رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الرابع والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ما نقصت صدقة من مال،
وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً.
وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"
رواه مسلم.
هذا الحديث احتوى على فضل الصدقة،
والعفو والتواضع،
وبيان ثمراتها العاجلة والآجلة،
وأن كل ما يتوهمه المتوهم من نقص الصدقة للمال،
ومنافاة العفو للعز،
والتواضع للرفعة.
وهم غالط،
وظن كاذب.
فالصدقة لا تنقص المال؛
لأنه لو فرض أنه نقص من جهة،
فقد زاد من جهات أُخر؛
فإن الصدقة تبارك المال،
وتدفع عنه الآفات وتنميه،
وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق
وأسباب الزيادة أموراً
ما تفتح على غيره.
فهل يقابل ذلك النقص
بعض هذه الثمرات الجليلة؟
فالصدقة لله التي في محلها
لا تنفد المال قطعاً،
ولا تنقصه
بنص النبي صلى الله عليه وسلم ،
وبالمشاهدات والتجربات المعلومة.
هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله:
من الثواب الجزيل،
والخير والرفعة.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخامس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"كل عمل ابن آدم يضاعف:
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
قال الله تعالى:
إلا الصوم. فإنه لي، وأنا أجزي به؛
يدع شهوته وطعامه من أجلي.
للصائم فرحتان:
فرحة عند فطره،
وفرحة عند لقاء ربه.
ولَخَلُوف فم الصائم
أطيب عند الله من ريح المسك.
والصوم جُنَّة.
وإذا كان يوم صوم أحدكم
فلا يرفث ولا يصخب،
فإن سابَّه أحد أو قاتله،
فليقل:
إني امرؤ صائم"
متفق عليه.
ما أعظم هذا الحديث؛
فإنه ذكر الأعمال عموماً،
ثم الصيام خصوصاً
وذكر فضله وخواصه،
وثوابه العاجل والآجل،
وبيان حكمته،
والمقصود منه،
وما ينبغي فيه من الآداب الفاضلة.
كلها احتوى عليها هذا الحديث.
فبين هذا الأصل الجامع،
وأن جميع الأعمال الصالحة
– من أقوال وأفعال، ظاهرة أو باطنة،
سواء تعلقت بحق الله، أو بحقوق العباد –
مضاعفة من عشر إلى سبعمائة ضعف،
إلى أضعاف كثيرة.
وهذا من أعظم ما يدل على سعة فضل الله،
وإحسانه على عباده المؤمنين؛
إذ جعل جناياتهم ومخالفتهم الواحدة بجزاءٍ واحد،
ومغفرة الله تعالى فوق ذلك.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الله قال:
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب.
وما تقرب إلى عبدي بشيء
أحب إلي مما افترضت عليه.
وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل
حتى أحبه.
فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به،
وبصره الذي يبصر به،
ويده التي يبطش بها،
ورجله التي يمشي بها.
ولئن سألني لأعطينَّه،
ولئن استعاذني لأعيذنه.
وما ترددت عن شيء أنا فاعله
ترددي عن قبض نفس المؤمن:
يكره الموت،
وأكره مساءته.
ولا بد له منه"
رواه البخاري.
هذا حديث جليل،
أشرف حديث في أوصاف الأولياء،
وفضلهم ومقاماتهم.
فأخبر أن معاداة أوليائه
معاداة له ومحاربة له.
ومن كان متصدياً لعداوة الرب
ومحاربة مالك الملك
فهو مخذول.
ومن تكفل الله بالذَّبِّ عنه
فهو منصور.
وذلك لكمال موافقة أولياء الله
لله في محابه؛
فأحبهم وقام بكفايتهم،
وكفاهم ما أهمهم.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السابع والثلاثون
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا.
فإن صدقا وبيَّنا:
بورك لهما في بيعهما.
وإن كذبا وكتما:
محقت بركة بيعهما"
متفق عليه.
هذا الحديث أصل في بيان المعاملات النافعة،
والمعاملات الضارة
وأن الفاصل بين النوعين:
الصدق والبيان.
فمن صدق في معاملته،
وبين جميع ما تتوقف عليه المعاملة
من الأوصاف المقصودة،
ومن العيوب والنقص.
فهذه معاملة نافعة في العاجل
بامتثال أمر الله ورسوله،
والسلامة من الإثم،
وبنزول البركة في معاملته.
وفي الآجلة بحصول الثواب،
والسلامة من العقاب.
ومن كذب وكتم العيوب،
وما في العقود عليه من الصفات
فهو مع إثمه معاملته ممحوقة البركة.
متى نزعت البركة من المعاملة
خسر صاحبها دنياه وأُخراه.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثامن والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بيع الحصاة،
وعن بيع الغَرر"
رواه مسلم.
وهذا كلام جامع لكل غَرر.
والمراد بالغَرر:
المخاطرة والجهالة.
وذلك داخل في الميسر،
فإن الميسر كما يدخل في المغالبات والرهان
– إلا رهان سباق الخيل والإبل والسهام –
فكذلك يدخل في أمور المعاملات.
فكل بيع فيه خطر:
هل يحصل المبيع، أو لا يحصل؟
– كبيع الآبق والشارد
والمغصوب من غير غاصبه،
أو غير القادر على أخذه،
وكبيع ما في ذمم الناس –
وخصوصاً المماطلين والمعسرين –
فإنه داخل في الغـرر.