكتبتي زمنا طويلا-ليلة 19من جمادى الأولى1428-، هالني هجومه القوي على أئمة الحديث، ورميهم المتكرر بالتقليد، وعجبت لحيدة الشيخ عن الأسلوب العلمي الرصين الهادئ، إلى الأسلوب الخطابي المليء بالانفعالات والإرهاب والاتهامات، حتى يخيل إلى القارئ أنه أمام قضية اعتقادية كبرى.
ولما اطلعت على ما فيه عزمت على كتابة هذا الرد وتركت ما أمكن تركه من بحوث وأشغال، وطلبت من بعض الطلبة أن يوافيني بما نشر حول هذه القضية في موقع أهل الحديث، لأني علمت أن ردي هذا سيأتي متأخرا فأحببت أن أطلع على ما كتب في الموضوع عسى أن أستفيد منه، ولعلي أجد من يكون قد كفاني مؤنة كتابة هذا الرد.
وإن أول ما يؤاخذ عليه الشيخ تلك المقدمة ذات الأسلوب العنيف الذي ينفر ولا يبشر ويجرح شعور القراء ويؤذيهم، هذا الأسلوب الذي لا نرتضيه في مسائل الاعتقاد، فكيف في مسألة حديثية جزئية ليس فيها نصوص شرعية.
تأمل قوله (6):« فإني لا أحل لمن لم يتشرب قلبه ودمه وعظامه الدعوة السلفية ، القائمة على نبذ التقليد واعتماد الدليل : أن يقرأ هذا البحث » ، ما معنى هذا ؟ هل يحرم الشيخ على الأشاعرة أن يقرأوا بحثه! بل على المقلدين من أتباع المذاهب بل وغيرهم ممن هم مقلدة في نظره، هذا لا يليق!! إنما النصيحة ينبغي أن تكون لعامة المسلمين ، ولقد تجرأت وقرأت الكتاب مع أني لا أستطيع أن أزكي نفسي مثل هذه التزكية، ذلك أني علمت أنه كتب الكتاب ليقرأ، فأخذت بمقصده وتركت لفظه.
تأمل قوله (6):« فأوصلني هذا النظر السلفي إلى نسف تلك المسلمة ، وبيان أنها خطأ محض ، ليس لها من الحق نصيب»، أما أنا فقد استفدت من منهج اتباع الدليل وترك التقليد أن لا ألزم أحدا بشيء لم يرد به نص صحيح صريح، وأن لا أعنف على أحد اتبع قول إمام مع معرفة حجته، وكيف ألزم غيري بشيء قد أرجع عنه، كيف يكون لي التعنيف ولا يكون له هو هذا الحق ، وتعلمت أيضا أن لا أدعي امتلاك الحقائق المطلقة التي لا تقبل النقاش .
تأمل قوله (7):« وإن كنت أعلم ولم أزل أعلم من ضعف الإنسان وجهله ما يمكن معه أن يحيف الحيف العظيم ، وهو يحسب أنه على الصراط المستقيم » …؟؟ ألا يمكن معالجة القضية بأسلوب أرفق من هذا.
تأمل قوله (8):« ما أتوقعه من تشنيع بعض المقلدين علي فيه »، ولو شنع عليه مشنع لكانت له حجة، لأن الله تعالى يقول : وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا (الشورى:40).
تأمل قوله (11) ناصحا من يقرأ كتابه :« وأن يقبل على القراءة وهو مستعد لتغيير أي اعتقاد سابق دله الدليل على بطلانه ، لا أن يقبل جازما بخطأ الكاتب ، باحثا عن العثرات ، راغبا في اكتشاف الزلات ، وأن يحرص على مخالفة سنن الذين في قلوبهم زيغ ، فلا يتبع المتشابه ، بل يرد المتشابه إلى المحكم » ، لماذا يجزم هو بصواب رأيه وكأنه ظفر بنص منزل، ويمنع غيره من مثل جزمه؟ ألا يحتمل أنه يوجد في العالم الإسلامي كله من بحث هذه المسألة وهو يعتقد جزما صواب ما نسب إلى البخاري عن علم واجتهاد لا عن تقليد ؟ لا شك أنهم موجودون، ومنهم الشيخ إبراهيم اللاحم والشيخ خالد الدريس الذي ذكره الشيخ في المقدمة واستفاد منه في كتابه كثيرا. وما فائدة الوصية بمخالفة سنن الذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتتبعون العثرات ويقتفون المتشابه ؟ هل الشيخ يخاف من النقد ؟ إن من فائدته –وإن لم يقصده الشيخ حفظه الله – أن يُرمى كل من انتقده بالتقليد واتباع المتشابه وسلوك سبيل الزائغين، أن يرميه بذلك الطلاب المبتدئون من محبي الشيخ ومقلديه، ولقد عزمت على إخراج هذا الرد مع ما أتوقعه من تشنيع المشنعين إلا أني حريص على إسداء النصح لمن يستحقه، وعلى المشاركة في النقاش الذي يساعد في تجلية الحقائق.
