رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/09/26.jpg
المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الثانى
سورة المنافقون
من صــ 1009 الى صـ 1023
(الحلقة 140)
سورة الجمعة
184 - قال الله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن جابر بن عبد اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: أقبلت عِيرٌ يوم الجمعة، ونحن مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فثار الناس إلا اثني عشر رجلاً فأنزل اللَّه: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث سببًا لها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهواً أسرعوا إلى التجارة وتركوك يا محمد قائماً على المنبر وذلك أن التجارة التي رأوها فانفضّ القوم إليها، وتركوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائماً كانت زيتاً قدم به دحية بن خليفة من الشام) اهـ. بتصرف.
قال ابن كثير: (يعاتب تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذٍ فقال تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) أي على المنبر تخطب هكذا ذكره غير واحد من التابعين منهم أبو العالية والحسن وزيد بن أسلم وقتادة، وزعم مقاتل بن حيان أن التجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن يسلم، وكان معها طبل فانصرفوا إليها وتركوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قائماً على المنبر إلا القليل منهم وقد صح بذلك الخبر). اهـ.
وقال السعدي: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) أي: خرجوا من المسجد حرصاً على ذلك اللهو وتلك التجارة، وتركوا الخير وتركوك قائماً تخطب الناس وذلك في يوم الجمعة، بينما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب الناس إذ قدم المدينة عير تحمل تجارة، فلما سمع الناس بها وهم في المسجد انفضوا من المسجد وتركوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب استعجالاً لما لا ينبغي أن يستعجل له وترك أدب) اهـ.
وقال ابن حجر: (قوله: (فنزلت هذه الآية): ظاهر فى أنها نزلت بسب قدوم العير المذكورة) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه. والله أعلم.
* * * * *
سورة المنافقون
185 - قال اللَّه تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت مع عمي، فسمعت عبد الله بن أُبي ابن سلول يقول: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وقال أيضاً: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فذكرت ذلك لعمي، فذكر عمي لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسل رسولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عبد الله بن أُبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكذبني، فأصابني همٌّ لم يصبني مثلُه، فجلست في بيتي، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ) - إلى قوله - (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ) - إلى قوله - (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)
فأرسل إليَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأها عليَّ، ثم قال: (إن الله قد صدقك).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وإنما عُني بهذه الآيات كلها فيما ذُكر عبد الله بن أبي ابن سلول وذلك أنه قال لأصحابه: (لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا)، وقال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) فسمع بذلك زيد بن أرقم فأخبر به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فدعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عما أُخبر به عنه فحلف أنه ما قاله) اهـ.
قال ابن كثير: (وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبد الله بن أبي ابن سلول) اهـ.
وقال السعدي: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) وذلك في غزوة المريسيع، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار بعض كلام كدَّر الخواطر ظهر حينئذٍ نفاق المنافقين، وتبين ما في قلوبهم، وقال كبيرهم عبد الله بن أبي ابن سلول: ما مثلنا ومثل هؤلاء يعني المهاجرين - إلا كما قال القائل: (سمِّن كلبك يأكلك). وقال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ طلَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) بزعمه أنه هو وإخوانه المنافقين الأعزون، وأن رسول اللَّه ومن اتبعه هم الأذلون، والأمر بعكس ما قال هذا المنافق) اهـ.
وقد اتفق المفسرون على أن قضية زيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع رأس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول هي سبب نزول الآيات الكريمة والله أعلم.
* النتيجة:
أن هذا الحديث الذي معنا هو سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، واتفاق المفسرين عليه واحتجاجهم به واللَّه أعلم.
* * * * *
سورة التغابن
186 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وسأله رجل عن هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأوا الناس قد فقهوا في الدين هَمُّوا أن يعاقبوهم فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا اللَّه ورسوله: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعة اللَّه فاحذروهم أن تقبلوا منهم ما يأمرونكم به من ترك طاعة الله.
وذُكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة فثبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم) اهـ.
وقال ابن العربي: (ثبت عن ابن عبَّاسٍ من طريق الترمذي وغيره أنه سأله رجل عن هذه الآية ثم ذكر الحديث حتى قال:
هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدواً لذاته، وإنما كان عدواً لفعله فإذا فعل الزوج والولد فِعلَ العدو كان عدواً، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة). اهـ.
وقال ابن كثير: (يقول تعالى مخبراً عن الأزواج والأولاد أن منهم من هو عدو الزوج والولد بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، ولهذا قال تعالى هاهنا: (فَاحْذَرُوهُمْ) اهـ.
وقال السعدي: (هذا تحذير من اللَّه للمؤمنين عن الاغترار بالأزواج والأولاد فإن بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، فوظيفتك الحذر ممن هذه صفته والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد.
فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد التي فيها محذور شرير، ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية، والمحاب الغالية وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية، ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد فيما هو ضرر على العبد والتحذير من ذلك قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم أمر تعالى بالحذر منهم، والصفح عنهم والعفو فإن في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره) اهـ والظاهر - والله أعلم - أن الحديث الذي معنا وإن كان إسناده ضعيفاً إلا أن شهرته الواسعة بين المفسرين تدل على أن له أصلاً، وهذا ليس بغريب إذا علمنا أن عدداً من الأحاديث سارت مسير الليل والنهار على ضعف في أسانيدها ومع هذا حازت من الناس القبول والعمل.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا يوافق لفظ الآية، مع ما جاء فيه من التصريح بالنزول واتفاق المفسرين على معناه، فلعل الحديث لهذه الأسباب يكون سبب نزولها والله أعلم.
* * * * *
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/09/27.jpg
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد