-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(212)
الحلقة (226)
صــ 283إلى صــ 289
والوجه الآخر في الفتح : أن يكون معناه : ولو ترى ، يا محمد ، إذ [ ص: 283 ] يرى الذين ظلموا عذاب الله ، لأن القوة لله جميعا ، وأن الله شديد العذاب ، لعلمت مبلغ عذاب الله . ثم تحذف "اللام " ، فتفتح بذلك المعنى ، لدلالة الكلام عليها .
وقرأ ذلك آخرون من سلف القراء : "ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب " . بمعنى : ولو ترى ، يا محمد ، الذين ظلموا حين يعاينون عذاب الله ، لعلمت الحال التي يصيرون إليها . ثم أخبر تعالى ذكره خبرا مبتدأ عن قدرته وسلطانه ، بعد تمام الخبر الأول فقال : "إن القوة لله جميعا " في الدنيا والآخرة ، دون من سواه من الأنداد والآلهة ، "وإن الله شديد العذاب " لمن أشرك به ، وادعى معه شركاء ، وجعل له ندا .
وقد يحتمل وجها آخر في قراءة من كسر "إن " في "ترى " بالتاء . وهو أن يكون معناه : ولو ترى ، يا محمد الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون : إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب . ثم تحذف "القول " وتكتفي منه بالمقول .
وقرأ ذلك آخرون : "ولو يرى الذين ظلموا " بالياء "إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بفتح "الألف " من "أن " "وأن " ، بمعنى : ولو يرى الذين ظلموا عذاب الله الذي أعد لهم في جهنم ، لعلموا حين يرونه فيعاينونه أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ، إذ يرون العذاب . فتكون "أن " الأولى منصوبة لتعلقها بجواب "لو " المحذوف ، ويكون الجواب متروكا ، وتكون الثانية معطوفة على الأولى . وهذه قراءة عامة القراء الكوفيين والبصريين وأهل مكة .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن تأويل قراءة من قرأ : "ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بالياء في "يرى " وفتح "الألفين " في "أن " "وأن " - : ولو يعلمون ، لأنهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ، فإذا قال : "ولو ترى " ، فإنما يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم .
ولو كسر "إن " على الابتداء ، إذا قال : "ولو يرى " جاز ، لأن "لو يرى " ، لو يعلم .
وقد تكون "لو " في معنى لا يحتاج معها إلى شيء . تقول للرجل : "أما والله لو يعلم ، ولو تعلم " كما قال الشاعر :
إن يكن طبك الدلال ، فلو في سالف الدهر والسنين الخوالي!
[ ص: 284 ]
هذا ليس له جواب إلا في المعنى ، وقال الشاعر
وبحظ مما نعيش ، ولا تذهب بك الترهات في الأهوال
فأضمر : فعيشي .
قال : وقرأ بعضهم : "ولو ترى " ، وفتح "أن " على "ترى " . وليس بذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ، ولكن أراد أن يعلم ذلك الناس ، كما قال تعالى ذكره : ( أم يقولون افتراه ) [ سورة السجدة : 3 ] ، ليخبر الناس عن جهلهم ، وكما قال : ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) [ سورة البقرة : 107 ] .
قال أبو جعفر : وأنكر قوم أن تكون "أن " عاملا فيها قوله : "ولو يرى " . وقالوا : إن الذين ظلموا قد علموا حين يرون العذاب أن القوة لله جميعا ، فلا وجه لمن تأول ذلك : ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله . وقالوا : إنما عمل في "أن " جواب "لو " الذي هو بمعنى "العلم " ، لتقدم "العلم " الأول . [ ص: 285 ]
وقال بعض نحويي الكوفة : من نصب : "أن القوة لله وأن الله شديد العذاب " ممن قرأ : "ولو يرى " بالياء ، فإنما نصبها بإعمال "الرؤية " فيها ، وجعل "الرؤية " واقعة عليها . وأما من نصبها ممن قرأ : "ولو ترى " بالتاء ، فإنه نصبها على تأويل : لأن القوة لله جميعا ، ولأن الله شديد العذاب . قال : ومن كسرهما ممن قرأ بالتاء ، فإنه يكسرهما على الخبر .
وقال آخرون منهم : فتح "أن " في قراءة من قرأ : "ولو يرى الذين ظلموا " بالياء ، بإعمال "يرى " ، وجواب الكلام حينئذ متروك ، كما ترك جواب : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ) [ سورة الرعد : 31 ] ، لأن معنى الجنة والنار مكرر معروف . وقالوا : جائز كسر "إن " ، في قراءة من قرأ ب "الياء " ، وإيقاع "الرؤية " على "إذ " في المعنى ، وأجازوا نصب "أن " على قراءة من قرأ ذلك ب "التاء " ، لمعنى نية فعل آخر ، وأن يكون تأويل الكلام : "ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب " ، [ يرون ] أن القوة لله جميعا ، وزعموا أن كسر "إن " الوجه ، إذا قرئت : "ولو ترى " ب "التاء " على الاستئناف ، لأن قوله : "ولو ترى " قد وقع على "الذين ظلموا " .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "ولو ترى الذين ظلموا " - بالتاء من "ترى " - "إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " بمعنى : لرأيت أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب . فيكون قوله : "لرأيت " الثانية ، محذوفة مستغنى بدلالة قوله : "ولو ترى الذين ظلموا " ، عن ذكره ، إذ [ ص: 286 ] كان جوابا ل "لو " .
ويكون الكلام ، وإن كان مخرجه مخرج الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - معنيا به غيره . لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا شك عالما بأن القوة لله جميعا ، وأن الله شديد العذاب . ويكون ذلك نظير قوله : ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) [ سورة البقرة : 107 ] وقد بيناه في موضعه .
وإنما اخترنا ذلك على قراءة "الياء " ، لأن القوم إذا رأوا العذاب ، قد أيقنوا أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب ، فلا وجه أن يقال : لو يرون أن القوة لله جميعا - حينئذ . لأنه إنما يقال : "لو رأيت " ، لمن لم ير ، فأما من قد رآه ، فلا معنى لأن يقال له : "لو رأيت " .
ومعنى قوله : "إذ يرون العذاب " ، إذ يعاينون العذاب ، كما : -
2412 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب " ، يقول : لو عاينوا العذاب .
وإنما عنى تعالى ذكره بقوله : "ولو ترى الذين ظلموا " ، ولو ترى ، يا محمد ، الذين ظلموا أنفسهم ، فاتخذوا من دوني أندادا يحبونهم كحبكم إياي ، حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم ، لعلمتم أن القوة كلها لي دون الأنداد والآلهة ، وأن الأنداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا ، ولا تدفع عنهم عذابا أحللت بهم ، وأيقنتم أني شديد عذابي لمن كفر بي ، وادعى معي إلها غيري .
[ ص: 287 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب " ، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوهم .
ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " ، فقال بعضهم بما : -
2413 - حدثنا به بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "إذ تبرأ الذين اتبعوا " ، وهم الجبابرة والقادة والرءوس في الشرك ، "من الذين اتبعوا " ، وهم الأتباع الضعفاء ، "ورأوا العذاب " .
2414 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " قال : تبرأت القادة من الأتباع يوم القيامة .
2415 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : ابن جريج : قلت لعطاء : "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " قال : تبرأ رؤساؤهم وقادتهم وساداتهم من الذين اتبعوهم .
وقال آخرون بما : -
2416 - حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 288 ] أسباط ، عن السدي إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ، أما "الذين اتبعوا " ، فهم الشياطين تبرأوا من الإنس .
قال أبو جعفر : والصواب من القول عندي في ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن المتبعين على الشرك بالله يتبرأون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله . ولم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض ، بل عم جميعهم . فداخل في ذلك كل متبوع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتبعونه على الضلال في الدنيا ، إذا عاينوا عذاب الله في الآخرة .
وأما دلالة الآية في من عنى بقوله : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " ، فإنها إنما تدل على أن الأنداد الذين اتخذهم من دون الله من وصف تعالى ذكره صفته بقوله : "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " ، هم الذين يتبرأون من أتباعهم .
وإذ كانت الآية على ذلك دالة ، صح التأويل الذي تأوله السدي في قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " ، أن "الأنداد " في هذا الموضع ، إنما أريد بها الأنداد من الرجال الذين يطيعونهم فيما أمروهم به من أمر ، ويعصون الله في طاعتهم إياهم ، كما يطيع الله المؤمنون ويعصون غيره وفسد تأويل قول من قال : " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " ، إنهم الشياطين تبرأوا من أوليائهم من الإنس . لأن هذه الآية إنما هي في سياق الخبر عن متخذي الأنداد .
[ ص: 289 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وتقطعت بهم الأسباب ( 166 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أن الله شديد العذاب ، إذ تبرأ الذين اتبعوا ، وإذ تقطعت بهم الأسباب .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى "الأسباب " . فقال بعضهم بما : -
2417 - حدثني به يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا فضيل بن عياض - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، - عن عبيد المكتب ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الوصال الذي كان بينهم في الدنيا .
2418 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : تواصلهم في الدنيا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(213)
الحلقة (227)
صــ 290إلى صــ 296
2419 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد - جميعا قالا حدثنا سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن مجاهد بمثله . [ ص: 290 ]
2420 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : المودة .
2421 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
2422 - حدثني القاسم قال : حدثني الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : تواصل كان بينهم بالمودة في الدنيا .
2423 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى قال : أخبرني قيس بن سعد ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : المودة .
2424 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وتقطعت بهم الأسباب " ، أسباب الندامة يوم القيامة ، وأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ، ويتحابون بها ، فصارت عليهم عداوة يوم القيامة ، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتبرأ بعضكم من بعض . وقال الله تعالى ذكره : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) [ سورة الزخرف : 67 ] ، فصارت كل خلة عداوة على أهلها إلا خلة المتقين .
2425 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : هو الوصل الذي كان بينهم في الدنيا .
2426 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "وتقطعت بهم الأسباب " ، يقول : الأسباب ، الندامة .
وقال بعضهم : بل معنى "الأسباب " ، المنازل التي كانت لهم من أهل الدنيا . [ ص: 291 ]
ذكر من قال ذلك :
2427 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وتقطعت بهم الأسباب " ، يقول : وتقطعت بهم المنازل .
2428 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الأسباب المنازل .
وقال آخرون : "الأسباب " ، الأرحام .
ذكر من قال ذلك :
2429 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، وقال ابن عباس : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : الأرحام .
وقال آخرون : "الأسباب " ، الأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
2430 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما "وتقطعت بهم الأسباب " ، فالأعمال .
2431 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " قال : أسباب أعمالهم ، فأهل التقوى أعطوا أسباب أعمالهم وثيقة ، فيأخذون بها فينجون ، والآخرون أعطوا أسباب أعمالهم الخبيثة ، فتقطع بهم فيذهبون في النار . [ ص: 292 ]
قال أبو جعفر : "والأسباب " ، الشيء يتعلق به . قال : و"السبب " الحبل . "والأسباب " جمع "سبب " ، وهو كل ما تسبب به الرجل إلى طلبته وحاجته . فيقال للحبل "سبب " ، لأنه يتسبب بالتعلق به إلى الحاجة التي لا يوصل إليها إلا بالتعلق به . ويقال للطريق "سبب " ، للتسبب بركوبه إلى ما لا يدرك إلا بقطعه . وللمصاهرة "سبب " ، لأنها سبب للحرمة . وللوسيلة "سبب " ، للوصول بها إلى الحاجة ، وكذلك كل ما كان به إدراك الطلبة ، فهو "سبب " لإدراكها .
فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول في تأويل قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن الذين ظلموا أنفسهم - من أهل الكفر الذين ماتوا وهم كفار - يتبرأ عند معاينتهم عذاب الله المتبوع من التابع ، وتتقطع بهم الأسباب .
وقد أخبر تعالى ذكره في كتابه أن بعضهم يلعن بعضا ، وأخبر عن الشيطان أنه يقول لأوليائه : ( ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل ) [ سورة إبراهيم : 22 ] ، وأخبر تعالى ذكره أن الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، وأن الكافرين لا ينصر يومئذ بعضهم بعضا ، فقال تعالى ذكره : ( وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون ) [ سورة الصافات : 24 - 25 ] وأن الرجل منهم لا ينفعه نسيبه ولا ذو رحمه ، وإن كان نسيبه لله وليا ، فقال تعالى ذكره في ذلك : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ) [ سورة التوبة : 114 ] وأخبر تعالى ذكره أن أعمالهم تصير عليهم حسرات .
وكل هذه المعاني أسباب يتسبب في الدنيا بها إلى مطالب ، فقطع الله منافعها في الآخرة عن الكافرين به ، لأنها كانت بخلاف طاعته ورضاه ، فهي منقطعة [ ص: 293 ] بأهلها . فلا خلال بعضهم بعضا نفعهم عند ورودهم على ربهم ،
ولا عبادتهم أندادهم ولا طاعتهم شياطينهم ؛ ولا دافعت عنهم أرحام فنصرتهم من انتقام الله منهم ، ولا أغنت عنهم أعمالهم ، بل صارت عليهم حسرات . فكل أسباب الكفار منقطعة .
فلا معنى أبلغ - في تأويل قوله : "وتقطعت بهم الأسباب " - من صفة الله [ ذلك ] وذلك ما بينا من [ تقطع ] جميع أسبابهم دون بعضها ، على ما قلنا في ذلك . ومن ادعى أن المعني بذلك خاص من الأسباب ، سئل عن البيان على دعواه من أصل لا منازع فيه ، وعورض بقول مخالفه فيه . فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا )
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : "وقال الذين اتبعوا " ، وقال أتباع الرجال - الذين كانوا اتخذوهم أندادا من دون الله يطيعونهم في معصية الله ، ويعصون ربهم في طاعتهم ، إذ يرون عذاب الله في الآخرة - : "لو أن لنا كرة " .
يعني "بالكرة " ، الرجعة إلى الدنيا ، من قول القائل : "كررت على القوم أكر كرا " ، و"الكرة " المرة الواحدة ، وذلك إذا حمل عليهم راجعا عليهم بعد الانصراف عنهم ، كما قال الأخطل : [ ص: 294 ]
ولقد عطفن على فزارة عطفة كر المنيح وجلن ثم مجالا
وكما : -
2432 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : " وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا " ، أي : لنا رجعة إلى الدنيا .
2433 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة " قال : قالت الأتباع : لو أن لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا .
وقوله : "فنتبرأ منهم " منصوب ، لأنه جواب للتمني ب "الفاء " . لأن القوم تمنوا رجعة إلى الدنيا ليتبرءوا من الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله ، كما تبرأ منهم رؤساؤهم الذين كانوا في الدنيا ، المتبوعون فيها على الكفر بالله ، إذ عاينوا عظيم النازل بهم من عذاب الله ، فقالوا : يا ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم ، و ( يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) [ سورة الأنعام : 27 ]
[ ص: 295 ] القول في تأويل قوله تعالى ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم )
قال أبو جعفر : ومعنى قوله : " كذلك يريهم الله أعمالهم " ، يقول : كما أراهم العذاب الذي ذكره في قوله : "ورأوا العذاب " ، الذي كانوا يكذبون به في الدنيا ، فكذلك يريهم أيضا أعمالهم الخبيثة التي استحقوا بها العقوبة من الله "حسرات عليهم " يعني : ندامات .
"والحسرات " جمع "حسرة " . وكذلك كل اسم كان واحده على "فعلة " مفتوح الأول ساكن الثاني ، فإن جمعه على "فعلات " مثل "شهوة وتمرة " تجمع "شهوات وتمرات " مثقلة الثواني من حروفها . فأما إذا كان نعتا فإنك تدع ثانيه ساكنا مثل "ضخمة " ، تجمعها "ضخمات " و"عبلة " تجمعها "عبلات " ، وربما سكن الثاني في الأسماء ، كما قال الشاعر :
عل صروف الدهر أو دولاتها يدلننا اللمة من لماتها
فتستريح النفس من زفراتها
فسكن الثاني من "الزفرات " ، وهي اسم . وقيل : إن "الحسرة " أشد الندامة . [ ص: 296 ]
فإن قال لنا قائل : فكيف يرون أعمالهم حسرات عليهم ، وإنما يتندم المتندم على ترك الخيرات وفوتها إياه ؟ وقد علمت أن الكفار لم يكن لهم من الأعمال ما يتندمون على تركهم الازدياد منه ، فيريهم الله قليله! بل كانت أعمالهم كلها معاصي لله ، ولا حسرة عليهم في ذلك ، وإنما الحسرة فيما لم يعملوا من طاعة الله ؟
قيل : إن أهل التأويل في تأويل ذلك مختلفون ، فنذكر في ذلك ما قالوا ، ثم نخبر بالذي هو أولى بتأويله إن شاء الله .
فقال بعضهم : معنى ذلك : كذلك يريهم الله أعمالهم التي فرضها عليهم في الدنيا فضيعوها ولم يعملوا بها ، حتى استوجب ما كان الله أعد لهم ، لو كانوا عملوا بها في حياتهم ، من المساكن والنعم غيرهم بطاعته ربه . فصار ما فاتهم من الثواب - الذي كان الله أعده لهم عنده لو كانوا أطاعوه في الدنيا ، إذ عاينوه عند دخول النار أو قبل ذلك - أسى وندامة وحسرة عليهم .
ذكر من قال ذلك :
2434 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، زعم أنه يرفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها ، لو أنهم أطاعوا الله ، فيقال لهم : تلك مساكنكم لو أطعتم الله ، ثم تقسم بين المؤمنين ، فيرثونهم . فذلك حين يندمون .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(214)
الحلقة (228)
صــ 297إلى صــ 303
2435 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله - في [ ص: 297 ] قصة ذكرها - فقال : فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . قال : فيرى أهل النار الذين في الجنة ، فيقال لهم : لو عملتم! فتأخذهم الحسرة . قال : فيرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن من الله عليكم!
فإن قال قائل : وكيف يكون مضافا إليهم من العمل ما لم يعملوه على هذا التأويل ؟
قيل : كما يعرض على الرجل العمل فيقال [ له ] قبل أن يعمله : هذا عملك . يعني : هذا الذي يجب عليك أن تعمله ، كما يقال للرجل يحضر [ ص: 298 ] غداؤه قبل أن يتغدى به : هذا غداؤك اليوم . يعني به : هذا ما تتغدى به اليوم . فكذلك قوله : "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، يعني : كذلك يريهم الله أعمالهم التي كان لازما لهم العمل بها في الدنيا ، حسرات عليهم .
وقال آخرون : كذلك يريهم الله أعمالهم السيئة حسرات عليهم ، لم عملوها ؟ وهلا عملوا بغيرها مما يرضي الله تعالى ذكره ؟
ذكر من قال ذلك :
2436 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، فصارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة .
2437 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "أعمالهم حسرات عليهم " قال : أوليس أعمالهم الخبيثة التي أدخلهم الله بها النار ؟ [ فجعلها ] حسرات عليهم . قال : وجعل أعمال أهل الجنة لهم ، وقرأ قول الله : ( بما أسلفتم في الأيام الخالية ) [ سورة الحاقة : 24 ]
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال : معنى قوله : " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم " ، كذلك يري الله الكافرين أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم ، لم عملوا بها ؟ وهلا عملوا بغيرها ؟ فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الرديئة ، إذ رأوا جزاءها من الله وعقابها ، لأن الله أخبر أنه يريهم أعمالهم ندما عليهم . [ ص: 299 ]
فالذي هو أولى بتأويل الآية ، ما دل عليه الظاهر دون ما احتمله الباطن الذي لا دلالة له على أنه المعني بها . والذي قال السدي في ذلك ، وإن كان مذهبا تحتمله الآية ، فإنه منزع بعيد . ولا أثر - بأن ذلك كما ذكر - تقوم به حجة فيسلم لها ، ولا دلالة في ظاهر الآية أنه المراد بها . فإذ كان الأمر كذلك ، لم يحل ظاهر التنزيل إلى باطن تأويل .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما هم بخارجين من النار ( 167 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما هؤلاء الذين وصفتهم من الكفار - وإن ندموا بعد معاينتهم ما عاينوا من عذاب الله ، فاشتدت ندامتهم على ما سلف منهم من أعمالهم الخبيثة ، وتمنوا إلى الدنيا كرة لينيبوا فيها ، ويتبرءوا من مضليهم وسادتهم الذين كانوا يطيعونهم في معصية الله فيها - بخارجين من النار التي أصلاهموها الله بكفرهم به في الدنيا ، ولا ندمهم فيها بمنجيهم من عذاب الله حينئذ ، ولكنهم فيها مخلدون .
وفي هذه الآية الدلالة على تكذيب الله الزاعمين أن عذاب الله أهل النار من أهل الكفر منقض ، وأنه إلى نهاية ، ثم هو بعد ذلك فان . لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية ، ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غير خارجين من النار ، بغير استثناء منه وقتا دون وقت . فذلك إلى غير حد ولا نهاية .
