هذا الرجل اسمه سوشيرو هوندا Soichiro Honda
هذا الرجل اسمه سوشيرو هوندا Soichiro Honda
في عام 1938 كان سوشيرو شابا فقيرا، وكان كل ما يتمناه هو أن يبيع إحدى قطع الغيار التي قام بتصميمها إلى شركة تويوتا، وهو حلم كبير جدا على شاب في مقتبل عمره كما ترى، راح يبذل الكثير من المجهود في تصميم هذه القطعة وتصنيعها، وما أن انتهى حتى توجه إلى مصنع تويوتا ليحقق حلمه ويبيعها لهم، لكن مصنع تويوتا رفض!
هل شعر بالفشل وقتها؟ بعد ذلك حاول من جديد، وسهر الليل محاولا تعديل هذه القطعة، فنجح واشترتها منه تويوتا أخيرا!! توفر المال مع صاحبنا هذا، فقرر أن يؤسس مصنعا ينتج قطع غيار السيارات، في ذلك الوقت كانت الحكومة اليابانية تستعد للحرب، ولم تكون المواد الخراسانية متوافرة، فلم يستطع صاحبنا أن يبني مصنعه، هل شعر بالفشل وقتها؟
هل تعرف ماذا فعل صاحبنا؟ قرر أن يخترع هو وأصدقاؤه خلطة خراسانية من صنعهم هم، كي يبني المصنع الذي يحلم به!!! تخيل؟؟ استطاع فعلا أن يصنعها، واستطاع بناء مصنعه الذي بدأ فعلا ينتج ويدر مالا عليهم جميعا، لكن أثناء الحرب قصفت الطائرات الأمريكية مصنع صاحبنا.. ودمرت معظمه!!! هل شعر بالفشل وقتها؟
خرج من المصنع فورا.. وأمر موظفيه أن يحاولوا معرفة المكان الذي تهبط فيه هذه الطائرات لتغير وقودها، وأمرهم بأخذ هذا الوقود لأنه سيفيدهم في عملية التصنيع، فهم لا يجدون المواد الخام اللازمة!!! هل انتهت القصة؟؟ لا..استطاع صاحبنا أن يعيد بناء المصنع وبدأ في الإنتاج من جديد..لكن.. ضربه زلزال رهيب هدم المصنع من جديد... هل شعر بالفشل وقتها؟ باع صاحبنا حق التصنيع لشركة هوندا، وكان قد فقد كل ما يملك، ولم يعد قادرا على الاستمرار في فكرة المصنع.. هل شعر بالفشل وقتها؟؟
كانت اليابان تعاني بعد الحرب من أزمة وقود رهيبة، لدرجة أنها كانت توزع الوقود على المواطنين بحصص متساوية، لكنها لم تكن كافية كي يستطيع صاحبنا مجرد قيادة سيارته للسوق لشراء احتياجات أسرته.. لم يكن الوقود يكفيه، ولم يكن يستطيع أن يتحرك بسيارته في حرية كما كان في الماضي..هل شعر بالفشل وقتها؟ قرر صاحبنا أن يجرب فكرة ظريفة، كانت عنده ماكينة لقص الحشائش، فك موتورها، وركبه في دراجة هوائية كانت عنده، فكانت أول دراجة بخارية في العالم!!!
أعجب الناس بالفكرة، وطلبوا منه أن يصنع لهم مثلها، صنع الكثير من هذه الدراجات لدرجة أنه فكر في تسويقها تجاريا، فأرسل إلى كل محال الدراجات يحكي لهم الفكرة، فوافق الكثير منهم، توقع أن يجني الملايين من هذا المشروع، لكن هذا لم يحدث، رفض الناس استخدام هذا الاختراع نظرا لثقل وزنه وقتها، ولكبر حجمه المبالغ فيه..!! هل شعر بالفشل وقتها؟
قرر أن يطور اختراعه، راح يعدل فيه، ويضبط قياساته، إلى أن نجح في النهاية، جنى الملايين، والملايين من هذا الاختراع، حصل على جائزة الإمبراطور لمساهماته الفعالة في المجتمع، أنشأ مصنعه الذي يعتبر من أكبر المصانع حول العالم، أنشأ مصنع (هوندا) للسيارات..!! ألم تلاحظ منذ البداية..أن اسم هذا الرجل سوشيرو هوندا؟
ماذا نستفيد من هذه القصة؟
◄ لو راقبت حياة الناجحين ستعلم أن مفهوم الفشل عندهم يختلف جذريا عن مفهومه عند الفاشلين، قاعدة مهمة، ((لا يوجد فشل.. هناك تجربة تعلمنا منها..))، لا يوجد فشل في الحياة.. الحياة مليئة بالتجارب التي لابد أن نخوضها كي نتعلم.
