بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
غاية الإيجاز في الرد على من نفى وجود المجاز
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فإن الباعث على كتابة هذه الكلمة الرد على من نفى المجاز بأسلوب مختصر فإن هذا الموضوع من الأهمية بمكان وغالب من كتب فيه من أهل الكلام الذين أولوا صفات الرحيم الرحمن فالله المستعان وعليه التكلان .
فصل مفهوم الحقيقة والمجاز :
فصل مفهوم الحقيقة والمجاز : اللفظ في اللغة العربية قد يستعمل فيما وضع له في اللغة فلا يحتاج لدليل لكي يفهم معناه ، وهذا يسميه غالب علماء اللغة حقيقة ، وقد يستعمل اللفظ في غير ما وضع له في اللغة لعلاقة بين اللفظ والمعنى المراد ، فيحتاج هذا اللفظ لدليل يدل على معناه وهذا يسميه غالب علماء اللغة مجاز لذلك فالحقيقة هي ما سبق إلى الفهم من معنى اللفظ دون الحاجة لدليل ( قرينة ) ،والمجاز هو ما لا يسبق إلى الفهم من معنى اللفظ إلا بوجود دليل فقولك رأيت الرجل يتكلم حقيقة فمن الطبيعي أن يتكلم الإنسان ، و الرجل إنسان أما قولك رأيت القمر يتكلم فيستحيل أن يكون هذا الكلام على الحقيقة ؛ لأن الكلام من صفات البشر والقمر ليس بشراً إذاً هذا مجاز شبه الإنسان بالقمر لوجود علاقة بينه وبين القمر وهي الجمال ، وقولك على شخص أنه شجاع فهذا حقيقة أما قولك على شخص أنه أسد فهذا مجاز لاستحالة أن يكون الشخص أسداً فالأسد حيوان أما هذا الشخص فإنسان أي أنك شبهت هذا الشخص بالأسد لوجود علاقة بينه وبين الأسد ، وهي الشجاعة .
فصل من أدلة ثبوت المجاز :
فصل أدلة ثبوت المجاز : إن أدلة ثبوت المجاز كثيرة ومنها العمل عمل العرب بمقتضى المجاز فالعرب كانوا يفهمون المعنى الموضوع للفظ في اللغة عند إطلاقه ، ويفهمون المعنى غير الموضوع للفظ في اللغة عند تقييده فالعرب استعملت بعض الألفاظ في معنيين عند الإطلاق يفهم المعنى الموضوع لهذه الألفاظ في الأصل ، وعند التقييد يفهم المعنى المنقول إلى هذه الألفاظ فكلمة أسد عند الإطلاق يراد بها السبع ، وعند نسبتها لإنسان ( تقييد ) يراد بها الشجاعة ، و العرب عند إطلاق كلمة الحمار عند الإطلاق يراد بها البهيمة ،وعند نسبتها لإنسان ( تقييد ) يراد بها الغباء والحماقة ،والعرب عند إطلاق كلمة القمر تريد هذا الجرم السماوي ، وعندما تنسبه إلى إنسان تريد الجمال والحسن والعرب عند إطلاق الكلب تريد هذا الحيوان المعروف ، وعندما تنسبه لإنسان تريد الوقاحة والحقارة ،والعرب عند إطلاق كلمة النخلة تريد هذه النخلة المعروفة ، وعندما تنسبها لإنسان تريد الطول ،ولو كان المعنيان قد وضعا في الأصل معاً للفظ لما سبق إلى الفهم أحد المعنيين دون الحاجة لدليل (القرينة ) ، ومن أدلة وجود المجاز ذكر بعض علماء القرون الثلاثة الأول المجاز كأبي عبيدة معمر بن المثني 114 هـ - 210 هـ عالم لغة له كتاب مجاز القرآن[1] وله كتاب المجاز[2] ، ومن العلماء الذين ذكروا المجاز الخليل الفراهيدي 100هـ -174 هـ قال في كتابه الجمل في النحو : ( وكذلك يلزمون الشيء الفعل ولا فعل وإنما هذا على المجاز كقول الله جل وعز في البقرة ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ﴾[3] والتجارة لا تربح فلما كان الربح فيها نسب الفعل إليها ومثله : ﴿جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ ﴾[4] ولا إرادة للجدار )[5] ، ولأبي العباس أحمد بن يحيى المشهور بثعلب النحوي المتوفى سنة 291هـ كتاب قواعد الشعر أكثر من ذكر الاستعارة فيه والاستعارة ضرب من المجاز ،وقال ابن السراج النحوي المتوفى 316 هـ في كتابه الأصول في النحو : ( وجائز أن تقول لا قام زيد ولا قعد عمرو تريد الدعاء عليه وهذا مجاز )[6] ، وقال أبو العباس المبرد في كتابه المقتضب : ( وقد يجوز أن تقول أعطي زيدا درهم وكسي زيدا ثوب لما كان الدرهم والثوب مفعولين كزيد جاز أن تقيمهما مقام الفاعل وتنصب زيداً ؛ لأنه مفعول فهذا مجاز )[7]ومن الفقهاء الذين ذكروا المجاز في كتبهم محمد بن الحسن الشيباني 132 هـ - 189 هـ حيث قال في كتابه الجامع الصغير: ( فالحاصل أن أبا يوسف أبى الجمع بين النذر واليمين ؛ لأن هذا الكلام للنذر حقيقة ولليمين مجاز والحقيقة مع المجاز لا يجتمعان تحت كلمة واحدة فإن نواهما فالحقيقة أولى بالاعتبار ؛ لأن الحقيقة معتبر في موضعه والمجاز معتبر في موضعه )[8] ، ومن علماء الحديث الذين ذكروا المجاز في كتبهم ابن قتيبة حيث قال ابن قتيبة : ( والنبات لا يجوز أن يكون شراباً ، وإن كان صاحبه يستغني مع أكله عن شرب الماء إلا على وجه من المجاز ضعيف ، وهو أن يكون صاحبه لا يشرب الماء فيقال إن ذلك شرابه ؛ لأنه يقوم مقام شرابه فيجوز أن يكون قال هذا إن كانت الجن لا تشرب شراباً أصلاً )[9] ومن هنا ندرك أن المجاز ثابت في كتب الفقه واللغة والحديث في القرون الثلاثة الأول فهذا دليل على وجود المجاز .
