حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وتلخيص الفرق بين الأقوال الثلاثة :
أنا إذا رأينا الشارع قد نص على الحكم ودل على علته ،
كما قال في الهرة
( إنها ليست بنجس
إنها من الطوافين عليكم والطوافات ) .
فهذه العلة تسمى المنصوصة أو المومى إليها ،
علمت مناسبتها أو لم تعلم ،
فيعمل بموجبها باتفاق الطوائف الثلاث ،
وإن اختلفوا :
هل يسمى هذا قياساً ، أو لا يسمى ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومثاله في كلام الناس:
ما لو قال السيد لعبده:
لا تُدخل داري فلاناً ،
فإنه مبتدع ،
أو فإنه أسود ونحو ذلك ،
فإنه يفهم منه :
أنه لا يُدخل داره من كان مبتدعاً ،
أو من كان أسود .
وهو نظير أن يقول :
لا تدخل داري مبتدعاً ولا أسودا .
ولهذا نعمل نحن بمثل هذا من باب الإيمان ،
فلو قال :
لا لبست هذا الثوب الذي يمنُّ به عليَّ فلان ;
حنث بما كانت منته فيه
مثل منته وهو ثمنه
ونحو ذلك .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما إذا رأينا الشارع قد حكم بحكم
ولم يذكر علته ،
لكن قد ذكر علة نظيره أو نوعه ،
مثل أنه جوَّز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر بلا إذنها ،
وقد رأيناه جوَّز له الاستيلاء على مالها لكونها صغيرة ،
فهل نعتقد أن علة النكاح هي الصغر مثلاً ؟ .
كما أن ولاية المال كذلك ،
أم نقول :
بل قد يكون لنكاح الصغيرة علة أخرى ،
وهي البكارة مثلاً ،
فهذه العلة هي المؤثرة .
أي قد بين الشارع تأثيرها في حكم منصوص ،
وسكت عن بيان تأثيرها
في نظير ذلك الحكم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فالفريقان الأولان
يقولان بها ،
وهو في الحقيقة إثبات للعلة بالقياس ،
فإنه يقول :
كما أن هذا الوصف أثر في الحكم في ذلك المكان ،
كذلك يؤثر فيه في هذا المكان .
والفريق الثالث :
لا يقول بها إلا بدلالة خاصة ،
لجواز أن يكون النوع الواحد من الأحكام
له علل مختلفة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومن هذا النوع :
أنه صلى الله عليه وسلم
( نهى عن بيع الرجل على بيع أخيه ،
أو أن يسوم الرجل على سوم أخيه ،
أو يخطب الرجل على خطبة أخيه ) .
فيعلل ذلك بما فيه من فساد ذات البين ،
كما علل به في قوله :
( لا تنكح المرأة على عمتها ،
ولا على خالتها ،
فإنكم إذا فعلتم ذلك ;
قطعتم أرحامكم ) .
وإن كان هذا المثال يظهر التعليل فيه
مالا يظهر في الأول ;
فإنما ذاك
لأنه لا يظهر فيه وصف مناسب للنهي إلا هذا .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأكبر دليل خاص على العلة ونظيره
من كلام الناس ;
أن يقول :
لا تعط هذا الفقير فإنه مبتدع ،
ثم يسأله فقير آخر مبتدع ،
فيقول : لا تعطه ،
وقد يكون ذلك الفقير عدواً له ،
فهل يحكم بأن العلة هي البدعة ، أم يتردد ؟
لجواز أن تكون العلة هي العداوة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما إذا رأينا الشارع قد حكم بحكم ،
ورأينا فيه وصفاً مناسباً له ،
لكن الشارع لم يذكر تلك العلة ،
ولا علل بها نظير لك الحكم في موضوع آخر ;
فهذا هو الوصف المناسب الغريب ،
لأنه لا نظير له في الشرع ،
ولا دلَّ كلام الشارع وإيماؤه عليه .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فجوَّز الفريق الأول اتباعه ،
ونفاه الآخران .
وهذا إدراك لعلة الشارع ،
بنفس عقولنا من غير دلالة منه ،
كما أن الذي قبله إدراك لعلته بنفس القياس على كلامه ،
والأول إدراك لعلته بنفس كلامه .
ومع هذا فقد تعلم علة الحكم المعين بالسبر ،
وبدلالات أخرى .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فإذا ثبتت هذه الأقسام
فمسألتنا من باب العلة المنصوصة في موضع،
المؤثرة في موضوع آخر .
وذلك:
أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن تخصيص أوقات بصلاة أو صيام ،
وأباح ذلك
إذا لم يكن على وجه التخصيص .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فروى مسلم في صحيحه
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ،
ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ،
إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة
إلا يوماً قبله أو يوماً بعده ) .
وهذا لفظ البخاري .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وروى البخاري عن جويرية بنت الحارث :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها
يوم الجمعة وهي صائمة ،
فقال : أصمت أمس ؟ ،
قالت : لا .
قال : أتريدين أن تصومي غداً ؟ .
قالت : لا ،
قال : فافطري ) .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وفي الصحيحين
عن محمد بن عباد بن جعفر قال :
( سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت :
أنـَهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن صيام يوم الجمعة ؟ ،
قال : نعم ، ورب البيت )
وهذا لفظ مسلم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وعن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لا تصوموا يوم الجمعـة وحده )
رواه أحمد .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومثل هذا ما أخرجناه في الصحيحين
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
قال :
( لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ،
إلا أن يكون رجل كان يصوم صوماً
فليصم ذلك اليوم ) ،
لفظ البخاري
( يصوم عادته ) .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فوجه الدلالة :
أن الشارع قسم الأيام باعتبار الصوم
ثلاثة أقسام :
قسم شرع تخصيصه بالصيام ،
إما إيجاباً : كصيام رمضان ،
وإما استحباباً : كيوم عرفة وعاشوراء .
وقسم نهى عن صومه مطلقاُ :
كيوم العيدين .
وقسم إنما نهى عن تخصيصه :
كيوم الجمعة وشهر شعبان .
فهذا النوع لو صيم مع غيره لم يكره ،
فإذا خُصصَ بالفعل نهي عن ذلك ،
سواء قصد الصائم التخصيص
أو لم يقصده ،
وسواء اعتقد بالرجحان
أو لم يعتقده .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومعلوم أن مفسدة هذا العمل
لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره ;
لكان إما أن ينهى عنه مطلقاً كيوم العيد ،
أو لا ينهى عنه كيوم عرفة ،
وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات ،
وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فظهر أن المفسدة تنشأ
من تخصيص
ما لا خصيصة له ،
كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به ;
قد يشتمل على حكمة الأمر والنهي ،
كما في قوله :
( خالفوا المشركين ) .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فلفظ النهي عن تخصيص وقت بصوم أو صلاة
يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص ،
فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً ;
يستحب فيه من الصلاة والدعاء
والذكر والقرآءة والطهارة
والطيب والزينة مالا يستحب في غيره ;
كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره ،
ويعتقد أن قيام ليلته كالصيام في نهاره ،
لها فضيلة على قيام غيرها من الليالي ،
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن التخصيص
دفعاً لهذه المفسدة
التي لا تنشأ إلا
من التخصيص .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وكذلك تلقي رمضان ;
قد يتوهم أن فيه فضلا ،
لما فيه من الاحتياط للصوم ،
ولا فضل فيه في الشرع ،
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن تلقيه لذلك .