◄ ملحوظة: كل منا في مجاله مخترع، فالطبيب الحاذق الذي يتوصل إلى علاج أمراض ليس لها علاج من قبل مخترع، وهكذا الصيدلي، والمهندس الذي يقوم بعمل أفضل التصاميم التي لم يسبق لها مثال مخترع، والمدرس الذي يتوصل إلى طريقه مبتكرة في توصيل المعلومة لتلامذته مخترع، وهكذا النجار، والكهربائي وغيره، وغيره.
ركز على القهوة و ليس الكوب
ركز على القهوة و ليس الكوب
من التقاليد الجميلة في الجامعات والمدارس الثانوية، الأمريكية واليابانية أن خريجيها يعودون إليها بين الحين والآخر، في لقاءات لم شمل - حفلة منظمة ومبرمجة يقضون وقتا ممتعا في مباني الجامعات التي تقاسموا فيها القلق والشقاوة والعفرتة، ويتعرفون على أحوال بعضهم البعض: من نجح وظيفيا، ومن تزوج، ومن أنجب،.. وفي إحدى تلك الجامعات التقى بعض خريجيها في منزل أستاذهم العجوز، بعد سنوات طويلة من مغادرة مقاعد الدارسة، وبعد أن حققوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية، ونالوا أرفع المناصب، وحققوا الاستقرار المادي والاجتماعي..
وبعد عبارات التحية والمجاملة طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل والحياة التي تسبب لهم الكثير من التوتر، وغاب الأستاذ عنهم قليلاً، ثم عاد يحمل أبريقا كبيرا من القهوة، ومعه أكواب من كل شكل ولون، صيني فاخر على ميلامين، على زجاج عادي، على كريستال، على بلاستيك، يعني بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال تصميما ولونا، وبالتالي باهظة الثمن، بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت، وقال لهم الأستاذ: تفضلوا، كل واحد منكم يصب لنفسه القهوة، وعندما صار كل واحد من الخريجين ممسكا بكوب تكلم الأستاذ مجددا:
هل لاحظتم أن الأكواب الجميلة فقط هي التي وقع عليها اختياركم، وأنكم تجنبتم الأكواب العادية؟ ومن الطبيعي أن يتطلع الواحد منكم إلى ما هو أفضل، وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر، ما كنتم بحاجة إليه فعلا هو القهوة وليس الكوب، ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة، وعين كل واحد منكم على الأكواب التي في أيدي الآخرين، فلو كانت الحياة هي القهوة، فإن الوظيفة، والمال، والمكانة الاجتماعية هي الأكواب، وهي بالتالي مجرد أدوات تحوي الحياة، ونوعية الحياة (القهوة) هي، هي، لا تتغير، وبالتركيز فقط على الكوب نضيع فرصة الاستمتاع بالقهوة، وبالتالي أنصحكم بعدم الاهتمام بالأكواب، والفناجين، والاستمتاع بالقهوة.
الدروس المستفادة:
هذا الأستاذ الحكيم عالج آفة يعاني منها الكثيرون، فهناك نوع من الناس لا يحمد الله على ما هو فيه، مهما بلغ من نجاح، لأن عينه دائما على ما عند الآخرين، يتزوج بامرأة جميلة، وذات خلق، ولكنه يظل معتقدا أن فلان وعلان تزوجا بنساء أفضل من زوجته، يجلس مع مجموعة في المطعم، ويطلب لنفسه نوعا معينا من الأكل، وبدلا من أن يستمتع بما طلبه، يظل ينظر في أطباق الآخرين، ويقول: ليتني طلبت ما طلبوه، وهناك من يصيبه الكدر، لو نال زميله ترقية أو مكافأة عن جدارة واستحقاق، وهناك مثل انجليزي يقول ما معناه «إن الحشيش دائما أكثر خضرة في الجانب الآخر من السور، أي إن الإنسان يعتقد أن حديقة جاره أكثر جمالا، وأمثال هؤلاء لا يعنيهم أو يسعدهم ما عندهم بل يحسدون الآخرين. فأحرص على ما ينفعك، وأرضى بما قسم الله لك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كذا، لكان كذا، ولكن قل، قدر الله، وما شاء فعل.