[1] - انظر الفهرست لمحمد بن إسحاق النديم ص79 دار المعرفة 1398 هـ
[2] - انظر كتاب كشف الظنون لمصطفى الرومي الحنفي 2/1456 دار الكتب العلمية 1413 هـ
[3] - البقرة من الآية 16
[4] - الكهف من الآية 77
[5] - الجمل في النحو للفراهيدي ص73 حققه الدكتور فخر الدين قباوة سنة النشر 1416 هـ
[6] - الأصول في النحو لابن السراج 1/400 مؤسسة الرسالة 1408 هـ الطبعة الثالثة تحقيق الدكتور عبد الحسين الفتلي
[7] - المقتضب للمبرد 4/51 عالم الكتب بيروت تحقيق محمد عبد الخالق عظيمة
[8] - الجامع الصغير لابن الحسن الشيباني ص 142عالم الكتب بيروت 1406 هـ
[9] - غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 272 مطبعة العاني بغداد 1397 هـ تحقيق الدكتور عبد الله الجبوري
[10] - البقرة : 31
فصل حجج من نفوا المجاز والرد عليها :
فصل حجج من نفوا المجاز والرد عليها : رغم أن أدلة وجود المجاز واضحة إلا أن بعض العلماء الأفاضل خالف ونفى المجاز ومنهم ابن تيمية وابن القيم من القدامى وابن عثيمين والشنقيطي من المحدثين ، وأدلتهم عدم قول سلف الأمة كالخليل ومالك والشافعي وغيرهم من اللغويين والأصوليين وسائر الأئمة بالمجاز فهو إذن قول حادث ، والجواب على ذلك أنه لو سلمنا جدلاً تنزلاً معهم بعدم قول أحد من السلف بالمجاز فليس معنى هذا عدم وجود المجاز فلا ينتسب لساكت قول ، وهناك فرق بين وجود العلم وتدوين العلم فالعلم موجود في ذهن العلماء ، ولكن لم يقم أحد بتدوينه بعد وكان المجاز مستقراً في نفوس العرب فالعربي مثلاً لم يقسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف ، ولكن استخدم الاسم والحرف والفعل فالتدوين يكشف عن وجود الشيء ( العلم )، وليس منشئا له فوجود العلم يعرف بالعمل بمقتضى العلم ويعرف بتدوينه ، والعرب كانوا يفهمون معنى للفظ عند الإطلاق ويفهمون معنى أخر للفظ عند التقييد فالأول سميناه حقيقة والثاني مجاز ولا مشاحة في الاصطلاح ثم قد ذكر بعض علماء اللغة والفقه والحديث المجاز في كتبهم ، وعليه يسقط هذا الدليل ، و أنكر نفاة المجاز أن يكون للغة وضع أول تفرع عنه المجاز باستعمال اللفظ في غير ما وضع له ،والقول بأن أصل اللغة إلهام من الله ثم كان النطق بألفاظ مستعملة فيما أريد منها نقول هذا الكلام غير مسلم ؛فالخلاف في أصل اللغات وواضع اللغة هل اللغة كانت بإلهام من الله أم بالتقليد أم بالتوقيف ؟ فالخلاف في واضع اللغة يثبت أن للغة وضعا فالوضع ملازم لكل مذهب من هذه المذاهب ، والمراد بالوضع النطق أول مرة باللفظة دالا على معناه سواء كان مصدره الإلهام أو التقليد أو التوقيف والخروج عن الدلالة الأولى للألفاظ مستساغ ومعقول، فبعد استقرار استعمال الكلمة فيمعناها الذي كانت هي من أجله يقع فيها التصرف باستعمالها في دلالة أخرى هي الدلالةالمجازية ،وتلازم الوضعللاستعمال مثل تلازم الحياة للحي، ويستحيل استعمال لفظ بمعزل عن اللفظ نفسه، كمايستحيل وضع لفظ بمعزل عن الاستعمال ؛ لأن الواضع يضع اللفظ ويعينه للدلالة على معنى،وتصور وضع لفظ دون أن تكون حقيقة معناه ومسماه ماثلة في ذهن الواضع مستحيلفمن يرى أن أصل اللغة إلهام من الله ، واستعمال لا وضع متقدم على الاستعمال . فحين ألهم اللهالإنسان أن يستعمل كلمة ( بحر) لصحة هذا الاستعمال فلابد من أحد أمرين
إمارؤية مجتمع الماء عيانا حين الاستعمال أو تخيل تلك الصورة إذا لم تكنحاضرة مرئية. وفي كلتا الحالتين فكلمة بحر اخترعت مقرونة بالاستعمال إما حسا وإمامعنى. ومستحيل أن تخترع كلمة (بحر) أو توضع وليس في ذهن الواضع أو المخترع تصورلمسماها فلو سلمنا أن الاستعمال سابق على الوضع فالكلمة في أول استعمال لها حقيقة، وحين تستعمل استعمالا ثانيا بينه وبين الاستعمالالأول صلة معتبرة ، ووجد في السياق دليل يرجح أو يوجب الأخذ بمعنى الاستعمالالثاني دون الأول كان المجاز لا محالة ، وأنكر نفاة المجاز التجريد والإطلاق في اللغة فلا يجوزون القول بأن الحقيقة ما دلت على معناها عندالإطلاق والخلو من القرائن ، والمجاز ما دل على معناه بمعونة القيود والقرائن أي كل الألفاظ في اللغة لم ترد إلا مقيدة بقيود وقرائن توضح المعنى المراد منها فالقول بورود الألفاظ مجردة أو أنها بدون أية قرائن أو قيود تفيد معنىوبالتالي يكون المجرد منها حقيقة والمقيد بالقرائن مجاز قول خطأ ، ومعنى هذا الكلام إنكار أن يكون هناك معنى يسبق إلى الفهم عند إطلاق اللفظ ، وتجرده عن قرائن ، وهذا الكلام يخالف ظاهر القرآن حيث قال تعالى : ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾[10] وأسماء الذوات الألفاظالدالة على الأشياء مثل: أرض-سماء-بحر- فرس- إنسان.. إلخ حيننطق الإنسان الأول بها فمن المؤكد أنه نطق بها مجردة قاصدا بها الدلالة على الصورة المتكاملة – سمعية بصرية حسية- كما هي مختزنة في خياله فآدم عليه السلام أطلق الاسماء كالشجرة والبحر ..وأراد هذه الذوات نفسها أي أطلق الشجرة وأراد الشجرة وأطلق البحر وأراد البحر فثبت أن هناك ألفاظاً مجردة عن القرائن يقصد بها الوضع الأول أو الاستعمال الأول للكلمة فالألفاظ عند تجردها عن القرائن يسبق إلى الفهم ويتبادر إلى الذهن معنى هذا المعنى هو الذي وضع اللفظ له في الأصل فعند إطلاق كلمة عين يتبادر للذهن العضو الباصر ، وعند إطلاق كلمة الأنف يقصد بها العضو الشام فإن قيل لماذا لانقول إن تعدد المعاني من باب الاشتراك اللفظي ، وليس من باب المجاز ؟ نقول هذا لا يصح ؛ لأن اللفظ يحمل على المعنى المجازي عند وجود القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي ، وعند عدم وجود هذه القرينة فاللفظ يحمل على المعنى الحقيقي المتبادر للفهم بخلاف الاشتراك فإنه بدون القرينة يجب التوقف ، والذين نفوا المجاز أبطلوا استدلال الجمهور ببعض الآيات كقوله تعالى ﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ ﴾[11] فقالوا بأن هذا على الحقيقة ونقول لهم نسبة الإرادة إلى الجدار في الآية مجازية ؛ لأن الله يقول ( فوجدا فيها جدارا ) أي أن جملة يريد أن ينقض صفة للجدار أي هذه هي الصفة التى رأى موسى عليه السلام والخضر الجدار عليها ، والإرادة لا ترى فيستحيل قطعاً أن يكون المراد بإرادة الجدار الانقضاض الإرادة الحقيقية ، وإنما المراد اقتراب الجدار من السقوط ، وعليه فهذه الآية دليل على وجود المجاز . وقال الذين نفوا المجاز يلزم من وجود المجاز الاختلال في التفاهم إذ قد تخفى القرينة ، نقول هذا على اعتباركم أنه لابد للفظ من قرينة تدل على معناه أما القائلون بالمجاز فيقولون ما يحتاج لقرينة هو المجاز فقط أما الحقيقة فتدل على معناها بلا قرينة هذه هي أهم حجج القوم رددنا عليها .
