-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (226)
صــــــــــ 264 الى صـــــــــــ 269
ولو قالت قد أصابني وقال لم أصبها فعليها العدة بإقرارها أنها عليها لا تحل للأزواج حتى تنقضي عدتها ولا رجعة له عليها بإقراره أن لا عدة له عليها،
ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يراجعها إن علم أنه كذب ويسعها فيما بينها وبين الله تعالى إن علمت أنها كذبت بادعائها بالإصابة أن تنكح قبل أن تعتد لأنه لا عدة عليها، فأما الحكم فكما وصفت، وسواء في هذا أغلق عليها بابا أو أرخى سترا أو لم يغلقه أو طال مقامه معها أو لم يطل لا تجب عليها العدة ولا يكمل لها المهر إذا طلقت إلا بالوطء نفسه، وإذا اختلفا في الوطء فالقول قول الزوج لأنه يؤخذ منه فضل الصداق، وإذا طلق الرجل امرأته فقال بعد انقضاء عدتها قد راجعتك في العدة وأنكرت فحلفت ثم تزوجت ودخل بها أو لم يدخل ثم أقام شاهدين أنه كان قد راجعها في العدة فسخ نكاحها من الآخر وكانت زوجة الأول الذي راجعها في العدة وأمسك عنها حتى تعتد من الآخر إن كان أصابها فإن لم يكن أصابها لم يمسك عنها، وإن ماتت أو مات وهي في العدة من الآخر توارثا ولو كانت المسألة بحالها وكذبته ونكحت زوجا غيره ثم صدقت الزوج الأول أنه راجعها في العدة لم تصدق على إفساد نكاح الزوج الآخر ولم يفسخ نكاحها إلا ببينة تقوم على رجعة الزوج الأول في العدة.
(قال أبو يعقوب البويطي والربيع) وله عليها صداق مثلها بإقرارها أنها أتلفت نفسها عليه.
(قال الشافعي): في قول الله تبارك وتعالى {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} إذا شارفن بلوغ أجلهن فراجعوهن بمعروف أو دعوهن تنقضي عددهن بمعروف. ونهاهم أن يمسكوهن ضررا ليعتدوا ولا يحل إمساكهن ضرارا.
نكاح المطلقة ثلاثا
(قال الشافعي): أي امرأة حل ابتداء نكاحها فنكاحها حلال متى شاء من كانت تحل له وشاءت إلا امرأتان الملاعنة فإن الزوج إذا التعن لم تحل له أبدا بحال والحجة في الملاعنة مكتوبة في كتاب اللعان. والثانية المرأة يطلقها الحر ثلاثا فلا تحل له حتى يجامعها زوج غيره لقول الله عز وجل في المطلقة الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} قال: فاحتملت الآية حتى يجامعها زوج غيره ودلت على ذلك السنة فكان أولى المعاني بكتاب الله ما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير «أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنهاه أن يتزوجها فقال لا تحل لك حتى تذوق العسيلة».
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعها تقول «جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت أني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قالت وأبو بكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى يا أبا بكر ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
(قال الشافعي) فإذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا صحيح النكاح فأصابها ثم طلقها فانقضت عدتها حل لزوجها الأول ابتداء نكاحها لقول الله عز وجل {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله}
الآية «وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة لا ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» يعني: يجامعك.
(قال): وإذا جامعها الزوج ثم مات عنها. حلت للزوج المطلقها ثلاثا كما تحل له بالطلاق لأن الموت في معنى الطلاق بافتراقهما بعد الجماع أو أكثر، وهكذا لو نكحها زوج فأصابها ثم بانت منه بلعان أو ردة أو غير ذلك من الفرقة، وهكذا كل زوج نكحها عبدا أو حرا إذا كان نكاحه صحيحا وأصابها، وفي قول الله تعالى {أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله} والله تعالى أعلم بما أراد. أما الآية فتحتمل إن أقاما الرجعة لأنها من حدود الله تعالى وهذا يشبه قول الله تعالى {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} أي إصلاح ما أفسدوا بالطلاق بالرجعة فالرجعة ثابتة لكل زوج غير مغلوب على عقله إذا أقام الرجعة وإقامتها أن يتراجعا في العدة التي جعل الله عز ذكره له عليها فيها الرجعة.
(قال): وأحب لهما أن ينويا إقامة حدود الله تعالى فيما بينهما وغيره من حدود الله تبارك اسمه.
الجماع الذي تحل به المرأة لزوجها
(قال الشافعي): إذا جامع المطلقة ثلاثا زوج بالغ فبلغ إن تغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق عسيلتها وذاقت عسيلته ولا تكون العسيلة إلا في القبل وبالذكر وذلك يحلها لزوجها الأول إذا فارقها هذا ويوجب عليها الغسل والحد لو كان هذا زنا وسواء كان الذي أصابها قوي الجماع أو ضعيفه لا يدخله إلا بيده إذا بلغ هذا منها، وكذلك لو استدخلته هي بيدها، وإن كان غير مراهق لم يحلها جماعه لأنه لا يقع موقع جماع الكبير ولا يجوز أن يقال غير هذا، ولو جاز جاز أن يقال لا يحلها إلا من تشتهي جماعه ويكون مبالغا فيه قويا، وإن كان الزوج صبيا فكان جماعه يقع موقع الكبير بأن يكون مراهقا يغيب ذلك منه في ذلك منها أحلها وكذلك إن كان خصيا غير مجبوب أو مجبوبا بقي له ما يغيبه فيها بقدر ما تغيب حشفة غير الخصي أحلها ذلك إن كانت ثيبا فأما إن كانت بكرا فلا يحلها إلا ذهاب العذرة وذلك أنه لا يبلغ هذا منها إلا ذهبت العذرة وسواء في ذلك كل زوج جائز النكاح من عبد ومكاتب وحر وكل زوجة حرة ومملوكة وذمية بالغ وغير بالغ إذا كان يجامع مثلها ولو أصابها في دبرها فبلغ ما شاء منها لم تحلها تلك الإصابة لأنها ليست موضع العسيلة التي دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنها تحلها ولو أفضاها زوجها حلت بالإفضاء لأن الإفضاء لا يكون إلا ببلوغ ما يحلها ومجاوزته وهكذا الذمية تكون عند المسلم فيطلقها ثلاثا فينكحها الذمي فبلغ هذا منها، وكذلك لو كانت الزوجة مغلوبة على عقلها أو الزوج مغلوبا على عقله أو هما معا فجامعها أحلها ذلك الزوج ولو نكحها الذمي نكاحا صحيحا فأصابها كان يحلها من جماعه للمسلم ما يحلها من جماع زوج مسلم لو نال ذلك منها لأنه زوج وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا وإنما يرجم المحصنين ولا يحلها إلا زوج صحيح النكاح وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل زوج إذا انعقد نكاحه لا ينفسخ بفساد عقد وإن انفسخ بعد لمعنى فأصابها فهو يحلها وإن كان أصل نكاحه غير ثابت عند العقد فلا تحلها إصابته لأنه غير زوج، فإذا نكحها مملوك فعتقت فاختارت فراقه وقد أصابها أحلها لأن عقده كان ثابتا وكذلك الأمة ينكحها الحر ثم يملكها، والحرة ينكحها العبد فتملكه فينفسخ النكاح في الحالين وتحلها إصابته قبل الفسخ، وكذلك الأجذم والأبرص والمجنون ينكح المرأة فيصيبها تحلها إصابته ولو اختارت فسخه إذا كانت الإصابة قبل الفسخ ولو أصابها أحد هؤلاء قبل اختيارها لفسخ نكاحه أحلتها الإصابة لأنها كانت وهي
زوجة، وكذلك الزوجان يصيبها الزوج ثم يرتد أحدهما بعد الإصابة تحلها تلك الإصابة لأنه كان زوجها ولو كانت الإصابة بعد ردة أحدهما أو ردتهما معا لم تحلها ولو رجع المرتد منهما إلى الإسلام بعد لأن الإصابة كانت والمرأة موقوفة على العدة محرمة في حالها تلك بكل حال عليه ولو أصاب المرأة زوجها وهي محرمة أو صائمة أو حائض أو هو محرم أو صائم كان مسيئا وأحلها ذلك لزوجها الذي طلقها ثلاثا لأن لا محرم عليه من المرأة في هذه الحال إلا الجماع للعلة التي فيه أو فيها ويقع ظهاره وإيلاؤه وطلاقه وبينها وبينه ما بين الزوجين ويحل له أن يراها حاسرا وليس هكذا الزوجان يرتد أحدهما وإذا نكح الحر الأمة وهو لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فأصابها أحلها ذلك ولو نكحها وهو يجد طولا أو لا يجد طولا ولا يخاف العنت لم تحلها إصابته، وإذا نكح الرجل نكاحا فاسدا بأي وجه كان فأصاب لم يحلها ذلك لزوجها وذلك أن ينكحها متعة أو محرمة أو ينكحها نكاح شغار أو ينكحها بغير ولي أو أي نكاح فسخه في عقده لم يحلها الجماع فيه لأنه ليس بزوج ولا يقع عليها طلاقه ولا ما بين الزوجين والعبد في هذا مثل الحر إلا أن العبد إذا طلق اثنتين فقد أتى على جميع طلاقه وهما له كالثلاث للحر وسواء طلق الحر ثلاثا في مقام أو متفرقة لأنه قد جاء على جميع طلاقه، وكذلك العبد في الاثنتين وطلاق الحر لزوجته أمة وحرة وكتابية ثلاث وطلاق العبد لزوجته اثنتان، الطلاق للرجال والعدة على النساء، ولو طلق رجل امرأة لم يدخل بها واحدة ثم أتبعها طلاقا لم يقع عليها إلا الأولى وإن نكحت بعده زوجا وأصابها من نكحها فهي عنده على ما بقي من الطلاق.
ما يهدمه الزوج من الطلاق وغيره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تعالى في المطلقة الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فجعل حكم المطلقة ثلاثا محرمة بكل حال على مطلقها ثلاثا إلا بأن يصيبها زوج غير مطلقها فإذا طلقت المرأة ثلاثا فأصابها زوج غير مطلقها سقط حكم الطلاق الأول وكان لزوجها الذي طلقها ثلاثا إذا طلقها زوجها الذي أصابها أو مات عنها أن ينكحها فإذا نكحها كان طلاقه إياها مبتدأ كهو حين ابتدأ نكاحها قبل أن يطلقها لا يحرم عليه نكاحه حتى يطلقها ثلاثا فإذا فعل عادت حراما عليه بكل وجه حتى يصيبها زوج غيره ثم هكذا أبدا كلما أتى على طلاقها ثلاثا حرمت عليه حتى يصيبها زوج غيره ثم حلت له بعد إصابة زوج غيره وسقط طلاق الثلاث وكانت عنده لا تحرم عليه حتى يطلقها ثلاثا وإذا هدم الزوج طلاق الثلاث كله فكذلك إن كان آلى منها في ملك ثم طلقها ثلاثا سقط الإيلاء حتى لا يكون له به طلاق أبدا إذا تناكحا وإذا أصابها الزوج الذي آلى منها في ملك نكاح بعد زوج كفر كفارة يمين وإن لم يصبها لم يوقف وقف الإيلاء.
. ما يهدم الزوج من الطلاق وما لا يهدم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن طلقها الزوج واحدة أو اثنتين فنكحها زوج غيره وأصابها ثم بانت منه فنكحها الزوج الأول بعده. كانت عنده على ما بقي من طلاقها كهي قبل أن يصيبها زوج غيره يهدم الزوج المصيبها بعده الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين، فإن قال قائل فقد قال غيرك إذا هدم
الثلاث هدم الواحدة والثنتين فكيف لم تقل به؟ قيل إن شاء الله تعالى استدلالا موجودا في حكم الله عز وجل فإن قال وأين؟ قيل قال الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): دل حكم الله عز وجل على الفرق بين المطلقة واحدة واثنتين والمطلقة ثلاثا وذلك أنه أبان أن المرأة يحل لمطلقها رجعتها من واحدة واثنتين فإذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلما لم يكن لزوج غيره حكم يحلها لمطلقها واحدة واثنتين إلا لأنها حلال إذا طلقت واحدة أو اثنتين قبل الزوج كان معنى نكاحه وتركه النكاح سواء ولما كانت المطلقة ثلاثا حراما على مطلقها الثلاث حتى تنكح زوجا غيره فكانت إنما تحل في حكم الله تبارك وتعالى اسمه بنكاحه كان له حكم بين أنها محرمة حتى ينكحها هذا الزوج الآخر فلم يجز أن يقاس ما له حكم بما لا حكم له وكان أصل الأمر أن المحرم إنما يحل للمرء بفعل نفسه كما يحرم عليه الحلال بفعل نفسه فلما حلت المطلقة ثلاثا بزوج غيره بعد مفارقتها نساء أهل الدنيا في هذا الحكم لم يجز أن يكون الزوج في غير الثلاث في هذا المعنى وكان في المعنى أنه لا يحل نكاحه للزوج المطلق واحدة واثنتين ولا يحرم شيئا لأن المرأة لم تحرم فتحل به وكان هو غير الزوج ولا يحل له شيء بفعل غيره ولا يكون لغيره حكم في حكمه إلا حيث جعله الله عز وجل الموضع الذي جعله الله تعالى مخالفا لهذا فلا يجوز أن يقاس عليه خلافه، فإن قال فهل قال هذا أحد غيرك؟ قيل نعم أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار أنهم سمعوا أبا هريرة يقول سألت عمر بن الخطاب عن رجل من أهل البحرين طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم انقضت عدتها فتزوجها رجل غيره ثم طلقها أو مات عنها ثم تزوجها زوجها الأول؟ قال هي عنده على ما بقي.
(قال الشافعي): وإذا طلقت المرأة ثلاثا فنكحت زوجا فادعت أنه أصابها وأنكر الزوج أحلها ذلك الزوج لزوجها المطلقها ثلاثا ولم تأخذ من الذي أنكر إصابتها إلا نصفا تصدق على ما تحل به ولا تصدق على ما تأخذ من مال زوجها وهكذا لو لم يعلم الزوج الذي يطلقها ثلاثا أنها نكحت فذكرت أنها نكحت نكاحا صحيحا وأصيبت حلت له إذا جاءت عليها مدة يمكن فيها انقضاء عدتها منه ومن الزوج الذي ذكرت أنه أصابها ولو كذبها في هذا كله ثم صدقها كان له نكاحها والورع أن لا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كاذبة حتى يجد ما يدل على صدقها ولو أن رجلا شك في طلاق امرأته فلم يدر أطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فنكحت زوجا غيره فأصابها ثم طلقها فنكحها الزوج الأول، ثم طلقها واحدة أو اثنتين فقالت قد أتى على جميع طلاقي لأنه لم يطلقني إلا واحدة أو اثنتين قبل نكاحي الزوج الآخر الذي نكحني بعد فراقك أو قاله بعض أهلها ولم تقله وأقر الزوج بأنه لم يدر أطلقها قبل نكاحها الزوج الآخر واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قيل له هي عندك على ما بقي من الطلاق فإن استيقن أنه طلقها قبل نكاحها الزوج واحدة فطلقها في هذا الملك واحدة أو اثنتين بنى على الطلاق الأول فإذا استكملت ثلاثا بالطلاق الذي قبل الزوج والطلاق الذي بعده فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره وأجعلها تعتد في الطلاق الأول ما يستيقن وتطرح ما يشك فيه ولو قال بعد ما قال أشك في ثلاث أنا أستيقن أني طلقتها قبل الزوج ثلاثا أحلف على ذلك وكان القول قوله.
من يقع عليه الطلاق من النساء
قال الله تبارك وتعالى {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} وقال {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}
وقال عز وجل {للذين يؤلون من نسائهم} وقال {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} وقال {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} وقال عز وجل {ولهن الربع مما تركتم} مع ما ذكر به الأزواج ولم أعلم مخالفا في أن أحكام الله تعالى في الطلاق والظهار والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها وما يحل للزوج من امرأته إلا أنه محرم الجماع في الإحرام والمحيض وما أشبه ذلك حتى ينقضي ولا يحرم أن ينظر منها إلى ما لا ينظر إليه غيره ولم أعلم مخالفا في أن الميراث بين الزوجين لا يكون إلا في نكاح صحيح وأن يكون دينا الزوجين غير مختلفين ويكونا حرين فكل نكاح كان ثابتا وقع فيه الطلاق وكل من وقع عليه الطلاق من الأزواج وقع عليه الظهار والإيلاء وكيفما كان الزوجان حرين أو عبدين أو أحدهما حر والآخر عبد أو مكاتب أو مدبر أو لم تكمل فيه الحرية ويحل لأي زوج وزوجة ويقع الميراث بين كل حرين من الأزواج مجتمعي الدين فكل اسم نكاح كان فاسدا لم يقع فيه شيء من هذا لا طلاق ولا غيره لأن هذين ليسا من الأزواج وجميع ما قلنا أن نكاحه مفسوخ من نكاح الرجل المرأة بغير ولي ولا سلطان أو أن ينكحها ولي بغير رضاها رضيت بعد أو لم ترض فالعقد فاسد لا نكاح بينهما، وكذلك لو كان هو الزوج ولم ترض لم يكن زوجا بذلك النكاح وإن رضي، وكذلك المرأة لم تبلغ يزوجها غير أبيها والصبي لم يبلغ يزوجه غير أبيه، وكذلك نكاح المتعة وما كان في معناه ونكاح المحرم، وكذلك الرجل ينكح أخت امرأته وأختها عنده أو خامسة، والعبد لم تكمل فيه الحرية ينكح ثالثة والحر يجد الطول فينكح أمة والحر والعبد ينكحان أمة كتابية وما كان في هذا المعنى مما يفسخ نكاحه وما كان أصل نكاحه ثابتا فهو يتفرق بمعنيين. أحدهما: هكذا لا يخالفه وذلك الرجل الحر لا يجد طولا فينكح أمة ثم يملكها فإذا تم له ملكها فسد النكاح ولم يقع عليها شيء مما يقع على الأزواج من طلاق ولا غيره، وذلك أن الله عز وجل يقول {والذين هم لفروجهم حافظون - إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} فلم يحل الجماع إلا بنكاح أو ملك وحكم أن يقع في النكاح ما وصفنا من طلاق يحرم به الحلال من النكاح وغيره وحكم في الملك بأن يقع من المالك فيه العتق فيحرم به الوطء بالملك، وفرق بين إحلالهما وتحريمهما فلم يجز أن يوطأ الفرج إلا بأحدهما دون الآخر فلما ملك امرأته فحالت عن النكاح إلى الملك انفسخ النكاح.
(قال الربيع) يريد بأحدهما دون الآخر أنه لا يجوز أن تكون امرأته وهو يملكها أو بعضها حتى يكون ملك وحده بكماله أو التزويج وحده بكماله.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وكذلك إذا ملك منها شقصا وإن قل لأنها خرجت من أن تكون زوجته لو قذفها ولم تحل له بالملك حتى يستكمل ملكها، وهكذا المرأة تملك زوجها ولا يختلف الملك بين الزوجين بأي وجه ما كان الملك ميراثا أو هبة أو صدقة أو غير ذلك، وهكذا البيع إذا تم كله، وتمام الميراث أن يموت الموروث قبضه الوارث أو لم يقبضه قبله أو لم يقبله لأنه ليس له رده، وتمام الهبة أو الصدقة أن يقبلها الموهوب له والمصدق عليه ويقبضها، وتمام الوصية أن يقبلها الموصى له وإن لم يقبضها وتمام البيع أن لا يكون فيه شرط حتى يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه، وما لم يتم البيع والصدقة والهبة فلو أن رجلا وهبت له امرأته أو اشتراها أو تصدق بها عليه فلم يقبض الموهوب له ولا المصدق عليه ولم يفارق البيعان مقامهما الذي تبايعا فيه ولم يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار البيع لم يكن له أن يطأ امرأته بالنكاح لأن له فيها شبها بملك حتى يرد الملك فتكون زوجته بحالها أو يتم الملك فينفسخ النكاح ويكون له الوطء بالملك، وإذا طلقها في حال الوقف أو تظاهر أو آلى منها وقف ذلك
فإن رد الملك وقع عليها الطلاق والإيلاء وما يقع بين الزوجين وإن لم يتم ملكه فيها بالعقد الأول من الصدقة أو الهبة أو البيع سقط ذلك كله عنه لأنا علمنا حين تم البيع أنها غير زوجة حين أوقع ذلك عليها، فإذا عتقت الأمة عند العبد فلها الخيار فإن أوقع عليها الطلاق بعد العتق قبل الخيار فالطلاق موقوف فإن ثبتت عنده وقع وإن فسخت النكاح سقط. والوجه الثاني: أن يكون الزوجان مشركين وثنيين فيسلم الزوج أو الزوجة فيكون النكاح موقوفا على العدة فإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما كان النكاح ثابتا وإن لم يسلم حتى تمضي العدة كان النكاح مفسوخا وما أوقع الزوج في هذه الحال على امرأته من طلاق أو ما يقع بين الزوجين فهو موقوف فإن ثبت النكاح بإسلام المتخلف منهما وقع وإن انفسخ النكاح بأن لم يسلم المتخلف عن الإسلام منهما سقط وكل نكاح أبدا يفسد من حادث من واحد من الزوجين أو حادث في واحد منهما ليس بطلاق من الزوج فهو فسخ بلا طلاق.
الخلاف فيما يحرم بالزنا
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أما الرجل يزني بامرأة أبيه أو امرأة ابنه فلا تحرم واحدة منهما على زوجها بمعصية الآخر فيها، ومن حرمها على زوجها بهذا أشبه أن يكون خالف حكم الله تعالى لأن الله عز وجل جعل التحريم بالطلاق إلى الأزواج فجعل هذا إلى غير الزوج أن يحرم عليه امرأته أو إلى المرأة نفسها أن تحرم نفسها على زوجها، وكذلك الزوج يزني بأم امرأته أو بنتها لا تحرم عليه امرأته ومن حرم عليه أشبه أن يدخل عليه أن يخالف حكم الله تعالى في أن الله حرمها على زوجها بطلاقه إياها فزنى زوجها بأمها فلم يكن الزنا طلاقا لها ولا فعلا يكون في حكم الله جل ثناؤه ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحريما لها وكان فعلا كما وصفت وقع على غيرها فحرمت به فقال قولا مخالفا للكتاب محالا بأن يكون فعل الزوج وقع على غيرها فحرمت به امرأته عليه وذكر الله عز وجل ما من به على العباد فقال {فجعله نسبا وصهرا} فحرم بالنسب الأمهات والأخوات والعمات والخالات ومن سمى، وحرم بالصهر ما نكح الآباء وأمهات النساء وبنات المدخول بهن منهن فكان تحريمه بأنه جعله للمحرمات على من حرم عليه حقا ليس لغيرهن عليهن وكان ذلك منا منه بما رضي من حلاله، وكان من حرمن عليه لهن محرما يخلو بهن ويسافر ويرى منهن ما لا يرى غير المحرم، وإنما كان التحريم لهن رحمة لهن ولمن حرمن عليه ومنا عليهن وعليهم لا عقوبة لواحد منهما، ولا تكون العقوبة فيما رضي ومن حرم بالزنا الذي وعد الله عليه النار وحد عليه فاعله وقرنه مع الشرك به وقتل النفس التي حرم الله أحال العقوبة إلى أن جعلها موضع رحمة. فمن دخل عليه خلاف الكتاب فيما وصفت وفي أن الله تعالى حين حكم الأحكام بين الزوجين من اللعان والظهار والإيلاء والطلاق والميراث كان عندنا وعنده على النكاح الصحيح فإذا زعمنا أن الذي أراد الله عز وجل بأحكامه في النكاح ما صح وحل فكيف جاز له أن يحرم بالزنا وهو حرام غير نكاح ولا شبهة.
من لا يقع طلاقه من الأزواج
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (227)
صــــــــــ 270 الى صـــــــــــ 270
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): يقع طلاق من لزمه فرض الصلاة والحدود، وذلك كل بالغ من
الرجال غير مغلوب على عقله لأنه إنما خوطب بالفرائض من بلغ لقول الله تعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} ويقول الله تبارك وتعالى {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز ابن عمر في القتال ابن خمس عشرة ورده ابن أربع عشرة، ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن سببا لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. فإذا ثاب إليه عقله فطلق في حاله تلك أو أتى حدا أقيم عليه ولزمته الفرائض، وكذلك المجنون يجن ويفيق. فإذا طلق في حال جنونه لم يلزمه وإذا طلق في حال إفاقته لزمه وإن شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته فقال طلقت في حال جنوني أو مرض غالب على عقلي فإن قامت له بينة على مرض غلب على عقله في الوقت الذي طلق فيه سقط طلاقه وأحلف ما طلق وهو يعقل، وإن قالت امرأته قد كان في يوم كذا في أول النهار مغلوبا على عقله وشهد الشاهدان على الطلاق فأثبتا أنه كان يعقل حين طلق لزمه الطلاق لأنه قد يغلب على عقله في اليوم ويفيق وفي الساعة ويفيق، وإن لم يثبت شاهدا الطلاق أنه كان يعقل حين طلق أو شهد الشاهدان على الطلاق وعرف أن قد كان في ذلك اليوم مغلوبا على عقله أحلف ما طلق وهو يعقل والقول قوله، وإن شهدا عليه بالطلاق ولم يثبتا أيعقل أم لا؟ وقال هو كنت مغلوبا على عقلي فهو على أنه يعقل حتى يعلم ببينة تقوم أنه قد كان في مثل ذلك الوقت يصيبه ما يذهب عقله أو يكثر أن يعتريه ما يذهب عقله في اليوم والأيام فيقبل قوله لأن له سببا يدل على صدقه.
طلاق السكران
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ومن شرب خمرا أو نبيذا فأسكره فطلق لزمه الطلاق والحدود كلها والفرائض ولا تسقط المعصية بشرب الخمر والمعصية بالسكر من النبيذ عنه فرضا ولا طلاقا. فإن قال قائل: فهذا مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله؟ قيل المريض مأجور ومكفر عنه بالمرض مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله، وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟ والصلاة مرفوعة عمن غلب على عقله ولا ترفع عن السكران.
وكذلك الفرائض من حج أو صيام أو غير ذلك ومن شرب بنجا أو حريفا أو مرقدا ليتعالج به من مرض فأذهب عقله فطلق لم يلزمه الطلاق من قبل أن ليس في شيء من هذا أن نضربهم على شربه في كتاب ولا سنة ولا إجماع فإذا كان هكذا كان جائزا أن يؤخذ الشيء منه للمنفعة لا لقتل النفس ولا إذهاب العقل. فإن جاء منه قتل نفس أو إذهاب عقل كان كالمريض يمرض من طعام وغيره وأجدر أن لا يأثم صاحبه بأنه لم يرد واحدا منهما كما يكون جائزا له بط الجرح وفتح العرق والحجامة وقطع العضو رجاء المنفعة وقد يكون من بعض ذلك سبب التلف ولكن الأغلب السلامة وأن ليس يراد ذلك لذهاب العقل ولا للتلذذ بالمعصية
طلاق المريض
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ملك الله تعالى الأزواج الطلاق. فمن طلق من الأزواج وهو
بالغ غير مغلوب على عقله جاز طلاقه لأنه تحريم لامرأته بعد أن كانت حلالا له فسواء كان صحيحا حين يطلق أو مريضا فالطلاق واقع، فإن طلق رجل امرأته ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها أو لاعنها وهو مريض فحكمه في وقوع ذلك على الزوجة وتحريمها عليه حكم الصحيح، وكذلك إن طلقها واحدة ولم يدخل بها، وكذلك كل فرقة وقعت بينهما ليس للزوج عليها فيها رجعة بعد الطلاق فإن لم يصح الزوج حتى مات فقد اختلف في ذلك أصحابنا منهم من قال لا ترثه وذهب إلى أن حكم الطلاق إذا كان في الصحة والمرض سواء فإن الطلاق يقع على الزوجة، وإن الزوج لا يرث المرأة لو ماتت فكذلك لا ترثه لأن الله تعالى ذكره إنما ورث الزوجة من الزوج والزوج من الزوجة ما كانا زوجين وهذان ليسا بزوجين ولا يملك رجعتها فتكون في معاني الأزواج فترث وتورث، وذهب إلى أن على الزوجة أن تعتد من الوفاة أربعة أشهر وعشرا وهذه لا تعتد من الوفاة وإلى أن الزوجة إذا كانت وارثة إن مات زوجها كانت موروثة إن ماتت قبله وهذه لا يرثها الزوج، وذهب إلى أن الزوجة تغسل الزوج ويغسلها وهذه لا تغسله ولا يغسلها وإلى أن ينكح أختها وأربعا سواها وكل هذا يبين أن ليست زوجة، ومن قال هذا فليست عليه مسألة صح الزوج بعد الطلاق أو لم يصح أو نكحت الزوجة أو لم تنكح ولم يورثها منه إذا لم يكن له عليها رجعة ولا هو منها، ولو طلقها ساعة يموت أو قال أنت طالق قبل موتي بطرفة عين أو بيوم ثلاثا لم ترث في هذا القول بحال.
(قال الشافعي): أخبرنا ابن أبي رواد ومسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق المرأة فيبتها ثم يموت وهي في عدتها فقال عبد الله بن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها ثم مات عنها وهي في عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة.
(قال الشافعي): أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال وكان أعلمهم بذلك، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته ألبتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها.
(قال الشافعي): - رحمه الله - فذهب بعض أصحابنا إلى أن يورث المرأة وإن لم يكن للزوج عليها رجعة إذا طلقها الزوج وهو مريض وإذا انقضت عدتها قبل موته وقال بعضهم وإن نكحت زوجا غيره، وقال غيرهم ترثه ما امتنعت من الأزواج. وقال بعضهم ترثه ما كانت في العدة فإذا انقضت العدة لم ترثه. وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه.
(الربيع) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة.
(قال الشافعي): - رحمه الله - غير أني أيما قلت فإني أقول لا ترث المرأة زوجها إذا طلقها مريضا طلاقا لا يملك فيه الرجعة فانقضت عدتها ونكحت لأن حديث ابن الزبير متصل وهو يقول ورثها عثمان في العدة وحديث ابن شهاب منقطع وأيهما قلت فإن صح بعد الطلاق ساعة ثم مات لم ترثه، وإن طلقها قبل أن يمسها فأيهما قلت فلها نصف ما سمى لها إن كان سمى لها شيئا ولها المتعة إن لم يكن سمى لها شيئا ولا عدة عليها من طلاق ولا وفاة. ولا ترثه لأنها لا عدة عليها وأيهما قلت فلو طلقها وقد أصابها وهي مملوكة أو كافرة وهو مسلم طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم أسلمت هذه وعتقت هذه ثم مات مكانه لم ترثاه لأنه طلقها ولا معنى لفراره من ميراثها. ولو مات في حاله تلك لم ترثاه ولو كان طلاقه يملك فيه الرجعة ثم عتقت هذه وأسلمت هذه ثم مات وهما في العدة ورثتاه. وإن مضت العدة لم ترثاه لأن الطلاق كان وهما غير وارثين لو مات وهما في حالهما تلك وإن كانتا من الأزواج، وإذا طلق الرجل امرأته وهو مريض طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات بعد انقضاء عدتها لم ترث في قول من ذهب إلى قول ابن الزبير لأن من ذهب إليه نظر إليه حين يموت فإن كانت من الأزواج أو في معاني
الأزواج من المطلقات اللاتي عليهن الرجعة وهن في عدتهن ورثها، وكذلك إن ماتت ورثها الزوج. وإن لم يكن عليها عدة لم يورثها لأنها خارجة من الأزواج ومعانيهن، وفي قول من ذهب إلى القول الآخر ترثه ما لم تنقض عدتها، وإن طلقها طلاقا صحيحا لا يملك فيه الرجعة ثم صح ثم مرض فمات لم ترثه وإن كانت في العدة لأنه قد صح فلو ابتدأ طلاقها في ذلك الوقت لم ترثه وإن كان يملك الرجعة فمات في العدة ورثته
والمرض الذي يمنع صاحبه فيه من الهبة وإتلاف ماله إلا في الثلث إن مات ويورث منه من يورث إذا طلق مريضا كل مرض مخوف مثل الحمى الصالب والبطن وذات الجنب والخاصرة وما أشبهه مما يضمنه على الفراش ولا يتطاول، فأما ما أضمنه مثله وتطاول مثل السل والفالج إذا لم يكن به وجع غيرهما أو يكون بالمفلوج منه سورة ابتدائه في الحال التي يكون مخوفا فيها، فإذا تطاول فإنه لا يكاد يكون مخوفا، فأما إذا كانت حمى الربع برجل فالأغلب منها أنها غير مخوفة وأنها إلى السلامة، فإذا لم تضمنه حتى يلزم الفراش من ضمن فهو كالصحيح، وإذا أضمنته كان كالمريض وإذا آلى رجل من امرأته وهو صحيح فمضت الأربعة الأشهر وهو مريض فمات قبل أن يوقف فهي زوجته وإن وقف ففاء بلسانه وهو لا يقدر على الجماع فهي زوجته، وإن طلق والطلاق يملك الرجعة فإن مات وهي في العدة ورثته وإن ماتت ورثها. وإن مات وقد انقضت العدة لم يرثها ولا ترثه، ولو قذفها وهو مريض أو صحيح فلم يلاعنها حتى مرض ثم مات كانت زوجته، وكذلك لو التعن فلم يكمل اللعان حتى مات كانت زوجته ترثه ولو أكمل اللعان وقعت الفرقة ولم ترثه وإن كان مريضا حين وقعت الفرقة في واحد من القولين وذلك أن اللعان حكم حكم الله تعالى به يحده السلطان إن لم يلتعن وإن الفرقة لزمته بالسنة أحب أو كره وأنهما لا يجتمعان بحال أبدا فحالهما إذا وقع اللعان غير حال الأزواج فلا ترثه ولا يرثها إذا التعن هو ولو تظاهر منها صحيحا أو مريضا فسواء هي زوجته ليس الظهار بطلاق إنما هي كاليمين يكفرها فإن لم يكفرها حتى مات أو ماتت توارثا. وإذا قال الرجل لامرأته وهو مريض إن دخلت دار فلان أو خرجت من منزلي أو فعلت كذا لأمر نهاها عنه أن تفعله ولا تأثم بتركه فأنت طالق ثلاثا أو طالق ولم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة ففعلت ذلك طلقت ثم مات لم ترثه في العدة بحال لأن الطلاق وإن كان من كلامه كان فبفعلها وقع. وكذلك لو قال لها إن شئت فأنت طالق ثلاثا فشاءت، وكل ما كان من هذا كان يتم بها وهي تجد منه بدا فطلقت منه طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم ترثه ولم يرثها عندي في قياس جميع الأقاويل. وكذلك لو سألته أن يطلقها ثلاثا فطلقها ثلاثا لم ترثه، ولو سألته أن يطلقها واحدة فطلقها ثلاثا ورثته في العدة في قول من يورث امرأة المريض إذا طلقها، ولكنه لو قال لها وهو مريض أنت طالق إن صليت المكتوبة أو تطهرت للصلاة أو صمت شهر رمضان أو كلمت أباك أو أمك أو قدت أو قمت ومثل هذا مما تكون عاصية بتركه أو يكون لا بد لها من فعله ففعلته وهو مريض ثم مات ورثته في العدة في قول من ذهب إلى توريثها إذا طلقها مريضا وهكذا لو حلف صحيحا على شيء لا يفعله هو ففعله مريضا ورثت في هذا القول، فأما قول ابن الزبير فيقطع هذا كله وأصله أن ينظر إلى حالها يوم يموت فإن كانت زوجة أو في معناها من طلاق يملك فيه الزوج الرجعة وكانت لو ماتت في تلك الحال ورثها ورثها منه وإن لم يكن يرثها لو ماتت في تلك الحال لم تكن زوجة ولا في طلاق يملك فيه الرجعة ولم نورثها في أي حالة كان القول
والطلاق مريضا كان أو صحيحا ولو قال لها وهو مريض: أنت طالق ثلاثا إن صمت اليوم تطوعا أو خرجت إلى منزل أبيك فصامت تطوعا أو خرجت إلى منزل أبيها. لم ترثه من قبل أنه قد كان لها من هذا بد وكانت غير آثمة بتركها منزل أبيها ذلك اليوم وكل ما قيل مما وصفت أنها ترثه في العدة في قول من يورثها إذا كان القول في المرض ووقع الطلاق في المرض فقاله في المرض. ثم صح ثم وقع لم ترثه إذا كان الطلاق لا يملك الرجعة وكل ما قال في الصحة مما يقع في المرض فوقع الطلاق به في المرض وكان طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم ترثه مثل أن يقول أنت طالق غدا أو إذا جاء هلال كذا أو إذا جاءت سنة كذا أو إذا قدم فلان وما أشبه هذا فوقع به الطلاق البائن وهو مريض لم ترث لأن القول كان في الصحة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال لها إذا مرضت فأنت طالق ثلاثا فمرض فمات قبل أن يصح. ورثت في قول من يورثها إذا كان الطلاق في المرض لأنه عمد أن أوقع الطلاق في المرض. وإذا مرض الرجل فأقر أنه قد كان طلق امرأته في الصحة ثلاثا وقع الطلاق بإقراره ساعة تكلم واستقبلت العدة من ذلك اليوم ولا ترثه عندي بحال
وإذا قال الرجل لامرأته وهو مريض أنت طالق ثلاثا إذا صححت فصح ثم مرض فمات لم ترثه لأنه أوقع الطلاق في وقت لو ابتدأه فيه لم ترثه.
وإذا قال الرجل لامرأته صحيحا أنت طالق ثلاثا قبل أن أقتل بشهر أو قبل أن أموت بشهر أو قبل أن أموت من الحمى أو سمى مرضا من الأمراض فمات من غير ذلك المرض لم يقع الطلاق وورثته. وكذلك لو مات من ذلك المرض قبل الشهر لأن الطلاق لم يقع ولا يقع إلا بأن يموت من ذلك المرض ويكون قبل موته بشهر فيجتمع الأمران، ولها الميراث في الأقاويل وإن مضى شهر من يوم قال تلك المقالة ثم مات من ذلك المرض بعينه لم يقع الطلاق ولا يقع الطلاق حتى يعيش بعد القول أكثر من شهر بوقت من الأوقات يقع فيه الطلاق فيكون لقوله موضع. فأما إذا كان موته مع الشهر سواء فلا موضع لقوله وترث ولم يقع عليها طلاق وإذا قال أنت طالق قبل موتي بشهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر ثم عاش أقل مما سمى ثم مات فإن الطلاق لا يقع عليها ولها الميراث وإن عاش من حين تكلم بالطلاق إلى أن مات أكثر مما سمى بطرفة عين أو أكثر وقع الطلاق عليها في ذلك الوقت وذلك قبل موته بما سمى ولا ترث إذا كان ذلك القول وهو صحيح.
ولو طلقها ثلاثا وهو مريض ثم ارتدت عن الإسلام، ثم عادت إليه ثم مات ولم يصح لم ترثه لأنها أخرجت نفسها من الميراث، ولو كان هو المرتد ثم عاد إلى الإسلام فمات من مرضه. لم ترثه عندي وترثه في قول غيري لأنه فار من الميراث.
ولو كانت زوجته أمة فقال لها وهو صحيح أنت طالق ثلاثا إذا عتقت فعتقت وهو مريض ثم مات وهي في العدة لم ترثه، وإن كان قاله لها وهو مريض لم ترث في قول ابن الزبير وترث في القول الآخر.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال لها وهي أمة أنت طالق ثلاثا غدا وهو مريض وقال لها سيدها أنت حرة اليوم بعد قوله. لم ترثه لأنه قاله وهي غير وارث وكذلك إن كانت مشركة وهو مسلم، ولو قال لها سيدها والزوج مريض أنت حرة غدا وقال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد ولم يعلم عتق السيد لم ترثه وإن مات من مرضه. وإن كان يعلم عتق السيد لم ترثه في قول ابن الزبير وترثه في قول الآخر لأنه فار من الميراث.
(قال): وإن كانت تحت المسلم مملوكة وكافرة فمات والمملوكة حرة والكافرة مسلمة فقالت هذه عتقت قبل أن يموت وقال ذلك الذي أعتقها وقالت هذه أسلمت قبل أن يموت وقال الورثة مات وأنت مملوكة وللأخرى مات وأنت كافرة فالقول قول الورثة وعليها البينة.
(قال أبو محمد) فيه قول آخر إن القول قول التي قالت لم أكن مملوكة لأن أصل الناس الحرية وعلى التي قالت لم أكن نصرانية البينة، وإذا قال الورثة لامرأة الرجل كنت
كافرة حين مات ثم أسلمت أو مملوكة حين مات ثم عتقت ولم يعلم أنها كافرة ولا مملوكة وقالت لم أكن كافرة ولا مملوكة فالقول قولها وعلى الورثة البينة.
طلاق المولى عليه والعبد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويجوز طلاق المولى عليه البالغ ولا يجوز عتقه لأم ولده ولا غيرها. فإن قال قائل فكيف يجوز طلاقه؟ قيل لأن الصلاة والحدود عليه واجبة فإذا كان ممن يقع عليه التحريم حد على إتيان المحرم من الزنا والقذف والقتل وكان كغير المولى عليه في أن عليه فرضا وحراما وحلالا فالطلاق تحريم يلزمه كما يلزم غيره، فإن قيل فقد يتلف به مالا؟ قيل ليس له من مال امرأته شيء فيتلفه بطلاقها إنما هو أن يحرم عليه منها شيء كان مباحا له، فإن قيل فقد يرثها، قيل لا يرثها حتى تموت ولم تمت حين طلقها فإن قيل فيحتاج إلى نكاح غيرها قيل فذلك ليس بإتلاف شيء فيها إنما هو شيء يلزمه لغيرها إن أراد النكاح.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: فإن قيل فلم لا يجوز عتقه أم ولده وإنما هي له مباحة إباحة فرج؟ قيل ما له فيها أكثر من الفرج.
(قال الربيع) يريد أن له فيها أكثر من الفرج: ألا ترى أنه يقول إذا قتلت آخذ قيمتها وإذا جني عليها آخذ الأرش فيأخذ قيمتها ويجنى عليها فيأخذ أرش الجناية عليها وتكسب المال فيكون له ويوهب لها وتجد الكنز فيكون له ويكون له خدمتها والمنافع فيها كلها وأكثر ما يمنع منها بيعها فأما سوى ذلك فهي له أمة يزوجها وهي كارهة ويختدمها
قال ويجوز طلاق السكران من الشراب المسكر وعتقه ويلزمه ما صنع، ولا يجوز طلاق المغلوب على عقله من غير السكر ويجوز طلاق العبد بغير إذن سيده والحجة فيه كالحجة في المحجور وأكثر، فإن قال قائل فهل خالفكم في هذا أحد من أهل الحجاز؟ قيل: نعم قد قال بعض من مضى منهم لا يجوز طلاق السكران وكأنه ذهب إلى أنه مغلوب على عقله. وقال بعض من مضى إنه ليس للعبد طلاق والطلاق بيد السيد، فإن قال فهل من حجة على من قال لا يجوز طلاق العبد؟ قيل ما وصفنا من أن الله تعالى قال في المطلقات ثلاثا {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} وقال في المطلقات واحدة {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} فكان العبد ممن عليه حرام وله حلال فحرامه بالطلاق ولم يكن السيد ممن حلت له امرأة فيكون له تحريمها. فإن قال قائل فهل غير هذا؟ قيل هذا هو الذي عليه اعتمدنا وهو قول الأكثر ممن لقينا، فإن قال فترفعه إلى أحد من السلف؟ قيل: نعم أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق العبد امرأته اثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان. قال مالك حدثني نافع عن ابن عمر كان يقول: من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد ليس بيد غيره من طلاقه شيء.
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك قال حدثني عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة استفتى زيد بن ثابت فقال إني طلقت امرأة لي حرة تطليقتين فقال زيد حرمت عليك.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك قال حدثني أبو الزناد عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتبا لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عبدا كانت تحته امرأة حرة فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك فذهب إليه فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقالا حرمت عليك حرمت عليك.
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك قال وحدثني ابن شهاب عن ابن المسيب أن نفيعا
مكاتبا لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق امرأته حرة تطليقتين فاستفتى عثمان بن عفان فقال له عثمان بن عفان حرمت عليك، فإن قال قائل فهل لكم حجة على من قال لا يجوز طلاق السكران؟ قيل نعم ما وصفنا من أن عليه الفرائض وعليه حرام، فإن قال ليس عليه حرام في حاله تلك لزمه أن يقول ولا صلاة ولا قود في قتل ولا جراح ولا غيره كما يكون المغلوب على عقله بغير السكر ولا يجوز إذا حرم الله تعالى بالكلام أن لا يكون داخلا في حكم الله تعالى أن الطلاق يحرم عليه ولا يخرج من حكم الله تعالى إلا بدلالة كتاب أو سنة أو إجماع وليس فيه واحد من هذا، وأكثر من لقيت من المفتين على أن طلاقه يجوز، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ» والسكران ليس واحدا من هؤلاء ولا في معناه والمرضى الذاهبو العقول في معنى المجنون لأنهم غير آثمين بالمرض والسكران آثم بالسكر.
من يلزمه الطلاق من الأزواج
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وكل امرأة طلقها زوج بالغ صبية أو معتوهة أو حرة بالغا أو أمة أو مشركة لزمهن الطلاق لأن الطلاق تحريم من الأزواج على أنفسهن، فإذا عتقت الأمة وقد زوجت عبدا وهي صبية فاختارت وهي صبية الفراق.
أو ملك الرجل امرأته وهي صبية نفسها أو خيرها فاختارت الفراق فليس ذلك لها لأنه لا أمر لها في نفسها وكذلك المعتوهة فإذا أفاقت المعتوهة أو بلغت الصبية فلها الخيار في المقام معه أو فراقه (قال): وإن عتقت قبل أن تبلغ أو بعدما بلغت فلم تختر فلا خيار لها.
وإذا اختارت المرأة فراق زوجها فهو فسخ بلا طلاق وكذلك امرأة العنين وامرأة الأجذم والأبرص تختار فراقه فذلك كله فسخ بلا طلاق لأن الطلاق يملك فيه الرجعة.
الطلاق الذي تملك فيه الرجعة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تعالى {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} الآية كلها.
(قال الشافعي): فكان بينا في كتاب الله تعالى أن كل طلاق حسب على مطلقة فيه عدد طلاق إلا الثلاث فصاحبه يملك فيه الرجعة.
وكان ذلك بينا في حديث ركانة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وإلا الطلاق الذي يؤخذ عليه المال، لأن الله تعالى أذن به وسماه فدية فقال {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فكان بينا في كتاب الله تعالى إذ أحل له أخذ المال أنه إذا ملك مالا عوضا من شيء لم يجز أن يكون له على ما ملك به المال سبيل والمال هو عوض من بضع المرأة فلو كان له عليها فيه رجعة كان ملك مالها ولم تملك نفسها دونه (قال): واسم الفدية أن تفدي نفسها بأن تقطع ملكه الذي له به الرجعة عليها ولو ملك الرجعة لم تكن مالكة لنفسها ولا واقعا عليها اسم فدية بل كان مالها مأخوذا وهي بحالها قبل أخذه والأحكام فيما أخذ عليه المال بأن يملكه من أعطى المال (قال): وبهذا قلنا طلاق الإيلاء وطلاق الخيار والتمليك كلها إلى الزوج فيه الرجعة ما لم يأت على جميع الطلاق
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وبهذا قلنا إن كل عقد فسخناه شاء الزوج فسخه أو أبى لم يكن طلاقا وكان
فسخا بلا طلاق.وذلك أنا لو جعلناه طلاقا جعلنا الزوج يملك فيه الرجعة وأنما ذكر الله عز وجل الطلاق من قبل الرجال فقال {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف} وقال {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف} (قال): وكان معقولا عن الله عز وجل في كل هذا أنه الطلاق الذي من قبل الزوج.فأما الفسخ فليس من قبل الزوج وذلك مثل أن ينكح نكاحا فاسدا فلا يكون زوجا فيطلق ومثل إسلام أحد الزوجين أو ردة أحدهما فلا يحل لكم أن يكون تحته وثنية ولا لمسلمة أن يكون زوجها كافرا ومثل الأمة تعتق فيكون الخيار إليها بلا مشيئة زوجها.ومثل الخيار إلى المرأة إذا كان زوجها عنينا أو خصيا مجبوبا وما خيرناها فيه مما يلزمه فيه الفرقة وإن كره فإنما ذلك كله فسخ للعقدة لا إيقاع طلاق بعدها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (228)
صــــــــــ 276 الى صـــــــــــ 282
ومثل المرأة تملك زوجها أو يملكها فيفسخ النكاح (قال الشافعي): ومثل الرجل يغر بالمرأة فيكون له الخيار فيختار فراقها فذلك فسخ بلا طلاق، ولو ذهب ذاهب إلى أن يكون طلاقا لزمه أن يجعل للمرأة نصف المهر الذي فرض لها إذا لم يمسها لأن الله تبارك وتعالى يقول {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}.
ما يقع به الطلاق من الكلام وما لا يقع
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ذكر الله تبارك وتعالى الطلاق في كتابه بثلاثة أسماء: الطلاق والفراق والسراح فقال عز وجل {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} وقال جل ثناؤه {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} وقال تبارك اسمه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أزواجه {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين} الآية (قال الشافعي): فمن خاطب امرأته فأفرد لها اسما من هذه الأسماء فقال أنت طالق أو قد طلقتك أو فارقتك أو قد سرحتك لزمه الطلاق ولم ينو في الحكم ونويناه فيما بينه وبين الله تعالى، ويسعه إن لم يرد بشيء منه طلاقا أن يمسكها ولا يسعها أن تقيم معه لأنها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه وسواء فيما يلزم من الطلاق ولا يلزم تكلم به الزوج عند غضب أو مسألة طلاق أو رضا وغير مسألة طلاق، ولا تصنع الأسباب شيئا إنما تصنعه الألفاظ لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب ولا يكون مبتدأ الكلام الذي له حكم فيقع فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئا لم يصنعه بما بعده ولم يمنع ما بعده أن يصنع ما له حكم إذا قيل.
ولو وصل كلامه فقال قد فارقتك إلى المسجد أو إلى السوق أو إلى حاجة أو قد سرحتك إلى أهلك أو إلى المسجد أو قد طلقتك من عقالك أو ما أشبه هذا لم يلزمه طلاق ولو مات لم يكن طلاقا، وكذلك لو خرس أو ذهب عقله لم يكن طلاقا ولا يكون طلاقا إلا بأن يقول أردت طلاقا وإن سألت امرأته أن يسأل سئل وإن سألت أن يحلف أحلف فإن حلف ما أراد طلاقا لم يكن طلاقا.
وإن نكل قيل إن حلفت طلقت وإلا فليس بطلاق قال وما تكلم به مما يشبه الطلاق سوى هؤلاء الكلمات فليس بطلاق حتى يقول كان مخرج كلامي به على أني نويت به طلاقا وذلك مثل قوله لامرأته أنت خلية أو خلوت مني أو خلوت منك أو أنت بريئة أو برئت مني أو برئت منك أو أنت بائن أو بنت مني أو بنت منك أو اذهبي أو اعزبي أو تقنعي أو اخرجي أو لا حاجة لي فيك أو شأنك بمنزل أهلك أو الزمي الطريق خارجة أو قد ودعتك أو قد ودعتيني أو اعتدي أو ما أشبه هذا مما يشبه الطلاق فهو فيه كله غير مطلق حتى يقول أردت بمخرج الكلام مني الطلاق فيكون طلاقا بإرادة الطلاق مع الكلام الذي يشبه الطلاق
(قال الشافعي):
- رحمه الله -: ولو قال لها أنت خلية أو بعض هذا. وقال قلته ولا أنوي طلاقا ثم أنا الآن أنوي طلاقا
لم يكن طلاقا حتى يبتدئه ونيته الطلاق فيقع حينئذ به الطلاق
(قال): ولو قال لها أنت طالق واحدة بائنة كانت واحدة تملك الرجعة لأن الله عز وجل حكم في الواحدة والاثنتين بأن الزوج يملك الرجعة بعدهما في العدة.
ولو تكلم باسم من أسماء الطلاق وقرن به اسما من هذه الأسماء التي تشبه الطلاق أو شدد الطلاق بشيء معه وقع الطلاق بإظهار أحد أسمائه ووقف في الزيادة معه على نيته فإن أراد بها زيادة في عدد الطلاق كانت الزيادة على ما أراد.
وإن لم يرد بها زيادة في عدد الطلاق كانت الزيادة كما لم تكن على الابتداء إذا لم يرد بها طلاقا وإن أراد بها حينئذ تشديد طلاق لم يكن تشديدا وكان كالطلاق وحده بلا تشديد وذلك مثل أن يقول أنت طالق ألبتة أو أنت طالق وبتة أو أنت طالق وخلية أو أنت طالق وبائن أو أنت طالق واعتدي أو أنت طالق ولا حاجة لي فيك أو أنت طالق والزمي أهلك أو أنت طالق وتقنعي فيسأل عن نيته في الزيادة فإن أراد بها زيادة في عدد طلاق فهي زيادة وهي ما أراد من الزيادة في عدد الطلاق وإن لم يرد بها زيادة لم تكن زيادة.
وإن قال لم أرد بالطلاق ولا بالزيادة معه طلاقا لم يدن في الطلاق في الحكم ودين في الزيادة معه وإن قال أنت طالق واحدة شديدة أو واحدة غليظة أو واحدة ثقيلة أو واحدة طويلة أو ما أشبه هذا كانت واحدة يملك فيها الرجعة ولا يكون طلاق بائن إلا ما أخذ عليه المال لأن المال ثمن فلا يجوز أن يملك المال ويملك البضع الذي أخذ عليه المال.
الحجة في البتة وما أشبهها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد «أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة ووالله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لركانة والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» فطلقها الثانية في زمان عمر - رضي الله عنه - والثالثة في زمان عثمان - رضي الله عنه - (قال الشافعي): أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر عن المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته ألبتة. ثم أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فذكر ذلك له فقال له عمر ما حملك على ذلك؟ فقال قد قلته فتلا عمر {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} ما حملك على ذلك؟ قال قد قلته فقال عمر - رضي الله عنه - أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت
(قال الشافعي): أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب قال للتوأمة مثل الذي قال للمطلب (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ألبتة؟ فقال يدين فإن كان أراد ثلاثا فثلاث وإن كان أراد واحدة فواحدة (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه، فقال: أما الطلاق فسنة. وأما البتة فبدعة. فأما السنة والطلاق فأمضوه. وأما البدعة والبتة فقلدوه إياه ودينوه فيها.
(قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو خلوت مني أو أنت برية
أو برئت مني أو يقول أنت بائنة أو قد بنت مني؟ قال سواء: قال عطاء: وأما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك هو الطلاق قال ابن جريج قال عطاء: أما قوله أنت برية أو بائنة، فذلك ما أحدثوا، سئل فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله أنت برية أو أنت بائنة أو أنت خلية أو برئت مني أو بنت مني قال يدين (قال الشافعي): أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله أنت علي حرام.
(قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن حماد قال: سألت إبراهيم عن الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام؟ قال إن نوى طلاقا فهو طلاق وإلا فهو يمين (قال الشافعي): - رحمه الله -: والبتة تشديد الطلاق ومحتملة لأن تكون زيادة في عدد الطلاق وقد جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يرد ركانة إلا واحدة واحدة يملك فيها الرجعة ففيه دلائل.
منها: أن تشديد الطلاق لا يجعله بائنا وأن ما احتمل الزيادة في عدد الطلاق مما سوى اسم الطلاق لا يكون طلاقا إلا بإرادة المتكلم به وأنه إذا أراد الطلاق كان طلاقا ولو كان إذا أراد به زيادة في عدد الطلاق ولم يكن طلاقا لم يحلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أراد إلا واحدة وإذا كان نوى زيادة في عدد الطلاق بما يشبه الطلاق وقع بإرادته.
فإن أراد فيما يشبه الطلاق أن يطلق واحدة فواحدة وإن أراد اثنتين فاثنتين وإن أراد ثلاثا فثلاثا فإذا وقعت ثلاث بإرادته الطلاق مع ما يشبه الطلاق واثنتان وواحدة كان إذا تكلم باسم الطلاق الذي يقع به طلاق بنية طلاق أو غير نية أولى أن يقع.
فإن قال أنت طالق ينوي اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى مع الواحدة من الزيادة ولا أعلم شيئا مما سوى ما سمى الله عز وجل به الطلاق أشبه في الظاهر بأن يكون طلاقا ثلاثا من البتة.
فإذا كان إذا تكلم بها مع الطلاق لم يكن طلاقا إلا بإرادته كان ما هو أضعف منها في الظاهر من الكلام أولى أن لا يكون طلاقا إلا بإرادته الطلاق، ولو قال رجل لامرأته اختاري أو أمرك بيدك أو قال ملكتك أمرك أو أمرك إليك فطلقت نفسها فقال ما أردت بشيء من هذا طلاقا لم يكن طلاقا.
وسواء قال ذلك في المجلس أو بعده لا يكون طلاقا إلا بأن يقر أنه أراد بتمليكها وتخييرها طلاقا قال: وهكذا لو قالت له خالعني فقال قد خالعتك أو خلعتك أو قد فعلت لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق ولم يأخذ مما أعطته شيئا إلا أن يريد به طلاقا، وذلك أن طلاق البتة يحتمل الإثبات الذي ليس بعده شيء ويحتمل تطليقة واحدة لأنه يقع عليها أنها منبتة حتى يرتجعها، والخلية والبرية والبائن منه يحتمل خلية مما يعنيني وبرية مما يعنيني وبائن من النساء ومني بالمودة، واختاري شيئا غير الطلاق من مال أو ضرب أو مقام علي حسن أو قبيح، وأمرك بيدك أنك تملكين أمرك في مالك غيره، وكذلك أمرك إليك وكذلك ملكتك أمرك، ولو قال لامرأته أنت طالق تطليقة شديدة أو غليظة أو ما أشبه هذا من تشديد الطلاق أو تطليقة بائنا كان كل هذا تطليقة تملك الرجعة، وإذا طلق الرجل امرأته في نفسه ولم يحرك به لسانه لم يكن طلاقا وكل ما لم يحرك به لسانه فهو من حديث النفس الموضوع عن بني آدم، وهكذا إن طلق ثلاثا بلسانه واستثنى في نفسه لزمه طلاق ثلاث ولم يكن له استثناء لأن الاستثناء حديث نفس لا حكم له في الدنيا.
وإن كلم امرأته بما لا يشبه الطلاق وقال أردت به الطلاق لم يكن طلاقا، وإنما تعمل النية مع ما يشبه ما نويته به وذلك أن يقول لها بارك الله فيك أو اسقيني أو أطعميني أو زوديني أو ما أشبه هذا ولكنه لو قال لها افلحي أو اذهبي أو اغربي أو أشربي يريد به طلاقا كان طلاقا، وكل هذا يقال للخارج والمفارق يقال له افلح كما يقال له اذهب ويقال له اغرب اذهب بعدا، ويقال للرجل يكلم ما
يكره أو يضرب اشرب، وكذلك ذق أو اطعم قال الله عز وجل وهو يذكر بعض من عذب {ذق إنك أنت العزيز الكريم} ولو قال لها اذهبي وتزوجي أو تزوجي من شئت لم يكن طلاقا حتى يقول أردت به الطلاق، وهكذا إن قال اذهبي فاعتدي، ولو قال الرجل لامرأته أنت علي حرام لم يقع به طلاق حتى يريد الطلاق فإذا أراد به الطلاق فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وإن أراد طلاقا ولم يرد عددا من الطلاق فهي واحدة يملك الرجعة، وإن قال أردت تحريمها بلا طلاق لم تكن حراما وكانت عليه كفارة يمين ويصيبها إن شاء قبل أن يكفر وإنما قلنا عليه كفارة يمين إذا أراد تحريمها ولم يرد طلاقها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرم جاريته فأمر بكفارة يمين والله تعالى أعلم.
قال الله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} الآية فلما لم يرد الزوج بتحريم امرأته طلاقا كان أوقع التحريم على فرج مباح له لم يحرم بتحريمه فلزمته كفارة فيه كما لزم من حرم أمته كفارة فيها ولم تحرم عليه بتحريمه لأنهما معا تحريم لفرجين لم يقع بواحد منهما طلاق، ولو قال كل ما أملك علي حرام يعني امرأته وجواريه وماله كفر عن المرأة والجواري كفارة كفارة إذا لم يرد طلاق المرأة ولو قال مالي علي حرام لا يريد امرأته ولا جواريه لم يكن عليه كفارة ولم يحرم عليه ماله.
باب الشك واليقين في الطلاق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال الرجل أنا أشك أطلقت امرأتي أم لا، قيل له الورع أن تطلقها فإن كنت تعلم أنك إن كنت قد طلقت لم تجاوز واحدة قلنا قد طلقت واحدة فاعتدت منك بإقرارك بالطلاق وإن أردت رجعتها في العدة فأنت أملك بها وهي معك باثنتين وإذا طلقتها باثنتين وقد أوقعت أولا الثالثة حرمت عليك حتى يحلها لك زوج فتكون معك هكذا وإن كنت تشك في الطلاق فلم تدر أثلاثا طلقت أو واحدة فالورع أنك تقر بأنك طلقتها ثلاثا والاحتياط لك أن توقعها فإن كانت وقعت لم تضرك الثلاث وإن لم تكن وقعت أوقعتها بثلاث لتحل لك بعد زوج يصيبها، ولا يلزمك في الحكم من هذا شيء لأنها كانت حلالا لك فلا تحرم عليك إلا بيقين تحريم فإن تشك في تحريم فلا تحرم عليك وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» (قال الشافعي): - رحمه الله -: هذا كان على يقين الوضوء وشك في انتقاضه فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يثبت على يقين الوضوء ولا ينصرف من الصلاة بالشك حتى يستيقن بانتقاض الوضوء بأن يسمع من نفسه صوتا أو يجد ريحا، وهو في معنى الذي يكون على يقين النكاح ويشك في تحريم الطلاق ولا يخالفه، وإن سألت يمينه أحلف ما طلقها فإن حلف فهي امرأته وإن نكل وحلفت طلقت عليه وإن نكلت فهي امرأته بحالها، وإن ماتت فسأل ذلك ورثتها ليمنعوه ميراثها فذلك لهم ويقومون في ذلك مقامها (قال الشافعي): وإن كان هو الميت فسأل ورثته أن تمنع ميراثها منه بقوله فليس لهم ذلك وإن سألوا يمينها وقالوا إنه طلقها ثلاثا وهو صحيح أحلفت ما علمت ذلك فإن حلفت ورثت وإن نكلت حلفوا لقد طلقها ثلاثا ولم ترث، ولو استيقن بطلاق واحدة وشك في الزيادة لزمته واحدة باليقين وكان فيما شك فيه من الزيادة كهو فيما شك أولا من تطليقة أو ثلاث (قال): ولو شك في طلاق فأقام معها فأصابها وماتت وأخذ ميراثها ثم استيقن أنه كان طلقها في
الوقت الذي نسب إلى نفسه فيه الشك في طلاقها أو قامت عليه بينة أخذ منه مهر مثلها بالإصابة ورد جميع ما أخذ من ميراثها، ولو كان هو الشاك في طلاقها ثلاثا ومات وقد أصابها بعد شكه وأخذت ميراثه ثم أقرت أنها قد علمت أنه كان قد طلقها في تلك الحال ثلاثا ردت الميراث ولم تصدق على أن لها مهرا بالإصابة ولو ادعت الجهالة بأن الإصابة كانت تحرم عليها أو ادعت غصبه إياها عليه أو لم تدع من ذلك شيئا تصدق على ما عليها أحلفناه ولا تصدق على ما تأخذ من مال غيرها، ولو أقر لها الورثة بما ذكرت كان لها مهر مثلها وترد ما أخذت من ميراثه.
ولو شك في عتق رقيقه كان هكذا لا يعتقون إلا بيقينه بعتقهم، وإن أرادوا أحلفناه لهم فإن حلف فهم رقيقه وإن نكل فحلفوا عتقوا، وإن حلف بعضهم ونكل بعض عتق من حلف منهم ورق من لم يحلف، وإن كان فيهم صغير أو معتوه كان رقيقا بحاله ولا نحلفه إلا لمن أراد يمينه منهم، ولو استيقن أنه حنث في صحته بأحد أمرين طلاق أو عتاق وقفناه عن نسائه ورقيقه حتى يبين أيهم أراد ونحلفه للذي زعم أنه لم يرد باليمين، وإن مات قبل أن يحلف أقرع بينهم فإن وقعت القرعة على الرقيق عتقوا من رأس المال وإن وقعت على النساء لم نطلقهن بالقرعة ولم نعتق الرقيق وورثه النساء لأن الأصل أنهن أزواج حتى يستيقن بأنه طلقهن ولم يستيقن والورع أن يدعن ميراثه وإن كان ذلك وهو مريض فسواء كله لأن الرقيق يعتقون من الثلث (قال): وإذا قال لامرأتين له إحداكما طالق ثلاثا ولنسوة له إحداكن طالق أو اثنتان منكن طالقان منع منهن كلهن وأخذ بنفقتهن حتى يقول التي أردت هذه والله ما أردت هاتين.
فإن أراد البواقي أن يحلف لهن أحلف بدعواهن عليه وإن لم يردنه لم أحلفه لهن لأنه قد أبان أن طلاقه لم يقع عليهن وأنه وقع على غيرهن، ولو كانتا اثنتين فقال لإحداهما لم أعن هذه بالطلاق كان ذلك إقرارا منه بأنه طلق الأخرى إذا كان مقرا بطلاق إحداهما فإن كان منكرا لم يلزمه طلاق إحداهما بعينها إلا بإقرار يحدثه بطلاقها، ولو قال ليست هذه التي أوقعت عليها الطلاق التي أردت أوقعن الطلاق عليها أو لم نوقعه حتى قال أخطأت وهذه التي زعمت أني لم أردها بالطلاق التي أردتها به طلقتا معا بإقراره به، وهكذا إذا كان في أكثر من اثنتين من النساء، وإذا قال الرجل لامرأتين له إحداكما طالق وقال والله ما أدري أيتهما عنيت وقف عنهما واختير له أن يطلقهما ولم نجبره على ذلك حتى يبين أيتهما أراد بالطلاق فإن قال قائل: أولى أن أوقع الطلاق على إحداهما؟ قيل له: إن فعلت ألزمناك ما أوقعت الآن ولم نخرجك من الطلاق الأول فأنا على يقين من أنه أوقع على إحداهما ولا نخرجك منه إلا بأن تزعم أن تخرجه على واحدة بعينها دون الأخرى، وإن قلته فأردت الأخرى أحلفناك لها فإن لم يقل أردت واحدة بعينها ولم يحلف حتى ماتت إحداهما وقفنا له ميراثه منها فإن زعم أن التي طلق الحية ورثنا من الميتة وإن أراد ورثتها أحلفناه لهم ما طلقها وجعلنا له ميراثه منها إذا كنا لا نعرف أيتهما طلق إلا بقوله فسواء ماتت إحداهما وبقيت الأخرى أو ماتتا معا أو لم يموتا، وهكذا لو ماتت إحداهما قبل الأخرى أو ماتتا جميعا معا أو لم يعرف أيتهما ماتت قبل وقفنا له من كل واحدة منهما ميراث زوج فإذا قال لإحداهما هي التي طلقت ثلاثا رددنا على أهلها ما وقفنا لزوجها وأحلفناه لورثة الأخرى إن شاءوا فجعلنا له ميراثه منها وإن كان في وريثها صغار ولم يرد الكبار يمينه لم نعطه ميراثها إلا بيمين، وهكذا إن كان فيهم غائب.
ولو كان الطلاق في هذا كله يملك الرجعة فماتتا في العدة ورثهما أو مات ورثتاه لأنهما معا في معاني الأزواج في الميراث وأكبر أمرهما، ولو كانت المسألة بحالها وكان هو الميت قبلهما والطلاق ثلاثا وقفنا لهما ميراث امرأة حتى يصطلحا لأنا لو قسمناه بينهما أيقنا أنا قد منعنا الزوجة نصف حقها وأعطينا غير الزوجة نصف حق الزوجة، وإذا
وقفناه فإن عرفناه لإحداهما فلما لم يبين لأيهما هو وقفناه حتى نجد على الزوج بينة نأخذ بها أو تصادقا منهما فيلزمهما أن يصطلحا فتكون إحداهما قد عفت بعض حقها أو تركت ما ليس لها فلا يكون لنا في صلحهما حكم ألزمناهما كارهين ولا إحداهما، ولو ماتت إحداهما قبله ثم مات قبل أن يبين ثم ماتت الأخرى بعده سئل الورثة فإن قالوا إن طلاقه قد وقع على الميتة ورثته الحية بلا يمين على واحد منهم لأنهم يقرون أن في ماله حقا للحية ولا حق له في ميراث الميتة، وهذا إذا كان الورثة كبارا رشدا يكون أمرهم في أموالهم جائزا، وإن كان فيهم صغير جاز في حق الكبار الرشد إقرارهم ووقف للزوج الميت حصة الصغار ومن كان كبيرا غير رشيد من ميراث زوج حتى يبلغوا الرشد والحلم والمحيض، ووقف للزوجة الحية بعد حصتها من ميراث امرأة حتى يبلغوا، ولو كان الورثة كبارا فقالوا التي طلق ثلاثا هي المرأة الحية بعده ففيها قولان.
أحدهما: أنهم يقومون مقام الميت فيحلفون على البت أن فلانة الحية بعده التي طلق ثلاثا ولا يكون لها ميراث منه ويأخذون له ميراثه من الميتة قبله كما يكون له الحق بشاهد فيحلفون أن حقه لحق ويقومون مقامه في اليمين واليمين على البت لأنهم قد يعلمون ذلك بخبره وخبر من يصدقون غيره، وإن كان فيهم صغار وقف حق الصغار من ميراث الأب من الميتة قبله حتى يحلفوا فيأخذوه أو ينكلوا فيبطل أو يموتوا فيقوم ورثتهم مكانهم كما يكون فيما وصفنا من يمين وشاهد ويوقف قدر حقهم من ميراث أبيهم للمرأة الحية بعده ليقروا لها فيأخذوه ويبطل حقهم من الأخرى ويحلفوا فيأخذوا حقهم من الأخرى ويبطل حقها الذي وقف.
والقول الثاني: أن يوقف له ميراث زوج من الميتة قبله وللميتة بعده ميراث امرأة منه حتى تقوم بينة أو يصطلح ورثته وورثتها.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو رأى امرأة من نسائه مطلعة فقال أنت طالق ثلاثا وقد أثبت أنها من نسائه ولا يدري أيتهن هي؟ فقالت كل واحدة منهن أنا هي أو جحدت كل واحدة منهن أن تكون هي أو ادعت ذلك واحدة منهن أو اثنتان وجحد البواقي فسواء ولا يقع الطلاق على واحدة منهن إلا أن يقول هي هذه فإذا قال لواحدة منهن هي هذه وقع عليها الطلاق، ومن سأل منهن أن يحلف لها ما طلقها أحلف ومن لم تسأل لم يحلف لأنه أوقع الطلاق على واحدة ولم نعلمه طلق اثنتين، ولو أقر لواحدة ثم قال أخطأت هي هذه الأخرى لزمه الطلاق للأولى التي أقر لها وهكذا لو صنع هذا فيهن كلهن لزمه الطلاق لهن كلهن، ولو قال هي هذه أو هذه أو هذه بل هذه لزمه طلاق التي قال بل هذه وطلاق إحدى الاثنتين اللتين قال هي هذه أو هذه، ولو قال هي هذه بل هذه طلقت الأولى ووقع على الثانية التي قال بل هذه، ولو قال إحداكن طالق ثم قال في واحدة هي هذه ثم قال والله ما أدري أهي هي أو غيرها طلقت الأولى بالإقرار ووقف عن البواقي ولم يكن كالذي قال على الابتداء ما أدري أطلقت أو لا هذا مطلق بيقين ثم أقر لواحدة فألزمنا له الإقرار ثم أخبرنا أنه لا يدري أصدق في إقراره فحل له منهن غيرها أو لم يصدق فتكون واحدة منهن محرمة عليه ويكون في البواقي كهو في الابتداء ما كان مقيما على الشك، فإذا قال قد استيقنت أن الذي قلت أولا هي التي طلقت كما قلت فالقول قوله وأيتهن أرادت أن أحلفه لها أحلفته، ولو قال هي هذه ثم قال ما أدري أهي هي أم لا ثم مات قبل أن يتبين لم ترثه التي قال هي هذه إن كان لا يملك رجعتها وورثه الثلاث معا ولا يمنعن ميراثه بالشك في طلاقهن ولا طلاق واحدة منهن ولو قال
على الابتداء ما أدري أطلقت نسائي أم واحدة منهن أم لا؟ ثم مات ورثنه معا ولا يمنعن ميراثه بالشك في طلاقهن.
الإيلاء واختلاف الزوجين في الإصابة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: قال الله تبارك وتعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم - وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} (قال الشافعي): أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يقول بوقف المولي (قال الشافعي): أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي عن عمرو بن سلمة قال: شهدت عليا - رضي الله تعالى عنه - أوقف المولي.
(قال الشافعي): أخبرنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن مروان بن الحكم أن عليا - رضي الله تعالى عنه - أوقف المولي.
(قال الشافعي): أخبرنا سفيان عن مسعر بن كدام عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس أن عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - كان يوقف المولي (قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال: كانت عائشة - رضي الله تعالى عنها - إذا ذكر لها الرجل يحلف أن لا يأتي امرأته فيدعها خمسة أشهر لا ترى ذلك شيئا حتى يوقف وتقول كيف قال الله عز وجل؟ {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء.
(قال الشافعي): أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا - رضي الله تعالى عنه - كان يوقف المولي.
اليمين التي يكون بها الرجل موليا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): اليمين التي فرض الله تعالى كفارتها اليمين بالله عز وجل ولا يحلف بشيء دون الله تبارك وتعالى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» (قال الشافعي): فمن حلف بالله عز وجل فعليه الكفارة إذا حنث ومن حلف بشيء غير الله تعالى فليس بحانث ولا كفارة عليه إذا حنث والمولي من حلف بيمين يلزمه بها كفارة ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولي لأنه لا يعدو أن يكون ممنوعا من الجماع إلا بشيء يلزمه به وما ألزم نفسه مما لم يك يلزمه قبل إيجابه أو كفارة يمين.
(قال): ومن أوجب على نفسه شيئا لا يجب عليه ما أوجب ولا بدل منه فليس بمول وهو خارج من الإيلاء، ومن حلف باسم من أسماء الله تعالى فعليه الكفارة كما لو حلف بالله عز وجل وجب عليه الكفارة، وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك يعني الجماع أو تالله أو بالله لا أقربك فهو مول في هذا كله، وإن قال الله لا أقربك فإن أراد اليمين فهو مول وإن لم يرد اليمين فليس بمول لأنها ليست بظاهر اليمين، وإذا قال هائم الله أو أيم الله أو ورب الكعبة أو ورب الناس أو وربي أو ورب كل شيء أو وخالقي أو خالق كل شيء أو ومالكي ومالك كل شيء لا أقربك فهو في هذا كله مول،
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (229)
صــــــــــ 283 الى صـــــــــــ 289
وكذا إن قال أقسم بالله أو أحلف بالله أو أولي بالله لا أقربك فهو مول وإن قال أقسمت بالله أو آليت بالله أو حلفت بالله لا أقربك سئل فإن قال عنيت بهذا إيقاع اليمين كان موليا وإن قال عنيت أني آليت منها مرة فإن عرف ذلك اعتراف منها أو ببينة تقوم عليه أنه حلف مرة فهو كما قال وليس بمول وهو خارج من حكم ذلك الإيلاء.
وإن لم تقم بينة ولم تعرف المرأة فهو مول في الحكم وليس بمول فيما بينه وبين الله عز وجل، وكذلك إن قال أردت الكذب وإن قال أنا مول منك أو علي يمين إن قربتك أو علي كفارة يمين إن قربتك فهو مول في الحكم فإن قال أردت بقولي أحلف بالله أني سأحلف به فليس بمول وإذا قال لامرأته مالي في سبيل الله تعالى أو علي مشي إلى بيت الله أو علي صوم كذا أو نحر كذا من الإبل إن قربتك فهو مول لأن هذا إما لزمه وإما لزمته به كفارة يمين (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قال إن قربتك فغلامي فلان حر أو امرأتي فلانة طالق فهو مول والفرق بين العتق والطلاق وما وصفت أن العتق والطلاق حقان لآدميين بأعيانهما يقعان بإيقاع صاحبهما ويلزمان تبررا أو غير تبرر وما سوى هذا إنما يلزم بالتبرر.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال والكعبة أو عرفة أو والمشاعر أو وزمزم أو والحرم أو والمواقف أو الخنس أو والفجر أو والليل أو والنهار أو وشيء مما يشبه هذا لا أقربك لم يكن موليا لأن كل هذا خارج من اليمين وليس بتبرر ولا حق لآدمي يلزم حتى يلزمه القائل له نفسه.
(قال الشافعي): وكذلك إن قال إن قربتك فأنا أنحر ابنتي أو ابني أو بعير فلان أو أمشي إلى مسجد مصر أو مسجد غير المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس لم يلزمه بهذا إيلاء لأنه ليس بيمين ولا يلزمه المشي إليه، ولا كفارة بتركه، وإن قال إن قربتك فأنا أمشي إلى مسجد مكة كان موليا لأن المشي إليه أمر يلزمه أو يلزمه به كفارة يمين.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يلزمه الإيلاء حتى يصرح بأحد أسماء الجماع التي هي صريحة وذلك والله لا أطؤك أو والله لا أغيب ذكري في فرجك أو لا أدخله في فرجك أو لا أجامعك أو يقول إن كانت عذراء والله لا أفتضك أو ما في هذا المعنى، فإن قال هذا فهو مول في الحكم.
وإن قال لم أرد الجماع نفسه كان مدينا فيما بينه وبين الله عز وجل ولم يدن في الحكم (قال الشافعي): وإن قال والله لا أباشرك أو والله لا أباضعك أو والله لا ألامسك أو لا ألمسك أو لا أرشفك أو ما أشبه هذا فإن أراد الجماع نفسه فهو مول وإن لم يرده فهو مدين في الحكم والقول فيه قوله.
ومتى قلت: القول قوله فطلبت يمينه أحلفته لها فيه (قال): ولو قال والله لا أجامعك إلا جماع سوء فإن قال عنيت لا أجامعك إلا في دبرك فهو مول والجماع نفسه في الفرج لا الدبر، ولو قال عنيت لا أجامعك إلا بأن لا أغيب فيك الحشفة فهو مول لأن الجماع الذي له الحكم إنما يكون بتغيب الحشفة، وإن قال عنيت لا أجامعك إلا جماعا قليلا أو ضعيفا أو متقطعا أو ما أشبه هذا فليس بمول.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإن قال والله لا أجامعك في دبرك فهو محسن غير مول لأن الجماع في الدبر لا يجوز، وكذلك إن قال والله أجامعك في كذا من جسدك غير الفرج لا يكون موليا إلا بالحلف على الفرج أو الحلف مبهما فيكون ظاهره الجماع على الفرج وإن قال والله لا أجمع رأسي ورأسك بشيء أو والله لأسوأنك أو لأغيظنك أو لا أدخل عليك أو لا تدخلين علي أو لتطولن غيبتي عنك أو ما أشبه هذا فكله سواء لا يكون موليا إلا بأن يريد الجماع، وإن قال والله ليطولن عهدي بجماعك أو ليطولن تركي لجماعك فإن عنى أكثر من أربع أشهر مستقبلة من يوم حلف فهو مول، وإن عنى أربعة أشهر أو أقل لم يكن موليا وإن قال والله لا أغتسل منك ولا أجنب منك وقال أردت أن أصيبها ولا أنزل ولست أرى الغسل إلا على من أنزل ولا الجنابة دين في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى، وإن قال أردت أن أصيبها ولا أغتسل منها حتى أصيب غيرها فأغتسل منه دين أيضا، وإن قال أردت أن أصيبها ولا أغتسل وإن وجب الغسل لم يدن في القضاء ودين فيما بينه وبين الله عز وجل (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك ثم قال في ذلك المجلس أو بعده والله لا أقربك وفلانة لامرأة له أخرى طالق أو قال في مجلس آخر فلان غلامه حر إن قربتك فهو مول يوقف وقفا واحدا، وإذا أصاب حنث بجميع ما حلف.(قال): وكذلك لو قال لها والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال في يمين أخرى لا أقربك ستة أشهر وقف وقفا واحدا وحنث إذا أصاب بجميع الأيمان وإن قال والله لا أقربك أربعة أشهر أو أقل ثم قال والله لا أقربك خمسة أشهر كان موليا بيمينه لا يقربها خمسة أشهر وغير مول باليمين التي دون أربعة أشهر وأربعة أشهر (قال الشافعي): ولو كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر وأربعة أشهر وتركت وقفه عند الأولى والثانية كان لها وقفه ما بقي عليه من الإيلاء شيء لأنه ممنوع من الجماع بعد أربعة أشهر بيمين (قال): ولو قال لها والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال غلامي حر إن قربتك إذا مضت الخمسة الأشهر فتركته حتى مضت خمسة أشهر أو أصابها فيها خرج من حكم الإيلاء فيها.
فإن طلبت الوقف لم يوقف لها حتى تمضي الخمسة الأشهر من الإيلاء الذي أوقع آخرا ثم أربعة أشهر بعده ثم يوقف، وكذلك لو قال على الابتداء إذا مضت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوالله لا أقربك لم يكن موليا حتى يمضي خمسة أشهر أو ستة أشهر ثم يوقف بعد الأربعة الأشهر من يوم أوقع الإيلاء لأنه إنما ابتدأه من يوم أوقعه، ولو قال والله لا أقربك خمسة أشهر ثم قال إذا مضت خمسة أشهر فوالله لا أقربك سنة فوقف في الإيلاء الأول فطلق ثم راجع فإذا مضت أربعة أشهر بعد رجعته وبعد الخمسة الأشهر وقف فإن كانت رجعته في وقت لم يبق عليه فيه من السنة إلا أربعة أشهر أو أقل لم يوقف لأني أجعل له أربعة أشهر من يوم يحل له الفرج ويجب عليه الإيلاء فإذا جعلته هكذا فلا وقف عليه (قال الشافعي): وإن قال والله لا أقربك إن شئت فليس بمول إلا أن تشاء فإن شاءت فهو مول، وإن قال والله لا أقربك كلما شئت فإن أراد بها كلما شاءت أن لا يقربها لم يقربها فشاءت أن لا يقربها كان موليا ولا يكون موليا حتى تشاء، وإن قال أردت أني لا أقربك في كل حين شئت فيه أن أقربك لا أني حلفت لا أقربك بمثل المعنى قبل هذا ولكني أقربك كلما أشاء لا كلما تشائين فليس بمول وإن قال إن قربتك فعلي يمين أو كفارة يمين فهو مول في الحكم، وإن قال لم أرد إيلاء دين فيما بينه وبين الله عز وجل وإن قال علي حجة إن قربتك فهو مول وإن قال إن قربتك فعلي حجة بعدما أقربك فهو مول وإن قال قربتك فعلي صوم هذا الشهر كله لم يكن موليا كما لا يكون موليا لو قال إن قربتك فعلي صوم أمس وذلك أنه لا يلزمه صوم أمس لو نذره بالتبرر فإذا لم يلزمه بالتبرر لم يلزمه بالإيلاء ولكنه لو أصابها وقد بقي عليه من الشهر شيء كانت عليه كفارة يمين أو صوم ما بقي منه وإذا قال الرجل لامرأته إن قربتك فأنت طالق ثلاثا وقف فإن فاء فإذا غابت الحشفة طلقت ثلاثا فإن أخرجه ثم أدخله بعد فعليه مهر مثلها فإن أبى أن يفيء طلق عليه واحدة فإن راجع كانت له أربعة أشهر وإذا مضت وقف ثم هكذا حتى تنقضي طلاق هذا الملك وتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم إن نكحها بعد زوج فلا إيلاء ولا طلاق وإن أصابها كفر.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو كان آلى منها سنة فتركته حتى مضت سقط الإيلاء ولو لم تدعه فوقف لها ثم طلق ثم راجع كان كالمسألة الأولى فإذا مضت له أربعة أشهر بعد الرجعة وقف إلى أن تنقضي السنة قبل ذلك ولو قال رجل لامرأته أنت علي حرام يريد تحريمها بلا طلاق أو اليمين بتحريمها فليس بمول لأن التحريم شيء حكم فيه بالكفارة إذا لم يقع به الطلاق كما لا يكون الظهار والإيلاء طلاقا وإن أريد بهما الطلاق لأنه حكم فيهما بكفارة (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا قال لامرأته إن قربتك فأنت علي حرام ولا يريد طلاقا ولا إيلاء فهو مول يعني قوله أنت علي حرام (قال الشافعي): وإن قال لامرأته إن قربتك فعبدي فلان حر عن ظهاري فإن كان متظهرا فهو مول ما لم يمت العبد أو يبعه أو يخرجه من ملكه، وإن كان غير متظهر فهو مول في الحكم لأن ذلك إقرار منه بأنه متظهر وإن وصل الكلام فقال إن قربتك فعبدي فلان حر عن ظهاري إن تظهرت لم يكن موليا حتى يتظهر فإذا تظهر والعبد في ملكه كان موليا لأنه حالف حينئذ بعتقه ولم يكن أولا حالفا، فإن قال إن قربتك فلله علي أن أعتق فلانا عن ظهاري وهو متظهر كان موليا وليس عليه أن يعتق فلانا عن ظهاره وعليه فيه كفارة يمين لأنه يجب لله عليه عتق رقبة فأي رقبة أعتقها غيره أجزأت عنه، ولو كان عليه صوم يوم فقال لله علي أن أصوم يوم الخميس عن اليوم الذي علي لم يكن عليه صومه لأنه لم ينذر فيه بشيء يلزمه وأن صوم يوم لازم له فأي يوم صامه أجزأ عنه ولو صامه بعينه أجزأ عنه من الصوم الواجب لا من النذر، وهكذا لو أعتق فلانا عن ظهاره أجزأ عنه وسقطت عنه الكفارة.
(قال): وإذا قال الرجل لامرأته إن قربتك فلله علي أن لا أقربك لم يكن موليا لأنه لو كان قال لها ابتداء لله علي أن لا أقربك لم يكن موليا لأنه لا حالف ولا عليه نذر في معاني الأيمان يلزمه به كفارة يمين وهذا نذر في معصية (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا آلى الرجل من امرأته ثم قال لأخرى من نسائه قد أشركتك معها في الإيلاء لم تشركها لأن اليمين لزمته للأولى واليمين لا يشترك فيها (قال): وإذا حلف لا يقرب امرأته وامرأة ليست له لم يكن موليا حتى يقرب تلك المرأة فإن قرب تلك المرأة كان موليا حينئذ وإن قرب امرأته حنث باليمين (قال): وإن قال إن قربتك فأنت زانية فليس بمول إذا قربها وإذا قربها فليس بقاذف يحد حتى يحدث لها قذفا صريحا يحد به أو يلاعن، وهكذا إن قال إن قربتك ففلانة لامرأة له أخرى زانية.
الإيلاء في الغضب(قال الشافعي): والإيلاء في الغضب والرضا سواء كما يكون اليمين في الغضب والرضاء سواء وإنما أوجبنا عليه الإيلاء بما جعله الله عز وجل من اليمين وقد أنزل الله تعالى الإيلاء مطلقا لم يذكر فيه غضبا ولا رضا.
ألا ترى أن رجلا لو ترك امرأته عمره لا يصيبها ضرارا لم يكن موليا.ولو كان الإيلاء إنما يجب بالضرار وجب على هذا ولكنه يجب بما أوجبه الله عز وجل وقد أوجبه مطلقا.
المخرج من الإيلاء
(قال الشافعي): ومن أصل معرفة الإيلاء أن ينظر كل يمين منعت الجماع بكل حال أكثر من أربعة أشهر إلا بأن يحنث الحالف فهو مول وكل يمين كان يجد السبيل إلى الجماع بحال لا يحنث فيها وإن حنث في غيرها فليس بمول (قال الشافعي): - رحمه الله -: وكل حالف مول وإنما معنى قولي ليس بمول ليس يلزمه حكم الإيلاء من فيئة أو طلاق وهكذا ما أوجب مما وصفته في مثل معنى اليمين (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر عن أبيه عن مجاهد قال تزوج ابن الزبير أو الزبير (شك الربيع) امرأة فاستزاده أهلها في المهر فأبى فكان بينه وبينهم شر فحلف أن لا يدخلها عليه حتى
يكون أهلها الذين يسألونه ذلك فلبثوا سنين ثم طلبوا ذلك إليه فقالوا أقبض إليك أهلك ولم يعد ذلك إيلاء وأدخلها عليه.
(قال الشافعي): لأن أهلها الذين طلبوا إدخالها عليه (قال الشافعي): ويسقط الإيلاء من وجه بأن يأتيها ولا يدخلها عليه ولعله أن لا يكون أراد هذا المعنى بيمينه (قال الشافعي): وإذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربك إن شاء الله تعالى فلا إيلاء وإن قال والله لا أقربك إن شاء فلان فليس بإيلاء حتى يشاء فلان فإن شاء فلان فهو مول وإذا قال والله أقربك حتى يشاء فلان فليس بمول لأن فلانا قد يشاء.
فإن خرس فلان أو غلب على عقله فليس بمول لأنه قد يفيق فيشاء، فإن مات فلان الذي جعل إليه المشيئة فهو مول لأنه لا يشاء إذا مات.
وكذلك إن قال لا أقربك حتى يشاء أبوك أو أمك أو أحد من أهلك وكذلك إن قال حتى تشائي أو حتى أشاء أو حتى يبدو لي أو حتى أرى رأيي (قال الشافعي): وكذلك إن قال والله لا أقربك بمكة أو بالمدينة أو حتى أخرج من مكة أو المدينة أو لا أقربك إلا ببلد كذا أو لا أقربك إلا في البحر أو لا أقربك على فراشي أو لا أقربك على سرير أو ما أشبه هذا لأنه لا يقدر على أن يقربها على غير ما وصفت ببلد غير البلد الذي حلف أن لا يقربها فيه ويخرجها من البلد الذي حلف لا يقربها فيه ويقربها في حال غير الحال التي حلف لا يقربها فيها ولا يقال له أخرجها من هذا البلد الذي حلفت لا تقربها فيه قبل أربعة أشهر إذا جعلته ليس بمول لم أحكم عليه حكم الإيلاء، وكذلك لو قال والله لا أقربك حتى أريد أو حتى أشتهي لم يكن موليا أقول به أرد أو أشته، وإن قال والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك لم يكن موليا لأنها قد تفطمه قبل أربعة أشهر إلا أن يريد لا أقربك أكثر من أربعة أشهر.
وإن قال والله لا أقربك حتى أفعل أو تفعلي أمرا لا يقدر واحد منهما على فعله بحال كان موليا، وذلك مثل أن يقول والله لا أقربك حتى أحمل الجبل كما هو أو الأسطوانة كما هي أو تحمليه أنت أو تطيري أو أطير أو ما لا يقدر واحد منهما على فعله بحال أو تحبلي وتلدي في يومي هذا، ولو قال لامرأته والله لا أقربك إلا ببلد كذا وكذا لا يقدر على أن يقربها بتلك البلدة بحال إلا بعد أربعة أشهر كان موليا يوقف بعد الأربعة الأشهر، ولو قال والله لا أقربك حتى تحبلي وهي ممن يحل مثلها بحال لم يكن موليا لأنها قد تحبل ولو قال والله لا أقربك إلا في سفينة في البحر لم يكن موليا لأنه يقدر على أن يقربها في سفينة في البحر.
الإيلاء من نسوة ومن واحدة بالأيمان
(قال الشافعي): وإذا قال الرجل لأربع نسوة له والله لا أقربكن فهو مول منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن فإذا أصاب واحدة أو اثنتين أو ثلاثا خرج من حكم الإيلاء فيهن، وعليه للباقية أن يوقف حتى يفيء أو يطلق ولا حنث عليه حتى يصيب الأربع اللاتي حلف عليهن كلهن، فإذا فعل فعليه كفارة يمين، ويطأ منهن ثلاثا ولا يحنث فيهن ولا إيلاء عليه فيهن؛ ويكون حينئذ في الرابعة موليا لأنه يحنث بوطئها؛ ولو ماتت إحداهن سقط عنه الإيلاء لأنه يجامع البواقي ولا يحنث ولو طلق واحدة منهن أو اثنتين أو ثلاثا كان موليا بحاله في البواقي لأنه لو جامعهن والتي طلق حنث (قال): ولو آلى رجل من امرأته ثم طلقها ثم جامعها بعد الطلاق حنث.
وكذلك لو آلى من أجنبية ثم جامعها حنث باليمين مع المأثم بالزنا وإن نكحها بعد خرج من حكم الإيلاء (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو قال لأربع نسوة له والله لا أقرب واحدة منكن وهو يريدهن كلهن فأصاب واحدة حنث وسقط عنه حكم الإيلاء في
البواقي ولو لم يقرب واحدة منهن كان موليا منهن يوقف لهن فأي واحدة أصاب منهن خرج من حكم الإيلاء في البواقي لأنه قد حنث بإصابة واحدة فإذا حنث مرة لم يعد الحنث عليه، ولو قال والله لا أقرب واحدة منكن يعني واحدة دون غيرها فهو مول من التي حلف لا يقربها وغير مول من غيرها.التوقيف في الإيلاء
(قال الشافعي): وإذا آلى الرجل من امرأته لا يقربها فذلك على الأبد وإذا مضت أربعة أشهر فطلبت أن يوقف لها وقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق، وإن لم تطلب لم أعرض لا لها ولا له، وإن قالت قد تركت الطلب ثم طلبت أو عفوت ذلك أو لا أقول فيه شيئا ثم طلبت كان لها ذلك لأنها تركت ما لم يجب لها في حال دون حال فلها أن تطلبه بعد الترك، وإن طلبته قبل أربعة أشهر لم يكن لها وإن كانت مغلوبة على عقلها أو أمة فطلبه ولي المغلوبة على عقلها أو سيد الأمة فليس ذلك لواحد منهما ولا يكون الطلب إلا للمرأة نفسها، ولو عفاه سيد الأمة فطلبته كان ذلك لها دونه (قال الشافعي): وكل من حلف مول على يوم حلف أو أقل أو أكثر ولا نحكم بالوقف في الإيلاء إلا على من حلف على يمين يجاوز فيها أربعة أشهر فأما من حلف على أربعة أشهر أو أقل فلا يلزمه حكم الإيلاء لأن وقت الوقف يأتي وهو خارج من اليمين.
وإنما قولنا ليس بمول في الموضع الذي لزمته فيه اليمين ليس عليه حكم الإيلاء (قال الشافعي): ومن حلف بعتق رقيقه أن لا يقرب امرأته على الأبد فمات رقيقه أو أعتقهم خرج من حكم الإيلاء لأنه لم يبق عليه شيء يحنث به ولو باعهم خرج من حكم الإيلاء ما كانوا خارجين من ملكه فإذا عادوا إلى ملكه فهو مول لأنه يحنث لو جامعها (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه لو باع رقيقه ثم اشتراهم كان هذا ملكا حادثا ولا يحنث فيهم وهو أحب إلي (قال الشافعي): ولو حلف بطلاق امرأته أن لا يقرب امرأة له أخرى فماتت التي حلف بطلاقها أو طلقها ثلاثا خرج من حكم الإيلاء لأنه لا يحنث بطلاقها في هذه اليمين أبدا ولو طلقها كان خارجا من حكم الإيلاء ما لم تكن زوجته ولا عليها رجعة، وإذا كانت أقل من الثلاث وله عليها الرجعة أو نكحها بعد البينونة من واحدة أو اثنتين بالخروج من العدة أو الخلع فهو مول (قال الربيع) وللشافعي قول آخر في مثل هذا أنها إذا خرجت من العدة من طلاق بواحدة أو اثنتين أو خالعها فملكت نفسها ثم تزوجها ثانية كان هذا النكاح غير النكاح الأول ولا حنث ولا إيلاء عليه (قال الشافعي): ومن حلف أن لا يقرب امرأته أكثر من أربعة أشهر فتركته امرأته فلم تطلبه حتى مضى الوقت الذي حلف عليه فقد خرج من حكم الإيلاء لأن اليمين ساقطة عنه (قال): ولو قال لامرأة إذا تزوجتك فوالله لا أقربك لم يكن موليا فإذا قربها كفر، ولو قال لامرأته إذا كان غد فوالله لا أقربك أو إذا قدم فلان فوالله لا أقربك فهو مول من غد ومن يوم يقدم فلان.
وإن قال إن أصبتك فوالله لا أصيبك لم يكن موليا حين حلف لأن له أن يصيبها مرة بلا حنث فإذا أصابها مرة وكان موليا وإذا قال والله لا أصيبك سنة إلا مرة لم يكن موليا من قبل أن له أن يصيبها مرة بلا حنث.
فإذا أصابها مرة كان موليا (قال الربيع) إن كان بقي من يوم أصابها من مدة يمينه أكثر من أربعة أشهر فهو مول وإن لم يكن بقي عليه أكثر من أربعة أشهر سقط الإيلاء عنه (قال الشافعي): وإذا قال والله لا أصيبك إلا إصابة سوء وإصابة ردية فإن نوى أن لا يغيب الحشفة في ذلك منها فهو مول.
وإن أراد قليلة أو ضعيفة لم يكن موليا.
وإن أراد أن لا يصيبها إلا في دبرها فهو مول.
لأن الإصابة الحلال
للطاهر في الفرج.
ولا يجوز في الدبر ولو قال والله لا أصيبك في دبرك أبدا لم يكن موليا وكان مطيعا بتركه إصابتها في دبرها.
ولو قال والله لا أصيبك إلى يوم القيامة أو لا أصيبك حتى يخرج الدجال أو حتى ينزل عيسى ابن مريم فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يكون شيء مما حلف عليه وقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق (قال الربيع) وإذا قال والله لا أقربك حتى أموت أو تموتي كان موليا من ساعته وكان كقوله: والله لا أقربك أبدا لأنه إذا مات قبل أن يقربها أو ماتت لم يقدر أن يقربها (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال الإيلاء أن يحلف بالله على الجماع نفسه وذلك أن يحلف لا يمسها فأما أن يقول لا أمسك ولا يحلف أو يقول قولا غليظا ثم يهجرها فليس ذلك بإيلاء (قال الشافعي): أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه في الإيلاء أن يحلف لا يمسها أبدا أو ستة أشهر أو أقل أو أكثر ونحو ذلك مما زاد على الأربعة الأشهر.
من يلزمه الإيلاء من الأزواج
(قال الشافعي): ويلزم الإيلاء كل من إذا طلق لزمه الطلاق ممن تجب عليه الفرائض وذلك كل زوج بالغ غير مغلوب على عقله وسواء في ذلك الحر والعبد ومن لم تكمل فيه الحرية والذمي والمشرك غير الذمي رضيا بحكمنا.
وإنما سويت بين العبد والحر فيه أن الإيلاء يمين جعل الله تبارك وتعالى لها وقتا دل جل ثناؤه على أن على الزوج إذا مضى الوقت أن يفيء أو يطلق فكان العبد والحر في اليمين سواء.
وكذلك يكونان في وقت اليمين وإنما جعلتها على الذمي والمشرك إذا تحاكما إلينا أن ليس لأحد أن يحكم بغير حكم الإسلام وأن الإيلاء يمين يقع بها طلاق أو فيئة في وقت فألزمناهموها (قال الشافعي): وكفارة العبد في الحنث الصوم ولا يجزئه غيره وإذا كان الزوج ممن لا فرض عليه وذلك الصبي غير البالغ والمغلوب على عقله بأي وجه كانت الغلبة إلا السكران فلا إيلاء عليه ولا حنث لأن الفرائض عنه ساقطة وإذا آلى السكران من الخمر والشراب المسكر لزمه الإيلاء لأن الفرائض له لازمة لا تزول عنه بالسكر وإن كان المغلوب على عقله يجن ويفيق فآلى في حال إفاقته لزمه الإيلاء وإن آلى في حال جنونه لم يلزمه.
وإن قالت المرأة آليت مني صحيحا وقال الزوج ما آليت منك وإن كنت فعلت فإنما آليت مغلوبا على عقلي فالقول قوله مع يمينه.
وإذا كان لا يعرف له جنون فقالت آليت مني فقال آليت منك وأنا مجنون فالقول قولها وعليه البينة إذا لم يعلم ذهاب عقله في وقت يجوز أن يكون موليا فيه في وقت دعواها ولو اختلفا فقالت قد آليت مني وقال لم أول أو قالت قد آليت ومضت أربعة أشهر وقال قد آليت وما مضى إلا يوم أو أقل أو أكثر كان القول في ذلك قوله مع يمينه وعليها البينة، وإذا قامت البينة فهو مول من يوم وقتت بينتها.
ولو قامت له بينة بإيلاء وقتوا فيه غير وقتها كان موليا ببينتها وبينته وليس هذا اختلافا إنما هذا مول إيلاءين (قال الشافعي): ولا يلزم الإيلاء إلا زوجا صحيح النكاح فأما فاسد النكاح فلا يلزمه إيلاء.
ولا يلزم الإيلاء إلا زوجة ثابتة النكاح أو مطلقة له وعليها رجعة في العدة فإنها في حكم الأزواج فأما مطلقة لا رجعة له عليها في العدة فلا يلزمه إيلاء منها وإن آلى في العدة وكذلك لا يلزمه إيلاء من مطلقة يملك رجعتها إذا كان إيلاؤه منها بعد مضي العدة لأنها ليست في معاني الأزواج إذا مضت عدتها (قال الشافعي): - رحمه الله -: والإيلاء من كل زوجة مسلمة أو ذمية أو أمة
سواء لا يختلف في شيء.
الوقف
(قال الشافعي): وإذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر وقف وقيل له إن فئت وإلا فطلق والفيئة الجماع إلا من عذر.
ولو جامع في الأربعة الأشهر خرج من حكم الإيلاء وكفر عن يمينه، فإن قال أجلني في الجماع لم أؤجله أكثر من يوم فإن جامع فقد خرج من حكم الإيلاء وعليه الحنث في يمينه فإن كان لها كفارة كفر وإن قال أنا أفيء فأجلني أكثر من يوم لم أؤجله ولا يتبين لي أن أؤجله ثلاثا.
ولو قاله قائل كان مذهبا فإن فاء وإلا قلت له طلق فإن طلق لزمه الطلاق وإن لم يطلق طلق عليه السلطان واحدة.
وكذلك إن قال أنا أقدر على الجماع ولا أفيء طلق عليه السلطان واحدة.
فإن طلق عليه أكثر من واحدة كان ما زاد عليها باطلا.
سواء لا يختلف في شيء.
الوقف
(قال الشافعي): وإذا آلى الرجل من امرأته فمضت أربعة أشهر وقف وقيل له إن فئت وإلا فطلق والفيئة الجماع إلا من عذر.
ولو جامع في الأربعة الأشهر خرج من حكم الإيلاء وكفر عن يمينه، فإن قال أجلني في الجماع لم أؤجله أكثر من يوم فإن جامع فقد خرج من حكم الإيلاء وعليه الحنث في يمينه فإن كان لها كفارة كفر وإن قال أنا أفيء فأجلني أكثر من يوم لم أؤجله ولا يتبين لي أن أؤجله ثلاثا.
ولو قاله قائل كان مذهبا فإن فاء وإلا قلت له طلق فإن طلق لزمه الطلاق وإن لم يطلق طلق عليه السلطان واحدة.
وكذلك إن قال أنا أقدر على الجماع ولا أفيء طلق عليه السلطان واحدة.
فإن طلق عليه أكثر من واحدة كان ما زاد عليها باطلا.
وإنما جعلت له أن يطلق عليه واحدة لأنه كان على المولى أن يفيء أو يطلق فإذا كان الحاكم لا يقدر على الفيئة إلا به فإذا امتنع قدر على الطلاق عليه ولزمه حكم الطلاق كما نأخذ منه كل شيء وجب عليه أن يعطيه من حد وقصاص ومال وبيع وغيره إذا امتنع من أن يعطيه وكما يشهد على طلاقه فيطلق عليه وهو ممتنع من الطلاق جاحد له (قال): وإن قال أنا أصبتها ثم جب قبل أربعة أشهر فلها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه.
وإن قال أنا أصبتها فعرض له مكانه مرض يمنع الإصابة قلنا فئ بلسانك ومتى أمكنك أن تصيبها وقفناك فإن أصبتها وإلا فرقنا بينك وبينها.
ولو كان المرض عارضا لها حتى لا يقدر
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (230)
صــــــــــ 290 الى صـــــــــــ 295
ولو كان المرض عارضا لها حتى لا يقدر على أن يجامع مثلها لم يكن عليه سبيل ما كانت مريضة فإذا قدر على جماع مثلها وقفناه حتى يفيء أو يطلق (قال): ولو وقفناه فحاضت لم يكن عليه شيء حتى تطهر فإذا طهرت قيل له أصب أو طلق (قال): ولو أنها سألت الوقف فوقف فهربت منه أو أقرت بالامتناع منه لم يكن عليه الإيلاء حتى تحضر وتخلي بينه وبين نفسها فإذا فعلت فإذا فاء وإلا طلق أو طلق عليه، ولو أنها طلبت الوقف فوقف لها فأحرمت مكانها بإذنه أو بغير إذنه فلم يأمرها بإحلال لم يكن عليه طلاق حتى تحل ثم يوقف فإما أن يفيء وإما أن يطلق، وهكذا لو ارتدت عن الإسلام لم يكن عليه طلاق حتى ترجع إلى الإسلام في العدة فإذا رجعت قيل له فئ أو طلق وإن لم ترجع حتى تنقضي العدة بانت منه بالردة ومضي العدة (قال): وإذا كان منع الجماع من قبلها بعد مضي الأربعة الأشهر قبل الوقف أو معه لم يكن لها على الزوج سبيل حتى يذهب منع الجماع من قبلها ثم يوقف مكانه لأن الأربعة الأشهر قد مضت وإذا كان منع الجماع من قبلها في الأربعة الأشهر بشيء تحدثه غير الحيض الذي خلقه الله عز وجل فيها ثم أبيح الجماع من قبلها أجل من يوم أبيح أربعة أشهر كما جعل الله تبارك وتعالى له أربعة أشهر متتابعة فإذا لم تكمل له حتى يمضي حكمها استؤنفت له متتابعة كما جعلت له أولا (قال): ولو كان آلى منها ثم ارتد عن الإسلام في الأربعة الأشهر أو ارتدت أو طلقها أو خالعها ثم راجعها أو رجع المرتد منهما إلى الإسلام في العدة استأنف في هذه الحالات كلها أربعة أشهر من يوم حل له الفرج بالمراجعة أو النكاح أو رجوع المرتد منهما إلى الإسلام ولا يشبه هذا الباب الأول لأنها في هذا الباب صارت محرمة كالأجنبية الشعر والنظر والجس والجماع وفي تلك الأحوال لم تكن محرمة بشيء غير الجماع وحده.
فأما الشعر والنظر والجس فلم يحرم منها وهكذا لو ارتدا معا (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو آلى من امرأته ثم طلق إحدى نسائه في الأربعة الأشهر ولم يدر أيتهن طلق فمضت أربعة
أشهر فطلبت أن يوقف فقال هي التي طلقت حلف للبواقي وكانت التي طلق ومتى راجعها فمضت أربعة أشهر وقفته أبدا حتى يمضي طلاق الملك كما وصفت، ولو مضت الأربعة الأشهر ثم طلبت أن يوقف فقال لا أدري أهي التي طلقت أم غيرها.
قيل له إن قلت هي التي طلقت فهي طالق وإن قلت ليست هي حلفت لها إن ادعت الطلاق ثم فئت أو طلقت وإن قلت: لا أدري فأنت أدخلت منع الجماع على نفسك فإن طلقتها فهي طالق وإن لم تطلقها وحلفت أنها ليست التي طلقت أو صدقتك هي ففئ أو طلق وإن أبيت ذلك كله طلق عليك بالإيلاء لأنها زوجة مولى منها عليك أن تفيء إليها أو تطلقها.
فإن قلت لا أدري لعلها حرمت عليك فلم تحرم بذلك عليك تحريما يبينها عليك وأنت مانع الفيئة والطلاق فتطلق عليك.
فإن قامت بينة أنها التي طلقت عليك قبل طلاق الإيلاء سقط طلاق الإيلاء.
وإن لم تقم بينة لزمك طلاق الإيلاء وطلاق الإقرار معا.
ثم هكذا البواقي (قال): وإذا آلى وبينه وبين امرأته أكثر من أربعة أشهر فطلبت ذلك امرأته أو وكيل لها أمر بالفيء بلسانه والمسير إليها كما يمكنه وقيل فإن فعلت وإلا فطلق (قال): وأقل ما يصير به فائيا أن يجامعها حتى تغيب الحشفة.
وإن جامعها محرمة أو حائضا أو هو محرم أو صائم خرج من الإيلاء وأثم بالجماع في هذه الأحوال.
ولو آلى منها ثم جن فأصابها في حال جنونه أو جنت فأصابها في حال جنونها خرج من الإيلاء.
وكفر إذا أصابها وهو صحيح وهي مجنونة ولم يكفر إذا أصابها وهو مجنون لأن القلم عنه مرفوع في تلك الحال.
ولو أصابها وهي نائمة أو مغمى عليها خرج من الإيلاء وكفر (قال): وكذلك إذا أصابها أحلها لزوجها وأحصنها وإنما كان فعله فعلا بها لأنه يوجب لها المهر بالإصابة وإن كانت هي لا تعقل الإصابة فلزمها بهذا الحكم وأنه حق لها أداه إليها في الإيلاء كما يكون لو أدى إليها حقا في مال أو غيره برئ منه.
طلاق المولي قبل الوقف وبعده
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا أوقف المولي فطلق واحدة أو امتنع من الفيء بلا عذر فطلق عليه الحاكم واحدة فالتطليقة تطليقة يملك فيها الزوج الرجعة في العدة وإن راجعها في العدة فالرجعة ثابتة عليه والإيلاء قائم بحال ويؤجل أربعة أشهر من يوم راجعها وذلك يوم يحل له فرجها بعد تحريمه فإن مضت أربعة أشهر وقف لها فإن طلقها أو امتنع من الفيئة من غير عذر فطلق عليه فالطلاق يملك الرجعة.
وإن راجعها وهي في العدة فالرجعة ثابتة عليه فإن مضت أربعة أشهر من يوم راجعها وقف فإن طلق أو لم يفئ فطلق عليه فقد مضى الطلاق ثلاثا وسقط حكم الإيلاء فإن نكحت زوجا آخر وعادت إليه بنكاح بعد زوج لم يكن عليه حكم الإيلاء ومتى أصابها كفر.
(قال الشافعي): وهذا معنى القرآن لا يخالفه لأن الله تعالى جعل له إذا امتنع من الجماع بيمين أجل أربعة أشهر فلما طلق الأولى وراجع كانت اليمين قائمة كما كانت أولا فلم يجز أن يجعل له أجلا إلا ما جعل الله عز وجل له ثم هكذا في الثانية والثالثة.
وهكذا لو آلى منها ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها في العدة ما كانت لم تصر أولى بنفسها منه (قال): وإذا طلقها فكانت أملك بنفسها منه بأن تنقضي عدتها أو يخالعها أو يولي منها قبل أن يدخل بها ثم يطلقها.
فإذا فعل هذا ثم نكحها نكاحا جديدا بعد العدة أو قبلها سقط حكم الإيلاء عنه وإنما سقط حكم الإيلاء عنه بأنها قد صارت لو طلقها لم يقع عليها طلاقه، ولا يجوز أن يكون عليه حكم الإيلاء وهو لو أوقع الطلاق لم يقع.
وكذلك يكون بعد لو طلقها ثلاثا بهذه العلة ولو جاز أن تبين امرأة المولي منه حتى تصير أملك بنفسها منه ثم ينكحها فيعود عليه حكم الإيلاء إذا
نكحها جاز هذا بعد طلاق الثلاث وزوج غيره لأن اليمين قائمة بعينها يكفر إذا أصابها وكانت قائمة قبل الزوج.
وهكذا الظهار مثل الإيلاء لا يختلفان (قال الربيع) والقول الثاني أنه يعود عليه الإيلاء ما بقي من طلاق الثلاث شيء (قال الشافعي): وإذا بانت امرأة المتظهر منه ولم يحبسها بعد الظهار ساعة ثم نكحها نكاحا جديدا
لم يعد عليه التظهر لأنه لم يلزمه في الملك الذي تظهر منها كفارة ولو حبسها بعد التظهر ساعة ثم بانت منه لزمه التظهر لأنه قد عاد لما قال.
وكذلك لو ماتت في الوجهين معا (قال الشافعي): وإنما جعلت عليه الكفارة لأنها يمين لزمته.
ألا ترى أنه لو حلف لا يصيب غير امرأته فأصابها كانت عليه كفارة مع المأثم بالزنا.
إيلاء الحر من الأمة والعبد من امرأته وأهل الذمة والمشركين
(قال الشافعي): وإيلاء الحر من امرأته الأمة والحرة سواء فإن آلى من امرأته وهي أمة ثم اشتراها سقط الإيلاء بانفساخ النكاح فإن خرجت من ملكه ثم نكحها أمة أو حرة لم يعد الإيلاء لأن ملكه هذا غير الملك الذي آلى فيه وهكذا العبد يولي من امرأته حرة أو أمة فتملكه سقط بانفساخ النكاح فإن عتق فنكحها أو خرج من ملكها فنكحها لم يعد الإيلاء ولو أن الحر المشتري لامرأته الأمة بعد الإيلاء منها أصابها بالملك كفر إذا كانت يمينه والله لا أقربك وإن لم يصبها لم يكن عليه وقف إذا كانت إصابته بالملك كما لو آلى من أمته لم يكن موليا لأن الله تبارك وتعالى إنما جعل الإيلاء من الأزواج فإن خرجت من ملكه ثم نكحها لم يعد عليه الإيلاء لأنه قد حنث به مرة ولو كان قد قال لها والله لا أقربك وأنت زوجة لي ثم ملكها فأصابها بالملك لم يحنث ومتى نكحها نكاحا جديدا غير النكاح الذي آلى فيه لم يعد عليه الإيلاء، وهكذا العبد يولي من امرأته ثم تملكه ثم ينكحها، وهكذا لو كانت امرأة أحدهما أمة فارتدت فانفسخ النكاح ثم نكحته بعد لا يعود الإيلاء إذا حرم عليه نكاحها لأن هذا غير النكاح الذي آلى منه (قال): وإذا حلف العبد بالله أو بما لزمه فيه يمين من تبرر كان موليا، وإن حلف بكل شيء له في سبيل الله أو بعتق مماليكه أو صدقة شيء من ماله لم يكن موليا لأنه لا يملك شيئا وكذلك المدبر والمكاتب، ولو حلف المعتق بعضه بصدقة شيء من ماله لزمه الإيلاء لأن له ما كسب في يومه (قال الشافعي): والذمي كالمسلم فيما يلزمه من الإيلاء إذا حاكم إلينا لأن الإيلاء يمين يلزمه وطلاقه كطلاق المسلم وكذلك يلزمه من اليمين ما يلزم المسلمين.
ألا ترى أنه لو أعتق عبده أو أصاب امرأته ألزمناه الإيلاء لأن العتق حق لغيره وإن لم يؤجر فيه وإن أعتق عبده تبررا ألزمناه وإن لم يؤجر فيه في حاله تلك فكذلك ما سواه وفرض الله عز وجل على العباد واحد.
فإن قيل هو إن تصدق على المساكين لم يكفر عنه؟ قيل: وهكذا إن حد في زنا لم يكفر بالحد عنه والحدود للمسلمين كفارة للذنوب ونحن نحده إذا زنى وأتانا راضيا بحكمنا، وحكم الله عز وجل على العباد واحد وإنما حددناه لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا بما أمره الله تعالى به أن يحكم بينهم بما أنزل الله.
الإيلاء بالألسنة
(قال الشافعي): إذا كان لسان الرجل غير لسان العرب فآلى بلسانه فهو مول، وإذا تكلم بلسانه بكلمة تحتمل الإيلاء وغيره كان كالعربي يتكلم بالكلمة وتحتمل معنيين ليس ظاهرهما الإيلاء فيسأل
فإن قال أردت الإيلاء فهو مول وإن قال لم أرد الإيلاء فالقول قوله مع يمينه إن طلبته امرأته وإن كان عربيا يتكلم بألسنة العجم أو بعضها فآلى فأي لسان منها آلى به فهو مول.
وإن قال لم أرد الإيلاء دين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في الحكم.
وإن كان عربيا لا يتكلم بأعجمية فتكلم بإيلاء ببعض ألسنة العجم فقال ما عرفت ما قلت وما أردت إيلاء فالقول قوله مع يمينه.
وليس حاله كحال الرجل يعرف بأنه يتكلم بلسان من ألسنة العجم ويعقله.
وهكذا الأعجمي يولي بالعربية إذا كان يعرف الإيلاء بالعربية لم يصدق في الحكم على أن يقول لم أرد إيلاء ولكن سبقني لساني لم يدن في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى.
إيلاء الخصي غير المجبوب والمجبوب
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا آلى الخصي غير المجبوب مع امرأته فهو كغير الخصي وهكذا لو كان مجبوبا قد بقي له ما يبلغ به من المرأة ما يبلغ الرجل حتى تغيب حشفته كان كغير الخصي في جميع أحكامه.
وإذا آلى الخصي المجبوب من امرأته قيل له فئ بلسانك لا شيء عليه غيره لأنه ممن لا يجامع مثله وإنما الفيء الجماع وهو ممن لا جماع عليه (قال): ولو تزوج رجل امرأة ثم آلى منها ثم خصي ولم يجب كان كالفحل ولو جب كان لها الخيار مكانها في المقام معه أو فراقه فإن اختارت المقام معه قيل له إذا طلبت الوقف ففء بلسانك لأنه ممن لا يجامع (قال الربيع) إن اختارت فراقه فالذي أعرف للشافعي أنه يفرق بينهما وإن اختارت المقام معه فالذي أعرف للشافعي أن امرأة العنين إذا اختارت المقام معه بعد الأجل أنه لا يكون لها خيار ثانية والمجبوب عندي مثله (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا آلى العنين من امرأته أجل سنة ثم خيرت إلا أن يطلقها عند الأربعة الأشهر فإن طلقها ثم راجعها في العدة عاد الإيلاء عليه وخيرت عند السنة في المقام معه أو فراقه.
إيلاء الرجل مرارا
(قال الشافعي): وإذا آلى الرجل من امرأته فلما مضى شهران أو أكثر أو أقل آلى منها مرة أخرى وقف عند الأربعة الأشهر الأولى فإما أن يفيء وإما أن يطلق فإن فاء حنث في اليمين الأولى واليمين الثانية ولم يعد عليه الإيلاء لأنه قد حنث في اليمينين معا وإن أراد باليمين الثانية الأولى فكفارة واحدة وإن أراد يمينا عليه غيرها فأحب إلي أن لو يكفر كفارتين وقد قيل كفارة واحدة تجزئه لأنهما يمينان في شيء واحد.
وهكذا لو آلى منها فلما مضت أربعة أشهر آلى ثانية قبل يوقف أو يطلق ولكنه لو آلى فوقف فطلق طلاقا يملك الرجعة ثم آلى في العدة ثم ارتجع أو فاء ثم آلى إيلاء آخر كان عليه إيلاء مستقبل (قال): وإذا آلى الرجل من امرأته فحيل بينه وبينها بأمر ليس من قبله قبل أن يكمل أربعة أشهر ثم قدر عليها استؤنف له أربعة أشهر كما جعل الله عز وجل له أربعة أشهر متتابعة فإذا لم يتكمل له حتى يمضي حكمها استؤنفت له متتابعة كما جعلت له أولا.
وذلك مثل أن تحبس فلا يقدر عليها.
ومثل أن يكون آلى منها صبية لا يقدر على جماعها بحال أو مضناة من مرض لا يقدر على جماعها بحال وإذا صارتا في حد من يجامع مثله وقف لهما بعد أربعة أشهر من يوم يقدر على جماعهما فإن فاء وإلا طلق وإن أبى طلق عليه
قال) وإن كانت مريضة يقدر على جماعها بحال أو صبية يجامع مثلها فهي كالصحيحة البالغ، وسواء آلى من بكر أو ثيب ولا فيئة في البكر إلا بذهاب العذرة ولا في الثيب إلا بمغيب الحشفة، وإذا كان الحبس عن الجماع في الأربعة الأشهر لا بسبب المرأة ولا منها ولا أنها حرمت عليه كما تحرم الأجنبية إلا بحال يحدثها فالإيلاء له لازم ولا يزاد على أربعة أشهر شيئا فإذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق أو يفيء فيء جماع أو فيء معذور وذلك مثل أن يؤلي فيمرض هو أربعة أشهر فإذا مضت وقف فإن كان يقدر على الجماع بحال فلا فيء له إلا فيء الجماع وإن كان لا يقدر عليه فاء بلسانه ومثل أن يؤلي فيحبس أو يؤلي وهو محبوس فإذا مضت أربعة أشهر وهو يقدر على الجماع بحال فاء أو طلق وإن لم يقدر على الجماع بحال للحبس فاء بلسانه (قال الشافعي): - رحمه الله -: ومن قلت له فئ بلسانك فإذا قدر على الجماع بحال وقفته مكانه فإن فاء وإلا طلق أو طلق عليه ولا أؤجله إلى أجل الصحيح إذا وقفته بعد أربعة أشهر (قال): وإذا آلى فغلب على عقله فإذا مضت أربعة أشهر لم يوقف حتى يرجع إليه عقله فإن عقل بعد الأربعة الأشهر وقف مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق، وإذا آلى الرجل من امرأته ثم أحرم قيل له إذا مضت أربعة أشهر فإن فئت فسد إحرامك وخرجت من حكم الإيلاء وإن لم تفئ طلق عليك لأنك أحدثت منع الجماع وإن آلى ثم تظاهر وهو يجد الكفارة فإذا مضت أربعة أشهر وقف فقيل له أنت أدخلت منع الجماع على نفسك فإن فئت فأنت عاص بالإصابة وأنت متظاهر وليس لك أن تطأ قبل الكفارة وإن لم تفئ فطلق أو يطلق عليك، وهكذا لو تظاهر ثم آلى لأن ذلك كله جاء منه لا منها ولم تحرم عليه بالظهار حرمة الأجنبية.
اختلاف الزوجين في الإصابة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا وقفنا المولي فقال قد أصبتها وقالت لم يصبني فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه لأنها تدعي ما تكون به الفرقة التي هي إليه وإن كانت بكرا أريها النساء فإن قلن هي بكر فالقول قولها مع يمينها، وإذا قالت قد أصابني وإنما أدخله بيده حتى غيب الحشفة فذلك فيء إن صدقها (قال الربيع) وإن غلبته على نفسه حتى أدخلته بيدها فقد فاء وسقط عنه الإيلاء ولا كفارة عليه لأنه مكره (قال الشافعي): وإن وقف لأنها سألت وقفه فادعى إصابتها في الأربعة الأشهر وأنكرت فالقول فيها كالقول إذا وقفناه بعد أربعة أشهر يصدق إن كانت ثيبا وتصدق هي إن كانت بكرا.
من يجب عليه الظهار ومن لا يجب عليه
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور} (قال الشافعي): فكل زوج جاز طلاقه وجرى عليه الحكم من بالغ غير مغلوب على عقله وقع عليه الظهار سواء كان حرا أو عبدا أو من لم تكمل فيه الحرية أو ذميا من قبل أن أصل الظهار كان طلاق الجاهلية فحكم الله تعالى فيه بالكفارة فحرم الجماع على المتظاهر بتحريمه للظهار حتى
يكفر وكل هؤلاء ممن يلزمه الطلاق ويحرم عليه الجماع بتحريمه إذا كانوا بالغين غير مغلوبين على عقولهم (قال): وظهار كل واحد من هؤلاء يقع على زوجته دخل بها أو لم يدخل بها صغيرة كانت أو كبيرة يحل جماعها ويقدر عليه أو لا يحل ولا يقدر عليه بأن تكون حائضا أو محرمة أو رتقاء أو صغيرة لا يجامع مثلها أو خارجة من هذا كله (قال): ولو تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فسد النكاح والظهار بحاله لا يقربها حتى يكفر من قبل أن الظهار لزمه وهي زوجة؛ وإذا تظاهر السكران لزمه الظهار.
فأما المغلوب على عقله بغير سكر فلا يلزمه، وإذا تظاهر الأخرس وهو يعقل الإشارة أو الكتابة لزمه الظهار، وإذا تظاهر من امرأته ثم قال لامرأة له أخرى قد أشركتك معها أو قال أنت مثلها أو ما أشبه هذا يريد به الظهار فإن عليه فيها مثل ما عليه في التي تظاهر منها وهو ظهار، فإن لم يرد به ظهارا ولا تحريما فليس بظهار ولا شيء عليه وإذا قال لامرأة له أنت علي كظهر أمي إن شاء الله فليس بظهار، ولو قال إن شاء الله فلان فليس بظهار حتى يعلم أن فلانا قد شاء، وإذا تظاهر الرجل من امرأته ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو متظاهر ولا إيلاء عليه يوقف له لأن الله تعالى قد حكم في الظهار غير حكمه في الإيلاء فلا يكون المتظاهر موليا ولا المولي متظاهرا بأحد القولين ولا يكون عليه بأحدهما إلا أيهما جعل على نفسه لأنه مطيع لله تعالى بترك الجماع في الظهار عاص لو جامع قبل أن يكفر وعاص بالإيلاء، وسواء كان مضارا بالظهار أو غير مضار إلا أنه يأثم بالضرار كما يأثم لو آلى أقل من أربعة أشهر يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء بالضرار ويأثم لو تركها الدهر بلا يمين يريد ضرارا ولا يحكم عليه حكم الإيلاء ولا يحال حكم عما أنزل الله تبارك وتعالى فيه.
الظهار
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} (قال الشافعي): سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة الظهار والإيلاء والطلاق فأقر الله تعالى الطلاق طلاقا وحكم في الإيلاء بأن أمهل الموالي أربعة أشهر ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق وحكم في الظهار بالكفارة فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها أو يريد تحريمها بلا طلاق فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر وكذلك إن تكلم بالظهار ولا ينوي شيئا فهو متظاهر لأنه متكلم بالظهار ويلزم الظهار من لزمه الطلاق ويسقط عمن سقط عنه وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل بها فهو متظاهر وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتيه فكان يملك رجعة إحداهما ولا يملك رجعة الأخرى فتظاهر منهما في كلمة واحدة لزمه الظهار من التي يملك رجعتها ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها (قال الشافعي): وإذا تظاهر من أمته أم ولد كانت أو غير أم ولد لم يلزمه الظهار لأن الله عز وجل يقول {والذين يظاهرون من نسائهم} وليست من نسائه ولا يلزمه الإيلاء ولا الطلاق فيما لا يلزمه الظهار وكذلك قال الله تبارك وتعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} فلو آلى من أمته لم يلزمه الإيلاء، وكذلك قال {والذين يرمون أزواجهم} وليست من الأزواج فلو رماها لم يلتعن لأنا عقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا وإنما نساؤنا أزواجنا ولو جاز أن يلزم واحدا من هذه الأحكام لزمها كلها لأن ذكر الله عز وجل لها واحد.
ما يكون ظهارا وما لا يكون
(قال الشافعي): - رحمه الله -: والظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي فإذا قال لها أنت مني كظهر أمي أو أنت معي أو ما أشبه هذا كظهر أمي فهو ظهار، وكذلك لو قال لها فرجك أو رأسك أو بدنك أو ظهرك أو جلدك أو يدك أو رجلك علي كظهر أمي كان هذا ظهارا، وكذلك لو قال أنت أو بدنك علي كظهر أمي أو كبدن أمي أو كرأس أمي أو كيدها أو كرجلها كان هذا ظهارا لأن التلذذ بكل أمه محرم عليه كتحريم التلذذ بظهرها (قال): وإذا قال لامرأته أنت علي كظهر أختي أو كظهر امرأة محرمة عليه من نسب أو رضاع قامت في ذلك مقام الأم.
أما الرحم فإن ما يحرم عليه من أمه يحرم عليه منها، وأما الرضاع فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - الرضاع مقام النسب فلم يجز أن يفرق بينهما (قال الربيع) معنى قول الشافعي إن الله عز وجل نسب الظهار إلى الأم فقال عز وجل من قائل {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم} فكل ما كان محرما على المرء كما تحرم الأم فظاهر من امرأته فنسبه إلى من تحرم عليه كحرمة الأم لزمه الظهار، ولك مثل أن يقول أنت علي كظهر أختي ولم تزل أخته محرمة عليه لم تحل له قط فكان بذلك متظاهرا قال الربيع فإن قال أنت علي كظهر أجنبية لم يكن مظاهرا من قبل أن الأجنبية وإن كانت في هذا الوقت محرمة فهي تحل له لو تزوجها والأم لم تكن حلالا قط له ولا تكون حلالا أبدا.
فإن قال أنت علي كظهر أختي من الرضاعة فإن كانت قد ولدت قبل أن ترضعه أمها فقد كانت قبل أن يكون الرضاع حلالا له ولا يكون مظاهرا بها وليست مثل الأخت من النسب التي لم تكن حلالا قط له وهذه قد كانت حلالا له قبل أن ترضعه أمها فإن كانت أمها قد أرضعته قبل أن تلدها فهذه لم تكن قط حلالا له في حين لأنها ولدتها بعد أن صار ابنها من الرضاعة (قال الربيع) وكذلك امرأة أبيه فإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر امرأة أبي.
فإن كان أبوه قد تزوجها قبل أن يولد فهو مظاهر من قبل أنها لم تكن له حلالا قط ولم يولد إلا وهي حرام عليه، وإن كان قد ولد قبل أن يتزوجها أبوه فقد كانت في حين حلالا له فلا يكون بها متظاهرا (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإن قال أنت علي كظهر امرأة أبي أو امرأة ابني أو امرأة رجل سماه أو امرأة لاعنها أو امرأة طلقها ثلاثا لم يكن ظهارا من قبل أن هؤلاء قد كن وهن يحللن له.
وإن قال أنت علي كظهر أبي أو ابني لم يكن ظهارا من قبل أن ما يقع على النساء من تحريم وتحليل لا يقع على الرجال (قال): وإن قالت امرأة رجل له أنت علي كظهر أبي أو أمي لم يكن ظهارا ولا عليها كفارة من قبل أنه ليس لها أن توقع التحريم على رجل إنما للرجل أن يوقعه عليها (قال الشافعي): ويلزم الظهار من الأزواج من لزمه الطلاق ويلزم بما يلزم به الطلاق من الحنث لأن فيه تحريما للمرأة حتى يكفر، فإذا قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فدخلت الدار كان متظاهرا حين دخلت.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (231)
صــــــــــ 296 الى صـــــــــــ 302
وكذلك إن قال إن قدم فلان أو نكحت فلانة ولو قال لامرأة لم ينكحها إذا نكحتك فأنت علي كظهر أمي فنكحها لم يكن متظاهرا لأنه لو قال في تلك الحال أنت علي كظهر أمي لم يكن متظاهرا لأنه إنما يقع التحريم من
النساء على من حل ثم حرم فأما من لم يحل فلا يقع عليه تحريم ولا حكم تحريم لأنه محرم فلا معنى للتحريم في التحريم لأنه في الحالين قبل التحريم وبعده محرم بتحريم (قال الشافعي): ويروى مثل معنى ما قلت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وغيرهم وهو القياس.
وإذا قال أنت علي كظهر أمي يريد طلاقا واحدا أو ثلاثا أو طلاقا بلا نية عدد لم يكن طلاقا لما وصفت من حكم الله عز وجل في الظهار وأن بينا في حكم الله تعالى أن ليس الظهار اسم الطلاق ولا ما يشبه الطلاق مما ليس لله تبارك وتعالى فيه نص حكم ولا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان خارجا من هذا مما يشبه الطلاق فإنما يكون قياسا على الطلاق إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق كظهر أمي يريد الظهار فهي طالق ولا ظهار عليه لأنه صرح بالطلاق ولم يكن لكظهر أمي معنى إلا أنك حرام بالطلاق وكظهر أمي محال لا معنى له فلزمه الطلاق وسقط الظهار وهكذا إن قال أنت علي حرام كظهر أمي يريد الطلاق فهو طلاق وإن لم يرد الطلاق فهو متظاهر.
وإن قال لامرأته أنت علي حرام كظهر أمي ثم قال لأخرى من نسائه قد أشركتك معها أو أنت كهي أو أنت شريكتها أو ما أشبه هذا لا يريد به ظهارا لم يلزمه ظهار لأنها تكون شريكتها ومعها ومثلها في أنها زوجة له كهي وعاصية له كهي ومطيعة له كهي وما أشبه هذا مما ليس بظهار (قال): وإذا تظاهر الرجل من أربع نسوة له بكلمة واحدة أو بكلام متفرق فسواء وعليه في كل واحدة منهن كفارة لأن التظاهر تحريم لكل واحدة منهن لا تحل له بعد حتى يكفر كما يطلقهن معا في كلمة واحدة أو بكلام متفرق فسواء وعليه في كل واحدة منهن كفارة لأن التظاهر تحريم لكل واحدة منهن لا تحل له بعد حتى يكفر كما يطلقهن معا في كلمة واحدة أو كلام متفرق فتكون كل واحدة منهن طالقا.
وإذا تظاهر الرجل من امرأته مرتين أو ثلاثا أو أكثر يريد بكل واحدة منهن ظهارا غير صاحبه قبل أن يكفر فعليه في كل تظاهر كفارة كما يكون عليه في كل تطليقة تطليقة لأن التظاهر طلاق جعل المخرج منه كفارة.
ولو قالها متتابعة فقال أردت ظهارا واحدا كان واحدا كما يكون لو أراد طلاقا واحدا وإبانة بكلمة واحدة.
وإذا تظاهر من امرأته ثم كفر ثم تظاهر منها مرة أخرى كفر مرة أخرى ولو قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانة امرأة له أخرى فأنت علي كظهر أمي فتظاهر منها كان من امرأته التي قال لها ذلك متظاهرا ولو قال لامرأته إذا تظاهرت من فلانة امرأة أجنبية فأنت علي كظهر أمي فتظاهر من الأجنبية لم يكن عليه ظهار لأن ذلك ليس بظهار.
وكذلك لو قال لها إذا طلقتها فأنت طالق فطلقها لم تكن امرأته طالقا لأنه طلق غير زوجته (قال): وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي أو عندي كأمي أو أنت مثل أمي أو أنت عدل أمي وأراد في الكرامة فلا ظهار وإن أراد ظهارا فهو ظهار وإن قال لا نية لي فليس بظهار.
متى نوجب على المظاهر الكفارة
(قال الشافعي): - رحمه الله -.
قال الله تبارك وتعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} {فتحرير رقبة} الآية (قال الشافعي): الذي علقت مما سمعت في {يعودون لما قالوا} أن المتظاهر حرم عليه مس امرأته بالظهار فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرم به ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به فقد وجب عليه كفارة الظهار كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرم على نفسه أنه حلال فقد عاد لما قال فخالفه فأحل ما حرم.
ولا أعلم له معنى أولى به من هذا ولم أعلم مخالفا في أن عليه كفارة الظهار وإن لم يعد بتظاهر آخر فلم يجز أن يقال لما لم أعلم مخالفا في أنه ليس بمعنى الآية.
وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها ولم
يطلقها فكفارة الظهار له لازمة.
ولو طلقها بعد ذلك أو لاعنها فحرمت عليه على الأبد لزمته كفارة الظهار.
وكذلك لو ماتت أو ارتدت فقتلت على الردة.
ومعنى قول الله تعالى {من قبل أن يتماسا} وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها قبل المماسة فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت لم تبطل الكفارة ولم يزد عليه فيها كما يقال له أد الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا فيذهب الوقت فيؤديها لأنها فرض عليه فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده ولا يقال له زد فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها (قال): وهكذا لو كانت امرأته معه فأصابها قبل أن يكفر واحدة من الكفارات أو كفر بالصوم فأصاب في ليل الصوم لم ينتقض صومه ومضى على الكفارة.
ولو تظاهر منها ثم مات مكانه أو ماتت مكانها قبل أن يمكنه أن يطلق لم يكن عليه ظهار، ولو تظاهر منها فأتبع التظاهر طلاقا تحل له بعده قبل زوج له عليها فيه الرجعة أو لا رجعة له لم يكن عليه بعد الطلاق كفارة لأنه أتبعها الطلاق مكانه فإن راجعها في العدة فعليه الكفارة في التي يملك رجعتها ولو طلقها ساعة نكحها لأن مراجعتها بعد الطلاق أكثر من حبسها بعد الظهار وهو يمكنه أن يطلقها.
ولو تظاهر منها ثم أتبعها طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم نكحها لم تكن عليه كفارة لأن هذا ملك غير الملك الأول الذي كان فيه الظهار.
ألا ترى أنه لو تظاهر منها بعد طلاق لا يملك فيه الرجعة لم يكن فيه متظاهرا.
ولو طلقها ثلاثا أو طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره سقط عنه الظهار، ولو نكحها بعد زوج لم يكن متظاهرا لما وصفت وبأن طلاق ذلك الملك قد مضى وحرمت ثم نكحها فكانت مستأنفة حكمها حكم من لم تنكح قط إذا سقط الطلاق سقط ما كان في حكمه وأقل من ظهار وإيلاء، ولو تظاهر منها ثم لاعنها مكانه بلا فصل كانت فرقة لها يفرق بينهما وسقط الظهار، ولو حبسها بعد الظهار قدر ما يمكنه اللعان فلم يلاعن كانت عليه كفارة الظهار لاعن أو لم لا يلاعن، وإذا تظاهر المسلم من امرأته، ثم ارتد أو ارتدت مع الظهار فإن عاد المرتد منهما إلى الإسلام في العدة فحبسها قدر ما يمكنه الطلاق لزمه الظهار وإن طلقها مع عودة المرتد منهما إلى الإسلام أو لم يعد المرتد منهما إلى الإسلام فلا ظهار عليه إلا أن يتناكحا قبل أن تبين منه بثلاث فيعود عليه الظهار، وإذا تظاهر الرجل من امرأته وهي أمة ثم عتقت فاختارت فراقه فالظهار لازم له لأنه حبسها بعد الظهار مدة يمكنه فيها الطلاق، ولو تظاهر منها وهي أمة فلم يكفر حتى اشتراها لم يكن له لأنه حبسها بعد الظهار مدة يمكنه فيها الطلاق، ولو تظاهر منها وهي أمة فلم يكفر حتى اشتراها لم يكن له أن يقربها حتى يكفر لأن كفارة الظهار لزمته وهي أمة زوجة، وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم يكن ظهارا وإن قال إن شاء فلان لم يكن ظهارا حتى يشاء فلان وكذلك إن شئت فلم تشأ فليس بظهار وإن شاءت فظهار، وإذا قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي والله لا أقربك أو قال والله لا أقربك وأنت علي كظهر أمي فهو مول متظاهر يؤمر بأن يكفر للظهار من ساعته ويقال له: إن قدمت الفيئة قبل الأربعة الأشهر فهو خير لك، وإن فئت كنت خارجا بها من حكم الإيلاء وعاصيا إن قدمتها قبل كفارة الظهار فإن أخرتها إلى أن تمضي أربعة أشهر فسألت امرأتك أن توقف للإيلاء وقفت فإن فئت خرجت من الإيلاء وإن لم تفئ قيل لك طلق وإلا طلقنا عليك ثم هكذا كلما راجعت في العدة فمضت أربعة أشهر توقف كما يوقف من لا ظهار عليه من قبل أن الحبس عن الجماع جاء من قبلك بأمر أدخلته على نفسك قدمت الإيلاء قبل الظهار أو الظهار أكثر مما يمكنك ذلك فإن كنت مريضا ففيأتك باللسان وإن قلت أصوم قلنا ذلك شهران وإنما أمرت بعد الأشهر بأن تفيء أو تطلق ولا يجوز أن نجعل لك سنة فإن قال أمهلني بالعتق والإطعام، قيل ما
أمهلك به إلا ما أمهلك إذا لم يكن عليك ظهار والفيئة في اليوم وما أشبهه.
باب عتق المؤمنة في الظهار
قال الله تعالى {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا وجبت كفارة الظهار على الرجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها لم يجزه فيها إلا تحرير رقبة ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام لأن الله عز وجل يقول في القتل {فتحرير رقبة مؤمنة}.
وكان شرط الله تعالى في رقبة القتل إذا كانت كفارة كالدليل والله تعالى أعلم على أن لا يجزئ رقبة في الكفارة إلا مؤمنة كما شرط الله عز وجل العدل في الشهادة في موضعين وأطلق الشهود في ثلاثة مواضع فلما كانت شهادة كلها اكتفينا بشرط الله عز وجل فيما شرط فيه واستدللنا على أن ما أطلق من الشهادات إن شاء الله تعالى على مثل معنى ما شرط وإنما رد الله عز ذكره أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين فمن أعتق في ظهار غير مؤمنة فلا يجزئه وعليه أن يعود فيعتق مؤمنة قال وأحب إلي أن لا يعتق إلا بالغة مؤمنة فإن كانت أعجمية فوصفت الإسلام أجزأته، أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال «أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وفقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين الله؟ فقالت في السماء فقال من أنا؟ فقالت أنت رسول الله قال فأعتقها فقال عمر بن الحكم أشياء يا رسول الله كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تأتوا الكهان فقال عمر، وكنا نتطير فقال إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): اسم الرجل معاوية بن الحكم كذلك روى الزهري ويحيى بن أبي كثير.
(قال الشافعي): وإذا أعتق صبية أحد أبويها مؤمن أجزأت عنه إن شاء الله تعالى لأنا نصلي عليها ونورثها ونحكم لها حكم الإيمان، وإن أعتق مرتدة عن الإسلام لم تجزئ ولو رجعت بعد عتقه إياها إلى الإسلام لأنه أعتقها وهي غير مؤمنة وإن ولدت خرساء على الإيمان وكانت تشير به وتصلي أجزأت عنه إن شاء الله تعالى وإن جاءتنا من بلاد الشرك مملوكة خرساء فأشارت بالإيمان وصلت وكانت إشارتها تعقل فأعتقها أجزأت إن شاء الله تعالى وأحب إلي أن لا يعتقها إلا أن لا تتكلم بالإيمان وإن سبيت صبية مع أبويها كافرين فعقلت ووصفت الإسلام إلا أنها لم تبلغ فأعتقها عن ظهاره لم تجزئ حتى تصف الإسلام بعد البلوغ فإذا فعلت فأعتقها أجزأت عنه وإذا وصفت الإسلام بعد البلوغ فأعتقها مكانه أجزأت عنه ووصفها الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرأ مما خالف الإسلام من دين فإذا فعلت فهذا كمال وصف الإسلام وأحب إلي لو امتحنها بالإقرار بالبعث بعد الموت وما أشبهه.
من يجزئ من الرقاب إذا أعتق ومن لا يجزئ
(قال الشافعي): - رحمه الله -: لا يجزئ في ظهار ولا رقبة واجبة رقبة تشترى بشرط أن تعتق لأن
ذلك يضع من ثمنها ولا يجزئ فيها مكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤد لأنه ممنوع من بيعه فإذا عجز المكاتب أو اختار العجز فأعتق بعد عجزه أو اختياره العجز أجزأه ولا تجزئ أم الولد في قول من لا يبيعها وتجزئ في قول من يرى للسيد بيعها ويجزئ المدبر لأنه يباع وكذلك يجزئ المعتق إلى أجل وإن أعتق عبدا له مرهونا أو جانيا جناية فأدى الرهن أو الجناية أجزأ عنه وإن أعتق ما في بطن أمته عن ظهاره أو رقبة لزمته ثم ولدته تاما لم يجزه لأنه أعتقه ولا يدري أيكون أو لا يكون ولا يجزئ من العتق إلا عتق من صار إلى الدنيا وإن أعتق عبدا له غائبا فأثبت أنه كان حيا يوم وقع العتق أجزأ عنه وإن لم يثبت ذلك لم يجزئ عنه لأنه على غير يقين من أنه أعتق لأن العتق لا يكون إلا لحي، وإن وجبت عليه رقبة فاشترى من يعتق عليه عتق عليه إذا ملكه وكان عتقه وصمته سواء ساعة يملكه يعتق عليه ولا يجزئه عتقه وبأي وجه ملك عبدا له يثبت له عليه الرق فأعتقه بعد الملك أجزأ عنه ولو كان عبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وهو موسر ينوي أن يكون حرا عن ظهاره أجزأه من قبل أنه لم يكن لشريكه أن يعتق رقبة تامة عن ظهاره ولو كان قال لعبيد له أولكم يدخل هذه الدار فهو حر ثم أمر أحدهم أن يدخل الدار ونوى أن يعتق بالحنث عن ظهاره لم يجزه إذا دخل الدار فعتق عليه لأنه يعتق بالحنث بكل حال ويمنع من بقي من رقيقه أن يعتق بحنث ولو قال له رجل لك علي عشرة دنانير على أن تعتق عبدك فأعتقه عن ظهاره وأخذ العشرة لم يجزه لأنه أخذ عليه جعلا ولو أخذ الجعل وأعتقه ثم رده لم يجزه ولو أبى الجعل أولا ثم أعتقه عن ظهاره أجزأه.
(قال الشافعي): ولا يجزئه أن يعتق رقبة عن ظهاره ولا واجب عليه إلا بنية يقدمها قبل العتق أو معه عن الواجب عليه، وجماع ذلك أن يقصد بالعتق قصد واجب لا أن يرسل بلا نية إرادة واجب ولا تطوع ولو كان على رجل ظهار فأعتق عند رجل عبدا للمعتق بغير أمره لم يجزئه وكان ولاؤه لسيده الذي أعتقه ولو كان الذي عليه الظهار أعطاه شيئا على أن يعتق عنه عبدا له بعينه أو لم يعطه فسأله أن يعتق عنه عبدا له بعينه فأعتقه أجزأه والولاء للذي عليه الظهار الذي أعتق عنه وهذا منه كشراء مقبوض أو هبة مقبوضة وكما لو اشترى رجل من رجل عبدا فلم يقبضه المشتري حتى يعتقه جاز عتقه وكان ضمانة منه والعتق غيره عن الآخر لأنه قصد به قصد واجب ولو أعتق آخر عنهما أجزأ بهذا المعنى لأنه قد استكمل عتق عبدين ظهارين نصفا بعد نصف قال وإذا أعتق عبدين عن ظهارين أو ظهار وقتل كل واحد منهما عن الكفارتين معا جعل كل واحد منهما عن أيهما شاء وإن لم يجعله أجزأتا معا لأنه قصد بهما قصد كفارتين وأجزناه بما وصفت أن كل واحد من الكفارتين قد أعتق فيها عبدا تاما نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة ثم أخرى نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة فكمل فيها العتق وعتقه عن نفسه للظهار لزمه لا عن امرأته فإذا قصد قصد الكفارة عن الظهار أجزأته ولو أعتق عبدين عن ظهار واحد فأراد أن يجعل أحدهما عن ظهاره الذي أعتق عنه والآخر عن ظهار عليه غيره لم يكن له ذلك لأن عتقهما قد مضى لا ينوي به إلا أحد الظهارين فيجزئه ما نوى ولا يجزئه ما لم ينو قال ولو وجبت عليه رقبة فشك أن تكون عن ظهار أو قتل أو نذر فأعتق رقبة عن أيها كان عليه أجزأه لأنه قصد بها قصد الواجب ولم يخرج ما وجب عليه من نيته بالعتق وإن أعتقها لا ينوي واحدا من الذي عليه لم يجزئه، وإن أعتقها عن قتل ثم علم أن لم يكن عليه قتل أو ظهار ثم علم أن لم يكن عليه ظهار فأراد أن يجعلها عن الذي عليه لم تجزئ عنه لأنه أعتقها على نية شيء بعينه لم يجب عليه وأخرج الواجب عليه فأعتق عنه ولا يجزئ عنه أن يصرف النية إلى غيره مما قد أخرجه من نيته في العتق ولو أعتق جارية عن ظهاره واستثنى ما في بطنها أجزأت عنه وما في بطنها حر ولو أعتقها عن ظهار على
أن تعطيه شيئا لم يجزه ولو أبطل الشيء عنها بعد العتق لم يجزه لأنه أعتقها على جعل وإن تركه ولو كان قال لها أعتقك على كذا فقالت نعم ثم أبطل ذلك فأعتقها على غير جعل ينوي بها أن تعتق عن ظهاره أجزأته.
