حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليـل العـاشـر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل العاشر بقوله :
العاشر :
إن تعظيمه صلى الله عليه وسلم مشروع ،
والفرح بيوم ميلاده الشريف بإظهار السرور ،
ووضع الولائم والاجتماع للذكر ، وإكرام الفقير ;
من مظاهر إظهار التعظيم والابتهاج والفرح
والشكر لله بما هدانا لدينه القويم ،
وما منّ به علينا من بعثه عليه أفضل الصلاة والتسليم . اهـ .
هذا القول مرَّ تكراره ،
ومرَّ تكرار مناقشته ،
وحينما نفرح بميلاده صلى الله عليه وسلم
فإن بعثته بالرسالة الأولى أولى بالفرح والابتهاج ،
وعلى أي حال فميلاده صلى الله عليه وسلم
وبعثته وهجرته
ومواقفه المشرفة في ميادين الصبر والنضال
والجهاد والتعليم ،
وإبلاغ الرسالة ،
ونصح الأمة ،
وترك هذه الأمة على محجة بيضاء
ليلها كنهارها ;
كل هذه الأمور نفرح بها ،
وننتشي لسماع أخبارها ،
وتنشرح خواطرنا بصدق الإيمان
وقوة الثبات وجميل الصبر ،
ونستلهم من هذه الجوانب
والصور المشرقة العبر والعظات .
ولكن ذلك كله
لا يكون في ليلة واحدة من السنة ،
وإنما يُشرع في كل وقت ،
وفي كل مكان
في المساجد والمجالس العامة والخاصة
ومدرجات الجامعات ،
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ليس مكان ذلك
عند خوانات الموائد وأدوات المعازف ،
ومجالس الاعتقادات الوهمية ،
ونوادي المدائح المتسمة
بالإفراط
و الغلو
والتنطع
والتفيهق
والإطراء ،
ونسبة خصائص الربوبية والألوهية
إلى غير الله تعالى ،
مما يغضب الله ورسوله .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإنما يجب أن يكون الفرح
بشمائله صلى الله عليه وسلم
وحياته المشرقة
مما ذكره أهل العلم والعقل
والتقى والصلاح من أهل الحديث وشرّاحه ،
وأهل التفسير والسيَر .
ولا نشك أن المالكي بحكم نشأته في عصرنا هذا
يدرك حقيقة وصدق ما نقول ،
وبطلان ما يدعو إليه ،
ولكنه الإبقاء على لحس الأيدي
ممن غرَّر بهم وأضلهم ،
والإبقاء على ما يطالبهم به
من تقديم آيات الاحترام والتبجيل
بالانحناءات وطلب البركات ،
فلا حول ولا قوة إلا بالله .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدلـيل الحادي عشر
مناقشته ثم رده:-
وذكر المالكي الدليل الحادي عشر بقوله :
الحادي عشر :
يُؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة ،
وعد مزاياه ، وفيه ولد آدم تشريف الزمان
الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام ،
فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين .
ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه ،
بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً، مهما تكرر ،
كما هو الحال في يوم الجمعة ، شكراً للنعمة ، وإظهار المزية النبوية ،
وإحياء للحوادث التاريخية الخطيرة ،
ذات الإصلاح المهم في تاريخ الإنسانية ،
وجبهة الدهر وصحيفة الخلود .
كما يُؤخذ تعظيم المكان الذي ولد فيه نبي ،
من أمر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم
بصلاة ركعتين ببيت لحم ،
قال له : أتدري أين صليت ؟ قال : لا ،
قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى . اهـ .
هذا الدليل لنا مع صاحبه الوقفات التالية :
الوقفـة الأولى :
حول ما يتعلق بفضل يوم الجمعة
والاستدلال بفضله على الفضل لأيام أخر
بمعيار القياس .
لقد سبق منا تكرار القول
بأننا مأمورون بالاتباع
لا بالابتداع ،
فما جاءت بمشروعيته النصوص الشرعية
من كتاب أو سنة قبلناه ،
وأخذناه على العين والرأس ،
واعتبرناه أمراً مشروعاً على سبيل الوجوب أو الاستحباب ،
حسبما تقضي بذلك تلك النصوص،
وقد جاءت النصوص الشرعية الصريحة الثابتة
بفضل يوم الجمعة ،
واعتباره أحد أعياد المسلمين،
واختصاصه بخصائص ليست لغيره .