[11] - الكهف من الآية 77
فصل حد المجاز في القرآن والسنة :
فصل حد المجاز في القرآن والسنة : ليس معنى وجود المجاز في القرآن والسنة القول به مطلقاً بلا دليل فالضابط أن اللفظ إذا وجد دليل صحيح على أنه منقول عن وضعه في اللغة إلى معنى آخر وجب العمل بالمعنى المنقول إلى اللفظ و إلا فالأصل في الكلام الحقيقة ما لم يأت دليل ، فليس كل ما يستحيل عقلاً يكون مستحيلاً شرعاً ؛ لأن اللغة هي المعبرة عما يستعمله الناس في أغراضهم ، والناس عقولهم لا تدرك إلا المحسوسات ، و لا تدرك الغيبيات لذا الأمور الغيبية لا نحكم فيها عقولنا ، فما أخبر ربنا عنه نؤمن به ولا نحرفه عن معناه فقد قال تعالى : ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾[12] فالله أثبت أن الأشياء تسبحه فنقول كل الأشياء تسبح الله بما يليق بها أن تسبحه ،والله أعلم بكيفية هذا التسبيح ، ولا ننفي التسبيح عن هذه الكائنات لاستحالة إدراكنا هذا التسبيح ، ويجب ألا نتخذ إثبات المجاز في القرآن ذريعة لتأويل صفات الله كما يفعل أهل الكلام فنؤمن بما وصف الله به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه r نؤمن بمعنى الصفة ونفوض كيفية الصفة لله عز وجل فمثلاً قوله تعالى :﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾[13] الله أثبت أن له يدا نقول الله له يد تليق به ليست كيد المخلوقين ؛ لأنه قال :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾[14]و قال تعالى : ﴿وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[15] فليس معنى اتفاق التسمية اتفاق الحقيقة هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وكتب ربيع أحمد طب عين شمس الفرقة السادسة الأحد 30 محرم 1428هـ 18/2/2007 م
[12] - الإسراء من الآية 44
[13]- المائدة من الآية 64
[14] - الشورى من الآية 11
[15] - النحل من الآية 60
مزيد إيضاح حول بعض النقاط
المعني الحقيقي هو المتبادر للذهن و المعني المجازي هو الذي يحتاج إلي قرينة والمتبادر للذهن يقصد به العلماء المتبادر للذهن عند الإطلاق أي بلا قرينة أي بلا دليل أي لا يحتاج لدليل ليفهم معناه ،والمجاز ما يحتاج لقرينة ليفهم معناه أي يحتاج لدليل لكي يفهم معناه ،و القرينة هي العلامة الصالحة للدلالة على عدم إرادة المعنى الحقيقي للفظ من قبل المتكلم ( الوجيز في أصول الفقه د. عبد الكريم زيدان ) أي أريد أن أقول أن اللفظ المجازي يحتاج لدليل يدل على معناه فلا يسبق إلى الفهم من معنى اللفظ إلا بوجود دليل فقولك رأيت الرجل يتكلم حقيقة فمن الطبيعي أن يتكلم الإنسان ، و الرجل إنسان أما قولك رأيت القمر يتكلم فيستحيل أن يكون هذا الكلام على الحقيقة ؛ لأن الكلام من صفات البشر والقمر ليس بشراً إذاً هذا مجاز شبه الإنسان بالقمر لوجود علاقة بينه وبين القمر وهي الجمال ، وقولك على شخص أنه شجاع فهذا حقيقة أما قولك على شخص أنه أسد فهذا مجاز لاستحالة أن يكون الشخص أسداً فالأسد حيوان أما هذا الشخص فإنسان أي أنك شبهت هذا الشخص بالأسد لوجود علاقة بينه وبين الأسد ، وهي الشجاعة ،ومن أنواع القرائن : القرينة الحسية ،أي تدرك بالحس والمشاهدة يدل على ذلك كقول الناس أكلت من هذه الشجرة أي من ثمرتها فالحس يمنع من أكل عين الشجرة ، وسلمت على أسد الحس يمنع تسليم الإنسان على أسد إلا ما ندر والنادر لا عبرة به ،وفي المسألة التي نحن بصددها قوله تعالي : (( تجري بأعيننا )) المعني المتبادر للذهن هو الحفظ والرعاية مع اثبات صفة العين لله تعالي معلومة المعني مجهولة الكيف ،و هذا المعنى تبادر للذهن ( الحفظ والرعاية ) كان بالقرينة الحسية ،وليس من ظاهر الكلام فالحس يمنع أن تسير السفينة داخل عين الله فالسفينة في الأرض وصنعت في الأرض وتمشي في الأرض ،والله فوق السماوات مستوي على عرشه ليس كمثله شيء فالحس يأبى هذا المعنى الحقيقي فحمله على المجازي وليس حمله على المعنى المجازي مباشرة لكي يقول القائل هذا معنى حقيقي . من يقول : (الحفظ والرعاية معنى حقيقي لقوله (( تجري بأعيننا )) لأنه المعنى المتبادر للذهن ) فكلامه خطأ ؛لأنه تبادر للذهن بقرينة حسية وليس مباشرة .