ما يجزئ من الرقاب الواجبة وما لا يجزئ
(قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى {فتحرير رقبة مؤمنة} (قال الشافعي): فكان ظاهر الآية أن كل رقبة مجزئة عمياء وقطعاء ومعيبة ما كان العيب إذا كانت فيه الحياة لأنها رقبة وكانت الآية محتملة أن يكون أريد بها بعض الرقاب دون بعض قال ولم أر أحدا ممن مضى من أهل العلم ولا حكي لي عنه ولا بقي خالف في أن من ذوات النقص من الرقاب ما لا يجزئ فدل ذلك على أن المراد من الرقاب بعضها دون بعض قال ولم أعلم مخالفا ممن مضى في أن من ذوات النقص ما يجزئ فدل ذلك على أن المراد من الرقاب بعضها دون بعض قال ولم أعلم مخالفا ممن مضى في أن من ذوات النقص ما يجزئ فدل ذلك على أن من ذوات العيب ما يجزئ، قال ولم أر شيئا أعدل في معنى ما ذهبوا إليه إلا ما أقول والله تعالى أعلم وجماعة أن الأغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ولا يكون العمل تاما حتى تكون يدا المملوك باطشتين ورجلاه ماشيتين ويكون له بصر وإن كان عينا واحدة ويكون يعقل فإذا كان هكذا أجزأه وإن كان أبكم أو أصم أو أحمق أو يجن ويفيق أو ضعيف البطش أو المشي أو أعور أو معيبا عيبا لا يضر بالعمل ضررا بينا وأنظر كل نقص كان في اليدين والرجلين فإن كان يضر بالعمل ضررا بينا لم يجز عنه وإن كان لا يضر به ضررا بينا أجزأه والذي يضر به ضررا بينا قطع أو شلل اليد كلها أو شلل الإبهام أو قطعها وذلك في المسبحة والوسطى معا، وكل واحدة منهما على الانفراد بينة الضرر بالعمل والذي لا يضر ضررا بينا شلل الخنصر أو قطعها فإن قطعت التي إلى جنبها من يدها أضر ذلك بالعمل فلم يجز وإن قطعت إحداهما من يد والأخرى من يد أخرى لم يضر بالعمل ضررا بينا ثم اعتبر هذا في الرجلين على هذا المعنى واعتبره في البصر فإن كان ذاهب إحدى العينين ضعيف الأخرى ضعفا يضر بالعمل ضررا بينا لم يجز وإن لم يكن يضر بالعمل ضررا بينا أجزأه، وسواء هذا في الذكر والأنثى والصغير والكبير وتجزئ الأنثى الرتقاء والذكر المجبوب والخصي وليس هذا من العمل بسبيل وتجزئ الرقاب مع كل عيب لا يضر بالعمل ضررا بينا والذي يفيق ويجن يجزئ وإذا كان الجنون مطبقا لم يجز ويجزئ المريض لأنه قد يرجى أن يصح والصغير لأنه قد يكبر وإن لم يكبر ولم يصح وسواء أي مريض ما كان ما لم يكن معضوبا عضبا لا يعمل معه عملا تاما أو قريبا من التمام كما وصفت.
من له الكفارة بالصيام في الظهار
قال الله عز وجل {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} (قال الشافعي): فإذا لم يجد المتظاهر رقبة يعتقها وكان يطيق الصوم فعليه الصوم.
ومن كان له مسكن وخادم وليس له مملوك غيره ولا ما يشتري به مملوكا غيره كان له الصوم ومن كان له مملوك غير خادمه ومسكن كان عليه أن يعتق.
وكذلك لو كان له ثمن مملوك كان عليه أن يشتري مملوكا فيعتقه (قال): فإن ترك أن يشتري به وهو واجد فأعسر كان له أن يصوم.
ولو وجبت عليه كفارة الظهار وهو
معسر أو أعسر بعدها قبل أن يكفر ثم أيسر قبل أن يدخل في الصوم كان عليه أن يعتق ولم يكن له أن يصوم في حال هو فيها موسر (قال الشافعي): وحكمه وقت مرضه في الكفارة حين يكفر كما حكمه في الصلاة حين يصلي بوضوء أو تيمم أو مريض أو صحيح (قال الربيع) وقد قال مرة حكمه يوم يحنث في الكفارة (قال الشافعي): ولو كان عند الكفارة غير واجد فعرض عليه رجل أن يهب له عبدا أو أوصى له أو تصدق عليه به أو ملكه بأي وجه ما كان الملك لم يكن عليه قبوله وكان له رده والاختيار له قبوله وعتقه غير الميراث، فإذا ورثه لزمه وكان عليه عتقه أو عتق غيره (قال الشافعي): ولو اشتراه على نية أن يعتقه كان له أن يسترقه ويعتق غيره.
ولا يجب عليه عتق عبد اشتراه أبدا حتى يعتقه أو يوجب عتقه تبررا (قال الشافعي): فإذا كان له الصيام فلم يدخل في الصيام حتى أيسر فعليه العتق.
وإن دخل فيه قبل أن يوسر ثم أيسر كان له أن يمضي في الصيام.
والاختيار له أن يدع الصوم ويعتق كما يتيمم فتحل له الصلاة فإن لم يدخل فيها حتى يجد الماء لم يكن له أن يصلي حتى يتوضأ وإن دخل فيها ثم وجد الماء كان له أن يمضي في صلاته.
وإن قال لعبد له أنت حر الساعة عن الظهار إن تظهر به كان حرا الساعة ولم يجزه عن ظهار أن يتظهره لأنه أعتقه ولم يجب عليه الظهار ولم يكن لسبب منه.
وكذلك لو أطعم مساكين فقال هذا عن يمين إن حنثت بها ولم يحلف ولم يجب عليه الظهار ولم يكن لسبب منه.
وكذلك لو أطعم مساكين فقال هذا عن يمين إن حنثت بها ولم يحلف لم يجزه لأنه لم يكن بسبب من اليمين، والسبب أن يحلف ثم يكفر قبل أن يحنث فيجزئه ذلك كما يكون له المال فيؤدي زكاته قبل أن يحول الحول فيجزئه لأن بيده سبب ما تكون به الزكاة ولو لم يكن بيده مال فيه زكاة فتصدق بدراهم لم يجزه لأنه لم يكن بسبب من زكاة.
أو قال عن مال إن أفدته فوجبت علي فيه الزكاة ثم أفاد مالا فيه زكاة لم يجزه لأنه لم يكن بسبب من زكاة.
الكفارة بالصيام
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ومن وجب عليه أن يصوم شهرين في الظهار لم يجزه إلا أن يكونا متتابعين كما قال الله عز ذكره ومتى أفطر من عذر أو غير عذر فعليه أن يستأنف ولا يعتد بما مضى من صومه.
وكذلك إن صام في الشهرين يوما من الأيام التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها وهي خمس يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام منى الثلاث بعد النحر استأنف الصوم بعد مضيهن ولم يعتد بهن ولا بما كان قبلهن واعتد بما بعدهن ومتى دخل عليه شيء يفطره في يوم من صومه استأنف الصوم حتى يأتي بالشهرين متتابعين ليس فيهما فطر.
وإذا صام بالأهلة صام هلالين وإن كانا تسعة أو ثمانية وخمسين أو ستين يوما.
وإذا صام بعد مضي يوم من الهلال أو أكثر صام بالعدد الشهر الأول وبالهلال الشهر الثاني ثم أكمل على العدد الأول بتمام ثلاثين يوما (قال): ولو صام شهرين متتابعين بلا نية للظهار لم يجزه حتى يقدم النية قبل الدخول في الصوم ولو نوى أن يصوم شهرين متتابعين فصام أياما ثم نوى أن يحيل الصوم بعد الأيام تطوعا فصام أياما أو يوما ينوي به التطوع، ثم وصل صومه ينوي به صوم الشهرين بالشهرين الواجبين عليه لم يعتد بما مضى من صومه قبل الأيام التي تطوع بها ولا بصوم الأيام التي تطوع فيها واعتد بصومه من يوم نوى فلم يفصل بينه بتطوع ولا فطر، ولو نوى صوم يوم فأغمي عليه فيه ثم أفاق قبل الليل أو بعده ولم يطعم أجزأه إذا دخل فيه قبل الفجر وهو يعقله، ولو أغمي عليه
قبل الفجر لم يجزه لأنه لم يدخل في الصوم وهو يعقله ولو أغمي عليه فيه وفي يوم بعده أو في أكثر ولم يطعم استأنف الصوم لأن حكمه في اليوم الذي أغمي عليه قبل أن يفيق أنه غير صائم عن ظهار لأنه لا يعقله.
(قال): ولو صام مسافرا أو مقيما أو مريضا عن ظهار شهرين أحدهما شهر رمضان لم يجزه واستأنف الصوم لا يجزئ رمضان من غيره لأنه إذا رخص له في فطره بالمرض والسفر فإنما يخفف عنه فإذا لم يخففه عن نفسه فلا يكون تطوعا ولا صوما عن غيره وعليه أن يستأنف شهرين ويقضي شهر رمضان لأنه صامه بغير نية شهر رمضان (قال): ولا يجزئه في صوم واجب عليه إلا أن يتقدم بنيته قبل الفجر فإن لم يتقدم بنيته قبل الفجر لم يجزه ذلك اليوم ولا يجزئه إلا أن ينوي كل يوم منه على حدته قبل الفجر لأن كل يوم منه غير صاحبه، وإن دخل في يوم منه بنية تجزئه ثم عزبت عنه النية في آخر يومه أجزأه لأن النية بالدخول لا في كل طرفة عين منه، فإذا أحال النية فيه إلى أن يجعله تطوعا أو واجبا غير الذي دخل به فيه لم يجزه واستأنف الصوم بعده ولو كان عليه ظهاران فصام شهرين عن أحدهما ولا ينوي عن أيهما هو كان له أن يجعله عن أيهما شاء ويجزئه، وكذلك لو صام أربعة أشهر عنهما وهكذا لو كانت عليه ثلاث كفارات فأعتق مملوكا له ليس له غيره وصام شهرين ثم مرض فأطعم ستين مسكينا ينوي بجميع هذه الكفارات الظهار أجزأه وإن لم ينو واحدة منهن بعينها كان مجزئا عنه لأن نيته على كل واحدة منهن أداؤها عن كفارة يمين لزمته وسواء كفر أي كفارات الظهار شاء مما يجوز كانت امرأته عنده أو ميتة أو عند زوج غيره أو مرتدة أو بأي حال كانت.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو ارتد الزوج بعد ما وجب عليه الظهار فأعتق عبدا عن ظهاره في ردته وقف فإن رجع إلى الإسلام أجزأ عنه لأنه قد أدى ما عليه كما لو كان عليه دين فأداه برئ منه وهكذا لو كان ممن عليه إطعام مساكين فأطعمهم في ردته ثم أسلم لم يكن عليه أن يعود وهكذا لو كان قصاصا أو حدا فأخذ منه في ردته لم يعد عليه لأن هذا إخراج شيء من ماله أو عقوبة على بدنه لمن وجبت له.
فإن قيل فهذا لا يكتب له أجره ولا يكفر به عنه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (232)
صــــــــــ 303 الى صـــــــــــ 308
قيل: والحدود نزلت كفارات للذنوب «وحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهوديين بالرجم» ونحن نعلم أنها ليست كفارة لهما بخلافهما في دين الإسلام ولكنها كانت عقوبة عليهما فأخذت وإن لم تكتب لهما، ولو كان عليه صوم فصامه في ردته لم يجزه لأن الصوم عمل على البدن والعمل على البدن لا يجزئ عنه ولا يجزئ إلا لمن يكتب له.
الكفارة بالإطعام
قال الله تعالى {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} (قال الشافعي): - رحمه الله - فمن تظاهر ولم يجد رقبة ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين بمرض أو علة ما كانت أجزأه أن يطعم قال ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين مسكينا كل مسكين مدا من طعام بلده الذي يقتاته حنطة أو شعيرا أو أرزا أو تمرا أو سلتا أو زبيبا أو أقطا ولو أطعم ثلاثين مسكينا مدين مدين في يوم واحد أو أيام متفرقة لم يجزه إلا عن ثلاثين وكان متطوعا بما زاد كل مسكين على مد لأن معقولا عن الله عز وجل إذا أوجب طعام ستين مسكينا أن كل واحد منهم غير الآخر كما كان ذلك معقولا عنه في عدد الشهود وغيرهما مما أوجب ولا يجزئه أن يعطيهم ثمن الطعام أضعافا ولا يعطيهم إلا مكيلة طعام لكل واحد ولا يجزئه أن يغديهم وإن
أطعمهم ستين مدا أو أكثر لأن أخذهم الطعام يختلف فلا أدري لعل أحدهم يأخذ أقل من مد والآخر أكثر لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما سن مكيلة الطعام في كل ما أمر به من كفارة ولا يجزئه أن يعطيهم دقيقا ولا سويقا ولا خبزا حتى يعطيهم حبا، ولا يجوز أن يكسوهم مكان الطعام، وكل مسكين أعطاه مدا أجزأ عنه ما خلا أن يكون مسكينا يجبر على نفقته فإنه لا يجزئه أن يعطي مسكينا يجبر على نفقته، ولا يجزئه إلا مسكين مسلم وسواء الصغير منهم والكبير ولا يجزئه أن يطعم عبدا ولا مكاتبا ولا أحدا على غير دين الإسلام وإن أعطى رجلا وهو يراه مسكينا فعلم بعد أنه أعطاه وهو غني أعاد الكفارة لمسكين غيره، ولو شك في غناه بعد أن يعطيه على أنه مسكين فليست عليه إعادة ومن قال له إني مسكين ولا يعلم غناه أعطاه، وسواء السائل من المساكين والمتعفف في أنه يجزئ (قال): ويكفر في الطعام قبل المسيس لأنها في معنى الكفارة قبلها.
تبعيض الكفارة
(قال الشافعي): ولا يكون له أن يبعض الكفارة ولا يكفر إلا كفارة كاملة من أي الكفارات كفر لا يكون له أن يعتق نصف رقبة ثم لا يجد غيرها فيصوم شهرا ولا يصوم شهرا ثم يمرض فيطعم ثلاثين مسكينا ولا يطعم مع نصف رقبة حتى يكفر أي الكفارات وجبت عليه بكمالها (قال): وإن فرق الطعام في أيام مختلفة أجزأه إذا أتى على ستين مسكينا (قال الشافعي): وكفارة الظهار وكل كفارة وجبت على أحد بمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تختلف الكفارات وكيف تختلف وفرض الله عز وجل تنزل على رسوله وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنه يمده وكيف يجوز أن يكون بمد من لم يولد في عهده أو بمد أحدث بعد مده بيوم واحد؟.
كتاب اللعان
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا الشافعي) قال: قال الله تعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} الآية (قال الشافعي): ثم لم أعلم مخالفا في أن ذلك إذا طلبت ذلك المقذوفة الحرة ولم يأت القاذف بأربعة شهداء يخرجونه من الحد، وهكذا كل ما أوجبه الله تعالى لأحد وجب على الإمام أخذه له إن طلبه أخذه له بكل حال.
فإن قال قائل فما الحجة في ذلك؟ قيل قول الله تعالى اسمه {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} فبين أن السلطان للولي ثم بين فقال في القصاص {فمن عفي له من أخيه شيء} فجعل العفو إلى الولي وقال: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} فأبان في هذه الآيات أن الحقوق لأهلها وقال في القتل {النفس بالنفس} إلى قوله {والجروح قصاص} (قال): فأبان الله عز وجل أن ليس حتما أن يأخذ هذا من وجب له ولا أن حتما أن يأخذه الحاكم لمن وجب له ولكن حتما أن يأخذه الحاكم لمن وجب له إذا طلبه.
(قال): وإذا قذف الرجل زوجته فلم تطلب الحد حتى فارقها أو لم يفارقها ولم تعفه ثم طلبته التعن أو حد إن أبى أن يلتعن، وكذلك لو ماتت كان لوليها أن يقوم به فيلتعن الزوج أو يحد وقال الله تعالى
{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} إلى قوله {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} (قال الشافعي): فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن الله أخرج الزوج من قذف المرأة بشهادته {أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين - والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} كما أخرج قاذف المحصنة غير الزوجة بأربعة شهود يشهدون عليها بما قذفها به من الزنا، وكانت في ذلك دلالة أن ليس على الزوج أن يلعن حتى تطلب المرأة المقذوفة حدها وكما ليس على قاذف الأجنبية حد حتى تطلب حدها (قال): وكانت في اللعان أحكام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها الفرقة بين الزوجين ونفي الولد قد ذكرناها في مواضعها.
من يلاعن من الأزواج ومن لا يلاعن
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولما ذكر الله عز وجل اللعان على الأزواج مطلقا كان اللعان على كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض، وكذلك على كل زوجة لزمها الفرض وسواء كان الزوجان حرين مسلمين أو كان أحدهما حرا والآخر مملوكا أو كانا مملوكين معا أو كان الزوج مسلما والزوجة ذمية أو كانا ذميين تحاكما إلينا لأن كلا زوج وزوجة، يجب عليه الفرض في نفسه دون صاحبه وفي نفسه لصاحبه ولعانهم كلهم سواء لا يختلف القول فيه والقول في نفي الولد وتختلف الحدود لمن وقعت له وعليه وسواء في ذلك الزوجان المحدودان في قذف والأعميان وكل زوج يجب عليه فرض وسواء قال الزوج رأيتها تزني أو قال زنت أو قال يا زانية كما يكون ذلك سواء إذا قذف أجنبية، وإذا قذف الزوج الذي لا حد عليه امرأته وهي ممن عليه الحد أو ممن لا حد عليه فسواء ولا حد عليه ولا لعان ولا فرقة بينه وبينها ولا ينفي الولد إن نفاه عنه ولا طلاق له لو طلقها، وكذلك المعتوه وكل مغلوب على عقله بأي وجه كانت الغلبة على العقل غير السكر لأن القول والفعل يلزم السكران ولا يلزم الفعل ولا القول من غلب على عقله بغير سكر، وكذلك الصبي لم يستكمل خمس عشرة أو يحتلم قبلها وإن كان عاقلا فلا يلزمه حد ولا لعان (قال): ومن عزب عقله من مرض في حال فأفاق في أخرى فما صنع في حال عزوب عقله سقط عنه وما صنع في الحال التي يثوب فيها عقله لزمه طلاق ولعان وقذف وغيره.
وإن اختلف الزوجان فقالت المرأة قذفتني في حال إفاقتك وقال ما قذفتك في حال إفاقتي ولئن كنت قذفتك ما قذفتك إلا وأنا مغلوب على عقلي فالقول قوله وعليها البينة إذا كانت المرأة تقر، أو كان يعلم أنه يذهب عقله، ولو قذفها فقال قذفتك وعقلي ذاهب من مرض وقالت ما كنت ذاهب العقل فإن لم يعلم أنه كان في الوقت الذي قذفها فيه وقبله ومعه في مرض قد يذهب عقله فيه فلا يصدق وهو قاذف يلتعن أو يحد وإن علم ذلك صدق وحلف (قال): وإذا كان الزوج أخرس يعقل الإشارة والجواب أو يكتب فيعقل فقذف لاعن بالإشارة أو حد فإن لم يعقل فلا حد ولا لعان وإن استطلق لسانه فقال قد قذفت ولم يلتعن حد إلا أن يلتعن، وإن قال لم أقذف ولم ألتعن لم يحد ولا ترد إليه امرأته بقوله لم ألتعن وقد ألزمناه الفرقة بحال ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يمسكها، وكذلك لو طلق فألزمناه الطلاق ثم أفاق فقال ما طلقت لم نردها إليه ووسعه فيما بينه وبين الله تعالى المقام عليها، ولو أصابه هذا من مرض تربصوا به حتى يفيق أو يطول ذلك به ويشير إشارة تعقل أو يكتب كتابا يعقل فيصير كالأخرس الذي ولد أخرس (قال): وإذا كانت هي الخرساء لم نكلفها لعانه إلا أن تكون تعقل لأنه لا معنى لها في
الفرقة ولا نفي الولد ولأنها غير قاذفة لأحد يسأل أن نأخذ له حقه.
فإن قيل فعليها حق الله تعالى؟ قيل: لا يجب إلا ببينة أو اعتراف وهي لا تعقل الاعتراف.
وإن كانت تعقل كما تعقل الإشارة أو الكتابة التعنت وإن لم تلتعن حدت إن كانت لا يشك في عقلها، فإن شك في عقلها لم تحد إن أبت الالتعان.
ولو قالت له قذفتني فأنكر وأتت بشاهدين أنه قذفها لاعن وإن لم يلاعن حد.
وليس إنكاره إكذابا لنفسه بقذفها إنما هو جحد أن يكون قذفها.
(قال): ولو قذفها قبل بلوغه بساعة ثم بلغ فطلبت الالتعان أو الحد لم يكن لها إلا أن يحدث لها قذفا بعد البلوغ.
وكذلك لو قذفها مغلوبا على عقله ثم أفاق بعد ذلك بساعة (قال): ولا يكون على الزوج لعان حتى تطلب ذلك الزوجة فإن قذف الزوج زوجته البالغة فتركت طلب ذلك لم يكن عليه لعان وإن ماتت فترك ذلك ورثتها لم يكن عليه لعان وإن اعترفت بالزنا الذي قذفها به لم يكن عليه لعان وإن شاء هو أن يلتعن ليوجب عليها الحد وتقع الفرقة وينفي ولدا إن كان، كان ذلك له، ولو كانت محدودة في زنا، ثم قذفها بذلك الزنا أو زنا كان في غير ملكه عزر إن طلبت ذلك إن لم يلتعن، وإن أردنا حده لامرأته أو تعزيره لها قبل اللعان أو بعد اللعان فأكذب نفسه وألحق به ولدها فأرادت امرأته العفو عنه أو تركته فلم تطلبه لم نحده ولا نحده إلا بأن تكون طالبة بحدها غير عافية عنه، ولو كانت زوجته ذمية فقذفها أو مملوكة أو جارية يجامع مثلها ولم تبلغ فقذفها بالزنا وطلبت أن يعزر قيل له إن التعنت خرجت من أن تعزر ووقعت الفرقة بينك وبين زوجتك وإن لم تلتعن عزرت وهي زوجتك بحالها وإن التعنت وأبت أن تلتعن فكانت كتابية أو صبية لم تبلغ لم تلتعن ولم تحد الكتابية البالغ إلا أن تأتينا طالبة لحكمنا وإن كانت مملوكة بالغة فعليها خمسون جلدة ونفي نصف سنة وإن قلن نحن نلتعن التعنت المملوكة ليسقط الحد ولا التعان على صبية لأنه لا حد عليها ولا أجبر النصرانية على الالتعان إلا أن ترغب في أن نحكم عليها فتلتعن فإن لم تفعل حددناها إن ثبتت على الرضا بحكمنا وإن رجعت عنه تركناها.
فإن كانت زوجته خرساء أو مغلوبة على عقلها فقذفها قيل له إن التعنت فرقنا بينك وبينها وإن انتفيت من حمل أو ولدها فلاعنت نفيناه عنك مع الفرقة وإن لم تلتعن فهي امرأتك ولا نجبرك على الالتعان لأنه لا حد عليك ولا تعزير إذا لم تطلبه وهي لا يطلب مثلها ونحن لا ندري لعلها لو عقلت اعترفت فسقط ذلك كله عنك (قال): وإن التعن فلا حد على الخرساء ولا المغلوبة على العقل، ولو طلب أولياؤها أن يلتعن الزوج أو يحد لم يكن ذلك لهم، وكذلك لو قذف امرأته وهي أمة بالغة فلم تطلبه فطلب سيدها أن يلتعن أو يعزر أو قذف صغيرة فطلب ذلك وليها لم يكن ذلك لواحد منهم وإنما الحق في ذلك لها فإن لم تطلبه لم يكن لأحد يطلبه لها ما كانت حية، ولو لم تطلبه واحدة من هؤلاء ولا كبيرة قذفها زوجها ولم تعفه الكبيرة ولم تعترف حتى ماتت أو فورقت فطلبه وليها بعد موتها أو هي بعد فراقها كان على الزوج أن يلتعن أو يحد للكبيرة الحرة المسلمة ويعزر لغيرها.
(قال): ولو أن رجلا طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم قذفها في العدة فطلبت القذف لاعن فإن لم يفعل حد وإن التعن فعليها الالتعان فإن لم تلتعن حدت لأنها في معاني الأزواج، وهكذا لو مضت العدة وقد قذفها في العدة (قال): وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة فقذفها في العدة أو كان يملك فيه الرجعة فقذفها بعد مضي العدة بزنا نسبه إلى أنه كان وهي زوجته أو لم ينسبه إلى ذلك فطلبت حدها، حد ولا لعان إن لم يكن ينفي به ولدا ولدته أو حملا يلزمه (قال): وإنما حددته إذا قذفها وهي بائن منه أنها غير زوجة ولا بينها وبينه بسبب النكاح ولد يلزم نسبه
ولا حكم من حكم الأزواج فكانت محصنة مقذوفة.
فإن قال قائل: أفرأيت إن ظهر بها حمل أو حدث لها ولد يلحق نسبه به فانتفى منه بأن قذفها والقذف كان وهي غير زوجة كيف لاعنت بينهما؟ قيل له إن شاء الله تعالى كما ألحقت الولد به وإن كانت بائنا منه بأنها كانت زوجته فجعلت حكم ولدها منه غير حكمها منفردة دون الولد بأنها كانت زوجة فكذلك لاعنت بينهما بالولد لأنها كانت زوجة ألا ترى أنها في لحوق الولد بعد بينونتها منه كهي لو كانت معه وكذلك يلتعن وينفيه وإذا نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الولد وهي زوجة فأزال الفراش كان الولد بعدما تبين أولى أن ينفى أو في مثل حاله قبل أن تبين ولو قال رجل لامرأته قد ولدت هذا الولد وليس بابني قيل له ما أردت؟ فإن قال زنت به لاعن أو حد إذا طلبت ذلك وإذا لاعن نفي عنه وإن سكت لم ينف عنه ولم يلاعن فإن طلبت الحد حلف ما أراد قذفها فإن حلف برئ وإن نكل حد أو لاعن وذلك أنه يقال قد تستدخل المرأة ماء الرجل فتحبل فلذلك لم أجعله قذفا ولا ألاعن بينهما حتى يقذفها بالزنا فيحد أو يلتعن لأنه الموضع الذي جعل الله عز وجل فيه اللعان لا غير ولو قال قد حبسك رجل أو فتشك أو نال منك ما دون الجماع لم يلاعنها لأن هذا ليس بقذف في زنا وعزر لها إن طلبت ذلك قال ولو قال لها أصابك رجل في دبرك فطلبت ذلك حد أو لاعن لأن هذا جماع يجب عليها به الحد ولا يحد لها إلا في القذف بجماع يجب عليها فيه حد لو فعلته وحد على مجامعتها إذا كان حراما ولو قال لها عبثت بك امرأة فأفحش لم يحد ولم يلاعن ويعزر إن طلبت ذلك ولو قال لها ركبت أنت رجلا حتى غاب ذلك منه في ذلك منك كان قذفا يلاعن به أو يحد لأن عليهما معا الحد ولو قال لها وهي زوجة زنيت قبل أن أنكحك فلا لعان ويحد إن طلبت ذلك ولو قال لها بعدما تبين منه زنيت وأنت امرأتي ولا ولد ولا حبل ينفيه حد ولم يلاعن لأنه قاذف غير زوجته ولو قال لامرأته يا زانية بنت الزانية وأمها حرة مسلمة غير حاضرة فطلبت امرأته حد أمها لم يكن لها وإذا طلبته أمها أو وكيلها حد لها إن لم يأت بأربعة شهداء على ما قال: قال ومتى طلبت امرأته حدها كان عليه أن يلتعن أو يحد ولو طلبناه جميعا حد للأم مكانه وقيل له التعن لامرأتك فإن لم يلتعن حبس حتى يبرأ جلده فإذا برأ حد إلا أن يلتعن ومتى أبى اللعان فجلدته ثم رجع فقال أنا ألتعن قبلت رجوعه وإن لم يبق إلا سوط واحد ولا شيء له فيما مضى من الضرب.
أين يكون اللعان
(قال الشافعي): - رحمه الله - روي «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين الزوجين على المنبر» فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين بمكة لاعن بينهما بين المقام والبيت فإذا لاعن بينهما بالمدينة لاعن بينهما على المنبر وإذا لاعن بينهما ببيت المقدس لاعن بينهما في مسجده وكذلك يلاعن بين كل زوجين في مسجد كل بلد قال ويبدأ فيقيم الرجل قائما والمرأة جالسة فيلتعن ثم يقيم المرأة قائمة فتلتعن إلا أن يكون بأحدهما علة لا يقدر على القيام معها فيلتعن جالسا أو مضطجعا إذا لم يقدر على الجلوس وإن كانت المرأة حائضا التعن الزوج في المسجد والمرأة على باب المسجد وإن كان الزوج مسلما والزوجة مشركة التعن الزوج في المسجد والزوجة في الكنيسة وحيث تعظم وإن شاءت الزوجة المشركة أن تحضر الزوج في المساجد كلها حضرته إلا أنها لا تدخل المسجد الحرام لقول الله تعالى {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (قال الشافعي): - رحمه الله - وإن أخطأ الإمام بمكة أو المدينة أو غيرهما فلاعن بين
الزوجين في غير المسجد لم يعد اللعان عليهما لأنه قد قضي اللعان عليهما ولأنه حكم قد مضى.
بينهما وكذلك إن لاعن ولم يحضر أحدهما الآخر.
قال: وإذا كان الزوجان مشركين لاعن بينهما معا في الكنيسة وحيث يعظمان وإذا كانا مشركين لا دين لهما تحاكما إلينا لاعن بينهما في مجلس الحكم.
أي الزوجين يبدأ باللعان؟
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ويبدأ الرجل باللعان حتى يكمله فإذا أكمله خمسا التعنت المرأة وإن أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة قبل الزوج فالتعنت أو بدأ بالرجل فلم يكمل اللعان حتى أمر المرأة أن تلتعن فالتعنت فإذا أكمل الرجل اللعان عادت المرأة فالتعنت ولو لم يبق من لعان الرجل إلا حرف واحد من قبل أن الله عز وجل بدأ بالرجل في اللعان فلا يجب على المرأة لعان حتى يكمل الرجل اللعان لأنه لا معنى لها في اللعان إلا رفع الحد عن نفسها والحد لا يجب حتى يلتعن الرجل ثم يجب لأنها تدفع الحد عن نفسها بالالتعان وإلا حدت وإذا بدأ الرجل فالتعن قبل أن يأتي الحاكم أو بعدما أتاه قبل أن يأمره بالالتعان أو المرأة أو هما أعاد أيهما بدأ قبل أمر الحاكم إياه بالالتعان لأن ركانة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بطلاق امرأته ألبتة وحلف له فأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - اليمين على ركانة ثم رد إليه امرأته بعد حلفه بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد امرأته إليه قبل حلفه بأمره (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال حدثني ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره «أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي فقال له أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها فقال سهل بن سعد فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغا قال عويمر لقد كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» قال ابن شهاب فكانت تلك سنة في المتلاعنين أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سهل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم النبي - صلى الله عليه وسلم - فعاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المسائل فلقيه عويمر فقال ما صنعت؟ فقال إنك لم تأتني بخير سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعاب المسائل فقال عويمر والله لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما فدعا بهما فلاعن بينهما فقال عويمر لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «انظروها فإن جاءت به أسحم أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا» فجاءت به على النعت المكروه قال ابن شهاب فصارت سنة المتلاعنين أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي أن عويمرا جاء إلى عاصم فقال أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله
أتقتلونه؟ سل لي يا عاصم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فكره المسائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعابها فرجع عاصم إلى عويمر فأخبره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره المسائل وعابها فقال عويمر والله لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه وقد نزل القرآن خلاف عاصم فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال «قد أنزل الله عز وجل فيكما القرآن فتقدما فتلاعنا» ثم قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقها وما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضت سنة المتلاعنين وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أحسبه إلا قد كذب عليها وإن جاءت له أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها» فجاءت به على النعت المكروه (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن جاءت به أشيقر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج فهو للذي يتهمه» قال فجاءت به أديعج أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلا من الأنصار جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل الله عز وجل في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «قد قضي فيك وفي امرأتك» قال فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين قال وكانت حاملا فأنكره فكان ابنها يدعى إلى أمه أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال شهدت ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - يحدث بحديث المتلاعنين فقال له ابن شداد أهي التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمتها؟» فقال ابن عباس لا تلك امرأة كانت قد أعلنت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهادي عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث القرظي قال المقبري حدثني أبو هريرة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لما نزلت آية الملاعنة قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله تعالى جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله تعالى منه وفضحه به على رءوس الخلائق من الأولين والآخرين» سمعت سفيان بن عيينة يقول أخبرنا عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمتلاعنين حسابكما على الله عز وجل أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها» فقال يا رسول الله ما لي. فقال «لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه» أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن أبي تميمة عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان وقال هكذا بإصبعيه المسبحة والوسطى فقرنها والتي تليها يعني المسبحة وقال «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب» أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر «أن رجلا لاعن امرأته في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتفى من ولدها ففرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما وألحق الولد بالمرأة».
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (233)
صــــــــــ 309 الى صـــــــــــ 315
رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ويشير إليها إن كانت حاضرة من الزنا ثم يعود فيقولها حتى يكمل ذلك أربع مرات فإذا أكمل أربعا وقفه الإمام وذكره الله وقال " إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله " فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول إن قولك " وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين " موجبة إن كنت كاذبا فإن أبى تركه وقال قل " علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا " (قال الشافعي): فإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحد أو اثنين أو أكثر قال مع كل شهادة " أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا بفلان وفلان وفلان " وقال عند الالتعان " وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا بفلان أو فلان وفلان " وإن كان معها ولد فنفاه أو بها حبل فانتفى منه قال مع كل شهادة " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وأن هذا الولد ولد زنا ما هو مني " وإن كان حملا قال " وأن هذا الحمل إن كان بها حمل لحمل من الزنا ما هو مني " وقال في الالتعان " وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا وأن هذا الولد ولد زنا ما هو مني " فإذا قال هذا فقد فرغ من الالتعان.
(قال الشافعي): وإذا أخطأ الإمام ولم يذكر نفي الولد أو الحمل في الالتعان قال للزوج إن أردت نفيه أعدت عليك اللعان ولا تعيد المرأة بعد إعادة الزوج اللعان إن كانت فرغت منه بعد التعان الزوج الذي أغفل الإمام فيه نفي الولد والحمل وإن أخطأ وقد قذفها برجل ولم يلتعن بقذفه فأراد الرجل حده أعاد عليه اللعان وإلا حد له إن لم يلتعن وأي الزوجين كان أعجميا التعن له بلسانه بشهادة عدلين وأحب إلي لو كانوا أربعة ويجزئ عدلان يعرفان بلسانه فإن كان أخرس تفهم إشارته التعن بالإشارة فإن انطلق لسانه بعد الخرس لم يعد قال ثم تقام المرأة فتقول " أشهد بالله أن زوجي فلانا وتشير إليه إن كان حاضرا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا " ثم تعود حتى تقول ذلك أربع مرات فإذا فرغت من الرابعة وقفها الإمام وذكرها الله تبارك وتعالى وقال لها " احذري أن تبوئي بغضب من الله عز وجل إن لم تكوني صادقة في أيمانك " فإن رآها تمضي وحضرتها امرأة أمرها أن تضع يدها على فيها وإن لم تحضرها فرآها تمضي قال لها قولي " وعلي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا " فإذا قالت ذلك فقد فرغت من اللعان وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما أن سفيان أخبرنا عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال إنها موجبة» (قال الشافعي): وسواء في أيمانها والتعانها لاعنها بنفي ولد أو حمل أو بلا واحد منهما لأنه لا معنى لها في الولد والولد ولدها بكل حال وإنما ينفى عنه هو أو يثبت قال وسواء كل زوج وزوجة بالغين ليسا بمغلوبين على عقولهما في الموضع الذي يلتعنان فيه والقول الذي يلتعنان به حرين أو مملوكين أو حر ومملوك وسواء الكافران أو أحدهما كافر في القول الذي يلتعنان به ويختلفان في الموضع الذي يلتعنان فيه قال وإن لم يلاعن بينهما الإمام قائمين ولا على المنبر أو لم يحضرهما أربع أو لم يحضر أحدهما وحضر الآخر لم يرد عليهما اللعان.
ما يكون بعد التعان الزوج من الفرقة ونفي الولد وحد المرأة
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي): فإذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا بحال وإن أكذب نفسه لم تعد إليه التعنت أو لم تلتعن حدت أو لم تحد قال وإنما قلت هذا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «الولد للفراش» وكانت فراشا فلم يجز أن ينفى الولد عن الفراش إلا بأن يزول الفراش فلا يكون فراش أبدا وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة»(قال الشافعي) - رحمه الله - عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة»
(قال الشافعي): - رحمه الله - وكان معقولا في حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ألحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وأن نفيه عن أبيه بيمينه والتعانه لا بيمين أمه على كذبه بنفيه ومعقول في إجماع الناس أن الزوج إذا أكذب نفسه ألحق به الولد وجلد الحد لأن لا معنى للمرأة في نفيه وأن المعنى للزوج بما وصفت من نفيه وكيف يكون لها معنى في يمين الزوج ونفي الولد وإلحاقه والولد بكل حال ولدها لا ينفى عنها إنما عنه ينفى وإليها ينسب إذا نسب (قال الشافعي): فإذا أكمل الزوج اللعان فقد بانت منه امرأته لأنه لا يزول النسب إلا بزوال الفراش ولو مات أو ماتت امرأته بعد كمال التعانه لم يتوارثا لأن الفرقة وقعت بالذي وقع به نفي الولد قال ولو قالت لا ألتعن أو أقذف بالزنا أو خرست أو ماتت فسواء الولد منفي والفرقة واقعة قال ولو حلف الأيمان كلها وبقي الالتعان أو حلف ثلاثة أيمان والتعن أو نقص من الأيمان أو الالتعان شيئا كانا بحالهما أيهما مات ورثه صاحبه والولد غير منفي حتى يكمل الالتعان، قال وسواء إذا لم يتم اللعان كله في أن لا فرقة ولا نفي ولد لو جن أو عته أو غاب أو أكذب نفسه، قال وإن حلف اثنتين أو ثلاثا ثم هرب فالنكاح بحاله حتى يقدر عليه فيلتعن وكذلك لو عته أو خرس أو برسم أو أصابه ما لا يقدر معه على الكلام أو ما يذهب عقله فالنكاح بحاله فمتى قدر عليه أو ثاب إليه عقله التعن فإن قال هو لا ألتعن وطلبت أن يحد لها حد وهو زوجها والولد ولده وإن لم تطلب أن يحد لها فطلب ذلك رجل قذفها بزناه بها كان ذلك له وحد له وإن ماتت وطلب ذلك ورثتها ولم تكن عفت حدها كان ذلك لهم، وكذلك لو مات المقذوف بها وطلب ذلك ورثته كان ذلك لهم فإن طلبته أو ورثتها فحد لها ثم طلبه الذي قذفها به لم يحد له لأنه قذف واحد ولو قالت المرأة قبل أن يتم الزوج اللعان أنا ألتعن لم يكن ذلك عليها ولو أخطأ الإمام فأمرها فالتعنت لم يكن ذلك شيء يدرأ به عن نفسها حد ولا يجب به حكم ومتى التعن الزوج فعليها أن تلتعن فإن أبت حدت وإن كانت حين التعن الزوج حائضا فسأل الزوج أن تؤخر حتى تدخل المسجد لم يكن ذلك عليها وأحلفت بباب المسجد فإن كانت مريضة لا تقدر على الخروج أحلفت في بيتها، قال وإن امتنعت من اليمين وهي مريضة فكانت ثيبا رجمت وكذلك إن كان في يوم بارد أو ساعة صائفة لأن القتل يأتي عليها وإن كانت بكرا لم تحد حتى تصح وينقص البرد والحر ثم تحد وإنما قلت تحد إذا التعن الزوج لقول الله تعالى {ويدرأ عنها العذاب} الآية
(قال الشافعي): والعذاب الحد فكان عليها أن تحد إذا التعن الزوج ولم تدرأ عن نفسها بالالتعان، قال ولو غابت أو عتهت أو غلبت على عقلها فإذا حضرت وثاب إليها عقلها التعنت فإن لم تفعل حدت وإن لم يثب إليها عقلها فلا حد ولا التعان لأنها ليست ممن عليها الحدود، ولو قال الزوج لا ألتعن وأمر بأن يقام عليه الحد فضرب بالسياط فلم يتمه حتى قال أنا ألتعن قبلنا ذلك منه ولا شيء له فيما ناله من الحد ولو أتى على نفسه كما يقذف المرأة فيقال ائت ببينة فيقول لا آتي بها فيضرب بعض الحد ثم يقول أنا آتي بهم فيكون ذلك له ولو قيل للمرأة التعني فأبت فأمر بها يقام عليها الحد فأصابها بعضه ثم قالت أنا ألتعن تركت حتى تلتعن بهذا المعنى ولو قذف الرجل امرأته ونفى ولدها ثم خرس أو ذهب عقله فمات الولد قبل أن يفيق فأخذ
له ميراثه منه ثم أفاق الزوج فالتعن ونفى الولد عنه رد الميراث ولو قذف امرأته بولد فصدقته لم يكن عليه حد ولا لعان لها ولا ينفى الولد وإن صدقته حتى يلتعن الزوج فينفى عنه بالتعانه.
(قال الشافعي): الولد للفراش والأصل أن ولد الزوجة للزوج بغير اعتراف مات الزوج أو عاش ما لم ينفه أو يلاعن ولازم للمعتوه ولا احتياج إلى دعوة ولد الزوجة، قال ولا ينفى الولد عن الزوج إلا في مثل الحال التي نفى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك «أن العجلاني قذف امرأته وأنكر حملها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلاعن بينهما ونفى الولد عنه» قال وأظهر العجلاني قذفها عند استبانة حملها وإذا علم الزوج بالولد وأمكنه الحاكم فأتى الحاكم فنفاه لاعن بينهما وإن علم وأمكنه الحاكم فترك ذلك وقد أمكنه إمكانا بينا ثم نفاه لم يكن ذلك له كما يكون أصل بيع الشقص صحيحا فيكون للشفيع أخذه إذا أمكنه فإن ترك ذلك في تلك المدة لم تكن له شفعة وهكذا كل من له شيء في مدة دون غيرها فمضت لم يكن له ولو جحد بأن يكون يعلم بالولد فيكون له نفيه حتى يقر به جاز بعد أن يكون الولد شيخا وهو يختلف معه اختلاف ولده.
قال وإمكان الانتقاء من الولد أن يعلم به ويمكنه أن يلقى الحاكم ويكون قادرا على لقائه أو له من يلقاه له فإذا كان هذا هكذا فلم ينفه لم يكن له نفيه ولا وقت في هذا إلا ما وصفت ولو قال قائل فإذا كان حاضرا فكان هذا فالمدة التي ينقطع فيها أن يكون له نفيه فيها ثلاثة أيام كان مذهبا محتملا فإن لم يصل إلى الحاكم أو مرض أو شغل أو حبس فأشهد فيها على نفيه ثم طلب بعدها كان مذهبا لما وصفنا في غير هذا الموضع من أن الله تعالى منع من قضى بعذابه ثلاثا «وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للمهاجر بعد قضاء نسكه بمقامه ثلاثا بمكة»، قال وأي مدة قلت له نفيه فأشهد على نفيه وهو مشغول بأمر يخاف فوته أو بمرض لم ينقطع نفيه وإن كان غائبا فبلغه فأقام وهو يمكنه المسير لم يكن له نفيه إلا بأن يشهد أنه على نفيه ثم يقدم، قال وإن قال قد سمعت بأنها ولدت ولم أصدق فأقمت فالقول قوله أو قال لم أعلم فالقول قوله ولو كان حاضرا ببلدها فقال لم أعلم أنها ولدت فالقول قوله وعليها البينة، قال وإن كان مريضا لا يقدر على الخروج أو محبوسا أو خائفا فكل هذا عذر فأي هذه الحال كان فله أن ينفيه حتى تأتي المدة التي لا يكون له بعدها نفيه.
وهكذا إن كان غائبا ولو نفى رجل ولد امرأته قبل موتها ثم مات قبل أن يلاعنها أو ماتت قبل أن ينتفي من ولدها ثم انتفى منه التعن ونفاه وسواء كانت ميتة أو حية وإذا قذفها ثم ماتت أو قذفها بعد الموت وانتفى من ولدها فلم يلتعن فلورثتها أن يحدوه.
الوقت في نفي الولد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا أقر الرجل بحبل امرأته، فولدت ولدا في ذلك الحبل أو أكثر ثم نفى الولد أو الولدين من الحمل لم يكن منفيا عنه بلعان ولا غيره وإن قذفها مع نفيه فطلبت الحد حد لها وإن لم تطلبه لم يحد لها، وإن لم يقذفها وقال لم تلدي هذا الولد الذي أقررت به ولا من الحمل الذي أقررت به فالولد لاحق ولا حد لها ولا لعان، فإن قال أقررت أن الحمل مني وأنا كاذب ولا أقذفك أحلف ما أراد قذفها إذا طلبت ذلك فإن حلف لم يحد وإن لم يحلف فحلفت لقد أراد قذفها
حد، قال والإقرار باللسان دون الصمت فلو أن رجلا رأى امرأته حبلى فلم يقل في حبلها شيئا ثم ولدت فنفاه فيسأل هل أقررت بحبلها؟ فإن قال لا أو قال كنت لا أدري لعله ليس بحمل لاعن ونفاه إن شاء وإن قال بلى أقررت بحملها وقلت لعله يموت فأستر عليها وعلى نفسي لزمه ولم يكن له نفيه ولو ولدت ولدا وهو غائب فقدم فنفاه حين علم به وقال لم أعلم به في غيبتي كان له نفيه بلعان ولو قالت قد علم به وأقر، فقال: قيل لي ولم أصدق وما أقررت به حلف ما أقر به وكان له نفيه ولو كان حاضرا أو غائبا فهنئ به فرد على الذي هنأه به خيرا ولم يقرر به لم يكن هذا إقرارا لأنه يكافئ الدعاء بالدعاء ولا يكون إقرارا كما لو قال له رجل بارك الله تعالى لك في تزويجك أو في مولودك فدعا له ولم يتزوج ولم يولد له لم يكن هذا إقرارا بتزويج ولا ولد.
ما يكون قذفا وما لا يكون
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا لعان حتى يقذف الرجل امرأته بالزنا صريحا لقول الله عز وجل {والذين يرمون أزواجهم} قال فإذا فعل فعليه اللعان إن طلبته وله نفي ولده وحمله إذا قال هو من الزنا الذي رميتها به ولو ولدت ولدا فقال ليس بابني أو رأى حملا فقال ليس مني ثم طلبت الحد فلا حد ولا لعان حتى يقفه في الولد فيقول لم قلت هذا؟ فإن قال لم أقذفها ولكنها لم تلده أو ولدته من زوج غيري قبلي وقد عرف نكاحها فلا يلحقه نسبه إلا أن تأتي بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته في وقت يعلم أنها كانت فيه زوجته يمكن أن تلد منه عند نكاحها في أقل ما يكون من الحمل أو أكثره فإن لم يكن لها أربع نسوة يشهدن فسألت يمينه ما ولدته وهي زوجته أو ما ولدته في الوقت الذي إذا ولدته فيه لحقه نسبه أحلفناه فإن حلف برئ وإن نكل أحلفناها فإن حلفت لزمه وإن لم تحلف لم يلزمه
(قال الربيع) - رحمه الله - وفيه قول آخر أنها وإن لم تحلف لزمه الولد لأن للولد حقا في نفسه وتركها اليمين لا يبطل حقه في نفسه فلما لم تحلف فتبرأ لزمه الولد
(قال الشافعي): ولو جاءت بأربع نسوة يشهدن أنها ولدته وهي زوجته أو في وقت من الأوقات يدل على أنها ولدته بعد تزويجه إياها بما يمكن أن يكون منه ويحددن حدا علمنا أن ذلك بعدما تزوجها بستة أشهر فأكثر ألحقت الولد به، قال وإنما قلت إذا نفى الرجل حمل امرأته ولم يقذفها بزنا لم ألاعن بينهما لأنه قد يكون صادقا فلا يكون هذا حملا وإن نفى ولدا ولدته ولم يقذفها وقال لا ألاعنها ولا أقذفها لم يلاعنها ولزمه الولد وإن قذفها لاعنها لأنه إذا لاعنها بغير قذف فإنما يدعي أنها لم تلده وقد حكمت أنها قد ولدته وإنما أوجب الله عز وجل اللعان بالقذف ولا يجب بغيره.
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا لاعن الرجل امرأته بولد فنفاه عنه ثم جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر وما يلزم به نسب ولد المبتوتة فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان فإن نفاه بلعان فذلك له، وإذا ولدت امرأة الرجل ولدين في بطن فأقر بالأول ونفى الآخر أو أقر بالآخر ونفى الأول فهو سواء وهما ابناه ولا يكون حمل واحد بولدين إلا من واحد، فإذا أقر بأحدهما لم يكن له نفي الآخر الذي ولد معه في بطن كما لا يكون له نفي الولد الذي أقر به وإن كان نفي أيهما نفي بقذف لأمه فطلبت حدها فعليه الحد، وإذا ولدت ولدا فنفاه فمات الولد قبل يلتعن الأب فإن التعن الأب نفي عنه المولود، ولو كان رجل جنى على المولود فقتله فأخذ الأب ديته أو جنى عليه جنينا فأخذ الأب ديته ردها الأب إذا نفى عنه فهو غير أبيه، وهكذا لو ولد له ولدان فمات أحدهما ثم نفاهما فالتعن نفي عنه الميت والحي ولو
ولدت له ولدا فنفاه بلعان ثم ولدت آخر بعده بيوم فأقر به لزماه جميعا لأنه حبل واحد وحد لها إن كان قذفها وطلبت ذلك (قال): ولو لم ينفه ولم يقر به وقف فإن نفاه وقال اللعان الأول يكفيني لأنه حبل واحد لم يكن ذلك له حتى يلتعن من الآخر ولو ولدا معا لم يلتعن إلا بنفيهما معا وكذلك لو التعن من الأول ثم الثاني ثم نفى الثالث التعن به أيضا لا ينفى ولد حادث إلا بلعان به بعينه ولو قذف رجل امرأته وبها حمل أو معها ولد وأقر بالحمل والولد أو لم ينفه كان لازما له لأنها قد تزني وهي حبلى منه والولد منه ويلتعن للقذف أو يحد إن طلبت ذلك ولو قال رجل لامرأته زنيت وأنت صغيرة أو قال لامرأته وقد كانت نصرانية أو أمة زنيت وأنت نصرانية أو أمة أو قال لامرأته زنيت مستكرهة أو أصابك رجل نائمة أو زنى بك صبي لا يجامع مثله لم يكن عليه حد في شيء من هذا، وإن كان أوقع هذا عليها قبل نكاحها لم يكن عليه لعان وعزر للأذى وإن كان أوقع هذا عليها وهي امرأته ولم ينسبه إلى حين لم تكن له فيه امرأة فلا حد عليه وإن التعن فلا يعزر وتقع الفرقة وإن لم يلتعن عزر للأذى ولو قال لامرأة إن تزوجتك فأنت زانية أو إذا تزوجتك فأنت زانية أو قال لامرأته إذا قدم فلان فأنت زانية أو خيرها فقال إن اخترت نفسك فأنت زانية فلا حد ولا لعان ويؤدب إن طلبت ذلك على إظهار الفاحشة قبل أن ينكحها وقبل أن تختار وبعد النكاح والاختيار ولو قال رجل لامرأته يا زانية فقالت زنيت بك وطلبا معا مالهما سألناها فإن قالت عنيت أنه أصابني وهو زوجي حلفت ولا شيء عليها لأن إصابته إياها ليست بزنا وعليه أن يلتعن أو يحد، وإن قالت زنيت به قبل أن ينكحني فهي قاذفة له وعليها الحد ولا حد عليه لأنها مقرة بالزنا ولا لعان ولو قال لها يا زانية فقالت أنت أزنى مني فعليه الحد أو اللعان ولا شيء عليها في قولها أنت أزنى مني لأنه ليس بقذف بالزنا إذا لم ترد به القذف ولو قال لها أنت أزنى من فلانة لم يكن هذا قذفا ولا لعان ولا حد ويؤدب في الأذى فإن أراد به القذف فعليه الحد أو اللعان ولو قال لها أنت أزنى الناس لم يكن قاذفا إلا بأن يريد القذف ويعزر وهذا لأن هذا أكبر من قوله أنت أزنى من فلانة ولو قال لامرأته يا زان كان عليه الحد أو اللعان وهذا ترخيم كما يقول الرجل لمالك يا مال ولحارث يا حار ولو قال لها زنأت في الجبل أحلفناه بالله ما أراد قذفها بالزنا ولا لعان ولا حد لأن زنأت في الجبل رقيت في الجبل ولو قالت له هي يا زانية فعليها الحد لأنها قد أكملت القذف وزادته حرفا أو اثنين وإذا قال الرجل لامرأته زنيت قبل أن أتزوجك حد ولا لعان لأنه أوقع القذف وهي غير زوجة ولو جعلته يلاعن لأنه إنما تكلم بالقذف الآن جعلته يلاعن أو يحد إذا قال الرجل لامرأة له بالغ زنيت وأنت صغيرة ولكني أنظر إلى يوم تكلم به لأن القذف يوم يوقعه ولو قذف رجل امرأة بالزنا قبل أن ينكحها فطلبته بالحد حد ولا لعان لأن القذف كان وهي غير زوجة ولو قذفها بالزنا ولم تطلبه بالحد حتى نكحها ثم قذفها ولاعنها وطلبته بحد القذف قبل النكاح حد لها ولو لم يلاعنها حتى حده لها الإمام في القذف الأول ثم طلبته بالقذف بعد النكاح لاعن أو حد ولو طلبته بهما معا حده بالقذف الأول وعرض عليه اللعان بالقذف الآخر فإن أبى حده أيضا لأن حكمه قاذفا غير زوجة الحد، وحكمه قاذفا زوجة حد أو لعان فإذا التعن فالفرقة واقعة بينهما وإن لم أحده وألاعن بينهما لم يكن حده في القذف بأوجب علي من حمله على اللعان أو الحد في القذف الآخر وكان لغيري أن لا يحده ولا يلاعن وإذا جاز طرح اللعان بقذف زوجة وحد أو طرح الحد باللعان جاز طرحهما معا وكذلك لو قذفها وامرأة معها أجنبية في كلمة واحدة حد للأجنبية ولاعن امرأته أو حد لها.
ولو قذف أربع نسوة له بكلمة واحدة أو كلمات فقمن معا أو متفرقات لاعن كل واحدة منهن أو حد لها وأيتهن لاعن سقط حدها وأيتهن نكل عن أن يلتعن حد لها إذا طلبت حدها ويلتعن لهن واحدة واحدة وإذا تشاححن أيتهن تبدأ؟ أقرع بينهن فأيتهن بدأ الإمام بها بغير قرعة رجوت للإمام أن لا يأثم لأنه لا يمكنه أن يأخذ ذلك إلا واحدا واحدا إذا طلبته واحدة واحدة ولو قذف رجل امرأته بزنين في ملكه التعن مرة أو حد مرة لأن حكمهما واحد وكذلك لو قذف امرأة أجنبية مرتين كان حدا واحدا ولو قذف رجل نفرا بكلمة واحدة أو كلمات كان لكل واحد منهم حده ولو قال رجل لامرأته أنت طالق ثلاثا أو طالق واحدة لم يبق له عليها من الطلاق إلا هي أو طالق ولم يدخل بها أو أي طلاق ما كان لا رجعة له عليها بعده وأتبع الطلاق مكانه يا زانية حد ولا لعان إلا أن يكون ينفي به ولدا أو حملا فيلاعن للولد ويوقف الحمل فإذا ولدت التعن فإن لم تلد حد ولو بدأ فقال يا زانية أنت طالق ثلاثا التعن لأن القذف وقع وهي امرأته ولو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية حد ولا لعان إلا أن ينفي ولدا فيلاعن به ويسقط الحد ولو قذف رجل امرأته فصدقته ثم رجعت فلا حد ولا لعان إلا أن ينفي ولدا فلا ينفي إلا بلعان ولو قذف رجل امرأته ثم زنت بعد القذف أو وطئت وطئا حراما فلا حد ولا لعان إلا أن ينفي ولدا أو يريد أن يلتعن فيثبت عليها الحد إن لم تلتعن.وإذا قذف رجل امرأته فارتدت عن الإسلام وطلبت حدها لاعن أو حد لأن القذف كان وهي زوجة مسلمة ولو كان هو المرتد كان هكذا ولا يشبه هذا أن يقذفها ثم تزني لأن زناها دليل على صدقه بزنيتها وردتها لا تدل على أنها زانية وإذا كانت تحت المسلم ذمية فقذفها ثم أسلمت فطلبت حدها لاعن أو عزر ولا حد لأن القذف كان وهي كافرة وكذلك لو كانت مملوكة فعتقت أو صبية فبلغت وإذا ملك الرجل امرأته أمرها فاختارت نفسها ثم قذفها فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة لاعن أو حد وإن كان لا يملك الرجعة حد ولا يلاعن فإن قذفها ثم طلقها لاعن لأن القذف كان وهي زوجة وإذا طلق الملاعن امرأته لم يقع عليها الطلاق وللملاعنة السكنى ولا نفقة لها وإذا لاعن الرجل امرأته ونفى عنه ولدها ثم أقر به وأكذب نفسه حد إن طلبت الحد وألحق به الولد وهكذا لو أقر به الأب وهو مريض فطلبت حدها فلم يحد حتى مات فهو ابنه يرثه ويثبت نسبه منه وإن لم يحد لأمه ولو كانت المسألة بحالها وكان الابن هو الميت والأب هو الحي فادعاه بعد الموت وللابن مال أو لا مال له أو له ولد أو لا ولد له ثبت نسبه منه وورثه الأب ولو كان قتل فانتسب إليه أخذ حصته من ديته ولو كان الولد المنفي عن أبيه منع ميراثه من قبل أبيه في حياته لأنه كان منفيا عن ميراثه الذي منعه لأن أصل أمره أن نسبه ثابت فإنه إنما هو منفي ما كان أبوه ملاعنا مقيما على نفيه باللعان وإذا التعن الزوجان بولد أو غير ولد ثم قذف الزوج امرأته التي لاعن فلا حد عليه كما لو حد لها بقذف فقذفها لم يحد ثانية ونهي عن قذفها فإن انتهى وإلا عزر وإذا قذفها غير الزوج الذي لاعنها فعليه الحد وإذا قال رجل لابن ملاعنة لست ابن فلان أحلف ما أراد قذف أمه ولا حد عليه لأنا قد حكمنا أنه ليس ابنه ولو أراد قذف أمه حددناه ولو قال بعدما يقر الذي نفاه أنه ابنه أو يكذب نفسه لست ابن فلان كان قاذفا لأمه فإن طلبت الحد حد لها إن كانت حرة مسلمة وإن كانت كافرة أو أمة عزر وإذا قذف الرجل المرأة فقال أنت أمة أو كافرة فعليها البينة أنها حرة مسلمة والقول قوله مع يمينه إن لم تكن بينة لأنه يؤخذ منه الحد ولو ادعى الأب الولد فطلبت المرأة حدها حد لها ولزمه وإن لم تطلبه لزمه الولد ولا يحد ومتى طلبته حد لها ولو قذفها قبل الحد ثم طلبت منه الحد حد لها حدا واحدا لأن اللعان بطل وصار مفتريا عليها مرتين فأما الأجنبي فيحد لها قبل اعتراف الأب بالولد وبعده ولو قامت بينة على الأب أنه أكذب نفسه في اللعان أو أقر بالولد لزمه وإن جحد وحد إن طلبت الحد ولو أقامت بينة أنه قذفها وأكذب نفسه حد ولم يلتعن إذا طلبت وإن جحد ذلك كله ولو قال رجل لامرأته يا
زانية ثم قال عنيت زنأت في الجبل حد أو لاعن لأن هذا ظاهر التزنية ولو وصل الكلام فقال يا زانية في الجبل أحلف ما أراد إلا الرقي في الجبل ولا حد فإن لم يحلف حد لها إذا حلفت لقد أراد القذف ولو قال لها يا فاجرة أو يا خبيثة أو يا جرية أو يا غلمة أو يا ردية أو يا فاسقة وقال لم أرد الزنا أحلفه ما أراد تزنيتها وعزر في أذاها ولو قال لها يا غلمة أو يا شبقة أو ما أشبه هذا لم يكن في شيء من هذا قذف وكذلك لو قال لها أنت تحبين الجماع أو تحبين الظلمة أو تحبين الخلوات فعليه في هذا كله إن طلبت اليمين يمينه.
الشهادة في اللعان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا جاء الزوج وثلاثة يشهدون على امرأته معا بالزنا لاعن الرجل فإن لم يلتعن حد لأن حكم الزوج غير حكم الشهود والشهود لا يلاعنون بحال ويكونون عند أكثر المفتين قذفة يحدون إذا لم يتموا أربعة، والزوج منفردا يلاعن ولا يحد قال وإذا زعم الزوج أنه رآها تزني فبين أنها قد وترته في نفسه بأعظم من أن تأخذ أكثر ماله أو تشتم عرضه أو تناله بشديد ضرب من أجل ما يبقى عليه من العار في نفسه بزناها عنده على ولده فلا عداوة تصير إليهما فيما بينها وبينه أكثر من هذا تكاد تبلغ هذا ونحن لا نجيز شهادة عدو على عدوه والأجنبي يشهد عليها ليس مما وصفت بسبيل وسواء قذف الزوج امرأته أو جاء شاهدا عليها بالزنا هو بكل حال قاذف فإن جاء بأربعة يشهدون على المرأة بالزنا حدت ولم يلاعن إلا أن ينفي ولدا لها بذلك الزنا فيحد أو يلتعن فينفي الولد، وإن قذفها وانتفى من حملها وجاء بأربعة يشهدون عليها بالزنا لم يلاعن حتى تلد فيلتعن إن أراد نفي الولد فإن لم يلتعن لم تنفه عنه، ولم تحد حتى تلد وتحد بعد الولادة، ولو جاء بشاهدين يشهدان على إقرارها بالزنا وهي تجحد فلا حد عليها ولا عليه ولا لعان، ولو كان الشاهدان ابنيه منها أو من غيرها لم تجز شهادتهما، ولا تجوز شهادة الولد لوالده، ولو كان الشاهدان ابنيها من غيره جازت شهادتهما عليها لأنهما يبطلان عنه حدها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (234)
صــــــــــ 1 الى صـــــــــــ 6
ولا يثبت عليها بالاعتراف شيء من الحد إلا أن تشاء هي أن يثبت عليها فتحد،
وإذا قذف الرجل امرأته ثم جاء بأربعة شهداء متفرقين يشهدون عليها بالزنا سقط عنه الحد وحدت، وإن كان نفى مع ذلك ولدا لم ينف عنه حتى يلتعن هو ولو شهد ابنا المرأة على أبيهما أنه قذف أمهما والأب يجحد والأم تدعي فالشهادة باطلة لأنهما يشهدان لأمهما وكذلك لو شهد أبوها وابنها أو شهد رجل وامرأتان لا تجوز شهادة النساء في غير الأموال وما لا يراه الرجال ولو شهد لامرأة ابنان لها على زوج لها غير أبيهما أنه قذفها أو على أجنبي أنه قذفها لم تجز شهادتهما لأمهما، ولو شهد شاهد على رجل أنه قذف امرأته بالزنا يوم الخميس وشهد آخر أن الزوج أقر أنه قذفها بالزنا يوم الخميس وهو يجحد لم يكن عليه حد ولا لعان لأن الإقرار بالقذف غير قول القذف، ولو شهد رجل أنه قذفها بالزنا يوم الخميس وشهد آخر أنه قذفها بالزنا يوم الجمعة لم تجز شهادتهما، ولو شهد شاهد أنه قذف امرأته بالزنا والآخر أنه قال لابنها منه يا ولد الزنا لم تجز الشهادة فإذا لم تجز فلا حد ولا لعان، وإن طلبت أن يحلف لها أحلف بالله ما قذفها فإن حلف برئ وإن نكل حلفت لقد قذفها ثم قيل له إن التعنت وإلا حددت، وكذلك لو ادعت عليه القذف ولم تقم عليه شاهدا حلف، ولو شهد شاهد أنه قذفها بالفارسية وآخر أنه قذفها بالعربية في مقام واحد أو مقامين فسواء لا تجوز الشهادة لأن كل واحد من هذا كلام غير الكلام الآخر.
ولو شهد عليه شاهد أنه قال لها زنى بك فلان وآخر أنه قال لها زنى بك فلان رجل آخر لم تجز الشهادة لأن
هذين قذفان مفترقان بتسمية رجلين مفترقين، ولو قذفها برجل بعينه فجاءت تطلب الحد وجاء الرجل يطلب الحد قيل له إن التعنت فلا حد للرجل وإن لم تلتعن حددت لهما حدا واحدا لأنه قذف واحد، وإن جاء الرجل يطلب الحد قبل المرأة والمرأة ميتة أو حية التعن وبطل عنه الحد فإن لم يلتعن حد، وكذلك إن كانت المرأة حية ولم تطلب الحد أو ميتة ولم يطلب ذلك ورثتها قيل له إن شئت التعنت فدرأت حد المرأة والرجل، وإن شئت لم تلتعن فحددت لأيهما طلب فإن جاء الآخر فطلب حده لم يكن له لأن حكمه حكم الواحد إذا كان لعان واحد، وإذا شهد عليه شاهدان أنه قذف أمهما وامرأته في كلمتين متفرقتين جازت شهادتهما لغير أمهما وبطلت لأمهما وسواء كانت المقذوفة مع أمهما امرأة القاذف وأمهما امرأته أو لم يكونا أو كانت إحداهما ولم تكن الأخرى، وإذا شهد شاهدان على زوج بقذف حبس حتى يعدلا فيحد أو يلتعن وإن شهد شاهد فشاءت أن يحلف أحلف وإن لم تشأ لم يحبس بشاهد واحد، ولا يقبل في رجل في حد ولا لعان، وإذا شهد ابنا الرجل على أبيهما وأمهما امرأة أبيهما أنه قذف امرأة له غير أمهما جازت شهادتهما لأنهما شاهدان عليه بحد وللأب أن يلتعن وليس ذلك عليه فالتعانه إحداث طلاق ولم يشهدا عليه بطلاق، ولو شهدا أنه طلق امرأة له غير أمهما فقد قيل ترد شهادتهما لأن أمهما تنفرد بأبيهما وما هذا عندي ببين لأن لأبيهما أن ينكح غيرها ولا أعلم في هذا جر منفعة إلى أمهما بشهادتهما، وكل من قلت تجوز شهادته فلا تجوز حتى يكون عدلا، ولو أن شاهدين شهدا على رجل بقذف امرأته أو غيرها ثم ماتا مضى عليه الحد أو اللعان، وكذلك لو عميا ولو تغيرت حالاهما حتى يصيرا ممن لا تجوز شهادتهما بفسق فلا حد ولا لعان حتى يكونا يوم يكون الحكم بالحد واللعان غير مجروحين في أنفسهما.
(قال): وتقبل الوكالة في تثبيت البينة على الحدود فإذا أراد القاضي يقيم الحد أو يأخذ اللعان أحضر المأخوذ لها الحد واللعان إن كانت حية حاضرة، وإذا شهد شاهدان على قذف وهما صغيران أو عبدان أو كافران فأبطلنا شهادتهما ثم بلغ الصغيران وعتق العبدان وأسلم الكافران فأقامت المرأة البينة بالقذف أجزنا شهادتهم لأنا ليس إنما رددناها بأن لم يكونوا شهودا عدولا في تلك الحال وسواء كانوا عدولا أو لم يكونوا عدولا، ولو كان شهد على ذلك حران مسلمان مجروحان في أنفسهما فأبطلت شهادتهما ثم عدلا وطلبت المرأة حدها لم يكن لها من قبل أنا حكمنا على هذين بأن شهادتهما باطلة ومثلهما في تلك الحال قد يكون شاهدا لو كان عدلا غير عدو.
ولو شهد هؤلاء على رؤية أو سماع يثبت حقا لأحد أو عليه في تلك الحال التي لا يجوز فيها شهادتهم وأقاموا الشهادة عليه في الحال التي يجوز فيها شهادتهم أجزتها، وكذلك أن يكون عدوان لرجل أو فاسقان سمعا رجلا يقذف امرأة فلم تطلب ذلك المرأة أو طلبته فلم يشهدا حتى ذهبت عداوتهما للرجل أو عدلا جازت شهادتهما لأنه لم يحكم برد شهادتهما حتى يشهدا، وكذلك العبيد يسمعون والصبيان والكفار ثم لا يقيمون الشهادة إلا بعد أن يبلغ الصبيان أو يعتق العبيد ويسلم الكفار فإذا قذف الرجل امرأته فأقر أو أقامت عليه بينة فجاء بشاهدين يشهدان على إقرارها بالزنا فلا حد عليه ولا لعان ولا عليها ولا يقام عليها حد بأحد يشهد عليها بإقرار وإن كانوا أربعة حتى تقر هي وتثبت على الإقرار حتى يقام عليها الحد، ولو جاء بشاهد وامرأتين يشهدون على إقرارها بالزنا فلا حد عليها ولا يدرأ عنه الحد لأن شهادة النساء لا تجوز في هذا ويحد أو يلاعن، وكذلك لو شهد عليها ابناها منه بالإقرار بالزنا كانت شهادتهما لأبيهما باطلا وحد أو لاعن، ولو عفت امرأته عن القذف أو أجنبية ثم أرادت القيام به عليه بعد العفو لم يكن لها، ولو أقرت بالزنا فلا حد ولا لعان على الزوج، ولو شهد شاهدان على رجل قد ادعيا عليه أنه قذفهما ثم
شهدا أنه قذف امرأته أو قذف امرأته ثم قذفهما لم أجز شهادتهما للمرأة لأن دعواهما عليه القذف عداوة وخصومة ولو عفوا القذف لم أجز شهادتهما عليه لامرأته إلا أن لا يشهدا عليه إلا بعد عفوهما عنه وبعد أن يرى ما بينه وبينهما حسن لا يشبه العداوة فأجيز شهادتهما لامرأته لأني قد اختبرت صلحه وصلحهما بعد الكلام الذي كان عداوة وليسا له بخصمين ولا يجرحان بعداوة ولا خصومة، وإذا أقرت المرأة بالزنا مرة فلا حد على قذفها.
وإذا شهد شاهدان على رجل أنه قذف امرأته فأقام الزوج شاهدين أنها كانت أمة أو ذمية يوم وقع القذف فلا حد ولا لعان ويعزر إلا أن يلتعن ولو كان شاهدا المرأة شهدا أنها كانت يوم قذفها حرة مسلمة لأن كل واحدة من من البينتين تكذب الأخرى في أن لها الحد فلا يحد ويعزر إلا أن يلتعن، ولو لم يقم بينة وشهد شاهداها على القذف ولم يقولا كانت حرة يوم قذفت ولا مسلمة وهي حين طلبت حرة مسلمة فقال الزوج كانت يوم قذفتها أمة أو كافرة كان القول قوله ودرأت الحد عنه حتى تقيم البينة أنها كانت حرة مسلمة فإن كانت حرة الأصل أو مسلمة الأصل فالقول قولها وعليه الحد أو اللعان إلا أن يقيم البينة على أنها كانت مرتدة يوم قذفها
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قذف الرجل امرأته فادعى بينة على أنها زانية أو مقرة بالزنا وسأل الأجل لم يؤجل في ذلك أكثر من يوم أو يومين فإن لم يأت ببينة حد أو لاعن، وإذا قذف الرجل امرأته فرافعته وهي بالغة فقال قذفتك وأنت صغيرة فالقول قوله وعليها البينة أنه قذفها كبيرة، ولو أقام البينة أنه قذفها وهي صغيرة وأقامت هي البينة أنه قذفها كبيرة لم يكن هذا اختلافا من البينة وكان هذان قذفين قذفا من الصغر وقذفا في الكبر وعليه الحد إلا أن يلاعن ولو اتفق الشهود على يوم واحد فقال شهود المرأة كانت حرة مسلمة بالغة وشهود الرجل كانت صبية أو غير مسلمة فلا حد ولا لعان لأن كل واحدة من البينتين تكذب الأخرى، ولو أقامت المرأة بينة أن الزوج أقر بولدها لم يكن له أن ينفيه فإن فعل وقذفها فمتى أقامت المرأة البينة أن زوجها قذفها بعد أو أقر أخذ لها بحدها إلا أن يلاعن فارقها أو لم يفارقها، ولو فارقها وكانت عند زوج غيره فطلبت حدها حد لها إلا أن يلتعن، أخبرنا الربيع قال الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها أو عن غير حمل قال يلاعنها.
(قال الشافعي): من حلف بالله أو باسم من أسماء الله تعالى فعليه الكفارة إذا حنث ومن حلف بشيء غير الله فليس بحالف ولا كفارة عليه إذا حنث، والمولي من حلف بالذي يلزمه به كفارة.
ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه فأوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولي لأنه لم يعد إن كان ممنوعا من الجماع إلا بشيء يلزمه ما ألزم نفسه مما لم يكن يلزمه قبل إيجابه أو كفارة يمين ومن أوجب على نفسه شيئا لا يجب عليه ما أوجب ولا بدل منه فليس بمول وهو خارج من الإيلاء.
كتاب جراح العمد
أصل تحريم القتل من القرآن
أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به} الآية وقال الله عز وجل {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما} الآية وقال الله تبارك وتعالى {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} وقال {أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض} الآية، وقال الله عز وجل {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر} إلى {فأصبح من النادمين} وقال عز وجل {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} الآية.
قتل الولدان
(قال الشافعي): - رحمه الله - قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} الآية وقال جل ثناؤه {وإذا الموءودة سئلت - بأي ذنب قتلت} وقال {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} (قال الشافعي): كان بعض العرب تقتل الإناث من ولدها صغارا خوف العيلة عليهم، والعار بهم فلما نهى الله عز ذكره عن ذلك من أولاد المشركين دل على تثبيت النهي عن قتل أطفال المشركين في دار الحرب وكذلك دلت عليه السنة مع ما دل عليه الكتاب من تحريم القتل بغير حق قال الله عز وجل {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم} الآية (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي معاوية عمرو النخعي قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول سمعت «ابن مسعود يقول سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الكبائر أكبر؟ فقال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك».
تحريم القتل من السنة
أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والذي يحل أن يعمد مسلم بالقتل
ثلاث: كفر ثبت عليه بعد إيمانه أو زنا بعد إحصانه أو قتل نفس عمدا بغير حق وهذا موضوع في مواضعه (قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبد الله بن عدي بن الخيار «عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» (قال الربيع) معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك " يريد أنه حرام الدم قبل أن تقتله وإنك بمنزلته مباح الدم يريد بقتله قبل أن يقول كلمته التي قال إذ كان مباح الدم قبل أن يقولها لا أن يكون كافرا مثله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل نفسه بشيء من الدنيا عذب به يوم القيامة» أخبرنا مسلم بن خالد بإسناد لا يحضرني ذكره «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقتيل فقال من به فلم يذكر له أحد فغضب ثم قال والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء وأهل الأرض لأكبهم الله في النار» وأخبرنا مسلم أيضا بإسناد لا أحفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قتل المؤمن يعدل عند الله زوال الدنيا» أخبرنا الثقة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أعان على قتل امرئ مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله» مع التشديد في القتل.
جماع إيجاب القصاص في العمد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله جل وعز {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} (قال الشافعي): في قول الله عز وجل {فلا يسرف في القتل} لا يقتل غير قاتله وهذا يشبه ما قيل والله أعلم قال الله عز وجل {كتب عليكم القصاص في القتلى} فالقصاص إنما يكون ممن فعل ما فيه القصاص لا ممن لم يفعله فأحكم الله - عز ذكره - فرض القصاص في كتابه وأبانت السنة لمن هو وعلى من هو (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال «وجد في قائم سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب إن أعدى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم -» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي - رضي الله عنه - ما كان في الصحيفة التي كانت في قراب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كان فيها
«لعن الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير ولي نعمته فقد كفر بما أنزل الله - جل ذكره - على محمد - صلى الله عليه وسلم -» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم أو عن عيسى بن أبي ليلى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به إلا أن يرضى ولي المقتول فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل» أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن سعيد بن أبجر عن إياد بن لقيط «عن أبي رمثة قال دخلت مع أبي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أبي الذي بظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعني أعالج هذا الذي بظهرك فإني طبيب فقال: أنت رفيق وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا معك فقال: ابني أشهد به فقال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه». .
من عليه القصاص في القتل وما دونه
(قال الشافعي): لا قصاص على من لم تجب عليه الحدود، وذلك من لم يحتلم من الرجال أو تحض من النساء أو يستكمل خمس عشرة سنة، وكل مغلوب على عقله بأي وجه ما كانت الغلبة إلا بالسكر فإن القصاص والحدود على السكران كهي على الصحيح وكل من قلنا عليه القصاص فهو بالغ غير مغلوب على عقله والمغلوب على عقله من السكر دون غيره (قال الشافعي): وإذا أقر الرجل البالغ وهو غير محجور عليه بالغ يجوز إقراره أنه جنى جناية عمدا ووصف الجناية فأثبتها، ثم جن أو غلب على عقله فعليه القصاص في العمد منها وأرش الخطأ في ماله ولا يحول ذهاب عقله دون أخذ الحق منه (قال الشافعي): ولو أقر بحق لله من زنا أو ارتد، ثم ذهب عقله لم أقم عليه حد الزنا ولم أقتله بالردة؛ لأني أحتاج إلى ثبوته على الإقرار بالزنا وهو يعقل.
وكذلك أحتاج إلى أن أقول له وهو يعقل: إن لم ترجع إلى الإسلام قتلتك.
(قال الشافعي): ولو أقر وهو بالغ أنه جنى على رجل جناية عمدا وقال كنت يوم جنيت عليه صغيرا كان القول قوله في أن لا قود عليه وعليه أرشها في ماله خطأ فإن أقر بها خطأ لم يضمن العاقلة ما أقر به وضمنه هو في ماله ولو قال: كنت يوم جنيتها عليه ذاهب العقل بالغا فإن كان يعلم أنه ذهب عقله قبل منه وإن لم يعلم أقيد المجني عليه منه (قال الشافعي): وحيث قبلت منه فعليه اليمين إن طلبها المدعي (قال الشافعي): ولو شهد الشهود على رجل أنه جنى على رجل جناية عمدا سألتهم أكان بالغا أو صغيرا؟. فإن لم يثبتوه بالغا والمشهود عليه ينكر الجناية أو يقول: كانت وأنا صغير جعلتها جناية صغير وجعلت أرشها في ماله ولم أقد منه.
(قال): ولو أن رجلا يجن ويفيق جنى على رجل فقال جنيت عليه في حال جنونه كان القول قوله، ولو شهد الشهود عليه بالجناية ولم يثبتوا كان ذلك في حال جنونه أو إفاقته كان هكذا وإن أثبتوا أنه كان في حال إفاقته فعليه القصاص وهكذا من غلب على عقله بمرض أي مرض كان أو وجه من الوجوه ما كان غير السكر ولو أثبتوا أن مجنونا جنى وهو سكران وقالوا: لا ندري ذهاب عقله من السكر أو من العارض الذي به؟ جعلت القول قوله، ولو أثبتوا أنه كان مفيقا من الجنون وأن السكر كان أذهب عقله جعلت عليه القود ولو شهد شهود على أنه جنى مغلوبا على عقله، وآخرون أنه جنى هذه الجناية غير مغلوب على عقله ألغيت البينتين لتكافئهما وجعلت القول قوله مع يمينه ولو كان يجن ويفيق فشهد له شهود بأنه جنى مغلوبا على عقله وقال هو بل جنيت وأنا أعقل قبلت قوله وجعلت عليه القود.
باب العمد الذي يكون فيه القصاص.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال: جماع القتل ثلاثة وجوه: عمد فيه قصاص فلولي المجني عليه عمد القصاص إن شاء وعمد بما ليس فيه قصاص وخطأ فليس في واحد من هذين الوجهين قصاص (قال): فالعمد في النفس بما فيه القصاص أن يعمد الرجل الرجل فيصيبه بالسلاح الذي يتخذ لينهر الدم ويذهب في اللحم، وذلك الذي يعقل كل أحد أنه السلاح المتخذ للقتل والجراح وهو الحديد المحدد كالسيف والسكين والخنجر وسنان الرمح والمخيط وما أشبهه مما يشق بحده إذا ضرب أو رمي به الجلد واللحم دون ثقله فيجرح.
(قال الشافعي): وهو السلاح - والله أعلم - الذي أمر الله عز ذكره أن يؤخذ في صلاة الخوف وكذلك كل ما كان في معناه من شيء له صلابة فحدد حتى صار إذا وجئ به أو رمي به يخرق حده قبل ثقله مثل العود يحدد والنحاس والفضة والذهب وغيره فكل من أصاب أحدا بشيء من هذا جرحه فمات من الجرح ففيه القصاص (قال الشافعي): وإن ضربه بعرض سيف أو عرض خنجر أو مخيط فلم يجرحه فمات فلا قود فيه حتى يكون الحديد جارحا أو شادخا مثل الحجر الثقيل يفضخ به رأسه وعمود الحديد وما أشبهه (قال الشافعي): وكذلك لو ضربه بعمود حديد خفيف لا يشدخ مثله أو بشيء من الحديد لا يشدخ وما كان لا يجرح أو كان خفيفا لا يشدخ، وكذلك لو ضربه بحد السيف أو غيره فلم يجرحه ومات ففيه العقل
(قال الشافعي): وما كان من شيء من الحديد أو غيره على عصا خفيفة شبيهة بالنصيب فضرب به الضربة الواحدة فميت منه فلا قود عليه؛ لأن هذا لا يتخذ لينهر دما ولا يتخذ يمات به وإن قتل قتل بالثقل لا بالحد (قال): وكذلك المعراض يرمي به فلا يجرح ويصيب بعرضه فيموت أو يصيب بنصله فلا يجرح فيموت (قال): وهكذا لو ضربه بحجر لا حد له خفيف فرضخه فمات فلا قود ولو شجه، وكذلك لو ضربه بسوط فبضع فيه أو ضربه أسواطا يرى أن مثله لا يموت من مثلها فلا قود ولو كان نضوا فضربه عشرة أسواط ومثله يموت فيما يرى من مثلها فمات ففيه القود ولو كان محتملا فضربه مائة والأغلب أن مثله لا يموت من مثلها فمات فلا قود وكل حديد له حد يجرح فجرح به جرحا صغيرا أو كبيرا فمات منه ففيه القود؛ لأنه يجرح بحده والحجر يجرح بثقله ولو كان من المرو أو من الحجارة شيء يحدد حتى يمور مور الحديد فجرح به ففيه القود إن مات المجروح وإن ما جاوز هذا فكان الأغلب منه أن من ضرب به أو ألقي فيه أو ألقي عليه لم يعش، فضرب به رجل رجلا أو ألقاه فيه وكان لا يستطيع الخروج منه أو ألقاه عليه فمات الرجل ففيه القصاص، وذلك مثل أن يضرب الرجل بالخشبة العظيمة التي تشدخ رأسه أو صدره فيشدخه أو خاصرته فيقتله مكانه أو ما أشبه هذا مما الأغلب أنه لا يعاش من مثله أو بالعصا الخفيفة فيتابع عليه الضرب حتى يبلغ من عدد الضرب ما يكون الأغلب أنه لا يعاش من مثله، وكذلك السياط وما في هذا المعنى، وذلك أن يضربه على خاصرته أو في بطنه أو على ثدييه ضربا متتابعا أو على ظهره المائتين أو الثلثمائة أو على أليتيه فإذا فعل هذا فلم يقلع عنه إلا ميتا أو مغمى عليه، ثم مات ففيه القود وفي أن يسعر الحفرة حتى إذا انجحمت ألقاه فيها أو يسعر النار على وجه الأرض ثم يلقيه فيها مربوطا أو يربطه ليغرقه في الماء فإن فعل هذا فمات في مكانه أو مات بعد من ألم ما أصابه ففيه القود.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (235)
صــــــــــ 7 الى صـــــــــــ 13
(قال الشافعي): فإذا سعر النار على وجه الأرض فألقاه فيها وهو زمن أو صغير فكذلك وإن ألقاه فيها صحيحا فكان يحيط العلم أنه يستطيع أن يتخلص منها فترك التخلص فمات فلا قود وإن عالج التخلص فغلبه كثرتها أو التهابها، ففيه القود، وكذلك إن ألقي فيها فلم يزل يتحرك يعالج الخروج فلم يخرج حتى مات أو أخرج وبه منها حرق، الأغلب أنه لا يعاش منه فمات منه ففيه القود وإن كان بعض هذا وهو يقدر على التخلص بأن يكون إلى جنب أرض لا نار عليها فإنما يكفيه أن ينقلب فيصير عليها أو يقول أقمت وأنا على التخلص قادر أو ما أشبه هذا مما عليه الدلالة بأنه يقدر على التخلص لم يكن فيه عقل ولا قود وقد قيل: يكون فيه العقل.
وإن ألقاه في ماء قريب من ساحل وهو يحسن العوم ولم تغلبه جرية الماء فمات فلا قود وإن كان لا يحسن العوم وألقاه قريبا من نجوة أرض أو جبل أو سفينة مقيمة وهو يحسن العوم فترك التخلص فلا قود وإن ألقاه في ماء لا يتخلص في الأغلب منه فمات فعليه القود، ولو كان الأغلب أنه يتخلص منه فأخذه حوت فلا قود وعليه العقل (قال أبو محمد) وقد قيل: يتخلص أو لا يتخلص سواء أن لا قود عليه وعليه العقل.
(قال الربيع) وأصح القولين أن لا عقل في النفس ولا قود؛ لأنه هو الذي قتل نفسه إذا كان يقدر أن يتخلص فيسلم من الموت فترك التخلص وعلى الطارح أرش ما أحرقت النار منه أول ما طرح قبل أن يمكنه التخلص.
(قال الشافعي): وإن خنقه فتابع عليه الخنق حتى يقتله ففيه القود.
، وكذلك إن غمه بثوب أو غيره فتابع عليه الغم حتى يموت ففيه القود، وإن تركه حيا، ثم مات بعد فلا قود إلا أن يكون الخنق أو الغم قد أورثه ما لا يجري معه نفسه فيموت من ذلك ففيه القود (قال الربيع) وقد قيل يتخلص أو لا يتخلص أن لا قود عليه وعليه العقل؛ لأنه لم يمت من اليد.
(قال الشافعي): وجماع هذا أن ينظر إلى من قتل بشيء مما وصفت غير السلاح المحدد فإن كان الأغلب أن من نيل منه يقتله ويقتل مثله في مثل سنه وصحته وقوته أو حاله إن كانت مخالفة لذلك قتلا وحيا كقتل السلاح أو أوحى ففيه القود. وإن كان الأغلب أن من نيل منه بمثل ما نيل منه يسلم ولا يأتي ذلك على نفسه فلا قود فيه.
(قال الشافعي): وضرب القليل على الخاصرة يقتل في الأغلب ولا يقتل مثله لو كان في ظهر أو أليتين أو فخذين أو رجلين والضرب القليل يقتل النضو الخلق الضعيفة في الأغلب والأغلب أن لا يقتل قويه، ويقتل في الأغلب في البرد الشديد والحر الشديد ولا يقتل في الأغلب في غيرهما.
(قال الشافعي): فمن نال من امرئ شيئا فأنظر إليه في الوقت الذي ناله فيه فإن كان الأغلب أن ما ناله به يقتله ففيه القود، وإن كان الأغلب أن ما ناله به لا يقتله فلا قود فيه.
(قال الشافعي): وإن طين رجل على رجل بيتا ولم يدعه يصل إليه طعام ولا شراب أياما حتى مات أو حبسه في موضع وإن لم يطين عليه ومنعه الطعام أو الشراب مدة الأغلب من مثلها أنه يقتله فمات قتل به وإن مات في مدة الأغلب أنه يعيش من مثلها ففيها العقل ولا قود فيه.
(قال الشافعي): فإن حبسه فجاءه بطعام أو شراب ومنعه الطعام فلم يشربه حتى مات ولم تأت عليه مدة يموت أحد منع الطعام في مثلها
فلا عقل ولا قود؛ لأنه ترك أن يشرب فأعان على نفسه ولم يمنعه الطعام مدة الأغلب أنه يموت أحد منعها الطعام، ولو كانت المدة التي منعه فيها الطعام مدة الأغلب أنه يموت أحد من مثلها قتل به وإن كان الأغلب أنه لا يمات من مثلها ضمن العقل.
(قال الشافعي): وإذا أقدته بما صنع به حبس ومنع كما حبسه ومنعه فإن مات في تلك المدة وإلا قتل بالسيف.
باب العمد فيما دون النفس
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وما دون النفس مخالف للنفس في بعض أمره في العمد فلو عمد رجل عين رجل بأصبعه ففقأها كان فيها القصاص؛ لأن الأصبع تأتي فيها على ما يأتي عليه السلاح في النفس، وربما جاءت على أكثر وهكذا لو أدخل الرجل أصبعه في عينه فاعتلت فلم تبرأ حتى ذهب بصرها أو انتجفت كان فيها القصاص.
(قال الشافعي): ولو لطمه لطمة في رأسه فورمت، ثم اتسعت حتى أوضحت لم يكن فيها قصاص؛ لأن الأغلب من اللطمة أنها قلما يكون منها هكذا فتكون في حكم الخطأ.
(قال الشافعي): ولو ضرب رأسه بحجر محدد أو حجر له ثقل غير محدد فأوضحه أو أدماه، ثم صارت موضحة كان فيها القود؛ لأن الأغلب مما وصفت من الحجارة أنها تصنع هذا، ولو كانت حصاة فرماه بها فورمت ثم أوضحت لم يكن فيها قصاص وكان فيها عقلها تاما؛ لأن الأغلب أنها لا تصنع هذا فعلى هذا ما دون النفس مما فيه القصاص كله ينظر إذا أصابه بالشيء فإن كان الأغلب أنه يصنع به مثل ما يصنع بشيء من الحديد في النفس فأصابه فيه ففيه القود، وإن كان الأغلب أنه لا يصنع ذلك إلا قليلا إن كان فلا قود فيه وفيه العقل وهذا على مثال ما يصنع في النفس في إثبات القصاص وتركه وأخذ العقل فيه
(قال الشافعي): وجماع معرفة قتل العمد من الخطأ أن يعمد الرجل إلى الرجل بالعصا الخفيفة، أو قال عصا في أليتيه أو بالسياط في ظهره - الضرب الذي الأغلب أنه لا يمات من مثله أو ما دون ذلك من اللطم والوجء والصك والضربة بالشراك وما أشبهها وكل هذا من العمد الخطأ الذي لا قود فيه وفيه العقل.
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة بن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي): فالدية في هذا على العاقلة من قبل أنه خطأ في القتل، وإن كان عمدا في الفعل يستطاع فيه القصاص ولا يكون فيه القصاص والدية في مضي ثلاث سنين.
(قال الشافعي): وهذا معنى ما وصفت من الضرب الذي الأغلب فيه أنه يعاش من مثله، ولم ألق أحدا من أهل الفقه والنظر يخالف في أن هذا معناه، فأما أن يشدخ الرجل رأس الرجل بالحجر أو يتابع عليه ضرب العصا أو السياط متابعة الأغلب أن مثله لا يعيش من مثلها فهذا أكبر من القتل بالضربة بالسكين والحديدة الخفيفة في الرأس واليد والرجل وأعجل قتلا وأحرى أن لا يعيش أحد منه في الظاهر. .
الحكم في قتل العمد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثنيه وبلغني عنه من علماء العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تباين في الفضل ويكون بينها ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه، فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها بأقصد مما كانت تأخذ به فكانت دية النضيري ضعف دية القرظي، وكان الشريف من العرب إذا قتل يجاوز قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم فقتل بعض غني شأس بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة فقالوا له أو بعض من ندب عنهم: سل في قتل شأس فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها، قالوا: وما هي؟ قال: تحيون لي شأسا أو تملئون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون إلي غنيا بأسرها فأقتلها، ثم لا أرى أني أخذت منه عوضا.
وقتل كليب وائل فاقتتلوا دهرا طويلا واعتزلهم بعضهم فأصابوا ابنا له يقال له بجير فأتاهم فقال: قد عرفتم عزلتي فبجير بكليب وكفوا عن الحرب فقالوا: بجير بشسع نعل كليب فقاتلهم وكان معتزلا.
(قال الشافعي): وقال: إنه نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا وحكم الله تبارك وتعالى بالعدل فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} فقال: إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح فنزل فيهم {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} إلى قوله {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} الآية والآية التي بعدها: أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال معاذ قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم مجاهدا والحسن والضحاك بن مزاحم قال في قوله {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} الآية.
(قال): كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفسا بغير نفس حق له أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا تقبل منه الدية وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا فذلك قوله عز وجل {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} يقول: الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل، ثم قال {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} يقول: من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم. وقال في قوله {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} يقول: لكم في القصاص حياة ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهدا يقول سمعت ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله عز وجل لهذه الأمة {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء} قال العفو أن تقبل الدية في العمد {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} مما كتب على من كان قبلكم {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}.
(قال الشافعي): وما قال ابن عباس في هذا كما قال والله سبحانه أعلم، وكذلك ما قال مقاتل؛ لأن الله عز وجل إذ ذكر القصاص، ثم
قال {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} لم يجز - والله أعلم - أن يقال: إن عفي بأن صولح على أخذ الدية؛ لأن العفو ترك حق بلا عوض. فلم يجز إلا أن يكون إن عفي عن القتل فإذا عفا لم يكن إليه سبيل وصار للعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان، فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء لم يكن للعافي يتبعه ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان.
(وقال) وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن ارتخص أحد فقال: أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس، ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل. من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل» (قال الشافعي): وأنزل الله جل ثناؤه {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} فيقال - والله أعلم - في قوله {فلا يسرف في القتل} لا يقتل غير قاتله.
(قال الشافعي): في قوله تبارك وتعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى} إنها خاصة في الحيين اللذين وصف مقاتل بن حيان وغيره ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع، ثم أدبها أن يقتل الحر بالحر إذا قتله والأنثى بالأنثى إذا قتلها ولا يقتل غير قاتلها إبطالا لأن يجاوز القاتل إلى غيره إذا كان المقتول أفضل من القاتل كما وصفت ليس أنه لا يقتل ذكر بالأنثى إذا كانا حرين مسلمين ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة إنما يترك قتله من جهة غيرها، وإذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على أن لا يكون يقتل اثنان بواحد إذا كانا قاتلين.
(قال الشافعي): وهي عامة في أن الله عز ذكره أوجب بها القصاص إذا تكافأ دمان وإنما يتكافآن بالحرية والإسلام وعلى كل ما وصفت من عموم الآية وخصوصها دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع.
(قال الشافعي): فأيما رجل قتل قتيلا فولي المقتول بالخيار إن شاء قتل القاتل وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه بلا دية.
(قال الشافعي): وإذا كان لولي المقتول أخذ المال وترك القصاص كره ذلك القاتل أو أحبه؛ لأن الله عز وجل إنما جعل السلطان للولي والسلطان على القاتل فكل وارث من زوجة أو غيرها سواء وليس لأحد من الأولياء أن يقتل حتى يجتمع جميع الورثة على القتل وينتظر غائبهم حتى يحضر أو يوكل وصغيرهم حتى يبلغ ويحبس القاتل إلى اجتماع غائبهم وبلوغ صغيرهم: فإن مات غائبهم أو صغيرهم أو بالغهم قبل اجتماعهم على القتل فلوارث الميت منهم في الدم والمال مثل ما كان للميت من أن يعفو أو يقتل.
(قال الشافعي): فإذا أخذ حقه من الدية فذلك له ولا سبيل له إلى الدم إذا أخذ الدية أو عفا بلا دية.
(قال الشافعي): ولو كان على المقتول دين وكانت له وصايا لم يكن لأهل الدين ولا الوصايا العوض في القتل إن أراد الورثة، فإن عفا الورثة وأخذوا الدية أو عفا أحدهم كانت الدية حينئذ مالا من ماله يكون أهل الدين أحق بها ولأهل الوصايا حقهم منها.
(قال الشافعي): ولو لم تختر الورثة القتل ولا المال حتى مات القاتل كانت لهم الدية في ماله يحاصون بها غرماءه كدين من دينه.
(قال الشافعي): ولو اختاروا القتل فمات القاتل قبل أن يقتل كانت لهم الدية في ماله؛ لأن المال إنما يبطل عنهم بأن يختاروا القتل ويقتلون فيكونون مستوفين لحقهم من أحد الوجهين، وكذلك لو قضى لهم بالقصاص بعد اختياره فمات المقضي عليه بالقصاص قبل أن يقتل كانت لهم الدية في ماله.
(قال الشافعي): ولو لم يمت القاتل ولكن رجل قتله خطأ فأخذت له
دية كانت الدية مالا من ماله لا يكون أهل القتيل الأول أحق بها من غرمائه كما لا يكونون أحق بما سواها من ماله ولهم الدية في ماله يكونون بها أسوة الغرماء (قال الشافعي): ولو جرحه رجل عمدا، ثم عفا المجروح عن الجرح وما حدث منه، ثم مات من ذلك الجرح لم يكن إلى قتل الجارح سبيل بأن المجروح قد عفا القتل فإن كان عفا عنه ليأخذ عقل الجرح أخذت منه الدية تامة؛ لأن الجرح قد صار نفسا وإن كان عفا عن العقل والقصاص في الجرح، ثم مات من الجرح فمن لم يجز الوصية للقاتل أبطل العفو وجعل الدية تامة للورثة؛ لأن هذه وصية للقاتل ومن أجاز الوصية للقاتل جعل عفوه عن الجرح وصية يضرب بها القاتل في الثلث مع أهل الوصايا وقال فيما زاد من الدية على عقل الجرح قولين أحدهما له مثل عقل الجرح؛ لأنه مال من ماله ملك عنه والآخر لا يجوز؛ لأنه لا يملك إلا بعد موته عنه.
(قال الشافعي): ولو قتل نفر رجلا عمدا كان لولي القتل أن يقتل في قول من قتل أكثر من واحد بواحد - أيهم أراد ويأخذ ممن أراد منهم الدية بقدر ما يلزمه منها كأنهم كانوا ثلاثة فعفا عن واحد فيأخذ من الاثنين ثلثي الدية أو يقتلهما إن شاء.
(قال الشافعي): وإذا كانوا نفرا فضربوه معا فمات من ضربهم، وأحدهم ضارب بحديدة والآخر بعصا خفيفة والآخر بحجر أو سوط فمات من ذلك كله وكلهم عامد للضرب فلا قصاص فيه من قبل أني لا أعلم بأي الضرب كان الموت وفي بعض الضرب ما لا قود فيه بحال وعلى العامد بالحديد حصته من الدية في ماله وعلى الآخرين حصتهما على عاقلتهما (قال الشافعي): وكذلك لو كان فيهم واحد رمى شيئا فأخطأ به فأصابه معهم كانت على جميع العامدين بالحديد - الدية في حصصهم في أموالهم حالة وعلى عاقلة المخطئ بالحديدة حصته من الدية كما تكون دية الخطأ (قال الشافعي): ولو عفا المقتول عن هؤلاء.
كلهم كان القول فيمن لا يجيز للقاتل وصية أو من يجيزها كما وصفت، وقال في الذي يشركهم بخطأ قولين: أحدهما أن الوصية للعاقلة لا للقاتل فجميع ما أصاب العاقلة من حصة صاحبهم من الدية وصية لهم جائزة من الثلث والآخر أن لا تجوز له وصية؛ لأنها لا تسقط عن العاقلة إلا بسقوطها عنه فهي وصية للقاتل.
(قال الربيع) القول الثاني أصح عندي.
(قال الشافعي): والقول في الرجل يجرح الرجل جرحا يكون في مثله قصاص فيبرأ المجروح منه أن للمجروح في جرحه مثل ما كان لأوليائه في قتله من الخيار فإن شاء استقاد من جرحه، وإن شاء أخذ عقل الجرح من مال الجارح حالا يكون غريما من الغرماء يحاص أهل الدين.
(قال الشافعي): وما أصابه من جرح عمدا لا قصاص فيه فعقله في مال الجارح حال.
(قال الشافعي): ولو جنى رجل على رجل جنايات كان له أن يستقيد مما أراد ويأخذ العقل مما أراد منها، وكذلك لو جنى عليه نفر كان له أن يستقيد من بعضهم ويأخذ من بعض العقل.
(قال الشافعي): ولو كان القاتل أو الجارح عبدا أو ذميا أو حرا مسلما كان لولي المقتول وللمجروح في نفسه على الجاني القصاص أو اختيار العقل من العبد والذمي فإن اختاروه أو اختاره فاقتصوا أو اقتص فلا شيء لهم غير القصاص فإن اختاروا أو اختار العقل فذلك في مال الذمي حال يكونون في ماله غرماء له وفي عتق العبد كاملا يباع فيه فإن بلغ العقل كاملا فذلك لولي الدم أو المجروح وإن لم يبلغ لم يلزم سيده منه شيء وإن زاد ثمن العبد على العقل رد إلى سيد العبد وإن شاء سيد العبد قبل هذا كله أن يؤدي عقل النفس أو الجرح متطوعا غير مجبور عليه لم يبع عليه عبده وقد أدى جميع ما في عنقه.
(قال الشافعي): ولو كان.
الجاني عبدا على عبد كان لسيد العبد الخيار في القصاص أو العقل وليس للعبد في ذلك خيار إن كانت الجناية جرحا برئ منه، وسواء كان العبد مرهونا أو غير مرهون إلا أنه إذا أخذ له عقلا وهو مرهون خير بين أن يدفع ما أخذ له من العقل رهنا إلى المرتهن أو يجعله قصاصا من دينه ولا يمنع القصاص قول المرتهن إنما جعلت عليه إذا أخذ العقل أن يجعله رهنا أو قصاصا؛ لأنه يقوم مقام بدن العبد إن مات أو نقص بدنه لنقص الجراح له وإن لم يمت وسواء هذا في المدبر وأم الولد لمالك المملوك في هذا كله فأما المكاتب فذلك إليه دون سيده يقتص إن شاء أو يأخذ الدية فإن أخذ الدية خلى بينه وبينها كما يخلى بينه وبين ماله.
(قال أبو محمد الربيع) وفي المكاتب يجنى عليه جناية فيها قصاص أنه ليس له أن يقتص من قبل أنه قد يعجز فيصير رقيقا فيكون قد أتلف على سيده المال الذي هو بدل من القصاص وله أن يأخذ العقل ويكون أولى به من السيد يستعين به في كتابته.
(قال الشافعي): وإذا اختار العقل في قتل العمد الذي فيه القصاص فهو حال في النفس وما دونها وكل عمد وإن كان ديات في مال الجاني موسرا كان أو معسرا لا تحمل العاقلة من قتل العمد شيئا.
(قال الشافعي): وإن أحب الولاة أو المجروح العفو في القتل بلا مال ولا قود فذلك لهم فإن قال قائل: فمن أين أخذت العفو في القتل بلا مال ولا قود؟ قيل من قول الله جل ثناؤه {فمن تصدق به فهو كفارة له} ومن الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن في العفو عن القصاص كفارة أو قال شيئا يرغب به في العفو عنه، فإن قال قائل فإنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل» قيل له: نعم هو فيما يأخذون من القاتل من القتل، والعفو بالدية والعفو بلا واحد منهما ليس بأخذ من القاتل إنما هو ترك له كما قال «ومن وجد عين ماله عند معدم فهو أحق به» ليس أن ليس له تركه ولا ترك شيء يوجب له إنما يقال هو له، وكل ما قيل له أخذه فله تركه.
(قال الشافعي): وإذا قتل الرجل الرجل عمدا، ثم مات القاتل فالدية في مال القاتل؛ لأنه يكون لأولياء المقتول أن يأخذوا أيهما شاءوا إلا أن حقهم في واحد دون واحد فإذا فات واحد فحقهم ثابت في الذي كان حقهم فيه إن شاءوا وهو حي.
(قال الشافعي): وكذلك للرجل إذا جرحه الرجل الخيار في القصاص في الجرح فإن مات الجارح فله عقل الجرح إن شاء حالا كما وصفت في مال الجارح. (قال الشافعي): وسواء أي ميتة مات القاتل والجارح بقتل أو غيره فدية المقتول الأول، وجرحه في ماله.
فإن جرح رجل جراحات في كلها قصاص فللمجروح الخيار في كل جرح منها كما يكون في جرح واحد لو جرحه إياه وإن شاء اقتص من بعضها وأخذ الدية من بعضها وإن شاء ذلك في كلها فهو له (قال الشافعي): كأنه قطع يديه ورجليه وأوضحه فإن شاء قطع له يدا ورجلا وأخذ عقل يد ورجل وإن شاء أوضحه وإن شاء أخذ أرش الموضحة إذا كان له الخيار في كل كان له الخيار في بعض.
(قال الشافعي): وكذلك ورثة المقتول والمجروح بعد موته إن أحبوا اقتصوا للميت من النفس أو الجرح إن لم يكن نفسه وإن أحبوا أخذوا العقل وإن أحبوا إذا كانت جراح ولم يكن نفس أن يأخذوا أرش بعض الجراح ويقتصوا من بعض كان لهم.(قال الشافعي): ومن قتل اثنين بواحد أو أكثر بواحد فقتل عشرة رجلا عمدا فلأولياء المقتول أن يقتلوا من شاءوا منهم وأن يأخذوا الدية ممن شاءوا فإذا أخذوا الدية لم يكن لهم أن يأخذوا من واحد إلا عشر الدية وإذا كانت الدية فإنما يغرمها الرجل على قدر من شركه فيها وهي خلاف القصاص.
(قال الشافعي): وإن قطع رجل يدي رجل ورجليه، ثم مات المقطوعة يداه ورجلاه من تلك الجراح فأراد ورثته القصاص كان لهم أن يصنعوا ما صنع بصاحبه وإن أرادوا أن يقتلوه ويأخذوا أرشا فيما صنع به لم يكن لهم وإذا كانت.
النفس فلا أرش للجراح لدخول الجراح في النفس ولهم أن يأخذوا دية النفس كلها ويدعوا القصاص.
(قال الشافعي): ولو أرادوا أن يقطعوا يديه ورجليه أو يديه دون رجليه أو بعض أطرافه التي قطع منه ويدعوا قتله كان ذلك لهم إذا قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك ويقتلوه قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك به ويدعوا قتله فإن قالوا نقطع يديه، ثم نأخذ منه دية أو بعضها لم يكن ذلك لهم وقيل إذا قطعتم يديه فقد أخذتم منه ما فيه الدية فلا يكون لكم عليه زيادة إلا القطع أو القتل فأما مال فلا ولو قطعوا له يدا أو رجلا ثم قالوا نأخذ نصف الدية كان لهم ذلك؛ لأنه لو قطع يديه فأرادوا أخذ القود من يد والأرش من أخرى كان لهم ذلك ولا يكون لهم ذلك حتى يبرأ.
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فجرحه جائفة مع قطع يديه ورجليه فمات فقال ورثته: نجرحه جائفة ونقتله لم يمنعوا ذلك، وإن أرادوا تركه بعدها تركوه ولو قالوا على الابتداء: نجرحه جائفة ولا نقتله لم يتركوا، وذلك أنهم إنما يتركون إذا قالوا نقتله بما يقاد منه في الجناية وأما ما لا يقاد منه فلا يتركون وإياه.
ولاة القصاص
(قال الشافعي): - رحمه الله - قال الله تعالى {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} (قال الشافعي): فكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثا منه وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل» ولم يختلف المسلمون فيما علمته في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان هكذا فكل وارث ولي الدم كما كان لكل وارث ما جعل الله له من ميراث الميت زوجة كانت له أو ابنة أو أما أو ولدا أو والدا لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم إذا كان لهم أن يكونوا بالدم مالا كما لا يخرجون من سواه من ماله.
(قال الشافعي): فإذا قتل رجل رجلا فلا سبيل إلى القصاص إلا بأن يجمع جميع ورثة الميت من كانوا وحيث كانوا على القصاص فإذا فعلوا فلهم القصاص وإذا كان على الميت دين ولا مال له أو كانت له وصايا كان للورثة القتل وإن كره أهل الدين والوصايا؛ لأنهم ليسوا من أوليائه وأن الورثة إن شاءوا ملكوا المال بسببه وإن شاءوا ملكوا القود، وكذلك إن شاءوا عفوا على غير مال ولا قود؛ لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة أو بمشيئة المجني عليه إن كان حيا وإذا كان في ورثة المقتول صغار أو غيب لم يكن إلى القصاص سبيل حتى يحضر الغيب ويبلغ الصغار فإذا اجتمعوا على القصاص فذلك لهم وإذا كان في الورثة معتوه فلا سبيل إلى القصاص حتى يفيق أو يموت فتقوم ورثته مقامه وأي الورثة كان بالغا فعفا بمال أو بلا مال سقط القصاص وكان لمن بقي من الورثة حصته من الدية، وإذا سقط القصاص صارت لهم الدية.
(قال الشافعي): وإذا كان للدم وليان فحكم لهما بالقصاص أو لم يحكم حتى قال أحدهما: قد عفوت القتل لله أو قد عفوت عنه أو قد تركت الاقتصاص منه أو قال القاتل: اعف عني فقال قد عفوت عنك فقد بطل القصاص عنه وهو على حقه من الدية وإن أحب أن يأخذه به أخذه؛ لأن عفوه عن القصاص غير عفوه عن المال إنما هو عفو أحد الأمرين دون الآخر قال الله تعالى {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} يعني من عفي له
عن القصاص.
(قال الشافعي): ولو قال قد عفوت عنك القصاص والدية لم يكن له قصاص ولم يكن له نصيب من الدية ولو قال قد عفوت ما لزمك لي لم يكن هذا عفوا للدية وكان عفوا للقصاص وإنما كان عفوا للقصاص دون المال ولم يكن عفوا للمال دون القصاص ولا لهما؛ لأن الله عز وجل حكم بالقصاص، ثم قال {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} فاعلم أن العفو مطلقا إنما هو ترك القصاص؛ لأنه أعظم الأمرين وحكم بأن يتبع بالمعروف يؤدي إليه المعفو له بإحسان وقوله ما يلزمك لي على القصاص اللازم كان له وهو محكوم عليه إذا عفي له عن القصاص بأن يؤدي إليه الدية حتى يعفوها صاحبها ولو قال قد عفوت عنك الدية لم يكن هذا عفوا له عن القصاص؛ لأنه ما كان مقيما على القصاص فالقصاص له دون الدية وهو لا يأخذ القصاص والدية، وكذلك لو قال قد عفوت عن الدية، ثم مات القاتل فإن له أخذ الدية؛ لأنه عفا عنها وليست له إنما تكون له بعد عفوه عن القصاص، وإن عفا الولي عن الدية والقصاص وعليه دين جاز عفوه، ولو عفاهما في مرضه الذي مات فيه كان عفوه جائزا وكان عفوه حصته من الدية وصية.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (236)
صــــــــــ 14 الى صـــــــــــ 20
(قال الشافعي): ولو كان للمقتول وليان فعفا أحدهما القصاص لم يكن للباقي إلا الدية، وإن كان محجورا فعفاها فعفوه باطل وليس لوليه إلا أخذها من القاتل، ولو عفاها وليه كان عفوه باطلا، وكذلك لو صالح وليه منها على شيء ليس بنظر له لم يجز له من ذلك إلا ما يجوز له من البيع والشراء عليه على وجه النظر.
(قال الشافعي): وإذا عفا المحجور عن القصاص جاز عفوه عنه وكانت له ولورثته معه الدية؛ لأن في عفوه عن القصاص زيادة في ماله وعفوه المال نقص فلا يجوز عفوه المال.
(قال الشافعي): ومن جاز له عفو ماله سوى الدية جاز ذلك له في الدية ومن لم يجز عفو ماله سوى الدية لم يجز له عفو الدية.
(قال الشافعي): ولو قال أحد الورثة قد عفوت عن القاتل أو قد عفوت حقي عن القاتل ثم مات قبل أن يبين كان لورثته أخذ حقه من الدية ولم يكن لهم القصاص فإن ادعى القاتل أنه قد عفا الدية والقود فعليه البينة وإن أراد إحلاف الورثة ما يعلمونه عفاهما أحلفوهم وأخذوا بحقهم من الدية.
(قال الشافعي): ولو كان العافي حيا فادعى عليه القاتل أنه قد عفا عنه الدم والمال أحلف له كما يحلف في دعواه عليه فيما سوى ذلك.
(قال الشافعي): وكل جناية على أحد فيها القصاص دون النفس كالنفس، للمجني عليه القصاص إذا أراد أو أخذ المال أو العفو بلا مال فإن مات من غير الجراح قبل أن يقتص أو يعفو فوليه يقوم في الاقتصاص والعفو مقامه والقول فيه كالقول في النفس لا يختلفان.
باب الشهادة في العفو
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا مات المجني عليه في النفس أو غيرها فشهد أحد ورثته أن أحدهم عفا القصاص أو عفا المال والقصاص فلا سبيل إلى القصاص كان الشاهد ممن تجوز شهادته أو لا تجوز شهادته إذا كان بالغا وارثا للمقتول؛ لأن في شهادته إقرارا أن دم القاتل ممنوع وإن لم تكن تجوز شهادته أحلف الشهود عليه ما عفا المال وكانت له حصته من الدية ولا يحلف ما عفا القصاص؛ لأنه لا سبيل إلى القصاص ولا أحلفه على ما إذا حلف عليه لم أطرح عنه بيمينه ما شهد به عليه.
(قال الشافعي) ولو كان ممن تجوز شهادته حلف القاتل مع شهادته له أنه عفا عنه المشهود عليه القصاص بالمال وبرئ من حصة المشهود عليه من الدية وأخذ من بقي من الورثة منهم حصصهم من الدية.
ولو شهد شاهدان على الوارث أنه قال قد عفوت عن دم أبي أو عفوت عن فلان دم أبي أو عفوت عن فلان تباعتي في دم أبي أو عفوت عن فلان ما يلزمه لأبي أو ما يلزمه لي من قبل أبي كان هذا كله عفوا للدم ولم يكن عفوا لحصته من الدية حتى يبين فيقول: قد عفوت عنه الدم والدية أو الدم وما يلزمه من المال ولو شهدوا أنه وصل كلامه فقال: قد عفوت عن القصاص والعقوبة في الذمة لم يكن هذا عفوا للمال حتى يقول: قد عفوت عنه الدم والمال الذي يلزمه لأبي، وكذلك لو قال قد عفوت عنه دما وما يلزمه؛ لأنه قد يرى العقوبة تلزمه وليس هذا عفوا للمال حتى يسميه.
(قال الشافعي): ولو وصل فقال: قد عفوت عنه الذي يلزمه في دم أبي من قصاص وعقوبة في مال لم يكن عفوا عن الدية حتى يقول: ما يلزمه لي من المال أو ما يلزمه من المال؛ لأنه قد يجهل فيرى أن عليه أن يحرق له مال أو يقطع أو يعاقب فيه فالدية ليست عقوبة وعليه في هذا كله اليمين ما عفا الدية ولو شهد اثنان من الورثة على الاثنين وشهد الاثنان المشهود عليهما على الشاهدين عليهما أنهم عفوا الدية والقصاص كانت شهادتهم جائزة وليس في شيء من شهادتهم ما يجرون به إلى أنفسهم ولا يدفعون به عنها؛ لأنه قد كان لكل واحد منهم عفو الدم وإن لم يرضه صاحبه وليست تصير حصة واحد منهم عفوا إلى صاحبه فيكون جارا بها إلى نفسه شيئا.
(قال الشافعي): وإذا كان للدم وليان: أحدهما غائب أو صغير أو حاضر لم يأمره بالقتل ولم يخيره فعدا أحد الوليين فقتل قاتل أبيه ففيها قولان: أحدهما لا قصاص بحال.
(قال الشافعي): وإنما يسقط من قال هذا - القود عنه إذا لم يجمع ورثة المقتول عليه للشبهة وإن قول الله عز وجل {فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل وقد كان يذهب إلى هذا أكثر مفتي أهل المدينة فيقولون لو قتل رجل له مائة ولي فعفا تسعة وتسعون كان للباقي الذي لم يعف القود وينزل منزلة الحد يكون للرجل فيموت فيعفو أحد بنيه أن للآخر القيام به فبهذا أسقط من قال هذا القصاص عن القاتل والتعزير إن كان ممن يجهل وإن كان ممن لا يجهل عزر بالتعدي بالقتل دون غيره من ولاة الدم، ثم قيل لولاة الدم معه لكم حصة من الدية فإن عفوتموها تركتم حقكم وإن أردتم أخذها فهي لكم والقول ممن يأخذونها واحد من قولين: أحدهما أنها لهم في مال القاتل ويرجع بها ورثة القاتل في مال قاتله ومن قال هذا قال إن عفوا عن القاتل الدية رجع ورثة قاتل المقتول على قاتل صاحبهم بحصة الورثة معه من الدية.
(قال الشافعي): القول الثاني أنها للورثة في مال أخيهم؛ لأنه قاتل أبيهم؛ لأن الدية إنما كانت تلزمه لو كان لم يقتله ولي فإذا قتله ولي يدرأ عنه القصاص فلا يجتمع عليه القتل ويوجب الدية في ماله.
(قال الشافعي): والقول الثاني أن على من قتل من الأولياء قاتل أبيه القصاص حتى يجتمعوا على القتل وإذا قتل الرجل الرجل فقال قتل ابني أو رجلا أنا وليه طلب بالبينة فإن أقامها بأنه قتله عمدا عزر ولم يكن عليه عقل ولا قود ولا كفارة وإن لم يقمها اقتص منه.
ولو قتل رجل له وليان فقتل أحدهما قاتل أبيه وادعى أن الولي معه أذن له أحلف الولي المدعى عليه فإن حلف كان له نصيبه من الدية على ما وصفت وإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ من نصيبه من الدية.
ولو أن رجلا له وليان أو أولياء فعفا أحد
أوليائه القصاص، ثم عدا عليه أحد الأولياء فقتله وقال لم أعلم عفو من معي ففيها قولان: أحدهما أن عليه القصاص فإذا اقتص منه فنصيبه من الدية في مال القاتل المقتول الذي اقتص منه والآخر أن يحلف ما علم عفوه، ثم عوقب ولم يقتص منه وأغرم ديته حالة في ماله يرفع عنه منها بقدر نصيبه من دية المقتول الذي هو وارثه وإن لم يحلف حلف أولياء المقتول الآخر لقد علم، ثم في القصاص منه قولان: أحدهما أن يقتص منه والآخر لا قصاص منه ومن قال يقتص منه جعل لورثة المقتول الأول في مال القاتل نصيبهم من الدية وللذي قتل به حصته من الدية لما أخذ منه القصاص.
(قال الشافعي): فإذا عفا أحد الورثة القصاص فحكم الحاكم لهم بالدية فأيهم قتل القاتل قتل به إلا أن يدع ذلك ورثته.
باب عفو المجني عليه الجناية
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا جنى الرجل على الرجل الجناية فيها قصاص فقال المجني عليه قد عفوت عن الجاني جنايته علي وبرأ المجني عليه من الجناية سقط القصاص عن الجاني وسأل المجني عليه فإن قال قد عفوت له القصاص والمال جاز عفوه للمال إن كان يلي ماله وإن كان لا يلي ماله جاز عفوه للقصاص وأخذ له المال؛ لأنه ليس له أن يهب من ماله شيئا وهكذا إن مات من جناية الجاني وهو يلي ماله سئل ورثته فإن قالوا: لا نعلمه عفا المال، أحلفوا: ما علموه عفا المال وأخذوا المال من مال الجاني إلا أن يأتي الجاني ببينة على عفوه المال والقصاص معا فيجوز له العفو، ولو جاء الجاني ببينة أنه قال قد عفوت عنه ما يلزمه في جنايته علي لم يكن هذا عفو المال حتى يبين فيقول من قصاص وأرش فيجوز عفو المال ولو مات المجني عليه من جناية الجاني بعد قوله قد عفوت عن الجاني جنايته علي سقط القصاص وكان عليه في ماله دية النفس، وكذلك لو قال قد عفوت عنه ما لزمه في جنايته علي من عقل وقود وما يحدث منها كان هكذا.
ولو قال: قد عفوت عنه ما لزمه في جنايته علي من عقل وقود فلم يمت من الجناية وصح قبل أن يموت ومات من غيرها جاز العفو فيما لزمه بالجناية نفسها ولم يجز فيما لزمه بزيادتها؛ لأن الزيادة لم تكن وجبت له يوم عفا، ولم تكن وصية بحال وكانت كهبة وهبها مريضا، ثم صح فتجوز جواز هبة الصحيح ولو كانت المسألة بحالها فلم يصح حتى جرحه رجل آخر فخرج الأول من أن يكون قاتلا كان أرش الجرح كله وصية جائزة يضرب بها مع أهل الوصايا؛ لأنه ليس بقاتل.
(قال أبو محمد) والقول الثاني أنه قاتل مع غيره فلا تجوز له وصية إلا أن يكون الجارح الثاني قد ذبحه أو قطعه باثنين فيكون هو القاتل وتجوز الوصية للأول؛ لأن الثاني هو القاتل.
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فقال قد عفوت عنه الجناية وما يحدث فيها وما يلزمه منها من عقل وقود ثم مات من الجناية فلا سبيل إلى القود بحال العفو عنه والنظر إلى أرش الجناية نفسها فكان فيها قولان. أحدهما: أنه جائز العفو عنه من ثلث مال العافي عنه كأن كان شجه موضحة فعفا عقلها وقودها فيرفع عنه من الدية نصف عشرها؛ لأنه وجب للمجني عليه في الجناية ويأخذ الباقي؛ لأنه عفا عما لم يجب له فلا يجوز عفوه فيه.
والقول الثاني: أن يؤخذ بجميع الجناية؛ لأنها صارت نفسا وهذا قاتل لا تجوز له وصية بحال (قال الربيع) وهذا أصح القولين عندي.
(قال الشافعي): ولو كانت الجناية يدين ورجلين، ثم مات منها وعفا جاز له العفو في القول الأول من الثلث؛ لأن الدية وجبت له أكثر إلا أن ذلك نقص بالموت ولم يجز له في القول الثاني؛ لأنها صارت نفسا وهذا قاتل.
(قال الشافعي): وإذا قال الرجل للرجل قد عفوت عنك العقل والقود في كل ما
جنيت علي فجنى عليه بعد القول لم يكن هذا عفوا وكان له العقل والقود؛ لأنه عفا عنه ما لم يجب له.
(قال الشافعي): وإذا جنى الرجل على أبي الرجل جرحا فقال ابنه وهو وارثه: قد عفوت عن جنايتك على أبي في العقل والقود معا لم يكن هذا عفوا؛ لأن الجناية لأبيه ولا يكون له القيام بها إلا أن يموت أبوه وله إذا مات أبوه أن يأخذ العقل أو القود؛ لأنه لم يعف بعد ما وجب له ولو عفاه بعد موت أبيه لم يكن له عقل ولا قود إذا عفاهما معا.
جناية العبد على الحر فيبتاعه الحر والعفو عنه
(قال الشافعي): وإذا جنى عبد على حر جناية فيها قصاص فعليه القصاص أو الأرش والجناية والدية كلها في رقبة العبد فإن عفا القصاص والأرش جاز العفو إن صح منها من رأس المال، وإن مات منها أو من غيرها قبل أن يصح جاز العفو؛ لأنه من الثلث يضرب به سيد العبد في ثلث مال الميت مع أهل الوصايا بالأقل من الدية والأرش ما كان أو قيمة رقبة عبده ليس عليه غيره وإنما أجزناها هنا أنها وصية لسيد العبد وسيده ليس بقاتل، ولو كانت جناية العبد على الحر موضحة فقال: قد عفوت عنه القصاص والعقل وما يحدث في الجناية جاز له العفو عن الموضحة ولم يجز له ما بقي؛ لأنه عفا عما لم يجب له ولم يوص إن وجب له أن يعفو عنه، ولو أنه قال إن مت من الموضحة أو ازدادت فزيادتها بالموت وغيره وصية له جاز العفو من الثلث، ألا ترى أن رجلا لو كان له في يدي رجل مال فقال: ما ربح فيه فلان فهو هبة لفلان لم يجز ولو قال وصية لفلان جاز.
(قال الشافعي): ولو كان العبد جنى على الحر جناية أقر بها العبد ولم تقم بها بينة فقال الحر: قد عفوت الجناية وعقلها أو ما يحدث فيها لم يكن له قصاص بحال العفو وكان العقل إنما يجب على العبد إذا عتق فكان عفوه عنه العقل كعفوه عن الحد يجوز للعبد منه إذا عتق ما يجوز للجاني الحر المعفو عنه ويرد عنه ما يرد عن الحر.
ولو جنى عبد على حر موضحة عمدا فابتاع الحر العبد من سيده بالموضحة كان هذا عفوا للقصاص فيها ولم يجز البيع إلا أن يعلما معا أرش الموضحة فيبتاع المجني عليه العبد فيكون البيع جائزا، وهكذا لو كانت أكثر من موضحة أو أقل؛ لأن الأثمان لا تجوز إلا معلومة عند البائع والمشتري (قال الشافعي): ولو وجد المشتري بالعبد عيبا كان له رده وكان له في عنقه أرش الجناية بالغا ما بلغ، ولو أخذه بشراء فاسد فمات في يدي المشتري كانت على المشتري قيمته يحاص بها من أرش الجناية التي وجبت له في عنقه.
ولو أن عبدا جنى على حر عمدا فأعتق سيد العبد العبد وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم فسواء وللحر القود إلا أن يشاء العقل فإن شاء فعلى السيد المعتق الأقل من أرش العقل أو قيمة رقبة العبد وجناية العبد على الحر عمدا وخطأ سواء.
جناية المرأة على الرجل فينكحها بالجناية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنت المرأة على الرجل موضحة عمدا أو خطأ فنكحها على الموضحة فالنكاح عليها عفو للجناية ولا سبيل إلى القود، والنكاح ثابت وإن كانا قد علما أرش الجناية كان مهرها أرش الجناية في العمد خاصة فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أرش الموضحة
وإن نكحها على أرش موضحة خطأ كان النكاح جائزا وكان لها مهر مثلها وله على عاقلتها أرش موضحة؛ لأنه إنما نكحها بدين له على غيرها ولا يجوز صداق دين على غير المصدق وهذا كله إذا عاش من الجناية فإن كانت الجناية خطأ أو عمدا فمات منها فكان الصداق جائزا وزادها فيه على صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها ورجع عليها بالفضل؛ لأنها تصير وصية لوارث فلا تجوز، ولو جنت على عبد له جناية فنكحها عليها جاز كنكاحه إياها على جناية نفسه في المسائل كلها إلا في أن الصداق إذا كان جائزا وكان أكثر من مهر مثلها ومات العبد جائز؛ لأنها لم تجن على السيد فيكون قابلا ولم يكن صداقها في معنى الوصايا بحال فلا يجوز منه ما جاوز صداق مثلها. .
الشهادة في الجناية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويقبل في القتل والحدود سوى الزنا شاهدان. وإذا كان الجرح والقتل عمدا لم يقبل فيه إلا شاهدان ولا يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا يمين وشاهد إلا أن يكون الجرح عمدا مما لا قصاص فيه بحال، مثل الجائفة ومثل جناية من لا قود عليه من معتوه أو صبي أو مسلم على كافر أو حر على عبد أو أب على ابنه فإذا كان هذا قبل فيه شهادة رجل وامرأتين ويمين وشاهد؛ لأنه مال بكل حال فإن كان الجرح هاشمة أو مأمومة لم يقبل فيه أقل من شاهدين؛ لأن الذي شج هاشمة أو مأمومة إن أراد أن آخذ له القصاص من موضحة فعلت؛ لأنها موضحة وزيادة فإذا كانت الجناية الأدنى إن أراد أن آخذ له فيها قودا أخذتها لم أقبل فيها شهادة شاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين وإذا كانت لا قصاص في أدنى شيء منها ولا أعلاه قبلت فيها شاهدا وامرأتين وشاهدا ويمينا.
وإذا ادعى رجل على رجل قتل عمد وقال قد عفوت القود أو قال لي القود أو المال وأنا آخذ المال وسأل أن يقبل له شاهد وامرأتان أو يمين وشاهد لم يكن ذلك له؛ لأنه لا يجب له مال حتى يجب له قود.
وإذا ادعى رجل على رجل جرحا عمدا أو خطأ لم أقبل له شهادة وارث له بحال؛ لأنه قد يكون نفسا فيستوجب بشهادته الدية ولو أن رجلا له ابن وابن عم فادعى جرحا فشهد له ابن عمه قبلت شهادته؛ لأنه ليس بوارث له فإن لم يحكم بها حتى مات ابنه طرحت شهادة ابن عمه؛ لأنه قد صار وارثا للمشهود له؛ لأنه لو مات ورثه وإن حكم بها، ثم مات ابنه فصار ابن عمه الوارث لم ترد؛ لأن الحكم قد مضى بها في حين لا يجر إلى نفسه بها شيئا.
الشهادة في الأقضية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل على الرجل شاهدين بقتل عمدا وهو ممن يستقاد منه للمقتول فأتى المشهود عليه برجلين من عاقلته غير ولده أو والده يشهدان له على جرح الشاهدين اللذين شهدا عليه قبلت شهادتهما؛ لأنهما لا يعقلان عنه في العمد فيدفعان عن أنفسهما بشهادتهما عقلا ولو ادعى عليه قتل خطأ وأقام به عليه شاهدين فجاء المشهود عليه برجلين من عاقلته يجرحان الشاهدين
لم تجز شهادتهما؛ لأنهما يدفعان عن أنفسهما ما يلزمهما من العقل، وكذلك لو كانا من عاقلته فقيرين لا يلزمهما لذلك عقل لم تقبل شهادتهما؛ لأنه قد يكون لهما مال في وقت العقل فيؤخذ منهما العقل فيكونا دافعين بشهادتهما عن أنفسهما ولو شهد شاهدان على رجل بقتل أو جرح خطأ فجاء المشهود عليه برجال من عصبته يجرحونهما انبغى للحاكم أن ينظر فإن كان الذين جرحوهما ممن يلزمه أن يعقل عن الشهود عليه حين شهدوا إن حكم بشهادتهما لم تقبل شهادتهما، وذلك أن لا يكون من هو أقرب إليه نسبا منهما يحمل العقل عنه وإن كان من هو أقرب إليه نسبا منهما يحمل العقل عنه حتى لا يخلص إلى أن يعقل الشاهدان عنه إلا بعد موت الذين يحملون العقل عنه من العاقلة أو حاجتهم قبلت شهادتهما؛ لأنهما حين شهدا من غير عاقلته.
ما تقبل عليه الشهادة في الجناية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا أقبل في الشهادة على الجناية إلا ما أقبل في الشهادة على الحقوق إلا في القسامة فلو أن رجلا جاء بشاهدين يشهدان أن رجلا ضربه بسيف وقفتهما فإن قالا: أنهر دمه ومات مكانه من ضربه قبلت شهادتهما وإن قالا ما ندري أنهر دمه أو لم ينهر. لم أجعله بها جارحا ولو قالا: ضربه في رأسه فرأينا دما سائلا لم أجعله جارحا إلا بأن يقولا سال من ضربته، ثم لم أجعلها دامية حتى يقولا وأوضحها وهذه هي نفسها أو هي في موضع كذا وكذا فإن برأ منها فأراد القصاص لم أقضه إلا بأن يقولا هي هذه بعينها أو يصفاها طولها وعرضها فإن قالا أوضحه ولا ندري كم طول الموضحة لم أقضه منه وإن قالا أوضحه في رأسه ولا نثبت أين موضع الموضحة لم أقضه؛ لأني لا أدري أين آخذ منه القصاص من رأسه وجعلت عليه الدية؛ لأنهما قد أثبتا على أنه أوضحه في رأسه ولو قالا ضربه فقطع إحدى يديه، والمقطوع إحدى يديه مقطوع اليد الأخرى، قصاص إذا لم يثبتا اليد التي قطع وعلى الجاني الأرش في ماله؛ لأنهما أثبتا قطع يده ولو قالا قطع إحدى يديه ولم يثبتا أي اليدين هي أيده المقطوعة هي أم يده الأخرى قيل أنتم ضعفاء ليست له إلا يدان بينوا فإن فعلوا قبلت وإن لم يفعلوا قبلت وقضي عليه وكان هؤلاء ضعفاء.
(قال الشافعي): وهكذا في رجليه وأذنيه وكل ما ليس فيه منه إلا اثنان فقطع أحدهما ولو شهدا أن هذا قطع يد هذا وقال هذا يوم الخميس وقال هذا يوم الجمعة لم تقبل شهادتهما إن كان عمدا لاختلافهما فإن كل واحد منهما يبرئ الجاني أن يكون فعل في اليوم الذي زعم الآخر أنه فعل فيه، وكذلك لو شهد عليه شاهدان أنه قتل بمكة يوم كذا وشهد آخران أنه قتل بمصر ذلك اليوم أو أنه قتل إنسانا بمصر في ذلك اليوم أو جرحه أو أصاب حدا سقط كل هذا عنه؛ لأن كل واحدة من البينتين تبرئه مما شهدت به عليه الأخرى وهذا في العمد والخطأ سواء إذا لم يكن إلا أن يكون أحدهما قد كان والآخر لم يكن وبطلتا معا عنه؛ لأن الحكم عليه بإحداهما ليس بأوجب عليه من الحكم عليه بالأخرى وأحلف كما يحلف المدعى عليه بلا بينة وليس كالذي يظاهر عليه من الأخبار التي تقر في نفس الحاكم أنه كما قالوا لا يبرأ من تلك الشهادة وإن لم تكن قاطعة بمعنى غيرهم فيكون في
هذا القسامة ولا يكون ذلك في المسألة الأولى ولا يكون ذلك إلا بدلالة ولو شهد شاهد أنه قتله يوم الخميس وآخر أنه قتله يوم الجمعة كان باطلا؛ لأن كل واحد يكذب الآخر ولا يكون قاتلا له يوم الخميس ويوم الجمعة وهكذا لو شهد رجل أنه قتله بكرة والآخر أنه عشية والآخر أنه خنقه حتى مات والآخر أنه ضربه بسيف حتى مات كانت هذه شهادة متضادة لا تلزمه.
ولو أن رجلين شهدا على رجلين أنهما قتلا رجلا وشهد الشهود عليهما أن الشاهدين قتلاه وكانت شهادتهما في مقام واحد فإن صدقهما أولياء الدم معا فالشهادة باطلة وكذلك إن كذبوهما وإن ادعوا شهادتهما فشهدا قبل أن يشهد الآخر إن قبلت شهادتهما وجعلت المشهود عليهما اللذين شهدا بعد ما شهد عليهما بالقتل دافعين عن أنفسهما بشهادتهما وأبطلت شهادتهما وإن ادعوا شهادة اللذين شهدا آخرا أبطلت الشهادة؛ لأن الأولين قد شهدا عليهما فدفعا عن أنفسهما ما شهد به عليهما قبل أن يشهدا وإن لم يدعوا شيئا تركتهم حتى يدعوا كما وصفت لك.
(قال الشافعي): - رحمه الله - فإن جاءوا جميعا معا لم أقبل شهادتهم؛ لأنه ليس في شهادة أحد منهم شيء إلا في شهادة الآخر مثلها فليس واحد منهم أولى بالرد ولا القبول من الآخر.
ولو شهد شاهد على رجل أنه أقر أنه قتل رجلا خطأ في يوم غير اليوم الذي شهد به صاحبه كان قول العامة إن هذا جائز؛ لأنه شهادة على قول وهكذا إقرار الناس في يوم بعد يوم ومجلس بعد مجلس وهو مخالف للفعل ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه قتله عمدا وشهد الآخر أنه أقر أنه قتله ولم يقل عمدا ولا خطأ جعلته قاتلا وجعلت القول قول القاتل فإن قال عمدا ففيه القصاص وإن قال خطأ حلف ما قتله عمدا وكانت الدية في ماله في مضي ثلاث سنين ولو شهد أحدهما: أنه أقر أنه قتله عمدا والآخر أنه أقر أنه قتله خطأ سألته وجعلت القول قوله فإن قال خطأ أحلفته على العمد وجعلته عليه في ثلاث سنين؛ لأن كليهما يشهد بالإقرار بالقتل أحدهما عمدا والآخر خطأ وقد يكونان صادقين؛ لأنهما يشهدان على قول بلا فعل.
(قال الشافعي): ولو كانا شهدا على قتل فقال أحدهما قتله بحديدة وقال الآخر بعصا كانت شهادتهما باطلة؛ لأنهما متضادان ولا يكون قاتله بحديدة حتى يأتي على نفسه وبعصا حتى يأتي عليها ولو شهد أحدهما على أنه قتله وشهد الآخر على أنه أقر بقتله لم تجز شهادتهما ولم تكن هذه شهادة متضادة يكذب بعضها بعضا ولكني لم أجزها؛ لأنها ليست بمجتمعة على شيء وإن كان القتل المشهود عليه أو المقر به خطأ أحلف أولياء الدم مع شاهدهم واستحقوا الدية بما تستحق به الحقوق وإن كان عمدا أحلفوا أيضا قسامة؛ لأن مثل هذا يوجب القسامة في الدم واستحقوا الدية بالقسامة.
ولو شهد شاهدان أن هذا قتل فلانا أو هذا قد أثبتا أحدهما بغير عينه لم تكن هذه شهادة قاطعة وكانت في هذا قسامة على أحدهما كما تكون على أهل القرية قتله بعضهم ولو شهدا أن هذا الرجل بعينه قتل عبد الله بن محمد أو سالم بن عبد الله لا يدري أيهما قتل لم تكن هذه شهادة ولا في هذا قسامة؛ لأن أولياء كل واحد منهما إذا طلبوا لم يكونوا بأحق من غيرهم.
(قال الشافعي): ولا أقبل الشهادة حتى يثبتوها فإن قالوا نشهد أنه ضربه في رأسه ضربة بسيف أو حديدة أو عصا فرأيناه مشجوجا هذه الشجة لم أقص منه حتى يقولوا فشجه بها هذه الشجة.
(قال الشافعي): وهكذا لو قالوا نشهد أنه ضربه وهو ملفف فقطعه باثنين أو جرحه هذا الجرح ولم يبينوا أنه كان حيا حين ضربه لم أجعله قاتلا ولا جارحا حتى يقولوا ضربه وهو حي أو تثبت بينة أنه حين ضربه كان حيا أو كانت فيه الحياة بعد ضربه إياه فيعلم أن الضربة كانت وهو حي وأقبل قول الجاني مع يمينه إذا لم تقم بينة بأن هذه الشجة لم تكن من فعله وأنه ضربه ميتا وهكذا لو شهدوا أن قوما دخلوا بيتا فغابوا، ثم هدمه هذا عليهم فقال هدمته بعد ما ماتوا جعلت القول قوله حتى تثبت البينة أن الحياة كانت فيهم حين هدم هذا البيت.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (237)
صــــــــــ 21 الى صـــــــــــ 26
(قال الربيع) وللشافعي فيه قول ثان يشبه هذا أن الملفوف بالثوب والقوم الذين كانوا في البيت فهدمه عليهم على الحياة حتى يعلم أو تقوم بينة أنهم ماتوا قبل أن يهدم البيت عليهم.
(قال الشافعي): وهكذا لو أقر فقال ضربته فقطعته وهدمت البيت على هؤلاء وهم موتى أو ضربت فم هذا الرجل وأسنانه ساقطة كان القول قوله مع يمينه حتى تقوم بينة بخلاف ما قال وإذا شهد شاهدان أن هذا الرجل ضرب هذا الرجل ضربة أثبتناها فلم يبرأ جرحها حتى مات المضروب فلا قصاص عليه إلا بأن يقر بأنه مات أو يثبت الشهود أنه مات منها أو من غيرهم ممن رأى الضربة وإن لم يره حين ضربه أو يثبت الشهود الذين رأوا الضربة أو الذين شهدوا على أصل الضربة أنه لم يزل لازما للفراش منها حتى مات فإذا كان هكذا فالظاهر أنه مات منها وعليه القود وإذا لم يكن من هذا واحد حلف الجاني ما مات منها وضمن أرش الجرح فإن نكل حلفوا وكان لهم الدية أو القصاص فيه إن كان ممن يقتص منه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قتل الرجل الرجل عمدا بسيف وله ولاة، رجال ونساء تشاح الأولياء على القصاص فطلب كلهم تولي قتله قيل: لا يقتله إلا واحد فإن سلمتموه لرجل منكم ولي قتله وإن اجتمعتم على أجنبي يقتله خلي وقتله وإن تشاححتم أقرعنا بينكم فأيكم خرجت قرعته خليناه وقتله ولا يقرع لامرأة ولا يدعها وقتله؛ لأن الأغلب أنها لا تقدر على قتله إلا بتعذيبه، وكذلك لو كان فيهم أشل اليمنى أو ضعيف أو مريض لا يقدر على قتله إلا بتعذيبه أقرع بين من يقدر على قتله ولا يدع يعذبه بالقتل (قال الشافعي): وإذا لم يكن إلا ولي واحد مريض لا يقدر على قتله إلا بتعذيبه قيل له: وكل من يقتله ولا يترك وقتله يعذبه، وكذلك إن كان ولاته نساء لم تقتله امرأة بقرعة.
(قال): وينظر إلى السيف الذي يقتله به فإن كان صارما وإلا أعطي صارما.
(قال الشافعي): وإذا كان الولي صحيحا فخرجت قرعته وكان لا يحسن يضرب أعطيه ولي غيره حتى يقتله قتلا وحيا.
(قال): فإن لم يحسن ولاته الضرب أمر الوالي ضاربا بضرب عنقه (قال الشافعي): وإن ضرب القاتل ضربة فلم يمت في ضربة أعيد عليه الضرب حتى يموت بأصرم سيف وأشد ضرب قدر عليه وإذا كان للقتيل ولاة فاجتمعوا على القتل فلم يقتل القاتل حتى يموت أحدهم كف عن قتله حتى يجمع ورثة الميت على القتل ولو لم يمت، ولكن ذهب عقله لم يقتل حتى يفيق أو يموت فتقوم ورثته مقامه وسواء أذن في قتله أو لم يأذن؛ لأنه قد يأذن، ثم يكون له أن يعفو بعد الإذن فإن تفوت أحد من الورثة فقتله كان كما وصفت في الرجلين يقتل أبوهما فيفوت أحدهما بالقتل وغرم نصيب الميت والمعتوه من الدية، والولي المحجور عليه وغير المحجور عليه في ولاية الدم والقيام بالقصاص وعفو الدم على المال سواء، وإن عفا المحجور عليه القصاص على غير مال فالعفو عن الدم جائز لا سبيل معه إلى القود وله نصيبه من الدية؛ لأنه لا يجوز له إتلاف المال ويجوز له ترك القود.
(قال الشافعي): فإذا اقترع الولاة فخرجت قرعة أحدهم وهو يضعف عن قتله أعيدت القرعة على الباقين وهكذا تعاد أبدا حتى تخرج على من يقوى على قتله.
تعدي الوكيل والولي في القتل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ضرب الرجل الرجل ضربة فمات منها فخلي الولي وقتله فقطع
يده أو رجله أو ضرب وسطه أو مثل به لم يكن عليه عقل ولا قود ولا كفارة وأوجع عقوبة بالعدوان في المثلة.
(قال الشافعي): ولو جاء يضرب عنقه فضرب رأسه مما يلي العنق أو كتفيه وقال أخطأت أحلف ما عمد ما صنع ولم يعاقب وقيل: اضرب عنقه ولو ضرب مفرق رأسه أو وسطه أو ضربه ضربة، الأغلب أنه لا يخطئ بمثلها من أراد ضرب العنق عوقب ولم يحلف إنما يحلف من يمكن أن يصدق على ما حلف عليه ويقال: اضرب عنقه وإن قال لا أحسن إلا هذا قبل منه ووكل من يحسن فإن لم يجد من يتوكل له وكل الإمام له من يقتله ولا يقتله حتى يستأمر الولي فإن أذن له أن يقتله قتله.
فلو أن الوالي أذن لرجل أو امرأة بقتل رجل قضى له عليه بالقصاص فذهب ليقتله، ثم قال الولي قد عفوت عنه قبل أن يقتله فقتله قبل أن يعلم العفو عنه ففيها قولان: أحدهما أن ليس على القاتل شيء إلا أن يحلف بالله ما علمه عفا عنه ولا على الذي قال قد عفوت عنه.
(قال الشافعي): والقول الثاني أنه يغرم الدية ويكفر إن حلف وأقل حالاته أن يكون قد أخطأ بقتله ومن قال هذا قال ولو وكل الولاة رجلا بقتل رجل لهم عليه قود فتنحى به وكيلهم ليقتله فعفا كلهم أو أحدهم وأشهد على العفو قبل أن يقتل الذي عليه القود لم يصل العفو إلى الوكيل حتى قتل الذي عليه القود لم يكن على الوكيل الذي قتل قصاص؛ لأنه قتله على أنه مباح له خاصة وعليه الدية والكفارة ولا يرجع بها على الولي الذي أمره؛ لأنه متطوع له بالقتل ويحلف الوكيل ما علم العفو فإن حلف لم يقتل ووداه وإلا حلف الولي لقد علمه وقتله.
(قال الشافعي): هذا القول أحسنهما؛ لأن المقتول صار ممنوعا بعفو الولي عنه القتل وهذا أشبه بمعنى العبد يعتق ولا يعلم الرجل بعتقه فيقتله فيغرم دية حر والكافر يسلم ولا يعلم الرجل بإسلامه فيقتله فتكون ديته دية مسلم قال فهو مخالف لهما في قتل العمد.
(قال الربيع) يريد به قتل العبد وهو يعرفه حرا مسلما.
الوكالة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وتجوز الوكالة بتثبيت البينة على القتل عمدا أو خطأ فإذا كان القود لم يدفع إليه حتى يحضره ولي القتيل أو يوكله بقتله.
(قال): وإن وكله بقتله كان له قتله.
(قال الشافعي): وإذا قتل الرجل من لا ولي له عمدا فللسلطان أن يقتل به قاتله وله أن يأخذ له الدية ويدفعها إلى جماعة المسلمين ويدع القاتل من القتل وليس له عفو القتل والدية؛ لأنه لا يملكها دون المسلمين فيعفو ما يملك.
(قال الشافعي): ولو قتل رجل له أولياء صغار فقراء لم يكن للوالي عفو دمه على الدية وكان عليه حبسه حتى يبلغ الولاة فيختاروا القتل أو الدية أو يختار الدية بالغ منهم فإن اختارها لم يكن إلى النفس سبيل وكان على أولياء الصغار أن يأخذوا لهم الدية؛ لأن النفس قد صارت ممنوعة وللمولى عليه عفو الدم وليس له عفو المال؛ لأنه يتلف بعفو المال ماله ولا يتلف بعفو الدم ملكا له.
قتل الرجل بالمرأة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم أعلم ممن لقيت مخالفا من أهل العلم في أن الدمين متكافئان بالحرية والإسلام فإذا قتل الرجل المرأة عمدا قتل بها وإذا قتلته قتلت به ولا يؤخذ من المرأة ولا من أوليائها شيء للرجل إذا قتلت به ولا إذا قتل بها وهي كالرجل يقتل الرجل في جميع أحكامها إذا
اقتص لها أو اقتص منها، وكذلك النفر يقتلون المرأة والنسوة يقتلن الرجل.
(قال الشافعي): وكذلك جراحه التي فيها القصاص كلها بجراحها إذا أقدتها في النفس أقدتها في الجراح التي هي أقل من النفس ولا يختلفان في شيء إلا في الدية فإذا أراد أولياؤها الدية فديتها نصف دية الرجل وإن أراد أولياء الرجل ديته من مالها فديته مائة من الإبل لا تنقص لقتل المرأة له وحكم القصاص مخالف حكم العقل. (قال الشافعي): وولاة المرأة وورثتها كولاة الرجل وورثته لا يختلفان في شيء إلا في الدية.
وإذا قتلت المرأة حاملا يتحرك ولدها أو لا يتحرك ففيها القود ولا شيء في جنينها حتى يزايلها، فإذا زايلها ميتا قبل موتها أو معه أو بعده فسواء وفيه غرة، قيمتها خمس من الإبل.
(قال الشافعي): وإن زايلها حيا قبل موتها أو بعده فسواء ولا قصاص فيه إن مات وفيه ديته إن كان ذكرا فمائة من الإبل، وإن كان أنثى فخمسون من الإبل وسواء قتلها رجل أو امرأة.
(قال الشافعي): وإذا قتلت المرأة من عليها في قتله القود فذكرت حملا حبست حتى تضع حملها، ثم أقيد منها حين تضع حملها، وإن لم يكن لولدها مرضع.
فأحب إلي لو تركت بطيب نفس ولي الدم يوما أو أياما حتى يوجد له مرضع، فإن لم يفعل قتلت له، وإن ولدت، ثم وجدت تحركا انتظرت حتى تضع المتحرك أو يعلم أن ليس بها حمل، وكذلك إذا لم يعلم بها حمل فادعته.
انتظر بالقود منها حتى تستبرأ أو يعلم أن لا حمل بها، ولو عجل الإمام فاقتص منها حاملا فلا شيء عليه إلا المأثم حتى تلقي جنينا، فإن ألقته ضمنه الإمام دون المقتص له. وكان على عاقلته لا بيت المال، وكذلك لو قضى بأن يقتص منها، ثم رجع فلم يبلغ ولي الدم حتى يقتص منها ضمن الإمام جنينها.
قتل الرجل النفر
(قال الشافعي): - رحمه الله -: إذا قتل رجل نفرا فأتى أولياؤهم جميعا يطلبون القود وتصادقوا على أنه قتل بعضهم قبل بعض أو قامت بذلك بينة اقتص للذي قتله أولا وكانت الدية في ماله لمن بقي ممن قتل آخرا.
(قال الشافعي): ولو جاءوا متفرقين أحببت للإمام إذا علم أنه قتل غير الذي جاءه أن يبعث إلى وليه، فإن طلب القود قتله بمن قتل أولا وإن لم يفعل واقتص منه في قتل آخر أو أوسط أو أول كرهته له ولا شيء عليه فيه؛ لأن لكلهم عليه القود، وأيهم جاء فأثبت عليه البينة بقتل ولي له فدفعه إليه فلم يقتله حتى جاء آخر فأثبت عليه البينة بقتل ولي له قتله دفعه إلى ولي المقتول أولا.
(قال الشافعي): ولو أثبتوا عليه معا البينة أيهم قتل أولا: فالقول قول القاتل، فإن لم يقر بشيء أحببت للإمام أن يقرع بينهم أيهم قتل وليه أولا فأيهم خرج سهمه قتله له وأعطى الباقين الديات من ماله، وكذلك لو قتلهم معا أحببت له أن يقرع بينهم.
(قال الشافعي): وإذا قتل رجل عمدا وورثته كبار وفيهم صغير أو غائب وقتل آخر عمدا وورثته بالغون فسألوا القود لم يعطوه وحبس على صغيرهم حتى يبلغ وغائبهم حتى يحضر فلعل الصغير والغائب يدعان القود فيبطل القود ويعطون ديته في ماله.
(قال الشافعي): ولو دفعه الإمام إلى ولي الذي قتل آخرا وترك الذي قتله أولا فقتله كان عندي مسيئا ولا شيء عليهم؛ لأن كلهم استوجب دمه على الكمال.
(قال الشافعي): ولو كان قطع يد رجل ورجل آخر وقتل آخر ثم جاءوا يطلبون القصاص معا اقتص منه اليد والرجل، ثم قتل بعده.
(قال الشافعي): ولو قطع أصبع رجل اليمنى وكف آخر اليمنى، ثم جاءوا معا يطلبون القود أقصصت من الأصبع وخيرت صاحب الكف بين أن أقصه وآخذ له أرش الأصبع أو آخذ له أرش الكف.
(قال الشافعي): ولو بدأ فأقصه من الكف أعطي صاحب
الأصبع أرشها ولو قطع كفي رجلين اليمنى كان كقتله النفسين يقتص لأيهما جاء أولا وإن جاءا معا اقتص للمقطوع بديا. وإن اقتص للآخر أخذ الأول دية يده. وهكذا كل ما أصاب مما عليه فيه القصاص فمات منه بقود أو مرض أو غيره فعليه أرشه في ماله.
الثلاثة يقتلون الرجل يصيبونه بجرح
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة. وقال عمر لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا (قال الشافعي): وقد سمعت عددا من المفتين وبلغني عنهم أنهم يقولون إذا قتل الرجلان أو الثلاثة أو أكثر الرجل عمدا فلوليه قتلهم معا.
(قال الشافعي): وقد بنيت جميع هذه المسائل على هذا القول فينبغي - عندي - لمن قال: يقتل الاثنان أو أكثر بالرجل أن يقول فإذا قطع الاثنان يد رجل معا قطعت أيديهما معا، وكذلك أكثر من الاثنين وما جاز في الاثنين جاز في المائة وأكثر وإنما تقطع أيديهما معا إذا حملا شيئا فضرباه معا ضربة واحدة أو حزاه معا حزا واحدا فأما إن قطع هذا يده من أعلاها إلى نصفها وهذا يده من أسفلها حتى أبانها فلا تقطع أيديهما ويحز من هذا بقدر ما حز من يده ومن هذا بقدر ما حز من يده إن كان هذا يستطاع.
(قال الشافعي): وهذا هكذا في الجرح والشجة التي يستطاع فيها القصاص وغيرها لا يختلف. ولا يخالف النفس إلا في أنه يكون الجرح يتبعض والنفس لا تتبعض، فإذا لم يتبعض بأن يكونا جانيين عليه معا جرحا كما وصفت لا ينفرد أحدهما بشيء منه دون الآخر فهو كالنفس في القياس وإذا تبعض خالف النفس. وإذا ضرب رجلان أو أكثر رجلا بما يكون في مثله القود فلم يبرح مكانه حتى مات. وذلك أن يجرحوه معا بسيوف أو زجاج رماح أو نصال نبل أو بشيء صلب محدد يخرق مثله فلم يزل ضمنا من الجراح حتى مات فلأولياء الدم إن شاءوا أن يقتلوهم معا قتلوهم وإن شاءوا أن يأخذوا منهم الدية فليس عليهم معا إلا دية واحدة على كل واحد منهم حصته إن كانوا اثنين فعلى كل واحد منهما نصفها وإن كانوا ثلاثة فعلى كل واحد منهم الثلث. وهكذا إن كانوا أكثر وإن أرادوا قتل بعضهم وأخذ الدية من بعض كان ذلك لهم. وإن أرادوا أخذ الدية أخذوا منه بحساب من قتل معه كأن قتله ثلاثة فقتلوا اثنين وأرادوا أخذ الدية من واحد فلهم أن يأخذوا منه ثلثها؛ لأن ثلثه بثلثه وإن كانوا عشرة أخذوا منه عشره وإن كانوا مائة أخذوا منه جزءا من مائة جزء من ديته ولو قتله ثلاثة فمات واحد منهم كان لهم أن يقتلوا الاثنين ويأخذوا من مال الميت ثلث دية المقتول. .
ولو قتل رجل رجلا عمدا وقتله معه صبي أو رجل معتوه كان لهم أن يقتلوا الرجل ويأخذوا من الصبي والمعتوه أيهما كان القاتل نصف الدية (قال الشافعي): وهكذا لو أن حرا وعبدا قتلا عبدا عمدا كان على الحر نصف قيمة العبد المقتول وعلى العبد القتل. وهكذا لو قتل مسلم ونصراني نصرانيا كان على المسلم نصف دية النصراني وعلى النصراني القود وهكذا لو قتل رجل ابنه وقتله معه أجنبي كان على أبيه نصف ديته والعقوبة وعلى الأجنبي القصاص إذا كان الضرب في هذه الحالات كلها عمدا.
(قال الشافعي): وإذا جنى اثنان على رجل عمدا وآخر خطأ أو بما يكون حكمه حكم الخطأ من أن يضربه بعصا خفيفة أو بحجر خفيف فمات فلا قود فيه لشرك الخطأ الذي لا قود فيه وفيه الدية على صاحب الخطأ في مال عاقلته وعلى صاحب العمد في
أموالهما.
ولو شهد شهود أن رجلين ضربا رجلا فراغا عنه وتركاه مضطجعا من ضربتهما ثم مر به آخر فقطعه باثنين، فإن أثبتوا أنه قطعه باثنين وفيه الحياة ولم يدر لعل الضرب قد بلغ به الذبح أو نزع حشوته لم يكن على واحد منهما قصاص. وكان لأوليائه أن يقسموا على أيهما شاءوا ويلزمه ديته ويعزران معا.
(قال الشافعي): وإن لم يثبتوا أنه كانت فيه حياة. وقالوا: لا ندري لعله كان حيا لم يكن فيه شيء ولا يغرمهما حتى يقسم أولياؤه فيأخذون ديته من الذين أقسموا عليه فإن قال أولياؤه نقسم عليهما معا قيل إن أقسمتم على جراح الأولين وقطع الآخر فذلك لكم وإن أقسمتم على أنه مات من الضربتين معا لم يكن لكم إذا قطعه الآخر
(قال الشافعي): وإنما أبطلت القصاص أولا أن الضاربين الأولين إذا كانوا بلغوا منه ما لا حياة معه إلا بقية حياة الذكي لم يكن على الآخر عقل ولا قود. وإن كانوا لم يبلغوا ذلك منه فالقود على الآخر وعلى الأولين الجراح فجعلتها قسامة بدية؛ لأن كلا يجب ذلك عليه ولا أجعل فيها قصاصا لهذا المعنى.
ولو شهد شهود على رجل أنه ضربه بعصا في طرفها حديدة محددة ولم يثبتوا بالحديدة قتله أم بالعصا قتله فلا قود إذا كانت العصا لو انفردت مما لا قود فيه وفيه الدية بكل حال. وإن حلف أولياؤه أنه مات بالحديدة فهي حالة في ماله وإن لم يحلفوا فهي في ماله في ثلاث سنين؛ لأنهم أثبتوا القتل فأقله الخطأ ولا تغرمه العاقلة ولم تقم البينة على أنه خطأ.
وإذا قطع الرجل أصبع الرجل، ثم جاء آخر فقطع كفه أو قطع الرجل يد الرجل من مفصل الكوع، ثم قطعها آخر من المرفق ثم مات فعليهما معا القود يقطع أصبع هذا وكف قاطع الكف ويد الرجل من المرفق، ثم يقتلان، وسواء قطعا من يد واحدة أو قطعاها من يدين مفترقتين سواء وسواء كان ذلك بحضرة قطع الأول أو بعده بساعة أو أكثر ما لم تذهب الجناية الأولى بالبرء؛ لأن باقي ألمها واصل إلى الجسد كله ولو جاز أن يقال: ذهبت الجناية الأولى حين كانت الجناية الآخرة قاطعة باقي المفصل الذي يتصل به وأعظم منها جاز إذا قطع رجل يدي رجل ورجليه وشجه آخر موضحة فمات أن يقال لا يقاد من صاحب الموضحة بالنفس؛ لأن ألم الجراح الكثيرة قد عم البدن قبل الموضحة أو بعدها ومن أجاز أن يقتل اثنان بواحد لكان الألم يأتي على بعض البدن دون بعض حتى يكون رجلان لو قطع كل واحد منهما يد رجل معا فمات لم يقد منهما في النفس؛ لأن ألم كل واحدة منها في شق يده الذي قطع ولكن الألم يخلص من القليل والكثير ويخلص إلى البدن كله فيكون من قتل اثنين بواحد يحكم في كل واحد منهما في القود حكمه على قاتل النفس منفردا فإذا أخذ العقل حكم على كل من جنى عليه جناية صغيرة أو كبيرة على العدد من عقل النفس كأنهم عشرة جنوا على رجل فمات فعلى كل واحد منهم عشر الدية. فإن قال قائل: أرأيت قول الله عز وجل {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر} هل فيه دلالة على أن لا يقتل حران بحر ولا رجل بامرأة؟ قيل له: لم نعلم مخالفا في أن الرجل يقتل بالمرأة فإذا لم يختلف أحد في هذا ففيه دلالة على أن الآية خاصة.
فإن قال قائل: فيم نزلت؟ قيل: أخبرنا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال: قال مقاتل أخذت هذا التفسير من نفر حفظ منهم مجاهد والضحاك والحسن قالوا قوله تعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية، قال: كان بدء ذلك في حيين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل وكان لأحد الحيين فضل على الآخر فأقسموا بالله ليقتلن بالأنثى الذكر وبالعبد منهم الحر فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا.
(قال الشافعي): وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا؛ لأن الله عز وجل إنما
ألزم كل مذنب ذنبه ولم يجعل جرم أحد على غيره فقال {الحر بالحر} إذا كان والله أعلم قاتلا له {والعبد بالعبد} إذا كان قاتلا له {والأنثى بالأنثى} إذا كانت قاتلة لها لا أن يقتل بأحد ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله» (قال الشافعي): وما وصفت من أنى لم أعلم مخالفا في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير لم يقتل ذكر بأنثى ولم يجعل عوام من حفظت عنه من أهل العلم لا نعلم لهم مخالفا لهذا معناها ولم يقتل الذكر بالأنثى.
قتل الحر بالعبد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله عز وجل في أهل التوراة {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية.
(قال): ولا يجوز والله أعلم في حكم الله تبارك وتعالى بين أهل التوراة إن كان حكما بينا إلا ما جاز في قوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} ولا يجوز فيها إلا أن تكون كل نفس محرمة القتل فعلى من قتلها القود فيلزم في هذا أن يقتل المؤمن بالكافر المعاهد والمستأمن والصبي والمرأة من أهل الحرب، والرجل بعبده وعبد غيره مسلما كان أو كافرا والرجل بولده إذا قتله (قال الشافعي): أو يكون قول الله تبارك وتعالى {ومن قتل مظلوما} ممن دمه مكافئ دم من قتله وكل نفس كانت تقاد بنفس بدلالة كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع كما كان قول الله عز وجل {والأنثى بالأنثى} إذا كانت قاتلة خاصة لا أن ذكرا لا يقتل بأنثى.
(قال الشافعي): وهذا أولى معانيه به والله أعلم؛ لأن عليه دلائل: منها قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا يقتل مؤمن بكافر» والإجماع على أن لا يقتل المرء بابنه إذا قتله والإجماع على أن لا يقتل الرجل بعبده ولا بمستأمن من أهل دار الحرب ولا بامرأة من أهل دار الحرب ولا صبي.
(قال الشافعي): وكذلك لا يقتل الرجل الحر بالعبد بحال، ولو قتل حر ذمي عبدا مؤمنا لم يقتل به.
(قال الشافعي): وعلى الحر إذا قتل العبد قيمته كاملا بالغة ما بلغت وإن كانت مائة ألف درهم أو ألف دينار كما يكون عليه قيمة متاع له لو استهلكه وبعير له لو قتله وعليه في العبد إذا قتله عمدا ما وصفت في ماله؛ وإذا قتله خطأ ما وصفت على عاقلته، وعليه مع قيمتهما معا عتق رقبة، وكذلك الأمة يقتلها الحر ويقتل الرجل بالمرأة كما تقتل بالرجل وسواء صغيرة كانت أو كبيرة.
قتل الخنثى
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قتل الرجل الخنثى المشكل عمدا فلأولياء الخنثى القصاص؛ لأنه لا يعدو أن يكون رجلا أو امرأة فيكون لهم القصاص إذا كان خنثى ولو سألوا الدية قضى لهم بديته على دية امرأة؛ لأنه اليقين ولم يقض لهم بدية رجل ولا زيادة على دية امرأة؛ لأنه شك.
(قال الشافعي): ولو كان الخنثى بينا أنه ذكر قضى لهم بدية رجل. (قال الشافعي): للخنثى المشكل من الرجال القصاص في النفس وفيما دون النفس وإذا طلب الدية فله دية امرأة فإن بان بعد أنه رجل ألحقته بدية رجل.
(قال الشافعي): ولو كان أولا يبول من حيث يبول الرجل وكانت علامات الرجل فيه أغلب قضيت له بدية رجل ثم أشكل فحاض أو جاء منه ما يشكل غرمته الفضل من دية امرأة (قال الربيع) الخنثى المشكل
الذي له فرج وذكر إذا بال منهما لم يسبق أحدهما الآخر وانقطاعهما معا، وإذا كان يسبق أحدهما الآخر فالحكم للذي يسبق، وإن كانا يستبقان معا فكان أحدهما ينقطع قبل الآخر فالحكم للذي يبقى.
العبد يقتل بالعبد.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {والعبد بالعبد}.
(قال الشافعي): فحكم الله عز وجل بين العبيد بالقصاص في الآية التي حكم فيها بين الأحرار بالقصاص ولم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم في النفس.
(قال الشافعي): وإذا قتل العبد العبد أو الأمة الأمة أو العبد الأمة أو الأمة العبد عمدا فهم كالأحرار تقتل الحرة بالحرة والحر بالحرة والحرة بالحر فعليهم القصاص معا.
(قال الشافعي): وتقتل الأعبد بالعبد يقتلونه عمدا، وكذلك الإماء بالعبد يقتلنه عمدا والقول فيهم كالقول في الأحرار، وأولياء العبيد مالكوهم فيخير مالك العبد المقتول أو الأمة المقتولة بين قتل من قتل عبده من العبيد أو أخذ قيمة عبده المقتول بالغة ما بلغت من رقبة من قتل عبده فأيهما اختار فهو له، وإذا قتل العبد عمدا خير سيد العبد المقتول بين القصاص وبين أخذ قيمة عبده وهو ولي دمه دون قرابة لو كانت لعبده؛ لأنه مالكه فإن شاء القصاص فهو له وإن شاء قيمة عبده بيع العبد القاتل فأعطي المقتول عبده قيمة عبده ورد فضل إن كان فيها على مالك العبد القاتل وإذا لم يكن به فضل لم يكن ثم شيء يرد عليه فإن نقص ثمنه عن قيمة العبد المقتول فحق ذهب لسيد العبد المقتول ولا تباعة فيه على رب العبد القاتل.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (238)
صــــــــــ 27 الى صـــــــــــ 33
(قال الشافعي): وإن اختار ولي العبد المقتول قتل بعض العبيد وأخذ قيمة عبده من الباقين لم يكن له على واحد من الباقين من قيمة عبده إلا بقدر عددهم إن كانوا عشرة فله في رقبة كل واحد منهم عشر قيمة عبده.
(قال): وإن قتل عبيد عشرة عبدا عمدا خير سيد المقتول بين قتلهم أو أخذ قيمة عبده من رقابهم فإن اختار قتلهم فذلك له وإن اختار أخذ ثمن عبده فله في رقبة كل منهم عشر قيمة عبده فإن كانوا ثلاثة فله في رقبة كل واحد منهم ثلث قيمة عبده، وأي العبيد مات قبل أن يقتص منه أو يباع له فلا سبيل له على سيده وله في الباقين القتل أو أخذ الأرش منهم بقدر عددهم كما وصفت.
(قال الشافعي): وإن قتل حر وعبد عبدا فعلى الحر العقوبة ونصف قيمة العبد وللسيد في العبد القصاص أو إتباعه بنصف قيمة عبده في عنقه كما وصفت.
وإذا قتل العبد الحر قتل به ويقاد منه في الجراح إن شاء الحر وإن شاء ورثته في القتل وهو في الجراح يجرحها عمدا كهو في القتل في أن ذلك في عنق العبد كما وصفت.
وإذا كان العبد بين اثنين فقتله عبد عمدا فلا قود حتى يجتمع مالكاه معا على القود وأيهما شاء أخذ حقه من ثمنه كان للآخر مثله ولا قود له إذا لم يجمع معه شريكه على القود.
(قال الشافعي): ولو كان عبد بين رجلين فقتل فأعتقاه أو أحدهما بعد القتل كان على ملكهما قبل يعتقانه؛ لأن العتق لا يقع على ميت.
(قال الشافعي): ولو أعتقاه معا في كلمة واحدة أو وكلا من أعتقه وفيه حياة فهو حر وولاة دمه مواليه إن كان مواليه هم ورثته وإن كان له ورثة أحرار كانوا أولى بميراثه من مواليه
(قال الشافعي): وإذا كان العبد مرهونا فقتله عبد عمدا فلسيده أخذ القود وليس المرتهن بسبيل من دمه لو عفاه أو أخذه، وذلك أن سيده إن أراد القود فهو له وإن أراد أخذ ثمنه أخذه وثمنه رهن مكانه وإن أراد أن يترك القود وثمنه لم يكن له ذلك ولا أن يدع من ثمنه شيئا إن كان رهنا إلا بأن يقضي المرتهن حقه أو
يعطيه مثل ثمنه رهنا مكانه أو يرضى ذلك المرتهن. وإذا قتل العبد المرهون أو قتل فسيده ولي دمه وله أن يقتص له إذا كان مقتولا وإن كره ذلك المرتهن ولا يأخذ بأن يعطيه رهنا مكانه وكذلك إن جنى العبد المرهون فسيده الخصم ويباع منه في الجناية بقدر أرشها إلا أن يفديه سيده متطوعا فإن فعل فهو على الرهن. وإن فداه المرتهن فهو متطوع لا يرجع بما فداه به على سيده إلا أن يكون أمره أن يفديه.
(قال الشافعي): وإذا قتل العبد المرهون عمدا فلسيده القتل والعفو بلا مال؛ لأنه لا يملك المال بقتل العمد إلا أن يشاء ولو قتل خطأ أو قتل من يلزمه له قصاص لم يكن له أن يعفو ثمنه عنه إلا أن يعطي المرتهن حقه أو مثل ثمنه رهنا مكانه.
(قال الربيع) وللشافعي قول آخر إذا كان العبد مرهونا فقتل عمدا فلسيده القصاص إن عفا القصاص وجب له مال فليس له أن يعفوه؛ لأن قيمته ثمن لبدنه وليس له أن يتلف على المرتهن ما كان ثمنا لبدن المرهون.
(قال الشافعي): فأما المدبر والأمة قد ولدت من سيدها فمماليك حالهم في جنايتهم والجناية عليهم حال مماليك.
(قال الشافعي): وإذا جنى على المكاتب فأتى على نفسه فقد مات رقيقا وهو كعبد الرجل غير مكاتب جني عليه وإذا جني عليه فيما دون النفس عمدا فله القصاص إن جنى عليه عبد وإن أراد ترك القصاص وأخذ المال كان له وإن أراد ترك المال لم يكن له؛ لأنه ليس بمسلط على ماله تسليط الحر عليه وقد قيل له عفو المال في العمد؛ لأنه لا يملكه إلا أن يشاء وإذا لم يملك بالجناية قصاصا مثل أن يجني عليه حر أو عبد مغلوب على عقله أو صغير فليس له عفو الجناية بحال؛ لأنه مال يملكه وليس له إتلاف ماله.
(قال الربيع) ولو جني على العبد المكاتب فيما دون النفس فلا قصاص.
الحر يقتل العبد
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا جنى الحر على العبد عمدا فلا قصاص بينهما فإن أتت الجناية على نفسه ففيه قيمته في الساعة التي جنى فيها عليه مع وقوع الجناية بالغة ما بلغت وإن كانت ديات أحرار وقيمته في مال الجاني دون عاقلته وإن جنى عليه خطأ فقيمته على عاقلة الجاني وإذا كانت الجناية على أمة أو عبد فكذلك، والقول في قيمتهم قول الجاني؛ لأنه يغرم ثمنه وعلى السيد البينة بفضل إن ادعاه وإذا كانت خطأ فالقول في قيمة العبد قول عاقلة الجاني؛ لأنهم يضمنون قيمته فإن قالوا قيمته ألف وقال القاتل: قيمته ألفان ضمنت العاقلة ألفا والقاتل في ماله ألفا لا يسقط عنه ضمان ما أقر أنه جنايته ولا يلزمهم إقراره إذا أكذبوه.
ولو جنى عبد على عبد عمدا أو خطأ كان القصاص بين العبدين في العمد ولا أنظر إلى فضل قيمة أحدهما على الآخر ويخير سيد العبد المجني عليه بين القصاص في النفس وما دونها وبين الأرش فإن اختار الأرش فهو له في عنق العبد الجاني وقيمته لسيد المجني عليه بالغة ما بلغت والقول في قيمة العبد المجني عليه قول سيد العبد الجاني ولا أنظر إلى قول العبد الجاني؛ لأن ذلك مأخوذ من رقبته ورقبته مال من مال سيده، وكذلك لو كانت الجناية خطأ كان القول قول سيد الجاني وإذا أقر العبد بأن قيمته الأكثر لم يلزمه الأكثر في عبوديته وإن عتق لزمه الفضل عما أقر به سيده مما أقر به العبد وهكذا لو كان الجاني على العبد مدبرا أو أم ولد لا يختلفان هما، والعبد وإن كان الجاني على العبد مكاتبا فبينه وبين العبد القود فإن اختار سيد العبد ترك القود للمال أو كانت الجناية خطأ فسواء فإن أقر المكاتب بأن قيمة العبد المجني عليه ألفان وقيمة المكاتب ألفان أو أكثر وقال سيده ألف ففيها قولان: أحدهما أن إقراره موقوف فإن أدى المكاتب ما أقر به من قبل أن يعجز لم يكن للسيد إبطال شيء منه وإن عجز المكاتب قبل يوفيه فالقول قول السيد في قيمة العبد المجني عليه فإن كان المكاتب أدى من الجناية ما أقر السيد
أنه قيمة العبد المجني عليه لم يتبع العبد في شيء من جنايته وإذا أعتق أتبع بالفضل وإن أدى فضلا عما أقر به السيد لم يكن للسيد أن يرجع به على سيد العبد المجني عليه.
(قال الشافعي): ولو أدى أقل مما أقر به السيد خير السيد بين أن يفديه بالفضل متطوعا أو يباع من العبد بقدر ما بقي مما أقر به السيد.
(قال الربيع) وإذا أدى المكاتب أكثر مما أقر به السيد ثم عجز المكاتب رجع السيد على الذي دفعت إليه الزيادة على ما أقر به فيأخذه منه ويدفعه إلى المكاتب فيكون في يده كسائر ماله فإذا عتق رجع عليه فأخذ منه ما أقر به وإن عجز كان المال كله لسيده.
(قال الشافعي): والقول الثاني أن ذلك لازم للمكاتب؛ لأنه أقر به وهو يجوز له ما أقر به في ماله ويلزمه لسيده وإن عجز المكاتب بيع المكاتب فيه إن لم يتطوع بأدائه عنه.
(قال الشافعي): وإذا قتل المكاتب عبيدا عمدا واحدا بعد واحد فاشتجروا فسيد العبد الذي قتل أولا أولى بالقصاص ولو دفعه إلى ولي الذي قتل أولا فعفا عنه على مال أو غير مال كان عليه أن يدفعه إلى ولي الذي قتل عبده بعده فإن عفا عنه دفعه إلى ولي المقتول بعده وهكذا حتى لا يبقى منهم أحد إلا عفا عنه أو يقتله أحد المدفوع إليهم (قال الشافعي): ولا يكون قضاؤه به للذي قتل أولا وعفوه عنه - مزيلا للقود عنه ممن قتل بعده؛ لأن كلهم يستوجب عليه قتله بمن قتل من أوليائه كما يكون للقوم على رجل حدود فيعفو بعضهم فيكون للباقين أخذ حدودهم ولكل واحد منهم أخذ حده؛ لأن حقه غير حق صاحبه وهكذا لو قطع أيمان رجال أو مالهم فيه القصاص في موضع واحد.
(قال الشافعي): وإذا قتل الرجل النفر عمدا أو الواحد ثم مات فديات من قتل حالة في ماله بكمالها وإذا قتل الرجل النفر عمدا، ثم ارتد عن الإسلام فقتل أو زنى فرجم فدياتهم في ماله كما وصفت في موته، وإذا قتل الرجل النفر عمدا فعدا رجل أجنبي على القاتل فقتله عمدا فلأوليائه القود، إلا أن يشاءوا أن يعفوا القود على مال وإن عفوه على مال فالدية مال من مال المقتول يأخذها أولياء الذين قتلوا كما يأخذون سائر ماله وهم فيه أسوة.
(قال الشافعي): وإن عفا أولياؤه الدم والمال نظر فإن كان للقاتل مال يخرج ديات من قتل منهم فعفوهم جائز وإلا لم يجز عفوهم؛ لأنهم حين عفوا الدم صار له بالقتل مال ولا يكون لهم عفو ماله حتى يؤدوا دينه كله وإذا قتل الرجل النفر، ثم ارتد عن الإسلام فجاء أولياء المقتولين يطلبون القود استتيب فإن تاب قتل لهم وإن لم يتب قيل لهم إن شئتم أخذتم الديات وتركتم الدم وقتلناه بالردة وغنمنا ما بقي من ماله فإن فعلوا فذلك لهم وإن تاب بعد ما يأخذون الديات أو يقولون قد عفونا القود على المال أو لم يتب فسألوا القود لم يكن ذلك لهم إذا تركوه مرة لم يكن لهم أن يرجعوا في تركه.
(قال الشافعي): وإذا سألوا القود وامتنعوا من العفو أعطيناهم القود بالذي قتل أولا وجعلنا للباقين الدية وما فضل من ماله غنم عليه عنه، وذلك أن واجبا علينا إعطاء الآدميين القود والقود يأتي على قتله بالقود والردة، ولو مات مرتدا قاتلا أو قاتلا غير مرتد أعطينا من ماله الدية وبذلك قدمنا في هذا حق الله تبارك وتعالى في قتل الآدميين على القتل في الردة (قال الشافعي): وهكذا لو زنى وهو محصن وقتل قبل الزنا أو بعده بدأنا بالقتل، فإن ترك أولياؤه رجم.
جراح النفر الرجل الواحد فيموت.
(قال الشافعي): إذا قطع الرجل يد الرجل وقطع آخر رجله وشجه الآخر موضحة وأصابه الآخر بجائفة وكل ذلك بحديد أو بشيء يحدد فيعمل عمل الحديد فلم يبرأ شيء من جراحته حتى مات فكلهم
قاتل وعلى كلهم القود، وكذلك لو جرحه رجل مائة جرح وآخر جرحا واحدا كان عليهما معا القود وكان لأولياء القتيل أن يجرحوا كل واحد منهما عدد ما جرحه فإن مات وإلا ضربوا عنقه.
(قال الشافعي): وإن كان أحدهما جرحه جرحا جائفة غير نافذة أو جائفة نافذة كان فيها قولان: أحدهما أن لولي القتيل أن يجرحه جائفة غير نافذة أو جائفة نافذة. وإذا كان القصاص بالقتل لم أمنعه أن يصنع هذا ولا آمر في شيء من هذا ولي القتيل أن يليه بنفسه إنما آمر به من يبصر كيف جرحه فأقول: اجرحه كما جرحه فإذا بقي ضرب العنق خليت بينه وبين ولي القتيل، وكذلك لو كان أحدهم قطع يده بنصف الذراع لم أمنعه من ذلك؛ لأنه يقتل مكانه وإنما أمنعه إذا كان جرحا لا يقتل به ولا يكون فيه قصاص. والثاني أن له أن يصنع به كل ما كان لو جرحه اقتص به منه فيما دون النفس ولا يصنع به ما لو كان جرحه به دون النفس لم يقتص منه؛ لأنه لعله يدع قتله فيكون قد عذبه وأنه لا يقدر على أن يأتي بمثل ما صنع به في المواضع التي لا يقتص منها ويقال له القتل يأتي على ذلك.
وإذا جرح الثلاثة رجلا جراح عمد بسلاح وكان ضمنا حتى مات وقد برأت جراح أحدهم ولم تبرأ جراح الباقين فعلى الباقين القصاص ولا قصاص في النفس على الذي برأت جراحه فعليه القصاص في الجراح إن كان مما يقتص منه أو العقل وإن كان مما لا يقتص منه فعليه عقل ذلك الجرح بالغا ما بلغ قل ذلك أو كثر، وكذلك لو كانت جراحه تبلغ دية أو أكثر؛ لأنه جاني جراح لم يكن فيها نفس. وإن ادعى أحدهم أنه جرحه مرات وصدقه ورثة المقتول فهكذا، ولو كذبه القتلة معه لم يقبل تكذيبهم؛ لأنه لو كان قاتلا معهم لم يدرأ عنهم القتل فلا معنى لتكذيبهموه إذا أراد أولياؤه قتلهم.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو صدقه أولياء القتيل وكذبه القتلة معه وقال أولياء القتيل: نحن نأخذ الدية كاملة من القاتلين الذين جرحت معهم لم يكن ذلك لهم إلا أن يقروا أن جراحه قد برأت أو تقوم بينة؛ لأنه إنما يلزمهما ثلثا الدية إذا كان معهما ثالث فإذا برأت جراحه لزمهما دية كاملة ولا يلزمهما إلا بإقرارهما الدية تامة؛ لأنهما قاتلان دونه أو بينة تقوم على ذلك فيخرج الثالث من القتل معهما فتكون عليهما.
ولو جرحه ثلاثة فأقر اثنان أن جراح أحد الثلاثة برأت ومات من جراحهما وادعى ذلك الجاني الذي أقرا له به وصدقهم أولياء القتل، وأرادوا أخذ الدية من الاثنين المقرين أن جراح الجارح معهما برأت لم يكن ذلك لهم؛ لأنهم يزعمون أن ليس عليهما إلا ثلثا الدية فبرؤهما مما سواه إذا سأل ذلك القاتلان.
ولو قتله ثلاثة أحدهم عبد وأرادوا أخذ الدية كان ثلثها في رقبة العبد وثلثاها على الحرين، وإذا أفلس أحدهما أو كلاهما أتبعوه ولم يكن على عاقلة الأحرار وسيد العبد من دية العمد - شيء بحال. وقد قيل: هكذا لو كانت القتلة عمدا وفيهم مجنون أو صبيان أو فيهم صبي أو قتل رجل ابنه فالدية كلها في أموالهم ليس على عاقلتهم منها شيء. وقد قيل: تحمل عاقلة الصبي والمغلوب على عقله عمده كما يحملون خطأه - والله تعالى أعلم -، وإذا جرح الرجل الرجل جراحا كثيرة والآخر جرحا واحدا فأراد أولياؤه القود فهو لهم وإن أرادوا العقل فعلى كل واحد منهما نصف الدية إذا كانت نفسا فسواء في الغرامة الذي جرح الجراح القليلة والذي جرح الجراح الكثيرة.
(قال الربيع) وللشافعي قول آخر لا تحمل العاقلة عمد الصبي وهو في ماله إن كان له مال وإلا فدين عليه.
ما يسقط فيه القصاص من العمد
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج " قال الربيع " أظنه عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن يعلى بن أمية قال غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة قال وكان يعلى يقول وكانت تلك الغزوة أوثق عمل في نفسي قال عطاء قال صفوان «قال يعلى كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر فانتزع المعضوض يده من في العاض فذهبت يعني إحدى ثنيتيه فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأهدر ثنيته» قال عطاء وحسبت أنه قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «أيدع يده في فيك فتقضمها كأنها في في فحل يقضمها؟» أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أن ابن أبي مليكة أخبره أن أباه أخبره أن إنسانا جاء إلى أبي بكر الصديق وعضه إنسان فانتزع يده منه فذهبت ثنيته فقال أبو بكر بعدت ثنيته (قال الشافعي): وبهذا كله نقول فإذا عض الرجل الرجل فانتزع المعضوض العضو الذي عض منه يدا أو رجلا أو رأسا من في العاض فأذهبت ثنايا العاض ومات منها أو لم يمت فلا عقل ولا قود ولا كفارة على المنتزع؛ لأنه لم يكن له العض بحال ولو كان العاض بدأ في جماعة الناس فضرب وظلم أو بدئ فضرب وظلم كان سواء؛ لأن نفس العض ليس له وإن للمعضوض منع العض فإذا كان له منعه فلا قود عليه فيما أحدث ما يمنع إذا لم يكن في المنع عدوان.
(قال الشافعي): ولا عدوان في إخراج العضو من في العاض ولو رام إخراج العضو من في العاض فامتنع عليه وغلبه إخراجها كان له فك لحييه بيده الأخرى إن كان عض إحدى يديه وبيديه معا إن كان عض رجله فإن كان عض قفاه فلم تنله يداه كان له نزع رأسه من فيه فإن لم يقدر على إخراجه فله التحامل عليه برأسه إلى وراء مصعدا أو منحدرا وإن قدر بيديه فغلبه ضبطا بفيه كان له ضرب فيه بيديه أو بدنه أبدا حتى يرسله فإن ترك شيئا مما وصفنا له وبعج بطنه بسكين أو فقأ عينه بيديه أو ضربه في بعض جسده ضمن في هذا كله الجناية؛ لأن هذا ليس له ولا يضمن فيما له أن يفعله وإن أتى ذلك على هدم فيه كله وكانت منه منيته.
(قال الشافعي): وما أصاب به العاض المعضوض من جرح فصار نفسا أو صار جرحا عظيما ضمنه كله؛ لأنه متعد.
الرجل يجد مع امرأته رجلا فيقتله أو يدخل عليه بيته فيقتله
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة «أن سعدا قال يا رسول الله: أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا فقتله، أو قتلهما فأشكل على معاوية القضاء فيه فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري يسأل له علي بن أبي طالب عن ذلك فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال له علي إن هذا الشيء ما هو بأرضنا عزمت عليك لتخبرني فقال له أبو موسى: كتب إلي في ذلك معاوية فقال علي أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وبهذا نقول فإذا وجد الرجل مع امرأته رجلا فادعى أنه ينال منها ما يوجب الحد وهما ثيبان معا فقتلهما أو أحدهما لم يصدق وكان
عليه القود أيهما قتل إلا أن يشاء أولياؤه أخذ الدية أو العفو.
(قال الشافعي): ولو ادعى على أولياء المقتول منهما أنهم علموه قد نال منها ما يوجب عليه القتل إن كان الرجل أو نيل من المرأة إن كانت المرأة المقتولة كان على أيهما ادعى ذلك عليه أن يحلف ما علم فإن حلف فله القود وإن لم يحلف حلف القاتل وبرئ من القود والعقل.
(قال الشافعي): ولو كان للرجل وليان فادعى عليهما العلم فحلف أحدهما ما علم ونكل الآخر عن اليمين وحلف القاتل أنه زنى بامرأته ووصف الزنا الذي يوجب الحد فكان بينا فلا قود عليه، وعليه نصف الدية حالة في ماله للذي حلف ما علم.
(قال الشافعي): ولو كان له وليان صغير وكبير فحلف الكبير ما علم لم يقتل حتى يبلغ الصغير فيحلف أو يموت فتقوم ورثته مقامه إن شاء الكبير أخذ نصف الدية فإن أخذها أخذ للصغير نصف الدية، ثم ينتظر به أن يحلف فإذا كبر حلف فإن لم يحلف وحلف القاتل رد ما أخذ له، ولو أقر أولياء المقتول منهما أنه كان معها في الثوب وتحرك تحرك المجامع وأنزل ولم يقروا بما يوجب الحد لم يسقط عنه القود (قال الشافعي): ولو أقروا بما يوجب الحد وكان المقتول بكرا بدعوى أوليائه إخوته أو ابنه فادعى القاتل أنه ثيب فالقول قول أوليائه وعلى القاتل القود؛ لأنه ليس على البكر قتل في الزنا فإن جاء ببينة أنه كان ثيبا سقط عنه العقل والقود.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل قتل الرجل وامرأته إذا كانا ثيبين وعلم أنه قد نال منها ما يوجب القتل ولا يصدق بقوله فيما يسقط عنه القود وهكذا لو وجده يتلوط بابنه أو يزني بجاريته لا يختلف، ولا يسقط عنه القود والعقل والقود في القتل إلا بأن يفعل ما يحل دمه. ولا يحل دمه وأن يعمد قتله إلا بكفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس. .
ولو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا ينال منها ما يحد به الزاني فقتلهما والرجل ثيب والمرأة غير ثيب فلا شيء في الرجل وعليه القود في المرأة، ولو كان الرجل غير ثيب والمرأة ثيبا كان عليه في الرجل القود ولا شيء عليه في المرأة.
الرجل يحبس للرجل حتى يقتله.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا حبس الرجل للرجل رجلا أي حبس ما كان بكتاف أو ربط اليدين أو إمساكهما أو إضجاعه له ورفع لحيته عن حلقه فقتله الآخر قتل به القاتل ولا قتل على الذي حبسه ولا عقل ويعزر ويحبس؛ لأن هذا لم يقتل وإنما يحكم بالقتل على القاتلين وهذا غير قاتل.
منع الرجل نفسه وحريمه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من قتل دون ماله فهو شهيد» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن بعض أهله عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاوية أو بعض الولاة بعث إلى الوهط ليقبضه فلبس عبد الله بن عمرو
السلاح وجمع من أطاعه وجلس على بابه فقيل له: أتقاتل؟ فقال وما يمنعني أن أقاتل وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «من قتل دون ماله فهو شهيد؟» (قال الشافعي): فمن أريد ماله في مصرفيه غوث أو صحراء لا غوث فيها أو أريد وحريمه في واحد منهما فالاختيار له أن يكلم من يريده ويستغيث فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله وإن أبى أن يمتنع من أراد ماله أو قتله أو قتل بعض أهله أو دخولا على حريمه أو قتل الحامية حتى يدخل الحريم أو يأخذ من المال أو يريده الإرادة التي يخاف المرء أن يناله أو بعض أهله فيها بجناية فله أن يدفعه عن نفسه وعن كل ماله دفعه عن نفسه فإن لم يندفع عنه ولم يقدر على الامتناع منه إلا بضربه بيد أو عصا أو سلاح حديد أو غيره فله ضربه وليس له عمد قتله، وإذا كان له ضربه فإن أتى الضرب على نفسه فلا عقل فيه ولا قود ولا كفارة.
(قال الشافعي): وإن ضربه ضربة أو لم يضربه حتى رجع عنه تاركا لقتاله لم يكن له أن يعود عليه بضرب.
(قال الشافعي): وإن قاتله وهو مول مثل أن يكون يرميه أو يطعنه أو يوهقه كان له عند توهيقه إياه أو انحرافه لرميه ضربه ورميه ولم يكن له بعد تركه ذلك ضربه ولا رميه.
(قال الشافعي): وإن أراده وهو في الطريق وبينهما نهر أو خندق أو جدار أو ما لا يصل معه إليه لم يكن له ضربه ولا يكون له ضربه حتى يكون بارزا له مريدا له. فإذا كان بارزا له مريدا له كان له ضربه حينئذ إذا لم ير أنه يدفعه عنه إلا بالضرب (قال الشافعي): وإن كان له مريدا فانكسرت يد المريد أو رجله حتى يصير ممن لا يقدر عليه لم يكن له ضربه؛ لأن الإرادة لا تحل ضربه إلا بأن يكون مثله يطيق الضرب فأما إذا صار إلى حال لا يقوى على ضرب المراد فيها لم يكن للمراد ضربه.
(قال الشافعي): وإذا كان المراد في جبل أو حصن أو خندق فأراده رجل لا يصل إليه بضرب لم يكن له ضربه فإن رماه الرجل. ومثل الرمي يصل إليه لقربه منه كان له رميه وضربه، وإن برز الرجل من الحصن حتى يصير الرجل يقدر على ضربه بحال فأراده فله ضربه في هذه الحال (قال الشافعي): وسواء فيما يحل بالإرادة وأن يكون يبلغ الضرب والرمي معها ويحرم من المسلم والذمي والمعتوه والمرأة والصبي والجمل الصئول والدابة الصئولة وغيرها؛ لأنه إنما يحل ضربه لأن يقتل المراد أو يجرحه فكل هؤلاء سواء فيما يحل منه بالإرادة إذا كان المريد يقدر على القتل وللمراد أن يبدر المريد بالضرب.
(قال الشافعي): إذا أقبل الرجل بالسيف أو غيره من السلاح إلى الرجل فإنما له ضربه على ما يقع في نفسه فإن وقع في نفسه أنه يضربه وإن لم يبدأه المقبل إليه بالضرب فليضربه. وإن لم يقع في نفسه ذلك لم يكن له ضربه وكان له القود فيما نال منه بالضرب أو الأرش؛ وإذا أبحت للرجل دم رجل أو ضربه فمات مما أبحت له فلا عقل ولا قود ولا كفارة، وإذا قلت ليس له رميه ولا ضربه فعليه القود والعقل والكفارة فيما نال منه.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو عرض له فضربه وله الضرب ضربه، ثم ولى أو جرح فسقط ثم عاد فضربه أخرى فمات منهما ضمن نصف الدية في ماله والكفارة؛ لأنه مات من ضرب مباح وضرب ممنوع.
(قال الشافعي): ولو ضربه مقبلا فقطع يده اليمنى، ثم ضربه موليا فقطع يده اليسرى، ثم برأ منهما فله القود في اليسرى واليمنى هدر ولو مات منهما فأراد ورثته الدية فلهم نصف الدية.
(قال الشافعي): ولو أقبل بعد التولية فقطع رجله، ثم مات ضمن ثلث الدية؛ لأنه مات من جراحة متقدمة مباحة. وثانية غير مباحة وثالثة مباحة فلما تفرق حكم جنايته فرقت بينه وجعلته كجناية ثلاثة، ولو جرحه أولا وهو مباح جراحات، ثم ولى فجرحه جراحات كانت جنايتين مات منهما فسواء قليل الجراح في الحال الواحدة وكثيرها فعليه نصف الدية. فإن عاد فأقبل فجرحه جراحة قليلة أو كثيرة فمات فعليه ثلث الدية كما قلت أولا.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (239)
صــــــــــ 34 الى صـــــــــــ 40
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وما أصاب المريد لنفس الرجل أو ماله أو حريمه من الرجل في إقباله أو ناله به في توليته عنه سواء؛ لأنه ظالم لذلك كله فعليه القود فيما فيه القود والعقل فيما فيه العقل من ذلك كله. فإن كان المريد معتوها أو ممن لا قود عليه فلا قود عليه وفيما أصاب العقل وإن كان المريد بهيمة في نهار فلا شيء على مالكها كانت مما يصول ويعقر أو مما لا يصول ولا يعقر بحال إذا لم يكن معها قائد أو سائق أو راكب.
التعدي في الاطلاع ودخول المنزل
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح» أخبرنا سفيان قال حدثنا الزهري قال سمعت سهل بن سعد يقول: «اطلع رجل من جحر في حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع النبي - عليه الصلاة والسلام - مدرى يحك به رأسه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في بيته رأى رجلا اطلع عليه فأهوى إليه بمشقص كان في يده كأنه لو لم يتأخر لم يبال أن يطعنه».
(قال الشافعي): - رحمه الله -: فلو أن رجلا عمد أن يأتي نقبا أو كوة أو جوبة في منزل رجل يطلع على حرمه من النساء كان ذلك المطلع من منزل المطلع أو من منزل لغيره أو طريق أو رحبة فكل ذلك سواء وهو آثم بعمد الاطلاع. ولو أن الرجل المطلع عليه خذفه بحصاة أو وخزه بعود صغير أو مدرى أو ما يعمل عمله في أن لا يكون له جرح يخاف قتله وإن كان قد يذهب البصر لم يكن عليه عقل ولا قود فيما ينال من هذا وما أشبهه ولو مات المطلع من ذلك لم يكن عليه كفارة ولا إثم - إن شاء الله تعالى - ما كان المطلع مقيما على الاطلاع غير ممتنع من النزوع فإذا نزع عن الاطلاع لم يكن له أن يناله بشيء وما ناله به فعليه فيه قود أو عقل إذا كان فيه عقل ولو طعنه عند أول اطلاعه بحديدة تجرح الجرح الذي يقتل أو رماه بحجر يقتل مثله كان عليه القود فيما فيه القود؛ لأنه إنما أذن له الذي يناله بالشيء الخفيف الذي يردع بصره لا يقتل نفسه.
(قال الشافعي): ولو ثبت مطلعا لا يمتنع من الرجوع بعد مسألته أن يرجع أو بعد رميه بالشيء الخفيف استغاث عليه، فإن لم يكن في موضع غوث أحببت أن ينشده فإن لم يمتنع في موضع الغوث وغيره من النزوع عن الاطلاع فله أن يضربه بالسلاح وأن يناله بما يردعه. فإن جاء ذلك على نفسه أو جرحه فلا عقل ولا قود ولا يجاوز بما يرميه به ما أمرته به أولا حتى يمتنع فإذا لم يمتنع ناله بالحديد وغيره؛ لأن هذا مكان يرى ما لا يحل له.
(قال الشافعي): ولو لم ينل هذا منه كان للسلطان أن يعاقبه ولو أنه أخطأ في الاطلاع لم يكن للرجل أن يناله بشيء إذا اطلع فنزع من الاطلاع أو رآه مطلعا فقال ما عمدت ولا رأيت وإن ناله قبل أن ينزع بشيء فقال ما عمدت ولا رأيت لم يكن عليه شيء؛ لأن الاطلاع ظاهر ولا يعلم ما في قلبه ولو كان أعمى فناله بشيء ضمنه؛ لأن الأعمى لا يبصر بالاطلاع شيئا ولو كان المطلع ذا محرم من نساء المطلع عليه لم يكن له أن يناله بشيء بحال ولم يكن له أن يطلع؛ لأنه لا يدري لعله يرى منهم عورة ليست له رؤيتها. وإن ناله بشيء في الاطلاع ضمنه عقلا وقودا إلا أن يطلع على امرأة منهم متجردة فيقال له فلا ينزع فيكون له حينئذ فيه ما يكون له في الأجنبيين إذا اطلعوا.
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإنما فرقت بين المطلع أول ما يطلع وبين المريد مال
الرجل أو نفسه بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن البصر قد يمتنع منه بالتواري عنه بالستر وليس كذلك الرجل يصحر للرجل فيخاف قتله وأبحت ردع البصر بالحصاة وما أشبهها بما حكيت من الخبر وبأن المبصر للعورة متعد وعليه الرجوع من التعدي ألا ترى أن الرجل يلقى الرجل فيقدر المراد على أن يهرب على قدميه من المريد فأجعل له أن يثبت ولا يهرب وأن يدفع إرادته عن نفسه بالضرب بالسلاح وغيره وإن أتى ذلك على نفس المدفوع.
(قال الشافعي): وإذا دخل الرجل منزل الرجل ليلا أو نهارا بسلاح فأمره بالخروج فلم يخرج فله أن يضربه وإن أتى الضرب على نفسه، فإذا ولى راجعا لم يكن له ضربه.
(قال الشافعي): وكذلك إذا دخل فسطاطه في بادية وفيه حرمه أو لا حرم له فيه أو خزانته وإن لم يكن له فيها حرمة إذا رأى أنه يريد ماله أو نفسه أو الفسق، وهكذا إن أراد دخول منزله أو كابره عليه.
(قال الشافعي): وسواء كان الداخل يعرف بسرقة أو فسق أو لا يعرف به.
(قال): ولا يصدق على ذلك القاتل إن قتل ولا الجارح إن جرح إلا ببينة يقيمها فإن لم يقم بينة أعطي منه القود ولو جاء ببينة فشهدوا أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا بسلاح شاهره ولم يزيدوا على ذلك فضربه هذا فقتله أهدرته ولو أنهم رأوه داخلا داره ولم يذكروا معه سلاحا أو ذكروا سلاحا غير شاهره فقتله أقدت منه لا أطرح القود إلا بمكابرته على دخول الدار وأن يشهر عليه سلاح وتقوم بذلك بينة.
(قال الشافعي): ولو شهدوا أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا في صحراء لا سلاح معه فقتله الرجل أقدته به؛ لأنه قد يقبل الإقبال غير المخوف مريدا له ولا دلالة على أنه أقبل إليه الإقبال المخوف فأي سلاح شهدوا أنه أقبل به إليه العصا أو وهق أو قوس أو سيف أو غيره، ثم قتله وهو مقبل إليه شاهره أهدرته.
(قال الشافعي): ولو شهدوا أنه أقبل إليه في صحراء بسلاح فضربه فقطع يدي الذي أريد، ثم ولى عنه فأدركه فذبحه أقدته منه وضمنت المقتول دية يدي القاتل ولو ضربه ضربة في إقباله وضربة أخرى في إدباره فمات لم يكن فيه قود وجعلت عليه نصف الدية؛ لأني جعلته ميتا من الضربة التي كانت مباحة والضربة التي كانت ممنوعة فلا قود عليه وعليه نصف الدية.
(قال الشافعي): وإذا لقي القوم القوم ليأخذوا أموالهم أو غشوهم في حريمهم فتصافوا فقتل المظلومون فمن قتلوا هدر ومن قتل الظالمون لزمهم فيه القود والعقل وما ذهبوا به لهم لا يسقط عن الظالمين شيء نالوه حتى يحكم عليهم فيه حكمه.
(قال الشافعي): ولو كان مع الظالمين قوم مستكرهون أو أسرى فاقتتلوا فقتل المستكرهون بضرب أو رمي لم يعمدوا به أو عمدوا وهم لا يعرفون مكرهين فلا عقل ولا قود على المظلومين الذين نالوهم وعليهم فيهم الكفارة؛ لأنهم في معنى المسلمين ببلاد العدو ينالون (قال الشافعي): ومن عمدهم وهو يعرف أنهم مستكرهون أو أسرى فعليه فيهم القود إن نال منهم ما فيه القود والعقل إن نال منهم ما فيه العقل لا يبطل ذلك عنه إلا بأن يجهل حالهم أو يعرفهم فيصيبهم منه في القتال ما لا يعمدهم به خاصة أو يعمد الجمع الذين هم فيه أو يشهر عليه سلاحا فيضربه فيقتله. (قال الشافعي): وإذا كان الزحفان ظالمين، مثل أن يقتتلوا على نهب أو عصبية ويغشى بعضهم بعضا في حريمه فلا يسقط عن واحد من الفريقين فيما أصاب من صاحبه عقل ولا قود إلا أن يقف رجل فيعمده رجل بضرب فيدفعه عن نفسه فإن له دفعه عنها وما قلت إن للرجل فيه أن يضرب المريد على ما يقع في نفسه إذا كان المريد مقبلا إليه فالقول قول المراد مع يمينه كان المراد شجاعا أو جبانا أو المريد مأمونا أو مخوفا.
(قال الشافعي): وإذا غشي القوم القوم في حريمهم أو غير حريمهم ليقاتلوهم فدفع المغشيون عن أنفسهم فما أصابوا منهم ما كانوا مقبلين فهو هدر وما أصاب منهم الغاشون لزمهم حكمه عقلا وقودا
ما جاء في الرجل يقتل ابنه
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنه بسيف فأصاب ساقه فنزى في جرحه فمات فقدم به سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فذكر ذلك له فقال اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة، ثم قال أين أخو المقتول؟ فقال ها أنا ذا قال خذها فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ليس لقاتل شيء».
(قال الشافعي): وقد حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم أن لا يقتل الوالد بالولد وبذلك أقول.
(قال الشافعي): وإذا قالوا هكذا فكذلك الجد أبو الأب والجد أبعد منه؛ لأن كلهم والده (قال الشافعي): وكذلك الجد أبو الأم والذي أبعد منه؛ لأن كلهم والده.
(قال): وكذلك لا نقص منهم في جرح نالوه به وهكذا إذا قتل الولد الوالد قتل به، وكذلك إذا قتل أمه، وكذلك إذا قتل أي أجداده أو جداته كان من قبل أبيه أو أمه قتل بها إلا أن يشاء أولياء المقتول منهم أن يعفوا، وإذا كان الابن قاتلا خرج من الولاية ولورثة أبيه - غيره - أن يقتلوه، وكذلك لا أقيد الولد من الوالد في جراح دون النفس.
(قال الشافعي): وعلى أبي الرجل إذا قتل ابنه ديته مغلظة في ماله والعقوبة وديته مائة من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة إن جاء ثنياتها كلها أو بزل أو ما بين ذلك قبل منه ولا يقبل منه دون ثنية ولا فوق خلفة إلا أن يشاء ذلك ورثة المقتول ولا يقبل منه فيها بازل أكثر من سنة.
(قال الشافعي): ولا يرث القاتل من دية المقتول ولا من ماله شيئا قتله عمدا أو خطأ.
(قال الشافعي): وإذا كان الأب عبدا والابن حرا فقتله الأب لم يقتل به وكانت ديته في عنقه، وكذلك لو كان الابن عبدا.
(قال الشافعي): وإذا قتل الولد الوالد أقيد منه، وكذلك إذا جرحه أقيد منه إذا كان دماهما متكافئين. فإن كان الولد القاتل حرا والأب عبدا فديته في ماله ويعاقب أكثر من عقوبة الذي قتل الأجنبي.
(قال): ويقاد الرجل من عمه وخاله؛ لأنهما ليسا في معنى الوالدين فإنما يقال لهما والدان بمعنى قرابتهما من الوالدين.
(قال الشافعي): ويقاد الرجل من ابنه من الرضاعة وليس كابنه من النسب.
(قال): وإذا تداعى الرجلان ولدا فقتله أحدهما قبل يبلغ فينتسب إلى أحدهما أو يراه القافة درأت عنه القود للشبهة وجعلت الدية في ماله، وكذلك لو قتلاه جميعا.
(قال): وإذا أكذبا أنفسهما إذا كانا قاتلين بالدعوة لم أقتلهما؛ لأني ألزمه أحدهما وإن أكذب أحدهما نفسه بالدعوة قتلته به؛ لأن ثم أبا أنسبه إليه إذا كان قبل يختاره أو يلحقه القافة بأحدهما وإذا قتل الرجل امرأة له منها ولد لم يقتل بها وليس لابنه أن يقتله قودا ولا لأحد مع ابنه ذلك فيه فإذا لم يقتل بابنه قودا لم يقتل بقود يقع لابنه بعضه، وكذلك لو كان ابنه حيا يوم قتلها، ثم مات، ثم طلب ورثة ابنها القود لم يقد منه لشرك ابنه كان في الدم، ولو قتل رجل عمه أو مولاه وهو وارثه كان عليه القود.
قتل المسلم ببلاد الحرب
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة}
الآية (قال الشافعي): قوله {من قوم} يعني في قوم عدو لكم (قال الشافعي): وأخبرنا مروان بن معاوية الفزاري عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال «لجأ قوم إلى خثعم فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود فقتلوا بعضهم فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أعطوهم نصف العقل لصلاتهم، ثم قال عند ذلك ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك قالوا يا رسول الله لم؟ قال لا تتراءى ناراهما».
(قال الشافعي): إن كان هذا يثبت فأحسب النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى من أعطى منهم متطوعا وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك والله أعلم في دار الشرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود وقد يكون هذا قبل نزول الآية فنزلت الآية بعد ويكون إنما قال إني بريء من كل مسلم مع مشرك بنزول الآية.
(قال الشافعي): وفي التنزيل كفاية عن التأويل؛ لأن الله عز وجل إذ حكم في الآية الأولى في المؤمن يقتل خطأ بالدية والكفارة وحكم بمثل ذلك في الآية بعدها في الذي بيننا وبينه ميثاق وقال بين هذين الحكمين {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} ولم يذكر دية ولم تحتمل الآية معنى إلا أن يكون قوله {من قوم} يعني في قوم عدو لنا دارهم دار حرب مباحة فلما كانت مباحة وكان من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن إذا بلغت الناس الدعوة أن يغير عليهم غارين كان في ذلك دليل على أنه لا يبيح الغارة على دار وفيها من له إن قتل عقل أو قود فكان هذا حكم الله - عز ذكره -.
(قال الشافعي): ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم إلا في قوم عدو لنا؛ وذلك أن عامة المهاجرين كانوا من قريش وقريش عامة أهل مكة وقريش عدو لنا، وكذلك كانوا من طوائف العرب والعجم وقبائلهم أعداء للمسلمين.
(قال الشافعي): وإذا دخل مسلم في دار حرب، ثم قتله مسلم فعليه تحرير رقبة مؤمنة ولا عقل له إذا قتله وهو لا يعرفه بعينه مسلما، وكذلك أن يغير فيقتل من لقي أو يلقى منفردا بهيئة المشركين في دارهم فيقتله، وكذلك إن قتله في سرية منهم أو طريق من طرقهم التي يلقون بها فكل هذا عمد خطأ يلزمه اسم الخطأ؛ لأنه خطأ بأنه لم يعمد قتله وهو مسلم وإن كان عمدا بالقتل.
(قال الشافعي): وهكذا لو قتله أسيرا أو محبوسا أو نائما أو بهيئة لا تشبه هيئة أهل الشرك وتشبه هيئة أهل الإسلام؛ لأن المشرك قد يتهيأ بهيئة المسلم والمسلم بهيئة المشرك ببلاد الشرك وكان القول فيه قوله فإن كان للمسلم المقتول ولاة فادعوا أنه قتله وهو يعلمه مسلما أحلف فإن حلف برئ وإن نكل حلفوا خمسين يمينا لقد قتله وهو يعلمه مسلما وكان لهم القود إن كان قتله عامدا لقتله وإن كان أراد غيره وأصابه فعلى عاقلته الدية وعليه الكفارة.
(قال الشافعي): وهكذا كل من قتله وهو يعلمه مسلما منهم أو أسيرا فيهم أو مستأمنا عندهم لتجارة أو رسالة أو غير ذلك فعليه في العمد القود وفي الخطأ الكفارة وعلى عاقلته الدية، وكذلك في الأسرى يقتل بعضهم بعضا ويجرح بعضهم بعضا يقتل بعضهم لبعض ويقتص لبعضهم من بعض من الجراح، وكذلك تقام الحدود عليهم فيما أتوا إذا كانوا أسلموا وهم يعرفون ما عليهم ولهم من حلال وحرام أو كانوا مستأمنين يؤخذ لبعضهم من بعض الحقوق في الأموال إذا أسلموا وإن لم يعلموا ما عليهم ولهم
(قال الشافعي): وإذا أسلم القوم ببلاد الحرب فأصابوا حد الله تبارك وتعالى فادعوا الجهالة لم يقم عليهم وإذا علموا فعادوا أقيم عليهم وإذا وصف الحربي الإيمان ولم يبلغ أو وصفه وهو مغلوب على عقله فلقيه بعد إيمانه مسلم فقتله وهو يعلم صفته للإيمان لم يقد منه؛ لأنه لا يكون بهذا ممن له كمال الإيمان وحكم الإيمان حتى يصفه بالغا غير مغلوب على عقله.
(قال الشافعي): وإذا أسلم الحربي وله ولد صغار وأمهم كافرة أو أسلمت أمهم وهو كافر فللولد حكم الإيمان بأي الأبوين أسلم فيقاد قاتله ويكون له دية مسلم ولا يعذر أحد إن قال لم
أعلمه يكون له حكم الإسلام إلا بإسلام أبويه معا.
(قال الشافعي): ولو أغار المسلمون على المشركين أو لقوهم بلا غارة أو أغار عليهم المشركون فاختلطوا في القتال فقتل بعض المسلمين بعضا أو جرحه فادعى القاتل أنه لم يعرف المقتول أوالمجروح فالقول قوله مع يمينه فلا قود عليه وعليه الكفارة ويدفع إلى أولياء المقتول ديته.
(قال الشافعي): ولو كان المسلمون صفا والمشركون صفا لم يتحاملوا فقتل مسلم مسلما في صف المسلمين فقال ظننته مشركا لم يقبل منه إنما يقبل منه إذا كان الأغلب أن ما ادعى كما ادعى.
(قال الشافعي): ولو قيل لمسلم: قد حمل المشركون علينا أو حمل منهم واحد أو رأوا واحدا قد حمل فقتل مسلما في صف المسلمين وقال ظننته الذي حمل أو بعض من حمل قبل قوله مع يمينه وكانت عليه الدية (قال الشافعي): ولو قتله في صف المشركين فقال قد علمت أنه مؤمن فعمدته قتل به.
(قال): ولو حمل مسلم على مشرك فاستتر منه بالمسلم فعمد المسلم قتل المسلم كان عليه القود، ولو قال عمدت قتل المشرك فأخطأت بالمسلم كانت عليه الدية (قال): ولو قال لم أعرفه مسلما لم يكن عليه عقل ولا قود وكانت عليه الكفارة.
(قال الشافعي): ولو كان الكافر الحامل على مسلم أو كان المسلم ملتحما فضربه وهو متترس بمسلم وقال عمدت الكافر كان هكذا، ولو قال عمدت المؤمن كان عليه القود؛ لأنه ليس له عمد المؤمن في حال.
(قال الشافعي): ولو كان لا يمكنه ضرب الكافر إلا بضربه المسلم بحال فضرب المسلم فقتله وهو يعرفه وقال أردت الكافر أقيد بالمسلم ولم يقبل قوله أردت الكافر إذا لم يمكنه الإرادة إلا بأن يقع الضرب بالمسلم. (أخبرنا الربيع) قال.
(أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مطرف عن معمر بن راشد عن الزهري عن عروة بن الزبير. قال: «كان اليمان أبو حذيفة بن اليمان شيخا كبيرا فوقع في الآطام مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض الشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول: أبي أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بديته».
ما قتل أهل دار الحرب من المسلمين فأصابوا من أموالهم
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي): - رحمه الله -: وما نال أهل دار الحرب من المشركين من قتل مسلم أو معاهد أو مستأمن أو جرح أو مال لم يضمنوا منه شيئا إلا أن يوجد مال لمسلم أو مستأمن في أيديهم فيؤخذ منهم أسلموا عليه أو لم يسلموا، وكذلك إن قتلوا وحدانا أو جماعة أو دخل رجل منهم داخل بلاد الإسلام مستترا أو مكابرا لم يتبع إذا أسلم بما أصاب ولم يكن لولي القتيل عليه قصاص ولا أرش ولا يتبع أهل دار الحرب من المشركين بغرم مال ولا غيره إلا ما وصفت من أن يوجد عند أحد منهم مال رجل بعينه فيؤخذ منه. فإن قال قائل: ما دل على ما وصفت؟ قيل: قال الله عز وجل {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} وما قد سلف تقضي وذهب ودلت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه يطرح عنهم ما بينهم وبين الله عز ذكره والعباد وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الإيمان يجب ما كان قبله» وقال الله تبارك وتعالى {وذروا ما بقي من الربا} ولم يأمرهم برد ما مضى منه وقتل وحشي حمزة فأسلم فلم يقد منه ولم يتبع له بعقل ولم يؤمر له بكفارة لطرح الإسلام ما فات في الشرك، وكذلك إن أصابه بجرح؛ لأن الله عز وجل قد أمر بقتال المشركين الذين كفروا من أهل الأوثان {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقال عز وجل {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله
{وهم صاغرون} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» يعني بما أحدثوا بعد الإسلام؛ لأنهم يلزمهم لو كفروا بعد الإسلام القتل والحدود ولا يلزمهم ما مضى قبله.
(قال الشافعي): وهكذا كل ما أصاب لهم مسلم أو معاهد من دم أو مال قبل الإسلام والعهد فهو هدر ولو وجدوا مالا لهم في يدي رجل لم يكن لهم أخذه ولو تخول رجل منهم أحدا قبل الإسلام لم يكن له الخروج من يديه؛ لأن دماءهم وأموالهم مباحة قبل الإسلام أو العهد لهم وهم مخالفون أهل الإسلام فيما وجد في أيديهم لمسلم بعد إسلامهم؛ لأن ذلك يؤخذ منهم بعد إسلامهم؛ لأن الله عز وجل قضى في رد الربا برد ما بقي منه ولم يقض برد ما قبض فهلك في الشرك.
(قال الشافعي): وما أصاب الحربي المستأمن أو الذمي لمسلم أو معاهد من دم أو مال أتبع به؛ لأنه كان ممنوعا أن ينال أو ينال منه.
ما أصاب المسلمون في يد أهل الردة من متاع المسلمين
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا أسلم القوم، ثم ارتدوا عن الإسلام في دار الإسلام وهم مقهورون أو قاهرون في موضعهم الذي ارتدوا فيه وادعوا نبوة رجل تبعوه عليها أو رجعوا إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو تعطيل أو غير ذلك من أصناف الكفر فسواء ذلك كله وعلى المسلمين أن يبدءوا بجهادهم قبل جهاد أهل الحرب الذين لم يسلموا قط فإذا ظفروا بهم استتابوهم فمن تاب حقنوا دمه بالتوبة وإظهار الرجوع إلى الإسلام ومن لم يتب قتلوه بالردة وسواء ذلك في الرجل والمرأة.
(قال الشافعي): وما أصاب أهل الردة للمسلمين في حال الردة أو بعد إظهار التوبة في قتال وهم ممتنعون أو غير قتال أو على نائرة أو غيرها فسواء والحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في العقل والقود وضمان ما يصيبون وسواء ذلك قبل يقهرون أو بعد ما قهروا فتابوا أو لم يتوبوا لا يختلف ذلك.
(قال الشافعي): فإن قيل: فما صنع أبو بكر في أهل الردة؟ قيل: قال لقوم جاءوه تائبين تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم فقال عمر لا نأخذ لقتلانا دية.
(قال الشافعي): فإن قيل: فما قوله تدون قتلانا؟ قيل: إذا أصابوا غير متعمدين ودوا وإذا ضمنوا الدية في قتل غير متعمدين كان عليهم القصاص في قتلهم متعمدين وهذا خلاف حكم أهل الحرب عند أبي بكر. فإن قيل: فما نعلم أحدا منهم قتل بأحد؟ قيل: ولا يثبت عليه قتل أحد بشهادة ولو ثبت لم نعلم حاكما أبطل لولي دم قتيل أن يقتل له لو طلبه والردة لا تدفع عنهم عقلا ولا قودا ولا تزيدهم خيرا إن لم تزدهم شرا.
(قال الشافعي): فإذا قامت لمرتد بينة أنه أظهر القول بالإيمان، ثم قتله رجل يعلم توبته أو لا يعلمها فعليه القود كما عليه القود في كافر أظهر الإيمان فلا يعلم إيمانه وعبد عتق ولا يعلم عتقه ثم قتلهما فيقتل بهما في الحالين في بلاد الإسلام.
(قال الشافعي): ولو كان كافرا فأسلم في بلاد الحرب فأغار قوم فقتلوه لم تكن له دية وكانت فيه كفارة.
(قال الشافعي): ولو عمد رجل قتله في غير غارة وقد أظهر الإسلام قبل القتل وعلمه القاتل قتل به وإن لم يعلمه وداه؛ لأنه عمده وهو مؤمن بالقتل وإنما يسقط عنه العقل والقود إذا قتله غير عامد لقتله بعينه كأنه قتله في غارة لقول الله عز وجل {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} (قال الشافعي): يعني - والله أعلم - في قوم عدو لكم.
من لا قصاص بينه لاختلاف الدينين
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية.
(قال الشافعي): فكان ظاهر الآية - والله أعلم -: أن القصاص إنما كتب على البالغين المكتوب عليهم القصاص؛ لأنهم المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية. وقوله {فمن عفي له من أخيه شيء}؛ لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين فقال {إنما المؤمنون إخوة} وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين. ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل ظاهر الآية
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (240)
صــــــــــ 41 الى صـــــــــــ 46
(قال الشافعي): وسمعت عددا من أهل المغازي وبلغني عن عدد منهم أنه كان في خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح «لا يقتل مؤمن بكافر» وبلغني عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه - أنه روى ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن مجاهد وعطاء وأحسب طاوسا والحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته عام الفتح «لا يقتل مؤمن بكافر» أخبرنا سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال سألت عليا - رضي الله عنه - هل عندكم من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟ فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وما في الصحيفة قلت وما في الصحيفة؟ فقال «العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بكافر».
(قال الشافعي): ولا يقتل مؤمن عبد ولا حر ولا امرأة بكافر في حال أبدا، وكل من وصف الإيمان من أعجمي وأبكم يعقل ويشير بالإيمان ويصلي فقتل كافرا فلا قود عليه وعليه ديته في ماله حالة وسواء أكثر القتل في الكفار أو لم يكثر، وسواء قتل كافرا على مال يأخذه منه أو على غير مال، لا يحل - والله أعلم - قتل مؤمن بكافر بحال في قطع طريق ولا غيره.
(قال الشافعي): وإذا قتل المؤمن الكافر عزر وحبس ولا يبلغ بتعزيره في قتل ولا غيره حد ولا يبلغ بحبسه سنة ولكن حبس يبتلى به وهو ضرب من التعزير
(قال الشافعي): وإذا قتل الكافر المؤمن قتل به ذميا كان القاتل أو حربيا أو مستأمنا. وإذا أباح الله عز وجل دم المؤمن بقتل المؤمن كان دم الكافر بقتل المؤمن أولى أن يباح وفيما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالة على ما ذكرت. قوله «من اعتبط مسلما بقتل فهو به قود» فهذه جامعة لكل من قتل.
(قال الشافعي): وإذا قتل الرجل الرجل فقال القاتل: المقتول كافر أو عبد فعلى أولياء المقتول البينة بأنه مسلم حر والقول قول القاتل؛ لأنه المأخوذ منه الحق.
(قال الشافعي): وإنما الإيمان فعل يحدثه المؤمن البالغ أو يكون غير بالغ فيكون مؤمنا بإيمان أحد أبويه.
(قال الشافعي): وإذا كان أبوا المولود مسلمين وكان صغيرا لم يبلغ الإسلام ولم يصفه فقتله رجل قتل به؛ لأن له حكم الإسلام يرث به ويحجب مع ما سوى هذا مما له من حكم الإيمان، وكذلك لو كان أبوا المولود كافرين فأسلم أحدهما والمولود صغير كان حكم المولود حكم مسلم بإسلام أحد أبويه ومن قتله بعد إسلام أحد أبويه كان عليه قود. ومن قتله قبل إسلام واحد منهما من مسلم فلا قود عليه؛ لأن حكمه حكم الكفار.
(قال الشافعي): وإذا ولد المولود على الشرك فأسلم أبواه ولم يصف الإيمان فقتله قبل البلوغ قتل به وإن قتله بعد البلوغ مؤمن لم يقتل به؛ لأنه إنما يكون حكمه حكم مسلم بإسلام أحد أبويه ما لم يكن عليه الفرض فإذا لزمه الفرض فدينه دين نفسه كما يكون مؤمنا وأبواه كافران فلا يضره كفرهما أو كافرا وأبواه مؤمنان فلا ينفعه إيمانهما، وإن ادعى أبواه بعد ما يقتل أنه وصف الإيمان وأنكر ذلك القاتل فالقول قوله مع يمينه وعليهما البينة أنه وصف الإسلام.
(قال الشافعي): ولو كان أبواه مؤمنين فادعى القاتل بأنه قتله مرتدا عن الإسلام وقال
ورثته: بل قتله وهو على دين الإسلام فإن كان صغيرا قتل به وإن كان بالغا فحلف أبوه أنه ما علمه ارتد بعد ما وصف الإسلام بعد البلوغ أو جاء على ذلك ببينة يشهدون أنه كان مسلما قبلت ذلك منهم وكان على قاتله القود.
(قال الشافعي): والفرق بين هذه المسألة والمسألة الأولى أن القاتل حين قال في هذه: ارتد كان قد أقر بإسلامه بعد البلوغ وادعى الردة وفي المسألة التي فوقها لم يقر له بالإيمان بعد البلوغ ولا صفة الإيمان بعد البلوغ ولا يكون له حكم الإيمان بإيمان أبويه إذا لم يعلم صفة الإيمان بعد البلوغ.
(قال الشافعي): ولو أن مسلما قتل نصرانيا، ثم ارتد المسلم فسأل ورثة النصراني أن يقادوا منه، وقالوا هذا كافر لم يقتل به؛ لأنه قتله وهو مؤمن فلا قود عليه، وعليه الدية في ماله والتعزير فإن تاب قبل منه وإلا قتل على الردة. وهكذا لو ضرب مسلم نصرانيا فجرحه، ثم ارتد المسلم، ثم مات النصراني والقاتل مرتد لم يقد منه؛ لأن الموت كان بالضربة، والضربة كانت وهو مسلم.
ولو أن مسلما ارتد عن الإسلام فقتل ذميا فسأل أهله القود قبل أن يرجع إلى الإسلام أو رجع إلى الإسلام فسواء، وفيها قولان: أحدهما أن عليه القود وهذا أولاهما والله أعلم؛ لأنه قتل وليس بمسلم، والثاني لا قود عليه من قبل أنه لا يقر على دينه حتى يرجع أو يقتل.
ولو أن رجلا أرسل سهما على نصراني فلم يقع به السهم حتى أسلم أو على عبد فلم يقع عليه به حتى عتق فقتله لم يكن عليه قصاص؛ لأن غلبة السهم كانت بالإرسال الذي لا قود فيه بينهما، ولو كان وقوعه به وهو بحاله حين أرسل السهم، ثم أسلم لم يقص منه وعليه دية مسلم حر في الحالتين والكفارة، ولا يكون هذا في أقل من حال من أرسل سهما على غرض فأصاب إنسانا؛ لأنه إنما يضمن ما جنت رميته وكلا هذين ممنوع من أن يقصد قصده برمي.
(قال): ولو أرسل سهمه على مرتد فلم يقع به السهم حتى أسلم أو على حربي فلم يقع به السهم حتى أسلم كان خلافا للمسائل قبلها؛ لأنه أرسل عليهما وهما مباحا الدم وليس عليه قود بحال لما أصابهما من رميته وعليه الكفارة ودية حرين مسلمين بتحويل حالهما قبل وقوع الرمية.
(قال الشافعي): وإذا ضرب الرجل الرجل المسلم، ثم ارتد المضروب عن الإسلام، ثم مات من الضربة ضمن الضارب الأقل من أرش الضربة أو الدية.
(قال الربيع) أظنه قال دية مسلم.
(قال الشافعي): من قبل أن الضربة كانت وفيها قود أو عقل فإذا مات مرتدا سقط القود؛ لأنها لم تبرأ وجعلت فيها العقل في ماله؛ لأنها كانت غير مباحة ولو برأت وسأل أولياؤه القصاص من الجرح كان لهم أن يقتصوا منه؛ لأنه كان وهو مسلم.
(قال الشافعي): ولو ضربه وهو مسلم، ثم ارتد عن الإسلام، ثم عاد إليه، ثم مات مسلما ضمن القاتل الدية كلها في ماله؛ لأن الضرب كان وهو ممنوع والموت كان وهو ممنوع ولا تسقط الدية بحال حدثت بينهما لم يحدث فيها الضارب شيئا ولا قود عليه للحال الحادثة بينهما وعليه الكفارة.
شرك من لا قصاص عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا قتل رجلا وقتله معه صبي أو مجنون أو حربي أو من لا قود عليه بحال فمات من ضربهما معا فإن كان ضربهما معا بما يكون فيه القود قتل البالغ وكان على الصبي نصف الدية في ماله، وكذلك المجنون.
(قال): ولو قتل رجل ابنه وقتله معه أجنبي ولم يقتل الأب
وأخذت نصف الدية من ماله حالة، ولو قتل حر وعبد عبدا قتل به العبد وكانت على الحر نصف قيمة العبد بالغة ما بلغت وإن كانت ديات ولو قتل مسلم وكافر كافرا قتل الكافر وكانت على المسلم نصف ديته ولو ضرب رجلان رجلا أحدهما بعصا خفيفة والآخر بسيف فمات لم يكن على واحد منهما قصاص؛ لأن إحدى الجنايتين كانت مما لا قصاص فيه وإنما يكون القود إذا كانت الجناية كلها بشيء يقتص منه إذا ميت منه، ولو ضرب رجل رجلا بسيف ونهشته حية فمات فلا قصاص وعلى الضارب نصف ديته حالة في ماله.
(قال الشافعي): ولو ضربه رجل بسيف وضربه أسد أو نمر أو خنزير أو سبع ما كان ضربة فإن كانت ضربة السبع تقع موقع الجرح في أن يشق جرحها فيكون الأغلب أن الجرح قتل دون الثقل فعلى القاتل القود إلا أن يشاء ورثته الدية فيكون لهم نصفها وإن كانت ضربة لا تلهد ولا تقتل ثقلا كما يقتل الشدخ أو الخشبة الثقيلة أو الحجر الثقيل فلا يجرح فلا قود عليه؛ لأن إنسانا إن ضربه معه تلك الضربة لم يكن عليهما قود وإنما أجعله مات من الجنايتين فلما كانت إحدى الضربتين إنما تقتل لا ثقلا ولا جرحا وكان الأغلب أن مثلها لا يقتل مفردا سقط القود فلما لم يمحضا بما يقتل مثله فلا قود (قال الشافعي): وهكذا لو جرحت جرحا خفيفا كالخدش والأغلب أن القتل منها لا يقتل باللهد ولا الثقل لم يكن فيهما قصاص.
(قال الشافعي): ولو أن السبع قطع حلقومه وودجه أو قصف عنقه أو شق بطنه فألقى حشوته كان هو القاتل وعلى الأول القصاص في الجراح إن كان فيها القصاص إلا أن تشاء ورثته العقل، والعقل إن كانت جراحه مما لا قصاص فيها.
الزحفان يلتقيان (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا التقى زحفان وأحدهما ظالم، فقتل رجل من الصف المظلوم فسأل أولياؤه العقل، أو القود قيل: ادعوه على من شئتم فإن ادعوه على واحد منهم أو نفر بأعيانهم كلفوا البينة فإن جاءوا بها فلهم القود إن كان فيه قود أو العقل إن لم يكن فيه قود، وإن لم يأتوا ببينة قيل: إن شئتم فأقسموا خمسين يمينا على رجل أو نفر بأعيانهم ولكم الدية ولا قود إن كان القتل عمدا، وإن أقسم الذين ادعيتم عليهم خمسين يمينا برئوا من الدية والقود إذا حلفوا إن امتنعتم من الإيمان وإن تحلفوهم فلا عقل ولا قود وإن قلتم قتلوه جميعا فكان يمكن لمثلهم أن يشتركوا فيه أقسمتم وإن لم يمكن ذلك وكانوا مائة ألف أو نحوها فقد قيل: إن اقتصرتم بالدعوى على من يمكن أن يكون شرك فيه وأقسمتم جعلنا ذلك لكم. وإلا لم ندعكم تقسموا على ما نعلمكم فيه كاذبين وإذا جاءوا ببينة على أن رجلا قتله لا يثبتون الرجل القاتل فليست بشهادة وقيل: أقسموا على واحد إن شئتم، ثم عليه الدية فإن أقسموا على واحد فأثبتت البينة أنه ليس به سقطت القسامة فلم يعطوا بها ولا بالبينة، وإن سألوا بعد أن يقسموا على غيره لم يكن ذلك لهم؛ لأنهم قد أبرءوا غيره بالدعوى عليه دونه، وبأن كذبوا في القسامة ولست أقتل بالقسامة بحال أبدا ولو قالوا بعد ذلك: نقسم على كلهم لم أقبل ذلك منهم؛ لأني إن أغرمت كلهم فقد علمت أني أغرمت منهم قوما برآء، وإن أردت أن أغرم بعضهم لم أعرف من أغرم فلا
تكون القسامة إلا على معروف بعينه ومعروفين بأعيانهم كما لا تكون الحقوق إلا على معروف بعينه.
فإذا التقى الرجلان فأضربا بأي سلاح اضطربا فيه فيكون فيمن أصيب به القود فشهد الشهود أنهم رأوا كل واحد منهما مسرعا إلى صاحبه ولم يثبتوا أيهما بدأ فكل واحد منهما ضامن لما أصاب به صاحبه إن كان فيه عقل أو كان فيه قود ولو ادعى كل واحد منهما أن صاحبه بدأه وأنه إنما ضربه ليدفعه عن نفسه لم يقبل قوله، وعلى كل واحد منهما اليمين لصاحبه ما بدأ فإذا حلفا فكل واحد منهما ضامن لما أصاب به صاحبه فإن كان فيه عقل تقاصا وأخذ أحدهما من الآخر الفضل وإن كان فيه قصاص اقتص لكل واحد منهما من صاحبه مما فيه القصاص وإن قتل كل واحد منهما صاحبه عمدا فكل واحد منهما بصاحبه قصاص ولا تباعة لواحد منهما على الآخر ولا قود؛ لأنه لم يبق شيء يقاد منه.
(قال الشافعي): ولو مات أحدهما وبقي الآخر وبه جراحات كانت جراحاته في مال الميت، فإن كانت دية قيل: لأهل الميت إن أردتم القود فلكم القود وعلى صاحبكم دية جراح المجروح وإن أردتم الدية فلكم الدية وللمجروح دية فإحداهما قصاص بالأخرى إن كان ضربهما عمدا كله، وإن كانت أكثر من دية رجع المجروح بالفضل عن الدية في مال الميت وإن أردتم القود فللمقاد منه ما لزم الميت من جراحة الحي ولكم القود.
(قال الشافعي): وإذا كان القوم في الحرب فلقي رجل من المسلمين رجلا من المسلمين مقبلا من ناحية المشركين فقتله فإن قال قد عرفته مسلما قتل به وإن قال ظننته كافرا أحلف ما قتله وهو يعلمه مؤمنا، ثم فيه الدية والكفارة ولا قود فيه.
(قال الشافعي): ولو لقيه في مصر من الأمصار بغير حرب فقال ظننته كافرا لم يعذر وقتل به وإنما يعذر في الموضع الذي الأغلب منه أنه كما قال.
(قال الشافعي): ولو كان المسلمون في صف والمشركون بإزائهم لم يلتقوا ولم يتحاملوا فقتل رجل رجلا في صف المسلمين فقال ظننته كافرا والمقتول مؤمن أقيد منه وإن تحاملوا وكان في صف المشركين وقتله قبل قوله مع يمينه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن عروة «أن اليمان أبا حذيفة جاء يوم أحد من أطم من الآطام من ناحية المشركين فظنه المسلمون مشركا فالتفوا عليه بأسيافهم حتى قتلوه وحذيفة يقول: أبي أبي ولا يسمعونه لشغل الحرب فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بدية». وقال فيما أحسب عفاها حذيفة، وقال فيما أحسب يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فزاده عند المسلمين خيرا.
(قال الشافعي): ولو أن رجلا من المشركين أقبل إلى ناحية المسلمين فقتله رجل من المسلمين عامدا فقال ورثة المشرك إنه كان أسلم، فإن أقاموا على ذلك بينة وإلا لم يقبل قولهم وإن أقاموا البينة فلهم العقل ولا قود إذا قال المسلم قتلته وأنا أظنه على الشرك إذا جعلت له هذا في المسلم يعرف إسلامه جعلته له فيمن لم يشهر إسلامه (قال الشافعي): ولو أن رجلا من المشركين أقبل كما وصفت فقتله مسلم لم يود حتى يقيم ورثته البينة على أنه أسلم قبل أن يقتل
ولو أن رجلا ضرب حربيا فأسلم الحربي فمات لم يكن فيه عقل ولا قود، ولو ضرب فأسلم، ثم ضرب فمات ففيه نصف الدية.
ولو أن رجلا من المشركين ضرب مسلما فجرحه، ثم أسلم فقتله المسلم المضروب بعد إسلامه وعلمه به قتل به وإن قتله بعد إسلامه. وقال لم أعلم بإسلامه فعليه ديته والكفارة.
قتل الإمام
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وبلغنا أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ولى رجلا على اليمن فأتاه
رجل أقطع اليد والرجل فذكر أن والي اليمن ظلمه فقال إن كان ظلمك لأقيدنك منه.
(قال): وإذا أمر الإمام الرجل بقتل الرجل فقتله المأمور فعلى الإمام القود إلا أن يشاء ورثة المقتول أن يأخذوا الدية وليس على المأمور عقل ولا قود وأحب إلي أن يكفر؛ لأنه ولي القتل، وإنما أزلت عنه القود أن الوالي يحكم بالقتل في الحق في الردة وقطع الطريق والقتل.
(قال الشافعي): ولو أن المأمور بالقتل كان يعلم أنه أمره بقتله ظلما كان عليه وعلى الإمام القود وكانا كقاتلين معا، وإنما أزيل القود عنه إذا ادعى أنه أمره بقتله وهو يرى أنه يقتل بحق، ولو علم أنه أمره بقتله ظلما ولكن الوالي أكرهه عليه لم يزل عن الإمام القود بكل حال وفي المأمور المكره قولان: أحدهما أن عليه القود؛ لأنه ليس له أن يقتل أحدا ظلما إنما يبطل الكره عنه فيما لا يضر غيره والآخر لا قود عليه للشبهة وعليه نصف الدية والكفارة (قال الشافعي):
والوالي المتغلب والمستعمل إذا قهر في الموضع الذي يحكم فيه عليه هذا سواء طال قهره له أو قصر.وإذا كان الرجل المتغلب على اللصوصية أو العصبية فأمر رجلا بقتل الرجل فعلى المأمور القود وعلى الآمر إذا كان قاهرا للمأمور لا يستطيع الامتناع منه بحال.
(قال الشافعي): ولو أن رجلا في مصر أو في قرية لم يقهر أهلها كلهم فأمر رجلا بقتل رجل فقتله والمأمور مقهور فعلى المأمور القود في هذا دون الآمر وعلى الآمر العقوبة إذا كان المأمور يقدر على الامتناع بجماعة يمنعونه منه أو بنفسه أو أن يهرب فعليه القود في هذا دون الآمر وإذا لم يقدر على الامتناع منه بحال فعليهما القود معا.
أمر السيد عبده
(قال الشافعي): وإذا أمر السيد عبده أن يقتل رجلا والعبد أعجمي أو صبي فقتله فعلى السيد القود دون الأعجمي الذي لا يعقل والصبي وإذا أمر بذلك عبدا له رجلا بالغا يعقل فعلى عبده القود وعلى السيد العقوبة.
(قال الشافعي): ولو أمر عبد غيره أو صبي غيره بقتل رجل فقتله فإن كان العبد أو الصبي يميزان بينه وبين سيده وأبيه ويريان لسيده وأبيه طاعة ولا يريانها لهذا عوقب الآمر وكان الصغير والعبد قاتلين دون الآمر وإن كانا لا يميزان ذلك فالقاتل الآمر وعليه القود إن كان القتل عمدا.
(قال الشافعي): وإذا أمر الرجل ابنه الصغير أو عبد غيره الأعجمي أن يقتله فقتله فدمه هدر؛ لأني لا أجعل جنايتهما بأمره كجنايته ولو أمرهما أن يفعلا بأنفسهما فعلا لا يعقلانه ففعلاه فقتلهما ذلك الفعل ضمنهما معا كما يضمنهما لو فعله بهما فقتلهما كأن أمرهما أن يقطعا عرقا أو يفجرا قرحة على مقتل أو ما أشبهه ولو أمرهما أن يذبحا أنفسهما فإن كان الصبي لم يعقل والعبد مغلوب على عقله ففعلا ضمنهما كما يضمنهما لو ذبحهما وإن كان العبد يعقل أن ذلك يقتله ففعل فمات فهو مسيء آثم وعليه العقوبة ولا يكون كالقاتل.
وإذا أمر الرجل ابنه البالغ أو عبده الذي يعقل أن يقتل رجلا فقتله عوقب السيد الآمر وعلى العبد والابن القاتلين القود دونه.
وإذا أمر سيد العشيرة رجلا من العشيرة أن يقتل رجلا وليس ببلد له فيها سلطان فالقتل على القاتل دون الآمر.
الرجل يسقي الرجل السم أو يضطره إلى سبع
(قال الشافعي): وإذا استكره الرجل الرجل فسقاه سما ووصف الساقي السم سئل الساقي فإن قال سقيته إياه وأنا أعلم أن الأغلب منه أنه يقتله وأنه قل ما يسلم منه أن يقتله أو يضره ضررا شديدا وإن لم يبلغ القتل والأغلب أنه يقتل فمات المسقي فعلى الساقي القود يسقى مثل ذلك فإن مات في مثل هذه الميتة فذلك وإلا ضربت عنقه فإن قال سقيته والأغلب أنه لا يموت وقد يمات من مثله قليلا قيل: لورثة الميت إن كانت لكم بينة عادلة بأن مثل ذلك السم إذا سقي فالأغلب أنه يقتل أقيد منه وإن جهلوا ذلك فالقول قول الساقي مع يمينه وعلى الساقي الدية والكفارة ولا قود عليه وديته دية خطأ العمد وكذلك إن قال أهل العلم به الأغلب أنه لا يقتل وقد يقتل مثله وسواء علم السم الساقي في هذه الأحوال أو لم يعلمه كلما يسأل أهل العلم به عنه وتقبل شهادة شاهدين ممن يعلمه على رؤيته، وإن كانا رأياه يسقيه السم بدواء معه ولم يعرفه فإنه يقاد منه إذا كان الأغلب أنه لا يعاش من مثله ويترك القود ويضمن الدية إذا كان الأغلب أنه يعاش منه وإن قال أهل العلم به إن الأغلب أن مثل هذا المسقي لضعف بدنه أو خلقه أو سقمه لا يعيش من مثل هذا السم والأغلب أن القوي يعيش من مثله لم يقد في القوي الذي الأغلب أنه يعيش من مثله وأقيد في الضعيف الذي الأغلب أنه لا يعيش من مثله كما لو ضرب رجلا نضو الخلق أو سقيما أو ضعيفا ضربا ليس بالكثير بالسوط أو عصا خفيفة فقيل: إن الأغلب أن هذا لا يعيش من مثل هذا أقيد منه ولو ضرب مثلهن رجلا الأغلب أنه يعيش من مثلهن لم يقد منه.
(قال): ولو كان الساقي للسم الذي أقيد من ساقيه لم يكره المسقي ولكنه جعله له في طعام أو خاص له عسلا أو شرابا غيره فأطعمه إياه أو سقاه إياه غير مكره عليه ففيها قولان أحدهما: أن عليه القود إذا لم يعلمه أن فيه سما، وكذلك لو قال: هذا دواء فاشربه وهذا أشبهما والثاني أن لا قود عليه وهو آثم؛ لأن الآخر شربه وإنما فرق من فرق بين السم يعطيه الرجل الرجل فيأكله في التمرة والحريرة يصنعها له فيموت فلا أقيد منه؛ لأنه قد يبصر السم في الحريرة يبصرها غيره له فيتوقاها وقد يعرف السم أنه مخلوط بغيره ولا يعرف غير مخلوط بغيره وأنه الذي ولي شربه بنفسه غير مكره عليه.
(قال الشافعي): ولو كان قال له في هذا سم وقد بين له ولا يلتفت صاحبه قلما يخطئه أن يتلف به فشرب الرجل فمات لم يكن على الذي خلطه له ولا الذي أعطاه إياه له عقل ولا قود ولو سقاه معتوها أو أعجميا لا يعقل عنه أو صبيا فبين له أو لم يبين له فسواء، وكذلك لو أكرهه عليه أو أعطاه إياه فشربه؛ لأن كل هؤلاء لا يعقل عنه وعليه القود حيث أقدت منه في الأغلب من السم القاتل.[(قال الشافعي): ولو خلطه فوضعه ولم يقل للرجل كله فأكله الرجل أو شربه فلا عقل ولا قود ولا كفارة عليه وسواء جعله في طعام لنفسه أو شراب أو لرجل فأكله إلا أنه يأثم وأرى أن يكفر إذا خلطه في طعام رجل ويضمن مثل الطعام الذي خلطه به وفيها قول آخر: أنه إذا خلطه بطعام فأكله الرجل فمات ضمن كما يضمن لو أطعمه إياه.
(قال الشافعي): ولو سقاه سما وقال لم أعلمه سما فشهد بعد على أنه سم ضمن الدية؛ لأنه مات بفعله ولا يبين لي أن أجعل عليه القود كما جعلته عليه لو علمه فسقاه إياه وعليه اليمين ما علمه.
(قال الشافعي): وإنما درأت
عنه القود؛ لأنه قد يجهل السم فيكون سما قاتلا ولا قاتلا وفيه قول آخر: أن عليه القود ولا يقبل قوله لم أعلمه سما.
(قال الشافعي): ولو أخذ رجل لرجل حية فأنهشه إياها أو عقربا فمات ففيها قولان: أحدهما أن الذي أنهشه إن كان الأغلب منه أنه يقتله بالبلد الذي أنهشه به لا يكاد يسلم منه مثل الحيات بالسراة أو حيات الأصحر بناحية الطائف والأفاعي بمكة ودونها والقرة فعليه القود وإن كان الأغلب أنها لا تقتل مثل الثعبان بالحجاز والعقرب الصغيرة فقد قيل: لا قود وعليه العقل به مثل خطأ شبه العمد، ثم يصنع هذا بكل بلاد فإن ألدغه بنصيبين عقربا أو أنهشه بمصر ثعبانا فعليه القود؛ لأن الأغلب أن هذا يقتل بهذين الموضعين والقول الثاني أنه إذا ألدغه حية أو عقربا فمات أن عليه القود وسواء قيل: هذه حية لا يقتل مثلها أو يقتل؛ لأن الأغلب أن هذا كله يقتل.
(قال الشافعي): ولو أرسل عليه عقربا أو حية فنهشته الحية أو ضربته العقرب لكان آثما عليه العقوبة ولا قود ولا عقل لو قتلته؛ لأنه لا فعل له في فعل الحية والعقرب وأنهما يحدثان فعلا بعد الإرسال ليس هو الإرسال ولا هو كأخذه إياهما وإدنائهما حتى يمكنهما وينهشا فهذا فعل نفسه؛ لأنهما نهشا بضغطه إياهما، وكذلك بأخذه وإن لم يضغطا؛ لأن معقولا أن من طباعهما أنهما يعبثان إذا أخذتا فتنهش هذه وتضرب هذه فتكونان كالمضطرين إلى أن تضرب هذه وتنهش هذه منه وكذا الأسد والذئب والنمر والعوادي كلها بأسرها من يضغطها فتضرب أو تعقر فتقتل يكون عليه فيما صنعه بما الأغلب منه أنه لا يعاش من مثله ففيه القود، وإن ناله بما الأغلب أنه يعاش من مثله فليس عليه فيه قود وفيه الدية.
(قال الشافعي): وإذا أرسل الكلب والحية والأسد والنمر والذئب على رجل فأخذه منها شيء فقتله فهو آثم ولا عقل ولا قود عليه.
(قال): وذلك أنه قد يهرب فيعجز ويهرب عنه بعضها أو يقوم معه فلا يناله بشيء.
(قال الشافعي): ولو حبس بعض القواتل في مجلس، ثم ألقى عليه رجلا والأغلب ممن يلقي عليكم هذا أنه إذا ألقي عليه قتله: مثل الأسد والذئب والنمر فقتله بفرس لم يقلع عنه حتى قتله أو شق لبطنه أو غم لا يعاش من مثله قتل به فأما الحية فليست هكذا فإن أصابته الحية لم يضمن وإن كان من السباع ما يكون الأغلب أنه لا يفرس من ألقى عليه لم يكن فيه قود ولا عقل وإن كان الأغلب أنه يفرس كان عليه القود إذا حبس السبع ثم ألقاه أو حبسه، ثم ألقى عليه السبع في مجلس لا يخرج منه السبع ولو قيده أو أوثقه ثم ألقاه عليه في صحراء كان مسيئا ولم يكن عليه عقل ولا قود إن أصابه؛ لأن السبع غير مضطر بمحبسه إلى أن يقتله وإذا أصابه السبع بالشيء الخفيف الذي لو أصابه إنسان في الحين الذي أجعل على الملقي جناية السبع فمات فعلى ملقيه الدية والعقوبة ولا قود.
المرأة تقتل حبلى وتقتل
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا قتلت المرأة حاملا يتحرك ولدها أو لا يتحرك ففيها القود ولا شيء في جنينها حتى يزول منها فإذا زايلها قبل موتها أو معه أو بعده فسواء فيه غرة قيمتها خمس من الإبل فإذا زايلها حيا قبل موتها أو معه أو بعده فسواء ولا قصاص فيه إذا مات وفيه ديته إن كان ذكرا فمائة من الإبل وإن كان أنثى فخمسون من الإبل قتلها رجل أو امرأة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
وإذا قتلت المرأة من عليها في قتله
القود فذكرت حملا أو ريبة من حمل حبست حتى تضع حملها، ثم أقيد منها حين تضعه وإن لم يكن لولدها مرضع فأحب إلي أن لو تركت بطيب نفس ولي الدم يوما أو أياما حتى يوجد له مرضع فإن لم يفعل قتلت له وإن ولدت وجدت تحركا انتظرت حتى تضع التحرك أو يعلم أن ليس بها حمل، وكذلك إذا لم يعلم أن بها حملا فادعته انتظر بالقود منها حتى تستبرأ ويعلم أن لا حبل بها ولو عجل الإمام فأقص منها حاملا فقد أثم ولا عقل عليه حتى تلقي جنينها فإن ألقته ضمنه الإمام دون المقتص وكان على عاقلته لا بيت المال، وكذلك لو قضى بأن يقتص منها، ثم رجع فلم يبلغ المأمور حتى اقتص منها ضمن الإمام جنينها وأحب إلي للإمام أن يكفر.
تحول حال المشرك يجرح حتى إذا جني عليه وحال الجاني
(قال الشافعي): - رحمه الله - ولو أن نصرانيا جرح نصرانيا، ثم أسلم الجارح ومات المجروح من جراحه بعد إسلام الجارح كان لورثة النصراني عليه القود وليس هذا قتل مؤمن بكافر منهيا عنه إنما هذا قتل كافر بكافر إلا أن الموت استأخر حتى تحولت حال القاتل وإنما يحكم للمجني عليه على الجاني وإن تحولت حال المجني عليه ولا ينظر إلى تحول حال الجاني بحال وهكذا لو أسلم المجروح دون الجارح أو المجروح والجارح معا كان عليه القود في الأحوال كلها.
ولو أن نصرانيا جرح حربيا مستأمنا، ثم تحول الحربي إلى دار الحرب وترك الأمان فمات فجاء ورثته يطلبون الحكم خيروا بين القصاص من الجارح أو أرشه إذا كان الجرح أقل من الدية ولم يكن لهم القتل؛ لأنه مات من جرح في حال لو ابتدئ فيها قتله لم يكن على عاقلته فيها قود فأبطلنا زيادة الموت لتحول حال المجني عليه إلى أن يكون مباح الدم وهو خلاف للمسألة قبلها؛ لأن المجني عليه تحولت حاله دون الجاني ولو كانت المسألة بحالها والجراح أكثر من النفس كأن فقأ عينه وقطع يديه ورجليه، ثم لحق بدار الحرب فسألوا القصاص من الجاني فذلك لهم؛ لأن ذلك كان للمجني عليه يوم الجناية أو ذلك وزيادة الموت فلا أبطل القصاص بسقوط زيادة الموت على الجاني، وإن سألوا الأرش جعلت لهم على الجاني في كل حال من هذه الأحوال الأقل من دية جراحه أو دية النفس؛ لأن دية جراحه قد نقصت بذهاب النفس لو مات منها في دار الإسلام على أمانه فإذا أرادوا الدية لم أزدهم على دية النفس فلا يكون تركه عهده زائدا له في أرشه، ولو لحق بدار الحرب في أمانه كما هو حتى يقدم وتأتي له مدة فمات بها كان كموته في دار الإسلام؛ لأن جراحه عمد ولم يكن كمن مات تاركا للعهد؛ لأن رجلا لو قتله عامدا ببلاد الحرب وله أمان يعرفه ضمنه.
(قال الشافعي): ولو جرحه ذمي في بلاد الإسلام، ثم لحق بدار الحرب، ثم رجع إلينا بأمان فمات من الجراح ففيها قولان: أحدهما أن على الذمي القود إن شاء ورثته أو الدية تامة من قبل أن الجناية والموت كانا معا وله القود ولا ينظر إلى ما بين الحالين من تركه الأمان، والقول الثاني أن له الدية في النفس ولا قود؛ لأنه قد صار في حال لو مات فيها أو قتل لم تكن له دية ولا قود.
(قال الشافعي): وله الدية تامة في الحالين لا ينقص منها شيئا.
ولو جرح ذمي حربيا مستأمنا فترك الأمان ولحق بدار الحرب فأغار المسلمون عليه.
فسبوه ثم مات بعد ما صار في أيدي المسلمين سبيا فلا قود فيه؛ لأنه مات مملوكا فلا يقتل حر بمملوك وعلى الذمي الأقل من قيمته عبدا أو قيمة الجراح حرا كأنه قطع يده فكانت فيه إن كان نصرانيا ستة عشر من الإبل وثلثا بعير وهي نصف ديته أو كان مجوسيا أو وثنيا ففي يده نصف ديته، ثم مات وقيمته مثل نصف ديته فسقط الموت؛ لأنه لم يحدث به زيادة، وجميع الأرش لورثة المستأمن؛ لأنه استوجبه بالجرح وهو حر فكان مالا له أمان أو كأنه قطعت يده وديته ثلاث وثلاثون وثلث، ثم مات مملوكا وقيمته خمس من الإبل فعلى جارحه خمس من الإبل؛ لأن اليد صارت تبعا للنفس كما يجرح المسلم فيكون فيه ديات لو عاش ولو مات كانت ديته واحدة ويجرح موضحة فيموت فيكون فيها دية كما تكون الزيادة على الجارح بزيادة النفس، فكذلك يكون النقص بذهابها.
(قال الشافعي): وإذا لم تكن بالنفس زيادة فجميع الأرش لورثة المستأمن؛ لما وصفت أنه استوجبه وهو حر لما له أمان يعطاه ورثته في دار الحرب وهكذا لو قطعت يداه ورجلاه وفقئت عيناه، ثم لحق بدار الحرب، ثم مات وقيمته أقل مما وجب له بالجراح لو عاش كان على جارحه الأقل من الجراح والنفس وكان ذلك لورثته ببلاد الحرب.
(قال الشافعي): ولو جرح ذمي مستأمنا فأوضحه، ثم لحق المجروح بدار الحرب، ثم سبي فصار رقيقا، ثم مات وقيمته عشرون من الإبل وإنما وجب له بالموضحة التي أوضح منها ثلث موضحة مسلم كان أرش موضحته لورثته، وأما الزيادة من قيمته ففيه قولان: أحدهما أنه يسقط عن الجاني بلحوق المجني عليه ببلاد الحرب، والآخر أن الزيادة لمالكه؛ لأن الجناية والموت كانا وهو ممنوع؛ ولأنه ملكه بالموت، وذلك ملك للسيد.
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فأسلم في يدي سيده ثم مات كانت هكذا؛ لأن الإسلام يزيد في قيمته فتحسب الزيادة في قول من ألزمه إياها وتسقط في قول من أسقطها بلحوقه ببلاد الحرب.
(قال الشافعي): ولو أعتقه سيده، ثم مات حرا كان على جارحه الأقل من أرش الجناية وديته؛ لأنه جني عليه حرا ومات حرا في قول من يسقط الزيادة عن الجاني بلحوق المجني عليه ببلاد الحرب ويلزمه الزيادة إن كان في الموت في قول من يبطل الزيادة بلحوقه بدار الحرب.
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها فأسلم وأعتقه سيده فمات مسلما حرا ضمن قاتله الأقل من أرش الجناية ودية حر؛ لأن أصل الجناية كان ممنوعا في قول من يسقط الزيادة بلحوقه بدار الحرب، وضمنه زيادة الموت في قول من لا يسقطها عنه بلحوقه بدار الحرب. ومن قال هذا قال في نصراني جرح، ثم أسلم فمات ففيه دية مسلم
(قال الشافعي): ولو كانت المسألة بحالها وكان القاتل مسلما كان مثل هذا في الجواب إلا أنه لا يقاد مشرك من مسلم.
(قال الشافعي): وإذا ضرب الرجل رجلا فقطع يده، ثم برأ، ثم ارتد فمات فلوليه القصاص في اليد؛ لأن الجراحة قد وجبت للضرب والبرء وهو مسلم.
الحكم بين أهل الذمة في القتل
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قتل الذمي الذمية أو الذمي أو المستأمن أو المستأمنة أو جرح بعضهم بعضا فذلك كله سواء فإذا طلب المجروح أو ورثة المقتول حكمنا عليهم بحكمنا على أهل الإسلام فيما بينهم لا يختلف فنجعل القود بينهم كما نجعله بين المسلمين في النفس وما دونها ونجعل ما كان عمدا لا قود فيه في مال الجاني وما كان خطأ على عاقلة الجاني إذا كانت له عاقلة فإن لم تكن له عاقلة كان ذلك في ماله ولم يعقل عنه أهل دينه؛ لأنهم لا يرثونه ولا المسلمون؛ لأنه ليس بمسلم وإنما يأخذون ماله إذا لم يكن له وارث فيئا.
(قال الشافعي): ويقتص الوثني والمجوسي والصابئي والسامري من اليهود
والنصارى، وكذلك يقتص نساؤهم منهم ونجعل الكفر كله ملة وكذلك نورث بعضهم من بعض للقرابة ويقتص المستأمن من هؤلاء من المعاهدين؛ لأن لكل ذمة ولا تفاوت بين المشركين فنمنع به بعضهم من بعض بالقصاص كفوت المسلمين لهم.
(قال الشافعي): وهكذا يحكم على الحربي المستأمن إذا جنى يقتص منه ويحكم في ماله بأرش العمد الذي لا يقتص منه وإن لم يكن له عاقلة إلا عاقلة حربية لا ينفذ حكمنا عليهم جعلنا الخطأ في ماله كما نجعله في مال من لا عاقلة له من أهل الذمة، وهكذا نحكم عليهم إذا أصابوا مسلما بقتل أو جرح لا يختلف ذلك.
(قال الشافعي): وإن أصاب أهل الذمة حربيا لا أمان له لم يحكم عليهم فيه بشيء ولو طلبت ورثته؛ لأن دمه مباح
(قال الشافعي): وهكذا لو كان القاتل حربيا مستأمنا إلا أنا إذا لم تود عاقلة الحربي عنه أرش الخطأ كما حكمنا به في ماله.
(قال الشافعي): ولو لحق الحربي الجاني بعد الجناية بدار الحرب، ثم رجع مستأمنا حكمنا عليه؛ لأن الحكم لزمه أولا ولا يسقط عنه بلحوقه بدار الحرب
(قال الشافعي): ولو مات ببلاد الحرب بعد الجناية وعندنا له مال كان له أمان أو ورد علينا وهو حي مال له أمان أخذنا من ماله أرش الجناية لوليها؛ لأنه وجب في ماله فمتى أمكننا أعطينا ما وجب عليه في ماله من ماله ولو أمنا له ماله على أن لا نأخذ منه ما لزمه لم يكن ذلك له إذا كان عليه أن يأخذ منه ما لزمه.
(قال الشافعي): وكذلك لو جنى وهو عندنا جنايات، ثم لحق بدار الحرب، ثم أمناه على أن لا نحكم عليه حكمنا عليه وكان ما أعطيناه من الأمان على ما وصفنا باطلا لا يحل وهكذا لو سبي وأخذ ماله وقد كان له عندنا في الأمان دين؛ لأن ماله لم يغنم إلا وللمجني عليه فيه حق كالدين وسواء إن أخذ ماله قبل أن يسبى أو مع السبي أو بعده، ألا ترى أنه لو كان عليه دين، ثم لحق بدار الحرب فغنم ماله وسبي أو لم يسب أخذنا الدين من ماله ولم يكن هذا بأكثر من الرجل يدان الدين، ثم يموت فنأخذ الدين من ماله بوجوبه فليس الغنيمة لماله بأكثر من الميراث لو ورثه المسلم أو ذمي عليه دين؛ لأن الله عز وجل جعل للورثة ملك الموتى بعد الدين، وكذلك الغنائم؛ لأنهم خولوها بأن أهلها أهل دار حرب، وكذلك لو جنى وهو مستأمن، ثم لحق ببلاد الحرب ناقضا للأمان، ثم أسلم بدار الحرب فأحرز ماله ونفسه حكم عليه بالجناية والدين الذي لزمه في دار الإسلام.
(قال الشافعي): وكل هذا لا يخالف الأمان يملك وهو رقيق؛ لأن الرقيق لا يملك إلا لسيده، وهو في هذه الأحوال كلها مالك لنفسه ويخالف لأن يجنى عليه وهو محارب غير مستأمن ببلاد الحرب وجنايته كلها في هذه الأحوال هدر.
(قال الشافعي): ولو جنى مسلم جناية فلزمته في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب فكان حيا أو ميتا أو قتل على الردة كانت الجناية في ماله ولم يغنم من ماله شيء حتى تؤدى جنايته وما لزمه في ماله.
(قال الشافعي): وإذا جنى الذمي على نصراني فتمجس النصراني بعد ما يجنى عليه ثم مات مجوسيا فقد قيل: فعلى الجاني الأقل من أرش جراح النصراني ومن دية المجوسي وقيل: عليه دية مجوسي أو القود من الذمي الذي جنى عليه؛ لأنه كافر، وإن تمجس فهو ممنوع الدم بالعقد المتقدم وليس كالمسلم يرتد؛ لأن رجلا لو قتل المسلم مرتدا لم يكن عليه شيء وهذا لو قتل مرتدا عن كفر إلى كفر كان على قاتله الدية إن كان مسلما والقود إن كان كافرا.
(قال الشافعي): وهكذا إن جنى نصراني فتزندق أو دان دينا لا تؤكل ذبيحة أهله وقد قيل على الجاني عليه إذا غرم
الدية: الأقل من أرش ما أصابه نصرانيا ودية مجوسي وقيل عليه دية مجوسي.
(قال الشافعي): ولو جني عليه نصرانيا فتهود أو يهوديا فتمجس فقد قيل: عليه الأقل من قيمة جرحه نصرانيا أو ديته مجوسيا وقيل: عليه دية مجوسي وكان كرجوعه إلى المجوسية؛ لأنه يرتد عن دينه الذي كان يقر عليه إلى دين لا يقر عليه.
(قال الشافعي): وإذا جنى النصراني على النصراني أو المشرك الممنوع الدم خطأ فعلى عاقلته أرش جنايته، وإن ارتد النصراني الجاني عن النصرانية إلى مجوسية أو غيرها فمات المجني عليه غرمت عاقلة الجاني الأقل من أرش الجناية وهو نصراني أو دية مجوسي؛ لأنهم كانوا ضمنوا أرش الجرح وهو على دينهم فإن كان الجرح موضحة فمات منها المجني عليه بعد أن يرتد الجاني إلى غير النصرانية ضمنت عاقلته أرش موضحة وضمن في ماله زيادة النفس على أرش الموضحة فإن لم تزد النفس على الموضحة بشيء حتى تحول حال المجني عليه إلى غير دينه ضمنت العاقلة كما هي أرش الموضحة للزومها لها يوم جنى صاحبها.
(قال الشافعي): ولو جنى نصراني على مسلم أو ذمي موضحة، ثم أسلم الجاني ومات المجني عليه ضمنت عاقلته من النصارى أرش الموضحة وضمن الجاني في ماله الزيادة على أرش الموضحة لا يعقل عاقلة النصراني ما زادت جنايته وهو مسلم لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتغرم ما لزمها من جراحه وهو على دينها ولا يعقل المسلمون عنه زيادة جنايته؛ لأن الجناية كانت وهو مشرك والموت بالجناية كان وهو مسلم، وهكذا لو أسلم هو وعاقلته لم يعقلوا إلا ما لزمهم وهو على دينهم.(قال الشافعي): ولو جنى نصراني على رجل خطأ، ثم أسلم النصراني الجاني فلم يطلب الرجل جنايته إلا والجاني مسلم فإن قالت له عاقلته من النصارى جنى عليك مسلما وقال المسلمون: جنى عليك مشركا كان القول قولهم معا في أن لا يضمنوا عنه مع إيمانهم وكانت الدية في مال الجاني إلا أن تقوم بينة بحاله يوم جنى فتعقل عنه عاقلته من النصارى إن كان نصرانيا ما لزمه في النصرانية ويكون ما بقي في ماله أو بينة بأنه جنى مسلما فيعقل عنه المسلمون إن كان له فيهم عاقلة.وإذا رمى النصراني إنسانا فلم تقع رميته حتى أسلم فمات المرمي لم تعقل عنه عاقلته من النصارى؛ لأنه لم يجن جناية لها أرش حتى أسلم ولا المسلمون؛ لأن الرمية كانت وهو غير مسلم وكانت الجناية في ماله.
(قال الشافعي): ولو أن نصرانيا تهود أو تمجس، ثم جنى لم تعقل عنه عاقلته من النصارى؛ لأنه على دين لا يقر عليه ولا اليهود ولا المجوس؛ لأنه لا يقر على اليهودية ولا المجوسية معهم وكان العقل في ماله، وهكذا لو رجع إلى دين غير دين النصرانية من مجوسية أو غيرها ولا تعقل عنه إذا بدل دينه عاقلة واحد من النصفين إلا أن يسلم ثانية، ثم يجني فيعقل عنه المسلمون بالولاية بينه وبينهم
(قال الشافعي): وإذا جنى الرجل مجوسيا فقتل، ثم أسلم الجاني بعد القتل ومات المجني عليه ضمن عنه المجوس الجناية؛ لأنها عاقلته من المجوس كانت وهو مجوسي إذا كانت الجناية خطأ فإن كانت الجناية عمدا فهي في مال الجاني ولا تضمن عاقلة مجوسي ولا مسلم إلا ما جنى خطأ تقوم به بينة.
(قال الربيع) وفيها قول آخر: أنه إذا قتل وهو نصراني فقتل نصرانيا ثم أسلم أن عليه القود؛ لأن النفس المقتولة كانت مكافئة بنفس القاتل حين قتل وليس إسلامه الذي يزيل عنه ما قد وجب عليه قبل أن يسلم.
(قال الشافعي): والقود بين كل كافرين لهما عهد سواء كانا ممن يؤدي الجزية أو أحدهما مستأمن أو كلاهما؛ لأن كلا له عهد ويقاد المجوسي من النصراني واليهودي، وكذلك كل واحد من المشركين ممنوع الدم يقاد من غيره وإن كان أكثر دية منه كما يقاد الرجل من المرأة والمرأة من الرجل والرجل أكثر دية منها والعبد من العبد وهو أكثر ثمنا منه.
ردة المسلم قبل يجني وبعد ما يجني وردة المجني عليه بعد ما يجنى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى المسلم على رجل مسلم عمدا فقطع يده، ثم ارتد الجاني ومات المجني عليه أو قتله، ثم ارتد القاتل بعد قتله لم تسقط الردة عنه شيئا ويقال لأولياء القتيل: أنتم مخيرون بين القصاص أو الدية فإن اختاروا الدية أخذت من ماله حالة وإن اختاروا القصاص استتيب المرتد فإن تاب قتل بالقصاص وإن لم يتب قيل لورثة المقتول: إن اخترتم الدية فهي لكم وهو يقتل بالردة وإن أبوا إلا القتل قتل بالقصاص وغنم ماله؛ لأنه لم يتب قبل موته.
(قال الشافعي): ولو كان قتله الرجل قبل يرتد الجاني خطأ كان على عاقلته من المسلمين فإن جرحه مسلما، ثم ارتد الجاني فمات المجني عليه بعد ردة الجاني ضمنت العاقلة نصف الدية ولم تضمن الزيادة التي كانت بالموت بعد ردة الجاني فكان ما بقي من الدية في ماله، وكذلك لو كانت جنايته موضحة ضمنت العاقلة نصف عشر الدية وضمن المرتد ما بقي من الدية في ماله، وكذلك لو كانت جنايته الدية فأكثر، ثم ارتد فمات المجني عليه ضمنت العاقلة الدية كلها؛ لأنها كانت ضمنتها والجاني مسلم ولم يزد الموت بعد ردة صاحبها عليها شيئا إنما يغرم بالموت ما كان يغرم بالحياة أو أقل.
(قال الشافعي): ولو جنى وهو مسلم فقطع يدا، ثم ارتد ثم أسلم، ثم مات ومات المجني عليه ضمنت العاقلة نصف الدية ولم يضمنوا الموت؛ لأن الجاني ارتد فسقط عنهم أن يعقلوا عنه كما لو كان مرتدا فجنى لم يعقلوا عنه ما جنى. فأما ما تولد من جنايته وهو مرتد ففي ماله.
(قال الشافعي): وفيها قول آخر: أن يعقلوا عنه؛ لأن الجناية والموت كان وهو مسلم.
(قال الربيع) والقول الثاني أصحهما عندي.
(قال الشافعي): وإذا جنى الرجل الذي قد عرف إسلامه جناية فادعت عاقلته أنه جنى مرتدا فعليهم البينة فإن أقاموها سقط عنهم العقل وكان في ماله وإن لم يقيموها لزمهم العقل (قال الشافعي): ولو كان حين رفع الجناية إلى الحاكم مرتدا فمات فقالت العاقلة: جنى وهو مرتد كان القول قولهم مع أيمانهم حتى تقوم البينة بأن الجناية كانت وهو مسلم، ولو جنى جناية، ثم قام بينة أنه ارتد، ثم عاد إلى الإسلام ولم يوقت وقتا كان القول قول العاقلة إلا أن تقوم بينة أنه جنى وهو مسلم.
وإذا ارتد الرجل عن الإسلام، ثم رمى بسهم فأصاب به رجلا خطأ ولم يقع به السهم حتى رجع المرتد إلى الإسلام لم تعقل العاقلة عنه شيئا وكانت الجناية عليه في ماله؛ لأن مخرج الرمية كان وهو ممن لا يعقل عنه وإنما يقضى بالجناية على العاقلة إذا كان مخرجها وموقعها والرجل يعقل.
ردة المجني عليه وتحول حاله
(قال الشافعي): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فرماه رجل ولم تقع الرمية به حتى أسلم فمات منها أو جرحه بالرمية فلا قصاص على الرامي؛ لأن الرمية كانت وهو ممن لا عقل ولا قود وعليه الدية في ماله حالة إن مات وأرش الجرح إن لم يمت حالا؛ لأنه عمد ولا تسقط الدية؛ لأن مخرج الرمية كانت وهو مرتد كما لو أن رجلا رمى رجلا، ثم أحرم فأصابت الرمية بعد الإحرام صيدا ضمنه ولم يكن في أقل من
معنى أن يرمي غرضا فيصيب رجلا وهكذا لو رمى نصرانيا أو مجوسيا فأسلم المرمي قبل أن تقع الرمية لم يقد لخروج الرمية وهو غير مسلم وكانت عليه دية مسلم إن مات من الرمية أو أرش مسلم إن جرحت ولم يمت منها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
(قال الشافعي): ولو رماه مرتدا أو ضربه، ثم أسلم المرتد بعد وقوع الرمية أو الضربة، ثم مات مسلما لم يكن فيه عقل ولا قود من قبل أن وقوع الجناية كانت وهي مباحة ولم يحدث الجاني عليه شيئا بعد الجناية غير الممنوعة فيضمن، وكذلك أن يأمر الرجل الرجل فيختنه أو يشق جرحه أو يقطع عضوا له لدواء فيموت فلا يضمن شيئا وكما يقام الحد على الرجل فيموت فلا يضمن الحاكم شيئا.
(قال الشافعي): ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد، ثم عدا عليه فجرحه جرحا فمات من الجرحين لم يكن فيه قود إلا أن تشاء ورثته إبطال حقهم من الدية وطلب القود من الجرح الذي كان بعد إسلامه فيكون لهم وكان عليه إن أرادوا الأرش نصف الدية في ماله إذا كان الجرح عمدا وأبطلنا النصف؛ لأنه كان وهو مرتد فجعلنا الموت من جناية غير ممنوعة وجناية ممنوعة فضمناه النصف.
(قال الشافعي): وهكذا لو كان الجاني عليه بعد الإسلام غير الجاني عليه قبله ضمنه نصف ديته.
(قال الشافعي): ولو جنى رجل على نصراني فقطع يده عمدا ثم أسلم النصراني، ثم مات بعد إسلامه لم يكن عليه قود؛ لأن الجناية كانت وهو ممن لا قود له وكانت عليه دية مسلم تامة حالة في ماله وإن كانت جنايته خطأ كانت على عاقلته في ثلاث سنين دية مسلم تامة.
(قال الشافعي): فإن قيل: فلم فرقت بين هذا وبين المرتد يجنى عليه مرتدا، ثم أسلم ثم يموت؟
فقلت: الموت كان من الجناية الأولى لم يحدث الجاني بعدها شيئا فيغرم به ولم تقل في هذا الموت من الجناية الأولى فتغرمه دية نصراني قيل له: إن جنايته على المرتد كانت غير ممنوعة بحال فكانت كما وصفت من حد لزم فأقيم عليه فمات أو رجل أمر طبيبا فداواه بحديد فمات فلا شيء عليه؛ لأنه كان غير ممنوع بكل حال من أن يجني عليه فخالف النصراني ولما كانت الجناية على النصراني محرمة ممنوعة بالذمة ودار الإسلام وحكم بالقود من مثله وترك القود من المسلم ويلزمه بها عقل معلوم لم يجز في الجاني إلا أن يضمن الجناية وما تسبب منها وكانت في أكثر من معنى الرجل يعزر في غير حد فيموت فيضمن الحاكم ديته ويموت بأن يضرب في الخمر ثمانين فيغرم الحاكم ديته في بيت المال أو على عاقلته.
تحول حال المجني عليه بالعتق والجاني يعتق بعد رق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى الرجل على العبد جناية عمدا ثم أعتق العبد بعد الجناية ثم مات فلا قود على الجاني إذا كان حرا مسلما أو ذميا أو مستأمنا، وعلى القاتل دية حر حالة في ماله دون عاقلته.
(قال الشافعي): فإن كانت الجناية قطع يد فمات منها غرم القاطع دية العبد تاما فكان لسيد العبد منها نصف قيمة العبد يوم جني عليه بالغة ما بلغت والبقية من الدية لورثة العبد الأحرار؛ لأن العبد أعتق قبل الموت.
(قال الشافعي): وهكذا لو كانت موضحة أو غيرها جعلت له ما ملك بالجناية وهو مملوك ولم أجعل له ما ملك بالجناية بالموت وهو خارج من ملكه.
(قال الشافعي): ولو كانت الجناية فقء عيني العبد أو إحداهما وكانت قيمة العبد مائتين من الإبل أو ألفي دينار تسوي مائتين من الإبل لم يكن فيه إلا دية حر؛ لأن الجناية تتم بموته منها إذا مات حرا لا مملوكا وكانت الدية كلها لسيده دون ورثته؛ لأن السيد ملك الدية كلها أو أكثر منها بالجناية دون الموت إلا أن الأكثر سقط بموت العبد المجني عليه حرا.
(قال الشافعي): وإنما ضمنت الجاني دية حر؛ لأن العبد كان ممنوعا بكل حال من أن يجني عليه فضمنته
ما حدث في الجناية الممنوعة كما وصفت في الباب قبله.
(قال الشافعي): ولو جنى رجل على عبد فقطع يده وقيمة العبد مائة من الإبل، ثم عتق فجنى عليه وهو حر أو غيره فقطع رجله، ثم مات من الجنايتين ضمنا معا إن كانا اثنين دية حر، وكذلك إن كان الجاني واحدا ضمن دية حر فنصف قيمة العبد منها لسيده الذي أعتقه وما بقي لورثة المقتول المعتق ما كانت نصف قيمته مملوكا ما بينه وبين نصف دية حر أو أقل فإن زادت على نصف ديته لم يجز - والله أعلم - إلا أن يرد إلى نصف دية حر من قبل أنا لو أعطيناه أكثر من نصف ديته حرا أبطلنا الجناية الثانية على العبد بعد أن صار حرا أو بعضها وهو إنما مات منهما معا فلا يجوز أن يكون للسيد منها إلا نصف دية حر أو أقل إذا كانت جنايتين.
(قال الشافعي): ولو جنى عليه واحد قبل الحرية فقطع يده وثان بعد الحرية فقطع رجله وثالث بعد الحرية فقطع رجله كان على الجاني الأول ثلث ديته حرا؛ لأني أضمنه دية حر ولو كان من جني عليه عبدا ثم أعتق فمات وهو قاتل مع اثنين فعليه ثلث الدية وفيما لسيده من الدية قولان: أحدهما أن له عليه الأقل من نصف قيمته عبدا أو ثلث الدية لا أجعل له أكثر من نصف قيمته عبدا ولو كانت لا تبلغ بعيرا من قبل أنه لم يكن في ملكه جناية غيرها ولا أجاوز به ثلث ديته حرا لو كانت نصف قيمته عبدا تبلغ مائة بعير من أجل أنها قد تنقص بالموت وأن حظ الجاني عليه عبدا من ديته ثلثها، والقول الثاني أن لسيده الأقل من ثلث قيمته عبدا أو ثلث ديته حرا؛ لأنه مات من جناية ثلاثة وإنما قلت ثلث ديته حرا على قاطع يده؛ لأن الدية صارت دية حر وكان الجانون ثلاثة على كل واحد ثلث ديته ولا يختلف، ولو كان مات مملوكا كان الجواب فيها مخالفا
(قال الشافعي): وهكذا لو جنى عليه أربعة أو عشرة أو أكثر جعلت على الجاني عليه عبدا إذا مات حرا حصته من دية حر ولسيده الأقل مما لزم الجاني عليه عبدا من الدية أو أرش جرحه عبدا إذا مات كأن جرحه جرحا فيه حكومة بعير وهو عبد ولزمه عشر من الإبل أو أكثر بالحرية والموت من الجرح ومن جرح غيره فلا يأخذ سيده إلا البعير الذي لزم بالجرح وهو عبده (قال): ولو جرحه اثنان أو أكثر عبدا ومن بقي حرا كان هكذا.
(قال الشافعي): ولو قطع رجل يد عبد ثم أعتقه سيده، ثم ارتد العبد المقطوع عن الإسلام، ثم مات ضمن الجاني عليه نصف قيمته عبدا إلا أن يجاوز نصف قيمته عبدا ديته حرا مسلما فيرد إلى دية حر مسلم ويعطى ذلك كله سيده.
(قال الشافعي): وإنما أعطيت ذلك سيده؛ لأن أرش الجناية كانت لسيده تامة وهو مملوك مسلم ممنوع بالإسلام فلما عتق كانت زيادة لو كانت على الأرش لورثة الميت لو كان الموت يوم كان مسلما لم يكن له إلا دية حر فكانت دية حر تنقص من أرش اليد مملوكا نقص سيده فلما مات مرتدا أبطل حقه في الموت بالردة فلم يجز إلا أن نبطل الجناية الثانية بالردة ولا نجاوز بها دية حر وهو لو مات مسلما لم يكن له أكثر منه.
جماع القصاص فيما دون النفس
(قال الشافعي): - رحمه الله - ذكر الله ما فرض على أهل التوراة فقال عز وجل {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} إلى قوله {فهو كفارة له} وروي في حديث «عن عمر أنه قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي القود من نفسه وأبا بكر يعطي القود من نفسه وأنا أعطي القود من نفسي».
(قال الشافعي): ولم أعلم مخالفا في أن القصاص في هذه الأمة كما حكم الله عز وجل أنه حكم به بين أهل التوراة ولم أعلم مخالفا في أن القصاص بين الحرين المسلمين في النفس وما دونها من الجراح التي يستطاع فيها القصاص بلا تلف يخاف على المستقاد منه من موضع القود (قال): والقصاص مما دون النفس
شيئان: جرح يشق بجرح وطرف يقطع بطرف.
(قال الشافعي): فإذا شج رجل رجلا موضحة أخذت ما بين قرني المشجوج والمشجوج - أوسع ما بين قرنين من الشاج فكانت أخذت ما بين أذني الشاج فيكون بقياس طولها أخذ للمشجوج ما بين منابت شعر الرأس إلى منتهى الأذنين والرأس عضو كله ولا يخرج عن منابت الشعر شيئا؛ لأنه عضو واحد لا يخرج القود إلى غيره (قال الشافعي): وكذلك كل عضو يؤخذ بطول السير فيه ولا يخرج إلى غيره.
(قال): وإن كان الشاج أوسع ما بين قرنين من المشجوج وقد أخذت الشجة قرني المشجوج خير المشجوج بين أن يوضع له السكين من قبل أي قرنيه شاء، ثم يشق له ما بين قرنيه حتى ينتهي إلى قدر طولها بالغا ذلك ما بين قرنيه ما بلغ نصفها أو ثلثها أو أكثر أو أقل لا يزاد على طول شجته.
(قال الشافعي): وإن شج رجل رجلا موضحة أخذت ما بين منتهى منابت رأس المشجوج من قبل وجهه إلى منتهى منابت رأسه من قفاه وهي نصف ذلك من الشاج أخذ له نصف رأسه وخير المشجوج فبدئ له إن شاء من قبل وجهه وإن شاء فمن قبل قفاه وإن كان الشاج أصغر رأسا من المشجوج أخذ له ما بين وجهه إلى قفاه وأخذ له بفضل أرش الشجة وكان كرجل شج اثنين فأخذ أحدهما القصاص والآخر الأرش حين لم يجد موضعا للقصاص وإن سأل المشجوج أن يعاد له الشق في رأسه حتى يستوظف له طول شجته لم يكن له؛ لأنا قد استوظفنا له طول العضو الذي شج منه وجهة واحدة فلا يفرقها على الشاج في موضعين ولا يزيلها عن موضع نظيرها وهذا هكذا في الوجه ولا يدخل الرأس مع الوجه ولا يدخل العضد ولا الكف مع الذراع ويستوظف الذراع حتى يستوفى للمجروح قدر جرحه منها فإن فضل له فضل أخذ له أرش الجناية وهكذا الساق لا يدخل معها قدم ولا فخذ؛ لأن كل عضو منه غير الآخر.
(قال الشافعي): وإن برأ جرح المجني عليه أولا غير حسن البرء أو غير ملتئم الجلد وبرأ المستفاد منه حسنا ملتئما فلا شيء للمجني عليه إذا أخذ له القصاص غير القصاص.
(قال): وإن شجه شجة متشعبة شج مثلها كما لو شجه شجة مستوية شج مثلها.
(قال الشافعي): ولكل قصاص غاية بما وصفت وإن شج رجل رجلا موضحة فقياسها أن يشق ما بين الجلد والعظم فإن هشمت العظم أو كسرته حتى ينتقل أو أدمته فسأل المشجوج أن يقص له لم يقص له من هاشمة ولا منقلة ولا مأمومة؛ لأنه لا يقدر على أن يؤتى بالقطع منه بكسر العظم ولا هشمه كما يؤتى بالشق في جلد ولحم.
(قال الشافعي): وكذلك لا يقاد من كسر أصبع ولا يد ولا رجل لما دونه من جلد ولحم وأنه لا يقدر على أن يؤتى بالكسر كالكسر بحال وأن المستقاد منه ينال من لحمه وجلده خلاف ما ينال من لحم المجني عليه وجلده، وكذلك لا قصاص ممن نتف شعرا من لحية ولا رأس ولا حاجب وإن لم ينبت وإن قطع من هذا شيئا بجلده قيل لأهل العلم بالقصاص: إن كنتم تقدرون على أن تقطعوا له مثله بجلدته فاقطعوه وإلا فلا قصاص فيه وفيه الأرش.
(قال الشافعي): وإذا شج رجل رجلا موضحة وهاشمة أو مأمومة فسأل المشجوج القصاص من الموضحة وأرش ما بين الموضحة والهاشمة إن كان شجها أو المنقلة أو المأمومة إن كان شجها فذلك له؛ لأنه شجه موضحة أو أكثر.
(قال الشافعي): وإذا شج رجل رجلا ما دون موضحة فلا قصاص فيه من قبل أنها ليست بمحدودة لو أخذ بها بعمق شجة
المشجوج وكانت توضح من الشاج لاختلاف غلظ اللحم والجلد أو رقتهما من الشاج والمشجوج مرة مثل نصف عمق الرأس من الشاج أقل أو أكثر وقد أخذت من الآخر قريبا من موضحة وعليه في ذلك الأرش وإذا أصاب الرجل الرجل بجرح دون النفس فيه قود أو قطع له طرفا فسواء بأي شيء أصابه من حديدة أو حجر وقطع بيده وغيره ولو لوى أذنه حتى يقطعها أو جبذها بيده حتى يقطعها أو لطم عينه ففقأها أو وخزه فيها بعود ففقأها أو ضربه بحجر خفيف أو عصا خفيفة فأوضحه فعليه في هذا كله القصاص ولا يشبه هذا النفس.
(قال الشافعي): ولو أن رجلا لطم عين رجل فذهب بصرها لطمت عين الجاني فإن ذهب بصرها وإلا دعي له أهل العلم بما يذهب البصر فعالجوه بأخف ما عليه في ذهاب البصر حتى يذهب بصره.
(قال): ولو لطم رجل عين رجل فأذهب بصرها أو ابيضت أو ذهب بصرها وندرت حتى كانت أخرج من عينه قيل لأهل العلم: إن استطعتم أن تذهبوا بصر عين الجاني وتبيض أو تذهبوا بصرها وتصير خارجة كعين هذا فافعلوا وإلا فابلغوا ذهاب البصر وما استطعتم من هذا ولا يجعل عليه للشين شيء؛ لأنه قد استوفى بذهاب البصر كل ما في العين مما يستطاع.
(قال الشافعي): وهكذا لو قطع يده أو أصبعا فشان موضع القطع أو قبح بعد البرء أقيد منه ولم يكن له فيما قبح شيء وهكذا لو كان هذا في أذن أو غيرها.
(قال الشافعي): ولو ضرب رجل رجلا ضربة واحدة فأخذت فترا من رأسه فأوضح طرفاها ولم يوضح ما بينهما ولكنه شق اللحم أو الجلد أو أوضح وسطها ولم يوضح طرفها أقيد مما أوضح بقدره وجعلت له الحكومة فيما لم يوضح والله أعلم.
تفريع القصاص فيما دون النفس من الأطراف
(قال الشافعي): - رحمه الله - القصاص وجهان: طرف يقطع وجرح يبط ولا قصاص في طرف من الأطراف يقطع من مفصل؛ لأنه لا يقدر على القطع من غير المفاصل حتى يكون قطع كقطع بلا تلف يفضي به القاطع إلى غير موضعه.
(قال الشافعي): وكل نفس قتلتها بنفس، لو كانت قاتلتها أقصصت بينهما ما دون النفس.
(قال الشافعي): وأقص للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل بلا فضل مال بينهما، والعبيد بعضهم من بعض وإن تفاوتت أثمانهم، ولو أن عبدا أو حرا أو كافرا جرح مسلما أقصصت المجروح منه إن شاء؛ لأني أقتله لو قتله، ولو كان الحر المسلم قتل كافرا أو جرحه أو عبدا أو جرحه لم أقصه منه.
(قال الشافعي): والقصاص من الأطراف باسم لا بقياس من الأطراف فتقطع اليد باليد والرجل بالرجل والأذن بالأذن والأنف بالأنف وتفقأ العين بالعين وتقلع السن بالسن؛ لأنها أطراف، وسواء في ذلك كله كان القاطع أفضل طرفا من المقطوع أو المقطوع أفضل طرفا من القاطع؛ لأنها إفاتة شيء كإفاتة النفس التي تساوي النفس بالحياة والاسم وهذه تستوي بالأسماء والعدد لا بقياس بينهما ولا بفضل لبعضها على بعض.
وإذا قطع الرجل أنف رجل أو أذنه أو قلع سنه فأبانه، ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه أو خاط الأنف أو الأذن أو ربط السن بذهب أو غيره فثبت وسأل القود فله ذلك؛ لأنه وجب له القصاص بإبانته.
(قال الشافعي): وإن لم يثبته المجني عليه، أو أراد إثباته
فلم يثبت وأقص من الجاني عليه فأثبته فثبت لم يكن على الجاني أكثر من أن يبان منه مرة، وإن سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه من الجاني ثانية لم يقطعه الوالي للقود؛ لأنه قد أتى بالقود مرة إلا أن يقطعه؛ لأنه ألصق به ميتة (قال الشافعي): وإن شق شيئا من هذا فألصقه بدمه لم أكره ذلك له ويشق من الشاق وإن قدر على أن يأتي بمثله ويقول: يلصقه فإن لصق من الشاج ولم يلصق من المشجوج أو من المشجوج، ولم يلصق من الشاج، فلا تباعة لواحد منهما على صاحبه.
(قال الشافعي): والوجه الثاني من القصاص الجراح بالشق فإذا كان الشق فهو كالجراح يؤخذ بالطول لا باستيظاف طرف.
فإن قطع رجل من رجل طرفا فيه شيء ميت بشلل أو غيره أو شيء مقطوع كأن قطع يده وفيها أصبعان شلا وإن لم تقطع يد الجاني بها وفيها أصبعان شلاوان ولو رضي ذلك القاطع وإن سأل المقتص له أن يقطع له أصابع القاطع الثلاث ويؤخذ له حكومة الكف والأصبعين الباقيتين كان ذلك له.
(قال الشافعي): ولو كان القاطع هو أشل الأصبعين والمقطوع تام اليد خير المقتص له بين أن يقطع يده بيده ولا شيء له غير ذلك أو تقطع له أصابعه الثلاث ويأخذ أرش أصبعين وإنما لم أجعل له إذا قطع كفه غير ذلك؛ لأنه قد كان بقي جمال الأصبعين الشلاوين وسدهما موضعهما.
(قال الشافعي): ولو كان القاطع مقطوع الأصبعين قطعت كفه وأخذت للمقطوعة يده أرش أصبعين تامين.
(قال الشافعي): ولو أن رجلا أقطع أصابع اليد إلا إصبعا واحدة قطع إصبع رجل أقيد منه، ولو قطع كف رجل كان له القود في الكف وأرش أربعة أصابع.
ولو كان المجني عليه أقطع أصابع الكف إلا أصبعا فقطع يده رجل صحيح اليد فسأل القود أقص منه من الأصبع وأعطي حكومة في الكف، ولو كان أقطع أصبع واحدة فقطعت كفه أقص من أربع أصابع وأخذت له حكومة في كفه (قال الشافعي): ولا أبلغ بحكومة كفه دية أصبع؛ لأنها تبع في الأصابع كلها وكلها مستوية فلا يكون أرشها كأرش واحدة منها.
(قال الشافعي): وإذا كانت لرجل خمس أصابع في يده فقطع تلك اليد رجل له ست أصابع فسأل المقطوعة يده القود، لم يكن ذلك له لزيادة أصبع القاطع على أصبع المقطوع.
(قال الشافعي): ولو كان الذي له ستة أصابع هو المقطوع، والذي له الخمس هو القاطع أقتص له منه وأخذت له في الأصبع الزائدة حكومة لا أبلغ بها دية أصبع؛ لأنها زيادة في الخلق.
(قال الشافعي): ولو أن رجلا له خمس أصابع أربعة منها إبهام ومسبحة ووسطى والتي تليها وكانت خنصره عدما وكانت له أصبع زائدة في غير موضع الخنصر فقطع رجل تام اليد يده فسأل القود لم يقد منه؛ لأن عدد أصابعهما وإن كان واحدا فإن للمقطوعة يده أصبعا زائدة وهو عدم أصبعا من نفس كمال الخلق هو القاطع وسأل المقطوعة يده القود كان له القود؛ لأن الذي يؤخذ له أقل من الذي أخذ منه وإن سأل الأرش مع القود لم يكن له؛ لأنه قد أخذ له عدد وإن كان فيه أقل مما أخذ منه
ولو أن رجلا مقطوع أنملة أصبع وأنامل أصابع قطع يد رجل تام الأصابع فسأل المقطوعة يده القود مع الأرش أو الأرش كان ذلك له ونقص الأنملة والأنامل كنقص الأصبع والأصابع وإن كان المقطوع الأنملة والأنامل هو المقطوعة يده وسأل القود لم يكن ذلك له لنقص أصابعه عن أصابع القاطع ولو لم يكن واحد منهما مقطوع أنملة ولا الأنامل ولكن كان أسود أظفار الأصابع ومستحشفها أو كان بيده قرح جذام أو قرح أكلة أو غيره إلا أنه لم يذهب من الأطراف شيء ولم يشلل كان بينهما
القصاص في كل شيء ما لم يكن الطرف مقطوعا أو أشل ميتا فأما العيب سواه إذا كانت الأطراف حية غير مقطوعة فلا يمنع القصاص ولا ينقص العقل.
(قال الشافعي): - رحمه الله - وهكذا الفتح في الأصابع وضعف خلقتها أو أصولها وتكرشها وقصرها وطولها واضطرابها وكل عيب منها مما ليس بموت بها ولا قطع فلا فضل في بعضها على بعض في الدية والقود إذا كانت نسبتها كنسبة أيدي الناس.
فإذا ضرب الحر المسلم يد الحر المسلم فقطعها من الكوع فطلب المضروبة يده القصاص أحببت أن لا أقص منه حتى تبرأ جراحة؛ لأنها لعلها أن تكون نفسا. فإن سأل ذلك قبل البرء أعطيته ذلك ولم أقص منه بضربة ودعوت له من يحذق القطع فأمرته أن يقطعها له بأيسر ما يكون به القطع ثم تحسم يد المقطوع إن شاء وهكذا إن قطعها من المرفق أو المنكب لا يختلف، وهكذا إن قطع له أصبعا أو أنملة أصبع لا يختلف ذلك.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (243)
صــــــــــ 57 الى صـــــــــــ 62
(قال الشافعي): ولا أقيد يمنى من يسرى ولا خنصرا من غير خنصر يدها أو رجلها، وهكذا في هذا أن يقطع رجله من مفصل الكعب أو مفصل الركبة. فإن قطعها من مفصل الورك سألت أهل العلم بالقطع هل يقدرون على أن يأتوا بقطعها من مفصل الورك بلا أن يكون جائفة؟ فإن قالوا نعم أقصصت منه وهكذا إن نزع يده بكتفه أقدته منه إن قدروا على نزع الكتف بلا أن يحيفه، فإن قطع يده من فوق المفصل أو رجله أو أصبعا من أصابعه فسأل المقطوعة يده القود قيل له إن سألت من الموضع الذي قطعك منه فلا قود؛ لأنه ليس من مفصل، وذلك أن ذلك لا يقطع إلا بضربة جامعة يرفع بها الضارب يده. وإذا فعل ذلك لم يكن على إحاطة من أن يقع موقع ضربته لك ولو قلت ينخفض حتى يرجع إلي في أقل من حقي قيل قد لا تقطع الضربة في مرة ولا مرار؛ لأن العظم ينكسر فيصير إلى أكثر مما نالك به أو يحز والحز إنما يكون في جلد ولحم. ولو حز في العظم كان عذابا غير مقارب لما أصابك به وزيادة انكسار العظم كما وصفت، ويقال له إن سألت أن تقطع يده لك من المفصل أو رجله وتعطى حكومة بقدر ما زاد على اليد والرجل فعلنا.
فإن قيل: فأنت تضع له السكين في غير موضعه الذي وضعها به قلت نعم هي أيسر على المقتص منه من الموضع الذي وضعها به من المقتص له وفي غير موضع تلف ولم أتلف بها إلا ما أتلف الجاني عليه بمثله وأكثر منه. وهكذا في الرجل والأصبع إذا قطعها من فوق الأنملة فإن قطع أصبعا من دون الأنملة فلا قود بحال وفيها حساب ما ذهب من الأنملة، وإن قطع يدا من نصف الكف أو رجلا، كذلك فقطع معها الأصابع فإن سأل القصاص من الأصابع أقصصت به، وإن سألها من العظم الذي أصاب فوق الأصابع لم أعطه كما وصفت قبل هذا.
(قال الشافعي): وإن شق الكف حتى ينتهي إلى المفصل فسأل القصاص سألنا أهل العلم فإن قالوا نقدر على شقها، كذلك أقصصناه وجعلنا ذلك كشق في رأسه وغيره، وكذلك إن شقها حتى المفصل، ثم قطعها من المفصل فبقي بعضها وقطع بعضها شق قودا إن قدر وقطع من حيث قطع.
وإن قطع له أصبعا فائتكلت الكف حتى سقطت كلها فسأل القصاص قيل إن القصاص أن يقطع من حيث قطع أو أقل منه فأما أكثر فلا - فإن شئت أقدناك من الأصبع وأعطيناك أرش الكف يرفع منها عشر من الإبل وهي حصة الأصبع وإلا فلك دية الكف.
