رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث التاسع والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"حق المسلم على المسلم ست:
قيل: وما هنّ يا رسول الله؟
قال:
إذا لقيته فسلّم عليه.
وإذا دعاك فأجبه،
وإذا استنصحك فانصح له،
وإذا عطس فحمد الله فشَمِّته.
وإذا مرض فعُدْه،
وإذا مات فاتْبَعه"
رواه مسلم.
هذه الحقوق الستة
من قام بها في حقّ المسلمين
كان قيامه بغيرها أولى.
وحصل له أداء هذه الواجبات والحقوق
التي فيها الخير الكثير
والأجر العظيم من الله.
الأولـى:
"إذا لقيته فسلّم عليه"
فإن السلام سبب للمحبة
التي توجب الإيمان
الذي يوجب دخول الجنة،
كما قال صلى الله عليه وسلم :
"والذي نفسي بيده،
لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا.
ولا تؤمنوا حتى تحابوا.
أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟
أفشوا السلام بينكم"
والسلام من محاسن الإسلام؛
فإن كل واحد من المتلاقيين
يدعو للآخر بالسلامة من الشرور،
وبالرحمة والبركة الجالبة لكل خير،
ويتبع ذلك من البشاشة وألفاظ التحية المناسبة
ما يوجب التآلف والمحبة،
ويزيل الوحشة والتقاطع.
فالسلام حقّ للمسلم.
وعلى المسلَّم عليه ردّ التحية
بمثلها أو أحسن منها،
وخير الناس من بدأهم بالسلام.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثلاثون
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا مرض العبد أو سافر
كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً"
رواه البخاري.
هذا من أكبر مِنن الله على عباده المؤمنين:
أن أعمالهم المستمرة المعتادة
إذا قطعهم عنها مرض أو سفر
كتبت لهم كلها كاملة؛
لأن الله يعلم منهم
أنه لولا ذلك المانع لفعلوها،
فيعطيهم تعالى بنياتهم
مثل أجور العاملين مع أجر المرض الخاص،
ومع ما يحصل به من القيام بوظيفة الصبر،
أو ما هو أكمل من ذلك من الرضى والشكر،
ومن الخضوع لله والانكسار له.
ومع ما يفعله المسافر من أعمال
ربما لا يفعلها في الحضر:
من تعليم، أو نصيحة،
أو إرشاد إلى مصلحة دينية أو دنيوية
وخصوصاً في الأسفار الخيرية،
كالجهاد، والحج والعمرة،
ونحوها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الحادي والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"أسرعوا بالجنازة.
فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه.
وإن تك غير ذلك
فشر تضعونه عن رقابكم"
متفق عليه.
هذا الحديث محتوٍ على مسائل أصولية وفروعية.
فقوله صلى الله عليه وسلم :
"أسرعوا بالجنازة"
يشمل الإسراع بتغسيلها وتكفينها وحملها ودفنها،
وجميع متعلقات التجهيز.
ولهذا كانت هذه الأمور من فروض الكفاية.
ويستثنى من هذا الإسراع
إذا كان التأخير فيه مصلحة راجحة،
كأن يموت بغتة،
فيتعين تأخيره حتى يتحقق موته:
لئلا يكون قد أصابته سكتة.
وينبغي أيضاً
– تأخيره لكثرة الجمع،
أو لحضور من له حق عليه من قريب ونحوه.
وقد علل ذلك بمنفعة الميت
لتقديمه لما هو خير له من النعيم،
أو لمصلحة الحي بالسرعة في الإبعاد عن الشر.
وإذا كان هذا مأموراً به في أمور تجهيزه،
فمن باب أولى الإسراع في إبراء ذمته
من ديون وحقوق عليه،
فإنه إلى ذلك أحوج.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثاني والثلاثون
عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة.
وليس فيما دون خمس أواقٍ من الوَرِق صدقة.
وليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة"
متفق عليه.
اشتمل هذا الحديث على تحديد
أنصبة الأموال الزكوية الغالية،
والتي تجب فيه الزكاة:
الحبوب، والثمار،
والمواشي من الأنعام الثلاثة
والنقود،
وما يتفرع عنها من عروض التجارة.
أما زكاة الحبوب والثمار:
فإن نص هذا الحديث أن نصابها خمسة أوسق.
فما دون ذلك لا زكاة فيه.
والوَسْق:
ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
فتكون الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع.
فمن بلغت حبوب زرعه أو مَغَلَّ ثمره
هذا المقدار فأكثر: فعليه زكاته
فيما سُقي بمؤونة نصف العشر،
وفيما سقي بغير مؤونة العشر.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثالث والثلاثون
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ومن يستعفف يُعفّه الله.
ومن يستغن يُغنه الله.
ومن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله.
وما أعطِيَ أحد عطاء خيراً
وأوسع من الصبر"
متفق عليه.
هذا الحديث اشتمل على أربع جمل جامعة نافعة.
إحداها:
قوله: "ومن يستعفف يعفه الله"
والثانية:
قوله: "ومن يستغن يغنه الله"
وهاتان الجملتان متلازمتان،
فإن كمال العبد في
إخلاصه لله رغبة ورهبة
وتعلقاً به دون المخلوقين،
فعليه أن يسعى لتحقيق هذا الكمال،
ويعمل كل سبب يوصله إلى ذلك،
حتى يكون عبداً لله حقاً
حُرّاً من رق المخلوقين.
وذلك بأن يجاهد نفسه عن أمرين:
انصرافها عن التعلق بالمخلوقين
بالاستعفاف عما في أيديهم.
فلا يطلبه بمقاله ولا بلسان حاله.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعمر:
"ما أتاك من هذا المال
وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه.
ومالا فلا تتبعه نفسَك"
فقطع الإشراف في القلب والسؤال باللسان،
تعففاً وترفعاً عن مِنن الخلق،
وعن تعلق القلب بهم،
سبب قوي لحصول العفة.