من يقول : ( من أثبت المجاز يجعل للفظ معني لا نحتاج لسياق كي نعرفه ) قوله لا يصح فهو كلام تأباه كتب اللغة فالسياق جعل الذهن ينكر أن يكون المقصود بقوله (( تجري بأعيننا )) في الآية المعنى الحقيقي لها بل المعنى المجازي والمعنى المجازي لا ينفي ثبوت العين . من يقول : ( المتبادر للذهن عند القائلين بالمجاز مقصود به اللفظ دون سياق ) قوله لا يصح فهو كلام تأباه كتب اللغة والتفسير فيجب أن نفرق بين معنى اللفظ والمراد من اللفظ فالمراد من اللفظ هو ما دل عليه سياق الكلام ،و معنى اللفظ هو ما دل عليه اللفظ في اللغة العربية ، والمتبادر للذهن عند القائلين بالمجاز يقصد به ما تبادر للذهن من السياق بقرينة وليس مباشرة . من يقول : ( المعني المتبادر للذهن هو المعني الحقيقي )) قوله يحتاج لتفصيل فإن تبادر للذهن بقرينة كان مجازا ، وإن تبادر للذهن بلا قرينة كان حقيقة .
والمعنى المتبادر للذهن هو المعنى الصريح ،والصريح هو اللفظ الذي ظهر المراد منه ظهورا تاما لكثرة استعماله فيه حقيقة كان أو مجاز فمن الأول : أنت طالق ، فإنه حقيقة شرعية في إزالة النكاح صريح فيه . ومن الثاني قوله تعالى : (( وأسأل القرية )) فهو صريح في أن المراد به وأسأل أهل القرية . ومثله أيضا : قول القائل : والله لا آكل من هذه الشجرة ، فإنه مجاز مشتهر لهجر الحقيقة ؛لأن أكل عين الشجرة متعذر عادة فينصرف يمينه إلى المجاز ،وهو أكل ثمرها ( الوجيز في أصول الفقه د. عبد الكريم زيدان ) .
من يقول : ( من نفى المجاز يعني أن اللفظ يستمد معناه من السياق ) قوله لا يصح فمن يثبت المجاز ومن ينفيه لابد أن يفهم المراد من اللفظ من السياق فإذا تبادر للذهن معني بلا قرينة فهو حقيقة ،و إذا تبادر للذهن معنى بقرينة فهو مجاز .
من يقول : ( اللفظ يكون علي الحقيقة في كل أحواله ) قوله تطفح كتب اللغة والفقه والعقيدة بتخطأته فاللفظ تارة يكون حقيقة وتارة يكون مجاز ، والحقيقة ثلاثة أنواع : 1 - حقيقة لغوية : وهي التي يعرف حدها باللغة ، كلفظ : الشمس والقمر ، والسماء والأرض ، ونحو ذلك .
2 - حقيقة شرعية : وهي التي يعرف حدها بالشرع ، كلفظ : الإيمان والإسلام ، والكفر والنفاق ، والصلاة والزكاة والصوم والحج .
3 - حقيقة عرفية : وهي التي يعرف حدها بعرف الناس وعاداتهم ، كلفظ : البيع ، والنكاح ، والدرهم والدينار ، ونحو ذلك .( خلاصة الأصول للشيخ الفوزان ) . أمثلة : مثال 1: قول النبي : « سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر » (متفق عليه) الظاهر من كلمة الكفر الكفر الأكبر لكن ليس الكفر الأكبر المراد،ومعنى قتاله كفر أى قتال المسلم من أفعال الكفار،والمؤمنو ن لهم عدة صفات من أتى بصفة منها يقال أنه أتى بصفة من صفات المؤمنين،وكذلك الكفار لهم عدة صفات من أتى بصفة منها يقال أنه أتى بصفة من صفات الكافرين ، وصرفنا الكفر عن ظاهره لقوله تعالى : ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ (سورة الحجرات : 9 – 10 ) ، فسماهم الله عز وجل مؤمنين مع الاقتتال . ولقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ (سورة النساء : 48 ) ، فدلت الآية الكريمة على أن كل ذنب دون الشرك تحت المشيئة أي إن شاء الله عذبه بقدر ذنبه وإن شاء عفا عنه من أول وهلة ، إلا الشرك به فإن الله لا يغفره كما هو صريح في الآية وقوله تعالى : ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ (سورة المائدة : 72 ) . مثال 2 : قوله : « بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة » رواه مسلم فظاهر الشرك الشرك الأكبر لكن ليس هو المراد في الحديث لقوله : « ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له وأسهم الإسلام ثلاثة الصلاة والصوم والزكاة ولا يتولى الله عبدا في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ،ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم ،والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة » ( رواه أحمد بإسناد جيد ،صحيح الترغيب والترهيب رقم374 وفى صحيح الجامع رقم3021 ) فمادام من فعل شيئاً من الثلاث له نصيب فى الإسلام إذا تارك أى شئ من الثلاث( الصلاة والصوم والزكاة ) ليس بكافر، فالكافر لا نصيب له فى الإسلام ؛ لأن الكفر سبباً فى حبوط العمل ،وقد قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الزمر : 65 ) ولقوله : « خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة» (سنن أبى داود صححه الألبانى رحمه الله رقم 1420 ) وفى رواية قال : « خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه » (سنن أبى داود صححه الألبانى رحمه الله رقم 425 ) فقد رد النبي أمرمن لم يأت بهن إلى مشيئة الله ،فدل ذلك على أن ترك الصلاة دون الشرك والكفر لقوله تعالى: ﴿إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ (النساء : 48 ) فإن قيل المقصود بمن لم يأت بهن أى لم يأت بهن على وضوئهن ومواقيتهن وركوعهن وسجودهن جمعاً بين الأحاديث ،ويؤيد ذلك الرواية التى فيها (فمن وافى بهن على وضوئهن ومواقيتهن وركوعهن وسجودهن كان له عندي بهن عهد أن ادخله بهن الجنة ومن لقيني قد انتقص من ذلك شيئا ً)، ويرد عليهم بأن ما ذكر من شروط وأركان الصلاة التى بدونها لا تصح الصلاة ،فالمراد قطعاً الإتيان بالصلاة التى يدخل فيها الركوع والسجود والخشوع ،والتى لها شروط منها الوضوء ودخول الوقت، فالنفى منصب على الإتيان أى فعل الصلاة نفسه فلو ركع الرجل دون أن يسجد فصلاته باطلة لاتصح ،وإذا صلى بغير وضوء فصلاته باطلة لا تصح ،فالرجل هذا لم يأت بالصلاة أصلاً فكيف يصح أن يقال أنه أتى بالصلاة بلا وضوء أو بلا ركوع ؟!!! ،وإن قيل دل الفعل انتقص فى بعض الروايات على أن الذى يدخل تحت المشيئة هو الذى أتى بالصلوات ،ولكنها ناقصة أى أنه ليس تاركاً للصلاة مطلقاً ؛ لأن الانتقاص يشعر بأن الشئ موجود ولكنه مبالغ فى نقصانه ، ويرد عليهم بأن مادام ترك الكثير من الصلوات كفر فترك القليل منها كفر أيضاً ؛لأن العبرة في الكفر بالفعل لا بعدد الفعل فمادام الفعل كفر فقليله وكثيره سواء كلاهما كفر فسب نبي مثلا كسب كل الأنبياء ، وإنكار حرف من كتاب الله كإنكار القرآن كله ، وتكذيب شيء أخبر الله به كتكذيب كل ما أخبر الله به .