ولست بمدرك ما فات مني...بلهف، ولا بليت، ولا لوْ أني
حكاية الحافلة .... والتغيير في الحياة
حكاية الحافلة .... والتغيير في الحياة
في صباح يوم الجمعة، وعدت زوجتي بأن نتحدث سويا على الانترنت عن طريق برنامج الماسنجر هوتميل، وذلك لأني أقيم في بلد عربي للعمل، وهي تقيم بمصر مع ابنتنا الجميلة خلود، فقمت مبكرا بتوفيق من الله لصلاة الفجر، وجلست في المسجد حتى انتهيت من أذكار الصباح، وورد القرآن، ورجعت إلى البيت فقمت بالانتهاء من بعض المهام من غسيل الملابس، وكي لبس الخروج، ثم تابعت بعض البرامج المفيدة، ثم تناولت طعام الإفطار، وبعد ذلك اغتسلت غسل الجمعة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صليت صلاة الضحى، وخرجت من المنزل مرددا دعاء الخروج، كما علمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وجعلت نية خروجي من البيت هي الذهاب إلى المسجد كي تكون كل خطوة بحسنة لان موعد اللقاء مع زوجتي كان بعد صلاة الجمعة، والمكان كان بعيدا ويحتاج إلى وسيلة موصلات، ووصلت إلى محطة الحافلة (الأتوبيس)، وعند وصولي، وصلت الحافلة، أعرف رقمها 105، ولكن لا اعرف خط سيره، وخمنت انه يذهب إلى المكان الذي أريد الذهاب إليه، فركبته مسرعاً، واستلمت تذكرة دخول الحافلة، وجلست على الكرسي، وأخرجت من جيبي المصحف، الذي يصحبني في جميع تنقلاتي لتلاوة كلام الله، وذكره أينما توجهت، حتى لا يمر الوقت، وبما أن اليوم يوم جمعة فبالتالي الأهمية تكون لسورة الكهف، طلبا للنور بين الجمعتين، وعملا بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم،....
ولكن حدث أمر غريب وهو أني اكتشفت اأن الحافلة أخذ طريقا أخر غير الذي كنت أتوقعه فتضايقت لفترة، ولكن لم تكن طويلة، وقلت لنفسي لعله خير، وبسرعة جلست أفكر هل استمر في الجلوس في الحافلة حتى يصل إلى آخر الخط الذي يسير فيه أم أنزل وأركب حافلة أخرى تذهب إلى حيث أريد، فقررت على الفور النزول من الحافلة، وتوجهت إلى محطة حافلة أخرى، وهناك سألت أحد الجالسين فدلني إلى المحطة المقابلة، فتوجهت إلى حيث أرشدني، وهناك أيضا سألت أحد المنتظرين فحدد لي رقم الحافلة الذي إذا ركبته وصلت إلى حيث أريد!، وبعد لحظات جاء الحافلة الذي يحمل رقم 59، فركبت وقبل أن ادفع ثمن التذكرة سألت السائق عن اتجاه الحافلة فأخبرني، وعلمت بأن هذا هو الطريق الصحيح، فدفعت ثمن التذكرة، وجلست على الكرسي، وما أن جلست حتى بدأت استرجع الأحداث السابقة، وهنا جاءتني أفكار غريبة، فلقد قارنت هذا الحدث بخط سير حياتي، وسألت نفسي إذا كان هذا الخطأ الصغير في عدم معرفتي باتجاه الحافلة التي أركبها، كلفني وقتا ومالا، فكيف بسيري في علاقاتي مع الله، ... علاقتي مع أهلي والآخرين... علاقتي مع نفسي وهل أنا أسير في الاتجاه الصحيح أم الاتجاه الخطأ .؟ هنا قلت لا بد من وقفة للتفكير هل استمر أم أقف وأراجع نفسي، وانظر حولي وانظر إلى أي شيء سيوصلني الطريق الذي أسير فيه، ولقد خرجت بثلاث فوائد من هذا الموقف الذي قسمته إلى ثلاث أحداث، ومن كل حدث استخرجت فائدة على النحو التالي:
الحدث الأول: ركبت الحافلة دون أن أسأل احد من الجالسين ولا حتى السائق؛ الفائدة: ليس كافيا أن يكون لك هدف، ولكن لا بد أن تعرف الطريق الصحيح للوصول إليه، حتى لا يضيع الكثير من الوقت في غير فائدة.
الحدث الثاني: قلق وخوف أصابني عندما علمت أن الحافلة يسير عكس ما نويت، ولكن سرعان ما غيرت القلق إلى تفكير لحل الموقف، الفائدة: لا تجعل الخطاء نهاية العالم، ولكن قل (لعله خير)، وفكر في خطوة جديدة وطريق أخر للوصول.
الحدث الثالث: وهو سرعة نزولي من الحافلة بعدما قررت تغيير المسار، فلولا سرعة التنفيذ لكان من المحتمل أن يطول طريق العودة أو يصل الحافلة إلى أخر محطة له، الفائدة: أستشر – قرر – نفذ بأقصى سرعة فالوقت ضيق والعمل كثير.
قصة الخياط الناهي عن المنكر
قصة الخياط الناهي عن المنكر
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بن عبد الواحد الهاشمي عن الشيخ مِنَ التُّجَّارِ قَالَ: كَانَ لِي عَلَى بَعْضِ الْأُمَرَاءِ مَالٌ كَثِيرٌ فَمَاطَلَنِي وَمَنَعَنِي حَقِّي، وَجَعَلَ كُلَّمَا جِئْتُ أُطَالِبُهُ حَجَبَنِي عَنْهُ وَيَأْمُرُ غِلْمَانَهُ يُؤْذُونَنِي، فَاشْتَكَيْتُ عَلَيْهِ إِلَى الْوَزِيرِ فَلَمْ يُفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَإِلَى أَوْلِيَاءِ الْأَمْرِ مِنَ الدَّوْلَةِ فَلَمْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْعًا وَجُحُودًا، فَأَيِسْتُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ وَدَخَلَنِي هَمٌّ مِنْ جِهَتِهِ، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ وَأَنَا حَائِرٌ إِلَى مَنْ أَشْتَكِي، إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: أَلَا تَأْتِي فَلَانًا الْخَيَّاطَ - إِمَامَ مَسْجِدٍ هُنَاكَ - فَقُلْتُ، وَمَا عَسَى أَنْ يَصْنَعَ خَيَّاطٌ مَعَ هَذَا الظَّالِمِ. وَأَعْيَانُ الدَّوْلَةِ لَمْ يَقْطَعُوا فِيهِ؟ فَقَالَ لِي: هُوَ أَقْطَعُ وَأَخْوَفُ عِنْدَهُ مِنْ جَمِيعِ مَنِ اشْتَكَيْتَ إِلَيْهِ، فَاذْهَبْ إِلَيْهِ لَعَلَّكَ أَنْ تَجِدَ عِنْدَهُ فَرَجًا. قَالَ فَقَصَدْتُهُ غَيْرَ مُحْتَفِلٍ فِي أَمْرِهِ، فذكرت له حاجتي ومالي وَمَا لَقِيتُ مِنْ هَذَا الظَّالِمِ، فَقَامَ مَعِي فَحِينَ عَايَنَهُ الْأَمِيرُ قَامَ إِلَيْهِ، وَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ وَبَادَرَ إِلَى قَضَاءِ حَقِّي الَّذِي عَلَيْهِ فَأَعْطَانِيهِ كَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِلَى الْأَمِيرِ كَبِيرُ أَمْرٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: ادْفَعْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ حَقَّهُ وَإِلَّا أَذَّنْتُ.
فَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْأَمِيرِ وَدَفَعَ إِلِيَّ حَقِّي، قَالَ التَّاجِرُ: فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ الْخَيَّاطِ مَعَ رَثَاثَةِ حَالِهِ، وَضِعْفِ بِنْيَتِهِ، كَيْفَ انْطَاعَ ذَلِكَ الْأَمِيرُ لَهُ، ثُمَّ إِنِّي عَرَضْتُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنِّي شَيْئًا، وَقَالَ: لَوْ أردت هذا لكان لي من الأموال مالا يُحْصَى. فَسَأَلْتُهُ عَنْ خَبَرِهِ، وَذَكَرْتُ لَهُ تَعَجُّبِي مِنْهُ، وَأَلْحَحْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أنه كان عندنا في جوارنا أمير تركي من أعالي الدولة، وهو شاب حسن، فمر به ذات يوم امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ قَدْ خَرَجَتْ منٌ الْحَمَّامِ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مُرْتَفِعَةٌ ذَاتُ قِيمَةٍ، فَقَامَ إِلَيْهَا وَهُوَ سَكْرَانٌ فَتَعَلَّقَ بِهَا يُرِيدُهَا عَلَى نَفْسِهَا لِيُدْخِلَهَا منزله، وهي تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها: يا مسلمين أنا امرأة ذات زوج، وهذا رجل يريدني على نفسي ويدخلني مَنْزِلَهُ، وَقَدْ حَلَفَ زَوْجِي بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أَبِيتَ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ، وَمَتَى بَتُّ هَاهُنَا طُلِّقْتُ مِنْهُ، وَلَحِقَنِي بِسَبَبِ ذَلِكَ عَارٌ لَا تَدْحَضُهُ الْأَيَّامُ وَلَا تَغْسِلُهُ الْمَدَامِعُ.
قَالَ الْخَيَّاطُ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ وَأَرَدْتُ خَلَاصَ الْمَرْأَةِ مِنْ يَدَيْهِ فَضَرَبَنِي بِدَبُّوسٍ فِي يَدِهِ فَشَجَّ رَأْسِي، وَغَلَبَ الْمَرْأَةَ عَلَى نَفْسِهَا وَأَدْخَلَهَا مَنْزِلَهُ قَهْرًا، فَرَجَعْتُ أَنَا فَغَسَلْتُ الدَّمَ عَنَى وَعَصَبْتُ رَأْسِي، وَصَلَّيْتُ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ ثُمَّ قُلْتُ لِلْجَمَاعَةِ: إِنَّ هَذَا قَدْ فَعَلَ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ فَقُومُوا مَعِي إِلَيْهِ لِنُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَنُخَلِّصَ الْمَرْأَةَ مِنْهُ، فَقَامَ النَّاسُ مَعِي فَهَجَمْنَا عَلَيْهِ دَارَهُ، فَثَارَ إِلَيْنَا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ غِلْمَانِهِ بِأَيْدِيهِمُ الْعِصِيُّ وَالدَّبَابِيسُ يَضْرِبُونَ النَّاسَ، وَقَصَدَنِي هُوَ مِنْ بَيْنِهِمْ فَضَرَبَنِي ضَرْبًا شَدِيدًا مُبَرِّحًا حَتَّى أَدْمَانِي، وَأَخْرَجَنَا مِنْ مَنْزِلِهِ وَنَحْنُ فِي غَايَةِ الْإِهَانَةِ، فَرَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي، وَأَنَا لَا أَهْتَدِي إِلَى الطَّرِيقِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجَعِ، وَكَثْرَةِ الدِّمَاءِ، فَنِمْتُ عَلَى فِرَاشِي فَلَمْ يَأْخُذْنِي نَوْمٌ، وَتَحَيَّرْتُ مَاذَا أَصْنَعُ حَتَّى أُنْقِذَ الْمَرْأَةَ مِنْ يَدِهِ فِي الليل لِتَرْجِعَ فَتَبِيتَ فِي مَنْزِلِهَا، حَتَّى لَا يَقَعَ على زوجها الطلاق، فألهمت أن أؤذن الصبح فِي أَثْنَاءِ اللَّيل لِكَيْ يَظُنَّ أَنَّ الصُّبْحَ قد طلع فيخرجها مَنْزِلِهِ فَتَذْهَبَ إِلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا، فَصَعِدْتُ الْمَنَارَةَ وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى بَابِ دَارِهِ، وَأَنَا أَتَكَلَّمُ عَلَى عَادَتِي قَبْلَ الْأَذَانِ، هَلْ أَرَى الْمَرْأَةَ قَدْ خَرَجَتْ ثُمَّ أَذَّنْتُ فَلَمْ تَخْرُجْ، ثُمَّ صممت على أنه إِنْ لَمْ تَخْرُجْ أَقَمْتُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الصَّبَاحَ، فَبَيْنَا أَنَا أَنْظُرُ هَلْ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ أَمْ لَا، إِذِ امْتَلَأَتِ الطَّرِيقُ فُرْسَانًا وَرَجَّالَةً وَهُمْ يَقُولُونَ: أَيْنَ الَّذِي أَذَّنَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فقلت: ها أنا ذا، وأنا أريد أن يعينوني عليه، فقالوا: انْزِلْ، فَنَزَلَتُ فَقَالُوا: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخَذُونِي وَذَهَبُوا بِي لَا أَمْلِكُ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا، حتى أدخلوني عليه، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ جَالِسًا فِي مَقَامِ الْخِلَافَةِ ارْتَعَدْتُ من الخوف، وفزعت فزعا شَدِيدًا، فَقَالَ: ادْنُ، فَدَنَوْتُ فَقَالَ لِي: لِيَسْكُنْ ورعك وَلِيَهْدَأْ قَلْبُكَ.
