حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إلى آخر ما في المدائح النبوية
من الغلو
والإطراء ،
والإفراط
ومخالفة أمر و رغبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،
وحرصه الشديد في أن تعرف أمته قدره عند ربه ،
فلا تطريه وترفعه إلى مقام لا يرتضيه :
" لا تطروني
كما أطرت النصارى ابن مريم ،
إنما أنا عبد ،
فقولوا
عبدُ الله ورسوله " .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهل في مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وهي في الإتيان بما يُغضب رسول الله ،
وهل الغلو في رسول الله
بما لا يرضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
هل في ذلك سنة ومطلوب شرعاً ؟
أم أن ذلك عين المحظور ،
وجوهر التنكب عن الصراط المستقيم ! .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند قوله :
إن الآثار الصحيحة جاءت بها وبالحث عليها .
ونقول للمالكي :
إن كان قصدك أن ذكر الله تعالى ،
والتحدث بنعمه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والتصدق على من يستحق الصدقة ،
ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعظيمه بما لا يخرجه عن مقامه
ولا منزلته التي أنزلها الله إياها ;
إن كان قصدك أن هذه الأمور مأمور بها ومطلوبة شرعاً ;
فهذا حق وصدق وعدل .
إلا أن ذلك
ليس خاصاً
بليلة واحدة
في السنة ،
وإنما هي وغيرها مما أمر به في كتابه ،
أو على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ،
مطلوبة منا شرعاً
وفي كل وقت
وفي كل مكان
ومن كل فرد ،
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بمشروعيتها ،
وبالحث عليها ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذا لا يعني أننا نُسلِّم للمالكي بدليله هذا ،
فقد وقفنا معه الوقفة الأولى
وبينا بُعْده عن مواطن الاستدلال
وأن الذكر والصدقة والمدائح النبوية
التي يُقام الاحتفال للمولد بها ;
ليست الأمور المطلوبة شرعاً ،
بحكم ما يخالطها ويمازجها من المنكرات
والشركيات
والتلاعب بالعقول ،
وإنما هي أمور محظورة شرعاً ،
تغضب الله وتغضب رسوله ،
وتتنافى مع مقتضى شهادة ألا إله إلا الله ،
وأن محمداً رسول الله ،
وتربي العقول على الأخذ بالخيالات
والترهات والوهميات ،
فهل خلط عقل المالكي
فالتبست عليه المتضادات ؟
أم أنه الهوى يُعمي ويُصم ؟ .
رحمك الله أيها الشاطبي ،
فحقاً ما قلت :
بأن أهل البدع لا يستطيعون المناظرة
ومقابلة الحجة بالحجة ،
لأنهم يُشرِّعون بعقولهم المجردة
عن أي مستند شرعي .
وهذا المالكي
من أجناس من قصدت
رحمك الله .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الرابع عشر
مناقشته ثم ردّه :-
وذكر المالكي الدليل الرابع عشر بقوله :
الرابع عشر :
أن الله تعالى قال :
{ وَكُلاَّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ }[1]،
يظهر منه أن الحكمة في قص أنباء الرسل عليه
تثبيت فؤاده الشريف بذلك ،
ولا شك أننا اليوم نحتاج إلى تثبيت أفئدتنا بأنبائه وأخباره ،
أشد من احتياجه هو صلى الله عليه وسلم .اهـ .
حقاً إننا محتاجون دائماً وأبداً
وفي كل وقت ،
وليس في ليلة واحدة
بعد مضي ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة ،
محتاجون إلى ما يثبت أفئدتنا
ويقوى عزائمنا ويزيد في إيماننا ،
وذلك باتباع أوامر الله تعالى
وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ،
وبالتزام الطاعة والعبادة
وفق ما شرعه صلى الله عليه وسلم ،
وما هو عليه من صبر وإيمان وجهاد ،
ورأفة تامة بأمته
وحرص منه صلى الله عليه وسلم على اهتدائها ،
وغير ذلك من جوانب الإشراق
في حياته صلى الله عليه وسلم .