[ ص: 300 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 168 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : يا أيها الناس كلوا مما أحللت لكم من الأطعمة على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم فطيبته لكم - مما تحرمونه على أنفسكم من البحائر والسوائب والوصائل وما أشبه ذلك مما لم أحرمه عليكم دون ما حرمته عليكم من المطاعم والمآكل فنجسته من ميتة ودم ولحم خنزير وما أهل به لغيري . ودعوا خطوات الشيطان - الذي يوبقكم فيهلككم ، ويوردكم موارد العطب ، ويحرم عليكم أموالكم - فلا تتبعوها ولا تعملوا بها ، إنه يعني بقوله : " إنه " إن الشيطان ، و" الهاء " في قوله : " إنه " عائدة على الشيطان لكم أيها الناس " عدو مبين " ، يعني : أنه قد أبان لكم عداوته ، بإبائه عن السجود لأبيكم ، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة ، واستزله بالخطيئة ، وأكل من الشجرة .
يقول تعالى ذكره : فلا تنتصحوه ، أيها الناس ، مع إبانته لكم العداوة ، ودعوا ما يأمركم به ، والتزموا طاعتي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه مما أحللته لكم وحرمته عليكم ، دون ما حرمتموه أنتم على أنفسكم وحللتموه ، طاعة منكم للشيطان واتباعا لأمره .
ومعنى قوله : " حلالا " ، طلقا . وهو مصدر من قول القائل : " قد حل لك هذا الشيء " ، أي صار لك مطلقا ، " فهو يحل لك حلالا وحلا " ، ومن [ ص: 301 ] كلام العرب : " هو لك حل " ، أي : طلق .
وأما قوله : " طيبا " فإنه يعني به طاهرا غير نجس ولا محرم .
وأما "الخطوات " فإنه جمع " خطوة " ، و" الخطوة " بعد ما بين قدمي الماشي . و" الخطوة " بفتح " الخاء " " الفعلة " الواحدة من قول القائل : " خطوت خطوة واحدة " . وقد تجمع "الخطوة " " خطا" و"الخطوة" تجمع " خطوات " ، " وخطاء " .
والمعنى في النهي عن اتباع خطواته ، النهي عن طريقه وأثره فيما دعا إليه ، مما هو خلاف طاعة الله تعالى ذكره .
واختلف أهل التأويل في معنى " الخطوات " . فقال بعضهم : خطوات الشيطان : عمله .
ذكر من قال ذلك :
2438 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " خطوات الشيطان " ، يقول : عمله .
وقال بعضهم : " خطوات الشيطان " ، خطاياه .
ذكر من قال ذلك :
2439 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " خطوات الشيطان " قال : خطيئته .
2440 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : خطاياه . [ ص: 302 ]
2441 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال : خطاياه .
2442 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك قوله : " خطوات الشيطان " قال : خطايا الشيطان التي يأمر بها .
وقال آخرون : " خطوات الشيطان " ، طاعته .
ذكر من قال ذلك :
2443 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " ، يقول : طاعته .
وقال آخرون : " خطوات الشيطان " ، النذور في المعاصي .
ذكر من قال ذلك :
2444 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن سليمان عن أبي مجلز في قوله : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قال : هي النذور في المعاصي .
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه في تأويل قوله : " خطوات الشيطان " ، قريب معنى بعضها من بعض؛ لأن كل قائل منهم قولا في ذلك ، فإنه أشار إلى نهي اتباع الشيطان في آثاره وأعماله ، غير أن حقيقة تأويل الكلمة هو ما بينت ، من أنها "بعد ما بين قدميه" ، ثم تستعمل في جميع آثاره وطرقه ، على ما قد بينت .
[ ص: 303 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( 169 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إنما يأمركم " ، الشيطان " بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " .
" والسوء " : الإثم ، مثل " الضر " ، من قول القائل : " ساءك هذا الأمر يسوءك سوءا " وهو ما يسوء الفاعل .
وأما " الفحشاء " ، فهي مصدر مثل " السراء والضراء " ، وهي كل ما استفحش ذكره ، وقبح مسموعه .
وقيل : إن " السوء " الذي ذكره الله هو معاصي الله . فإن كان ذلك كذلك ، فإنما سماها الله " سوءا " لأنها تسوء صاحبها بسوء عاقبتها له عند الله . وقيل : إن "الفحشاء" ، الزنا : فإن كان ذلك كذلك ، فإنما يسمى [ كذلك ] ، لقبح مسموعه ومكروه ما يذكر به فاعله .
ذكر من قال ذلك :
2445 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " إنما يأمركم بالسوء والفحشاء " ، أما " السوء " ، فالمعصية ، وأما " الفحشاء " ، فالزنا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(215)
الحلقة (229)
صــ 304إلى صــ 310
وأما قوله : " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " ، فهو ما كانوا يحرمون من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي ، ويزعمون أن الله حرم ذلك . فقال تعالى [ ص: 304 ] ذكره لهم : ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) [ سورة المائدة : 103 ] فأخبرهم تعالى ذكره في هذه الآية ، أن قيلهم : " إن الله حرم هذا " من الكذب الذي يأمرهم به الشيطان ، وأنه قد أحله لهم وطيبه ، ولم يحرم أكله عليهم ، ولكنهم يقولون على الله ما لا يعلمون حقيقته ، طاعة منهم للشيطان ، واتباعا منهم خطواته ، واقتفاء منهم آثار أسلافهم الضلال وآبائهم الجهال ، الذين كانوا بالله وبما أنزل على رسوله جهالا وعن الحق ومنهاجه ضلالا - وإسرافا منهم ، كما أنزل الله في كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ذكره : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 ) )
قال أبو جعفر : وفي هذه الآية وجهان من التأويل .
أحدهما : أن تكون " الهاء والميم " من قوله : " وإذا قيل لهم " عائدة على " من " في قوله : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا " فيكون معنى الكلام : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ، وإذا قيل لهم : اتبعوا ما أنزل الله . قالوا : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا .
والآخر : أن تكون " الهاء والميم " اللتان في قوله : " وإذا قيل لهم " ، من ذكر " الناس " الذين في قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " ، فيكون [ ص: 305 ] ذلك انصرافا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب ، كما في قوله تعالى ذكره : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة ) [ سورة يونس : 22 ]
قال أبو جعفر : وأشبه عندي بالصواب وأولى بتأويل الآية أن تكون " الهاء والميم " في قوله : " لهم " ، من ذكر " الناس " ، وأن يكون ذلك رجوعا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب . لأن ذلك عقيب قوله : " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض" . فلأن يكون خبرا عنهم ، أولى من أن يكون خبرا عن الذين أخبر أن منهم " من يتخذ من دون الله أندادا " ، مع ما بينهما من الآيات ، وانقطاع قصصهم بقصة مستأنفة غيرها وأنها نزلت في قوم من اليهود قالوا ذلك ، إذ دعوا إلى الإسلام ، كما : -
2446 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذرهم عقاب الله ونقمته ، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ، فإنهم كانوا أعلم وخيرا منا! فأنزل الله في ذلك من قولهما " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " [ ص: 306 ] .
2447 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس مثله - إلا أنه قال : فقال له أبو رافع بن خارجة ومالك بن عوف .
وأما تأويل قوله : " اتبعوا ما أنزل الله " ، فإنه : اعملوا بما أنزل الله في كتابه على رسوله ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واجعلوه لكم إماما تأتمون به ، وقائدا تتبعون أحكامه .
وقوله : " ألفينا عليه آباءنا " ، يعني وجدنا ، كما قال الشاعر :
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلا
[ ص: 307 ]
يعني : وجدته ، وكما : -
2448 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " ، أي : ما وجدنا عليه آباءنا .
2449 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
قال أبو جعفر : فمعنى الآية : وإذا قيل لهؤلاء الكفار : كلوا مما أحل الله لكم ، ودعوا خطوات الشيطان وطريقه ، واعملوا بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه - استكبروا عن الإذعان للحق وقالوا : بل نأتم بآبائنا فنتبع ما وجدناهم عليه ، من تحليل ما كانوا يحلون ، وتحريم ما كانوا يحرمون .
قال الله تعالى ذكره : " أو لو كان آباؤهم " - يعني : آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم - " لا يعقلون شيئا " من دين الله وفرائضه ، وأمره ونهيه ، فيتبعون على ما سلكوا من الطريق ، ويؤتم بهم في أفعالهم - " ولا يهتدون " لرشد ، فيهتدي بهم غيرهم ، ويقتدي بهم من طلب الدين ، وأراد الحق والصواب؟
يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار : فكيف أيها الناس تتبعون ما وجدتم عليه [ ص: 308 ] آباءكم فتتركون ما يأمركم به ربكم ، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئا ، ولا هم مصيبون حقا ، ولا مدركون رشدا؟ وإنما يتبع المتبع ذا المعرفة بالشيء المستعمل له في نفسه ، فأما الجاهل فلا يتبعه - فيما هو به جاهل - إلا من لا عقل له ولا تمييز .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك : مثل الكافر في قلة فهمه عن الله ما يتلى عليه في كتابه ، وسوء قبوله لما يدعى إليه من توحيد الله ويوعظ به مثل البهيمة التي تسمع الصوت إذا نعق بها ، ولا تعقل ما يقال لها .
ذكر من قال ذلك :
2450 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : مثل البعير أو مثل الحمار ، تدعوه فيسمع الصوت ولا يفقه ما تقول .
2451 - حدثني محمد بن عبد الله بن زريع قال : حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : هو كمثل الشاة ونحو ذلك . [ ص: 309 ]
2452 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، كمثل البعير والحمار والشاة ، إن قلت لبعضها " كل " - لا يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك ، وكذلك الكافر ، إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته ، لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك .
2453 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : مثل الدابة تنادى فتسمع ولا تعقل ما يقال لها . كذلك الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل .
2454 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع " قال : مثل الكافر مثل البهيمة تسمع الصوت ولا تعقل .
2455 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق " ، مثل ضربه الله للكافر يسمع ما يقال له ولا يعقل ، كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل .
2456 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، يقول : مثل الكافر كمثل البعير والشاة ، يسمع الصوت ولا يعقل ولا يدري ما عني به . [ ص: 310 ]
2457 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : هو مثل ضربه الله للكافر؛ يقول : مثل هذا الكافر مثل هذه البهيمة التي تسمع الصوت ولا تدري ما يقال لها . فكذلك الكافر لا ينتفع بما يقال له .
2458 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : هو مثل الكافر ، يسمع الصوت ولا يعقل ما يقال له .
2459 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : سألت عطاء ثم قلت له : يقال : لا تعقل - يعني البهيمة - إلا أنها تسمع دعاء الداعي حين ينعق بها ، فهم كذلك لا يعقلون وهم يسمعون . فقال : كذلك . قال : وقال مجاهد : " الذي ينعق " ، الراعي " بما لا يسمع " من البهائم .
2460 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كمثل الذي ينعق " الراعي " بما لا يسمع " من البهائم .
2461 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : " كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " ، لا يعقل ما يقال له إلا أن تدعي فتأتي ، أو ينادى بها فتذهب . وأما " الذي ينعق " ، فهو الراعي الغنم ، كما ينعق الراعي بما لا يسمع ما يقال له ، إلا أن يدعى أو ينادى . فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، يدعو من لا يسمع إلا خرير الكلام ، يقول الله : ( صم بكم عمي ) [ سورة البقرة : 18 ]
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(216)
الحلقة (230)
صــ 311إلى صــ 317
قال أبو جعفر : ومعنى قائلي هذا القول - في تأويلهم ما تأولوا ، على ما حكيت عنهم - : ومثل وعظ الذين كفروا وواعظهم ، كمثل نعق الناعق بغنمه [ ص: 311 ] ونعيقه بها . فأضيف " المثل " إلى الذين كفروا ، وترك ذكر " الوعظ والواعظ " ، لدلالة الكلام على ذلك . كما يقال : " إذا لقيت فلانا فعظمه تعظيم السلطان " ، يراد به : كما تعظم السلطان ، وكما قال الشاعر :
فلست مسلما ما دمت حيا على زيد بتسليم الأمير
يراد به : كما يسلم على الأمير .
وقد يحتمل أن يكون المعنى - على هذا التأويل الذي تأوله هؤلاء - : ومثل الذين كفروا في قلة فهمهم عن الله وعن رسوله ، كمثل المنعوق به من البهائم ، الذي لا يفقه من الأمر والنهي غير الصوت . وذلك أنه لو قيل له : " اعتلف ، أورد الماء " ، لم يدر ما يقال له غير الصوت الذي يسمعه من قائله . فكذلك الكافر مثله في قلة فهمه لما يؤمر به وينهى عنه - بسوء تدبره إياه وقلة نظره وفكره فيه - مثل هذا المنعوق به فيما أمر به ونهي عنه . فيكون المعنى للمنعوق به ، والكلام خارج على الناعق ، كما قال نابغة بني ذبيان :
وقد خفت ، حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل
والمعنى : حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي ، وكما قال الآخر : [ ص: 312 ]
كانت فريضة ما تقول ، كما كان الزناء فريضة الرجم
والمعنى : كما كان الرجم فريضة الزنا ، فجعل الزنا فريضة الرجم ، لوضوح معنى الكلام عند سامعه ، وكما قال الآخر :
إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره
والمعنى : يحلى بالعين ، فجعله تحلى به العين . ونظائر ذلك من كلام العرب أكثر من أن تحصى ، مما توجهه العرب من خبر ما تخبر عنه إلى ما صاحبه ، لظهور معنى ذلك عند سامعه ، فتقول : " اعرض الحوض على الناقة " ، وإنما تعرض الناقة على الحوض ، وما أشبه ذلك من كلامها .
وقال آخرون : معنى ذلك : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم وأوثانهم التي لا تسمع ولا تعقل كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، وذلك الصدى الذي يسمع صوته ، ولا يفهم به عنه الناعق شيئا .
فتأويل الكلام على قول قائلي ذلك : ومثل الذين كفروا وآلهتهم - في دعائهم إياها وهي لا تفقه ولا تعقل - كمثل الناعق بما لا يسمعه الناعق إلا دعاء ونداء ، أي : لا يسمع منه الناعق إلا دعاءه .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 313 ]
2462 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " قال : الرجل الذي يصيح في جوف الجبال فيجيبه فيها صوت يراجعه يقال له " الصدى " . فمثل آلهة هؤلاء لهم ، كمثل الذي يجيبه بهذا الصوت ، لا ينفعه ، لا يسمع إلا دعاء ونداء . قال : والعرب تسمي ذلك الصدى .
وقد تحتمل الآية على هذا التأويل وجها آخر غير ذلك . وهو أن يكون معناها : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم التي لا تفقه دعاءهم ، كمثل الناعق بغنم له من حيث لا تسمع صوته غنمه ، فلا تنتفع من نعقه بشيء ، غير أنه في عناء من دعاء ونداء ، فكذلك الكافر في دعائه آلهته ، إنما هو في عناء من دعائه إياها وندائه لها ، ولا ينفعه شيء .
قال أبو جعفر : وأولى التأويل عندي بالآية ، التأويل الأول الذي قاله ابن عباس ومن وافقه عليه . وهو أن معنى الآية : ومثل وعظ الكافر وواعظه ، كمثل الناعق بغنمه ونعيقه ، فإنه يسمع نعقه ولا يعقل كلامه ، على ما قد بينا قبل .
فأما وجه جواز حذف " وعظ " اكتفاء بالمثل منه ، فقد أتينا على البيان عنه في قوله : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) [ سورة البقرة : 17 ] ، وفي غيره من نظائره من الآيات ، بما فيه الكفاية عن إعادته .
وإنما اخترنا هذا التأويل ، لأن هذه الآية نزلت في اليهود ، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بها ، ولم تكن اليهود أهل أوثان يعبدونها ، ولا أهل أصنام يعظمونها ويرجون نفعها أو دفع ضرها . ولا وجه - إذ كان ذلك كذلك - لتأويل من [ ص: 314 ] تأول ذلك أنه بمعنى : مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة ودعائهم إياها .
فإن قال قائل : وما دليلك على أن المقصود بهذه الآية اليهود؟
قيل : دليلنا على ذلك ما قبلها من الآيات وما بعدها ، فإنهم هم المعنيون به . فكان ما بينهما بأن يكون خبرا عنهم ، أحق وأولى من أن يكون خبرا عن غيرهم ، حتى تأتي الأدلة واضحة بانصراف الخبر عنهم إلى غيرهم . هذا ، مع ما ذكرنا من الأخبار عمن ذكرنا عنه أنها فيهم نزلت ، والرواية التي روينا عن ابن عباس أن الآية التي قبل هذه الآية نزلت فيهم . وبما قلنا من أن هذه الآية معني بها [ ص: 315 ] اليهود كان عطاء يقول :
2463 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال لي عطاء في هذه الآية : هم اليهود الذين أنزل الله فيهم : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) إلى قوله : ( فما أصبرهم على النار ) [ سورة البقرة : 174 - 175 ] .
وأما قوله : " ينعق " ، فإنه : يصوت بالغنم "النعيق ، والنعاق" ، ومنه قول الأخطل :
فانعق بضأنك يا جرير ، فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا
يعني : صوت به .
القول في تأويل قوله تعالى ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ( 171 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " صم بكم عمي " ، هؤلاء الكفار الذين مثلهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء " صم " عن الحق فهم لا يسمعون - " بكم " يعني : خرس عن قيل الحق والصواب ، والإقرار بما أمرهم الله أن يقروا به ، وتبيين ما أمرهم الله تعالى ذكره أن يبينوه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس ، فلا ينطقون به ولا يقولونه ، ولا يبينونه للناس - ، " عمي " [ ص: 316 ] عن الهدى وطريق الحق فلا يبصرونه ، كما : -
2464 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد عن سعيد عن قتادة قوله : " صم بكم عمي " ، يقول : صم عن الحق فلا يسمعونه ، ولا ينتفعون به ولا يعقلونه; عمي عن الحق والهدى فلا يبصرونه; بكم عن الحق فلا ينطقون به .
2465 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " صم بكم عمي " يقول : عن الحق .
2466 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " صم بكم عمي " ، يقول : لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه .
وأما الرفع في قوله : " صم بكم عمي " ، فإنه أتاه من قبل الابتداء والاستئناف ، يدل على ذلك قوله : " فهم لا يعقلون " ، كما يقال في الكلام : " هو أصم لا يسمع ، وهو أبكم لا يتكلم " .
القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ( 172 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا لله بالعبودية ، وأذعنوا له بالطاعة ، كما : -
2467 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن [ ص: 317 ] جويبر ، عن الضحاك في قوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يقول : صدقوا .
" كلوا من طيبات ما رزقناكم " ، يعني : اطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم ، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم ، مما كنتم تحرمون أنتم ، ولم أكن حرمته عليكم ، من المطاعم والمشارب . " واشكروا لله " ، يقول : وأثنوا على الله بما هو أهله منكم ، على النعم التي رزقكم وطيبها لكم . " إن كنتم إياه تعبدون " ، يقول : إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين ، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيبه لكم ، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان .
وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرمونه من المطاعم ، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه ، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان ، واتباعا لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف . ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرم عليهم ، وفصله لهم مفسرا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(217)
الحلقة (231)
صــ 318إلى صــ 324
القول في تأويل قوله تعالى ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : لا تحرموا على أنفسكم ما لم أحرمه عليكم أيها المؤمنون بالله وبرسوله من البحائر والسوائب ونحو ذلك ، بل كلوا ذلك ، فإني لم أحرم عليكم غير الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل به لغيري .
ومعنى قوله : " إنما حرم عليكم الميتة " ، ما حرم عليكم إلا الميتة . [ ص: 318 ]
" وإنما " : حرف واحد ، ولذلك نصبت " الميتة والدم " ، وغير جائز في " الميتة " إذا جعلت " إنما " حرفا واحدا - إلا النصب . ولو كانت " إنما " حرفين ، وكانت منفصلة من " إن " ، لكانت " الميتة " مرفوعة وما بعدها . وكان تأويل الكلام حينئذ : إن الذي حرم الله عليكم من المطاعم الميتة والدم ولحم الخنزير ، لا غير ذلك .
وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأ ذلك كذلك ، على هذا التأويل . ولست للقراءة به مستجيزا وإن كان له في التأويل والعربية وجه مفهوم - لاتفاق الحجة من القراء على خلافه . فغير جائز لأحد الاعتراض عليهم فيما نقلوه مجمعين عليه .
ولو قرئ في " حرم " بضم الحاء من " حرم " ، لكان في " الميتة " وجهان من الرفع . أحدهما : من أن الفاعل غير مسمى ، " وإنما " حرف واحد .
والآخر : " إن " و" ما " في معنى حرفين ، و" حرم " من صلة " ما " ، " والميتة " خبر " الذي " مرفوع على الخبر . ولست ، وإن كان لذلك أيضا وجه ، مستجيزا للقراءة به ، لما ذكرت .
وأما " الميتة " ، فإن القراءة مختلفة في قراءتها . فقرأها بعضهم بالتخفيف ، ومعناه فيها التشديد ، ولكنه يخففها كما يخفف القائلون في : " هو هين لين " " الهين اللين " ، كما قال الشاعر :
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
[ ص: 319 ]
فجمع بين اللغتين في بيت واحد ، في معنى واحد .