فنحن نقف مع النصوص الشرعية حيث وقفت ،
ونسير معها حيث اتجهت :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }[1] ،
ولا نبيح لأنفسنا أن نشرع لنا تفضيل يوم بعينه
لم يرد النص بتفضيله ،
إذ لو كان خيراً لشُرع لنا تفضيله ،
كما شُرع لنا تفضيل يوم الجمعة
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا }[2] .
===========
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
[2] - سورة مريم ، الآية : 64 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولو جاءت نصوص شرعية
تنص على فضل يوم ذكرى ميلاد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ;
لكنا بتوفيق الله وهدايته
أسرع الناس إلى اعتبار ذلك والأخذ به ،
امتثالاً لقوله تعالى :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ }[1] ،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }[2] ،
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }[3] ،
وتحقيقـاً للإيمان بالله ربـا،
وبالإسـلام دينـا ،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيــاً ورسولا .
===========
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
[2] - سورة النساء ، الآية : 59 .
[3] - سورة آل عمران ، الآية : 31 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما يوم الجمعة فهو يوم فاضل ،
وعيد من أعياد المسلمين ،
يكون لصلاة الجمعة فيه وضع خاص ،
ومغاير لصلوات الظهر في أيام الأسبوع السائرة ،
فيه يجتمع المسلمون
ويسمعون من المواعظ والتوجيهات
والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ;
ما يمكن أن يكون زاداً روحياً
لمسيرتهم في بقية أيام الأسبوع .
ولكن فضل هذا اليوم
لا يعطينا الحق في القياس عليه ،
فنقول بتفضيل يوم آخر ،
سواء كان ذكرى مولد
أو مهاجر
أو إسراء
أو معراج ،
أو غير ذلك من الحوادث التاريخية ،
ما لم يكن لدينا في ذلك
مستند قولي أو فعلي ،
ممن له حق التبليغ عن رب العالمين ،
فإن الأمر في ذلك
كما قال سيد المرسلين وحبيب رب العالمين :
" من أحدثَ في أمرنا هذا
ما ليس منه
فهو رَدٌّ " .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند قوله
ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه،
بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً . اهـ .
هذا القول يقتضي أن نقيس في العبادات ،
ولا يخفى ما عليه أهل العلم من علماء الأصول وفقهاء الأمة ،
ممن يقولون بالقياس
من أنهم يمنعون القياس في العبادات ،
لأن القياس مبني على اتحاد المقيس والمقيس عليه في العلة ،
والعبادات مبناها على التوقيف والتعبد،
سواء كانت علة التشريع ظاهرة أو خفية ،
فلا يجوز أن نقيس على أصل مشروعية الصلاة
بتشريع صلاة سادسة بين الفجر والظهر مثلاً ،
ولا بتشريع صيام آخر بعد رمضان أو قبله ،
ولا بزيادة ركعة أو أكثر
على ركعات صلاة من الصلوات الخمس ،
كزيادة ركعة في صلاة المغرب
وركعتين في صلاة الفجر ;
بحجة أن التشريع في الصلوات
أو في الصيام أو في غيرهما من أنواع العبادة
لها خصوصاً ولنوعها عموماً .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن الله تعالى حينما فضَّل يوم الجمعة
على غيره من الأيام الأخرى ،
وتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما يدل على ذلك التفضيل ويؤكده ;
قادر على أن يقرر تفضيل غيره من الأيام ،
كيوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
أو بعثته أو هجرته ،
ويعطي عباده نصوصاً صريحة
من قوله تعالى ،
أو قول رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ،
في تفضيل ذلك اليوم
كما هو الحال
في يوم الجمعة ،
وفي ليلة القدر .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم
فلم نجد أحداً منأصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أخذ ما أخذه به المالكي وأحزابه ،
أخذاً عن أسلافهم في ذلك
القرامطة
والفاطميين
والرافضة
والمتصوفة،
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } [1] .