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
جزاكم الله خيرا على هذه المشاركة الطيبة
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
موضوع جدير بالقراءة المتأنية لأهميته لغة وفكرا وييانا ؛
فشكر الله لك وأثابك .
تحيتي وتقديري
رد: فصل مفهوم الحقيقة والمجاز :
وفقك الله أخي الكريم .
وهذا رد لطيف من خرّيج أزهري بطريقة معتدلة :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيع أحمد السلفي
فصل مفهوم الحقيقة والمجاز : اللفظ في اللغة العربية قد يستعمل فيما وضع له في اللغة فلا يحتاج لدليل لكي يفهم معناه ، وهذا يسميه غالب علماء اللغة حقيقة ،
قال الأزهري :
بل ليس في الكلام الفصيح شيء مستعمل في غير موضعه ،
وليس في الكلام البليغ شيء مستعمل في غير مقتضى الحال .
وهذا واضح .
اقتباس:
وقد يستعمل اللفظ في غير ما وضع له في اللغة لعلاقة بين اللفظ والمعنى المراد ، فيحتاج قال الأزهري :
هذا اللفظ لدليل يدل على معناه وهذا يسميه غالب علماء اللغة مجاز
وهل ثَمّ وضعٌ لمعاني الألفاظ اللغوية قبل استعمالها ؟ من أخبرك بهذا ؟؟
اقتباس:
لذلك فالحقيقة هي ما سبق إلى الفهم من معنى اللفظ دون الحاجة لدليل ( قرينة ) ،والمجاز هو ما لا يسبق إلى الفهم من معنى اللفظ إلا بوجود دليل
قال الأزهري :
وهل في الكلام الفصيح ما يتجرد عن القرائن حتى يلزم هذا التقسيم ؟؟
اقتباس:
فقولك رأيت الرجل يتكلم حقيقة فمن الطبيعي أن يتكلم الإنسان ، و الرجل إنسان أما قولك رأيت القمر يتكلم فيستحيل أن يكون هذا الكلام على الحقيقة ؛ لأن الكلام من صفات البشر والقمر ليس بشراً إذاً هذا مجاز شبه الإنسان بالقمر لوجود علاقة بينه وبين القمر وهي الجمال ، وقولك على شخص أنه شجاع فهذا حقيقة أما قولك على شخص أنه أسد فهذا مجاز لاستحالة أن يكون الشخص أسداً فالأسد حيوان أما هذا الشخص فإنسان أي أنك شبهت هذا الشخص بالأسد لوجود علاقة بينه وبين الأسد ، وهي الشجاعة .
قال الأزهري :
إن هذا لخروج عن التعريف السابق ، فلم يعد للوضع في كلامك هذا أهمية ،
بل أصبح المعيار هو ( التبادر إلى الفهم ) !
نقول : ليس يستحيلا أن يكون الإنسان قمرا بمعنى جميلا ،
كما لا يستحيل أن يكون أسدا أو حمارا بمعنى شجاعا أو بليدا !
فأين الخروج هنا من أصل الوضع ؟! وأين الخروج هنا من السبق إلى الفهم ؟
عندما يقول القائل : " إن هذا الرجل لأسد من أسود الله "
أيهما أسبق إلى فهمك : كونه حيوانا مفترسا يمشى على أربع ؟ أم كونه شجاعا مناضلا ؟!
عندما يقول القائل : " أنت يا أخي بدر منير ! "
أيهما أسبق إلى فهمك : كونه قمرا مستديرا في السماء ؟ أم كونه جميلا بهيا ؟!
رد: فصل من أدلة ثبوت المجاز :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيع أحمد السلفي
فصل أدلة ثبوت المجاز : إن أدلة ثبوت المجاز كثيرة ومنها العمل عمل العرب بمقتضى المجاز فالعرب كانوا يفهمون المعنى الموضوع للفظ في اللغة عند إطلاقه ، ويفهمون المعنى غير الموضوع للفظ في اللغة عند تقييده
قال الأزهري :
هذا دعوى بلا برهان . ويكفي في رده المنع والإنكار .
اقتباس:
فالعرب استعملت بعض الألفاظ في معنيين عند الإطلاق يفهم المعنى الموضوع لهذه الألفاظ في الأصل ، وعند التقييد يفهم المعنى المنقول إلى هذه الألفاظ فكلمة أسد عند الإطلاق يراد بها السبع ، وعند نسبتها لإنسان ( تقييد ) يراد بها الشجاعة ،
قال الأزهري :
- وما علاقة الإطلاق بالوضع ... ؟!
- وإذا قال العربي مثلا : " أسد " من غير ما سياق ولا قيد ولا حال ، إلى أي شيء ينصرف ؟
- وإذا قال العربي مثلا : " قطار " من غير ما سياق ولا حال ولا قيد ، إلى أي شيء ينصرف ؟
- وإذا قال العربي مثلا : " يرغب " من غير سياق ولا قيود / فإلى أي شيء ينصرف ؟؟
اقتباس:
و العرب عند إطلاق كلمة الحمار عند الإطلاق يراد بها البهيمة ،وعند نسبتها لإنسان ( تقييد ) يراد بها الغباء والحماقة ،والعرب عند إطلاق كلمة القمر تريد هذا الجرم السماوي ، وعندما تنسبه إلى إنسان تريد الجمال والحسن والعرب عند إطلاق الكلب تريد هذا الحيوان المعروف ، وعندما تنسبه لإنسان تريد الوقاحة والحقارة ،والعرب عند إطلاق كلمة النخلة تريد هذه النخلة المعروفة ، وعندما تنسبها لإنسان تريد الطول ،ولو كان المعنيان قد وضعا في الأصل معاً للفظ لما سبق إلى الفهم أحد المعنيين دون الحاجة لدليل (القرينة )
قال الأزهري :
نفس وضع هذه الألفاظ في الاستعمال غير منسويا إلى الإنسان دليلٌ ، فتنبه !