وقرأها بعضهم بالتشديد ، وحملوها على الأصل ، وقالوا : إنما هو " ميوت " ، " فيعل " ، من الموت . ولكن " الياء " الساكنة و" الواو " المتحركة لما اجتمعتا ، " والياء " مع سكونها متقدمة ، قلبت " الواو " " ياء " وشددت ، فصارتا " ياء " مشددة ، كما فعلوا ذلك في " سيد وجيد " . قالوا : ومن خففها ، فإنما طلب الخفة . والقراءة بها على أصلها الذي هو أصلها أولى .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن التخفيف والتشديد في " ياء " " الميتة " لغتان معروفتان في القراءة وفي كلام العرب ، فبأيهما قرأ ذلك القارئ فمصيب . لأنه لا اختلاف في معنييهما .
وأما قوله : " وما أهل به لغير الله " ، فإنه يعني به : وما ذبح للآلهة والأوثان يسمى عليه بغير اسمه ، أو قصد به غيره من الأصنام .
وإنما قيل : " وما أهل به " ، لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قربوه لآلهتهم ، سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها ، وجهروا بذلك أصواتهم ، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك ، حتى قيل لكل ذابح ، سمى أو لم يسم ، جهر بالتسمية أو لم يجهر - : " مهل " . فرفعهم أصواتهم بذلك هو " الإهلال " الذي ذكره الله تعالى فقال : " وما أهل به لغير الله " . ومن ذلك قيل للملبي في حجة أو عمرة " مهل " ، لرفعه صوته بالتلبية . ومنه " استهلال " الصبي ، إذا صاح عند سقوطه من بطن أمه ، " واستهلال " المطر ، وهو صوت وقوعه على الأرض ، كما قال عمرو بن قميئة :
[ ص: 320 ] ظلم البطاح له انهلال حريصة فصفا النطاف له بعيد المقلع
واختلف أهل التأويل في ذلك . فقال بعضهم : يعني بقوله : " وما أهل به لغير الله " ، ما ذبح لغير الله .
ذكر من قال ذلك :
2468 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وما أهل به لغير الله " قال : ما ذبح لغير الله .
2469 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " وما أهل به لغير الله " قال : ما ذبح لغير الله مما لم يسم عليه .
2470 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " وما أهل به لغير الله " ، ما ذبح لغير الله .
2471 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال ابن عباس في قوله : " وما أهل به لغير الله " قال : ما أهل به للطواغيت .
2472 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر عن الضحاك قال : " وما أهل به لغير الله " قال : ما أهل به للطواغيت .
2473 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " وما أهل به لغير الله " ، يعني : ما أهل للطواغيت كلها . يعني : ما ذبح لغير الله من أهل الكفر ، غير اليهود والنصارى .
2474 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن عطاء في قول الله : " وما أهل به لغير الله قال : هو ما ذبح لغير الله . [ ص: 321 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : ما ذكر عليه غير اسم الله .
ذكر من قال ذلك :
2475 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " وما أهل به لغير الله " ، يقول : ما ذكر عليه غير اسم الله .
2476 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد - وسألته عن قول الله : " وما أهل به لغير الله " - قال : ما يذبح لآلهتهم ، الأنصاب التي يعبدونها أو يسمون أسماءها عليها . قال : يقولون : " باسم فلان " ، كما تقول أنت : " باسم الله " قال : فذلك قوله : " وما أهل به لغير الله " .
2477 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثنا حيوة عن عقبة بن مسلم التجيبي وقيس بن رافع الأشجعي أنهما قالا : أحل لنا ما ذبح لعيد الكنائس ، وما أهدي لها من خبز أو لحم ، فإنما هو طعام أهل الكتاب . قال حيوة ، قلت : أرأيت قول الله : " وما أهل به لغير الله " ؟ قال : إنما ذلك المجوس وأهل الأوثان والمشركون .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فمن اضطر " ، فمن حلت به ضرورة مجاعة إلى ما حرمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله - وهو بالصفة التي وصفنا - فلا إثم عليه في أكله إن أكله . [ ص: 322 ]
وقوله : فمن " اضطر " " افتعل " من " الضرورة " .
و" غير باغ " نصب على الحال من" من " ، فكأنه . قيل : فمن اضطر لا باغيا ولا عاديا فأكله ، فهو له حلال .
وقد قيل : إن معنى قوله : " فمن اضطر " ، فمن أكره على أكله فأكله ، فلا إثم عليه .
ذكر من قال ذلك :
2478 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن سالم الأفطس عن مجاهد قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : الرجل يأخذه العدو فيدعونه إلى معصية الله .
وأما قوله : " غير باغ ولا عاد " ، فإن أهل التأويل في تأويله مختلفون .
فقال بعضهم : يعني بقوله : " غير باغ " ، غير خارج على الأئمة بسيفه باغيا عليهم بغير جور ، ولا عاديا عليهم بحرب وعدوان ، فمفسد عليهم السبيل .
ذكر من قال ذلك :
2479 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير قاطع سبيل ، ولا مفارق جماعة ، ولا خارج في معصية الله ، فله الرخصة .
2480 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، يقول : لا قاطعا للسبيل ، ولا مفارقا للأئمة ، ولا خارجا في معصية الله ، فله الرخصة . ومن خرج باغيا أو عاديا في معصية الله ، فلا رخصة له وإن اضطر إليه .
2481 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا شريك ، عن سالم عن سعيد : " غير باغ ولا عاد " قال : هو الذي يقطع الطريق ، فليس له رخصة [ ص: 323 ] إذا جاع أن يأكل الميتة ، وإذا عطش أن يشرب الخمر .
2482 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك عن سالم - يعني الأفطس - عن سعيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : الباغي العادي الذي يقطع الطريق ، فلا رخصة له ولا كرامة .
2483 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم عن سعيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : إذا خرج في سبيل من سبل الله فاضطر إلى شرب الخمر شرب ، وإن اضطر إلى الميتة أكل . وإذا خرج يقطع الطريق ، فلا رخصة له .
2484 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد قال : " غير باغ " على الأئمة ، " ولا عاد " قال : قاطع السبيل .
2485 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير قاطع السبيل ، ولا مفارق الأئمة ، ولا خارج في معصية الله فله الرخصة .
2486 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن الحكم عن مجاهد : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ على الأئمة ، ولا عاد على ابن السبيل .
وقال آخرون في تأويل قوله : " غير باغ ولا عاد " : غير باغ الحرام في أكله ، ولا معتد الذي أبيح له منه .
ذكر من قال ذلك .
2487 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد [ ص: 324 ] عن قتادة قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ في أكله ، ولا عاد : أن يتعدى حلالا إلى حرام ، وهو يجد عنه مندوحة .
2488 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الحسن في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : غير باغ فيها ولا معتد فيها بأكلها ، وهو غني عنها .
2489 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن سمع الحسن يقول ذلك .
2490 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثنا أبو تميلة عن أبي حمزة ، عن جابر عن مجاهد وعكرمة قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، " غير باغ " يبتغيه ، " ولا عاد " : يتعدى على ما يمسك نفسه .
2491 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " ، يقول : من غير أن يبتغي حراما ويتعداه ، ألا ترى أنه يقول : ( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ سورة المؤمنون : 7\ سورة المعارج : 31 ]
2492 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " قال : أن يأكل ذلك بغيا وتعديا عن الحلال إلى الحرام ، ويترك الحلال وهو عنده ، ويتعدى بأكل هذا الحرام . هذا التعدي . ينكر أن يكونا مختلفين ، ويقول : هذا وهذا واحد!
وقال آخرون تأويل ذلك : فمن اضطر غير باغ في أكله شهوة ، ولا عاد فوق ما لا بد له منه .
ذكر من قال ذلك :
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(218)
الحلقة (232)
صــ 325إلى صــ 331
2493 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 325 ] أسباط عن السدي : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " . أما " باغ " ، فيبغي فيه شهوته . وأما " العادي " ، فيتعدى في أكله ، يأكل حتى يشبع ، ولكن يأكل منه قدر ما يمسك به نفسه حتى يبلغ به حاجته .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : فمن اضطر غير باغ بأكله ما حرم عليه من أكله ، ولا عاد في أكله ، وله عن ترك أكله - بوجود غيره مما أحله الله له - مندوحة وغنى .
وذلك أن الله تعالى ذكره لم يرخص لأحد في قتل نفسه بحال . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا شك أن الخارج على الإمام والقاطع الطريق ، وإن كانا قد أتيا ما حرم الله عليهما : من خروج هذا على من خرج عليه ، وسعي هذا بالإفساد في الأرض ، فغير مبيح لهما فعلهما ما فعلا مما حرم الله عليهما - ما كان حرم الله عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من ذلك - من قتل أنفسهما . [ وردهما إلى محارم الله عليهما بعد فعلهما ما فعلا وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصا لهما قبل ذلك من فعلهما ، وإن لم نر ردهما إلى محارم الله عليهما تحريما ، فغير مرخص لهما ما كان عليهما قبل ذلك حراما ] . فإذ كان ذلك كذلك فالواجب على قطاع الطريق والبغاة على الأئمة العادلة ، الأوبة إلى طاعة الله ، والرجوع إلى ما ألزمهما الله الرجوع إليه ، والتوبة من معاصي الله - لا قتل أنفسهما بالمجاعة ، فيزدادان إلى إثمهما إثما ، وإلى خلافهما أمر الله خلافا . [ ص: 326 ]
وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه غير باغ في أكله شهوة ، فأكل ذلك شهوة ، لا لدفع الضرورة المخوف منها الهلاك - مما قد دخل فيما حرمه الله عليه - فهو بمعنى ما قلنا في تأويله ، وإن كان للفظه مخالفا .
فأما توجيه تأويل قوله : " ولا عاد " ، ولا آكل منه شبعة ، ولكن ما يمسك به نفسه ، فإن ذلك بعض معاني الاعتداء في أكله . ولم يخصص الله من معاني الاعتداء في أكله معنى ، فيقال عنى به بعض معانيه .
فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب من القول ما قلنا : من أنه الاعتداء في كل معانيه المحرمة .
وأما تأويل قوله : " فلا إثم عليه " ، يقول : من أكل ذلك على الصفة التي وصفنا ، فلا تبعة عليه في أكله ذلك كذلك ولا حرج .
[ ص: 327 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله غفور رحيم ( 173 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " إن الله غفور رحيم " ، " إن الله غفور " إن أطعتم الله في إسلامكم ، فاجتنبتم أكل ما حرم عليكم ، وتركتم اتباع الشيطان فيما كنتم تحرمونه في جاهليتكم - طاعة منكم للشيطان واقتفاء منكم خطواته - مما لم أحرمه عليكم لما سلف منكم ، في كفركم وقبل إسلامكم ، في ذلك من خطأ وذنب ومعصية ، فصافح عنكم ، وتارك عقوبتكم عليه ، " رحيم " بكم إن أطعتموه .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، أحبار اليهود الذين كتموا الناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، برشى كانوا أعطوها على ذلك ، كما : -
2494 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " الآية كلها ، هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم وبين لهم من الحق والهدى ، من بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأمره .
2495 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع في قوله : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) [ ص: 328 ] قال : هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم من الحق والإسلام وشأن محمد صلى الله عليه وسلم .
2496 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدي : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، فهؤلاء اليهود كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .
2497 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن عكرمة قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، والتي في " آل عمران " ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ سورة آل عمران : 77 ] نزلتا جميعا في يهود .
وأما تأويل قوله : " ويشترون به ثمنا قليلا " ، فإنه يعني : يبتاعون به . " والهاء " التي في " به " ، من ذكر " الكتمان " . فمعناه : ابتاعوا بكتمانهم ما كتموا الناس من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر نبوته ثمنا قليلا . وذلك أن الذي كانوا يعطون على تحريفهم كتاب الله وتأويلهموه على غير وجهه ، وكتمانهم الحق في ذلك اليسير من عرض الدنيا ، كما : -
2498 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ويشترون به ثمنا قليلا " قال : كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا عليه طمعا قليلا فهو الثمن القليل .
وقد بينت فيما مضى صفة " اشترائهم " ذلك ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
[ ص: 329 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ( 174 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك " ، - هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب في شأن محمد صلى الله عليه وسلم بالخسيس من الرشوة يعطونها ، فيحرفون لذلك آيات الله ويغيرون معانيها " ما يأكلون في بطونهم " - بأكلهم ما أكلوا من الرشى على ذلك والجعالة ، وما أخذوا عليه من الأجر " إلا النار " - يعني : إلا ما يوردهم النار ويصليهموها ، كما قال تعالى ذكره : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) [ سورة النساء : 10 ] معناه : ما يأكلون في بطونهم إلا ما يوردهم النار بأكلهم . فاستغنى بذكر " النار" وفهم السامعين معنى الكلام ، عن ذكر " ما يوردهم ، أو يدخلهم" . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2499 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار " ، يقول : ما أخذوا عليه من الأجر .
فإن قال قائل : فهل يكون الأكل في غير البطن فيقال : " ما يأكلون في بطونهم " ؟
قيل : قد تقول العرب : " جعت في غير بطني ، وشبعت في غير بطني " ، فقيل : في بطونهم لذلك ، كما يقال : " فعل فلان هذا نفسه " . وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع ، فيما مضى . [ ص: 330 ]
وأما قوله : " ولا يكلمهم الله يوم القيامة " ، يقول : ولا يكلمهم بما يحبون ويشتهون ، فأما بما يسوءهم ويكرهون ، فإنه سيكلمهم . لأنه قد أخبر تعالى ذكره أنه يقول لهم - إذا قالوا : ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون ) الآيتين [ سورة المؤمنون : 107 - 108 ] .
وأما قوله : "ولا يزكيهم" ، فإنه يعني : ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم ، " ولهم عذاب أليم " ، يعني : موجع
القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " ، أولئك الذين أخذوا الضلالة ، وتركوا الهدى ، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة ، وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ورضوانه . فاستغنى بذكر " العذاب " و" المغفرة " ، من ذكر السبب الذي يوجبهما ، لفهم سامعي ذلك لمعناه والمراد منه . وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى . وكذلك بينا وجه " اشتروا الضلالة بالهدى " باختلاف المختلفين ، والدلالة الشاهدة بما اخترنا من القول ، فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادته .
[ ص: 331 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فما أصبرهم على النار ( 175 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم معنى ذلك : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .
ذكر من قال ذلك :
2500 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار .
2501 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : فما أجرأهم عليها .
2502 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن بشر عن الحسن في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : والله ما لهم عليها من صبر ، ولكن ما أجرأهم على النار .
2503 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا مسعر وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو بكير قال : حدثنا مسعر ، عن حماد عن مجاهد أو سعيد بن جبير أو بعض أصحابه : " فما أصبرهم على النار " ، ما أجرأهم .
2504 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " فما أصبرهم على النار " ، يقول : ما أجرأهم وأصبرهم على النار .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(219)
الحلقة (233)
صــ 332إلى صــ 338
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما أعملهم بأعمال أهل النار . [ ص: 332 ]
ذكر من قال ذلك :
2505 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : ما أعملهم بالباطل .
2506 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
واختلفوا في تأويل " ما " التي في قوله : " فما أصبرهم على النار " . فقال بعضهم : هي بمعنى الاستفهام ، وكأنه قال : فما الذي صبرهم؟ أي شيء صبرهم؟
ذكر من قال ذلك :
2507 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فما أصبرهم على النار " ، هذا على وجه الاستفهام . يقول : ما الذي أصبرهم على النار؟
2508 - حدثني عباس بن محمد قال : حدثنا حجاج الأعور قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال لي عطاء : " فما أصبرهم على النار " قال : ما يصبرهم على النار ، حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟
2509 - حدثنا أبو كريب قال : سئل أبو بكر بن عياش : " فما أصبرهم على النار " قال : هذا استفهام ، ولو كانت من الصبر قال : " فما أصبرهم " ، رفعا . قال : يقال للرجل : " ما أصبرك " ، ما الذي فعل بك هذا؟
2510 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فما أصبرهم على النار " قال : هذا استفهام . يقول ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا؟ [ ص: 333 ]
وقال آخرون : هو تعجب . يعني : فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار!
ذكر من قال ذلك :
2511 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فما أصبرهم على النار " قال : ما أعملهم بأعمال أهل النار!
وهو قول الحسن وقتادة ، وقد ذكرناه قبل .
فمن قال : هو تعجب - وجه تأويل الكلام إلى : " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة " ، فما أشد جراءتهم - بفعلهم ما فعلوا من ذلك - على ما يوجب لهم النار! كما قال تعالى ذكره : ( قتل الإنسان ما أكفره ) [ سورة عبس : 17 ] ، تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوى خلقه .
فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام ، فمعناه : هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة ، فما أصبرهم على النار - والنار لا صبر عليها لأحد - حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا؟
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : ما أجرأهم على النار ، بمعنى : ما أجرأهم على عذاب النار وأعملهم بأعمال أهلها . وذلك أنه مسموع من العرب : " ما أصبر فلانا على الله " ، بمعنى : ما أجرأ فلانا على الله! وإنما يعجب الله من خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلا [ ص: 334 ] من السحت والرشى التي أعطوها - على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك . مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه .
وإنما معنى ذلك : فما أجرأهم على عذاب النار! ولكن اجتزئ بذكر " النار " من ذكر " عذابها " ، كما يقال : " ما أشبه سخاءك بحاتم " ، بمعنى : ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم ، " وما أشبه شجاعتك بعنترة " .
القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ( 176 ) )
قال أبو جعفر : أما قوله : " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق " ، فإنه اختلف في المعني ب " ذلك " .
فقال بعضهم : معني " ذلك " ، فعلهم هذا الذي يفعلون من جراءتهم على عذاب النار ، في مخالفتهم أمر الله ، وكتمانهم الناس ما أنزل الله في كتابه ، وأمرهم ببيانه لهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر دينه من أجل أن الله تبارك تعالى " نزل الكتاب بالحق " ، وتنزيله الكتاب بالحق هو خبره عنهم في قوله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) [ سورة البقرة : 6 - 7 ] فهم - مع ما أخبر الله عنهم من أنهم لا يؤمنون - لا يكون منهم غير اشتراء الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة . [ ص: 335 ]
وقال آخرون : معناه : " ذلك " معلوم لهم بأن الله نزل الكتاب بالحق لأنا قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك لهم ، والكتاب حق .
كأن قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم : ذلك العذاب الذي قال الله تعالى ذكره فما أصبرهم عليه معلوم أنه لهم . لأن الله قد أخبر في مواضع من تنزيله أن النار للكافرين ، وتنزيله حق ، فالخبر عن " ذلك " عندهم مضمر .
وقال آخرون : معنى " ذلك " ، أن الله وصف أهل النار ، فقال : " فما أصبرهم على النار " ، ثم قال : هذا العذاب بكفرهم . و"هذا" هاهنا عندهم ، هي التي يجوز مكانها " ذلك " ، كأنه قال : فعلنا ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به . قال : فيكون " ذلك " - إذا كان ذلك معناه - نصبا ، ويكون رفعا بالباء .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بتأويل الآية عندي : أن الله تعالى ذكره أشار بقوله : " ذلك " ، إلى جميع ما حواه قوله : " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب " ، إلى قوله : " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق " ، من خبره عن أفعال أحبار اليهود وذكره ما أعد لهم تعالى ذكره من العقاب على ذلك ، فقال : هذا الذي فعلته هؤلاء الأحبار من اليهود بكتمانهم الناس ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته مع علمهم به ، طلبا منهم لعرض من الدنيا خسيس - وبخلافهم أمري وطاعتي وذلك - من تركي تطهيرهم وتزكيتهم وتكليمهم ، وإعدادي لهم العذاب الأليم - بأني أنزلت كتابي بالحق ، فكفروا به واختلفوا فيه .
فيكون في " ذلك " حينئذ وجهان من الإعراب : رفع ونصب . والرفع ب " الباء " ، والنصب بمعنى : فعلت ذلك بأني أنزلت كتابي بالحق ، فكفروا به واختلفوا فيه . وترك ذكر " فكفروا به واختلفوا " ، اجتزاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه . [ ص: 336 ]
وأما قوله : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " ، يعني بذلك اليهود والنصارى . اختلفوا في كتاب الله ، فكفرت اليهود بما قص الله فيه من قصص عيسى ابن مريم وأمه . وصدقت النصارى ببعض ذلك ، وكفروا ببعضه ، وكفروا جميعا بما أنزل الله فيه من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم . فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء الذين اختلفوا فيما أنزلت إليك يا محمد لفي منازعة ومفارقة للحق بعيدة من الرشد والصواب ، كما قال الله تعالى ذكره : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق ) [ سورة البقرة : 137 ] كما :
2512 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " ، يقول : هم اليهود والنصارى . يقول : هم في عداوة بعيدة . وقد بينت معنى " الشقاق " ، فيما مضى .
القول في تأويل قوله تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ذلك . فقال بعضهم : معنى ذلك : ليس البر الصلاة وحدها ، ولكن البر الخصال التي أبينها لكم .
2513 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل [ ص: 337 ] المشرق والمغرب " ، يعني : الصلاة . يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا ، فهذا منذ تحول من مكة إلى المدينة ونزلت الفرائض ، وحد الحدود ، فأمر الله بالفرائض والعمل بها .
2514 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله .
2515 - حدثني القاسم قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
2516 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن ابن عباس قال : هذه الآية نزلت بالمدينة : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، يعني : الصلاة . يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك . قال ابن جريج وقال مجاهد : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، يعني السجود ، ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله .
2517 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو تميلة عن عبيد بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم أنه قال فيها ، قال يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك . وهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ، فأنزل الله الفرائض وحد الحدود بالمدينة ، وأمر بالفرائض أن يؤخذ بها .
وقال آخرون : عنى الله بذلك اليهود والنصارى . وذلك أن اليهود تصلي فتوجه قبل المغرب والنصارى تصلي فتوجه قبل المشرق ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، يخبرهم فيها أن البر غير العمل الذي يعملونه ، ولكنه ما بيناه في هذه الآية
ذكر من قال ذلك : [ ص: 338 ]
2518 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى تصلي قبل المشرق ، فنزلت : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " .
2519 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " ، ذكر لنا أن رجلا سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله هذه الآية . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا الرجل فتلاها عليه . وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له ويطمع له في خير ، فأنزل الله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " . وكانت اليهود توجهت قبل المغرب والنصارى قبل المشرق - " ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " الآية .
2520 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع بن أنس قال : كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق ، فنزلت : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(220)
الحلقة (234)
صــ 339إلى صــ 345
قال أبو جعفر : وأولى هذين القولين بتأويل الآية ، القول الذي قاله قتادة والربيع بن أنس : أن يكون عنى بقوله : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " اليهود والنصارى . لأن الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم ، والخبر عنهم وعما أعد لهم من أليم العذاب . وهذا في سياق ما قبلها ، إذ كان الأمر كذلك ، - " ليس البر " ، - أيها اليهود والنصارى أن يولي بعضكم وجهه قبل المشرق وبعضكم قبل المغرب ، " ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب " الآية . [ ص: 339 ]
فإن قال قائل : فكيف قيل : " ولكن البر من آمن بالله " ، وقد علمت أن " البر " فعل ، و"من" اسم ، فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟
قيل : إن معنى ذلك غير ما توهمته ، وإنما معناه : ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر ، فوضع " من " موضع الفعل ، اكتفاء بدلالته ، ودلالة صلته التي هي له صفة ، من الفعل المحذوف ، كما تفعله العرب ، فتضع الأسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة ، فتقول : " الجود حاتم ، والشجاعة عنترة " ، و" إنما الجود حاتم والشجاعة عنترة " ، ومعناها : الجود جود حاتم فتستغني بذكر " حاتم " إذ كان معروفا بالجود ، من إعادة ذكر " الجود " بعد الذي قد ذكرته ، فتضعه موضع " جوده " ، لدلالة الكلام على ما حذفته ، استغناء بما ذكرته عما لم تذكره . كما قيل : ( واسأل القرية التي كنا فيها ) [ سورة يوسف : 82 ] والمعنى : أهل القرية ، وكما قال الشاعر ، وهو ذو الخرق الطهوي :
حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ويب غيرك بالعناق
يريد : بغام عناق ، أو صوت [ عناق ] ، كما يقال : " حسبت صياحي أخاك " ، يعني به : حسبت صياحي صياح أخيك .
وقد يجوز أن يكون معنى الكلام : ولكن البار من آمن بالله ، فيكون " البر " مصدرا وضع موضع الاسم .
[ ص: 340 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وآتى المال على حبه " ، وأعطى ماله في حين محبته إياه ، وضنه به ، وشحه عليه ، . كما : -
2521 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال : سمعت ليثا ، عن زبيد ، عن مرة بن شراحيل البكيلي ، عن عبد الله بن مسعود : " وآتى المال على حبه " ، أي : يؤتيه وهو صحيح شحيح ، يأمل العيش ويخشى الفقر .
2522 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن - وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق - قالا جميعا ، عن سفيان ، عن زبيد اليامي [ ص: 341 ] عن مرة ، عن عبد الله : " وآتى المال على حبه " قال : وأنت صحيح ، تأمل العيش ، وتخشى الفقر .
2523 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد اليامي عن عبد الله أنه قال في هذه الآية : " وآتى المال على حبه " قال : وأنت حريص شحيح ، تأمل الغنى ، وتخشى الفقر .
2524 - حدثنا أحمد بن نعمة المصري قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا الليث قال : حدثنا إبراهيم بن أعين ، عن شعبة بن الحجاج ، عن زبيد اليامي ، عن مرة الهمداني قال : قال عبد الله بن مسعود في قول الله : " وآتى المال على حبه ذوي القربى " ، قال : حريصا شحيحا ، يأمل الغنى ويخشى الفقر . [ ص: 342 ]
2525 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الشعبي سمعته يسأل : هل على الرجل حق في ماله سوى الزكاة؟ قال : نعم! وتلا هذه الآية : " وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة " .
2526 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا سويد بن عمرو الكلبي قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا أبو حمزة قال : قلت للشعبي : إذا زكى الرجل ماله ، أيطيب له ماله؟ فقرأ هذه الآية : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " إلى " وآتى المال على حبه " إلى آخرها ، ثم قال : حدثتني فاطمة بنت قيس أنها قالت : يا رسول الله ، إن لي سبعين مثقالا من ذهب . فقال : اجعليها في قرابتك .
2527 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك قال : حدثنا أبو حمزة فيما أعلم - عن عامر ، عن فاطمة بنت قيس أنها سمعته يقول : إن في المال لحقا سوى الزكاة .
2528 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي حيان [ ص: 343 ] قال : حدثني مزاحم بن زفر قال : كنت جالسا عند عطاء فأتاه أعرابي فقال له : إن لي إبلا فهل علي فيها حق بعد الصدقة؟ قال : نعم! قال : ماذا؟ قال : عارية الدلو ، وطروق الفحل ، والحلب .
2529 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، ذكره عن مرة الهمداني في : " وآتى المال على حبه " قال : قال عبد الله بن مسعود : تعطيه وأنت صحيح شحيح ، تطيل الأمل ، وتخاف الفقر . وذكر أيضا عن السدي أن هذا شيء واجب في المال ، حق على صاحب المال أن يفعله ، سوى الذي عليه من الزكاة .
2530 - حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا أسد قال : حدثنا سويد بن عبد الله ، عن أبي حمزة ، عن عامر ، عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " في المال حق سوى الزكاة ، وتلا هذه الآية : " ليس البر " إلى آخر الآية . [ ص: 344 ]
2531 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن زبيد اليامي ، عن مرة بن شراحيل عن عبد الله في قوله : " وآتى المال على حبه " قال : أن يعطي الرجل وهو صحيح شحيح به ، يأمل العيش ويخاف الفقر .
قال أبو جعفر : فتأويل الآية : وأعطى المال - وهو له محب ، حريص على جمعه ، شحيح به - ذوي قرابته فوصل به أرحامهم .
وإنما قلت عنى بقوله : " ذوي القربى " ، ذوي قرابة مؤدي المال على حبه ، للخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره فاطمة بنت قيس
2532 - وقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل : أي الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقل على ذي القرابة الكاشح . [ ص: 345 ]
وأما " اليتامى " " والمساكين " ، فقد بينا معانيهما فيما مضى .
وأما " ابن السبيل " ، فإنه المجتاز بالرجل . ثم اختلف أهل العلم في صفته . فقال بعضهم : هو الضيف من ذلك .
ذكر من قال ذلك :
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(221)
الحلقة (235)
صــ 346إلى صــ 352
2533 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وابن السبيل " قال : هو الضيف قال : قد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت . قال : وكان يقول : حق الضيافة ثلاث ليال ، فكل شيء أضافه بعد ذلك صدقة . [ ص: 346 ]
وقال بعضهم : هو المسافر يمر عليك .
ذكر من قال ذلك :
2534 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أبي جعفر : " وابن السبيل " قال : المجتاز من أرض إلى أرض .
2535 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقتادة في قوله : " وابن السبيل " قال : الذي يمر عليك وهو مسافر .
2536 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عمن ذكره ، عن ابن جريج عن مجاهد وقتادة مثله .
وإنما قيل للمسافر " ابن السبيل " ، لملازمته الطريق - والطريق هو " السبيل " - فقيل لملازمته إياه في سفره : " ابنه " ، كما يقال لطير الماء " ابن الماء " لملازمته إياه ، وللرجل الذي أتت عليه الدهور " ابن الأيام والليالي والأزمنة " ، ومنه قول ذي الرمة :
وردت اعتسافا والثريا كأنها على قمة الرأس ابن ماء محلق
[ ص: 347 ]
وأما قوله : " والسائلين " ، فإنه يعني به : المستطعمين الطالبين ، كما : -
2537 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن عكرمة في قوله : " والسائلين " قال : الذي يسألك .
وأما قوله : " وفي الرقاب " ، فإنه يعني بذلك : وفي فك الرقاب من العبودة ، وهم المكاتبون الذين يسعون في فك رقابهم من العبودة ، بأداء كتاباتهم التي فارقوا عليها ساداتهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وأقام الصلاة " ، أدام العمل بها بحدودها ، وبقوله " وآتى الزكاة " ، أعطاها على ما فرضها الله عليه . [ ص: 348 ]
فإن قال قائل : وهل من حق يجب في مال إيتاؤه فرضا غير الزكاة؟
قيل : قد اختلف أهل التأويل في ذلك :
فقال بعضهم : فيه حقوق تجب سوى الزكاة واعتلوا لقولهم ذلك بهذه الآية ، وقالوا : لما قال الله تبارك وتعالى : " وآتى المال على حبه ذوي القربى " ، ومن سمى الله معهم ، ثم قال بعد : " وأقام الصلاة وآتى الزكاة " ، علمنا أن المال - الذي وصف المؤمنين به أنهم يؤتونه ذوي القربى ، ومن سمى معهم - غير الزكاة التي ذكر أنهم يؤتونها . لأن ذلك لو كان مالا واحدا لم يكن لتكريره معنى مفهوم . قالوا : فلما كان غير جائز أن يقول تعالى ذكره قولا لا معنى له ، علمنا أن حكم المال الأول غير الزكاة ، وأن الزكاة التي ذكرها بعد غيره . قالوا : وبعد ، فقد أبان تأويل أهل التأويل صحة ما قلنا في ذلك .
وقال آخرون : بل المال الأول هو الزكاة ، ولكن الله وصف إيتاء المؤمنين من آتوه ذلك ، في أول الآية . فعرف عباده - بوصفه ما وصف من أمرهم - المواضع التي يجب عليهم أن يضعوا فيها زكواتهم ، ثم دلهم بقوله بعد ذلك : " وآتى الزكاة " ، أن المال الذي آتاه القوم هو الزكاة المفروضة كانت عليهم ، إذ كان أهل سهمانها هم الذين أخبر في أول الآية أن القوم آتوهم أموالهم .
وأما قوله : " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " ، فإن يعني تعالى ذكره : والذين لا ينقضون عهد الله بعد المعاهدة ، ولكن يوفون به ويتمونه على ما عاهدوا عليه من عاهدوه عليه . كما : -
2538 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع بن أنس في قوله : " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " قال : فمن أعطى عهد الله ثم نقضه ، فالله ينتقم منه . ومن أعطى ذمة النبي صلى الله عليه [ ص: 349 ] وسلم ثم غدر بها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه يوم القيامة .
وقد بينت " العهد " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
القول في تأويل قوله تعالى ( والصابرين في البأساء والضراء )
قال أبو جعفر : وقد بينا تأويل " الصبر " فيما مضى قبل .
فمعنى الكلام : والمانعين أنفسهم - في البأساء والضراء وحين البأس - مما يكرهه الله لهم ، الحابسيها على ما أمرهم به من طاعته . ثم قال أهل التأويل في معنى " البأساء والضراء " بما : -
2539 - حدثني به الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثني أبي - وحدثني موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد - قالا جميعا ، حدثنا أسباط عن السدي ، عن مرة الهمداني عن ابن مسعود أنه قال : أما البأساء فالفقر ، وأما الضراء فالسقم .
2540 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي - وحدثني المثنى قال : حدثنا الحماني - قالا جميعا ، حدثنا شريك ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله في قوله : " والصابرين في البأساء والضراء " قال : البأساء الجوع ، والضراء المرض .
2541 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله قال : البأساء الحاجة ، والضراء المرض .
2542 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : [ ص: 350 ] كنا نحدث أن البأساء البؤس والفقر ، وأن الضراء السقم . وقد قال النبي أيوب صلى الله عليه وسلم ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) ) [ سورة الأنبياء : 83 ] .
2543 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله : " والصابرين في البأساء والضراء " قال : البؤس : الفاقة والفقر ، والضراء : في النفس؛ من وجع أو مرض يصيبه في جسده .
2544 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " البأساء والضراء " قال : البأساء : البؤس ، والضراء : الزمانة في الجسد .
2545 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك قال : " البأساء والضراء " ، المرض .
2546 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج : " والصابرين في البأساء والضراء " قال : البأساء : البؤس والفقر ، والضراء : السقم والوجع .
2547 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبيد بن الطفيل قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في هذه الآية : " والصابرين في البأساء والضراء " ، أما البأساء : الفقر ، والضراء : المرض .
قال أبو جعفر : وأما أهل العربية : فإنهم اختلفوا في ذلك . فقال بعضهم : [ ص: 351 ] " البأساء والضراء " ، مصدر جاء على " فعلاء " ليس له " أفعل " لأنه اسم ، كما قد جاء " أفعل " في الأسماء ليس له " فعلاء " ، نحو " أحمد " . وقد قالوا في الصفة " أفعل " ، ولم يجئ له " فعلاء " ، فقالوا : " أنت من ذلك أوجل " ، ولم يقولوا : " وجلاء " .
وقال بعضهم : هو اسم للفعل . فإن " البأساء " ، البؤس ، " والضراء " الضر . وهو اسم يقع إن شئت لمؤنث ، وإن شئت لمذكر ، كما قال زهير :
فتنتج لكم غلمان أشأم ، كلهم كأحمر عاد ، ثم ترضع فتفطم
يعني فتنتج لكم غلمان شؤم .
وقال بعضهم : لو كان ذلك اسما يجوز صرفه إلى مذكر ومؤنث ، لجاز إجراء " أفعل " في النكرة ، ولكنه اسم قام مقام المصدر . والدليل على ذلك قوله : " لئن طلبت نصرتهم لتجدنهم غير أبعد " ، بغير إجراء . وقال : إنما كان اسما للمصدر ، لأنه إذا ذكر علم أنه يراد به المصدر .
وقال غيره : لو كان ذلك مصدرا فوقع بتأنيث ، لم يقع بتذكير ، ولو وقع [ ص: 352 ] بتذكير ، لم يقع بتأنيث . لأن من سمي ب " أفعل " لم يصرف إلى " فعلى " ، ومن سمي ب " فعلى " لم يصرف إلى " أفعل " ، لأن كل اسم يبقى بهيئته لا يصرف إلى غيره ، ولكنهما لغتان . فإذا وقع بالتذكير ، كان بأمر " أشأم " ، وإذا وقع " البأساء والضراء " ، وقع : الخلة البأساء ، والخلة الضراء . وإن كان لم يبن على " الضراء " ، " الأضر " ، ولا على " الأشأم " ، " الشأماء " . لأنه لم يرد من تأنيثه التذكير ، ولا من تذكيره التأنيث ، كما قالوا : " امرأة حسناء " ، ولم يقولوا : " رجل أحسن " . وقالوا : " رجل أمرد " ، ولم يقولوا : " امرأة مرداء " . فإذا قيل : " الخصلة الضراء " و" الأمر الأشأم " ، دل على المصدر ، ولم يحتج إلى أن يكون اسما ، وإن كان قد كفى من المصدر .
وهذا قول مخالف تأويل من ذكرنا تأويله من أهل العلم في تأويل " البأساء والضراء " ، وإن كان صحيحا على مذهب العربية . وذلك أن أهل التأويل تأولوا " البأساء " بمعنى البؤس ، " والضراء " بمعنى الضر في الجسد . وذلك من تأويلهم مبني على أنهم وجهوا "البأساء والضراء " إلى أسماء الأفعال ، دون صفات الأسماء ونعوتها . فالذي هو أولى ب " البأساء والضراء " ، على قول أهل التأويل ، أن تكون " البأساء والضراء " أسماء أفعال ، فتكون " البأساء " اسما " للبؤس " ، و" الضراء " اسما " للضر " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(222)
الحلقة (236)
صــ 353إلى صــ 359
وأما " الصابرين " فنصب ، وهو من نعت " من " على وجه المدح . لأن من شأن العرب - إذا تطاولت صفة الواحد - الاعتراض بالمدح والذم بالنصب أحيانا ، وبالرفع أحيانا ، كما قال الشاعر : [ ص: 353 ]
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وذا الرأي حين تغم الأمور بذات الصليل وذات اللجم
فنصب " ليث الكتيبة " وذا " الرأي " على المدح ، والاسم قبلهما مخفوض لأنه من صفة واحد ، ومنه قول الآخر :
فليت التي فيها النجوم تواضعت على كل غث منهم وسمين
غيوث الورى في كل محل وأزمة أسود الشرى يحمين كل عرين
وقد زعم بعضهم أن قوله : " والصابرين في البأساء " ، نصب عطفا على " السائلين " . [ ص: 354 ] كأن معنى الكلام كان عنده : وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وابن السبيل والسائلين والصابرين في البأساء والضراء . وظاهر كتاب الله يدل على خطأ هذا القول ، وذلك أن " والصابرين في البأساء والضراء " ، هم أهل الزمانة في الأبدان ، وأهل الإقتار في الأموال . وقد مضى وصف القوم بإيتاء - من كان ذلك صفته - المال في قوله : " والمساكين وابن السبيل والسائلين " ، وأهل الفاقة والفقر ، هم أهل " البأساء والضراء " ، لأن من لم يكن من أهل الضراء ذا بأساء ، لم يكن ممن له قبول الصدقة ، وإنما له قبولها إذا كان جامعا إلى ضرائه بأساء ، وإذا جمع إليها بأساء ، كان من أهل المسكنة الذين قد دخلوا في جملة " المساكين " الذين قد مضى ذكرهم قبل قوله : " والصابرين في البأساء " . وإذا كان كذلك ، ثم نصب "الصابرين في البأساء " بقوله " وآتى المال على حبه " ، كان الكلام تكريرا بغير فائدة معنى . كأنه قيل : وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين . والله يتعالى عن أن يكون ذلك في خطابه عباده . ولكن معنى ذلك : ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ، والصابرين في البأساء والضراء . " والموفون " رفع لأنه من صفة " من " ، و" من " رفع ، فهو معرب بإعرابه . " والصابرين " نصب - وإن كان من صفته - على وجه المدح الذي وصفنا قبل .
القول في تأويل قوله تعالى ( وحين البأس )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وحين البأس " ، والصابرين في وقت البأس ، وذلك وقت شدة القتال في الحرب ، كما : -
2548 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبي قال : [ ص: 355 ] حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن مرة عن عبد الله في قول الله : " وحين البأس " قال : حين القتال .
2549 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن مرة ، عن عبد الله مثله .
2550 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وحين البأس " القتال .
2551 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد عن قتادة قوله : " وحين البأس " ، أي عند مواطن القتال .
2552 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وحين البأس " ، القتال .
2553 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع " وحين البأس " ، عند لقاء العدو .
2554 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبيدة عن الضحاك : " وحين البأس " ، القتال
2555 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا عبيد بن الطفيل أبو سيدان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " وحين البأس " قال : القتال .
[ ص: 356 ] القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ( 177 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " أولئك الذين صدقوا " ، من آمن بالله واليوم الآخر ، ونعتهم النعت الذي نعتهم به في هذه الآية . يقول : فمن فعل هذه الأشياء فهم الذين صدقوا الله في إيمانهم ، وحققوا قولهم بأفعالهم - لا من ولى وجهه قبل المشرق والمغرب وهو يخالف الله في أمره ، وينقض عهده وميثاقه ، ويكتم الناس بيان ما أمره الله ببيانه ، ويكذب رسله .
وأما قوله : " وأولئك هم المتقون " ، فإنه يعني : وأولئك الذين اتقوا عقاب الله ، فتجنبوا عصيانه ، وحذروا وعده ، فلم يتعدوا حدوده . وخافوه ، فقاموا بأداء فرائضه .
وبمثل الذي قلنا في قوله : " أولئك الذين صدقوا " ، كان الربيع بن أنس يقول :
2556 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " أولئك الذين صدقوا " قال : فتكلموا بكلام الإيمان ، فكانت حقيقته العمل ، صدقوا الله . قال : وكان الحسن يقول : هذا كلام الإيمان ، وحقيقته العمل ، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء .
[ ص: 357 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " ، فرض عليكم .
فإن قال قائل : أفرض على ولي القتيل القصاص من قاتل وليه؟
قيل : لا ، ولكنه مباح له ذلك ، والعفو ، وأخذ الدية .
فإن قال قائل : وكيف قال : " كتب عليكم القصاص " ؟
قيل : إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبت إليه ، وإنما معناه : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى أي أن الحر إذا قتل الحر ، فدم القاتل كفء لدم القتيل ، والقصاص منه دون غيره من الناس ، فلا تجاوزوا بالقتل إلى غيره ممن لم يقتل ، فإنه حرام عليكم أن تقتلوا بقتيلكم غير قاتله .
والفرض الذي فرض الله علينا في القصاص ، هو ما وصفت من ترك المجاوزة بالقصاص قتل القاتل بقتيله إلى غيره ، لا أنه وجب علينا القصاص فرضا وجوب فرض الصلاة والصيام ، حتى لا يكون لنا تركه . ولو كان ذلك فرضا لا يجوز لنا تركه ، لم يكن لقوله : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، معنى مفهوم . لأنه لا عفو بعد القصاص فيقال : " فمن عفي له من أخيه شيء " .
وقد قيل : إن معنى القصاص في هذه الآية ، مقاصة ديات بعض القتلى بديات بعض . وذلك أن الآية عندهم نزلت في حزبين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل بعضهم بعضا ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم بأن تسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين ، وديات رجالهم [ ص: 358 ] بديات رجالهم ، وديات عبيدهم بديات عبيدهم ، قصاصا . فذلك عندهم معنى " القصاص " في هذه الآية .
فإن قال قائل : فإنه تعالى ذكره قال : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " ، فما لنا أن نقتص للحر إلا من الحر ، ولا للأنثى إلا من الأنثى؟
قيل : بل لنا أن نقتص للحر من العبد ، وللأنثى من الذكر بقول الله تعالى ذكره : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) [ سورة الإسراء : 33 ] ، وبالنقل المستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
2557 - المسلمون تتكافأ دماؤهم .
فإن قال : فإذ كان ذلك ، فما وجه تأويل هذه الآية؟
قيل : اختلف أهل التأويل في ذلك . فقال بعضهم : نزلت هذه الآية في قوم كانوا إذا قتل الرجل منهم عبد قوم آخرين ، لم يرضوا من قتيلهم بدم قاتله ، من أجل أنه عبد ، حتى يقتلوا به سيده . وإذا قتلت المرأة من غيرهم رجلا لم يرضوا من دم صاحبهم بالمرأة القاتلة ، حتى يقتلوا رجلا من رهط المرأة وعشيرتها . فأنزل الله هذه الآية ، فأعلمهم أن الذي فرض لهم من القصاص أن يقتلوا بالرجل الرجل القاتل دون غيره ، وبالأنثى الأنثى القاتلة دون غيرها من الرجال ، وبالعبد العبد القاتل دون غيره من الأحرار ، فنهاهم أن يتعدوا القاتل إلى غيره في القصاص .
ذكر من قال ذلك :
2558 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد - وحدثني المثنى [ ص: 359 ] قال : حدثنا الحجاج - قالا حدثنا حماد ، عن داود بن أبي هند عن الشعبي في قوله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : نزلت في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية ، فقالوا : نقتل بعبدنا فلان ابن فلان ، وبفلانة فلان بن فلان ، فأنزل الله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " .
2559 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان ، فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة ، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم ، قالوا : لا نقتل به إلا حرا! تعززا ، لفضلهم على غيرهم في أنفسهم . وإذا قتلت لهم امرأة قتلتها امرأة قوم آخرين قالوا : لا نقتل بها إلا رجلا! فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى ، فنهاهم عن البغي . ثم أنزل الله تعالى ذكره في سورة المائدة بعد ذلك فقال : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) [ سورة المائدة : 45 ] .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(223)
الحلقة (237)
صــ 360إلى صــ 366
2560 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " قال : لم يكن لمن قبلنا دية ، إنما هو القتل ، أو العفو إلى أهله . فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم ، فكانوا إذا قتل من الحي الكثير عبد قالوا : لا نقتل به إلا حرا . وإذا قتلت منهم امرأة قالوا : لا نقتل بها إلا رجلا . فأنزل الله : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " . [ ص: 360 ]
2561 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت داود عن عامر في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : إنما ذلك في قتال عمية ، إذا أصيب من هؤلاء عبد ومن هؤلاء عبد ، تكافآ ، وفي المرأتين كذلك ، وفي الحرين كذلك . هذا معناه إن شاء الله .
2562 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : دخل في قول الله تعالى ذكره : " الحر بالحر " ، الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل . وقال عطاء : ليس بينهما فضل .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في فريقين كان بينهم قتال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل من كلا الفريقين جماعة من الرجال والنساء ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم ، بأن يجعل ديات النساء من كل واحد من الفريقين قصاصا بديات النساء من الفريق الآخر ، وديات الرجال بالرجال ، وديات العبيد بالعبيد ، فذلك معنى قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " .
ذكر من قال ذلك :
2563 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : اقتتل أهل ملتين من العرب ، أحدهما مسلم والآخر معاهد ، في بعض ما يكون بين العرب من الأمر ، فأصلح بينهم النبي صلى الله عليه وسلم - وقد كانوا قتلوا الأحرار والعبيد والنساء - على أن يؤدي الحر دية الحر ، والعبد دية العبد ، والأنثى دية الأنثى ، فقاصهم بعضهم من بعض .
2564 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا عبد الله [ ص: 361 ] بن المبارك عن سفيان ، عن السدي عن أبي مالك قال : كان بين حيين من الأنصار قتال ، كان لأحدهما على الآخر الطول فكأنهم طلبوا الفضل . فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهم ، فنزلت هذه الآية : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى .
2566 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شعبة ، عن أبي بشر قال : سمعت الشعبي يقول في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى " قال : نزلت في قتال عمية . قال شعبة : كأنه في صلح . قال : اصطلحوا على هذا .
2567 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي بشر قال : سمعت الشعبي يقول في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : نزلت في قتال عمية " ، قال : كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره بمقاصة دية الحر ودية العبد ، ودية الذكر ودية الأنثى ، في قتل العمد - إن اقتص للقتيل من القاتل ، والتراجع بالفضل والزيادة بين ديتي القتيل والمقتص منه .
ذكر من قال ذلك :
2568 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " قال : حدثنا عن علي بن أبي طالب أنه [ ص: 362 ] كان يقول : أيما حر قتل عبدا فهو قود به ، فإن شاء موالي العبد أن يقتلوا الحر قتلوه ، وقاصوهم بثمن العبد من دية الحر ، وأدوا إلى أولياء الحر بقية ديته . وإن عبد قتل حرا فهو به قود ، فإن شاء أولياء الحر قتلوا العبد وقاصوهم بثمن العبد ، وأخذوا بقية دية الحر ، وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستحيوا العبد . وأي حر قتل امرأة فهو بها قود ، فإن شاء أولياء المرأة قتلوه وأدوا نصف الدية إلى أولياء الحر . وإن امرأة قتلت حرا فهي به قود ، فإن شاء أولياء الحر قتلوها وأخذوا نصف الدية ، وإن شاءوا أخذوا الدية كلها واستحيوها ، وإن شاءوا عفوا .
2569 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا هشام بن عبد الملك قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن : أن عليا قال في رجل قتل امرأته ، قال : إن شاءوا قتلوه وغرموا نصف الدية .
2570 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى ، عن سعيد ، عن عوف عن الحسن قال : لا يقتل الرجل بالمرأة ، حتى يعطوا نصف الدية .
2571 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك عن الشعبي ، قال : في رجل قتل امرأته عمدا فأتوا به عليا فقال : إن شئتم فاقتلوه ، وردوا فضل دية الرجل على دية المرأة .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في حال ما نزلت ، والقوم لا يقتلون الرجل بالمرأة ، ولكنهم كانوا يقتلون الرجل بالرجل ، والمرأة بالمرأة ، حتى سوى الله بين حكم جميعهم بقوله : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) [ سورة المائدة : 45 ] ، فجعل جميعهم قود بعضهم ببعض .
ذكر من قال ذلك :
2572 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " والأنثى بالأنثى " [ ص: 363 ] وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ، ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة ، فأنزل الله تعالى : " النفس بالنفس " ، فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم ، في العمد رجالهم ونساؤهم ، في النفس وما دون النفس . وجعل العبيد مستوين فيما بينهم في العمد ، في النفس وما دون النفس ، رجالهم ونساؤهم .
قال أبو جعفر : فإذ كان مختلفا الاختلاف الذي وصفت ، فيما نزلت فيه هذه الآية ، فالواجب علينا استعمالها ، فيما دلت عليه من الحكم ، بالخبر القاطع العذر . وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنقل العام : أن نفس الرجل الحر قود قصاصا بنفس المرأة الحرة . فإذ كان ذلك كذلك ، وكانت الأمة مختلفة في التراجع بفضل ما بين دية الرجل والمرأة - على ما قد بينا من قول علي وغيره - كان واضحا فساد قول من قال بالقصاص في ذلك . والتراجع بفضل ما بين الديتين ، بإجماع جميع أهل الإسلام : على أن حراما على الرجل أن يتلف من جسده عضوا بعوض يأخذه على إتلافه ، فدع جميعه وعلى أن حراما على غيره إتلاف شيء منه - مثل الذي حرم من ذلك - بعوض يعطيه عليه . فالواجب أن تكون نفس الرجل الحر بنفس المرأة الحرة قودا .
وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا بذلك أنه لم يرد بقوله تعالى ذكره : " الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى " أن لا يقاد العبد بالحر ، وأن لا تقتل الأنثى بالذكر ولا الذكر بالأنثى . وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا أن الآية معني بها أحد المعنيين الآخرين . إما قولنا : من أن لا يتعدى بالقصاص إلى غير القاتل والجاني ، فيؤخذ بالأنثى الذكر وبالعبد الحر . وإما القول الآخر : وهو أن تكون [ ص: 364 ] الآية نزلت في قوم بأعيانهم خاصة ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ديات قتلاهم قصاصا بعضها من بعض ، كما قاله السدي ومن ذكرنا قوله .
وقد أجمع الجميع - لا خلاف بينهم - على أن المقاصة في الحقوق غير واجبة ، وأجمعوا على أن الله لم يقض في ذلك قضاء ثم نسخه . وإذ كان كذلك ، وكان قوله تعالى ذكره : " كتب عليكم القصاص " ينبئ عن أنه فرض ، كان معلوما أن القول خلاف ما قاله قائل هذه المقالة . لأن ما كان فرضا على أهل الحقوق أن يفعلوه ، فلا خيار لهم فيه . والجميع مجمعون على أن لأهل الحقوق الخيار في مقاصتهم حقوقهم بعضها من بعض . فإذ تبين فساد هذا الوجه الذي ذكرنا ، فالصحيح من القول في ذلك هو ما قلنا .
فإن قال قائل : إذ ذكرت أن معنى قوله : " كتب عليكم القصاص " - بمعنى : فرض عليكم القصاص : لا يعرف لقول القائل : " كتب " معنى إلا معنى : خط ذلك ، فرسم خطا وكتابا ، فما برهانك على أن معنى قوله : " كتب " فرض؟
قيل : إن ذلك في كلام العرب موجود ، وفي أشعارهم مستفيض ، ومنه قول الشاعر :
كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول
[ ص: 365 ]
وقول نابغة بني جعدة :
يا بنت عمي ، كتاب الله أخرجني عنكم ، فهل أمنعن الله ما فعلا!
وذلك أكثر في أشعارهم وكلامهم من أن يحصى . غير أن ذلك ، وإن كان بمعنى : فرض ، فإنه عندي مأخوذ من " الكتاب " الذي هو رسم وخط . وذلك أن الله تعالى ذكره قد كتب جميع ما فرض على عباده وما هم عاملوه في اللوح المحفوظ ، فقال تعالى ذكره في القرآن : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) [ سورة البروج : 21 - 22 ] وقال : ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) [ سورة الواقعة : 77 - 78 ] . فقد تبين بذلك أن كل ما فرضه علينا ، ففي اللوح المحفوظ مكتوب .
فمعنى قوله : - إذ كان ذلك كذلك - " كتب عليكم القصاص " ، كتب عليكم في اللوح المحفوظ القصاص في القتلى ، فرضا ، أن لا تقتلوا بالمقتول غير قاتله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(224)
الحلقة (238)
صــ 367إلى صــ 373
وأما " القصاص " فإنه من قول القائل : " قاصصت فلانا حقي قبله من حقه قبلي ، قصاصا ومقاصة " . فقتل القاتل بالذي قتله " قصاص " ، لأنه مفعول به مثل الذي فعل بمن قتله ، وإن كان أحد الفعلين عدوانا والآخر حقا . فهما وإن اختلفا من هذا الوجه ، فهما متفقان في أن كل واحد قد فعل بصاحبه مثل [ ص: 366 ] الذي فعل صاحبه به . وجعل فعل ولي القتيل الأول إذا قتل قاتل وليه - قصاصا ، إذ كان بسبب قتله استحق قتل من قتله ، فكأن وليه المقتول هو الذي ولى قتل قاتله ، فاقتص منه .
وأما " القتلى " فإنها جمع " قتيل " كما " الصرعى " جمع " صريع " ، والجرحى جمع " جريح " . وإنما يجمع " الفعيل " على " الفعلى " ، إذا كان صفة للموصوف به ، بمعنى الزمانة والضرر الذي لا يقدر معه صاحبه على البراح من موضعه ومصرعه ، نحو القتلى في معاركهم ، والصرعى في مواضعهم ، والجرحى ، وما أشبه ذلك .
فتأويل الكلام إذا : فرض عليكم ، أيها المؤمنون ، القصاص في القتلى : أن يقتص الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى . ثم ترك ذكر " أن يقتص " اكتفاء بدلالة قوله : " كتب عليكم القصاص " عليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : تأويله : فمن ترك له من القتل ظلما ، من الواجب كان لأخيه عليه من القصاص - وهو الشيء الذي قال الله : " فمن عفي له من أخيه شيء " - فاتباع من العافي للقاتل بالواجب له قبله من الدية ، وأداء من المعفو عنه ذلك إليه بإحسان .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 367 ]
2573 - حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي قالا حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو عن مجاهد عن ابن عباس : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، فالعفو : أن يقبل الدية في العمد . واتباع بالمعروف : أن يطلب هذا بمعروف ، ويؤدي هذا بإحسان .
2574 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد عن ابن عباس أنه قال في قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، فقال : هو العمد ، يرضى أهله بالدية ، واتباع بالمعروف : أمر به الطالب ، وأداء إليه بإحسان من المطلوب .
2575 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا أبي - وحدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر - قالا جميعا ، أخبرنا ابن المبارك ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : الذي يقبل الدية ، ذلك منه عفو واتباع بالمعروف ، ويؤدي إليه الذي عفي له من أخيه بإحسان .
2576 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، وهي الدية : أن يحسن الطالب الطلب ، وأداء إليه بإحسان : وهو أن يحسن المطلوب الأداء .
2577 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف [ ص: 368 ] وأداء إليه بإحسان " ، والعفو : الذي يعفو عن الدم ويأخذ الدية .
2578 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن عفي له من أخيه شيء " قال : الدية .
2579 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد ، عن إبراهيم عن الحسن : " وأداء إليه بإحسان " قال : على هذا الطالب أن يطلب بالمعروف ، وعلى هذا المطلوب أن يؤدي بإحسان .
2580 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف " ، والعفو : الذي يعفو عن الدم ، ويأخذ الدية .
2581 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا حماد ، عن داود بن أبي هند عن الشعبي في قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : هو العمد ، يرضى أهله بالدية .
2582 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن داود عن الشعبي مثله .
2583 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، يقول : قتل عمدا فعفي عنه ، وقبلت منه الدية . يقول : " فاتباع بالمعروف " ، فأمر المتبع أن يتبع بالمعروف ، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان ، والعمد قود إليه قصاص ، لا عقل فيه ، إلا أن يرضوا بالدية . فإن رضوا بالدية ، فمائة خلفة . فإن قالوا : لا نرضى إلا بكذا وكذا . فذاك لهم . [ ص: 369 ]
2584 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : يتبع به الطالب بالمعروف ، ويؤدي المطلوب بإحسان .
2585 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، يقول : فمن قتل عمدا فعفي عنه ، وأخذت منه الدية ، يقول : " فاتباع بالمعروف " ، أمر صاحب الدية التي يأخذها أن يتبع بالمعروف ، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان .
2586 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : ذلك إذا أخذ الدية ، فهو عفو .
2587 - حدثنا الحسن قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد قال : إذا قبل الدية فقد عفا عن القصاص ، فذلك قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال ابن جريج : وأخبرني الأعرج ، عن مجاهد مثل ذلك ، وزاد فيه : - فإذا قبل الدية فإن عليه أن يتبع بالمعروف ، وعلى الذي عفي عنه أن يؤدي بإحسان .
2588 - حدثنا المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا أبو عقيل قال : قال الحسن : أخذ الدية عفو حسن .
2589 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " وأداء إليه بإحسان " قال : أنت أيها المعفو عنه .
2590 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع [ ص: 370 ] بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، وهو الدية ، أن يحسن الطالب ، وأداء إليه بإحسان : هو أن يحسن المطلوب الأداء .
وقال آخرون معنى قوله : " فمن عفي " ، فمن فضل له فضل ، وبقيت له بقية . وقالوا : معنى قوله : " من أخيه شيء " : من دية أخيه شيء ، أو من أرش جراحته ، فاتباع منه القاتل أو الجارح الذي بقي ذلك قبله - بمعروف ، وأداء من القاتل أو الجارح إليه ما بقي قبله له من ذلك بإحسان .
وهذا قول من زعم أن الآية نزلت - أعني قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى " - في الذين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم ، فيقاص ديات بعضهم من بعض ، ويرد بعضهم على بعض بفضل إن بقي لهم قبل الآخرين . وأحسب أن قائلي هذا القول وجهوا تأويل " العفو " - في هذا الموضع - إلى : الكثرة من قول الله تعالى ذكره : ( حتى عفوا ) [ سورة الأعراف : 95 ] . فكأن معنى الكلام عندهم : فمن كثر له قبل أخيه القاتل .
ذكر من قال ذلك :
2591 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، يقول : بقي له من دية أخيه شيء أو من أرش جراحته ، فليتبع بمعروف ، وليؤد الآخر إليه بإحسان .
والواجب على تأويل القول الذي روينا عن علي والحسن - في قوله : " كتب عليكم القصاص " أنه بمعنى : مقاصة دية النفس الذكر من دية نفس الأنثى ، والعبد من الحر ، والتراجع بفضل ما بين ديتي أنفسهما - أن يكون معنى قوله : [ ص: 371 ] " فمن عفي له من أخيه شيء " ، فمن عفي له من الواجب لأخيه عليه - من قصاص دية أحدهما بدية نفس الآخر ، إلى الرضى بدية نفس المقتول ، فاتباع من الولي بالمعروف ، وأداء من القاتل إليه ذلك بإحسان .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب في قوله فمن عفي له من أخيه شيء " : فمن صفح له - من الواجب كان لأخيه عليه من القود - عن شيء من الواجب ، على دية يأخذها منه ، فاتباع بالمعروف من العافي عن الدم ، الراضي بالدية من دم وليه وأداء إليه - من القاتل - ذلك بإحسان . لما قد بينا من العلل فيما مضى قبل : من أن معنى قول الله تعالى ذكره : " كتب عليكم القصاص " ، إنما هو القصاص من النفوس القاتلة أو الجارحة أو الشاجة عمدا . كذلك " العفو " أيضا عن ذلك .
وأما معنى قوله : " فاتباع بالمعروف " ، فإنه يعني : فاتباع على ما أوجبه الله له من الحق قبل قاتل وليه ، من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه - في أسنان الفرائض أو غير ذلك - أو يكلفه ما لم يوجبه الله له عليه ، كما : -
2592 - حدثني بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : بلغنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من زاد أو ازداد بعيرا " - يعني في إبل الديات وفرائضها - فمن أمر الجاهلية .
وأما إحسان الآخر في الأداء ، فهو أداء ما لزمه بقتله لولي القتيل ، على [ ص: 372 ] ما ألزمه الله وأوجبه عليه ، من غير أن يبخسه حقا له قبله بسبب ذلك ، أو يحوجه إلى اقتضاء ومطالبة .
فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : " فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، ولم يقل فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، كما قال : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) [ سورة محمد : 4 ] ؟ قيل : لو كان التنزيل جاء بالنصب ، وكان : فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان - كان جائزا في العربية صحيحا ، على وجه الأمر ، كما يقال : " ضربا ضربا وإذا لقيت فلانا فتبجيلا وتعظيما " ، غير أنه جاء رفعا ، وهو أفصح في كلام العرب من نصبه . وكذلك ذلك في كل ما كان نظيرا له ، مما يكون فرضا عاما - فيمن قد فعل ، وفيمن لم يفعل إذا فعل - لا ندبا وحثا . ورفعه على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء ، فالأمر فيه : اتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، أو فالقضاء والحكم فيه : اتباع بالمعروف .
وقد قال بعض أهل العربية : رفع ذلك على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء ، فعليه اتباع بالمعروف . وهذا مذهب ، والأول الذي قلناه هو وجه الكلام . وكذلك كل ما كان من نظائر ذلك في القرآن ، فإن رفعه على الوجه الذي قلناه . وذلك مثل قوله : ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) [ سورة المائدة : 95 ] ، وقوله : ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) [ سورة البقرة : 229 ] . وأما قوله : ( فضرب الرقاب ) ، فإن الصواب فيه النصب ، وهو وجه الكلام ، لأنه على وجه الحث من الله تعالى ذكره عباده على القتل عند لقاء العدو ، كما يقال : " إذا لقيتم العدو فتكبيرا وتهليلا " ، على وجه الحض على التكبير ، لا على وجه الإيجاب والإلزام .
[ ص: 373 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك تخفيف من ربكم ورحمة )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ذلك " ، هذا الذي حكمت به وسننته لكم ، من إباحتي لكم - أيتها الأمة - العفو عن القصاص من قاتل قتيلكم ، على دية تأخذونها فتملكونها ملككم سائر أموالكم التي كنت منعتها من قبلكم من الأمم السالفة " تخفيف من ربكم ، يقول : تخفيف مني لكم مما كنت ثقلته على غيركم ، بتحريم ذلك عليهم " ورحمة " ، مني لكم . كما : -
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(225)
الحلقة (239)
صــ 374إلى صــ 380
2593 - حدثنا أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي قالا حدثنا سفيان ، ******عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله في هذه الآية : " كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر " إلى قوله : " فمن عفي له من أخيه شيء " ، فالعفو : أن يقبل الدية في العمد " ذلك تخفيف من ربكم " . يقول : خفف عنكم ما كان على من كان قبلكم : أن يطلب هذا بمعروف ، ويؤدي هذا بإحسان . [ ص: 374 ]
2594 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان من قبلكم يقتلون القاتل بالقتيل ، لا تقبل منهم الدية ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر " إلى آخر الآية ، " ذلك تخفيف من ربكم " ، يقول : خفف عنكم ، وكان على من قبلكم أن الدية لم تكن تقبل ، فالذي يقبل الدية ذلك منه عفو .
2595 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " - مما كان على بني إسرائيل ، يعني : من تحريم الدية عليهم .
2596 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عباس قالا : كان على بني إسرائيل قصاص في القتل ، ليس بينهم دية في نفس ولا جرح ، وذلك قول الله : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) الآية كلها [ سورة المائدة : 45 ] ، وخفف الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقبل منهم الدية في النفس وفي الجراحة ، وذلك قوله تعالى : " ذلك تخفيف من ربكم " بينكم .
2597 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " ، وإنما هي رحمة رحم الله بها هذه الأمة ، أطعمهم الدية ، وأحلها لهم ، ولم تحل لأحد قبلهم . فكان أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ، وليس بينهما أرش ، وكان أهل الإنجيل إنما هو عفو ، أمروا به . فجعل الله لهذه الأمة القود والعفو والدية إن شاءوا ، أحلها لهم ، ولم تكن لأمة قبلهم .
2598 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن [ ص: 375 ] أبيه ، عن الربيع بمثله سواء ، غير أنه قال : ليس بينهما شيء .
2599 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم القصاص في القتلى " قال : لم يكن لمن قبلنا دية ، إنما هو القتل أو العفو إلى أهله . فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم .
2600 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : وأخبرني عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : إن بني إسرائيل كان كتب عليهم القصاص ، وخفف عن هذه الأمة - وتلا عمرو بن دينار : " ذلك تخفيف من ربكم ورحمة " .
وأما على قول من قال : القصاص في هذه الآية معناه : قصاص الديات بعضها من بعض ، على ما قاله السدي فإنه ينبغي أن يكون تأويله : هذا الذي فعلت بكم أيها المؤمنون من قصاص ديات قتلى بعضكم بديات بعض ، وترك إيجاب القود على الباقين منكم بقتيله الذي قتله وأخذه بديته تخفيف مني عنكم ثقل ما كان عليكم من حكمي عليكم بالقود أو الدية ، ورحمة مني لكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 178 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، فمن تجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية ، اعتداء وظلما إلى ما لم يجعل له من قتل قاتل وليه وسفك دمه ، فله بفعله ذلك وتعديه إلى ما قد حرمته عليه ، عذاب أليم . [ ص: 376 ]
وقد بينت معنى " الاعتداء " فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2601 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، فقتل ، " فله عذاب أليم " .
2602 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فمن اعتدى " ، بعد أخذ الدية ، " فله عذاب أليم " .
2603 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية فقتل ، فله عذاب أليم . قال : وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية . [ ص: 377 ]
2604 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك " قال : هو القتل بعد أخذ الدية . يقول : من قتل بعد أن يأخذ الدية فعليه القتل ، لا تقبل منه الدية .
2605 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فله عذاب أليم .
2606 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال : كان الرجل إذا قتل قتيلا في الجاهلية فر إلى قومه ، فيجيء قومه فيصالحون عنه بالدية قال : فيخرج الفار وقد أمن على نفسه قال : فيقتل ثم يرمى إليه بالدية ، فذلك " الاعتداء " .
2607 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا أبو عقيل قال : سمعت الحسن في هذه الآية : " فمن عفي له من دم أخيه شيء " قال : القاتل إذا طلب فلم يقدر عليه ، وأخذ من أوليائه الدية ، ثم أمن ، فأخذ فقتل . قال الحسن : ما أكل عدوان .
2608 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم قال : حدثنا القاسم قال : حدثنا هارون بن سليمان قال : قلت لعكرمة : من قتل بعد أخذه الدية؟ قال : إذا يقتل! أما سمعت الله يقول : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ؟
2609 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط [ ص: 378 ] عن السدي : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، بعد ما يأخذ الدية ، فيقتل " فلا عذاب أليم " .
2610 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثنى أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فمن اعتدى بعد ذلك " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فله عذاب أليم .
2611 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : أخذ العقل ، ثم قتل بعد أخذ العقل قاتل قتيله ، فله عذاب أليم .
واختلفوا في معنى " العذاب الأليم " الذي جعله الله لمن اعتدى بعد أخذه الدية من قاتل وليه .
فقال بعضهم : ذلك " العذاب " هو القتل بمن قتله بعد أخذ الدية منه ، وعفوه عن القصاص منه بدم وليه .
ذكر من قال ذلك :
2612 - حدثني يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : يقتل ، وهو العذاب الأليم يقول : العذاب الموجع .
2613 - حدثني يعقوب قال : حدثني هشيم قال : حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير أنه قال ذلك .
2614 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا القاسم قال : حدثنا هارون بن سليمان ، عن عكرمة : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : القتل .
وقال بعضهم : ذلك " العذاب " عقوبة يعاقبه بها السلطان على قدر ما يرى من عقوبته . [ ص: 379 ]
ذكر من قال ذلك :
2615 - حدثني القاسم بن الحسن قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن الليث غير أنه لم ينسبه ، وقال : ثقة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب بقسم أو غيره أن لا يعفى عن رجل عفا عن الدم وأخذ الدية ، ثم عدا فقتل ، قال ابن جريج : وأخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : في كتاب لعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : و" الاعتداء " الذي ذكر الله : أن الرجل يأخذ العقل أو يقتص ، أو يقضي السلطان فيما بين الجراح ، ثم يعتدي بعضهم من بعد أن يستوعب حقه . فمن فعل ذلك فقد اعتدى ، والحكم فيه إلى السلطان بالذي يرى فيه من العقوبة قال : ولو عفا عنه ، لم يكن لأحد من طلبة الحق أن [ يعفو ] لأن هذا من الأمر الذي أنزل الله فيه قوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ سورة النساء : 59 ] .
2616 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس [ ص: 380 ] عن الحسن : في رجل قتل فأخذت منه الدية ، ثم إن وليه قتل به القاتل . قال الحسن : تؤخذ منه الدية التي أخذ ، ولا يقتل به .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(226)
الحلقة (240)
صــ 381إلى صــ 387
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بقوله : " فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، تأويل من قال : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فقتل قاتل وليه ، فله عذاب أليم في عاجل الدنيا ، وهو القتل . لأن الله تعالى جعل لكل ولي قتيل قتل ظلما سلطانا على قاتل وليه ، فقال تعالى ذكره ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ) [ سورة الإسراء : 33 ] . فإذ كان ذلك كذلك : وكان الجميع من أهل العلم مجمعين على أن من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتيله أنه بقتله إياه له ظالم في قتله - كان بينا أن لا يولي من قتله ظلما كذلك ، السلطان عليه في القصاص والعفو وأخذ الدية ، أي ذلك شاء . وإذا كان ذلك كذلك ، كان معلوما أن ذلك عذابه ، لأن من أقيم عليه حده في الدنيا ، كان ذلك عقوبته من ذنبه ، ولم يكن به متبعا في الآخرة ، على ما قد ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 381 ]
وأما ما قاله ابن جريج : من أن حكم من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه ، وأخذه دية وليه المقتول - إلى الإمام دون أولياء المقتول ، فقول خلاف لما دل عليه ظاهر كتاب الله ، وأجمع عليه علماء الأمة . وذلك أن الله جعل لولي كل مقتول ظلما السلطان دون غيره ، من غير أن يخص من ذلك قتيلا دون قتيل . فسواء كان ذلك قتيل ولي من قتله أو غيره . ومن خص من ذلك شيئا سئل البرهان عليه من أصل أو نظير ، وعكس عليه القول فيه ، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . ثم في إجماع الحجة على خلاف ما قاله في ذلك ، مكتفى في الاستشهاد على فساده بغيره .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " ، ولكم يا أولي العقول ، فيما فرضت عليكم وأوجبت لبعضكم على بعض ، من القصاص في النفوس والجراح والشجاج ، ما منع به بعضكم من قتل بعض ، وقدع بعضكم عن بعض ، فحييتم بذلك ، فكان لكم في حكمي بينكم بذلك حياة .
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم في ذلك نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 382 ]
2617 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " قال : نكال ، تناه .
2618 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : نكال ، تناه .
2619 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
2620 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد عن قتادة : " ولكم في القصاص حياة " ، جعل الله هذا القصاص حياة ، ونكالا وعظة لأهل السفه والجهل من الناس . وكم من رجل قد هم بداهية ، لولا مخافة القصاص لوقع بها ، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض; وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح في الدنيا والآخرة ، ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين ، والله أعلم بالذي يصلح خلقه .
2621 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " قال : قد جعل الله في القصاص حياة ، إذا ذكره الظالم المتعدي كف عن القتل .
2622 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " ولكم في القصاص حياة " الآية ، يقول : جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لكم . كم من رجل قد هم بداهية فمنعه مخافة القصاص أن يقع بها! وإن الله قد حجز عباده بعضهم عن بعض بالقصاص .
2623 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : نكال ، تناه . قال ابن جريج : حياة . منعة . [ ص: 383 ]
2624 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : حياة ، بقية . إذا خاف هذا أن يقتل بي كف عني ، لعله يكون عدوا لي يريد قتلي ، فيذكر أن يقتل في القصاص ، فيخشى أن يقتل بي ، فيكف بالقصاص الذي خاف أن يقتل ، لولا ذلك قتل هذا .
2625 - حدثت عن يعلى بن عبيد قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : " ولكم في القصاص حياة " قال : بقاء .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولكم في القصاص من القاتل بقاء لغيره ، لأنه لا يقتل بالمقتول غير قاتله في حكم الله . وكانوا في الجاهلية يقتلون بالأنثى الذكر ، وبالعبد الحر .
ذكر من قال ذلك :
2626 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولكم في القصاص حياة " يقول : بقاء ، لا يقتل إلا القاتل بجنايته .
وأما تأويل قوله : " يا أولي الألباب " ، فإنه : يا أولي العقول . " والألباب " جمع " اللب " ، و" اللب " العقل .
وخص الله تعالى ذكره بالخطاب أهل العقول ، لأنهم هم الذين يعقلون عن الله أمره ونهيه ، ويتدبرون آياته وحججه دون غيرهم .
[ ص: 384 ] القول في تأويل قوله تعالى ( لعلكم تتقون ( 179 ) )
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، أي تتقون القصاص ، فتنتهون عن القتل ، كما : -
269 - حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " لعلكم تتقون " قال : لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به .
القول في تأويل قوله تعالى ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ( 180 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " كتب عليكم " ، فرض عليكم ، أيها المؤمنون ، الوصية إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا - والخير : المال للوالدين والأقربين الذين لا يرثونه ، بالمعروف : وهو ما أذن الله فيه وأجازه في الوصية مما لم يجاوز الثلث ، ولم يتعمد الموصي ظلم ورثته ، حقا على المتقين يعني بذلك : فرض عليكم هذا وأوجبه ، وجعله حقا واجبا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به .
فإن قال قائل : أوفرض على الرجل ذي المال أن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه؟
قيل : نعم . [ ص: 385 ]
فإن قال : فإن هو فرط في ذلك فلم يوص لهم ، أيكون مضيعا فرضا يحرج بتضييعه؟
قيل : نعم .
فإن قال : وما الدلالة على ذلك؟
قيل : قول الله تعالى ذكره : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فأعلم أنه قد كتبه علينا وفرضه ، كما قال : ( كتب عليكم الصيام ) [ سورة البقرة : 183 ] ، ولا خلاف بين الجميع أن تارك الصيام وهو عليه قادر مضيع بتركه فرضا لله عليه . فكذلك هو بترك الوصية لوالديه وأقربيه وله ما يوصي لهم فيه ، مضيع فرض الله عز وجل .
فإن قال : فإنك قد علمت أن جماعة من أهل العلم قالوا : الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية الميراث؟
قيل له : وخالفهم جماعة غيرهم فقالوا : هي محكمة غير منسوخة . وإذا كان في نسخ ذلك تنازع بين أهل العلم ، لم يكن لنا القضاء عليه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها ، إذ كان غير مستحيل اجتماع حكم هذه الآية وحكم آية المواريث في حال واحدة على صحة ، بغير مدافعة حكم إحداهما حكم الأخرى - وكان الناسخ والمنسوخ هما المعنيان اللذان لا يجوز اجتماع حكمهما على صحة في حالة واحدة ، لنفي أحدهما صاحبه .
وبما قلنا في ذلك قال جماعة من المتقدمين والمتأخرين .
ذكر من قال ذلك :
2628 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر عن الضحاك أنه كان يقول : من مات ولم يوص لذوي قرابته . فقد ختم عمله بمعصية .
2629 - حدثني سلم بن جنادة . قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش [ ص: 386 ] عن مسلم عن مسروق : أنه حضر رجلا فوصى بأشياء لا تنبغي ، فقال له مسروق : إن الله قد قسم بينكم فأحسن القسم ، وإنه من يرغب برأيه عن رأي الله يضله ، أوص لذي قرابتك ممن لا يرثك ، ثم دع المال على ما قسمه الله عليه .
2630 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد عن الضحاك قال : لا تجوز وصية لوارث ، ولا يوصي إلا لذي قرابة ، فإن أوصى لغير ذي قرابة فقد عمل بمعصية; إلا أن لا يكون قرابة ، فيوصي لفقراء المسلمين .
2631 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة قال : العجب لأبي العالية أعتقته امرأة من بني رياح وأوصى بماله لبني هاشم !
2632 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن رجل ، عن الشعبي قال : لم يكن له [ موال ] ، ولا كرامة .
2633 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا [ ص: 387 ] أيوب ، عن محمد قال : قال عبد الله بن معمر في الوصية : من سمى ، جعلناها حيث سمى - ومن قال : حيث أمر الله ، جعلناها في قرابته .
2634 - حدثني محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا المعتمر قال : حدثنا عمران بن حدير قال : قلت لأبي مجلز : الوصية على كل مسلم واجبة؟ قال : على من ترك خيرا .
2635 - حدثنا سوار بن عبد الله قال : حدثنا عبد الملك بن الصباح قال : حدثنا عمران بن حدير قال : قلت للاحق بن حميد : الوصية حق على كل مسلم؟ قال : هي حق على من ترك خيرا .
واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية .
فقال بعضهم : لم ينسخ الله شيئا من حكمها ، وإنما هي آية ظاهرها ظاهر عموم في كل والد ووالدة والقريب ، والمراد بها في الحكم البعض منهم دون الجميع ، وهو من لا يرث منهم الميت دون من يرث . وذلك قول من ذكرت قوله ، وقول جماعة آخرين غيرهم معهم .
ذكر قول من لم يذكر قوله منهم في ذلك :
2636 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة عن جابر بن زيد : في رجل أوصى لغير ذي قرابة وله قرابة محتاجون ، قال : يرد ثلثا الثلث عليهم ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(227)
الحلقة (241)
صــ 388إلى صــ 395
2637 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ قال : حدثنا أبي ، عن قتادة عن الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى أنهم قالوا - في الرجل يوصي لغير ذي [ ص: 388 ] قرابته وله قرابة ممن لا يرثه قال : كانوا يجعلون ثلثي الثلث لذوي القرابة ، وثلث الثلث لمن أوصى له به .
2638 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حميد عن الحسن أنه كان يقول : إذا أوصى الرجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث ، وثلثا الثلث لقرابته .
2639 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : من أوصى لقوم وسماهم ، وترك ذوي قرابته محتاجين ، انتزعت منهم وردت إلى ذوي قرابته .
وقال آخرون : بل هي آية قد كان الحكم بها واجبا وعمل به برهة ، ثم نسخ الله منها بآية المواريث الوصية لوالدي الموصي وأقربائه الذين يرثونه ، وأقر فرض الوصية لمن كان منهم لا يرثه .
ذكر من قال ذلك :
2640 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة في قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فجعلت الوصية للوالدين والأقربين ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك ، فجعل لهما نصيب مفروض ، فصارت الوصية لذوي القرابة الذين لا يرثون ، وجعل للوالدين نصيب معلوم ، ولا تجوز وصية لوارث .
2641 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " إذ ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخ الوالدان منها ، وترك الأقربون ممن لا يرث .
2642 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين [ ص: 389 ] والأقربين " قال : نسخ من يرث ، ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون .
2643 - حدثنا يحيى بن نصر قال : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا سفيان عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : كانت الوصية قبل الميراث للوالدين والأقربين ، فلما نزل الميراث ، نسخ الميراث من يرث ، وبقي من لا يرث . فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيته .
2644 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إسماعيل المكي عن الحسن في قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخ الوالدين وأثبت الأقربين الذين يحرمون فلا يرثون .
2645 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة عن الحسن في هذه الآية : " الوصية للوالدين والأقربين " قال : للوالدين منسوخة ، والوصية للقرابة وإن كانوا أغنياء .
2646 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فكان لا يرث مع الوالدين غيرهم ، إلا وصية إن كانت للأقربين [ ص: 390 ] فأنزل الله بعد هذا : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) [ سورة النساء : 11 ] ، فبين الله سبحانه ميراث الوالدين ، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت .
2647 - حدثني علي بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فنسخ من الوصية الوالدين ، وأثبت الوصية للأقربين الذين لا يرثون .
2648 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف " قال : كان هذا من قبل أن تنزل " سورة النساء " ، فلما نزلت آية الميراث نسخ شأن الوالدين ، فألحقهما بأهل الميراث ، وصارت الوصية لأهل القرابة الذين لا يرثون .
2649 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا عطاء بن أبي ميمونة قال : سألت مسلم بن يسار والعلاء بن زياد عن قول الله تبارك وتعالى : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، قالا في القرابة .
2650 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن إياس بن معاوية قال : في القرابة .
وقال آخرون : بل نسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض والمواريث ، فلا وصية تجب لأحد على أحد قريب ولا بعيد .
ذكر من قال ذلك :
2651 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : [ ص: 391 ] " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " الآية ، قال : فنسخ الله ذلك كله وفرض الفرائض .
2652 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن يونس عن ابن سيرين عن ابن عباس : أنه قام فخطب الناس هاهنا ، فقرأ عليهم " سورة البقرة " ليبين لهم منها ، فأتى على هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسخت هذه .
2653 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، نسخت الفرائض التي للوالدين والأقربين الوصية .
2654 - حدثني محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن جهضم ، عن عبد الله بن بدر قال : سمعت ابن عمر يقول في قوله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : نسختها آية الميراث . قال ابن بشار : قال عبد الرحمن : فسألت جهضما عنه فلم يحفظه .
2655 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث .
2656 - حدثني أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت أبي قال : زعم قتادة عن شريح في هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : كان الرجل يوصي بماله كله ، حتى نزلت آية الميراث .
2657 - حدثنا أحمد بن المقدام قال : حدثنا المعتمر قال : سمعت أبي قال : زعم قتادة : أنه نسخت آيتا المواريث في " سورة النساء " الآية في " سورة البقرة " في شأن الوصية .
2658 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى [ ص: 392 ] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " قال : كان الميراث للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة .
2659 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كان الميراث للولد ، والوصية للوالدين والأقربين ، وهي منسوخة ، نسختها آية في " سورة النساء " : ( يوصيكم الله في أولادكم ) [ سورة النساء : 11 ]
2660 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " ، أما الوالدان والأقربون ، فيوم نزلت هذه الآية كان الناس ليس لهم ميراث معلوم ، إنما يوصي الرجل لوالده ولأهله فيقسم بينهم ، حتى نسختها " النساء " ، فقال : ( يوصيكم الله في أولادكم ) .
2661 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أيوب ، عن نافع : أن ابن عمر لم يوص ، وقال : أما مالي ، فالله أعلم ما كنت أصنع فيه في الحياة ، وأما رباعي فما أحب أن يشرك ولدي فيها أحد .