وما كان صلى الله عليه وسلم مقصِّراً
في جناب
إبلاغ الرسالة ،
وأداء الأمانة ،
والنصح للأمة
فيما يعود عليها بالخير
والقرب من الله تعالى .
===========
[1] - سورة مريم ، الآية : 64 .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وما كان المالكي وأحزابه وأسلافه من
القرامطة
والفاطميين
والرافضة
أشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من أصحابه
وأتباعهم
ومن تبعهم بإحسان ،
ولا أخلص اتباعاً،
ولا أنقى سريرة ،
ولا أكثر تقى وصلاحاً ،
فهم رضوان الله عليهم
صفوة أمته .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وما كان المالكي و أحزابه وأسلافه وأئمته
من القرامطة
والفاطميين
أكثر علماً وإدراكاً لأسرار التشريع
من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وتابعيهم ،
ولكنها الفتنة بأبواب الشر
ومغاليق الخير ،
والتشبث بما فيه ترويج
البدع و المنكرات ،
ولكنه الزبد يذهب جفاء ،
والباطل يندمغ ،
فإذا هو زاهق ،
و يأبى الله إلا أن يتم نوره
ولو كره الكافرون .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لا شك أن بعض الأزمنـة أفضل من بعض ،
وأن بعض الأمكنـة أفضل من بعض ،
إلا أن الفضل في ذلك
لا يكون بالرأي والقياس ،
ولا بالاستحسان ،
ولا بقول من ليس له اختصاص
في تبليغ رسالة إلهية ،
ولكن فضل ذلك يُؤخذ من رب العالمين ،
وممن يبلغ عن رب العالمين .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فمتى وجدنا نصاً من كتاب الله
أو من سنة رسول الله ،
يقضي بتفضيل زمان أو مكان على غيرهما ;
أخذنا بذلك النص واقتصرنا عليه ،
ولم نوسع مدلوله
فيما لا يحتمله النص ،
فنقول كما يقول المالكي :
" هذا له خصوص ولنوعه عموم " ،
فنقع فيما وقع فيه من اللغط والغلط ،
والقول على الله وعلى رسوله
بالزور
والبهتان
والعدوان ،
نسأل الله لنا وله الهداية ،
والله المستعان .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الثاني عشر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل الثاني عشر بقوله :
الثاني عشر :
إن المولد أمر يستحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد ،
و جرى به العمل في كل صقع ،
فهو مطلوب شرعاً للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف
( ما رآه المسلمون حسناً فهوعند الله حسن ،
وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح ) اهـ .
ونقول للمالكي :
من هم العلماء والمسلمون الذين يستحسنون المولد ؟
هل هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قطعاً لا ..
هل هم التابعون ؟
قطعاً لا ..
هل هم تابعوا التابعين ؟
قطعاً لا ..
هل من العلماء والمسلمين من يقيم المولد
من أهل القـرون الثلاثة المفضلة ؟
قطعاً لا ..
مَن مِن علماء المسلمين الذين يستحسنون المولد ؟
هل هم أهل الحديث وشرّاحه
أمثال البخاري ومسلم
والنسائي وأحمد وابن ماجه
والترمذي وأبو داود والبيهقي والطبراني ،
وغيرهم من أئمة الحديث ورجاله
ممن عرفوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ونذروا أنفسهم لخدمتها والتبصير بها ،
ورد ما ليس منها مما يُراد أن يكون منها ؟
قطعاً لا ..
هل هم أئمة الفقهاء
أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي
وأحمد وابن حزم و الأوزاعي والثوري ،
وغيرهم من فقهاء الأمة وعلمائها ؟
قطعاً لا ..
هل هم علماء التفسير
أمثال ابن كثير وابن جرير والبغوي
والقرطبي وابن العربي ، وغيرهم ؟
قطعاً لا ..
هل هم قادة القرامطة والفاطميين والرافضة
بمختلف طوائفهـم ونحلهم ؟؟
اللهم نعم .
هل هم أهل الطُرُق الصوفية
من تيجانية وسنوسية ورفاعية وشاذلية ونقشبندية ونحوهم ؟
اللهم نعم ..