تأمل قوله (11-12):« فإن خالف أحد هذه الأخلاق، فليعلم أنه أول مخذول، فالحق أبلج والدين محفوظ، فلن ينفعه أن يشنع على الحق، ولا أن يسعى في تخريب علوم الدين » ما هذا ؟ "مخذول"!! "تخريب علوم الدين"!!، لماذا كل هذه الثقة والاعتداد بالنفس وكل هذه الأحكام الخطيرة؟ لقد ذكرتني العبارة الأخيرة بحكم بعضهم بالزندقة على من يرى أن مسلما رتب أسانيد الأحاديث في كتابه بحسب القوة، وأنه ربما أبدى بعض العلل في صحيحه، بمثل هذه الأحكام تتنافر القلوب بعد ائتلافها، ويتربى الشباب على التعصب ويتمرنون على التبديع وإقصاء المخالف، حتى أصبحنا نسمع بمن يبدع غيره لأنه خالف ابن حجر في تعريف الحديث الشاذ.
وفي ختام هذه المقدمة أقول ماذا على الشيخ لو حذف هذه العبارات -أو المقدمة كلها -، وقال عوضا عنها نحوا من قولي: إني أعرض هذا البحث الذي بذلت فيه كل وسعي للوصول إلى الحق بدلائله، ليطلع عليه أهل الاختصاص وينظروا ما فيه ، وإني أعلم أن بعضهم سيتعجب من هذا الرأي الذي يحسبه جديدا ، وربما أنكره ، لكني أود من كل قارئ أن لا يتسرع في حكمه على البحث أو كاتبه ، وأن ينظر فيه نظر منصف متجرد، فإن اقتنع بما فيه فبها ونعمت، وإن لم يقتنع فإن المسألة علمية وقد سبقه إلى رأيه علماء كبار، ومن تعقب بحثي هذا أو بعض ما فيه فإني سوف أكون سعيدا بذلك، وإني حريص كل الحرص على الاقتداء بالسلف الصالح في اتباع الدليل حيثما كان وفي قبول النصح ممن كان، وليحرص إخواني الذين قد يخالفونني ولا يعجبهم ردي أن يكونوا كما كان السلف في مناظراتهم "كان كل منهم يجتهد في نصر قوله بأقصى ما يقدر عليه ، ثم يرجعون بعد المناظرة إلى الألفة والمحبة والمصافاة والموالاة من غير أن يضمر بعضهم لبعضهم ضغنا ولا ينطوي له على معتبة ولا ذم، بل يدل المستفتي عليه مع مخالفته له ويشهد له بأنه خير منه وأعلم » (مختصر الصواعق2/518)، وإني أذكر نفسي وإخواني بكلمات الشافعي الثلاث التي رواها ابن حبان وقال:" إنه ما تكلم بها أحد في الإسلام قبله ولا تفوه بها أحد بعده" اهـ، الأولى رواها عن ابن خزيمة عن المزني قال سمعت الشافعي يقول :« إذا صح لكم الحديث فخذوه ودعوا قولي ، والثانية رواها عن ابن المنذر عن الزعفراني قال سمعت الشافعي يقول ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ، والثالثة رواها عن موسى بن محمد الديلمي عن الربيع قال سمعت الشافعي يقول :« وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي » .
المسألة الأولى: تحرير المذاهب
أين تحرير محل النزاع؟
إن مما فات الشيخ في بحثه أن يحرر محل النزاع بين الفريقين، ولا أقول بين البخاري ومسلم لأن الشيخ لا يوافق على أن البخاري يخالف مسلما في مذهبه.
وتحرير محل النزاع من أهم سمات البحث العلمي الموضوعي، لأنه يساعد في التركيز على معاني عبارات المصنفين والتبين من مقاصد أصحابها ويحول دون الوقوف عند ظاهرها ، وذلك بتقسيم الموضوع وتحليله إلى مفرداته وجزئياته ، ومن شأن ذلك أن يبعد الباحث عن التعميم في الأحكام وأن يعينه على الوصول إلى الحقيقة والاقتراب من الصواب.
فأقول مستعينا بالله تعالى :
إذا روى الراوي عمن عاصره فله ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يكون قد سمع منه وعلمنا ذلك بالدلائل والقرائن كثبوت اللقي.
الثانية: أن نعلم أنه لم يسمع منه ، بأن نقف على دليل أو قرينة تنفي سماعه منه ولقيه له.
الثالثة: أن لا يثبت لدينا شيء من دلائل السماع ولا نفيه .
فأما الصورة الأولى : فإن العنعنة فيها مقبولة إلا من المدلس المشهور بالتدليس –على خلاف-.
وأما الصورة الثانية: فينبغي أن لا يختلف فيها –أو هي محل إجماع-، وذلك كأن يقول هو نفسه لم أسمع منه، أو لم أسمع منه إلا حديثا واحدا، أو أن ينص على ذلك بعض تلاميذه المقربين منه وهذا لا شك من المراسيل ويسمى المرسل الخفي. ولا يشترط في ذلك الدلائل القطعية بل يحكم أيضا بالقرائن المغلبة لظن الانقطاع كاختلاف البلدان والرواية عنه بالواسطة، وقد بين مسلم ذلك فقال «إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا».
وأمـا الصورة الثالثة : فهي موضع الإشكال، هل الأصل فيها الحكم بالاتصال فلا يتوقف إلا في رواية المدلس ، أم أن الأصل فيها التوقف فلا يحتج بها حتى يتبين الاتصال بالتصريح بالسماع أو ثبوت اللقي على الأقل.
ذهب إلى القول الأول مسلم ونسبه ابن رجب إلى ظاهر قول ابن حبان.
واختار القول الثاني أكثر المصنفين في علوم الحديث ونسبه القاضي عياض إلى البخاري وعلي بن المديني ، وابن رجب إلى جمهور الأئمة المتقدمين (على خلاف بينهم في اعتبار قرينة ثبوت اللقاء).
إذن محل النزاع في الإسناد المعنعن ينبغي أن ينحصر في الصور التي تتردد بين الاتصال وبين الإرسال الخفي، أي لم يأت ما يرجح أحد الطرفين فلا يمكن الجزم بالإرسال ولا جاء ما يرجح عكسه.
من ثمرات عدم تحرير محل النزاع
قال الشيخ حاتم (15):« لم يتنبه ابن رشيد والعلائي والدريس إلى أنهم بميلهم إلى الاكتفاء بالقرائن القوية قد نسفوا ما ذهبوا إليه من تقوية اشتراط اللقاء أو السماع ، إذ من أين لهم أن مسلما لم يكن مراعيا لمثل تلك القرائن ؟! حتى يجعلونه مخالفا للبخاري ».
أقول: ولم يتنبه الشيخ حاتم إلى أن اللقاء ما هو إلا قرينة تقوي احتمال السماع وإلا فإن الأصل هو ثبوت السماع، قال ابن رجب في شرح العلل (2/592)ط همام:« فدل كلام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع، وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكي عنهما أنه يعتبر أحد أمرين : إما السماع وإما اللقاء وأحمد ومن تبعه عندهم لابد من ثبوت السماع».
ومن يكتفي بالمعاصرة لا يحتاج إلى القرائن ، فمن أين للشيخ حاتم أن مسلما اشترط قيام القرائن للحكم بالاتصال؟ وهو قد نص على الاكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقاء فقال:» وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا «. ولو ثبت ما ادعاه الشيخ حاتم من اشتراط مسلم للقرائن-وأنى له ذلك- لضاق الخلاف نوعا ما، ولأصبح الخلاف في اعتبار القرائن بين البخاري ومسلم من جهة وبين الإمام أحمد ومن معه من جهة أخرى .
المسألة الثانية : نسبة القول للبخاري
المسألة الثانية : نسبة القول للبخاري
قواعد واهية
الأولى : قال (34):« الذي لا يختلف فيه اثنان أن البخاري لم يصرح بالشرط المنسوب إليه … وهذه قاعدة نبني عليها لأنها محل اتفاق ».
الجواب : الشيخ من أعلم الناس أن أكثر ما ينسبه المتأخرون والمعاصرون للأئمة المتقدمين غير منصوص ، وإنما ثبت عنهم بالاستقراء لمناهجهم في كتبهم وفي التصحيح والتعليل والجرح والتعديل .
فلا معنى لوضع قاعدة لا تطبيق لها إلا في مسألة واحدة التي هي محل النزاع.
الثانية : لا يعتمد على صحيح البخاري
قال (34):« والقاعدة الثانية أن كتاب (صحيح البخاري) لا ينفع في أن يكون دليلا على صحة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري ».
الجواب : أما هذه القاعدة فهي من أعجب الأمور ، ندعو الناس إلى الرجوع إلى الأئمة المتقدمين ، فإذا رجعوا إليهم قلنا لهم كتبهم لا تصلح للدلالة على مذاهبهم ، كان الواجب عليه أن يقول: من المراجع التي نعتمد عليها "الصحيح"؛ فإن وجدنا أحاديث صححها ولم يتوفر فيها الشرط المذكور علمنا أنه على مذهب مسلم ، وإن وجدنا فيه دلائل تؤكد اشتراط السماع واللقاء قلنا به .
ثم إنه إن لم يجد هو هذه الدلائل فغيره قد وجدها، قال ابن حجر في هدي الساري (14):« والبخاري لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة ، وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه وجرى عليه في صحيحه ، وأكثر منه حتى إنه ربما خرج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئًا معنعنا ، وسترى ذلك واضحًا في أماكنه ـ إن شاء الله تعالى ـ »اهـ وانظر مثالا عن ذلك في كتاب التفسير باب وإذ يبايعونك تحت الشجرة نقله الدريس في دراسته (93) وقال ابن حجر في شرحه (3/452):«وأما الحديث الثاني فأورده لبيان التصريح بسماع عقبة بن صهبان من عبد الله بن مغفل». الطريقة نفسها استعملها في كتاب القراءة خلف الإمام .
ومنه يعلم خطأ ما قرره الشيخ حاتم (37-38) من أن ابن حجر ترك الاستدلال بما في صحيح البخاري .
ويزداد التعجب عندما يحجر على نفسه وعلى غيره الاحتجاج بصحيح البخاري على مذهب البخاري ، ثم هو يحتج على مذهب البخاري بأقوال الترمذي والطحاوي والدارقطني !!
الثالثة : تضعيف الأقوال بالأولية
ذكر في القاعدة الثالثة أن أول من نسب للبخاري هذا القول القاضي عياض، والشيخ كثيرا ما يضعف الأقوال التي لا يراها بقوله"أول من قال كذا فلان"، فالقول بتساهل العجلي ضعيف لأن أول من قال ذلك المعلمي، وتقسيم الأئمة إلى متساهل ومتشدد ومعتدل ضعيف لأن أول من قسمه الذهبي ، وإذا صح هذا فنحن نقول الزعم بأن البخاري على قول مسلم ضعيف لأن أول من زعم ذلك الشيخ حاتم، وانظر في الجواب عنه وفي الاعتذار للقاضي عياض كتاب إجماع المحدثين (166)
رد: نقض كتاب "إجماع المحدثين" للشريف حاتم العوني
قال (74-75):"المثال الثالث: تذكر قصّةٌ صحيحةٌ أن مسلمًا دخل على البخاري، فقال له مسلم: ((دعني أُقَبِّل رجليك! يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدّثين، وطبيب الحديث في علله!!!)). ثم ذُكر بمحضرهما حديث كفّارة المجلس، من رواية موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. فقال مسلم للبخاري: ((في الدنيا أحسن من هذا؟! تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا غير هذا؟! فقال البخاري: لا، إلا أنه معلول. فقال مسلم: لا إله إلا الله!! (وارْتَعَدَ)، أخبرني به؟ فقال: استر ما ستر الله، فألحَّ عليه، وقبّل رأسه، وكاد أن يبكي. فقال: اكتب إن كان ولا بُدّ. وأملى عليه رواية وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن عون بن عبد الله بن عتبة موقوفاً عليه، وقال له: ((لم يذكر موسى بن عقبة سماعًا من سهيل، وحديث وُهيب أولى. فقال مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك!!)).
فهذا إعلالٌ من البخاري بعدم العلم بالسماع، ويرضى به مسلم، بل يكاد يطير فرحاً به."
الجواب : إن البخاري لم يتكلم في سماع موسى بن عقبة من سهيل مطلقا، لذلك لم يذكر كلامه في كتب المراسيل ، وإنما تكلم في سماعه لهذا الحديث بعينه، كما أعل حديث القضاء بالشاهد واليمين وقال :« عمرو بن دينار لم يسمعه من ابن عباس».
ومن هنا يتضح أنه ليس ثمة مثال سالم يمكن أن يستدل به على أن مسلما كان يتفقد السماع في الأسانيد ولو صح عندنا ذلك لكنا نسعد به لثبوت الإجماع حينئذ على اشتراط ثبوت السماع أو اللقي. (وهو ما أراد فعله خالد الدريس بإيراد هذا المثال الأخير في صفحة 433، فنقله الشيخ حاتم من غير تدقيق).