2662 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا محمد بن يوسف قال : حدثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق قال : قال عروة - يعني ابن ثابت - لربيع بن خثيم : أوص لي بمصحفك . قال : فنظر إلى أبيه فقال : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ سورة الأنفال : 75 ] .
2663 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا يزيد ، عن سفيان عن الحسن بن عبد الله عن إبراهيم قال : ذكرنا له أن زيدا وطلحة كانا يشددان في الوصية ، فقال : ما كان عليهما أن يفعلا مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يوص ، وأوصىأبو بكر ، أي ذلك فعلت فحسن . [ ص: 393 ]
2664 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن الحسن بن عبد الله ، عن إبراهيم قال : ذكر عنده طلحة وزيد فذكر مثله .
وأما " الخير " الذي إذا تركه تارك وجب عليه الوصية فيه لوالديه وأقربيه الذين لا يرثون ، فهو : المال ، كما : -
2665 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا " ، يعني مالا .
2666 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إن ترك خيرا " ، مالا .
2667 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن أبي نجيح عن مجاهد : " إن ترك خيرا " ، كان يقول : الخير في القرآن كله : المال ( لحب الخير لشديد ) [ سورة العاديات : 8 ] ، الخير : المال - ( إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ) [ سورة ص : 32 ] ، المال - ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) [ سورة النور : 33 ] ، المال و ( إن ترك خيرا الوصية ) ، المال .
2668 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إن ترك خيرا الوصية " ، أي : مالا .
2669 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا [ ص: 394 ] أسباط عن السدي إن ترك خيرا الوصية " ، أما " خيرا " ، فالمال .
2670 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " إن ترك خيرا " قال : إن ترك مالا .
2671 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج عن عكرمة ، عن ابن عباس قوله : " إن ترك خيرا " قال : الخير المال .
2672 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى عن الضحاك في قوله : " إن ترك خيرا الوصية " قال : المال . ألا ترى أنه يقول : قال شعيب لقومه : ( إني أراكم بخير ) [ سورة هود : 84 ] يعني الغنى .
2673 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا محمد بن عمرو اليافعي ، عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح تلا " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا " ، قال عطاء : الخير فيما يرى المال .
ثم اختلفوا في مبلغ المال الذي إذا تركه الرجل كان ممن لزمه حكم هذه الآية .
فقال بعضهم : ذلك ألف درهم .
ذكر من قال ذلك :
2674 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى عن قتادة في هذه الآية : " إن ترك خيرا الوصية " قال : الخير ألف فما فوقه .
2675 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا هشام بن عروة ، عن عروة : أن علي بن أبي طالب دخل على ابن عم له يعوده ، فقال : إني أريد أن أوصي . فقال علي : لا توص ، فإنك لم تترك خيرا فتوصي .
قال : وكان ترك من السبعمائة إلى التسعمائة . [ ص: 395 ]
2676 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عثمان بن الحكم الحزامي وابن أبي الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن علي بن أبي طالب : أنه دخل على رجل مريض ، فذكر له الوصية ، فقال : لا توص ، إنما قال الله : " إن ترك خيرا " ، وأنت لم تترك خيرا . قال ابن أبي الزناد فيه : فدع مالك لبنيك .
2677 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن صفية ، عن عبد الله بن عيينة - أو : عتبة ، الشك مني - : أن رجلا أراد أن يوصي وله ولد كثير ، وترك أربعمائة دينار ، فقالت عائشة : ما أرى فيه فضلا .
2678 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : دخل علي على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم ، أو ستمائة درهم ، فقال : ألا أوصي؟ فقال : لا! إنما قال الله : " إن ترك خيرا " ، وليس لك كثير مال .
وقال بعضهم : ذلك ما بين الخمسمائة درهم إلى الألف .
ذكر من قال ذلك :
2679 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة عن أبان بن إبراهيم النخعي في قوله : " إن ترك خيرا " قال : ألف درهم إلى خمسمائة .
وقال بعضهم : الوصية واجبة من قليل المال وكثيره .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(228)
الحلقة (242)
صــ 396إلى صــ 403
ذكر من قال ذلك : [ ص: 396 ]
2680 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : جعل الله الوصية حقا ، مما قل منه أو كثر .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية " ما قال الزهري . لأن قليل المال وكثيره يقع عليه " خير " ، ولم يحد الله ذلك بحد ، ولا خص منه شيئا فيجوز أن يحال ظاهر إلى باطن . فكل من حضرته منيته وعنده مال قل ذلك أو كثر ، فواجب عليه أن يوصي منه لمن لا يرثه من آبائه وأمهاته وأقربائه الذين لا يرثونه بمعروف ، كما قال الله جل ذكره وأمر به .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فمن غير ما أوصى به الموصي - من وصيته بالمعروف لوالديه أو أقربيه الذين لا يرثونه - بعد ما سمع الوصية ، فإنما إثم التبديل على من بدل وصيته .
فإن قال لنا قائل : وعلام عادت " الهاء " التي في قوله : " فمن بدله " ؟
قيل : على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر . وذلك هو أمر الميت ، وإيصاؤه إلى من أوصى إليه ، بما أوصى به ، لمن أوصى له .
ومعنى الكلام : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " ، فأوصوا لهم ، فمن بدل ما أوصيتم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم ، فإنما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم . [ ص: 397 ]
وإنما قلنا إن " الهاء " في قوله : " فمن بدله " عائدة على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر؛ لأن قوله : "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية " من قول الله ، وأن تبديل المبدل إنما يكون لوصية الموصي . فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله ، فيجوز أن تكون " الهاء " في قوله : " فمن بدله " عائدة على " الوصية " .
وأما " الهاء " في قوله : " بعد ما سمعه " ، فعائدة على " الهاء " الأولى في قوله : " فمن بدله " .
وأما " الهاء " التي في قوله : " فإنما إثمه " ، فإنها مكني " التبديل " ، كأنه قال : فإنما إثم ما بدل من ذلك على الذين يبدلونه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2681 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فمن بدله بعدما سمعه " قال : الوصية .
2682 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
2683 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، وقد وقع أجر الموصي على الله وبرئ من إثمه ، وإن كان أوصى في ضرار لم تجز وصيته ، كما قال الله : ( غير مضار ) [ سورة النساء : 12 ]
2684 - حدثنا الحسين بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه " ، قال : من بدل الوصية بعد ما سمعها ، فإثم ما بدل عليه . [ ص: 398 ]
2685 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا : عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، فمن بدل الوصية التي أوصى بها ، وكانت بمعروف ، فإنما إثمها على من بدلها . إنه قد ظلم .
2686 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن قتادة : أن عطاء بن أبي رباح قال في قوله : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، قال : يمضى كما قال .
2687 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن الحسن : " فمن بدله بعدما سمعه " ، قال : من بدل وصية بعد ما سمعها .
2688 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن في هذه الآية : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " ، قال : هذا في الوصية ، من بدلها من بعد ما سمعها ، فإنما إثمه على من بدله .
2689 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عطاء وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهم قالوا : تمضى الوصية لمن أوصى له به إلى هاهنا انتهى حديث ابن المثنى وزاد ابن بشار في حديثه قال قتادة : وقال عبد الله بن معمر : أعجب إلي لو أوصى لذوي قرابته ، وما يعجبني أن أنزعه ممن أوصى له به . قال قتادة : وأعجبه إلي لمن أوصى له به ، قال الله عز وجل : " فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " .
[ ص: 399 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الله سميع عليم ( 181 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : " إن الله سميع " لوصيتكم التي أمرتكم أن توصوا بها لآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم حين توصون بها ، أتعدلون فيها على ما أذنت لكم من فعل ذلك بالمعروف ، أم تحيفون فتميلون عن الحق وتجورون عن القصد؟ " عليم " بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق ، والعدل ، أم الجور والحيف .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ( 182 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية .
فقال بعضهم : تأويلها : فمن حضر مريضا وهو يوصي عند إشرافه على الموت ، فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له ، أو أن يعمد جورا فيها فيأمر بما ليس له الأمر به ، فلا حرج على من حضره فسمع ذلك منه أن يصلح بينه وبين ورثته؛ بأن يأمره بالعدل في وصيته ، وأن ينهاهم عن منعه مما أذن الله له فيه وأباحه له .
ذكر من قال ذلك :
2690 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : هذا حين يحضر الرجل وهو يموت ، فإذا [ ص: 400 ] أسرف أمروه بالعدل ، وإذا قصر قالوا : افعل كذا ، أعط فلانا كذا .
2691 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : هذا حين يحضر الرجل وهو في الموت ، فإذا أشرف على الجور أمروه بالعدل ، وإذا قصر عن حق قالوا : افعل كذا ، أعط فلانا كذا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن خاف - من أولياء ميت ، أو والي أمر المسلمين - من موص جنفا في وصيته التي أوصى بها الميت ، فأصلح بين ورثته وبين الموصى لهم بما أوصى لهم به ، فرد الوصية إلى العدل والحق ، فلا حرج ولا إثم .
ذكر من قال ذلك :
2692 - حدثني المثنى ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " فمن خاف من موص جنفا " - يعني : إثما - يقول : إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها ، فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب .
2693 - حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : هو الرجل يوصي [ ص: 401 ] فيحيف في وصيته ، فيردها الولي إلى الحق والعدل .
2694 - حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد عن قتادة قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، وكان قتادة يقول : من أوصى بجور أو حيف في وصيته فردها ولي المتوفى أو إمام من أئمة المسلمين ، إلى كتاب الله وإلى العدل ، فذاك له .
2695 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، فمن أوصى بوصية بجور ، فرده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم عليه - قال عبد الرحمن في حديثه : " فأصلح بينهم " ، يقول : رده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم عليه .
2696 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أبيه عن إبراهيم : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم " ، قال : رده إلى الحق .
2697 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق ، عن إبراهيم قال : سألته عن رجل أوصى بأكثر من الثلث؟ قال : ارددها . ثم قرأ فمن خاف من موص جنفا أو إثما " .
2698 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال : حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : رده الوصي إلى الحق بعد موته ، فلا إثم على الوصي .
وقال بعضهم : بل معنى ذلك : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في عطيته [ ص: 402 ] عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض ، فلا إثم على من أصلح بينهم يعني : بين الورثة .
ذكر من قال ذلك :
2699 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الرجل يحيف أو يأثم عند موته ، فيعطي ورثته بعضهم دون بعض ، يقول الله : فلا إثم على المصلح بينهم . فقلت لعطاء : أله أن يعطي وارثه عند الموت ، إنما هي وصية ، ولا وصية لوارث؟ قال : ذلك فيما يقسم بينهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : فمن خاف من موص جنفا أو إثما في وصيته لمن لا يرثه ، بما يرجع نفعه على من يرثه ، فأصلح بين ورثته ، فلا إثم عليه .
ذكر من قال ذلك :
2700 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان يقول : جنفه وإثمه ، أن يوصي الرجل لبني ابنه ليكون المال لأبيهم ، وتوصي المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لابنتها; وذو الوارث الكثير والمال قليل ، فيوصي بثلث ماله كله ، فيصلح بينهم الموصى إليه أو الأمير . قلت : أفي حياته أم بعد موته؟ قال : ما سمعنا أحدا يقول إلا بعد موته ، وإنه ليوعظ عند ذلك .
2701 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم " ، قال : هو الرجل يوصي لولد ابنته .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن خاف من موص لآبائه وأقربائه جنفا على بعضهم لبعض ، فأصلح بين الآباء والأقرباء ، فلا إثم عليه .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 403 ]
2702 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " . أما " جنفا " : فخطأ في وصيته ، وأما " إثما " : فعمدا يعمد في وصيته الظلم . فإن هذا أعظم لأجره أن لا ينفذها ، ولكن يصلح بينهم على ما يرى أنه الحق ، ينقص بعضا ويزيد بعضا . قال : ونزلت هذه الآية في الوالدين والأقربين .
2703 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه " ، قال : " الجنف " أن يحيف لبعضهم على بعض في الوصية ، " والإثم " أن يكون قد أثم في أبويه بعضهم على بعض ، " فأصلح بينهم " الموصى إليه بين الوالدين والأقربين - الابن والبنون هم " الأقربون " - فلا إثم عليه . فهذا الموصى الذي أوصى إليه بذلك ، وجعل إليه ، فرأى هذا قد أجنف لهذا على هذا ، فأصلح بينهم فلا إثم عليه ، فعجز الموصي أن يوصي كما أمره الله تعالى ، وعجز الموصى إليه أن يصلح ، فانتزع الله تعالى ذكره ذلك منهم ، ففرض الفرائض .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(229)
الحلقة (243)
صــ 404إلى صــ 411
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل الآية أن يكون تأويلها : فمن خاف من موص جنفا أو إثما وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه ، أو يتعمد إثما في وصيته ، بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله ، وغير ما أذن الله له به مما جاوز الثلث أو بالثلث كله ، وفي المال قلة ، وفي الورثة كثرة فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يوصى لهم ، وبين ورثة الميت ، وبين الميت ، بأن يأمر الميت في ذلك بالمعروف ويعرفه ما أباح الله له في ذلك وأذن له فيه من الوصية في ماله ، وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ، وذلك هو " الإصلاح " الذي [ ص: 404 ] قال الله تعالى ذكره : " فأصلح بينهم فلا إثم عليه " . وكذلك لمن كان في المال فضل وكثرة وفي الورثة قلة ، فأراد أن يقتصر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه ، فأصلح من حضره بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصى لهم ، بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيته لهم ، ويبلغ بها ما رخص الله فيه من الثلث . فذلك أيضا هو من الإصلاح بينهم بالمعروف .
وإنما اخترنا هذا القول ، لأن الله تعالى ذكره قال : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، يعني بذلك : فمن خاف من موص أن يجنف أو يأثم . فخوف الجنف والإثم من الموصي ، إنما هو كائن قبل وقوع الجنف والإثم ، فأما بعد وجوده منه ، فلا وجه للخوف منه بأن يجنف أو يأثم ، بل تلك حال من قد جنف أو أثم ، ولو كان ذلك معناه لقيل : فمن تبين من موص جنفا أو إثما - أو أيقن أو علم - ولم يقل : فمن خاف منه جنفا .
فإن أشكل ما قلنا من ذلك على بعض الناس فقال : فما وجه الإصلاح حينئذ ، والإصلاح إنما يكون بين المختلفين في الشيء؟
قيل : إن ذلك وإن كان من معاني الإصلاح ، فمن الإصلاح الإصلاح بين الفريقين ، فيما كان مخوفا حدوث الاختلاف بينهم فيه ، بما يؤمن معه حدوث الاختلاف . لأن " الإصلاح " ، إنما هو الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين ، فسواء كان ذلك الفعل الذي يكون معه إصلاح ذات البين - قبل وقوع الاختلاف أو بعد وقوعه .
فإن قال قائل : فكيف قيل : " فأصلح بينهم " ، ولم يجر للورثة ولا للمختلفين ، أو المخوف اختلافهم ذكر؟ [ ص: 405 ]
قيل : بل قد جرى ذكر الذين أمر تعالى ذكره بالوصية لهم ، وهم والدا الموصي وأقربوه ، والذين أمروا بالوصية في قوله : " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف " ، ثم قال تعالى ذكره : " فمن خاف من موص " - لمن أمرته بالوصية له - " جنفا أو إثما فأصلح بينهم " - وبين من أمرته بالوصية له - " فلا إثم عليه " . والإصلاح بينه وبينهم ، هو إصلاح بينهم وبين ورثة الموصي .
قال أبو جعفر : وقد قرئ قوله : " فمن خاف من موص " بالتخفيف في " الصاد " والتسكين في " الواو " - وبتحريك " الواو " وتشديد " الصاد " .
فمن قرأ ذلك بتخفيف " الصاد " وتسكين " الواو " ، فإنما قرأه بلغة من قال : " أوصيت فلانا بكذا " .
ومن قرأ بتحريك " الواو " وتشديد " الصاد " ، قرأه بلغة من يقول : " وصيت فلانا بكذا " . وهما لغتان للعرب مشهورتان : " وصيتك ، وأوصيتك "
وأما " الجنف " ، فهو الجور والعدول عن الحق في كلام العرب ، ومنه قول الشاعر :
هم المولى وإن جنفوا علينا وإنا من لقائهم لزور
يقال منه : "جنف الرجل على صاحبه يجنف" - إذا مال عليه وجار - "جنفا" . [ ص: 406 ]
فمعنى الكلام من خاف من موص جنفا له بموضع الوصية ، وميلا عن الصواب فيها ، وجورا عن القصد أو إثما بتعمده ذلك على علم منه بخطأ ما يأتي من ذلك ، فأصلح بينهم ، فلا إثم عليه .
وبمثل الذي قلنا في معنى " الجنف " " والإثم " ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2704 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس في قوله : " فمن خاف من موص جنفا " ، يعني بالجنف : الخطأ .
2705 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن عبد الملك عن عطاء : " فمن خاف من موص جنفا " ، قال : ميلا .
2706 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .
2707 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن الحارث ويزيد بن هارون قالا حدثنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .
2708 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .
2709 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا [ أبو أحمد ] الزبيري قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن عطاء مثله .
2710 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، أما " جنفا " فخطأ في وصيته ، وأما " إثما " : فعمدا ، يعمد في وصيته الظلم .
2711 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى [ ص: 407 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : خطأ أو عمدا .
2712 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي جعفر عن أبي جعفر عن الربيع : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .
2713 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا خالد بن يزيد صاحب اللؤلؤ قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس مثله .
2714 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان عن أبيه عن إبراهيم : " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " ، قال : الجنف : الخطأ ، والإثم العمد .
2715 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية : " فمن خاف من موص جنفا " ، قال : خطأ " أو إثما " متعمدا .
2716 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن خاف من موص جنفا ، قال : ميلا .
2717 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " جنفا " حيفا " والإثم " ميله لبعض على بعض . وكله يصير إلى واحد ، كما يكون " عفوا غفورا " و" غفورا رحيما " .
2718 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن [ ص: 408 ] جريج قال : قال ابن عباس : الجنف " الخطأ ، والإثم : العمد .
2719 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قال : الجنف الخطأ ، والإثم العمد .
وأما قوله : " إن الله غفور رحيم " ، فإنه يعني : والله غفور للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجنف والإثم ، إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته ، فتجاوز له عما كان حدث به نفسه من الجور ، إذ لم يمض ذلك فيغفل أن يؤاخذه به " رحيم " بالمصلح بين الموصي وبين من أراد أن يحيف عليه لغيره ، أو يأثم فيه له .
[ ص: 409 ] القول في تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 183 ) )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بهما وأقروا .
ويعني بقوله : " كتب عليكم الصيام " ، فرض عليكم الصيام .
و" الصيام " مصدر ، من قول القائل : " صمت عن كذا وكذا " - يعني : كففت عنه - " أصوم عنه صوما وصياما " . ومعنى " الصيام " ، الكف عما أمر الله بالكف عنه . ومن ذلك قيل : " صامت الخيل " ، إذا كفت عن السير ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :
خيل صيام ، وخيل غير صائمة تحت العجاج ، وأخرى تعلك اللجما
ومنه قول الله تعالى ذكره : ( إني نذرت للرحمن صوما ) [ سورة مريم : 26 ] يعني : صمتا عن الكلام .
وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، يعني فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم . [ ص: 410 ]
قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا .
فقال بعضهم : الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا ، أنه كمثل الذي كان عليهم ، هم النصارى . وقالوا : التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه ، هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه .
ذكر من قال ذلك :
2720 - حدثت عن يحيى بن زياد عن محمد بن أبان [ القرشي ] ، عن أبي أمية الطنافسي عن الشعبي أنه قال : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ، فيقال : من شعبان ، ويقال : من رمضان . وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل . وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يوما . ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم ، فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما . ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين . فذلك قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، [ ص: 411 ]
وقال آخرون : بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة . وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم . ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول : أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، النصارى .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(230)
الحلقة (244)
صــ 412إلى صــ 419
ذكر من قال ذلك :
2721 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أما الذين من قبلنا : فالنصارى ، كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان . فاشتد على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف . فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا! فجعلوا صيامهم خمسين . فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى ، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر . [ ص: 412 ]
2722 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة .
وقال آخرون : الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
2723 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .
وقال بعضهم : بل ذلك كان على الناس كلهم .
ذكر من قال ذلك :
2724 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب شهر رمضان على الناس ، كما كتب على الذين من قبلهم . قال : وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر .
2725 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، رمضان ، كتبه الله على من كان قبلهم .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى الآية :
يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب ، " أياما معدودات " ، وهي شهر رمضان كله . لأن من بعد إبراهيم [ ص: 413 ] صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم ، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما ، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة ، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .
وأما التشبيه ، فإنما وقع على الوقت . وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان ، مثل الذي فرض علينا سواء .
وأما تأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه . يقول : فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين ، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
2726 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : " لعلكم تتقون " ، يقول : فتتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا - يعني : مثل الذي اتقى النصارى قبلكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( أياما معدودات )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره ، كتب عليكم أيها الذين آمنوا - الصيام أياما معدودات .
ونصب " أياما " بمضمر من الفعل ، كأنه قيل : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، أن تصوموا أياما معدودات ، كما يقال : " أعجبني الضرب زيدا " . [ ص: 414 ]
وقوله : " كما كتب على الذين من قبلكم " من الصيام ، كأنه قيل : كتب عليكم الذي هو مثل الذي كتب على الذين من قبلكم : أن تصوموا أياما معدودات .
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى الله جل وعز بقوله : " أياما معدودات " .
فقال بعضهم : " الأيام المعدودات " ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر . قال : وكان ذلك الذي فرض على الناس من الصيام قبل أن يفرض عليهم شهر رمضان .
ذكر من قال ذلك :
2727 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : كان عليهم الصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ولم يسم الشهر أياما معدودات . قال : وكان هذا صيام الناس قبل ، ثم فرض الله عز وجل على الناس شهر رمضان .
2728 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ، وكان ثلاثة أيام من كل شهر ، ثم نسخ ذلك بالذي أنزل من صيام رمضان . فهذا الصوم الأول ، من العتمة .
2729 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة . عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم أنزل الله جل وعز فرض شهر رمضان ، فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " حتى بلغ : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . [ ص: 415 ]
2730 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة قال : قد كتب الله تعالى ذكره على الناس ، قبل أن ينزل رمضان ، صوم ثلاثة أيام من كل شهر .
وقال آخرون : بل الأيام الثلاثة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان ، كان تطوعا صومهن ، وإنما عنى الله جل وعز بقوله : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم . . . أياما معدودات ، أيام شهر رمضان ، لا الأيام التي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان .
ذكر من قال ذلك :
2731 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : حدثنا أصحابنا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا لا فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان - قال أبو موسى : قوله : " قال عمرو بن مرة : حدثنا أصحابنا " [ ص: 415 ] يريد ابن أبي ليلى ، كأن ابن أبي ليلى القائل : " حدثنا أصحابنا " .
2732 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عمرو بن مرة قال : سمعت ابن أبي ليلى ، فذكر نحوه . [ ص: 417 ]
قال أبو جعفر : وقد ذكرنا قول من قال : عنى بقوله : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، شهر رمضان .
وأولى ذلك بالصواب عندي قول من قال : عنى الله جل ثناؤه بقوله : " ( أياما معدودات ) ، أيام شهر رمضان . وذلك أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان ، ثم نسخ بصوم شهر رمضان ، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية ، أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات ، بإبانته ، عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " . فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه - ثم نسخ ذلك - سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة ، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر .
وإذ كان الأمر في ذلك على ما وصفنا للذي بينا ، فتأويل الآية : كتب عليكم أيها المؤمنون الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ، أياما معدودات هي شهر رمضان . وجائز أيضا أن يكون معناه : " كتب عليكم الصيام " ، كتب عليكم شهر رمضان .
وأما " المعدودات " : فهي التي تعد مبالغها وساعات أوقاتها . ويعني بقوله : " معدودات " ، محصيات .
[ ص: 418 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فمن كان منكم مريضا " ، من كان منكم مريضا ، ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر ، " فعدة من أيام أخر " ، يقول : فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره ، " من أيام أخر " ، يعني : من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره .
والرفع في قوله : " فعدة من أيام أخر " ، نظير الرفع في قوله : " فاتباع بالمعروف " . وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته .
وأما قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فإن قراءة كافة المسلمين : " وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى ذلك خطوط مصاحفهم . وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها ، لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن .
وكان ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه : " وعلى الذين يطوقونه " .
ثم اختلف قراء ذلك : " وعلى الذين يطيقونه " في معناه .
فقال بعضهم : كان ذلك في أول ما فرض الصوم ، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء ، وإن شاء أفطره وافتدى ، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا ، حتى نسخ ذلك .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 419 ]
2733 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان ، فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " حتى بلغ " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا . ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم ، فأنزل الله عز وجل : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر " إلى آخر الآية .
2734 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان . قال : وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام . قال : وكان يشتد عليهم الصوم . قال : فكان من لم يصم أطعم مسكينا ، ثم نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فكانت الرخصة للمريض والمسافر ، وأمرنا بالصيام . قال محمد بن المثنى قوله : " قال عمرو : حدثنا أصحابنا " ، يريد ابن أبي ليلى . كأن ابن أبي ليلى القائل : " حدثنا أصحابنا " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(231)
الحلقة (245)
صــ 420إلى صــ 427
2735 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة قال : سمعت عمرو بن مرة قال : سمعت ابن أبي ليلى فذكر نحوه . [ ص: 420 ]
2736 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم عن علقمة في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا ، فنسخها : " شهر رمضان " إلى قوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2737 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم بنحوه - وزاد فيه ، قال : فنسختها هذه الآية ، وصارت الآية الأولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم ، يتصدق مكان كل يوم على مسكين نصف صاع .
2738 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء منهم أن يصوم صام ، ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه . ثم قال : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، ثم استثنى من ذلك فقال : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .
2739 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن إدريس قال : سألت الأعمش عن قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فحدثنا عن إبراهيم عن علقمة . قال : نسختها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2740 - حدثنا عمر بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : نسخت هذه الآية - يعني : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " - التي بعدها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان [ ص: 421 ] مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .
2741 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2742 - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، كان الرجل يفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعاما ، ثم نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .
2743 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عاصم [ ص: 422 ] عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية للناس عامة : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين ، ثم نزلت هذه الآية : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، قال : فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .
2744 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء وهو يأكل في شهر رمضان ، فقال : إني شيخ كبير ، إن الصوم نزل ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، حتى نزلت هذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فوجب الصوم على كل أحد ، إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يفتدي .
2745 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : قال الله : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال ابن شهاب : كتب الله الصيام علينا ، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر ، ولم يكن عليه غير ذلك . فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام ، فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية ، وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر . قال : وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام ، والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام .
2746 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قال : جعل الله في الصوم الأول فدية طعام مسكين ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر ، كان ذلك رخصة له . فأنزل الله في الصوم الآخر : " فعدة من أيام أخر " ، ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين ، فنسخت الفدية ، وثبت في الصوم الآخر : [ ص: 423 ] " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، وهو الإفطار في السفر ، وجعله عدة من أيام أخر .
2747 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : أخبرني عمي عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث قال : بكير بن عبد الله ، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع ، عن سلمة بن الأكوع أنه قال : كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين ، حتى أنزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2748 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول عن الشعبي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " [ ص: 424 ] قال : كانت للناس كلهم : فلما نزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، أمروا بالصوم والقضاء ، فقال : " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .
2749 - حدثنا هناد قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش عن إبراهيم في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي بعدها : وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون .
2750 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن محمد بن سليمان ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي تليها : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2751 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : حدثنا الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله : " كتب عليكم الصيام " الآية ، فرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة ، فإذا صلى الرجل العتمة حرم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة . ثم نزل الصوم الآخر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله ، وهو قوله : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) إلى قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، وأحل الجماع أيضا فقال : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) ، وكان في الصوم الأول الفدية ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك ، ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفدية ، وقال : " فعدة من أيام أخر " ، فنسخ هذا الصوم الآخر الفدية .
وقال آخرون : بل كان قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز الذين يطيقان الصوم ، كان مرخصا لهما [ ص: 425 ] أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بقوله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم ، فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله .
ذكر من قال ذلك .
2752 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم ، رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، إذا كانا لا يطيقان الصوم ، وللحبلى والمرضع إذا خافتا .
2753 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عروة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " وعلى الذين يطيقونه " ، قال : الشيخ الكبير ، والعجوز الكبيرة ثم ذكر مثل حديث بشر عن يزيد . [ ص: 426 ]
2754 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة عن عكرمة قال : كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . قال : فكانت لهم الرخصة ، ثم نسخت بهذه الآية : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم ، وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما .
2755 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى قال : سمعت قتادة يقول في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال : " شهر رمضان " إلى قوله : " فعدة من أيام أخر " ، فنسختها هذه الآية . فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا ، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها ، وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها .
2756 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان ، فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك ، وعليهما الفدية لكل يوم يفطرانه طعام مسكين ، فأنزل الله بعد ذلك : [ ص: 427 ] " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، إلى قوله : " فعدة من أيام أخر " .
وقال آخرون ممن قرأ ذلك : " وعلى الذين يطيقونه " ، لم ينسخ ذلك ولا شيء منه ، وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة ، وقالوا : إنما تأويل ذلك : وعلى الذين يطيقونه - في حال شبابهم وحداثتهم ، وفي حال صحتهم وقوتهم - إذا مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم ، فدية طعام مسكين لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار - وهم على الصوم قادرون - إذا افتدوا .
ذكر من قال ذلك :
2757 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : أما الذين يطيقونه ، فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ، ثم يعرض له الوجع أو العطش أو المرض الطويل ، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم ، فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين ، فإن أطعم مسكينا فهو خير له ، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(232)
الحلقة (246)
صــ 428إلى صــ 435
2758 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن عزرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إذا خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان ، قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ، ولا يقضيان صوما . [ ص: 428 ]
2759 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، . . . ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا ، فقال : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه ، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ، ولا قضاء عليك .
2760 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد ، عن نافع ، عن علي بن ثابت ، عن نافع عن ابن عمر مثل قول ابن عباس في الحامل والمرضع . [ ص: 429 ]
2761 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن ابن عباس قال : لأم ولد له حبلى أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه ، عليك الفداء ولا صوم عليك . هذا إذا خافت على نفسها .
2762 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب ، فكبر وهو لا يستطيع صومه ، فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره ، حين يفطر وحين يتسحر .
2763 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبدة ، عن منصور عن مجاهد ، عن ابن عباس نحوه - غير أنه لم يقل : حين يفطر وحين يتسحر .
2764 - حدثنا هناد قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه قال في قول الله تعالى ذكره : " فدية طعام مسكين " ، قال : هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه ، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام . فعلى كل واحد منهما طعام مسكين : مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان .
وقرأ ذلك آخرون : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، وقالوا : إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم ، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه ، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا . وقالوا : الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت ، لم تنسخ ، وأنكروا قول من قال : إنها منسوخة .
ذكر من قال ذلك :
2765 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا ابن جريج [ ص: 430 ] عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : " يطوقونه " .
2766 - حدثنا هناد قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عصام ، عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، قال : فكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .
2767 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين" ، قال : وكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .
2768 - حدثنا هناد قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه " ، ويقول : هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه .
2769 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب عن عكرمة أنه قال في هذه الآية : " وعلى الذين يطوقونه " ، - وكذلك كان يقرؤها - : إنها ليست منسوخة ، كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .
2770 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير أنه قرأ : " وعلى الذين يطوقونه " .
2771 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة قال : " الذين يطيقونه " يصومونه ، ولكن الذين " يطوقونه " ، يعجزون عنه .
2772 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج قال : حدثني محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي عمرو مولى عائشة أن عائشة كانت تقرأ : " يطوقونه " .
2773 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء أنه كان يقرؤها " يطوقونه " . قال ابن جريج : وكان مجاهد يقرؤها كذلك . [ ص: 431 ]
2774 - حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا خالد عن عكرمة : " وعلى الذين يطيقونه " قال : قال ابن عباس : هو الشيخ الكبير .
2775 - حدثنا إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " وعلى الذين يطوقونه " قال : يتجشمونه يتكلفونه .
2776 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا .
2777 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس في قول الله : " وعلى الذين يطيقونه " ، قال : يكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد . قال : فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام ، أو مريض يعلم أنه لا يشفى .
2778 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء عن ابن عباس قال : " الذين يطيقونه " ، يتكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد ، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم ، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى - هذا عن مجاهد .
2779 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 432 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه كان يقول : ليست بمنسوخة .
2780 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، يقول : من لم يطق الصوم إلا على جهد ، فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ، والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم .
2781 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبيدة ، عن منصور ، عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هو الشيخ الكبير ، والمرء الذي كان يصوم في شبابه فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت ، فهو يطعم كل يوم مسكينا - قال هناد : قال عبيدة : قيل لمنصور : الذي يطعم كل يوم نصف صاع؟ قال : نعم .
2782 - حدثنا هناد قال : حدثنا مروان بن معاوية عن عثمان بن الأسود قال : سألت مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان ، ووافق حرا شديدا ، فأمرني أن تفطر وتطعم . قال : وقال مجاهد : وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض ، فإن الله يقول : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .
2783 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطرون في رمضان ، ويطعمون عن كل يوم مسكينا ، ثم قرأ : " [ ص: 433 ] وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .
2784 - حدثنا علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا حفص عن حجاج ، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .
2785 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء عن ابن عباس قال : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه ، الشيخ والشيخة .
2786 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن أبي إسحاق عن الحارث ، عن علي قال : هو الشيخ والشيخة .
2787 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة أنه كان يقرؤها : " وعلى الذين يطيقونه " فأفطروا .
2788 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم عمن حدثه عن ابن عباس قال : هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل ، وعلى الذين يطيقون الصيام .
2789 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ؟ قال : بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين . قلت : الكبير الذي لا [ ص: 434 ] يستطيع الصوم ، أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد؟ قال : بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء ، فأما من استطاع بجهد فليصمه ، ولا عذر له في تركه .
2790 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن أبي يزيد : " وعلى الذين يطيقونه " الآية ، كأنه يعني الشيخ الكبير - قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان ، فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين . قلت له : كم طعامه؟ قال : لا أدري ، غير أنه قال : طعام يوم .
2791 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن الحسن بن يحيى عن الضحاك في قوله : " فدية طعام مسكين قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ، يفطر ويطعم كل يوم مسكينا .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، منسوخ بقول الله تعالى ذكره : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
لأن " الهاء " التي في قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ، من ذكر " الصيام " ومعناه : وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان ، فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين - كان معلوما أن الآية منسوخة .
هذا ، مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع : من أنهم كانوا - بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه [ ص: 435 ] وسقوط الفدية عنهم ، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم; وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فألزموا فرض صومه ، وبطل الخيار والفدية .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(233)
الحلقة (247)
صــ 436إلى صــ 443
فإن قال قائل : وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه ، وهو بالصفة التي وصفت ، فغير جائز له إلا صومه وقد علمت قول من قال : الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما ، لهما الإفطار ، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما ، مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :
2792 - حدثنا به هناد بن السري قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى ، فقال : " تعال أحدثك ، إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة " ؟ [ ص: 436 ]
قيل : إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع ، وإنما ادعينا في الرجال الذين [ ص: 437 ] وصفنا صفتهم . فأما الحامل والمرضع ، فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به ، لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال ، لقيل : وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين ، لأن ذلك كلام العرب ، إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال . فلما قيل : " وعلى الذين يطيقونه " ، كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء ، أو الرجال والنساء . فلما صح بإجماع الجميع - على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان ، فغير مرخص له في الإفطار والافتداء ، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية ، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا : من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن : " وعلى اللواتي يطقنه " ، والتنزيل بغير ذلك .
وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن كان صحيحا ، فإنما معناه : أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه ، حتى تطيقا فتقضيا ، كما وضع عن المسافر في سفره ، حتى يقيم فيقضيه - لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء ، ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم " ، دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله : " وعلى الذين يطيقونه [ ص: 438 ] فدية طعام مسكين " ، لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء ، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع . وذلك قول ، إن قاله قائل ، خلاف لظاهر كتاب الله ، ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام .
وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله : " وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى الذين يطيقون الطعام . وذلك لتأويل أهل العلم مخالف .
وأما قراءة من قرأ ذلك : " وعلى الذين يطوقونه " فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف ، وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلا ظاهرا قاطعا للعذر . لأن ما جاءت به الحجة من الدين ، هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله . ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله ، بالآراء والظنون والأقوال الشاذة .
وأما معنى " الفدية " فإنه : الجزاء ، من قولك : " فديت هذا بهذا " ، أي جزيته به ، وأعطيته بدلا منه .
ومعنى الكلام : وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين ، لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه .
وأما قوله : " فدية طعام مسكين " ، فإن القرأة مختلفة في قراءته . فبعض يقرأ بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وخفض " الطعام " - وذلك قراءة عظم قراء أهل المدينة - بمعنى : وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين . [ ص: 439 ] فلما جعل مكان " أن يفديه " " الفدية " أضيف إلى " الطعام " ، كما يقال " لزمني غرامة درهم لك " ، بمعنى : لزمني أن أغرم لك درهما .
وآخرون يقرأونه بتنوين " الفدية " ، ورفع " الطعام " ، بمعنى الإبانة في " الطعام " عن معنى " الفدية " الواجبة على من أفطر في صومه الواجب ، كما يقال : " لزمني غرامة ، درهم لك " ، فتبين " بالدرهم " عن معنى " الغرامة " ما هي؟ وما حدها؟ وذلك قراءة عظم قراء أهل العراق .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بين الصواب قراءة من قرأ " فدية طعام " بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، لأن " الفدية " اسم للفعل ، وهي غير " الطعام " المفدي به الصوم .
وذلك أن " الفدية " مصدر من قول القائل : " فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية " ، كما يقال : " جلست جلسة ، ومشيت مشية " . " والفدية " فعل ، و" الطعام " غيرها . فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن أصح القراءتين إضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وواضح خطأ قول من قال : إن ترك إضافة " الفدية " إلى الطعام ، أصح في المعنى ، من أجل أن " الطعام " عنده هو " الفدية " . فيقال لقائل ذلك : قد علمنا أن " الفدية " مقتضية مفديا ، ومفديا به ، وفدية . فإن كان " الطعام " هو " الفدية " " والصوم " هو المفدي به ، فأين اسم فعل المفتدي الذي هو " فدية " إن هذا القول خطأ بين غير مشكل .
وأما " الطعام " فإنه مضاف إلى " المسكين " . والقرأة في قراءة ذلك مختلفون .
فقرأه بعضهم بتوحيد " المسكين " ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام [ ص: 440 ] مسكين واحد لكل يوم أفطره ، كما : -
2793 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي قال : حدثنا حسين الجعفي عن أبي عمرو أنه قرأ : " فدية " - رفع منون - " طعام " - رفع بغير تنوين - " مسكين " ، وقال : عن كل يوم مسكين . وعلى ذلك عظم قراء أهل العراق .
وقرأه آخرون بجمع " المساكين " ، " فدية طعام مساكين " بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر ، إذا أفطر الشهر كله ، كما : -
2794 - حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي ، عن يعقوب ، عن بشار ، عن عمرو ، عن الحسن : " طعام مساكين " ، عن الشهر كله .
قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ : " طعام مسكين " على الواحد ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين . لأن في إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وصولا إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر - وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر ، وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر - ، وأن كل " واحد " يترجم عن " الجميع " ، وأن " الجميع " لا يترجم به عن " الواحد " . فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد .
واختلف أهل العلم في مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا .
فقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح .
وقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم ، مدا من قمح ومن سائر أقواتهم . [ ص: 441 ]
وقال بعضهم : كان ذلك نصف صاع من قمح ، أو صاعا من تمر أو زبيب .
وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره .
وقال بعضهم : كان ذلك سحورا وعشاء ، يكون للمسكين إفطارا .
وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادة ذكرها .
القول في تأويل قوله تعالى ( فمن تطوع خيرا فهو خير له )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : -
2795 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس : " فمن تطوع خيرا " ، فزاد طعام مسكين آخر ، " فهو خير له وأن تصوموا خير لكم " .
2796 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس مثله .
2797 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع عن سفيان ، عن خصيف عن مجاهد في قوله : " فمن تطوع خيرا " ، قال : من أطعم المسكين صاعا .
2798 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، قال : إطعام مساكين عن كل يوم ، فهو خير له .
2799 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن حنظلة ، عن طاوس : " فمن تطوع خيرا " ، قال : طعام مسكين .
2800 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن [ ص: 442 ] حنظلة ، عن طاوس نحوه .
2801 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ليث عن طاوس : " فمن تطوع خيرا " ، قال : طعام مسكين .
2802 - حدثني المثنى قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن ليث عن طاوس مثله .
2803 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عمرو بن هارون قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء أنه قرأ : " فمن تطوع " - بالتاء خفيفة [ الطاء ] - " خيرا " ، قال : زاد على مسكين .
2804 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، فإن أطعم مسكينين فهو خير له .
2805 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه : " فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، قال : من أطعم مسكينا آخر .
وقال آخرون : معنى ذلك ، فمن تطوع خيرا فصام مع الفدية .
ذكر من قال ذلك :
2806 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب فمن تطوع خيرا فهو خير له " ، يريد أن من صام مع الفدية فهو خير له .
وقال آخرون : معنى ذلك : فمن تطوع خيرا فزاد المسكين على قدر طعامه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد