رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والسبعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يضحك الله إلى رجلين
يقتل أحدهما الآخر ،
يدخلان الجنة ،
يقاتل هذا في سبيل الله ،فيُقتل،
ثم يتوب الله على القاتل
فيُسلم فيستشهد ).
متفق عليه.
هذا الحديث يدل على تنوع كرم الكريم،
وأن كرمه وفضله متنوع
من وجوه لا تعد ولا تحصى،
ولا يدخل في عقول الخلق وخواطرهم.
فهذان الرجلان اللذان قتل أحدهما الآخر
قيض الله لكل منهما من فضله وكرمه
سبباً أوصله إلى الجنة.
فالأول:
قاتل في سبيله،
وأكرمه الله على يد الرجل الآخر
– الذي لم يسلم بعد –
بالشهادة التي هي أعلى المراتب،
بعد مرتبة الصديقين،
وغرضه في جهاده إعلاء كلمة الله،
والتقرب إلى ربه بذلك.
فأجره على الله.
وليس له على القاتل حق،
فثبت أجره على الله.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السابع والسبعون
عن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه.
فإن كان لا بد فاعلاً،
فليقل:
اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي،
وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي"
متفق عليه.
هذا نهي عن تمني الموت
للضر الذي ينزل بالعبد،
من مرض أو فقر أو خوف،
أو وقوع في شدة ومهلكة،
أو نحوها من الأشياء.
فإن في تمني الموت لذلك مفاسد.
منها:
أنه يؤذن بالتسخط والتضجر
من الحالة التي أصيب بها،
وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته.
ومعلوم أن تمني الموت ينافي ذلك.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثامن والسبعون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الدنيا حلوة خضرة.
وإن الله مستخلفكم فيها،
فينظر كيف تعملون،
فاتقوا الدنيا،
واتقوا النساء؛
فإن أول فتنة بني إسرائيل
كانت في النساء"
رواه مسلم.
أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
بحال الدنيا وما هي عليه
من الوصف الذي يروق الناظرين والذائقين.
ثم أخبر أن الله جعلها محنة وابتلاء للعباد.
ثم أمر بفعل الأسباب،
التي تقي من الوقوع في فتنتها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث التاسع والسبعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" الإيمان بضع وسبعون
– أو بضع وستون – شُعبة،
أعلاها:
قول: لا إله إلا الله.
وأدناها:
إماطة الأذى عن الطريق.
والحياء شعبة من الإيمان"
متفق عليه.
هذا الحديث من جملة النصوص
الدالة على أن الإيمان
اسم يشمل عقائد القلب وأعماله،
وأعمال الجوارح،
وأقوال اللسان
فكل ما يقرب إلى الله،
وما يحبه ويرضاه،
من واجب ومستحب
فإنه داخل في الإيمان.
وذكر هنا أعلاه وأدناه،
وما بين ذلك وهو الحياء
ولعل ذكر الحياء؛
لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان.
فإن من استحيا من الله
لتواتر نعمه،
وسوابغ كرمه،
وتجليه عليه بأسمائه الحسنى،
والعبد – مع هذا كثير التقصير
مع هذا الرب الجليل الكبير
يظلم نفسه ويجني عليها –
أوجب له هذا الحياء
التوقِّي من الجرائم،
والقيام بالواجبات والمستحبات.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثمانون
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما منكم من أحد
إلا سيُكلمه ربه،
ليس بينه وبينه تَرْجمان
فينظر أيمن منه،
فلا يرى إلا ما قدم.
وينظر أشأم منه،
فلا يرى إلا ما قدم،
وينظر بين يديه
فلا يرى إلا النار تِلقَاءَ وجهه،
فاتقوا النار
ولو بِشِقِّ تمرة.
فمن لم يجد
فبكلمة طيبة "
متفق عليه.
هذا حديث عظيم.
تضمن من عَظَمة الباري
ما لا تحيط به العقول
ولا تعبر عنه الألسن.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الحادي والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"دعوني ما تركتكم؛
فإنما أهلك من كان قبلكم
كثرةُ سؤالهم،
واختلافهم على أنبيائهم.
فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه،
وإذا أمرتكم بأمر
فائتوا منه ما استطعتم"
متفق عليه.
هذه الأسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها:
هي التي نهى الله عنها في قوله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء
إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } (1)
وهي الأسئلة عن أشياء من أمور الغيب،
أو من الأمور التي عفا الله عنها،
فلم يحرمها ولم يوجبها.
فيسأل السائل عنها
وقت نزول الوحي والتشريع.
فربما وجبت بسبب السؤال.
وربما حرمت كذلك.
فيدخل السائل في قوله
صلى الله عليه وسلم :
"أعظم المسلمين جرماً:
من سأل عن شيء لم يُحرم،
فحُرِّم من أجل مسألته".
وكذلك يُنهى العبد
عن سؤال التعنت والأغلوطات،
ويُنهى أيضاً عن أن يسأل
عن الأمور الطفيفة غير المهمة.
ويدع السؤال عن الأمور المهمة.
فهذه الأسئلة وما أشبهها
هي التي نهى الشارع عنها.
******************
(1) سورة المائدة – آية 101 .
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثاني والثمانون
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من لا يرحم الناس :
لا يرحمه الله"
متفق عليه.
يدل هذا الحديث بمنطوقه
على أن من لا يرحم الناس لا يرحمه الله،
وبمفهومه على أن من يرحم الناس
يرحمه الله،
كما قال صلى الله عليه وسلم
في الحديث الآخر:
"الراحمون يرحمهم الرحمن.
ارحموا من في الأرض؛
يرحمكم من في السماء".
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثالث والثمانون
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه،
ويُنسأ له في أثَره،
فليَصِلْ رَحمه "
متفق عليه.
هذا الحديث فيه:
الحث على صلة الرحم،
وبيان أنها كما أنها
موجبة لرضى الله وثوابه في الآخرة،
فإنها موجبة للثواب العاجل،
بحصول أحب الأمور للعبد،
وأنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه.
وسبب لطول العمر.
وذلك حق على حقيقته؛
فإنه تعالى هو الخالق
للأسباب ومسبباتها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الرابع والثمانون
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" المرء مع من أحب "
متفق عليه.
هذا الحديث فيه:
الحث على قوة محبة الرسل واتباعهم
بحسب مراتبهم،
والتحذير من محبة ضدهم؛
فإن المحبة
دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه،
ومناسبته لأخلاقه،
واقتدائه به.
فهي دليل على وجود ذلك.
وهي أيضاً باعثة على ذلك.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخامس والثمانون
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان إذا استوى على بعيره
خارجاً إلى سفر:
كبَّر ثلاثاً،
ثم قال:
سبحان الذي سخر لنا هذا
وما كنا له مُقْرنين،
وإنا إلى ربنا لمنقلبون.
اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا
البِرَّ والتقوى،
ومن العمل ما ترضى.
اللهم هَوِّن علينا سفرنا هذا،
واطوِ عَنَّا بُعده.
اللهم أنت الصاحب في السفر،
والخليفة في الأهل.
اللهم إني أعوذ بك من وَعْثاء السفر،
وكآبة المنظر،
وسوء المنقلب،
في المال والأهل والولد.
وإذا رجع قالهن،
وزاد فيهن:
آيبون،
تائبون،
عابدون،
لربنا حامدون "
رواه مسلم.
هذا الحديث فيه فوائد عظيمة
تتعلق بالسفر.
وقد اشتملت هذه الأدعية
على طلب مصالح الدين
– التي هي أهم الأمور –
ومصالح الدنيا،
وعلى حصول المحاب،
ودفع المكاره والمضار
وعلى شكر نعم الله،
والتذكر لآلائه وكرمه،
واشتمال السفر على طاعة الله،
وما يقرب إليه.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والثمانون
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم :
"خذوا عني مناسككم"
رواه أحمد
ومسلم والنسائي.
هذا كلام جامع.
استدل به أهل العلم على مشروعية
جميع ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ،
وما قاله في حجه وجوباً في الواجبات،
ومستحباً في المستحبات،
وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم
في الصلاة:
"صلوا كما رأيتموني أُصلي"
فكما أن ذلك يشمل جزئيات الصلاة كلها.
فهذا يشمل جزئيات المناسك كلها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السابع والثمانون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }
تعدل ثلث القرآن"
رواه مسلم.
تكلم أهل العلم
على معنى هذه المعادلة وتوجيهها.
وأحسن ما قيل فيها:
أن معادلتها لثلث القرآن؛
لما تضمنته من المعاني العظيمة:
معاني التوحيد،
وأصول الإيمان.
فإن المواضيع الجليلة
التي اشتمل القرآن عليها:
1- إما أحكام شرعية:
ظاهرة أو باطنة، عبادات أو معاملات.
2- وإما قصص وأخبار عن المخلوقات السابقة واللاحقة،
وأحوال المكلفين في الجزاء على الأعمال.
3- وإما توحيد ومعارف،
تتعلق بأسماء الله وصفاته،
وتفرده بالوحدانية والكمال،
وتنزهه عن كل عيب،
ومماثلة أحد من المخلوقات.
فسُورة
{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }
مشتملة على هذا،
وشاملة لكل ما يجب اعتقاده من هذا الأصل،
الذي هو أصل الأصول كلها.