هل هم عوام مغرّر بهم
من المالكي وأحزابـه وأسلافـه من
دعاة البـدع والمحدثات؟
اللهم نعم .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا كان كذلك ;
ولا شك أن الأمر كما قلنا ،
والمالكي يعترف بأن المولد بدعة
باعتباره لم يكن في الصدر الأول من الإسلام ،
ولكنه يناقض نفسه
حينما يقول بأن المسلمين والعلماء قد استحسنوا المولد ،
والحال أن علية الأمة الإسلامية وصفوتها
ورعيلها الأول من أهل القرون الثلاثة المفضلة
من علماء وزهاد و عباد ،
من صحابة وتابعين وأتباع تابعين ،
لم يكن المولد على عهدهم
ولا عهد لهم به .
إنها المغالطة
إذا لم نقل أنه الجهل المركب منه .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم مَن المسلمون المعتبرون في اعتبار الحُسْن والقبح
كما جاء به الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه ؟
هل هم القرامطة
والفاطميون
وأصحاب الطُرُق
ممن عشَّش الشيطان في عقولهم فأفسدها ،
فأصبح الحسن عندهم ما رآه الشيطان حسنا ،
والقبيح لديهم ما رآه قبيحا ؟.
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
هل يستطيع
المالكي وأحزابه وأعوانه وشيـوخه وأئمته
أن يأتوا لنا بقـول أو فعـل أو استحسان للموالد والاحتفال بها
من السلف الصالح
من الصحابة والتابعين وتابع التابعين ،
وصلحاء الأمة من فقهائها ومحدثيها ،
وزهّـادها وعبّـادها ؟ .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لا شك أنهم سيعجزون
عن أن يأتوا بما تحديناهم أن يأتوا به ،
ولهذا نكتفي بهذا التحدي ،
لثقتنا الكاملة في جدواه ،
نكتفي بذلك عن أن ندخل مع المالكي
في مناقشة لأثر ابن مسعود رضي الله عنه ،
من حيث ثبوته ،
والمقصود به ،
وما ذكره أهل العلم بخصوصه .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ونختم رد هذا الدليل
بما ذكره الشاطبي في هذا الخصوص،
فقد عقد الشاطبي رحمه الله
باباً في كتابه ( الاعتصام ) الجزء الثاني ،
ذكر فيه الفرق بين البدعة
وبين الاستحسان والمصالح المرسلة
اللذين أخذ بهما مجموعة من أهل العلم ،
واحتج بهما على مشروعية الابتداع أهل البدع ،
نقتطف من قوله رحمه الله
ما يتسع المجال لاقتطافه ،
ونحيل طالب الاستزاده والتحصيل
إلى الكتاب نفسه .
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قال رحمه الله :
الباب الثامن
في الفرق بين البدعوالمصالح المرسلة والاستحسان :
( هذا الباب يضطر إلى الكلام فيه عند النظر
فيما هو بدعة وما ليس ببدعة ،
فإن كثيراً من الناس عدوا أكثر المصالح المرسلة بدعاً ،
ونسبوها إلى الصحابة والتابعين ،
وجعلوها حجة فيما ذهبوا إليه
من اختراع العبادات .
وقوم جعلوا البدع تنقسم بأقسام أحكام الشريعة ،
فقالوا : إن منها واجب ومندوب ،
وعدوا من الواجب كتب المصحف وغيره ،
ومن المندوب الاجتماع في قيام رمضان على قارئ واحد .
وأيضاً فإن المصالح المرسلة
يرجع معناها إلى اعتبار المناسب
الذي لا يشهد له أصل معين ،
فليس له على هذا شاهد شرعي على الخصوص ،
ولا كونه قياساً بحيث إذا عرض على العقول تلقته بالقبول ،
وهذا بعينه موجود في البدع المستحسنة ،
فإنها راجعة إلى أمور في الدين مصلحية
– في زعم واضعيها –
في الشرع على الخصوص ،
وإذا ثبت هذا فإن كان اعتبار المصالح حقا ;
فاعتبار البدع المستحسنة حق ،
لأنهما يجريان في واد واحد ،
وإن لم يكن اعتبار البدع حقا ;
لم يصح اعتبار المصالح المرسلة )