حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما دعاء ختم القرآن في تراويح رمضان أو قيامه ،
فليس كما ذكره المالكي من الأمور المبتدعة ،
وإنما هو من أعمال السلف الصالح ،
وفي ذلك يقول ابن قدامة رحمه الله
في المغنى نقلاً عن إمام أهل السنة وقامع البدعة ،
الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه
ما نصه :
( قال الفضل بن زياد :
سألت أبا عبدالله أختم القرآن أجعله في الوتر أو في التروايح ؟
قال : اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاءين اثنين .
قلت : كيف أصنع ؟ ،
قال : إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع ،
وادع بنا ونحن في الصلاة ،
وأطل القيام . قلت : بمَ أدعُ ؟ ،
قال : بما شئت .
قال : فقلت بما أمرني وهو خلفي يدعو ويرفع يديه .
قال حنبل سمعت أحمد يقول في ختم القرآن :
إذا فرغت من قرآءة { قل أعوذ بربِ الناس }
فارفع يديك بالدعاء قبل الركوع .
قلت : إلى أي شيء تذهب في هذا ؟،
قال: رأيت أهل مكة يفعلونه ،
وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة .
قال العباس بن عبد العظيم :
وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة .
ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً ،
وذكر عن عثمان بن عفان )[1]. اهـ .
==========
[1] - انظر ج 2 ، ص 171 في المغنى .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما نداء المنادى بقوله :
صلاة القيام أثابكم الله ،
فعلى فرض أنه بدعة ،
فليس لها وجود في غير الحرمين ،
ولعلها من بقايا أمور [ زيدت ]،
ورؤي أن الخطب في هذه يسير ،
فبقيت
مع أنها في الواقع مستندة إلى أصل
هو مشروعية الإبلاغ للدخول في وقت الصلاة ،
وهذا نوع من الإبلاغ ،
وفيه مصلحة شرعية ،
ويستند إلى أصل عام ،
ولا يترتب عليه من المنكرات شيء مطلقاً ،
كما أنه لا ينطبق عليه تعريف البدعة،
فليس الإبلاغ للدخول في الصلاة محدث في الدين ،
ومع ذلك فلو استغـنى عنه
واقتصر على ما عليه بقية البلاد
لكان ذلك أسلم و أكمل .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إلا أننا لا نسلم للمالكي
تشبيهه هذه المسألة بالموالد والاحتفال بها ،
إلا مع الفارق الكبير ،
كالفارق بين السماء والأرض ،
والعلم والجهل ،
والنور والظلمات ،
والحق والباطل ،
لأن الموالد فضلاً عما هي في واقعها
بدعة واضحة جلية ;
فإنها تشتمل على منكرات وشركيات ،
لو كانت في حد ذاتها مشروعة
لاتجه القول بحرمتها
أشبه مسجد الضرار .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة السابعة :
عن تساؤل المالكي في هذا الدليل ،
بعد إيراده جمع الناس على إمام واحد في التهجد ، وختم القرآن فيه ، ودعاء ختم القرآن ،
وإعلام الناس بالقيام ، واعتباره كل ذلك بدعاً ،
إذا اعتبرنا احتفاله بالمولد بدعة .
ونقول له :
إنك بتشبيهك هذه الأمور بالمولد بين أمرين :
إما أنك جاهل
وفاقد لحاسة الإدراك العلمية ;
لأنك تجمع في تشبيهك بين متضادين ومتناقضين ومتباينين ،
كمن يجمع بين الحق والباطل ،
والظلمات والنور ،
لأن هذه الأمور مؤصلة شرعاً ،
وقد تلقاها الخلف عن السلف الصالح ،
وذكر السلف الصالح مستندهم في اعتبارها
مما مر ذكره وإيضاحه .
أما الاحتفالات بالموالد فلم تُعرف
إلا بعد أن انقرضت القرون الثلاثة المفضلة بأهلها
أهل العلم والإيمان والتقى والصلاح والاتباع والاقتداء ،
ثم ابتدعها ونادى بها
من هو من شر خلق الله
القرامطة و الرافضة والفاطميون ،
وتلقاها عنهم
أهل التصوف والدجل
والغرام بالمحدثات ،
وجعلوا للاحتفالات بها
هيئة تشتمل على الكثير من المنكرات
مما مر ذكره و تكراره .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإما أنك أيها المالكي
تدرك تنكبك عن الصرط السوي ;
إلا أنك تريد المغالطة ،
وإثارة الشبه ،
وبلبلة الأفكار
كما يفعل المغضوب عليهم
ممن عندهم علم لكنهم لم يعملوا به .
ولثقتنا بعلم المالكي وذكائه وقوة إداركه
وحبه للظهور ،
وابتغاء الوجاهة بأي وسيلة ;
فإننا نظن به الثانية ،
لتبقى له قاعدته الشعبية من الرعاع والسذج ،
تقدم له آيات الإجلال والتقدير
بالانحناءات
والخضوع ،
ولحس الأيدي ،
وتلمس البركات .
وإلا فنحن على ثقة كبيرة
من أنه يدرك أن الاحتفالات بالمولد
تجمع من المنكرات والشركيات
والوهميات والخيالات ما لا يخفى
مما مر ذكره وتكراره .
يُلاحظ في هذا ،
أن صاحب الرسالة البتراء
لم يذكر الدليل السابع عشر
لسهو أو غير ذلك
مما يعرفه المؤلف .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الثامن عشر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل الثامن عشر بقوله :
الثامن عشر :
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه :
ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة ،
وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو محمود . اهـ .
وجرى الإمام العز بن عبد السلام والنووي كذلك وابن الأثير
على تقسيم البدعة إلى ما أشرنا إليه سابقاً . اهـ .
سبق أن أوردنا نصوصاً عن مجموعة من أهل العلم
منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب
والعز بن عبد السلام والشاطبي
وابن النحاس وابن حجر العسقلاني ;
فيها انتقاد صريح وواضح
لتقسيم البدعة إلى جائز ومحظور ،
وقد تنزَّل بعضهم وأخذ بالتقسيم ،
إلا أن الأقسام الجائزة عندهم
لا تسمى بدعة إلا على سبيل اللغوي ،
كما قال عمر في جمع الناس في التراويح على إمام واحد :
نعمت البدعة هذه .
مما له أصل معتبر في الشرع ،
وليس له مردود سيء .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد مر بنا استعراض ما ذكروه من ذلك ،
كجمع القرآن ونشره
وتدوين علوم القرآن والحديث واللغة ،
وإيجاد الأربطة والمدارس والمستشفيات والمدارس ;
والرد على اعتبار ذلك بدعاً شرعية ،
وذلك في الرد على الدليل الخامس عشر ،
وتحدثنا عن كل مسألة من هذه المسائل ،
وبينا أن لها أصلاً معتبراً في الشرع ،
وفي الصدر الأول من الإسلام ،
وأن إيرادها لتشبيهها بالمولد والاحتفال به ،
أو تشبيه المولد بها
يعتبر مغالطة وسفهاً من المالكي ،
إن لم يكن ذلك منه جهلاً وضلالا .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا أصر المالكي على أن هؤلاء العلماء الأجلاء
يقصدون بتقسيمهم البدعة إلى حسن وقبيح ،
إجازة إحداث بدع ،
فنحن أولاً لا نوافقه على إصراره ،
لأن لهؤلاء العلماء الذين ذكرهم
مقاماً محموداً في الاتباع
والاقتداء
والاهتداء
والوقوف عند الحدود
التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وحذر من تجاوزها .
لهم في ذلك مقام لا يجاريهم فيه
إلا أسلافهم من الصحابة والتابعين .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وعلى افتراض موافقتنا المالكي على فهمه السيء
عن هؤلاء العلماء الأجلاء ;
فكل يُؤخذ من قوله ويُترك
إلارسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قال تعالى:
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }[1] ،
وقال صلى الله عليه وسلم :
" إن خير الحديث كتاب الله
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،
وشر الأمور محدثاتها
وكل بدعة ضلالة " .
===========
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال :
" عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
من بعدي
تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم ومحدثات الأمور
فكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة ،
وكل ضلالة في النار ".
وقال:
" من أحدث في أمرنا هذا
ما ليس منه
فهو رد " .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهذه أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأخذها
وقبولها والعمل بما تقتضيه ،
وكلها ألفاظ صريحة وواضحة
جاءت بلفظ العموم والحصر ،
فليس فيها تخصيص عموم
ولا قيد إطلاق
ولا استثناءات
ولا تقسيمات .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فبربك أيها المالكي ;
أيجوز لنا أن نترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما فيه من أمر ونهي وإلزام وتحذير وعموم ;
ونقول قال فلان وقال فلان ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أين محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وتشدقك بالتعلق به ،
والفرح والاستبشار بسيرته وشمائله ،
والحال أنه صلى الله عليه وسلم
ينهى عن البدع والمحدثات ،
بلفظ العموم والحصر والاختصاص ،
وتقول : قال فلان وقال علان ;
إن البدعة تنقسم إلى قسمين جائز وممنوع ،
وقبيح وحسن ،
وممدوح ومذموم ؟
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد اشتد نكير ابن عباس رضي الله عنهما
على من اعتبر قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ،
في أن الإفراد بالحج أفضل ،
وكان ابن عباس يرى التمتع بالعمرة إلى الحج واجب ،
لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
أن يجعلوها عمرة ،
ويحلوا إذا طافوا بالبيت ،
وسعوا بين الصفا والمروة ،
فقال سراقة :
ألعامنا هذا ، أم للأبد ؟
فقال : بل للأبد .
فقد جاءه رضي الله عنه من قال له :
إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما
لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج ،
ويريان أن إفراد الحج أفضل .
فقال رضي الله عنه :
يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ،
أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتقولون قال أبو بكر وعمر ؟ .
فإذا كان هذا قـول بن عـباس رضي الله عـنه
في الخليفتين الراشدين أبي بكـر وعمر،
فكيف بمن ترك قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لقول من هو دونهما؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد ثبت عن الشافعي رحمه الله قوله :
أجمع العلماء على أن من استبانت له
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يكن له أن يدعها
لقول أحد .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه :
عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ،
يذهبون إلى رأي سفيان .
والله تعالى يقول :
{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[1] ،
أتدري ما الفتنة ؟
الفتنة الشرك .
لعله إذا ردَّ بعض قوله
أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك . اهـ .
==========
[1] - سورة النور ، الآية : 63 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أهذه من المالكي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
يقول صلى الله عليه و سلم بالعموم
وبالحصر وبالاختصاص
في رد البدعة والتحذير منها ،
وبيان مصيرها ومصير أصحابها والعاملين بها .
يقول صلى الله عليه وسلم :
" وكل بدعة ضلالة " ،
ويقول المالكي : لا ،
ليست كل بدعة ضلالة .
أهذا هو الفرح والاستبشار
بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أنترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما فيه من
قول واضح
ونص صريح
وتوجيه راشد ،
ونقول : قال الشافعي ، قال النووي ، قال ابن الأثير ،
قال فلان ، قال علان ؟!
حقاً يوشك أن تنزل
على أهل هذا الاتجاه السيء
حجارة من السماء
مسوّمة عند ربك
وما هي من الظالمين ببعيد .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل التاسع عشر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل التاسع عشر بقوله :
الدليل التاسع عشر :
كل ما تشمله الأدلة الشرعية ،
ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين ،
وقول المتعصب إن هذا لم يفعله السلف ;
ليس دليلاً له ، بل هو عدم دليل .
كما لا يخفى على من مارس علم الأصول ،
فقد سمى الشارع بدعة الهدى سنة ،
و وعد فاعلها أجراً ، فقال عليه الصلاة والسلام :
" من سنّ في الإسلام سنـّة حسنة فعُـمل بها بعده ،
كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء " . اهـ .
هذا الدليل هو في الواقع تكرار للدليل الخامس عشر ،
وإذا كان الدليل الخامس عشر قد بسطه المالكي بقول
جرت مناقشته ورده جملة وتفصيلا ،
فإن هذا الدليل التاسع عشر هو إجمال واختصار
للدليل الخامس عشر ،
ونجاري المالكي في تكراره الممل ،
ونقول له :
إن الاحتفال بالمولد
لم تشمله الأدلة الشرعية العامة أو الخاصة ،
فلم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا أصحابه
ولا التابعين
ولا تابعيهم احتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ،
لا بشكل جماعي ،
ولا بشكل فردي ،
ولم تلق قصائد مدحه صلى الله عليه وسلم
في ذكرى مولده المتكررة بتكرر السنين والأعوام ،
وإنما كانت تلقى في مناسبات تقتضيها الأحوال .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
من صومه يوم الإثنين من كل أسبوع ،
وتعليله ذلك بأنه يوم ولد فيه ;
لا يُعتبر دليلاً على إقامة احتفال سنوي ;
فيه من المنكرات والشركيات والترهات ما الله به عليم ،
فالأول خير محض ،
والثاني إن لم يكن شراً محضاً
فضرره لا يقابل ما فيه من خير إن وجد .