وَمَا زَالَ يُلَاطِفُنِي حَتَّى اطْمَأْنَنْتُ، وَذَهَبَ خَوْفِي، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي أَذَّنْتَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَذَّنْتَ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ أَكْثَرُ مِمَّا مَضَى مِنْهُ؟ فَتَغُرُّ بِذَلِكَ الصَّائِمَ، وَالْمُسَافِرَ وَالْمُصَلِّيَ وَغَيْرَهُمْ. فَقُلْتُ: يُؤَمِّنُنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَقُصَّ عَلَيْهِ خَبَرِي؟ فَقَالَ: أَنْتَ آمِنٌ. فَذَكَرْتُ لَهُ الْقِصَّةَ. قَالَ: فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ ذَلِكَ الأمير والمرأة من شاعته على أي حالة كانا فأحضر سريعاً فبعث بِالْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ جِهَتِهِ ثِقَاتٍ، وَمَعَهُنَّ ثِقَةٌ مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ زَوْجَهَا بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهَا، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا مُكْرَهَةٌ، وَمَعْذُورَةٌ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ذَلِكَ الشَّابِّ الْأَمِيرِ فَقَالَ لَهُ: كَمْ لَكَ مِنَ الرِّزْقِ؟ وَكَمْ عِنْدَكَ مِنَ الْمَالِ؟ وَكَمْ عندك من الجوار وَالزَّوْجَاتِ؟ فَذَكَرَ لَهُ شَيْئًا كَثِيرًا.
فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ أَمَا كَفَاكَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ حَتَّى انْتَهَكْتَ حُرْمَةَ اللَّهِ، وَتَعَدَّيْتَ حُدُودَهُ، وتجرأت على السلطان، وما كفاك ذلك أيضاً حَتَّى عَمِدْتَ إِلَى رَجُلٍ أَمَرَكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَاكَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَضَرَبْتَهُ وَأَهَنْتَهُ وَأَدْمَيْتَهُ؟ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ. فَأَمَرَ بِهِ فَجُعِلَ فِي رِجْلِهِ قَيْدٌ، وَفِي عُنُقِهِ غُلٌّ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُدْخِلَ فِي جُوَالِقَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ بالدبابيس ضرباً شديداً حتى خفت، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُلْقِي فِي دِجْلَةَ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. ثُمَّ أَمَرَ بَدْرًا صَاحِبَ الشُّرْطَةِ أَنْ يَحْتَاطَ عَلَى مَا فِي داره من الحواصل والأموال التي كانت يتناولها من بيت المال، ثُمَّ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الْخَيَّاطِ: كُلَّمَا رَأَيْتَ مُنْكَرًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَلَوْ عَلَى هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ - فَأَعْلِمْنِي، فإن اتفق اجتماعك بي وإلا فعلى ما بيني وبينك الأذان، فأذن في أي وقت كان أو في مثل وقتك هذا. قال: فلهذا لا آمر أحداً من هؤلاء الدولة بشيء إلا امتثلوه، ولا أنهاهم عن شيء إلا تركوه خَوْفًا مِنَ الْمُعْتَضِدِ.، وَمَا احْتَجْتُ أَنْ أُؤَذِّنَ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ إِلَى الْآنِ.