اقتباس:
ومن أدلة وجود المجاز ذكر بعض علماء القرون الثلاثة الأول المجاز كأبي عبيدة معمر بن المثني 114 هـ - 210 هـ عالم لغة له كتاب مجاز القرآن[1] وله كتاب المجاز[2] ، ومن العلماء الذين ذكروا المجاز الخليل الفراهيدي 100هـ -174 هـ قال في كتابه الجمل في النحو : ( وكذلك يلزمون الشيء الفعل ولا فعل وإنما هذا على المجاز كقول الله جل وعز في البقرة ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ﴾[3] والتجارة لا تربح فلما كان الربح فيها نسب الفعل إليها ومثله : ﴿جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ ﴾[4] ولا إرادة للجدار )[5] ، ولأبي العباس أحمد بن يحيى المشهور بثعلب النحوي المتوفى سنة 291هـ كتاب قواعد الشعر أكثر من ذكر الاستعارة فيه والاستعارة ضرب من المجاز ،وقال ابن السراج النحوي المتوفى 316 هـ في كتابه الأصول في النحو : ( وجائز أن تقول لا قام زيد ولا قعد عمرو تريد الدعاء عليه وهذا مجاز )[6] ، وقال أبو العباس المبرد في كتابه المقتضب : ( وقد يجوز أن تقول أعطي زيدا درهم وكسي زيدا ثوب لما كان الدرهم والثوب مفعولين كزيد جاز أن تقيمهما مقام الفاعل وتنصب زيداً ؛ لأنه مفعول فهذا مجاز )[7]
قال الأزهري :
ليس في كل هذه النقول تعريف المجاز بأنه خروج عن أصل الوضع في اللغة ،
بل قول ثعلب : " وجائز أن تقول . . . وتريد " أدل على أن مصطلح المجاز عنده من الجواز لا التجوز عن الحقيقة .
اقتباس:
ومن الفقهاء الذين ذكروا المجاز في كتبهم محمد بن الحسن الشيباني 132 هـ - 189 هـ حيث قال في كتابه الجامع الصغير: ( فالحاصل أن أبا يوسف أبى الجمع بين النذر واليمين ؛ لأن هذا الكلام للنذر حقيقة ولليمين مجاز والحقيقة مع المجاز لا يجتمعان تحت كلمة واحدة فإن نواهما فالحقيقة أولى بالاعتبار ؛ لأن الحقيقة معتبر في موضعه والمجاز معتبر في موضعه )[8]
قال الأزهري :
هذا جديد علي . . فنظرة إلى ميسرة .
اقتباس:
ومن علماء الحديث الذين ذكروا المجاز في كتبهم ابن قتيبة حيث قال ابن قتيبة : ( والنبات لا يجوز أن يكون شراباً ، وإن كان صاحبه يستغني مع أكله عن شرب الماء إلا على وجه من المجاز ضعيف ، وهو أن يكون صاحبه لا يشرب الماء فيقال إن ذلك شرابه ؛ لأنه يقوم مقام شرابه فيجوز أن يكون قال هذا إن كانت الجن لا تشرب شراباً أصلاً )[9]
قال الأزهري :
تمام الكلام : " ولم أزل لهذا التفسير منكرا لأنه سأله عن شرابهم فأجابه بذكر النبات والنبات لا يجوز أن يكون شرابا " .
اقتباس:
ومن هنا ندرك أن المجاز ثابت في كتب الفقه واللغة والحديث في القرون الثلاثة الأول فهذا دليل على وجود المجاز .
قال الأزهري :
ليس المطلوب وجود لفظ (المجاز) في كتب القوم ، بل وجود التقسيم المزعوم على ما عّرفته سابقا .
رد: فصل حجج من نفوا المجاز والرد عليها :
في مشاركة التالية أشياء كثيرة منتقدة ، لكن التركيز يكون لبعض المهمات :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيع أحمد السلفي
فصل حجج من نفوا المجاز والرد عليها : رغم أن أدلة وجود المجاز واضحة إلا أن بعض العلماء الأفاضل خالف ونفى المجاز ومنهم ابن تيمية وابن القيم من القدامى وابن عثيمين والشنقيطي من المحدثين ، وأدلتهم عدم قول سلف الأمة كالخليل ومالك والشافعي وغيرهم من اللغويين والأصوليين وسائر الأئمة بالمجاز فهو إذن قول حادث ، والجواب على ذلك أنه لو سلمنا جدلاً تنزلاً معهم بعدم قول أحد من السلف بالمجاز فليس معنى هذا عدم وجود المجاز فلا ينتسب لساكت قول ، وهناك فرق بين وجود العلم وتدوين العلم فالعلم موجود في ذهن العلماء ، ولكن لم يقم أحد بتدوينه بعد وكان المجاز مستقراً في نفوس العرب فالعربي مثلاً لم يقسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف ، ولكن استخدم الاسم والحرف والفعل فالتدوين يكشف عن وجود الشيء ( العلم )، وليس منشئا له فوجود العلم يعرف بالعمل بمقتضى العلم ويعرف بتدوينه ، والعرب كانوا يفهمون معنى للفظ عند الإطلاق ويفهمون معنى أخر للفظ عند التقييد فالأول سميناه حقيقة والثاني مجاز ولا مشاحة في الاصطلاح ثم قد ذكر بعض علماء اللغة والفقه والحديث المجاز في كتبهم ، وعليه يسقط هذا الدليل ،
قال الأزهري :
ليس القضيتان متساوية .
فتقسيم الألفاظ إلى (اسم) و (فعل) و (حرف ليس باسم ولا فعل) راجع إلى نفس اللفظ ،
وأما التقسيم المزعوم للألفاظ إلى الحقيقة والمجاز فهو راجع إلى (الاستعمال بعد الوضع) .
وقد قلت إن الساكت لا ينسب له قول ، فكيف تنسب له التاريخ المصطنع ؟
اقتباس:
و أنكر نفاة المجاز أن يكون للغة وضع أول تفرع عنه المجاز باستعمال اللفظ في غير ما وضع له ،والقول بأن أصل اللغة إلهام من الله ثم كان النطق بألفاظ مستعملة فيما أريد منها نقول هذا الكلام غير مسلم ؛فالخلاف في أصل اللغات وواضع اللغة هل اللغة كانت بإلهام من الله أم بالتقليد أم بالتوقيف ؟ فالخلاف في واضع اللغة يثبت أن للغة وضعا فالوضع ملازم لكل مذهب من هذه المذاهب ، والمراد بالوضع النطق أول مرة باللفظة دالا على معناه سواء كان مصدره الإلهام أو التقليد أو التوقيف والخروج عن الدلالة الأولى للألفاظ مستساغ ومعقول، فبعد استقرار استعمال الكلمة في معناها الذي كانت هي من أجله يقع فيها التصرف باستعمالها في دلالة أخرى هي الدلالةالمجازية ،وتلازم الوضع للاستعمال مثل تلازم الحياة للحي، ويستحيل استعمال لفظ بمعزل عن اللفظ نفسه، كمايستحيل وضع لفظ بمعزل عن الاستعمال ؛ لأن الواضع يضع اللفظ ويعينه للدلالة على معنى،وتصور وضع لفظ دون أن تكون حقيقة معناه ومسماه ماثلة في ذهن الواضع مستحيل فمن يرى أن أصل اللغة إلهام من الله ، واستعمال لا وضع متقدم على الاستعمال . فحين ألهم الله الإنسان أن يستعمل كلمة ( بحر) لصحة هذا الاستعمال فلابد من أحد أمرين
إمارؤية مجتمع الماء عيانا حين الاستعمال أو تخيل تلك الصورة إذا لم تكن حاضرة مرئية. وفي كلتا الحالتين فكلمة بحر اخترعت مقرونة بالاستعمال إما حسا وإمامعنى. ومستحيل أن تخترع كلمة (بحر) أو توضع وليس في ذهن الواضع أو المخترع تصور لمسماها فلو سلمنا أن الاستعمال سابق على الوضع فالكلمة في أول استعمال لها حقيقة، وحين تستعمل استعمالا ثانيا بينه وبين الاستعمالا لأول صلة معتبرة ، ووجد في السياق دليل يرجح أو يوجب الأخذ بمعنى الاستعمال الثاني دون الأول كان المجاز لا محالة ،
قال الأزهري :
يا سلام . . . هذا الكلام أشبه بنقض نظرية ( الحقيقة والمجاز ) منه بإثباته !
مهما قلت إن المراد بالوضع هو الاستعمال الأول ، فأين لك أن الاستعمال الأول للفظ "العين" مثلا يراد به هذا المعنى دون هذا ؟! وأين لك أن "البطن" مستعمل في الاستعمال الأول مضافا إلى الإنسان لا إلى غيره ؟!
وأين لك أنه في الاستعمال الأول مطلقا عن القيود والقرائن - اللفظية منها والسياقية - ؟؟!
اقتباس:
وأنكر نفاة المجاز التجريد والإطلاق في اللغة فلا يجوزون القول بأن الحقيقة ما دلت على معناها عند الإطلاق والخلو من القرائن ، والمجاز ما دل على معناه بمعونة القيود والقرائن أي كل الألفاظ في اللغة لم ترد إلا مقيدة بقيود وقرائن توضح المعنى المراد منها فالقول بورود الألفاظ مجردة أو أنها بدون أية قرائن أو قيود تفيد معنى وبالتالي يكون المجرد منها حقيقة والمقيد بالقرائن مجاز قول خطأ ، ومعنى هذا الكلام إنكار أن يكون هناك معنى يسبق إلى الفهم عند إطلاق اللفظ ، وتجرده عن قرائن ، وهذا الكلام يخالف ظاهر القرآن حيث قال تعالى : ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾[10] وأسماء الذوات الألفاظالدالة على الأشياء مثل: أرض-سماء-بحر- فرس- إنسان.. إلخ حيننطق الإنسان الأول بها فمن المؤكد أنه نطق بها مجردة قاصدا بها الدلالة على الصورة المتكاملة – سمعية بصرية حسية- كما هي مختزنة في خياله فآدم عليه السلام أطلق الاسماء كالشجرة والبحر ..وأراد هذه الذوات نفسها أي أطلق الشجرة وأراد الشجرة وأطلق البحر وأراد البحر فثبت أن هناك ألفاظاً مجردة عن القرائن يقصد بها الوضع الأول أو الاستعمال الأول للكلمة فالألفاظ عند تجردها عن القرائن يسبق إلى الفهم ويتبادر إلى الذهن معنى هذا المعنى هو الذي وضع اللفظ له في الأصل فعند إطلاق كلمة عين يتبادر للذهن العضو الباصر ، وعند إطلاق كلمة الأنف يقصد بها العضو الشام
قال الأزهري :
هذا فهم غير صحيح لمراد الأئمة ، ولا جرم أن يصدر منه إلزامات ليس في محلها .
عندما يقول الإنسان : "رأس" ما الذي يتبادر إلى ذهنه وذهن السامع ؟
رأس الإنسان ؟ أم رأس الحيوان ؟ أم رأس الجنى ؟ أم رأس الأمر ؟ أم رأس السنة ؟ أم ماذا ؟!
رأس ذلك الإنسان المتكلم ؟ أم رأس ذلك الإنسان السامع ؟ أم رأس من ؟!
أليس للسياق والقرائن والشهرة والحال وظيفة لتحديد اللدلالة ؟
فأين دعوى التجرد إذن ... ؟!
وأين دعوى استلزام ( التجرد المزعوم ) لذلك ( الوضع المزعوم ) ؟!
اقتباس:
فإن قيل لماذا لانقول إن تعدد المعاني من باب الاشتراك اللفظي ، وليس من باب المجاز ؟ نقول هذا لا يصح ؛ لأن اللفظ يحمل على المعنى المجازي عند وجود القرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي ، وعند عدم وجود هذه القرينة فاللفظ يحمل على المعنى الحقيقي المتبادر للفهم بخلاف الاشتراك فإنه بدون القرينة يجب التوقف
قال الأزهري :
ولماذا لا يكون ذلك التعدد بـ"التواطؤ" و "التردد" ؟؟!
اقتباس:
والذين نفوا المجاز أبطلوا استدلال الجمهور ببعض الآيات كقوله تعالى ﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ ﴾[11] فقالوا بأن هذا على الحقيقة ونقول لهم نسبة الإرادة إلى الجدار في الآية مجازية ؛ لأن الله يقول ( فوجدا فيها جدارا ) أي أن جملة يريد أن ينقض صفة للجدار أي هذه هي الصفة التى رأى موسى عليه السلام والخضر الجدار عليها ، والإرادة لا ترى فيستحيل قطعاً أن يكون المراد بإرادة الجدار الانقضاض الإرادة الحقيقية ، وإنما المراد اقتراب الجدار من السقوط ، وعليه فهذه الآية دليل على وجود المجاز .
قال الأزهري :
ليس على هذا اعتماد القوم ، بل هو استرسال في الحجاج قال به الشيخ الشنقيطي رحمه الله .
بل المعتمد أن قوله تعالى ( جدارا يريد أن ينقض ) من مشهور اللغة والأسلوب كما بينه شيخ الإسلام .
اقتباس:
وقال الذين نفوا المجاز يلزم من وجود المجاز الاختلال في التفاهم إذ قد تخفى القرينة ، نقول هذا على اعتباركم أنه لابد للفظ من قرينة تدل على معناه أما القائلون بالمجاز فيقولون ما يحتاج لقرينة هو المجاز فقط أما الحقيقة فتدل على معناها بلا قرينة هذه هي أهم حجج القوم رددنا عليها .
قال الأزهري :
إذا كان هذا كل ما في جعبتك ، فما أضعف هذا الرد وما أجرمه .
ففي كتاب ( الإيمان ) و ( مختصر الصواعق ) كل ما نحتاجه لنسف هذا الاعتراض ، فأين الجديد ؟!
اللهم سلم !
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
ينبغي أولا تحديد محل الخلاف بين الفريقين حتى يكون النقاش مثمرا؛ لأنه يبدو من بحث الأخ صاحب المقال أنه لم ينتبه لموطن النزاع بين الفريقين، فأرجو منه، وكذلك ممن يناقشه أن يحددوا أولا محل النزاع؛ إذ إن كثيرا من الناس يظن أن الخلاف بين الفريقين في كلمة (مجاز) نفسها، أو في استعمال اللفظ في معنى بعيد لقرينة، وهذا كله لا نزاع فيه.
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
وكذلك في بعض ردود الأخ نضال ما لا يحتاج إليه؛ إذ القرينة المقصودة عندهم هي القرينة اللفظية لا الحالية ولا العقلية.
فإن أردت ما يعم ذلك فكلامك صحيح، وإن أردت الأولى فلا نزاع أن الكلام قد يخلو من هذه القرينة اللفظية.
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي
وكذلك في بعض ردود الأخ نضال ما لا يحتاج إليه؛ إذ القرينة المقصودة عندهم هي القرينة اللفظية لا الحالية ولا العقلية.
فإن أردت ما يعم ذلك فكلامك صحيح، وإن أردت الأولى فلا نزاع أن الكلام قد يخلو من هذه القرينة اللفظية.
جزاكم الله خيرا شيخنا الحبيب . . . أعلم أن مثلي لا يتكلم بين يديك . لكن جريا على ما هو الطبيعي في المنتديات ، أضطر إلى أن أطلب منكم ذكر جميع المؤاخذات الموجودة في ردودي السابقة ، حتى يتسنى لي مراجعتها علميا .
وبخصوص قضية (القرينة) ، فحتى الآن لم يظهر لي استحالة أن يتجرد ما سموه بـ"الحقائق" من القرائن اللفظية . فهل من المستحيل أن يقول قائل خارج من المسجد : " رأيت أسدا ! " (هكذا مطلقا عن القيود اللفظية ) وأراد بذلك : الخطيب المتحمس الشجاع ؟؟
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
وفقك الله يا شيخنا الفاضل، هذا من تواضعكم بارك الله فيكم.
أخي الكريم، إذ قال القائل: ( رأيت أسدًا )، فعندنا احتمالات:
- إما أن نقول: لا يمكن أن نفهم كلامه أصلا؛ لأنه لا يوجد في الكلام قرائن تدل على المراد.
- وإما أن نقول: كلامه يحمل على الأسد الحقيقي لأن هذا هو الأصل، ولا يحمل على الرجل الشجاع لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه.
- وإما أن نقول: كلامه يحمل على الرجل الشجاع.
أما الاحتمال الثالث فهو بعيد، وأما الاحتمال الأول فيلزم منه إسقاط التكاليف، فلم يبق إلا الاحتمال الثاني.
وأما قولك ( هل من المستحيل .... إلخ)
فنقول: هذا ليس بمستحيل، ولكن هل كل ما ليس بمستحيل يلزم القول به؟
وهل يلزم القول بكل الاحتمالات إذا كان بعضها أقوى من بعض؟
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك العوضي
وفقك الله يا شيخنا الفاضل، هذا من تواضعكم بارك الله فيكم.
وفيكم بارك الله شيخنا الحبيب . . الذي قلته مجرد محاولة لوضع نفسيى موضعها اللائق بها لا أكثر .
وطالما أن قد وجهتم لي الأسئلة ، فعليّ الجواب قدر الإمكان - مباحثة إن شاء الله لا تعالما - :
اقتباس:
أخي الكريم، إذ قال القائل: ( رأيت أسدًا )، فعندنا احتمالات:
- إما أن نقول: لا يمكن أن نفهم كلامه أصلا؛ لأنه لا يوجد في الكلام قرائن تدل على المراد.
- وإما أن نقول: كلامه يحمل على الأسد الحقيقي لأن هذا هو الأصل، ولا يحمل على الرجل الشجاع لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه.
- وإما أن نقول: كلامه يحمل على الرجل الشجاع.
أما الاحتمال الثالث فهو بعيد، وأما الاحتمال الأول فيلزم منه إسقاط التكاليف، فلم يبق إلا الاحتمال الثاني.
هناك احتمال رابع ، وهو : أن نفهم كلامه ذاك بالاستناد إلى القرائن الحالية والعقلية والعادية . فإن كان الحال والعقل والعادة يقتضي أن ذلك المرئي ليس حيوانا مفترسا ، فنفهم من كلامه أنه أراد رجلا شجاعا .وإن كان الحال والعقل والعادة يقتضي أن المرئي ليس رجلا ، فنحمله على إرادة الحيوان المعروف . لأنه عندئذ أقوى من الأول ، كما أن الأول أقوى في الحالة الأولى من هذا الثاني ( مع اتحادهما في التجرد عن القرائن اللفظية ) .
فالفهم أبدا لا ينفك عن القرائن . . إما اللفظية مع الحالية ، وإما الحالية مع العرفية .
اقتباس:
وأما قولك ( هل من المستحيل .... إلخ)
فنقول: هذا ليس بمستحيل، ولكن هل كل ما ليس بمستحيل يلزم القول به؟
وهل يلزم القول بكل الاحتمالات إذا كان بعضها أقوى من بعض؟
كل ما ليس بمستحيل ، فليس لنا إلا أن نقول : إنه ليس مستحيلا . أي : ممكن الوقوع .
بالإضافة إلى أن هذا الكلام لا ينطبق على ما مثلته في المشاركة السابقة .
فإن في مثالي أن العادة والحال يرجح أن يكون المراد " خطيبا شجاعا " لا " حيوانا مفترسا " .
فالرجل المتكلم خارج من المسجد ، وليس فيه في العادة ذلك الحيوان المفترس ، وحال المتكلم يدل على أنه تعجب من الشجاعة لا من الافتراس . فالقرائن غير اللفظية - في تلك الحالة - لا تقوي إلا إرادة الرجل الشجاع . فالقول والفهم إذن : دائم الدوران مع أقوى الاحتمالين ، من غير تحديد بمعيار الحاجة إلى القيود اللفظية أو عدمها . هذا ما أراه صوابا ، والله أعلم .
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
وفقك الله يا شيخنا الفاضل
أنا قدمتُ لك أنك إن كنت تقصد بالقرائن ما يعم القرائن الحالية والعقلية والعادية، فكلامك صحيح.
لكن الذين فرقوا بين الحقيقة والمجاز بأن الأول ما خلا عن القرينة والثاني ما لم يخل منها، عنوا القرينة اللفظية.
رد: بحث لطلبة الأزهر والشريعة في إثبات وجود المجاز في القران والسنة بفكر معتدل
فهمت هذا من قبل يا سيدي . . . كلامي متجه إلى ما تجرد عن القرائن اللفظية من كلا الإرادتين ( كما هو الواضح في المثال ) .
يعنى :
- قال رجل : رأيت أسدا ! ( وهو خارج من حديقة الحيوان )
- وقال آخر : رأيت أسدا ! ( وهو خارج من المسجد بعد الصلاة )
كلاهما يتجرد عن القيود اللفظية .