==========
[1] - سورة هود ، الآية : 120 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لا شك أن في دراسة ذلك وتأمله ومتابعته
تقوية لأفئدتنا ، وزاداً لعزائمنا ،
وإيماناً بحكمة وجودنا في هذه الحياة ،
إلا أن ذلك ينبغي أن يكون
في كل وقت
وعلى أي حال وفي كل مناسبة ،
في مساجدنا ومدارسنا ومجالسنا وأجهزة إعلامنا ،
فنحن في أشد وأحوج إلى ما تقوى به عزائمنا ،
وتثبت به أفئدتنا ،
ولا شك أن أفئدتنا ستكون أشد زعزعة ،
وعزائمنا أكثر ضعفاً
إذا كنا لا نسمع أخباره صلى الله عليه وسلم ،
ولا تقص علينا سيرته صلى الله عليه وسلم
إلا مرة في السنة ،
فيها من التلاعب وتسفيه الأحلام ،
والسكوت على المنكرات أو المشاركة بها
ما يعرفه المالكي وأحزابه ،
فهل بعد هذا الجفاء جفاء ؟ ،
وهل بعد هذا الحرمان من حرمان ؟ ،
وهل بعد هذه القطيعة من قطيعة ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد أمر الله تعالى أن تكون صلة عباده به قوية
ومتماسكة ومستمرة ،
فقد أوجب على عباده خمس صلوات في كل يوم وليلة ،
وجعل في الصلوات من الأذكار والأقوال
ما يرتفع بها ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ،
كما هو الواقع في التشهد الأول
وما فيه من سلام عليه صلى الله عليه وسلم ،
وشهادة له بالرسالة ،
وما في التشهد الثاني فوق ذلك
من الصلاة عليه وعلى آله
والدعاء لهم بالبركة .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن المالكي يتشدق
ويظن أنه بهذيانه في رسالته البتـراء
وفي غيرهـا من كتـبـه و رسائله ;
يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يستحقه ،
وما يدري الجاهل المسكين
أنه بدعوته لإقامة الموالد
يُبعد الناس عن سيرة رسول الله ،
وعن جوانب الإشراق في حياة رسول الله ،
وعن موجبات الاتعاظ وأخذ العبر من جهاد رسول الله ،
حينما لا يكون تذكر ذلك
إلا في ليلة واحدة
بعد ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة ،
ينشغل فيهن الناس بأمور الدنيا وزخارفها ومتعها ،
وينسون ما سمعوه في ليلة المولد
إن سمعوا فيها حقاً وصدقاً ،
وما أقل ذلك وأندره .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الخامس عشر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل الخامس عشر بقوله :-
الخامس عشر:
ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر الأول فهو بدعة منكرة سيئة
يحرم فعلها ويجب الإنكار عليها،
بل يجب أن يعرض ما أحدث على أدلة الشرع ،
فما اشتمل على مصلحة فهو واجب ،
أو على محرم فهو محرم ،
أو على مكروه فهو مكروه ،
أو على مباح فهو مباح ،
أو على مندوب فهو مندوب ،
وللوسائل حكم المقاصد .
ثم قسم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام :
واجبة كالرد على أهل الزيغ وتعلم النحو ،
ومندوبة كإحداث الربط والمدارس والأذان على المنابر ،
وصنع إحسان لم يعهده في الصدر الأول ،
ومكروهة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف ،
ومباحة كاستعمال المنخل والتوسع في المآكل والمشارب،
ومحرمة وهي ما أحدث لمخالفة السنة ،
ولم تشمله أدلة الشرع العامة ،
ولم يحتو على مصلحة شرعية .اهـ .
الواقع أن العلماء رحمهم الله
لم يهملوا هذه المسألة
بل بحثوها وحققوها تحقيقاً ظهر منه
ما يعتبر بدعة وما لا يعتبر بدعة .
وقد سبق أن قدمنا في الفصل التمهيدي
للدخول مع المالكي في مناقشة أدلته وردها ;
قدمنا نصوصاً لأهل العلم والمحققين منهم
أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي
والعز بن عبد السلام وابـن رجب ،
وغيرهـم مما يغـني عن إعادته .
تحدثوا رحمهم الله عن البدعة
وعن الإحداث في الدين ،
وفندوا رأي من يقسم البدعة إلى حسن وقبيح ،
وذكروا رحمهم الله أن النصوص النبوية في
رد البدعة والتحذير منها
نصوص عامة شاملة ،
لا يمكن أن يخرج من أجزائها أو أفرادها
ما يعتبر حسناً مشروعاً ،
لما في ذلك من الخلل والخطأ ،
والبعد عن روح التشريع ،
من اتهام الدين بالنقص
والرسول بالتقصير في أداء الرسالة ،
وزعزعة الإيمان بمقتضى مدلول قوله تعالى :
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسَْلامَ دِينًا }[1].
==========
[1] - سورة المائدة ، الآية 3 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولا شك أن ما أُحدث فينبغي عرضه على أدلة الشرع ،
فما اشتمل على مصلحة ظاهرة ،
وأدلة الشرع العامة تؤيده وتدعو إليه ،
كالرد على
أهل الزيغ والبدع والضلال ،
والنظر فيما يحفظ كتاب الله من جمع ونشر ،
وتصنيف علوم القرآن واللغة والحديث ،
ونحو ذلك مما تؤيده القواعد العامة للتشريع ;
فهذا ليس من قبيل الابتداع ،
ولا نقول بأن السلف الصالح لم يكن على عهد به ،
وقد أحدث بعدهم ،
فالعبرة من هذه الأمور المستحدثة بنتائجها،
ولا شك أن نتائجها محصلة لدى سلفنا الصالح،
فكتاب الله في صدروهم ،
وهم أهل اللغة سليقة ،
فليسوا في حاجة إلى علوم اللغة ،
إلى أن اختلت ألسنة أولادهم ،
بحكم اختلاطهم بالأعاجم ،
فأشار الخليفة الراشد على بن أبي طالب رضي الله عنه
بإيجاد علم النحو لحفظ اللسان العربي ،
ثم تتابعت علوم القرآن واللغة
تحقيقاً لضرورة العناية بكتاب الله
حفظاً وتعلماً وتعليماً ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ورد سلفنا الصالح
على أهل الزيغ والضلال حاصل منهم بالفعل ،
فقد ردَّت عائشة رضي الله عنها على الحرورية ،
وردَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على غلاة الشيعة ،
وأصل ذلك تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته
من دعاة السوء والضلال ،
من خوارج وغيرهم ،
وأنه إن أدركهم ليقاتلنهم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولا نقول بأن إيقاف الربط ليس له عهد لدى سلفنا الصالح ،
فأين المالكي عن الصفة وأهل الصفة ،
فهي رباط على فقراء الصحابة ،
وهي أصل في مشروعية وقف الأربطة على الفقراء .
ولا نقول بأن المدارس محدثة ،
فأين المالكي عن دار الأرقم المدرسة الأولى في الإسلام ؟
فهي كذلك أصل في إيجاد مدارس
يتعلم فيها أبناء المسلمين أمور دينهم ودنياهم .
أما الأذان على المنابر
فلا يخفى أن الأذان شرع للإعلام بدخول وقت الصلاة ،
وأن المؤذنين في الصدر الأول من الإسلام
كانوا يؤذنون على سطوح المساجد والبيوت
ابتغاء التوسع في الإبلاغ ،
فإذا كان التوسع في الإبلاغ بدخول الوقت مطلباً شرعياً ;
فأي وسيلة إليه مطلوبة شرعاً ،
ولا تعتبر حدثاً لوجود أصلها في الجملة .
أما زخرفة المساجد والمصاحف
فالحمد لله على الإقرار بكراهيتها ،
مع أن النصوص النبوية متوفرة بمنع ذلك والحمد لله .
وأما الأمور المباحة مما لا يُـقصد باستعمالها أمر تعبدي ;
فهي مشمولة بالنص النبوي الكريم
" أنتم أعلم بأمور دنياكم " ،
فما استحدثه الناس في أمور حياتهم
مما لا يتعارض مع النصوص العامة
في مراعاة الاقتصاد والإباحة العامة ;
فلا يُعتبر بدعة ،
فقد عرّف العلماء البدعة
بأنها طريقة محدثة في الدين .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد ذكر المالكي ما ذكره بعض أهل العلم
من أن البدعة تجري عليها الأحكام الخمسة :
الوجوب ، والاستحباب ، والإباحة ، والكراهة ، والحظر ،
وذكر أمثلة لكل نوع ،
وجرت مناقشته على تقسيم البدعة ،
ومناقشته على الأمثلة التي ذكرها للأحكام الأربعة ،
وبقي القسم الخامس المتعلق
بالتحريم لمخالفته السنة ،
ولأنه لا يحتوي على مصلحة شرعية ،
ولم تشمله أدلة الشرع العامة ،
ونقول إن هذا القسم الخامس
هو البدعة بعينها ،
وأن الموالد والاحتفال بها ولها;
من أمور البدعة محرّمة
لمخالفتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
لأن السنة في اصطلاح أهل العلم
هي أقوال الرسول وأفعاله وتقريراته ،
وما عدا ذلك
فهو عمل ليس عـليه أمر رسول الله
صلى الله عـليه وسلم
وإحداث في الديـن ما لـيس منه ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد اعترف المالكي أن المولد بدعة ،
وأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا عهد أصحابه
ولا عهد التابعين وتابعيهم ،
من القرون المفضلة الذين هم الصدر الأول للإسلام ،
والمولد بحكم ابتداعه
ونية التعبد به بلا مستند شرعي ; بدعة ،
وهو بحكم ما يشتمل عليه من المنكرات
في الاجتماع من اختلاط وغناء
وإسراف في المآكل والمشارب وانتهاك لحرمة العقول ،
حيث تُجبر على تصديق التخيلات والتوهمات والخرافات
من حضور الحضرة ،
ووجوب تقديم آيات الإجلال والتقدير بالقيام لها ،
واستشعار الرهبة والخشية والخشوع والتذلل
لتوهم حضورها ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن المولد بحكم ابتداعه
وبحكم ما يشتمل عليه مما ذكرنا ،
وما لم نذكره مما يعرفه المالكي وأحزابه ،
لا يكفي أن نقول إن أدلة الشرع العامة لا تشمله ،
ولم يحتو على مصلحة شرعية ،
ولكننا نقول إنه يشتمل على مخالفات شرعية ،
ومضار شرعية ،
وبدع ومنكرات وشركيات
تجعل المخلوق شريكاً للخالق
في مقاليد السموات والأرض،
وتجعل لرسول الله منزلة إلهية ،
حيث يكون من جوده الدنيا وضرتها
ومن علومه علم اللوح والقلم ،
وأن الخلق خلقوا لأجله ،
وأن ليلة مولده أفضل من ليلة القدر
التي نزلت بفضلها وتفضيلها على ألف شهر سورة كاملة ،
وأن قبره أفضل من الكعبة ،
إلى غير ذلك مما يقرأ ويعرض ويتلى
في احتفالات المولد .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهل يستطيع المالكي
وأحزاب المالكي ،
وأئمة المالكي
وشيوخ المالكي ،
ومن يسلك مسلك المالكي
أن يجدوا للاحتفالات بالمولد
في تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام ؟،
وهل يجدون للمولد مكاناً غير القسم الخامس ،
لما فيها من مخالفة السنة ،
وانتـفاء أدلة الشرع العامة على مشروعيتها ،
وخلوها من المصالح العامة ؟
إنهم إن حكموا عقولهم العامة
وطوحوا بأهوائهم عرض الحيطان ;
فسيسلمون لنا بذلك ،
وإن ركبوا رؤوسهم
فسيأتون من القول بالعجب العجاب ،
ولكنه الزبد يذهب جفاء ،
والباطل يندفع
فيكون زهوقاً .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل السادس عشر
مناقشته ثم ردّه :-
وذكر المالكي الدليل السادس عشر بقوله :
السادس عشر : ليست كل بدعة محرمة ،
ولو كان كذلك لحرم جمع أبي بكر وعمر وزيد رضي الله عنهم القرآن ،
وكتبه في المصاحب خوفاً على ضياعه بموت الصحابة القرآء رضي الله عنهم ،
ولحرم جمع عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة القيام ،
مع قوله نعمت البدعة هذه ،
وحرم التصنيف في جميع العلوم النافعة ،
ولوجب علينا حرب الكفار بالسهام والأقواس ،
مع حربهم لنا بالرصاص والمدافع والدبابات والطيارات والغواصات والأساطيل ،
وحرم الأذان على المنابر واتخاذ الربط والمدارس والمستشفيات والإسعاف ودار اليتامى والسجون ،
فمن ثم قيد العلماء رضي الله عنهم حديث كل بدعة ضلالة بالبدعة السيئة ،
ويصرح لهذا القيد ما وقع من أكابر الصحابة والتابعين ،
من المحدثات التي لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ،
ونحن اليوم قد أحدثنا مسائل كثيرة لم يفعلها السلف ،
وذلك كجمع الناس على إمام واحد في آخر الليل لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح ،
وكختم المصحف فيها ، وكقرآءة دعاء ختم القرآن ،
وكخطبة الإمام ليلة سبع وعشرين في صلاة التهجد وكنداء المنادي بقوله :
صلاة القيام أثابكم الله ، فكل هذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولا أحد من السلف ، فهل يكون فعلنا له بدعة ؟ .
هذا الدليل لنا مع صاحبه عدة وقفات :
الوقفة الأولى :
عند قوله ليست كل بدعة محرمة .
هذا القول قد تكرر منه عدة مرات في أدلته السابقة ،
وتكررت منا الإجابة عليه تبعاً لتكرار إيراده ،
ونقتصر الآن على القول
بأننا لا نسلم للمالكي قوله :
ليست كل بدعة سيئة ،
وسبق أن ذكرنا أقوال المحققين من أهل العلم
في ذلك أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب
والشاطبي والعز بن عبد السلام ،
وردهم على من يقول بقول المالكي ،
بتقسيم البدعة إلى حسنة وقبيحة ،
وتمسكهم بعموم النصوص الدالة على الشمول والإطلاق ،
وانتفاء التخصيص أو القيد .
وذكرنا أن مَن يقسم البدعة إلى خمسة أقسام ،
لا يعني بالأقسام الأربعة : الوجوب ، الندب ، الإباحة ، الكراهة ;
البدعة الشرعية ،
وإنما يعني بذلك البدعة اللغوية ،
بدليل أن أمثلة الأقسام الثلاثة مندرجة تحت نصوص عامة ،
وخاصة من كتاب الله تعالى ،
ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
والقسم الرابع وهو الإباحة لا تعلق له بالدين ،
وإنما هو من أمور العباد الدنيوية المندرجة
تحت قوله صلى الله عليه وسلم :
أنتم أعلم بشئون دنياكم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما القسم الخامس
وهو المحرم;
فهو البدعة الشرعية بعينها ،
سواء كان تحريمها لمخالفتها السنة ،
أو لانتفاء مشروعيتها من الأدلة الشرعية العامة ،
أو لخلوها من المصلحة
كما هو الحال في الموالد والاحتفال بها ،
فهي مخالفة للسنة
لكونها مما لم يكن عليه أمر هذا الدين
في الصدر الأول من الإسلام ،
ولاشتمالها على المدائح النبوية
المشتملة على الغلو
والإطراء
والإفراط ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد تواترت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ،
على التزام القصد في الثناء ،
والنهي عن الغلو والتنطع ،
ومجاوزة الحد في المدح ،
وحماية جناب التوحيد ;
من أن يأتي العباد في تصرفاتهم
بما يخدش كمال التوحيد .
كما أن المصالح الشرعية منتفية عنها ،
و فيها من المضار والمنكرات
ما لا يخفى على عاقل منصف يحب الله ورسوله ،
ويعرف ما الله من حق ،
وما لرسوله من مقام .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند اعتباره جمع القرآن من أبي بكر وعمر وزيد بن ثابت بدعة .
لا نعتقد أن أحداً من أهل العلم
ممن يُعتد بهم في علمهم وتقاهم وصلاحهم
وسلامة اعتقادهم
يرى أن جمع القرآن بدعة شرعية ،
لأن البدعة هي الطريقة المحدثة في الدين ،
على غير مثال ،
والله تعالى أمر بحفظ كتابه ،
وحض على ذلك رسول الله صلى الله وسلم ،
وأكد الله سبحانه وتعالى ضمان حفظه كتابه بقوله :
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[1] ،
فعمل أبو بكر وعمر وعثمان
هو في الواقع تطبيق عملي لنصوص شرعية من الكتاب ،
والسنة تأمر بذلك وتؤكده ،
===========
[1] - سورة الحجر ، الآية : 9 .