الأستاذ الفاضل:
1 - جميع ما ذكرتَه لا يُعتبر إثباتاً للتهمة، بل هو تكرار للتهمة بعبارات أخرى! ولا فرق بين أن تقول (يسرق تحقيقات الناس) وأن تقول (سرق تحقيق فلان وفلان).
المطلوب إثبات السرقة، وليس تعداد الدواوين المزعوم أنها سرقة واعتبار ذلك إثباتاً للسرقة!
2 - كل إنسان يستطيع أن يقول (وإنْ شاءَ أيّ قارىء أن يتأكَّد من كلامي فأمامه أعماله وأعمال الاخرين ، ليوازن ويبحث ويدقِّق ،ليكتشف ،بعدها ،أنَّ الرجل يسطو على جُهد غيرهِ).
نحن أيها الفاضل نريد أن نسمع براهينك الساطعة على دعواك، لأنك بحثت ووازنت ودقَّت واكتشفت، فلا تقترح علينا أن نبحث ونوازن وندقِّق ونكتشف!
3 - وأيضاً يستطيع كل إنسان أن يقول التهمة (من الأمور المعروفة جدًا)! يعني: لا حاجة للإثبات!
4 - مسألة (شعر الببغاء) تحتاج إلى إثبات وقوع السرقة، لا مجرَّد إيراد التواريخ! فالأستاذ هلال ناجي يذكر في مقدمة الطبعة الثانية (عالم الكتب 1998): أنه نشر أصله (حياة الشاعر وأشعاره) في فصلين من مجلة المورد سنة 1983، وهو الآن يضيف عليه الرسائل والمستدرك على الأشعار، قائلاً (وهو مستدرك ظفرت به بعد تنقير طويل في المخطوط والمطبوع).
ومن يعرف أعمال الأستاذ هلال ناجي يدرك أنه فعلاً صاحب (تنقير طويل في المخطوط والمطبوع)، واطلاع على نوادر المصادر، ولا يَسْتغرب من باحث مدقِّق مثله أن يعثر بنفسه على 75 بيتاً جديدة في 15 عاماً، ومصادرها بين يديه كما هي بين يدي غيره.
فالقول بأنه سرق معظم هذا المستدرك من نشرة سعود عبدالجابر لشعر الببغاء (قطر 1983) يحتاج إلى نظر وإنصاف.
5 - وكذلك (شعر الناشئ الأكبر)، فقد نشر منه السوداني 765 بيتاً، فجعلها ناجي 1083. ويعلم أصحاب الخبرة بهذه الأمور أن الوصول إلى السبعمائة الأولى أسهل بكثير من الوصول إلى الأربعمائة الأخير، لأن الأولى قريبة المنال في المصادر المشهورة. وفرق كبير بين عمل طالب علم مبتدئ وعمل فحل من فحول التحقيق، في الجمع والتحقيق والتوثيق. وقد طالعت بعض مجاميع السوداني القديمة فرأيتها ضحلة. نعم، له فضل السبق، ولكن لا أعتقد أن عنده ما يحتاج مثل هلال ناجي إلى سرقته منه!
وفي الموضوع تفاصيل ووجهات نظر لا تحتملها هذه العجالة، وحاصلها أن تجاهل جهد السابق شيء والسطو عليه شيء آخر، وللتجاهل أسباب ومسوِّغات غير السرقة، فلا يكفي وضع التواريخ لإثبات السرقة.
6 - تقول (ولم يذكر الأستاذ الخالدي على الإطلاق، ولو بكلمة شُكر). أقول: تهمةٌ مرسلة، وأعني تهمة السرقة! ولا معنى لمطالبة السارق بشكر المسروق منه، فإما أن يكون سارقاً وإما أن لا يكون!
وأمامي الآن (شعر الببغاء، ط2، ص171)، وفيه يقول الأستاذ ناجي (الفهارس الفنية للكتاب من إعداد المفهرس الاختصاصي السيد حسن عربي الخالدي). ونفس العبارة في كتاب (المستدرك على صناع الدواوين ) 2 / 315
فمن يقول ذلك لا يُتهم بالسرقة من الخالدي إلا بدليل قويّ، ولا سيما أن مجال الخالدي غير مجال ناجي!
وكيف اشتغل الخالدي في عامي 1998 و 2000، بفهرسة كتب رجل سطا على ملاحظاته في عام 1996؟!
7 - تقول:
بل لمْ يسلم من سرقاته صديقه د. نوري حمودي القيسي ، فعندما أصدرا معاَ كتاب (المستدرك على صناع الدواوين) في بغداد عن المجمع العلمي العراقي ، أعاد هلال ناجي نشر الكتاب نفسه في بيروت ، وصدر عن عالم الكتب، 1998، وفيه وضع اسمه على أعمال الدكتور القيسي ،وقد فعل هذا بعد وفاته ، ويمكن للقارىء الباحث الذي يريد كشف الحقيقة أن يطّلع مثلاً على مجلة المجمع العلمي العراقي ، الجزء الاول ، 1990، ففيها نشر القيسي مقلاً له ، وأُعيد نشره في هذا الكتاب ،ولكن باسم هلال ناجي !!!
كلام غريب للغاية!
أمامي الجزء الأول من الطبعة الأولى (بغداد: المجمع العلمي العراقي، 1993)، وفيه وعد بجزء ثان، لا أدري أصدر أم لا. وأمامي أيضاً الطبعة الثانية بجزئيها (بيروت: عالم الكتب، 2000)، وقد جعلها الناشر الطبعة الأولى، لأنها الأولى الصادرة عن عالم الكتب، على عادة الناشرين.
وقد كتب على كل جزء من الثلاثة (نوري حمودي القيسي والأستاذ هلال ناجي)، مع ألقابهما في الطبعة الثانية، وفي جميع ذلك جاء اسم القيسي أولاً! ولولا صعوبة التصوير علينا لصوَّرنا الغلافين، وإن كذَّبتنا صوَّرناهما إن شاء الله!
والغرابة هي أن كلامك يوحي بأن هلال ناجي سلخ الكتاب ونسبه إلى نفسه فقط في طبعة صادرة من عالم الكتب سنة 1998، بينما الناشر جعل طبعة 2000 هي الأولى! فلعلَّك تصوِّر لنا غلاف طبعة 1998 وصفحة فهرس فصولها، لإثبات أن الطبعة حقيقية أولاً، وأن هلال ناجي استولى فيها على أعمال القيسي بعد وفاته!
أما إذا كان مرادك أنه استولى على بعض الفصول مع إبقاء اسم القيسي على الغلاف، فهذه دعوى تحتاج إلى إثبات كغيرها من الدعاوى المرسلة! وهي من النوع الذي يسهل عليك إثباته، لأن الفصول منشورة في الدوريات تحت اسماء أصحابها قبل تجميعها في الكتاب.
وهذا إحصاء فصول الكتاب كما في الطبعة الثانية:
40 فصلاً منسوبة إلى ناجي
13 فصلاً منسوبة إلى القيسي
1 فصل واحد مشترك بينهما
وتحسن الإشارة إلى أن الفصول لم تُنسب إلى كاتبها في الطبعة الأولى، وهذا قرار اتَّخذه الرجلان، وعندما نُشرت الطبعة الثانية بعد وفاة القيسي رأى ناجي أن يُنسب كلُّ فصل إلى كاتبه، وهذا من حقِّه بطبيعة الحال، لأنه يستطيع بذلك أن يتصرَّف في فصوله بالتحرير والتنقيح. وإذن فليس لك أن تجعل الإغفال ثم التعيين دليلاً على السطو إلا بدليل مادي ملموس.
إلا إذا كنتُ تعني أن القسمة النظرية توجب أن أن تُنسب نصف الفصول للقيسي ونصفها لهلال ناجي، من غير حاجة إلى إثبات من الذي كتبها ونشرها باسمه في الدوريات!
8 - تقول:
وكان نوري حمودي القيسي قد نشر مقالاً استدراكيًا مهمًّا في مجلة المجمع العلمي العراقي عام 1990م على عدد من الشعراء من مخطوطة كتاب (الدر الفريد) لابن أيدمر، ولكن ظهر باسم هلال ناجي في الطبعة الثانية من كتاب (المستدرك على صناع الدواوين) وقد لاحظتُ أن مقال القيسي ذاك لم يرد في هذا الكتاب ، وقد فعل هذا بعد وفاة القيسي في 1 / 11 / 1994م .
أقول: الكتاب أقلِّبه بين يديَّ، ومع ذلك لم أعرف ما الفصل الذي سرقه هلال ناجي من القيسي!! وكان يجب عليك أن تذكر بيانات المقال بالتفصيل وصفحات الطبعة الثانية التي ورد فيها، لننظر في صحة كلامك.
والواقع أن الفصول الثلاثة عشر المنسوبة إلى القيسي في الطبعة الثانية تتضمن استدراكات على من الشعراء من مخطوطة الدر الفريد.
ومع ذلك: افرض أن فصلاً من 54 نُسب إلى ناجي وهو للقيسي! فهل هو دليل دامغ على السرقة؟ الجواب: لا! لأن الصفاقة لا تبلغ بهلال ناجي إلى سرقة مقال للرجل المكتوب اسمه معه على غلاف الكتاب، ولا سيما إن كان المقال منشوراً في مجلة مشهورة كما تقول! والتفسير القريب لذلك هو الخطأ البشري المعتاد، ربما من الناشر الموجود في بيروت بعيداً عن هلال ناجي الموجود في العراق وقد لا تساعده شيخوخته المتقدِّمة على الإشراف على الطباعة. ومن البعيد أن يصدُق هلال ناجي في نسبة 13 فصلاً ونصف، ويتعمَّد الكذب في نسبة فصل واحد!
9 - لقد حرص الناقد الفاضل على تسجيل هجاء ناجي لخصومه، ولم يشر إلى تشنيع خصومه عليه، ولا أن له كتاباً بعنوان (نوري القيسي علم آخر ينطوي) (القاهرة 1995)،.
فالذي يؤلف هذا الكتاب، وينشر المستدرك باسميهما معاً، ويضع اسم القيسي على 13 فصلاً منه، أقرب إلى الوفاء منه إلى الجحود والسرقة! وكان هلال ناجي يستطيع أن يستبعد فصول القيسي ويجعل الكتاب خالصاً له،
وأما هجاؤه للخصوم وهجاء الخصوم له فلذلك ظروفه وأسبابه وأسراره التي لا نعرفها، ولا علاقة له بما نحن فيه، ومن غير المعقول أن يسرق كتاباً من فلان ثم يزيد فيهجوه بديوان كامل!
10 - لعله اتضح الآن أن قول الناقد:
أما الحديث عن خصومه فأنا أمامي وقائع وأدلة ، لا دخلَ لها بالعاطفة.
غير صحيح، مع الأسف! لأن التعسُّف والانحياز العاطفي إلى أحد الطرفين ظاهر جدًّا في كلامك!
11 - وفي الختام أودّ التأكيد على أنني لا أعرف الأستاذ هلال ناجي ولم أره في حياتي ولم أسمع صوته مطلقاً، ولا أعرف لماذا يتعرَّض لهجوم شرس من أطراف كثيرة؛ فلا غرض لي إلا معرفة الحقيقة بالدليل المقنع، مع إحسان الظنّ ابتداء برجل يناهز التسعين، أفناها في خدمة التراث، وتشير أعماله الكثيرة إلى باحث جادّ أمين، على عكس الكثير من خصومه!
أطال الله عمره على طاعته، وختم لنا وله بالخير!
وأرجو ممن يعرفه أن يوصِّل إليه هذا الدفاع عنه من طالب علم صغير نهل من تحقيقاته من غير أن يعرفه، وإنما كما قال عبدة بن الطبيب التميمي:
عَلَيكَ سلامُ اللَهِ قَيسَ بنَ عاصِمٍ * وَرَحمتُهُ ما شاءَ أَن يَترَحَّما
تَحيَّةَ من أَوليتَهُ مِنكَ نِعمَةً * إِذا زارَ عَن شَحطٍ بِلادَكَ سَلَّما