(قال الشافعي): ولو قطع له أصبعا كما وصفت فسأل القود منها وقد ذهبت كفه أو لم تذهب وسأل القود من ساعته أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أربعة أخماس ديتها؛ لأني رفعت الخمس للأصبع التي أقصصتها بها، فإن ذهبت كف المستقاد منه ونفسه لم أرفع عنه من أرش المجني عليه شيئا؛ لأن الجاني ضامن ما جنى وحدث منه والمستقاد منه غير مضمون له ما حدث من القود؛ لأنه تلف بسبب الحق في القصاص.
(قال الشافعي): وإن قطع رجل نصف كف رجل من المفصل
فائتكلت حتى سقطت الكف كلها فسأل القود قيل لأهل العلم بالقود هل تقدرون على قطع نصف كف من مفصل كفه لا تزيدون عليه؟ فإن قالوا نعم قلنا: اقطعوها من الشق الذي قطعها منه، ثم دعوها وأخذنا للمجني عليه خمسة وعشرين بعيرا نصف أرش الكف مع قطع نصفها، وهكذا إن قطعها حتى تبقى معلقة بجلدة أقيد منه وتركت له معلقة بجلدة فإن قال المستقاد منه اقطعوها لم يمنع المتطبب قطعها على النظر له.
وإذا قطع رجل يد رجل فأقدناه منه، ثم مات المستقيد منه قبل أن يبرأ من ذلك الجرح وشهد أنه مات من تلك الجراح وسأل ورثته القود أقدناه بالنفس؛ لأنه قاتل قاطع، ألا ترى أنه لو قطع يديه ورجليه فمات مكانه أو ذبحه خلينا بين الورثة وبين أن يأتوا بمن يقطع يديه ورجليه وخليناهم وذبحه؛ لأن الذبح إتلاف حي.
(قال): وإن قطع رجل ذكر رجل من أصله فسأل القود قطع له ذكره من أصله.
(قال الشافعي): ويقاد من ذكر الرجل إذا قطع ذكر الصبي أو الشيخ الكبير الذي لا يأتي النساء أو ذكر الخصي ويقطع أنثى الفحل إذا قطع أنثى الخصي الذي لا عسيب له؛ لأن كل ذلك طرف لصاحبه كامل ويقطع ذكر الأغلف بذكر المختتن وذكر المختتن بذكر الأغلف.
فإن قطع رجل إحدى أنثييه وبقيت الأخرى وسأل القود سألنا أهل العلم فإن قدروا على قطعها بلا ذهاب الأخرى أقيد منه فإن قطعها بجلدها قطعت بجلدها وإن سلها سلت منه.
وإن قطع رجل نصف ذكر رجل ولذلك فشبر ذكر القاطع فوجد أقل شبرا من نصف ذكر المقطوع أو ضعف ذكر المقطوع فسواء وأقطع له نصف ذكره كان أقل شبرا من نصف ذكره أو أكثر إن كان يستطاع قطعه بلا تلف ولا شيء له غير ذلك وهذا طرف ليس هذا كشق الجراح التي تؤخذ بشبر واحد؛ لأنها لا تقطع طرفا وإن قطع رجل أحد شقي ذكر رجل قطع منه مثل ذلك إن قدر عليه.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وأقيد من ذكر الذي ينتشر بذكر الذي لا ينتشر ما لم يكن بذكر المقطوع ذكره نقص من شلل يوبسه ولا يكون ينقبض ولا ينبسط أو يكون الذكر مكسورا إن كان كسر الذكر يمنعه من الانتشار فإذا كان ذلك لم يقد به ذكر صحيح.
وإذا قطع الرجل أنف الرجل من المارن قطع أنفه من المارن وسواء كان أنف القاطع أكبر أو أصغر من أنف المقطوع؛ لأنه طرف، وإن قطعه من دون المارن قدر ما ذهب من أنف المقطوع ثم أخذ له من أنف القاطع بقدره من الكل إن كان قدر مارن المقطوع قطع قدر نصف مارنه ولا يقدر بالشبر كما وصفت في الأطراف الذكر وغيره، وإن قطع من أحد شقي الأنف قطع من إحدى شقيه كما وصفت، وإن قطع رجل أنف رجل من العظم فلا قود في العظم وإن أراد قطعنا له المارن وأعطيناه زيادة حكومة فيما قطع من العظم.
(قال الشافعي): ويقطع أنف الصحيح بأنف الأجذم وإن ظهر بأنفه قرح الجذام ما لم يسقط أنفه أو شيء منه، وكذلك يده بيده وإن ظهر فيها قرح الجذام ما لم تسقط أصابعها أو بعضها.
وتقطع الأذن بالأذن وأذن الصحيح بأذن الأصم لا فضل بينهما على الآخر؛ لأنهما طرفان ليس فيهما سمع وإن قطع بعض الأذن قطعت منه بعض أذنه كما وصفت إن قطع نصفا أو ثلثا قطع منه نصفا أو ثلثا وسواء كانت أذنه أكبر أو أصغر من أذن المقطوعة أذنه؛ لأنها طرف وتقطع الأذن الصحيحة التي لا ثقب فيها بالأذن المثقوبة ثقبا لقرط وشنف وخربة ما لم تكن الخربة قد خرمتها فإن كانت الخربة قد خرمتها لم تقطع بها الأذن. وقيل للأخرم إن شئت قطعنا لك أذنه إلى موضع خربتك من قدر أذنه
وأعطيناك فيما بقي العقل وإن شئت فلك العقل وإن كان إنما قطعها وهي مخرمة؛ لأن ذلك زين عندهم كالثقب لا عيب فيه ولا جناية.
وإذا قلع رجل سن رجل قد ثغر قلعت سنه فإن كان المقلوعة سنه لم يثغر فلا قود حتى يثغر فيتتام طرح أسنانه ونباتها فإذا تتام ولم تنبت سنه سئل أهل العلم عن الأجل الذي إذا بلغه ولم تنبت سنه لم تنبت فبلغه فإذا بلغناه ولم تنبت أقدناه منه فإذا بلغناه وقد نبت بعضها أو لم ينبت فلا قود، وله من العقل بقدر ما قصر نباتها يقدر إن كانت ثنية بالثنية التي تليها، فإن كانت بلغت نصفها أخذ له بعيران ونصف وإن بلغت ثلثها أخذ له ثلث عقل سن وإن قلع رجل لرجل سنا زائدة أو قطع له أصبعا زائدة أو كانت له زنمة تحت أذنه زائدة فقطعها رجل فسأل القود فلا قود وفيها حكومة وإن كان للقاطع في موضع من هذا مثله ففيه القود سنا كان أو غير سن أو أصبع أو زنمة وهكذا لو خلقت له أصبع لها طرفان فقطع أحد الطرفين فلا قود وفيها حكومة إلا أن يكون له أصبع مثلها فيقاد منه: وإن قطع رجل أصبع رجل ولها طرفان أو أنملة ولها طرفان ولم يخلق للقاطع تلك الخلقة فسأل المقطوع القود فهو له وزيادة حكومة إلا أن يكون طرفاها أشلاها فأذهبا منفعتها فلا قود.
وإن كان للقاطع مثلها وليست شلاء أقيد ولا حكومة، ولو كانت لأصبع القاطع طرفان وليس ذلك لأصبع المقطوع فلا قود؛ لأن أصبع القاطع كانت أكبر من أصبع المقطوع ا. هـ
أمر الحاكم بالقود
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وينبغي للحاكم أن يعرف موضع رجل مأمون على القود وإذا أمره به أحضر عدلين عاقلين فأمرهما أن يتعاهدا حديده ولا يستقيد إلا وحديده حديد مسقى لئلا يعذب المستقاد منه وينبغي للحاكم أن يأمر المستقيد أن يختم على حديده لئلا يحتال فيسم فيقتل المستقاد منه أو يزمنه، وكذلك لا ينبغي أن يكون بحديده علة من ثلم ولا وهن فيبطئ في رأس ولا وجه حتى يكون عليه عذابا، وينبغي له أن يأمر العدلين إذا أقاد تحت شعر في وجه أو رأس أن يأمر بحلاق الرأس أو موضع القود منه ثم يأخذ قياس شجة المستقاد له ويقدر رأسه ثم يضع مقياسها في موضعه من رأس الشاج ثم يعلمه بسواد أو غيره ثم يأخذ المستقيد بشق ما شرط في العلامتين حتى يستوظف الشجة ويأخذانه بذلك في عرضها وعمقها وينظر فإن كان شقا واحدا أيسر عليه فعل وإن كان شقه شيئا بعد شيء أيسر عليه فعل، وإن قيل شقه واحدة أيسر عليه أجرى يده مرة واحدة فإذا خيفت زيادته أمر أن يحرفها من الطرف الذي يأخذ منه إلى موضع لا يخاف فعله فإذا قارب منتهاها أبطأ بيده لئلا يزيد شيئا. فإن أقاد وعلى المستقاد منه شعر فقد أساء ولا شيء عليه، وإنما أعني بذلك شعر الرأس واللحية فأما إن كان القود في جسد وكان شعر الجسد خفيفا لا يحول دون النظر فأحب إلي أن يحلقه وإن لم يفعل فلا بأس إن شاء الله تعالى وإن كان كثيرا حلقه (قال الشافعي): ويؤمر بالمقتص منه فيضبط لئلا يضطرب فتذهب الحديدة حيث لا يريد المقتص فإن أغفل ضبطه أو ضبطه من لا يقوى منه على الاضطراب في يديه فاضطرب والحديدة موضوعة في رأسه في موضع القود فذهبت الحديدة موضعا آخر فهو هدر؛ لأن المقتص له لم يتعد موضع القصاص، وإن ذهابها في غير موضعه بفعل المقتص منه
بنفسه (قال الشافعي): ويعاد للمقتص فيشق في موضع القود أو يقطع في موضعه إن كان القود قطعا حتى يأتي على موضع القصاص فإذا كان القصاص جراحا أقص منه في مجلس واحد جرح بعد جرح (قال الشافعي): ولو كان جرحها هو متفرقة أو جرحها من نفر بأعيانهم، وكذلك لو كان القصاص قطعا أو جراحا وقطعا ليس فيه نفس إلا أن يكون في القصاص منه شيء إذا نيل منه كثير خيف عليه التلف فيؤخذ منه ما لا يخاف عليه ويحبس حتى يبرأ ثم يؤخذ منه الباقي فإن مات قبل أن يؤخذ فعقل الباقي في ماله.
(قال الشافعي): وإن أصاب جراحا ونفسا من رجل أقيد منه في الجراح، الأول فالأول في مقام ما كانت وإن كانت مما يتخوف به التلف أخذت ثم أقيد فإن مات قبل القود فقد أتى على نفسه ولا حق لورثة المستقاد له في ماله؛ لأنه أتى على نفسه ولو كانت الجراح لرجل والنفس لآخر بدئ بالجراح فأقص منها كما وصفت من الجراح إذا كانت لا نفس معها يؤخذ في مقام واحد ما ليس فيه تلف حاضر ويحبس حتى يبرأ ثم يؤخذ الباقي إذا كان الباقي ليس فيه تلف فإن مات فقد قيل يضمن أرش ما بقي من الجراح والنفس (قال الشافعي): وإن لم يكن في الجراح تلف أخذت كلها ثم دفع إلى أولياء المقتول فقتلوه إن شاءوا
(قال): ولو دفع إلى أولياء المقتول فقتلوه ضمن الجراح في ماله ولا يبطل عنه القتل جراح من يقتل له (قال الشافعي): ولو كان جراحا لا نفس فيها لرجل فاقتص من جرح منها فمات ضمن الجارح الميت ما بقي من أرش الجراح التي لم يقتص منه فيها وإن اجتمعت على رجل حدود: حد بكر في الزنا وحد في القذف وحد في سرقة يقطع فيها، وقطع طريق يقطع فيه أو يقتل وقتل رجل: بدئ بحق الآدميين فيما ليس فيه قتل ثم حق الله تبارك وتعالى فيما لا نفس فيه ثم كان القتل من ورائها يحد أولا في القذف ثم حبس فإذا برئ حد في الزنا ثم حبس حتى يبرأ، ثم قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف وكانت يده اليمنى للسرقة وقطع الطريق معا، ورجله لقطع الطريق مع يده ثم قتل قودا أو بردة فإن مات في الحد الأول أو الذي بعده أو قتل بحد سقطت عنه الحدود التي لله عز وجل كلها.
وإن كان قاتلا لرجل فمات قبل يقتل قودا كان عليه دية النفس، وكذلك إن كان جرحا لم يسقط أرش الجرح؛ لأنه يملك بالجرح والنفس مال ولا يملك بحد القذف ولا حد السرقة مال بحال (قال الشافعي): وإن قتله الإمام لولي الدم أو ردة فقد أساء وتبطل عنه الحدود التي لله عز وجل؛ لأنه ميت ولا مال فيها (قال الشافعي): وإنما حددته بالحدود كلها؛ لأنه ليس منها واحد إلا واجب عليه مأمور بأخذه فلا يجوز - والله أعلم - أن أعطل مأمورا به لمأمور به أعظم ولا أصغر منه وأنا أجد السبيل إلى أخذه كما تكون عليه الحقوق للآدميين فلا يجوز إلا أن تؤخذ منه كلها إذا قدر على أخذها. وإذا كان المستقاد منه مريضا ولا نفس عليه لم يقتص منه فيما دون النفس حتى يبرأ فإذا برئ اقتص منه.
، وكذلك كل حد وجب عليه لله عز وجل أو أوجبه الله للآدميين فإن كانت على المريض نفس قتل مريضا أو صحيحا. وإن كان جرح فمات المجروح من الجرح أقيد منه من الجرح والنفس معا في مقام واحد؛ لأني إنما أؤخره فيما دون النفس لئلا يتلف بالقود مع المرض وإذا كنت أقيد بالقتل لم أؤخره بالمرض وهكذا إذا كان القود في بلاد باردة وساعة باردة أو بلاد حارة وساعة حارة فإذا كان ما دون النفس أخر حتى يذهب حد البرد وحد الحر ويقتص منه في الحال التي ليست بحال تلف ولا شديدة المباينة لما سواها من الأحوال وكان حكم الحر والبرد حكم مرضه يقتص منه في النفس ولا يقتص منه فيما دونها. والمرأة والرجل في هذا سواء إلا أن تكون المرأة حاملا فلا يقتص منها ولا تحد حتى تضع حملها (قال الشافعي): وإن كان القصاص في رجل في جميع أصابع كفه أو بعضها فقال اقطعوا يدي
بنفسه (قال الشافعي): ويعاد للمقتص فيشق في موضع القود أو يقطع في موضعه إن كان القود قطعا حتى يأتي على موضع القصاص فإذا كان القصاص جراحا أقص منه في مجلس واحد جرح بعد جرح (قال الشافعي): ولو كان جرحها هو متفرقة أو جرحها من نفر بأعيانهم، وكذلك لو كان القصاص قطعا أو جراحا وقطعا ليس فيه نفس إلا أن يكون في القصاص منه شيء إذا نيل منه كثير خيف عليه التلف فيؤخذ منه ما لا يخاف عليه ويحبس حتى يبرأ ثم يؤخذ منه الباقي فإن مات قبل أن يؤخذ فعقل الباقي في ماله.
(قال الشافعي): وإن أصاب جراحا ونفسا من رجل أقيد منه في الجراح، الأول فالأول في مقام ما كانت وإن كانت مما يتخوف به التلف أخذت ثم أقيد فإن مات قبل القود فقد أتى على نفسه ولا حق لورثة المستقاد له في ماله؛ لأنه أتى على نفسه ولو كانت الجراح لرجل والنفس لآخر بدئ بالجراح فأقص منها كما وصفت من الجراح إذا كانت لا نفس معها يؤخذ في مقام واحد ما ليس فيه تلف حاضر ويحبس حتى يبرأ ثم يؤخذ الباقي إذا كان الباقي ليس فيه تلف فإن مات فقد قيل يضمن أرش ما بقي من الجراح والنفس (قال الشافعي): وإن لم يكن في الجراح تلف أخذت كلها ثم دفع إلى أولياء المقتول فقتلوه إن شاءوا
(قال): ولو دفع إلى أولياء المقتول فقتلوه ضمن الجراح في ماله ولا يبطل عنه القتل جراح من يقتل له (قال الشافعي): ولو كان جراحا لا نفس فيها لرجل فاقتص من جرح منها فمات ضمن الجارح الميت ما بقي من أرش الجراح التي لم يقتص منه فيها وإن اجتمعت على رجل حدود: حد بكر في الزنا وحد في القذف وحد في سرقة يقطع فيها، وقطع طريق يقطع فيه أو يقتل وقتل رجل: بدئ بحق الآدميين فيما ليس فيه قتل ثم حق الله تبارك وتعالى فيما لا نفس فيه ثم كان القتل من ورائها يحد أولا في القذف ثم حبس فإذا برئ حد في الزنا ثم حبس حتى يبرأ، ثم قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف وكانت يده اليمنى للسرقة وقطع الطريق معا، ورجله لقطع الطريق مع يده ثم قتل قودا أو بردة فإن مات في الحد الأول أو الذي بعده أو قتل بحد سقطت عنه الحدود التي لله عز وجل كلها.
وإن كان قاتلا لرجل فمات قبل يقتل قودا كان عليه دية النفس، وكذلك إن كان جرحا لم يسقط أرش الجرح؛ لأنه يملك بالجرح والنفس مال ولا يملك بحد القذف ولا حد السرقة مال بحال (قال الشافعي): وإن قتله الإمام لولي الدم أو ردة فقد أساء وتبطل عنه الحدود التي لله عز وجل؛ لأنه ميت ولا مال فيها (قال الشافعي): وإنما حددته بالحدود كلها؛ لأنه ليس منها واحد إلا واجب عليه مأمور بأخذه فلا يجوز - والله أعلم - أن أعطل مأمورا به لمأمور به أعظم ولا أصغر منه وأنا أجد السبيل إلى أخذه كما تكون عليه الحقوق للآدميين فلا يجوز إلا أن تؤخذ منه كلها إذا قدر على أخذها. وإذا كان المستقاد منه مريضا ولا نفس عليه لم يقتص منه فيما دون النفس حتى يبرأ فإذا برئ اقتص منه.
، وكذلك كل حد وجب عليه لله عز وجل أو أوجبه الله للآدميين فإن كانت على المريض نفس قتل مريضا أو صحيحا. وإن كان جرح فمات المجروح من الجرح أقيد منه من الجرح والنفس معا في مقام واحد؛ لأني إنما أؤخره فيما دون النفس لئلا يتلف بالقود مع المرض وإذا كنت أقيد بالقتل لم أؤخره بالمرض وهكذا إذا كان القود في بلاد باردة وساعة باردة أو بلاد حارة وساعة حارة فإذا كان ما دون النفس أخر حتى يذهب حد البرد وحد الحر ويقتص منه في الحال التي ليست بحال تلف ولا شديدة المباينة لما سواها من الأحوال وكان حكم الحر والبرد حكم مرضه يقتص منه في النفس ولا يقتص منه فيما دونها. والمرأة والرجل في هذا سواء إلا أن تكون المرأة حاملا فلا يقتص منها ولا تحد حتى تضع حملها (قال الشافعي): وإن كان القصاص في رجل في جميع أصابع كفه أو بعضها فقال اقطعوا يدي
من جنايته ما لم تبرأ الجناية. ولو أن البينة قالت برأت الجراحة وأجلبت، ثم انتقضت فذهبت الكف أو زادت الشجة فقال الجاني: انتقضت أن المجني عليه نكأها أو أن غيره أحدث عليها جناية كان القول قول الجاني في أن تسقط الزيادة إلا أن تثبت البينة أنها انتقضت من غير أن ينكأها المجني عليه أو يحدث عليها غيره جناية من قبل أن البينة شهدت أن الجناية قد ذهبت، وإن قالوا انتقضت وقد يكون منها ومن غيرها يحدث عليها (قال الربيع) قلت أنا وأبو يعقوب وإذا قطعت البينة أنها انتقضت من جنايته الأولى كان على الجاني تأكلها حتى يأتي بالبينة أن ذلك الانتقاض من غير جنايته. .
دواء الجرح
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جرح الرجل الرجل بشق لا يقطع طرفا انبغى للوالي أن يقيس الجرح نفسه وللمجروح أن يداويه بما يرى أنه ينفعه بإذن الله تعالى فإذا داواه بما يزعم أهل العلم بالدواء الذي يداوى به أنه لا يأكل اللحم الحي فتأكل الجرح فالجارح ضامن لأرش تأكله؛ لأنه بسبب جنايته ولو قال الجارح: داواه بما يأكل اللحم الحي وأنكر المجروح ذلك كان القول قول المجروح وعلى الجارح البينة بما ادعاه ولو داواه بما يأكل اللحم لم يضمن الجاني إلا أرش الجرح الذي أصابه منه وجعلت الزيادة مما داواه. .
جناية المجروح على نفسه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قطع من لحمه شيئا فإن كان قطع لحما ميتا فذلك دواء والجارح ضامن بعد لما زادت الجراح، وإن كان قطع ميتا وحيا لم يضمن الجارح إلا الجرح نفسه وإذا قلت: الجارح ضامن للزيادة في الجراح فإن مات منها المجروح فعلى الجارح القود عمدا إلا أن تشاء ورثته الدية فتكون في ماله، وعلى عاقلته الدية إن كانت خطأ، وإذا قلت ليس الجارح بضامن للزيادة فمات المجروح جعلت على الجارح نصف ديته ولم أجعل له في النفس قودا، وإن كانت عمدا وجعلته شيئا من جناية الجاني وجناية المجني على نفسه أبطلت جنايته على نفسه وضمنت الجاني جنايته عليه، وهكذا لو كان في طرف فإن كان الكف فتآكلت فسقطت أصابعها أو الكف كلها فالجاني ضامن لزيادتها في ماله إن كانت عمدا وإن قطع المجني عليه الكف أو الأصابع لم يضمن الجاني مما قطع المجني عليه شيئا إلا أن تقوم البينة بأن المقطوع كان ميتا فيضمن أرشها فإن لم تثبت البينة أنه كان ميتا أو قالت كان حيا وكان خيرا له أن يقطع فقطعه لم يضمنه الجاني.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (244)
صــــــــــ 62 الى صـــــــــــ 68
وكذلك لو أصاب المجني عليه منه أكلة وكان خيرا له أن يقطع الكف لئلا تمشي الأكلة في جسده فقطعها، والأطراف حية لم يضمن الجاني شيئا من قطع المجني عليه فإن مات جعلت على الجاني نصف ديته؛ لأن ظاهره أنه مات من جناية الجاني وجناية المجني عليه على نفسه وإذا داوى المجني عليه جراحه بسم فمات فعلى الجاني نصف
أرش المجني عليه؛ لأنه مات من السم والجناية فإن كان السم يوحي مكانه كما يوح الذبح فالسم قاتل وعلى الجاني أرش الجرح فقط، وإن كان السم مما يقتل ولا يقتل فالجناية من السم والجراح وعليه نصف الدية، وإن كان داوى جرحه بشيء لا يعرف فالقول قول المجني عليه أنه شيء لا يضر مع يمينه وقول ورثته بعده والجاني ضامن لما حدث في الجناية.
ولو أن رجلا جرح رجلا جرحا فخاط المجروح عليه الجرح ليلتئم فإن كانت الخياطة في جلد حي فالجارح ضامن للجرح وإن مات المجروح بعد الخياطة فعلى الجارح نصف الدية وأجعل الجناية من جرح الجاني وخياطة المجروح؛ لأن الخياطة ثقب في جلد حي وإن كانت الخياطة في جلد ميت فالدية كلها على الجارح ولا يعلم موت الجلد ولا اللحم إلا بإقرار الجاني أو بينة تقوم للمجني عليه من أهل العلم؛ لأن الظاهر أن ذلك حي حتى يعلم موته ولو لم يزد المجروح على أن ربط الجرح رباطا بلا خياطة ولاحم بينه بدمه أو بدواء لا يأكل اللحم الحي وليس بسم فمات المجني عليه كان الجاني ضامنا لجميع النفس؛ لأن المجني عليه لم يحدث فيها جناية إنما أحدث فيها منفعة وغير ضرر.
(قال الشافعي): ولو أن المجني عليه كوى الجرح كان كيه إياه تكميدا بصوف أو ما أشبهه مما يقول أهل العلم: إن هذا ينفع ولا يضر من بلغ هذا أو أكثر منه ضمن الجارح الجناية وما زاد فيها وإن كان بلغ كيها أن أحرق معها صحيحا أو قيل: قد كواها كيا ينفع مرة ويضر أخرى أو يدخل بداخله حال فهو جان على نفسه كما وصفت في الباب قبله يسقط نصف النفس بجنايته على نفسه ويلزم الجاني نصفها إن صارت الجناية نفسا. .
من يلي القصاص
(قال الشافعي): وإذا قطع الرجل أو جرح فسأل أن يخلى بينه وبين أن يقتص لنفسه لم يخل وذلك، وكذلك لا يخلى وذلك ولي له ولا عدو للمقتص منه ولا يقتص إلا عالم بالقصاص عدل فيه ويكفي فيه الواحد؛ لأنه لا يقتص الاثنان ويأمر الواحد من يعينه ولا يستعين بظنين على المقتص منه بحال. وعلى السلطان أن يرزق من يأخذ القصاص ويقيم الحدود في السرقة وغيرها من سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخمس كما يرزق الحكام ولا يكلف ذلك الناس فإن لم يفعل الحاكم فأجر المقتص على المقتص منه؛ لأن عليه أن يعطي كل حق وجب عليه ولا يكمل إعطاؤه إياه إلا بأن يسقط المؤنة عن أخذه كما يكون عليه أن يعطي أجر الكيال للحنطة والوزان للدنانير وهكذا كل قصاص دون النفس يليه غير المقتص له ووليه. وإذا قتل رجل رجلا فسأل أولياؤه أن يمكن من القاتل يضرب عنقه أمكن منه وينبغي للإمام أن يتحفظ فيأمر من ينظر إلى سيفه فإن كان صارما وإلا أمره أن يأخذ سيفا صارما لئلا يعذبه، ثم يدعه وضربه فإن ضربه ضربة فقتله فقد أتى على القود وإن ضربه على كتفيه أو في رأسه منعه العودة وأحلفه ما عمد ذلك فإن لم يحلف على ذلك عاقبه وإن حلف تركه ولا أرش فيها وأمر هو بضرب عنقه بأمر الولي وجبر الولي على ذلك إلا أن يعفو، وإن كان القاتل ضرب المقتول ضربات في عنقه تركه يضربه حتى يبلغ عدد الضربات فإن مات وإلا يأمر غيره بقتله، وإذا أمر الإمام الرجل غير الظنين
على المستقاد منه أن يقتله فضربه ضربات فلم يقتله أعاد الضرب حتى يأتي على نفسه. وينبغي أن يأمر بسيف أصرم من سيفه ويأمر رجلا أضرب منه ليوحيه فإن كان القاتل قطع يدي المقتول أو رجليه أو شجه أو أجافه، ثم قتله أو نال منه ما يشبه ذلك فسأل الولي أن يصنع ذلك به ولينا من يحسن تلك الجراح كلها كما تولى الجارح دون النفس فإن مات وإلا ولينا الولي ضرب عنقه لا يلي الولي إلا قتلة وحية من ضرب عنق أو ذبح إن كان القاتل ذبحه أو خنقه أو ما أشبهه من الميتات الوحية. فإذا بلغ من خنقه بقدر ما مات الأول ولم يمت منعناه الخنق وأمرناه بضرب عنقه، ولو كان القاتل ضرب وسط المقتول ضربة فأبانه خلينا بين وليه وبين أن يضربه حيث ضربه فإن أبانه وإلا أمرناه أن يضرب عنقه، ولو كان لم يبنه إلا بضربات خلينا بينه وبين عدد ضربات فإن لم يبنه قتلناه بأيسر القتلتين ضربة تبين ما بقي منه أو ضربة عنق. .
خطأ المقتص
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا أمر المقتص أن يقتص فوضع الحديدة في موضع القصاص ثم جرها جرا فزاد على قدر القصاص سئل أهل العلم فإن قالوا: قد يخطأ بمثل هذا سئل فإن قال أخطأت أحلف ولا قصاص عليه وعقل ذلك عنه عاقلته، وإن قالوا لا يخطأ بمثل هذا فللمستقاد منه القصاص بقدر الزيادة إلا أن يشاء منه الأرش فيأخذه من ماله، وكذلك إن قالوا: قد يخطأ بمثله وقيل للمقتص احلف لقد أخطأت به فإن أقر أقص منه أو أخذ من ماله الأرش وإن لم يقر ونكل قيل: للمجني عليه احلف لقد عمد فإن حلف فله القود وإن نكل فلا شيء له حتى يحلف فيستقيد أو يأخذ المال.
وهكذا إذا وضع الحديدة في موضع غير موضع القود لا يختلف فيه الجواب فيما أمكن أن يكون خطأ وما لم يمكن، وإذا وضع الحديدة في غير موضعها أعدته حتى يضعها في موضعها حتى يستقيد للمجني عليه الأول ولا يتخذ إلا أمينا لخطئه وعمده فإذا كان القصاص على يمين فأخطأ المقتص فقطع يسارا أو كان على أصبع فأخطأ فقطع غيرها فإن كان يخطأ بمثل هذا درئ عنه الحد وكان العقل على عاقلته (قال الربيع) وفيه قول آخر: أن ذلك عليه في ماله ولا تحمله العاقلة؛ لأنه عمد أن يقطع يده ولكنا درأنا عنه القود لظنه أنها اليد التي وجب فيها القصاص فأما قطعه إياها فعمد.
(قال الشافعي): وإذا كان لا يخطأ به اقتص منه، وإذا برأت جراحته التي أخطأ بها المقتص اقتص الأول، ولو قال المقتص للمقتص منه: أخرج يسارك فقطعها وأقر أنه عمد إخراج يساره وقد علم أن القصاص على يمينه وأن المقتص أمر بإخراج يمينه فلا عقل ولا قود على المقتص، وإذا برئ اقتص منه لليمنى، وإن قال: أخرجتها له ولم أعلم أنه قال: أخرج يمينك ولا أن القصاص على اليمنى. أو رأيت أني إذا أخرجتها فاقتص منها سقط القصاص عني أحلف على ذلك ولزمت دية يده المقتص ولا قود ولا عقوبة عليه وإنما يسقط العقل والقود إذا أقر المقتص منه أنه دلسها وهو يعلم أن القود على غيرها، ولو كان المقتص منه في هذه الأحوال كلها مغلوبا على عقله فأخطأ المقتص فإن كان مما يخطأ بمثله فعلى عاقلته، وإن كان مما لا يخطأ بمثله فعليه القود إلا إذا أفاق الذي نال ذلك منه وسواء إذا كان المقتص منه مغلوبا على عقله أذن له أو دلس له أو لم يدلس؛ لأنه لا أمر له في نفسه، وإذا أمر أبو الصبي أو سيد المملوك الختان بختنهما ففعل فماتا فلا عقل ولا قود ولا كفارة على الختان وإن ختنهما بغير أمر أبي الصبي أو أمر الحاكم ولا
سيد المملوك وماتا فعليه الكفارة وعلى عاقلته دية الصبي وقيمة العبد ولو كان حين أمره أن يختنهما أخطأ فقطع طرف الحشفة وذلك مما يخطئ مثله بمثله فلا قصاص وعليه من دية الصبي وقيمة العبد بحساب ما بقي ويضمن ذلك العاقلة.
ولو قطع الذكر من أصله وذلك لا يخطأ بمثله حبس حتى يبلغ الصبي فيكون له القود أو أخذ الدية أو يموت فيكون لوارثه القصاص أو الدية تامة، ولو كانت بواحد منهما أكلة في طرف من أطرافه فأمره أبو الصبي وسيد العبد بقطع الطرف وليس مثلها يتلف فتلف فلا عقل ولا قود ولا كفارة وإن أمره بقطع رأس الصبي فقطعه أو وسط الصبي فقطعه أو بقطع حلقومه فقطعه عوقب الأب على ذلك وعلى القاطع القود إذا مات منه الصبي، وإذا أمره بذلك في مملوكه ففعله فمات المملوك فعلى القاطع عتق رقبة ولا قود عليه (قال الربيع) ليس على قاطع مملوك قيمة؛ لأن سيده الذي أمره وإذا أمره بذلك في دابة له ففعله فلا قيمة عليه؛ لأنه أتلفها بأمر مالكها.
(قال الربيع) والعبد عندي في هذا مثل الدابة هو مال (قال الشافعي): ولو جاء رجل بصبي ليس بابنه ولا مملوكه وليس له بولي إلى ختان أو طبيب فقال: اختن هذا أو بط هذا الجرح له أو اقطع هذا الطرف له من قرحة به فتلف كان على عاقلة الطبيب والختان ديته وعليه رقبة ولا يرجع عاقلته على الآمر بشيء وهو كمن أمر رجلا بقتل.
(قال الشافعي): وكل قصاص وجب لصبي أو مغلوب على عقله فليس لأبي واحد منهما ولا وليه من كان أخذ القصاص ولا عفوه ويحبس الجاني حتى يبلغ الصبي أو يفيق المعتوه فيقتصا أو يدعا أو يموتا فتقوم ورثتهما مقامهما (قال الربيع) قال أبو يعقوب: ولو أمر رجل رجلا أن يفعل برجل حر بالغ مغلوب على عقله فعلا - الأغلب منه أنه لا يتلف به ففعله فتلف ضمنت عاقلة الفاعل دون الآمر ولا يرجع عليه بشيء؛ لأنه كان له أن يمتنع منه
(قال الشافعي): ولو كان قال له: هذا ابني أو غلامي فافعل به كذا وكذا ففعل به فتلف ضمنت عاقلة الفاعل دية الحر وقيمة العبد وعليه كفارة في ماله.
(قال الربيع) قال أبو يعقوب: وإن كان ابنه أو غلامه فليس له عليه في غلامه شيء إلا الكفارة إذا فعل به ما لا يجوز للسيد فعله به وأما ابنه فإن كان صغيرا أو كبيرا معتوها ففعل به بأمر أبيه ما فيه منفعة لهما فلا شيء عليه وإن كان فعل بهما ما ليس فيه منفعة فعليه الكفارة وعلى عاقلته الدية، وإن كان الابن الكبير يعقل الامتناع فلا عقل ولا قود ولا كفارة إلا أن يفعل به ما لا يجوز للابن أن يفعله بنفسه فتكون عليه الكفارة (قال الشافعي): وإن جاءه بدابة فقال له: شق ودجها أو شق بطنها أو عالجها ففعل فتلفت ضمن قيمتها إن لم تكن للآمر ولا يضمن إن كانت للآمر شيئا.
(قال الشافعي): وإذا أمر الحاكم ولي الدم أن يقتص من رجل في قتل فقطع يده أو يديه ورجليه وفقأ عينه وجرحه، ثم قتله أو لم يقتله عاقبه الحاكم ولا عقل ولا قود ولا كفارة؛ لأن النفس كلها كانت مباحة له، ولا ينبغي للإمام أن يمكنه من القصاص إلا وبحضرته عدلان أو أكثر يمنعانه من أن يتعدى في القصاص، وإذا أمكنه أن يقتص فيما دون النفس فقد أخطأ الحاكم وإن اقتص فقد مضى القصاص ولا شيء على المقتص وإن أمكنه أن يقتص من يسرى يديه فقطع يمناها أو أمكنه من أن يشجه في رأسه موضحة فشجه منقلة أو شجه في غير الموضع الذي شجه فيه فادعى الخطأ فما كان من ذلك مما يخطأ بمثله أحلف عليه وغرم أرشه وإن مات منه ضمن ديته وإن برئ منه غرم أرش ما نال منه وكان عليه القصاص فيما نال من المجني عليه ولم يبطل قصاص المجني عليه بأن يتعدى في الاقتصاص على الجاني وإن كان ذلك لا يخطأ بمثله أو أقر فيما يخطأ بمثله أنه عمد فيها ما ليس له اقتص منه مما فيه القصاص إلا أن يشاء الذي نال ذلك منه أن يأخذ منه العقل.
وإذا عدا الرجل على الرجل فقتله ثم أقام عليه البينة أنه قتل ابنه وهو ولي ابنه لا
وارث له غيره أو قطع يده اليمنى فأقام عليه البينة أنه قطع يده اليمنى فلا عقل ولا قود عليه ويعزز بأخذه حقه لنفسه. .
ما يكون به القصاص
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وما قلت إني أقتص به من القاتل إذا صنعه بالمقتول فلولاة المقتول أن يفعلوا بالقاتل مثله وذلك مثل أن يشدخ رأسه بصخرة فيخلى بين ولي المقتول وبين صخرة مثلها ويصير له القاتل حتى يضربه بها عدد ما ضربه القاتل إن كانت ضربة فلا يزيد عليها وإن كانت اثنتين فاثنتين، وكذلك إن كان أكثر فإذا بلغ ولي المقتول عدد الضرب الذي ناله القاتل من المقتول فلم يمت خلى بينه وبين أن يضرب عنقه بالسيف ولم يترك وضربه بمثل ما ضربه به إن لم يكن له سيف وذلك أن القصاص بغير السيف إنما يكون بمثل العدد فإذا جاوز العدد كان تعديا من جهة أنه ليس من سنة القتل وإنما أمكنته من قتله بالسيف؛ لأنه كانت له إفاتة نفسه مع ما ناله به من ضرب فإذا لم تفت نفسه بعدد الضرب أفتها بالسيف الذي هو أوحى القتل.
وهكذا إذا كان قتله بخشبة ثقيلة أو ضربة شديدة على رأسه وما أشبه هذا من الدامغ أو الشادخ أمكنت منه ولي القتيل فإن كان الضرب بعصا خفيفة أو سياط رددها حتى تأتي على نفسه لم أمكن منه ولي القتيل؛ لأن الضربة بالخفيف تكون أشد من الضربة بالثقيل وليس هذه ميتة وحية في الظاهر وقلت لولي القتيل: إن شئت أن تأمر من يرفق به فيقال له تحر مثل ضربه حتى تعلم أن قد جئت بمثل ضربه وأخف حتى تبلغ العدد فإن مات وإلا خليت وضرب عنقه بالسيف، وإن كان ربطه، ثم ألقاه في نار أحميت له نار كتلك النار لا أكثر منها وخلى ولي القتيل بين ربطه بذلك الرباط وإلقائه في النار قدر المدة التي مات فيها الملقى فإن مات وإلا أخرج منها وخلي ولي القتيل فضرب عنقه وهكذا إذا ربطه وألقاه في ماء فغرقه أو ربط برجله رحا فغرقه خلي بين ولي القتيل وبينه فألقاه في ماء قدر ذلك الوقت فإن مات وإلا أخرج فضربت عنقه.
وإن ألقاه في مهواة خلي بينه وبين ولي القتيل فألقاه في المهواة بعينها أو في مثلها في البعد وشدة الأرض لا في أرض أشد منها فإن مات وإلا ضربت عنقه
(قال الشافعي): فإن كان خنقه بحبل حتى قتله خلي بين ولي القتيل وخنقه بمثل ذلك الحبل حتى يقتله إذا كان ما صنع به من القتل الموحي خليت بين ولي القتيل وبينه، وإذا كان مما يتطاول به التلف لم أخل بينه وبينه وقتلته بأوحى الميتة عليه وإذا كان قطع يديه ورجليه من المفصل أو جرحه جائفة أو موضحة أو غير ذلك من الجراح لم يقتص منه ولي القتيل؛ لأن هذا مما لا يكون تلفا وحيا وخلي بين من يقطع الأيدي والأرجل إن أراد ذلك ولي القتيل فقطع يديه ورجليه.
ومن يقتص من الجراح فاقتص منه في الجراح فإن مات مكانه وإلا خلي بين ولي القتيل وضرب عنقه، وإن كان القاتل ضرب وسط المقتول بسيف ضربة فأبانه باثنين خلي بين ولي المقتول وبين أن يضربه ضربة بسيف فإن كان القاتل بدأها من قبل البطن خلي ولي القتيل فبدأها من قبل البطن فإن أبانه وإلا أمر بضرب عنقه
(قال الشافعي): وما خلي بين ولي المقتول وبينه من هذا الضرب فضرب في موضع غيره منع الضرب فيما يستقبل وأمر غيره ممن يؤمن عليه به وسواء كان ذلك في ضرب عنقه أو وسطه أو غيره كأن أمر بأن يضرب عنقه فضرب كتفيه أو ضرب رأسه فوق عنقه ليطول الموت عليه، فإذا قطع الرجل يدي الرجل ورجليه وجنى عليه جناية فمات من تلك الجنايات أو بعضها فلأوليائه الخيار بين
القصاص أو الدية فإن اختاروا الدية وسألوا أن يعطوا أرش الجراحات كلها والنفس أو أرش الجراحات دون النفس لم يكن ذلك لهم وكانت لهم دية واحدة تكون الجراحات ساقطة بالنفس إذا كانت النفس من الجراحات أو بعضها.
وهكذا لو جنى عليه رجلان أو ثلاثة فلم تلتئم الجراحة حتى مات فاختاروا الدية كانت لهم دية واحدة، ولو برئ في المسألتين معا أو كان غير ضمن من الجراح، ثم مات قبل أن تلتئم الجراح أو بعد التئامها فسأل ورثته القصاص من الجراح أو أرشها كلها أخذ الجاني بالقصاص أو أرشها كلها وإن كانت ديات كثيرة؛ لأنها لم تصر نفسا وإنما هي جراح ولو اختلف الجاني وورثة المجني عليه فقال: الجاني مات منها وقال ورثة المجني عليه: لم يمت منها كان القول قول ورثة المجني عليه مع أيمانهم وعلى الجاني البينة بأنه لم يزل منها ضمنا حتى مات أو ما أشبه ذلك مما يثبت موته منها ولو قطع رجل يده وآخر رجله وجرحه آخر، ثم مات فقال ورثته: برئ من جراح أحدهم ومات من جراح الآخر فإن صدقهم الجانون فالقول ما قالوا وعلى الذي مات من جراحه القصاص في النفس أو الأرش وعلى الذي برأت جراحته القصاص من الجراح أو دية الجراح وإن صدقهم الذي قال إن جراحه برأت وكذبهم الذي قال إن جراحه لم تبرأ فقال بل مات من جراح الذي زعمت أن جراحه برأت وبرأت جراحي فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه القتل أبدا ولا النفس حتى يشهد الشهود أن المجروح لم يزل مريضا من جراح الجارح حتى مات ولو قال مات من جراحنا معا فمن قتل اثنين بواحد جعل على الذي أقر القتل فإن أرادوا أن يأخذوا منه الدية لم يجعل عليه إلا نصفها؛ لأنه يقول إنه مات من جراحنا معا. .
العلل في القود
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كسر الرجل سن الرجل من نصفها سألت أهل العلم فإن قالوا نقدر على كسرها من نصفها بلا إتلاف لبقيتها ولا صدع أقدته وإن قالوا: لا نقدر على ذلك لم نقده لتفتتها وإذا قلع رجل ظفر رجل فسأل القود قيل لأهل العلم: تقدرون على قلع ظفره بلا تلف على غيره؟ فإن قالوا نعم أقيد، وإن قالوا لا ففي الظفر حكومة وإن قطع الرجل أنملة رجل ولا ظفر للمقطوعة أنملته فسأل القصاص لم يكن له، وكذلك إن كان ظفرها مقطوعا قطعا لا يثبت لا قليلا ولا كثيرا لنقصها عن أنملة المقتص منه وما كان في سن أو ظفر من عوار لا يفسد الظفر وإن كان يعيبه وكان لا يفسد السن بقطع ولا سواد ينقص المنفعة أو كان أثر قرحة خفيفا كان له القصاص، وإن كان رجل مقطوع أنملة فقطع رجل أنملته الوسطى، والقاطع وافر تلك الأصبع فسأل المقطوعة أنملته الوسطى القصاص لم يكن له ولا يجوز أن يقطع له الأنملة التي من طرف بوسطى ولا الوسطى فتقطع بأنملته التي قطع من طرف ولم يقطعها.
(قال الشافعي): ولو قطع أنملة خنصر من طرف من رجل وأنملة خنصر الوسطى من آخر من أصبع واحدة فإن جاءا معا اقتص منه لأنملة الطرف ثم اقتص منه أنملة الخنصر الوسطى وإن جاء صاحب الوسطى قبل صاحب الطرف قيل: لا قصاص لك وقضي له بالدية وإن جاء صاحب الطرف فقطع له الطرف فسأل المقضي له بالدية ردها إن كان أخذها أو إبطالها إن كان لم يأخذها، ويقطع له أنملة الوسطى قصاصا لم يجب إلى ذلك؛ لأنه قد أبطل القصاص وجعل أرشا، وكذلك لو قطع وسط أنملة رجل الوسطى فقضي له بالأرش، ثم انقطع طرف أنملته، فسأل القصاص لم يقص له به ولو لم يأت صاحب الوسطى حتى انقطع طرف أنملته أو قطع بقصاص كان له القصاص. وإذا قطع الرجل يد الرجل
والمقطوعة يده نضو الخلق ضعيف الأصابع قصيرها أو قبيحها أو معيب بعضها عيبا ليس بشلل والقاطع تام اليد والأصابع حسنها قطعت بها، وكذلك لو كان المقطوع هو التام اليد والقاطع هو الناقصها كانت له لا فضل بينهما في القصاص.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (245)
صــــــــــ 68 الى صـــــــــــ 72
(قال الشافعي): وإذا قطع الرجل يد الرجل وفيها أصبع شلاء أو مقطوعة أنملة والقاطع تام الأصابع لم يقد منه للمقطوع لنقص يده عن يده ولو قال: اقطعوا لي من أصابعه بقدر أصابعي وأبطل حقي في الكف قطع له ذلك؛ لأنه أهون من قطع الكف كلها. وإذا كانت في الرجل الحياة وإن كان أعمى أصم فقتله صحيح قتل به ليس في النفس نقص حكم عن النفس وفيما سوى النفس نقص عن مثله من يد أو رجل إذا كان النقص عدما أو شللا أو في موضع شجة وغيرها. فلو أن رجلا شج رجلا في قرنه والشاج أسلخ القرن فللمشجوج الخيار في القصاص أو أخذ الأرش. ولو كان المشجوج أسلخ القرن لم يكن للمشجوج القصاص؛ لأنه أنقص الشعر عن الشاج.
ولو كان خفيف الشعر أو فيه قرع قليل يكتسي بالشعر إن طال شيء كان له القصاص (قال الربيع) قال أبو يعقوب: لا تقطع أصبع صحيحة بشلاء ولا ناقصة أنملة وله حكومة في الشلاء وأرش المقطوعة الأنملة. .
ذهاب البصر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى الرجل على عين الرجل ففقأها فالجناية عليه وإن سأل أن يمتحن فيعلم أنه لا يبصر بها فليس في هذا مثلة وفي هذه القود إن كان عمدا إلا أن يشاء المجني عليه العقل فإذا شاء العقل ففيها خمسون من الإبل حالة في مال الجاني دون عاقلته.
وإن كانت الجناية خطأ ففيها خمسون من الإبل على عاقلته ثلثا الخمسين في مضي سنة، وثلث الخمسين في مضي السنة الثانية: فإن جرحت عين رجل أو ضربت وابيضت فقال المجني عليه: قد ذهب بصرها سئل أهل العلم بها فإن قالوا قد نحيط بذهاب البصر علما لم يقبل منهم على ذهاب البصر إذا كانت الجناية عمدا ففيها القود إلا شاهدان حران مسلمان عدلان. وقبل إن كانت خطأ لا قود فيها شاهد وامرأتان وشاهد ويمين المجني عليه ويسأل من يقبل من أهل العلم بالبصر فإن قالوا إذا ذهب البصر لم يعد وقالوا: نحن نعلم ذهابه ومكانه قضي للمجني عليه بالقصاص في العمد إلا أن يشاء الأرش أو الأرش في الخطأ (قال الشافعي): وإذا اختلف أهل البصر فقالوا ما يكون علمنا بذهاب البصر علما حتى يأتي على المجني عليه مدة، ثم ننظر إلى بصره فإن كان بعد انقضاء المدة على ما نراه فقد ذهب بصره لم يقض له حتى تأتي تلك المدة ما لم يحدث عليه حادث.
وكذلك إن قال هكذا عدد من أهل البصر وخالفهم غيرهم لم أقض له حتى تأتي تلك المدة التي يجمعون على أنها إذا كانت ولم يبصر فقد ذهب البصر وإن لم يختلف أهل البصر في أنها لا تعود ليبصر بها أحلفت المجني عليه مع شاهده في الخطأ وقضيت بذهاب بصره فإذا شهد من أقبل شهادته أن بصره قد ذهب وأخرته إلى المدة التي وصفوا أنه إذا بلغها قال أهل البصر الذين يجتمعون لا يعود بصره فمات قبلها أو أصاب عينه شيء بخقها فذهابها من الجاني الأول حتى يستيقن أن ذهاب بصرها من وجع أو جناية وليس على الجاني الآخر إلا حكومة: وكان على الجاني الأول القود إن كان عمدا والعقل إن كانت الجناية خطأ. وإن قال الجاني الأول أحلفوا لي المجني عليه ما عاد بصره منذ جنيت عليه إلى أن جنى هذا عليه فعلناه.
وكذلك إن قال أحلفوا ورثته أحلفناهم
على علمهم، وكذلك إن قال لم يكن بصره ذهب، أحلفوا لقد ذهب بصره ولو لم يحلف المجني عليه وأقر أن قد أبصر أو جاء قوم فقالوا قد ذكر أن بصره عاد عليه أو رأيناه يبصر بعينه أبطلنا جناية الأول وجعلنا الجناية على الآخر وإن لم نجد من يعلم ذلك ولم يقله إلا بعد جناية الآخر بطلت جناية الأول عليه بإقراره ولم يصدق على الآخر؛ لأنه جنى على بصره وهو ذاهب ولا يعلم ذكره رجوع بصره قبل الجناية.
أو أحلف الجاني الآخر لقد جنى عليه وما يبصر من جناية الأول عليه وغير جنايته. وهكذا ورثته لو قالوا قوله وإنما أقبل قول أهل البصر إذا ادعى المجني عليه ما قالوا.
فإن قال هو: أنا أبصر أو قد عاد إلي بصري أو قال ذلك ورثته فإن الجناية ساقطة عن الجاني، وإن قال أهل البصر بالعيون قد يذهب البصر لعلة فيه، ثم يعالج فيعود أو يعود بلا علاج ولا يؤيس من عودته أبدا إلا بأن تبخق العين أو تقلع وقالوا قد ذهب بصر هذا والطمع به الساعة وبعد مائة سنة واليأس منه سواء فإني أقضي له مكانه بالأرش إن كانت الجناية خطأ والقود إن كانت عمدا، وكذلك أقضي للرجل الذي قد ثغر بقلع سنه وإن قيل: قد يعود ولا يعود، وإن قال أهل البصر بالعيون: ما عندنا من هذا علم صحيح بحال إذا كانت العين قائمة أحلفت المجني عليه لقد ذهب بصره، ثم قضيت له بالقود في العمد إلا أن يشاء العقل فيه وقضيت له بالعقل في الخطأ فإذا قضيت له بقود أو عقل، ثم عاد بصر المستقاد له فإن شهد أهل العدل من أهل البصر أن البصر قد يعود بعد ذهابه بعلاج أو غير علاج لم أجعل للمستقاد منه شيئا ولم أرده بشيء أخذه منه.
وكذلك لو عاد بصر المستقاد منه لم أعد عليه بفقء بصره ولا سمله ولا بعقل.
وإن قال أهل البصر: لا يكون أن يذهب البصر بحال، ثم يعود بعلاج ولا غيره ولكن قد تعرض له العلة تمنعه البصر ثم تذهب العلة فيعود البصر فاستقيد من رجل ثم عاد بصر المستقاد له لم يرجع على المستقاد له بعود البصر ولا على الوالي بشيء وأعطي المستقاد منه أرش عينه من عاقلة الحاكم، وقد قيل: يعطاه مما يرزق السلطان ويصلح أمر رعاية المسلمين من سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخمس ولكن لو كان المجني عليه أخذ من الجاني أو عاقلته أرش العقل، ثم عاد بصره رجع الجاني أو عاقلته عليه بما أخذه منهم ولا يترك له منه شيء ولو لم يعد بصر المستقاد له وعاد بصر المستقاد منه عيد له في هذا القول بما يذهب بصره، ثم كلما عاد بصره عيد له فأذهب قودا أو أخذ منه العقل إن شاء ذلك المجني عليه. وإذا كان المصابة عينه مغلوبا أو صبيا لا يعقل فإذا قبلت قول أهل البصر جعلت على الجاني عليه الأرش في الخطأ.
وكذلك أجعله عليه في العمد إن لم يكن على الجاني قود. ولم أنتظر به شيئا في الوقت الذي أقضي به فيه للذي يعقل ويدعي ذهاب بصره ويشهد له أهل البصر بذهابه، وإذا لم أقبل قول أهل البصر لم أقض لواحد منهما في عينه القائمة بشيء بحال حتى يفيق المعتوه أو يبلغ الصبي فيدعي ذهاب بصره ويحلف على ذلك أو يموتا فيقضى بذلك لورثتهما وتحلف ورثته لقد ذهب بصره، وإذا كان ما لا شك فيه من بخق البصر أو إخراج العين في الخطأ قضي للمعتوه والصبي وغيرهما مكانهم بالعقل، وللبالغ بالقود في العمد إذا طلبه. ويحبس الجاني في العمد على المعتوه والصبي أبدا حتى يفيق هذا ويبلغ هذا فيلي ذلك لنفسه أو يموت فتقوم ورثته فيه مقامه ومتى ما بلغ هذا أو أفاق هذا جبرته مكانه على اختيار العقل أو القود أو العفو ولم أحبس الجاني أكثر من بلوغه أو إفاقته.
وكذلك أجبر وارثه إن مات إن كان بالغا، وإذا ابتلي بصر المجني عليه وقبلت قول أهل البصر فقالوا لم يذهب الآن ونحن ننتظر به إلى وقت كذا وكذا فإن ذهب وإلا فقد سلم أنتظر به وقبل قولهم وإن أنكر ذلك الجاني. وإذا قبلت قولهم فقالوا: إذ لم يذهب الآن إلى هذا الوقت فلا يذهب إلا من حادث بعده أبطلت الجناية، وإذا لم أقبل قولهم وقال المجني عليه أنا أجد في بصري ظلمة فأبصر به دون ما كنت أبصر أو أجد فيه ثقلا وألما. ثم جاءت عليه مدة فقال ذهب ولم يذهب منه الوجع أو ما كنت أجد فيه حتى ذهب أحلفته لقد ذهب من الجناية
وجعلت القول قوله وجعلت له القصاص إلا أن يشاء العقل ولم أقبل قول الجاني إذا علمت الجناية كما أصنع فيه إذا جرحه فلم يزل ضمنا حتى مات. ولو قال قد ذهب جميع ما كنت أجد فيه وصح، ثم ذهب بعد بصره جعلته ذاهبا بغير جناية لا شيء فيه وسواء عين الأعور وعين الصحيح في القود والعقل لا يختلفان: وإذا كان الرجل ضعيف البصر غير ذاهبه ففيه كعين الصحيح البصر في العقل والقود كما يكون ضعيف اليد فتكون يده كيد القوي.
وإن كان بعينه بياض وكان على الناظر وكان بصره بها أقل من بصره بالصحيحة فإن علم أن ذلك نصف البصر أو ثلثه قضي له بأرش ما علم أنه بصره لم يزد عليه ولم يقد من صحيح البصر وكان ذلك كالقطع والشلل في بعض الأصابع دون بعض، ولا يشبه هذا نقص البصر من نفس الخلقة أو العارض ولا علته دون البصر وإن كان البياض على غير الناظر فهي كعين الصحيح، وكذلك كل عيب فيها لا ينقص بصرها بتغطية له أو لبعضه، وإن كان البياض على الناظر وكان رقيقا يبصر من تحته بصرا دون بصره لو لم يكن عليه البياض ففيه حكومة إلا أن يكون يعرف قدر بصره بالعين التي فيها البياض وبصره بالعين التي لا بياض فيها فيجعل له قدره كأن كان يبصر من تحت البياض نصف بصره بالصحيحة فأطفئت عينه ففيها نصف عقل البصر ولا قود بحال عمدا كانت الجناية عليها أو خطأ. .
النقص في البصر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ضرب الرجل عين الرجل فقبلت قول أهل البصر بالعيون أن بصرها نقص ولم يحدوا نقصه ولا أحسبهم يحدونه أو قبلت قول المجني عليه إنه نقص اختبرته بأن أعصب على عينه المجني عليها، ثم أنصب له شخصا على ربوة أو مستوى، فإذا أثبته بعدته حتى ينتهي بصره فلا يثبته، ثم أعصب عينه الصحيحة وأطلق عينه المجني عليها فأنصب له شخصا فإذا أثبته بعدته حتى ينتهي بصرها، ثم أذرع منتهى بصر المجني عليها والعين الصحيحة، فإن كان يبصر بها نصف بصر عينه الصحيحة جعلت له نصف أرش العين ولا قود؛ لأنه لا يقدر على قود من نصف بصر، وإن قال أهل البصر بالعيون: إن البصر كلما أبعدته كان أكل له وكانوا يعرفون بالذرع قدر ما ذهب من البصر معرفة إحاطة قبلت منهم، وإن لم يعرفوا معرفة إحاطة أو اختلفوا جعلته بالذرع؛ لأنه الظاهر ولم أزد المجني عليه على حصة ما نقص بصره بالذرع، وإن قال الجاني أحلف المجني عليه ما يثبت الشخص حيث زعم أنه لا يثبته أحلفته له ولم أقض له حتى يحلف، وإنما قلت لا أسأل أهل العلم عن حد نقص البصر أو لا أني سمعت بعض من ينسب إلى الصدق والبصر يقول: لا يحد أبدا نقص العين إذا بقي فيها من البصر شيء قل أو كثر إلا بما وصفت من نصب الشخص له
(قال الشافعي): وإذا جنى الرجل على بصر الرجل عمدا فنقص بصر المجني عليه فلا قود له؛ لأنه لا يقدر على أن ينقص من بصر الجاني بقدر ما نقص من بصر المجني عليه فلا يجاوزه، وكذلك لو كان في عين المجني عليه بياض فأذهبها الجاني فلا قصاص، ولا قصاص في ذهاب البصر حتى يذهب بصر المجني عليه، فإذا ذهب كله فإن كان بخق عين المجني عليه بخقت عينه وإذا كان قلعها قلعت عينه وإن كان ضربها حتى ذهب بعض بصرها أو أشخصها عن موضعها ولم يندرها من موضعها قيل: للمجني عليه لا تقدر على أن تصنع بعينه هذا، فإن قال أهل البصر بالعيون: إن البصر كلما أبعد كان أكل له وكانوا يعرفون بالذرع قدر ما ذهب من
البصر معرفة إحاطة قبلت منهم، وإن لم يعرفوه معرفة إحاطة واختلفوا جعلته بالذرع؛ لأنه الظاهر ولم أزد المجني عليه على حصة ما نقص بصره بالذرع، وإن ذهب بصرها كله وأشخصها عن موضعها قيل: له إن شئت أذهبنا لك بصره ولا شيء لك غير ذلك، وإن شئت فالعقل (قال الشافعي): وإن ضربها فأندرها ولم تثبت أندرت عينه بها وإن قال ضربها فأندرها فردت وذهب بصرها أندرت عينه، وقيل له إن شئت فردها وإن شئت فدع ولم تعط عقلا بما صنع بك إذا أقدت فإن كانت لا تعود، ثم ثبتت فلم تثبت إلا وقد بقي لها عرق فردت فثبتت لم تندر عينه بها؛ لأنه لا يقدر على أن تندر ثم تعود ويبقى لها عرق، وقيل للمجني عليه: إن شئت أذهبنا لك بصره وإن شئت فالعقل (قال الشافعي): وإن ضرب عينه فأدماها ولم يذهب بصرها فلا قصاص ولا أرش معلوم وفيها حكومة ويعاقب الضارب. .
اختلاف الجاني والمجني عليه في البصر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى الرجل على بصر الرجل فقال جنيت عليه وبصره ذاهب فعلى المجني عليه البينة أنه كان يبصر بها قبل أن يجني عليه ويسع البينة الشهادة على ذلك إذا رأوه يتصرف تصرف البصير ويتقي ما يتقي وهكذا إذا جنى على بصر صبي أو معتوه فقال جنيت عليه وهو لا يبصر فالقول قوله مع يمينه وعلى أوليائهما البينة أنهما كانا يبصران قبل أن يجني عليهما ويسع البينة الشهادة إن كانا يريانهما يتقيان به اتقاء البصير ويتصرفان تصرفه، وهكذا القول قول الجاني فيما جنى عليه من شيء فقال جنيت عليه وهو غير صحيح كأن قطع أذنه فقال ضربتها وهي مقطوعة قبل ضربتها، فإن البينة على المقطوعة أذنه بأنه كانت له أذن صحيحة قبل أن يقطعها، وكذلك لو جاء رجل إلى رجل مسجى بثوب فقطعه باثنين فقال قطعته وهو ميت أو جاء قوما في بيت فهدمه عليهم فقال هدمته وهم موتى كان القول قول الجاني مع يمينه وعلى أوليائهم البينة أن الحياة كانت فيهم قبل الجناية، فإذا أقاموها لم يقبل قول الجاني حتى تثبت له بينة أنه قد حدث لهم موت قبل الجناية (قال الربيع) والقول الثاني أن الذين هدم عليهم البيت على الحياة التي قد عرفت منهم حتى يقيم الذي هدم عليهم البيت أنهم ماتوا قبل أن يهدمه. .
الجناية على العين القائمة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم أعلم مخالفا لقيته أنه ليس في اليد الشلاء ولا المنبسطة غير الشلاء إذا كانت لا تنقبض ولا تنبسط أو كان انبساطها بلا انقباض أو انقباضها بغير انبساط عقل معلوم، وإنما يتم عقلها إذا جنى عليها صحيحة تنقبض وتنبسط فأما إذا بلغت هذا فكانت لا تنقبض ولا تنبسط فإنما فيها حكومة، فإذا كان هذا هكذا فهكذا ينبغي أن يقولوا في العين القائمة ولا يكون فيها عقل معلوم وأنا أحفظ عن عدد منهم في العين القائمة هذا وبه أقول ويكون فيها حكومة، وكل ما قلت فيه حكومة فأحسب - والله أعلم - أنه لا يجوز أن تبان حكومة إلا بأن يقال انظروا كأنها جارية فقئت عين لها قائمة كم كانت قيمتها وعينها قائمة ببياض أو ظفر أو غير ذلك فإن قالوا قيمتها وعينها قائمة هكذا خمسون دينارا، قيل فكم قيمتها الآن حين بخقت عينها فصارت إلى هذا وبرأت؟ فإن قالوا أربعون
دينارا جعلت في عين الرجل القائمة خمس ديته، وإن قالوا خمسة وثلاثون دينارا جعلت في عين المجني عليه خمسا ونصف خمس وهو خمس وعشر ديته (قال الشافعي): وهكذا كل ما سوى هذا فإن قالوا بل نقصها هذا البخق نصف قيمتها عما كانت عليه قائمة العين فلا أحسب هذا إلا خطأ ولا أحسبهم يقولونه.
(قال الشافعي): وينقص من النصف شيء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جعل في العين الصحيحة نصف الدية لم يجز أن تكون العين القائمة كالعين الصحيحة، وقد قضى زيد - رحمه الله تعالى - في العين القائمة بمائة دينار، ولعله قضى به على هذا المعنى. .
في السمع
(قال الشافعي): ولا قود في ذهاب السمع؛ لأنه لا يوصل إلى القود فيه فإذا ذهب السمع كله ففيه الدية كاملة وإذا ضرب الرجل الرجل فقال قد صممت سئل أهل العلم بالصمم فإن قالوا له مدة إن بلغها ولم يسمع تم صممه لم أقض له بشيء حتى يبلغ تلك المدة فإن قالوا ماله غاية تغفل وصيح به فإن أجاب في بعض ما تغفل به جواب من يسمع لم يقبل قوله وأحلف الجاني ما ذهب سمعه فإن لم يجب عند ما غفل به أو عند وقوع جواب من يسمع أحلف لقد ذهب سمعه فإذا حلف فله الدية كاملة وإن أحطنا أن سمع إحدى الأذنين يذهب ويبقى سمع الأذن الأخرى ففيه نصف الدية؛ لأنه نصف السمع (قال الشافعي): وإن نقص سمعه كله فكان يحد نقصه بحد مثل أن يعرف آخر حد يدعى منه فيجيب كان له بقدر ما نقص منه وإن كان يحد ففيه حكومة ولا أحسبه يحد بحال وإن ذكر أنه لا يسمع بإحدى أذنيه وكانت الأذن الصحيحة إذا سدت بشيء عرف ذهاب سمع الأذن الأخرى أم لا سدت وإن كان ذلك لا يعرف قبل قول الذي ادعى أن سمعه ذهب مع يمينه وقضي له بنصف الدية والأذنان غير السمع فإذا قطعتا ففيهما القود وفي السمع إذا ذهب الدية وكل واحد منهما غير صاحبه.
الرجل يعمد الرجلين بالضربة أو الرمية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا عمد الرجل الرجلين المسلمين مصطفين قائمين أو قاعدين أو مضطجعين بضربة تعمدهما بها بسيف أو بما يعمل به عمله فقتلهما فعليه في كل واحد منهما القود، ولو قال: لم أعمد إلا أحدهما فسبق السيف إلى الآخر لم يصدق؛ لأن السيف إنما يقع بهما وقوعا واحدا، ولو عمد أن يطعنهما برمح والرمح لا يصل إلى أحدهما إلا بعد خروجه من الآخر أو ضربهما بسيف، وأحدهما فوق الآخر فقال عمدتهما معا وقتلتهما معا كان عليه في كل واحد منهما القود (قال الشافعي): ولو قال حين رمى أو طعن أو ضرب الرجلين اللذين لا يصل ما صنع بأحدهما إلى الذي معه إلا بعد وصوله إلى الأول عمدت الأول الذي طعنته أو رميته أو ضربته ولم أعمد الآخر كان عليه القود في الأول وكانت على عاقلته الدية في الآخر؛ لأن صدقه بما ادعى يمكن عليه، ولو قال عمدت الذي نفذت إليه الرمية أو الطعنة آخرا ولم أعمد الأول وهو يشهد عليه أنه رماه أو طعنه أو ضربه وهو يراه كان عليه القود فيهما في الأول بالعمد وأنه ادعى ما لا يصدق بمثله وعليه القود في الآخر بقوله عمدته (قال الشافعي): وإذا ضرب الرجل الرجل عليه البيضة والدرع فقتله بعد قطع جنته أقيد منه، وإن قال لم أرد إلا البيضة والدرع لم يصدق إذا كان عليه سلاح فهو كبدنه. .
النقص في الجاني المقتص منه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قتل الرجل رجلا والمقتول صحيح والقاتل مريض أو أقطع اليدين أو الرجلين أو أعمي أو به ضرب من جذام أو برص فقال أولياء المقتول هذا ناقص عن صاحبنا قيل إذا كان حيا فأردتم القصاص فالنفس بالنفس والجوارح تبع للنفس لا نبالي بجذمها وسلامتها كما لو قتل صاحبكم وهو سالم وصاحبكم في هذه الحال أو أكثر منها أقدناكم؛ لأنه نفس بنفس ولا ينظر فيها إلى أطراف ذاهبة ولا قائمة فإن قال ولاة الدم قد قطع هذا يدي صاحبنا ورجليه، ثم قتله ولا يد ولا رجل له فأعطنا عوضا من اليدين والرجلين إذ لم يكونا قيل: إنكم إذا قتلتم فقد أتيتم على إفاتته كله وهذه الأطراف تبع لنفسه ولا عوض لكم مما فات من أطرافه كما لا نقص عليكم لو كان صاحبكم المقطوع، والقاتل صحيحا قتل به وقتله إتلاف لجميع أطرافه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (246)
صــــــــــ 72 الى صـــــــــــ 78
ولو قتل رجل رجلا فعدا أجنبي على القاتل فقطع يديه أو رجليه عمدا كان له القصاص أو أخذ المال إن شاء وإذا أخذ المال فلا سبيل لولي المقتول على المال في حاله تلك حتى يخير بين القصاص من القتل أو الدية، وكذلك لو جنى عليه خطأ لم يكن لولي المقتول سبيل على المال وقيل له: إن شئت فاقتل وإن شئت فاختر أخذ الدية فإن اختار أخذ الدية أخذها من أي ماله وجد ديات أو غيرها، ولو أن رجلا قتل رجلا، ثم عدا أجنبي على القاتل فجرحه جراحة ما كانت خير ولي المقتول الأول بين قتله بحاله تلك وإن كان مريضا يموت أو أخذ الدية فإن اختار قتله فله قتله ولا يمنع من القتل بالمرض ولا العلة ما كانت؛ لأن القتل وحي ويمنع من القصاص والحدود غير القتل بالمرض إذا لم يكن معها قتل بالمرض حتى يبرأ منه وإذا قتله مريضا فلأولياء المقتول على الجاني عليه ما فيه القود من الجراح إن شاءوا القود وإن شاءوا العقل وإن اختار ولي الدم قتله فلم يقتله حتى مات من الجراح التي أصابه بها الأجنبي فلأولياء القتيل الأول الدية في مال الذي قتله ولأولياء الذي قتل القتيل الأول وقتله الأجنبي آخرا على قاتله القصاص أو أخذ الدية فإن اقتصوا منه فدية الأول في مال قاتله المقتول وإن لم يكن لقاتله المقتول مال فسأل ورثة المقتول الأول ورثة المقتول الآخر الذي قتل صاحبهم أخذ ديته ليأخذوها لصاحبهم لم يكن ذلك لهم؛ لأن قاتله متعد عليه القصاص فلا يبطل حكم الله عز وجل عليه بالقصاص منه بأن يفلس لأهل القتيل الأول بدية قتيلهم.
وهذا هكذا في الجراح لو قطع رجل يمنى رجل فقطع آخر يمنى القاطع ولا مال للقاطع المقطوعة يمناه فقال المقطوعة يمناه الأول قد كانت يمين هذا لي أقتص منها ولا مال له آخذه بيميني وله إن شاء مال على قاطعه فاقضوا له به على قاطعه لآخذه منه ولا تقتصوا له به فيبطل حقي من الدية وهو لا قصاص فيه ولا مال له قيل: إنما جعل له الخيار في القصاص أو المال فإن لم يختر أحدهما لم نجبره على ما أردت من المال وأبيعه يديه بدل فمتى ما كان له مال فخذه وإلا فهو حق أفلس لك به، ولو قال قد عفوت القصاص والمال لم يجبر على أخذ المال ولا القصاص إنما يكون له إن شاء لا أنه يجبر عليه وإن كان عليه حق لغيره ولكنه ينبغي للحاكم إذا قطع يد رجل فقطعت يده أن يشهد للمقطوعة يده
الأولى أنه قد وقف له مال القاطع المقطوع آخرا فإذا أشهد بذلك فللمقطوع آخرا القصاص إلا أن يشاء تركه فإن شاء تركه وترك المال نظر فإن كان له مال يؤدي منه دية يد الذي قطع أخذت من ماله دية يده وجاز عفوه وإلا لم يجز عفوه المال، وماله موقوف لغرمائه.
الحال التي إذا قتل بها الرجل أقيد منه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من جنى على رجل يسوق يرى من حضره أنه في السياق وأنه يقبض مكانه فضربه بحديدة فمات مكانه فقتله ففيه القود؛ لأنه قد يعيش بعدما يرى أنه يموت وإذا رأى من حضره أنه قد مات فشهدوا على ذلك، ثم ذبحه أو ضربه عوقب ولا عقل ولا قود وإن أتى عليه رجل قد جرحه رجل جراحات كثرت أو قلت يرى أنه يعاش من مثلها أو لا يرى ذلك إلا أنها ليست مجهزة عليه فذبحه مكانه أو قطعه باثنين أو شدخ رأسه مكانه أو تحامل عليه بسكين فمات مكانه فهو قاتل عليه القود وعقل النفس تاما إن شاء الورثة وعلى من جرحه قبله القصاص في الجراح أو الأرش وهو بريء من القتل إلا أن يكون قد قطع حلقومه ومريئه فإن من قطع حلقومه ومريئه لم يعش، وإن رأى أن فيه بقية روح فهو كما يبقى من بقايا الروح في الذبيحة، وكذلك إن ضرب عنقه فقطع الحلقوم والمريء، وكذلك إن قطعه باثنين حتى يتعلق بجلدة أو قطع حشوته فأبانها أو أخرجها من جوفه فقطعها عوقب في هذه الأحوال ولا عقل ولا قود والقاتل الذي ناله بالجراح قبله لا يمنعه ما صنع هذا به من القود إن كان قودا أو العقل وإذا أتى عليه قد قطع حلقومه دون مريئه أو مريئه دون حلقومه سئل أهل العلم به فإن قالوا: قد يعيش مثل هذا بدواء أو غير دواء نصف يوم أو ثلثه أو أكثر فهذا قاتل وبرئ الأول الجارح من القتل، وإن قالوا ليس يعيش مثل هذا إنما فيه بقية روح إلا ساعة أو أقل من ساعة حتى يطغى فالقاتل الأول وهذا بريء من القتل، وهكذا إذا أجافه فخرق أمعاءه؛ لأنه قد يعيش بعد خرق المعى ما لم يقطع المعى فيخرجه من جوفه قد خرق معى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من موضعين وعاش ثلاثا، ولو قتله أحد في تلك الحال كان قاتلا وبرئ الذي جرحه من القتل في الحكم ومتى جعلت الآخر قاتلا فالجارح الأول بريء من القتل وعليه الجراح خطأ كانت أو عمدا فالخطأ على عاقلته والعمد في ماله إلا أن يشاءوا أن يقتصوا منه إن كانت مما فيه القصاص ومتى جعلت الأول القاتل فلا شيء على الآخر إلا العقوبة والنفس على الأول. وسواء في هذا عمد الآخر وخطؤه إن كان عمدا وجعلته قاتلا فعليه القصاص وإن كان خطأ وجعلته قاتلا فعلى عاقلته الدية، وإذا جرح رجلان رجلا جراحة لم يعد بها في القتلى كما وصفت من الذبح وقطع الحشوة وما في معناه فضربه رجل ضربة فقتله فإن كانت ليست بإجهاز عليه فمات منها مكانه قبل يرفعها فهو قاتله دون الجارحين الأولين وإن عاش بعد هذا مدة قصيرة أو طويلة فهو شريك في قتله للذين جرحاه أولا ولا يكون منفردا بالقتل إلا أن يكون ما ناله به إجهازا عليه بذبح أو قطع حشوة أو ما في معناه أو بضربة يموت منها مكانه ولا يعيش طرفه بعدها (قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا جرح رجل جراحات لم يبرأ منها، ثم جرحه آخر بعدها فمات فقال أولياء القتيل مات مكانه من جراح الآخر دون جراح الأولين وأنكر القاتل فالقول قوله مع يمينه وعلى ولاة الدم الأول البينة فإن لم يأتوا بها فهو شريك في النفس لهم قتله بالشرك فيها، وليس لهم قتل اللذين
جرحاه قبل بإبرائهموه أن يكون مات إلا من جناية الآخر مكانه دون جنايتهم ولهم عليه القود في الجراح أو أرشها إن شاءوه وإذا صدقهم الضاربون الأولون أنه مات من جناية الآخر دون جنايتهم. .
الجراح بعد الجراح
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع الرجل يدي الرجل أو رجليه أو بلغ منه أكثر من هذا، ثم قتله أو بلغ منه ما وصفت أو أكثر منه فلم يبرأ من شيء من الجراح حتى أتى عليه فذبحه أو ضربه فقتله فإن أراد ولاته الدية فإنما لهم دية واحدة؛ لأنها لما صارت نفسا كانت الجراح كلها تبعا لها وإن أرادوا القود فلهم القود إن كان عمدا كما وصفت، وفعل الجارح إذا كان واحدا في هذا مخالف لفعله لو كانا اثنين، ولو كان اللذان جرحاه الجراح الأولى اثنين، ثم أتى أحدهما فقتله كان الآخر قاتلا عليه القتل أو العقل تاما وكان على الأول نصف أرش الجراح إن شاء ورثته إن كانا جرحاه جميعا، وإن انفرد أحدهما بجراح فعليه القود في جراحه التي انفرد بها أو أرشها تاما؛ لأن النفس صارت متلفة بفعل غيره فعليه جراحه كاملة بالغة ما بلغت، وكذلك لو كان جرحه رجلان، ثم ذبحه ثالث فالثالث القاتل وعلى الأولين ما في الجراح من عقل وقود فلو جرحه رجل جراحة فبرئت وقتله بعد برئها كان عليه في القتل ما على القاتل من جميع العقل أو القصاص وفي الجراح ما على الجارح من عقل أو قصاص إذا برأت الجراح فهي جناية غير جناية القتل كأن قطع يديه فبرأ ثم قتله فعليه القتل إن شاء الورثة وأرش اليدين وإن شاءوا القصاص في اليدين، ثم دية النفس وإن شاءوا القصاص في اليدين وقتل النفس ولو كانت اليدان لم تبرآ حتى قتله كانت دية واحدة إن أرادوا الدية أو قصاص في النفس واليدين يقطعون اليدين، ثم يقتلونه وإن قتلوه ولم يقطعوا يديه فلا شيء لهم في اليدين إذا لم تبرأ الجراح فالجراح تبع للنفس تبطل إذا قتل الورثة القاتل وإذا أخذوا دية النفس تامة ولا يكون لهم أن يقطعوا يديه ويأخذوا دية النفس إنما لهم قطع يديه إذا كانوا يميتونه مكانهم بالقتل قصاصا ولو قال الجاني: قطعت يديه فلم تبرأ حتى قتلته وقال أولياء المقتول: بل برأت يداه، ثم قتله كان القول قول القاتل؛ لأنه يؤخذ منه حينئذ ديتان إن شاء أولياء المقتول ولا تؤخذ منه الزيادة إلا بإقراره أو بينة تقوم عليه ولو قامت عليه بينة بأن يديه قد برأتا لم يقبل هذا منه حتى يصفوا البرء فإذا أثبتوه بما يعلم أهل العلم أنه برء قبل ذلك منهم فإن قالوا: قد سكبت مدتهما أو ما أشبه هذا لم يقبل وإذا قبلت البينة على البرء فقال الجاني قد انتقضتا بعد البرء وأكذبه الورثة فالقول قولهم وعلى الجاني البينة أنهما انتقضتا من جنايته؛ لأن الحق أنه شهد لهم بالبرء فلا يدفع عنه بقوله. .
الرجل يقتل الرجل فيعدو عليه أجنبي فيقتله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قتل الرجل الرجل عمدا فعدا عليه غير وارث المقتول فقتله قيل: يثبت عليه ببينة أو يقر وبعدما أقر أو ثبت عليه ببينة وقيل: يدفع إلى أولياء المقتول ليقتلوه أو يأخذوا الدية
أو يعفو أو بعد ما دفع إليهم ليقتلوه فكل ذلك سواء وعلى قاتله الأجنبي القصاص إلا أن تشاء ورثة المقتول أخذ الدية أو العفو ولو ادعى الجهالة وقال كنت أرى دمه مباحا لم يدرأ بها عنه القود ولو ادعى أن ولي المقتول الذي له القصاص أمره بقتله فأقر بذلك ولي المقتول لم يكن عليه عقل ولا قود ولا أدب؛ لأنه معين لولي المقتول ولو ادعى على ولي المقتول الذي له القصاص أنه أمره بقتله وكذبه ولي المقتول أحلف ولي المقتول ما أمره فإن حلف فعلى القاتل القصاص ولولي المقتول الدية في مال قاتل صاحبه المقتول وإن نكل حلف لقد أمره ولي المقتول ولا شيء عليه ولا حق لولي المقتول في ماله ولا مال قاتل صاحبه المقتول ولو كان للمقتول وليان فأمره أحدهما بقتله ولم يأمر به الآخر لم يقتل به وكان لأولياء المقتول القاتل أن يأخذوا نصف ديته من الأجنبي الذي قتله بغير أمر الورثة كلهم وللوارث أخذها من مال المقتول إلا أن يعفوها، ولا ترجع ورثته على الآمر بشيء؛ لأنه قد كان له أن لا يقتل إلا بأمره.
ولو كان له وارث واحد فقضي له بالقصاص فقتله أجنبي بغير أمره فلأولياء المقتول القاتل على قاتل صاحبهم القود أو الدية ولولي القتيل الأول الدية في مال قاتل صاحبه دون قاتل قاتل صاحبه ولو أن إماما أقر عنده رجل بقتل رجل بلا قطع طريق عليه فعجل فقتله كان على الإمام القصاص إلا أن تشاء ورثته الدية؛ لأن الله عز وجل لم يجعل للإمام قتله وإنما جعل ذلك لوليه لقول الله عز وجل {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} الآية (قال الشافعي): الإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله - والله أعلم - وكذلك لو قضى عليه بالقتل ودفعه إلى أولياء المقتول وقالوا: نحن نقتله فقتله الإمام فعليه القود؛ لأنه قد كان لهم تركه من القود وأيهم شاء تركه فلا يكون إلى قتله سبيل والإمام في هذا مخالف أحد ولاة الميت يقتله؛ لأن لكلهم حقا في دمه ولا حق للإمام ولا غيره في دمه وهذا مخالف الرجل يقضي عليه الإمام بالرجم في الزنا فيقتله الإمام أو أجنبي هذا لا شيء على قاتله؛ لأنه لا يحل حقن دم هذا أبدا حتى يرجع عن الإقرار بكلام إن كان قضي عليه بإقراره أو يرجع الشهود عن الشهادة إن كان قضي عليه بشهادة شهود، وكذلك يخالف المرتد عن الإسلام يقتله الإمام أو الأجنبي؛ لأن دم هؤلاء مباح لحق الله عز وجل ولا حق لآدمي فيه يحد عليهم كحق أولياء القتيل في أخذ الدية من قاتل وليهم ولا سبيل إلى العفو عنه كسبيل ولاة القتيل إلى العفو عن قاتل صاحبهم.
ولو قتل رجل رجلا عمدا فعدا عليه أجنبي فقتله والأجنبي ممن لا يقتل بالمقتول إما بأنه مغلوب على عقله أو صبي لم يبلغ وإما بأنه مسلم والمقتول كافر فعلى القاتل إذا كان هكذا دية المقتول ولأولياء المقتول الأول أخذ الدية من قاتل قاتلهم فإن كان فيها وفاء من دية صاحبهم فهي لهم وإن كان فيها فضل عن دية صاحبهم رد على ورثة المقتول فإن كانت تنقص أخذوا ما بقي من ماله وإن كانت على القاتل المقتول الذي أخذت ديته ديون من جنايات وغيرها فأولياء المقتول الأول شركاؤهم في ديته وغيرها وليسوا بأحق بديته من أهل الديون غيرهم؛ لأن ديته غير ديته وهو مال من ماله ليسوا بأحق به من غيرهم. .
الجناية على اليدين والرجلين
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطعت اليد من مفصل الكف ففيها نصف الدية وإن قطعت من الساعد أو المرفق أو ما بين الساعد والمرفق ففيها نصف للدية والزيادة على الكف حكومة يزاد في الحكومة بقدر ما يزاد على الكف ولا يبلغ بالزيادة وإن أتت على المنكب دية كف تامة وسواء اليد اليمنى واليسرى ويد الأعسر ويد غيره وهكذا الرجلان إذا قطعت إحداهما من مفصل الكعب ففيها
نصف الدية فإن قطعت من الساق أو الركبة أو الفخذ حتى يستوعب الفخذ ففيها نصف دية وزيادة حكومة كما وصفت في اليدين ويزاد فيها بقدر الزيادة على موضع القدم لا تبلغ الزيادة، وإن جاءت على الورك دية رجل تامة.
وإن قطعت اليد بالمنكب أو إحدى الرجلين بالورك فلم يكن من واحد من القطعين جائفة فهو كما وصفت وإن كانت من واحد منهما جائفة ففيها دية الرجل واليد والحكومة في الزيادة ودية جائفة، وسواء رجل الأعرج إذا كانت القدم سالمة فقطعت ويد الأعسر إذا كانت الكف سالمة ورجل الصحيح ويد غير الأعسر وإنما تكون فيها الدية إذا كانت أصابعها الخمس سالمة فإن كانت الكف سالمة ورجل الصحيح ويد غير الأعسر وإنما تكون فيها الدية إذا كانت أصابعها الخمس سالمة فإن كانت أصابعها أربعا ففيها أربعة أخماس دية وحكومة الكف لا يبلغ بها دية أصبع.
وإن كانت أصابعها خمسا إحداها شلاء ففيها أربعة أخماس دية وحكومة الكف والأصبع الشلاء أكثر من الحكومة في الكف ليس لها إلا أربعة أصابع وإن كانت أصابعها ستا ففيها ديتها وهي نصف الدية وحكومة في الأصبع الزائدة، وكذلك إن كانت فيها أصبعان زائدتان أو أكثر يزاد في الحكومة بقدر زيادة الأصابع الزوائد ولا تختلف رجل الأعرج والصحيح إلا في أن يجني على رجليهما فيزيد عرج العرجاء وتعرج الصحيحة فتكون الحكومة في الصحيحة أكثر فأما إذا قطعتا أو شلتا فلا تختلفان وإذا كانت اليد الشلاء فقطعت ففيها حكومة والشلل اليبس في الكف فتيبس الأصابع أو في الأصابع وإن لم تيبس الكف فإذا كانت الأصابع منقبضة لا تنبسط بحال أو تنبسط إن مدت فإن أرسلت رجعت إلى الانقباض بغير أن تقبض أو منبسطة لا تنقبض بحال أو لا تنقبض إلا أن تقبض فإن أرسلت رجعت إلى الانبساط بغير أن تنبسط فهي شلاء.
وسواء في العقل كان الشلل من استرخاء مفصل الكف أو الأصابع وإن كان الشلل من استرخاء الذراع أو العضد أو المنكب ففي شلل الكف الدية وفي استرخاء ما فوقها حكومة وإذا أصيبت الأصابع فكانت عوجاء أو الكف وكانت عوجاء وأصابعها تنقبض وتنبسط ففيها حكومة، وإن جنى عليها بعدما أصيبت ففيها دية تامة وهكذا إن رضخت الأصابع فجبرت تنقبض وتنبسط غير أن أثر الرضخ فيها كالحفر ففيها حكومة ويزاد فيها بقدر الشين والألم وإن جنى عليها بعد فأصيبت ففيها ديتها تامة وسواء يد الرجل التامة الباطشة القوية ويد الرجل الضعيفة القبيحة المكروهة الأطراف إذا كانت الأصابع سالمة من الشلل وسواء الكف المتعجرة من خلقتها أو المتعجرة من مصيبة بها والأصابع إذا سلمت من اليبس لم ينقص أرشها الشين.
والقول في الرجل كالقول في اليد سواء، وسواء إذا قطعت رجل من لا رجل له إلا واحدة أو يد من لا يد له إلا واحدة أو من له يدان ففي الرجل نصف الدية وفي اليد نصف الدية ولو أن رجلا خلقت له في يمناه كفان أو يدان منفصلتان أو خلقتا في يسراه أو في يمناه ويسراه معا حتى تكون له أربعة أيد نظر إليهما، فإن كانت العضد والذراع واحدة والكفان مفترقتان في مفصل فقطع التي لا يبطش بها ففيها الدية والقصاص إن كان قطعها عمدا ولو قطعت الأخرى التي لا يبطش بها كانت فيها حكومة وجعلتها كالأصبع الزائدة مع الأصابع من تمام الخلقة.
وإن كان يبطش بهما جميعا جعلت اليد التامة التي هي أكثرهما بطشا إن كان موضعها من مفصل الذراع، مستقيما على مفصل أو زائلا عنه وجعلت الأخرى الزائدة إن كان موضعها من مفصل الذراع مستقيما عليه أو زائلا عنه وإن كان بطشهما سواء وكانت إحداهما مستقيمة على مفصل الذراع جعلت المستقيمة اليد التي لها القود وتمام الأرش وجعلت الأخرى
الزائدة وإن كان موضعهما من مفصل الذراع واحدا ليست واحدة منهما أشد استقامة على مفصل الذراع من الأخرى ولا يبطش بإحداهما إلا كبطشه بالأخرى فهاتان كفان ناقصتان فأيهما قطعت على الانفراد فلا يبلغ بها دية كف تامة ويجعل فيها حكومة يجاوز بها نصف دية كف وإن قطعتا معا ففيهما دية كف ويجاوز فيها دية كف على ما وصفت من أن تزاد كل واحدة منهما على نصف دية كف وهكذا إذا قطعت أصبع من أصابعهما أو شلت الكف أو أصبع من أصابعها وهكذا لو كانت لهما ذراعان وعضدان وأصل منكب كان القول فيهما كالقول فيهما إذا كانت لهما كفان في ذراع واحدة لا يختلف إلا بزيادة الحكومة في قطع الذراعين أو العضدين أو الذراعين مع الكفين فيزاد في حكومة ذلك بقدر الزيادة في ألمه وشينه ولو كان له كفان في ذراع إحداهما ناقصة الأصابع والأخرى تامتها أو إحداهما زائدة الأصابع والأخرى تامتها أو ناقصتها كانت الكف منهما العاملة دون التي لا تعمل فإن كانتا تعملان فالكف منهما أقواهما عملا فإن استوتا في العمل فالكف منهما المستقيمة المخرج على الذراع وإن كانتا سواء فالكف منهما التامة دون الناقصة والأخرى زائدة وإن كانت إحداهما زائدة والأخرى غير زائدة فهما سواء وليست واحدة منهما أولى بالكف من الأخرى، وكذلك إن كانتا زائدتين معا ولو خلقت لرجل كفان في ذراع إحداهما فوق الأخرى منفصلة منها فكان يبطش بالسفلى التي تلي العمل بطشا ضعيفا أو قويا وكانت سالمة ولا يبطش بالعليا كانت السفلى هي الكف التي فيها القود والعقل تاما والعليا الزائدة فإن كان لا يبطش بالسفلى بحال فهي كالشلاء ولا تكون سالمة الأصابع إلا وهو يتناول بها وإن ضعف تناوله وإن كان يبطش بالعليا منهما كانت الكف.
وإن كان لا يقدر على البطش بها وهي فيما ترى سالمة فقطعت لم يكن فيها قود ولا دية كف تامة. ولا تكون أبدا باطشة بالرؤية دون أن يشهد لها على بطش أو ما في معنى البطش، من قبض وبسط وتناول شيء.
الرجلين
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو خلقت لرجل قدمان في ساق فكان يطأ بهما معا وكانت أصابعهما معا سالمة لم تكن واحدة منهما أولى باسم القدم من الأخرى، وأيتهما قطعت على الانفراد فلا قود فيها، وفيها حكومة يجاوز بها نصف أرش القدم وإن قطعتا معا فعلى قاطعهما القود وحكومة، ولو قطعت الأولى كانت فيها حكومة، فإن قطع قاطع الأولى الثانية وهي سالمة يمشي عليها حين انفردت كان عليه القصاص مع حكومة الأولى وإن قطعها غيره فلا قصاص على واحد منهما وعلى كل واحد حكومة أكثر من نصف أرش الرجل.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (247)
صــــــــــ 78 الى صـــــــــــ 83
(قال الشافعي): ولو قال الذي قطعت إحدى رجليه اللتين هما هكذا أقدني من بعض أصابعي لم أقده؛ لأن أصابعه ليست كأصابعه ولو كانت القدمان في ساق فكانت إحداهما مستقيمة الخلقة على مخرج الساق وفي الأخرى جنف أو عوج للمخرج عن عظم الساق فكان يطأ بهما معا فالقدم المستقيمة على مخرج الساق وفيها القصاص، والأخرى الزائدة لا قصاص فيها، وفيها حكومة ولو كانت المستقيمة على مخرج الساق أقصر من الخارجة زائلة عن مخرج الساق وكان يطأ على الزائلة كلها وطئا مستقيما فقطعت لم أعجل بالقود فيها حتى أنظر فإن وطئ على الأخرى المستقيمة وطئا مستقيما كانت هي القدم وكانت الأخرى هي المانعة لها بطولها فلما ذهبت وطئ
على هذه ففي الأولى حكومة ولا قود وفي هذه إن قطعت بعد قود والدية تامة.
(قال الشافعي): وإن لم يطأ على هذه بحال كانت الأولى القدم وكان فيها القود إن أصيبت ودية القدم تامة وفي هذه إن أصيبت بعد حكومة (قال الشافعي): ولو لم تقطع ولكن جنى عليها فأشلت فصار لا يطأ عليها جعلت فيها دية القدم تامة فإن قطعت فقضيت فيها بدية القدم فوطئ على الأخرى بعد قطع التي جعلت فيها الدية نقضت الحكم في الأولى ورددته بفضل ما بين الحكومة والدية فأخذت منهم حكومة ورددت عليه ما بقي وعلمت حينئذ أن هذه هي القدم وجعلت في هذه القود تاما (قال الشافعي): والقول فيها إذا قطعت من الساق والفخذ كالقول في اليد إذا قطعت من الذراع والعضد لا يختلف. .
الأليتين (قال الشافعي): وإذا قطعت أليتا الرجل أو المرأة ففيهما الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وكذلك أليتا الصبي فأيهم قطعت أليتاه عظيم الأليتين أو صغيرهما فسواء والأليتان كل ما أشرف على الظهر من المأكمتين إلى ما أشرف على استواء الفخذين وما قطع منهما فبحساب وإذا كان يقدر على القصاص منهما ففيهما القصاص إن كان قطعهما عمدا وما قطع من الأليتين ففيه بحساب الأليتين وما شق منهما ففيه حكومة وما قطع من الأليتين فبان، ثم نبت واستخلف أو لم ينبت فسواء وفيما قطع فأبين منهما بحساب الأليتين ولو قطع فلم يبن، ثم أعيد فالتحم كانت فيه حكومة وهذا كالشق فيه يلتئم ومخالف لما بان، ثم نبت غيره وما بان، ثم أعيد بنفسه فثبت فالتأم.
الأنثيين
(قال الشافعي): وإذا قطعت أنثيا الرجل أو الصبي أو الخصي ففيهما القود إن كان القطع عمدا إلا أن يشاء المجني عليه أن يأخذ الأرش فيكون له فيهما الدية وإذا قطعت إحداهما ففيها نصف الدية وسواء اليسرى أو اليمنى ولو قطع رجل إحدى الأنثيين فسقطت الأخرى عمدا كان عليه القصاص إن كان يستطاع القصاص من إحداهما وتثبت الأخرى وعقل التي سقطت ولو أن رجلا وجأ رجلا كما توجأ البهائم فإن كان يدرك علم ذلك أنه إذا وجئ كان ذلك كالشلل في الأنثيين ففيهما الدية كما تكون على الجاني دية يد لو ضربت يد رجل فشلت، وإن كان لا يدرك علمه في المجني عليه إلا بقول المجني عليه فالقول قوله مع يمينه وعلى الجاني الدية إن كان أدرك علم ذلك في غيره قط، وإذا سلت البيضتان وبقيت الجلدة تم عقلهما والقصاص فيهما، وإن قطعهما بالجلدة لم يزد عليه شيء للجلدة وفيهما القصاص والدية تامة وإذا سلت البيضتان، ثم قطعت الجلدة ففي البيضتين الدية وفي الجلدة الحكومة، وإذا اختلف الجاني والمجني عليه فقال الجاني: جنيت عليه وهو موجوء وقال المجني عليه بل صحيح فالقول قول المجني عليه مع يمينه؛ لأن هذا مما يغيب عن أبصار الناس ولا يجوز كشفه لهم. .
الجناية على ركب المرأة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قطعت إسكتا المرأة وهما شفراها، فإن قطعه رجل فلا قصاص؛ لأنه ليس له مثله فإن قطعته امرأة فعليها القصاص إن كان يقدر على القصاص منه إلا أن تشاء العقل فإن شاءته فلها الدية تامة وفي أحد شفريها إذا أوعب نصف الدية وفي الشفرين الدية فإن قطع الشفران وأعلى الركب ففيهما الدية وفي الأعلى حكومة وإن قطع الأعلى فكان الشفران بحالهما ففي الأعلى حكومة وإن انقطع الشفران معهما أو ماتا حتى يصير ذلك فيهما كالشلل في اليد ففيهما الدية وفي الأعلى حكومة وسواء في ذلك المخفوضة وغير المخفوضة، فإن كانت امرأة مقطوعة الشفرين قد التحما فقطع إنسان ما التحم منهما فعليه حكومة وسواء في هذا شفر الصغيرة والعجوز والشابة لا يختلف وسواء شفر الرتقاء التي لا تؤتى والبكر والثيب تؤتى وكذلك أركابهن كلهن سواء لا تختلف.
عقل الأصابع
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن «في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل»، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا ابن علية بإسناده عن رجل عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «في الأصابع عشر عشر» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبهذا نقول ففي كل أصبع قطعت من رجل عشر من الإبل، وسواء في ذلك الخنصر والإبهام والوسطى إنما العقل على الأسماء.
(قال الشافعي): وأصابع اليدين والرجلين سواء وأصابع الصغير والكبير الفاني والشاب سواء، والإبهام من أصابع القدم مفصلان فإذا قطع منهما مفصل ففيه خمس من الإبل ولما سواها من الأصابع ثلاثة مفاصل فإذا قطع منها مفصل ففيه ثلاث من الإبل وثلث وإن خلق لأحد مفاصل أصابعه، سواء لكل أصبع مفصلان وكانت أصابعه سالمة يقبضها ويبسطها ويبطش بها ففي كل مفصل نصف دية الأصبع خمس من الإبل وإن كان ذلك يشلها ففي أصبعه إذا قطعت حكومة وإذا كان لأصبع هذا مفصلان وكانت سالمة فقطعها إنسان عمدا فعليه القصاص فإن قطع إحدى أنملتيها فله إن شاء القصاص من أنملة أصبع القاطع فإن كان في أصبع القاطع ثلاث أنامل أخذ مع القصاص سدس عقل الأصبع ولو خلق إنسان له في أصبع أربع أنامل كانت في كل أنملة ربع دية الأصبع بعيران ونصف إن كانت أصابعه سالمة وإذا خلقت له في أصبع أربع أنامل فقطع رجل منها أنملة عمدا وله في كل أصبع ثلاث أنامل فلا قصاص عليه؛ لأن أنملته أزيد من أنملة المقتص له ولو كان القاطع هو الذي له أربع أنامل والمقطوع له ثلاث أنامل فله القصاص وأرش ما بين ربع أنملة وثلثها ولو كانت لرجل أصبع فيها أربع أنامل أو فيها أنملتان فكانت أطول من الأصابع معها أو أقصر منها وهي سالمة ففيها عقلها تاما وليست كالسن تسقط فيستخلف أقصر من
الأسنان؛ لأن الأصابع هكذا تخلق ولا تسقط فتستخلف والأسنان تسقط فتستخلف.
وإذا بقيت في الكف أصبع أو أصبعان أو ثلاث أو أربع فقطعت الكف والأصابع فعلى القاطع أرش الأصابع تاما وحكومة تامة في الكف لا يبلغ بها أرش أصبع، وسواء كانت الكف من امرأة أو رجل لا يبلغ بحكومتها أرش أصبع إذا كانت مع أصابع ولا يسقط أن يكون فيها حكومة إلا بأن يؤخذ أرش اليد تاما فتدخل الكف مع الأصابع؛ لأنها حينئذ يد تامة، وإذا قطعت الأصابع وأخذ أرشها أو عفا أو اقتص منها، ثم قطعت الكف ففيها حكومة على ما وصفت الحكومات، وسواء قطع الكف والأصابع أو غيره، ولو جنى رجل على الأصابع عمدا فقطعها، ثم قطع الكف اقتص منه كما صنع فقطعت أصابعه، ثم كفه، وإن شاء المجني عليه فقطع أصابعه وأخذ منه أرش كفه وقال في الأصبع الزائدة حكومة.
ولو خلقت لرجل أصبع أنملتها التي فيها الظفر أنملتان مفترقتان في كلتيهما ظفر وليست واحدة منهما أشد استقامة على خلقة الأصابع من الأخرى ولا أحسن حركة من الأخرى فقطع إنسان إحداهما لم يكن عليه قصاص وكانت عليه حكومة تجاوز نصف أرش أنملة وإن قطع هو أو غيره الثانية كانت فيها حكومة الأولى وكذلك إن قطعهما معا فعليه دية أصبع وحكومة في الزيادة فلو خلقت له أصابع عشر في كف كان القول فيها كالقول فيه لو خلقت له كفان الأصابع المستقيمة على الأكثر من خلقة الآدميين أصابعه إذا كانت سالمة كلها، وكذلك لو خلقت له أصبعان فكانت إحداهما باطشة والأخرى غير باطشة كانت الباطشة أولى باسم الأصبع.
ولو كان هذا في الرجلين كان هذا هكذا إذا كان يطأ عليها كلها فإن كان يطأ على بعضها ولا يطأ على بعض، فإن الأصابع التي فيها عشر عشر هي التي يطأ عليها، والتي لا يطأ عليها زوائد إذا قطع منها شيء كانت فيها حكومة، ولو خلقت لرجل أصبع زائدة ولآخر مثلها في مثل موضعها فجنى أحدهما على الآخر عمدا فقطع أصبعه الزائدة قطعت بها أصبعه الزائدة إن شاء إذا كانت في مثل موضعها وإن لم تكن في مثل موضعها لم تقطع، ولو اختلفت الزائدتان فكانت من القاطع أو المقطوع أتم كانت إحداهما بالأخرى إذا كانت مفاصلهما واحدة فإن كانت الزائدة من القاطع بثلاثة مفاصل والزائدة من المقطوع بمفصل واحد أو مثل الثؤلول وما أشبهه لم يقد وكانت له حكومة، وإن كانت من المقطوع مثلها من القاطع أو من القاطع مثلها من المقطوع فللمقطوع الخيار بين القود أو حكومة وبين الأرش لنقص أصبع المقطوع عن أصبعه والحكومة أقل من حكومتها لو لم يستقد.
أرش الموضحة
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن «في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في الموضحة خمس» أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه (قال الشافعي): وبهذا نقول وفي الموضحة خمس من الإبل وذلك نصف عشر دية الرجل (قال الشافعي): والموضحة في الرأس والوجه. كله
سواء، وسواء مقدم الرأس ومؤخره فيها وأعلى الوجه وأسفله واللحى الأسفل باطنه وظاهره وما تحت شعر اللحية منها وما برز من الوجه، كلها سواء ما تحت منابت شعر الرأس من الموضحة وما يخرج مما بين الأذن ومنابت شعر الرأس (قال الشافعي): ولا يكون في شيء من المواضح خمس من الإبل إلا في موضحة الرأس والوجه؛ لأنهما اللذان يبدوان من الرجل فأما موضحة في ذراع أو عنق أو عضد أو ضلع أو صدر أو غيره فلا يكون فيها إلا حكومة. والموضحة على الاسم فما أوضح من صغير أو كبير عن العظم ففيه خمس من الإبل لا يزاد في كبير منها ولو أخذت قطري الرأس ولا ينقص منها ولو لم يكن إلا قدر محيط؛ لأنه يقع على كل اسم موضحة، وهكذا كل ما في الرأس من الشجاج فهو على الأسماء ولو ضرب رجل رجلا بشيء فشجه شجة موتصلة فأوضح بعضها ولم يوضح بعض كان فيها أرش موضحة فقط وكذلك لو لم تزد على أن خرق الجلد من موضح وبضع من آخر وأوضح من آخر ففيها أرش موضحة؛ لأن هذه الشجة موتصلة
قال الشافعي): ولو بقي من الجلد شيء قل أو كثر لم ينخرق وإن ورم فاخضر وأوضح من موضعين والجلد الذي لم ينخرق حاجز بينهما كان موضحتين، وكذلك لو كانت مواضح بينهما فصول لم تنخرق
قال الشافعي): ولو شجه فأوضحه موضحتين وبينهما من الجلد شيء لم ينخرق، ثم تأكل فانخرق كانت موضحة واحدة؛ لأن الشجة اتصلت من الجناية ولو اختلف الجاني والمجني عليه فقال المجني عليه: أنت شققت الموضع الذي لم يكن انشق من رأسي فلي موضحتان وقال الجاني: بل تأكل من جنايتي فانشق فالقول قول المجني عليه مع يمينه؛ لأنه قد وجبت له موضحتان فلا يبطلهما إلا إقراره أو بينة تقوم عليه ولا يقص بموضحة إلا بإقرار الجاني أو بشاهدين يشهدان أن العظم قد برز حتى قرعه المرود وإن لم ير العظم؛ لأن الدم قد يحول دونه أو شاهد وامرأتين بذلك؛ لأن الدم يحول بينه وبين أن يرى، أو شاهد يشهد على هذا ويمين المدعي إذا كانت الجناية خطأ فإن كانت عمدا لم يقبل فيها شاهد ويمين ولا شاهد وامرأتان؛ لأن المال لا يجب إلا بوجوب القصاص، وإذا اختلف الجاني والمجني عليه في الموضحة فالقول قول الجاني أنها لم توضح مع يمينه وعلى المجني عليه البينة.
الهاشمة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وقد حفظت عن عدد لقيتهم وذكر لي عنهم أنهم قالوا في الهاشمة عشر من الإبل وبهذا أقول (قال): والهاشمة التي توضح ثم تهشم العظم ولا يلزم الجاني هاشمة إلا بإقراره أو بما وصفت من البينة على أن العظم انهشم فإذا قامت بذلك بينة لزمته هاشمة، ولو كانت الشجة كبيرة فهشمت موضعا أو مواضع بينهما شيء من العظم لم ينهشم كانت هاشمة واحدة؛ لأنها جناية واحدة، ولو كان بينهما شيء من الرأس لم تشققه، والضربة واحدة فهشمت مواضع كان في كل موضع منها انفصل حتى لا يصل به غيره مجروحا بتلك الضربة هاشمة وهذا هكذا في المنقلة والمأمومة. .
المنقلة (قال الشافعي) لست أعلم خلافا في أن في المنقلة خمس عشرة من الإبل وبهذا أقول وهذا قول من حفظت عنه ممن لقيت لا أعلم فيها بينهم اختلافا، والمنقلة التي تكسر عظم الرأس حتى يتشظى فتستخرج عظامه من الرأس ليلتئم وإنما قيل لها المنقلة لأن عظامها تنقل وقد يقال لها المنقولة وإذا نقل من عظامها شيء قل أو كثر فقد تم عقلها خمس عشرة من الإبل وذلك عشر ونصف عشر دية، ولا يجاوز الهاشمة حتى ينقل بعض عظامها كما وصفت. .
المأمومة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لست أعلم خلافا في أن في المأمومة ثلث الدية، وبهذا نقول في المأمومة ثلث النفس وذلك ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث. والآمة التي تخرق عظم الرأس حتى تصل إلى الدماغ وسواء قليل ما خرقت منه أو كثيرة كما وصفت في الموضحة، ولا نثبت مأمومة إلا بشهود يشهدون عليها كما وصفت بأنها قد خرقت العظم فإذا أثبتوا أنها قد خرقت العظم حتى لم يبق دون الدماغ حائل إلا أن تكون جلدة دماغ فهي آمة وإن لم يثبتوا أنهم رأوا الدماغ.
ما دون الموضحة من الشجاج
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيما دون الموضحة من الشجاج بشيء وأكثر قول من لقيت أنه ليس فيما دون الموضحة أرش معلوم وأن في جميع ما دونها حكومة قال وبهذا نقول. .
الشجاج في الوجه
(قال الشافعي): والموضحة في الوجه والرأس سواء لا يزاد إن شانت الوجه، وهكذا كل ما فيه العقل مسمى
(قال الشافعي): والهاشمة والمنقلة في الرأس والوجه سواء وفي اللحى الأسفل وجميع الوجه، وكذلك هي في اللحيين وحيث يصل إلى الدماغ سواء ولو كانت في الاحسة فخرقت إلى الفم أو كانت في اللحى فخرقت حتى تنفذ العظم واللحم والجلد ففيها قولان: أحدهما أن فيه ثلث النفس؛ لأنها قد خرقت خرق الآمة وأنها كانت في موضع كالرأس والآخر أنه ليس فيها ذلك، وفيها أكثر مما في الهاشمة؛ لأنها لم تخرق إلى الدماغ ولا جوف فتكون في معنى المأمومة أو الجائفة. وإذا شانت الشجاج التي فيها أرش معلوم بالوجه لم يزد في شين الوجه شيء. وإذا كانت الشجاج التي دون الموضحة كانت
فيها حكومة لا يبلغ بها بحال قدر موضحة وإن كان الشين أكثر من قدر موضحة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وقت في الموضحة خمسا من الإبل لم يجز أن تكون الخمس فيما هو أقل منها، وكل جرح عدا الوجه والرأس فإنما فيه حكومة إلا الجائفة فقط. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (248)
صــــــــــ 83 الى صـــــــــــ 89
الجائفة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لست أعلم خلافا في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «وفي الجائفة ثلث الدية» وبهذا نقول وفي الجائفة الثلث وسواء كانت في البطن أو في الصدر أو في الظهر إذا وصلت الطعنة أو الجناية ما كانت إلى الجوف من أي ناحية كانت من جنب أو ظهر أو بطن ففيها ثلث دية النفس ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث. ولو طعن في وركه فجافته كانت فيها جائفة. ولو طعن في ثغرة نحره فجافته كانت فيها جائفة. ولو طعن في فخذه فمضت الطعنة حتى جافته كانت فيها جائفة وحكومة بزيادة الطعنة في الفخذ؛ لأن هذه جناية جمعت بين شيئين مختلفين كما لو شجه موضحة في رأسه فمضت في رقبته كانت فيها موضحة وحكومة لاختلاف الحكم في موضع الجرحين. ولو طعن رجل رجلا في حلقه أو في مريئه فخرقه كانت فيها جائفة؛ لأن كل واحد منهما يصل إلى الجوف.
، وكذلك لو طعنه في الشرج فخرقه؛ لأن ذلك يصل إلى الجوف. .
ما لا يكون جائفة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن امرأة عدت على امرأة عذراء فافتضتها فإن كانت أمة فعليها ما نقصها ذهاب العذرة. وإن كانت حرة فعليها حكومة بهذا المعنى: فيقال: أرأيت لو كانت أمة تسوى خمسين من الإبل كم ينقصها ذهاب العذرة في القيمة؟ فإن قيل: العشر، كانت عليها خمس من الإبل وإن قيل أكثر أو أقل، كان ذلك عليها، وكذلك لو افتضها رجل بأصبعه أو بشيء غير فرجه فإن افتضها بفرجه فعليه مهر مثلها بالإصابة وحكومة على ما وصفت لا تدخل في مهر مثلها؛ لأنه لو أصابها ثيبا كان عليه مهر مثلها عوضا من الجماع الذي لم تكن هي به زانية ولا تبطل المعصية عنه الجناية إذا كانت مع الجماع ولو افتضها فأفضاها أو أفضاها وهي ثيب كانت عليه ديتها؛ لأنها جناية واحدة وعليه مهر مثلها ولو افتضتها امرأة أو رجل يعود بلا جماع كانت عليهما ديتها وليس هذا من معنى الجائفة بسبيل ولو أن امرأة أدخلت في فرج امرأة ثيب أو دبرها عودا أو عصرت بطنها فخرج منها خلاء أو من فرجها دم لم يكن شيء من هذا في معاني الجائفة وتعزر ولا شيء عليها، وكذلك لو صنع هذا رجل بامرأة أو رجل وهكذا لو أدخل في حلقه أو حلق امرأة شيئا حتى يصل إلى جوفه عزر ولم يكن في هذا ما في الجائفة، ولو كانت برجل جائفة فأدخل رجل فيها أصبعه أو عصا أو جريدا حتى وصلت إلى الجوف فإن لم يكن زاد في الجائفة شيئا لم يكن عليه أرش وإن كان زاد فيها ضمن ما زاد وإن أدخل السكين جائفته التي لم تكن من جنايته، ثم شق في بطنه شقا إلى الجوف فعليه دية جائفة، وإن شق ما لا يبلغ إلى الجوف ففيه حكومة وإن نكأ في الجوف شيئا ففيه حكومة، وإن خرق بالسكين الأمعاء ضمن النفس
كلها إن مات ولا أحسبه يعيش إذا خرق أمعاءه وإن كان لا يعيش بخرق الأمعاء كالذبح وإن لم يخرقه ونكأ فمات المجني عليه ضمن نصف دية النفس وجعلت الموت من الجناية الأولى وجنايته الثانية (قال الشافعي): ولو أدخل يده أو عودا في حلقه أو موضعا منه فلا يكون فيه ما في الجائفة، وإذا لم يزل مريضا ضمنا مما صنع به فهو قاتل يضمن دية النفس، وإذا طعنه جائفة فأنفذها حتى خرجت من الشق الآخر أو رد الرمح فيها فجافه إلى جنبها وبينهما شيء لم يخرقه فهي جائفتان، وهكذا لو طعنه برمح فيه سنان مفترق فخرقه خرقين بينهما شيء ولم يخرق ما بين الجائفتين (قال الشافعي): ولو أصيب بطن رجل فخيط فلم يلتئم حتى طعنه رجل ففتق الخياطة وجافه فعليه حكومة وإن التأم فطعنه في الموضع الذي طعن فيه فالتأم فعليه جائفة. وهذا هكذا في كل الجراح فلو شج رجل رجلا موضحة فلم تلتئم حتى شجه رجل عليها موضحة كانت عليه حكومة، ولو برأت والتأمت فشجه موضحة فعليه أرش موضحة تام والقود إن كانت الشجة عمدا والالتئام يلتصق اللحم ويعلوه الجلد وإن ذهب شعر الجلد أو كان الجلد في البطن أو الرأس متغير اللون عما كان عليه قبل الجناية وعما عليه سائر الجسد إذا كان جلدا ملتئما (قال الشافعي): وإذا أصابه بجائفة فقال أهل العلم: قد نكأ ما في بطنه من معى أو غيره فعليه جائفة وحكومة (قال الشافعي): وسواء ما ناله به فصار جائفة من حديد أو شيء محدد يشبه الحديد فأنفذه مكانه أو قرح وألم حتى يصير جائفة فعليه في هذا كله أرش جائفة ولو كان لم يزده على أكرة أو ما أشبهها إذا أثرت، ثم ألم من موضع الأثر حتى تصير جائفة.
كسر العظام
(قال الشافعي): روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال في الترقوة جمل وفي الضلع جمل ويشبه - والله أعلم - أن يكون ما حكي عن عمر - رضي الله عنه - فيما وصفت حكومة لا توقيت عقل ففي كل عظم كسر من إنسان غير السن حكومة وليس في شيء منها أرش معلوم وما يؤخذ في الحكومات كلها بسبب الديات في المسلمين الأحرار والعبيد وأهل الذمة من الإبل؛ لأنها من سبب الجنايات والديات وإذا جبر العظم مستقيما لا عيب فيه ففيه حكومة وإذا جبر معيبا فعليه حكومة بقدر شينه وضرره وعليه حكومة إذا جبر صحيحا لا عتم فيه. .
العوج والعرج في كسر العظام
(قال الشافعي): وإذا كسر الرجل أصبع الرجل فشلت فقد تم عقلها ولو لم تشلل وبرأت معوجة أو ناقصة أو معيبة ففيها حكومة لا يبلغ بها دية الأصبع وهذا هكذا في الكف إن برأت معوجة ففيها حكومة، وإن شل شيء من الأصابع ففيما شل من الأصابع عقله تاما وفي الكف إن عيبت بعوج أو
غيره حكومة (قال الشافعي): وإن كان هذا في الذراع فبرأت متعوجة فقال الجاني: خلوا بيني وبين كسرها لتجبر مستقيمة لم يكره على ذلك المكسورة ذراعه وجعلت على الجاني أو عاقلته حكومة في جنايته (قال الشافعي): ولو كسرها بعدما برئت متعوجة فبرأت مستقيمة كانت له الحكومة بحالها الأولى متعوجة؛ لأن ذهاب العوج من شيء أحدثه بعد وهذا هكذا في كسر العظام كلها (قال الشافعي): وإن كسر يدا فعصبت غير أن اليد تبطش ناقصة البطش أو تامته ففيها حكومة يزاد فيها بقدر الشين ونقص البطش إلا أن يموت من الأصابع شيء أو يشل فيكون فيه عقله تاما، وكذلك العوج وكل عيب كان مع هذا. وإن كسر ساقه أو فخذه فبرأت عوجاء أو ناقصة يبين العوج فيها ففيها حكومة بقدر ما نقص العوج، وكذلك إن كسر القدم أو شلت أصابع القدم فقد تم عقلها وفيها خمسون من الإبل وإذا سلمت الأصابع وعيبت القدم ففيها حكومة بقدر العيب ونقص المنفعة منه، وإن كسر القدم أو ما فوقها إلى الفخذ أو الورك وبرأت يطأ عليها وطئا ضعيفا ففيها حكومة فيزاد فيها بقدر زيادة الألم والنقص والعيب، وهكذا إن قصرت وأصابع الرجل سالمة حتى لا يطأ بها الأرض إلا معتمدا على شق معلقا الرجل الأخرى ففيها حكومة بقدر ما ناله، ولو أصابها من هذا شيء لا يقدر معه على أن يثني رجله ويبسطها فكانت منقبضة لا تنبسط أو منبسطة لا تنقبض ولا يقدر على الوطء عليها معتمدا على عصا ولا على شيء بحال، ثم عقلها وكان فيها خمسون من الإبل وسواء كان هذا من ورك أو ساق أو قدم أو فخذ إذا لم يقدر على الوطء بحال تم عقلها ولو جنى عليها بعد تمام عقلها جان فقطعها كانت عليه حكومة ولم تكن عليه دية رجل تامة ولا قود إن كانت جنايته عليها عمدا، ولو جنى جان على رجل أعرج، ورجله سالمة الأصابع يطأ عليها فقطعها من المفصل كان عليه القود إن كانت جنايته عمدا فإن كانت خطأ ففيها نصف الدية إن شاء في العمد في مال الجاني ونصفها خطأ في أموال عاقلة الجاني. وهكذا الأعسر يجنى على يده سالمة الأصابع والبطش، ولو جنى رجل على رجل فضرب بين وركيه أو ظهره أو رجليه فمنعه المشي ورجلاه تنقبضان وتنبسطان فعليه الدية تامة ومتى أعطيته الدية في شيء من هذه الوجوه الثلاثة التي بها أعطيته الدية، ثم عاد إلى حاله رددت بها ما أخذت ممن أخذت منه الدية عليه ولو لم يمنعه المشي ولكنه منعه المشي إلا معتمدا أعرج أو يجر رجليه فعلى الجاني حكومة لا دية فإذا قطعت رجل هذا ففيها القود والدية تامة لسلامة الأصابع والرجل وإن كان فيها معتمدا أو كان ضعيفا كما تكون الدية تامة في العين يبصر بها وإن كان فيها ضعف. .
كسر الصلب والعنق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن جنى رجل على رجل فالتوت عنقه من جنايته حتى يقلب وجهه فيصير كالملتفت أو أصاب ذلك رقبته وإن لم يعوج وجهه أو يبست رقبته فصار لا يلتفت أو يلفت التفاتا ضعيفا وهو يسيغ الماء والطعام والريق ويتكلم ففيها حكومة يزاد فيها بقدر الألم والشين ومبلغ نقص المنفعة فإن نقص ذلك كلامه وشق عليه معه إساغة الماء زيد في الحكومة فإن منعه ذلك إساغة الطعام إلا أن يوجره أو المضغ إلا نغبا نغبا زيد في الحكومة ولا يبلغ بها بحال دية تامة ولو نقص ذلك من كلامه حتى صار لا يفصح ببعض الكلام كانت فيه من الدية بحساب ما نقص من كلامه وحكومة لما أصابه سواه
لأن ما أصابه غير الكلام (قال الشافعي): ولو ذهب كلامه كانت عليه الدية تامة وحكومة فيما صار إلى عنقه من الجناية (قال الشافعي): ولو صار لا يسيغ طعاما ولا شرابا كان هذا لا يعيش فيما أرى فيتربص به فإن مات ففيه الدية وإن عاش وأساغ الماء والطعام ففيه حكومة.
كسر الصلب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كسر الرجل صلب الرجل فمنعه أن يمشي بحال فعليه الدية فإن مشى معتمدا فعليه حكومة وإن لم تنقص مشيته وبرأ مستقيما فعليه حكومة وإن برأ معوجا فعليه حكومة ويزاد عليه في الحكومة بقدر العوج وإن ادعى أن قد أذهب الكسر جماعه فإن كانت لذلك علامة تعرف بوصفها فالقول قوله مع يمينه وعلى الجاني الدية تامة لا حكومة معها؛ لأن ذهاب الجماع إنما كان في العيب بالصلب والجماع ليس بشيء قائم كالكلام باللسان مع الرقبة ولكن لو أشل ذكره بالكسر أو قطعه به كانت عليه دية وحكومة؛ لأنها حينئذ جناية على صلب فولدت على شيء قائم غير الصلب (قال الشافعي): وإن لم يكن لذلك علامة تدل عليه وقال أهل العلم به: إن معلوما أن الجماع قد يذهب من كسر الصلب وكان إن تربص وقتا من الأوقات فلم تنتشر آلته قال أهل العلم به لا تنتشر ترك إلى ذلك الوقت فإن قال لم تنتشر حلف وأخذ الدية وإن لم يكن له وقت وقيل: هذا قد يذهب ويأتي حلف ما انتشر وأخذ الدية في ذهاب الجماع وإنما يكون له الدية في ذهاب الجماع إذا كان يعلم أن ذهاب الجماع يكون من كسر الصلب فإذا لم يكن معلوما عند أهل العلم فله حكومة لازمة ولو كسر الصلب قبل الذكر حتى يصير لا يجامع بحال فعليه دية في الذكر وحكومة في الصلب إن لم يمنعه المشي بحال. .
النوافذ في العظام
(قال الشافعي): وإذا ضرب الرجل الرجل فأنفذ لحمه وعظمه حتى بلغت ضربته المخ أو خرقت العظم حتى خرجت من الشق الآخر ففيها حكومة لا ثلث عقل العضو ولا ثلثاه كانت الحكومة أقل من ذلك أو أكثر، وكذلك لو كسر العظم حتى يسيل مخه أو أشظاه حتى يخرج مخه وينكسر فينبت مكانه عظم غيره كانت فيه حكومة. .
ذهاب العقل من الجناية
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإن كسر رجل عظما من عظام رجل أو جنى جناية عليه ما كانت الجناية فأذهب عقله كانت عليه الدية ولم يكن عليه بالجناية التي كانت سبب ذهاب العقل أرش إلا أن يكون أرشها أكثر من الدية فيكون فيها الأكثر من الدية وأرشها وذلك مثل أن يقطع يديه ويشجه مأمومة أو ينال بجائفة فيكون عليه دية وثلث ولو جنى عليه جناية فنقصت عقله ولم تذهبه أو أضعفت لسانه أو أورثته فزعا كان فيها حكومة يزاد فيها بقدر ما ناله ولو جنى عليه جناية في غير يده فأشلت يده كان فيها نصف الدية وأرش الجناية كأنها كانت مأمومة فيجعل فيها الثلث وفي إشلال اليد النصف وإن شلت
رجله مع يده كانت في اليد والرجل الدية وفي المأمومة ثلث النفس؛ لأنها جناية لها حكم معلوم أهلكت عضوين لهما حكم معلوم ولو أصابه بمأمومة فأورثته جبنا أو فزعا أو غشيا إذا فزع من رعد أو غيره كانت فيها مع المأمومة حكومة لا دية وإذا جنى عليه فذهب عقله ففي ذهاب عقله الدية وإن كان مع ذهاب عقله جنى عليه جناية لها أرش معلوم فعليه أرش تلك الجناية مع الدية في ذهاب العقل ولو صاح عليه أو ذعره بشيء فذهب عقله لم يبن لي أن عليه شيئا إذا كان المصيح عليه بالغا يعقل شيئا، وكذلك لو صاح عليه وهو راكب دابة أو جدارا فسقط فمات أو أصابه شيء لم يبن لي أن على الصائح شيئا، ولكن لو صاح على صبي أو معتوه لا يعقل أو فزعه فسقط من صيحته ضمن ما أصابه.
وكذلك لو ذهب عقل الصبي ضمن ديته والصياح في الصبي والمعتوه إذا كانت منه جناية يضمنها الصائح؛ لأنهما لا يفرقان بين الصياح وغيره ولو عدا رجل على بالغ يعقل بسيف فلم يضربه به وذعره ذعرا أذهب عقله لم يبن لي أن عليه دية من قبل أن هذا لم تقع به جناية وأن الأغلب من البالغين أن مثل هذا لا يذهب العقل ولو أن رجلا عدا على رجل بسيف ولم ينله به وجعل يطلبه والمطلوب يهرب منه فوقع من ظهر بيت يراه فمات لم يبن لي أن يضمن هذا ديته؛ لأنه ألقى نفسه، وكذلك لو ألقى نفسه في ماء فغرق أو نار فاحترق أو بئر فمات وإن كان أعمى أو بصيرا فوقع فيما يخفى عليه مثل حفرة خفية أو شيء خفي أو من ظهر بيت فانخسف به فمات ضمنت عاقلة الطالب ديته؛ لأنه اضطره إلى هذا ولم يحدث الميت على نفسه ما تسقط به الجناية عن الجاني عليه.
وكذلك لو عرض له بدب يطلبه إياه أو أسد فأكله أو فحل فقتله أو لص فقتله لم يضمن الطالب شيئا؛ لأن الجاني عليه غيره. .
سلخ الجلد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو أن رجلا سلخ شيئا من جلد بدن رجل فلم يبلغ أن يكون جائفة وعاد الجلد فالتأم أو سقط الجلد فنبت جلد غيره فعليه حكومة فإن كان عمدا فاستطيع الاقتصاص منه اقتص منه وإلا فديته في ماله وإذا برأ الجلد معيبا زيد في الحكومة بقدر عيب الجلد مع ما ناله من الألم ولو كان هذا في رأسه أو الجسد أو فيهما معا أو في بعضهما فنبت الشعر كانت فيه حكومة إن كان خطأ لا يبلغ بها دية وإن لم ينبت الشعر غير أنه إذا لم ينبت الشعر زيد في الحكومة بقدر الشين مع الألم ولو أفرغ رجل على رأس رجل أو لحيته حميما أو نتفهما ولم تنبتا كانت عليه حكومة يزاد فيها بقدر الشين ولو نبتا أرق مما كانا أو أقل أو نبتا وافرين كانت عليه حكومة ينقص منها إذا كانت أقل شيئا ويزاد فيها إذا كانت أكثر شيئا ولو حلقه حلاق فنبت شعره كما كان أو أجود لم يكن عليه شيء والحلاق ليس بجناية؛ لأن فيه نسكا في الرأس وليس فيه كثير ألم وهو وإن كان في اللحية لا يجوز فليس فيه كثير ألم ولا ذهاب شعر؛ لأنه يستخلف ولو استخلف الشعر ناقصا أو لم يستخلف كانت فيه حكومة ولو أن رجلا حلق غير شعر الوجه والرأس فلم ينبت أي موضع كان الشعر أو من امرأة كانت فيه حكومة بقدر قلة شينه وسواء ما ظهر من النبات من شعر الجسد أو بطن إلا أنه آثم إن كان أفضى إلى أن ترى عورته، وكذلك هو من امرأة إلا أنه لا يحل للرجل أن يمس ذلك من امرأة ولا يراه إلا أن تكون زوجته.
وكذلك ما حلق من رقابهما من دون منابت شعر الرأس وشعر اللحية من الرجل وإن كانت لحية رجل منتشرة في حلقه
فحلقها رجل فلم تنبت كانت عليه فيها حكومة وما قلت من هذا فيه حكومة فليست فيه حكومة أكثر من الحكومة في خلافه وإنما قلت إن في شعر البدن إذا لم ينبت حكومة دون الحكومات في الرأس واللحية إذا ذهب الشعر؛ لأن أثر شينه على الرجل دون شين شعر الرأس واللحية وجعلت في ذهابه بلا أثر في البدن؛ لأن نبات الشعر أصح وأتم له وإذا ضرب رجل رجلا ضربا لم يذهب له شعرا أو لم يغير له بشرا غير أنه آلمه فلا حكومة عليه فيه ويعزر الضارب
(قال الشافعي): وإن غير جلده أو أثر به فعليه حكومة؛ لأن الجناية قائمة.
ولو خلقت لامرأة لحية وشاربان أو أحدهما دون الآخر فحلقهما رجل أدب وكانت عليه حكومة أقل منها في لحية الرجل؛ لأن اللحية من تمام خلقة الرجل وهي في المرأة عيب إلا أني جعلت فيها حكومة للتعدي والألم (قال أبو يعقوب) هذا إذا لم ينبت أو نبت ناقصا فأما إذا نبت ولم يكن قطع من جلودهما شيء فليس عليه إلا التعزير (قال الربيع) وأنا أقول به. .
قطع الأظفار
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع الرجل ظفر رجل عمدا فإن كان يستطاع فيه القصاص اقتص منه وإن لم يستطع منه القصاص ففيه حكومة فإن نبت صحيحا غير مشين ففيه حكومة وإن نبت مشينا ففيه حكومة أكثر من الحكومة فيه إذا نبت غير ناقص ولا مشين وإن لم ينبت ففيه حكومة أكثر من الحكومة قبله ولا يبلغ بالحكومة دية أنملة ولا دية قدر ما تحت الظفر من الأنملة؛ لأن الظفر لا يستوظف الأنملة فلا يبلغ بحكومته أرشه لو قطع ما تحته ما تحته من الأنملة. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (249)
صــــــــــ 89 الى صـــــــــــ 95
غم الرجل وخنقه
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو خنق رجل رجلا أو غمه ثم أرسله ولا أثر به منه لم يكن عليه فيه غرم وعزر ولو حبسه فقطع به في ضيقته ولم ينله في يديه بشيء ولم يمنعه طعاما ولا شرابا فقد أثم ويعزر ولا غرم عليه، وكل ما ناله من خدش أو أثر في يديه يبقى ففيه حكومة وإن كان أثرا يذهب، مثل الخضرة من اللطمة فلا حكومة. .
الحكومة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: الجنايات التي فيها الحكومة كل جناية كان لها أثر باق: جرح أو خدش أو كسر عظم أو ورم باق أو لون باق فأما كل ضرب ورم أو لم يورم فلم يبق له أثر فلا حكومة فيه، وكل ما قلت فيه حكومة فالحكومة فيه من وجوه منها أن يجرحه في رأسه أو في وجهه جرحا دون الموضحة فيبرأ كلم المجروح فأقدره من الموضحة، ثم أنظر كم قدر الجرح الذي فيه الحكومة من الموضحة، فإن قال أهل العلم به: جرحه قدر نصف موضحة جعل فيه ما في نصف موضحة فإن قالوا: أكثر أو أقل جعل فيه بقدر ما قالوا إنه موقعه من الموضحة في الألم وبطء البرء وما أشبهه
(قال الشافعي): وإن قالوا لا ندري لمغيب العظم وأنه قد يكون دونه لحم كثير وقليل كم قدرها من الموضحة قيل: احتاطوا فإن قلتم لا شك في أنها نصف موضحة وقد نشك في أن تكون ثلثين؛ لأنها تشبه ذلك قيل: فهي النصف الذي لا تشكون فيه ولا يعطى منه بالشك شيء
(قال الشافعي): وإذا شان الوجه أو الرأس جرح نظر في الجرح كما وصفت ونظر في الشين مع الجرح فإن كان الشين أكثر أرشا من الجرح أخذ بالشين وإن كان الجرح أكثر أرشا من الشين أخذ بالجرح ولم يزد للشين شيء وإن قيل: الشين أرش موضحة أو أكثر منه نقص من موضحة شيئا ما كان الشين وإنما منعني أن أبلغ به موضحة أن الموضحة لو كانت فشانت لم يزد على أرش موضحة، إذا كان الشين مع ما هو أقل من موضحة لم يجز أن يبلغ الشين مع الجرح دون موضحة أرش موضحة، وإن كان الضرب لم يجرح وبقي منه شين فهكذا أولا يؤخذ للشين شيء إلا أن يكون شين لا يذهب بحال أو ينال اللحم بما يحشفه أو يفجر منه شيئا أو يجرحه فإن جرحه في الرأس أو الوجه جرحا دون الموضحة قيل لأهل البصر بذلك قدروا لذلك بقدره من الموضحة واحتاطوا فإن قلتم لا نشك في أنها نصف موضحة وقد نشك في أن تكون ثلثين؛ لأنها تشبه ذلك قيل فهي النصف الذي لا تشكون فيه ولا يعطى منه بالشك شيء وإذا كان هكذا أخذ له أرش وإن سود اللون أو خضره سوادا يبقى أو خضرة كذلك فشان الوجه سئل أهل العلم فإن قالوا: صار إلى هذا بموت من اللحم أخذ للشين فيه أرش وإن قالوا هذا مشكل وإن بلغ مدة كذا ولم يذهب أبدا ترك إلى تلك المدة فإن لم يذهب أخذ له أرش ومتى أخذ له شيء مما وصفت غير أثر الجرح الذي يعلم أنه لا يذهب أرشا، ثم ذهب رد الأرش الذي أخذ له وما قلت من الجراح التي لا قدر فيها وكسر العظام والشين سواء في الحر والحرة والمملوك والمملوكة والذمي والذمية يقوم في دية كل واحد منهما كما يقوم في ثمن المملوك ويحد في دية كل واحد من الأحرار بقدرها، فيحد في دية المجوسي بقدر الموضحة وفي دية المرأة بقدر موضحتها، وكذلك النصراني واليهودي، وكذلك الحر فيكون في موضحته وما دون موضحته بقدر ديته كان ديته ثمنا له كما تكون قيمة المملوك ثمنا له، وإذا كان الجرح في غير الرأس والوجه في عضو فيه أرش معلوم فليس في جرحه إذا التأم إلا قدر الشين الباقي بعد التئامه من قبل أنه ليس في جراح الجسد قدر معلوم إلا الجائفة لخوف تلفها وإذا بلغ شين الجرح الذي في العضو الذي فيه قدر معلوم أكثر من ذلك العضو نقصت الحكومة على قدره، وذلك مثل أن يجرح في أنملة من أطراف أصابع يديه أو رجليه أو ينزع له ظفرا فيكون أرش الشين فيها أكثر من دية الأنملة فلا يبلغ به دية أنملة؛ لأنه لو قطعت أنملته وشانته لم يزد على قدرها فلا يبلغ بما هو دونها من شينها قدرها ولو كان الجرح في وسط الأنامل أو أسافلها وكان قدر شينه أكثر من أرش أنملة لم يبلغ به أرش أنملة كما وصفت وإن كان الجرح في الكف أو القدم فشان بأكثر من أرش الكف أو القدم لم يبلغ به أرش كف ولا قدم؛ لأنهما لو قطعتا فشانتا لم يزد على أرشهما بالشين شيئا فلا يبلغ بما دون قطعهما من الجناية عليهما أرش قطعهما ولا شللهما وهكذا إن كان في الذراع أو العضد أو الساق أو القدم لم يبلغ بشينه قدر دية يد تامة ولا رجل تامة ولو كان الجرح والشين أو أحدهما في جميع البدن كله كان فيه ما شان المجروح لا يبلغ به دية المجروح للشين إن كان حرا لا قيمته إن كان عبدا؛ لأن في قطع اليدين الدية فإن قال قائل: فكيف حددت في الشين الذي تواريه الثياب فقلت يبلغ به ما دون الدية فجعلته في الوجه الذي يبدو الشين فيه أقبح محدودا بموضحة وهي نصف عشر الدية؟ قلت: لما وصفت من أنه لا يجوز أن يبلغ شين لا جرح فيه أرش جرح في موضع من المواضع لا يبلغ بموضحة ما أبلغ فيه شين موضحة وهي أكثر مما دونها فحددت لو كان في موضعها أقل منها بأن لا أبلغ به قدرها؛ لأنه لا يجوز أن يبلغ بها ما لم يبلغها من الشين، وكذلك قلت في كل جرح وشين بعضو له قدر
ولم أحد الديات على شين موضحة ولا ألم، ألا ترى أن في الأذن نصف الدية وفي اليد نصف الدية وليست منفعة الأذن والشين ذهابها قريبا من منفعة اليد والشين ذهابها، ألا ترى أن في الأنملة ثلاثا من الإبل وثلثا وفي الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة عشر وذهاب الأنملة أشين وأضر من موضحة وهاشمة ومواضح وهواشم ولولا ما وصفت كان في الشين أبدا ما نقص الشين كما يكون ذلك في متاع جنى عليه فنقص به بعيب دخله
(قال الشافعي): وإذا كسر عظم من العظام، ثم جبر على غير عتم ففيه حكومة بقدر ألم أو جرح أو ضعف إن كان فيه وإن جبر على عثم أو شين غير العثم ففيه حكومة على ما وصفت لا يبلغ بها دية العظم لو قطع، كان بكسر أنملة أو بكسر ذراع ولا يبلغ بحكومة شين الأنملة أرش أنملة ولا بحكومة للذراع أرش يد وهذا هكذا في الفخذ والساق والقدم والأنف والفخذ، فأما الضلع إذا كسر وجبر فلا يبلغ به دية جائفة؛ لأن أكثر ما فيه أن يصير منه الجائفة. .
التقاء الفارسين
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا اصطدم الراكبان على أي دابة كان كل واحد منهما فماتا معا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه من قبل أن كل واحد منهما جان على نفسه وعلى غيره وأن كل واحد منهما مات من صدمته وصدمة غيره فتبطل جنايته على نفسه ويؤخذ له جناية غيره كما لو جرح نفسه وجرحه غيره كان على الجارح نصف الدية؛ لأنه مات من جنايته وجناية غيره وهكذا القوم يرمون بالمنجنيق معا فيرجع الحجر عليهم فيقتل منهم رجلا فإن كانوا عشرة فقد مات من جنايته على نفسه وجناية التسعة مع نفسه عليه فترفع حصته من جنايته على نفسه وتؤخذ له جناية غيره عليه فيؤخذ لورثته تسعة أعشار ديته من الذين رموا بالمنجنيق معه من عاقلة كل واحد منهم عشر ديته وسواء كان أحد الراكبين على فيل والآخر على كبش أو كانا على دابتين سواء ومتفاوتين وإن ماتت دابتاهما ضمن كل واحد منهما في ماله نصف قيمة دابة صاحبه ولو اصطدم الفارس والراجل كانا كالفارسين يصطدمان.
وكذلك الراجلان يصطدمان وسواء كانا أعميين أو صحيحين أو أحدهما أعمى والآخر صحيح يضمن الأعمى من جنايته ما يضمن البصير وسواء غلبتهما دابتاهما أو غلبت إحداهما أو لم تغلبهما ولا واحدا منهما، وكذلك لو تقهقرت بهما دابتاهما فرجعت كل واحدة منهما على عقبيها فاصطدما فماتا، أو فعلت هذا دابة أحدهما وكان الآخر مقبلا على دابته ولو كان أحدهما عبدا والآخر حرا ضمنت عاقلة الحر نصف قيمة العبد بالغة ما بلغت وكان نصف دية الحر في عنق العبد فإن كان في نصف قيمة العبد فضل عن نصف دية حر دفع إلى سيد العبد فإن كان وفاء فهو قصاص ولا شيء لسيده وإن كان فيه نقص أقص بقدره ولا شيء على سيد العبد (قال الربيع) إذا كانا حيين فأما إذا مات العبد فإن الجناية في رقبته ولا شيء على سيده وعلى عاقلة الحر نصف قيمة العبد تؤخذ من عاقلة الحر وترد على ورثة الحر إن كان مثل نصف ديته أو أقل؛ لأن قيمة العبد تقوم مقام بدنه لو كان حيا فيتبع بالجناية فأما
إذا كان زائدا على نصف قيمة الحر فهو رد على سيده ومتى أخذ من نصف قيمة العبد رجع ورثة الحر وأخذوا نصف دية قتيلهم فإن عجزت قيمة العبد فلا شيء لهم.
(قال الشافعي): وإذا كان المصطدمان عبدين كان نصف قيمة كل واحد منهما في عنق صاحبه وبطلت الجناية من قبل أن الجانيين جميعا قد ماتا ولا يضمن عنهما عاقلة ولا مال لهما وسواء في الاصطدام الفارسان اللذان يعقلان والمعتوهان والأعميان والبصيران وأن يكون أحدهما معتوها والآخر عاقلا أو أحدهما صبيا والآخر بالغا إذا كانا راكبي الدابتين بأنفسهما أو حملهما عليهما أبواهما أو ولياهما في النسب إن لم يكن لهما أب فإن كان حملهما أجنبيان، ومثلهما لا يضبط الدابة فدية من أصابا على عاقلة الذي حملهما؛ لأن حملهما عدوان عليهما فيضمن ما أصابا في حمله.
(قال الشافعي): واصطدام الرجلين عمدا وخطأ سواء إلا في المأثم ولا قود في الصدمة وهي خطأ عمد تحملها العاقلة، والدية فيها إذا كانا مقبلين مغلظة وإذا كانا مدبرين وحرنت بهما دابتاهما فاصطدما مدبرين غير مقبلين عامدي الصدمة فنصف دية مغلظة وإن كان أحدهما مقبلا فنصف دية الذي أقبل مغلظة ونصف ديته إذا كان مات من صدمته، وصدمه مدبر غير مغلظة. .
صدمة الرجل الآخر
(قال الشافعي): وإذا كان الفارس أو الراجل واقفا في ملكه أو غير ملكه أو مضطجعا أو راقدا فصدمه رجل فقتله والمصدوم يبصر ويقدر على أن ينحرف أو لا يبصر ولا يقدر على أن ينحرف أو أعمى لا يبصر فسواء ودية المصدوم مغلظة على عاقلة الصادم.
(قال الشافعي): ولو مات الصادم كانت ديته هدرا؛ لأنه جنى على نفسه ولو أن الواقف انحرف عن موضعه فالتقى هو وآخر مقبلين فصدمه فماتا مصطدمين فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة صادمه؛ لأن له فعلا في التحرف ولو كان تحرفه موليا عنه فكان الفارس أو الراجل الصادم له كان كهو لو كان واقفا فتضمن عاقلة الصادم ديته، ولو مات الصادم كان دمه هدرا لأنه جنى على نفسه، وإذا ماتت الدابتان من الاصطدام فنصف ثمن كل واحدة منهما على الصادم؛ لأن العاقلة لا تضمن ثمن دابة.
اصطدام السفينتين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اصطدم السفينتان فكسرت إحداهما الأخرى ومات من فيهما وتلفت حمولتهما أو ما تلف منهما أو مما فيهما أو من إحداهما فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين: إما أن يضمن القائم في حاله تلك بأمر السفينة نصف كل ما أصابت سفينته لغيره أو لا يضمن بحال إلا أن يكون يقدر أن يصرفها بنفسه ومن يطيعه فلا يصرفها، فأما إذا غلبته فلا يضمن ومن قال هذا القول قال: القول قول الذي يصرفها في أنها غلبته ولم يقدر أن يصرفها أو غلبتها ريح أو موج وإذا ضمن ضمن غير النفس في ماله وضمنت النفوس عاقلته إلا أن يكون عبدا فيكون ذلك في عنقه، وسواء كان الذي يلي
تصريفها مالكا لها أو موكلا فيها أو متعديا في ضمان ما أصابت إلا أنه إذا كان متعديا فيها ضمن ما أصابها هي وأصابت.
وهكذا إن صدمت ولم تصدم أو صدمت وصدمت فأصابت وأصيبت فسواء من ضمن راكبها بكل حال ضمنها وإن غلب أو غلبا ومن لم يضمن إلا من قدر على تصريفها فتركها ضمن الذي لم يغلب على تصريفها وجعله كعامد الصدم ولم يضمن المغلوب (قال الشافعي): وإذا صدمت سفينة بغير أن يعمد بها الصدم لم يضمن شيئا مما في سفينته بحال؛ لأن الذين فيها دخلوا غير متعدى عليهم ولا على أموالهم وإذا عرض لراكبي السفينة ما يخافون به التلف عليها وعلى من فيها وما فيها أو بعض ذلك فألقى أحدهم بعض ما فيها رجاء أن تخف فتسلم فإن كان ما ألقى لنفسه فماله أتلف فلا يعود بشيء منه على غيره وإن كان بعض ما ألقى لغيره ضمن ما ألقى لغيره دون أهل السفينة فإن قال بعض أهل السفينة لرجل منهم: ألق متاعك فألقاه لم يضمن له شيئا؛ لأنه هو ألقاه وإن قال ألقه على أن أضمنه فأذن له فألقاه ضمنه.
وإن قال: ألقه على أن أضمنه وركاب السفينة فأذن له بذلك فألقاه ضمنه له دون ركاب السفينة إلا أن يتطوعوا بضمانه معه فإن خرق رجل من السفينة شيئا أو ضربه فانخرق أو انشق فغرق أهل السفينة وما فيها ضمن ما فيها في ماله وضمن ديات ركبانها عاقلته وسواء كان الفاعل هذا بها مالكا للسفينة أو القائم بأمرها أو راكبا لها أو أجنبيا مر بها. .
جناية السلطان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام السلطان حدا من قطع أو حد قذف أو حد زنا ليس برجم على رجل أو امرأة عبد أو حر فمات من ذلك فالحق قتله؛ لأنه فعل به ما لزمه وكذلك إن اقتص منه في جرح يقتص منه من مثله وإذا ضرب في خمر أو سكر من شراب بنعلين أو طرف ثوب أو يد أو ما أشبهه ضربا يحيط به العلم أنه لا يبلغ أربعين أو يبلغها ولا يجاوزها فمات من ذلك فالحق قتله وما قلت الحق قتله فلا عقل فيه ولا قود ولا كفارة على الإمام ولا على الذي يلي ذلك من المضروب، ولو ضربه بما وصفت أربعين أو نحوه لم يزد عليه شيئا فكذلك وذلك أن أبا بكر سأل من حضر ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له فكان فيما ذكروا عنده أربعين أو نحوها فإن ضربه أربعين أو أقل منها بسوط أو ضربه أكثر من أربعين بالنعال أو غير ذلك فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال.
أخبرنا إبراهيم بن محمد عن علي بن يحيى عن الحسن أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال ما أحد يموت في حد من الحدود فأجد في نفسي منه شيئا إلا الذي يموت في حد الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات منه فديته إما قال في بيت المال وإما على عاقلة الإمام الشك من الشافعي
(قال الشافعي) وبلغنا أن عمر أرسل إلى امرأة ففزعت فأجهضت ذا بطنها فاستشار عليا - رضي الله عنهما - فأشار عليه بدية وأمر عمر عليا فقال عزمت عليك لتقسمنها في قومك.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا وقع على الرجل حد فضربه الإمام وهو مريض أو في برد شديد أو حر شديد كرهت ذلك، وإن مات من ذلك الضرب فلا عقل ولا قود ولا كفارة ولو كانت المحدودة امرأة كانت هكذا إلا أنها إن كانت حاملا لم يكن له حدها لما في بطنها فإن حدها فأجهضت ضمن ما في بطنها وإن ماتت فأجهضت لم يضمنها وضمن ما في بطنها؛ لأنه لم يتعد عليها وإنما قلت ليس له أن يحدها للذي في بطنها فضمنته الجنين؛ لأنه بسبب فعله ولم أضمنه إياها؛ لأن الحق قتلها.
(قال الشافعي): وإذا حد الإمام رجلا بشهادة عبدين أو عبد وحر أو ذمي ومسلم أو شهادة غير عدلين في أنفسهما أو غير عدلين على المشهود عليه حين شهدا فمات ضمنته عاقلته؛ لأن هذا كله خطأ في الحكم، وكذلك لو أقر عنده صبي أو معتوه بحد فحده ضمنهما إن ماتا ومن قلت يضمنه إن مات ضمن الحكومة في جلده أو أثر إن بقي به وعاش، وكذلك يضمن دية يده إن قطعه، وكل ما قلت يضمنه من خطئه فالدية فيه على عاقلته، وإذا أمر الجالد بجلد الرجل ولم يوقت له ضربا فضربه الجالد أكثر من الحد فمات ضمن الإمام دون الجالد فإن كان حده ثمانين فزاد سوطا فمات فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين.
أحدهما: أن يضمن الإمام نصف ديته كما لو جنى رجلان على رجل أحدهما ضربة والآخر ثمانين ضربة أو أقل أو أكثر ضمنا الدية نصفين، أو يضمن سهما من أحد وثمانين سهما من ديته ويكون كواحد وثمانين قتلوه فيغرم حصته.
ولو قال له: اضربه ثمانين فأخطأ الجالد فزاده واحدة ضمن الجالد دون الإمام، ولو قال له اجلده ما شئت أو ما رأيت أو ما أحببت أو ما لزمه عندك فتعدى عليه ضمن الجالد العدوان وليس كالذي يأمره بأن يضربه أمامه ولا يسمي له عددا وهو يحصي عليه ولو كان الإمام للمضروب ظالما ضمن ما أصابه من الضرب بأمره ولم يضمنه الجالد إلا أن يعلم الجالد أن الإمام ظالم بأن يقول الإمام: أنا أضرب هذا ظالما أو يقول الجالد: قد علمت أنه يضربه ظالما بلا شبهة فيضمن الجالد والإمام معا، ولو قال الجالد: ضربته وأنا أرى الإمام مخطئا عليه وعلمت أن ذلك رأي بعض الفقهاء ضمن الجالد وليس للضارب أن يضرب إلا أن يرى أن ما أمره به الإمام حق أو مغيب عنه سبب ضربه أو يأمره بضربه فيكون ذلك عنده على أنه لم يأمره إلا بما لزم المضروب، وإذا ضرب الإمام فيما دون الحد تعزيرا فمات المضروب ضمنت عاقلة الإمام ديته، وهكذا إن خاف الرجل نشوز امرأته فضربها فماتت أو فقأ عينها خطأ ضمنت عاقلته نفسها وعينها، فإن قيل: فمن أين؟ قلت له: أن يعزر ولم زعمت أنه إن مات مما جعلت له لم تسقط عنه الدية؟.
قلت: إني قلت له أن يفعل إباحة من جهة الرأي وكان له في بعض التعزير أن يترك وعليه في الحد أن يقيمه وليس له تركه بحال وإذا بعث السلطان إلى امرأة أو رجل عند امرأة ففزعت المرأة لدخول الرسل أو غلبتهم أو انتهارهم أو الذعر من السلطان فأجهضت فعلى عاقلة السلطان دية جنينها إذا كان ما أحدثه الرسل بأمره فإن كان الرسل أحدثوا شيئا بغير أمر السلطان فذلك على عواقلهم دون عاقلة السلطان؛ لأن معروفا أن المرأة تسقط من الفزع ولو أن امرأة أو رجلا بعث إليه السلطان فمات فزعا لم تضمن عاقلة السلطان؛ لأن الأغلب أن أحدا لا يموت من فزع رسول السلطان ولو سجن السلطان رجلا فمنعه الطعام والشراب أو أحدهما فمات من ساعته لم يضمن شيئا إلا أن يقر السلطان أنه مات من فقد ما منعه.
وإن حبسه مدة يمكن أن يموت فيها من حبسها عطشا أو جوعا فمات ضمنه إذا ادعى ورثته أنه مات من فقد ما منعه، وكذلك لو أخذه فذكر جوعا أو عطشا فحبسه مدة يمكن أن يموت من أتت عليه فيها من ذكر مثل جوعه أو عطشه، وكذلك لو حبسه فجرده ومنعه الأدفية في برد أو حر فإن كان البرد والحر مما يقتل مثله فمات ضمنه وإن كان مما لا يقتل مثله لم يضمنه من قبل أنه قد يموت فجأة من غير مرض يعرف ولا يضمنه حتى يكون الأغلب أنه مات بمنعه إياه مدة يموت من منع مثل ما منعه فيها. فإذا كان لرجل سلعة فأمر السلطان بقطعها أو أكلة فأمر السلطان بقطع عضوه الذي هي فيه، والذي هي به لا يعقل إما صبي وإما مغلوب على عقله أو عاقل فأكرهه على ذلك فمات فعلى السلطان القود في المكره إلا أن تشاء ورثته أن يأخذوا الدية وقد قيل: عليه القود في الذي لا يعقل، وقيل: لا قود على السلطان في الذي لا يعقل وعليه الدية في ماله.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (250)
صــــــــــ 95 الى صـــــــــــ 100
(قال أبو يعقوب) والصبي مثل المعتوه (قال الشافعي): فأما غير السلطان يفعل هذا فيقاد منه إلا أن يكون ذلك أبا صبي أو معتوه لا يعقل أو وليه فيضمن الدية ويدرأ عنه القود بالشبهة، ولو كان رجل أغلف أو امرأة لم تخفض فأمر السلطان بهما فعذرا فماتا لم يضمن السلطان؛ لأنه قد كان عليهما أن يفعلا إلا أن يعذرهما في حر شديد أو برد شديد يكون الأغلب أنه لا يسلم من عذر في مثله فيضمن عاقلته ديتهما، ولو أكره السلطان رجلا على أن يرقى نخلة أو ينزل في بئر فرقى أو نزل فسقط فمات ضمنه السلطان وعقلته عاقلته، وكذلك لو كلفه أن يفعل شيئا قد يتلف من فعل مثله ولو كان كلفه أن يمشي قليلا في أمر يستعين السلطان في مثله فمشى فمات لم يضمن؛ لأن الأغلب أن هذا لا يمات من مثله إلا أن يقر السلطان بأنه مات منه فيضمنه في ماله أو يكون معلوما أنه إذا فعل مثل ما كلفه كان الأغلب أن ذلك يتلفه.
وإذا كان هذا هكذا ضمنه السلطان وقد قيل: يضمن السلطان من هذا ما يضمن من استعمل عبدا محجورا فأما كل أمر ليس من صلاح المسلمين أكره السلطان عليه رجلا فمات منه في ذلك الأمر فالسلطان ضامن لديه من مات فيه. .
ميراث الدية
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - كان يقول: الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فرجع إليه عمر.
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته» قال ابن شهاب وكان أشيم قتل خطأ (قال الشافعي): ولا اختلاف بين أحد في أن يرث الدية في العمد والخطأ من ورث ما سواها من مال الميت؛ لأنها تملك عن الميت. وبهذا نأخذ فنورث الدية في العمد والخطأ من ورث ما سواها من مال الميت وإذا مات المجني عليه وقد وجبت ديته فمن مات من ورثته بعد موته كانت له حصته من ديته كأن رجلا جنى عليه في صدر النهار فمات ومات ابن له من آخر النهار فأخذت دية أبيه في ثلاث سنين فميراث الابن الذي عاش بعده ساعة قائم في ديته كما يثبت في دين لو كان لأبيه.
وكذلك امرأته وغيرها ممن يرثه إذا مات، ولو مات وله ابن كافر فأسلم بعد وفاته بقليل لم يرث منه شيئا؛ لأن أباه مات وهو غير وارث له، وكذلك لو كان عبدا فعتق أو كانت امرأته كذلك ولو نكح بعد الجناية، ثم مات ورثته امرأته.
عفو المجني عليه في العمد والخطأ
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال: إذا جنى الرجل جناية خطأ فعفا المجني عليه أرش الجناية فإن لم يمت من الجناية فالعفو جائز وإن مات فالعفو وصية تجوز من الثلث وهي وصية لغير قاتل
لأنها على عاقلته ولو كان الجاني مسلما ممن لا عاقلة له كان العفو جائزا؛ لأنها على المسلمين، ولو كان الجاني نصرانيا أو يهوديا من أهل الجزية كان العفو جائزا من قبل أنها على عاقلته فإن كان الجاني ذميا لا يجري على عاقلته الحكم أو مسلما أقر بجناية خطأ فالدية في أموالهما معا والعفو باطل؛ لأنها وصية لقاتل وللورثة أخذهما بها، ولو كان الجاني عبدا فعفا عنه المجني عليه، ثم مات جاز العفو من الثلث؛ لأنها ليست بوصية للعبد إنما هي وصية لمولاه.
ولو كان المجني عليه خطأ فقال: قد عفوت عن الجاني القصاص لم يكن عفوا عن المال حتى يتبين أنه أراد بعفوه الجناية العفو عن المال؛ لأنه قد يرى أن له قصاصا، وكذلك لو قال: قد عفوت عنه الجناية وما يحدث منها وعليه اليمين إن كان حيا ما عفا المال الذي يلزم بالجناية وعلى ورثته إن كان ميتا اليمين هكذا على علمهم، ولو قال: قد عفوت عنه ما يلزمه من الأرش والجناية كان عفوا عن الكافر؛ لأنه ليست له عاقلة يجري عليها الحكم وعمن أقر بالجناية خطأ ولم يكن عفوا عن العاقلة إلا أن يكون قد أراد بقوله قد عفوت عن أرش الجناية أو ما يلزمه من أرش قد عفوت ذلك عن عاقلته.
ألا ترى أنه لا يلزمه من أرش الجناية شيء فإذا عفا ما لا يلزمه لم يكن عفوا ولا يكون عفوا في هذا خاصة إلا بما وصفت من أن يقول قد عفوت ما يلزم لي على عاقلته في أرش جنايتي أو ما يلزم من أرش جنايتي إن كان ممن لا تعقله العاقلة ولو كانت الجناية جرحا فعفا أرشه عفوا صحيحا ثم مات من الجراح ففيها قولان: أحدهما: أنه يجوز العفو في أرش الجناية ولا يجوز فيما زاد على قدر الجرح بالموت على أرش الجرح كأن الجرح كان يدا فعفا أرشها، ثم مات فيجوز العفو في نصف الدية من الثلث ويؤخذ نصفها. والثاني: أنه لا يجوز إذا كان العقل يلزم القاتل؛ لأن الهبة البتات في معاني الوصايا فلا تجوز لقاتل فإن كانت الجراح خطأ تبلغ دية نفس أو أكثر فعفا أرشها، ثم مات جاز العفو من الثلث؛ لأنه قد عفا الذي وجب أو أكثر منه.
(قال): وإذا جرح المحجور عليه بالغا أو معتوها أو صبيا فعفا أرش الجرح في الخطأ لم يجز عفوه، وكذلك في العمد الذي لا يكون فيه القود وإن عفا القود جاز عفوه فيه فإن عفا ديته في الخطأ عن عاقلة قاتله فهي وصية لغير قاتل فمن أجاز وصيته أجاز هذا العفو في وصيته ومن لم يجزها لم يجز هذا العفو بحال.
القسامة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه «أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فتفرقا في حوائجهما فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود فقال أنتم والله قتلتموه. فقالوا: والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم فأقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول فذهب محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمحيصة كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة. ثم تكلم محيصة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك فكتبوا إليه إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا قال فتحلف يهود قالوا ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة
حتى أدخلت عليهم الدار قال سهل لقد ركضتني منها ناقة حمراء» قال الشافعي أخبرنا الثقفي قال حدثني يحيى بن سعيد وأخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى حديث مالك إلا أن ابن عيينة كان لا يثبت أقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصاريين في الأيمان أم يهود؟ فيقال في الحديث إنه قدم الأنصاريين فنقول فهو ذاك أو ما أشبه هذا.
(قال الشافعي): وبهذا نقول فإذا كان مثل هذا السبب الذي حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه بالقسامة حكمنا بها وجعلنا فيها الدية على المدعى عليهم فإذا لم يكن مثل ذلك السبب لم نحكم بها، فإن قال قائل: وما مثل السبب الذي حكم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قيل كانت خيبر دار يهود التي قتل فيها عبد الله بن سهل محضة لا يخلطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار واليهود ظاهرة وخرج عبد الله بن سهل بعد العصر ووجد قتيلا قبل الليل فكاد أن يغلب على من علم هذا أنه لم يقتله إلا بعض يهود وإذا كانت دار قوم مجتمعة لا يخلطهم غيرهم وكانوا أعداء للمقتول أو قبيلته ووجد القتيل فيهم فادعى أولياؤه قتله فيهم فلهم القسامة، وكذلك إذا كان مثل هذا المعنى مما يغلب على الحاكم أنه كما يدعي المدعي على جماعة أو واحد.
وذلك مثل أن يدخل نفر بيتا فلا يخرجون منه إلا وبينهم قتيل، وكذلك إن كانوا في دار وحدهم أو في صحراء وحدهم؛ لأن الأغلب أنهم قتلوه أو بعضهم، وكذلك أن يوجد قتيل بصحراء أو ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا رجل واحد مختضب بدمه في مقامه ذلك أو يوجد قتيل فتأتي بينة متفرقة من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض وإن لم يكونوا ممن يعدل في الشهادة أو يشهد شاهد واحد عدل على رجل أنه قتله؛ لأن كل سبب من هذا يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى ولي الدم أو شهد من وصفت وادعى ولي الدم، ولهم إذا كان ما يوجب القسامة على أهل البيت أو القرية أو الجماعة أن يحلفوا على واحد منهم أو أكثر.
فإذا أمكن في المدعى عليه أن يكون في جملة القتلة جاز أن يقسم عليه وحده وعلى غيره ممن أمكن أن يكون في جملتهم معه دعوى إذا لم يكن معه ما وصفت لا يجب بها القسامة، وكذلك لا تجب القسامة في أن يوجد قتيل في قرية يختلط بهم غيرهم أو يمر بهم المارة إذا أمكن أن يقتله بعض من يمر ويلقيه: وإذا وجبت القسامة فلأهل القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل؛ لأنه قد يمكن أن يعلموا ذلك باعتراف القاتل أو بينة تقوم عندهم لا يقبل الحاكم منهم ومن غيرهم غير ذلك من وجوه العلم التي لا تكون شهادة بقطع وينبغي للحاكم أن يقول اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات. ويقبل أيمانهم متى حلفوا.
من يقسم ويقسم فيه وعليه
(قال الشافعي): - رحمه الله -: يحلف في القسامة الوارث البالغ غير المغلوب على عقله من كان منهم مسلما أو كافرا عدلا أو غير عدل ومحجورا عليه. والقسامة في المسلمين على المشركين والمشركين على المسلمين والمشركين فما بينهم مثلها على المسلمين لا تختلف؛ لأن كلا ولي دمه ووارث دية المقتول وماله إلا أنا لا نقبل شهادة مشرك على مسلم ولا نستدل بقوله بحال؛ لأن حكم الإسلام إبطال أخذ الحقوق بشهادة المشركين
(قال الشافعي): ولسيد العبد القسامة في العبد وجبت القسامة له على الأحرار أو عبيدهم غير أن الدية على الأحرار في أموالهم وعواقلهم، والديات في رقاب العبيد ودية العبد ثمنه ما كان، وإذا وجبت القسامة في عبد مأذون له في التجارة أو غير مأذون له فيها سواء، والقسامة لسيد العبد وليس للعبد قسامة؛ لأنه ليس بمالك، وكذلك المدبر والمدبرة وأم الولد؛ لأن كل هؤلاء لا يملك؛ والقسامة لساداتهم دونهم. وإن كان للمكاتب عبد فوجبت له قسامة أقسم؛ لأنه مالك فإن لم يقسم حتى يعجز لم يكن له أن يقسم وهو مملوك وكان لسيده أن يقسم وعجزه كموته، ويصير العبد الذي يقسم فيه لسيده بالميراث فحاله كحال رجل في هذا وجبت له في عبد له أو ابن أو غيره قسامة فلم يقسم حتى مات فتقسم ورثته ويستحقون الدية؛ لأنهم يقومون مقامه ويملكون ما ملك، ومن قتل عبدا لأم ولد فلم يقسم سيدها حتى مات وأوصى بثمن العبد لها لم تقسم وأقسم ورثته وكان لها ثمن العبد وإن لم تقسم الورثة لم يكن لها ولا لهم شيء إلا أيمان المدعى عليهم ولو وجبت القسامة لرجل في عبد له فلم يقسم حتى ارتد عن الإسلام فكف الحاكم عن أمره بالقسامة فإن تاب أقسم وإن مات أو قتل على الردة بطلت القسامة؛ لأنه لا وارث له إنما يؤخذ ماله فيئا.
ولو أمره مرتدا فأقسم استحق الدية فإن أسلم كانت له وإن مات قبل الإسلام قبضت فيئا عنه: ولو كانت القسامة وجبت له في ابنه، ثم ارتد قبل أن يقسم كان الجواب فيها كالجواب في العبد للحاكم أن يأمره يقسم وتثبت الدية فإن تاب دفعها إليه وإن مات على الردة قبضها فيئا عنه، ولو كان ابنه جرح فلم يمت حتى ارتد أبوه ثم مات الابن بعد ردة الأب لم يكن الأب له وارثا ولم يكن له أن يقسم وأقسم ورثة الابن سوى الأب، ولو رجع الأب إلى الإسلام لم يكن له من ميراث الابن شيء، ولو جرح رجل ثم ارتد فمات مرتدا ووجبت فيه القسامة بطلت القسامة؛ لأنه وارث له، ولو جرح ثم ارتد، ثم رجع إلى الإسلام قبل أن يموت، ثم مات كانت فيه القسامة؛ لأنه موروث
(قال الشافعي): ولو جرح عبد فأعتق، ثم مات حرا وجبت فيه القسامة لورثته الأحرار وسيده المعتق بقدر ما يملك سيده المعتق مما وجب في جراحه وقدر ما يملك الورثة سهمانهم من ميراثه كأن سيده ملك بجراحه ثلث دية حر فيحلف ثلث الأيمان والورثة ثلثيها بقدر مواريثهم فيها ولا تجب القسامة فيما دون النفس، وإذا أصيب رجل بموضع تجب فيه القسامة فمات مكانه ففيه القسامة، وإن أصيب في ذلك الموضع بجرح، ثم عاش بعد الجرح مدة طويلة أو قصيرة صاحب فراش حتى مات ففيه القسامة وإن كانت تقبل وتدبر وإن لم يلتئم الجرح لم يكن فيه قسامة وإن مات وقال ورثته لم يزل صاحب فراش حتى مات وقال الذي يقسم بل كان يقبل ويدبر فالقول قول ورثته ولهم القسامة إلا أن يأتي الجاني ببينة أنه قد كان يقبل ويدبر بعد الجرح فتسقط القسامة، وإنما جعلت القول قول الورثة في أنه كان صاحب فراش وذلك؛ لأنه ليس بد من القسامة على النفس إن فلانا قتلها إذا كان لها سبب يوجب القسامة ولو قال ورثة الميت لم يزل مريضا من الجرح حتى مات فقال المدعى عليه إنه مات من غير الجرح أو قالوا ذلك في رجل قامت له بينة أو اعتراف رجل بأنه جرحه جرحا عمدا أو خطأ وقامت لهم بينة في هذا بأنه لم يزل صاحب فراش حتى مات جعلت عليهم الأيمان في الأول والآخر لمات من ذلك الجرح وجعلت لهم في القسامة الدية وفي الجناية العمد التي قامت بها البينة أو أقر بها الجاني القود إذا أقسموا
لمات منها ومن أوجبت له دية نفس بيمين أو أوجبت له أن يبرأ من نفس بيمين لم يستحق هذا ولم يبرأ من هذا بأقل من خمسين يمينا والأيمان في الدماء خلاف الأيمان في الحقوق وهي في جميع الحقوق يمين يمين، وفي الدماء خمسون يمينا بما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القسامة فلم تجز في يمين دم يبرأ بها المحلف ولا يأخذ بها المدعي أقل من خمسين يمينا والله أعلم. .
الورثة يقسمون
(قال الشافعي): وإذا قتل الرجل فوجبت فيه القسامة لم يكن لأحد أن يقسم عليه إلا أن يكون وارثا كأن قتله عمدا أو خطأ وذلك أنه لا تملك النفس بالقسامة إلا دية المقتول ولا يملك دية المقتول إلا وارث فلا يجوز أن يقسم على ما لا يستحقه إلا من له المال بنفسه أو من جعل الله تعالى له المال من الورثة (قال الشافعي): ولو وجبت في رجل قسامة وعليه دين وله وصايا فامتنع الورثة من القسامة فسأل أهل الدين أو الموصى لهم أن يقسموا لم يكن ذلك لهم وذلك أنهم ليسوا المجني عليه الذي وجب له على الجانين المال ولا الورثة الذين أقامهم الله تعالى مقام الميت في ماله بقدر ما فرض له منه (قال الشافعي): ولو ترك القتيل وارثين فأقسم أحدهما فاستحق به نصف الدية أخذها الغرماء من يده فإن فضل منها فضل أخذ أهل الوصايا ثلثها من يده ولم يكن لهم أن يقسموا ويأخذوا النصف الآخر فإن أقسم الوارث الآخر أخذ الغرماء من يده ما في يده حتى يستوفوا ديونهم وإن استوفوها أخذ أهل الوصايا الثلث مما في يده وإن كان للغرماء مائة دينار فاستوفوها من نصف الدية الذي وجب للذي أقسم أولا، ثم أقسم الآخر رجع الأول على الآخر بخمسين دينارا ولا يرجع عليه في الوصايا؛ لأن أهل الوصايا إنما يأخذون ثلث ما في يده لا كله كما يأخذه الغرماء ولا يقسم ذو قرابة ليس بوارث ولا ولي يتيم من ولد الميت حتى يبلغ اليتيم فإن مات اليتيم قام ورثته في ذلك مقامه وإن طلب ذو قرابة وهو غير وارث القتيل أن يقسم جميع القسامة لم يكن ذلك له فإن مات ابن القتيل أو زوجة له أو أم أو جدة فورثه ذو القرابة كان له أن يقسم؛ لأنه صار وارثا ومن وجبت له القسامة وهو غائب أو مخبول أو صبي فلم يحضر الغائب أو حضر فلم يقسم ولم يبلغ الصبي ولم يفق المعتوه أو بلغ هذا وأفاق هذا فلم يقسموا ولم يبطلوا حقوقهم في القسامة حتى ماتوا قام ورثتهم مقامهم في أن يقسموا بقدر مواريثهم منهم وذلك أن يرث ابن عشر مال أبيه، ثم يموت فيرثه عشرة فيكون على كل واحد من العشرة يمين واحدة من قبل أن له عشر العشر من ميراث القتيل، وعشر العشر واحد وهكذا هذا في غيره من الورثة يقسمون على قدر مواريثهم فإن قال قائل ففي حديث ابن أبي ليلى ذكر أخي المقتول ورجلين معه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم تحلفون وتستحقون فكيف لا يحلف إلا وارث؟ قلت قد يمكن أن يكون قال ذلك لوارث المقتول هو وغيره ويمكن أن يكون قال ذلك لوارثه وحده تحلفون لواحد أو قال ذلك لجماعتهم يعني به يحلف الورثة إن كان مع أخيه الذي حكى أنه حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - وارث غيره أو كان أخوه غير وارث له وهو يعني بذلك الورثة فإن قال قائل: ما الدلالة على هذا؟ فإن جميع حكم الله وسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما سوى القسامة أن يمين المرء لا تكون إلا فيما يدفع بها الرجل عن نفسه
عليه وسلم - قضى بها لغير وارث ويستحق بها الوارث لم يجز فيها - والله أعلم - إلا أن تكون في معاني ما حكم الله عز وجل به من الأيمان، ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم المسلمون من أنه لا يملك أحد بيمين غيره شيئا.
بيان ما يحلف عليه القسامة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وينبغي للحاكم أن يسأل من وجبت له القسامة من صاحبك؟ فإذا قال: فلان، قال: فلان وحده؟ فإن قال: نعم، قال: عمدا أو خطأ؟ فإن قال عمدا سأله ما العمد؟ فإن وصف ما يجب بمثله قصاص لو قامت بينة أحلفه على ذلك وإن وصف من العمد ما لا يجب فيه قصاص وإنما يكون فيه العقل أحلفه على ذلك بعد إثباته وإن قال قتله فلان ونفر معه لم يحلفه حتى يسمي النفر فإن قال لا أعرفهم وأنا أحلف على هذا أنه فيمن قتله لم يحلفه حتى يسمي عدد النفر معه فإن كانوا ثلاثة أحلفه على الذي أثبته وكان له عليه ثلث الدية أو على عاقلته وإن كانوا أربعة فربعها وإن لم يثبت عددهم لم يحلف؛ لأنه لا يدري كم يلزم هذا الذي يثبت ولا عاقلته من الدية لو حلف عليه ولو عجل الحاكم فأحلفه قبل أن يسأله عن هذا كان عليه أن يعيد عليه اليمين إذا أثبت كم عدد من قتل معه ولو عجل الحاكم فأحلفه لقتل فلان فلانا ولم يقل عمدا ولا خطأ أعاد عليه عدد ما يلزمه من الأيمان؛ لأن حكم الدية في العمد أنها في ماله وفي الخطأ أنها على عاقلته ولو عجل فأحلفه لقتله مع غيره عمدا ولم يقل قتله وحده أعاد عليه اليمين لقتله وحده ولو عجل فأحلفه لقتله مع غيره ولم يسم عدد الذين قتلوه معه أعاد عليه الأيمان إذا عرف العدد ولو أحلفه لقتله وثلاثة معه لم يسمهم قضى عليه بربع الدية أو على عاقلته فإن جاء بواحد من الثلاثة فقال قد أثبت هذا أحلفه أيضا عليه عدة ما يلزمه من الأيمان فإن كان هذا الوارث وحده أحلفه خمسين يمينا لقتله مع هؤلاء الثلاثة فإن كان يرث النصف فنصف الأيمان ولم تعد عليه الأيمان الأولى، ثم كلما أثبت واحدا معه أعاد عليه ما يلزمه من الأيمان كما يبتدئ استحلافه على واحد لو كانت دعواه عليه منفردة وإن كان له وارثان فأغفل الحاكم بعض ما وصفت أن عليه أن يحلفه عليه أو أحلفه مغفلا خمسين يمينا، ثم جاء الوارث الآخر فحلف خمسا وعشرين يمينا أعاد على الأول خمسا وعشرين يمينا؛ لأنه هي التي تلزمه مع الوارث معه وإنما أحلفه أولا خمسين يمينا؛ لأنه لا يستحق نصيبه من الدية إلا بها إذا لم تتم أيمان الورثة معه خمسين يمينا. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (251)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ 106
عدد الأيمان على كل حالف
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجب على أحد حق في القسامة حتى تكمل أيمان الورثة
خمسين يمينا وسواء كثر الورثة أو قلوا وإذا مات الميت وترك وارثا واحدا أقسم خمسين يمينا واستحق الدية وإن ترك وارثين أو أكثر فكان أحدهما صغيرا أو غائبا أو مغلوبا على عقله أو حاضرا بالغا فلم يحلف فأراد أحدهما اليمين لم يحبس على غائب ولا صغير ولم يبطل حقه من ميراثه من دمه بامتناع غيره من اليمين ولا إكذابه دعوى أخيه ولا صغره وقيل للذي يريد اليمين: أنت لا تستوجب شيئا من الدية على المدعى عليهم ولا على عواقلهم إلا بخمسين يمينا فإن شئت أن تعجل فتحلف خمسين يمينا وتأخذ نصيبك من الميراث لا يزاد عليه قبلت منك وإن امتنعت فدع هذا حتى يحضر معك وارث تقبل يمينه فتحلفان خمسين يمينا أو ورثته فتكمل أيمانكم خمسين يمينا كل رجل منكم بقدر ما يجب عليه من الأيمان أو أكثر ولا يجوز أن يزاد على وارث في الأيمان على قدر حصته من الميراث إلا في موضعين: أحدهما ما وصفت من أن يغيب وارث أو يصغر أو ينكل فيريد أحد الورثة اليمين فلا يأخذ حقه إلا بكمال خمسين يمينا فيزاد عليه في الأيمان في هذا الموضع ولا يجبر على الأيمان أو يدع الميت ثلاث بنين فتكون حصة كل واحد منهم سبعة عشر يمينا إلا ثلث يمين فلا يجوز في اليمين كسر ولا يجوز أن يحلف واحد ستة عشر يمينا وعليه ثلثا يمين ويحلف آخر سبعة عشر ولا سبعة عشر وزيادة ويحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا فيكون عليهم زيادة يمين بينهم، وهكذا من وقع عليه أو له كسر يمين جبرها وإن لم يدع القتيل وارثا إلا ابنه أو أباه أو أخاه أجزأه أن يحلف خمسين يمينا؛ لأنه مالك المال كله وكل من ملك شيئا حلف عليه وهكذا لو لم يدع إلا ابنته وهي مولاته حلفت خمسين يمينا وأخذت الكل: النصف بالنسب والنصف بالولاء، وهكذا لو لم يدع إلا زوجة وهي مولاته وإذا ترك أكثر من خمسين وارثا سواء في ميراثه كأنهم بنون معا أو إخوة معا أو عصبة في القعدد إليه سواء حلف كل واحد منهم يمينا وإن جازوا خمسين أضعافا؛ لأنه لا يأخذ أحد مالا بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه بلا يمين منه ولا يملك أحد بيمين غيره شيئا ولو كانت فيهم زوجة فورثت الربع أو الثمن حلفت ربع الأيمان ثلاثة عشر يمينا يزاد عليها كسر يمين أو ثمن الأيمان سبعة أيمان يزاد عليها كسر يمين؛ لما وصفت من أنه لا يجوز إذا كان على وارث كسر يمين إلا أن يأتي بيمين تامة. .
نكول الورثة واختلافهم في القسامة
ومن يدعى عليهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا كان للقتيل وارثان فامتنع أحدهما من القسامة لم يمنع ذلك الآخر من أن يقسم خمسين يمينا ويستحق نصيبه من الميراث، وكذلك إن كان الورثة عددا كثيرا فنكلوا إلا واحدا، وكذلك إن كان المقسم عليه عدلا والمقسم غير عدل قبلت قسامته؛ لأنه حق يأخذه بيمينه فالعدل وغير العدل سواء كما يكون للرجلين شاهد وللرجال شاهد فيمتنع أحدهم أو أكثرهم من اليمين ويحلف غيره منهم فيكون للحالف أخذ حقه، كما يدعى على الرجال حق فيقر به بعضهم وينكر بعض فيحلف المنكر ويبرأ ويؤخذ من المقر ما أقر به فإذا كانت على الرجل في القسامة أيمان فلم يكملها حتى مات كان على الورثة أن يبتدئوا الأيمان التي كانت على أبيهم ولا يحاسبون بأيمانه؛ لأن أيمانه غير أيمانهم
وهو لم يكن يأخذ بأيمانه شيئا حتى يكمل ما عليه فيه ولو كان لم يمت، ولكنه لم يكمل أيمانه حتى غلب على عقله فإذا أفاق احتسب بما بقي من أيمانه ولم يسقط من أيمانه الماضية شيء من قبل أن عليه عدد شيء فإذا أتى به مجموعا أو مفرقا عند حاكم فقد أدى ما عليه ولو جاء به عند حاكمين ويجب على الحاكم أن يثبت له عدد ما حلف عنده قبل يغلب على عقله وما حلف عند غيره ولو حلف على بعض الأيمان، ثم سأل الحاكم أن ينظر أنظره فإذا جاء ليستكمل الأيمان حسبت له ما مضى منها عنده وإذا كان للقتيل تجب فيه القسامة وارثان فادعى أحدهما على رجل من أهل المحلة أنه قتله وحده وأبرأه صاحبه بأن قال ما قتله كان فيها قولان: أحدهما أن لولي الدم المدعي الذي لم يبرئ أن يحلف خمسين يمينا ويستحق على المدعى عليه نصف الدية إن كان عمدا في ماله وعلى العاقلة إن كان خطأ ومن قال هذا القول قال لو كان عدلا فشهد له أنه كان في الوقت الذي قتل فيه وهم يتصادقون على الوقت غائبا ببلد لا يمكن أن يصل منه في ذلك الوقت ولا في يوم إلى موضع القتيل لم يبرأ؛ لأنه واحد لا تجوز شهادته ولوكان الوارثان اثنين عدلين فشهدا له بهذا أو شهدا على آخر أنه قتله أجزنا شهادتهما ولم نجعل فيه قسامة والقول الثاني أنه ليس للورثة أن يقسموا على رجل يبرئه أحدهم إذا كان الذي يبرئه يعقل فإن أبرأه منهم مغلوب على عقله أو صبي لم يبلغ كان للباقين منهم أن يحلفوا. .
ما يسقط حقوق أهل القسامة
من الاختلاف وما لا يسقطها
(قال الشافعي): وإذا اختلف الوارثان فيمن تجب عليه القسامة فكانت دعواهما معا مما يمكن أن يصدقا فيه بحال لم يسقط حقهما في القسامة وذلك مثل أن يقول: هذا قتل أبي عبد الله بن خالد ورجل لا أعرفه ويقول الآخر: قتل أبي زيد بن عامر ورجل لا أعرفه؛ لأنه قد يجوز أن يكون زيد بن عامر هو الرجل الذي عرفه الذي جهل عبد الله بن خالد وأن يكون عبد الله بن خالد هو الرجل الذي جهله الذي عرف زيد بن عامر ولو قال الذي ادعى على عبد الله قد عرفت زيدا وليس بالذي قتل مع عبد الله وقال الذي عرف زيدا قد عرفت عبد الله وليس بالذي قتل مع زيد ففيها قولان: أحدهما أن يكون لكل واحد منهما أن يقسم على الذي ادعى عليه ويأخذ منه ربع الدية ومن قال هذا قال حق كل واحد منهما غير حق صاحبه كرجلين لهما حق على رجل فأبرأه أحدهما بإكذاب البينة؛ لأنه قد يمكن في كل المدعى عليهما القتل وفي كل واحد من الوارثين وعلى كل واحد منهما الوهم أو يثبت كل واحد منهما أن مع الذي ادعى عليه قاتلا غيره وإن ادعى كل واحد منهما على غير الذي أبرأه أنه قاتل مع الذي ثبت عليه كان لكل واحد منهما أن يقسم ويأخذ منه حصته من الدية، والقول الثاني أن ليس لواحد منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد فيقسمان عليه ومن قال هذا قال هذان ليسا كرجلين لهما حق على رجل فأكذب أحدهما بينته فبطل حقه وصدق الآخر بينته فأخذ حقه؛ لأن هذا الحق أخذ بغير قول المدعي وحده وأخذه بشهادة أمر المسلمين مقبول مثلها والقسامة حق أخذ بدلالة، وأيمانهما بها؛ لأنهما وارثان له ولا يأخذانه وكل واحد منهما يكذب صاحبه ومن قال هذا قال: لو أن وارثين وجبت لهما القسامة ادعى كل واحد منهما على رجل أنه قتل أباه وحده لم يكن لواحد منهما أن يقسم على واحد من الذي ادعيا عليه ولا على غيره؛ لأنه قد أبرأ غيره بدعواه عليه وحده وأنه لا يمكن فيهما أن يكونا صادقين بحال ولا يكون أحدهما قتله وحده والآخر قتله وحده وكذلك لو كان له معهما وارث ثالث فادعى على
الذي ادعيا عليه وحده أو معه غيره لم يكن ذلك له ولو وجبت لهما فادعى أحدهما على واحد بعينه وقال الآخر: لا أعرفه وامتنع من القسامة كان للذي أثبت القسامة عليه أن يقسم خمسين يمينا ويأخذ حصته من الدية؛ لأن امتناع أخيه من اليمين ليس بإكذاب له فإذا لم يكن إكذابا له فله أن يحلف بكل حال، وكذلك لو ادعى وارثان أنه قتل أباهما فقال أحدهما: قتله وحده وقال الآخر: قتله وآخر معه كان للذي أفرد الدعوى عليه وحده أن يحلف ويأخذ منه ربع الدية والآخر يحلف ويأخذ ربع الدية؛ لأنهما اجتمعا على أن عليه نصف الدية وأقر أحدهما بأنها عليه كلها ولا يؤخذ في هذا القول إلا بما اجتمعا عليه ولا يكون للذي ادعى على الباقي أن يحلف؛ لأن أخاه يكذبه أن يكون قاتلا فعلى هذا، هذا الباب كله. .
الخطأ والعمد في القسامة
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: إذا وجبت القسامة لم أحلف الورثة حتى أسألهم أعمدا قتل صاحبهم أو خطأ؟ فإن قالوا عمدا أحلفتهم على العمد وجعلت لهم الدية في مال القاتل حالة مغلظة كدية العمد وإن قالوا خطأ أحلفتهم لقتله خطأ، ثم جعلت الدية على عاقلة القاتل في مضي ثلاث سنين كدية الخطأ وهكذا إذا كانت لمسلمين على مشركين أو لمشركين على مسلمين أو لمشركين على مشركين أحرار لا تختلف فإذا كانت القسامة على عبد أو قوم فيهم عبد كانت الدية في الخطأ والعمد في عنق العبد دون مال سيده وعاقلته ولا تكون القسامة إلا عند حاكم وإذا أقسموا أبغير أمر الحاكم؟ أعاد عليهم الحاكم الأيمان ولم يحسب لهم من أيمانهم قبل استحلافه لهم شيئا. .
القسامة بالبينة وغيرها
(قال الشافعي): وإذا حلف ولاة الدم على رجل أنه قتل لهم قتيلا وحده وأخذوا منه الدية أو من عاقلته، ثم جاء شاهدان بما فيه البراءة للذي أقسموا عليه من قتل قتيلهم رد ولاة القتيل ما أخذوا من الدية على من أخذوها منه وذلك أن يشهد شاهدان أن هذا الذي أقسموا عليه كان يوم كذا من شهر كذا وذلك القاتل بمكة والقتيل بالمدينة أو كان ببلد لا يمكن أن يبلغ موضع القتيل في يوم ولا أكثر أو يشهدون على أن فلانا الذي أقسموا عليه كان معهم قبل طلوع الشمس إلى زوال الشمس وإنما قتل القتيل في هذا الوقت أو ما في معنى هذا مما يثبت الشاهدان أن هذا المقسم عليه بريء من قتل صاحبهم فإن شهدوا أن فلانا رجلا آخر قتل صاحبهم لم تخرج الدية حتى ينظر فإن جازت شهادتهم على فلان أخرجت الدية التي أخذت بالقسامة فردت إلى من أخذت منه وإن ردت عن فلان لم تخرج التي أخذت بالقسامة بشهادة من لم تجز شهادته على رجل بعداوة ولا بأن يعدلهم من يجر إلى نفسه أو يدفع عنها ولا يقبل شاهدان من عاقلة المدعى عليه إذا ادعى القتل خطأ أن يبتدئوها بما يبرئ المدعى عليه في الخطأ؛ لأن في ذلك براءة لهم مما يلزمهم من الدية.
وقد قيل: إن كان القتل عمدا لم يقبل ذلك للمدعى عليه؛ لأن ذلك إبراء له من اسم القتل ولا إن كان الشاهدان يكونان إذا شهدا أبرآ أنفسهما من شيء من الدية أو جرا إلى أنفسهما (قال الشافعي): وإن لم يقطعوا الشهادة بما يبين براءته لم يكن بريئا، وذلك مثل أن يكون القتيل ببلد فيقتل يوم الجمعة لا يدرى أي وقت قتل فيه فيشهد هؤلاء الشهود أن
هذا كان معهم يوم الجمعة طول النهار أو في بعض النهار دون بعض أو في حبس وحديد أو مريضا؛ لأنه قد يمكن أن يقتله في وقت لم يكن معهم فيه وينفلت من السجن والحديد ويقتله في الحديد ويقتله وهو مريض.
(قال الشافعي): ولو شهدوا على الورثة أنهم أقروا أن هذا المقسم عليه لم يقتل أباهم أو أنه كان غير حاضر قتل أبيهم أو أنه في اليوم الذي قتل فيه أبوهم كان لا يمكن أن يبلغ حيث قتل أبوهم أو أنهم أقسموا عليه عارفين بأنه لم يقتله أحد أخذت الدية منهم وللإمام تعزيرهم بإقرارهم وأخذ المال بالباطل، ولو كانوا شهدوا على أنهم قالوا إن كنا لغيبا عن قتله قبل القسامة وبعدها لم يردوا شيئا؛ لأني أحلفتهم وأنا أعلمهم غيبا، وكذلك لو شهدوا قبل القسامة وبعدها أنهم قالوا ما نحن على يقين من قتله كان لهم أن يقسموا؛ لأنهم قد يصدقون الشهود بما لا يستيقنون وإنما اليقين العيان لا الشهادة ولو شهدوا عليهم أنهم قالوا قد أخذنا منه الدية أو من عاقلته الدية بظلم سئلوا فإن قالوا: قلناه؛ لأن القسامة لا توجب لنا دية حلفوا بالله ما أرادوا غير هذا وقيل لهم: ليس هذا بظلم وإن سميتموه ظلما وإن لم يحلفوا على هذا حلف المدعى عليه ما قتل صاحبهم وردوا الدية فإن قالوا: أردنا بقولنا أخذنا الدية بظلم بأنا كذبنا عليه ردوا الدية وعزروا ولو أقسم الورثة على رجل أنه قتل أباهم وحده وشهد شاهدان على رجل غيره أنه قتل أباهم فادعى الورثة على القاتل المشهود عليه دم أبيهم وسألوا القود به أو الدية لم يكن ذلك لهم؛ لأنهم قد زعموا أن قاتل أبيهم رجل واحد فأبرءوا منه غيره وردوا ما أخذوا من الدية بالقسامة؛ لأنه قد شهد لمن أخذوا منه الدية بالبراءة وأبرءوه بدعواهم على غيره ولو ثبتوا أيضا على دعواهم على الأول وكذبوا البينة لم يأخذوا من الآخر عقلا ولا قودا؛ لأنهم أبرءوه وردوا ما أخذوا من الأول؛ لأن الشاهدين قد شهدا له بالبراءة ولو أن شاهدين شهدا لرجل بما يبرئه من دم رجل كما وصفت، ثم أقر المشهود له أنه قتله عمدا أو خطأ لزمه الدم كما أقر به.
وإذا أقر به خطأ لزمه في ماله في ثلاث سنين دون عاقلته ولو أن ولاة الدم أقروا أن رجلا لم يقتل أباهم وادعوه على غيره وأقر الذي أبرءوه أنه قتل أباهم منفردا فقد قيل: يؤخذ بإقراره ويكون أصدق عليه من إبرائهم له كشهادة من شهد له بالبراءة وقيل: لا يؤخذ بإقراره من قبل أن ولاة الدم قد أبرءوه من دمه وسواء ادعوا الوهم في إبرائه، ثم قالوا أثبتنا أنك قتلته أو لم يدعوه. .
اختلاف المدعي والمدعى عليه في الدم
(قال الشافعي): ولو أن رجلا ادعى أن رجلا قتل أباه عمدا بما فيه القود وأقر المدعى عليه أنه قتله خطأ فالقتل خطأ والدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ فإن نكل حلف المدعي لقتله عمدا وكان له القود وهكذا إن أقر أنه قتله عمدا بالشيء الذي إذا قتله به لم يقد منه ولو ادعى رجل على رجل أنه قتل أباه وحده خطأ فأقر المدعى عليه أنه قتله هو وغيره معه كان القول قول المقر مع يمينه ولم يغرم إلا نصف الدية ولا يصدق على الذي زعم أنه قتله معه.
ولو قال قتلته وحدي عمدا وأنا مغلوب على عقلي بمرض فإن علم أنه كان مريضا مغلوبا على عقله قبل قوله مع يمينه وإن لم يعلم ذلك فعليه القود بعد أن يحلف ولي الدم لقتله غير مغلوب على عقله وهكذا لو قامت عليه بينة بأنه قتله فقال: قتلته وأنا مغلوب على عقلي (قال الشافعي): وإذا وجد القتيل في محلة قوم يختلط بهم غيرهم أو صحراء أو مسجد أو سوق أو موضع مسير إلى دار مشتركة أو غيرها فلا قسامة فيه فإن ادعى أولياؤه على أهل المحلة لم يحلف لهم منهم إلا من أثبتوا بعينه فقالوا نحن ندعي أنه قتله فإن أثبتوهم كلهم وادعوا
عليهم وهم مائة أو أكثر وفيهم نساء ورجال وعبيد مسلمون كلهم أو مشركون كلهم أو فيهم مسلم ومشرك أحلفوا كلهم يمينا يمينا؛ لأنهم يزيدون على خمسين وإن كانوا أقل من خمسين ردت الأيمان عليهم فإن كانوا خمسة وعشرين حلفوا يمينين يمينين وإن كانوا ثلاثين حلفوا يمينين يمينين؛ لأن على كل واحد منهم يمينا وكسر يمين ومن كانت عليه كسر يمين حلف يمينا تامة وليس الأحرار المسلمون بأحق بالأيمان من العبيد ولا العبيد من الأحرار ولا الرجال من النساء ولا النساء من الرجال كل بالغ فيها سواء.
وإن كان فيهم صبي ادعوا عليه لم يحلف وإذا بلغ حلف فإن مات قبل البلوغ فلا شيء عليه ولا يحلف واحد منهم إلا واحدا ادعوا عليه بنفسه فإذا حلفوا برئوا وإذا نكلوا عن الأيمان حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية إن كانت عمدا ففي أموالهم ورقاب العبيد منهم بقدر حصصهم فيها وإن كانت خطأ فعلى عواقلهم وإن كان ولي القتيل ادعى على اثنين منهم فحلف أحدهما وامتنع الآخر من اليمين بريء الذي حلف وحلف ولاة الدم على الذي نكل، ثم لزمه نصف الدية في ماله إن كان عمدا وعلى عاقلته إن كان خطأ؛ لأنهم إنما ادعوا أنه قاتل مع غيره وسواء في النكول عن اليمين المحجور عليه وغير المحجور عليه إذا نكل منهم واحد حلف المدعى عليه.
وكذلك سواء في الإقرار إذا أقر المحجور عليه وغير المحجور عليه بالجناية لزمه منها ما يلزم غير المحجور عليه والجناية خلاف البيع والشراء وقد قيل: لا يلزمه إلا بجناية العمد في الإقرار والنكول.
باب الإقرار والنكول والدعوى في الدم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكذلك العبد سواء في الإقرار بالجناية والنكول عن اليمين فيها إلا في خصلة بأن العبد إذا أقر بجناية لا قصاص فيها لم يتبع فيها وأشهد الحاكم بإقراره بها فمتى عتق ألزمه إياها؛ لأنه حين أقر أقر بمال لغيره فلا يجوز إقراره في مال غيره وإذا صار له مال كان إقراره فيه وإذا ادعوا على عشرة فيهم صبي رفعت حصة الصبي عنهم من الدية إن استحقت وإن نكلوا حلف ولاة الدم وأخذوا منهم تسعة أعشار الدية فإذا بلغ الصبي حلف فبريء أو نكل فحلف الولي وأخذ منه العشر إذا كان القتل عمدا.
(قال الشافعي): وإذا ادعوا على جماعة فيهم معتوه فهو كالصبي لا يحلف وذلك أنه لا يؤخذ بإقراره على نفسه فإن أفاق من العته أحلف، وتسعه اليمين بعد مسألته عما ادعوا عليه وإن نكل حلف ولاة الدم واستحقوا عليه حصته من الدية وإن ادعوا على قوم فيهم سكران لم يحلف السكران حتى يفيق، ثم يحلف فإن نكل حلف أولياء الدم واستحقوا عليه حصته من الدية (قال الشافعي): وإذا وجد القتيل في دار رجل وحده فقد قيل: لا يبرأ إلا بخمسين يمينا إذا ادعي عليه القتل.
قتل الرجل في الجماعة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الجماعة في مسجد أو مجمع غير المسجد فازدحموا فمات رجل منهم في الزحام قيل لوليه: ادع على من شئت منهم فإن ادعى على أحد بعينه أو جماعة كانت في المجمع الذي قتل فيه أو جماعة يمكن أن تكون قاتلته بزحام قبلت دعواه وحلف واستحق على عواقلهم الدية في ثلاث سنين. وإن ادعاه على من لا يمكن أن يكون زحمه بالكثرة كأن يكون في
المسجد ألف فيدعيه عليهم فلا تقبل دعواه؛ لأنه لا يمكن أن يكون كلهم زحمه فإن لم يدع على أحد بعينه يمكن أن يكون زحمه لم يعرض لهم فيه ولم نجعل فيه عقلا ولا قودا (قال الشافعي): وهكذا إن قتل بين صفين لا يدرى من قتله، وهكذا قتل الجماعات في هذا كله (قال الشافعي): وإذا ادعي على رجل بعينه فأنكر المدعى عليه أن يكون كان في الموضع الذي قتل فيه القتيل لم يقسم ولي الدم عليه حتى تقوم بينة بأنه كان في ذلك الموضع فإذا أقر أو قامت عليه بينة بذلك فلولي القتيل أن يقسم عليه (قال الشافعي): وسواء فيما تجب فيه القسامة كان بالميت أثر سلاح أو خنق أو غير ذلك أو لم يكن؛ لأنه قد يقتل بما لا أثر له. فإن قال المدعى عليه القتل: إنما مات ميتك من مرض كان به أو مات فجأة أو بصاعقة أو ميتة ما كانت كان لولي القتيل القسامة بما وصفت من أنه قد يقتل بما لا أثر له ولو دفعت القسامة بهذا دفعتها بأن يقول: جاءنا جريحا فمات من جراحه عندنا. .
نكول المدعى عليهم بالدم عن الأيمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا لم أجعل لولاة الدم الأيمان فادعى رجل على رجل أنه قتل أباه عمدا أحلف المدعى عليه خمسين يمينا ما قتله فإذا حلف بريء من دمه ولا عقل ولا قود عليه، وإن كان أقر بقتله قتل به إلا أن يشاء الوارث العقل ويأخذه من ماله أو العفو عن العقل والقود وإن لم يقر ونكل عن اليمين قيل للوارث احلف خمسين يمينا لقتله ولك القود كهو بإقراره، وإن كان المدعى عليه القتل معتوها أو صبيا لم يحلف واحد منهما؛ لأنه لو أقر في حاله تلك لم ألزمه إقراره فإن أفاق المعتوه وبلغ الصبي أحلفته على دعوى ولي الدم فإن حلف برئ وإن أقر لم يكن عليه القود وكانت الدية عليه في ماله حالة إن كان القتل عمدا وإن كان القتل خطأ في ثلاث سنين ولا تضمن عاقلته بإقراره وإن نكل المدعى عليه الدم عن اليمين وامتنع الوارث من اليمين فلا شيء على المدعى عليه وهكذا الدعوى فيما دون النفس من جراح العمد والخطأ لا تختلف، ولو كانت الدعوى على رجلين أنهما قتلاه خطأ حلف كل واحد منهما خمسا وعشرين يمينا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين حلف الولي خمسين يمينا على الناكل واستحق نصف الدية عليه ولا يستحق إلا بخمسين يمينا ويردد الأيمان على الذي حلف خمسا وعشرين يمينا حتى يتم عليه خمسون يمينا؛ لأنه لم يحلف معه تمام خمسين يمينا، وقد قيل: لا يبرأ واحد منهما لو حلفا معا إلا بخمسين يمينا ولا يحسب له يمين غيره (قال الشافعي): وإذا ادعى على رجل أنه قتله فلم ينكل ولم يحلف أو حلف فلم يتم الأيمان التي يبرأ بها حتى يموت لم يكن لولي الدم أن يحلف ويستحق عليه الدم ولو نكل في حياته عن اليمين كان لولي الدم أن يحلف ويستحق عليه الدم. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (252)
صــــــــــ 107 الى صـــــــــــ 112
باب دعوى الدم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعي على رجل أنه قتل رجلا وحده أو قتله هو وغيره عمدا فقد قيل: لا يبرأ إلا بخمسين يمينا. وقيل: يبرأ بحصته من الأيمان وهي خمسة وعشرون يمينا إذا
حلف مع المدعى عليه. وإذا ادعي عليه جرح أو جراح دون النفس فقد قيل يلزمه من الأيمان على قدر الدية فلو ادعيت عليه يد حلف خمسا وعشرين يمينا ولو ادعيت عليه موضحة حلف ثلاثة أيمان. .
باب كيف اليمين على الدم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو ادعي على رجل أنه قتل رجلا عمدا حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ما قتل فلانا ولا أعان على قتله ولا ناله من فعله ولا بسبب فعله شيء جرحه ولا وصل إليه شيء من بدنه ولا من فعله، وإنما زدت هذا في اليمين عليه احتياطا؛ لأنه قد يرمي ولا يريده فتصيبه الرمية أو يرمي الشيء فيصيب رميه شيئا فيطير الذي أصابته رميته عليه فيقتله وقد يجرحه فيرى أن مثل ذلك الجرح لا يقتله وكذلك يضربه بالشيء فلا يجرحه ولا يرى أن مثل ذلك يقتله فأحلفه لينكل فيلزمه ما أقر به أو يمضي عليه اليمين فيبرئه (قال الشافعي): وإذا ادعى خطأ حلف هكذا وزاد ولا أحدث شيئا عطب به فلان، وإنما أدخلت هذا في يمينه أنه يحدث البئر فيموت فيها الرجل ويحدث الحجر في الطريق فيعطب بها الرجل. وإنما منعني عن اليمينين معا أن أحلفه ما كان سببا لقتله مطلقا أنه قد يحدث غيره في المقتول الشيء فيأتنف هو المحدث فيقتله فيكون سببا لقتله وعليه العقل ولا قود عليه. .
يمين المدعي على القتل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا وجبت لرجل قسامة حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لقد قتل فلان فلانا منفردا بقتله ما شركه في قتله غيره. وإن ادعى على غيره معه حلف لقتل فلان وفلان فلانا منفردين بقتله ما شركهما فيه غيرهما، وإن لم يعرف الحالف الذي قتله معه حلف لقتل فلان فلانا وآخر معه لم يشركهما في قتله غيرهما، فإذا أثبت الآخر أعاد عليه اليمين ولم تجزئه اليمين الأولى. وإن كان الحالف على القسامة يحلف على رجل جرح، ثم عاش مدة بعد الجرح، ثم مات حلف كما وصفت لقتل فلان فلانا منفردا بقتله لم يشركه فيه غيره، وإن ادعى الجاني أنه برأ من الجراحة أو مات من شيء غير جراحته التي جرحه إياها حلف ما برأ منها حتى توفي منها. .
يمين المدعى عليه من إقراره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر الرجل أنه قتل رجلا هو وآخر معه خطأ حلف بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ما قتلت فلانا وحدي ولقد ضربه معي فلان فكان موته بعد ضربنا معا، وإنما منعني من أن أحلفه لمات من ضربكما معا أنه قد يموت من ضرب أحدهما دون الآخر والحكم أنهما إذا ضرباه فمات فمن ضربهما مات، وإذا ادعى ولي القتيل أن فلانا ضربه وهذا ذبحه أو فعل به فعلا لا يعيش بعده إلا كحياة الذبيح أحلفته على ما ادعى ولي القتيل. .
يمين مدعي الدم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الجاني على ولي الدم أن أباه مات من غير ضربه أحلفته على دعواه فإن قال أحلفه ما زال أبوه ضمنا من ضرب فلان لازما للفراش حتى مات من ضربه أحلفته وإنما أحلفته لمات من ضرب فلان أنه قد يلزم الفراش حتى يموت من غير مرض ويلزم حتى يموت بحدث يحدث عليه آخر أو جناية يحدثها على نفسه (قال الشافعي): وتسعه اليمين على ما أحلفته عليه على الظاهر من أنه مات من ضربه (قال الشافعي): ولو حلف لمات من ضربه، ثم قال قد كان بعد ضربه برأ لم أقض له بعقل ولا قود؛ لأن الظاهر أن هذا يحدث عليه موت من غير ضربه إذا أقبل أو أدبر. ولو لم يزده السلطان على أن لا يحلف إلا بالله أجزأه ذلك؛ لأن كل ما وصفت من صفة الله عز وجل واليمين باسمه تبارك وتعالى كافية، وإنما جعل الله على المتلاعنين الأيمان بالله عز وجل في اللعان. .
التحفظ في اليمين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وليتحفظ الذي يحلف فيقول للحالف: " والله لقد كان كذا وكذا أو ما كان كذا " فإن قال الحالف بالله كان كقوله والله؛ لأن ظاهرهما معا يمين. ولو لحن الحالف فقال والله بالرفع والنصب أحببت أن يعيد القول حتى يضجع ولو مضى على اليمين بغير إضجاع لم يكن عليه إعادة. وإن قال يالله بالياء لكان كذا لم يقبل منه وأعاد عليه حتى يدخل الواو أو الباء أو التاء.
وإذا نسق اليمين ثم وقف لغير عي ولا نفس قبل أن يكملها ابتدأها الحاكم عليه، وإن وقف لنفس أو لعي لم يعد عليه ما مضى منها فإن حلف فأدخل الاستثناء في شيء من يمينه، ثم نسق اليمين بعد الاستثناء أعاد عليه اليمين من أولها حتى ينسقها كلها بلا استثناء. .
عتق أمهات الأولاد والجناية عليهن
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي إذا وطئ الرجل أمته بالملك فولدت له فهي مملوكة بحالها لا ترث ولا تورث ولا تجوز شهادتها وجنايتها والجناية عليها جناية مملوك، وكذلك حدودها ولا حج عليها فإن حجت، ثم عتقت فعليها حجة الإسلام ولا تخالف المملوك في شيء إلا أنه لا يجوز لسيدها بيعها وإذا لم يجز له بيعها لم يحل له إخراجها من ملكه بشيء غير العتق، وأنها حرة إذا مات من رأس المال وكما لا يجوز بيعها فكذلك لا يجوز لغرمائه أن يبيعوها عليه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والولد الذي تكون به أم ولد كل ما بان له خلق من سقط من خلق الآدميين عين أو ظفر أو إصبع أو غير ذلك، فإن أسقطت شيئا مجتمعا لا يبين أن يكون له خلق سألنا عدولا من النساء فإن زعمن أن هذا لا يكون إلا من خلق الآدميين كانت به أم ولد وإن شككن لم تكن به أم ولد ولا تكون أم ولد بهذا الحكم بأن ينكحها وهي في ملك غيره فتلد، ثم يملكها وولدها، ولا بحبل وهي مملوكة لغيره، ثم تلد في ملكه؛ لأن الرق قد جرى على ولدها لغيره، وقد قال بعض الناس إذا نكحها مملوكة فولدت له فمتى ملكها فلها
هذا الحكم؛ لأنها مملوكة وقد ولدت منه، ولو ملك ابنها عتق بالنسب فإن كان إنما أعتقها بأن ابنها يعتق عليه متى ملكه فقد عتق عليه ابنها وهي مملوكة لغيره، وقد جرى عليها الرق لغيره ولا يجوز إلا ما قلنا فيها، وهو تقليد لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه أن المولود لم يجر عليه رق وهذا القول الذي حكيناه هو مخالف للأثر والقياس فأما أن يقول قائل: قولنا إذا ولدت منه في ملك غيره، ثم اشتراها، ثم يقول: لو حبلت منه في ملك غيره، ثم اشتراها فولدت بعد شرائه بيوم أو يومين. فهذا لا على اسم أنها قد ولدت له وملكها كما قال من حكيت قوله ولا على معنى أن الولد الذي تكون به أم ولد لها به هذا الحكم كان حمله في ملك سيدها الواطئ لها ويزوجها من شاء ويؤاجرها غرماؤه إن كانت لها صنعة.
فأما إن لم تكن لها صنعة فلا، وليس للمكاتب أن يتسرى. ولو فعل منع؛ لأنه ليس بتام الملك ولو ولدت له لم تكن أم ولد بهذا الولد حتى يعتق، ثم يحدث لها وطئا تلد منه بعد الملك (قال الشافعي): وللمكاتب أن يبيع أم ولده وللسيد أن ينزع أم ولد مدبره وعبده؛ لأنه ليس لهما أن يتسريا وليس للمملوك مال إنما المال للسيد ولسيده أن يأخذه من كل مملوك له أم ولد أو مدبر أو غيرهما ما خلا المكاتب فإنه محول دون رقبته وماله. وما كان للسيد أن يأخذه فلغرمائه أن يأخذوه ويأخذه السيد مريضا وصحيحا، ولو مات قبل أن يأخذه كان مالا من ماله موروثا عنه، إذا عقلنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبإجماع المسلمين أن له أن يأخذ أموالهم أحياء فقد عقلنا عنه، ثم عنهم أنه لا يأخذ إلا ما كان مالكا وما كان مالكا فهو موروث عنه (قال الشافعي): ووصية الرجل لأم ولده جائزة أنها إنما تملكها بعدما تعتق، وكذلك وصيته لمدبره إن خرج المدبر من الثلث وإن لم يخرج المدبر كله من الثلث فالوصية باطلة؛ لأنه مملوك لورثته.
الجناية على أم الولد
(قال الشافعي): وإذا جنى على أم الولد فالجناية عليها جناية على أمة تقوم أمة مملوكة، ثم يكون سيدها ولي الجناية عليها دونها يعفوها إن شاء أو يستقيد إن كان فيها قود أو يأخذ الأرش وإذا كانت هي الجانية ضمن الأقل من قيمتها أو الجناية للمجني عليه فإن عادت فجنت أخرى وقد أخرج قيمتها كلها ففيها قولان. أحدهما: إسلامه بدنها فيرجع المجني عليه الثاني بأرش جنايته على المجني عليه الأول فيشتركان فيها بقدر جنايتهما، ثم هكذا إن جنت جناية أخرى رجع المجني عليه الثالث على الأولين فكانوا شركاء في قيمتها بقدر الجناية عليهم وهذا قول يتوجه ويدخل من قبل أنه لو كان أسلم بدنها إلى الأول أخرجها من يدي الأول إلى الثاني ولم يجعلهما شريكين فإذا قام قيمتها مقام بدنها فكان يلزمه أن يخرج جميع قيمتها إلى المجني عليه الثاني إذا كان ذلك أرش جنايتها، ثم يصنع ذلك بها كلما جنت.
والقول الثاني أن يدفع الأقل من قيمتها أو الجناية فإذا عادت فجنت وقد دفع جميع قيمتها لم يرجع الآخر على الأول بشيء ورجع الآخر على سيدها فأخذ منه الأقل من قيمتها والجناية.
وهكذا كلما جنت وهذا قول
يدخل من قبل أنه إن كان إنما ذهب إلى العبد يجني فيعتقه سيده أن يضمن الأقل من قيمته أو الجناية فهذه لم يعتقها سيدها وذلك إذا عاد عقلت عنه العاقلة ولم يعقل هو عنه وهو يجعله يعقل عن هذه (قال الربيع) (قال الشافعي): والقول الثاني أحب إلينا.
(قال الشافعي): وإذا جنى عليها جناية فلم يحكم بها الحاكم حتى مات سيدها فهي لورثة سيدها من قبل أن سيدها قد ملكها بالجناية (قال الشافعي): وولد أم الولد بمنزلتها يعتقون بعتقها إذا عتقت كان من حلال أو حرام ولو ماتت أم الولد قبل سيدها كان أولادها في يد سيدها فإذا مات عتقوا بموته كما كانت أمهم تعتق بموته.
وإذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بالنفقة عليها وأن تعمل له ما يعمل مثلها لمثله فمتى أسلم خلي بينه وبينها، وإن مات قبل أن يسلم فهي حرة بموته وقال بعضهم: إذا أسلمت أم ولد النصراني فهي حرة وعليها أن تسعى في قيمتها وروي عن الأوزاعي مثل قوله إلا أنه قال تسعى في نصف قيمتها وقال غيرهما هي حرة ولا تسعى في شيء.
(قال الشافعي): فإن كان إنما ذهب إلى أنه لم يكن له منها إلا أن يصيبها فحرمت عليه الإصابة بإسلامها فهو يجعل للرجل من أم ولده أن يأخذ مالها بأي وجه ملكته وهب لها أو تصدق به عليها أو وجدت كنزا أو اكتسبته ويجعل له خدمتها وبعض هذا أكثر من رقبتها فكيف أخرجها من ملكه وهذا لا يحل له وهو لا يبيع أم الولد، وإذا لم يبع مدبر النصراني يسلم فكيف باع أم ولده؟.
(قال الشافعي): وسواء في الحكم أم ولد النصراني أو المسلم يرتد (قال الربيع لا تباع) أم ولد النصراني كما لا تباع أم ولد المسلم.
(قال الشافعي): وليس للنصراني أن يبيع أم ولده النصرانية إذا حكمنا أنه محول دونها لم يخل وبيعها كما لا يخلى بينه وبين بيع ابنه ولا بين بيع مكاتبه، وإذا توفي الرجل عن أم ولده أو أعتقها فلا عدة عليها وتستبرأ بحيضة فإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فثلاثة أشهر أحب إلينا قياسا؛ لأن الحيضة إذا كانت براءة في الظاهر فالحمل يبين في التي لا تحيض في أقل من ثلاثة أشهر. والقول الثاني أن عليها شهرا بدلا من الحيضة؛ لأن الله عز وجل أقام ثلاثة أشهر مقام ثلاث حيض (قال الربيع) وبه يقول الشافعي (قال الربيع) وإذا كانت للرجل أم ولد فخصي أو انقطع عنه الجماع فليس لها خيار؛ لأنها ليست كالزوجة في حال. .
مسألة الجنين
(أخبرنا الربيع) قال (حدثنا الشافعي) إملاء قال أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضي عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها» (قال الشافعي): فبين في قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قضى على امرأة أصابت جنينا بغرة وقضى على عصبتها بأن عليهم ما أصابت وأن ميراثها لولدها وزوجها أن العقل على العاقلة وإن لم يرثوا وأن الميراث لمن جعله الله عز وجل له وبين إذ قضى على عصبتها بعقل الجنين وإنما فيه غرة لا اختلاف بين أحد أن قيمتها خمس من الإبل
وفي قول غيرنا على أهل الذهب خمسون دينارا وعلى أهل الورق ستمائة درهم أن العاقلة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تعقل نصف عشر الدية وذلك أن خمسا من الإبل نصف عشر دية الرجل وقد روى هذا إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة وقضى به على عاقلة الجانية التي أصابته» (قال الشافعي) وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه يزعمون أن العاقلة تعقل نصف العشر فصاعدا ولا تعقل ما دونه. وقول غيرهم تعقل العاقلة كل ما كان له أرش وإذا قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العاقلة تعقل خطأ الحر في الأكثر قضينا به في الأقل والله تعالى أعلم.
وإنما ذهب أبو حنيفة إلى أن يقضي به فيما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ولا يجعل شيئا قياسا عليه وهذا يلزمه في غير موضع قد بين في موضعه (قال الشافعي): وقال غير أبي حنيفة تعقل العاقلة الثلث فصاعدا ولا تعقل ما دونه. ولا يجوز أن يكون في هذا إلا ما قلنا من أن جناية الحر إذا كانت خطأ فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النفس على العاقلة وجعلها في الجنين وهو نصف عشر النفس على العاقلة وفرق بين حكمها وحكم العمد وفرق المسلمون فجعلوا عمد الحر في النفس وما دونها وفيما استهلك من مال في مال نفسه دون عاقلته وحكم ما أصاب من حر خطأ في نفس على عاقلته إلا أن يكون ما أصاب من حر من شيء له أرش على عاقلته كما حملت الأكثر حملت الأقل إذا كان من وجه واحد وما ذهب إليه أبو حنيفة من أنه يقضي على العاقلة بما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يقضي عليها بغيره. فأما أنها تعقل الثلث فصاعدا فلم نعلم عند من قاله فيه خبرا يثبت إلا رأي الرجال الذين لا يكون رأيهم حجة فيما لا خبر فيه أو خبر لا يثبت مثله عندنا ولا عندهم فيما لا يريدون أن يقولوا به والسنة الثابتة «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه قضى بنصف عشر الدية على العاقلة» فمن زعم أنه لا يقضى بها على العاقلة فلينظر من خالف.
فإن قال فقد أثبت المنقطع كما قد أثبت الثابت فقد روى ابن أبي ذئب عن الزهري «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة» وهو يعرف فضل الزهري في الحفظ على من روي هذا عنه. وأخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر «أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا وهو يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت ومالك لأبيك» وهو يخالف هذين الحديثين مما لعله لو جمع لكان كثيرا من المنقطع فإن كان أحد أخطأ بترك تثبيت المنقطع فقد شركه في الخطإ وتفرد دونه برد المتصل إنه ليروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلا كثيرا عن الثقات، ثم يدعه فكيف يجوز أن يكون المتصل مردودا ويكون المنقطع مردودا حيث أراد ثابتا حيث أراد العلم أدى في هذا إلى الذي يزعم هذا إلا في الحديث. .
الجناية على العبد
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في
ثمنه وأخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته وقال ابن شهاب وكان رجال سواه يقولون يقوم سلعة (قال الشافعي): وخالف قول الزهري من الناس الذين قالوا هو سلعة وخالف قول سعيد بن المسيب، والزهري لم يحك فيه بالمدينة إلا هذين القولين ولم أعلم أحدا قط قال غير هذين القولين قبله فزعم في موضحة العبد ومنقلته ومأمومته وجائفته أنها في ثمنه مثل جراح الحر في ديته وزعم فيما بقي من جراحه أنها مثل جراح البعير فيه ما نقصه فلا بقول سعيد ولا بقول الناس الذين حكى عنهم الزهري (قال الشافعي): وهو يريد أن يجعل ابن شهاب ومثله حجة على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجعل قول ابن شهاب ولا قول القاسم ولا قول عامة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على رأي نفسه مع ما لو جمع من الحديث موصولا كان كثيرا فإذا جاز أن يكون هذا مردودا بأن الوهم قد يمكن على عدد كثير يروون أحاديث كلهم يحيلها على الثقة حتى يبلغ بها إلى من سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف جاز لأحد أن يعيب من رد الحديث المنقطع؛ لأنه لا يدري عمن رواه صاحبه وقد خبر من كثير منهم أنهم قد يقبلون الأحاديث ممن أحسنوا الظن به ويقبلونها ممن لعلهم لا يكونون خابرين به ويقبلونها من الثقة ولا يدرون عمن قبلها من قبلها عنه وما زال أهل الحديث في القديم والحديث يثبتون فلا يقبلون الرواية التي يحتجون بها ويحلون بها ويحرمون بها إلا عمن أمنوا وأن يحدثوا بها هكذا ذكروا أنهم لم يسمعوها من ثبت. كان عطاء بن أبي رباح يسأل عن الشيء فيرويه عمن قبله ويقول سمعته وما سمعته من ثبت (قال الشافعي) أخبرنا بذلك مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عنه هذا في غير قول وكان طاوس إذا حدثه رجل حديثا قال إن كان الذي حدثك مليا وإلا فدعه يعني حافظا ثقة (قال الشافعي) أخبرنا عمي محمد بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إني لأسمع الحديث أستحسنه فما يمنعني من ذكره إلا كراهية أن يسمعه سامع فيقتدي به أسمعه من الرجل لا أثق به قد حدثه عمن أثق به وأسمعه من الرجل أثق به حدثه عمن لا أثق به وقال سعيد بن إبراهيم لا يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الثقات (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال سألت ابنا لعبد الله بن عمر عن مسألة فلم يقل فيها شيئا فقيل له إنا لنعظم أن يكون مثلك ابن إمام هدى تسأل عن أمر ليس عندك فيه علم؟، فقال أعظم والله من ذلك عند الله وعند من عرف الله وعند من عقل عن الله أن أقول ما ليس لي به علم أو أخبر عن غير ثقة وكان ابن سيرين والنخعي وغير واحد من التابعين يذهب هذا المذهب في أن لا يقبل إلا عمن عرف وما لقيت ولا علمت أحدا من أهل العلم بالحديث يخالف هذا المذهب، والله أعلم.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (253)
صــــــــــ 113 الى صـــــــــــ 118
ديات الخطأ ديات الرجال الأحرار المسلمين
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} فأحكم الله تبارك وتعالى في تنزيل كتابه أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله وأبان على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - كم الدية
فكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية المسلم مائة من الإبل فكان هذا أقوى من نقل الخاصة وقد روي من طريق الخاصة وبه نأخذ ففي المسلم يقتل خطأ مائة من الإبل أخبرنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ألا إن في قتيل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة ألا «إن في قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا الدية مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها» أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم «في النفس مائة من الإبل» أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر في الديات في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم «في النفس مائة من الإبل» قال ابن جريج فقلت لعبد الله بن أبي بكر أفي شك أنتم من أنه كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال لا أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه وأخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا أدركنا الناس على أن دية الحر المسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل فقوم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق، ودية الأعرابي إذا أصابه أعرابي مائة من الإبل (قال الشافعي): ودية الحر المسلم مائة من الإبل لا دية غيرها كما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال): فإن أعوزت الإبل فقيمتها وقد وضع هذا في غير هذا الموضع. .
دية المعاهد
(قال الشافعي): وأمر الله تعالى في المعاهد يقتل خطأ بدية مسلمة إلى أهله ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا يقتل مؤمن بكافر مع ما فرق الله عز وجل بين المؤمنين والكافرين فلم يجز أن يحكم على قاتل الكافر إلا بدية ولا أن ينقص منها إلا بخبر لازم فقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمائة درهم وذلك ثلثا عشر دية المسلم؛ لأنه كان يقول تقوم الدية اثني عشر ألف درهم ولم نعلم أحدا قال في دياتهم أقل من هذا وقد قيل: إن دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء الأقل مما اجتمع عليه فمن قتل يهوديا أو نصرانيا خطأ، وللمقتول ذمة بأمان إلى مدة أو ذمة بإعطاء جزية أو أمان ساعة فقتله في وقت أمانه من المسلمين فعليه ثلث دية المسلم وذلك ثلاث وثلاثون من الإبل وثلث، ومن قتل مجوسيا أو وثنيا له أمان فعليه ثلثا عشر دية مسلم وذلك ست فرائض وثلثا فريضة مسلم وأسنان الإبل فيهم كهي في ديات المسلمين إذا كان قتلهم عمدا أو عمد خطأ فخمسا دية المقتول خلفتان وثلاثة أخماس نصفين: نصف حقاق ونصف جذاع فإذا كان القتل خطأ محضا فالدية أخماس: خمس بنات مخاض وخمس بنات لبون وخمس بنو لبون ذكور وخمس حقاق وخمس جذاع، وديات نسائهم على أنصاف ديات رجالهم كما تكون ديات نساء المسلمين على أنصاف ديات رجالهم وإذا قتل بعضهم
بعضا قضي عليهم بما وصفت يقضى به بين المسلمين وعلى عواقل من جرى عليه الحكم وقد وصفت هذا في الحكم بينهم في قتل العمد وإذا قتل لهم عبد على دينهم فديته ثمنه بالغا ما بلغ وإن بلغ ديات مسلم (قال): وإذا كان واحد منهم قاتلا لمسلم قتلا لا قصاص فيه قضي عليه بدية مسلم كاملة على عاقلته إن كان قتله خطأ أو شبه عمد كما يقضى على عاقلة المسلم، وإن لم يكن له عاقلة يجري عليهم الحكم ففي ماله وإن قتله عمدا فاختار ورثته العقل ففي مال الجاني كما قلنا في المسلمين الإبل أو قيمتها إن لم توجد في الجناية والدية والإبل لا غيرها ما كانت الإبل موجودة حيث كانت عاقلة الجاني والمحكوم لهم (قال الشافعي): يعقل عواقل الذميين إذا كانوا ممن يجري عليهم الحكم العقل عن جنايتهم الخطأ كما تعقل عواقل المسلمين.
دية المرأة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لم أعلم مخالفا من أهل العلم قديما ولا حديثا في أن دية المرأة نصف دية الرجل وذلك خمسون من الإبل فإذا قضى في المرأة بدية فهي خمسون من الإبل وإذا قتلت عمدا فاختار أهلها ديتها فديتها خمسون من الإبل أسنانها أسنان دية عمد وسواء قتلها رجل أو نفر أو امرأة لا يزاد في ديتها على خمسين من الإبل وجراح المرأة في ديتها كجراح الرجل في ديته لا تختلف، ففي موضحتها نصف ما في موضحة الرجل وفي جميع جراحها بهذا الحساب، فإن قال قائل فهل في دية المرأة سوى ما وصفت من الإجماع أمر متقدم؟ فنعم أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا أدركنا الناس على أن «دية الحر المسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل» فقوم عمر بن الخطاب تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل وأخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بثمانمائة ألف درهم وثلث.
(قال الشافعي): ذهب عثمان إلى التغليظ لقتلها في الحرم. .
دية الخنثى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا بان الخنثى ذكرا حكم له بذلك أو لم يحكم فديته دية الرجل وإذا بان أنثى فديته دية امرأة وإذا كان مشكلا فديته دية امرأة فإن جنى عليه وهو مشكل فلم يمت حتى بان ذكرا فديته دية رجل، وكذلك لو جنى عليه جرح فبرأ منه فأعطي أرشه وهو مشكل على أنه أنثى ثم بان ذكرا أتم له أرش جرح رجل وإذا اختلف ورثة الخنثى والجاني فقال الجاني: هو امرأة أو مشكل فالقول قوله مع يمينه وعلى الخنثى أو ورثته البينة بما يدل على أنه ذكر ولو مات الخنثى فاختلفت ورثته والجاني فأقام ورثته البينة بما يدل على أنه ذكر والجاني البينة بما يبين أنه أنثى طرحت البينتان معا في قول من طرح البينتين إذا تكافأتا وكان القول قول الجاني، ولو كان هذا والخنثى حي ثم
عاينه الحاكم فرآه ذكرا قضى له بأرش ذكر ولو كانت بينة متظاهرة أنه ذكر أو أنثى قبلت البينة كما تقبل على الاستئناف وليس ما أدرك الحاكم عيانه وأدركه الشهود وكان قائما بعينه يوم يشهد عليه عند الحاكم حتى يكون يمكن الحاكم أن يبتدئ أن يريه الشهود فيشهدون منه على عيان ثم آخرين بعد فتتواطأ شهاداتهم عليه ويدرك الحاكم العيان فيه كشهادة في أمر غائب عن الحاكم لا يدرك فيه مثل هذا ولا يشهد منها إلا على أمر منقض لا يستأنف الشهود علمه ولا غيرهم.
دية الجنين
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو وليدة» أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضى عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هذا من إخوان الكهان» أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها»، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال أذكر الله امرأ سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنين شيئا فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال «كنت بين جاريتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه بغرة» فقال عمر " إن كدنا أن نقضي في مثل هذا بآرائنا ".
(قال الشافعي): وبهذا كله نأخذ في الجنين والمرأة التي قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرة حرة مسلمة فإذا كان الجنين حرا مسلما بإسلام أحد أبويه أو هما ففيه غرة كاملة فإن كان جنين حرة مسلمة من مشرك حر أو عبد من نكاح أو زنا أو جنين حرة مسلمة لقيط من زوج عبد أو حر أو زنا ففيه غرة كاملة؛ لإسلامه وحريته بإسلام أمه وحريتها، وكذلك جنين الأمة يطؤها سيدها بملك صحيح أو ملك فاسد أو يملك شقصا منها، وكذلك جنين الأمة ينكحها ويغر بأنها حرة؛ لأن من سميت لا يرق بحال وما قلت لا يرق بحال ففيه غرة كاملة، وأي جنين جعلته مسلما بكل حال بإسلام أحد أبويه جعلته جنين مسلم.
وأقل ما يكون به السقط جنينا فيه غرة أن يتبين من خلقه شيء يفارق المضغة أو العلقة أصبع أو ظفر أو عين أو ما بان من خلق ابن آدم سوى هذا كله ففيه غرة كاملة وإن جنى جان على امرأة فجاءت مكانها أو بعد بجنين فقالت هذا الذي ألقيت وأنكر الجاني لم يقبل قولها وكان القول قوله بيمينه ولا تلزمه الجناية إلا بإقراره أو ببينة تقوم عليه رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة بأنها ألقت هذا أو ألقت جنينا فإن شهدوا أنها ألقت شيئا ولم يثبتوا الشيء وجاءت بجنين فقالت: هذا هو وأنكر أن يكون الذي ألقت فالقول قول الجاني عليها مع يمينه، وكذلك لو ألقته فدفنته ولم تثبته الشهود جنينا بأن يتبين فيه خلق آدمي ولم تختلف رواية من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يسأل عن الجنين ذكر هو أو أنثى فإذا ألقته المرأة ميتا فسواء ذكران الأجنة وإناثهم
في أن في كل واحد منهم غرة عبد أو أمة، وفي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين بغرة» دليل على أن الحكم في الجنين غير الحكم في أمه وإذا ألقت المرأة جنينا ميتا وعاشت أمه فدية الجنين موروثة كما يورث لو ألقته حيا ثم مات يرثه أبواه معا أو أمه إن لم يكن له أب ترثه مع من ورثه معها وإن لم يخرج إلا من الضرب الذي سقط به الجنين فلا شيء لها في الضرب؛ لأن الألم وإن وقع عليها فالتلف وقع على جنينها في جوفها.
وإن جرحها جرحا له أرش أو فيه حكومة فلها أرش الجراح والحكومة فيه دون ما في الجنين؛ لأنها جناية عليها، ودية الجنين موروثة لها ولأبيه أو ورثته إن لم يكن أبوه حيا معها (قال): وبهذا قلنا إذا ألقت المرأة أجنة موتى قبل موتها وبعده فذلك كله سواء وفي كل جنين منهم غرة ولها ميراثها مما ألقته وهي حية وما ألقته بعد الموت لم ترثه؛ لأنه لم يخرج وهي ترثه ولم يرثها؛ لأنه لم يخرج حيا فيرثها وإنما يرث الأحياء وإذا ألقت جنينين يجمعهما شيء من خلقة الإنسان لم يلزم عاقلته إلا دية جنين واحد وذلك أن تلقي بدنين مفترقين في رأس واحد أو في رقبتين مفترقتي الصدرين واليدين ويجمعهما رجلان أو أربعة أرجل إلا أنهما لا يفرقان بأن خلقا في الجلدة العليا أو فيها أو في أكثر منها فإن خرجا في جلدة بطن فشقت عنهما وبقيا ببدنين متفرقين فهما جنينان فيهما غرتان ولو كانا ناقصين أو أحدهما إذا بان في كل واحد منهما من خلقة الإنسان شيء فهما جنينان إذا خلقا متفرقين.
وإذا ألقت الجنين حيا ثم مات مكانه ففيه دية حر كاملة إن كان ذكرا فمائة من الإبل وإن كان أنثى فخمسون من الإبل ولا تعرف حياة الجنين إلا برضاع أو استهلال أو نفس أو حركة لا تكون إلا حركة حي، وإذا ألقته فادعت حياته فالقول قول الجاني في أنها ألقته ميتا وعلى وارث الجنين البينة فإن أقر الجاني على الجنين أنه خرج حيا وأنكرت عاقلته خروجه حيا وأقرت بخروجه ميتا أو قامت بينة بخروجه ولم تثبت له موتا ولا حياة ضمنت العاقلة دية الجنين ميتا وضمن الجاني تمام دية نفس حية إن كان ذكرا ضمن تسعة أعشار ونصف عشر دية رجل وذلك خمس وتسعون من الإبل فإذا كان أنثى فتسعة أعشار دية أنثى وذلك خمس وأربعون من الإبل.
(قال): وإن قامت بينة أنه خرج حيا وبينة أنه سقط ميتا فالقول قول البينة التي شهدت على الحياة؛ لأن الحياة قد تكون فلا يعلمها شهود حاضرون ويعلمها آخرون فيشهدون على أنه خرج ميتا بأنهم رأوه خارجا لم يعلموا حياته، ولو كانت البينة قامت على الجاني بإقراره بأنه خرج حيا وقامت أخرى بأنه قال خرج ميتا وليس هذا ولا الباب قبله تضادا في الشهادة يسقط به كلها (قال): وإذا ألقت جنينين أحدهما قبل الآخر أو معا فشهد الشهود على أنهم سمعوا لأحد الجنينين صوتا أو رأوا له حركة حياة ولم يثبتوا أيهما كان الحي قبلت شهاداتهم ولزم عاقلة الجاني دية جنين حي ودية جنين ميت، فإن كانا ذكرين لزمت العاقلة في الحي دية نفس رجل، وإن كانتا أنثيين لزمت العاقلة دية أنثى، وإن كانا ذكرا وأنثى لزمت العاقلة دية أنثى؛ لأنها اليقين ولم أعط وارث الجنين الفضل بين دية المرأة والرجل بالشك (قال): وإن أقر الجاني أن الذي خرج حيا ذكر أعطت العاقلة دية أنثى والجاني تمام دية رجل وهو نصف دية رجل خمسين من الإبل ويلزم العاقلة دية جنين غرة مع دية الحي، ولو ضرب رجل بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ثم ماتت وألقت بعد الموت جنينا حيا ثم مات ورثت المرأة
الجنين الذي خرج قبل موتها وورثها الجنين الذي خرج حيا بعد موتها وورثه بعد موته ورثته غيرها؛ لأنها لم ترثه.
ولو ألقت جنينا حيا ثم ماتت ومات فاختلف ورثتها وورثة الجنين فقال ورثة الجنين: ماتت قبل موت الجنين فورثها وقال: ورثتها ماتت بعد الجنين فورثته لم يرث واحد منهما صاحبه وكانوا كالقوم يموتون لا يدرى أيهم مات أولا ويرثهم ورثتهم الأحياء بعد يمين كل واحد من الفريقين على دعوى صاحبه (قال): وإذا ألقت المرأة جنينا حيا ثم جنى عليه رجل فقتله فعليه القود وليس على الجاني عليه حين أجهضت أمه دية جنين وفيه حكومة لأمه خاصة بقدر الألم عليها في الإجهاض الذي هو شبيه بالجرح (قال): ولو قتله الجاني عليه عمدا أو جرح أمه جرحا لا أرش له كان عليه القود وفي ماله حكومة لأمه ولو قتله خطأ كانت دية النفس على عاقلته، وكذلك أمه إن كانت هي القاتلة خطأ فديته على عاقلتها وإن كانت قتلته عمدا فديته في مالها.
وكذلك أبوه وآباؤه وأمهاته؛ لأنه لا يقاد ولد من والد ولا يرث الجنين واحد من القاتلين قتله عمدا أو خطأ وسواء في أن دية الجنين دية نفس حية إذا عرف حياة الجنين خرج لتمام أو أجهض قبل التمام (قال): والمرأة التي قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدية الجنين على عاقلتها عمدت ضرب المرأة بعمود بيتها فإذا جنى الرجل أو المرأة على حامل فأجهضت جنينا ميتا أو حيا فمات وكانت جنايته بسيف أو بما يكون بمثله القود فلا قود في الجنين، وإن خلص ألم الجناية إلى الجنين فأجهضته فجنايته في غير حكم العمد المقصود به قصد من يقاد لا حائل دونه وإذا ماتت المرأة فلها القود.
وإن أراد ورثتها الدية ففي مال الجاني إذا كان ضربها بما يقاد من مثله وإن كان لا يقاد من مثله فعلى عاقلة الجاني الدية؛ لأن هذا يشبه الخطأ العمد الذي حكم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وسواء فيما وصفت من أنه لا يقاد من الجاني على أم الجنين ليجهض الجنين حيا ثم يموت الجنين عمد بطنها أو فرجها أو ظهرها بضرب ليقتل ولدها أو أرادهما عمدا؛ لأن وقع الجناية بالأم دون الجنين.
جنين المرأة الحرة
(قال الشافعي): وإذا جنى رجل على امرأة عمدا أو خطأ فألقت جنينا ميتا فعلى عاقلته غرة عبد أو أمة يؤدون أيهما شاءوا من أي جنس شاءوا وليس لهم أن يؤدوا ما فيه عيب يرد منه لو بيع ولا خصيا؛ لأنه ناقص عن غرة وإن زاد ثمنه بالخصاء ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بالغرة من عبد أو أمة ولا خصيان نعلمهم ببلاده.
ولهم أن يؤدوا الغرة مستغنية بنت سبع سنين أو ثمان ولا يؤدونها في سن دون هذا السن؛ لأنها لا تستغني بنفسها دون هذه السن ولا يخير المولود بين الأبوين إلا في هذه السن ولا يفرق بين الأمة وولدها في البيع؛ لأنها صغيرة إلا بهذه السن وقيمة الغرة نصف عشر دية الرجل المسلم وذلك في العمد وعمد الخطأ قيمة خمس من الإبل خمساها وهو بعيران قيمة خلفتين أقل الخلفات وثلاثة أخماسها وهو قيمة ثلاث جذاع وحقاق نصفين من إبل عاقلة الجاني فإن لم تكن لهم إبل فمن إبل بلده أو أقرب البلدان منه.
وإذا كانت جناية الرجل على جنين المرأة ورمى غير أمه فأصاب أمه فدية الجنين على عاقلته غرة، تؤدي عاقلته أي غرة شاءوا غير ما وصفت أن ليس لهم أداؤه وقيمتها نصف عشر دية رجل من ديات الخطأ (قال): وهذا هكذا في جنين الأمة المسلمة أو الكتابية من سيدها يجني عليها الحربي الذي له أمان وجنين الذمية يجنى عليها من المسلم الحر وفي رقبة العبد إذا جنى على بعض أجنة من سميت لا يختلف في الخطأ والعمد.
(قال): فيؤدي في الخطأ على أم الجنين غرة، قيمتها قيمة خمس
من الإبل أخماس قيمة بنت مخاض وقيمة بنت لبون وقيمة ابن لبون ذكر وقيمة حقة وقيمة جذعة وليس لهم أن يؤدوا غرة هرمة ولا ضعيفة عن العمل؛ لأن أكثر ما يراد له الرقيق العمل وإنما يحكم للناس بما ينتفعون به لا بما لا ينفعهم ضعيفه وإذا منعت من أن تؤدي غرة معيبة عيبا يضر بالعمل فالعيب بالكبر أكبر من كثير من العيوب التي ترد بها.
وإذا جنى الرجل على جنين فخرج حيا ثم مات فقال مات من حادث كان بعد الجناية من غيري وقال ورثته: مات من الجناية فإن كان مات مكانه موتا يعلم في الظاهر أنه لا يكون إلا من الجناية ففيه دية نفس حية على عاقلته وإن قيل قد عاش مدة وإن قلت قد يمكن أن يكون مات من غير الجناية فالقول قول الجاني وعاقلته.
وعلى ورثة الجنين البينة أنه مات من الجناية، وأقبل على موته ما أقبل على أنه ولد فأقبل أربع نسوة ورجلا وامرأتين إذا كانوا عدولا ولا أقبل فيهم وارثا له (قال الربيع) وفيه قول آخر: إني لا أقبل عليه إلا شاهدين عدلين؛ لأنه في موضع يجوز للرجال النظر إليه إذا أمكنهم أن يخرجوه حيا بعد ما يولد فأما إذا لم يمكنهم أن يخرجوه لسرعة موته قبلت عليه شهادة أربع نسوة فيشهدن على موته بعد الحياة.
(قال الشافعي): وإذا أجهض الجنين حيا حياة لم تتم لجنين أجهض في مثلها حياة قط كأن أجهض لأقل من ستة أشهر ثم مات ففيه دية حر تامة.
وإن أجهض في حال يتم فيه لأحد من الأجنة حياة بحال فهو كالمسألة قبلها
وإذا خرج حيا لستة أشهر فصاعدا فقتله رجل عمدا فعليه القود كيف خرج إذا عرفت حياته وإن كان ضعيفا مفرطا وإن خرج لأقل من ستة أشهر فقتله إنسان عمدا فأراد ورثته القود فإن كان مثله يعيش اليومين والثلاثة أو اليوم ففيه القود.
وإذا شهد رجال أنه جنى على امرأة فألقت جنينا ولم يثبتوا أحيا أم ميتا فقال الجاني: ألقته ميتا وغيبته فالقول قوله مع يمينه ولو أقر هو بأنه خرج ميتا أو حيا فمات لزمه في ماله دون عاقلته؛ لأن هذا اعتراف إذا لم تصدقه عاقلته ولم تكن بينة.
ولو جنى جان على امرأة فقالت: ألقيت جنينا وقال الجاني: لم تلق شيئا فالقول قوله، وكذلك لو جاءت بجنين مكانها ميتا كان القول قوله؛ لأنه قد يمكن أن تأتي بجنين غيرها.
ولو خرج الجنين حيا فقتله غير الجاني على أمه عمدا قتل به ولم يكن على الجاني على أمه شيء ولو قتله الجاني على أمه عمدا فعليه القصاص أو الدية في ماله إن شاء الورثة وحكومة في ماله بجرح إن أصاب أمه لا أرش له معلوم لأمه دون ورثة الجنين
وإذا جنى على المرأة فألقت مكانها جنينا ميتا فعلى عاقلة الجاني ديته ولا يصدق ولا يصدقون أن إجهاضها بغير جناية؛ لأن الظاهر أن هذا من جنايته
ولو كانت تطلق فجنى عليها فألقت جنينا ميتا فقال ألقته من غير جنايتي لزم عاقلته دية الجنين كما لو كان مريضا في السياق فقتله رجل لزمه عمدا كان أو خطأ؛ لأنه قد يعيش وإن ظن أنه يموت وكذلك المرأة تطلق ثم يذهب الطلق عنها فتقيم أياما لا تلد.
ولو كانت تطلق فجنى عليها فألقت جنينا حيا ثم مات مكانه فقال لم تلقه من جنايتي وقالت: أسقطته من جنايتك فالقول قولها وضمنت عاقلته دية الجنين حيا ذكرا كان أو أنثى.
وإذا جنى الرجل على المرأة والقوابل عندها أو لسن عندها وهي ترى تطلق أو لا تطلق والحبل بها ظاهر فماتت وسكنت حركة ما في بطنها ضمن الأم ولم يضمن الجنين من قبل أني على غير إحاطة به أنه جنين مات بجنايته.
ولو خرج منها شيء يبين فيه خلق إنسان من رأس أو يد أو رجل أو غيره ثم ماتت أم الجنين ولم تخرج بقية الجنين ضمن الأم والجنين؛ لأني قد علمت أنه جنى على جنين في بطنها بخروج بعضه ولا فرق بين خروج بعضه وكله في علمي بأنه جنى على جنين، ألا ترى أنها لو ألقت كالمضغة يبين فيها شيء من خلق الإنسان ضمنته جنايته على جنين كامل ويضمن متى خرج منها شيء يبين به أنه جنى على جنين قبل موتها أو بعده.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (254)
صــــــــــ 119 الى صـــــــــــ 124
ولو خرج من فرج امرأة رأسا جنينين أو أربعة أيد لجنينين ولم يخرج ما بقي أغرمته جناية على جنين واحد؛ لأني لا أدري لعله يجمع الرأسين شيء من خلقة الإنسان فيكونان فيما يلزمه منهما كجنين واحد؛ لأن ذلك يمكن فيهما وإذا قضيت بدية في جنين خرج حيا ثم مات أو خرج ميتا فعلى الجاني عليه عتق رقبة مؤمنة.
(قال): وإذا جنى على امرأة فخرج منها بدنان في رأس أو جمع جنينين شيء واحد من خلقة آدمي فاللازم له فيه عتق رقبة والاحتياط أن يعتق اثنين، وكذلك لو خرج رأسان من فرج امرأة ثم ماتت ولم يتتام خروجهما فيعرفان لم أقض فيهما إلا بدية جنين واحد ولزم الجاني عتق رقبة وكان أن يعتق رقبتين في هذا المعنى أوكد عليه؛ لأن الأغلب أن الرأسين من بدنين مفترقين ما لم يعلم اجتماعهما بمعاينته
ولو اضطرب شيء في بطن أمه فماتت أحببت للجاني أن لا يدع أن يعتق ويحتاط فيعتق رقبتين أو ثلاثا ولا يبين أن يلزمه شيء؛ لأنه لم يعلمه ولدا وإذا ماتت الأم وجنينها أعتق بموت الأم رقبة وبموت جنينها أخرى.
جنين الذمية
(قال الشافعي): - رحمه الله تعالى -: وإذا كان الذميان الزوجان الحران على دين واحد فجنى على جنين امرأة منهم زوجها على دينها فخرج ميتا فديته عشر دية أمه، وإن كانا مختلفي الدين فحكمه لأكثرهما دية أجعل ديته أبدا لخير أبويه وأجعل ديته بحكم المسلم من أبويه إن كان منهما مسلم، مثل أن تكون ذمية عند مسلم فتكون دية جنين مسلم، ومثل أن تكون المسلمة أسلمت عند ذمي فتجعل دية جنينها دية جنين مسلمة، ومثل أن تكون أمة توطأ بملك سيدها فتكون دية جنينها نصف عشر دية أبيه؛ لأن الجنين حر بحرية أبيه ولا يكون ملكا لأبيه.
ولو كان أبوه مملوكا أو مكاتبا وطئ أمة له فجنى على جنينه من أمة له قبل عتق أبيه كان فيه عشر قيمة أمه؛ لأنه مملوك لا فضل في الحكم في الدية لأبيه على أمه بالحرية. وهكذا لو كانت مجوسية أو وثنية عند نصراني جعلت في جنينها ما في جنين النصرانية تحت النصراني؛ لما وصفت وسواء جنى على جنين الذمية مسلم أو ذمي أو حربي يحكم على عاقلته بديته إن كانت عاقلته ممن يجري عليه الحكم وإلا حكم بديته في مال الجاني (قال): وهكذا جنين الأمة الكافرة يطؤها سيدها بملك أو ينكحها مسلم ولا يعلم أنها مملوكة وتقول إنها حرة ففيه دية جنين حرة مسلمة.
ولو أن ذمية حملت فجنى عليها جان فألقت جنينا ميتا فقالت: هو من زنا بمسلم كانت فيه دية جنين نصرانية عشر دية أمه؛ لأنه لا يلحق بالزنا نسبه
ولو جنى رجل على نصرانية فألقت جنينا ميتا فقالت: كان أبوه مسلما وقال الجاني: بل كان ذميا أو لا نعرف له أبا لزمه جنين نصرانية ويحلف ما كان أبوه مسلما.
(قال): ولو اشترك مسلم وذمي في ظهر حرة بنكاح شبهة فجنى رجل على ما في بطنها فألقت جنينا ميتا جعلت على القاتل جنين ذمية من ذمي فإن ألحق الجنين بمسلم أتممت عليه جنين حرة مسلمة وإن هو أشكل فلم يبن لأيهما هو لم أجعل عليه إلا الأقل حتى أعرف الأكثر. .
جنين الأمة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والأمة المكاتبة والمدبرة والمعتقة إلى أجل وغير المعتقة سواء أجنتهن أجنة إماء إذا لم تكن أجنتهن أحرارا بما وصفت من أن يطأ واحدة منهن مالك لها حر أو زوج حر غرته
بأنها حرة ففي جنين كل واحدة منهن إذا خرج ميتا عشر قيمة أمه يوم جنى عليها (قال): وإنما قلت هذا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان في قضائه دلالة على أن لا يفرق بين الذكر والأنثى من الأجنة لم يجز أن يفرق بين الجناية على الجنين الذكر والأنثى من المماليك ولا يجوز أن يتفق الحكم فيهما بحال إلا بأن يكون في كل واحد منهما عشر قيمة أمه ومن قال في جنين الأمة إذا كان ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وإذا كان أنثى عشر قيمتها لو كانت حية فقد فرق بين ما جمع بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال): وإذا جنى على الأمة فألقت جنينا حيا ثم مات من الإجهاض ففيه قيمته ذكرا كان أو أنثى كما يقتل فيكون فيه قيمته بالغة ما بلغت. .
جنين الأمة تعتق والذمية تسلم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى الرجل على الأمة الحامل جناية فلم تلق جنينها حتى عتقت أو على الذمية جناية فلم تلق جنينها حتى أسلمت ففي جنينها ما في جنين حرة مسلمة؛ لأن الجناية عليها كانت وهي ممنوعة فيضمن الأكثر مما في جنايته عليها.
وإذا ضرب الرجل المرأة فأقامت يوما أو يومين ثم ألقت جنينا فقالت: ألقيته من الضربة وقال: لم تلقه منها فالقول قوله مع يمينه وعليها البينة أنها لم تزل ضمنة من الضربة أو لم تزل تجد الألم من الضربة حتى ألقت الجنين فإذا جاءت بهذا ألزمت عاقلته عقل الجنين وإذا ضربها فأقامت على ذلك لا تجد شيئا ثم ألقت جنينا لم يضمنه؛ لأنها قد تلقيه بلا جناية وإنما يكون جانيا عليه إذا لم ينفصل عنها ألم الجناية حتى تلقيه ولو أقامت بذلك أياما.
وإذا كانت الأمة بين اثنين فجنى عليها أحدهما ثم أعتقها ثم ألقت من الجناية جنينا فإن كان موسرا لأداء قيمتها ضمن جنين حرة وكانت مولاته وكان لشريكه فيها نصف قيمة الأم ولا شيء له في الجنين؛ لأنه ليس له ولاؤه وورثت أمه ثلث ديته وقرابة مولاه الذي جنى عليه الثلثين إن لم يكن له نسب يرثه ولا يرث منه المولى شيئا؛ لأنه قاتل وكذلك الرجل يجني على جنين امرأته تضمن عاقلته ديته وترث أمه الثلث وإخوته ما بقي فإن لم يكن له إخوة فقرابة أبيه ولا يرثه أبوه؛ لأنه قاتل وإذا ألقت الجنين وهو معسر فلشريكه نصف عشر قيمة أمة؛ لأنه جنين أمة.
وإذا جنى الرجل على أمة فألقت جنينا ثم عتقت فألقت جنينا ثانيا ففي الأول عشر قيمة أمة لسيدها وفي الآخر ما في جنين حر يرثه ورثته معها.
حلول الدية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فالقتل ثلاثة وجوه: عمد محض، وعمد خطأ، وخطأ محض، فأما الخطأ فلا اختلاف بين أحد علمته في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بالدية في ثلاث سنين (قال): وذلك في مضي ثلاث سنين من يوم مات القتيل فإذا مات القتيل ومضت سنة حل ثلث الدية ثم إذا مضت سنة ثانية حل الثلث الثاني ثم إذا مضت سنة ثالثة حل الثلث الثالث ولا ينظر في
ذلك إلى يوم يحكم الحاكم ولا إبطاء ببينة إن لم تثبت زمانا ولو لم يثبت إلا بعد سنتين من يوم القتيل أخذوا مكانهم بثلثي الدية؛ لأنها قد حلت عليهم (قال): والذي أحفظ عن جماعة من أهل العلم أنهم قالوا في الخطأ العمد هكذا وذلك أنهما معا من الخطأ الذي لا قصاص فيه بحال فأما العمد إذا قبلت فيه الدية وعفي عن القتل فالدية كلها حالة في مال القاتل، وكذلك العمد الذي لا قود فيه، مثل أن يقتل الرجل ابنه المسلم أو غير المسلم عمدا وهكذا صنع عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في ابن قتادة المدلجي أخذ منه الدية في مقام واحد والدية في العمد في مال الجاني وفي الخطأ المحض والخطأ العمد على العاقلة في مضي ثلاث سنين كما وصفت وما لزم العاقلة من دية جرح وكان الثلث فما دونه فعليها أن تؤديه في مضي سنة من يوم جرح المجروح فإن كان أكثر من الثلث فعليها أن تؤدي الثلث في مضي سنة وما زاد على الثلث مما قل أو كثر أدته في في مضي السنة الثانية إلى الثلثين فما جاوز الثلثين فهو في مضي السنة الثالثة وهذا معنى السنة وما لم يختلف الناس فيه في أصل الدية. .
أسنان الإبل في العمد وشبه العمد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): نص السنة في قتل العمد الخطأ مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها والخلفة هي الحامل من الإبل وقلما تحمل الأثنية فصاعدا فأي ناقة من إبل العاقلة حملت فهي خلفة وهي تجزي في الدية ما لم تكن معيبة (قال): ولا يجزي في الأربعين إلا الخلفة وإذا رآها أهل العلم فقالوا هذه خلفة ثنية أجزأت في الدية وجبر من له الدية على قبولها فإن أزلقت قبل تقبض لم تجز؛ لأنها لم تدفع خلفة فإن أجهضت بعدما تقبض فقد أجزأت وإن دفعت وأهل العلم يقولون: هي خلفة ثم علم أنها غير خلفة فلأهل القتيل ردها وأخذهم بخلفة غيرها وإن غاب أهل القتيل عليها فقالوا: لم تكن خلفة فالقول قولهم مع أيمانهم؛ لأنه لم يعلم أنها خلفة إلا بالظاهر (قال الربيع) وهذا عندي إذا قبضوها بغير رؤية أهل العلم (قال الشافعي): وإذا قالوا في البدن: ليست خلفة فقال أهل العلم: هي خلفة ألزموها حتى يعلم أنها ليست خلفة والستون التي مع الأربعين الخلفة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وقد روي هذا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول عدد ممن لقيت من أهل العلم المفتين أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء تغليظ الإبل فقال مائة من الإبل من الأصناف كلها من كل صنف ثلثه (قال الشافعي): والتغليظ كما قال عطاء فيؤخذ في مضي كل سنة ثلاث عشرة وثلث خلفة وعشر جذاع وعشر حقاق ويجبر على أن يعطيه ثلث ناقة يكون شريكا له بها لا يجبر على قيمة إن كان يجد الإبل. ومثل هذا أسنان دية العمد إذا زال فيه القصاص بأن لا يكون على القاتل قصاص وذلك مثل الرجل يقتل ابنه أو يقتل وهو مغلوب على عقله بغير سكر أو صبي، وهكذا أسنان الدية المغلظة في الشهر الحرام وذي الرحم، ومن غلظت فيه الدية لا يزاد على هذا في عدد الإبل إنما الزيادة في أسنانها ودية العمد حالة كلها في مال القاتل. .
سنان الإبل في الخطأ
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتل العمد الخطأ مغلظة منها أربعون خلفة في بعضها أولادها ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ الذي لا يخلطه عمد مخالفة هذه الدية وقد اختلف الناس فيها فألزم القاتل عدد مائة من الإبل بالسنة ثم ما لم يختلفوا فيه ولا ألزمه من أسنان الإبل إلا أقل ما قالوا يلزمه؛ لأنه اسم الإبل يلزم الصغار والكبار فدية الخطأ أخماس - عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة. أخبرنا مالك عن ابن شهاب وربيعة وبلغه عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة. .
في تغليظ الدية
(قال الشافعي): - رحمه الله - وتغليظ الدية في العمد والعمد الخطأ والقتل في الشهر الحرام والبلد الحرام وقتل ذي الرحم كما تقدم في العمد غير الخطأ لا تختلف ولا تغلظ فيما سوى هؤلاء. وإذا أصاب ذا رحم في الشهر الحرام والبلد الحرام وهي مكة دون البلدان لم يزد في التغليظ على ما وصفت قليل التغليظ وكثيره في الدية سواء فإذا قومت الدية المغلظة قومت على ما يجب من تغليظها (قال): وتغلظ في الجراح دون النفس صغيرها وكبيرها بقدرها في السن كما تغلظ في النفس فلو شج رجل رجلا موضحة عمدا فأراد المشجوج الدية أخذ من الشاج خلفتين وجذعة ونصف جذعة وحقة ونصف حقة. فإن قيل: كيف يكون نصف حقة؟ قلت يكون شريكا فيها على نصفها وللجاني النصف كما يكون البعير بينهما وهذا هكذا فيما دون الموضحة مما له أرش باجتهاد لا يختلف فلو شجه هاشمة كانت له فيها عشر من الإبل أربع خلفات وثلاث حقاق وثلاث جذاع، ولو شجه منقلة كانت له فيها خمس عشرة ست خلفات وأربع جذاع ونصف وأربع حقاق ونصف، ولو فقأ عينه كانت له خمسون من الإبل عشرون خلفة وخمس عشرة جذعة وخمس عشر حقة، وإذا وجبت له الدية خطأ فكان أرش شجة موضحة أخذت منه على حساب أصل الدية كما وصفت في العمد فتؤخذ في الموضحة خمس من الإبل بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون ذكر وحقة وجذعة. .
أي الإبل على العاقلة؟
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قد حفظت عن عدد من أهل العلم أنهم قالوا: لا يكلف أحد غير إبله ولا يقبل منه دونها كان مذهبهم أن إبله إن كانت حجازية لم يكلف ما هو خير منها وإن كانت مهرية لم يؤخذ منه ما هو شر منها ثم هكذا ما كان بين الحجازية والمهرية من مرتفع الإبل ومنخفضها وبهذا
أقول. وهكذا إن كانت إبله عوادي أو أوراك أو خميصة، وإذا كان ببلد ولا إبل له كلف إبل أهل ذلك البلد فإن لم يكن لأهل ذلك البلد إبل كلف إبل أقرب البلدان به مما يليه ويجبر على أن يؤدي الإبل بكل حال؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى عليه بها فإذا كانت موجودة بحال كلفها كما يكلف ما سواها من الحقوق التي تلزمه إذا وجدت وإذا سأل الذي له الدية غير الإبل أو سألها الذي عليه الدية لم يكن ذلك لواحد منهما ويجبران على الإبل إلا أن يجتمعا على الرضا بغير الإبل فيجوز لهما صرفها إلى ما تراضيا به كما يجوز صرف الحقوق إلى ما يتراضيان عليه. فإن كانت إبل الجاني وإبل عاقلته هي مباينة لإبل غيرهم فإن أتت عليها السنة فتبقى عجافا أو مرضى أو جربا فإذا كان هكذا قيل للجاني إن أديت إليه إبلا صحاحا شروى إبلك أو خيرا منها جبر على قبولها منك وأنت متطوع بالفضل عن إبلك وإبل عاقلتك وإن أردت أن تؤدي شرا من إبلك وإبل عاقلتك لم يكن لك ولا لهم أن تؤدوا إلا شرواها ما كانت موجودة فإن لم توجد قيل أد قيم صحاح غير معيبة مثل إبلك وإذا حكمنا عليه بالقيمة حكمنا بها على الأغلب من نقد البلد الذي به الجاني إن كان دراهم فدراهم وإن كان دنانير فدنانير ولم يحكم بقيمة نجم منها إلا بعدما يحل على صاحبه فإذا قومناه أخذناه به مكانه فإن أعسر به أو مطل حتى يجد إبلا دفع الإبل وأبطلت القيمة فإذا حل نجم آخر قومت الإبل قيمة يومها. .
إعواز الإبل
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وعام في أهل العلم «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض الدية مائة من الإبل» ثم قومها عمر - رضي الله عنه - على أهل الذهب والورق فالعلم محيط إن شاء الله تعالى أن عمر لا يقومها إلا قيمة يومها ولعله قوم الدية الحالة كلها في العمد، وإذا قومها عمر قيمة يومها فاتباعه أن تقوم كلما وجبت على إنسان قيمة يومها كما لو قومت إبل رجل أتلفها رجل شيئا ثم أتلف آخر بعدها مثلها قومت بسوق يومها ولو قومت سرقة ليقطع صاحبها شيئا ثم سرق بعدها آخر مثلها قومت كل واحدة منهما قيمة يومها ولعل عمر أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد هكذا قيمتها فيه حين أعوزت ولا يكون قومها إلا برضا من الجاني وولي الجناية كما يقوم ما أعوز من الحقوق اللازمة غيرها وما تراضى به من له الحق وعليه. أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب ومكحول وعطاء. قالوا: أدركنا الناس على أن دية الرجل المسلم الحر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة من الإبل فقوم عمر - رضي الله عنه - على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق.
(قال): وهذا يدل على ما وصفت من أن عمر لم يقوم الدية على من يجد الإبل ولم يقومها إلا عند الإعواز، ألا ترى أنه لا يكلف الأعرابي ذهبا ولا ورقا لوجود الإبل وأخذ الذهب والورق من القروي لإعواز الإبل فيما أرى - والله أعلم - أن الحق لا يختلف في الدية. أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم الإبل على أهل القرى أربعمائة دينار وعدلها من الورق ويقسمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من قيمتها على أهل القرى والثمن ما كان». أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قضى أبو بكر - رضي الله عنه - على أهل القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مائة من الإبل بستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أخبرنا مسلم بن خالد
عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول على الناس أجمعين أهل القرى وأهل البادية مائة من الإبل على الأعرابي والقروي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء الدية الماشية أو الذهب؟ قال كانت الإبل حتى كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقوم الإبل بعشرين ومائة كل بعير فإن شاء القروي أعطى مائة ناقة ولم يعط ذهبا كذلك الأمر الأول (قال الشافعي): وبهذا كله نأخذ فتؤخذ الإبل ما وجدت وتقوم عند الإعواز على ما وصفت؛ لأن من لزمه شيء لم يقوم عليه وهو يوجد مثله، ألا ترى أن من لزمه صنف من العروض لم يؤخذ منه إلا هو فإن أعوز ما لزمه من الصنف أخذت قيمته يوم يلزم صاحبه. وقد يحتمل تقويم الإبل أن يكون أعوز من عليه الدية فقومت عليه أو كانت موجودة عند غيره ببلده فقومت والأول أشبه - والله أعلم -. وما روي مما وصفت من تقويم من قوم الدية - والله أعلم - على ما ذهبت إليه (قال): والدية لا تقوم إلا بالدنانير والدراهم كما لا يقوم غيرها إلا بهما. ولو جاز أن نقومها بغيرها جعلنا على أهل البقر البقر وعلى أهل الشاة الشاة فقد روي هذا عن عمر كما رويت عنه قيمة الدنانير والدراهم. وجعلنا على أهل الطعام الطعام وعلى الخيل الخيل وعلى أهل الحلل الحلل بقيمة الإبل ولكن الأصل كما وصفت الإبل فإذا أعوز فالقيمة قيمة ما لا يوجد مما وجب على صاحبه وليس ذلك إلا من الدنانير والدراهم (قال): وإن وجدت العاقلة بعض الإبل أخذ منها ما وجد وقيمة ما لم تجد إذا لم تجد الوفاء منه بحال. وإنما تقوم إبل من وجبت عليه الدية إن كانت الجناية مما تعقلها العاقلة قومت إبلها وإن كانت مما يعقلها الجاني قومت إبله إن اختلفت إبله وإبل العاقلة.
العيب في الإبل
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يكون للذي عليه الدية أن يعطي فيها بعيرا معيبا عيبا يرد من مثل ذلك العيب في البيع؛ لأنه إذا قضى عليه بشيء بصفة فبين أن ليس له أن يؤدي فيه معيبا كما يقضي عليه بدينار فلا يكون له أن يؤديه معيبا. وكذلك الطعام يقضي به عليه وغيره لا يكون له أن يؤديه معيبا.
(قال الشافعي): لم أعلم مخالفا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدية على العاقلة وهذا أكثر من حديث الخاصة ولم أعلم مخالفا في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب وقضى عمر بن الخطاب على علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب وقضى للزبير بميراثهم؛ لأنه ابنها.
(قال): وعلم العاقلة أن ينظر إلى القاتل والجاني ما دون القتل مما تحمله العاقلة من الخطأ فإن كان له إخوة لأبيه حمل عليهم جنايتهم على ما تحمل العاقلة فإن احتملوها لم ترفع إلى بني جده وهم عمومته فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جده فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جد أبيه ثم هكذا ترفع إذا عجز عنها أقاربه إلى أقرب الناس به ولا ترفع إلى بني أب ودونهم أقرب منهم حتى يعجز عنها من هو أقرب منهم كأن رجلا من بني عبد مناف جنى فحملت جنايته بنو عبد مناف فلم تحملها بنو عبد مناف فترفع إلى بني قصي فإن لم تحملها رفعت إلى بني كلاب فإن لم تحملها رفعت إلى بني مرة فإن لم تحملها رفعت إلى بني كعب فإن لم تحملها رفعت إلى بني لؤي فإن لم تحملها رفعت إلى بني غالب فإن لم تحملها رفعت إلى بني مالك فإن لم تحملها رفعت إلى بني النضر فإن لم تحملها رفعت إلى بني كنانة كلها ثم هكذا حتى تنفد قرابته أو تحتمل الدية (قال): ومن في الديوان، ومن ليس فيه من العاقلة سواء قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العاقلة ولا ديوان حتى كان الديوان حين كثر المال في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (255)
صــــــــــ 125 الى صـــــــــــ 130
ما تحمل العاقلة من الدية، ومن يحملها منهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم أعلم مخالفا في أن المرأة والصبي إذا كانا موسرين لا يحملان من العقل شيئا وكذلك المعتوه عندي - والله أعلم - ولا يحمل العقل إلا حر بالغ ولا يحملها من البالغين فقير فإذا قضى بها ورجل فقير فلم يحل نجم منها حتى أيسر أخذ بها وإن قضى بها وهو غني ثم حلت وهو فقير طرحت عنه إنما ينظر إلى حاله يوم يحل. وإنما ينبغي للحاكم أن يكتب إذا حكم أنها على من احتمل من عاقلته يوم يحل كل نجم منها. فإن عقل رجل نجما ثم أفلس في الثاني ترك من أن يعقل ثم إن أيسر في الثالث أخذ بذلك النجم وإن حل النجم وهو ممن يعقل ثم مات أخذ من ماله؛ لأنه قد كان وجب عليه بالحلول واليسر والحياة. ولم أعلم مخالفا في أن لا يحمل أحد من الدية إلا قليلا وأرى على مذهبهم أن يحمل من كثر ماله وشهر من العاقلة إذا قومت الدية نصف دينار، ومن كان دونه ربع دينار ولا يزاد على هذا ولا ينقص عن هذا يحملون إذا عقلوا الإبل على قدر هذا حتى يشترك النفر في بعير فيقبل منهم إلا أن يتطوع أحد بأكثر فيؤخذ منه. .
عقل الموالي
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا تعقل الموالي من أعلى وهم المعتقون عن رجل من الموالي وللمعتقين قرابة تحتمل العقل. وإن كانت له قرابة تحتمل بعض العقل عقلت القرابة وإذا نفد عقل الموالي المعتقون فإن عجزوا هم وعواقلهم عقل ما بقي جماعة المسلمين، وكذلك لا تعقل الموالي المعتقون عن المولى المعتق وللمولى المعتق قرابة تحتمل العقل فإن كانت له قرابة تحتمل بعض العقل بدئ بهم فإن عجزوا عقل عنه مولاه الذي أعتقه. ثم أقرب الناس إليه كما يعقلون عن مولاه الذي أعتقه لو جنى.
وهكذا إذا لم يكن لواحد من الجانين قرابة عقل عنه الموالي من أعلى وأسفل على ما وصفت وإن كان للمولى المعتق موال من فوق وموال من أسفل لم يعقل عنه مواليه من أسفل وعقل عنه مواليه من فوق فإن عجزوا ولم تكن لهم عاقلة عقل عنه مواليه من أسفل وإنما جعلت مواليه من فوق يعقلون عنه، ومن فوقهم من مواليهم؛ لأنهم عصبة وأهل ميراثه من دون مواليه من أسفل ولم أجعل على الموالي من أسفل عقلا بحال حتى لا يوجد نسب ولا موال من فوق بحال ثم يحملونه فإنه يعقل عنهم لا لأنهم ورثة؛ ولكنهم يعقلون عنه كما يعقل عنهم (قال): والسائبة معتق كالمعتق غير السائبة
عقل الحلفاء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يعقل الحليف بالحلف ولا يعقل عنه بحال إلا أن يكون مضى بذلك خبر لازم ولا أعلمه. ولا يعقل العديد ولا يعقل عنه ولا يرث ولا يورث وإنما يعقل بالنسب والولاء الذي هو نسب وميراث الحليف والعقل عنه منسوخ وإنما ثبت من الحلف أن تكون الدعوة واليد واحدة لا غير ذلك. .
عقل من لا يعرف نسبه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان الرجل أعجميا وكان نوبيا فجنى فلا عقل على أحد من النوبة حتى يكونوا يثبتون أنسابهم إثبات أهل الإسلام، ومن ثبت نسبه قضيت عليه بالعقل بالنسب، فأما إن أثبتوا قراهم وكانوا يقولون إنما يكون في القرية أهل النسب لم أقض عليهم بالعقل بحال إلا بإثبات النسب، وكذلك كل قبيلة أعجمية أو غيرها لم تثبت أنسابهم وكل من لم يثبت نسبه من أعجمي أو لقيط أو غيره لم يكن له ولاء فعلى المسلمين أن يعقلوا عنه لما يجمع بينه وبينهم من ولاية الدين وإنهم يأخذون ماله إذا مات، ومن انتسب إلى نسب فهو منه إلا أن تثبت بينة قاطعة بما تقطع البينة على الحقوق بخلاف ذلك ولا تقبل البينة على دفع نسب بالسماع وإذا حكمنا على أهل العهد والمستأمنين في العقل حكمنا عليهم حكمنا على المسلمين يلزم ذلك عواقلهم الذين يجري حكمنا عليهم فإذا كانت عاقلة لا يجري حكمنا عليها ألزمنا الجاني ذلك وما عجزت عنه عاقلة إن كانت له ألزمناه في ماله دون غير عاقلته منهم ولا نقضي به على أهل دينه إذا لم يكونوا عصبة له؛ لأنهم لا يرثونه ولا على المسلمين لقطع الولاية بين المؤمنين والمشركين وأنهم لا يأخذون ماله على الميراث إنما يأخذونه فيئا. .
أين تكون العاقلة؟
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والعاقلة النسب فإذا جنى الرجل بمكة وعاقلته بالشام فإن لم يكن مضى خبر يلزم بخلاف القياس فالقياس أن يكتب حاكم مكة إلى حاكم الشام فيأخذ عاقلته بالعقل ولا يحمله أقرب الناس إلى عاقلته بمكة بحال وله عاقلة بأبعد منها، وإن امتنعت عاقلته من أن يجري عليهم الحكم جوهدوا حتى يؤخذ منهم كما يجاهدون على كل حق لزمهم فإن لم يقدر عليهم لم يؤخذ من غيرهم وكان كحق عليهم غلبوا عليه متى قدر عليهم أخذ منهم (قال): وقد قيل: يحمله عاقلة الرجل ببلده ثم أقرب العواقل بهم ولا ينتظر بالعقل غائب يقدم ولا رجل ببلد يؤخذ منه بكتاب - والله أعلم -. وإن كانت العاقلة حاضرة فغاب منهم رجل يحتمل العقل أخذ من ماله ما يلزمه وإذا كانت العاقلة كثيرا يحتمل العقل بعضهم على ما وصفت أن الرجل يحتمل من العقل ويفضل وكانوا حضورا بالبلد وأموالهم فقد قيل يأخذ الوالي من بعضهم دون بعض؛ لأن العقل لزم الكل وأحب إلي أن يفض ذلك عليهم حتى يستووا فيه وإن قل كل ما يؤخذ من كل واحد منهم وإن كان من يحضر من العاقلة يحتمل العقل ومنهم جماعة غيب عن البلد فقد قيل يؤخذ من الحضور دون الغيب عن البلد على المعنى الذي وصفت في مثل المسألة التي قبلها، ومن ذهب إلى هذا قال الجناية من غير من تؤخذ منه وكل يلزمه اسم عاقلة رأيهم أخذ منه فهو مفض عليه مما أخذ منه ولا يؤخذ حاضر بغائب غيره (قال): ولا أرد الذي أخذت منه على من لم آخذ منه وهذا يشبه مذاهب كثيرة لأهل العلم - والله تعالى أعلم - ومن قال هذا القول قال لو تغيب بعض العاقلة ولم يوجد له مال حاضر ثم أخذ العقل ممن بقي ثم حضر الغائب لم يؤخذ منه شيء وقيل ذلك فيه لو كان حاضرا وامتنع من أن يؤدي العقل وإذا كانت إبل العاقلة مختلفة أدى كل رجل منهم من إبله ويجبرون على أن يشترك النفر في البعير بقدر ما يلزمهم من العقل وإذا جنى الحر على الحر خطأ فما لزمه من دية أو أرش جناية وإن قلت جعلتها على العاقلة. وإذا جنى الحر على العبد خطأ ففيها قولان:
أحدهما أن تحمله العاقلة عنه؛ لأنها جناية حر على نفس محرمة. والثاني لا تحمله العاقلة؛ لأنه قيمة لا دية، وإذا جنى الحر جناية عمد لا قصاص فيها بحال مثل أن يقتل ذميا أو وثنيا أو مستأمنا فالدية في ماله لا تضمن العاقلة منها، وكذلك إذا جنى رجل على رجل جائفة أو ما لا قصاص فيه فهو في ماله دون عاقلته، وإذا جنى الصبي والمعتوه جناية خطأ ضمنتها العاقلة، وإن جنيا عمدا فقد قيل تعقلها العاقلة كالخطأ في ثلاث سنين وقيل لا تعقلها العاقلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قضى أن تحمل العاقلة الخطأ في ثلاث سنين ويدخل هذا أنا إن قضينا به عمدا إلى ثلاث سنين فإنما يقضي بدية العمد حالة وإن قضينا بها حالة فلم يقض على العاقلة بدية إلا في ثلاث سنين ولا تعقل العاقلة جناية عمد بحال. .
جماع الديات فيما دون النفس (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه «أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وفي الأنف إذا أوعي جدعا مائة من الإبل وفي المأمومة ثلث النفس وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة خمس». باب دية الأنف
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وفيما قطع من المارن ففيه من الدية بحساب المارن إن قطع نصفه ففيه النصف أو ثلثه ففيه الثلث (قال): ويحسب بقياس مارن الأنف نفسه ولا يفضل واحدة من صفحتيه على واحدة ولا روثته على شيء لو قطع من مؤخره ولا الحاجز من منخريه منه على ما سواه، وإن كان أوعيت الروثة إلا الحاجز كان فيما أوعيت سوى الحاجز من الدية بحساب ما ذهب منه وإذا شق في الأنف شق ثم التأم ففيه حكومة فإذا شق فلم يلتئم فتبين انفراجه أعطي من دية المارن بقدر ما ذهب منه وحكومة إن لم يذهب منه شيء (قال): قد روي عن ابن طاوس عن أبيه قال عند أبي كتاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه «وفي الأنف إذا قطع المارن مائة من الإبل» (قال الشافعي): حديث ابن طاوس في الأنف أبين من حديث آل حزم ومعلوم أن الأنف هو المارن؛ لأنه غضروف يقدر على قطعه بلا قطع لغيره وأما العظم فلا يقدر على قطعه إلا بمؤنة وضرر على غيره من قطع أو كسر أو ألم شديد (قال الشافعي): ففي المارن الدية ومذهب من لقيت أن في المارن الدية وإذا قطع بعض المارن فأبين فأعاده المجني عليه أو غيره فالتأم ففيه عقل تام كما يكون لو لم يعد ولو لم يلتئم ولو قطعت منه قطعة فلم توعب وتدلت فأعيدت فالتأمت كان فيها حكومة؛ لأنها لم تجدع إنما الجدع القطع، وإذا ضرب الأنف فاستحشف حتى لا يتحرك غضروفه ولا الحاجز بين منخريه ولا يلتقي منخراه ففيه حكومة لا أرش تام، ولو كانت الجناية عليه في هذا عمدا لم يكن فيه قود ولو خلق هكذا أو جني عليه فصار هكذا، ثم قطع كانت فيه حكومة أكثر من حكومته إذا استحشف وما أصابه من هذا الاستحشاف وبقي
بعضه دون بعض ففيه حكومة بقدر ما أصاب من الاستحشاف وإنما منعني أن أجعل استحشافه كشلل اليد أن في اليد منفعة تعمل وليس في الأنف أكثر من الجمال أو سد موضعه وأنه مجرى لما يخرج من الرأس ويدخل فيه فكل ذلك قائم فيه وإن كان قد نقص الانضمام أن يكون عونا على ما يدخل الرأس من السعوط ولم يجز أن يجعل فيه إذا استحشف ثم قطع الدية كاملة وقد جعلت في استحشافه حكومة وهو ناقص بما وصفت. الدية على المارن
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قطع من العظم المتصل بالمارن شيء من المارن كانت فيه حكومة مع دية المارن، وكذلك لو قطع دون المارن فصار جائفا وصار المارن منقطعا منه فإنما فيه حكومة، وهكذا لو قطع معه من محاجر العينين والحاجبين والجبهة شيء لا يوضح كانت فيه حكومة، ولو أوضح شيء مما قطع من جلده ولحمه كانت فيه موضحة أو هشم كانت فيه هاشمة، وكذلك منقلة ولو قطع ذلك قطعا كانت فيه حكومة أكثر من هذا كله؛ لأنه أزيد من المنقلة ولا يبين أن يكون فيه مأمومة؛ لأنه لا يصل إلى دماغ والوصول إلى الدماغ يقتل كما يكون وصول الجائفة إلى الجوف يقتل. .
كسر الأنف وذهاب الشم
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا كسر الأنف ثم جبر ففيه حكومة ولو جبر أعوج كانت فيه الحكومة بقدر عيب العوج، ولو ضرب الأنف فلم يكسر لم يكن فيه حكومة؛ لأنه ليس بجرح ولا كسر عظم ولو كسر الأنف أو لم يكسر فانقطع عن المجني عليه أن يشم ريح شيء بحال فقد قيل فيه الدية، ومن قال هذا قاله لو جدع وذهب عنه الشم فجعل فيه الدية وفي الجدع دية (قال): وإن كان ذهب الشم عنه في وقت الألم ثم يعود إليه بعد انتظرته حتى يأتي ذلك الوقت فإن مات قبله أعطي ورثته الدية وإن جاء وقال: لا أشم شيئا أعطي الدية بعد أن يحلف ما يجد رائحة شيء بحال، وإن قال أجد ريح ما اشتدت رائحته وحدت ولا أجد ريح ما لانت رائحته وقد كنت أجدها فكان يعلم لذلك قدر جعل فيه بقدره. وإن كان لا يعلم له قدر ولا أحسبه يعلم ففيه حكومة بقدر ما يصف منه ويحلف فيه كله، وإن قضي له بالدية ثم أقر أنه يجد رائحة قضي عليه برد الدية وإن مر بريح مكروهة فوضع يده على أنفه فقيل وقد وجد الرائحة ولم يقر بأنه وجدها لم يرد الدية من قبل أنه قد يضع يده على أنفه ولم يجد شيئا من الريح ويضعها حاكا له وممتخطا وعبثا ومحدثا نفسه ومن غبار أو غيره. .
الدية في اللسان
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع اللسان قطعا لا قود فيه خطأ ففيه الدية وهو في معنى الأنف ومعنى ما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بدية من تمام خلقة المرء وأنه ليس في المرء منه إلا واحد ومع أنه لا اختلاف بين أحد حفظت عنه ممن لقيته في أن في اللسان إذا قطع الدية واللسان مخالف
للأنف في معان منها أنه المعبر عما في القلب وأن أكثر منفعته ذلك وإن كانت فيه المنفعة بمعونته على إمرار الطعام والشراب وإذا جني على اللسان فذهب الكلام من قطع أو غير قطع ففيه الدية تامة ولا أحفظ عن أحد لقيته من أهل العلم في هذا خلافا.
وإذا قطع من اللسان شيء لا يذهب الكلام قيس ثم كان فيما قطع منه بقدره من اللسان فإن قطع حذية من اللسان تكون ربع اللسان فذهب من كلامه قدر ربع الكلام ففيه ربع الدية وإن ذهب أقل من ربع الكلام ففيه ربع الدية وإن ذهب نصف كلامه ففيه نصف الدية أجعل عليه الأكثر من قياس ما أذهب من كلامه أو لسانه وإذا ذهب بعض كلام الرجل اعتبر عليه بأصول الحروف من التهجي فإن نطق بنصف التهجي ولم ينطق بنصفه فله نصف الدية، وكذلك ما نطق به مما زاد أو نقص على النصف ففيه بحسابه، وسواء كل حرف أذهبه منه خف على اللسان وقل هجاؤه أو ثقل على اللسان وكثر هجاؤه كالشين والصاد والألف والتاء والراء سواء لكل واحد منها حصته من الدية من العدد ولا يفضل بعضها على بعض في ثقل وخفة وأي حرف منها لم يفصح به حين ينطق به كما ينطق به قبل أن يجنى عليه وإن خف لسانه لأن ينطق بغيره يريده فهو كما لم يخف لسانه بأن ينطق به له أرشه من العقل تاما مثل أن يريد أن ينطق بالراء فيجعلها باء أو لاما وما في هذا المعنى.
(قال): وإن نطق بالحرف مبينا له غير أن لسانه ثقل عما كان عليه قبل يجنى عليه ففيه حكومة وإن جنى على رجل كان أرت أو لا يفصح بحرف أو كان لسانه يخف به فزاد في خفته ونقص عن إفصاحه به أو زاد في رتته أو لثغه على ما كان في الحرف ففيه حكومة لا أرش الحرف تاما، وإذا جنى على لسان المبرسم الثقيل وهو يفصح بالكلام ففيه ما في لسان الفصيح الخفيف، وكذلك إذا جني على لسان الأعجمي وهو ينطق بلسانه، وكذلك إذا جني على لسان الصبي وقد حركه ببكاء أو بشيء يعبره اللسان فبلغ أن لا ينطق ففيه الدية؛ لأن العام الأغلب أن الألسنة ناطقة حتى يعلم أنها لا تنطق وإن بلغ أن ينطق ببعض الحروف ولا ينطق ببعضها كان له من الدية بقدر ما لا ينطق به وإذا جنى على لسان رجل كان ينطق به ثم أصابه مرض فذهب منطقه أو على لسان الأخرس ففيهما حكومة وإذا جنى الرجل على لسان الرجل فقال جنيت عليه وهو أبكم أو يفصح ببعض الكلام ولا يفصح ببعض فالقول قوله حتى يأتي المجني عليه بأنه كان ينطق فإذا جاء بذلك لم يقبل قول الجاني إلا ببينة.
ومن كان له لسان ناطق فهو ينطق حتى يعلم خلاف ذلك، وهكذا لو قال جنيت عليه وهو أعمى فإن قامت بينة أنه كان يبصر لم يقبل قول الجاني أنه حدث على بصره ذهاب إلا ببينة، ولو عرف المجني عليه ببكم أو عمى ثم ادعى أولياؤه أن بصره صح وأن لسانه فصح كان القول قول الجاني وكلفوا هم والمجني عليه البينة أنه عاد إليه بصره وأفصح بعد البكم فإن خلق للسان طرفان فقطع رجل أحد طرفيه فإن أذهب الكلام ففيه الدية وإن ذهب بعضه ففيه من الدية بحساب ما ذهب منه، وإن أذهب الكلام أو بعضه فأخذت له الدية ثم نطق بعدها رد ما أخذ له من الدية، وإن نطق ببعض الكلام الذي ذهب ولم ينطق ببعض رد من الدية بقدر ما نطق به من الكلام.
(قال): وإن قطع أحد الطرفين ولم يذهب من الكلام شيء فإن كان الطرفان مستويي المخرج من حيث افترقا كان فيه من الدية بقياس اللسان ربعا كان أو أقل أو أكثر فإن كان المقطوع زائلا عن حد مخرج اللسان ولم يذهب من الكلام شيء ففيه حكومة وإن كانت الحكومة أكثر من قدره من قياس اللسان لم يبلغ بحكومته قدر قياس اللسان، وإن قطع الطرفان جميعا وذهب الكلام ففيه الدية وإن كان أحد الطرفين في حكم الزائد من اللسان جعل فيه دية وحكومة بقدر الألم وإذا قطع الرجل من باطن اللسان شيئا فهو كما قطع من ظاهره وفيه من
الدية بقدر ما منع من الكلام فإن لم يمنع كلاما ففيه من الدية بحساب اللسان.
وإذا قطع الرجل من اللسان شيئا لم يمنع الكلام أو يمنع بعض الكلام ولا يمنع بعضه كان فيه الأكثر مما منع من الكلام أو قياس اللسان. .
اللهاة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع الرجل لهاة الرجل عمدا فإن كان يقدر على القصاص منها ففيها القصاص وإن كان لا يقدر على القصاص منها أو أقطعها خطأ ففيها حكومة.
دية الذكر
(قال الشافعي): وإذا قطع الذكر فأوعب ففيه الدية تامة؛ لأنه في معنى الأنف؛ لأنه من تمام خلقة المرء وأنه ليس في المرء منه إلا واحد ولم أعلم خلافا في أن في الذكر إذا قطع الدية تامة وقد يخالف الأنف في بعض أمره وإذا قطعت حشفته فأوعبت ففيها الدية تامة.
ولم أعلم في هذا بين أحد لقيته خلافا وسواء في هذا ذكر الشيخ الفاني الذي لا يأتي النساء إذا كان ينقبض وينبسط وذكر الخصي والذي لم يأت امرأة قط وذكر الصبي؛ لأنه عضو أبين من المرء سالم ولم تسقط فيه الدية بضعف في شيء منه وإنما يسقط أن يكون فيه دية تامة بأن يكون به كالشلل فيكون منبسطا لا ينقبض أو منقبضا لا ينبسط فأما بغير ذلك من قرح فيه أو غيره من عيوبه جذام أو برص أو عوج رأس فلا تسقط الدية فيه بواحد من هذا والقول في أن الذكر ينقبض وينبسط قول المجني عليه مع يمينه؛ لأنه عورة فلا أكلفه أن يأتي ببينة أنه كان ينقبض وينبسط وعلى الجاني البينة إن ادعى بخلاف ما قال المجني عليه وإذا جنى الرجل على ذكر الرجل فجافه فالتأم ففيه حكومة.
وكذلك إذا جرحه أي جرح كان فلم يشله ففيه حكومة فإن أشله ففيه الدية تامة (قال الشافعي): وإذا جني على ذكر الأشل ففيه حكومة وإذا جنى عليه فقطع منه حذية حتى يبينها فإن كانت من نفس الذكر دون الحشفة ثم أعادها فالتأمت أو لم يعدها فسواء فيها بقدر حسابها من الذكر ويقاس الذكر في الطول والعرض معا في طوله وعرضه فيه الحشفة وإن كانت الجناية في الحشفة ففيها قولان: أحدهما إن الحساب في الجناية بالقياس من الحشفة؛ لأن الدية تتم في الحشفة لو قطعت وحدها؛ لأن الذي يلي الجماع هي فإذا ذهبت فسد الجماع والثاني أن فيها بحساب الذكر كله ولو قطع من الذكر حذية أو جافها فكان الماء والبول ينصب منها كان فيها الأكثر مما ذهب من الذكر بالقياس أو الحكومة في نقص ذلك وعيبه في الذكر وفي ذكر العبد ثمنه كما في ذكر الحر ديته ولو زاد قطع الذكر ثمن العبد أضعافا ولو جنى رجل على ذكر رجل فقطع حشفته ثم جنى عليه آخر فقطع ما بقي منه كان في حشفته الدية وفيما بقي حكومة وفي ذكر الخصي الدية تامة؛ لأنه ذكر بكماله والأنثيان غير الذكر.
وإذا جنى الرجل على ذكر الرجل فلم يشلل وانقبض وانبسط وذهب جماعه لم تتم فيه الدية؛ لأن الذكر ما كان سالما فالجماع غير ممتنع إلا من حادث في غير الذكر ولكنه لو انقبض فلم ينبسط أو انبسط فلم ينقبض كان هذا شللا وكانت فيه الدية تامة. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (256)
صــــــــــ 131 الى صـــــــــــ 136
ذكر الخنثى
(قال الشافعي): وإذا قطع ذكر الخنثى وقف فإن كان رجلا فكان قطع ذكره عمدا، ففيه القود إلا أن يشاء الدية وإن كان خطأ ففيه الدية تامة وإن كان أنثى ففي ذكره حكومة وإن مات مشكلا فالقول قول الجاني أنه أنثى مع يمينه وفيه حكومة وإن أبى أن يحلف ردت اليمين على ورثة الخنثى يحلفون أنه بان ذكرا قبل أن يموت وفيه الدية تامة ولا يقبل قول ورثته بأنه بان ذكرا ولا الجاني بأنه بان أنثى إلا بأن يصف الحالف منهم ما إذا كان يصف قضي به على ما يقول وإن قالوا معا بان ولم يصفوا أو وصفوا فأخطئوا وقف حتى يعلم فإن لم يعلم ففيه حكومة.
وإن عدا رجل على خنثى مشكل فقطع ذكره وأنثييه وشفريه عمدا فسأل الخنثى القود قيل إن شئت وقفناك فإن بنت ذكرا أقدناك بالذكر والأنثيين وجعلنا لك حكومة في الشفرين وإن بنت أنثى فلا قود لك عليه وجعلنا لك دية امرأة تامة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين وإن مت قبل أن تبين فلك دية امرأة تامة وحكومة؛ لأنا على إحاطة من أنك ذكر أو أنثى فأعطيناك دية أنثى بالشفرين وحكومة بالذكر والأنثيين ولو كنت ذكرا أعطيناك دية رجل بالذكر والأنثيين وحكومة بالشفرين فكان ذلك أكثر مما أعطيناك أولا فيدفع إليك ما لا يشك أنه لك وإن كان لك أكثر منه ولا يدفع إليك ما لا يدري لعل لك أقل منه وهكذا لو كان الجاني على هذا الخنثى المشكل امرأة لا يختلف ولو أراد القود لم يقد حتى يتبين أنثى فيقاد في الشفرين.
وتكون له حكومة في الذكر والأنثيين أو يبين ذكرا فيكون له ديتان في الذكر والأنثيين وحكومة في الشفرين ولا يكون له قود بأنها ليست بذكر وهي وإن كانت قطعت له شفرين فإنما قطعت شفرين زائدين في خلقته إن كان ذكرا لا شفرين كشفريها اللذين هما من تمام خلقتها ولو جنى عليه خنثى مشكل مثله كان هكذا لا يقاد حتى يتبين الجاني والمجني عليه معا فإذا كانا ذكرين ففيهما القود وإن كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى فلا قود وإذا جنى الرجل على الخنثى المشكل فقطع له ذكرا وأنثيين وشفرين فسأل عقل أقل ماله أعطيته إياه ثم إن بانت له زيادة زيدت وذلك إن أعطيته دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين فتبين ذكرا فأزيده دية رجل ونصف ديته حتى أتم له بالأنثيين دية وبالذكر دية وأنظر في حكومة الذكر التي أخذت له أولا والأنثيين فإذا كانت أكثر من حكومة الشفرين رددت على الجاني ما زادت حكومة الذكر والأنثيين على دية الشفرين ثم جعلتها قصاصا من الدية والنصف الذي زدته إياها.
(قال): ولو جنى رجل وامرأة على خنثى مشكل فقطعا الذكر والأنثيين والشفرين فسأل الخنثى القود كان كجناية كل واحد منهما على الأنثى ولا يقاد حتى يتبين ذكرا فيقاد من الذكر، ويحكم له على المرأة بالأرش أرش امرأة أو يتبين امرأة فيقاد من المرأة ويحكم على الرجل بالأرش، أرش امرأة ولو خلق لرجل ذكران أحدهما يبول منه والآخر لا يبول منه فأيهما بال منه فهو الذكر الذي يقضي به وتكون فيه الدية وفي الذي لا يبول منه حكومة وإن بال منهما جميعا فأيهما كان مخرجه أشد استقامة على مخرج الذكر فهو الذكر وإن كانا مستويين معا فأبقاهما الذكر فإن أشكلا فلا قود له وفي كل واحد منهما حكومة أكثر من نصف دية ذكر.
دية العينين
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن «الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون» (قال الشافعي): وفي الحديث ما يبين أنه - صلى الله عليه وسلم - يعني خمسين من الإبل (قال): وهذا دليل على أن كل ما كان من تمام خلقة الإنسان وكان يألم بقطعه منه فكان في الإنسان منه اثنان ففي كل واحد منهما نصف الدية وسواء في ذلك العين العمشاء القبيحة الضعيفة البصر والعين الحسنة التامة البصر وعين الصبي والشيخ الكبير والشاب إن ذهب بصر العين ففيها نصف الدية أو بخقت أو صارت قائمة من الجناية ففيها نصف الدية وإذا ذهب بصرها وكانت قائمة فبخقت ففيها حكومة ولو كان على سواد العين بياض متنح عن الناظر ثم فقئت العين كانت ديتها كاملة ولو كان البياض على بعض الناظر كان فيها من الدية بحساب ما صح من الناظر وألغي ما يغطى من الناظر ولو كان البياض رقيقا يبصر من ورائه ولا يمنع شيئا من البصر ولكنه يكله كان كالعلة من غيره وكان فيها الدية تامة وإذا نقص البياض البصر ولم يذهب كان فيه من الدية بحساب نقصانه، وعلل البصر وقياس نقصه مكتوب في كتاب العمد وسواء العين اليمنى واليسرى وعين الأعور وعين الصحيح ولا يجوز أن يقال في عين الأعور الدية تامة وإنما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العين بخمسين وهي نصف الدية وعين الأعور لا تعدو أن تكون عينا وإذا فقأ الرجل عين الرجل فقال فقأتها وهي قائمة وقال المفقوءة عينه إن كان حيا أو أولياؤه إن كان ميتا فقأها صحيحة فالقول قول الفاقئ إلا أن يأتي المفقوءة عينه أو أولياؤه بالبينة أنه أبصر بها في حال فإذا جاءوا بها بأنه كان يبصر بها في حال فهي صحيحة وإن لم يشهدوا أنه كان يبصر بها في الحال التي فقأها فيه حتى يأتي الفاقئ بالبينة أنه فقأها قائمة وهكذا إذا فقأ عين الصبي فقال فقأتها ولا يبصر وقال أولياؤه فقأها وقد أبصر فعليهم البينة أنه أبصر بها بعد أن ولد ويسع الشهود الشهادة على أنه كان يبصر بها وإن لم يتكلم إذا رأوه يتبع الشيء ببصره وتطرف عيناه ويتوقاه وهكذا إن أصاب اليد فقال أصبتها شلاء وقال المصابة يده صحيحة فعلى المصابة يده أن يأتي بالبينة أنها كانت في حال تنقبض وتنبسط فإذا جاء بها فهي على الصحة حتى يأتي الجاني بالبينة أنها شلت بعد الانقباض والانبساط وأصابها شلاء وهكذا إذا قطع ذكر الرجل أو الصبي فقال قطعته أشل أو قال قد قطع بعضه فعلى المقطوع ذكره أو أولياؤه البينة أنه كان يتحرك في حال فإذا جاء بها فهي على الصحة حتى يعلم أنه أشل بعد الصحة وإذا أصاب عين الرجل القائمة ففيها حكومة.
دية أشفار العينين
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قطع جفون العينين حتى يستأصلها ففيها الدية كاملة في كل جفن ربع الدية؛ لأنها أربعة في الإنسان وهي من تمام خلقته ومما يألم بقطعه قياسا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في بعض ما في الإنسان منه واحد الدية وفي بعض ما في الإنسان منه اثنان نصف الدية ولو فقأ العينين وقطع جفونهما كان في العينين الدية وفي الجفون الدية؛ لأن العينين غير الجفون ولو نتف أهدابهما فلم تنبت كان فيها حكومة وليس في شعر الشفر أرش معلوم؛ لأن الشعر بنفسه ينقطع فلا
يألم به صاحبه وينبت ويقل ويكثر ولا يشبه ما يجري فيه الدم وتكون فيه الحياة فيألم المجني عليه بما ناله مما يؤلم وما أصيب من جفون العينين ففيه من الدية بحسابه. .
دية الحاجبين واللحية والرأس
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا نتف حاجبا الرجل عمدا فلا قود فيهما فإن قطع جلدتهما حتى يذهب الحاجبان فكان يقدر على قطع الجلد كما قطع ففيها القود إلا أن يشاء المجني عليه العقل فإن شاء فهو في مال الجاني، وكذلك إن كان قطعهما عمدا والقصاص لا يستطاع فيهما ففيهما حكومة في مال الجاني وفيهما حكومة إذا قطعهما خطأ إلا أن يكون حين قطع جلدهما أوضح عن العظم فيكون فيهما الأكثر من موضحتين أو حكومة وهكذا اللحية والشاربان والرأس ينتف لا قود في النتف وقد قيل فيه حكومة إذا نبت وإن لم ينبت ففيه حكومة أكثر منها وإن قطع من هذا شيء بجلدته كما وصفت في الحاجبين ففيه الأكثر من حكومة الشين وموضحة أو مواضح إن أوضح موضحة أو مواضح بينهن صحة من الرأس أو اللحية لم توضح أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال سألت عطاء عن الحاجب يشين قال ما سمعت فيه بشيء (قال الشافعي): - رحمه الله - فيه حكومة بقدر الشين والألم أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لعطاء حلق الرأس له قدر؟ قال لم أعلم (قال الشافعي): لا قدر في الشعر معلوم وفيه إذا لم ينبت أو نبت معيبا حكومة بقدر الألم أو الألم والشين. .
دية الأذنين
(قال الشافعي): في الأذنين إذا اصطلمتا ففيها الدية قياسا على ما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بالدية من الاثنين في الإنسان أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال عطاء في الأذن إذا استوعبت نصف الدية (قال الشافعي): وإذا اصطلمت الأذنان ففيهما الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وإن ذهب سمعهما ولم يصطلما ففي السمع الدية وإن ضربتا فاصطلمتا وذهب السمع ففي الأذنين الدية والسمع الدية والأذنان غير السمع (قال): وإن كانت الأذنان مستحشفتين بهما من الاستحشاف ما باليد من الشلل وذلك أن تكونا إذا حركتا لم تتحركا ليبس أو غمزتا بما يؤلم لم تألما فقطعهما ففيهما حكومة لا دية تامة وإن ضربهما إنسان صحيحتين فصيرهما إلى هذه الحال ففيهما قولان: أحدهما أن ديتهما تامة كما تتم دية اليد إذا شلت. والثاني أن فيهما حكومة؛ لأنه لا منفعة فيهما في حركاتهما كالمنفعة في حركة اليد إنما هما جمال فالجمال باق وإذا قطع من الأذن شيء ففيه بحسابه من أعلاها كان أو أسفلها بحسابه من القياس في الطول والعرض لا في إحداهما دون الأخرى، وإن كان قطع بعضه أشين من بعض لم أزد فيه للشين ولا أزيد للشين فيما جعلت فيه أرشا معلوما شيئا في مملوك ولا حر، ألا ترى أنه إذا قيل في الموضحة خمس فلو لم يشن بالموضحة حر ولم ينقص ثمن مملوك فأعطيت الحر خمسا والمملوك نصف عشر قيمته بلا شين كنت أعطيت الحر ما وقت له من اسم الموضحة فيما أصيب به والعبد؛ لأنه في معناه فإذا أعطيتهما بمال لا يشين ولا ينقص الثمن فإن شان ونقص الثمن لم يجز أن أزيدهما شيئا فأكون قد أعطيتهما مرة على ما وقت لهما من الجراح ومرة على الشين فيكون هذا حكما مختلفا. .
دية الشفتين
(قال الشافعي): وفي الشفتين الدية وسواء العليا منهما والسفلى وكذلك كل ما جعلت فيه الدية من شيئين أو أكثر أو أقل فالدية فيه على العدد لا يفضل أيمن منه على أيسر ولا أعلى منه على أسفل ولا أسفل على أعلى ولا ينظر إلى منافعه ولا إلى جماله إنما ينظر إلى عدده وما قطع من الشفتين فبحسابه.
، وكذلك إن قطع من الشفتين شيء ثم قطع بعده شيء كان عليه فيما قطع بحساب ما قطع. وفي الشفتين القود إذا قطعتا عمدا. وسواء الشفتان الغليظتان والرقيقتان والتامتان والقصيرتان إذا كان قصرهما من خلقتهما وإن أصاب إنسان شفتين فيبستا حتى تصيرا مقلصتين لا تنطبقان على الأسنان أو استرختا حتى تصير لا تقلصان عن الأسنان إذا كشر أو ضحك أو عمد تقليصهما ففيهما الدية تامة فإن أصابهما جان فكانتا مقلصتين عن الأسنان بعض التقليص لا تنطبقان عليها كلها وترتفعان إلى فوق أو كانتا مسترخيتين تنطبقان على الأسنان ولا تتقلصان إلى فوق كما تقلص الصحيحتان كان فيهما من الدية بحساب ما قصرتا عن بلوغه مما يبلغه الشفتان السالمتان يرى ذلك أهل البصر به. ثم يحكمون فيه إن كان نصفا أو أقل أو أكثر. وإن شق فيهما شقا ثم التأم أو لم يلتئم ولم يقلص عن الأسنان ففيه حكومة وإن قلص عن الأسنان شيئا حتى يكون كما قطع منهما فإن كان إذا مد التأم وإذا أرسل عاد فهذا انقباض لافتراق الشفة وليس بشيء قطعه فأبانه منها فليس فيه عقل معلوم وفيه حكومة بقدر الشين والألم ولو قطع من الشفة بشيء كان فيها بحساب ما قطع والشفة كل ما زايل جلد الذقن والخدين من أعلى وأسفل مستديرا بالفم كله مما ارتفع عن الأسنان واللثة فإذا قطع من ذلك شيء طولا حسب طوله وعرضه وطول الشفة التي قطع منها العليا كانت أو السفلى ثم كان فيه بحساب الشفة التي قطع منها. .
دية اللحيين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والأسنان العليا ثابتة في عظم الرأس والأسنان السفلى ثابتة في عظم اللحيين ملتصقتين فإذا قلع اللحيان من أسفل معا ففيهما الدية تامة وإن قلع أحدهما وثبت الآخر ففي المقلوع نصف الدية وإن لم يثبت وسقط الآخر معه ففيهما الدية معا وفي الأسنان التي فيهما في كل سن مع الدية في اللحيين وليست تشبه الأسنان اليد فيها الأصابع في الكف؛ لأن منفعة الكف واليد بالأصابع فإذا ذهبت لم يكن فيها كبير منفعة واللحيان إذا ذهبا ذهبت الأسنان وهما وقاية اللسان ومنعا لما يدخل الجوف ورد الطعام حتى يصل إلى الجوف ففيهما الدية دون الأسنان ولو لم يكن فيهما سن فذهبا كانت فيهما الدية لما وصفت وإن ضربا فيبسا حتى لا ينفتحا ولا ينطبقا كانت فيهما الدية وكذلك لو انفتحا فلم ينطبقا أو انطبقا فلم ينفتحا كانت فيهما الدية ولا شيء في الأسنان لأنه لم يجن على الأسنان بشيء إنما جنى على اللحيين وإن كانت منفعة الأسنان قد ذهبت إذا لم يتحرك اللحيان وإن ضرب اللحيان فشأنهما وهما ينطبقان وينفتحان ففيهما حكومة بقدر الشين لا يبلغ بها دية. .
دية الأسنان
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه «أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في السن خمس» أخبرنا مسلم عن أبيه عن ابن جريج عن ابن طاوس
عن أبيه (قال الشافعي): ولم أر بين أهل العلم خلافا في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في السن بخمس وهذا أكثر من خبر الخاصة وبه أقول فالثنايا والرباعيات والأنياب والأضراس كلها ضرس الحلم وغيره أسنان وفي كل واحد منها إذا قلع خمس من الإبل لا يفضل منها سن على سن.
أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس يسأل ماذا في الضرس؟ فقال عبد الله بن عباس فيه خمس من الإبل. قال فردني إليه مروان فقال أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
(قال الشافعي): وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى (قال): والدية المؤقتة على العدد لا على المنافع.
(قال): وفي سن من قد ثغر واستخلف له من بعد سقوط أسنان اللبن ففيها عقلها خمس من الإبل فإن نبت بعد ذلك رد ما أخذ من العقل وقد قيل لا يرد شيئا إلا أن يكون من أسنان اللبن فإن استخلف لم يكن له شيء. وإذا أثغر الرجل واستخلفت أسنانه فكبيرها ومتراصفها وصغيرها وتامها وأبيضها وحسنها سواء في العقل كما يكون ذلك سواء فيما خلق من الأعين والأصابع التي يختلف حسنها وقبحها. وأما إذا نبتت الأسنان مختلفة ينقص بعضها عن بعض نقصا متباينا نقص من أرش الناقصة بحساب ما نقصت عن قرينتها وذلك مثل الثنية تنقص عن التي هي قرينتها، مثل أن تكون كنصفها أو ثلثيها أو أكثر فإذا تفاوت النقص فيهما فنزعت الناقصة منهما ففيها من العقل بقدر نقصها عن التي تليها وإن كان نقصها عن التي تليها متقاربا كما يكون في كثير من الناس كنقص الأشر ودونه فنزعت ففيها خمس من الإبل وهكذا هذا في كل سن نقصت عن نظيرتها كالرباعيتين تنقص إحداهما عن خلقة الأخرى ولا تقاس الرباعية بالثنية؛ لأن الأغلب أن الرباعية أقصر من الثنية ولا أعلى الفم من الثنايا وغيرها بأسفله؛ لأن ثنية أعلى الفم غير ثنية أسفله.
وتقاس العليا بالعليا والسفلى بالسفلى على معنى ما وصفت. ولو كانت لرجل ثنيتان فكانت إحداهما مخلوقة خلقة ثنايا الناس تفوت الرباعية في الطول بأكثر مما تطول به الثنية الرباعية والثنية الأخرى تفوتها فوتا دون ذلك فنزعت التي هي أطول كان فيها أرشها تاما، وفوتها للأخرى التامة كالعيب فيها أو غير الزيادة. وسواء ضربت الزائدة أو أصابت صاحبتها علة فزادت طولا أو نبتت هكذا فإذا أصيبت هذه الطائلة أو التي تليها الأخرى ففي كل واحدة منهما خمس من الإبل وإذا أصيب من واحدة من هاتين شيء ففيها بقياسها ويقاس السن عما ظهر من اللثة منها. فإذا أصاب اللثة مرض فانكشفت عن بعض الأسنان بأكثر مما انكشفت به عن غيرها فأصيبت سن مما انكشفت عنها اللثة فيبست السن بموضع اللثة قبل انكشافها، فإن جهل ذلك كان القول قول الجاني فيما بينه وبين ما يمكن مثله وإذا قال ما لا يمكن مثله لم يكن القول قوله وأعطي المجني عليه على قدر ما بقي من لثته لم ينكشف عما بقي من أسنانه وإن انكشفت اللثة عن جميع الأسنان فهكذا أيضا إذا علم أن باللثة مرضا ينكشف مثلها بمثله فإن جهل ذلك فاختلف الجاني والمجني عليه فقال المجني عليه هكذا خلقت وقال الجاني بل هذا عارض من مرض فالقول قول المجني عليه مع يمينه إن كان ذلك يكون في خلق الآدميين.
وإن كان لا يكون في خلق الآدميين فالقول قول الجاني حتى يدعي المجني عليه ما يمكن أن يكون في خلق الآدميين ولو خلقت لرجل أسنان قصار كلها من أعلى والسفلى طوال أو قصار من أسفل والعليا طوال أو قصار فسواء ولا تعتبر أعالي الأسنان بأسافلها في كل سن قلعت منها خمس من الإبل، وكذلك لو كان مقدم الفم من أعلى طويلا والأضراس قصار أو مقدم الفم قصيرا والأضراس طوال كانت في كل سن أصيبت له خمس من الإبل ويعتبر بمقدم الفم على مقدمه فلو نقصت ثنايا رجل عن رباعيته نقصانا متفاوتا كما وصفت نقص من دية الناقص منها بقدره أو كانت ثنيته تنقص عن رباعيته نقصانا بينا فأصيبت إحداهما ففيها بقدر ما نقص منها
أو كانت رباعيته تنقص عن ثنيته نقصانا لا تنقصه الرباعيات فيصنع فيهما هكذا، وكذلك يصنع في الأضراس ينقص بعضها عن بعض وإنما قلت هذا في الأسنان إن اختلفت ولم أقله لو خلقت كلها قصارا؛ لأن الاختلاف هكذا لا يكون في الظاهر إلا من مرض حادث عند استخلاف الذي يثغر أو جناية على الأسنان تنقصها.
وإذا كانت الأسنان مستوية الخلق ومتقاربة فالأغلب أن هذا في الظاهر من نفس الخلقة بلا مرض كما تكون نفس الخلقة بالقصر (قال): ولو خلقت الأسنان طوالا فجنى عليها جان فكسرها من أطرافها فانتقص منها حتى يبقى ما لو نبت لرجل كان من الأسنان تاما فجنى عليها إنسان بعد هذا جناية كان عليه في كل سن منها بحساب ما بقي منها ويطرح عنه بحساب ما ذهب وإن اختلف الجاني والمجني عليه فيما ذهب منها قبل الجناية فالقول قول المجني عليه مع يمينه ما أمكن أن يصدق. .
ما يحدث من النقص في الأسنان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ذهب حد السن أو الأسنان بكلال لا تكسر ثم جنى عليها ففيها أرشها تاما، وذهاب أطرافها كلال لا ينقص فإذا ذهب من أطرافها ما جاوز الحد أو من طرف واحد منها نقص عن الجاني عليها بقدر ما ذهب منها ولو أن رجلا سحل سن رجل أو ضربها فأذهب حدها أو شيئا منها كان عليه من عقل السن بحساب ما ذهب منها وإذا أخذ لشيء من حدها أرشا ثم جنى عليها جان بعد أخذه الأرش نقص عن الجاني من أرشها بحساب ما نقص منها، وكذلك إن جنى عليها رجل فعفا له عن الأرش وإذا وهي فم الرجل من مرض أو كبر فاضطربت أسنانه أو بعضها فربطها بذهب أو لم يربطها به فقلع رجل المضطربة منها فقد قيل فيها عقلها تاما وقيل فيها حكومة أكثر من الحكومة فيها لو ضربها رجل فاضطربت ثم ضربها آخر فقلعها وإذا ضربها رجل فنغضت انتظر بها قدر ما يقول أهل العلم بها أنها إذا تركت فلم تسقط لم تسقط إلا من حادث بعده فإن سقطت فعليه أرشها تاما وإن لم تسقط فعليه حكومة ولا يتم فيها عقلها حتى تسقط ولو أن رجلا نغضت سنه ثم أثبتها فثبتت حتى لا ينكر شدتها ولا قوتها لم يكن على الجاني عليها شيء ولو نزعت بعد كان فيها أرشها تاما فإن قال ليست في الشدة كما كانت كان القول قوله وله فيها حكومة على الذي أنغضها وحكومة على النازع وقيل: أرشها تاما ولو ندرت سن رجل حتى يخرج سنخها فلا تعلق بشيء ثم أعادها فثبتت ثم قلعها رجل لم يكن على الجاني الآخر أرش ولا حكومة ولم يكن للذي أعادها إعادتها؛ لأنها ميتة وهكذا لو وضع سن شاة أو بهيمة مما يذكى أو سن غيره مكان سن له انقلعت فقلعها رجل لم يبن أن يكون عليه حكومة وقد قيل في هذا حكومة وهكذا لو وضع مكانها سن ذهب أو سن ما كان وإذا قلعت سن رجل بعدما يثغر ففيها أرشها تاما فإن نبتت بعد أخذه الأرش لم يرد عليه شيئا ولو جنى عليها جان آخر فقلعها وقد نبتت صحيحة لا ينكر منها قوة ولا لونا كان فيها أرشها تاما وهكذا لو قطع لسان رجل أو شيء منه فأخذ له أرشا ثم نبت لم يرد شيئا من الأرش فإن نبت صحيحا كما كان قبل القطع فجنى عليه جان ففيه الأرش أيضا تاما وإن نبت السن واللسان متغيرين عما كانا عليه من فصاحة اللسان أو قوة السن أو لونها ثم قلعت ففيها حكومة. .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (257)
صــــــــــ 137 الى صـــــــــــ 142
العيب في ألوان الأسنان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا نبتت أسنان الرجل سودا كلها أو ثغرت سودا أو ما دون السواد من حمرة أو خضرة أو ما قاربها وكانت ثابتة لا تنغض وكان يعض بمقدمها ويمضغ بمؤخرها بلا ألم يصيبه فيما عض أو مضغ عليه منها فجنى إنسان على سن منها ففيها أرشها تاما وإن نبتت بيضا ثم ثغرت فنبتت سودا أو حمرا أو خضرا سئل أهل العلم بها فإن قالوا لا يكون هذا إلا من حادث مرض في أصولها فجنى جان على سن منها ففيها حكومة لا يبلغ بها عقل سن فإن أشكل عليهم أو قالوا تسود من غير مرض فجنى إنسان على سن منها ففيها أرشها تاما وهكذا إذا نبتت بيضا فاسودت من غير جناية وإذا نبتت بيضا فجنى عليها جان فاسودت ولم تنقص قوتها فعليه حكومة، وكذلك إن اخضرت أو احمرت وتنقص كل حكومة فيها عن السواد؛ لأن السواد أشبه وإن اصفرت من الجناية جعل فيها أقل من كل ما جعل في غيرها وإذا انتقصت قوتها مع تغير لونها زيد في حكومتها ولو أن إنسانا نبتت أسنانه بيضا ثم أكل شيئا يحمرها أو يسودها أو يخضرها ثم جنى عليها جان فقلع منها سنا ففيها أرشها تاما؛ لأن بينا أن هذا من غير مرض وإذا جنى رجل على سن رجل فاسودت مكانها فعليه حكومة، وكذلك إن آلمها ثم اسودت بعد أو دميت ثم اسودت بعد وإن أقامت مدة لم تسود ثم اسودت بعد سئل أهل العلم فإن قالوا: هذا لا يكون إلا من جناية الجاني فعليه حكومة إذا ادعى ذلك المجني عليه وحلف وإن قالوا قد يحدث فالقول قول الجاني مع يمينه ولا حكومة عليه (وقال) في الأسنان والأضراس منفعة بالمضغ وحبس الطعام والريق واللسان وجمال فلا يجوز أن يجني الرجل على الرجل فتسود سنه وتبقى لم يذهب منها شيء إلا حسن اللون فأجعل فيها الأرش تاما؛ لأن المنفعة بها أكثر من الجمال وقد بقي من جمالها أيضا سد موضعها وليست كاليد تشل فتذهب المنفعة منها ولا كالعين تطفأ فتذهب المنفعة منها، ألا ترى أن اليد إذا شلت ثم قطعت أو العين إذا طفئت ففقئت لم يكن في واحدة منهما إلا حكومة وإنما زعمت أن السواد إذا لم يعلم أنه من مرض في السن ينقصها لا ينقص عقلها أنى جعلت ذلك كالزرق والشهولة والعمش والعيب في العين لا ينقص عقلها؛ لأن المنفعة في كل طرف فيه عمل وجمال أكثر من الجمال وإذا جنى الرجل على السن السوداء التي سوادها من مرض معلوم نقص عنه من عقلها بقدر ذلك على ما وصفت.
أسنان الصبي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا نزعت سن الصبي لم يثغر انتظر به فإن أثغر فوه كله ولم تنبت السن التي نزعت ففيها خمس من الإبل وإذا نبتت بطول التي نظيرتها أو متقاربة ففيها حكومة وإن نبتت ناقصة الطول عن التي تقاربها نقصا متفاوتا كما وصفت أخذ له من أرشها بقدر نقصها وإن نبتت غير مستوية النبتة بعوج كان إلى داخل الفم أو خارجه أو في شق كانت فيها حكومة وإن نبتت سوداء أو حمراء أو صفراء ففيها حكومة في كل واحد من هذا في الحكومة بقدر كثرة شين السواد على الحمرة والحمرة على الصفرة وإن نبتت قصيرة عن التي تليها بما تفوت به سن مما يليها ففيها بقدر ما نقصها
وسواء كان النقص في جميع السن أو بعضها دون بعض وإن نبتت مفروقة الطرفين ففيها بحساب ما نقص مما بين الفرقين، وكذلك إن كانت ناقصة أحد الطرفين وليس في شينها شيء في هذا الموضع وإن نبتت سنه ونبتت له سن زائدة معها لم يكن عليه في نبات السن الزائدة شيء وإن مات المنزوعة سنه ولم يستخلف من فيه شيء ففيها قولان: أحدهما أن في سنه حكومة؛ لأن الأغلب أن لو عاش نبتت، والثاني: إن فيها خمسا في الإبل ولا يخرج من أن يكون هذا فيها حتى يستخلف وإن استخلف من فيه ما إلى جنب سنه المنزوعة ثم مات نظر فإن كان ما إلى جنبها استخلف وعاش المنزوعة سنه مدة لا تبطئ السن المنزوعة إلى مثلها ففيها عقلها تاما في القولين وإن مات في وقت تبطئ السن المنزوعة إلى مثلها أو كانت إحداهما تقدمت الأخرى بأن ثغرت قبلها كانت فيها حكومة في قول من قال في سن الصبي إذا مات قبل تمام نبات سنه حكومة ودية في القول الآخر وإذا ثغرت سن فطلعت فلم يلتئم طلوعها حتى تستوي بنظيرتها حتى قلعها رجل آخر انتظر بها فإن نبتت ففيها حكومة أكثر من حكومتها لو قلعت قبل تثغر وإن لم تنبت ففيها عقلها تاما وقد قيل فيها من العقل بقدر ما أصاب منها (قال الشافعي): وإذا نزعت سن الصبي فاستخلف فوه ولم تستخلف فأخذ لها أرشها ثم نبتت رد الأرش وإذا قلعت سن الصبي فطلع بعضها ثم مات الصبي قبل يلتئم طلوعها فعليه ما نقص منها في قول من قال يلزمه ديتها إذا مات قبل طلوعها وحكومة في قول من لا يلزمه في ذلك إلا حكومة.
السن الزائدة
(قال الشافعي): وإذا قلعت السن الزائدة ففيها حكومة وإذا اسودت ففيها أقل من الحكومة التي في قلعها.
قلع السن وكسرها
(قال الشافعي): إذا كسرت السن من مخرجها فقد تم عقلها وكذا لو قلعها من سنخها في كل واحدة منها خمس من الإبل وإن كسرت فتم عقلها ثم نزع إنسان سنخها ففيما نزع منها حكومة وإن كسر إنسان نصف سن رجل أو أقل أو أكثر ثم نزع آخر السن من سنخها ففيها بحساب ما بقي ظاهرا من السن وحكومة السنخ وإنما تسقط الحكومة في السنخ إذا تم عقل السن وكانت الجناية واحدة فنزعت بها السن من السنخ وإذا ضرب رجل السن فصدعها ففيها حكومة بقدر الشين والنقص لها وإذا كسر الرجل من سن الرجل شيئا من ظاهرها أو باطنها أو منهما جميعا ففي ذلك بقدر ما نقص من السن كأنه أشظاها من ظاهر أو باطن ولم يقصم الموضع الذي أشظاها منه بها قيس طول ما أشظى منها وعرضه فكان ربع السن في الطول والعرض ثم قيس بما يليه فكان نصف ظاهر السن وكان فيه ثمن ما في السن وعلى هذا الحساب يصنع بما جنى عليه منها فإن أشظاها حتى تهدم موضعه من السن قيس ذلك بالطول والعرض ولم ينظر فيه إلى أن يكون الموضع الذي هدمه من السن أو أشظاه أرق مما سواه من السن ولا أغلظ. .
حلمتي الثديين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكل ما قلت الدية أو نصفها أو ربعها إذا أصيب من رجل فأصيب من امرأة ففيه من دية المرأة بحسابه من دية الرجل لا تزاد فيه المرأة على قدره من أرشها على الرجل ولا الرجل على المرأة إذا كانا سواء في الرجل والمرأة ولا يختلف شيء من المرأة ولا الرجل إلا الثديين فإذا أصيبت حلمتا ثديي الرجل أو قطع ثدياه ففيهما حكومة وإذا أصيبت حلمتا ثديي المرأة أو اصطلم ثدياها ففيهما الدية تامة؛ لأن في ثدييها منفعة الرضاع وليس ذلك في ثديي الرجل ولثدييها جمال ولولدها فيهما منفعة وعليها بهما شين لا يقع ذلك الموقع من الرجل في جماله ولا شين عليه كهي، وإذا ضرب ثدي امرأة قبل أن تكون مرضعا فولدت فلم يأت لها لبن في ثديها المضروب وحدث في الذي لم يضرب أو لم يحدث لها لبن في ثدييها معا لم يلزم الضارب بأن لم يحدث اللبن في ثدييها إلا أن يقول أهل العلم به هذا لا يكون إلا من جنايته فيجعل فيه حكومة وإذا ضرب ثدياها وفيهما لبن فذهب اللبن فلم يحدث بعد الضرب ففيهما حكومة أكثر من الحكومة في المسألة قبلها لا دية تامة. فإن ضرب ثدياها فعابا ولم يسقطا ففيهما حكومة ولو ضربا فماتا ولا يعرف موتهما إلا بأن لا يألما إذا أصابهما ما يؤلم الجسد ففيهما ديتهما تامة وفي أحدهما - إذا أصابه ذلك - نصف ديتهما، وإذا استرخيا فكانا إذا رد طرفاهما على آخرهما لم ينقبض كانت في هذا حكومة هي أكثر من الحكومة فيما سواه؛ لأنه لو اجتمع مع هذا أن لا يألما إذا أصابهما ما يؤلم كان موتا وعيبا، ولو قطع ثدي المرأة فجافها كانت فيه نصف ديتها ودية جائفة ولو قطعت ثدياها فجافهما كانت فيهما ديتهما ودية جائفتهما، ولو فعل هذا برجل كانت في ثدييه حكومة وفي جائفته جائفة وقد قيل في ثديي الرجل الدية.
النكاح على أرش الجناية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شجت المرأة الرجل موضحة أو جنت عليه جناية غير موضحة عمدا أو خطأ فتزوجها على الجناية كان النكاح ثابتا والمهر باطلا ولها مهر مثلها وعلى عاقلتها أرشها في الخطأ ولا يجوز المهر من جناية خطأ ولا عمد من قبل أن جناية الخطأ تلزم العاقلة وتقبل إبلهم منها وإن اختلفت إبلهم ويؤخذ منهم أسنان معلومة، فإذا أدوا أعلى منها في السن وما يصلح لما يصلح له ما عليهم قبل منهم وهذا كله لا يجوز في البيع، والمهر لا يصلح إلا بما يجوز في البيع، وكذلك إن كانت الجناية عمدا فنكحها عليها جاز النكاح وبطل المهر؛ لأنها إنما يلزمها بالجناية إبل فأي إبل أدتها من إبل البلد بسن معلومة قبلت وهذا لا يجوز في البيع، فإذا نكحت على الجناية في الخطأ والعمد فالنكاح ثابت ولها مهر مثلها طلقها قبل الدخول أو لم يطلقها، وإذا نكحها على جناية عمد بطل القود؛ لأنه عفو عن القود فلا سبيل إلى قتلها وإن صارت الجناية نفسا ولا إلى القود منها في شيء من الجراحة وتؤخذ منها الدية في العمد حالة ومن عاقلتها في الخطأ ولها في ماله مهر مثلها. .
كتاب الحدود وصفة النفي
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} (قال الشافعي): وقال قائلون كل من لزمه اسم سرقة قطع بحكم الله تعالى ولم يلتفت إلى الأحاديث (قال الشافعي): فقلت لبعض الناس قد احتج هؤلاء بما يرى من ظاهر القرآن فما الحجة عليهم؟ قال: إذا وجدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليلا على معنى ما أراد الله تعالى قلنا: هذا كما وصفت والسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «القطع في ربع دينار فصاعدا».
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم» (قال الشافعي): وهذان الحديثان متفقان؛ لأن ثلاثة دراهم في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ربع دينار وذلك أن الصرف كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده فرض عمر الدية اثني عشر ألف درهم على أهل الورق وعلى أهل الذهب ألف دينار. وقالت عائشة وأبو هريرة وابن عباس - رضي الله عنهم - في الدية اثني عشر ألف درهم (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان فأمر بها عثمان فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع عثمان يده قال مالك وهي الأترجة التي يأكلها الناس.
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل قال: سمعت قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس حضرت أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قطع سارقا في شيء ما يسوى ثلاثة دراهم أو قال ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم.
(قال الشافعي): فقلت لبعض الناس: هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحد «أن القطع في ربع دينار فصاعدا» فكيف قلت لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعدا؟ قلت له: وما حجتك في ذلك؟ قال روينا عن شريك عن منصور عن مجاهد عن أيمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيها بقولنا. قلنا: أوتعرف أيمن؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث لعله أصغر من عطاء روى عنه عطاء حديثا عن ربيع ابن امرأة كعب عن كعب فهذا منقطع والحديث المنقطع لا يكون حجة.
قال فقد روينا عن شريك بن عبد الله عن مجاهد عن أيمن بن أم أيمن أخي أسامة لأمه. قلت لا علم لك بأصحابنا، أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قبل مولد مجاهد ولم يبق بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحدث عنه. قال فقد روينا عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في ثمن المجن» قال عبد الله بن عمرو كان قيمة المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا (قال الشافعي): فقلت هذا رأي من عبد الله بن عمر. وفي رواية عمرو بن شعيب والمجان قديما وحديثا سلع يكون ثمن عشرة ومائة
ودرهمين فإذا قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ربع دينار قطع في أكثر عنه وأنت تزعم أن عمرو بن شعيب ليس ممن تقبل روايته وتترك علينا أشياء رواها توافق أقاويلنا وتقول غلط فكيف ترد روايته مرة وتحتج به على أهل الحفظ والصدق مع أنه لم يرو شيئا يخالف قولنا؟ قال: فقد روينا قولنا عن علي - رضي الله عنه - قلنا: ورواه الزعافري عن الشعبي عن علي - رضي الله عنه - وقد أخبرنا أصحاب جعفر بن محمد عن جعفر عن أبيه أن عليا - رضي الله عنه - قال: " القطع في ربع دينار فصاعدا " وحديث جعفر عن علي - رضي الله عنه - أولى أن يثبت من حديث الزعافري عن الشعبي قال: فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال " لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم " قلنا: فقد روى الثوري عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في خمسة دراهم» وهذا أقرب من أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث ابن مسعود عن القاسم عن عبد الله قال فكيف لم تأخذوا بهذا؟ قلنا هذا حديث لا يخالف حديثنا إذا قطع في ثلاث دراهم قطع في خمسة وأكثر.
قال: فقد روينا عن عمر أنه لم يقطع في ثمانية.
(قال الشافعي): قلت: رواه عن عمر بحديث غير صحيح وقد رواه معمر عن عطاء الخراساني عن عمر قال " القطع في ربع دينار فصاعدا " فلم ير أن يحتج به؛ لأنه ليس بثابت (قال الشافعي): وليس في أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين اتباعه فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ولا إلى ما ذهب إليه من ترك الحديث واستعمل ظاهر القرآن.
السارق توهب له السرقة
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان «أن صفوان بن أمية قيل له إن من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه فجاء به صفوان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع يده فقال صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهلا قبل أن تأتيني به؟» (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس مثل معنى حديث ابن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر صفوان (قال الشافعي): فقال قائل: لا تقطع يد هذا وكيف تقطع يد هذا ولم يقم عليه الحد حتى ملك ما تقطع فيه يده؟ فقيل لبعض من يقول قوله لا نرضى بترك السنة حتى نخطئ مع تركها القياس. قال وما القياس؟ قلنا متى يجب الحد على من سرق؟ أحين سرق أم حين يقام عليه الحد؟ قال بل حين سرق. قلنا وبذلك قلت وقلنا: لو أن سارقا سرق شيئا لم يكن الذي سرق يسوى ما تقطع فيه اليد فحبسه الإمام ليستثبت سرقته فلم تقم عليه البينة حتى صارت السرقة تسوى ما تقطع فيه اليد وأكثر قال لا تقطع؛ لأن الحد إنما وجب يوم كان الفعل. قلنا: وبهذا قلنا نحن وأنت لو سرق عبد من سيده فحبسه الإمام فأعتقه السيد لم يقطع ولو كان مكاتبا سرق فأدى فعتق لم يقطع؛ لأنه حين سرق لم يكن عليه قطع، ولو قذف عبد حرا
فأعتقه سيده حين فرغ من القذف ورفع إلى الإمام وهو حر حد حد عبد؛ لأن الحد إنما وجب يوم قذف، وكذلك لو كان المقذوف عبدا فأعتقه سيده ساعة قذف لم يكن له إذا ارتفع إلى الإمام حد؛ لأنه مملوك، وكذلك إن زنى عبد فأعتقه سيده مكانه ثم رفع إلى الإمام حد حد عبد؛ لأن الحد أنما وجب عليه يوم زنى. قال نعم: قيل فسارق صفوان سرق وصفوان مالك ووجب الحد عليه وحكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوان مالك. فكيف درأت عينه؟ قال: إن صفوان إنما وهب له الحد.
قيل صفوان وهب له رداء نفسه في الخبر عنه. قال فإني أخالف صاحبي فأقول إذا قضى الحاكم عليه ثم وهب له قطع وإن وهب له قبل يقضي الحاكم لا يقطع؛ لأن خروج حكم الحاكم قبل مضي الحد كمضي الحد. قيل وهذا خطأ أيضا. قال، ومن أين؟ قلنا أرأيت لو اعترف السارق أو الزاني أو الشارب فحكم الإمام على المعترفين كلهم بحدودهم فذهب بهم من عنده لتقام عليهم حدودهم فرجعوا؟ قال لا يحدون. قلنا أو ليس قد زعمت أن خروج حكم الحاكم كمضي الحد؟ قال ما هو مثله. فلم شبهته به؟.
ما جاء في أقطع اليد والرجل يسرق
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قطع يد سارق اليسرى وقد كان أقطع اليد والرجل وذكر عبد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أبي بكر مثله (قال الشافعي): فقال قائل: إذا قطعت يده ورجله ثم سرق حبس وعزر ولم يقطع فلا يقدر على أن يمشي قيل قد روينا هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر في دار الهجرة وعمر يراه ويشير به على أبي بكر وقد روي عنه أنه قطع أيضا فكيف خالفتموه؟ قيل قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قلنا فقد رويتم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في القطع أشياء مستنكرة وتركتموها عليه منها أنه قطع بطون أنامل صبي ومنها أنه قطع القدم من نصف القدم.
وكل ما رويتم عن علي - رضي الله عنه - في القطع غير ثابت عندنا فكيف تركتموها عليه لا مخالف له فيها واحتججتم به على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي لا حجة في أحد معها وعلى أبي بكر وعمر في دار الهجرة وعلى ما يعرفه أهل العلم؟ أرأيت حين قال الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} ولم يذكر اليد والرجل إلا في المحارب فلو قال قائل: يعتل بعلتكم أقطع يده ولا أزيد عليها؛ لأنه إذا قطعت يده ورجله ذهب بطشه ومشيه فكان مستهلكا أتكون الحجة عليه إلا ما مضى من السنة والأثر وإن اليد والرجل هي مواضع الحد وإن تلفت أرأيت حين حد الله عز وجل الزاني والقاذف لو حد مرة ثم عاد أليس يعاد له أبدا ما عاد؟ أرأيت إن قال قائل: قد ضرب مرة فلا يعاد له ما الحجة عليه إلا أن يقال للضرب موضع فمتى كان الموضع قائما حد عليه وكذلك الأيدي والأرجل ما كان للقطع موضع أتى عليها وهو أقطع اليد والرجل مستهلك فكيف لم يمتنعوا من استهلاكه واعتلوا في ترك قطع اليسرى بالاستهلاك؟ وكيف حدوا من وجب عليه القتل بالقتل وهذا أقصى غاية الاستهلاك ودرءوا الحدود ها هنا لعلة الاستهلاك مع خلاف السنة والأثر وكيف يقطعون يديه ورجليه لو قطع من أربع أناس يدين ورجلين؟ أرأيت لو قال قائل: إنه إذا قطع من كل رجل عضوا منه بقي له ثلاثة وإذا أتيت على أعضائه الأربعة كان مستهلكا فلا أقطعه إلا الواحد أو اثنين.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (258)
صــــــــــ 143 الى صـــــــــــ 148
فإن قال قائل: قال الله عز وجل {والجروح قصاص} قال فأتأول ما كانت حال المقتص منه مثل حال المقتص له وأقول: أنت لا تقص من جرح واحد إذا أشبه الاستهلاك وتجعله دية والإتيان على قوائمه عين الاستهلاك ما الحجة عليه إلا أن للقصاص موضعا فكذلك للقطع موضع والله سبحانه وتعالى أعلم. .
باب السن التي إذا بلغها الغلام قطعت يده
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن «ابن عمر قال عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» قال نافع فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر هذا فرق بين الصغير والكبير وكتب لعماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة ولابن أربع عشرة في الذرية.
(قال الشافعي): وبهذا قلنا: تقام الحدود على من استكمل خمس عشرة وإن لم يحتلم؛ لأنه فصل بين المقاتلة وبين الذرية وذلك أنه إنما يجب القتال على من تجب عليه الفرائض، ومن وجبت عليه الفرائض وجبت عليه الحدود ولم أعلم في هذا مخالفا وقد أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتال ابن خمس عشرة فقال قائل: لا تقام الحدود على الغلام إذا لم يحتلم حتى يستكمل تسع عشرة ولا على الجارية حتى تستكمل سبع عشرة فلا أدري ما أراد بهذه السنين ولا إلى أي شيء ذهب؟ أرأيت لو قال قائل: لا أقيم عليه الحد حتى يبلغ أربعين سنة؛ لأنها السن التي ذكرها الله تبارك وتعالى ما حجته عليه؟ أرأيت إذا فرق بين الجارية والغلام وهي إذا بلغت المحيض والغلام إذا بلغ الحلم فذلك الوقت وقت وجوب الحد عليهما ما الحجة فيما قال من الفرق بينهما؟ وخالفه أصحابه في هذا وقالوا قولنا فيه فقالوا: يقام الحد على من استكمل خمس عشرة سنة ذكرا كان أو أنثى واحتجوا بحديث ابن عمر فيه. .
في الثمر الرطب يسرق
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «لا قطع في ثمر ولا كثر» (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا قطع في ثمر ولا كثر» (قال الشافعي): وبهذا نقول لا قطع في ثمر معلق ولا غير محرز ولا في جمار؛ لأنه غير محرز وهو يشبه حديث عمرو بن شعيب
قال الشافعي) احتج بهذا الحديث بعض الناس وقال هذا حديث رافع بن خديج يخبر أن لا قطع في ثمر معلق، فمن هنا قلنا لا يقطع في الثمر الرطب (قال الشافعي): فقلت له إذا ذهبت هذا المذهب فيه، فالثمر اسم جامع للرطب واليابس من التمر والزبيب وغيره أفتسقط القطع عمن سرق تمرا في بيت؟ قال لا، قلنا: فكذلك الثمر الرطب المحرز؛ لأن اسم الثمر يقع على هذا كما يقع على هذا قلت أرأيت الذميين إذا زنيا أتحكم بينهما بحكم الإسلام أم بحكمهم؟ قال فإن قلت بحكمهم؟ قلنا فيلزمك أن تجيز بينهم ما وصفنا مما أبطله حكم الإسلام ويلزمك إن كان في دينهم أن من سرق من أحد كان السارق عبدا للمسروق أن تجعله له عبدا قال: لا أجعله عبدا ولكن أقطعه قلنا: فأنت تحكم بينهم مرة بحكم الإسلام ومرة بحكم أهل الكتاب وتقول إنك تجيز بينهم ثمن الخمر والخنزير فكيف حكمت مرة بحكم الإسلام وحكمت مرة بخلافه؟ وخالفه صاحبه فقال: قولنا في اليهوديين يرجمان وتحصن اليهودية المسلم ثم عاد فوافقهم في أن أجاز بينهم ثمن الخمر والخنزير وهذا في كتاب إلى الطول ما هو. .
باب النفي والاعتراف في الزنا
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني - رضي الله عنهما - أنهما أخبراه «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وقال الآخر - وهو أفقههما - أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وأذن لي في أن أتكلم قال تكلم قال قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية لي. ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها» (قال الشافعي): وبهذا قلنا وفيه الحجة في أن يرجم من اعترف مرة إذا ثبت عليها. وقد روى ابن عيينة بهذا الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وروى عبادة بن الصامت الجلد والنفي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي): فخالف بعض الناس هذا الحديث فيما وصفت لك فقال: لا يرجم باعتراف مرة ولا يرجم حتى يعترف أربعا. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنيسا إن اعترفت أن يرجمها وأمر بذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبا واقد الليثي وخالفه أيضا فقال: إذا اعترف الزاني فالحق على الإمام أن يبدأ فيرجم ثم الناس وإذا قامت البينة رجمهم الشهود ثم الإمام ثم الناس (قال الشافعي): أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجم ماعز ولم يحضره وأمر أنيسا بأن يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أعلمني لأحضرها ولم أعلمه أمر برجمهم فحضره ولو كان حضور الإمام حقا حضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أبا واقد الليثي يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها. ولم يقل: أعلمني أحضرها وما علمت إماما حضر رجم مرجوم ولقد أمر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - برجم امرأة وما حضرها (قال الشافعي): ويرجم الزاني الثيب ولا يجلد والجلد منسوخ عن الثيب قال الله تبارك وتعالى {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم} إلى {سبيلا} وهذا قبل نزول الحدود. ثم روى الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. أنه قال «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا: الثيب بالثيب جلد مائة والرجم» فهذا أول ما نزل الجلد ثم قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنى إذا كان قد أحصن ولم يذكر جلدا ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزا ولم يجلده وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنيسا أن يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها وكل هذا يدلك على أن الجلد منسوخ عن الثيب، وكل الأئمة عندنا رجم بلا جلد، فإن قال قائل: لا أنفي أحدا فقيل لبعض من يقول قوله: ولم رددت النفي في الزنا وهو ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود والناس عندنا إلى اليوم؟ قال رددته؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تسافر المرأة سفرا يكون ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم» فقلت له سفر المرأة شيء حيطت به المرأة فيما لا يلزمها من الأسفار. وقد نهيت أن تخلو في المصر برجل وأمرت بالقرار في بيتها. وقيل لها صلاتك في بيتك أفضل لئلا تعرضي أن تفتتني ولا يفتتن بك أحد وليس هذا مما يلزمها بسبيل. أرأيت لو قال قائل يستخف بخلاف السنة لا أجلدها يمجن ما الحجة عليه إلا ترك الحجة بالكتاب والخبر. أو رأيت إذا اعتللت في النفي بأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تسافر المرأة ثلاثا إلا مع ذي محرم» ما هو من حد الزنا قال: إنهما يجتمعان في معنى أن في النفي سفرا قلنا: وإذا اجتمع الحديثان من الصنفين المختلفين في معنى من المعاني أزلت أحدهما بالآخر؟ قال: نعم قلنا: إذا كان النفي من أثبت ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأئمة بعده والناس إلى اليوم عندنا أن نقول كما قلت: لما اجتمعا في أن فيه سفرا أبحنا للمرأة أن تسافر ثلاثا أو أكثر مع غير ذي محرم، قال:
لا قلنا فلم كان لك أن تزيل أحدهما بالآخر ولا يكون ذلك لنا عليك؟ وقلت أرأيت إذا اعتللت بأنك تركت النفي؛ لأن فيه سفرا مع غير ذي محرم إن زنت بكر ببغداد فجلدتها فجاء أبوها وإخوتها وعدد كثير كلهم محرم لها فقالوا قد فسدت ببغداد وأهلها بالمدائن وأنت تبيح السفر مع ذي محرم إلى ما يبعد وتبيحه أقل من ثلاث مع غير ذي محرم. وقد اجتمع لك الأمران فنحن ذوو محرم فتنفيها عن بغداد فتخرج مع ذي محرم إلى شهر قد تبيحه لها مع غير ذي محرم إلى أهلها وتنحيها عن بلد قد فسدت به ولا تزال بذلك منعما علينا قال لا أنفيها؛ لأنها مالكة لنفسها فلا أنفيها قلنا: فقد زال المعنيان اللذان اعتللت بهما فلو كنت تركت النفي لها من أجلهما نفيتها في هاتين الحالتين وقلنا له: أرأيت إن كانت ببادية لا قاضي عند قريتها إلا على ثلاث ليال أو أكثر فادعى عليها مدع حقا أو أصابت حدا.
قال ترفع إلى القاضي قلنا مع غير ذي محرم؟ قال: نعم قلنا فقد أبحت لها أن تسافر ثلاثا أو أكثر مع غير ذي محرم. قال هذا يلزمها قلنا: فهذا يلزمها برأيك فأبحته لها ومنعتها منه فما سن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبر به عن الله جل وعلا فيها (قال الشافعي): وقلنا أرأيت إذا اعتللت في المرأة بما اعتللت به أيحتاج الرجل إلى ذي محرم؟ قال: لا قلنا: فلم لم تنفه؟ قال إنه حد واحد فإذا زال عن أحدهما زال عن الآخر قلنا وهذا أيضا من شبهكم التي تعتلون بها وأنتم تعلمون أنكم مخطئون فيها أو تعنون موضع الخطأ. قال وكيف؟ قلنا ما نقول في ثيب حر زنى ببكر وثيب حر زنى بأمة وثيب حر زنى بمستكرهة؟ قال على الثيب في هذا كله الرجم
وعلى البكر مائة وعلى الأمة خمسون وليس على المستكرهة شيء قلنا: وكذلك إن كانت المرأة ثيبا، ومن زنى بها عبدا رجمت وجلد العبد خمسين؟ قال: نعم. قلنا ولم؟ أليس؛ لأنك تلزم كل واحد منهما حد نفسه ولا تزيله عنه بأن يشركه فيه غيره؟ قال: نعم قلت: فلم لا يكون الرجل إذا كان لا يحتاج إلى محرم منفيا والنفي حده قال فقد نفى عمر رجلا وقال لا أنفي بعده. قلت نفى عمر رجلا في الخمر والنفي في السنة على الزاني والمخنث وفي الكتاب على المحارب وهو خلاف نفيهما لا على أحد غيرهم فإن رأى عمر نفيا في الخمر ثم رأى أن يدعه فليس الخمر بالزنا وقد نفى عمر في الزنا فلم لم تحتج بنفي عمر في الزنا؟ وقد تبينا نحن وأنت أن ليس في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟ (قال الشافعي): وقال قائل لا أرجم إلا بالاعتراف أربع مرات؛ لأنهن يقمن مقام أربع شهادات قلنا وإن كن يقمن مقام أربع شهادات فإن اعترف أربع مرات ثم رجع؟ قال لا يحد قيل فهذا يدلك على فرق بين الاعتراف والشهادة أو رأيت إن قلت يقوم مقام الشهادة فلم زعمت أن السارق يعترف مرة فيقطع وكيف لا تقول حتى يعترف مرتين إن اعترف بحق لرجل مرة ألزمته أبدا فجعلت مرة الاعتراف أقوى من البينة. ومرة أضعف؟ قال: ليس الاعتراف من البينة بسبيل ولكن الزهري روى أنه اعترف عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات قلنا: وقد روى ابن المسيب أنه اعترف مرارا فردده ولم يذكر عددها وإنما كان ذلك في أول الإسلام لجهالة الناس بما عليهم، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في المعترف أيشتكي أم به جنة لا يرى أن أحدا ستر الله عز وجل عليه أتى يقر بذنبه إلا وهو يجهل حده؟ أو لا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ولم يذكر عدد الاعتراف وأمر عمر - رضي الله تعالى عنه - أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمره بعدد اعتراف.
ما جاء في حد الرجل أمته إذا زنت
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير» قال ابن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أم الرابعة (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدت جارية لها زنت.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وكان الأنصار ومن بعدهم يحدون إماءهم وابن مسعود يأمر به وأبو برزة حد وليدته، فإن قال قائل: لا يحد الرجل أمته وإنما ذلك إلى الإمام واعتلوا فيه بأن قالوا إن كان صاحب الأمة لا يعقل الحد؟ قلنا: إنما يقيم الحد من يعقله. وقلنا لبعض من يقول هذا القول: قال الله تبارك وتعالى {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} (قال الشافعي): فقد أباح الله عز وجل أن يضرب الرجل امرأته وهي حرة غير ملك يمين قال: ليس هذا بحد قلت: فإذا أباحه الله عز وجل فيما ليس بحد فهو في الحد الذي بعدد أولى أن يباح؛ لأن العدد لا يتعدى والعقوبة لا حد لها فكيف أجزته في شيء وأبطلته في غيره قال: روينا عن ابن عباس ما يشبه قولنا قلت أو في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة؟ قال: لا قلنا: فلم تحتج به وليس عن ابن عباس بمعروف؟ فقال لي بعض من يقول لا يحد الرجل أمته إذا زنت إذا
تركت الناس يحدون إماءهم أليس في الناس الجاهل أفيولى الجاهل حدا؟ (قال الشافعي): قلت له: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زنت أمته أن يحدها كان ذلك لكل من كانت له أمة والحد موقت معروف قال فلعله أمر بهذا أهل العلم قلت ما يجهل ضرب خمسين أحد يعقل ونحن نسألك عن مثل هذا قال وما هو؟ قلت أرأيت رجلا خاف نشوز امرأته أو رأى منها بعض ما يكره في نفسه أله ضربها؟ قال:
نعم قلت له ولم؟ قال رخص الله عز وجل في ضرب النساء وأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤدب الرجل أهله قلنا: فإن اعتل عليك رجل في ضرب المرأة في النشوز والأدب بمثل علتك في الحد وأكثر وقال: الحد مؤقت والأدب غير مؤقت. فإن أذنت لغير العالم في الضرب خفت مجاوزته العدد قال: يقال له أدب ولا تجاوز العدد قلنا: فقال وما العدد؟ قال ما يعرف الناس قلت: وما يعرفون؟ قال الضرب غير المبرح ودون الحد قلنا قد يكون دون الحد ضربة وتسعة وثلاثين وتسعة وسبعين فأي هذا يضربها؟ قال ما يعرف الناس قلنا فإن قيل لك لعله لم يؤذن إلا للعالم قال حق العالم والجاهل على أهلهما واحد قلنا: فلم عبت علينا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من زنت أمته أن يحدها. ثم زعمت أن ليس للعالم أن يحد أمته؟ فإن اعتللت بجهالة الجاهل فأجز للعالم أن يحدها وأنت لا تجيزه، وإنما أدخلت شبهة بالجاهل وأحد يعقل لا يجهل خمسين ضربة غير مبرحة ثم صرت إلى أن أجزت للجاهلين أن يضربوا نساءهم بغير أن توقت ضربا. فإن اتبعت في ذلك الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تجز لأحد أن يتأول عليك؛ لأنه جملة فهو عام للعالم ولغيره قال: نعم قلنا فلم لم تتبع الخبر الذي هو أصح منه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن يحد الرجل أمته فأثبت أضعف الخبرين وجعلت العالم والجاهل فيهما سواء بالخبر ثم منعت العالم والجاهل أن يحد أمته؟ ما ينبغي أن يبين خطأ قول بأكثر من هذا؟ (قال الشافعي): ما إلى العلة بالجهالة ذهب من رد هذا ولو كانت العلة بالجهالة ممن يحد إذا لأجازه للعالم دون الجاهل فهو لا يجيزه لعالم ولا لجاهل وقد رد أقوى الخبرين وأخذ بأضعفهما وكلا الحديثين نأخذ به نحن ونسأل الله سبحانه التوفيق. .
باب ما جاء في الضرير من خلقته لا من مرض يصيب الحد
أخبرنا الربيع قال: (قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد وأبي الزناد كلاهما عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف «أن رجلا قال أحدهما أحبن وقال الآخر مقعد كان عند جوار سعد فأصاب امرأة حبل فرمته به فسئل فاعترف فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به قال أحدهما جلد بأثكال النخل وقال الآخر بأثكول النخل» (قال الشافعي): وبهذا نأخذ إذا كان الرجل مضنوء الخلق قليل الاحتمال يرى أن ضربه بالسوط في الحد تلف في الظاهر ضرب بأثكال النخل؛ لأن الله عز وجل قد حد حدودا منها حدود تأتي على النفس: الرجم والقتل غير الرجم بالقصاص فبينهما، وحد بالجلد فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الجلد وكان بينا في كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الضرب لم يرد به التلف وأنه إنما أريد - والله أعلم - النكال للناس عن المحارم ولعله طهور أيضا. فإذا كان معروفا عند من يحد أن حده للضرير تلف لم يضرب المحدود بما يتلفه وضربه بما ضربه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإن قيل قد يتلف الصحيح المحتمل فيما يرى ويسلم غير المحتمل قيل إنما يعمل من هذا على الظاهر والآجال بيد الله عز وجل (قال الشافعي): فأما الحبلى والمريض
فيؤخر حدهما حتى تضع الحبلى ويبرأ المريض وليس كالمضنوء من خلقته فخالفنا بعض الناس. فقال: لا أعرف الحد إلا واحدا وإن كان مضنوءا من خلقته قلت أترى الحد أكثر أم الصلاة؟ قال كل فرض قلنا: قد يؤمر من لا يستطيع القيام في الصلاة بالجلوس، ومن لا يستطيع الجلوس بالإيماء وقد يزيل الحد عمن لا يجد إليه سبيلا (قال الربيع) يريد كأن سارقا سرق ولا يدين له ولا رجلين فلم يجد الحاكم إلى أخذ ما وجب عليه من القطع سبيلا قال هذا اتباع ومواضع ضرورات. قلنا وجلد المضنوء بأثكال النخل اتباع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينبغي خلافه وموضع ضرورة. .
الشهادة في الزنا
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى في القذفة {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} (قال الشافعي): - رحمه الله - فلا يجوز في الزنا الشهود أقل من أربعة بحكم الله عز وجل ثم بحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا لم يكملوا أربعة فهم قذفة، وكذلك حكم عليهم عمر بن الخطاب فجلدهم جلد القذفة ولم أعلم بين أحد لقيته ببلدنا اختلافا فيما وصفت من أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة وأنهم إذا لم يكملوا أربعة حدوا حد القذف وليس هكذا شيء من الشهادات غير شهود الزنا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (قال الشافعي): - رحمه الله - ففي هذا ما يبين أن شهود الزنا أربعة وأن ليس لأحد دون الإمام أن يقتل ولا يعاقب بما رأى (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن رجلا بالشام وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فكتب معاوية إلى أبي موسى الأشعري بأن يسأل له عن ذلك عليا - رضي الله عنه - فسأله فقال علي " إن هذا لشيء ما هو بأرض العراق عزمت عليك لتخبرني " فأخبره فقال علي - رضي الله عنه - أنا أبو الحسن فإن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته " (قال الشافعي): - رحمه الله -: وبهذا كله نأخذ ولا أحفظ عن أحد قبلنا من أهل العلم فيه مخالفا
(قال الشافعي): فقال بعض الناس إن قتل رجل رجلا في داره فقام عليه أولياء القتيل فقال وجدته في داري يريد السرقة فقتلته نظرنا فإن كان المقتول يعرف بالسرقة درأنا عن القاتل القتل وضمناه الدية وإن كان غير معروف بالسرقة أقدنا ولي القتيل منه (قال الشافعي): فقلت له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن لسعد بن عبادة في رجل لو وجده مع امرأته حتى يأتي بأربعة شهداء وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول " إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته " فكيف خالفت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأثر عن علي - رضي الله عنه -؟ قال: روينا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أهدره فقلت له قد روى عمر أنه أهدره فقال هذا قتيل الله والله لا يودى أبدا وهذا عندنا من عمر أن البينة قامت عنده على المقتول أو على أن ولي المقتول أقر عنده بما وجب به أن يقتل المقتول قال هل رويتم هذا في الخبر؟ قلنا قال فالخبر على ظاهره قلنا فأنت تخالف ظاهره قال وأين؟ قلنا عمر لم يسأل أيعرف المقتول
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (259)
صــــــــــ 149 الى صـــــــــــ 154
بالزنا أم لا وأنت لا تجيز فيمن عرف بالزنا أن يعقل ويقتل به من قتله إلا أن تأتي عليه ببينة وعمر لم يجعل فيه دية وأنت تجعل فيه دية قال: فأنا إنما قسته على حكم لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قلت وما ذلك الحكم قال روى عمرو بن دينار أن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل نصرانيا من أهل الحيرة إن كان القاتل معروفا بالقتل فاقتلوه وإن كان غير معروف بالقتل فذروه ولا تقتلوه فقلت وهذا غير ثابت عن عمر - رضي الله عنه - وإن كان ثابتا عندك فتقول به؟
فقال: لا بل يقتل القاتل للنصراني كان معروفا بالقتل أو غير معروف به فقلت له أيجوز لأحد ينسب إلى شيء من العلم أن يزعم أن قصة رواها عن رجل ليست كما قضى به ويخالفها ثم يقيس عليها إذا تركها فيما قضى بها فيه لم يكن له أن يشبه عليه غيرها
(قال الشافعي): وقلت له أيضا تخطئ القياس الذي رويت عن عمر أنه أمر أن ينظر في حال القاتل أمعروف بالقتل فيقاد أو غير معروف به فيرفع عنه القود وأنت لم تنظر في السارق ولا إلى القاتل إنما نظرت إلى المقتول قال فما تقول؟ قلت أقول بالسنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخبر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والأمر الذي يعرفه أهل العلم قال وما يعرف أهل العلم؟ قلت أما يكون الرجل ببلد غريبا لا يعرف بالسرقة فيقتله رجل فيسأل عنه بذلك البلد فلا يعرف بالسرقة وهو معروف ببلد غيره بالسرقة؟ قال بلى قلت أما يعرف بالسرقة ثم يتوب؟ قال بلى قلت: أما يكون أن يدعوه رجل لضغن منه عليه فيقول اعمل لي عمل كذا ثم يقتله ويقول دخل علي؟ قال بلى قلت: وما يكون غير سارق فيبتدئ السرقة فيقتله رجل وأنت تبيح له قتله به؟ قال بلى قلت فإذا كانت هذه الحالات وأكثر منها في القاتل والمقتول ممكنة عندك فكيف جاز أن قلت ما قلت بلا كتاب ولا سنة ولا أثر ولا قياس على أثر؟، قال فتقول ماذا قلت أقول: إن جاء عليه بشهود يشهدون على ما يحل دمه أهدرته فلم أجعل فيه عقلا ولا قودا وإن لم يأت عليه بشهود أقصصت وليه منه ولم أقبل فيه قوله وتبعت فيه السنة ثم الأثر عن علي - رضي الله عنه - ولم أجعل للناس الذريعة إلى قتل من في أنفسهم عليه شيء ثم يرمونه بسرقة كاذبين. .
باب أن الحدود كفارات
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت قال «كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلس فقال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا وقرأ عليهم الآية فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه» (قال الشافعي): ولم أسمع في الحدود حديثا أبين من هذا وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وما يدريك؟ لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب» وهو يشبه هذا وهو أبين منه وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث معروف عندنا وهو غير متصل الإسناد فيما أعرف وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل» (قال): وروي أن أبا بكر أمر رجلا في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - أصاب حدا بالاستتار وأن عمر أمره به وهذا حديث صحيح عنهما (قال الشافعي): ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر وأن يتقي الله عز وجل ولا يعود لمعصية الله فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده.
باب حد الذميين إذا زنوا
قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكتاب {فإن جاءوك فاحكم بينهم} قرأ إلى {بينهم بالقسط} (قال الشافعي): - رحمه الله - ففي هذه الآية بيان - والله أعلم - أن الله تبارك وتعالى جعل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - الخيار في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم وجعل عليه إن حكم أن يحكم بينهم بالقسط، والقسط حكم الله تبارك وتعالى الذي أنزل على نبيه - عليه الصلاة والسلام - المحض الصادق أحدث الأخبار عهدا بالله تبارك وتعالى قال الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} (قال الشافعي): وفي هذه الآية ما في التي قبلها من أمر الله تبارك وتعالى له بالحكم بما أنزل الله إليه (قال): وسمعت من أرضى من أهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}: إن حكمت لا عزما أن تحكم
(قال الشافعي): وحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يهوديين زنيا رجمهما وهذا معنى قوله عز وجل {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} ومعنى قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} والدليل الواضح أن من حكم عليهم من أهل دين الله فإنما يحكم بينهم بحكم المسلمين فما حكمنا به على مسلم حكمنا به على من خالف الإسلام وحكم به عليهم ولهم
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا» قال عبد الله فرأيت الرجل يخبئ على المرأة يقيها الحجارة
(قال الشافعي): فأمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالحكم بينهم بما أنزل الله بالقسط ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم بالرجم وتلك سنة على الثيب المسلم إذا زنى ودلالة على أن ليس لمسلم حكم بينهم أبدا أن يحكم بينهم إلا بحكم الإسلام (قال الشافعي): قال لي قائل إن قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} ناسخ لقوله عز وجل {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فقلت له: الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن بعض أصحابه لا مخالف له أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء فهل معك من هذا واحد؟ قال: لا، فهل معك ما يبين أن الخيار غير منسوخ؟ قلت قد يحتمل قول الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} " إن حكمت وقد روى بعض أصحابك عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق أن محمد بن أبي بكر كتب إليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في مسلم زنى بذمية أن يحد المسلم وتدفع الذمية إلى أهل دينها.
(قال الشافعي): فإذا كان هذا ثابتا عندك فهو يدلك على أن الإمام مخير في أن يحكم بينهم أو يترك الحكم عليهم ولو كان الحكم لازما للإمام في حال لزمه أن يحكم بينه في حد واحد حد فيه المسلم ولم تحد الذمية قال وكيف لم تحد الذمية من قبل أنها لم ترض حكمه وأنه مخير في أن يحكم فيها أو يدع الحكم؟ قال فما الحال التي يلزمه فيها أن يحكم لهم وعليهم؟ قلت إذا كانت بينهم وبين مسلم أو مستأمن تباعة فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم ولا يجوز أن يكون عقد بالمستأمن أمانا على ماله ودمه حتى يرجع أن يحكم عليه إلا مسلم قال فهذا زنا واحد قد رد فيه علي - رضي الله عنه - الذمية على أهل دينها قلنا: إنه لم يكن لها بالزنا على المسلم شيء تأخذه منه ولا للمسلم عليها شيء فيحكم لها وعليها وإنما كان حد فأخذه إن كان حديثكم ثابتا عنه من المسلم ورد الذمية إلى أهل دينها لما وصفنا من أنها لم ترض حكمه وأنه مخير في الحكم لها وعليها
(قال الشافعي): فقال وقد روى بجالة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب " فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة " فكيف لم تأخذوا به؟ فقلت له بجالة رجل مجهول ليس بالمشهور ولا يعرف أن جزء معاوية كان لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عاملا ونحن نسألك فإن قلت ما قلنا فلم تحتج بأمر قد علمت أنه لا حجة فيه؟ وإن قلت بل نصير إلى حديث بجالة فحديث بجالة موافق لنا؛ لأن عمر إنما حملهم إن كان على ما كان حاملا عليه المسلمين؛ لأن المحارم لا يحللن للمسلمين ولا ينبغي للمسلم الزمزمة وهذا يدل إن كان ثابتا على أنهم يحملون على ما يحمل عليه المسلمون فحملتهم على ما يحمل عليه المسلمون وتبعتهم كما تتبع المسلمين قال: لا قلت: فقد خالفت ما رويت عن عمر قال فإن قلت أتبعهم فيما رأيت أنه تبعهم فيه عمر؟ قلت ولم تتبعهم أنت فيه إلا أنه يحرم عليهم؟ قال: نعم، قلت: فكذلك تتبعهم في كل ما علمت أنهم مقيمون عليه مما يحرم عليهم قال فإن قلت أتبعهم في هذا الذي رويت أن عمر تبعهم فيه خاصة قال قلت فيلزمك أن تتبعهم في غيره إذا علمتهم مقيمين عليه وأن تستدل بأن عمر إنما يتبعهم في شيء بلغه أنهم مقيمون عليه مما يحرم عليهم أن يتبعهم في مثله وأعظم منه مما يحرم عليهم فيلزمك أن تعلم أن عمر صيرهم أن حكم عليهم إلى ما يحكم به على المسلمين فتعلم أن الله تبارك وتعالى أمر بالحكم بينهم بالقسط ثم حكم بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجم وهي سنته التي سن بين المسلمين وقال - صلى الله عليه وسلم - فيها «لأقضين فيما بينكم بكتاب الله عز وجل» ثم زعمت عن عمر أنه حرم عليهم ما يحرم على المسلمين ثم زعمت عن علي - رضي الله عنه - أنه دفع نصرانية إلى أهل دينها فكل ما زعمنا وزعمت حجة لنا وكل ما زعمت تعرفه ولا نعرفه نحن حجة لنا، ولا يخالف قولنا وأنت تخالف ما تحتج به، قال منهم قائل: وكيف لا تحكم بينهم إذا جاءوك مجتمعين أو متفرقين؟ قلت أما متفرقين فإن الله عز وجل يقول {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فدل قول الله تبارك وتعالى {فإن جاءوك} على أنهم مجتمعون ليس إن جاءك بعضهم دون بعض ودل على أن له الخيار إذا جاءوه في الحكم أو الإعراض عنهم وعلى أنه إن حكم فإنما يحكم بينهم حكمه بين المسلمين
(قال الشافعي): ولم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يخالف في أن اليهوديين اللذين رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الزنا كانا موادعين لا ذميين
(قال الشافعي): وقال لي بعض من يقول القول الذي أحكي خلافه: إنه ليس للإمام أن يحكم على موادعين وإن رضيا حكمه وهذا خلاف السنة ونحن نقول: إذا رضيا حكم الإمام فاختار الإمام الحكم حكم عليهما
(قال الشافعي): وقد كان أهل الكتاب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناحية المدينة موادعين زمانا وكان أهل الصلح والذمة معه بخيبر وفدك ووادي القرى ومكة ونجران واليمن يجري عليهم حكمه - صلى الله عليه وسلم - ثم مع أبي بكر حياته ثم مع عمر صدرا من خلافته حتى أجلاهم عمر بما بلغه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم في ولايته وحيث تجري أحكامه بالشام والعراق ومصر واليمن ثم مع عثمان بن عفان ثم مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لم نعلم أحدا ممن سمينا حكم بينهم في شيء ولو حكموا بينهم لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله (قال الشافعي): وأهل الذمة بشر لا يشك بأنهم يتظالمون فيما بينهم ويختلفون ويتطالبون بالحقوق وأنهم يعقلون أو بعضهم ما لهم وما عليهم، وما نشك أن الطالب حريص على من يأخذ له حقه وأن المطلوب حريص على من يدفع عنه ما يطلب به وأن كلا قد يحب أن يحكم له من يأخذ له ويحكم عليه من يدفع عنه وأن قد يرجو كل في حكام المسلمين، والعلم يحكمهم أو الجهالة به ما لا يرجو في حاكمه وأن لو كان على حكام المسلمين الحكم بينهم إذا جاءهم بعض دون بعض وإذا جاءوهم مستجمعين لجاءوهم في بعض الحالات مستجمعين
(قال الشافعي): ولا نعلم أحدا من أهل العلم روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحكم بينهم إلا في الموادعين اللذين رجم ولا عن أحد من أصحابه بعده إلا ما روى بجالة مما يوافق حكم الإسلام وسماك بن حرب عن علي - رضي الله عنه - مما يوافق قولنا في أنه ليس على الإمام أن يحكم إلا أن يشاء (قال الشافعي): وهاتان الروايتان - وإن لم تخالفانا - غير معروفتين عندنا ونحن نرجو أن لا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لا يثبت خبره معرفته عنده (قال الشافعي): فقال لي بعض الناس: فإنك إذا أبيت الحكم بينهم رجعوا إلى حكامهم فحكموا بينهم بغير الحق عندك
(قال الشافعي): فقلت له: وأنا إذا أبيت الحكم فحكم حاكمهم بينهم بغير الحق ولم أكن أنا حاكما فما أنا من حكم حكامهم أترى تركي أن أحكم بينهم في درهم لو تظالموا فيه وقد أعلمتك ما جعل الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من الخيار في الحكم بينهم أو الترك لهم وما أوجدتك من الدلائل على أن الخيار ثابت بأن لم يحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من جاء بعده من أئمة الهدى أو ترى تركي الحكم بينهم أعظم أم تركهم على الشرك بالله تبارك وتعالى؟ فإن قلت فقد أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم وقد علم أنهم مقيمون على الشرك به معونة لأهل دينه فإقرارهم على ما هو أقل من الشرك أحرى أن لا يعرض في نفسك منه شيء إذا أقررناهم على أعظم الأمور فأصغرها أقل من أعظمها
(قال الشافعي): فقال لي قائل فإن امتنعوا أن يأتوا حكامهم قلت أخيرهم بين أن يرجعوا إليهم أو يفسخوا الذمة، قال فإذا خيرتهم فرجعوا وأنت تعلم أنهم يحكمون بينهم بالباطل عندك فأراك قد شركتهم في حكمهم
(قال الشافعي): فقلت له لست شريكهم في حكمهم وإنما وفيت لهم بذمتهم، وذمتهم أن يأمنوا في بلاد المسلمين لا يجبرون على غير دينهم ولم يزالوا يتحاكمون إلى حكامهم برضاهم فإذا امتنعوا من حكامهم قلت لهم لم تعطوا الأمان على الامتناع والظلم فاختاروا أن تفسخوا الذمة أو ترجعوا إلى من لم يزل يعلم أنه كان يحكم بينكم منذ كنتم فإن اختاروا فسخ الذمة فسخناها وإن لم يفعلوا ورجعوا إلى حكامهم فكذلك لم يزالوا لا يمنعهم منه إمام قبلنا ورجوعهم إليهم شيء رضوا به لم نشركهم نحن فيه
(قال الشافعي): ولو رددناهم إلى حكامهم لم يكن ردنا لهم مما يشركهم ولكنه منع لهم من الامتناع (قال): وقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت لو أغار عليهم العدو فسبوهم فمنعوهم من الشرك وشرب الخمر وأكل الخنزير أكان علي أن أستنقذهم إن قويت لذمتهم؟ قال: نعم قلت: فإن قال قائل إذا استنقذتهم ورجعوا آمنين أشركوا وشربوا الخمر وأكلوا الخنزير فلا تستنقذهم فتشركهم في ذلك ما الحجة؟ قال الحجة أن نقول أستنقذهم لذمتهم قلت: فإن قال في أي ذمتهم وجدت أن تستنقذهم؟ هل تجد بذلك خبرا؟ قال لا ولكن معقول إذا تركتهم آمنين في بلاد المسلمين أن عليك الدفع عمن في بلاد المسلمين قلت فإن قلت أدفع عما في بلاد المسلمين للمسلمين فأما لغيرهم فلا قال إذا جعلت لغيرهم الأمان فيها كان عليك الدفع عنهم قلت وحالهم حال المسلمين؟ قال لا، قلت فكيف جعلت على الدفع عنهم وحالهم مخالفة حال المسلمين، هم وإن استووا في أن لهم المقام بدار المسلمين مختلفون فيما يلزم لهم المسلمين؟
(قال الشافعي): وإن جاز لنا القتال عنهم ونحن نعلم ما هم عليه من الشرك واستنقاذهم لو أسروا فردهم إلى حكامهم وإن حكموا بما لا نرى أخف وأولى أن يكون لنا - والله أعلم -
(قال الشافعي): فقال لي بعض الناس: أرأيت إن أجزت الحكم بينهم كيف تحكم؟ قلت: إذا اجتمعوا على الرضا بي فأحب إلي أن لا أحكم لما وصفت لك ولأن ذلك لو كان
فضلا حكم به من كان قبلي فإن رضيت بأنه مباح لي لم أحكم حتى أعلمهم أني إنما أجيز بينهم ما يجوز بين المسلمين وأرد بينهم ما يرد بين المسلمين وأعلمهم أني لا أجيز بينهم إلا شهادة الأحرار المسلمين العدول فإن رضوا بهذا فرأيت أن أحكم بينهم حكمت وإن لم يرضوا معا لم أحكم وإن حكمت فبهذا أحكم قال: وما حجتك في أن لا تجيز شهادتهم بينهم؟ قلت قول الله تبارك وتعالى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} إلى قوله {ممن ترضون من الشهداء} وقول الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ففي هاتين الآيتين - والله أعلم - دلالة على أن الله عز وجل إنما عنى المسلمين دون غيرهم ولم أر المسلمين اختلفوا في أنها على الأحرار العدول من المسلمين خاصة دون المماليك العدول، والأحرار غير العدول وإذا زعم المسلمون أنها على الأحرار المسلمين العدول دون المماليك، فالمماليك العدول والمسلمون الأحرار وإن لم يكونوا عدولا فهم خير من المشركين كيفما كان المشركون في ديانتهم فكيف أجيز شهادة الذي هو شر وأرد شهادة الذي هو خير بلا كتاب ولا سنة ولا أثر ولا أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء؟
(قال الشافعي): ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعدلهم عنده أعظمهم بالله شركا أسجدهم للصليب وألزمهم للكنيسة فقال قائل: فإن الله عز وجل يقول حين الوصية {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم}
(قال الشافعي): - والله أعلم - بمعنى ما أراد من هذا وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا مخالف له أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء فقد سمعت من يتأول هذه الآية على من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج فيها بقول الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم} إلى {الآثمين} فيقول الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة لله فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين ولا عليهم
(قال الشافعي): وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} - والله أعلم - ورأيت مفتي أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول
(قال الشافعي): وذلك قولي (قال الشافعي): وقلت لمن يخالفنا في هذا فيجيز شهادة أهل الذمة ما حجتك في إجازتها؟ فاحتج بقول الله عز وجل {أو آخران من غيركم} قلت له إنما ذكر الله جل ثناؤه هذه الآية في وصية مسلم في السفر أفتجيزها في وصية مسلم بالسفر قال: لا قلت: أو تحلفهم إذا شهدوا؟ قال: لا قلت: ولم وقد تأولت أنها في وصية مسلم؟ قال: لأنها منسوخة قلت فإن نسخت فيما أنزلت فيه فلم تثبتها فيما لم تنزل فيه؟ فقال لي بعض الناس: فإنما أجزنا شهادتهم للرفق بهم ولئلا تبطل حقوقهم
(قال الشافعي): وقلت له: كيف يجوز أن تطلب الرفق بهم فتخالف حكم الله عز وجل في أن الشهود الذين أمروا أن يقبلوا هم المسلمون؟
(قال الشافعي): وقلت له: المذهب الذي ذهبت إليه خطأ من وجوه: منها أنه خلاف ما زعمت أنه حكم الله عز وجل من أن الشهادة التي يحكم بها شهادة الأحرار المسلمين وأنا لم نجد أحدا من أئمة المسلمين يلزم قوله أجاز شهادتهم ثم خطأ في قولك طلب الرفق بهم.
(قال): وكيف قلت؟ أرأيت عبيدا عدولا مجتمعين في موضع صناعة أو تجارة شهد بعضهم لبعض بشيء؟ قال: لا تجوز شهادتهم، قلت: إنهم في موضع لا يخلطهم فيه غيرهم قال وإن قلت فإن كانوا في سجن قال وإن قلت فأهل السجن والبدو الصيادون إن كانوا أحرارا غير معدلين ولا يخلطهم غيرهم شهد بعضهم لبعض؟ قال: لا تجوز شهادتهم. قلت فإن قالوا لك: لا يخلطنا غيرنا وإن أبطلت شهادتنا ذهبت دماؤنا وأموالنا قال وإن ذهبت فأنا لم أذهبها قلت فإن قالوا فاطلب الرفق بنا بإجازة شهادة بعضنا لبعض؟ قال لا أطلب الرفق لكم بخلاف حكم الله عز وجل فإن قالوا لك وما حكم الله؟ تعالى قال الأحرار العدول
المسلمون قلت فالعبيد العدول الذين يعتق أحدهم الساعة فتجيز شهادته أقرب من العدول في كتاب الله أم الذمي الذي يسلم فتجيز إسلامه قبل إجازة شهادته؟ قال بل العبد العدل قلت فلم رددت الأقرب من شرط الله جل ذكره وأجزت الأبعد منه لو كان أحدهما جائزا جاز العبد ولم يجز الذمي أو الحر غير العدل ولم يجز الذمي وما من المسلمين أحد إلا خير من أهل الذمة وكيف يجوز أن ترد شهادة مسلم بأن تعرفه يكذب على بعض الآدميين وتجيز شهادة ذمي وهو يكذب على الله تبارك وتعالى؟
(قال الشافعي): فقال قائل فإن شريحا أجاز شهادتهم فيما بينهم فقلت له أرأيت شريحا لو قال قولا لا مخالف له فيه مثله ولا كتاب فيه أيكون قوله حجة؟ قال لا: قلت: فكيف تحتج به على الكتاب وعلى المخالفين له من أهل دار الهجرة والسنة؟
(قال الشافعي): فإن احتج من يجيز شهادتهم بقول الله عز وجل {أو آخران من غيركم} فقال من غير أهل دينكم فكيف لم تجزها فيما ذكرت فيه من الوصية على المسلمين في السفر كيف لم تجزها من جميع المشركين وهم غير أهل إسلام؟ أرأيت لو قال قائل إذا كان غير أهل الإسلام هم المشركون فجاز لك أن تجيز شهادة بعضهم دون بعض بلا خبر يلزم فأنا أجيز شهادة أهل الأوثان.
؛ لأنهم ليسوا بأهل كتاب نبذوه وبدلوه إنما ضلوا بأنهم وجدوا آباءهم على شيء فلزموه وأرد شهادة أهل الكتاب الذين أخبرنا الله عز وجل أنهم قد بدلوا ما الحجة عليهم؟ فإن قال في أهل الكتاب من يصدق ويؤدي الأمانة ففي أهل الأوثان من يصدق ويؤدي الأمانة ويعف
(قال الشافعي): ما علمت من خالفنا في الحكم بين أهل الكتاب إلا ترك فيه التنزيل والسنة لما روى فيه من الأثر والقياس عليه وما يعرفه أهل العلم ثم لم يمتنع أن جهل وخطأ من علم.
(قال الشافعي): وقال لي منهم قائل فإذا حكمت بينهم أبطلت النكاح بلا ولي ولا شهود وهو جائز بينهم؟ قلت: نعم قال: وتبطل بينهم ثمن الخمر والخنزير؟ قلت: نعم قال: وإن قتله بعضهم لبعض أو غيرهم لهم لم تقض عليه بثمنه؟ قلت: نعم قال فهي أموالهم أنت تقرهم يتمولونها. قال فقلت له إن إقرارهم يتمولونها لا يوجب علي أن أحكم لهم بها. قال: وكيف لا يجب عليك أن تحكم لهم بما تقرهم عليه قلت له: أما أقرهم على الشرك وأقر عليه أبناءهم ورقيقهم؟ قال: بلى، قلت: فلو أسلم بعض رقيقهم وحكمت عليه بالخروج من ملكه ألست أحمده على الإسلام وأجبر السيد على بيعه ولا أدعه يسترقه ولا أعيده إلى الشرك؟ قال بلى قلت: أفلست أقررته على شيء ثم لم أحكم له بما أقررته عليه وقد كان في حال مقرا عليه؟ قال: بلى قلت: أو ما أقره على حكم حكامه وأنا أعلم أنهم يحكمون بغير الحق؟ قال بلى قلت ومن حكم بعضهم أن من سرق شيئا لرجل كان السارق عبدا للمسروق فأقرهم على ذلك إذا رضوه أفرأيت لو ترافعوا إلي الحكم بأن السارق عبد للمسروق قال: لا قلت: ومن حكم بعضهم أن ليس لرجل أن ينكح إلا امرأة واحدة لا يطلقها.
ومن حكم بعضهم أن ليس للمرأة أن تنكح إلا رجلا واحدا أفرأيت لو ترافعوا إلي ألزمتهم ذلك؟ قال: لا قلت فأراك تقرهم على أشياء من أحكامهم إذا صاروا إليك لم تحكم لهم بها وحكمت عليهم حكم الإسلام.
(قال الشافعي): وقلت لبعضهم: أرأيت إذا تحاكموا إليك وقد أربى بعضهم على بعض وذلك جائز عندهم؟ قال أرد الربا قلت فإن تحاكموا إليك وقد نكح الرجل محرمه في كتاب الله قال أرد النكاح قلت: فإن تحاكم إليك مجوسيان وقد أحرق أحدهما لصاحبه غنما قد اشتراها بين يديك بمائة ألف
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (260)
صــــــــــ 155 الى صـــــــــــ 160
وأربح فيها مائة ألف على أن يقذها لهم فوقذها كلها وتلك عنده ذكاتها فأحرقها أحدهم أو مسلم فقال قد أحرق هذا مالي الذي ابتعته بين يديك وأربحت فيه بمحضرك بمثل ما ابتعته به وهو مائة ألف؟ قال لا يغرم شيئا قال ولم؟ هذا مالي تقرني عليه مذ كنت وتجارتي أحرقها؟ قال هذا حرام. قلت: فإن قال لك أرأيت الخمر والخنزير أحلال هما؟ قال: لا قلت فإن قال فلم أجزت بيعهما عندك وحكمت على من استهلكهما بثمنهما إن كانا يتمولان وتقرهم على تمولهما وهما حرام ولم تحكم لي بثمن الميتة وهي تمول وقد كانت حلالا قبل قتلها عندك وجلدها حلال إذا دبغته؟ وإن كانت الميتة والخنزير لم تكن حلالا قط عندك ولا يكون الخنزير حلالا بحال أبدا.
(قال الشافعي): فقال لي بعضهم قولنا هذا مدخول غير مستقيم فما حجتك في قولك؟ فوصفت له كتاب الله تبارك وتعالى أن نحكم بينهم بحكمه الذي أنزل على نبيه - عليه الصلاة والسلام - ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حكم به بين المسلمين في الرجم.
(قال الشافعي): وقلت له: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحدث الأخبار تقرءونه محضا لم يشب ألم يخبركم الله عز وجل في كتابه أنهم حرفوا كتاب الله تبارك اسمه وبدلوا وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا {هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم؟ والله ما رأينا أحدا منهم يسألكم عما أنزل الله إليكم وقلت له: أمرنا الله عز وجل بالحكم بينهم بكتاب الله المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأخبر أنهم قد بدلوا كتابه الذي أنزل وكتبوا الكتاب بأيديهم فقالوا {هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}.
(قال الشافعي): وقلت له ترك أصحابك ما وصفنا من حكم الله عز وجل ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قيل لهم لم أقمتم الحدود على المعاهدين وإن لم يكونوا يرونها في دينهم وأبطلتم الحدود في قذف بعضهم بعضا وإن كانوا يرونها بينهم؟ قالوا بأن حكم الله تبارك وتعالى على خلقه واحد وبذلك أبطلنا الزنا بينهم ونكاح الرجل حريمه في كتاب الله عز وجل وإن كان ذلك جائزا بينهم. فإذا قيل لهم فحكم الله عز وجل يدل على أن تحكم بينهم حكمنا في الإسلام قالوا: نعم فإذا قيل فلم أجزتم بينهم ثمن الخنزير وغرمتم ثمنه وليس من حكم الإسلام أن يجوز ثمن الحرام؟ قالوا هي أموالهم وقد أبطلوا أموالهم بينهم.
(قال الشافعي): فرجع بعضهم إلى قولنا وقال هذا قول مستقيم على كتاب الله عز وجل ثم سنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لا يختلف وأقام بعضهم على قولهم مع ما وصفت لك من تناقضه وسكت عن بعض للاكتفاء بما وصفت لك مما لم أصف. .
حد الخمر
(قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به الثانية فجلده ثم أتي به الثالثة فجلده ثم أتي به الرابعة فجلده ووضع القتل» فكانت رخصة (قال): سفيان ثم قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث.
(قال الشافعي): والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام»
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما.
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال: لا أوتى بأحد شرب خمرا نبيذا أو مسكرا إلا حددته.
(قال الشافعي): قال بعض الناس الخمر حرام والسكر من كل الشراب ولا يحرم المسكر حتى يسكر منه ولا يحد من شرب نبيذا مسكرا حتى يسكره. فقيل لبعض من قال هذا القول: كيف خالفت ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبت عن عمر وروي عن علي ولم يقل أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافه؟ قال روينا فيه عن عمر أنه شرب فضل شراب رجل حده. قلنا رويتموه عن رجل مجهول عندكم لا تكون روايته حجة قال: وكيف يعرف المسكر؟ قلنا لا نحد أحدا أبدا لم يسكر حتى يقول شربت الخمر أو يشهد به عليه أو يقول شربت ما يسكر أو يشرب من إناء هو ونفر فيسكر بعضهم فيدل ذلك على أن الشراب مسكر فأما إذا غاب معناه فلا يضرب فيه حدا ولا تعزيرا؛ لأنه إما الحد وإما أن يكون مباحا وإما أن يكون مغيب المعنى ومغيب المعنى لا يحد فيه أحد ولا يعاقب إنما يعاقب الناس على اليقين وفيه كتاب كبير وسمعت الشافعي يقول ما أسكر كثيره فقليله حرام.
(قال الشافعي): يقال لم قال إذا شرب تسعة فلم يسكر ثم شرب العاشر فسكر فالعاشر هو حرام فقيل له: أرأيت لو شرب عشرة فلم يسكر؟ فإن قال حلال قيل له فإن خرج فأصابته الريح فسكر فإن قال: حرام قيل أفرأيت شيئا يشربه رجل حلالا ثم صار في بطنه حلالا فلما أصابته الريح قلبته فصيرته حراما. .
باب ضرب النساء
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا تضربوا إماء الله قال فأتاه عمر فقال يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير كلهن يشكون أزواجهن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة يشكون أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم»
(قال الشافعي): وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب النساء إذا ذئرن على أزواجهن وبلغنا «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن بضربهن ضربا غير مبرح وقال اتقوا الوجه»
(قال الشافعي): وقد أذن الله عز وجل بضربهن إذا خيف نشوزهن فقال {واللاتي تخافون نشوزهن} إلى {سبيلا} (قال): ولو ترك الضرب كان أحب إلي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لن يضرب خياركم» وإذا أذن الله عز وجل ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضرب الحرائر فكيف عاب رجل أن يقيم سيد الأمة على أمته حد الزنا وقد جاءت به السنة وفعله أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعده. .
السوط الذي يضرب به
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم «أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوط فأتي بسوط مكسور قال فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال بين هذين فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلد ثم قال أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله»
(قال الشافعي) هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه حجة وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به (قال الشافعي): ولم يبلغ في جلد الحد أن ينهر الدم في شيء من الحدود ولا العقوبات وذلك أن إنهار الدم في الضرب من أسباب التلف وليس يراد بالحد التلف إنما يراد به النكال أو الكفارة. .
باب الوقت في العقوبة والعفو عنها
(قال الشافعي): - رحمه الله -: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «تجافوا لذوي الهيئات عن عثراتهم»
(قال الشافعي): سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول «يجافى الرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدا» (قال): وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الله المختفي والمختفية» (قال الربيع) يعني النباش والنباشة
(قال الشافعي) وقد رويت أحاديث مرسلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقوبات وتوقيتها تركناها لانقطاعها. .
صفة النفي
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي): النفي ثلاثة وجوه: منها نفي نصا بكتاب الله عز وجل وهو قول الله عز وجل في المحاربين {أو ينفوا من الأرض} وذلك النفي أن يطلبوا فيمتنعوا فمتى قدر عليهم أقيم عليهم حد الله تبارك وتعالى إلا أن يتوبوا قبل أن يقدر عليهم فيسقط عنهم حق الله وتثبت عليهم حقوق الآدميين والنفي في السنة وجهان: أحدهما ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو نفي البكر الزاني يجلد مائة وينفى سنة وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل» ثم قضى بالنفي والجلد على البكر والنفي الثاني أنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا أنه نفى مخنثين كانا بالمدينة يقال لأحدهما هيت وللآخر ماتع ويحفظ في أحدهما أنه نفاه إلى
الحمى وأنه كان في ذلك المنزل حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحياة أبي بكر وحياة عمر وأنه شكا الضيق فأذن له بعض الأئمة أن يدخل المدينة في الجمعة يوما يتسوق ثم ينصرف وقد رأيت أصحابنا يعرفون هذا ويقولون به حتى لا أحفظ عن أحد منهم أنه خالف فيه وإن كان لا يثبت كثبوت نفي الزنا.
(قال الشافعي): في الرجل إذا طلق امرأته وله منها ولد فالمرأة أحق بالولد حتى يبلغ سبع سنين أو ثمان سنين فإذا بلغ خير أيهما شاء وعلى الأب نفقته ما أقام عند أمه فإن نكحت المرأة فالجدة مكان الأم وإن كان للجدة زوج فهي بمنزلة الأم إذا تزوجت لا يقضى لها بالولد قال الربيع إن كان زوج الجدة جد الغلام كان أحق بالغلام وإن كان غير جده لم يكن أحق به.
(قال): وحديث مالك أن عمر أو عثمان قضى أحدهما في أمة غرت من نفسها
(قال الشافعي): وإذا غرت المرأة رجلا بنفسها ثم استحقت كانت لمالكها وكان على الزوج المهر بالإصابة ملكا للمالك وكان أولاده أحرارا وعليه قيمتهم يوم ولدوا لا يوم يؤخذون؛ لأنهم لم يقع عليهم الرق.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت رجلا مع امرأتي أمهله حتى آتي عليه بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (قال الشافعي): فمن قتل ممن لم تقم بينة بما يوجب قتله فعليه القود ولو صدق الناس بهذا أدخل الرجل الرجل منزله فقتله ثم قال وجدته يزني بامرأتي (قال): وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا يحل دم مسلم إلا من إحدى ثلاث كفر بعد إيمان» وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من بدل دينه فاقتلوه» ولا يعدو الكافر بعد إيمان المبدل دينه بالكفر أن تكون كلمة الكفر والتبديل توجب عليه القتل وإن تاب كما يوجب عليه القتل من الزنا وإن تاب أو يكون معناهما من بدل دينه أو كفر بعد إيمان فأقام على الكفر والتبديل ولا فرق بين من بدل دينه فأظهر دينا معروفا أو دينا غير معروف فإن قال قائل: هو إذا رجع عن النصرانية فإن تاب قبلت توبته ترك الصليب والكنيسة فقد يقدر على المقام على النصرانية مستخفيا ولا يعلم صحة رجوعه إلى الله عز وجل فسواء رجع إلى دين يظهره أو دين لا يظهره وقد كان المنافقون مقيمين على إظهار الإيمان والاستسرار بالكفر فأخبر الله عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك عنهم فتولى حسابهم على سرائرهم ولم يجعل الله عز وجل إلى العباد أن يحكموا إلا على الظاهر وأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على المناكحة والموارثة وأسهم لهم سهمان المسلمين إذا حضروا الحرب. .
حد السرقة والقاطع فيها وحد قاطع الطريق وحد الزاني
حد السرقة أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة والعمري عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «القطع في ربع دينار فصاعدا» (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم»
(قال الشافعي): فدلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على من أراد الله قطعه من السراق البالغين غير المغلوبين وهذا مكتوب في باب غير هذا ودلت على من أراد قطعه فكان من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا وحديث ابن عمر موافق لحديث عائشة؛ لأن ثلاثة دراهم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده ربع دينار (قال الشافعي): أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأمر بها عثمان فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع يده قال مالك هي الأترجة التي يأكلها الناس (قال الشافعي): فحديث عثمان يدل على ما وصفت من أن الدراهم كانت اثنا عشر بدينار، وكذلك أقام عمر الدية اثني عشر ألف درهم ويدل حديث عثمان على أن القطع في الثمر الرطب صلح بيبس أو لم يصلح؛ لأن الأترج لا ييبس فكل ما له ثمن هكذا يقطع فيه إذا بلغ قيمته ربع دينار مصحفا كان أو سيفا أو غيره مما يحل ثمنه فإن سرق خمرا أو خنزيرا لم يقطع؛ لأن هذا حرام الثمن ولا يقطع في ثمن الطنبور ولا المزمار (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس حضرت أبا بكر الصديق قطع سارقا في شيء ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم.
(قال الشافعي) أخبرنا غير واحد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال القطع في ربع دينار فصاعدا.
(قال الشافعي): فبهذا كله نأخذ فإذا أخذ سارق قومت سرقته في اليوم الذي سرقها فيه فإن بلغت قيمتها ربع دينار قطع وإن نقصت عن ربع دينار لم يقطع ولو حبس لتثبت البينة عليه وكانت يوم سرقها لا تسوى ربع دينار فلم تصح البينة حتى صارت تسوى ربعا لم يقطع ولو قومت يوم سرقها بربع دينار فحبس لتصح عليه البينة فرخصت حتى صارت لا تسوى ربع دينار قطع؛ لأن القيمة يوم سرق ولا يلتفت إلى ما بعد سرقته من غلاء السلعة ورخصها وما سرق من طعام رطب أو يابس أو خشب أو غيره مما يحوزه الناس في ملكهم يسوى ربع دينار قطع والأصل ربع دينار فلو غلت الدراهم حتى يكون درهمان بدينار قطع في ربع دينار وإن كان ذلك نصف درهم ولو رخصت حتى يصير الدينار بمائة درهم قطع في ربع دينار وذلك خمسة وعشرون درهما وإنما الدراهم سلعة كالثياب والنعم وغيرها فلو سرق ربع دينار أو ما يسوى ربع دينار أو ما يسوى عشر شياه كان يقطع في الربع وقيمته عشر شياه وكذلك لو سرق ما يسوى ربع دينار وذلك ربع شاة كان إنما يقطع في ربع الدينار وإذا كان الأصل الدينار فالدراهم عرض من العروض لا ينظر إلى رخصها ولا إلى غلائها والدينار الذي يقطع في ربعه المثقال فلو كان يجوز ببلد أنقص منه لم يقطع حتى يكون سرق ما يسوى ربع دينار مثقالا؛ لأنه الوزن الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يقطع حتى يكون سرق من حرز ويكون بالغا يعقل. .
باب السن التي إذا بلغها الرجل والمرأة أقيمت عليهما الحدود
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن «ابن عمر قال عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - عام أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني» قال نافع فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر هذا فرق بين الذرية والمقاتلة ثم كتب إلى عماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة
ولابن أربع عشرة في الذرية (قال الشافعي): فبكتاب الله عز وجل ثم بهذا القول نأخذ قال الله عز وجل {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا} الآية فمن بلغ النكاح من الرجال وذلك الاحتلام والحيض من النساء خرج من الذرية وأقيم عليه الحدود كلها، ومن أبطأ ذلك عنه واستكمل خمس عشرة سنة أقيمت عليه الحدود كلها، السرقة وغيرها. .
باب ما يكون حرزا ولا يكون والرجل توهب له السرقة بعدما يسرقها أو يملكها بوجه من الوجوه
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله «أن صفوان بن أمية قيل له من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق وأخذ رداءه من تحت رأسه فأخذ صفوان السارق فجاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع يده فقال صفوان إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلا قبل أن تأتيني به؟» وأخبرنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان أن رافع بن خديج أخبره أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تقطع اليد في ثمر ولا كثر» أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن أبي حسين عن عمرو بن شعيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع» (قال الشافعي): فانظر أبدا إلى الحال التي يسرق فيها السارق فإذا سرق السرقة ففرق بينها وبين حرزها فقد وجب الحد عليه حينئذ فإن وهبت السرقة للسارق قبل القطع أو ملكها بوجه من وجوه الملك قطع؛ لأني إنما أنظر إلى الحال التي سرق فيها، والحال التي سرق فيها هو غير مالك للسلعة وأنظر إلى المسروق فإن كان في الموضع الذي سرق فيه تنسبه العامة إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فأقطع فيه وإن كانت العامة لا تنسبه إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فلا يقطع فيه
(قال الشافعي): فرداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه فمثله كل من كان في موضع مباح فاضطجع على ثوبه فاضطجاعه حرز له كان في صحراء أو حمام أو غيره؛ لأنه هكذا يحرز في ذلك الموضع وانظر إلى متاع السوق فإذا ضم بعضه إلى بعض في موضع بياعاته وربط بحبل أو جعل الطعام في خيش وخيط عليه فسرق أي هذا أحرز به فأقطع فيه؛ لأن الناس مع شحهم على أموالهم هكذا يحرزونه وأي إبل الرجل كانت تسير وهو يقودها فقطر بعضها إلى بعض فسرق منها أو مما عليها شيئا قطع فيه، وكذلك إن جمعها في صحراء أو أناخها وكانت بحيث ينظر إليها قطع فيها، وكذلك الغنم إذا آواها إلى المراح فضم بعضها إلى بعض واضطجع حيث ينظر إليها فسرق منها شيء قطع فيه؛ لأنه هكذا إحرازها، وكذلك لو نزل في صحراء فضرب فسطاطا وآوى فيه متاعه واضطجع فيه فإن سرق الفسطاط والمتاع من جوف الفسطاط فأقطع فيه؛ لأن اضطجاعه فيه حرز للمتاع والفسطاط إلا أن الأحراز تختلف فيحرز بكل ما يكون العامة تحرز بمثله والحوائط ليست بحرز للنخل ولا للثمرة؛ لأن أكثرها مباح يدخل من جوانبه فمن سرق من حائط شيئا من ثمر معلق لم يقطع فإذا آواه الجرين قطع فيه وذلك أن الذي تعرفه العامة عندنا أن الجرين حرز وأن الحائط غير حرز فلو اضطجع مضطجع في صحراء وضع ثوبه بين يديه أو ترك أهل الأسواق متاعهم في مقاعد ليس عليها حرز ولم يضم بعضها إلى بعض ولم تربط أو ألقى أهل الأسواق ما يجعل مثلها في السوق بسبب كالحباس الكبار ولم يضموها ولم يحزموها أو أرسل رجل إبله ترعى أو تمضي على الطريق ليست مقطورة أو أناخها بصحراء ولم يضطجع عندها أو ضرب فسطاطا لم يضطجع فيه فسرق من هذا شيء لم يقطع؛ لأن العامة لا ترى هذا حرزا
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (261)
صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ 166
والبيوت المغلقة حرز لما فيها فإن سرق سارق من بيت مغلق فتح الغلق أو نقب البيت أو قلع الباب فأخرج المتاع من حرزه قطع وإن كان البيت مفتوحا فدخل فسرق منه لم يقع فإن كان على الباب المفتوح حجرة مغلقة أو دار مغلقة فسرق منها قطع وقد قيل إن كانت دونه حجرة أو دار فهذا حرز وإن لم يكن مغلقا، وكذلك بيوت السوق ما كانت مفتوحة فدخلها داخل فسرق منها لم يقطع وإن كان فيها صاحبها وهذه خيانة؛ لأن ما في البيوت لا يحرزها قعود عنها (قال الربيع) إلا أن يكون بصره يحيط بها كلها أو يكون يحرسها فأغفله فأخذ منها ما يسوى ربع دينار قطع (قال الشافعي): ولو كان بيت عليه حجرة ثم دار فأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار والدار للمسروق وحده لم يقطع حتى يخرجه من جميع الدار وذلك أن الدار حرز لما فيها فلا يقطع حتى يخرج السرقة من جميع الحرز ولكن لو كانت الدار مشتركة وأخرج السرقة من البيت والحجرة إلى الدار قطع؛ لأن المشتركة ليست بحرز لواحد من السكان دون الآخر ولو نقب رجل البيت فأخرج المتاع من النقب كله قطع ولو وضعه في بعض النقب ثم أخذه رجل من خارج لم يقطع؛ لأن الداخل لم يخرجه من جميع حرزه ولا الخارج (قال): وإخراج الداخل إياه من النقب وغيره إذا صيره في غير حرز مثله ورميه به إلى الفج يوجب عليه القطع.
(قال الشافعي): ولو أن نفرا حملوا متاعا من بيت والمتاع الذي حملوه معا فإن كانوا ثلاثة فبلغ ثلاثة أرباع دينار قطعوا وإن لم يبلغ ذلك لم يقطعوا ولو حملوه متفرقا فمن أخرج منه شيئا يسوى ربع دينار قطع، ومن أخرج ما لا يسوى ربع دينار لم يقطع، وكذلك لو سرق سارق ثوبا فشقه أو حليا فكسره أو شاة فذبحها في حرزها، ثم أخرج ما سرق من ذلك قوم ما أخرج ما أخرجه الثوب مشقوق والحلي مكسور والشاة مذبوحة فإذا بلغ ذلك ربع دينار قطع ولا ينظر إلى قيمته في البيت إنما ينظر إلى قيمته في الحال التي أخرجه به فيها من الحرز فإن كان يسوى ربع دينار قطع وإن لم يسو ربع دينار في الحال التي أخرجه بها لم يقطع وعليه قيمته صحيحا قبل أن يشقه إن كان أتلفه وإلا فعليه رده ورد ما نقصه الخرق ولو دخل جماعة البيت ونقبوه معا ثم أخرج بعضهم السرقة ولم يخرجها دون الذي لم يخرجها، وكذلك لو كانوا جماعة فوقف بعضهم على الباب أو في موضع يحميهم فمن أخذ المتاع منهم قطع الذي أخرج المتاع من جوف البيت ولم يقطع من لم يخرجه من جوف البيت فعلى هذا الباب كله.
ومن سرق عبدا صغيرا أو أعجميا من حرز قطع، ومن سرق من يعقل أو يمتنع لم يقطع وهذه خديعة وإن سرق الصغير من غير حرز لم يقطع ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر؛ لأن هذا حرز مثله. وإن أخذ قبل أن يخرجه من جميع القبر لم يقطع ما دام لم يفارق جميع حرزه. .
قطع المملوك بإقراره وقطعه وهو آبق
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان لها وغلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعثت مع المولاتين ببرد مراجل قد خيط عليه خرقة خضراء قالت فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لبدا أو فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا فيه البرد فكلموا المولاتين فكلمتا عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كتبتا إليها واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فأمرت به عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقطعت يده وقالت عائشة - رضي الله عنها - القطع في ربع دينار فصاعدا (قال الشافعي): وهذا عندنا كان محرزا مع المولاتين فسرق من حرزه وبهذا فأخذ بإقرار العبد على نفسه فيما يضره في بدنه وإن نقص بذلك ثمنه ونقطع العبد؛ لأنه سرق وقد أمر الله عز وجل بقطع السارق ونقطعه وإن كان آبقا ولا تزيده معصية الله بالإباق خيرا (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا سرق لابن عمر وهو آبق، فأرسل به عبد الله إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده فأبى سعيد أن يقطع يده وقال لا تقطع يد الآبق إذا سرق فقال له ابن عمر في أي كتاب الله وجدت هذا؟ فأمر به ابن عمر فقطعت يده.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن رزيق بن حكيم أنه أخذ عبدا آبقا قد سرق فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز إني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع فكتب عمر إن الله عز وجل يقول {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} فإن بلغت سرقته ربع دينار أو أكثر فاقطعه.
قطع الأطراف كلها
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به فاعترف به الأقطع أو شهد عليه فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى وقال أبو بكر والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: فبهذا نأخذ فإذا سرق السارق أولا قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى من المفصل ثم حسمت بالنار ثم إذا سرق الثالثة قطعت يده اليسرى من مفصل الكف ثم حسمت بالنار فإذا سرق الرابعة قطعت رجله اليمنى من المفصل ثم حسمت بالنار فإذا سرق الخامسة حبس وعزر ويعزر كل من سرق إذا كان سارقا، من جنى يدرأ فيه القطع فإذا درئ
عنه القطع عزر (قال الشافعي): ويقطع ما يقطع به من خفة المؤنة عليه وأقر به من السلامة وكان الذي أعرف من ذلك أن يجلس ويضبط ثم تمد يده بخيط حتى يبين مفصلها ثم يقطع بحديدة حديدة ثم يحسم وإن وجد أرفق وأمكن من هذا قطع به؛ لأنه إنما يراد به إقامة الحد لا التلف. .
من يجب عليه القطع
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقطع السارق ولا يقام حد دون القتل على امرأة حبلى ولا مريض دنف ولا بين المرض ولا في يوم مفرط البرد ولا الحر ولا في أسباب التلف ومن أسباب التلف التي يترك إقامة الحدود فيها إلى البرء أن تقطع يد السارق فلا يبرأ حتى يسرق فيؤخر حتى تبرأ يده ومن ذلك أن يجلد الرجل فلا يبرأ جلده حتى يصيب حدا فيترك حتى يبرأ جلده، وكذلك كل قرح أو مرض أصابه. .
ما لا يقطع فيه من جهة الخيانة
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال اقطع يد هذا فإنه سرق فقال له عمر " ماذا سرق قال " سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهما فقال عمر أرسله فليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم.
(قال الشافعي): فبهذا كله نقول والعبد إذا سرق من متاع سيده مما اؤتمن عليه أو لم يؤتمن أحق أن لا يقطع من قبل أن ماله أخذ بعضه بعضا (قال الشافعي) وقد قال صاحبنا إذا سرق الرجل من امرأته أو المرأة من زوجها من البيت الذي هما فيه لم يقطع واحد منهما وإن سرق غلامه من امرأته أو غلامها منه وهو يخدمهما لم يقطع؛ لأن هذه خيانة فإذا سرق من امرأته أو هي منه من بيت محرز فيه لا يسكنانه معا أو سرق عبدها منه أو عبده منها وليس بالذي يلي خدمتهما قطع أي هؤلاء سرق (قال الشافعي): وهذا مذهب وأراه يقول إن قول عمر خادمكم ومتاعكم أي الذي يلي خدمتكم ولكن قول عمر خادمكم يحتمل عبدكم فأرى - والله تعالى أعلم - على الاحتياط أن لا يقطع الرجل لامرأته ولا المرأة لزوجها ولا عبد واحد منهما سرق من متاع الآخر شيئا للأثر والشبهة فيه (قال): وكذلك الرجل يسرق متاع أبيه وأمه وأجداده من قبلهما أو متاع ولده أو ولد ولده لا يقطع واحد منهم وإذا كان في بيت واحد ذوو رحم أو غير ذوي رحم فسرق بعضهم من بعض لم يقطع؛ لأنها خيانة وكذلك أجراؤهم معهم في منازلهم ومن يخدمهم بلا أجر؛ لأن هذا كله من جهة الخيانة، وكذلك من استعار متاعا فجحده أو كانت عنده وديعة فجحدها لم يكن عليه فيها قطع وإنما القطع على من أخرج متاعا من حرز بغير شبهة وهذا وجه قطع السرقة (قال الشافعي): والخلسة ليست كالسرقة فلا قطع فيها؛ لأنها لم تؤخذ من حرز وليست بقطع للطريق (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع.
(قال الشافعي): ولو أسكن رجل رجلا في بيت أو أكراه إياه فكان يغلقه دونه ثم سرق رب البيت منه قطع وهو مثل الغريب يسرق منه. .
غرم السارق
(قال الشافعي): - رحمه الله - وإذا وجدت السرقة في يد السارق قبل يقطع ردت إلى صاحبها وقطع وإن كان أحدث في السرقة شيئا ينقصها ردت إليه وما نقصها ضامن عليه يتبع به وإن أتلف السلعة قطع أيضا وكانت عليه قيمتها يوم سرقها ويضمن قيمتها إذا فاتت. وكذلك قاطع الطريق وكل من أتلف لإنسان شيئا مما يقطع فيه أو لا يقطع فلا فرق بين ذلك ويضمنه من أتلفه والقطع لله لا يسقط غرمه ما أتلف للناس.
حد قاطع الطريق
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} الآية (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض.
(قال الشافعي): وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السباء والجزية واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - إن شاء الله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق (قال الشافعي): - رحمه الله - والمحاربون الذين هذه حدودهم القوم يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحاري والطرق (قال): وأرى ذلك في ديار أهل البادية وفي القرى سواء إن لم يكن من كان في المصر أعظم ذنبا فحدودهم واحدة فإذا عرض اللصوص لجماعة أو واحد مكابرة بسلاح فاختلف أفعال العارضين فكان منهم من قتل وأخذ المال ومنهم من قتل ولم يأخذ مالا ومنهم من أخذ مالا ولم يقتل ومنهم من كثر الجماعة وهيب ومنهم من كان ردءا للصوص يتقوون بمكانه أقيمت عليهم الحدود باختلاف أفعالهم على ما وصفت. وينظر إلى من قتل منهم وأخذ مالا فيقتله ويصلبه وأحب إلي أن يبدأ بقتله قبل صلبه؛ لأن في صلبه وقتله على الخشبة تعذيبا له يشبه المثلة وقد قال غيري: يصلب ثم يطعن فيقتل. وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل ودفع إلى أوليائه فيدفنوه أو يدفنه غيرهم، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد وخلي، ومن حضر وكثر وهيب أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس وسواء افترقت أفعالهم كما وصفت في مقام واحد أو كانت جماعة كابرت ففعلت فعلا واحدا مثلا: قتل وحده أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال بلا قتل حد كل واحد منهم حد مثله بقدر فعله ولو هيبوا ولم يبلغوا قتلا ولا أخذ مال عزروا ولو هيبوا وجرحوا أقص منهم بما فيه القصاص وعزروا وحبسوا ولو كان القاتل قتل منهم رجلا وجرح آخر أقص صاحب الجرح منه ثم قتل وكذلك لو كان أخذ المال وجرح أقص صاحب الجرح ثم قطع لا تمنع حقوق الله حقوق الآدميين في الجراح وغيرها ولو كانت الجراح مما لا قصاص فيه
وهي عمد فأرشها كلها في مال الجارح يؤخذ دينا من ماله. وإن قتل أو قطع فأراد أهل الجراح عفو الجراح فذلك لهم. وإن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك يحقن دماء من عفوا عنه وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل
(قال الشافعي): - رحمه الله - وأحفظ عن بعض أهل العلم قبلنا أنه قال: يقتلون وإن قتلوا عبدا أو ذميا على مال يأخذونه وهذا مخالف للقتل على غير الغيلة (قال): ولقوله هذا وجه؛ لأن الله عز وجل ذكر القتل والصلب فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا فيحتمل أن يكون إذا نيل هذا من عبد أو ذمي من المحاربة أو الفساد ويحتمل أن يكونوا إذا فعلوا ما في مثله القصاص. وإن كنت أراه قد خالف سبيل القصاص في غيره؛ لأن دم القاتل فيه لا يحقن بعفو الولي عنه ولا يصلحه. لو صالح فيه كان الصلح مردودا وفعل المصالح؛ لأنه حد من حدود الله عز وجل ليس فيه خبر يلزم فيتبع ولا إجماع أتبعه ولا قياس بتفرق فيصح وإنما أستخير الله فيه. .
الشهادات والإقرار في السرقة وقطع الطريق وغير ذلك
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يقام على سارق ولا محارب حد إلا بواحد من وجهين: إما شاهدان عدلان يشهدان عليه بما في مثله الحد، وإما باعتراف يثبت عليه حتى يقام عليه الحد، وعلى الإمام أن يقف الشاهدين في السرقة حتى يقولا سرق فلان " ويثبتاه بعينه، وإن لم يثبتاه باسمه ونسبه " متاعا لهذا يسوى ربع دينار وحضر المسروق منه يدعي ما قال الشاهدان فإن كذب الشاهدين لم يقطع السارق وإن لم يحضر حبس السارق حتى يحضر فيدعي أو يكذب الشاهدين. وإذا ادعى مرة كفاه ما لم يرجع بعدها. فإذا لم يعرفا القيمة شهدا على المتاع بعينه أو صفة يثبتانها أنها أكثر ثمنا من ربع دينار ويقولان سرق من حرز ويصفان الحرز لا يقبل منهما غير صفته؛ لأنه قد يكون عندهما حرزا. وليس عند العلماء بحرز فإذا اجتمع هذا أقيم عليه الحد، وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطريق بأعيانهم وإن لم يسموا أسماءهم وأنسابهم أنهم عرضوا بالسلاح لهؤلاء أو لهذا بعينه وأخافوه بالسلاح ونالوه به ثم فعلوا ما فيه حد. فإن شهدوا على أخذ المتاع شهدوا كما يشهد شهود السارق على متاع بعينه أو بقيمته أو بصفته كما وصفت في شهادة السارق، ويحضر أهل المتاع وأولياء المقتول وإن شهد شاهدان من أهل رفقته أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا منا أو من بعضنا لم تجز شهادتهما؛ لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا وفعلوا ونحن ننظر وليس على الإمام عندي أن يقفهم فيسألهم هل كنتم فيهم؛ لأن أكثر الشهادة عليهم هكذا، فإن شهدوا أن هؤلاء عرضوا ففعل بعضهم لا يثبت أيهم فعل من أيهم لم يفعل لم يحدوا بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه، وكذلك السرقة (قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا يجوز في الحدود شهادة النساء ولا يقبل في السرقة ولا قطع الطريق أقل من شاهدين ولا يقبل فيه شاهد ويمين، وكذلك حتى يبينوا الجارح والقاتل وآخذ المتاع بأعيانهم. فإن لم يوجد شاهدان فجاء رب السرقة بشاهد حلف مع شاهده وأخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقت إن فاتت؛ لأن هذا مال يستحقه ولم يقطع السارق، وإن جاء بشاهد وامرأتين أخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقها فإن هذا مال وتجوز شهادة النساء فيه ولا يختلف، وهكذا يفعل من طلب قطاع الطريق بكل مال أخذوه وإن طلب جرحا يقتص منه وجاء بشاهد لم يقسم في الجراح وأحلف
المدعى عليه وبرئ وإن طلب جرحا لا قصاص فيه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ الأرش، وإن جاء بشاهد على سرقته من حرز أو غير حرز أحلف مع شاهده وأخذ السرقة أو قيمتها إن لم توجد.
ولا يقطع أحد بشاهد ويمين ولا يقتص منه من جرح ولا بشاهد وامرأتين وإن أقر السارق بالسرقة ووصفها وقيمتها وكانت مما يقطع به قطع " قال الربيع " يقطع إلا أن يرجع فلا يقطع، وتؤخذ منه قيمة السلعة التي أتلف على ما أقر به أولا (قال الشافعي): - رحمه الله -: وقاطع الطريق كذلك ولو أقرا بقتل فلان وجرح فلان وأخذ مال فلان أو بعض ذلك فيكفي كل واحد منهما الإقرار مرة ويلزم كل واحد منهما ما أقر به على ما أقر به فيحدان معا حدهما ويقتص ممن عليه القصاص منهما ويغرم كل واحد منهما ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة. فإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق ولزمهما حقوق الناس، وأغرم السارق قيمة ما سرق وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه، وإن كان في إقراره أنه قتل فلانا دفع إلى وليه فإن شاء قتله وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه؛ لأنه ليس بالحد يقتل إنما يقتل باعتراف قد رجع عنه ولو ثبت على الاعتراف قتل ولم يحقن دمه عفو الولي عنه وإن كان أقر بجرح وكان يقتص منه اقتص منه وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال أصبته بذلك الجرح خطأ أخذ من ماله لا تعقل منه عاقلته عنه اعترافا، ولو قطعت بعض يد السارق بالإقرار ثم رجع كف عن قطع ما بقي من يده إلا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك فإن شاء من أمره قطعه وإن شاء فلا، هو حينئذ يقطع على العيب. ولو قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام عليه إلا باعترافه إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر أو وجد ألما للحد خوفا منه أو لم يجده وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة.
(قال الشافعي): ذكر الله تبارك وتعالى حد استتابة المحارب فقال عز وجل {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فمن أخاف في المحاربة الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه فاختلف أصحابنا فيه فقال: بعضهم كل ما كان لله عز وجل من حد يسقط فلا يقطع وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح ويؤخذ منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص ويؤخذ منه قيمة ما أخذ وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا ولا يصلب. وإن عفا جاز العفو؛ لأنه إنما يصير قصاصا لا حدا. وبهذا أقول. وقال بعضهم: يسقط عنه ما لله عز وجل وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه (قال الشافعي): - والله أعلم - السارق مثله قياسا عليه فيسقط عنه القطع ويؤخذ بغرم ما سرق، وإن فات ما سرق. .
حد الثيب الزاني
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه «أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل. وقال الآخر - وهو أفقههما - أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وأذن لي في أن أتكلم، قال: تكلم قال إن ابني كان عسيفا
على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما، وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها» قال مالك والعسيف الأخير.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديا ويهودية زنيا».
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (262)
صــــــــــ 167 الى صـــــــــــ 172
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع فأبت أن تنزع وثبتت على الاعتراف فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت.
(قال الشافعي): فبكتاب الله ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم فعل عمر نأخذ في هذا كله وإذا تزوج الرجل حرة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو لم يجد طولا فتزوج أمة ثم أصابها بعد بلوغه فهو محصن وإذا تزوجت الحرة المسلمة أو الذمية زوجا حرا أو عبدا فأصابها بعد بلوغها فهي محصنة وأيهما زنى أقيم عليه حد المحصن بمحصنة أو بكر أو أمة أو مستكرهة وسواء زنت المحصنة بعبد أو حر أو معتوه يقام على كل واحد منهما حده. وحد المحصن والمحصنة أن يرجما بالحجارة حتى يموتا ثم يغسلا ويصلى عليهما ويدفنا.
ولا يحضر الإمام المرجومين ولا الشهود؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجم رجلا وامرأة ولم يحضرهما ولم يحضر عمر ولا عثمان أحدا رجماه علمنا ولا يحضر ذلك الشهود على الزاني. أقل ما يحضر حد الزاني في الجلد والرجم أربعة لقول الله عز وجل {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}. .
وشهود الزنا أربعة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن زنى بكر بامرأة ثيب رجمت المرأة وجلد البكر مائة ونفي سنة. ثم يؤذن له في البلد الذي خرج منه وينفي المرأة والرجل الحران معا إذا زنيا ولا يقام الحد على الزاني إلا بأن يشهد عليه أربعة شهداء عدول.
ثم يقفهم الحاكم حتى يثبتوا أنهم رأوا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة فإذا أثبتوا ذلك حد الزاني والزانية حدهما أو باعتراف من الزاني والزانية فإذا اعترف مرة وثبت عليها حد حده، وكذلك هي وإن اعترف هو وجحدت هي أو اعترفت هي وجحد هو أقيم الحد على المعترف منهما ولم يقم على الآخر. ولو قال رجل قد زعمت أنها زنت بي أو المرأة قد زعم أني زنيت به فاجلده لي لم يجلده؛ لأن كل واحد منهما أقر بحد على غيره نفسه يؤخذ به وإن كان فيه قذف لغيره.
(قال الشافعي): فمتى رجع المعترف منهما عن الإقرار بالزنا قبل منه ولم يرجم ولم يجلد. وإن رجع بعدما أخذته الحجارة أو السياط كف عن الرجم والجلد ذكر علة أو لم يذكرها وقال الله عز وجل في الإماء فيمن أحصن {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
(قال الشافعي) فقال من أحفظ عنه من أهل العلم إحصانها إسلامها فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت خمسين؛ لأن العذاب في الجلد يتبعض ولا يتبعض في الرجم. وكذلك العبد وذلك أن حدود الرجال والنساء لا تختلف في كتاب الله عز وجل ولا سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا عامة المسلمين وهما مثل الحرين في أن لا يقام عليهما الحد إلا بأربعة كما وصفت في الحرين أو باعتراف يثبتان عليه لا يخالفان في هذا الحرين واختلف أصحابنا في نفيهما فمنهم من قال لا ينفيان كما لا يرجمان ولو نفيا نفيا نصف سنة وهذا مما أستخير الله عز وجل فيه (قال الربيع) قول الشافعي أنه ينفي العبد والأمة نصف سنة (قال الشافعي): ولسيد العبد والأمة أن يقيما عليهما حد الزنا فإذا فعلا لم يكن للسلطان أن يثني عليهما الحد ولا نحكم بين أهل الكتاب في الحدود إلا أن يأتونا راغبين فإن فعلوا فلنا الخيار أن نحكم أو ندع فإن حكمنا حكمنا بحكم الإسلام فرجمنا الحرين المحصنين في الزنا وجلدنا البكرين والحرين مائة ونفيناهما سنة وجلدنا العبد والأمة في الزنا خمسين خمسين مثل حكم الإسلام. .
ما يدرأ فيه الحد في الزنا وما لا يدرأ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا استكره الرجل المرأة أقيم الحد ولم يقم عليها؛ لأنها مستكرهة ولها مهر مثلها حرة كانت أو أمة فإذا كانت الأمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئا قضي عليه مع المهر بما نقص من ثمنها، وكذلك إن كانت حرة فجرحها جرحا له أرش قضي عليه بأرش الجرح مع المهر، المهر بالوطء والأرش بالجناية، وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة وقيمة الأمة والمهر ولو أن رجلا أخذ مع امرأة فجاء ببينة أنه نكحها وقال نكحتها وأنا أعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من زوج أو أنها ذات محرم وأنا أعلم أنها محرمة في هذه الحال أقيم عليه حد الزاني، وكذلك إن قالت هي ذلك فإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا أو أنها في عدة أحلف ودرئ عنه الحد وإن قالت قد علمت أني ذات زوج ولا يحل لي النكاح أقيم عليها الحد ولكن إن قالت بلغني موت زوجي واعتددت ثم نكحت درئ عنها الحد وفي كل ما درأنا فيه الحد ألزمه المهر بالوطء. .
باب المرتد الكبير
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي) قال: قال الله تبارك وتعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} وقال عز وجل {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله {فخلوا سبيلهم} وقال الله تبارك اسمه {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} الآية وقال تعالى {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس» (قال الشافعي): فلم يجز في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث»: إحداهن الكفر بعد الإيمان إلا أن تكون كلمة الكفر تحل الدم كما يحله الزنا بعد الإحصان أو تكون كلمة الكفر تحل الدم إلا أن
يتوب صاحبه فدل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن معنى قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كفر بعد إيمان» إذا لم يتب من الكفر وقد وضعت هذه الدلائل مواضعها وحكم الله عز وجل في قتل من لم يسلم من المشركين وما أباح جل ثناؤه من أموالهم ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القتل بالكفر بعد الإيمان يشبه - والله تعالى أعلم - أن يكون إذا حقن الدم بالإيمان ثم أباحه بالخروج منه أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرا محاربا وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال والمرتد به أكبر حكما من الذي لم يزل مشركا؛ لأن الله عز وجل أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدم قبل شركه وأن الله - جل ثناؤه - كفر عمن لم يزل مشركا ما كان قبله وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان أن من لم يزل مشركا ثم أسلم كفر عنه ما كان قبل الشرك «وقال لرجل كان يقدم خيرا في الشرك أسلمت على ما سبق لك من خير» وأن من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم، ومن على بعضهم وفادى ببعض وأخذ الفدية من بعض فلم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل. والله أعلم.
باب ما يحرم به الدم من الإسلام
(قال الشافعي): - رحمه الله -: قال الله تبارك وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} إلى " يفقهون " (قال الشافعي): فبين أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى أظهر الإيمان وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره في أي هذين الحالين كان وإلى أي كفر صار كفر يسره أو كفر يظهره وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر كظهور الدين الذي له أعياد وإتيان كنائس إنما كان كفر جحد وتعطيل وذلك بين في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الله عز وجل أخبر عن المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة يعني والله أعلم من القتل ثم أخبر بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة فقال {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} فأخبر عنهم بأنهم آمنوا ثم كفروا بعد الإيمان كفرا إذا سئلوا عنه أنكروه وأظهروا الإيمان وأقروا به وأظهروا التوبة منه وهم مقيمون فيما بينهم وبين الله على الكفر قال الله جل ثناؤه {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} فأخبر بكفرهم وجحدهم الكفر وكذب سرائرهم بجحدهم وذكر كفرهم في غير آية وسماهم بالنفاق إذ أظهروا الإيمان وكانوا على غيره قال جل وعز " {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأخبر عز وجل عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا يعلمه غيره بأنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به كاذبين لهم جنة من القتل وهم المسرون الكفر المظهرون الإيمان وبين على لسانه - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أنزل في كتابه من أن إظهار القول بالإيمان جنة من القتل أقر من شهد عليه بالإيمان بعد الكفر أو
لم يقر إذا أظهر الإيمان فإظهاره مانع من القتل وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حقن الله تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد الكفر أن لهم حكم المسلمين من الموارثة والمناكحة وغير ذلك من أحكام المسلمين. فكان بينا في حكم الله عز وجل في المنافقين ثم حكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ليس لأحد أن يحكم على أحد بخلاف ما أظهر من نفسه وأن الله عز وجل إنما جعل للعباد الحكم على ما أظهر لأن أحدا منهم لا يعلم ما غاب إلا ما علمه الله عز وجل فوجب على من عقل عن الله أن يجعل الظنون كلها في الأحكام معطلة فلا يحكم على أحد بظن. وهكذا دلالة سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كانت لا تختلف. أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «عن المقداد بن الأسود أنه أخبره أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقتله فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها» (قال الشافعي): - رحمه الله -: فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله حرم دم هذا بإظهاره الإيمان في حال خوفه على دمه ولم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذا من القتل بالإسلام (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار «أن رجلا سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ندر ما ساره به حتى جهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال بلى. ولا شهادة له. قال: أليس يصلي؟ قال بلى ولا صلاة له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أولئك الذين نهاني الله عنهم» (قال الشافعي): فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المستأذن في قتل المنافق إذا أظهر الإسلام أن الله نهاه عن قتله وهذا موافق كتاب الله عز وجل بأن الإيمان جنة وموافق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحكم أهل الدنيا. وقد أخبر الله عنهم أنهم في الدرك الأسفل من النار. أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وبين أنه إنما يحكم على ما ظهر وأن الله تعالى ولي ما غاب لأنه عالم بقوله وحسابهم على الله وكذلك قال الله عز وجل فيما ذكرنا وفي غيره فقال {ما عليك من حسابهم من شيء} وقال عمر - رضي الله عنه - لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه " أمؤمن أنت؟ " قال نعم قال " إني لأحسبك متعوذا " قال أما في الإيمان ما أعاذني؟ فقال عمر بلى «وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجل هو من أهل النار فخرج أحدهم معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه». ولم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما استقر عنده من نفاقه وعلم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الإيمان.
تفريع المرتد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: فأي رجل غم لم يزل مشركا ثم أظهر الإيمان في أي حال كان لا يمتنع فيها بقهر من لقيه فغلبه له أو إيسار أو حبس أو غيره حقن الإيمان دمه وأوجب له حكم الإيمان ولم يقتل بظن أنه لم يؤمن إلا مضطرا خائفا وفي مثل حاله من أنه يحقن دمه ويوجب له حكم الإيمان في الدنيا من آمن ثم كفر ثم أظهر الإيمان فسواء شهد عليه بالكفر فجحد وأقر بالإيمان أو شهد شهادة الحق بعد الشهادة عليه أو لم يشهد عليه فأقر بالكفر ثم أظهر الإيمان فمتى أظهر الإيمان لم يحلف على ما تقدم منه من القول بالكفر شهد عليه أو لم يشهد وحقن دمه بما أظهر من الإيمان (قال الشافعي): - رحمه الله -: وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد مرة أو مرارا أو قل في حقن الدم وإيجاب حكم الإيمان له في الظاهر إلا أني أرى إذا فعل هذا مرة بعد أخرى أن يعزر وسواء كان مولودا على الإسلام ثم ارتد بعد عن الإسلام أو كان مشركا فأسلم ثم ارتد بعد الإسلام وسواء ارتد إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو جحد وتعطيل ودين لا يظهره فمتى أظهر الإسلام في أي هذه الأحوال كان وإلى أي هذه الأديان صار حقن دمه وحكم له حكم الإسلام ومتى أقام على الكفر في أي هذه الأحوال كان وإلى هذه الأديان صار استتيب فإن أظهر التوبة حكم له حكم الإسلام وإن امتنع منها وأقام على الكفر قتل مكانه ساعة يأبى إظهار الإيمان
ولو ترك قتله إذا استتيب فامتنع ثلاثة أيام أو ستة أو أكثر ثم أظهر الإيمان حقن ذلك دمه وحكم له حكم الإسلام. ولو ارتد وهو سكران ثم تاب وهو سكران لم يخل حتى يفيق فيتوب مفيقا، وكذلك لا يقتل لو أبى الإسلام سكران حتى يفيق فيمتنع من التوبة مفيقا فيقتل وإذا أفاق عرض عليه الإيمان فإذا امتنع من التوبة مفيقا قتل، ولو ارتد مغلوبا على عقله بغير السكر لم يحبسه الوالي ولو مات بتلك الحال لم يمنع ورثته المسلمون ميراثه لأن ردته كانت في حال لا يجري فيها عليه القلم وهو مخالف للسكران في هذا الموضع والسكران لو ارتد سكران ثم مات قبل أن يتوب كان ماله فيئا ولو تاب سكران ثم مات ورثه ورثته من المسلمين، ولو تاب سكران لم أعجل بتخليته حتى يفيق فيتوب مفيقا وأجعل توبته توبة أحكم له بها حكم الإسلام حتى يفيق فإن ثبت عليها فهو الذي أطلب منه وإن رجع بعد الإفاقة إلى الكفر ولم يتب قتل (قال الشافعي): ولو ارتد مفيقا ثم أغمي عليه أو برسم أو خبل بعد الردة لم يقتل حتى يفيق فيستتاب فإن امتنع من التوبة وهو يعقل قتل ولو مات مغلوبا على عقله ولم يتب كان ماله فيئا (قال): وسواء في الردة والقتل عليها الرجل والمرأة والعبد والأمة وكل بالغ ممن أقر بالإيمان ولد على الإيمان أو الكفر ثم أقر بالإيمان
(قال الشافعي): والإقرار بالإيمان وجهان: فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدعي أنه دين نبوة ولا كتاب فإذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد أقر بالإيمان ومتى رجع عنه قتل.
(قال): ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدلوا منه وقد أخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكفروا بترك الإيمان به واتباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله فقد قيل لي إن فيهم من هو مقيم على دينه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويقول لم يبعث إلينا فإن كان فيهم أحد هكذا فقال أحد منهم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول وإن دين محمد حق أو فرض وأبرأ مما خالف دين محمد - صلى الله عليه وسلم - أو دين الإسلام فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان فإذا رجع عنه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن كان منهم طائفة تعرف بأن لا تقر بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا عند الإسلام أو تزعم أن من أقر بنبوته لزمه الإسلام فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان فإن رجعوا عنه استتيبوا فإن تابوا وإلا قتلوا (قال): وإنما يقتل من أقر بالإيمان إذا أقر بالإيمان بعد البلوغ والعقل (قال): فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل إن لم يفعله وإن أقر بالإيمان وهو بالغ سكران من خمر ثم رجع استتيب فإن تاب وإلا قتل ولو كان مغلوبا على عقله بسوى السكر لم يستتب ولم يقتل إن أبى التوبة ولو أن رجلا وامرأته أقرا بالإيمان ثم ارتدا فلم يعرف من ردتهما إقرارهما كان بالإيمان أو عرف وتركا على الشرك ببلاد الإسلام أو بلاد الشرك ثم ولد لهما ولد قبل الإقرار بالإيمان أو بعد الردة أو بعدما رجعا عن الردة فذلك كله سواء إذا شهد على إقرارهما بالإيمان بديئا شاهدان فإن نشأ أولادهما الذين لم يبلغوا قبل إسلامهما على الشرك لا يعرفون غيره ثم ظهر عليهم قبل البلوغ وبعد العقل أمروا بالإيمان وجبروا عليه ولا يقتلون إن امتنعوا منه فإذا بلغوا أعلموا أنهم إن لم يؤمنوا قتلوا لأن حكمهم حكم الإيمان فإذا لم يؤمنوا قتلوا وهكذا إذا لم يظهر عليهم إلا بعد البلوغ وسواء أي أبويهم أسلم ثم ارتد أو ولد بعد إقرار أحد الأبوين بالإسلام والمقر بالإسلام منهما على الإقرار به أو مرتد فحكمه حكم الإسلام وهكذا إذا أسلم قبل بلوغ الولد أحد الأبوين أو هما (قال): ويقتل المريض المرتد عن الإسلام والعبد والأمة والمكاتب وأم الولد والشيخ الفاني إذا كانوا يعقلون ولم يتوبوا ولا تقتل المرأة الحامل حتى تضع ما في بطنها ثم تقتل إن لم تتب فإذا أبى الرجل أو المرأة المرتدان الرجوع إلى الإيمان قتل مكانه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال «من بدل دينه فاقتلوه» وقال فيما يحل الدم «كفر بعد إيمان» كانت الغاية التي دل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يقتل فيها المرتد أن يمتنع من الإيمان ولم يكن إذا تؤني به ثلاثا أو أكثر أو أقل إلا في حال واحدة هي الامتناع من الإيمان لأنه قد يمتنع من التوبة بعد ثلاثة ويتوب مكانه قبل ما يؤخذ وبعدما يؤخذ ومن كان إسلامه بإسلام أبويه أو أحدهما فأبى الإسلام هكذا يعلم أنه إن لم يسلم قتل ولو تؤني به ساعة ويوما كان أحب إلي أن يتأنى به من المرتد بعد إيمان نفسه.
الشهادة على المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهد شاهدان أن رجلا ارتد عن الإيمان أو امرأة سئلا فإن أكذبا الشاهدين قيل لهما اشهدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرآ مما خالف الإسلام من الأديان فإن أقرا بهذا لم يكشفا عن أكثر منه وكان هذا توبة منهما ولو أقرا وتابا قبل منهما.
مال المرتد وزوجة المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام وله زوجة، أو امرأة عن الإسلام ولها
زوج فغفل عنه أو حبس فلم يقتل أو ذهب عقله بعد الردة أو لحق بدار الحرب أو هرب عن بلاد الإسلام فلم يقدر عليه فسواء ذلك كله فيما بينه وبين زوجته لا تقع الفرقة بينهما حتى تمضي عدة الزوجة قبل يتوب ويرجع إلى الإسلام فإذا انقضت عدتها قبل يتوب فقد بانت منه ولا سبيل له عليها وبينونتها منه فسخ بلا طلاق ومتى ادعت انقضاء العدة في حال يمكن فيها أن تكون صادقة بحال فهي مصدقة ولا سبيل له عليها إن رجع إلى الإسلام فإن قالت بعد يوم أو أقل أو أكثر قد أسقطت ولدا قد بان خلقه أو شيء من خلقه ورجع إلى الإسلام فجحد كان القول قولها مع يمينها قال الربيع وفيه قول آخر أنها إذا قالت أسقطت سقطا بان خلقه أو بعض خلقه لم يقبل قولها إلا بأن تأتي بأربع نسوة يشهدن على ما قالت لأن هذا موضع يمكن أن تراه النساء فيشهدن عليه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (263)
صــــــــــ 173 الى صـــــــــــ 178
(قال الشافعي): وإن قالت قد انقضت عدتي بأن حضت ثلاث حيض في مدة لا يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض لم يقبل منها وإذا ادعت ذلك بعد مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض كان القول قولها مع يمينها (قال الشافعي): ولو ماتت ولم تدع انقضاء العدة قبل أن يرجع إلى الإسلام ثم رجع إلى الإسلام لا يرثها لأنها ماتت وهو مشرك ولو رجع إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها كانا على النكاح ولا يترك قبل أن يرجع إلى الإسلام يصيبها حتى يسلم. ولو ماتت بعد رجوعه إلى الإسلام ولم تذكر انقضاء العدة ورثها ولو كانت هي المرتدة كان القول فيما تحل به وتحرم عليه وتبين منه وتثبت معه كالقول لو كان هو المرتد وهي المؤمنة لا يختلف في شيء إلا أنها إذا ارتدت عن الإيمان فلا نفقة لها في ماله في عدة ولا غيرها لأنها هي التي حرمت فرجها عليه.
وكذلك لو ارتدت إلى نصرانية أو يهودية لم تحلل له لأنها لا تترك عليها وإن ارتد هو أنفق عليها في عدتها لأنها لم تبن منه إلا بمضي عدتها وأنه متى أسلم وهي في العدة كانت امرأته وإذا كان يلزمه في التي يملك رجعتها بعد طلاق نفقتها لأنه متى شاء راجعها كانت هكذا في مثل حالها في مثل هذه الحال أو أكثر وإذا ارتد أحد الزوجين ولم يدخل بالمرأة فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق لأنه لا عدة عليها وإن كان هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ جاء من قبله وإن كانت هي المرتدة فلا شيء لها لأن الفسخ جاء من قبلها. ولو ارتد وامرأته يهودية أو نصرانية كانت فيما يحل له منها ويحرم عليه ويلزمه لها كالمسلمة ولو كانت المسألة بحالها غير أنها المرتدة وهو المسلم لم تحل له حتى تسلم أو ترجع إلى دينها الذي حلت به من اليهودية أو النصرانية ولم تبن منه إلا بانقضاء عدتها ولم تقتل هي لأنها خرجت من كفر إلى كفر وسواء في هذا الحر المسلم أو العبد والحرة المسلمة أو الأمة لا يختلفون فيه.
ولو ارتد الزوج فطلقها في حال ردته أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها في عدتها أو كانت هي المرتدة ففعل ذلك وقف على ما فعل منه فإن رجع إلى الإسلام وهي في العدة وقع ذلك كله عليها وكان بينهما اللعان وإن لم يرجع حتى تمضي عدتها أو تموت لم يقع شيء من ذلك عليها والتعن ليدرأ الحد، وهكذا إذا كانت هي المرتدة وهو المسلم إلا أنه لا حد على من قذف مرتدة.
ولو طلقها مسلمة ثم ارتد أو ارتدت ثم راجعها في عدتها لم يثبت عليها رجعة لأن الرجعة إحداث تحليل له فإذا أحدثه في حال لا يحل له فيه لم يثبت عليها ولو أسلمت أو أسلم في العدة بعد الرجعة لم تثبت الرجعة عليها ويحدث لها بعده رجعة إن شاء فتثبت عليها ولو اختلفا بعد انقضاء العدة فقال رجعت إلى الإسلام أمس وإنما انقضت عدتك اليوم وقالت رجعت اليوم فالقول
قولها مع يمينها وعليه البينة أنه رجع أمس، ولو تصادقا أنه رجع أمس وقالت انقضت قبل أمس كان القول قولها مع يمينها ولو رجع إلى الإسلام فقالت لم تنقض عدتي إلا بعد رجوعه ثم قالت بعدها قد كانت انقضت عدتي كانت زوجته ولا تصدق بعد إقرارها أنها لم تخرج من ملكه ولو لم يسمع منها في ذلك شيء قبل رجوعه فلما رجع قلت مكانها قد انقضت عدتي كان القول قولها مع يمينها.
مال المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا ارتد الرجل وكان حاضرا بالبلد وله أمهات أولاد ومدبرات ومدبرون ومكاتبات ومكاتبون ومماليك وحيوان ومال سوى ذلك وقف ذلك كله عنه ومنع إصابة أم ولده وجارية له غيرها، والوقف أن يوضع ماله سوى إناث الرقيق على يدي عدل ورقيقه من النساء على يدي عدلة من النساء ويؤمر من بلغ من ذكور رقيقه بالكسب وينفق عليه من كسبه ويؤخذ فضل كسبه وتؤمر ذوات الصنعة من جواريه وأمهات أولاده وغيرهم بذلك ويؤاجر من لا صنعة له منهن من امرأة ثقة ومن مرض من رجالهم ونسائهم ومن لم يبلغ كسبا أنفق عليه من ماله حتى يفيق فيقوى على الكسب أو يبلغ الكسب ثم يؤمر بالكسب كما وصفنا وإن كان المرتد هاربا إلى دار الحرب أو غير دار الحرب أو متغيبا لا يدري أين هو؟ فسواء ذلك كله ويوقف ماله ويباع عليه الحيوان كله إلا ما لا يوجد السبيل إلى بيعه من أمهات أولاده أو مكاتبيه أو مرضع لولده أو خادم يخدم زوجة له وينفق على زوجته وصغار ولده وزمناهم ومن كان هو مجبورا على نفقتهم من خدمة وأمهات أولاده من ماله ويؤخذ كتابة مكاتبيه ويعتقون إذا أدوا وله ولاؤهم ومتى رجع إلى الإسلام رد ماله عليه ولم يرد ما بيع من ماله لأنه بيع والبيع نظر لمن يصير إليه المال وفي حال لا سبيل له فيها على المال وإذا انقضت عدة امرأته قطعت عنها النفقة ولم يكن له عليها سبيل إذا رجع بعد انقضاء عدتها ولو برسم أو غلب على عقله بعد الردة تربص به يومين أو ثلاثة فإن أفاق وإلا بيع عليه كما يباع على الغائب الهارب وما كسب في ردته فهو كما ملك قبل الردة إذا قدر عليه فإذا رجع إلى الإسلام دفع إليه ماله كله وإن مات أو قتل قبل أن يرجع إلى الإسلام خمس ماله فكان الخمس لأهل الخمس والأربعة الأخماس لجماعة المسلمين.
وهكذا نصراني مات لا وارث له يخمس ماله فيكون الخمس لأهله وأربعة أخماسه لجماعة المسلمين، ولو قال ورثة المرتد من المسلمين قد أسلم قبل أن يموت كلفوا البينة فإذا جاءوا بها دفع إليهم ماله على مواريثهم وإن لم يأتوا بها فهو على الردة حتى تعلم توبته وإن كانت البينة ممن يرثه لم تقبل وكذلك لو كان أوصى بوصية فقال متى مت فلفلان وفلان كذا، ثم مات فشهد الموصى لهما بأنه رجع إلى الإسلام لم يقبلا لأنهما يجران إلى أنفسهما جواز الوصية التي قد أبطلت بردته.
ولو كان تاب ثم مات فقيل ارتد ثم مات مرتدا فهو على التوبة حتى تقوم بينة بأنه ارتد بعد التوبة لأن من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه. ولو قسم الحاكم ماله في الحالين حين مات وقد عرفت ردته فقامت بينة على توبته رجع بها الحاكم على من دفعها إليه حيث كانوا حتى يردها إلى ورثته وكذلك لو قسمها في موته بعد توبته ثم قامت البينة على ردته بعد التوبة وموته مرتدا رجع الحاكم على ورثته حيث كانوا وأهل وصاياه وأخذ منهم ما أعطاهم من ماله حتى يصير لأهل الخمس والمسلمين.
المكره على الردة
قال الله تبارك وتعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب}.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا أسره العدو فأكرهه على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد، قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكفر فقاله ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ما عذب به فنزل فيه هذا ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد ولو مات المكره على الكفر ولم تظهر له توبة ببلاد الحرب ورثه ورثته المسلمون، ولو انفلت فرجع إلى بلاد الإسلام قيل له أظهر الإسلام فإن فعل وإلا كان مرتدا بامتناعه من إظهار الإسلام يحكم عليه الحكم على المرتد وإذا أسر الرجل أو كان مستأمنا ببلاد العدو فشهد شاهدان على أنه كان يأكل الخنزير ويشرب الخمر ولم يشهدا على نفس الردة ولا على كلام كفر بين ثم مات ورث ماله ورثته من المسلمين إلا أن يقروا بأنه مرتد فيكون ماله فيئا فإن أقر بعضهم بردته ولم يقر بها بعضهم ورث الذين لم يقروا نصيبهم من ميراثه ويوقف نصيب الذين أقروا بردته حتى تستبان ردته وفيها قول آخر أنه يغنم لأنهم يصدقون على ما يملكون ولا يوقف، ولو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد وقالا ارتد مكرها أو ارتد محدودا أو ارتد محبوسا لم يغنم ماله وورثه ورثته من المسلمين ولو قالا كان محليا آمنا حين ارتد كانت تلك ردة وغنم ماله ولو ادعى ورثته أنه رجع إلى الإسلام لم يقبل منهم إلا ببينة ولو أقاموا بينة على أنهم رأوه في مدة بعد الشهادة بالردة يصلي صلاة المسلمين قبلت ذلك منهم وورثتهم ماله ولو كان هذا في بلاد الإسلام والمرتد ليس في حال ضرورة لم أقبل هذا منهم حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة ولم أقبل من ورثته أنه ارتد مسجونا ولا محدودا إذا لم تقطع البينة أنه سجن وحد ليرتد.
ما أحدث المرتد في حال ردته في ماله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فلم يوقف ماله فما صنع فيه فهو جائز كما يجوز له في ماله ما صنع قبل الردة فإذا وقف فلا سبيل له على إتلاف شيء من ماله بعوض ولا غيره ما كان موقوفا فإن أعتق أو كاتب أو دبر أو اشترى أو باع فذلك كله موقوف لا ينفذ منه شيء في حال ردته فإن رجع إلى الإسلام لزمه ذلك كله إلا البيع فإذا فسخ بيعه فقد انفسخ لأنه لم يكن محولا بينه وبين ماله في الحال الذي أحدث ذلك فيه حول الحجر إنما كان موقوفا عنه ليقتل فيعلم أن ملكه كان زائلا عنه بالردة إن لم يتب حتى يموت فيصير فيئا أو يسلم فيكون على ما كان في ملكه أولا فلما أسلم علمنا أن فعله فيما يملك.
(قال الشافعي): ولو كان في ردته في يديه شيء يدعي أنه ملك له ثم أقر بذلك الشيء بعينه لغيره كان لغيره أخذه منه في حال ردته وكذلك يلزمه ما أقر به من الدين لأجنبي وكذلك يؤخذ من ماله ما لزم الرجل غير المرتد في ماله ولو قال في عبد من عبيده في حال ردته هذا عبد اشتريته أو وهب لي وهو حر كان حرا ولم ينتظر إسلامه بما أقر به لغيره إنما أرد ما أحدث إتلافه بلا سبب متقدم يقربه احتياطا عليه لا حجرا عنه (وفيها قول آخر) أنه إذا حجر عليه فهو كالمحجور في جميع حالاته حتى يرجع إلى الإسلام فيفك عنه الحجر.
جناية المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمدا في مثلها قصاص فالمجني عليه بالخيار في أن يقتص منه أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة وما اكتسب بعدها وذلك كله سواء وكذلك إن كانت عمدا لا قصاص فيها وكذلك ما أحرق وأفسد لآدمي كان في ماله لا تسقطه عنه الردة (قال): وإن كانت الجناية خطأ فهي في ماله كما تكون على عاقلته إلى أجلها فإذا مات فهي حالة ولا تعقل العاقلة عنه شيئا جناه في حال ردته فإن كانت الجناية نفسا فهي في ماله في ثلاث سنين فإن قتل أو مات على الردة فهي حالة. ولو كانت الجناية وهو مسلم ثم ارتد فإن كانت عمدا فهي كجنايته وهو مرتد وإن كانت خطأ فهي على عاقلته لأن الجناية لزمتهم إذ جنى وهو مسلم. ولو ارتد وقتل فأراد ولي القتيل القتل كان ذلك له وإذا قتله وهو على الردة فماله لمن وصفته من المسلمين وكذلك لو قطع أو جرح أقصصنا منه ثم قتلناه على الردة فإن عجل الإمام فقتله على الردة أو مات عليها قبل القصاص فلولي الدم والجرح عمدا عقل النفس والجراح في مال الجاني المرتد، ولو كان الجاني المرتد عبدا أو أمة فجنى على من بينه وبينه القود كان لولي المجني عليه الخيار في القود أو أخذ العقل فإن أراد القود فهو له وإن أراد العقل فهو له في رقبة الجاني إلا أن يفديه سيده فإن فداه قتل على الردة وإن لم يفده قتل على الردة إلا أن يتوب فيباع ويعطى ولي المجني عليه قيمة جنايته ويرد الفضل إن كان فيه فضل عن الجناية على سيده ولو جنى وهو مرتد عبد ثم عته فاختار ولي الدم العقل ولم يتطوع مولاه بأن يفديه بيع مرتدا معتوها فأعطي ولي الجناية قيمة جنايته ورد فضل إن كان في ثمنه على سيده فإذا أفاق ولم يتب قتل على الردة ولا يباع إلا بالبراء من الردة والعته وما أحدث العبد من الجناية في الردة مخالفة ما أحدث من الذين من قبل أن الجناية لا تسقط عن صبي ولا محجور عليه ولا عبد لأنها بغير إذن المجني عليه والدين يسقط عن المحجور عليه وعن العبيد ما كانوا في الرق لأنه بإذن رب الدين.
الجناية على المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فجنى عليه رجل جناية فإن كانت قتلا فلا عقل ولا قود ويعزر لأن الحاكم الوالي للحكم عليه وليس للحاكم قتله حتى يستتاب وإن كانت دون النفس فكذلك. ولو جنى عليه مرتدا ثم أسلم ثم مات من الجناية فالجناية هدر لأنها كانت غير ممنوعة بأن يحكم فيها بعقل أو قود ولو جنى عليه مرتدا فقطع يده ثم تاب ثم قطع رجله كان له القود في الرجل إن شاء لأنه جنى عليه مسلما ولو مات كانت لهم نصف الدية لأنه مات من جنايتين جناية ممنوعة وجناية غير ممنوعة.
الدين على المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان على المرتد دين ببينة قبل الردة ثم ارتد قضي عنه دينه إن كان حالا وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله إلا أن يموت فيحل بموته وكذلك كل ما أقر به قبل الردة
لأحد (قال): وإن لم يعرف الدين ببينة تقوم ولا بإقرار منه متقدم للردة ولم يعرف إلا بإقرار منه في الردة فإقراره جائز عليه وما دان في الردة قبل وقف ماله لزمه وما دان بعد وقف ماله فإن كان من بيع رد البيع وإن كان من سلف وقف فإن مات على الردة بطل وإن رجع إلى الإسلام لزمه لأنا نعلم برجوعه إلى الإسلام أن ماله لم يكن خرج من يده (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إذا ضربه مرتدا ثم أسلم ثم مات أنه يدرأ عنه القود بالشبهة ويغرم الدية وله أيضا قول آخر أنه لا شيء عليه لأن الحق قتله كما أنه لو قطع يدي رجل فقطعنا يده قصاصا ثم مات من القصاص لم يكن على آخذ القصاص شيء والحق قتله وكذلك المرتد إذا جرحه مرتد ثم أسلم فمات فلا شيء على من جرحه لأن الجرح منه كان مباحا في وقته ذلك فالحق قتله فلا شيء على من جرح.
الدين للمرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان للمرتد دين حال أخذ ممن هو عليه ويوقف في ماله وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله فإذا حل وقف إلا أن يموت المرتد قبل ذلك أو يقتل على ردته فيكون الدين إلى أجله فإذا قبض كان فيئا
(قال الربيع) في رجل جرح مرتدا ثم أسلم ثم مات ففيها قولان أحدهما أن يكون عليه الدية لأنه مات مسلما والقول الثاني أنه لا شيء على من جرحه وإن أسلم فمات من قبل أن الضربة كانت وهو مرتد فيها فالحق الذي قتله ولا شيء على من جرحه.
ذبيحة المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تؤكل ذبيحة المرتد إلى أي دين ما ارتد لأنه إنما رخص في ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم (قال): فلو عدا على شاة رجل فذبحها بغير إذنه ضمن قيمتها حية، وهكذا كل ما استهلك، ولو أمره أن يذبحها له وهو يعلمه مرتدا أو لا يعلمه لم يضمن شيئا لأنه لم يتعد ولا يأكلها صاحب الشاة (قال): ولو ذبح لنفسه أو استهلك متاعا لنفسه أو قتل عبدا لنفسه لم يضمن لأنه إن قتل أو مات على ردته فكل مال وجدناه له فهو فيء، وإن رجع إلى الإسلام علمنا برجوعه أنه إنما جنى على ماله ولا يضمن لنفسه مال نفسه.
نكاح المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز للمرتد أن ينكح قبل الحجر ولا بعده مسلمة لأنه مشرك ولا وثنية لأنه لا يحل له إلا ما يحل للمسلمين ولا كتابية لأنه لا يقر على دينه فإن نكح فأصاب واحدة منهن فلها مهر مثلها والنكاح مفسوخ ولا يكون للمرتد أن يزوج ابنته ولا أمته ولا امرأة هو وليها مسلمة أو مشركة ولا مسلما ولا مشركا وإذا أنكح فإنكاحه باطل والله الموفق.
الخلاف في المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فخالفنا بعض أهل ناحيتنا في المرتد بوجهين. أحدهما: أن قائلا منهم قال من ولد على الإسلام فارتد قتلته إلى أي دين ارتد وقتلته وإن تاب. وقال آخر منهم: من رجع إلى دين يظهره كاليهودية والنصرانية استتبته فإن تاب قبلت منه وإن لم يتب قتلته، وإن رجع إلى دين يستخفي به كالزندقة وما يستخفي به قتلته وإن أظهر التوبة لم أقبلها وأحسبه سوى بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه (قال الشافعي): فوافقنا بعض أصحابنا من المدنيين والمكيين والمشرقيين وغيرهم من أهل العلم في أن لا يقتل من أظهر التوبة وفي أن يسوي بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه ودان دينا يظهره أو دينا يستخفي به لأن كل ذلك كفر (قال الشافعي): والحجة على من فرق بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه أن الله أنزل حدوده فلم نعلم كتابا نزل ولا سنة مضت ولا أحدا من المسلمين خالف في الحدود بين أحد من المسلمين ولد على الكفر فأحدث إسلاما أو ولد على الإسلام والقتل على الردة حد ليس للإمام أن يعطله ولا يجوز لأحد إلا من فرضت طاعته أن يفرق بين الحدود والله أعلم.
تكلف الحجة على قائل القول الأول وعلى من قال أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره ولا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولولا غفلة في بعض السامعين الذين لعل من نوى الأجر في تبيينهم أن يؤجر ما تكلفت لأنه إنما يكتفي في هذين القولين بأن يحكيا فيعلم أن ليس فيهما مذهب يجوز أن يغلط به عالم بحال وأن كتاب الله تعالى ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم المعقول والقياس يدل على غير ما قال من قال هذا والله أعلم. ومن أوجز ما بين به أن الأمر على غير ما قيل أن يقال قد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بدل دينه فاضربوا عنقه» فهل يعد وهذا القول أبدا واحدا من معنيين؟ أن يكون من بدل دينه وأقام على تبديله ضربت عنقه كما تضرب عناق أهل الحرب. أو تكون كلمة التبديل توجب القتل وإن تاب كما يوجبه الزنا بعد الإحصان وقتل النفس بغير النفس فليس قولك واحدا منهما وأن يقال له لم قبلت إظهار التوبة من الذي رجع إلى النصرانية واليهودية ودين أظهره؟ ألأنك على ثقة من أنه إذا أظهر التوبة فقد صحت توبته أو قد يكون يظهرها وهو مشتمل على الكفر ودين النصرانية أو منتقل عنه إلى دين يخفيه؟ ولم أبيت قبول من أظهر التوبة وقد كان مستخفيا بالشرك؟ أعلى علم أنت من أن هذا لا يتوب توبة صحيحة أم قد يتوب توبة صحيحة؟ فلا يجوز لأحد أن يدعي علم هذا لأنه لا يعلم حقيقة علم هذا أحد من الآدميين غير المؤمن نفسه وإنما تولى الله عز ذكره علم الغيب، أو رأيت لو قال رجل من استسر بالكفر قبلت توبته لضعفه في استسراره ومن أعلنه لم تقبل توبته لما انكشف به من الكفر بالله وإن المنكشف بالمعصية أولى أن تنفر القلوب منه ويكاد أن يؤيس من صحة توبته لأنا رأينا من انكشف بالمعاصي سوى الشرك كان أحرى أن لا يتوب ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن هذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل وأن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر الآدميين وأنه تولى سرائرهم ولم يجعل لنبي مرسل ولا لأحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر وتولى دونهم السرائر لانفراده بعلمها وهكذا الحجة على من قال هذا القول. وأخبر الله عز وجل عن قوم من الأعراب فقال {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم قال مجاهد في قوله " أسلمنا "، قال أسلمنا مخافة القتل والسباء (قال الشافعي): وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه بإظهار الإيمان والاستسرار بالشرك وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار فقال {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأعلم أن حكمهم في الآخرة النار بعلمه أسرارهم وأن حكمه عليهم في الدنيا إن أظهروا الإيمان جنة لهم، وأخبر عن طائفة غيرهم فقال {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} وهذه حكاية عنهم وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين منفردا وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب وكل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم لأنه أبان أنه لم يول الحكم على السرائر غيره وأن قد ولى نبيه الحكم على الظاهر وعاشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتل منهم أحدا ولم يحبسه ولم يعاقبه ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم والصلاة على موتاهم وجميع حكم الإسلام وهؤلاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض والأعراب لا يدينون دينا يظهر بل يظهرون الإسلام ويستخفون بالشرك والتعطيل قال الله عز وجل {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} فإن قال قائل فلعل من سميت لم يظهر شركا سمعه منه آدمي وإنما أخبر الله أسرارهم فقد سمع من عدد منهم الشرك وشهد به عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من جحده وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر ولم يقفه على أن يقول أقر ومنهم من أقر بما شهد به عليه وقال تبت إلى الله وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر. ومنهم من عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن الزهري عن أسامة بن زيد وقال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس فإن قال قائل فقد قال الله عز وجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله} إلى قوله {وهم كافرون} قيل فهذا يبين ما قلنا وخلاف ما قال من خالفنا، فأما أمره أن لا يصلي عليهم فإن صلاته بأبي هو وأمي مخالفة صلاة غيره وأرجو أن يكون قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له وقضى أن لا يغفر للمقيم على شر فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (264)
صــــــــــ 179 الى صـــــــــــ 184
فإن قال قائل ما دل على هذا؟ قيل لم يمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليهم مسلما ولم يقتل منهم بعد هذا أحدا وترك الصلاة مباح على من قامت بالصلاة عليه طائفة من المسلمين فلما كان جائزا أن يترك الصلاة على المسلم إذا قام بالصلاة عليه بعض المسلمين لم يكن في ترك الصلاة معنى يغير ظاهر حكم الإسلام في الدنيا. وقد
عاشرهم حذيفة فعرفهم بأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وهم يصلون عليهم وكان عمر - رضي الله عنه - إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن اجلس جلس وإن قام معه صلى عليها عمر ولا يمنع هو ولا أبو بكر قبله ولا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم ولا شيئا من أحكام الإسلام ويدعها من تركها بمعنى ما وصفت من أنها إذا أبيح تركها من مسلم لا يعرف إلا بالإسلام كان أجوز تركها من المنافقين.
فإن قال فلعل هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة. قيل فلم لم يقتل أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم - ولا غيرهم منهم أحدا ولم يمنعه حكم الإسلام وقد أعلمت عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما توفي اشرأب النفاق بالمدينة.
(قال الشافعي): ويقال لأحد إن قال هذا ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أحد من أهل دهره لله حدا بل كان أقوم الناس بما افترض الله عليه من حدوده - صلى الله عليه وسلم - حتى قال في امرأة سرقت فشفع لها «إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه» وقد آمن بعض الناس ثم ارتد ثم أظهر الإيمان فلم يقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتل من المرتدين من لم يظهر الإيمان. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فأعلم أن حكمهم في الظاهر أن تمنع دماؤهم بإظهار الإيمان وحسابهم في المغيب على الله وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله عز وجل تولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات فتوبوا إلى الله واستتروا بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل» وقال - صلى الله عليه وسلم - «إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار» فأعلم أن حكمه كله على الظاهر وأنه لا يحل ما حرم الله وحكم الله على الباطن لأن الله عز وجل تولى الباطن وقال عمر بن الخطاب لرجل أظهر الإسلام كان يعرف منه خلافه إني لأحسبك متعوذا فقال أما في الإسلام ما أعاذني؟ فقال أجل إن في الإسلام ما أعاذ من استعاذ به قال ولو لم يعلم قائل هذا القول شيئا مما وصفنا إلا أنه وافقنا على قتل المرتد وأن يجعل ماله فيئا فكان حكمه عنده حكم المحارب من المشركين وكان أصل قوله في المحارب أنه إذا أظهر الإيمان في أي حال ما كان إسار أو تحت سيف أو غيرها أو على أي دين كان حقن دمه كان ينبغي أن يمنع من أن يقتل من أظهر الإيمان بأي حال كان وإلى أي دين كان رجع (قال الربيع) إذا قال بعض الناس فهم المشرقيون وإذا قال بعض أصحابنا أو بعض أهل بلدنا فهو مالك.
خلاف بعض الناس في المرتد والمرتدة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وخالفنا بعض الناس في غير ما خالفنا فيه بعض أصحابنا من المرتد والمرتدة فقال إذا ارتدت المرأة الحرة عن الإسلام حبست ولم تقتل وإن ارتدت الأمة تخدم القوم دفعت إليهم وأمروا بأن يجبروها على الإسلام قال وكانت حجته في أن لا تقتل المرأة على الردة شيئا رواه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في المرأة ترتد عن الإسلام تحبس ولا تقتل
وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث فسألناهم عن هذا الحديث فما علمت واحدا منهم سكت عن أن قال هذا خطأ والذي روى هذا ليس ممن يثبت أهل العلم حديثه فقلت له قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا شك في علمهم بحديثك وقد روى بعضهم عن أبي بكر أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فكيف لم تصر إليه؟ قال إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس على السنة لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء من أهل دار الحرب كان النساء ممن ثبتت له حرمة الإسلام أولى - عندي - أن لا يقتلن.
وقلت له أو جعلتهن قياسا على أهل دار الحرب لأن الشرك جمعهن؟ قال لا قلت ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما زعمت عن قتل الشيخ الفاني والأجير مع نهيه عن قتل النساء فإن قلت نعم قلت أفرأيت شيخا فانيا وأجيرا ارتدا أتقتلهما أم تدعهما لعلتك بالقياس على أهل دار الحرب؟ فقال بل أقتلهما قلت فرجل ارتد فترهب قال فأقتله قلت وأنت لا تقتل الرهبان من أهل دار الحرب قال لا قلت وتغنم مال الشيخ والأجير والراهب ولا تغنم مال المرتد؟ قال نعم قلت لم؟ ألأن المرتد لا يشبه أهل دار الحرب قال ما يشبهه قلت أجل ولئن كنت علمت أنه لا يشبهه فأردت أن تشبه على أهل الجهالة ليشرع قولك فإذا لم أقتل النساء من أهل دار الحرب لم أقتلهن ممن ثبتت له حرمة الإسلام يسرع هذا إلى قلوبهم بجهلهم والغباء الذي فيهم وأنت تعلم أن ليس في هذا القول أكثر من تعقلهم أن هذه المنزلة قريبة من المأثم إلا أن يعفو الله عز وجل ولئن كان هذا اجتهادا أن من نسبك إلى العلم بالقياس لجاهل بالقياس أرأيت إذا كان حكم المرتدة عندك أن لا تقتل كيف حبستها وأنت لا تحبس الحربية إنما تسبيها وتأخذ مالها وأنت لا تستأمن هذه ولا تأخذ مالها.
أرأيت لو كان الحبس حقا عليها كيف عطلت الحبس عن الأمة المرتدة إذا احتاج إليها أهلها؟ أو رأيت أهل الأمة إذا احتاجوا إليها وقد سرقت أتقطعها إذا سرقت وتقتلها إذا قتلت ولا تدفعها إليهم لحاجتهم إليها؟.
قال نعم قلت لأن الحق لا يعطل عن الأمة كما لا يعطل عن الحرة؟ قال نعم قلت فكيف عطلت عنها الحبس إن كان حقا في هذا الموضع؟ أو حبست الحرة إن لم يكن الحبس حقا؟ قال وقلت له هل تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من بدل دينه فاقتلوه» فتكون مبدلة دينها فتقتل؟ أو يكون هذا على الرجل دونها فمن أمرك بحبسها؟ وهل رأيت حبسا قط هكذا؟ إنما الحبس ليبين لك الحد فقد بان لك كفرها فإن كان عليها قتل قتلها وإن لم يكن فالحبس لها ظلم قال فتقول ماذا؟.
قلت أقول إن قتلها نص في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله «من بدل دينه فاقتلوه» وقوله «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس» كانت كافرة بعد إيمان فحل دمها كما إذا كانت زانية بعد إحصان أو قاتلة نفس بغير نفس قتلت ولا يجوز أن يقام عليها حد ويعطل الآخر وأقول القياس فيها على حكم الله تبارك وتعالى لو لم يكن هذا أن تقتل وذلك أن الله تعالى لم يفرق بينها وبين الرجل في حد قال الله تبارك وتعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقال جل ذكره {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} فقال المسلمون في اللاتي يرمين المحصنات يجلدن ثمانين جلدة ولم يفرقوا بينها وبين الرجل يرمي إذ رمت فكيف فرقت بينها وبين الرجل في الحد؟.
(قال الشافعي): عفا الله عنه فقلنا له النص عليك والقياس عليك وأنت تدعي القياس حيث تخالفه فقال أما إن أبا يوسف قد قال قولكم فزعم أن المرتدة تقتل فقلت أرجو أن يكون ذلك خيرا له
(قال الشافعي): ما يزيد قوله قولنا قوة ولا خلافه وهنا وقلت لبعض من قال هذا القول قد خالفتم في المرتد أيضا الكتاب والسنة في موضع آخر قلت أليس الأحياء مالكين أموالهم؟ قال بلى قلت وإنما نقل الله ملك الأحياء إلى ورثتهم بعد موتهم لأن الميت لا يملك؟ قال بلى قلت فالحي خلاف الميت قال نعم قلت أفرأيت المرتد معنا في دار الإسلام أسيرا أو هاربا أو معتوها بعد الردة أليس على ملك ماله لا يورث لأنه حي ولا يحل دينه المؤجل؟ قال بلى قلت أفرأيت إذا ارتد بطرسس ولحق بدار الحرب نراه فترهب أو كان يقاتل ونحن نراه أيشك أنه حي؟ قال لا قلت وإنما ورث الله عز وجل الأحياء من الموتى قال {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} وقال عز وجل {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن} قال نعم قلت فكيف زعمت أن المرتد يورث كما يورث الميت ويحل دينه المؤجل وتعتق أمهات أولاده ومدبريه في لحوقه بدار الحرب ونحن على يقين من حياته أيشكل عليك أن هذا خلاف كتاب الله عز وجل أن ورثت من حي وإنما ورث الله الموتى، والموتى خلاف الأحياء وفي توريثك من حي خلاف حكم الله عز وجل والدخول فيما عبت علي من سجل أنك تتبع حكمه؟ قال ومن هو؟ قلت عمر وعثمان قضيا في امرأة المفقود تتربص أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى ثم تنكح والمفقود من لا يسمع له بذكر وقد يكون الأغلب من هذا أنه مات وقد يفرق بين المرأة وزوجها بأشياء من عجز عن جماعها وغير ذلك نفيا للضرر وفي ذهابه مفقودا ضرر قد يغلب على الظن موته فقلت لا يجوز أن يؤذن لها تنكح بعد مدة وإن طالت حتى تكون على يقين من موته لأن الله عز وجل إنما جعل عليها العدة بعد موته ثم قلت برأيك لا متقدم لك فيه وقضيت قولك وحدك تورث من الحي في ساعة من نهار وإنما ورث الله عز وجل من الموتى فلو لم ترد علي هذا كنت لم تعب من قول الإمامين شيئا إلا دخلت في أعظم منه وأولى بالعيب وقلت له أنت تزعم أن القول الذي لا كتاب فيه ولا سنة لا يجوز إلا خبرا لازما أو قياسا فقولك في المرأة لا تقتل خبر؟ قال لا إلا أنه إذا لحق بدار الحرب لم أقدر على قتله ولا استتابته.
قلت أفرأيت إذا هرب في بلاد الإسلام أتقدر في حال هربه على قتله أو استتابته؟ قال لا قلت وكذلك لو عته بعد الردة أو غلب على عقله بمعنى لم تكن قادرا على قتله ولا استتابته؟ قال نعم قلت فالعلة التي اعتللت بها من أنك لا تقدر على قتله ولا استتابته في هذين المعنيين ولا نراك قسمت ميراثه فيهما وحكمت عليه حكم الموتى فلا أسمع قولك مع خلافه الكتاب إلا يتناقص وهذا الذي عبت على غيرك أقل منه.
(قال): وقلت له أرأيت لو كانت ردته ولحوقه بدار الحرب توجب عليه حكم الموتى أما كان يلزمك لو رجع بعد لحوقه بدار الحرب تائبا أن تمضي عليه حكم الموتى؟ قال لا أمضي ذلك عليه وقد رجع قلت فردته إذا عته ولحوقه لا يوجبان حكم الموتى عليه.
(قال الشافعي): وقلت لبعضهم أرأيت إذا حكمت عليه وهو بدار الحرب حكم الموتى فأعتقت أمهات أولاده ومدبريه وأحللت ديته البعيد الأجل وقسمت ميراثه بين ورثته ثم رجع تائبا وذلك كله قائم في أيدي من أخذه وأمهات أولاده والمدبرون حضور هل يجوز في حكم مضى إلا أن ترده أو تنفذه؟ قال لا قلت فقل في هذا أيهما شئت إن شئت فهو نافذ وإن شئت فهو مردود قال بل نافذ في مدبريه وأمهات أولاده ولا يرجعون رقيقا وفي
دينه فلا يرجع إلى أجله وإن وجدته قائما بعينه لأن الحكم نفذ فيه وما وجدت في أيدي ورثته رددته لأنه ماله وهو حي فقلت له إنما حكمت في جميع ماله الحكم في مال الميت فكيف أنفذت بعضا ورددت بعضا؟ أرأيت لو قال قائل بل أنفذ لورثته لأنهم يعودون عليه في حاجته ويرثهم ولا أنفذ لغرمائه ولا مدبريه ولا أمهات أولاده ألا يكون أقرب إلى أن يكون أعقل بشيء منك وإن كان هذا مما لا يجوز لأحد أن يفتي به؟.
(قال): وقلت له أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مؤمنا؟ قال بل كافر قلت فقد أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» فكيف ورثت المسلم من الكافر؟ قال قد كانت ثبتت له حرمة الإسلام قلت أفرأيت لو مات بعض ولده وهو مرتد أتورثه منه؟ قال لا لأنه كافر قلت ما أبعدك والله يصلحنا وإياك من أن تقف على تصحيح قول نفسك أو تتبع السنة إن زعمت أن إن ثبتت له حرمة الإسلام حال المسلمين في أن يورث بعد ذلك فكذلك ينبغي له أن يرث وإن زعمت أن انتقاله عن الإسلام منعه ذلك ثم حول حكمه حتى صرت تقتله وتجعله في أسوأ من حال المشركين والمحاربين لأن لك أن تدعهم من القتل وليس لك تركه منه فكيف ورثت منه مسلما وهو كافر؟
(قال الشافعي): - رحمه الله - فقال أو قال بعض من حضره ممن يقول بقوله أو هما إنما أخذنا بهذا أن عليا - رضي الله عنه - قتل مرتدا وأعطى ورثته من المسلمين ميراثه فقلت له سمعت من أهل العلم بالحديث منكم من يزعم أن الحفاظ لم يحفظوا عن علي - رضي الله عنه - قسم ماله بين ورثته من المسلمين ونخاف أن يكون الذي زاد هذا غلط وقلت له أرأيت أصل مذهب أهل العلم أليس إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء لم يكن في أحد معه حجة؟ قال بلى قلت فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» فكيف خالفته؟ (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال فلعله أراد الكافر الذي لم يكن أسلم فقلت له أفترى في الحديث دلالة على ذلك؟ قال قد يحتمل قلت فإن جاز هذا لك لم يجز إلا بأن يكون المرتد يرث ولده وزوجته لو ماتوا مسلمين وهو في ردته ويكون حكمه حكم المسلمين في الميراث قال ما أقول بهذا قلت أجل ولا أن تحول الحديث عن ظاهره بغير دلالة فيه ولا في غيره عمن الحديث عنه. ولو جاز جاز أن يقال هذا في أهل الأوثان من المشركين خاصة.
فأما أهل الكتاب فيرثهم المسلمون كما ينكحون نساءهم قال فإنما قلت ذلك لشيء رويته عن علي - رضي الله عنه - ولعل عليا قد علم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت أفعلمت عليا - رضي الله عنه - روى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول قد رواه ولم تقل ذلك إلا بعلم؟ قال ما علمت قلت فيمكن أن يكون علي - رضي الله عنه - لم يسمعه؟ قال نعم وهو يشبه أن لا يكون ذهب عليه (قال الشافعي): - رحمه الله - فقيل له ليس بثابت عن علي - رضي الله عنه - وقد كلمتمونا على أنه ثابت فلم يكن لك فيه حجة ويعاد عليك بأكثر من حجتك فإن كانت فيها حجة لزمك ما زعمت أنه يلزمك وغيرك وإن لم يكن فيها حجة استدللت على أنك لم تحتج بشيء تجوز الحجة به قال وما هو؟ قلت روي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه ورث مسلما من كافر أحسبه ذميا وروي عن معاوية أنه ورث المسلم من الكافر ولم يورث الكافر من المسلم لأنه بلغه أن رجالا منعهم من الإسلام أن يحرموا مواريث آبائهم وأعجب مسروق بن الأجدع وقاله غيره فقال نرثهم ولا يرثونا كما يحل لنا نساؤهم ولا يحل لهم نساؤنا وروي عن محمد بن علي يرث المسلم الكافر وعن سعيد بن المسيب. وفي هذا المعنى قول معاذ بن جبل وهو يجوز عليك أن يقال لم يذهب عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه معه من سمينا وغيرهم
وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتمل ما زعمت أنه يحتمل من أن يكون الحكم على بعض الكافرين دون بعض فنورث المسلم من الكافر الكتابي كما يحل لنا نساؤهم.
قال لا يجوز إذا جاء الشيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يؤخذ بجملته ولا يترك إلا بدلالة عنه أو من يروي الحديث عنه وقد يذهب على معاذ وغيره بعض حديثه (قال الشافعي): - رحمه الله -: فقيل له لقلما رأيتك ترى أن لك الحجة في شيء إلا لزمك مثله أو أكثر منه ثم زعمت أنه ليس بحجة ثم لا يمنعك ذلك من العودة لمثله فإن كان هذا غباء فلو أمسكت عن أن تحتج وإن كان هذا عمدا أن تلبس على جاهل فهذا أسوأ لحالك فيما بينك وبين الله عز وجل ولعله لا يسعك ذلك. وقد أدخلت عالما كثيرا من أهل الغفلة والاستعجال بأن يكونوا مفتين في خلاف كثير من الكتاب والسنة فقال منهم قائل فهل رويت في ميراث المرتد شيئا عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت إذ أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الكافر لا يرث المسلم وكان كافرا ففي السنة كفاية من أن ماله مال كافر ولا وارث له فإنما هو فيء وقد روي أن معاوية - رضي الله عنه - كتب إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وزيد بن ثابت - رضي الله عنه - يسألهما عن ميراث المرتد فقالا لبيت المال.
(قال الشافعي): يعنيان أنه فيء (قال الشافعي): - رحمه الله - فقال فكيف خمسته؟ قلت المال ثلاثة أصناف صدقة وغنيمة قوتل عليها وليس بواحد من هذين وفيء قسمته في سورة الحشر بأن كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسه والأربعة الأخماس لجماعة أهل الفيء قال فقال بعضهم فإن من أصحابكم من زعم «أن ابن خطل ارتد فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تسمع أنه غنم ماله» فقلت له أنتم تنسبون أنفسكم إلى الصبر على المناظرة والنصفة وتنسبون أصحابنا إلى الغفلة وأنهم لا يسلكون طريق المناظرة فكيف صرت إلى الحجة بقول واحد هو وأصحابه عندك كما تصف؟ قال أفعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غنم مال ابن خطل قلت ولا علمته ورث ورثته المسلمين ولا علمت له مالا، أفرأيت إن جاز لك أن توهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغنمه لأنه لم يرو عنه أنه غنمه أيجوز لأحد أن يتوهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غنمه قال نعم ولا يجوز لواحد منهما ثم يجوز لثالث أن يقول لم يكن له مال ثم لو أجزت التوهم جاز أن يقال كان له مال فغنم بعضه قال لا يجوز هذا. قال فقد زعم بعض أصحابك أن رجلا ارتد في عهد عمر - رضي الله عنه - ولحق بدار الحرب فلم يتعرض عمر لماله ولا عثمان بعده قلنا لا نعرف هذا ثابت عن عمر ولا عن عثمان ولو كان خلاف قولك وبما قلنا أشبه قال فكيف؟ قلت أنت تزعم أنه إذا لحق بدار الحرب قسم ماله وتروون عن عمر وعثمان أنهما لم يقسماه وتقول لم يتعرض له وقد يكون بيدي من وثق به أو يكون ضمنه من هو في يده ولم يبلغه موته فيأخذه فيئا؟
(قال الشافعي): فقال منهم قائل فكيف قلت إذا ارتد أحد الزوجين لم ينفسخ النكاح إلا بمضي العدة؟ قلت قلته أنه في معنى حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأين؟ قلت إذا كان الزوجان الوثنيان متناكحين فأسلم أحدهما فحرم على الآخر قال فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - منتهى بينونة المرأة من الزوج أن تمضي عدتها قبل أن يسلم الآخر منهما إسلاما بدلالة عنه ممن روى الحديث كان هكذا المسلمان متناكحين ثم أحدث أحدهما ما حرم به على الآخر فإن رجع قبل مضي عدة الزوجة كانا على أصل النكاح كما كان الحربيان قال فهل خالف هذا من أصحابك أحد؟ فقلت إن أحدا يكون قوله حجة فلا أعلمه وأصحابي عندك كما علمت فما مسألتك عن قول من لا تعتد بقوله وافقك أو خالفك اصطدام السفينتين والفارسين (أخبرنا) الربيع قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اصطدم الفارسان لم يسبق أحدهما صاحبه بأن يكون صادما فماتا معا وفرساهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة صادمه من قبل أن كل واحد منهما في الظاهر مات من جناية نفسه وجناية غيره فترفع عنه جناية نفسه ويؤخذ له بجناية غيره وهكذا فرساهما إلا أن نصف قيمة فرس كل واحد منهما في مال صادمه دون عاقلته، وهكذا لو أن عشرة يرمون بالمنجنيق أو عرادة فوقع الحجر عليهم معا فقتل كل واحدا ضمن عواقل التسعة تسعة أعشار دية الميت من قبل أنه مات من فعلهم وفعله فلا يعقلون فعله ويعقلون فعل أنفسهم قال: وهكذا لو كان اثنان فرميا بمنجنيق فرجع الحجر عليهما فمات أحدهما ضمنت عاقلة الباقي منهما نصف دية الميت كالمسألة فيه قبلها، قال ولو ماتا معا ضمنت عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر وهكذا هذا الباب كله وقياسه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (265)
صــــــــــ 185 الى صـــــــــــ 190
قال وإذا اشترك في الجناية من عليه عقل ومن لا عقل عليه ضمن من عليه العقل وطرح حصة من لا عقل عليه كما وصفنا في الإنسان يجني على نفسه هو وغيره فترفع حصته ويقضى على غيره ومثل الإنسان والسبع يجنيان على الإنسان فيموت والجناية خطأ من الجاني فنصف عقل المجني عليه على عاقلة الجاني وحصة السبع منها هدر
(قال الشافعي): فإن كانت سفينتان اصطدمتا فانكسرتا فكان لا يمكن كل واحد من أهل السفينتين المصطدمتين صرفها عن صدم الأخرى بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال لا بإضرار بها وبركبانها أو بلا إضرار بها ولا بركبانها فالقول فيها كالقول في الفارسين يصطدمان فإن كان لا يمكنهم ذلك بحال من الأحوال أبدا فما صنعا هدر. قال وإذا كان في السفينة أجراء يعملون فيها عملا غرقت بسببه فإن كان رب السفينة معهم فأمرهم بذلك العمل ولا شيء فيها إلا لرب السفينة فلا شيء على الذين مدوها ولا على رب السفينة فإن كان فيها شيء لغيره فإن كان ما أمرهم به عند أهل العلم بالبحر من صلاح السفينة ونجاتها لم يضمن ولم يضمنوا وإن كان من غير صلاحها ضمن في قول من يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمن صاحب السفينة إذا كان أخذ عليها أجرا ولم يضمن الأجراء لصاحب السفينة ما هلك له من قبل أنهم بأمره فعلوا. ولو كان رب الطعام مع الطعام فأمرهم بذلك الفعل لم يضمنوا لأنهم فعلوه بأمره في واحد من القولين قال: وإن كان في السفينة أجراء وليس فيها ربها ففعلوا هذا الفعل فمن ضمن الأجير ضمنهم ومن لم يضمن الأجير لم يضمنهم إلا فيما فعلوا مما ليس فيه صلاح لها فيكون ذلك جناية يضمنونها.
مسألة الحجام والخاتن والبيطار
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته فتلفوا من فعله فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه وإن كان فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح وكان عالما به فهو ضامن
وله أجر ما عمل في الحالين في السلامة والعطب قال أبو محمد " وفيه قول آخر: إذا فعل ما لا يفعل فيه مثله فليس له من الأجر شيء لأنه متعد والعمل الذي عمله لم يؤمر به فهو ضامن ولا أجر له وهذا أصح القولين وهو معنى قول الشافعي (قال الشافعي): ولا أعلم أحدا ممن ضمن الصناع يضمن هؤلاء وإن في تركهم تضمين هؤلاء لما وجه به من لا يضمن الصناع الحجة عليهم لأنهم إذا ألغوا الضمان عمن لم يبعد من هؤلاء لزمهم إلغاؤه عمن لم يبعد من الصناع وما علمت أني سألت أحدا منهم ففرق بينهما بأكثر من أن قال هذا أذن للصانع قلما وكذلك ذاك أذن للصانع وما وجدت بينهما فرقا إلا فرقا خطر ببالي فقد يفرق الناس بما هو أبعد منه وأغمض وما هو بالفرق البين. وذلك أن ما كان فيه روح قد يموت بقدر الله عز وجل لا من شيء عرفه الآدميون فلما عالج هؤلاء فيه شيئا فمات لم يكن الظاهر أنه مات من علاجهم لأنه يمكن أن يموت من غيره فلم يضمن من قبل أنه مأذون له فيما فعل وغير ذوي الأرواح مما صنع إنما جعل إتلافه بشيء يحدثه فيه الآدميون أو بحدث يرى. ومن فرق بهذا الفرق دخل عليه أن يقال فأنت لو كان هؤلاء متعدين جعلتهم ماتوا بهذا الفعل وإن كان يمكن غيره فكذلك كان ينبغي أن تقول في الصناع كلهم
(قال): وإذا استأجر الرجل الرجل أن يخبز له خبزا معلوما في تنور أو فرن فاحترق الخبز سئل أهل العلم به فإن كان خبزه في حال لا يخبز في مثلها باستيقاد التنور أو شدة جمرته أو تركه تركا لا يترك مثله فهذا كله تعد يضمن فيه بكل حال عند من يضمن الأجير ومن لم يضمنه وإن قالوا الحال التي خبز فيها والتي تركه فيها والعمل الذي عمل فيه إصلاح لا إفساد لم يضمن عند من لا يضمن الأجير ضمن عند من يضمن الأجير
(قال): وإذا استودع الرجل الرجل إناء من قوارير فأخذه المستودع في يده ليحرزه في منزله فأصابه شيء من غير فعله فانكسر لم يضمن وإن أصابه بفعله مخطئا أو عامدا قبل أن يصير إلى البيت أو بعد ما صار إليه فهو له ضامن.
مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو كبحها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما يفعل العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل في الكبح والضرب مثل ما يفعل بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقة ولا شيء عليه وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع يكون بمثله تلفا أو فعله في الموضع الذي لا يفعل في مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد. والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد.
فأما الرائض فإن من شأن الرواض الذي يعرف به إصلاحهم الدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر مما تفعل الركاب غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعنات بين لم يضمن إن عيبت وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن (قال
الربيع) قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - «العرية مضمونة» مؤداة وهو آخر قوليه (قال الشافعي): والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به ومما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها وما إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة يفعله الراعي لم يضمن وإن تلف وإن فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شيء ضمنه عند من لا يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه في كل حال.
جناية معلم الكتاب
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومعلم الكتاب والآدميين كلهم مخالف لراعي البهائم وصناع الأعمال فإذا ضرب أحد من هؤلاء في استصلاح المضروب أو غير استصلاحه فتلف المضروب كانت فيه ديته على عاقلة ضاربه ولا يرفع عن أحد أصاب الآدميين العقل والقود في دار الإسلام إلا الإمام يقيم الحد فإن هذا أمر لازم ولا يحل له تعطيله، ولو عزر فتلف على يديه كانت فيه الدية والكفارة وإن كان يرى أن التعزير جائز له وذلك أن التعزير أدب لا حد من حدود الله تعالى. وقد كان يجوز تركه ولا يأثم من تركه فيه. ألا ترى أن أمورا قد فعلت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت غير حدود فلم يضرب فيها، منها الغلول في سبيل الله وغير ذلك ولم يؤت بحد قط فعفاه.
والموضع الثاني: الذي يبطل فيه العقل والقود رجل يعطي الختان فيختنه والطبيب فيفتح عروقه أو يقطع العرق من عروقه خوف أكلة أو داء فيموت في ذلك فلا نجعل فيه عقلا ولا قودا من قبل أنه فعله بصاحبه بإذنه ففعله كفعله بنفسه إذا كان الذي فعل به ذلك بالغا حرا أو مملوكا بإذن سيده فإن كان مملوكا بغير إذن سيده ضمن قيمته.
فإن قال قائل: كيف يسقط عن الإمام أن يقتص في الجرح ويقطع في السرقة ويجلد في الحد فلا يكون فيه عقل ولا قود ويكون الإمام إذا أدب وله أن يؤدب ضامنا تلف المؤدب. قيل: الحد والقصاص فرض من الله عز وجل على الوالي أن يقيمه فلا يحل له ترك إقامته والتعزير كما وصفت إنما هو شيء وإن رأى بعض الولاة أن يفعله على التأديب لا يأثم بتركه. وقد قيل بعث عمر إلى امرأة في شيء بلغه عنها فأسقطت فاستشار فقال له قائل أنت مؤدب فقال له علي - رضي الله عنه - إن كان اجتهد فقد أخطأ وإن كان لم يجتهد فقد غش، عليك الدية. فقال عزمت عليك لا تجلس حتى تضربها على قومك وبهذا ذهبنا إلى هذا وإلى أن خطأ الإمام على عاقلته دون بيت المال وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا من مات في حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه فديته إما قال على بيت المال وإما قال على الإمام وكان معلم الكتاب والعبيد وأجراء الصناعات في أضعف وأقل عذرا بالضرب من الإمام يؤدب الناس على المعاصي التي ليست فيها حدود وكانوا أولى أن يضمنوا ما تلف من الإمام
فأما البهائم فإنما هي أموال حكمها غير حكم الأنفس. ألا ترى أن الرجل يرمي الشيء فيصيب آدميا فيكون عليه فيه تحرير رقبة لم يقصد قصد معصية والمأثم مرفوع عنه في الخطأ ويكون عليه دية وأن الله عز وجل وعد قاتل العمد النار وليس البهائم في شيء من هذا المعنى والآدميون يؤدبون على الصناعات بالكلام فيعقلونه وليس هكذا مؤدب البهائم فإذا خلى رب البهيمة
بينها وبين الرجل بما يجوز له ففعله فإنما يفعله عن أمره أو بأمر الحاكم فيه أنه كأمره إذا كان ذلك غير تعد وهو لو أمره في البهيمة بعدوان فأمره بقتلها فقتلها لم يضمن له شيئا من قبل أنه إنما فعله عن أمره فلا يضمن له ماله عن أمره ولو كان آثما ولو أمره بقتل أبيه فقتله لم يسقط عنه ذلك كما يسقط عنه في البهيمة.
مسألة الأجراء
" أخبرنا الربيع " قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال الأجراء كلهم سواء فإذا تلف في أيديهم شيء من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ الكراء على شيء كان له ضامنا حتى يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على ما دفعت إليه وإعطائي هذا الأجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشيء على منفعة له فيه إما مسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله وإما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس بهذا سنة علمتها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي فيه شيء عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - ليس يثبت عند أهل الحديث عنهما ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الأجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعية وحمل المتاع والأجير على الشيء يصنعه لأن عمر - رضي الله عنه - إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا فكل من أخذ أجرا فهو في معناهم وإن كان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ضمن القصار والصابغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرا وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن ضمن الأجير بكل حال فكان مع الأجير ما قلت مثل أن استحمله الشيء على ظهره أو استعمله لشيء في بيته أو غير بيته وهو حاضر لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا الأجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ولو غاب عنه أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل وقد تعديت، وبينهما بينة أو لا بينة بينهما فإذا كانت البينة سئل عدلان من أهل تلك الصناعة فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر وإذا لم يكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذي أجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله وإذا ادعى ما لا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله ومن ضمن
الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لأنه كان عليه أن يؤديه إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني أو تضمين الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذه من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال أن يرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال.
قال وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولي الوزن والكيل قلنا في الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن النقص كما زعم أهل العلم بلا جناية ولا آفة فلما كان النقص يكون ولا يكون قلنا إن شاء أحلفنا لك الحمال ما خانك ولا تعدى بشيء أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إن كانت الزيادة قد تكون لأمر حادث ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها فهي لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أوفينا رب المال ماله تاما ولم نسلم لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كانت زيادة لا يزيد مثلها أوفينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا أمين له معك قلنا لرب الطعام هو مقر بأن هذه الزيادة لك فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمله منه لأنه متعد إلا أن ترضى بأن تأخذه في موضعك فلا يحال بينك وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان. وإن قلت رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد الطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى فمن رأى تضمين الحمال ضمنه ما نقص عن المكيلة لا يدفع عنه شيئا ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان، والله أعلم.
باب خطأ الطبيب والإمام يؤدب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قلت للشافعي - رضي الله عنه - فما تقول في الرجل يضرب امرأته الناشزة فتؤتى على يديه فتموت والإمام يضرب الرجل في الأدب أو في حد فيموت أو الخاتن يؤتى على يديه فيموت أو الرجل يأمر الرجل يقطع شيئا من جسده فيموت أحد من هؤلاء في شيء من ذلك أو المعلم يؤدب الصبي والرجل يؤدب يتيمه فيموت وما أشبه ذلك؟ (قال الشافعي): أصل هذه الأشياء من وجهين يكون عليه في أحدهما العقل ولا يكون عليه في الآخر العقل فأما ما لا يكون فيه من ذلك عقل فما كان لا يحل للإمام إلا أخذه ممن عاقبه به فإن تلف المعاقب به منه لم يكن على الذي عاقبه به
شيء والمقيم عليه مأجور فيه وذلك مثل أن يزني وهو بكر فيجلده أو يسرق ما يجب فيه القطع فيقطعه أو يجرح جرحا فيقتص منه أو يقذف فيجلد حد القذف فكل ما كان في هذا المعنى من حد أنزله الله تعالى في كتابه أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن مات فيه فالحق قتله فلا عقل ولا كفارة على الإمام فيه والوجه الثاني الذي يسقط فيه العقل أن يأمر الرجل به الداء الطبيب أن يبط جرحه أو الأكلة أن يقطع عضوا يخاف مشيها إليه أو يفجر له عرقا، أو الحجام أن يحجمه أو الكاوي أن يكويه أو يأمر أبو الصبي أو سيد المملوك الحجام أن يختنه فيموت من شيء من هذا ولم يتعد المأمور ما أمره به فلا عقل ولا مأخوذية إن حسنت نيته إن شاء الله تعالى وذلك أن الطبيب والحجام إنما فعلاه للصلاح بأمر المفعول به أو والد الصبي أو سيد المملوك الذي يجوز عليهما أمره في كل نظر لهما كما يجوز عليهما أمر أنفسهما لو كانا بالغين فأما ما عاقب به السلطان في غير حد وجب لله وتلف منه المعاقب فعلى السلطان عقل المعاقب وعليه الكفارة ثم اختلف في العقل الذي يلزم السلطان فأما الذي أختار والذي سمعت ممن أرضى من علمائنا أن العقل على عاقلة السلطان وقد قال غيرنا من المشرقيين العقل على بيت المال لأن السلطان إنما يؤدب لجماعة المسلمين فيما فيه صلاحهم فالعقل عليهم في بيت مالهم وهكذا الرجل يؤدب امرأته فتؤتى على يديه فتتلف العقل على عاقلته وهكذا كل أمر لا يلزم السلطان أن يقوم به لله تعالى من حد أو قتل ولم يبحه المرء من نفسه على معنى المنفعة له فناله منه سلطان أو غيره فلا يبطل العقل به.
فإن قال قائل لم زعمت أن للسلطان أن يؤدب وأن يحد ثم أبطلت ما تلف بالحد وألزمته ما تلف بالأدب؟ قلنا فإن الحد فرض على السلطان أن يقوم به وإن تركه كان عاصيا لله بتركه والأدب أمر لم يبح له إلا بالرأي وحلال له تركه ألا ترى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ظهر على قوم أنهم قد غلوا في سبيل الله فلم يعاقبهم.» ولو كانت العقوبة تلزم لزوم الحد ما تركهم كما قال - صلى الله عليه وسلم - وقطع امرأة لها شرف فكلم فيها فقال: «لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها» وقد قال الله تبارك وتعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} والذي يعرف أن الخطأ أن يرمي الشيء فيصيب غيره وقد يحتمل معنى غيره.
(قال الشافعي): ولم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن للرجل أن يرمي الصيد وأن يرمي الغرض وأنه لو رمى واحدا منهما ولا يرى إنسانا ولا شاة لإنسان فأصابت الرمية إنسانا أو شاة لإنسان ضمن دية المصاب إذا مات وثمن الشاة إذا ماتت فوجدت حكمهم له بإباحة الرمية إذا تعقب فمعناه معنى أن يرمي على أن لا يتلف مسلما ولا حق مسلم ووجدته يحل له أن يترك الرمي كما وجدته يحل للإمام أن يترك العقوبة وكان الشيء الذي يفعله الإمام وله تركه بالرمية يرميها الرجل مباحة له وله تركها فيتلف شيئا فيضمنه الرامي أشبه به منه بالحد الذي فرض الله عز وجل أن يأخذه بل العقوبة أولى أن تكون مضمونة إن جاء فيها تلف من الرمية لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة وقد يختلف الناس في العقوبات فيكره بعضهم العقوبة ويقول بعضهم لا يبلغ بالعقوبة كذا ويقول بعضهم لا يزاد فيها على كذا وفي مثل معنى الرامي الرجل يؤدب امرأته لأنه كان له أن يدعها وكان الترك خيرا له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بعد الإذن بضربهن
«لن يضرب خياركم» وكان الضارب إذا كان الترك خيرا له أولى أن يضمن إن كان تلف على المضروب لأنه عامد للضرب الذي به التلف في الحكم من الرامي الذي لم يعمد قط أن يصيب المرمي.
(قال الشافعي): فإن قال قائل فهل من شيء يعنيه سوى هذا؟ فهذا مكتفى به وقد قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما من أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا المحدود في الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن مات منه فديته لا أدري قال في بيت المال أو على الذي حده، شك الشافعي.
(قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (266)
صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ 196
(قال الشافعي): وبلغنا أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذعرها ففزعت فأسقطت فاستشار عمر في سقطها فقال له علي - رضي الله عنهما - كلمة لا أحفظها أعرف أن معناها أن عليه الدية فأمر عمر عليا - رضي الله عنهما - أن يضربها على قومه وقد كان لعمر أن يبعث وللإمام أن يحد في الخمر عند العامة فلما كان في البعثة تلف على المبعوث إليها أو على ذي بطنها فقال علي وقال عمر إن عليه مع ذلك الدية كان الذي نراهم ذهبوا إليه مثل الذي وصفنا من أن لي أن أرمي على أن لا يتلف أحد برميتي فذهبوا - والله أعلم - إلى أنه وإن كانت له الرسالة فعليه أن لا يتلف بها أحدا فإن تلف ضمن وكان المأثم مرفوعا.
الجمل الصئول
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال حكى محمد بن الحسن قال قال أهل المدينة إذا صال الجمل على الرجل أقام بينة بصياله عليه وأنه ضربه عند صياله فقتله أو عقره فلا ضمان عليه وإن لم يكن بينة إلا قوله ضمن وقال أبو حنيفة يضمن في الحالين لأنه لا جناية لبهيمة تحل دمها ولا جرحها. وقال محمد بن الحسن وغيره ممن يقول قوله فيه قولا قد جمعته وحكيت ما حضرني فيه وكله قالاه لي أو أحدهما وقلته لهما فقال ما تقول فيما اختلف فيه؟ قلت أقول بما حكيت عن أصحابنا أنهم قالوه قال فما حجتك فيه؟ قلت إن الله عز وجل منع دماء المسلمين إلا بحقها وإن المسلمين لم يختلفوا فيما علمت أو من علمت قوله منهم في أن مسلما لو أرادني في الموضع الذي لا يمنعني منه باب أغلقه ولا قوة لي بمنعه ولا مهرب أمتنع به منه وكانت منعتي منه التي أدفع عني إرادته لي إنما بضربه بسلاح فحضرني سيف أو غيره كان لي ضربه بالسيف لأمنع حرمتي التي حرم الله تعالى عليه انتهاكها فإن أتى الضرب على نفسه فلا عقل علي ولا قود ولا كفارة لأني فعلت فعلا مباحا لي فلما كان هذا في المسلم هكذا كان البعير أقل حرمة وأصغر قدرا وأولى أن يجوز هذا فيه قال إن البعير لا يقتل إن قتل والمسلم إن قتل قتل قلت ما خالفتك في هذا فأين زعمت أنهما يجتمعان فيه؟.
وإنما جمعت بينهما حيث اجتمعا وفرقت بينهما حيث افترقا وإنما قلت المسلم في الحال التي وصفت أراد فيها الجناية فقال ما قتلته إلا بجناية ولولا الجناية ما حل لك دمه قلت فهل تكون الإرادة جناية؟ قال نعم قلت فما تقول فيما لو أرادني فحال بيني وبينه نهر أو خندق أو انكسرت رجله أو يده أو حبسه حابس وهو يريدني إلا أنه لم ينلني حيث هو بيد ولا بسلاح أكان يحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو كان بحيث ينالني فظفرت بسلاحه حتى صار غير قادر علي أيحل لي قتله؟ قال لا قلت ولو جرحته جرحا يمنعه من قتلي وهو يريدني أكان يحل لي قتله قال لا، قلت ولو أرادني ولم يكن في يده ما يقتلني به كان يحل لي قتله؟ قال لا قلت وأسمعك مزيدا إلى
حالات تزعم أن دمه فيها كلها محرم فلو كنت إنما أبحت دمه بالإرادة فقط انبغى أن تبيح دمه في هذه الحالات كلها. قال فبأي شيء أبحت دمه؟ قلت يمنع الله تعالى ما حرم الله تعالى أن ينتهك مني فلما لم أجد مانعا لدمي إلا ضربه ضربته فإذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على قتلي فدمه محرم لأنه لم يفعل فعلا يحل دمه إنما فعل فعلا يحل منعه لا دمه فإن كان في منعه حتفه فهو أحله بنفسه وإن لم يكن فيه حتفه لم يحل لي قتله بعد أماني من أن يقتلني.
وكذلك في الحالات التي وصفت لك قبل أن أضربه فلو صار إلى حال امتنع فيها منه بغير ضربه لم يحل لي ضربه. وكذلك الجمل إذا لم أقدر على دفعه إلا بما دفعت به المسلم من الضرب ضربته وإن أتت الضربة على نفسه وإن صار إلى الحال التي آمنه فيها على نفسي لم يحل لي ضربه ولو ضربته فقتلته غرمت ثمنه فلم أبحها بجناية إنما الجناية الفعل لا الإرادة ولكن أبحتها لمنع حرمتي، وكذلك المجنون، وكذلك الصبي والله أعلم.
الاستحقاق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا اعترف الرجل دابة في يدي رجل والمعترفة في يديه ينكر أو لا ينكر ولا يعترف كلف المعترف البينة فإن جاء بالبينة أنها دابته لا يعلمون أنه باع ولا وهب أو قالوا لم يبع ولم يهب فليس ذلك مما ترد به شهادتهم وإنما ذلك على العلم أحلف صاحب الدابة بالله إن هذه الدابة ما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه ثم دفعت إليه وإذا أسلف الرجل عبدا في طعام أو ثوبا أو عرضا أو دنانير أو دراهم أو ما كان فاستحق ما سلف من ذلك بطل البيع لأن الثمن العين الذي أسلفه ولا تختلف في ذلك الدنانير والدراهم باعها وهو لا يملكها وهذا في بيوع الأعيان فمن باع عينا أو اشترى بعين وشراؤه بالعين بيع للعين فاستحقت تلك العين انتقض البيع، وإذا باع صفة من الصفات مضمونة فقبضها المشتري فاستحقت لم ينتقض البيع. وذلك أن البيع لم يقع على تلك العين وإنما وقع على شيء مضمون بصفة في ذمة البائع كالدين عليه ولا يبرأ منه هو أبدا إلا بأن يسلم لصاحبه فكلما استحق شيء بصفة رجع عليه حتى يستوفي تلك الصفة، وإذا صرف دنانير بأعيانها بدراهم بأعيانها فاستحقت الدراهم أو الدنانير لا فرق بين الدنانير والدراهم وغيرها بطل البيع فيها.
(قال الربيع) من اشترى شيئا بعينه بشيء بعينه فاستحق أحد الشيئين بطل البيع كله لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها وهو قول الشافعي
(قال الشافعي): وإذا اشترى الرجل جارية فأولدها من سوق من أسواق المسلمين أو غير أسواق المسلمين أو نكحته على أنها حرة فولدت له ثم استحقها سيدها فعليه مهر مثلها لسيدها وعليه قيمة أولادها منه يوم سقطوا لأن ذلك أول ما كان لهم حكم الدنيا ويأخذها سيدها مملوكة وإنما أعتق الولد بالغرور، ولو كانت أقرت بالرق فنكح على ذلك فإن ولده مماليك، ولو كان أمتان بين رجلين فاقتسماهما وصارت إحداهما لأحدهما فولدت منه ثم استحقها رجل آخر أخذها ومهر مثلها وقيمة ولدها وولدها أحرار وانتقض القسم بينهما وصارت الجارية باقية بينهما، وإذا ابتاع الرجل جارية فماتت في يديه فالموت فوت ثم استحقها رجل كان له أن يرجع بالقيمة على الذي ماتت في
يديه وللذي ماتت في يديه أن يرجع على البائع بالثمن الذي أخذ منه وإن كانت ولدت له أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم سقطوا، ولو كانت المسألة بحالها ولم تمت غير أنها زادت في يديه أو نقصت بجناية أصابتها منه أو من غيره أو بشيء من السماء ردها بعينها ولا يقال لهذا فوت إنما يقال لهذا زيادة أو نقص فيردها زائدة ولا شيء له في الزيادة وناقصة وعليه ما نقصها إلا أن يكون أخذ لها أرشا أكثر مما نقصها فعليه رده ويرد النقص الذي من غيره جنايته لأنه كان ضامنا لها لأنها ملك لغيره فأما زيادة الأسواق ونقصانها فليست من الأبدان بسبيل لأنه قد يغصبها ثمن مائة بالغلاء ثم تزيد في بدنها وتنقص أسواقها فتكون ثمة خمسين أفيقال لهذا الذي زادت في يده الذي يشهد رب الجارية وأهل العلم أنها اليوم خير منها يوم أخذها بالضعف في بدنها أغرم نصف قيمتها من قبل أنها رخصت ليس هذا بشيء إنما يغرم نقص بدنها لأنه نقص عين سلعة المغصوب فأما نقص الأسواق فليس من جنايته ولا بسببها.
وإذا باع الرجل الرجل الأرض فبنى فيها أو غرس ثم استحق رجل نصفها واختار المشتري أن يكون له النصف بنصف الثمن قسمت الأرض فما وقع للمستحق فعلى المشتري قلع البناء والغراس منه، وكذا حمله ويرجع بما نقص الغراس والبناء على البائع وبنصف الثمن، وكذلك الأرض بين الرجلين فيقسمانها.
(قال الربيع) آخر قول الشافعي أنه إذا استحق بعض ما اشترى فإن البيع كل باطل من قبل أن الصفقة جمعت حلالا وحراما فبطلت كلها.
(قال الربيع) ويأخذ رب الأرض أرضه ويقلع بناءه منها وغراسه ويرجع رب البناء والغراس على البائع بما غرم لأنه غره فيأخذ منه ما أخذ منه.
الأشربة
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام» وأخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الغبيراء فقال لا خير فيها» ونهى عنها. قال مالك عن زيد بن أسلم هي السكركة، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة».
أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس - رضي الله عنه - قال كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها فقال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أمه وقد كانت صلت القبلتين «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخليطين وقال انتبذوا كل واحد منهما على حدته» أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض والأحمر».
أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال «لما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأوعية قيل
له ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر غير المزفت». أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تنبذوا في الدباء والمزفت» قال ثم يقول أبو هريرة واجتنبوا الحناتم والنقير، أخبرنا سفيان قال: سمعت الزهري يقول: سمعت أنسا يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه. أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه «أن أبا تميم الجيشاني سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البتع فقال: كل مسكر حرام أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينبذ له في سقاء فإن لم يكن فتور من حجارة» أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال؟ قالوا نهى أن ننتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتبذ في الدباء والمزفت» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعا والتمر والزهو جميعا» أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس - رضي الله عنهما - «أهدى رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية من خمر فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أما علمت أن الله تعالى ذكره حرمها؟» قال: لا، فسار إنسانا إلى جنبه، فقال: بم ساررته؟ فقال أمرته أن يبيعها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» ففتح فم المزادتين حتى ذهب ما فيهما أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال بلغ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا باع خمرا فقال قاتل الله فلانا باع الخمر أو ما علم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها؟» أخبرنا سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال ألا إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق فقال سبق محمد - صلى الله عليه وسلم - الباذق وما أسكر فهو حرام أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخيل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس إني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان.
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل فقالوا لا يصلحنا العسل فقال رجال من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر فقال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر أصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما. أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء أتجلد في ريح الشراب؟ فقال عطاء إن الريح لتكون من الشراب الذي ليس به بأس، فإذا اجتمعوا جميعا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعا الحد تاما.
(قال الشافعي): وقول عطاء مثل قول عمر لا يخالفه لا يعرف الإسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فيعلم منه أنه مسكر ثم
يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياسا على الخمر أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج يصلي على جنازة فسمعه السائب يقول إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكرا حددتهم قال سفيان فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدهم، أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه» لا يدري الزهري أبعد الثالثة أو الرابعة فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ووضع القتل فصارت رخصة قال سفيان قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت من بين يديه أسأل عن رحل خالد حتى أتاه جريحا وأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم بشارب فقال اضربوه فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتوه فبكتوه ثم أرسله» فلما كان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - سأل من حضر ذلك الضرب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر - رضي الله تعالى عنه - حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار عمر عليا - رضي الله تعالى عنه - فضربه ثمانين. أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى أو كما قال قال فجلد عمر ثمانين في الخمر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبلغنا عن الحسين بن أبي الحسن أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - قال ليس أحد نقيم عليه حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا فإن الحق قتله إلا حد الخمر فإنه شيء رأيناه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن مات فيه ففيه دية إما قال في بيت المال وإما قال على الإمام أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال لا أوتى بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة بدريا. سمعت الشافعي وهو يحتج في ذكر المسكر فقال كلاما قد تقدم لا أحفظه فقال أرأيت إن شرب عشرة ولم يسكر؟ فإن قال حلال قيل أفرأيت إن خرج فأصابته الريح فسكر؟ فإن قال حرام قيل له أفرأيت شيئا قط شربه رجل وصار في جوفه حلالا ثم صيرته الريح حراما؟ وقول الشافعي إن ما أسكر كثيره فقليله حرام؟ أخبرنا مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت».
الوليمة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا الشافعي إملاء قال إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس وكل دعوة كانت على إملاك أو نفاس أو ختان أو حادث سرور دعي إليها رجل فاسم الوليمة يقع عليها ولا أرخص لأحد في تركها ولو تركها لم يبن لي أنه عاص في تركها كما يبين في وليمة العرس. فإن قال قائل وهل يفترقان وكلاهما يكلف عند حادث سرور ومن حق المسلم على المسلم أن يسره؟ قيل قد
يجتمعان في هذا ويجتمع في هذا أن يعمل الرجل عند غير حادث الطعام فيدعو عليه فلا أحب أن يتخلف عنه ويفترقان في أني لم أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الوليمة على عرس ولم أعلمه أولم على غيره. وأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الرحمن بن عوف أن يولم ولو بشاة» ولم أعلمه أمر بذلك أظنه قال أحدا غيره حتى «أولم النبي - صلى الله عليه وسلم - على صفية لأنه كان في سفر بسويق وتمر».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن كان المدعو صائما أجاب الدعوة وبارك وانصرف ولم نحتم عليه أن يأكل وأحب إلي أن لو فعل وأفطر إن كان صومه غير واجب إلا أن يأذن قبل وبعد له رب الوليمة.
(قال الشافعي): أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن أباه دعا نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فيهم أبي بن كعب وأحسبه قال فبارك وانصرف.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة سمع عبد الله بن أبي يزيد يقول دعا أبي عبد الله بن عمر فأتاه فجلس ووضع الطعام فمد عبد الله بن عمر يده وقال خذوا بسم الله وقبض عبد الله يده وقال إني صائم.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - أخبرنا مسلم عن جريج (قال الشافعي) لا أدري عن عطاء أو غيره قال جاء رسول ابن صفوان إلى ابن عباس وهو يعالج زمزم يدعوه وأصحابه فأمرهم فقاموا واستعفاه وقال إن لم يعفني جئته.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قدر الرجل على إتيان الوليمة بحال لم يكن له عذر في تركها اشتد الزحام أو قل لا أعلم الزحام يمنع من الواجب والذي يجب ذلك عليه من قصد صاحب الوليمة قصده بالدعوة فأما من قال له رسول صاحب الوليمة قد أمرني أن أوذن من رأيت فكنت ممن رأيت أن أوذنك فليس عليه أن يأتي الوليمة لأن صاحب الوليمة لم يقصد قصده وأحب إلي أن لا يأتي. ومن لم يدع. ثم جاء فأكل لم يحل له ما أكل إلا بأن يحل له صاحب الوليمة
وإذا دعي الرجل إلى الوليمة وفيها المعصية من المسكر أو الخمر أو ما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك عنه وإلا لم أحب له أن يجلس فإن علم قبل أن ذلك عندهم فلا أحب له أن يجيب ولا يدخل مع المعصية وإن رأى صورا في الموضع الذي يدعى فيه ذوات أرواح لم يدخل المنزل الذي تلك الصور فيه إن كانت تلك منصوبة لا توطأ فإن كانت توطأ فلا بأس أن يدخله، وإن كانت صورا غير ذوات أرواح مثل صور الشجر فلا بأس إنما المنهي عنه أن يصور ذوات الأرواح التي هي خلق الله، وإن كانت المنازل مستترة فلا بأس أن يدخلها وليس في الستر شيء أكرهه أكثر من السرف وأحب للرجل إذا دعاه الرجل إلى الطعام أن يجيبه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لو أهدي إلي ذراع لقبلتها ولو دعيت إلى كراع لأجبت».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى أبا طلحة وجماعة معه فأكلوا عنده وكان ذلك في غير وليمة».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): «ودعت امرأة سعد بن الربيع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفرا من أصحابه فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن دعت فأكلوا عندها».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإني لأحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاب إلى غير دعوة في غير وليمة.
صدقة الشافعي - رضي الله عنه
- هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في صحة منه وجواز من أمره وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين أن الله عز وجل رزق أبا الحسن بن محمد بن إدريس مالا فأخذ محمد بن إدريس من مال ابنه أبي الحسن بن محمد أربعمائة دينار جيادا صحاحا مثاقيل وضمنها محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بثلاثة أعبد منهم وصيف أشقر خصي يقال له صالح ووصيف نوبي خباز يقال له بلال وعبد فراني قصار يدعى سالما وبأمة شقراء تدعى فلانة وقبضهم محمد بن إدريس لابنه أبي الحسن من نفسه وصاروا من مال ابنه أبي الحسن وخرجوا من ملك محمد بن إدريس وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس بجميع حليه وهو مسكنان ودملجان وخلخالان وقلادة كل ذلك من الذهب وبمثل هذا حلي من الورق وقبضه له من نفسه ودفعه إلى أمه تقبضه له وتحفظه عليه وصار كل ما تصدق به محمد بن إدريس على أبي الحسن بن محمد مالا من مال أبي الحسن بن محمد وأشهد محمد بن إدريس شهود هذا الكتاب أنه تصدق بمسكنه الذي بمهبط ثنية كدى من مكة قبالة دار منيرة على يسار الخارج من مكة في شعب محمد بن إدريس وهما المسكنان اللذان أحدهما المسكن الذي بفناء دار محمد بن إدريس العظمى أحد هذين المسكنين المسكن الذي بناه محمد بن إدريس إلى جنب المنزل الذي يعرف بجابر بن محمد.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (267)
صــــــــــ 197 الى صـــــــــــ 202
وذلك المنزل أحد حدوده كدى وحده الثاني الرحبة التي بفناء دار محمد بن إدريس العظمى والحد الثالث طريق شعب محمد بن إدريس والحد الرابع طريق الشعب العظمى إلى ذي طوى والمسكن الثاني سقائف حجارة نجيرتها وحجرتها على رأس الجبل الذي فيه الخزانة الصغيرة وهذا المنزل الذي يعرف بفلان بن عبد الجبار والمنزل الذي يعرف بعمرو المؤذن تصدق محمد بن إدريس بهذين المسكنين بجميع حقوقهما وأرضهما وبنائهما وعامرهما وطرقهما وكل حق هو لهما داخل فيهما وخارج منهما على ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس صدقة محرمة لا تباع ولا تورث حتى يرثها الله الذي يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين يملك أبو الحسن من منافعهما ما يملك من منافع الصدقات المحرمات ما عاش أبو الحسن بن محمد بن إدريس لا حق فيها لأحد معه حتى تعتق أم أبي الحسن بن محمد فإذا عتقت أم أبي الحسن بن محمد بن إدريس كانت أسوته في هذين المسكنين فإذا انقرض أبو الحسن فهذان المسكنان لولد أبي الحسن بن محمد وولده الذكور والإناث الذين عمود نسب آبائهم إليه ما تناسلوا وجدتهم أم أبي الحسن بن محمد معهم لها كحظ واحد منهم حتى تموت فإذا انقرض أبو الحسن وولد ولده فهذان المسكنان لأم أبي الحسن حتى تنقرض فإذا انقرضت فهذان المسكنان لفاطمة وزينب ابنتي محمد بن إدريس وولده إن ولد لمحمد بن إدريس بعد هذا الكتاب شرعا فيه سواء ما تناسلوا ولا يكون هذان المسكنان لأحد من ولد محمد بن إدريس ولا ولد ولده ولا ولد أبي الحسن بن محمد ولا ولد ولده من الإناث إلا بنتا عمود نسب أبيها إلى محمد بن إدريس أو إلى أبي الحسن محمد بن إدريس فإذا انقرضوا فهذان المنزلان صدقة على آل شافع بن السائب فإذا انقرضوا فعلى من حضر مكة من بني المطلب بن عبد مناف فإذا انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين وابن السبيل والحاج والمعتمر وقد دفع محمد بن إدريس هذين المسكنين إلى أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي فهما
بيده لأبي الحسن بن محمد ثم لمن سمى معه وبعده وأخرجهما محمد بن إدريس من ملكه وجعلهما على ما شرط في هذا الكتاب لأبي الحسن بن محمد ومن سمى معه وبعده شهد على إقرار محمد بن إدريس بما في هذا الكتاب وعلى أن أبا الحسن بن محمد المولود بمصر متصدق عليه بما في هذا الكتاب على ما شرط فيه صغير يلي محمد بن إدريس أبوه القبض له والإعطاء منه وما يلي الأب من ولده الصغار
البحيرة والوصيلة والسائبة والحام
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال. (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} فلم يحتمل إلا ما جعل الله ذلك نافذا على ما جعلتموه وهذا إبطال ما جعلوا منه على غير طاعة الله عز وجل.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): كانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على غير معان سمعت كثيرا من طوائف العرب يحكون فيه فتجتمع حكايتهم على أن ما حكوا منه عندهم من العلم العام الذي لا يشكون فيه ولا يمكن في مثله الغلط لأن فيما ذكروا أنهم سمعوا عوامهم يحكونه عن عوام من كان قبلهم فكان مما حكوا مجتمعين على حكايته أن قالوا البحيرة الناقة تنتج بطونا فيشق مالكها أذنها ويخلي سبيلها ويحلب لبنها في البطحاء ولا يستجيزون الانتفاع بلبنها ثم زاد بعضهم على بعض فقال بعضهم تنتج خمسة بطون فتبحر وقال بعضهم وذلك إذا كانت تلك البطون كلها إناثا، والسائبة العبد يعتقه الرجل عند الحادث مثل البرء من المرض أو غيره من وجوه الشكر أو أن يبتدئ عتقه فيقول قد أعتقتك سائبة يعني سيبتك فلا تعود إلي ولا لي الانتفاع بولائك كما لا يعود إلي الانتفاع بملكك وزاد بعضهم فقال السائبة وجهان هذا أحدهما والسائبة أيضا يكون من وجه آخر وهو البعير ينجح عليه صاحبه الحاجة أو يبتدئ الحاجة أن يسيبه فلا يكون عليه سبيل.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ورأيت مذاهبهم في هذا كله فيما صنعوا أنه كالعتق. قال والوصيلة الشاة تنتج الأبطن فإذا ولدت آخر بعد الأبطن التي وقتوا لها قيل وصلت أخاها وزاد بعضهم تنتج الأبطن الخمسة عناقين عناقين في كل بطن فيقال هذه وصيلة تصل كل ذي بطن بأخ له معه وزاد بعضهم فقال قد يوصلونها في ثلاثة أبطن ويوصلونها في خمسة وفي سبعة. قال: والحام الفحل يضرب في إبل الرجل عشر سنين فيخلى ويقال قد حمى هذا ظهره فلا ينتفعون من ظهره بشيء وزاد بعضهم فقال يكون لهم من صلبه وما أنتج مما خرج من صلبه عشر من الإبل فيقال قد حمى هذا ظهره. قال: وأهل العلم من العرب أعلم بهذا ممن لقيت من أهل التفسير وقد سمعت من أهل التفسير من يحكي معنى ما حكيت عن العرب وفيما سمعت حكايتهم نصا ودلالة من أخبارهم أنهم كانوا يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويحمون الحام على وجوه جماعها أن يكونوا مؤدين بما يصنعون من ذلك حقا عليهم من نذر نذروه فوفوا به أو فعلوه بلا نذرهم أو بحق وجب عليهم عندهم فأدوه، وكان عندهم إذا فعلوه خارجا من أموالهم بما فعلوا فيه مثل خروج ما أخرجوا إلى غيرهم من المالكين وكانوا يرجون بأدائه البركة في أموالهم وينالون به عندهم مكرمة مع التبرر بما صنعوا فيه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكان فعلهم يجمع أمورا منها أمر واحد بر في الأخلاق وطاعة لله عز وجل في منفعته ثم شرطوا في ذلك الشيء شرطا ليس من البر فأنفذ البر ورد الشرط الذي ليس من البر وهو أن أحدهم كان يعتق عبده سائبة ومعنى يعتقه سائبة هو أن يقول أنت حر سائبة فكما أخرجتك من ملكي وملكتك نفسك فصار ملكك لا يرجع إلي بحال أبدا فلا يرجع إلي
ولاؤك كما لا يرجع إلي ملكك فكان العتق جائزا في كتاب الله عز وجل بدأ فيه ثم في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عند عوام المسلمين وكان الشرط بأن العتق سائبة لا يثبت ولاؤه لمعتقه شرطا مبطلا في كتاب الله تبارك وتعالى بقوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} والله تعالى أعلم لأنا بينا أن قول الله عز وجل وعلا {ولا سائبة} لا يحتمل إلا معنيين أحدهما أن العبد إذا أعتق سائبة لم يكن برا كما لم تكن البحيرة والوصيلة والحام على ما جعل مالكها من تبحيرها وتوصيلها وحماية ظهورها فلما أبطل الله جل ذكره شرط مالكها فيها كانت على أصل ملك مالكها قبل أن يقول مالكها ما قال.
(قال الشافعي): فإن قال قائل أفتوجدني في كتاب الله عز وجل في غير هذا بيانا لأن الشرط إذا بطل في شيء أخرجه إنسان من ماله بغير عتق بني آدم رجع إلى أصل ملكه؟ قيل نعم قال الله عز ذكره {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} وقال عز وجل {وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} وفي الإجماع أن من باع بيعا فاسدا فالبائع على أصل ملكه لا يخرج من ملكه إلا والبيع فيه صحيح والمرأة تنكح نكاحا فاسدا هي على ما كانت عليه لا زوج لها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحتمل لقائل لو قال بظاهر الآية إذا لم يكن من أهل العلم أبطل الشرط في السائبة كما أبطله في البحيرة والوصيلة والحام وكلها على أصل ملكها لمالكها لم تخرج منه ولا عتق للسائبة لأن سياق الآية فيها واحد.
(قال): وهذا قول وإن احتملته الآية لا يقوم ولا أعلم قائلا يقول به والآية محتملة المعنى الأول قبله الذي ذكرت أنه أحد المعنيين وهو أن قوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} يعني والله أعلم على ما جعلتم فأبطل في البحيرة والوصيلة والحام لأن العتق لا يقع على البهائم ولا تكون إلا مملوكة للآدميين ولا تخرج من ملك مالكها منهم إلا إلى مالك منهم وأكثر السائبة إذا كان من الإبل والبهائم قبل التسييب وبعده سواء لا تملك أنفسها كهي وإذا كان من الناس من يخرج من ملك مالكه للآدمي إلى أن يصير مثله في الحرية وأن يكون مالكا كما يكون معتقه مالكا وكان الذي أبطل الله تعالى والله أعلم من السائبة أن يكون كما قال خارجا من ولائه بشرطه ذلك في عتقه وأقر ولاءه لمعتقه كما أقر ملك البحيرة والسائبة والوصيلة لمالكه.
(قال الشافعي): فإن قال قائل هل على ما وصفت دلالة من كتاب الله عز وجل تبين ما قلت من خلاف بني آدم للبهائم وغير بني آدم من الأموال أو سنة أو إجماع؟ قيل نعم فإن قال قائل فأين هي؟ قيل قال الله عز وجل {فلا اقتحم العقبة} إلى قوله {ذا متربة} ودل على أن تحرير الرقبة والإطعام ندب الله إليه حين ذكر تحرير الرقبة وقال الله عز وجل في المظاهرة {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} وقال تبارك اسمه في القاتل خطأ {فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة} وقال في الحالف {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} وكان حكمه تبارك وتعالى فيما ملكه الآدميين من الآدميين أنهم يخرجونهم من ملكهم بمعنيين أحدهما فك الملك عنهم بالعتق طاعة لله عز وجل برا جائزا ولا يملكهم آدمي بعده والآخر أن يخرجهم مالكهم إلى آدمي مثله ويثبت له الملك عليهم كما يثبت للمالك الأول بأي وجه صيرهم إليه قال فكان حكم الله - والله تعالى أعلم - في البهائم ما وصفت من أن العتق لا يقع عليها ولا تزايل ملك صاحبها ما كان حيا إلا إلى مالك من الآدميين يقول فيه قد أخرجتها من م
بيان معنى البحيرة السائبة الوصيلة والحام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه «عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس فقال إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألها؟ فأخبرته عائشة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة - رضي الله عنها - ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق».
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر «عن عائشة - رضي الله عنها - أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لا يمنعنك ذلك فإن الولاء لمن أعتق».
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك قال حدثني يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن «أن بريرة جاءت تستعين عائشة فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة وأعتقك فعلت فذكرت ذلك بريرة لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون ولاؤك لنا قال مالك قال يحيى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لا يمنعنك ذلك فاشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن الحسن عن يعقوب بن إبراهيم أبي يوسف عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب».
(قال الشافعي): - رحمه الله - فكان في حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بريرة في إبطال شرط مالكيها الذين باعوها على عائشة على أن الولاء لهم وإثباته لبريرة العتق دلالة على مثل معنى قول الله عز وجل {ولا سائبة} فإن الله جل وعلا أبطل التسييب إذا شرط مالكه أن لا يكون له ولاء المعتق المسيب وأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرط مالك بريرة الذي باعها أن له الولاء دون معتقها وثبت الولاء لمن أعتق فكان في قوله «إنما الولاء لمن أعتق» معنيان أن لا يكون معتق أبدا يزول عنه الولاء بإزالته إياه عن نفسه مع عتق ولا قبله ولا بعده ولا بحال من الحالات اختلاف دينين ولا غيره ولو زال عن أحد زال عن عائشة إذا لم تملك بريرة إلا بشرط تعتقها وولاؤها للذي ملكها إياها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الولاء لمن أعتق» وكان معتق السائبة معتقا وإنما شرط أن لا يكون له ولاء وكان ولاؤه ثبت بحكم الله عز وجل، ثم حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينتقل عنه. والمعنى الثاني أن لا يكون الولاء إلا للمعتق فمن أعتق من خلق الله عز وجل ممن يقع العتق عليه كان الولاء للمعتق ولا يجوز غير هذا أبدا بدلالة الكتاب والسنة.
باب تفريع العتق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا عتق الرجل عبده سائبة فهو حر وله ولاؤه وإذا أعتق الكافر عبدا له مؤمنا فهو حر وله ولاؤه، وكذلك لو أعتق مؤمن كافرا ولا عذر لأحد من أهل العلم في الشك في هذا والله تعالى أعلم. لأن الذي أعتق عبده سائبة والكافر يسلم عبده فيعتقه والمؤمن يعتق عبده الكافر لا يعدون أبدا أن يكونوا مالكين يجوز عتقهم ففي كتاب الله عز وجل دلالة في إبطال التسييب أن الولاء لمن أعتق وفي قوله {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} فنسبهم لشيئين إلى الآباء وإلى الولاء كما نسبهم إلى الآباء نسبهم إلى الولاء. وفي قول الله عز وجل {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} ولو غرب على أحد علم هذا من كتاب الله عز وجل كان في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الولاء لمن أعتق» دليل على أن المسيب والمؤمن يعتق الكافر والكافر يعتق المؤمن لا يعدون أن يكونوا معتقين فيكون في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن الولاء لمن أعتق» أو يكونوا غير مالكين فلا يختلف المسلمون في أن من أعتق ما لا يملك لم يكن حرا ولا يكون هؤلاء معتقين.
الخلاف في السائبة والكافر يعتق المؤمن
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولا أحفظ عن أحد لقيته من فقهاء المكيين والمشرقيين خلافا فيما قلت من أن ولاء السائبة والمؤمن يعتقه الكافر لمن أعتقهما. وقد حفظت عن بعض المدنيين من أهل الحديث هذا وخالفنا بعض أصحابنا في ميراث السائبة: فقال أحدهم: يوالي من شاء. وقال آخر: لا يوالي من شاء وولاؤه للمسلمين وقال قائل: هذا وإذا أعتق الكافر عبده والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين وإذا أسلم سيده الذي أعتقه لم يرجع إليه ولاؤه ولو أعتق رجل كافر عبدا كافرا ثم أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق كان ولاؤه للمسلمين إذا مات ورثوه فإن أسلم السيد المعتق قبل أن يموت رجع إليه ولاؤه لأنه قد كان ثبت له الولاء ولو أسلم العبد المعتق قبل المولى المعتق وللمولى المعتق بنون مسلمون كان ولاؤه لبنيه المسلمين.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وقد وصفت موضع الحجة على هذا القول من الكتاب والسنة ووصفت بعد هذا الحجة عليه وهذا قول ينقض بعضه بعضا. أرأيت إن زعم أن الكافر يعتق الكافر فيكون الولاء ثابتا للكافر على الكافر ثم أسلم العبد المعتق والمولى كافر يخرج الولاء زعم من يديه بإسلامه أرأيت إذا زعم أيضا أن الكافر إذا أعتق عبدا مسلما لم يكن له ولاؤه وإن أسلم وإن كان للكافر ولد مسلمون كان لهم ولاؤه فكيف يرثه ولد المولى المعتق بأن كان ولد المولى المعتق مسلمين إذا لم يكن الولاء لأبيهم فكيف يرثونه بولاء أبيهم إنما ينبغي أن يكونوا في قوله كأسوة المسلمين في ولائه.
وكيف إذا ورثوه بالولاء ثم أسلم المولى المعتق إذا كان كافرا والذي أعتق كافرا رجع إليه الولاء وقد أحرزه بنوه دونه فإن كانوا أحرزوه دونه لم يرجع إليه. وإن كانوا أحرزوه بسببه فالولاء له ولكنه لا يرث لاختلاف الملتين.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وما وصفت يدخل على من قال من أهل ناحيتنا ما حكيت وأكثر منه. ومن مختصر ما يدخل عليه في قول الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة} أنه لا بد بحكم الله تبارك وتعالى أن يبطل أمر السائبة كله أو بعض أمره دون بعض لأن الله تبارك وتعالى
قد ذكره مبطلا مع ما أبطل قبله وبعده من البحيرة والوصيلة والحام. فإن قال يبطل أمر السائبة كله فلا يجعل عتقه عتقا كما لا تجعل البحيرة والوصيلة والحام خارجة عن ملك مالكيها فهذا قول قد يحتمله سياق الآية ولكن الله عز وجل قد فرق بين إخراج الآدميين من ملك مالكيهم وإخراج البهائم فأجزنا العتق في السائبة بما أجاز الله تبارك وتعالى من العتق وأمر به منه ولما أجزنا العتق في السائبة كنا مضطرين إلى أن نعلم أن الذي أبطل الله عز وجل من السائبة التسييب وهو إخراج المعتق للسائبة ولاء السائبة من يديه فلما أبطله الله تبارك وتعالى كان ولاؤه للمعتق مع دلائل الآي في كتاب الله عز وجل فيما ينسب فيه أصل الولاء إلى من أعتقهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويلزم قائل هذا القول أن يسأل عن السائبة أعتقها مالك؟ فإن قال نعم: قيل له فقد «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء لمن أعتق» وإن قال: لا قيل له فلم تعتق السائبة؟ ولو لم يعتقها مالكها لم تعتق ويلزمه في الشبه هذا في النصراني مالك يعتق المسلم فإن قال النصراني مالك معتق قيل: فقد «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الولاء لمن أعتق» وإن قال لا يكون مالكا لمسلم فليس المسلم المعتق يجوز عتقه لأنه أعتقه غير مالك فإن قال ألا ترى أن المولى لا يرثه؟ قيل له وما للميراث والولاء والنسب؟ فإن قال فأبن أنه إذا منع ميراثه ثبت له الولاء؟ قيل نعم: أرأيت لو قتله مولاه أيرثه؟ فإن قال لا. قيل له أفيزول ولاؤه عنه؟ فإن قال: لا قيل فما أزال الميراث لا يزيل الولاء فإن قال أما ها هنا فلا قيل فكيف قلت هناك ما قلت ما أزال الميراث أزال الولاء؟ وقيل له: أنه رأيت إذ نسب الله عز وجل إبراهيم خليله - عليه الصلاة والسلام - إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح وهو كافر إلى أبيه نوح - عليه السلام - أرأيته قطع الأبوة باختلاف الملتين؟ فإن قال: لا قيل أفيرث الأب ابنه والابن أباه؟ فإن قال لا قيل فتنقطع الأبوة بانقطاع الميراث؟ فإن قال لا قيل فكيف قطعت الولاء ولم تقطع النسب وهما معا سبب؟ إنما منع الميراث باختلاف الدينين. وقد يمنع بأن يكون دونه من يحجبه وذلك لا يقطع ولاء ولا نسبا والحجة تمكن على قائل هذا القول بأكثر من هذا وفي أقل من هذا كفاية إن شاء الله تعالى.
الخلاف في الموالي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ووافقنا بعض الناس في السائبة والمشرك يعتق المسلم فقال هذا القول نص الكتاب والسنة وخالفنا هؤلاء من المشرقيين فقالوا إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ولاؤه وللمسلم على يديه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه، وهكذا اللقيط وكل من لا ولاء له يوالي من شاء وينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل بولائه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقيل لبعض من يقول هذا القول إلى أي شيء ذهبتم فيه؟ فقال ذهبنا إلى أن عبد العزيز بن عمر حدث عن ابن موهب عن تميم الداري «أن رجلا أسلم على يدي رجل فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أنت أحق الناس بحياته وموته» فقيل له إن كان هذا الحديث ثابتا كنت قد خالفته. فقال وأين؟ قلت زعمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أنت أحق الناس بحياته ومماته» قال نعم قلت فما زعمت لا يدل على أن إسلام المرء على يدي المرء يثبت له
عليه ما يثبت العتق على المعتق للمعتق أفيكون له إذا أعتق أن ينتقل بولائه؟ قال لا قلت فقد خالفت الحديث فزعمت أنه إنما يثبت له الولاء ما رضي به ولم ينتقل وإذا انتقل انتقل الولاء عنه حتى يعقل عنه. أو رأيت إذا والى فكان لو مات ورث المولى الولاء كيف كان له أن ينتقل بولائه وقد ثبت الولاء عليه وثبت له على عاقلة الذي والاه أن يعقلوا عنه أو يجوز أن يكون في إسلام المرء على يدي غيره أو موالاته إياه إلا واحد من قولين أحدهما أن يثبت بالإسلام والموالاة ما يثبت بالعتق وما يثبت من ولاء عندنا وعندك لم يتحول كما لا يتحول النسب أو يكون الإسلام والموالاة لم يثبتا شيئا لأنهما ليسا من معاني النسب ولا الولاء.
لكي وكان هكذا كل ما سوى بني آدم مما يملك بنو آدم نصا في كتاب الله عز وجل ودلالة بما ذكرت فيما سوى الآدميين من بهيمة ومتاع ومال ولا أعلم مخالفا في أن امرأ لو قال لمماليكه من الآدميين أنتم أحرار عتقوا ولو قال لملكه من البهائم أنتم أحرار لم تعتق بهيمة ولا غير آدمي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (268)
صــــــــــ 203 الى صـــــــــــ 208
فأما ما ذهبت إليه فليس واحدا من القولين وزعمت أنه ثابت وللمولى أن ينتقل حتى يعقل عنه أو رأيت إن قالت العاقلة لا نعقل عن هذا شيئا لأن هذا لا ذو نسب ولا مولى وله الخيار في أن ينتقل عنه فاجعل لنا ولصاحبنا الذي والاه الخيار في أن ندفع ولاءه فالمولى من أعلى أولى أن يكون هذا له من المولى من أسفل ما تقول له؟ وإن جاز هذا لك جاز لغيرك أن يجعل الخيار للأعلى ولا يجعله للأسفل وهذا لا يجوز لواحد منكما. أرأيت ولدا إن كانوا للمسلم على يدي الرجل وكانوا لا ولاء لهم أيجر ولاؤهم كما يجره المعتق للأب إذا أعتق؟ قال: فإن قلت نعم قلت فقله قال فإذا يتفاحش على فأزعم أنه إذا أسلم جر الولاء وإذا انتقل به انتقل ولاؤه ويتفاحش في أن أقول قد كان لهم في أنفسهم مثل الذي له فإن قلت: يجر الأب ولاءهم قطعت حقوقهم في أنفسهم وإن قلت بل لهم في أنفسهم مثل ما له زعمت أنه لا يجر ولاءهم ولذلك أقول لا يجر ولاءهم قلت ويدخل عليك فيه أفحش من هذا قال قد أرى ما يدخل فيه أثابت الحديث؟ قلت لا وأنت تعلم أنه ليس بثابت وأن ابن موهب رجل ليس بالمعروف بالحديث ولم يلق تميما الداري وهو غير ثابت من وجهين.
وقد قلت في اللقيط بأن عمر قال لمن التقطه هو حر ولك ولاؤه قلت أنت تقول في اللقيط أنه يوالي من شاء؟ قال نعم إن لم يوال عنه السلطان وإذا والى عنه السلطان فهذا حكم عليه قلت أفتثبت عليه موالاة السلطان فلا يكون له إذا بلغ أن ينتقل بولائه أو يكون له الانتقال بولائه إذا بلغ قال فإن قلت بل له الانتقال بولائه كما يكون له أن يوالي ثم ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه؟ قلت له فموالاة السلطان إذا عنه غير حكم عليه قال نعم وكيف يجوز أن تكون حكما عليه؟ قلت المسألة عليك لأنك بها تقول قال ما يصلح الحكم إلا على المتقدم من الخصومة وما ها هنا متقدم من خصومه قلت فقل ما شئت قال فإذا قلت فهو حكم قلت فقد رجعت إلى أن قلت بما أنكرت أن يكون يصلح الحكم إلا على المتقدم من خصومة وما ههنا متقدم من خصومة.
قال فلا أقوله وأقول له أن ينتقل بولائه قلت فقد خالفت ما رويت عن عمر ولا أسمعك تصير إلى شيء إلا خالفته قال فيم تركت الحديثين قلت بالدلالة في السائبة أن حكم الله عز وجل أن يبطل التسييب ويثبت العتق ويكون الولاء لمن أعتق وما جامعتنا عليه؟ في النصراني بمعنى كتاب الله عز وجل ونص سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما يلزمك فيما جامعتنا عليه في النصراني يعتق المسلم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما الولاء لمن أعتق» وهذا معتق فلزمت فيهما معنى الكتاب والسنة. ثم اضطرب قولك فزايلت معناهما قال ذهبت إلى حديث ثبت قلت أما الذي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يثبت عندنا.
وأما الذي رويت عن عمر فلو ثبت لم يكن في أحد حجة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أنه ليس بين أن يثبت، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإنما الولاء لمن أعتق» معنيان بينان أن الولاء لا يزول عمن أعتق ولا يثبت إلا لمعتق لأن قوله «فإنما الولاء لمن أعتق» نفي أن يكون الولاء لغير معتق. وذلك أن من قال إنما أردت كذا فقد بين ما أراد ونفى أن يكون أراد غيره. وكذلك إنما وقعت بهذا المعنى فأخذت بأحد معنيي الحديث وتركت الثاني.
وهذا ليس لك ولا لأحد مع إنا وإياك لا نختلف في أن الولاء نسب من الأنساب لا يزول قال: أجل قلت أفرأيت رجلا لا أب له ولا ولاء أله أن ينتسب إلى رجل بتراض منهما قال لا يجوز النسب إلا بفراش أو في معنى فراش من الشبه فإذا لم يكن فراش ولا معنى فراش وذكرا أنهما يتراضيان بالنسب فلا نسب. قلت وكذلك لو أراد رجل أن ينفي من ولد فراشه ورضي بذلك المنفي قال لا يكون ذلك لهما قلت وذلك أن إثبات النسب من الفراش ونفيه من الفراش للنافي وللمنفي وغيرهما سيان فيكون للولد المنفي ولعشيرته فيه حق لأنهم يرثونه ويعقلون عنه ويعقل عنهم ولو جاز إقراره على نفسه لم يجز على غيره ممن له حق في ميراثه وعقله.
قال: نعم قلت أفكذلك تجد المولى المعتق؟ قال سواء قلت فكيف لم تقل هذا في المولى الموالي فلا تثبته إلا بما يثبت له به الحق عشيرته ممن والاه أن يعقلوا عنه وكما لم يزل عنهم ولاء المعتق أو يثبت لهم عليه ميراث فلا تعطيهم ولا تمنع منهم إلا بأمر ثابت لأن في ذلك حكما عليهم وعلى غيرهم ممن كان ولم يكن ولهم ولغيرهم ممن كان ولم يكن. قال وذكرت له غير هذا مما في هذا كفاية عنه قال فإن من أصحابك من وافقك في الذي خالفناك فيه من اللقيط والموالي وقال فيه قولك وخالفك في الذي وافقناك فيه من السائبة والذمي يعتق المسلم قلت أجل وحجتنا عليه كهي عليك أو أوضح لأنك قد ذهبت إلى شبهة لا يعذرك بها أهل العلم ويعذرك بها الجاهل وهم لم يذهبوا إلى شبهة يعذر بها جاهل ولا عالم وموافقتك حيث وافقتنا حجة عليك وموافقتهم حيث وافقونا حجة عليهم وليس لأحد أن يخرج من معنى كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا من واحد منهما في أصل ولا فرع وإنما فرقنا بين العالمين والجاهلين بأن العالمين علموا الأصول فكان عليهم أن يتبعوها الفروع فإذا زيلوا بين الفروع والأصول فأخرجوا الفروع من معاني الأصول كانوا كمن قال بلا علم أو أقل عذرا منه لأنهم تركوا ما يلزمهم بعد علم به والله يغفر لنا ولكم معا، فإن قال قد يغبون فعلهم قلت ومن غبي عنه مثل هذا الواضح كان حقه عليه أن لا يعالج الفتيا لأن هذا مما لا يجوز أن يخطئ فيه أحد لوضوحه.
تفريع البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولما قال الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} فكان في قول الله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة} الآية دلالة على ما جعل الله لا على ما جعلتم وكان دليلا على أن قضاء الله جل وعز أن لا ينفذ ما جعلتم وكانت البحيرة والوصيلة والحام من البهائم التي لا يقع عليها عتق وكان مالكها أخرجها من ملكه إلى غير ملك آدمي مثله وكانت الأموال لا تملك شيئا إنما يملك الآدميون كان المرء إذا أخرج من ملكه شيئا إلى غير مالك من الآدميين بعينه أو غير عينه كمن لم يخرج من ملكه شيئا وكان ثابتا عليه كما كان قبل إخراجه وكان أصل هذا القول فيما ذكرنا من كتاب الله عز وجل فكل من أخرج من ملكه شيئا من بهيمة أو متاع أو غيره غير الآدميين فقال قد أعتقت هذا أو قد قطعت ملكي عن هذا أو وهبت هذا أو بعته أو تصدقت به ولم يسم من وهبه له ولا باعه إياه ولا تصدق به عليه بعين ولا صفة كان قوله باطلا وكان في ملكه كما كان قبل أن يقول ما قال ولم يخرج من ملكه ما كان حيا بحال إلا أن يخرجه إلى آدمي يعينه أو يصفه حين أخرجه من ملكه ولا يكون خارجا من ملكه إلا ومالك له مكانه لا بعد ذلك بطرفة عين.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والسائبة إذا كانت من الإبل كالبحيرة وهكذا الرقيق إذ أخرجهم مالكهم من ملكه
إلى غير ملك كالبهائم والمتاع إلا أن يخرجهم بعتق أو كتابة فإنها من أسباب العتق وما كان من سبب عتق كان مخالفا
(قال الشافعي): وإذا كانت البحيرة والوصيلة والسائبة والحام نذرا فأبطلها الله عز وجل ففي هذا لغيره دلالة أن من نذر ما لا طاعة لله فيه لم يبر نذره ولم يكفره لأن الله تبارك وتعالى أبطله ولم يذكر أن عليه فيه كفارة والسنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءت بمثل الذي جاء به كتاب الله تبارك وتعالى.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب بن أبي تميمة عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم» وكان الثقفي ساق هذا الحديث فقال: «نذرت امرأة من الأنصار انقلبت على ناقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنحرها فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولم يأمر الله تعالى ثم لم يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في واحد من الأمرين بكفارة إذا بطل النذر والمعصية في هذا الحديث أن تنحر المرأة ناقة غيرها وذلك أنها مما لا تملك فلو أن امرأ نذر أن يعتق عبد رجل لم يكن عليه عتقه، وكذلك أن يهدي شيئا من ماله، وكذلك كل ما نذر أن يفعله مما لا طاعة في فعله لم يكن عليه أن يفعله ولا عليه كفارة بتركه.
(قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بأبي إسرائيل وهو قائم في الشمس فقال ما له؟ فقالوا نذر أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحدا ويصوم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستظل ويقعد ويكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة».
الخلاف في النذر في غير طاعة الله عز وجل.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال قائل في رجل نذر أن يذبح نفسه قال يذبح كبشا وقال: آخر ينحر مائة من الإبل واحتجا فيه معا بشيء يروى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقال لقائل هذا وكيف يكون في مثل هذا كفارة؟ فقال: الله عز وجل يقول في المتظاهر {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} وأمر فيه بما رأيت من الكفارة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقيل لبعض من يقول هذا أرأيت إذا كان كتاب الله عز وجل يدل على إبطال ما جعل لا طاعة لله فيه من البحيرة ولم يأمر بكفارة وكانت السنن من النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على مثل ذلك من إبطال النذر بلا كفارة وكان في قوله لا نذر دلالة على أن النذر لا شيء إذا كان في معصية وإذا كان لا شيء كان كما لم يكن. وليس في أحد من بني آدم قال قولا يوجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك القول حجة. قال وقلت له كان من طلاق أهل الجاهية الظهار والإيلاء فحكم الله عز وجل في الإيلاء بتربص أربعة أشهر ثم يفيئوا أو يطلقوا وحكم في الظهار بكفارة وجعلها مؤقتة ولم يحكم بكفارة إلا وقتها ووقت من يعطاها أو دل عليها ثم جعل الكفارات كما شاء فجعل في الظهار والقتل مكان عتق الرقبة صوم شهرين وزاد في الظهار إطعام ستين مسكينا وجعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الذي يصيب أهله في رمضان وحكم الله عز وجل في كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو
تحرير رقبة وقال عز وجل {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} وقال الله تبارك وتعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الله عز وجل بأن الصوم ثلاث والإطعام ستة مساكين فرقا من طعام والنسك شاة فكانت الكفارات تعبدا وخالف الله عز وجل بينها كما شاء لا معقب لحكمه أفتجد ما ذهبت إليه من الرجل ينذر أن ينحر نفسه في شيء من معنى باب الله عز وجل أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيكون مؤقتا في كتاب الله أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو تجد بأن مائة بدنة أو كبشا كفارة لشيء إلا في المثل الذي يكون فيه الكبش مثلا، وكذلك البعير والجدي والبقرة من الصيد يصيبه المحرم أفتجد الكبش ثمنا لإنسان أو كفارة إلا وهو مثل ما أصيب.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن قال قائل: لما رأيت الظهار منكرا من القول وجعل فيه كفارات قست المنكر والزور من كل شيء فجعلت فيه كفارة قيل له إن شاء الله تعالى فما تقول فيمن شهد بزور أيكفر؟ وما تقول فيمن أربى في البيع أو باع حراما أيكفر؟ وما تقول فيمن ظلم مسلما أيكفر؟ فإن قال: نعم فهذا خلاف ما لقينا من أهل العلم وإن قال لا قيل قد تركت أصل مذهبك وقولك فإذا جعلته قياسا فيلزمك أن تقيسه على شيء من الكفارة ثم تجعل فيه من الكفارة كما تجعل في الذي قسته وأنت لم تجعله أصلا ولا قياسا. فإن قال قائل: فاجعله أصلا القول الذي قاله قيل له إن شاء الله تعالى فقد اختلف قوله فيه فأيها الأصل والسنة موجودة بإبطاله كما وصفنا ولا حجة مع السنة.
إقرار بنكاح مفسوخ.
(قال الربيع) من ها هنا أملى علينا الشافعي - رحمه الله تعالى - هذا الكتاب شهد شهود هذا الكتاب أن فلان ابن فلان الفلاني وفلانة بنت فلان الفلانية أشهداهم في صحة من أبدانهما وعقولهما وجواز من أمورهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا أن فلان ابن فلان الزوج ملك عقدة نكاح فلانة بنت فلان في شهر كذا من سنة كذا وكان الذي ولي عقدة نكاحها من ولاتها فلان بن فلان الفلاني الذي زوجها وكان من شهود هذه العقدة فلان ابن فلان وفلان ابن فلان وكان الصداق كذا وكذا ومن شهوده فلان وفلان وأن الزوج فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان تصادقا وأقرا عند شهود هذا الكتاب أنهما قد أثبتا أن هذه العقدة من النكاح الذي وصفت في هذا الكتاب وشهودها وشهود مهرها كانت يوم وقعت وفلانة في عدة من وفاة زوجها فلان بن فلان لم تنقض عدتها منه فكان نكاحها مفسوخا فلا نكاح بين فلان وفلانة حتى يجددا نكاحا بعد انقضاء عدة فلانة ولا تباعة لواحد منهما على صاحبه في صداق ولا نفقة شهد على ذلك.
وضع كتاب عتق عبد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكه المولد الذي يدعى فلان ابن فلان أني أعتقتك رجاء رضا الله تبارك وتعالى وطلب ثوابه فأنت حر لا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي
ولعقبي ولاؤك وولاء عقبك بعدك شهد وإن كان أعجميا وصفه بصفته وصناعته وإن كان خصيا كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكه الخصي الذي يدعى فلانا ويصفه بجنسه وهيئته إني أعتقتك وأخرجتك من مالي ومن ملكي رجاء ثواب الله تعالى ومرضاته فأنت حر لا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي ولاؤك ولعقبي من بعدي شهد وذلك أنه لا يكون له عقب، وإن كانت جارية كتبت لها كما كتبت للخصي وإن كان ولاء عقبها يكون له من المملوك فلا يجوز أن يكتب ولي ولاؤك وولاء عقبك من بعدك وقد لا يكون له ولاء عقبها إنما يجوز أن يكتب هذا في الرجل الذي له ولاء عقبه بكل حال ولو لم يكتب هذا في الرجل كان له وكذلك يكون له في الجارية من المملوك فإن شح على هذا فأحب أن يكتب كتابا يجوز منه في قول كل أحد كتب هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز من أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا لمملوكته فلانة بنت فلان ويصفها إني أعتقتك طلب ثواب الله تبارك وتعالى فأنت حرة ولا سبيل لي ولا لأحد في رق عليك ولي ولعقبي من بعدي ولاؤك وولاء كل عقب كان لك من مملوك " قال وقد اختلف الناس فقال بعضهم إذا ولدت من مملوك ثم عتق جر الولاء وبهذا نقول وقال غيرنا الولاء ثابت لأهل الأم ولا يضره أن لا يزيد في الكتاب على الأم على ما وصفت والله أعلم.
كراء الدور.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): " هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني: إني آجرتك الدار التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا من قبيلة كذا أحد حدود هذه الدار التي أجرتك ينتهي إلى كذا والثاني والثالث والرابع أجرتك جميع هذه الدار بأرضها وبنائها ومرافقها اثني عشر شهرا أول هذه الشهور المحرم من سنة كذا وآخرها ذو الحجة من سنة كذا بكذا وكذا دينارا صحاحا مثاقيل خلقان جيادا وازنة أفرادا ودفعت إلي هذه الدنانير كلها وافية وبرئت إلي منها ودفعت إليك هذه الدار الموصوفة في هذا الكتاب في هلال المحرم من سنة كذا بعدما عرفت أنا وأنت جميع ما فيها ولها من بناء ومرافق ووقفنا عليه فهي بيدك بهذا الكراء إلى أن تنقضي هذه المدة تسكنها بنفسك وأهلك وغيرهم وتسكنها من شئت وليس لك أن تسكنها رحا دابة ولا عمل حداد ولا قصار ولا سكنى تضر بالبناء ولا بضرر بين ولك المعروف من سكن الناس واستأجرتك أن تخرج جميع ما في ثلاثة آبار مغتسلات في هذه الدار وهي البئر التي في موضع كذا من الدار والبئر التي في موضع كذا والبئر التي في موضع كذا بعدما رأيت أنا وأنت تلك الآبار وعرفنا أن طول البئر التي في موضع كذا ذاهبة في الأرض عشرة أذرع وعرضها ثلاثة أذرع ممدودة وأن في تلك البئر محل مجتمع آبار مغتسلات من خلاء وماء وشيء إن خالطه عبرة ثمان أذرع وأن في البئر التي في موضع كذا وكذا وتصفه كما وصفت هذا وفي البئر التي في
موضع كذا وكذا فتخرج جميع ما في هذه الآبار الموصوفة بما ذكرنا في هذا الكتاب منها وتنحي عن داري حتى توفينيها أرضا لا شيء فيها مما في آبار المغتسلات بكذا وكذا دينارا وازنة وجيادا ودفعتها إليك وبرئت إليك منها وضمنت لي ما وصفت في هذا الكتاب حتى توفينيها كما ضمنت لي في انسلاخ ذي الحجة من سنة كذا وكذا شهد " وإن خفت أن ينتقض الكراء فإن العراقيين ينقضونه بالعدد فإذا أجرته سنة كتبت " أجرته سنة أولها شهر كذا وآخرها شهر كذا بخمسين دينارا منها شهر كذا أول الشهور بأربعين دينارا وأحد عشر شهرا وتسميها بعشرة دنانير " والله سبحانه وتعالى الموفق.
باب إذا أراد أن يكتب شراء عبد
هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني وفلان وفلان صحيحا الأبدان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا اشترى منه غلاما مربوعا أبيض حسن الجسم جعدا أعين أفرق الثنايا أزج حلوا يسمى فلانا بكذا وكذا دينارا خلقان وازنة أفرادا بعدما عرف فلان وفلان هذا العبد بعينه ورأياه معا وقبض فلان هذا العبد من فلان وقبض فلان هذا الثمن من فلان وافيا بعدما تبايعا وتفرقا بعد البيع حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه من الموضع الذي تبايعا فيه بعد التراضي منهما جميعا بالبيع ولفلان على فلان في هذا العبد بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن ولا شين فما أدرك فلانا في هذا العبد أو في شيء منه من تباعة فعلى فلان خلاص ذلك لفلان حتى يسلمه له كما باعه إياه أو يرد إليه ثمنه الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان. شهد على إقرار فلان وفلان، ومعرفتهما بأعيانهما وأنسابهما فلان وفلان.
شراء عبد آخر
هذا ما اشترى فلان بن فلان الفلاني من فلان بن فلان الفلاني اشترى منه غلاما أمرد بربريا مربوعا حسن الجسم جعدا أفرق الثنايا أعين أزج حلوا يدعى فلانا بكذا وكذا دينارا مثاقيل أفرادا خلقان جيادا ودفع فلان بن فلان هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب إلى فلان وقبضه فلان منه ودفع فلان إلى فلان هذا الثمن الموصوف في هذا الكتاب وبرئ إليه منه وتفرقا بعد تبايعهما وتقابضهما ومعرفة كل واحد منهما بما باع واشترى شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما صحيحا العقل والأبدان جائزا الأمر يوم تبايعا هذا العبد وأشهداهما في هذا الكتاب في شهر كذا من سنة كذا شهد على ذلك فلان وفلان.
(قال الشافعي): هذا أقل ما أعرفه بينا من كتب العهدة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن اشترى فله عهدة الإسلام وليس له شين ولا عيب ولا داء ولا شيء ينقص من ثمن العبد قليل ولا كثير وله الخلاص أو يرد عليه الثمن وافيا وسواء شرط هذا أو لم يشرطه إنما الشرط احتياطا لجهالة الحكام ولو ترك أيضا إشهادهما بصحتهما في أبدانهما وعقولهما وإجازة أمورهما في أموالهما كان هذا على الصحة حتى يعلم غيرها وليس مما يحب تركه ولو ترك وتفرقا بعد البيع والقبض عن تراض
منهما جميعا ما ضره لأنهما إذا جاءا بعد البيع بيوم أو أكثر فقد تفرقا بعد البيع والبيع تام على التراضي حتى ينقضاه ولو ترك وبرئ إليه من الثمن ما ضره إذا كتب دفع ولو ترك التاريخ في البيع ما ضره غير أني لا أحب في كتاب العهدة شيئا تركه احتياطا للبائع والمشتري معا وأقل ما يجزئ في كتاب العهدة ذكر صفة المشتري وذكر الثمن وقبضهما ثم للمشتري على البائع كل شرط سميناه وإن لم يشرطه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (269)
صــــــــــ 209 الى صـــــــــــ 214
وهكذا يكتب شراء الأمة وسواء صغير العبيد وإمائهم وكبيرهم وسبيهم ومولدهم يوصف كل واحد منهم بجنسه وحليته ويقال مولد إن كان مولدا وهكذا في شراء الحيوان كله الإبل والبقر والغنم والخيل عرابها وهجنها وبراذينها والبغال والحمير وغير ذلك من الحيوان ويصف الفرس بشيته ويقال اشترى منه فرسا كميتا أحمر أغر سائل الغرة محجلا إلى الركب مربوعا وثيق الخلق نهد المشاش حديد الأساطين مستدير الكفل مشرق الهادي محسوم الأذن رباع جانب وقارح جانبه الآخر من الخيل التي تعرف ببني فلان من نتاج بلدة كذا " ثم يسوق الكتاب في دفع الثمن وقبض الفرس والتفرق بعد البيع عن تراض كما وصفت في شراء العبيد والعهدة كما وصفت في شراء العبيد وإن كان اشترى منه بعيرا كتب " اشترى منه بعيرا من النعم التي تعرف ببني فلان أصهب جسيما بازلا عليه علم بني فلان موضع كذا وثيق الخلق أهدل المشفر دقيق الخطم ضخم الهامة.
" وإن كان له صفة غير هذا بينت صفته ثم تسوق الكتاب كما سقته في العبد والفرس وإنما قلت من النعم التي تعرف ببني فلان ولم أقل من نعم بني فلان احتراسا من تباعة بني فلان واحتياطا على الحاكم وكتاب كل ما بيع من الحيوان ككتاب العبد والفرس والبعير فإذا كان العبد بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منه فالبيع جائز والمشتري يقوم مقام البائع في النصف الذي ابتاع منه ولو طلب الذي له نصف العبد الشفعة في العبد لم أر له فيه شفعة فإن قال قائل كيف لا تجعل الشفعة في كل شيء قياسا على الشفعة في الأرضين قيل له لما وجدنا المسلمين يزعمون أنه يجوز لي أن أكون مالكا معك ولا يكون لك إخراجي من ملكي بقيمة ملكي ولا بأكثر ولا بأقل من قيمته ولا لي ذلك عليك وتموت فيرثك ولدك أو غيرهم فلا يكون لي إخراجهم من حقوقهم التي ملكوها عنك بشيء ولا يكون لهم إخراجي بشيء وتهب نصيبك فلا يكون إلى إخراج من وهبت له من نصيبك الذي ملك عنك بشيء إلا برضاه وقالوا ذلك في كل ملك ملكه رجل عن آخر بغير الشراء في كل ما يملك لم يستثنوا أرضا ولا غيره.
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دلالة بينة على أن لا شفعة فيما لا يقسم ولا يقسم شيء بذرع وقيمة ويحدد الأصول والبناء على الأرض والشجر عليها فاقتصرنا بالشفعة على الأرض وما له أرض خاصة فكان العبيد والثياب وكل ما جاوز الأرضين وما له أرض من غراس وبناء خارجا من السنة في الشفعة مردودا على الأصل أن من ملك شيئا عن غيره تم له ملكه ولم يكن لغيره أن يخرجه منه إلا برضاه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الذي أذهب إليه من البيع بالبراءة أن من باع حيوانا بالبراءة برئ من كل عيب إلا عيبا كتمه البائع من المشتري وقد علمه كما قضى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فإن علم البائع عيبا فكتمه فالبيع مردود بالعيب فإن قال لم أعلم وقد باع بالبراءة فالقول قوله مع يمينه ما علم عيبا فكتمه وقد خالفنا في هذا غير واحد فمن أراد الأخذ بقولنا كتب أو يكتب ودفع فلان بن فلان إلى فلان بن فلان العبد الموصوف في هذا الكتاب الذي اشتراه منه وقبضه فلان بعدما تبرأ إليه فلان بن فلان من كل عيب ظاهر وباطن فيه والاحتياط أن لا يستأنف كتاب وثيقة إلا على ما يجيزه جميع الحكام إذا وجد السبيل إليها وقد كان من الحكام من يجيز أن يقول وبرئ إليه فلان من مائة عيب بهذا العبد المشترى وبرأته من مائة عيب فإن زادت رده وإن نقصت فقد أبرأه من أكثر مما وجد فيه فليس له رده بعيب دون المائة.
ومن الحكام من لا يجيز التبرؤ من عيب كتم ولا علم ولو سمى له عددا فوجد به ذلك العدد أو أقل أبدا إلا بعيب يريه إياه حتى يكون المشتري قد رآه وعرفه ومن أوثق هذا أن يكتب وبرئ فلان إلى فلان من كل عيب ويصفه إما كي وإما أثر جرح وإما نقص من خلق وإما زيادة فيه وإما غير ذلك من العيوب فيصفه بعينه وموضعه ثم يكتب ومن كذا وكذا عيبا وقفه عليها قد رآها فلان وبرأه منها بعد معرفتها.
الاختلاف في العيب
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا باع رجل رجلا عبدا ولم يتبرأ من عيب فقبضه المشتري ثم ظهر منه على عيب فقال المبتاع للبائع كان هذا العيب عندك. وقال البائع بل حدث عندك، فإن كان العيب مما لا يحدث مثله مثل الأصبع الزائدة وغير ذلك مما يخلق مع الإنسان أو الأثر لا يحدث مثله في مثل هذه المدة التي تبايعا فيها فالعبد مردود على البائع بلا يمين إذا قال رجلان عدلان من أهل الصناعة التي فيها العيب هذا عيب لا يحدث مثله وإن كان قد يحدث مثل ذلك العيب فالشراء تام والمشتري يريد نقضه.
فالقول قول البائع مع يمينه إلا بأن يأتي المشتري ببينة عليه بأنه كان عنده إما بإقرار من البائع وإما بأن رآه الشاهدان في العبد فيرد بلا يمين ولو تصادقا أن العيب كان بالعبد وادعى البائع التبرؤ من العيب وأنكر ذلك المشتري فالقول قول المشتري مع يمينه ولا يصدق البائع على أنه تبرأ إليه ويكلف البينة فإن هو جاء بها وإلا حلف المشتري ورد عليه وأصل معرفة العيب أن يدعي له رجلان من أهل العلم به فإذا قالا هذا عيب ينقص من ثمن العبد والأمة والمشترى ما كان حيوانا أو غيره شيئا قل أو كثر فهو عيب لصاحبه الخيار في الرد به أو قبضه إن لم يكن قبضه وإجازة البيع ومتى اختار البيع بعد العيب لم يكن له رده وإن ظهر على عيب غير العيب الذي اختار وحبس المبيع بعده كان له رد العبد بالعيب الذي ظهر عليه وإن اشترى رجل عبدا قد دلس فيه بعيب فلم يعلم به حتى حدث عنده به عيب آخر لم يكن له رده بالعيب وقوم العبد صحيحا ومعيبا ثم رد عليه قيمة ما بين الصحة والعيب مثل أن يكون اشترى العبد بخمسين دينارا وقيمته صحيحا مائة ومعيبا بتسعين فيرجع المشتري على البائع بعشر الثمن وهو خمسة دنانير ولا يكون له أن يرجع بعشرة دنانير لأنه لم يبعه إياه بالقيمة وكذلك لو اشترى بمائة وهو
ثمنه خمسين فقوم فوجد العيب نقصه العشر وذلك خمسة دنانير من قيمته فيرجع عليه بعشرة دنانير لأنها أصل الثمن ولست ألتفت إلى قيمته فيما يتراجعان فيه إنما أنظر إلى قيمته لأعرف كم قدر العيب منها أعشرا أو أقل أو أكثر فآخذ العشر من أصل الثمن لا من القيمة.
وإن رضي البائع أن يأخذ العبد معيبا لا يرجع على المشتري بقيمة العيب الذي يحدث عنده فليس عليه أن يرد قيمة العيب ويقال إن شئت فتطوع بأخذ العبد معيبا لأن الشراء لك صحيح إلا أن لك فيما دلس لك أن ترد إن شئت وإن شئت فأمسك العبد ولا ترجع في العيب بشيء ولو دلس له بعيب في أمة فأصابها ولم يعلم فإن كانت ثيبا ردها بالعيب إن شاء وليس وطؤها بأكثر من الخدمة والخراج وإن كانت بكرا لم يكن له ردها لأنه قد نقصها ذهاب العذرة ويرجع بما نقصها العيب وذلك أنه حدث بها عيب عنده فهي كالمسألة قبلها ولو كان أعتقها في هذا كله أو أحبلها فهذا فوت فله أن يرجع بقيمة العيب وكذلك لو ماتت عنده فإذا اشترى نصف عبد فأراد أن يكتب شراء كتب " هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان اشترى منه نصف عبد فراني محتلم ضخم الهامة عبل العظام مربوع القامة حسن الجسم حالك السواد يدعى فلانا بكذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وذلك بعدما عرف فلان بن فلان وفلان هذا العبد الذي تبايعا نصفه ورأياه وتبايعا فيه وتفرقا عن موضعهما الذي تبايعا فيه حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد البيع والتراضي منهما جميعا ودفع فلان بن فلان إلى فلان نصف هذا العبد الموصوف في هذا الكتاب وقبضه فلان كما يقبض مثله وذلك أنهما أحضرا هذا العبد المبيع نصفه وسلم له النصف يقوم فيه مقام فلان البائع لا حائل له دون نصفه ودفع إليه فلان الثمن وافيا وبرئ إليه منه ولفلان بن فلان على فلان بن فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا شين ولا عيب ظاهر ولا باطن في العبد الذي ابتاع نصفه فما أدرك فلان بن فلان من درك في نصف هذا العبد الذي اشترى من فلان أو في شيء منه فعلى فلان خلاصه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا أفرادا خلقان وازنة شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأسمائهما وأنسابهما وأنهما يوم كتب هذا الكتاب صحيحان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر في أموالهما وذلك في شهر كذا من سنة كذا.
" وهكذا شراء ثلث عبد كفوا وثلث أمة أطوعهم ودابة وغيرها فإذا ظهر على عيب في العبد رده وإن لم يكن اشترى إلا عشره لأن للعشر نصيبا من العيب وهو في العيب مثل العبد لا يختلفان ويختلفان في الاستحقاق
فلو أن رجلا اشترى عبدا فاستحق منه شيء قل أو كثر كان للمشتري الخيار في أخذ ما يبقى من العبد بما يصيبه من الثمن أو رده والرجوع بالثمن لأنه لم يسلم له العبد كما بيع " قال الربيع " رجع الشافعي بعد وقال إذا اشترى عبدا أو شيئا فاستحق بعضه فالبيع باطل لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فكان البيع منفسخا ولا يثبت.
(قال): ولو اشترى نصف عبد من رجل فاستحق على الذي لم يبع نصفه فيه بحاله ففي هذا ما يخالف نصف العبد وفيما كان في مثل معناه وإذا اشترى عبدين في صفقة فأراد أن يكتب شراءهما كتب " هذا ما اشترى فلان بن فلان من فلان بن فلان اشترى منه عبدين أسودين أحدهما نوبي أسود وصيف خماسي حلو جعد رجل معتدل حسن القوام خفيف الجسم متراصف الأسنان مسنون الوجه والآخر فراني غليظ مربوع حالك السواد بعيد ما بين المنكبين معتدل جعد قطط حسن الجسم أفلج الثنايا من أعلى فيه محتلم اشترى فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا
الكتاب بكذا وكذا دينارا جيادا مثاقيل أفرادا خلقان وازنة وتبايع فلان بن فلان وفلان بن فلان في العبدين بعد رؤيتهما ومعاينتهما وقبض فلان بن فلان هذين العبدين الموصوفين في هذا الكتاب وقبض فلان بن فلان هذا الثمن وافيا وتفرقا حتى غاب كل واحد منهما عن صاحبه بعد التراضي منهما جميعا بالبيع وتقابضهما ولفلان على فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ولا غائلة ولا عيب ظاهر ولا باطن فما أدرك فلان بن فلان في هذين العبدين أو في أحدهما أو في شيء منهما أو من واحد منهما من درك فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له كما باعه أو يرد إليه الثمن الذي قبض منه وافيا وهو كذا وكذا دينارا ".
وهكذا إذا اشترى عبدا وأمة أو ثلاثة أعبد أو أكثر موصوف كل واحد من المشترى يصفه كما وصفت ويصف الثمن كما وصفت وهكذا إذا اشترى عبدا ودارا وما جمعته الصفقة يكتب عهدته ويكتب كل شيء منه بصفته فإن اشترى عبدين وأمة فأراد أن يكتب عهدتهم ويجعل لكل واحد منهم ثمنا معلوما كتب " هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا من صفته كذا وكذا وعبدا من صفته كذا وكذا وأمة من صفتها كذا كذا اشترى منه هذين العبدين والأمة الموصوفين في هذا الكتاب بمائة دينار وثمن العبد الفارسي من هذه المائة الدينار ثلاثون دينارا وثمن العبد النوبي من هذه المائة عشرون دينارا وثمن الأمة من هذه المائة خمسون دينارا تبايع فلان وفلان هؤلاء الرقيق الثلاثة بعد رؤيتهم ومعرفتهم وتفرقا بعد البيع وقبض فلان جميع ثمنهم وافيا وتفرقا بعد هذا كله عن تراض منهما جميعا به فما أدرك فلان فيما اشترى من فلان أو في واحد منهم فعلى فلان خلاصه حتى يسلمه له أو يرد إليه الثمن وافيا وهو مائة دينار ولفلان على فلان فيما اشترى من فلان بيع الإسلام وعهدته لا شين ولا عيب ولا داء ظاهر ولا باطن شهد على إقرار فلان وفلان بجميع ما في هذا الكتاب بعد معرفتهما معا به وعلى أنهما يوم أقر به صحيحان لا علة بهما من مرض ولا غيره جائزا الأمر شهد فلان وفلان وكتبوا ".
(قال): وإذا أردت أن تكتب عهدة هؤلاء الرقيق بمعنى أبين من هذا فاكتب " هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه عبدا نوبيا من صفته كذا بعشرين دينارا وعبدا فارسيا من صفته كذا بعشرين دينارا وأمة مولدة من صفتها كذا بستين دينارا اشترى منه هؤلاء الرقيق الثلاثة كل واحد منهم بما سمى له من الثمن بعد معرفة فلان وفلان بجميع هؤلاء الرقيق ورؤيتهم له قبل البيع وبعده وقبض فلان هؤلاء الرقيق من فلان وقبض فلان جميع الثمن من فلان وتبايعا على ذلك وتفرقا بعد البيع عن تراض منهما جميعا ولفلان فيما اشترى من فلان بيع الإسلام وعهدته لا داء ظاهر ولا باطن فما أدرك فلان في هؤلاء الرقيق أو في واحد منهم من درك من أحد من الناس فعلى فلان خلاصه أو رد ثمن من أدركه فيه الدرك وافيا بما وقع فيه ثمنه وجميع أثمانهم مائة دينار مفرقة على ما في هذا الكتاب شهد على إقرار فلان وفلان ومعرفتهما بأعيانهما وأنسابهما وأنهما يوم كتبا هذا الكتاب صحيحا جائزا الأمر في أموالهما. فلان وفلان.
وثيقة في المكاتب أملاها الشافعي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان بن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الأمر في ماله لمملوكه فلان الفلاني الذي صفته كذا وكذا إنك سألتني أن أكاتبك على كذا وكذا دينارا مثاقيل جيادا تؤديها إلي منجمة في مضي عشر سنين كلما مضت سنة أديت إلي كذا وكذا دينارا وأول نجومك التي تحل لي عليك انسلاخ سنة كذا كل نجم منها
بعد مضي سنة حتى يكون أداؤك آخرها انسلاخ سنة كذا فإذا أديت جميع ما كاتبتك عليه وهو كذا وكذا فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لي ولا لأحد عليك ولي ولأوك وولاء عقبك من بعدك. فإن عجزت عن نجم من هذه النجوم فلي فسخ كتابتك. شهد على إقرار السيد فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
وثيقة في المدبر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): هذا كتاب كتبه فلان ابن فلان في شهر كذا من سنة كذا وهو صحيح لا علة به من مرض ولا غيره جائز الأمر في ماله لمملوكه فلان الفلاني صفته كذا وكذا إني دبرتك فمتى ما مت فأنت حر لوجه الله تعالى لا سبيل لأحد عليك ولي ولاؤك وولاء عقبك من بعدك.
شهد على إقرار فلان ابن فلان السيد وفلان ابن فلان الفلاني المملوك بما في هذا الكتاب.
كتاب الأقضية
(أخبرنا الربيع بن سليمان) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله تعالى -: قال تولى الله السرائر وعاقب عليها ولم يجعل لأحد من خلقه الحكم إلا على العلانية فإذا حكم الحاكم بالظاهر الذي جعل إليه لم يتعاط الباطن الذي تولى الله دونه وإذا حكم والمحكوم له يعلم أن ما حكم له به حق في الظاهر عند الحاكم وباطل في علمه دون الحاكم لم يكن له أن يأخذه وأخذه حرام عليه ولا يحل حاكم شيئا ولا يحرمه إنما الحكم على الظاهر كما وصفنا والحلال والحرام على ما يعلم المحكوم له والمحكوم عليه وتفسيره في كتاب الأقضية وهو كتاب الشاهد واليمين.
(قال الشافعي): الولد للفراش بالوطء بملك اليمين والنكاح.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: أرسل عمر إلى رجل من بني زهرة كان ساكنا معنا فذهبنا معه فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية: فقال أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال - رضي الله تعالى عنه - صدقت ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالفراش.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا اعترف الرجل بوطء وليدته لحق به ولدها إلا أن يدعي أنه قد استبرأها بعد الوطء ثم لم يقربها وتفسيره في كتاب الطلاق.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا توفي الرجل عن المرأة أو طلقها فانقضت عدتها في الوفاة أو الطلاق ثم تزوجت فولدت عند الزوج الآخر لأقل من ستة أشهر من يوم ملك عقدة نكاحها بساعة فالولد للأول فإن كان ميتا لحق به وإن حيا لحق به إلا أن ينفيه بلعان ولو ادعاه الآخر لم يكن ابنه لأنه لا يمكن أن يكون منه إلا من زنا وولد الزنا لا يلحق وأقل ما يكون له الحمل ستة أشهر تامة فأكثر (فقال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا نقول إذا اشترك الرجلان في طهر جارية لهما فجاءت بولد فادعياه فأريه القافة فأيهما ألحقاه به لحق وكان لشريكه عليه نصف المهر ونصف قيمة الجارية وكانت أم ولد له بذلك الولد وإن لم يكن قافة أو ألحقته القافة بهما معا لم يكن ابنهما ولا ابن واحد منهما حتى يبلغ أن يخير فيختار أيهما شاء فينتسب إليه فإذا اختاره فليس له أن ينفيه بلعان ولا للولد أن ينتفي عنه ويكون الحكم في الأمة وفي مهرها ما وصفنا من أن يكون على المحكومة له بأنها أم ولد له نصف مهرها
ونصف قيمتها ونصف قيمة الولد حين سقط فإن مات المولود قبل أن يبلغ فينتسب إلى واحد فميراثه موقوف حتى يصطلحا فيه وإن ماتا أو واحد منهما قبل أن ينتسب المولود إلى أحدهما وقف له من مال كل واحد منهما ميراث ابن تام وإذا انتسب إلى أحدهما أخذ الميراث ورد ما وقف من ميراث الآخر على ورثته.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقال بعض الناس ولو ترك ثلثمائة دينار فقسمها ابنان له فيأخذ كل واحد منهما خمسين ومائة ثم يقر أحدهما برجل فيقول هذا أخي وينكره الآخر فالذي أحفظ من قول المدنيين المتقدم أن نسبه لا يلحق به وأنه لا يأخذ من المال قليلا ولا كثيرا وذلك أن الأخ لم يقر له بدين ولا وصية إنما زعم أن له حق ميراث وإذا كان له حق بأن يكون وارثا ورث كما يرث وعقل في الجناية فلما كان هذا لا يثبت عليه لم يثبت له ولا يثبت له ميراث إلا بأن يثبت له نسب وهذا أصح ما فيه عندنا والله تعالى أعلم " قال أبو محمد الربيع " لا يثبت نسبه ولا يأخذ من الميراث شيئا لأن المال فرع النسب وإذا لم يثبت النسب وهو الأصل لم يثبت الفرع الذي هو تبع للأصل.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقال مالك وابن أبي ليلى لا يثبت النسب ويأخذ خمسين دينارا من الذي أقر له وذهب إلى أنه أقر بنسبه على نفسه وعلى غيره فلم يأخذ منه إلا ما أقر به على نفسه وأسقطا إقراره على غيره. وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا يثبت نسبه ويقاسم الذي أقر به ما في يديه نصفين لأنه أقر أنه وإياه في مال أبيه سواء وهذا أبعد عندنا من الصواب والله أعلم. وكلها إذا سمعها السامع رأى له مذهبا.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: لا يقسم صنف من المال مع غيره - لا يقسم عنب مع خله ولا أصل مع أصل غيره وإذا كان شيء من هذه الأصول يحيا بغير ما يحيا به غيره لم يقسم معه لأنها مختلفة الأثمان متباينة فلا يقسم نضح مضموما إلى عثري ولا عثري مضموما إلى بعل ولا بعل مضموما إلى نخل يشرب بنهر مأمون الانقطاع لأن أثمانها متباينة. والبعل الذي أصوله قد بلغت الماء. فاستغنى عن أن يسقى والنضح ما يسقى بالبئر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تضعف الغرامة على أحد في شيء إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيما أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار. وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها» فإنما يضمنونه بقيمة لا بقيمتين ولا يقبل قول المدعي لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه».
أدب القاضي وما يستحب للقاضي
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي محمد بن إدريس قال أحب أن يقضي القاضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون متوسطا للمصر وأن يكون في غير المسجد لكثرة من يغشاه لغير ما بنيت له المساجد ويكون ذلك في أوفق الأماكن به وأحراها أن لا يسرع ملالته فيه.
(قال): وإذا كرهت له أن يقضي في المسجد فلأن يقيم الحد في المسجد أو يعزر أكره.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقضي القاضي وهو غضبان أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يقضي القاضي أو لا يحاكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أن لا يقضي الرجل وهو غضبان وكان معقولا في الغضب تغير العقل والفهم فأي حال
جاءت عليه يعلم هو من نفسه تغير عقله أو فهمه امتنع من القضاء فيها فإن كان إذا اشتكى أو جاع أو اهتم أو حزن أو بطر فرحا تغير لذلك فهمه أو خلقه لم أحب له أن يقضي وإن كان ذلك لا يغير عقله ولا فهمه ولا خلقه قضى فأما النعاس فيغمر القلب شبيها بغمر الغشي فلا يقضي ناعسا ولا مغمور القلب من هم أو وجع يغمر قلبه.
(قال): وأكره للقاضي الشراء والبيع والنظر في النفقة على أهله وفي ضيعته لأن هذا أشغل لفهمه من كثير من الغضب وجماع ما شغل فكره يكره له وهو في مجلس الحكم أكره له. ولو اشترى أو باع لم أنقض البيع ولا الشراء لأنه ليس بمحرم وإنما كره لئلا يشتغل فهمه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (270)
صــــــــــ 215 الى صـــــــــــ 220
وكذلك لو قضى في الحال التي كرهت له أن يقضي فيها لم أرد من حكمه إلا ما كنت رادا من حكمه في أفرغ حالاته وذلك إذا حكم بخلاف الكتاب والسنة وما وصفت مما يرد به الحكم.
(قال): وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فبان له من أحد الخصمين اللدد نهاه فإن عاد زجره. ولا يبلغ أن يحبسه ولا يضربه إلا أن يكون في ذلك ما يستوجب ضربا أو حبسا ومتى بان له الحق عليه قطع به الحكم عليه.
الإقرار والاجتهاد والحكم بالظاهر
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وفي هذا الحديث دلالة على أن الأئمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن قد يكون هذا في الباطن محرما على من قضي له به وأباح القضاء على الظاهر ودلالة على أن قضاء الإمام لا يحل حراما ولا يحرم حلالا لقوله «فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه» ودلالة على أن كل حق وجب لي ببينة أو قضاء قاض فأقررت بخلافه أن قولي أولى لقوله فمن قضيت له بشيء في الظاهر فلا يأخذه إذا كان في الباطن ليس له وأن الباطن إذا تبين بإقراره فيما يمكن أن يكون بحال حكم عليه به وهو أن لا يأخذ وإذا لم يأخذه فهو غير آخذ فأبطل إقراره بأن لا حق له فيما قضى له به من الحق ودلالة على أن الحكم على الناس يجيء على نحو ما يسمع منهم مما لفظوا به وإن كان قد يمكن أن يكون نياتهم أو غيبهم غير ذلك لقوله " فمن قضيت له فلا يأخذ " إذ القضاء عليهم إنما هو بما لفظوا به لا بما غاب عنه. وقد وكلهم فيما غاب عنه منهم بنية أو قول إلى أنفسهم ودلالة على أنه لا يحل لحاكم أن يحكم على أحد إلا بما لفظ وأن لا يقضي عليه بشيء مما غيب الله تعالى عنه من أمره من نية أو سبب أو ظن أو تهمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " على نحو ما أسمع منه " وإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من قضيت له فلا يأخذه أن القضاء على ما يسمع منهما وإنه قد يكون في الباطن عليهما غير ما قضى عليهما بما لفظا به قضى بما سمع ووكلهم فيما غاب إلى أنفسهم فمن قضى بتوهم منه على سائله أو بشيء يظن أنه خلق به أو بغير ما سمع من السائلين فخلاف كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - قضى لأن الله عز وجل استأثر بعلم الغيب وادعى هذا علمه ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بما سمع وأخبر أن قد يكون غيبهم غير ظاهرهم لقوله «فمن قضيت له بشيء فلا يأخذه» ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -أولى الناس بعلم هذا لموضعه الذي وضعه الله تعالى به وكرامته التي اختصه الله تعالى بها من النبوة ونزول الوحي عليه فوكلهم في غيبهم إلى أنفسهم وادعى هذا علمه ومثل هذا قضاؤه لعبد بن زمعة بالولد وقوله لسودة «احتجبي منه» عندما رأى شبها بينا فقضى بالظاهر وهو فراش زمعة ودلالة على أنه من أخذ من مال مسلم شيئا فإنما يقطع لنفسه قطعة من النار والفيء مال المسلمين فقياسا على هذا أن من أعطى أحدا منه شيئا لم يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فهو آخذ من مال المسلمين وكلهم أكثر حرمة من واحدهم فإنما أخذ قطعة من النار ومتى ظفر بماله أو بمن يحكم عليه أخذ من ماله بقدر ما أخذ منه مما لم يكن مستأهلا له ولم يكن حقا له فوضع في بيت مال المسلمين.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن بشر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» قال يزيد فحدث بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومعنى الاجتهاد من الحاكم إنما يكون بعد أن لا يكون فيما يرد القضاء في كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه فأما وشيء من ذلك موجود فلا. فإن قيل فمن أين قلت هذا وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهره الاجتهاد؟ قيل له أقرب ذلك «قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل كيف تقضي؟ قال بكتاب الله عز وجل قال فإن لم يكن؟ قال فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فإن لم يكن قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله» فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الاجتهاد بعد أن لا يكون كتاب الله ولا سنة رسوله. ولقول الله عز وجل {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم ثم ذلك موجود في قوله إذا اجتهد لأن الاجتهاد ليس بعين قائمة وإنما هو شيء يحدثه من قبل نفسه فإذا كان هذا هكذا فكتاب الله والسنة والإجماع أولى من رأي نفسه ومن قال الاجتهاد أولى خالف الكتاب والسنة برأيه ثم هو مثل القبلة التي من شهد مكة في موضع يمكنه رؤية البيت بالمعاينة لم يجز له غير معاينتها ومن غاب عنها توجه إليها باجتهاده فإن قيل فما الحجة في أنه ليس للحاكم أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد الحاكم " وقال معاذ أجتهد رأيي ورضي بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي ولم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد على الكتاب والسنة؟ قيل لقول الله عز وجل {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فجعل الناس تبعا لهما ثم لم يهملهم ولقول الله عز وجل {اتبع ما أوحي إليك من ربك} ولقوله {من يطع الرسول فقد أطاع الله} ففرض علينا اتباع رسوله فإذا كان الكتاب والسنة هما الأصلان اللذان افترض الله عز وجل لا مخالف فيهما وهما عينان ثم قال " إذا اجتهد " فالاجتهاد ليس بعين قائمة إنما هو شيء يحدثه من نفسه ولم يؤمر باتباع نفسه إنما أمر باتباع غيره فإحداثه على الأصلين اللذين افترض الله عليه أولى به من إحداثه على غير أصل أمر باتباعه وهو رأي نفسه ولم يؤمر باتباعه فإذا كان الأصل أنه لا يجوز له أن يتبع نفسه وعليه أن يتبع غيره والاجتهاد شيء يحدثه من عند نفسه والاستحسان يدخل على قائله كما يدخل على من اجتهد على غير كتاب ولا سنة ومن قال هذين القولين قال قولا عظيما لأنه وضع نفسه في رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سنة موضعهما في أن يتبع رأيه كما اتبعا. وفي أن رأيه أصل ثالث أمر الناس باتباعه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله تبارك وتعالى إنما أمر بطاعته وطاعة رسوله وزاد قائل هذا القول رأيا آخر على حياله بغير حجة له في كتاب ولا سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا أثر فإذا كانا موجودين فهما الأصلان وإذا لم يكونا موجودين فالقياس عليهما لا على غيرهما. فإن قال قائل: فأين هذا قيل مثل الكعبة من رآها صلى إليها ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها لأنها الأصل فإن صلى غائبا عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئا وكانت عليه الإعادة، وكذلك الاجتهاد فمن اجتهد على الكتاب والسنة فذلك. ومن اجتهد على غير الكتاب والسنة كان مخطئا. ومثل قول الله تعالى {فجزاء مثل ما قتل من النعم} والمثل للمقتول وقد يكون غائبا فإنما يجتهد على أصل الصيد المقتول فينظر إلى أقرب الأشياء به شبها فيهديه. وفي هذا دليل على أن الله عز وجل لم يبح الاجتهاد إلا على الأصول لأنه عز وجل إنما أمر بمثل ما قتل فأمر بالمثل على الأصل ليس على غير أصل. ومثل أذان ابن أم مكتوم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت فلو جاز الاجتهاد على غير أصل لجاز لابن أم مكتوم أن يؤذن بغير إخبار غيره له أن الفجر قد طلع. ولكن لما لم يكن فيه آلة الاجتهاد على الأصل لم يجز اجتهاده حتى يخبره من قد اجتهد على الأصل وفي إخباره على غير اجتهاد على الأصل أن الفجر قد طلع تحريم الأكل الذي هو حلال لي وتحليل الصلاة التي هي حرام علي أن أصليها إلا في وقتها وفي إخبار الحاكم على غير أصل لرجل له أربع نسوة أن واحدة قد حرمت عليه تحريم امرأة كانت له وتحليل الخامسة له فيكون كل واحد من هؤلاء وقد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز أن يجتهد الأعمى فيصلي برأيه ولا رأي له ولجاز أن يصلي الأعمى ولا يدري قد أحل وحرم برأي نفسه ولجاز أن يجتهد الأعمى فيصلي برأيه ولا رأي له ولجاز أن يصلي الأعمى ولا يدري أزالت الشمس أم لا؟ برأي نفسه ولجاز أن يصوم رمضان برأي نفسه أن الهلال قد طلع ولجاز إذا كانت دلائل القبلة أن يدع الرجل النظر إليها والاجتهاد عليها ويعمل في ذلك برأي نفسه على غير أصل كما إذا كان الكتاب والسنة موجودين فآمره يترك الدلائل وآمره يجتهد برأيه وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لقوله تبارك وتعالى {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} ولقوله عز وجل: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «صوموا لرؤيته» ولصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الزوال ولكان إذا يجوز لكل أحد علم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يعلمهما أن يجتهد فيما ليس فيه كتاب ولا سنة برأيه بغير قياس عليهما لأنه إذا جاز له أن يجتهد على غير كتاب ولا سنة فلا يعدو أن يصيب أو يخطئ وليس ذلك منه على الأصول التي أمر باتباعها فيكون إذا اجتهد عليها مؤديا لفرضه فقد أباح لكل من لم يعلم الكتاب والسنة وجهلهما أن يكون رأي نفسه وإن كان أجهل الناس كلهم فيما ليس فيه كتاب ولا سنة مثل رأي من علم الكتاب والسنة لأنه إذا كان أصله أن من علمهما واجتهد على غيرهما جاز له فما معنى من علمهما ومن لم يعلمهما في موضع الاجتهاد إذا كان على غيرهما إلا سواء؟ غير أن الذي علمهما يفضل الذي لم يعلمهما بما نصا فقط فأما بموضع الاجتهاد فقد سوى بينهما فكان قد جعل العالمين والجاهلين في درك علم ما ليس فيه كتاب ولا سنة سواء فكان للجاهلين إذا نزل بهم شيء من جهة القياس بما يستدرك قياسا أن يكون هو فيه والعالم سواء وأن يقتدي برأي نفسه لأنه إذا كان العالم عنده إنما يعمل في ذلك على غير أصل فأكثر حالات الجاهل أن يعمل على غير أصل فاستويا في هذا المعنى ولكان كل من رأى رأيا فاستحسنه جاهلا كان أو عالما جاز له إذا لم يكن في ذلك كتاب ولا سنة وليس كل العلم يوجد فيه كتاب وسنة نصا وكان قد جعل رأي كل أحد من الآدميين الجاهل والعالم
منهم أصلا يتبع كما تتبع السنة لأنه إذا أجاز الاجتهاد على غير أصل لم يزل ذلك به في نفسه ورآه حقا له وجب عليه أن يأمر الناس باتباع الحق وهذا خلاف القرآن لأن الله عز وجل فرض عليهم فيه اتباعه واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - وزاد قائل هذا واتباع نفسك فأقام الناس في هذا الموضع مقاما عظيما بغير شيء جعله الله تعالى لهم ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل فقد «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سعدا أن يحكم في بني قريظة فحكم برأيه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وافقت حكم الله عز وجل فيهم» ففي هذا دليل على أنه إنما قال برأيه فوافق الحكم على غير أصل كان عنده من النبي - صلى الله عليه وسلم - «وأن قوما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج لهم حوت من البحر ميت فأكلوه ثم سألوا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال هل بقي معكم من لحمه شيء؟» ففي هذا دليل على أنهم إنما أكلوه يومئذ برأي أنفسهم وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث عماله وسراياه ويأمر الناس بطاعتهم ما أطاعوا الله وقد فعل بعضهم شيئا في بعض مغازيهم فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الرجل الذي لاذ بالشجرة فأحرقوه والذي أمر الرجل أن يلقي نفسه في النار والذي جاء بالهدية وكل هذا فعلوه برأيهم فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرجل الذي قال أسلمت لله فقتل فكره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قيل له فما احتججت من هذا يشبه أنه لنا دونك. أما أولا، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسراياه وأمرائه بطاعة الله عز وجل ورسوله واتباعهما وأمره من أمر عليهم أمراء أن يطيعوهم ما أطاعوا الله فإذا عصوا الله عز وجل فلا طاعة لهم عليهم ففي نفس ما احتججت به أنه إنما أمر الناس بطاعة الله وطاعة أمرائهم إذا كانوا مطيعين لله فإذا عصوا فلا طاعة لهم عليكم وفيه أنه كره لهم كل شيء فعلوه برأي أنفسهم من الحرق والقتل وأباح لهم كل ما عملوه مطيعين فيه لله ولرسوله فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل إلا ما احتججت به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره لهم ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان لنا فيه كفاية وإن قيل فقد أجاز رأي سعد في بني قريظة ورأي الذين أكلوا الحوت على غير أصل. قيل أجازه لصوابه كما يجيز رأي كل من رأى ممن يعلم أو لا يعلم إذا كان بحضرته من يعلم خطأه وصوابه فيجيزه من يعلم ذلك منه إذا أصاب الحق بمعنى إجازته له أنه الحق لا بمعنى رأي نفسه منفردا دون علمك لأن رأي ذي الرأي على غير أصل قد يصيب وقد يخطئ ولم يؤمر الناس أن يتبعوا إلا كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي قد عصمه الله من الخطأ وبرأه منه فقال تعالى {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} فأما من كان رأيه خطأ أو صوابا فلا يؤمر أحد باتباعه ومن قال للرجل يجتهد برأيه فيستحسن على غير أصل فقد أمر باتباع من يمكن منه الخطأ وأقامه مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فرض الله اتباعه فإن كان قائل هذا ممن يعقل ما تكلم به فتكلم به بعد معرفة هذا فأرى للإمام أن يمنعه وإن كان غبيا علم هذا حتى يرجع.
فإن قيل فما معنى قوله له احكم قيل مثل قوله عز وجل {وشاورهم في الأمر} على معنى استطابة أنفس المستشارين أو المستشار منهم والرضا بالصلح على ذلك ووضع الحرب بذلك السبب لا أن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجة إلى مشورة أحد والله عز وجل يؤيده بنصره بل لله ورسوله المن والطول على جميع الخلق وبجميع الخلق الحاجة إلى الله عز وجل فيحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم - له احكم على هذا المعنى وأن يكون قد علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة في مثل هذا فحكم على مثلها أو يحكم فيوفقه الله تعالى ذكره لأمر رسوله فيعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صواب ذلك فيقره عليه أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
ذلك بطاعة الله عز وجل فإن قيل فيحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قد يخطئ؟ قيل نعم ولا يبرأ أحد من الآدميين من الخطأ إلا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين كما ولى أمراء ففعل بعضهم بعض ما كره برأيه على معنى الاحتياط منهم للدين فردهم في ذلك إلى طاعة الله عز وجل وأجاز لهم ما عملوا من طاعة الله لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يجوز هذا من سنته لأن الله عز وجل اختصه بوحيه وانتخبه لرسالته فما كان من أمر من أحد أمرائه أقرهم عليه فبطاعة الله عز وجل أقرهم وما كره لهم بأن كانوا فعلوه طلب طاعة الله عز وجل فبطاعة الله كره لهم وليس يعلم مثل هذا من رأى أحد صوابه من خطئه أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجوز لأحد أن يقول برأيه لأنه لا مبين لرأيه أصواب هو أم خطأ وإنما على الناس أن يتبعوا طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وإذا غبي علمهما على أحد فالدلائل عليهما لأنهما اللذان رضي الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لعباده وأمروا باتباعه - صلى الله عليه وسلم - فإن قيل فقد أكلوا الحوت بغير حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا أصل عندهم؟ قيل لموضع الضرورة والحاجة إلى أكله على أنهم ليسوا على يقين من حله. ألا ترى أنهم سألوا عن ذلك أو لا ترى أن أصحاب أبي قتادة في الصيد الذي صاده إذ لم يكن بهم ضرورة إلى أكله أمسكوا إذ لم يكن عندهم أصل حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟
مشاورة القاضي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أحب للقاضي أن يشاور ولا يشاور في أمره إلا عالما بكتاب وسنة وآثار وأقاويل الناس وعاقلا يعرف القياس ولا يحرف الكلام ووجوهه ولا يكون هذا في رجل حتى يكون عالما بلسان العرب ولا يشاوره إذا كان هذا مجتمعا فيه حتى يكون مأمونا في دينه لا يقصد إلا قصد الحق عنده ولا يقبل ممن كان هكذا عنده شيئا أشار به عليه على حال حتى يخبره أنه أشار به من خبر يلزم وذلك كتاب أو سنة أو إجماع أو من قياس على أحدهما ولا يقبل منه وإن قال هذا له حتى يعقل منه ما يعقل فيقفه عليه فيعرف منه معرفته ولا يقبله منه وإن عرفه هكذا حتى يسأل هل له وجه يحتمل غير الذي قال؟ فإن لم يكن له وجه يحتمل غير الذي قال أو كانت سنة فلم يختلف في روايتها قبله وإن كان للقرآن وجهان أو كانت سنة رويت مختلفة أو سنة ظاهرها يحتمل وجهين لم يعمل بأحد الوجهين حتى يجد دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على أن الوجه الذي عمل به هو الوجه الذي يلزمه والذي هو أولى به من الوجه الذي تركه وهكذا يعمل في القياس لا يعمل بالقياس أبدا حتى يكون أولى بالكتاب أو السنة أو الإجماع أو أصح في المصدر من الذي ترك ويحرم عليه أن يعمل بغير هذا من قوله استحسنت لأنه إذا أجاز لنفسه استحسنت أجاز لنفسه أن يشرع في الدين وغير جائز له أن يقلد أحدا من أهل دهره وإن كان أبين فضلا في العقل والعلم منه ولا يقضي أبدا إلا بما يعرف وإنما أمرته بالمشورة لأن المشير ينبهه لما يغفل عنه ويدله من الأخبار على ما لعله أن يجهله. فأما أن يقلد مشيرا فلم يجعل الله هذا لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا اجتمع له علماء من أهل زمانه أو افترقوا فسواء ذلك كله لا يقبله إلا تقليدا لغيرهم من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس يدلونه عليه حتى يعقله كما عقلوه فإن لم يكن في عقله ما إذا عقل القياس عقله وإذا سمع الاختلاف ميزه فلا ينبغي له
أن يقضي ولا ينبغي لأحد أن يستقضيه وينبغي له أن يتحرى أن يجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه العلم وليكشف بعضهم على بعض، يعيب بعضهم قول بعض حتى يتبين له أصح القولين على التقليد أو القياس.
حكم القاضي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا حكم القاضي بحكم ثم رأى الحق في غيره فإن رأى الحق في الحادث بأنه كان خالف في الأول كتابا أو سنة أو إجماعا أو أصح المعنيين فيما احتمل الكتاب أو السنة نقض قضاءه الأول على نفسه وكل ما نقض على نفسه نقضه على من قضى به إذا رفع إليه ولم يقبله ممن كتب به إليه، وإن كان إنما رأى قياسا محتملا أحسن عنده من شيء قضى به من قبل والذي قضى به قبل يحتمل القياس ليس الآخر بأبين حتى يكون الأول خطأ في القياس يستأنف الحكم في القضاء الآخر بالذي رأى آخرا ولم ينقض الأول وما لم ينقضه على نفسه لم ينقضه على أحد حكم به قبله ولا أحب له أن يكون منفذا له وإن كتب به إليه قاض غيره لأنه حينئذ مبتدئ الحكم فيه ولا يبتدئ الحكم بما يرى غيره أصوب منه، وليس على القاضي أن يتعقب حكم من كان قبله فإن تظلم محكوم عليه قبله نظر فيما تظلم فيه فإن وجده قضى عليه بما وصفت في المسألة الأولى من خلاف كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس فهذا خطأ يرده عليه لا يسعه غيره وإن لم يكن خلاف واحد من هؤلاء أو كان يراه باطلا بأن قياسا عنده أرجح منه وهو يحتمل القياس لم يرده لأنه إذا احتمل المعنيين معا فليس يرده من خطأ بين إلى صواب بين كما يرده في خلاف الكتاب أو السنة أو الإجماع من خطأ بين إلى صواب بين
(قال): وإذا تناقد الخصمان بينتهما وحجتهما عند القاضي ثم مات أو عزل أو ولي غيره لم يحكم حتى يعيدا عليه حجتهما وبينتهما ثم يحكم وينبغي أن يخفف في المسألة عن بينتهما إن كانوا ممن يسأل عنه وهكذا شهوده يعيد تعديلهم ويخفف في المسألة ويوجزها لئلا تطول
ويحب للقاضي والوالي أن يولي الشراء له والبيع رجلا مأمونا غير مشهور بأنه يبيع له ولا يشتري خوف المحاباة بالزيادة له فيما اشترى منه أو النقص فيما اشترى له فإن هذا من مآكل كثير من الحكام وإن لم يفعل لم أفسد له شراء ولا بيعا إلا أن يستكره أحدا على ذلك إلا بما أفسد به شراء السوقة
(قال): ولا أحب لحاكم أن يتخلف عن الوليمة إذا دعي لها ولا أحب له أن يجيب وليمة بعض ويترك بعضا إما أن يجيب كلا أو يترك كلا ويعتذر ويسألهم أن يحللوه ويعذروه ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويأتي الغائب عند قدومه ومخرجه.
(قال): وإذا تحاكم إلى القاضي أعجمي لا يعرف لسانه لم يقبل الترجمة عنه إلا بشاهدين عدلين يعرفان ذلك اللسان لا يشكان فيه فإن شكا لم يقبل ذلك عنهما وأقام ذلك مقام الشهادة فيقبل فيه ما يقبل في الشهادة ويرد فيه ما يرد فيها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (271)
صــــــــــ 221 الى صـــــــــــ 226
مسائل القاضي وكيف العمل عند شهادة الشهود.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الشهود عند القاضي فإن كانوا مجهولين كتب حلية كل واحد منهم ورفع في نسبه إن كان له نسب أو ولائه إن كان يعرف له ولاء. وسأله عن صناعته إن
كان له صناعة وعن كنيته إن كان يعرف بكنية وعن مسكنه وموضع بياعاته ومصلاه. وأحب له إن كان الشهود ليسوا ممن يعرف بالحال الحسنة المبرزة والعقل معها أن يفرقهم ثم يسأل كل واحد منهم على حدته عن شهادته واليوم الذي شهد فيه والموضع الذي شهد فيه ومن حضره وهل جرى ثم كلام. ثم يثبت ذلك كله وهكذا أحب إن كان ثم حال حسنة ولم يكن سديد العقل أن يفعل به هذا ويسأل من كان معه في الشهادة على مثل حاله عن مثل ما يسأل ليستدل على عورة إن كانت في شهادته أو اختلاف إن كان في شهادته وشهادة غيره فيطرح من ذلك ما لزمه طرحه ويلزم ما لزمه إثباته وإن جمع الحال الحسنة والعقل لم يقفه ولم يفرقهم، وأحب للقاضي أن يكون أصحاب مسائله جامعين للعفاف في الطعمة والأنفس وافري العقول برآء من الشحناء بينهم وبين الناس أو الحيف على أحد بأن يكونوا من أهل الأهواء والعصبية والمماطلة للناس وأن يكونوا جامعين للأمانة في أديانهم وأن يكونوا أهل عقول لا يتغفلون بأن يسألوا الرجل عن عدوه ليخفي حسنا ويقول قبيحا فيكون ذلك جرحا عندهم أو يسألوه عن صديقه فيخفي قبيحا ويقول حسنا فيكون ذلك تعديلا عندهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحرص الحاكم على أن لا يعرف له صاحب مسألة فيحتال له. (قال): وأرى أن يكتب لأهل المسائل صفات الشهود على ما وصفت وأسماء من شهدوا له ومن شهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه ثم لا يسألون أحدا عنهم حتى يخبره بمن شهدوا له، وشهدوا عليه وقدر ما شهدوا فيه فإن المسئول عن الرجل قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه أو حنقا عليه أو شريكا فيما شهد فيه وتطيب نفسه على تعديله في اليسير ويقف في الكثير، ولا يقبل تعديله إلا من اثنين ولا المسألة عنه إلا من اثنين ويخفي على كل واحد منهما أسماء من دفع إلى الآخر لتتفق مسألتهما أو تختلف فإن اتفقت بالتعديل قبلها وإن اختلفت أعادها مع غيرهما فإن عدل رجل وجرح لم يقبل الجرح إلا من شاهدين وكان الجرح أولى من التعديل لأن التعديل يكون على الظاهر والجرح يكون على الباطن.
(قال): ولا يقبل الجرح من أحد من خلق الله فقيه عاقل دين ولا غيره إلا بأن يقفه على ما يجرحه به فإذا كان ذلك مما يكون جرحا عند الحاكم قبله منه وإذا لم يكن جرحا عنده لم يقبله فإن الناس يختلفون ويتباينون في الأهواء فيشهد بعضهم على بعض بالكفر فلا يجوز لحاكم أن يقبل من رجل وإن كان صالحا أن يقول لرجل ليس بعدل ولا رضا ولعمري إن من كان عنده كافرا لغير عدل، وكذلك يسمى بعضهم بعضا على الاختلاف بالفسق والضلال فيجرحونهم فيذهب من يذهب إلى أن أهل الأهواء لا تجوز شهادتهم فيجرحونهم من هذا المعنى وليس هذا بموضع جرح لأحد، وكذلك من يجرح من يستحل بعض ما يحرم هو من نكاح المتعة ومن إتيان النساء في أدبارهن وأشباه ذلك مما لا يكون جرحا عند أهل العلم فلا يقبل الجرح إلا بالشهادة من الجارح على المجروح وبالسماع أو بالعيان كما لا يقبلها عليه فيما لزمه من الحق وأكثر من نسب إلى أن تجوز شهادته بغيا حتى يعتد اليسير الذي لا يكون جرحا لقد حضرت رجلا صالحا يجرح رجلا مستهلا بجرحه فألح عليه بأي شيء تجرحه؟ فقال ما يخفى على ما تكون الشهادة به مجروحة فلما قال له الذي يسأله عن الشهادة لست أقبل هذا منك إلا أن تبين قال رأيته يبول قائما قال وما بأس بأن يبول قائما؟ قال ينضح على ساقيه ورجليه وثيابه ثم يصلي قبل أن ينقيه قال أفرأيته فعل فصلى قبل أن ينقيه وقد نضح عليه؟ قال لا ولكني أراه سيفعل. وهذا الضرب كثير في العالمين والجرح خفي فلا يقبل لخفائه ولما وصفت من الاختلاف إلا بتصريح الجارح ولا يقبل التعديل إلا بأن يوقفه المعدل عليه فيقول عدل علي ولي ثم لا يقبل ذلك هكذا
حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت معرفته به باطنة متقادمة قبل ذلك منه وإن كانت معرفته به ظاهرة حادثة لم يقبل ذلك منه.
ما تجوز به شهادة أهل الأهواء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ذهب الناس من تأويل القرآن والأحاديث أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينا شديدا واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته وكان ذلك منهم متقادما منه ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم فلم نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل فيه ما حرم عليه ولا رد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول وذلك أنا وجدنا الدماء أعظم ما يعصى الله تعالى بها بعد الشرك ووجدنا متأولين يستحلونها بوجوه وقد رغب لهم نظراؤهم عنها وخالفوهم فيها ولم يردوا شهادتهم بما رأوا من خلافهم فكل مستحل بتأويل من قول أو غيره فشهادته ماضية لا ترد من خطأ في تأويله وذلك أنه قد يستحل من خالفه الخطأ إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل لأنه يراه حلال الدم أو حلال المال فترد شهادته بالزور أو يكون منهم من يستحل أو يرى الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلف له على حقه ويشهد له بالبت ولم يحضره ولم يسمعه فترد شهادته من قبل استحلاله الشهادة بالزور أو يكون منهم من يباين الرجل المخالف له مباينة العداوة له فترد شهادته من جهة العداوة فأي هذا كان فيهم أو في غيرهم ممن لا ينسب إلى هوى رددت شهادته وأيهم سلم من هذا أجزت شهادته وشهادة من يرى الكذب شركا بالله أو معصية له يوجب عليها النار أولى أن تطيب النفس عليها من شهادة من يخفف المأثم عليها.
وكذلك إذا كانوا مما يشتم قوما على وجه تأويل في شتمهم لا على وجه العداوة وذلك أنا إذا أجزنا شهادتهم على استحلال الدماء كانت شهادتهم بشتم الرجال أولى أن لا ترد لأنه متأول في الوجهين والشتم أخف من القتل فأما من يشتم على العصبية أو العداوة لنفسه أو على ادعائه أن يكون مشتوما مكافئا بالشتم فهذه العداوة لنفسه وكل هؤلاء ترد شهادته عمن شتمه على العداوة. وأما الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول كفوا عن حديثه ولا تقبلوا حديثه لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع، وليست بينه وبين الرجل عداوة فليس هذا من الأذى الذي يكون به القائل لهذا فيه مجروحا عنه لو شهد بهذا عليه إلا أن يعرف بعداوة له فترد بالعداوة لا بهذا القول، وكذلك إن قال إنه لا يبصر الفتيا ولا يعرفها فليس هذا بعداوة ولا غيبة إذا كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه فيخطئ باتباعه وهذا من معاني الشهادات وهو لو شهد عليه بأعظم من هذا لم يكن هذا غيبة إنما الغيبة أن يؤذيه بالأمر لا بشهادته لأحد يأخذ به منه حقا في حد ولا قصاص ولا عقوبة ولا مال ولا حد لله ولا مثل ما وصفت من أن يكون جاهلا بعيوبه فينصحه في أن لا يغتر به في دينه إذا أخذ عنه من دينه من لا يبصره فهذا كله معاني الشهادات التي لا تعد غيبة
(قال): والمستحل لنكاح المتعة والمفتي بها والعامل بها ممن لا ترد شهادته، وكذلك لو كان موسرا فنكح أمة مستحلا لنكاحها مسلمة أو مشركة
لأنا نجد من مفتي الناس وأعلامهم من يستحل هذا وهكذا المستحل الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين يدا بيد والعامل به لأنا نجد من أعلام الناس من يفتي به ويعمل به ويرويه، وكذلك المستحل لإتيان النساء في أدبارهن فهذا كله عندنا مكروه محرم وإن خالفنا الناس فيه فرغبنا عن قولهم ولم يدعنا هذا إلى أن نجرحهم ونقول لهم إنكم حللتم ما حرم الله وأخطأتم لأنهم يدعون علينا الخطأ كما ندعيه عليهم وينسبون من قال قولنا إلى أنه حرم ما أحل الله عز وجل.
شهادة أهل الأشربة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من شرب من الخمر شيئا وهو يعرفها خمرا، والخمر: العنب الذي لا يخالطه ماء ولا يطبخ بنار ويعتق حتى يسكر هذا مردود الشهادة لأن تحريمها نص في كتاب الله عز وجل سكر أو لم يسكر ومن شرب ما سواها من الأشربة من المنصف والخليطين أو مما سوى ذلك مما زال أن يكون خمرا وإن كان يسكر كثيره فهو عندنا مخطئ بشربه آثم به ولا أرد به شهادته وليس بأكثر مما أجزنا عليه شهادته من استحلال الدم المحرم عندنا والمال المحرم عندنا والفرج المحرم عندنا ما لم يكن يسكر منه فإذا سكر منه فشهادته مردودة من قبل أن السكر محرم عند جميع أهل الإسلام إلا أنه قد حكي لي عن فرقة أنها لا تحرمه وليست من أهل العلم فإذا كان الرجل المستحل للأنبذة يحضرها مع أهل السفه الظاهر ويترك لها الحضور للصلوات وغيرها وينادم عليها ردت شهادته بطرحه المروءة وإظهاره السفه، وأما إذا لم يكن ذلك معها لم ترد شهادته من قبل الاستحلال.
شهادة أهل العصبية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من أظهر العصبية بالكلام فدعا إليها وتألف عليها وإن لم يكن يشهر نفسه بقتال فيها فهو مردود الشهادة لأنه أتى محرما لا اختلاف بين علماء المسلمين علمته فيه الناس كلهم عباد الله تعالى لا يخرج أحد منهم من عبوديته وأحقهم بالمحبة أطوعهم له وأحقهم من أهل طاعته بالفضيلة أنفعهم لجماعة المسلمين من إمام عدل أو عالم مجتهد أو معين لعامتهم وخاصتهم وذلك أن طاعة هؤلاء طاعة عامة كثيرة فكثير الطاعة خير من قليلها وقد جمع الله تعالى الناس بالإسلام ونسبهم إليه فهو أشرف أنسابهم.
(قال): فإن أحب امرؤ فليحب عليه وإن خص امرؤ قومه بالمحبة ما لم يحمل على غيرهم ما ليس يحل له فهذا صلة ليست بعصبية وقل امرؤ إلا وفيه محبوب ومكروه فالمكروه في محبة الرجل من هو منه أن يحمل على غيره ما حرم الله تعالى عليه من البغي والطعن في النسب والعصبية والبغضة على النسب لا على معصية الله ولا على جناية من المبغض على المبغض ولكن بقوله أبغضه لأنه من بني فلان فهذه العصبية المحضة التي ترد بها الشهادة فإن قال قائل ما الحجة في هذا؟ قيل له: قال الله تبارك وتعالى: {إنما المؤمنون إخوة} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «وكونوا عباد الله إخوانا»، فإذا صار رجل إلى خلاف أمر الله تبارك وتعالى اسمه وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا سبب يعذر به يخرج به من العصبية كان مقيما على معصية لا تأويل فيها ولا اختلاف بين المسلمين فيها ومن أقام على مثل هذا كان حقيقا أن يكون مردود الشهادة.
شهادة الشعراء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام غير أنه كلام باق سائر فذلك فضله على الكلام فمن كان من الشعراء لا يعرف بنقص المسلمين وأذاهم والإكثار من ذلك، ولا بأن يمدح فيكثر الكذب لم ترد شهادته. ومن أكثر الوقيعة في الناس على الغضب أو الحرمان حتى يكون ذلك ظاهرا كثيرا مستعلنا، وإذا رضي مدح الناس بما ليس فيهم حتى يكون ذلك كثيرا ظاهرا مستعلنا كذبا محضا ردت شهادته بالوجهين، وبأحدهما لو انفرد به، وإن كان إنما يمدح فيصدق، ويحسن الصدق أو يفرط فيه بالأمر الذي لا يمحض أن يكون كذبا لم ترد شهادته، ومن شبب بامرأة بعينها ليست ممن يحل له وطؤها حين شبب فأكثر فيها وشهرها وشهر مثلها بما يشبب، وإن لم يكن زنى ردت شهادته، ومن شبب فلم يسم أحدا لم ترد شهادته لأنه يمكن أن يشبب بامرأته، وجاريته، وإن كان يسأل بالشعر أو لا يسأل به فسواء. وفي مثل معنى الشعر في رد الشهادة من مزق أعراض الناس، وسألهم أموالهم فإذا لم يعطوه إياها شتمهم.
فأما أهل الرواية للأحاديث التي فيها مكروه على الناس فيكره ذلك لهم، ولا ترد شهادتهم لأن أحدا قلما يسلم من هذا إذا كان من أهل الرواية فإن كانت تلك الأحاديث عضة بحر أو نفي نسب ردت بذلك شهادتهم إذا أكثروا روايتها أو عمدوا أن يرووها فيحدثوا بها، وإن لم يكثروا.
وأما من روى الأحاديث التي ليست بمحض الصدق ولا بيان الكذب، وإن كان الأغلب منها أنها كذب فلا ترد الشهادة بها، وكذلك رواية أهل زمانك من الإرجاف، وما أشبهه
وكذلك المزاح لا ترد به الشهادة ما لم يخرج في المزاح إلى عضة النسب أو عضة بحر أو فاحشة فإذا خرج إلى هذا، وأظهره كان مردود الشهادة.
شهادة أهل اللعب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): يكره من، وجه الخير اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي، ولا نحب اللعب بالشطرنج، وهو أخف من النرد، ويكره اللعب بالحزة، والقرق، وكل ما لعب الناس به لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة. ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم ترد شهادته والحزة تكون قطعة خشب فيها حفر يلعبون بها إن غفل به عن الصلوات فأكثر حتى تفوته ثم يعود له حتى تفوته رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة كما نردها لو كان جالسا فلم يواظب على الصلاة من غير نسيان ولا غلبة على عقل. فإن قيل فهو لا يترك الصلاة حتى يخرج وقتها للعب إلا وهو ناس؟ قيل فلا يعود للعب الذي يورث النسيان، وإن عاد له، وقد جربه يورثه ذلك فذلك استخفاف. فأما الجلوس والنسيان فمما لم يجلب على نفسه فيه شيئا إلا حديث النفس الذي لا يمتنع منه أحد، ولا يأثم به، وإن قبح ما يحدث به نفسه، والناس يمتنعون من اللعب. فأما ملاعبة الرجل أهله وإجراؤه الخيل، وتأديبه فرسه، وتعلمه الرمي، ورميه فليس ذلك من اللعب، ولا ينهى عنه. وينبغي للمرء أن لا يبلغ منه، ولا من غيره من تلاوة القرآن، ولا نظر في علم ما يشغله عن الصلاة حتى يخرج
وقتها، وكذلك لا يتنفل حتى يخرج من المكتوبة لأن المكتوبة أوجب عليه من جميع النوافل.
شهادة من يأخذ الجعل على الخير
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن القاضي والقاسم والكاتب للقاضي وصاحب الديوان وصاحب بيت المال والمؤذنين لم يأخذوا جعلا، وعملوا محتسبين كان أحب إلي، وإن أخذوا جعلا لم يحرم عليهم عندي، وبعضهم أعذر بالجعل من بعض، وما منهم أحد كان أحب إلي أن يترك الجعل من المؤذنين (قال): ولا بأس أن يأخذ الرجل الجعل عن الرجل في الحج إذا كان قد حج عن نفسه، ولا بأس أن يأخذ الجعل على أن يكيل للناس ويزن لهم، ويعلمهم القرآن والنحو، وما يتأدبون به من الشعر مما ليس فيه مكروه (قال الربيع) سمعت الشافعي يقول لا تأخذ في الأذان أجرة، ولكن خذه على أنه من الفيء.
شهادة السؤال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تحرم المسألة في الجائحة تصيب الرجل تأتي على ماله، ولا في حمالة الرجل بالديات والجراحات، ولا في الغرم لأن هذه مواضع ضرورات، وليس فيها كبير سقاطة مروءة. وهكذا لو قطع برجل ببلد فسأل لم أر أن هذا يحرم عليه إذا كان لا يجد المضي منها إلا بمسألة، ولا ترد شهادة أحد بهذا أبدا فأما من يسأل عمره كله أو أكثر عمره أو بعض عمره، وهو غني بغير ضرورة، ولا معنى من هذه المعاني، ويشكو الحاجة فهذا يأخذ ما لا يحل له، ويكذب بذكر الحاجة فترد بذلك شهادته (قال): ومن سأل، وهو فقير لا يشهد على غناه لم تحرم عليه المسألة، وإن كان ممن يعرف بأنه صادق ثقة لم ترد شهادته، وإن كان تغلبه الحاجة، وكانت عليه دلالات أن يشهد بالباطل على الشيء لم تقبل شهادته، وهكذا إن كان غنيا يقبل الصدقة المفروضة من غير مسألة كان قابلا ما لا يحل له فإن كان ذلك يخفى عليه أنه محرم عليه لم ترد شهادته، وإن كان لا يخفى عليه أنه محرم عليه ردت شهادته. فأما غير الصدقة المفروضة يتصدق بها على رجل غني فقبلها فلا يحرم عليه، ولا ترد بها شهادته.
شهادة القاذف
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من قذف مسلما حددناه أو لم نحدده لم نقبل شهادته حتى يتوب فإذا تاب قبلنا شهادته فإن كان القذف إنما هو بشهادة لم تتم في الزنا حددناه ثم نظرنا إلى حال المحدود فإن كان من أهل العدل عند قذفه بشهادته قلنا له تب، ولا توبة إلا إكذابه نفسه فإذا أكذب نفسه فقد تاب حد أو لم يحد، وإن أبى أن يتوب، وقد قذف، وسقط الحد عنه بعفو أو غيره مما لا يلزم المقذوف اسم القذف لم تقبل شهادته أبدا حتى يكذب نفسه. وهكذا قال عمر للذين شهدوا على من شهدوا عليه حين حدهم فتاب اثنان فقبل شهادتهما، وأقام الآخر على القذف فلم يقبل شهادته، ومن كانت حاله
عند القذف بشهادة أو غير شهادة حال من لا تجوز شهادته بأنه غير عدل حد أو لم يحد فسواء، ولا تقبل شهادته حتى تحدث له حال يصير بها عدلا، ويتوب من القيل بما وصفت من إكذابه نفسه، وتجوز شهادة المحدود في القذف إذا تاب على رجل في قذف
وتجوز شهادة ولد الزنا على رجل في الزنا، وشهادة المحدود في الزنا إذا تاب على الحد في الزنا، وهكذا المقطوع في السرقة، والمقتص منه في الجراح إذا تابوا ليس ههنا إلا أن يكونوا عدولا في كل شيء أو مجروحين في كل شيء إلا ما يشركهم فيه من لا عيب فيه من هذه العيوب فشهدوا فيكونون خصماء أو أظناء أو جارين إلى أنفسهم أو دافعين عنها أو ما ترد به شهادة العدول
وهكذا تجوز شهادة البدوي على القروي، والقروي على البدوي، والغريب على الآهل، والآهل على الغريب ليس من هذا شيء ترد به الشهادة إذا كانوا كلهم عدولا، وإذا كان معروفا أن الرجلين قد يتبايعان فلا يحضرهما أحد، ويتشاتمان، ولا يحضرهما أحد، ويقتل أحدهما الآخر، ولا يحضرهما أحد فحضور البدوي القروي، والقروي البدوي حتى يشهد على ما رأى، واستشهد عليه جائز، وقد لا يشهد لأنه حاضر يشهد غيره ثم ينتقل المشهد أو يموت أو يطمئن إلى صاحبه فلا يكون له شاهد غير بدوي أو بدويين. وكذلك قد يكون له شهود غيره يغيبون أو يموتون فلا يمنع ذلك البدوي أن تجوز شهادته إذا كان عدلا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): في الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعته يؤتى عليه ويأتي له، ويكون منسوبا إليه مشهورا به معروفا، والمرأة، لا تجوز شهادة واحد منهما؛ وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السفه وسقاطة المروءة، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفا، وإن لم يكن محرما بين التحريم، ولو كان لا ينسب نفسه إليه، وكان إنما يعرف بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها، ولا يأتي لذلك، ولا يؤتى عليه، ولا يرضى به لم يسقط هذا شهادته، وكذلك المرأة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): في الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين وكان يجمع عليهما، ويغشى لذلك فهذا سفه ترد به شهادته، وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه سفها ودياثة، وإن كان لا يجمع عليهما ولا يغشى لهما كرهت ذلك له، ولم يكن فيه ما ترد به شهادته
(قال): وهكذا الرجل يغشى بيوت الغناء، ويغشاه المغنون إن كان لذلك مدمنا، وكان لذلك مستعلنا عليه مشهودا عليه فهي بمنزلة سفه ترد بها شهادته. وإن كان ذلك يقل منه لم ترد به شهادته لما وصفت من أن ذلك ليس بحرام بين.
فأما استماع الحداء ونشيد الأعراب فلا بأس به قل أو كثر، وكذلك استماع الشعر أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة «عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم قال: هيه فأنشدته بيتا. فقال: هيه فأنشدته حتى بلغت مائة بيت».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحداء، والرجز، وأمر ابن رواحة في سفره فقال حرك القوم فاندفع يرتجز «، وأدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركبا من بني تميم معهم حاد فأمرهم أن يحدوا، وقال إن حادينا وني من آخر الليل قالوا يا رسول الله نحن أول العرب حداء بالإبل قال وكيف ذلك؟ قالوا كانت العرب يغير بعضها على بعض فأغار رجل منا فاستاق إبلا فتبددت فغضب على غلامه فضربه بالعصا فأصاب يده فقال الغلام: وايداه، وايداه قال فجعلت الإبل تجتمع قال فقال هكذا فافعل قال والنبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك فقال ممن أنتم؟ قالوا نحن من مضر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحن من مضر» فانتسب تلك الليلة حتى بلغ في النسبة إلى مضر
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (272)
صــــــــــ 227 الى صـــــــــــ 232
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فالحداء مثل الكلام، والحديث المحسن باللفظ، وإذا كان هذا هكذا في الشعر كان تحسين الصوت بذكر الله والقرآن أولى أن يكون محبوبا فقد روي عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن» وأنه «سمع عبد الله بن قيس يقرأ فقال لقد أوتي هذا من مزامير آل داود»
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا بأس بالقراءة بالألحان وتحسين الصوت بها بأي وجه ما كان، وأحب ما يقرأ إلي حدرا وتحزينا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن تأكدت عليه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة، ولا يستحل صاحب الطعام فتتابع ذلك منه رددت شهادته لأنه يأكل محرما إذا كانت الدعوة لرجل بعينه. فأما إن كان طعام سلطان أو رجل يتشبه بالسلطان فيدعو الناس إليه فهذا طعام عام مباح، ولا بأس به. ومن كان على شيء مما وصفنا أن الشهادة ترد به فإنما ترد شهادته ما كان عليه فأما إذا تاب ونزع قبلت شهادته
(قال): وإذا نثر على الناس في الفرح فأخذه بعض من حضر لم يكن هذا مما يجرح به شهادة أحد لأن كثيرا يزعم أن هذا مباح حلال لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه. فأما أنا فأكرهه لمن أخذه من قبل أنه يأخذه من أخذه، ولا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره إما بفضل قوة، وإما بفضل قلة حياء، والمالك لم يقصد به قصده إنما قصد به قصد الجماعة فأكرهه لآخذه لأنه لا يعرف حظه من حظ من قصد به بلا أذية، وأنه خلسة وسخف.
كتاب القاضي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وما ينبغي عندي لقاض، ولا لوال من ولاة المسلمين أن يتخذ كاتبا ذميا، ولا يضع الذمي في موضع يتفضل به مسلما. وينبغي أن نعرف المسلمين بأن لا يكون لهم حاجة إلى غير أهل دينهم، والقاضي أقل الخلق بهذا عذرا، ولا ينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبا لأمور المسلمين حتى يجمع أن يكون عدلا جائز الشهادة، وينبغي أن يكون عاقلا لا يخدع، ويحرص على أن يكون فقيها لا يؤتى من جهالة، وعلى أن يكون نزها بعيدا من الطمع فإن كتب له عنده في حاجة نفسه وضيعته دون أمر المسلمين فلا بأس، وكذلك لو كتب له رجل غير عدل.
القسام
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والقسام في هذا بمنزلة ما وصفت من الكتاب لا ينبغي أن يكون القاسم إلا عدلا مقبول الشهادة مأمونا عالما بالحساب أقل ما يكون منه، ولا يكون غبيا يخدع، ولا ممن ينسب إلى الطمع.
الكتاب يتخذه القاضي في ديوانه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الشهود عند القاضي فينبغي أن يكون له نسخة بشهادتهم عنده، وأن يتولى ختمها ورفعها، ويكون ذلك بين يديه، ولا يغيب عنه، ويليه بيديه أو يوليه أحدا بين يديه. وأن لا يفتح الموضع الذي فيه تلك الشهادة إلا بعد نظره إلى خاتمه أو علامة له عليه، وأن لا
يبعد منه، وأن يترك في يدي المشهود له نسخة تلك الشهادة إن شاء، ولا يختم الشهادة، ويدفعها إلى المشهود له، وليس في يديه نسختها لأنه قد يعمل على الخاتم، ويحرف الكتاب، وإن أغفل، ولم يجعل نسختها عنده، وختم الشهادة، ودفعها إلى المشهود له ثم أحضرها، وعليها خاتمه لم يقبلها إلا أن يكون يحفظها أو يحفظ معناها فإن كان لا يحفظها، ولا معناها فلا يقبلها بالخاتم فقد يغير الكتاب، ويغير الخاتم، وأكره قبوله أيضا توقيعه بيده للشهادة، وإيقاع الكاتب بيده إلا أن يجعل في إيقاعه وإيقاع كاتبه شهد فلان عند القاضي على ما في هذا الكتاب، وهي كذا وكذا دينار لفلان على فلان أو هي دار كذا شهد بها فلان لفلان حتى لا يدع في الشهادة موضعا في الحكم إلا أوقعه بيده فإذا عرف كتابه، وذكر الشهادة أو عرف كتاب كاتبه، وذكر الشهادة جاز له أن يحكم به، وخير من هذا كله أن تكون النسخ كلها عنده فإذا أراد أن يقطع الحكم أخرجها من ديوانه ثم قطع عليه الحكم فإن ضاعت من ديوانه، ومن يدي صاحبها الذي أوقع له فلا يقبلها إلا بشهادة قوم شهدوا على شهادة القوم كتابه كانوا أو غير كتابه
(قال): وكذلك لو شهد قوم على أنه حكم لرجل، ولا يذكر هو حكمه له فسألوه أن يستأنف حكما جديدا بما شهدوا به عليه لم يكن ذلك لهم لأنهم يشهدون على فعل نفسه، وهو يدفعه، ولكنه يدعه فلا يبطله، ولا يحقه، وإذا رفع ذلك إلى حاكم غيره أجازه كما يجيز الشهادة على حكمه الحاكم الذي يلي بعده لأن غيره لا يعرف منه ما يعرف من نفسه، وإذا جاء الذي يقضي عليه ببينة على أن الحاكم، وهو حاكم أنكر أن يكون حكم بما شهد به هؤلاء عليه، ودفعه فلا ينبغي له أن ينفذه إنما ينفذه إذا علم أنه لم يدفعه.
كتاب القاضي إلى القاضي
(قال): ويقبل القاضي كتاب كل قاض عدل، ولا يقبل إلا بشاهدين عدلين، ولا يقبله بشاهدين عدلين حتى يفتحه، ويقرأه عليهما، ويشهدا على ما فيه، وأن القاضي الذي أشهدهما عليه قرأه بحضرتهما أو قرئ عليهما، وقال اشهدا أن هذا كتابي إلى فلان فإذا شهدا على هذا قبله، وإذا لم يشهدا على هذا، ولم يزيدا على أن يقولا هذا خاتمه، وهذا كتابه دفعه إلينا لم يقبله. وقد حضرت قاضيا جاءه كتاب قاض مختوم فشهد عنده شاهدان أن هذا كتاب فلان بن فلان إليك دفعه إلينا، وقال اشهدوا عليه ففتحه، وقبله فأخبرني القاضي المكتوب إليه أنه فض كتابا آخر من هذا القاضي كتب إليه في ذلك الأمر بعينه، ووقف عن إنفاذه، وأخبرني هو أو من أثق بخبره أنه رد إليه الكتاب يحكي له كتابا فأنكر كتابه الآخر، وبلغه أو ثبت عنده أنه كتب الكتاب، وختمه فاحتيل له فوضع كتابا مثله مكانه، ونحى ذلك الكتاب، وأشهد على ذلك الكتاب، وهو يرى أنه كتابه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فلما كان هذا موجودا لم يجز أن يقبل من الشهود حتى يقرأ عليهم الكتاب، ويقبضوه قبل أن يغيب عنهم، وينبغي للقاضي أن يأمرهم أن يأخذوا نسخة كتابه في أيديهم، ويوقعوا شهادتهم فيه فلو انكسر خاتمه أو ذهب بعض كتابه شهدوا أن هذا كتابه قبله، وليس في الخاتم معنى إنما المعنى فيما قطعوا به الشهادة كما يكون معاني في إذكار الحقوق، وكتب التسليم بين الناس
(قال): وإذا كتب القاضي إلى القاضي بما ثبت عنده ثم مات القاضي الكاتب أو عزل قبل أن يصل كتابه إلى القاضي المكتوب إليه ثم وصل قبله، ولم يمتنع من قبوله
بموته، ولا عزله لأنه يقبل ببينته كما يقبل حكمه ألا ترى أنه لو حكم ثم عزل أو مات قبل حكمه هكذا يقبل كتابه
(قال): ولو كتب القاضي إلى القاضي فترك أن يكتب اسمه في العنوان أو كتب اسمه بكنيته فسواء، وإذا قطع الشهود أن هذا كتابه إليه قبله ألا ترى أني إنما أنظر إلى موضع الحكم في الكتاب، ولا أنظر إلى الرسالة، ولا الكلام غير الحكم، ولا الاسم فإذا شهد الشهود على اسم الكاتب والمكتوب إليه قبلته.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): كتاب القاضي كتابان أحدهما كتاب يثبت فهذا يستأنف المكتوب إليه به الحكم، والآخر كتاب حكم منه فإذا قبله أشهد على المحكوم له أنه قد ثبت عنده حكم قاضي بلد كذا وكذا فإن كان حكم بحق أنفذه له، وإن كان حكم عنده بباطل لا يشك فيه لم ينفذه له، ولم يثبت له الكتاب، وإن كان حكم له بشيء يراه باطلا، وهو مما اختلف الناس فيه، فإن كان يراه باطلا من أنه يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا أو قياسا في معنى واحد منها فهذا من الباطل الذي ينبغي له أن يرده، وإن كان مما يحتمله القياس، ويحتمل غيره، وقلما يكون هذا أثبته له، ولم ينفذه، وخلى بينه وبين حكم الحاكم يتولى منه ما تولى، ولا يشركه بأن يكون مبتدئا للحكم به، وهو يراه باطلا، ويقبل القاضي كتاب القاضي في حقوق الناس في الأموال والجراح وغيرها، ولا يقبلها حتى تثبت إثباتا بينا والقول في الحدود اللاتي لله عز وجل واحد من قولين أحدهما أنه يقبل فيها كتاب القاضي، والآخر لا يقبله حتى تكون الشهود يشهدون عنده فإذا قبلها لم يقبلها إلا قاطعة
(قال): وإذا كتب القاضي لرجل بحق على رجل في مصر من الأمصار فأقر ذلك الرجل أنه المكتوب عليه بذلك الكتاب رفع في نسبه أو لم يرفع أو نسبه إلى صنعته أو لم ينسبه إليها أخذ به، وإن أنكر لم يؤخذ به حتى تقوم بينة أنه هو المكتوب عليه بهذا الكتاب فإذا رفع في نسبه أو نسبه إلى صناعة أو قبيلة أو أمر يعرف به فأنكره فقامت عليه بينة بهذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة أخذ بذلك الحق، وإن كان في ذلك البلد أو غيره رجل يوافق هذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة فأنكر المكتوب عليه، وقال قد يكتب بهذا في هذا البلد على غيري ممن يوافق هذا الاسم، وقد يكون به من غير أهله ممن يوافق هذا الاسم والنسب والقبيلة والصناعة لم يقض على هذا بشيء حتى يباين بشيء لا يوافقه غيره أو يقر أو تقطع بينة على أنه المكتوب عليه فإن لم يكن هذا لم يؤخذ به
(قال): وإذا كان بلد به قاضيان كبغداد فكتب أحدهما إلى الآخر بما يثبت عنده من البينة لم ينبغ له أن يقبلها حتى تعاد عليه إنما يقبل البينة في البلد الثانية التي لا يكلف أهلها إتيانه، وكتاب القاضي إلى الأمير والأمير إلى القاضي والخليفة إلى القاضي سواء لا يقبل إلا ببينة كما وصفت من كتاب القاضي إلى القاضي.
أجر القسام
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ينبغي أن يعطى أجر القسام من بيت المال، ولا يأخذون من الناس شيئا لأن القسام حكام فإن لم يعطوه خلي بين القسام وبين من يطلب القسم، واستأجروهم بما شاءوا قل أو كثر، وإن كان في المقسوم لهم أو المقسوم عليهم صغير فأمر بذلك وليه فإذا جعلوا له معا جعلا على قسم أرض فذلك صحيح فإن سموا على كل واحد منهم شيئا معلوما أو على كل نصيب شيئا معلوما، وهم بالغون يملكون أموالهم فجائز، وإن لم يسموه وسموه على الكل فهو على قدر الأنصباء لا على العدد، ولو جعلته على العدد أوشكت أن آخذ من قليل النصيب مثل جميع ما قسمت له فإذا أنا أدخلت عليه
بالقسم إخراجه من ماله، ولكنه يؤخذ منه القليل من الجعل بقدر القليل، والكثير بقدر الكثير، وإن في نفسي من الجعل على الصغير، وإن قل شيئا إلا أن يكون ما يستدرك له بالقسم أغبط له مما يخرج من الجعل فإن لم يكن كذلك كان في نفسي من أن أجعل عليه شيئا، وهو ممن لا رضا له شيء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد القسام على ما قسموا قسموا ذلك بأمر القاضي أو بغير أمره لم تجز شهادتهم لشيئين أحدهما أنهم يشهدون على فعل أنفسهم، والآخر أن المقسوم عليهم لو أنكروا إنهم لم يقسموا عليهم لم يكن لهم جعل، ولا بد للقسام من أن يأتوا بشهود غير أنفسهم على فعلهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تراضى القوم بالقاسم يقسم بينهم كان بصيرا بالقسم أو لم يكن بصيرا به فقسم فلا أنفذ قسمه إذا كان بغير أمر الحاكم حتى يتراضوا بعدما يعلم كل واحد منهم ما صار له فإذا رضوا أنفذته بينهم كما أنفذ بينهم لو قسموا من أنفسهم فإن كان فيهم صغير أو غائب أو مولى عليه لم أنفذ من القسم شيئا إلا بأمر الحاكم فإذا كان بأمر الحاكم نفذ، وإذا تداعى القوم إلى القسم، وأبى عليهم شركاؤهم فإن كان ما تداعوا إليه يحتمل القسم حتى ينتفع واحد منهم بما يصير إليه مقسوما أجبرتهم على القسم، وإن لم تنتفع البقية بما يصير إليهم إذا بعض بينهم، وأقول لمن كره القسمة إن شئتم جمعت لكم حقوقكم فكانت مشاعة تنتفعون بها، وأخرجت لطالب القسم حقه كما طلبه، وإن شئتم قسمت بينكم نفعكم ذلك أو لم ينفعكم، وإن طلب أحدهم القسم، وهو لا ينتفع بحقه، ولا غيره لم أقسم ذلك له، وكأن هذا مثل السيف يكون بينهم أو العبد، وما أشبهه فإذا طلبوا مني أن أبيع لهم فأقسم بينهم الثمن لم أبع لهم شيئا، وقلت لهم تراضوا في حقوقكم فيه بما شئتم كأنه كان ما بينهم سيف أو عبد أو غيره.
السهمان في القسم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ينبغي للقاسم إذا أراد القسم أن يحصي أهل القسم، ويعلم مبلغ حقوقهم فإن كان منهم من له سدس وثلث ونصف قسمه على أقل السهمان، وهو السدس فجعل لصاحب السدس سهما، ولصاحب الثلث سهمين، ولصاحب النصف ثلاثة أسهم ثم قسم الدار ستة أجزاء، وكتب أسماء أهل السهمان في رقاع من قراطيس صغار ثم أدرجها في بندق من طين ثم دور البندق فإذا استوى درجه ثم ألقاه في حجر رجل لم يحضر البندقة ولا الكتاب أو حجر عبد أو صبي ثم جعل السهمان فسماها أولا وثانيا وثالثا ثم قال أدخل يدك وأخرج على الأول بندقة واحدة، فإذا أخرجها فضها فإذا خرج اسم صاحبها جعل له السهم الأول، فإن كان صاحب السدس فهو له، ولا شيء له غيره، وإن كان صاحب الثلث فهو له، والسهم الذي يليه، وإن كان صاحب النصف فهو له، والسهمان اللذان يليانه، ثم يقال أدخل يدك فأخرج بندقة على السهم الفارغ الذي يلي ما خرج، فإذا خرج فيها اسم رجل فهو كما وصفت حتى تنفذ السهمان، وإذا قسم أرضا فيها أصل أو بناء أو لا أصل فيها ولا بناء فإنما يقسمها على القيمة لا على الذرع فيقومها قيما ثم يقسمها كما وصفت، وإن كان المقسوم عليهم بالغين فاختاروا أن نقسمها على الذرع ثم نعيد عليها القيمة ثم يضرب عليها بالسهمان فأيهم خرج سهمه على
موضع أخذه، وإذا فضل رد فيه عليه، وأخذ فضلا إن كان فيه لم نجز القسم بينهم حتى يلزم على هذا إلا بعدما يعرف كل واحد منهم بموقع سهمه، وما يلزمه، ويسقط عنه فإذا علمه كما يعلم البيوع ثم رضي به أجزته في ذلك الوقت لا على الأول كما كنت ألزمهم القرعة الأولى، ولهم أن ينقضوه متى شاءوا، وإن كان فيهم صغير أو مولى عليه لم يجز هذا القسم، وإنما يجوز القسم حتى يجبر عليه إذا كان كما وصفت في القسم الأول يخرج كل واحد منهم لا شيء له، ولا عليه إلا ما كان خرج عليه سهمه
(قال): ولا يجوز أن يقسم الرجل الدار بين القوم فيجعل لبعضهم سفلا، ولبعضهم علوا لأن أصل الحكم أن من ملك السفل ملك ما تحته من الأرض، وما فوقه من الهواء فإذا أعطي هذا سفلا لا هواء له، وأعطي هذا علوا لأسفل له فقد أعطي كل واحد منهما على غير أصل ما يملك الناس، ولكنه يقسم ذلك بالقيمة، ولا يعطي أحدا بقعة إلا ما ملكه ما تحتها، وهواءها، وإن كان في الناس قسام عدول أمر القاضي من يطلب القسم أن يختاروا لأنفسهم قساما عدولا إن شاءوا من غيرهم، وإن رضوا بواحد لم يقبل ذلك حتى يجتمعوا على اثنين، ولا ينبغي له أن يشرك بين قسامه في الجعل فيتحكموا على الناس، ولكن يدع الناس حتى يستأجروا لأنفسهم من شاءوا.
ما يرد من القسم بادعاء بعض المقسوم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قسم القسام بينهم فادعى بعض المقسوم بينهم غلطا كلف البينة على ما يقول من الغلط فإن جاء بها رد القسم عنه
(قال): وإذا قسمت الدار بين نفر فاستحق بعضها أو لحق الميت دين فبيع بعضها انتقض القسم، ويقال لهم في الدين والوصية إن تطوعتم أن تعطوا أهل الدين، والوصية أنفذنا القسم بينكم، وإن لم تطوعوا، ولم نجد للميت مالا إلا هذه الدار بعنا منها ونقضنا القسم
(قال): فإذا جاء القوم فتصادقوا على ملك دار بينهم، وسألوا القاضي أن يقسمها بينهم لم أحب أن يقسمها، ويقول إن شئتم أن تقسموا بين أنفسكم أو يقسم بينكم من ترضون فافعلوا، وإن أردتم قسمي فأثبتوا البينة على أصول حقوقكم فيها، وذلك أني إن قسمت بلا بينة فجئتم بشهود يشهدون أني قسمت بينكم هذه الدار إلى حاكم غيري كان شبيها أن يجعلها حكما مني لكم بها، ولعلها لقوم آخرين ليس لكم فيها شيء فلا نقسم إلا ببينة، وقد قيل يقسم، ويشهد أنه إنما قسم على إقرارهم، ولا يعجبني هذا القول لما وصفت فإذا ترك الميت دورا متفرقة أو دورا، ورقيقا أو دورا، وأرضين فاصطلح الورثة، وهم بالغون من ذلك على شيء يصير لبعضهم دون بعض لم أردده، وإن تشاحوا فسأل بعضهم أن يقسم له دارا كما هي، ويعطي غيره بقيمتها دارا غيرها بقيمتها لم يكن ذلك له، ويقسم كل دار بينهم فيأخذ كل رجل منهم حقه، وكذلك الأرضين، والثياب، والطعام، وكل ما احتمل أن يقسم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): العدل يجب على القاضي في الحكم، وفي النظر في الحكم فينبغي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه، والاستماع منهما، والإنصات لكل واحد منهما حتى تنفد حجته، وحسن الإقبال عليهما، ولا يخص واحدا منهما بإقبال دون الآخر، ولا يدخل عليه دون الآخر، ولا بزيارة له دون الآخر، ولا ينهره، ولا ينهر الآخر
وينبغي أن يكون من أقل عدله عليهما أن يكف كل واحد منهما عن عرض صاحبه، وأن يغير على من نال من عرض صاحبه بقدر ما يستوجب بقوله لصاحبه، ولا ينبغي له أن يلقن واحدا منهما حجة، ولا بأس إذا جلسا أن يقول تكلما أو يسكت حتى يبتدئ أحدهما، وينبغي أن يبدأ الطالب فإذا أنفد حجته تكلم المطلوب، ولا ينبغي له أن يضيف الخصم إلا وخصمه معه، ولا ينبغي له أن يقبل منه هدية، وإن كان يهدي له قبل ذلك حتى تنفد خصومته
(قال الشافعي): - رحمه الله -، ولا بأس إذا حضر القاضي مسافرون ومقيمون فإن كان المسافرون قليلا فلا بأس أن يبدأ بهم، وإن جعل لهم يوما بقدر ما لا يضر بأهل البلد، ويرفق بالمسافرين فلا بأس، وإن كثروا حتى يساووا أهل البلد أسا بهم، لأن لكلهم حقا
وينبغي للقاضي أن يجلس في موضع بارز، ويقدم الناس الأول فالأول لا يقدم رجلا جاء قبله غيره، وإذا قدم الذي جاء أولا وخصمه، وكان له خصوم فأرادوا أن يتقدموا معه لم ينبغ له أن يسمع إلا منه، ومن خصم واحد فإذا فرغا أقامه، ودعا الذي جاء بعده إلا أن يكون عنده كثير أخر، ويكون آخر من يدعو، ولا يقضي القاضي إلا بعدما يتبين له الحق بخبر متبع لازم أو قياس، فإن لم يبن ذلك له لم يقطع حكما حتى يتبين له، ويستظهر برأي أهل الرأي
(قال): وإذا أشاروا عليه بشيء ليس بخبر فلم يبن له من ذلك أنه الحق عنده لم ينبغ له أن يقضي، ولو كانوا فوقه في العلم لأن العلم لا يكون إلا موجودا إما خبر لازم، وإما قياس يبينه له المرء فيعقله فإذا بينه له فلم يعقله فلا يعدو أن يكون واحدا من رجلين إما رجل صحيح العقل غلط عليه من أشار عليه فقال له أنت تجد ما لا نجد فلا ينبغي أن يقبل من مخطئ عنده، وإما رجل لا يعقل إذا عقل فهذا لا يحل له أن يقضي، ولا لأحد أن ينفذ حكمه، وإذا كنا نرد شهادة المرء على ما لا يعقل مما يشتبه عليه فحكم الحاكم فيما لا يعقل أولى بالرد إلا أن يجده من رفع إليه صوابا فينفذ الصواب حيث كان
(قال): ولا يلقن القاضي الشاهد ويدعه يشهد بما عنده، ولكنه يوقفه، والتوقيف غير التلقين (قال): ولا ينبغي للقاضي أن ينتهر الشاهد، ولا يتعنته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وينبغي للقاضي أن يقف الشاهد على شهادته، ويكتب بين يديه أو ناحية ثم يعرض عليه، والشاهد يسمع، ولا يقبلها في مجلس لم يوقع فيها بيده أو كاتبه حيث يراه، ولا ينبغي له أن يخلي الكاتب يغيب على شيء من الإيقاع من كتاب الشهادة إلا أن يعيده عليه فيعرضه، والشاهد حاضر ثم يختم عليها بخاتمه، ويرفعها في قمطره (قال): فإن أراد المشهود له أن يأخذ نسختها أخذها، وينبغي له أن يضم الشهادات بين الرجلين، وحجتهما في موضع واحد ثم يكتب ترجمتهما بأسمائهما، والشهر الذي كانت فيه ليكون أعرف لها إذا طلبها فإذا مضت السنة عزلها، وكتب خصومة سنة كذا، وكذا حتى تكون كل سنة معروفة وكل شهر معروفا.
(قال الشافعي): - رضي الله تعالى عنه - ويسأل عمن جهل عدله سرا فإذا عدل سأل تعديله علانية ليعلم أن المعدل سرا هو هذا بعينه لأنه يوافق اسمه اسمه، ونسبه نسبه.
(قال): وإذا وجد القاضي في ديوانه شهادة، ولا يذكر منها شيئا لم يقض بها حتى يعيد الشهود أو يشهد شهود على شهادتهم فإن خاف النسيان، والإضرار بالناس تقدم إذا شهد عنده شهود إليهم بأن يشهد على شهادتهم من حضرهم من كتابه، ويوقع على شهادتهم كما وصفت، وإذا ذكر شهاداتهم حكم بها، وإلا شهد عليها من تقبل شهادته فيقبله لأنه قد يحتال لكتاب فيطرح في ديوانه الخط فيشبه الخط الخط، والخاتم الخاتم، وهكذا لو كان شاهد يكتب شهادته في منزله، ويخرجها لم يشهد بها حتى يذكرها
(قال): وما وجد في ديوان القاضي بعد عزله من شهادة أو قضاء غير مشهود عليه لم يقبل
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (273)
صــــــــــ 233 الى صـــــــــــ 238
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه وصحفه فإذا فعل ذلك لم
يكلف الطالب أن يأتي بصحيفة، وإن لم يفعل قال القاضي للطالب إن شئت جئت بصحيفة بشهادة شاهديك، وكتاب خصومتك، وإلا لم أكرهك، ولم أقبل منك أن يشهد عندي شاهد الساعة بلا كتاب، وأنسى شهادته
(قال): وأحب أن لا يقبل القاضي شهادة الشاهد إلا بمحضر من الخصم المشهود عليه فإن قبلها بغير محضر منه فلا بأس، وينبغي إذا حضر أن يقرأها عليه ليعرف حجته فيها، وكذلك يصنع بكل من شهد عليه ليعرف حجته في شهاداتهم، وحجته إن كانت عنده ما يجرحهم به
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قبل القاضي شهادة على غائب، وكتب بها إلى قاض ثم قدم الغائب قبل أن يمضي الكتاب لم يكلف الشهود أن يعودوا، وينبغي له أن يقرأ عليه شهادتهم، ونسخة أسمائهم، وأنسابهم، ويوسع عليه في طلب جرحهم أو المخرج مما شهدوا به عليه فإن لم يأت بذلك حكم عليه (قال): ولو مضى الكتاب إلى القاضي الآخر لم ينبغ له أن يقضي عليه حتى يحضره إن كان حاضرا، ويقرأ عليه الكتاب، ونسخة أسماء الشهود، ويوسع عليه في طلب المخرج من شهاداتهم فإن جاء بذلك، وإلا قضى عليه
(قال): وإذا أقام الرجل البينة على عبد موصوف أو دابة موصوفة له ببلد آخر حلفه القاضي أن هذا العبد الذي شهد لك به الشهود لعبدك أو دابتك لفي ملكك ما خرجت من ملكك بوجه من الوجوه كلها، وكتب بذلك كتابا من بلده إلى كل بلد من البلدان، وأحضر عبدا بتلك الصفة أو دابة بتلك الصفة، وقد قال بعض الحكام يختم في رقبة كل واحد منهما، ويبعث به إلى ذلك البلد، ويأخذ من هذا كفيلا يقيمها فإن قطع عليه الشهود بعدما رأيا سلم إليه، وإن لم يقطعوا رد، وهذا استحسان، وقد قال غيره إذا وافق الصفة حكمت له، والقياس أن لا يحكم له حتى يأتي الشهود الموضع الذي فيه تلك الدابة فيشهدوا عليها، وكذلك العبد، ولا يخرج من يدي صاحبه الذي هو في يديه بهذا إذا كان يدعيه أو يقضي له بالصفة كما يقضي على الغائب يشهد عليه باسمه ونسبه، وهكذا كل مال يملك من حيوان، وغيره
(قال): وما باع القاضي على حي أو ميت فلا عهدة عليه، والعهدة على المبيع عليه، واختلف الناس في علم القاضي هل له أن يقضي به، ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن له أن يقضي بكل ما علم قبل الحكم وبعده في مجلس الحكم، وغيره من حقوق الآدميين، ومن قال هذا قال إنما أريد بالشاهدين ليعلم أن ما ادعى كما ادعى في الظاهر فإذا قبلته على صدق الشاهدين في الظاهر كان علمي أكثر من شهادة الشاهدين أو لا يقضي بشيء من علمه في مجلس الحكم، ولا في غيره إلا أن يشهد شاهدان بشيء على مثل ما علم فيكون علمه، وجهله سواء إذا تولى الحكم فيأمر الطالب أن يحاكم إلى غيره، ويشهد هو له فيكون كشاهد من المسلمين، ويتولى الحكم غيره، وهكذا قال شريح، وسأله رجل أن يقضي له بعلمه فقال ائت الأمير، وأشهد لك.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فأما علمه بحدود الله التي لا شيء فيها للآدميين فقد يحتمل أن تكون كحقوق الناس، وقد يحتمل أن يفرق بينهما لأن من أقر بشيء للناس ثم رجع لم يقبل رجوعه، ومن أقر بشيء لله ثم رجع قبل رجوعه، والقاضي مصدق عند من أجاز له القضاء بعلمه، وغير مقبول منه عند من لم يجزه له فأما إذا ذكر بينة قامت عنده فهو مصدق على ما ذكر منها، وهكذا كل ما حكم به من طلاق أو قصاص أو مال أو غيره (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أنفذ ذلك، وهو حاكم لم يكن للمحكوم عليه أن يتبعه بشيء منه إلا أن تقوم بينة بإقرار القاضي بالجور أو ما يدل على الجور فيكون متبعا في ذلك كله
(قال): وإذا اشترى القاضي عبدا لنفسه فهو كشراء غيره لا يكون له أن يحكم لنفسه ولو حكم رد حكمه، وكذلك لو حكم لولده أو، والده، ومن لا تجوز له شهادته، ويجوز قضاؤه لكل من جازت له شهادته من أخ، وعم، وابن عم، ومولى
(قال الشافعي):- رحمه الله تعالى - وإذا عزل القاضي عن القضاء، وقال قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل ذلك منه حتى يأتي المقضي له بشاهدين على أنه حكم له قبل أن يعزل
(قال): وأحب للقاضي إذا أراد القضاء على رجل أن يجلسه، ويبين له، ويقول له احتججت عندي بكذا، وجاءت البينة عليك بكذا، واحتج خصمك بكذا فرأيت الحكم عليك من قبل كذا ليكون أطيب لنفس المحكوم عليه، وأبعد من التهمة، وأحرى إن كان القاضي غفل من ذلك عن موضع فيه حجة أن يبينه فإن رأى فيها شيئا يبين له أن يرجع أو يشكل عليه أن يقف حتى يتبين له فإن لم ير فيها شيئا أخبره أنه لا شيء له فيها، وأخبره بالوجه الذي رأى أنه لا شيء له فيها، وإن لم يفعل جاز حكمه غير أن قد ترك موضع الأعذار إلى المقضي عليه عند القضاء
(قال): وأحب للإمام إذا ولي القضاء أن يجعل له أن يولي القضاء في الطرف من أطرافه، والشيء من أموره الرجل فيجوز حكمه، وإن لم يجعل ذلك له فمن رأى أنه لا يجوز إلا بأمر وال قال لم ينبغ للقاضي أن ينفذ حكم ذلك القاضي الذي استقضاه ولم يجعل إليه، وإن أنفذه كان إنفاذه إياه باطلا إلا أن يكون إنفاذه إياه على استئناف حكم بين الخصمين فإذا كان إنما هو لإنفاذ الحكم فليس بجائز، وإذا كان الأمر بينا عند القاضي فيما يختصم فيه الخصمان فأحب إلي أن يأمرهما بالصلح، وأن يتحللهما من أن يؤخر الحكم بينهما يوما أو يومين فإن لم يجتمعا على تحليله لم يكن له ترديدهما، وأنفذ الحكم بينهما متى بان له، وإن أشكل الحكم عليه لم يحكم بينهما طال ذلك أو قصر عليه الأناة إلى بيان الحكم، والحكم قبل البيان ظلم، والحبس بالحكم بعد البيان ظلم، والله أعلم.
الإقرار والمواهب
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال إذا قال الرجل لفلان علي شيء ثم جحد قيل له أقر بما شئت مما يقع عليه اسم شيء تمرة أو فلس أو ما أحببت ثم أحلف ما هو إلا هذا، وما له عليك شيء غير هذا، وقد برئت فإن أبى أن يحلف ردت اليمين على المدعي المقر له فقيل له سم ما شئت فإذا سمى قيل للمقر إن حلفت على هذا برئت، وإلا رددنا عليه اليمين فحلف فأعطيناه، ولا نحبسه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا إذا قال له على مال قيل له أقر بما شئت لأن كل شيء يقع عليه اسم مال، وهكذا إذا قال له علي مال كثير أو مال عظيم فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ قيل قد ذكر الله عز وجل العمل فقال {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} فإذا كوفئ على مثقال ذرة في الخير والشر كانت عظيما، ولا شيء من المال أقل من مثقال ذرة فأما من ذهب إلى أنه يقضي عليه بما تجب فيه الزكاة فلا أعلمه ذهب إليه خبرا، ولا قياسا ولا معقولا أرأيت مسكينا يرى الدرهم عظيما فقال لرجل علي مال عظيم ومعروف منه أنه يرى الدرهم؟ عظيما أجبره على أن يعطيه مائتي درهم، ورأيت خليفة أو نظيرا للخليفة يرى ألف ألف قليلا أقر لرجل فقال له علي مال عظيم كم ينبغي أن أعطيه من هذا؟ فإن قلت مائتي درهم فالعامة تعرف أن قول هذا عظيم مما يقع في القلب أكثر من ألف ألف درهم فتعطى منه التافه فتظلم في معنى قولك المقر له إذا لم يك عندك فيه محمل إلا كلام الناس، وتظلم المسكين المقر الذي يرى الدرهم عظيما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال له علي دراهم فقال كثيرة أو عظيمة أو لم يقلها فسواء، وأجبره على أن يعطيه ثلاثة دراهم إلا أن يدعي المقر له أكثر من ذلك فأحلف المقر فإن حلف لم أزده على ثلاثة، وإن نكل قلت للمدعي إن شئت فخذ ثلاثة بلا يمين، وإن شئت فاحلف على أكثر من ثلاثة، وخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال له علي ألف ودرهم، ولم يسم الألف قيل له أقر بأي ألف إن شئت فلوسا، وإن شئت تمرا، وإن شئت خبزا، وأعطه درهما معها، واحلف أن الألف التي أقررت له بها هي هذه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قال هذا الخاتم لفلان، وفصه لي أو لفلان فهو مثل قوله هذا الخاتم إلا فصه لفلان أو لفلان فالخاتم لفلان، والفص له أو لفلان، ولو أوصى فقال خاتمي هذا لفلان، وفصه لفلان كان لفلان الخاتم، ولفلان الموصى له الفص، وذلك أن الفص يتميز من الخاتم حتى يكون ثم اسم خاتم لا فص فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز إقرار رجل، ولا امرأة حتى يكونا بالغين رشيدين غير محجور عليهما ومن لم يجز بيعه لم يجز إقراره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وسواء كان له أب أو لم يكن، وسواء أذن له في التجارة أو لم يؤذن له، وهو مخالف للعبد البالغ يؤذن له في التجارة العبد إنما لا تجوز تجارته لأن المال لغيره، وإذا أذن له رب المال جاز شراؤه، وبيعه، وإقراره في البيع، والشراء، وغير البالغ من الرجال، والنساء إذا كان مالكا لمال، وكان في حكم الله عز وجل أن لا يخلى بينه وبين ماله، وأن يولى عليه حتى يبلغ حلما ورشدا لم يكن للآدميين أن يطلقوا ذلك عنه، ولا يجوز عليه بإذنهم ما لا يجوز عليه لنفسه، وهو حر مالك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا لم يجز إقرار غير البالغ بجناية عمدا، ولا خطأ، وإقراره في التجارة غير جائز، والعبد يجوز إقراره على نفسه في القتل، والحد، والقطع فهو مفارق له بخلافه له، ولزوم حدوده له، ولا حد على غير بالغ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر العبد بجناية خطأ لم يلزم مولاه من إقراره شيء لأنه إنما أقر به عليه، ويلزمه ذلك إذا عتق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والعارية كلها مضمونة الدواب، والرقيق، والدور، والثياب لا فرق بين شيء منها فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له، والأشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة فما كان منها مضمونا مثل الغصب، وما أشبهه فسواء ما ظهر هلاكه أو خفي فهو مضمون على الغاصب، والمستسلف جنيا فيه أو لم يجنيا أو غير مضمون مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه، وما خفي، والقول فيها قول المستودع مع يمينه، ولا يضمن منها شيئا إلا ما فرط فيه أو تعدى.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد خالفنا بعض الناس في العارية فقال لا يضمن منها شيئا إلا ما تعدى فيه فسئل من أين قاله؟ فزعم أن شريحا قاله فقيل له قد تخالف شريحا حيث لا مخالف له قال فما حجتكم في تضمينها؟ قلنا «استعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صفوان فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - عارية مضمونة مؤداة» قال أفرأيت لو قلنا فإن شرط المستعير الضمان ضمن، وإن لم يشرطه لم يضمن؟ قلنا فأنت إذا تترك قولك قال وأين؟ قلنا أليس قولك إنها غير مضمونة إلا أن يشترط؟ قال بلى قلنا فما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع أنه ضامن أو المضارب أنه ضامن؟ قال لا يكون ضامنا في واحد منهما قلنا فما تقول في المستسلف إذا شرط أنه غير ضامن قال لا شرط له، ويكون ضامنا قلنا، وترد الأمانة إلى أصلها، والمضمون إلى أصله، ويبطل الشرط فيهما جميعا؟ قال نعم قلنا، وكذلك ينبغي لك أن تقول في العارية، وبذلك شرط النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها مضمونة، ولا يشترط أنها مضمونة إلا لما يلزم قال فلم شرط؟ قلنا لجهالة المشروط له كان مشركا لا يعرف الحكم، ولو عرفه ما ضر الشرط له إذا كان أصل العارية أنها مضمونة بلا شرط كما لا يضر شرط العهدة، وخلاص عبدك في البيع، ولو لم يشترط كان عليك العهدة، والخلاص أو الرد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال: وهل قال هذا أحد؟ قلنا في هذا كفاية، وقد قال أبو هريرة وابن عباس - رضي الله عنهم - إن العارية مضمونة وكان قول أبي هريرة في بعير استعير فتلف أنه مضمون.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو اختلف رجلان في دابة فقال رب الدابة أكريتكها إلى موضع كذا وكذا فركبتها بكذا وكذا، وقال الراكب ركبتها عارية منك كان القول قول الراكب مع يمينه، ولا كراء عليه.
(قال أبو محمد) وفيه قول آخر أن القول قول رب الدابة من قبل أنه مقر بركوب دابتي مدع علي أني أبحت ذلك له فعليه البينة، وإلا حلفت، وأخذت كراء المثل.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو كانت المسألة بحالها فماتت الدابة كان الكراء ساقطا، وكان عليه ضمان الدابة في العارية لأن أصل ما نذهب إليه تضمين العارية، وسواء كان رب الدابة ممن يكري الدواب أو لا يكريها لأن الذي يكريها قد يعيرها، والذي يعيرها قد يكريها.
(قال الربيع) للشافعي قول آخر أن القول قول رب الدابة مع يمينه، وعلى الراكب كراء مثلها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومتى قلت القول قول رب الدابة ألزمته الكراء وطرحت عنه الضمان إذا تلفت.
(قال الربيع) وكل ما كان القول فيه قول رب الدابة، ولم يعرها فتلفت الدابة فلا ضمان على من جعلناه مكتريا إلا أن يتعدى.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو قال أعرتنيها، وقال رب الدابة بل غصبتنيها كان القول قول المستعير، ولا يضمن فإن ماتت الدابة في يديه ضمن لأن العارية مضمونة ركبها أو لم يركبها، وإذا ردها إليه سالمة فلا شيء عليه ركبها أو لم يركبها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وسواء قال أخذتها منك عارية أو قال دفعتها إلي عارية، وإنما أضاف الفعل في كليهما إلى صاحب الدابة، وكذلك كلام العرب.
(قال الربيع) رجع الشافعي فقال القول قول رب الدابة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن قال تكاريتها منك بكذا، وقال رب الدابة اكتريتها بكذا لأكثر من ذلك فإن لم يركب تحالفا وترادا، وإن ركب تحالفا ورد عليه كراء مثلها كان أكثر مما ادعى رب الدابة أو أقل مما أقر به لأني إذا أبطلت أصل الكراء، ورددتها إلى كراء مثلها لم أجعل ما أبطلت عبرة بحال.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يضمن المستودع إلا أن يخالف فإن خالف فلا يخرج من الضمان أبدا إلا بدفع الوديعة إلى ربها، ولو ردها إلى المكان الذي كانت فيه لأن ابتداءه لها كان أمينا فخرج من حد الأمانة فلم يجدد له رب المال أمانة، ولا يبرأ حتى يدفعها إليه، وهكذا الرهن إذا قضى المرتهن ما فيه ثم تعدى فيه ثم رده إلى بيته فهلك في يديه فهو ضامن له حتى يرده إلى صاحبه، وسواء كل عارية انتفع بها صاحبها أو لم ينتفع بها فهي مضمونة مسكن أو ما أشبهه أو دنانير أو دراهم أو طعام أو عين أو ما كان
(قال): ولو قال الرجل هذا الثوب في يدي بحق لفلان أو في ملكه أو في ميراثه أو لحقه أو لميراثه أو لملكه أو لوديعة أو بعارية أو بوديعة أو قال عندي فهو سواء، وهو إقرار لفلان به إلا أن يبين لفظا غير هذا فيقول هو عندي بحق فلان مرهون لفلان آخر فيكون ملكه للذي أقر له بالملك، ولا يكون لهذا على الآخر فيه رهن إلا أن يقر الآخر، ولو قال قبضته على يدي فلان أو هو عندي على يدي فلان أو في ملكي على يدي فلان لم يكن هذا إقرارا منه به لفلان لأن ظاهره إنما هو قبضته على يدي فلان بمعونة فلان أو بسببه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال لفلان علي ألف دينار أو مائة درهم ثم قال هي نقص أو هي زيف لم يصدق، ولو قال هي من سكة كذا، وكذا صدق مع يمينه كانت تلك السكة أدنى الدراهم أو وسطها أو جائزة في غير ذلك البلد أو غير جائزة كما لو قال له علي ثوب أعطيناه أي ثوب أقر به، وإن كان ذلك الثوب مما لا يلبسه أهل ذلك البلد، ولا مثل الرجل المقر له، ولو قال له علي ألف درهم من ثمن هذا العبد فتداعيا فيه فقال البائع، وضح، وقال المشتري غلة تحالفا، وترادا، وهذا مثل نقص الثمن.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان لأهل البلد وزن معلوم ينقص ما شاء أو ينقص عن وزن العامة في دنانير أو دراهم فاشترى رجل سلعة بمائة درهم فله نقد البلد إلا أن يشترط شرطا فيكون له شرطه إذا كان المشتري والبائع عالمين بنقد البلد فإن كان أحدهما جاهلا فادعى البائع الوازنة قيل أنت بالخيار بين أن تسلمه بنقد البلد أو تنقض البيع بعد أن تتحالفا فإذا قال له علي دراهم سود فوصل الكلام فهي سود فإن وصل الكلام فقال ناقص فهو ناقص فإن قطع الكلام ثم قال ناقص فهو وازن فإن قال له علي درهم كبير قيل له عليك الوازن إلا أن تكون أردت ما هو أكبر منه، فإذا قال له علي درهم فهو وازن، وإن قال درهم صغير قيل له إن كانت للناس دراهم صغار فعليك درهم صغير وازن من الصغار مع يمينك ما أقررت بدرهم واف، وكذلك ما أقر به من غصب أو وديعة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر الرجل لميت بمائة درهم، وقال هذا ابنه، وهذه امرأته حامل فإن ولدت ولدا حيا، ورث المرأة والولد الذي ولدت، والابن حقوقهم من هذه المائة، وإذا ولدت ولدا لم تعرف حياته لم يرث من لم تعرف حياته، ومعرفة الحياة للولد أن يستهل صارخا أو يرضع أو يحرك يدا أو رجلا تحريك الحياة، وأي شيء عرف به الحياة فهي حياة، وإذا أوصى الرجل للحبل فقال لحبل هذه المرأة من فلان كذا، والأب حي فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم أوصى به فالوصية له، وإن جاءت به لستة أشهر أو أكثر بطلت وصيته لأنه قد لا يكون بها حين أوصى لها حبل ثم يحبلها من بعد ذلك، ولو كان زوجها ميتا حين أوصى بالوصية فجاءت بالولد لأقل من ستة أشهر أو أكثر لما يلزم له النسب كانت الوصية جائزة لأنا نحكم أن ثم يومئذ حملا، وإن جاءت بولد ميت فلا وصية له حتى تعرف حياته بعد خروجه من بطنها، وإذا قال له علي مائة درهم عددا فهي وازنة، ولو قال له علي مائة كل عشرة منها وزنها خمسة كان كما قال إذا وصل الكلام، وإذا قال له علي درهم ينقص كذا وكذا كان كما قال إذا وصل الكلام، ولكنه لو أقر بدرهم ثم قطع الكلام ثم قال بعد هو ناقص لم يقبل قوله، ولو كان ببلد دراهمهم كلها نقص ثم أقر بدرهم كان له درهم من دراهم البلد، ولو قال له علي دراهم أو دريهمات أو دنانير أو دنينيرات أو دراهم كثيرة أو عظيمة أو دراهم قليلة أو يسيرة لزمه الثلاثة من أي صنف كان أقر به من دنانير أو دراهم، وحلف على ما هو أكثر منها
(قال الشافعي): وإذا قال وهبت له هذه الدار، وقبضها أو وهبت له هذه الدار، وحازها ثم قال لم يكن قبضها ولا حازها، وقال الموهوب له قد قبضت وحزت فالقول قول الموهوب له، ولو مات الموهوب له كان القول قول ورثته، وكذلك لو قال صارت في يديه، وسواء كانت حين يقر في يد الواهب أو الموهوبة له، ولكن لو قال وهبتها له أو خرجت إليه منها نظرت فإن كانت في يدي الموهوبة له فذلك قبض بعد الإقرار وهي له، وإن كانت في يدي الواهب أو يدي غيره من قبله سألته ما قوله خرجت إليه منها؟ فإن قال بالكلام دون القبض فالقول قوله مع يمينه، وله منعه إياها لأنها لا تملك إلا بقبض، وهو لم يقر بقبض، والخروج قد يكون بالكلام فلا ألزمه إلا اليقين، وكذلك لو قال وهبتها له وتملكها لأن الملك قد يكون عنده بالكلام.
(قال الشافعي): ولو قال وهبتها له أمس أو عام أول، ولم يقبضها، وقال الموهوبة له بل قد قبضتها فالقول قول الواهب مع يمينه، وعلى الآخر البينة بالقبض.
ولو وهب رجل لرجل هبة، والهبة في يدي الموهوبة له فقبلها تمت لأنه قابض لها بعد الهبة. ولو لم تكن الهبة في يدي الموهوبة له فقبضها بغير إذن الواهب لم يكن ذلك له، وذلك أن الهبة لا تملك إلا بقول وقبض، وإذا كان القول لا يكون إلا من الواهب فكذلك لا يكون القبض إلا بإذن الواهب لأنه المالك، ولا يملك عنه إلا بما أتم ملكه، ويكون للواهب الخيار أبدا حتى يسلم ما وهب
إلى الموهوب له، وكذلك إن مات كان الخيار لورثته إن شاءوا، سلموا، وإن شاءوا لم يمضوا الهبة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو وهب رجل لرجل هبة، وأقر بأنه عنه قبضها ثم قال الواهب له إنما أقررت له بقبضها، ولم يقبضها فأحلفه أحلفته لقد قبضها فإن حلف جعلتها له، وإن نكل عن اليمين رددت اليمين على الواهب فأحلفته ثم جعلتها غير خارجة عن ملكه.
ولو قال رجل لرجل وهبت لي هذا العبد وقبضته، والعبد في يدي الواهب أو الموهوب له فقال الواهب صدقت أو نعم كان هذا إقرارا، وكان العبد له، ولو كان أعجميا فأقر له بالأعجمية كان مثل إقراره بالعربية، وإذا قال له علي درهم في عشرة سألته فإن أراد الحساب جعلت عليه ما أراد، وإن لم يرد الحساب فعليه درهم، وعليه اليمين، وهكذا إن قال درهم في ثوب سألته أراد أن يقر له بدرهم أو بثوب فيه درهم فإن قال لا فعليه الدرهم، وإن قال له علي درهم في دينار سألته: أراد درهما مع دينار فإن قال نعم جعلتهما عليه، وإن قال لا فعليه درهم، ولو قال له علي درهم في ثوب مروي فهكذا لأنه قد يقول له علي درهم في ثوب لي أنا مروي، ولو قال له علي درهم في ثوب مروي اشتريته منه إلى أجل سألنا المقر له فإن أقر بذلك فالبيع فاسد لأنه دين في دين، ولم يقر له بهذا الدرهم إلا بالثوب فإذا لم يجز له إعطاء الثوب لأنه دين بدين لم يعطه الدرهم كما لو قال بعتك هذا العبد بهذه الدار لم أجعل له العبد إلا أن يقر الآخر بالدار
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قال له علي ثوب مروي في خمسة دراهم ثم قال أسلم إلي الثوب على خمسة دراهم إلى أجل كذا وصدقه صاحب الثوب كان هذا بيعا جائزا، وكانت له عليه الخمسة الدراهم إلى أجل إنما عنى أسلمت إليك في كذا بعتك كذا بكذا إلى أجل كما تقول أسلمت إليك عشرة دراهم بصاع تمر موصوف إلى أجل كذا أو بعتك صاع تمر بعشرة دراهم إلى أجل كذا.
(قال): ولو جاء المقر بثوب فقال هو هذا فصدقه المدعي المقر له أو كذبه فسواء إذا رضي الثوب بخمسة دراهم فالخمسة عليه إلى أجل، ولو لم يسم أجلا فكان السلم فاسدا فاختلفا في الثوب فإن القول قول المقر مع يمينه، ويرد الثوب على صاحب الثوب، وإن سأل المقر له يمين المقر أعطيته إياها، وكل من سأل اليمين في شيء له وجه أعطيته إياه
ولو أقر رجل لرجل بثوب ثم جاء بثوب فقال هو هذا، وقال المقر له ليس هذا فالقول قول المقر مع يمينه، وكذلك لو قال له علي عبد فأي عبد جاء به فالقول قوله مع يمينه، ولا أنظر إلى دعواه، وكذلك لو قال هذا عبدك كما أودعتنيه، وهو الذي أقررت لك به، وقال المقر له بل هذا عبد كنت أودعتكه، ولي عندك عبد غصب فالقول قول المقر، وعلى المدعي البينة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقر له فقال لك عندي ألف درهم ثم جاءه بألف درهم فقال هي هذه الألف التي كنت أقررت لك بها كانت عندي وديعة فقال المقر له هذه الألف كانت عندك وديعة لي ولي عندك ألف أخرى كان القول قول المقر مع يمينه لأن من أودع شيئا فجائز أن يقول لفلان عندي، ولفلان علي لأنه عليه ما لم يهلك، وكذلك هو عنده، وقد يودع فيتعدى فتكون دينا عليه فلست ألزمه شيئا إلا باليقين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال الرجل لفلان علي درهم ودرهم فعليه درهمان، وإذا قال له علي درهم فدرهم، قيل له: إن أردت درهما ودرهما فدرهمان، وإن أردت فدرهم لازم لي أو درهم جيد فليس عليك إلا درهم، وإن قال له علي درهم تحت درهم أو درهم فوق درهم فعليه درهمان إلا أن يقول علي درهم فوق درهم في الجودة، وتحت درهم في الرداءة أو يقول له علي درهم بعينه هو الآن فوق درهم لي، ولو قال له علي درهم مع درهم كان هكذا.
(قال الربيع) الذي أعرف من قول الشافعي أن لا يكون عليه إلا درهم لأنه يحتمل أن يكون فوق درهم أو تحت درهم لي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (274)
صــــــــــ 239 الى صـــــــــــ 244
(قال): وكذلك لو قال له علي درهم على درهم ثم قال عنيت درهما واحدا ولو قال له علي درهم قبله درهم
أو بعده درهم أو قبله دينار أو بعده دينار فالاثنان كلاهما عليه، ولكنه لو قال له علي درهم ثم دينار أو بعده درهم أو دينار أو درهم قبله دينار فهما عليه معا، ولو قال له علي درهم فدينار كان عليه درهم إلا أن يكون أراد ودينار
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قال له علي دينار قبله قفيز حنطة كان عليه دينار، ولم يكن عليه القفيز، وهكذا لو قال له علي دينار فقفيز حنطة لم يكن عليه إلا الدينار لأن قوله فقفيز حنطة محال قد يجوز أن يقول قفيز من حنطة خير منه، وإذا قال له علي درهم ثم قفيز حنطة فهما عليه، ولو قال درهم لا بل قفيز حنطة كان مقرا بهما ثابتا على القفيز راجعا عن الدرهم فلا يقبل رجوعه إن ادعاهما الطالب معا، ولو قال له علي درهم لا بل درهمان أو قفيز حنطة لا بل قفيزان لم يكن عليه إلا درهمان أو قفيزان لأنه أقر بالأولى ثم كان قوله لا بل زيادة من الشيء الذي أقر به، وقوله ثم لا بل استئناف شيء غير الذي أقر به، ولو قال له علي درهم ودرهمان فهي ثلاثة دراهم أو درهم بعده درهمان أو درهم قبله درهمان فسواء، وهي ثلاثة في هذا كله.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان على رجل أنه أقر لفلان بدرهم يوم السبت، وآخران أنه أقر لذلك الرجل بعينه يوم الأحد فهو درهم إلا أن يقولا درهم من ثمن كذا وكذا، ويقول الآخران درهم من ثمن شيء غيره أو من وجه غيره من وديعة أو غصب أو غيره فيدلان على ما يفرق بين سببي الدرهمين، وعليه اليمين أن هذا الدرهم الذي أقر به يوم الأحد هو الدرهم الذي أقر به يوم السبت فإن حلف برئ، وإن نكل حلف الآخر أنهما درهمان، وأخذهما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو شهدا عليه في أيام متفرقة أو واحد بعد واحد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو أقر عند القاضي بدرهم، وجاء عليه بشاهدين يشهدان بدرهم فقال الدرهم الذي أقررت به هو الذي يشهد به هذان الشاهدان كان القول قوله. وإذا قال له علي ألف درهم وديعة فهي وديعة، وإن قال له علي ألف درهم ثم سكت ثم قال بعد هي وديعة أو قال هلكت لم يقبل ذلك منه لأنه قد ضمن ألف درهم بإقراره ثم ادعى ما يخرجه من الضمان فلا يصدق عليه، وإنما صدقناه أولا لأنه وصل الكلام، وكذلك لو قال له قبلي ألف درهم فوصل الكلام أو قطعه كان القول فيها مثل القول في المسألة الأولى إذا وصل أو قطع، ولو قال له عندي ألف درهم وديعة أو أمانة أو مضاربة دينا كانت دينا عليه أمانة كانت أو وديعة أو قراضا إن ادعى ذلك الطالب لأنها قد تكون في موضع الأمانة ثم يتعدى فتصير مضمونة عليه وتنض فيستسلفها فتصير مضمونة عليه، ولكنه لو قال دفع إلي ألف درهم وديعة أو أمانة أو مضاربة على أني لها ضامن لم يكن ضامنا بشرطه الضمان في شيء أصله الأمانة حتى يحدث شيئا يخرج به من الأمانة إما تعديا، وإما استسلافا، ولو قال له في مالي ألف درهم كانت دينا إلا أن يصل الكلام فيقول وديعة فتكون وديعة، ولو قال له في هذا العبد ألف درهم سئل عن قوله فإن قال نقد فيه ألفا قيل فكم لك منها فما قال إنه منه اشتراه به فهو كما قال مع يمينه فإن زعم أنهما اشترياه قيل فكم لك فيه؟ فإن قال ألفان فللمقر له الثلث، وإن قال ألف فللمقر له النصف، ولا أنظر إلى قيمة العبد قلت أو كثرت لأنهما قد يغبنان أو يغبنان، وكذلك لو قال له فيه شركة ألف كان القول فيها مثل القول في المسألة قبلها، ولو قال له من مالي ألف درهم سئل فإن قال من هبة قيل له إن شئت أعطه إياها، وإن شئت فدع، وإن قال من دين فهي من دين، وإن مات قبل أن يبين شيئا فهي هبة لا تلزمه إلا أن يقر ورثته بغير ذلك، وإن قال له من مالي
ألف درهم بحق عرفته أو بحق لزمني أو بحق ثابت أو بحق استحقه فهذا كله دين، ولو قال له من هذا المال، ولم يضف المال إلى نفسه ألف درهم فله ألف درهم فإن لم يكن المال إلا ألفا فهي له، وإن كان أكثر من ذلك فليس له إلا الألف، وإن كان المال أقل من ذلك فليس له إلا ذلك الذي هو أقل، وإن ادعى الآخر أنه استهلك من المال شيئا استحلف
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال له من هذه الدار النصف فله النصف لأنه أقر له بشيء لم يضف ملكه إلى نفسه فإن ادعى النصف الباقي، وهو في يده فهو له، ولو بدأ فأضاف الدار إلى نفسه فقال له من داري هذه نصفها كانت هذه الدار هبة إذا زعم أنها هبة منه أو مات قبل أن يبين، وإن لم يمت سألناه أي شيء أراد؟ فإن كان أراد إقرارا ألزمناه إياه، والفرق بين هذين إضافة الملك إلى نفسه وغير إضافته، ولو قال له من داري هذه نصفها بحق عرفته له كان له نصفها، ولو قال له من ميراث أبي ألف درهم كان هذا إقرارا على أبيه بدين، ولو قال له في ميراثي من أبي كانت هذه هبة إلا أن يريد بها إقرارا لأنه لما أقر في ميراث أبيه أقر بأن ذلك على الأب، ولم يضف الملك إلى نفسه، وزعم أن ما أقر له به خارج من ملكه، ولو قال له من ميراث أبي ألف بحق عرفته أو بحق له كان هذا كله إقرارا على أبيه، ولو قال له علي ألف عارية أو عندي فهي دين، ولو كان هذا في عرض فقال له عندي عبد عارية أو عرض من العروض فهي عارية، وهي مضمونة حتى يؤديها لأن أصل ما نذهب إليه أن العارية مضمونة حتى يؤديها، ولو قال له في داري هذه حق أو في هذه الدار حق فسواء، ويقر له منها بما شاء، ويحلف إن ادعى الآخر أكثر منه، وكذلك إن مات أقر له الورثة بما شاءوا، ويحلفون ما يعلمون أكثر منه، ولو قال له فيها سكنى أقر به بما شاء من السكنى، وإلى أي مدة إن شاء يوما، وإن شاء أقل، وإن شاء أكثر
ولو قال هذه الدار لك هبة عارية أو هبة سكنى كانت عارية وسكنى، وله منعه ذلك أو يقبضه إياها فإن أقبضه فله أن يخرجه منها متى شاء لأن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة، ولم يقبض كل ذلك حتى أخبر أنه إنما معنى قوله عارية أو هبة السكن، ولو قال لك سكنى إجارة بدينار في شهر فإن قبل ذلك المؤاجر فهي له، وإلا فلا شيء له، ولو لم يسم شيئا قلنا له سم كم مدة الإجارة؟ وبكم هي؟ فإذا سمى قليلا أو كثيرا فله الخيار في قبوله ذلك ورده
ولو قال لك علي ألف درهم إن شئت أو هويت أو شاء فلان أو هوي فلان فإن شاء فلان أو هوي أو شاء هو أو هوي لم يكن عليه فيها شيء لأنه لم يقر له بشيء إلا أنه جعله له إن شاء أن يكون له، وهو إذا شاء لم يكن له ذلك إلا بأن يشاء هو
ولو قال لك علي ألف درهم إن شهد بها علي فلان أو فلان، وفلان فشهدوا لم يلزمه من جهة الإقرار، وهذه مخاطرة، ويلزمه من جهة الشهادة إن كان ممن تجوز شهادتهما أو أحدهما، وحلف الآخر مع شاهده، وهذا مثل قوله لك علي ألف درهم إن قدم فلان أو خرج فلان أو كلمت فلانا أو كلمك فلان فهذا كله من جهة القمار، ولا شيء عليه
ولو قال هذا لك بألف درهم إن شئت فشاء كان هذا بيعا لازما، ولكل واحد منهما الخيار ما لم يتفرقا لأن هذا بيع لا إقرار
ولو قال لعبده أنت حر بألف درهم إن شئت فقال قد شئت فهو حر، وعليه ألف درهم. وهكذا لو قال لامرأته أنت طالق بألف إن شئت فشاءت فهي طالق، وعليها ألف درهم، ولو لم تشأ هي، ولا العبد لم يكن العبد حرا، ولا هي طالقا، ولو قال هذا الثوب لك بألف درهم فقبله المشتري كان هذا بيعا، ومعناه أنه إن شاء، وكذلك كل مشتر إنما يلزمه ما شاء
ولو قال لامرأته أنت طالق بألف ولعبده أنت حر بألف فاختار ذلك لزمه الطلاق والعتق.
(قال الربيع) أنا أشك في سماعي من ها هنا إلى آخر الإقرار، ولكني أعرفه من قول الشافعي، وقرأه الربيع علينا.
فإذا قال له علي ألف درهم، ولم يسم الألف قيل له أقر بأي ألف شئت إن شئت فلوسا، وإن شئت تمرا، وإن شئت خبزا، وأعطه درهما معها، وأحلف له أن الألف التي أقررت له بها هذه الألف التي بينتها فإنه ليس في قولك، ودرهم ما يدل على أن ما مضى دراهم، ولو زعمنا أن ذلك كذلك ما أحلفناك لو ادعى ألف دينار، ولكن لما كان قولك محتملا لما هو أعلى من الدراهم وأدنى لم نجعل عليك الأعلى دون الأدنى، ولا الأدنى دون الأعلى، وهكذا لو قال ألف وكر حنطة أو ألف وعبد أو ألف وشاة لم نجعل ها هنا إلا ما وصفنا بأن الألف ما شاء وما سمى، ولو جاز لنا أن نجعل الكلام الآخر دليلا على الأول لكان إذا أقر له بألف وعبد جعلنا عليه ألف عبد وعبدا. وهكذا لو أقر له بألف وكر حنطة جعلنا عليه ألف كر وكرا حنطة، ولا يجوز إلا هذا، وما قلت من أن يكون الألف ما شاء مع يمينه، ويكون ما سمى كما سمى، ولو أنه قال ألف وكر كان الكر ما شاء إن شاء فنورة، وإن شاء فقصة، وإن شاء فمدر يبني به بعد أن يحلف، ولو قال له علي ألف إلا درهما قيل له أقر بأي ألف شئت إذا كان الدرهم يستثنى منها ثم يبقى شيء قل أو كثر كأنك أقررت له بألف فلس، وكانت تسوى دراهم فيعطاها منك إلا درهما منها، وذلك قدر درهم من الفلوس، وهكذا إذا قلت ألف إلا كر حنطة، وألف إلا عبدا أجبرت على أن تبقي بعد الاستثناء شيئا قل أو كثر، ولو قال له علي ثوب في منديل قيل له قد يصلح أن تكون أقررت بثوب ومنديل ويصلح أن تكون أقررت له بثوب فجعلته في منديل لنفسك فتقول له: علي ثوب في منديل لي فعليك ثوب، وتحلف ما أقررت له بمنديل. وأصل ما أقول من هذا أني ألزم الناس أبدا اليقين، وأطرح عنهم الشك، ولا أستعمل عليهم الأغلب. وهكذا إذا قال تمر في جراب أو ثمر في قارورة أو حنطة في مكيال أو ماء في جرة أو زيت في وعاء، وإذا قال له علي كذا كذا أقر بما شاء واحدا، وإن قال كذا وكذا أقر بما شاء اثنين، وإن قال كذا وكذا درهما أعطاه درهمين لأن كذا يقع على درهم فإن قال كذا وكذا درهما قيل له أعطه درهما، أو أكثر من قبل أن كذا يقع على أقل من درهم فإن كنت عنيت أن كذا وكذا التي بعدها أوفت عليك درهما فليس عليك أكثر منه، والله تعالى الموفق للصواب.
باب الشركة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا شركة مفاوضة وإذا أقر صانع من صناعته لرجل بشيء إسكاف أقر لرجل بخف أو غسال أقر لرجل بثوب فذلك عليه دون شريكه إلا أن يقر شريكه معه، وإذا كانا شريكين فالشركة كلها ليست مفاوضة وأي الشريكين أقر فإنما يقر على نفسه دون صاحبه وإقرار الشريك، ومن لا شريك له سواء، وإذا أقر رجل في مرضه بدين لأجنبي، وقد أقر في صحته أو قامت بينة بديون فسواء إقراره في صحته ومرضه، والبينة في الصحة، والمرض والإقرار سواء يتحاصون معا لا يقدم واحد منهم على الآخر فإذا أقر لوارث فلم يمت حتى حدث وارث يحجب المقر له فإقراره لازم وإن لم يحدث فمن أجاز الإقرار للوارث وخالف بينه وبين الوصية أجازه له ومن رده رده له، ولو أقر لغير وارث ثم مات وارثه فصار المقر له وارثا أبطل إقراره، وكذلك كل ما أقر به بوجه من الوجوه فهو على هذا المثال، وإذا كان الرجلان شريكين فأوصى أحدهما أو أعتق أو دبر أو كاتب فذلك كله في مال نفسه كهيئة الرجل غير الشريك، وإذا أقر الرجل للحمل بدين كان إقراره باطلا حتى يقول كان لأبي هذا الحمل أو لجده علي مال فيكون ذلك إقرارا للذي أقر له به، وإن كان هذا الحمل وارثه أخذه، وإن كان له وارث معه أخذ معه حصته لأن الإقرار للميت، وإنما لهذا منه حصته، وإذا أوصى للحمل بوصية فالوصية جائزة إذا ولد لأقل من ستة أشهر من يوم وقعت الوصية حتى يعلم أنه كان ثم حمل ولو وهب
لحمل نخلة أو تصدق عليه بصدقة غير موقوفة لم تجز بحال قبلها أبوه أو ردها إنما تجوز الهبات، والبيوع، والنكاح على ما زايل أمه حتى يكون له حكم بنفسه، وهذا خلاف الوصية في العتق، ولو أعتق حمل جاريته فولدت لأقل من ستة أشهر من يوم أعتقه كان حرا لأنا علمنا أنه قد كان ثم حمل، ولو ولد لستة أشهر فأكثر لم يقع عليه ثم عتق لأنه قد يمكن أن يكون هذا حادثا بعد الكلام بالعتق فلا يكون المقصود قصده بالعتق، ولو أقر بحمل لرجل لم يجز إقراره إذا كان هو مالك رقبة أمه، وكذلك لو وهبه له فإذا لم تجز فيه الهبة لم يجز فيه الإقرار، ولو قال مع إقراره: هذا الحمل لفلان أوصى لي رجل برقبة أمه، وله بحملها جاز الإقرار إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم تقع الوصية، وكل إقرار من صلح، وغير صلح كان فيه خيار من المقر فهو باطل، وذلك أن يقول أقر لك بكذا على أني بالخيار يوما أو أكثر أو أصالحك على كذا على أني أقر لك بكذا على أني بالخيار يوما أو أكثر أو أصالحك على كذا، على أني أقر لك بكذا، على أني بالخيار فلا يجوز حتى يقطع الإقرار، ولا يدخل فيه الاستثناء من المقر، وهكذا كل إقرار كان فيه استثناء، وذلك أن يقول لك علي ألف أو لك عندي إن شاء الله أو إن شاء فلان فلا يلزم حتى يكون الإقرار مقطوعا لا مثنوية فيه.
(قال): ولو أقر لرجل أنه تكفل له بمال على أنه بالخيار، وأنكر المكفول له الخيار، ولا بينة بينهما فمن جعل الإقرار واحدا أحلفه ما كفل له إلا على أنه بالخيار وأبرأه، والكفالة لا تجوز بخيار، ومن زعم أنه يبعض عليه إقراره فيلزمه ما يضره، ويسقط عنه ما ادعى المخرج به ألزمه الكفالة بعد أن يحلف المكفول له لقد جعل له كفالة لا خيار فيه، والكفالة بالنفس على الخيار لا تجوز، وإذا جازت بغير خيار فليس يلزم الكافل بالنفس مال إلا أن يسمي مالا كفل به، ولا تلزم الكفالة بحد، ولا قصاص، ولا عقوبة، ولا تلزم الكفالة إلا بالأموال.
(قال): ولو كفل له بما لزم رجلا في جرح، وقد عرف الجرح، والجرح عمد فقال أنا كافل لك بما لزمه فيه من دية أو قصاص فإن أراد المجروح القصاص فالكفالة باطلة لا يجوز أن يقتص من المتكفل، وإن أراد أرش الجراح فهو له، والكفالة لازمة لأنها كفالة بمال
وهكذا إذا اشترى رجل دارا من رجل فضمن له رجل عهدتها وخلاصها فاستحقت الدار رجع المشتري بالثمن على الضامن إن شاء لأنه ضمن له خلاصها أو مالا، والخلاص مال يسلم له
وإذا أقر رجل لرجل بشيء مشاع أو مقسوم فالإقرار جائز، وسواء قال لفلان نصف هذه الدار ما بين كذا إلى كذا أو لفلان نصف هذه الدار يلزمه الإقرار كما أقر، وكذلك لو قال له هذه الدار إلا نصفها كان له النصف، ولو قال له هذه الدار إلا ثلثيها كان له الثلث شريكا معه، وإذا قال له هذه الدار إلا هذا البيت كانت له الدار إلا ذلك البيت، وكذلك لو قال له هذا الرقيق إلا واحدا كان له الرقيق إلا واحدا فله أن يعزل أيهم شاء، وكذلك لو قال هذه الدار لفلان، وهذا البيت لي كان مثل قوله إلا هذا البيت إذا كان الإقرار متصلا لأن هذا كلام صحيح ليس بمحال، ولو قال هذه الدار لفلان بل هي لفلان كانت للأول، ولا شيء للثاني، ولو قال غصبتها من فلان، وملكها لفلان غيره فهي للذي أقر أنه غصبها منه، وهو شاهد للثاني، ولا تجوز شهادته لأنه غاصب، ولو قال غصبتها من فلان لا بل من فلان جاز إقراره للأول، ولم يغرم للثاني شيئا، وكان الثاني خصما للأول، وإذا أقر بشيء بعينه لواحد أو أكثر لم يضمن شيئا إذا كان الآخر لا يدعي عليه إلا هذه الدار فليس في إقراره لغيره، وإن حكم له بشيء بعينه لواحد أو أكثر لم يضمن شيئا إذا كان الآخر لا يدعي عليه إلا هذه الدار فليس في إقراره لغيره، وإن حكم له بشيء يكون حائلا دونه يضمنه، وإنما يضمن ما كان حائلا دونه، ولا يجد السبيل إليه، ومثل هذا لو قال أودعنيها فلان لا بل فلان.
إقرار أحد الابنين بالأخ
(أخبرنا الربيع) قال: (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا هلك الرجل فترك ابنين، وأقر أحدهما بأخ، وشهد على أبيه أنه أقر أنه ابنه لم يثبت نسبه، ولم يكن له من الميراث شيء لأن إقراره جمع أمرين أحدهما له، والآخر عليه، فلما بطل الذي له بطل الذي عليه، ولم يكن إقراره له بدين، ولا، وصية إنما أقر له بمال، ونسب فإذا زعمنا أن إقراره فيه يبطل لم يأخذ به مالا كما لو مات ذلك المقر له لم يرثه ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل لي عليك مائة دينار فقال بعتني بها دارك هذه، وهي لك علي فأنكر الرجل البيع أو قال باعنيها أبوك، وأنت وارثه فهي لك علي، ولي الدار كان إقراره باطلا لأنه إنما يثبت على نفسه بمائة يأخذ بها عوضا فلما بطل عنه العوض بطل عنه الإقرار، وما قلت من هذا فهو قول المدنيين الأول.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى - ما ورد علينا أحد قط من أهل المدينة إلا، وهو يقول هذا: قال محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى - وأخبرني أبو يوسف - رضي الله تعالى عنه - أنه لم يلق مدنيا قط إلا، وهو يقول هذا حتى كان حديثا فقالوا خلافه فوجدنا عليهم حجة، وما كنا نجد عليهم في القول الأول حجة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولسنا نقول بحديث عمر بن قيس عن عمر بن الخطاب لأنه لا يثبت، وإنما تركناه لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ليس لعرق ظالم حق» والعروق أربعة عرقان ظاهران وعرقان باطنان فأما العرقان الباطنان فالبئر والعين وأما العرقان الظاهران فالغراس والبناء فمن غرس أرض رجل بغير إذنه فلا غرس له لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ليس لعرق ظالم حق»، وهذا عرق ظالم (وقال) لا يقسم نضح مع بعل، ولا بعل مع عين، ويقسم كل واحد من هذا على حدته (وقال) لا تضاعف الغرامة على أحد، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها، والضمان على أهلها بقيمة واحدة لا قيمتين (وقال) لا يدخل المخنثون على النساء، وينفون (وقال) الجد أحق بالولد.
(قال): وإذا أبى المرتد التوبة قتل لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من بدل دينه فاقتلوه»، وهذا مبدل لدينه، وأن لنا أن نقتل من بلغته الدعوة، وامتنع من الإجابة من المشركين بلا تأن، وهذا لا يثبته أهل الحديث عن عمر، ولو فعله رجل رجوت أن لا يكون بذلك بأس، يعني في حديث عمر هل كان من مغربة خبر، وقال عمر لك ولاؤه في اللقيط.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأنه لا ولاء له لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «فإنما الولاء لمن أعتق» وهذا غير معتق، وأما قوله: فهو حر، فهو كما قال، وأما إنفاقه عليه من بيت المال فكذلك نقول والله أعلم.
إقرار الوارث
ودعوى الأعاجم
أخبرنا الربيع قال حدثنا الشافعي إملاء، قال أخبرني محمد بن الحسن أن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه -، قال في الرجل يهلك، ويترك ابنين، ويترك ستمائة دينار فيأخذ كل واحد منهما ثلثمائة دينار ثم يشهد أحدهما أن أباه الهالك أقر بأن فلانا ابنه أنه لا يصدق على هذا النسب، ولا يلحق به، ولكنه يصدق على ما ورث فيأخذ منه نصف ما في يديه، وكذلك قال أهل المدينة إلا أنهم قالوا نعطيه ثلث ما في يديه
قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأخبرني محمد بن الحسن أن ابن الماجشون عبد العزيز بن أبي سلمة، وجماعة من المدنيين كانوا عندهم بالعراق لا يختلفون في هذه المسألة أنه لا يكون للذي أقر له شيء من الميراث.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإنه لقول يصح، وذلك أنهم يقولون إنما زعم أن له حقا في يديه، ويدي أخيه بميراثه من أبيهما، وزعم أنهما يرثانه كما يرث أباهم فإذا حكمنا بأن أصل هذا الإقرار لا يثبت به نسب، وإنما زعمنا أنه يأخذ بالنسب لا بدين ولا وصية، ولا شيء استحقه في مال الميت غير النسب زعمنا أن لا يأخذ شيئا، قلت لمحمد بن الحسن كأنك ذهبت به إلى أنه قال بعتك هذا العبد بمائة دينار فهي لي عليك أو هذه الدار، ولك هذا العبد أو الدار فأنكرت، وحلفت لم يكن لك العبد، ولا الدار فإني إنما أقررت لك بعبد أو دار، وفي إقراري شيء يثبت عليك كما يثبت لك فلما لم يثبت عليك ما ادعيت لم يثبت لك ما أقررت به قال إن هذا الوجه يقيس الناس بما هو أبعد منه، وإنه ليدخل قلت وكيف لم تقل به؟ قال اخترنا ما قلت لما سمعته (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يثبت نسب أحد بنسبة رجل إلى غيره، وذلك أن الأخ إنما يقر على أبيه فإذا كان معه من حقه من أبيه كحقه فدفع النسب لم يثبت، ولا يثبت النسب حتى تجتمع الورثة على الإقرار به معا أو تقوم بينة على دعوى الميت الذي إنما يلحق بنفسه فيكتفى بقوله، ويثبت له النسب، واحتج بحديث ابن أمة زمعة، «وقول سعد كان أخي عهد إلي أنه ابنه، وقال عبد بن زمعة أخي، وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هو لك يا ابن زمعة الولد للفراش»
. دعوى الأعاجم
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال وإذا ادعى الأعاجم بولادة الشرك أخوة بعضهم لبعض فإن كانوا جاءونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا دعوى غيرهم من أهل الجاهلية الذين أسلموا فإن كانوا مسبيين عليهم، ورقوا أو عتقوا فيثبت عليهم ولاء لم تقبل دعواهم إلا ببينة تثبت على ولاد ودعوى معروفة كانت قبل السبي، وهكذا من قل منهم أو كثر. أهل حصن كانوا أو غيرهم.
الدعوى والبينات
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى - قال ما كان بيد مالك من كان المالك من شيء يملك ما كان المملوك فادعاه من يملك بحال فالبينة على المدعي فإن جاء بها أخذ ما ادعى، وإن لم يأت بها فعلى المدعى عليه الشيء في يديه اليمين بإبطال دعواه فإن حلف بريء، وإن نكل قيل للمدعي لا نعطيك بنكوله شيئا دون أن تحلف على دعواك مع نكوله فإن حلفت أعطيناك دعواك، وإن أبيت لم نعطك دعواك، وسواء ادعاها المدعي من قبل الذي هي في يديه أنها خرجت إليه منه بوجه من الوجوه أو من قبل غيره أو باستحقاق أصل أو من أي وجه ما كان، وسواء كانت بينهما مخالطة أو لم تكن.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (275)
صــــــــــ 245 الى صـــــــــــ 250
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أصل معرفة المدعي والمدعى عليه أن ينظر إلى الذي الشيء في
يديه يدعيه هو وغيره فيجعل المدعي الذي نكلفه البينة، والمدعى عليه الذي الشيء في يديه، ولا يحتاج إلى سبب يدل على صدقه بدعواه إلا قوله، وهكذا إن ادعى عليه دينا أو أي شيء ما كان كلف فيه البينة ودعواه في ذمة غيره مثل دعواه شيئا قائما بعينه في يدي غيره قال، وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار أو أي شيء ما كان لرجل فادعى أنه باعه من رجل، وأنكر الرجل فعلى المدعي البينة، لأنه مدع في ذمة الرجل وماله شيئا هو له دونه، والرجل ينكره فعليه اليمين، ولو كان الرجل يدعي شراء الدار، ومالك الدار يجحده كان مثل هذا، وعلى مدعي الشراء البينة لأنه يدعي شيئا هو في ملك صاحبه دونه، ولا يأخذ بدعواه دون أن يقيم بينة، وعلى الذي ينكر البيع اليمين وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو ادعى رجل دينا أو غصبا أو شيئا على رجل فأنكر الرجل لم يكن له أن يأخذه إلا ببينة، وعلى المنكر اليمين، ولو أقر له بدعواه، وادعى أنه قضاه إياه ففيها قولان أحدهما أن الدعوى لازمة له، ودعواه البراءة غير مقبولة منه إلا ببينة، ومن قال هذا فسواء عنده كان دعواه البراءة موصولا بإقراره أو مقطوعا منه، والقول الثاني أنه إذا كان لا يعلم حقه إلا بإقراره فوصل بإقراره دعواه المخرج كان مقبولا منه، ولا يكون صادقا كاذبا في قول واحد، ولو قطع دعواه المخرج من الإقرار فلم يصلها به كان مدعيا عليه البينة، وكان الإقرار له لازما، ومن قال هذا القول الآخر فينبغي أن تكون حجته أن يقول أرأيت رجلا قال لرجل لك علي ألف درهم طبرية أو لك عندي عبد زنجي، وادعى الرجل عليه ألفا وازنة أو ألفا مثاقيل أو عبدا بربريا أليس يكون القول قول المدعى عليه؟ وسواء في هاتين المسألتين أن يقر له بدين، ويزعم إلى أجل في القول الأول الدين حال، وعليه البينة أنه إلى أجل، والقول الثاني أن القول قوله إذا وصل دعواه بإقراره.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا كان الشيء في يد اثنين عبدا كان أو دارا أو غيره فادعى كل واحد منهما كله فهو في الظاهر بينهما نصفان، ويكلف كل واحد منهما البينة على ما في يدي صاحبه فإن لم يجد واحد منهما بينة أحلفنا كل واحد منهما على دعوى صاحبه فأيهما حلف بريء، وأيهما نكل رددنا اليمين على المدعي فإن حلف أخذ، وإن نكل لم يأخذ شيئا ودعواه النصف الذي في يد صاحبه كدعواه الكل ليس في يديه منه شيء لأن ما في يد غيره خارج من يديه، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقيم كل واحد منهما البينة على ما في يدي صاحبه، ولكل واحد منهما اليمين على صاحبه فأيهما حلف بريء، وأيهما نكل حبس حتى يحلف، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا نكل عن اليمين قضينا عليه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا تداعى الرجلان البيع فتصادقا عليه، واختلفا في الثمن فقال البائع بعتك بألفين، وقال المشتري اشتريت منك بألف والسلعة قائمة بعينها، ولا بينة بينهما تحالفا معا فإن حلفا معا فالسلعة مردودة على البائع، وأيهما نكل رددت اليمين على المدعى عليه، وإن نكل المشتري حلف البائع لقد باعه بالذي قال ثم لزمته الألفان فإن حلف البائع ثم نكل المشتري عن اليمين أخذ البائع الألفين لأنه قد اجتمع نكول المشتري، ويمين البائع على دعواه، وهكذا إن كان الناكل هو البائع، والحالف هو المشتري كانت بيعا له بالألف، ولو هلكت السلعة ترادا قيمتها إذا حلفا معا، وإذا كانت السنة تدل على أنهما يتصادقان في أن السلعة مبيعة، ويختلفان في الثمن، فإذا حلفا ترادا، وهما يتصادقان أن أصل البيع كان حلالا فلا يختلف المسلمون فيما علمت أن ما كان مردودا لو وجد بعينه في يدي من هو في يديه ففات أن عليه قيمته إذا كان أصله مضمونا، ولو جعلنا القول قول المشتري إذا فاتت السلعة كنا قد فارقنا السنة، ومعنى السنة، وليس لأحد فراقهما، وقد صار بعض المشرقيين إلى أن رجع إلى هذا القول فقال به، وخالف
صاحبه فيه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقام أحدهما البينة على دعواه أعطيناه ببينته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل أنه نكح امرأة لم أقبل دعواه حتى يقول نكحتها بولي وشاهدين عدلين، ورضاها فإذا قال هذا، وأنكرت المرأة أحلفناها، فإن حلفت لم أقض له بها، وإن نكلت لم أقض له بها بالنكول حتى يحلف، فإذا حلف قضيت له بأنها زوجته، وأحلف في النكاح، والطلاق، وكل دعوى، وذلك أني وجدت من حكم الله تبارك وتعالى ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن الله عز وجل قضى أن يحلف الزوج القاذف، وتحلف الزوجة المقذوفة ثم دلت السنة على أن الحد يسقط عن الزوج، وقد لزمه لولا اليمين، والإجماع على أن الحد يسقط عن المرأة باليمين، والسنة تدل على أن الفرقة بينهما، وعلى نفي الولد فالحد قتل، ونفي الولد نسب فالحد على الرجل يمين فوجدت هذا الحكم جامعا لأن تكون الأيمان مستعملة فيما لها فيه حكم، ووجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الأنصار أن يحلفوا، ويستحقوا دم صاحبهم فأبوا الأيمان فعرض عليهم أيمان يهود فلا أعرف حكما في الدنيا أعظم من حكم القتل، والحد، والطلاق، ولا اختلاف بين الناس في الأيمان في الأموال، ووجدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول «، واليمين على المدعى عليه» فلا يجوز أن يكون على مدعى عليه دون مدعى عليه إلا بخبر لازم يفرق بينهما بل الأخبار اللازمة تجمع بينهما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو ادعت عليه المرأة النكاح وجحد كلفت المرأة البينة فإن لم تأت بها أحلف فإن حلف بريء، وإن نكل رددت اليمين على المرأة، وقلت لها احلفي فإن حلفت ألزمته النكاح، وهكذا كل شيء ادعاه أحد على أحد من طلاق، وقذف، ومال، وقصاص، وغير ذلك من الدعوى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل أن امرأته خالعته بعبد أو دار أو غير ذلك، وأنكرت المرأة كلف الزوج البينة فإن جاء بها ألزمته الخلع، وألزمتها ما اختلعت به، وإن لم يأت بها أحلفتها فإن حلفت برئت من أن يأخذ منها ما ادعى، ولزمه الطلاق، وكان لا يملك فيه الرجعة من قبل أنه يقر بطلاق لا يملك فيه رجعة، ويدعي مظلمة في المال فإن نكلت عن اليمين رددت اليمين على الزوج فإن حلف أخذ ما ادعى أنها خالعته عليه، وإن نكل لم أعطه بدعواه شيئا، ولا بنكولها حتى يجتمع مع نكولها يمينه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى العبد على مالكه أنه أعتقه أو كاتبه، وأنكر ذلك مالكه فعلى العبد البينة فإن جاء بها أنفذت له ما شهد له به من عتق أو كتابة، وإن لم يأت بها أحلفت له مولاه فإن حلف أبطلت دعوى العبد، وإن نكل المولى عن اليمين لم أثبت دعوى العبد إلا بأن يحلف العبد فإن حلف أثبت دعواه فإن ادعى العبد التدبير فهو في قول من لا يبيع المدبر هكذا، وفي قول من يبيع المدبر هكذا إلا أنه يقال لسيد العبد لا يصنع اليمين شيئا، وقل قد رجعت في التدبير، ويكون التدبير مردودا، ولو أن مالك العبد قال قد أعتقتك على ألف درهم فأنكر العبد المال، وادعى العتق أو أنكر المال والعتق كان المالك المدعي فإن أقام السيد البينة أخذ العبد بالمال، وإن لم يقمها أحلف له العبد فإن حلف بريء من المال، وكان حرا في الوجهين لأن المولى يقر بعتقه فيهما فإن نكل العبد عن اليمين لم يثبت عليه شيء حتى يحلف مولاه فإن حلف ثبت المال على العبد، وإن نكل السيد عن اليمين فلا مال على العبد، والعتق ماض
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو تعلق رجل برجل فقال أنت عبد لي، وقال المدعى عليه بل أنا حر الأصل فالقول قوله فأصل الناس الحرية حتى تقوم بينة أو يقر برق، وكلف المدعي البينة فإن جاء بها كان العبد رقيقا، وإن أقر العبد له بالرق كان رقيقا له، وإن لم يأت بالبينة أحلف له العبد فإن حلف كان حرا، وإن نكل لم يلزمه الرق حتى يحلف المدعي على رقه فيكون رقيقا له.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا الأمة مثل العبد سواء، وهكذا
كل ما يملك إلا في معنى واحد فإن رجلا أو امرأة لو كانا معروفين بالحرية فأقرا بالرق لم يثبت عليهما الرق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل على الرجل دما أو جراحا دون الدم عمدا أو خطأ فسواء، وعليه البينة فإن جاء بها قضي له فإن لم يأت بها، ولا بما يوجب القسامة في الدم دون الجراح أحلف المدعى عليه فإن حلف بريء، وإن نكل عن اليمين لم ألزمه بالنكول شيئا حتى يحلف المدعي فإن حلف ألزمت المدعى عليه جميع ما ادعى عليه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأيمان الدماء مخالفة جميع الأيمان الدم لا يبرأ منه إلا بخمسين يمينا، وما سواه يستحق، ويبرأ منه بيمين واحدة إلا اللعان فإنه بأربعة أيمان، والخامسة التعانه، وسواء النفس، والجرح في هذا يقبله بالذي نقصه به من نكوله عن اليمين، ويمين صاحبه المدعى عليه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وخالفنا بعض الناس رحمة الله عليه في هذا فزعم أن كل من ادعى جرحا أو فقأ عينين أو قطع يدين، وما دون النفس أحلف المدعى عليه فإن نكل اقتص منه ففقأ عينيه، وقطع يديه، واقتص منه فيما دون النفس، وهكذا كل دعوى عنده سواء، وزعم أن في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «واليمين على المدعى عليه» دليل على أنه إذا حلف بريء فإن نكل لزمته الدعوى ثم عاد لما احتج به من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقضه في النفس فقال إن ادعى عليه قتل النفس فنكل عن اليمين استعظمت أن أقتله، وحبسته حتى يقر فأقتله أو يحلف فأبرئه قال مثل هذا في المرأة يلتعن زوجها وتنكل.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا أعلمه إلا خالف في هذا ما زعم أنه موجود في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نحقه، ولم نبطله كان ينبغي إذا فرق بين النفس، وما دونها من الجراح أن يقول لا أحبسه إذا نكل عن اليمين، ولا أجعل عليه شيئا إذا كان لا يرى النكول حكما، وهو على الابتداء لا يحبس المدعى عليه إلا ببينة فإن كان للنكول عنده حكم فقد خالفه لأن النكول عنده يلزمه ما نكل عنه، وإن لم يكن للنكول حكم في النفس فقد ظلمه بحبسه في قوله لأن أحدا لا يحبس أبدا بدعوى صاحبه، وخالفه صاحبه، وفر من قوله فأحدث قولا ثانيا محالا كقول صاحبه فقال ما عليه حبس، وما ينبغي أن يرسل، واستعظم الدم، ولكن أجعل عليه الدية فجعل عليه دية في العمد، وهو لا يجعل في العمد دية أبدا، وخالف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه يخير ولي الدم في القصاص أو الدية ثم يقول ليس فيه إلا القصاص إلا أن يصطلحا فأخذ لولي الدم ما لا يدعي، وأخذ من المدعى عليه ما لا يقر به، وأحدث لهما من نفسه حكما محالا لا خبرا، ولا قياسا، وإذا كان يأخذ دماء الناس في موضع بشاهدين حتى يقتل النفس، وأكثر ما نأخذ به موضحة من شاهدين أو إقرار فما فرق بين الدم والموضحة، وما هو أصغر منها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل على رجل كفالة بنفس أو مال فجحد الآخر فإن على المدعي الكفالة البينة فإن لم تكن له بينة فعلى المنكر اليمين فإن حلف بريء، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعي فإن حلف لزمه ما ادعى عليه، وإن نكل سقط عنه غير أن الكفالة بالنفس ضعيفة، وقال أبو حنيفة رحمه الله على مدعي الكفالة البينة فإن لم تكن له بينة فعلى المنكر اليمين فإن حلف بريء، وإن نكل لزمته الكفالة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى على رجل أنه أكراه بيتا من دار شهرا بعشرة، وادعى المكتري أنه اكترى الدار كلها ذلك الشهر بعشرة فكل واحد منهما مدع على صاحبه، وعلى كل واحد منهما البينة فإن لم تكن بينة فعلى كل واحد منهما اليمين على دعوى صاحبه فإن أقام كل واحد منهما البينة على دعواه فالشهادة باطلة، ويتحالفان، ويترادان، وإن كان سكن الدار أو بيتا منها فعليه كراء مثلها بقدر ما سكن، وهكذا لو أنه ادعى أنه اكترى منه دابة إلى مكة بعشرة، وادعى رب الدابة أنه أكراه إياها إلى أيلة بعشرة كان الجواب
فيها كالجواب في المسألة قبلها، ولو أقام أحدهما بينة، ولم يقم الآخر أجزت بينة الذي أقام البينة، وقاله أبو حنيفة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تداعى الرجلان الدار كل واحد منهما يقول هي لي في يدي، وأقاما معا على ذلك بينة جعلتها بينهما نصفين من قبل أنا إن قبلنا البينة قبلنا بينة كل واحد منهما على ما في يده، وألغيناها عما في يدي صاحبه فأسقطناها، وجعلناها كدار في يدي رجلين ادعى كل واحد منهما كلها فيقضى لكل واحد منهما بنصفها، ونحلفه إذا ألغينا البينة على دعوى صاحبه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان العبد في يدي رجل فادعاه آخر، وأقام البينة أنه كان في يديه أمس فإنه لا تقبل منه البينة على هذا لأنه قد يكون في يديه ما ليس له، ولو أقام البينة أن هذا العبد أخذه هذا منه أو انتزع منه العبد أو اغتصبه منه أو غلبه على العبد، وأخذه منه أو شهدوا أنه أرسله في حاجته فاعترضه هذا من الطريق فذهب به أو شهدوا أنه أبق من هذا فأخذه هذا فإن هذه الشهادة جائزة، ويقضى له بالعبد فإن لم تكن له بينة فعلى الذي في يديه العبد اليمين فإن حلف بريء، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعي فإن حلف أخذ ما ادعى، وإن نكل سقط دعواه، وإنما أحلفه على ما ادعى صاحبه.
(قال أبو يعقوب) - رحمه الله تعالى - تقبل بينته، ويترك في يديه كما كان.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار، وغيرها من المال في يدي رجل فادعاه رجل أو بعضه فقال الذي هو في يديه ليس هذا بملك لي، وهو ملك لفلان، ولم يقم بينة على ذلك فإن كان فلان حاضرا صير له، وكان خصما عن نفسه، وإن كان فلان غائبا كتب إقراره له، وقيل لهذا المدعي أقم البينة على دعواك، وللذي هو في يديه ادفع عنه فإن أقام المدعي البينة عليه قضي له به على الذي هو في يديه، وكتب في القضاء إني إنما قبلت بينة فلان المدعي بعد إقرار فلان الذي هو في يديه بأن هذه الدار لفلان، ولم يكن فلان المقر له، ولا وكيل له حاضرا فقالت البينة لفلان المدعي هذه الدار على ما حكيت في كتابي، ويحكي شهادة الشهود، وقضيت له بها على فلان الذي هي في يديه، وجعلت فلانا المقر له بها على حجته يستأنفها فإذا حضر أو وكيل له استأنف الحكم بينه وبين المقضي له، وإن أقام الذي هي في يديه البينة أنها لفلان الغائب أودعه إياها أو أكراه إياها فمن قضى على الغائب سمع بينته، وقضى له، وأحلفه لغيبة صاحبه أن ما شهد به شهوده لحق، وما خرجت من ملكه بوجه من الوجوه، وكتب له في كتاب القضاء إني سمعت بينته، ويمينه، وفلان الذي ذكر أن له الدار غائب لم يحضر، ولا وكيل له فإذا حضر جعله خصما، وسمع بينته إن كانت، وأعلمه البينة التي شهدت عليه فإن جاء بحق أحق من حق المقضي له قضى له به، وإن لم يأت به أنفذ عليه الحكم الأول، وإن سأل المحكوم له الأول القاضي أن يجدد له كتابا بالحكم الثاني عند حضرة الخصم كان عليه أن يفعل فيحكي ما قضى به أولا حتى يأتي عليه ثم يحكي أن فلانا حضر، وأعدت عليه البينة، وسمعت من حجته وبينته ثم يحكيها ثم يحكي أنه لم ير له فيها شيئا، وأنه أنفذ عليه الحكم الأول، وقطع حجته بالحكم الآخر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وليس في القضاء على الغائب إلا واحد من قولين إما لا يقضى على غائب بدين، ولا غيره، وإما يقضى عليه في الدين وغيره، ونحن نرى القضاء عليه بعد الأعذار، وقد كتبنا الأعذار في موضع غير هذا، وسواء كان إقرار الذي الدار في يديه قبل شهادة الشهود أو بعدها، وسواء هذا في جميع الأحوال.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل أنها له آجرها إياه، وادعى آخر أنها له، وأنه أودعها إياه فكل واحد منهما مدع، وعلى كل واحد منهما البينة فإن أقاما بينة فإنه يقضي بها نصفين، وقاله أبو حنيفة - رضي الله عنه -.
(قال الربيع) حفظي عن الشافعي أن الشهادتين باطلتان، وهو أصح القولين.
(قال
الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار أو العبد في يدي رجل فادعى رجل أنه غصبه إياه في وقت وأقام بينة على ذلك، وادعى آخر أنه أقر أنه وديعة له في وقت بعد الغصب، وأقام على ذلك بينة فإنه يقضي به لصاحب الغصب، ولا يقضي لصاحب الإقرار بشيء، ولا يجوز إقراره فيما غصب من هذا وصاحب الغصب هو المدعي، وعليه البينة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى رجل أنه اشترى من رجل عبدا، وأمة بألف درهم، ونقده الثمن، وهما في يدي البائع فقال البائع إنما بعتك العبد وحده بألف درهم فإنهما يتحالفان، ويتفاسخان، والله أعلم.
باب الدعوى في الميراث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت دار في يد رجل فادعاها رجلان كل واحد منهما يقيم البينة على أنها له من وقت كذا إلى وقت كذا، وأنه ورثها عن أبيه في وقت كذا حتى يحيط العلم أن إحدى البينتين كاذبة بغير عينها فهذا مثل الشهادة على النتاج فمن زعم في النتاج أنه يبطل البينتين لأن إحداهما كاذبة بالإحاطة، ولا نعرفها، ويجعل النتاج للذي هي في يديه لإبطال البينة أبطل هاتين البينتين، وأقر الدار في يدي صاحبها، ومن زعم أنه يحق البينة التي معها السبب الأقوى فيجعل كينونة النتاج في يدي صاحبها بسبب أقوى ففي هذا قولان أحدهما أن تكون بينهما نصفين، والآخر أن يقرع بينهما فأيهما خرجت القرعة له كانت له كلها، ولو كانت البينة شهدت على وقتين مختلفين لم يكن فيه إلا أن يقرع بينهما أو تكون الدار بينهما نصفين لأنه قد يمكن في هذا أن تكون البينتان صادقتين، وكل ما أمكن أن تكون البينتان صادقتين فيه مما ليس في يدي المدعيين هكذا، وكل ما لم يمكن إلا أن تكون إحدى البينتين كاذبة فكالمسألة الأولى، وسواء هذا في كل شيء ادعى، وبأي ملك ادعى الميراث، وغيره في ذلك سواء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت أمة في يدي رجل فادعاها رجل أنها كانت لأبيه وأقام بينة أن أباه مات، وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام آخر بينة أنه اشتراها من أبي هذا، ونقده الثمن فإنه يقضي بها للمشتري، وشهادة الشراء تنقض شهادة الميراث، وهكذا لو شهدوا على صدقة مقبوضة من الميت في صحته أو هبة أو نحل أو بعطية أو عمرى من قبل أن شهود الميراث قد يكونون صادقين على الظاهر أن يعلموا الميت مالكا، ولا يعلمونها خرجت من يديه فيسعهم على هذا الشهادة، ولو توقوا فشهدوا أنها ملك له، وأنهم لا يعلمونها خرجت من يديه حتى مات كان أحب إلي، وإن كانت الشهادة فيه على البت فهي على العلم، وليس هؤلاء يخالفون شهود الشراء، ولا الصدقة، وشهود الشراء، والصدقة يشهدون على أن الميت أخرجها في حياته إلى هذا فليس بينهم اختلاف إلا أنه خفي على هؤلاء ما علم هؤلاء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت دار أو أرض أو بستان أو قرية في يدي رجل، وادعى رجل أنها له، وأقام بينة أنها لأبيه ولم يشهدوا أنه مات، وتركها ميراثا فإنه لا يقضي له، ولا تنفذ هذه الشهادة إلا أن يشهدوا أنها لم تزل لأبيه حتى مات، وإن لم يذكروا أنه تركها ميراثا، وكذلك لو شهدوا أنها كانت لجده.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام رجل شاهدين أن أباه مات، وتركها ميراثا فأقام آخر شاهدين أن أب هذا المدعي تزوج عليها أم هذا وأن أمه فلانة ماتت، وتركتها ميراثا فإنه يقضي بها لابن المرأة لأن الرجل قد خرج منها حيث تزوج عليها، وهذا مثل خروجه منها بالبيع، وشهادة النساء في ملك الأموال كلها مع شهادة الرجال جائزة، ولا تجوز على أن
فلانا مات، وترك فلانا وفلانا لا وارث له غيرهما من قبل أن هذا يثبت نسبا، وشهادتهن لا تجوز إلا في الأموال محضة، وما لا يراه الرجال من أمر النساء.
باب الشهادة على الشهادة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد رجلان على شهادة رجلين فقد رأيت كثيرا من الحكام والمفتين يجيزه فمن أجازه فينبغي أن يكون من حجته أن يقول ليسا بشاهدين على شهادة أنفسهما، وإنما يشهدان على شهادة رجلين فهما رجلان كل واحد منهما على رجل ورجل، وأدل من هذا على امرئ كأنه يشبه أن يجوز أن يقول رجل ألا ترى أنهما لو شهدا على شهادة رجلين أن هذا المملوك لهذا الرجل بعينه، وشهدا على شهادة رجلين آخرين أن هذا المملوك بعينه لآخر غيره لم يكونا شاهدي زور، وإنما أديا قول غيرهما، ولو كانا شاهدين على الأصل كانا شاهدي زور، وقد سمعت من يقول لا أقبل على رجل إلا شهادة رجلين، وعلى آخر شهادة آخرين غيرهما، ومن قال هذا ينبغي أن يكون من حجته أن يقول أنا أقيمهما مقام الشاهد نفسه فلم يكن لهما أكثر من حكمه فهو لو شهد مرتين على شيء واحد لم يكن إلا مرة فكذلك إذا شهدا هما على الآخر لم يكن إلا مرة فلا تجوز شهادتها، وينبغي أن يقول من قال هذا أنهما إنما كانا غير مجروحين في شهادتهما على أربعة مختلفين لأنهما لم يشهدا على العيان، وهما لا يقومان إلا مقام من شهدا على شهادته فلا يجوز أن يقوم اثنان إلا مقام واحد إذ لم يجز أن يجوز على الواحد إلا اثنان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز على شهادة المرأة إلا رجلان، ولا يجوز عليها رجل وامرأتان لأن هذا ليس بمال.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا كانت دار في يدي رجل فأقام رجل عليها بينة أن أباه مات وتركها ميراثا، ولم يشهدوا على الورثة، ولا يعرفونهم فإن القاضي يكلف الورثة البينة أنهم أولاد فلان بأعيانهم، وأنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم فإن أقاموا البينة على ذلك دفع الدار إليهم، وإن لم يقيموا البينة على ذلك، وقف الدار أبدا حتى يأتوا ببينة أنهم ورثته، ولا وارث له غيرهم، ولا يؤخذ من الوارث كفيل بشيء مما يدفع إليه بعد أن يستحقه، ولو أخذته منه أخذته ممن قضيت له على آخر بدار أو عبد، وأخذته ممن قضيت له على رجل بدين، وممن حكمت له بحكم ما كان، وقاله أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل، وادعاها آخر، وأقام بينة أن أباه مات، وتركها ميراثا منذ سنة لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام الذي هي في يديه البينة أن أباه مات، وتركها ميراثا منذ سنة فإنها للذي هي في يديه، وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - أقضي بها للمدعي.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن الذي في يديه الدار أقر أن الدار كانت لأبي المدعي، وأن أباه اشتراها منه، ونقده الثمن، وأقام على ذلك بينة قبل منه ذلك لأن الدار في يديه، وهو أقوى سببا، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - مثله إلا أنه يجعله المدعي في هذه المنزلة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (276)
صــــــــــ 251 الى صـــــــــــ 256
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام رجل عليها البينة أن أباه مات، وتركها ميراثا له، ولأخويه فلان وفلان لا يعلمون له وارثا غيرهم، وإخوته كلهم غيب غيره فإن الدار تخرج من يدي الذي هي في يديه، وتصير ميراثا، ويدفع إلى الحاضر من الورثة حصته فإن كان للغائب من الورثة وكلاء دفع إليهم حق من هم وكلاؤه، وإلا وقفت أنصباؤهم من الدار، وأكريت لهم حتى يحضروا، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى -
يدفع إلى الحاضر حقه، وتترك بقية الدار في يدي الذي كانت الدار في يديه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي ورثة، وواحد منهم غائب فادعى رجل أنه اشترى نصيب ذلك الغائب فمن قال لا يقضى على الغائب فإنه لا يقبل منه، وخصمه غائب، وليس أحد من هؤلاء الورثة بخصمه، وإن كانوا كلهم مقرين بنصيب الغائب أنه له، ومن قضى للغائب قضى للمشتري ببينته، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يقضى على غائب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أكانت الدار في يدي رجل، وابن أخيه فادعى العم أن أباه مات، وتركها ميراثا له لا وارث له غيره، وادعى ابن الأخ أن أباه مات، وتركها ميراثا له لا وارث له غيره فإن لم يكن لواحد منهما بينة فإنه يقضي بها بينهما نصفين
(قال): وإذا كانت الدار في يدي رجل، وابن أخيه فقال العم هي بين، والدي، وأخي نصفان، وأقر ابن الأخ بذلك، وأقام العم البينة أن أباه مات قبل أبيه فورثه أبوه، وابنه لا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث له غيره، وأقام ابن الأخ البينة أن الجد مات قبل أخيه، وأنه ورثه ابناه أحدهما أبو ابن الأخ، والآخر العم الباقي، ولا وارث له غيرهما ثم مات أبوه فورثه هو لا وارث له غيره فمن ذهب إلى أن تلغى البينة إذا كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا ألغى هذه البينة، وجعل هذه الدار على ما أقرا بها للميتين، وورث ورثتهما الأحياء والأموات لأنه يجعل أصل الملك لمن أقرا له به، ومن ذهب إلى أن يقرع بينهما أقرع بينهما فأيهما خرج سهمه قضي له بما شهد له شهوده، وألغى شهود صاحبه، ومن ذهب إلى أن يقبل من كل واحد منهما البينة عما في يده، ويلغيها عما في يدي صاحبه قبلها ثم أثبت النصفين على أصل ما أقرا به، وأثبت لكل واحد منهما النصف وورث كل واحد منهما من ورثه كان حيا يومه هذا أو ميتا قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أقضي في هذه بنصيب كل واحد منهما لورثته الأحياء، ولا ترث الأموات من ذلك شيئا فأقضي بنصف الدار لابن الأخ، وبنصف الدار للعم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا مات الرجل، وترك أخا لأبيه وأمه فعرفه القاضي أو شهد له بذلك شهوده، ولا يعلم الشهود ولا القاضي أن له وارثا غيره ليس أكثر من علم النسب فإن القاضي لا يدفع إليه شيئا لأنه قد يكون أخا، ولا يكون وارثا، ولو كان مكان الأخ ابن فشهد الشهود أن هذا ابنه، ولم يشهدوا على عدد الورثة، ولا على أنه وارثه لا وارث له غيره وقف القاضي ماله وتلوم به، وسأل عن البلدان التي وطئها هل له فيها ولد فإذا بلغ الغاية التي لو كان له فيها ولد لعرفه، وادعى الابن أن لا وارث له غيره دفع إليه المال كله، ولا يدفعه إلا بأن يأخذ به ضمينا بعدد المال، وحكاية أنه لم يقض له إلا بأنه لم يجد له وارثا غيره فإذا جاء وارث أخذ الضمناء بإدخال الوارث عليه بقدر حقه، وإن كان مكان الابن أو معه زوجة أعطاها ربع الثمن، ولا يعطيها إياه حتى يشهد الشهود أن زوجها مات، وهي له زوجة، ولا يعلمونه فارقها، وإنما فرق بينها وبين الابن أن ميراثها محدود الأكثر محدود الأقل فالأقل ربع الثمن، والأكثر الربع، وميراث الابن غير محدود الأقل محدود الأكثر فالأكثر الكل، والأقل لا يوقف عليه أبدا إلا بعدد الورثة، وقد يكثرون ويقلون.
باب شهادة أهل الذمة في المواريث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تجوز شهادة أحد خالف الأحرار البالغين المسلمين على شيء من الدنيا لأن الله تبارك وتعالى قال {ممن ترضون من الشهداء}، ولا رضا في أحد خالف الإسلام، وقال الله تبارك وتعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} ومنا المسلمون، وليس منا من خالف الإسلام، ولو كان
رجل يعرف بالنصرانية فمات وترك ابنين أحدهما مسلم، والآخر نصراني فادعى النصراني أن أباه مات نصرانيا، وادعى المسلم أن أباه أسلم قبل أن يموت وقامت البينة أن لا وارث للميت غيرهما، ولم تشهد على إسلامه ولا كفره غير الكفر الأول فهو على الأصل، وميراثه للنصراني حتى يعلم له إسلام، ولو أقاما جميعا البينة، وأقام النصراني شاهدين مسلمين أنه أباه مات نصرانيا، والمسلم شاهدين نصرانيين أن أباه أسلم قبل أن يموت فالميراث للنصراني الذي شهد له المسلمان، ولا شهادة للنصرانيين، ولو كان الشهود جميعا مسلمين صلى عليه، ومن أبطل البينة إذا كانت لا تكون إلا أن يكذب بعضها بعضا جعل الميراث للنصراني، وأقره على الأصل، ومن رأى أن يقرع بينهما أقرع، ورجع الميراث للذي خرجت قرعته، ومن رأى أن يقسم الشيء إذا تكافت عليه البينة دخلت عليه في هذا شناعة وقسمة بينهما فأما الصلاة عليه فليست من الميراث إنما نصلي عليه بالإشكال على نية أنه مسلم كما نصلي عليه لو اختلط بالمسلمين موتى، ولم يعرف على نية أنه مسلم قال الربيع، وفيه قول آخر أن الشهود إن كانوا جميعا مسلمين فشهد اثنان أنه مات مسلما، وشهد اثنان أنه مات نصرانيا، ولم نعلم أي شيء كان أصل دينه فإن الميراث موقوف عليهما حتى يصطلحا فيه لأنهما يقران أن المال كان لأبيهما وأحدهما مسلم، والآخر كافر فمتى قسمناه بينهما كنا قد ورثنا كافرا من مسلم أو مسلما من كافر فلما أحاط العلم أن هذا المال لا يكون إلا لواحد، ولا يعرف الواحد وقفناه أبدا حتى يصطلحا فيه، وهذا القول معنى قول الشافعي في موضع آخر.
(قال الربيع) قال مالك يقسم المال بينهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجلين مسلمين فأقرا جميعا أن أباهما مات وتركها ميراثا، وقال أحدهما كنت مسلما، وكان أبي مسلما، وقال الآخر كنت أنا أيضا مسلما، وكذبه الآخر وقال كنت أنت كافرا، وأسلمت أنت بعد موت أبي، وقال هو بل أسلمت قبل موت أبي، وأقر أن أخاه كان مسلما قبل موت أبيه فإن الميراث للمسلم الذي يجمع عليه، ويكون على الآخر البينة أنه أسلم قبل موت أبيه، وكذلك لو كانا عبدين فقال أحدهما لأخيه أعتقت بعد موت أبيك، وقال الآخر بل أعتقت قبل موت أبي أنا وأنت جميعا فقال الآخر أما أنا فقد أعتقت قبل موت أبي، وأما أنت فأعتقت بعد موت أبيك فالميراث للذي يجمع على عتقه، وعلى الآخر البينة، وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي ذمي فادعى مسلم أن أباه مات، وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره، وأقام على ذلك بينة من أهل الذمة، وادعى فيها ذمي مثل ذلك، وأقام بينة من أهل الذمة فإن الدار للذي هي في يديه، ولا يقضى بها لمن ادعاها بشهادة أهل الذمة، ويحلف الذي الدار في يديه للذي ادعاها، ومن كانت بينته من المسلمين قضيت له بالدار
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي ورثة فقالت امرأة الميت وهي مسلمة زوجي مسلم مات، وهو مسلم، وقال ولده، وهم كبار كفار بل مات أبونا كافرا، وجاء أخو الزوج مسلما، وقال بل مات أخي مسلما، وادعى الميراث، والمرأة مقرة بأنه أخوه، وأنه مسلم فإن كان الميت معروفا بالإسلام فهو مسلم، وميراثه ميراث مسلم، وإن كان الميت معروفا بالكفر كان كافرا، وإن كان غير معروف بالإسلام، ولا بالكفر كان الميراث موقوفا حتى يعرف إسلامه من كفره ببينة تقوم عليه
(قال الشافعي): وإذا مات المسلم، وله امرأة فقالت كنت أمة فأعتقت قبل أن يموت أو ذمية فأسلمت قبل أن يموت أو قامت عليها بينة بأنها كانت أمة أو ذمية، وادعت العتق والإسلام قبل أن يموت الزوج فأنكر ذلك الورثة، وقالوا إنما كان العتق والإسلام بعد موته فالقول قول الورثة، وعلى المرأة البينة إذا عرفت بحال فهي من أهلها حتى تقوم البينة على خلافها، ولو كانت المسألة بحالها فقال الورثة كنت ذمية أو أمة أسلمت أو أعتقت بعد موته فقالت لم أزل مسلمة حرة كان القول
قولها لأنها الآن حرة مسلمة فلا يقضى عليها بخلاف ذلك إلا ببينة تقوم أو إقرار منها، وهكذا الأصل في العلم كله لا يختلف فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقرت المرأة بأن زوجها طلقها طلقة واحدة في صحته، وانقضت عدتها ثم قالت راجعني قبل أن يموت، وقال الورثة لم يراجعك فالقول قول الورثة لأنها قد أقرت أنها خارجة، وادعت الدخول في ملكه فلا تدخل في ملكه إلا ببينة تقوم، ولو كانت المسألة بحالها، وقالت لم تنقض عدتي، وقال الورثة قد انقضت كان القول قولها.
باب للدعويين إحداهما في وقت قبل وقت صاحبه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان العبد في يدي رجل فأقام الرجل البينة أنه له منذ سنتين، وأقام الذي هو في يديه البينة أنه له منذ سنة فهو للذي هو في يديه، والوقت الأول، والوقت الآخر سواء، وكذلك لو كان في أيديهما فأقاما جميعا البينة على الملك إنما أنظر إلى الحال التي يتنازعان فيها فإذا شهد لهما جميعا في تلك الحال أنهما مالكان لم أنظر إلى قديم الملك وحديثه، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - هي للذي في يديه، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - هي للمدعي، ولا أقبل من الذي هي في يديه البينة
وقال الشافعي وإذا كانت أمة في يدي رجل، وادعى رجل أنها له منذ سنة، وأقام على ذلك بينة، وادعى الذي هي في يديه أنها في يديه منذ سنتين، وأقام البينة أنها في يديه منذ سنتين، ولم يشهدوا أنها له فإني أقضي بها للمدعي، وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدابة في يدي رجل فأقام رجل البينة أنها له منذ عشر سنين فنظر الحاكم في سن الدابة فإذا هي لثلاث سنين فإنه لا يقبل بينة الذي أقام أنها له منذ عشر سنين، وقاله أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه -
(قال الشافعي): - رضي الله تعالى عنه - وإذا كانت الدار في يدي رجل، وادعاها رجل فأقام البينة أنها له منذ سنة وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من الذي ادعى منذ سنتين، وهو يومئذ يملكها فإني أقضي بها لصاحب الشراء من قبل أني أجعلها ملكا له فأخرجها من يدي الذي هي في يديه فإذا جعلته مالكا أجزت عليه بيع ما يملك، وليس في شهادتهم أنها له منذ سنة ما يبطل أنها له منذ سنتين أو أكثر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهدوا أنه باعها بثمن مسمى، وقبض المشتري الدار، ولم يشهدوا أنه يملكها فإني أقضي بها لصاحب الشراء، وإن لم يشهدا على قبض الدار أجزت شهادتهم، وجعلت له الشراء، وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - أجيز له شهادتهم إذا شهدوا أن المشتري قبض الدار، وإن لم يشهدوا على القبض لم أجز شهادتهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت أرض في يدي رجل يقال له عبد الله فأقام آخر يقال له عبد الملك البينة أنه اشتراها من رجل يقال له عبد الرحمن بثمن مسمى، ونقده الثمن فإنه لا تقبل بينته على هذا حتى يشهدوا أن عبد الرحمن باعها، وهو يومئذ يملكها فإن شهدوا أنها أرض هذا المدعي اشتراها من فلان بثمن مسمى، ونقده الثمن كان هذا جائزا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهدوا أنه باعها، وهو يومئذ يملكها أو شهدوا أنها أرض هذا المدعي اشتراها من فلان بكذا وكذا، ونقده الثمن كان هذا جائزا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا شهدوا أنه اشترى شيئا من رجل، ولم يقولوا أن البالغ كان يملكه حين باعه لم أجز شهادتهم، ولو لم يشهدوا أنها للمشتري، وشهدوا أنها للبائع باعها من هذا، وهو يملكها بثمن مسمى، وقبض الثمن، ولم يذكروا أنه يملكها، وقبضها منه أجزت ذلك، وإذا لم يشهدوا أن البائع باعها، وهو يملكها، ولم يشهدوا أنها للمشتري، ولم يشهدوا على القبض لم
أقبل شهادتهم على شيء من ذلك، وما قبلت به شهادتهم، وقضيت به للمسلمين فقدم البائع فأنكر جعلته على حجته فيه، وأعدت عليه نسخة ما شهد به عليه، وأطردته جرحهم كما أصنع به في الابتداء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدابة في يدي رجل فأقام البينة أنها له، وأقام رجل أجنبي بينة أنها له فهي للذي هي في يديه، وسواء أقام الذي هي في يديه بينة على أنها له بميراث أو شراء أو غير ذلك من الملك أو لم يقمها أو أقام البينة على وقت أو لم يقمها، وسواء أقام الأجنبي البينة على ملك أقدم من ملك هذا أو أحدث أو معه أو لم يقمها إنما أنظر إلى الشهود حين يشهدون فأجعلها للذي هو أحق في تلك الحال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يد رجلين فأقام أحدهما البينة أنها كلها له منذ سنة، والآخر البينة أن له كلها منذ سنتين فهي بينهما نصفان أقبل بينة كل واحد منهما على ما في يده، وأطرحها عما في يد غيره إذا شهد شهود له بخلافها.
(قال أبو يعقوب) يقضى بها لأقدمهما ملكا كلها.
(قال الربيع) هي بينهما نصفان (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو أقام أحدهما البينة على أن له نصفها أو ثلثها، وأقام الآخر البينة أن له كلها جعلت ما شهد به شهود الذين شهدوا على أقل من النصف له، وما بقي من الدار للآخر، وهكذا الأمة، وما سواها.
باب الدعوى في الشراء والهبة والصدقة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا كانت الدار في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها بمائة درهم، ونقده الثمن، وادعى الآخر أنه اشتراها منه بمائتي درهم، ونقده الثمن ولم توقت واحدة من البينتين وقتا فإن كل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده، ويرجع على البائع بنصفه فإذا اختار البيع فهو جائز لهما فإن اختار أحدهما البيع، واختار الآخر الرد فللذي اختار نصفها بنصف الثمن، ولا يكون له كلها إذا وقع الخيار من الحاكم.
(قال الربيع) وفيه قول آخر أن البيع كله مفسوخ بعد الأيمان إذا لم يعرف أيهما أول، ويرجع إلى صاحبها الأول فمن أقر له المالك بأنه باعه أولا فهو للذي باعه أولا، وهو قياس قول الشافعي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدار في يدي رجل أو العبد أو الأرض أو الدابة أو الأمة أو الثوب فأقام رجل البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه بثمن مسمى، ونقده الثمن فادعى آخر أنه اشتراه من رجل، وهو يملكه بثمن مسمى، ونقده الثمن، وأقام على ذلك بينة فإنه يقضي بالثوب للذي هو في يديه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان الثوب في يدي رجل فأقام رجلان عليه البينة كل واحد منهما يقيم البينة أنه ثوبه باعه من الذي هو في يديه بألف درهم أو أنه باعه منه بألف درهم، ولم تقل الشهود إنه ثوبه قال يقضي به بينهما نصفين، ويقضي لكل واحد على المشتري بنصف الثمن لأن كل واحد يستحق نصفه، ولو شهد لكل واحد على إقرار المشتري أنه اشترى منه قضى عليه بالثمن لكل واحد، وقاله أبو حنيفة - رضي الله عنه -
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الدابة في يدي رجل فادعى رجل أنه اشتراها من فلان بمائة درهم، وهو يملكها، ونقده الثمن، وادعى آخر أن فلانا آخر وهبها له، وقبضها منه وهو يومئذ يملكها، وكان معهم من يدعي ميراثا عن أبيه، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة، وادعى آخر صدقة من آخر، وهو يملكها، وأقام على ذلك بينة قال فمن قضى بالبينتين المتضادتين قضي بها بينهم أرباعا، ومن قال أقرع بينهم قضى بها لمن خرجت له القرعة، ومن قال ألغيها كلها إذا تضادت ألغاها كلها.
(قال الربيع) ألغيها كلها إذا تضادت (قال الشافعي):
- رحمه الله تعالى - فإذا كان الكراء بدا فاسدا فعليه كراء مثل الدار فيما سكن بقدر ما سكن.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تنازع الرجلان المال فأنظر أيهما كان أقوى سببا فيما يتنازعان فيه فأجعله له فإذا استوى سببهما فليس واحد منهما بأحق به من الآخر، وهما فيه سواء فإذا تنازعا المال فهما مستويان في الدعوى فإن كان ما يتنازعان فيه في يد أحدهما فللذي هو في يديه سبب أقوى من سبب الذي ليس هو في يديه فهو له مع يمينه إذا لم تقم لواحد منهما بينة فإن أقام الذي ليس في يديه بينة بدعواه قيل للذي هو في يديه البينة العادلة التي لا تجر إلى نفسها بشهادتها، ولا تدفع عنها إذا كانت للمدعي أقوى من كينونة الشيء في يدك من قبل أن كينونته في يدك قد تكون، وأنت غير مالك فهو للذي أقام البينة بفضل قوة سببه على سببك فإن أقاما معا البينة عليه قيل قد استويتما في الدعوى، واستويتما في البينة، وللذي هو في يديه سبب بكينونته في يده هو أقوى من سببك فهو له بفضل قوة سببه، وهذا معتدل على أصل القياس لو لم يكن فيه سنة، وفيه سنة بمثل ما قلنا (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبد الله «أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي هي في يديه»، وهذا قول كل من حفظت عنه ممن لقيت في النتاج، وفيما لا يكون إلا مرة، وخالفنا بعض المشرقيين فيما سوى النتاج، وفيما يكون مرتين فقال إذا أقاما عليه بينة كان للذي ليس هو في يديه، وزعم أن الحجة له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه»، وزعم أنه لا يخلو خصمان من أن يكون أحدهما مدعيا في كل حالة، والآخر مدعى عليه في كل حالة، ويزعم أن المدعي الذي تقبل منه البينة لا يكون إلا من لا شيء في يديه فأما من في يديه ما يدعي فذلك مدعى عليه لا مدع، ولا نقبل البينة من المدعى عليه فقيل له أرأيت ما ذكرنا، وذكرت من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل البينة من صاحب الدابة الذي هي في يديه، وقضى له بها، وأبطل بينة الذي ليس هي في يديه لو لم يكن عليك حجة إلا هو أما كنت محجوجا على لسانك أو ما كان يلزمك في أصل قولك أن لا تقبل بينة الذي هي في يديه؟ فإن قال إنه إنما قضى بها للذي في يديه لأنه أبطل البينتين معا لأنهما تكافأتا. قلنا فإن قلته دخل عليك أن تكون البينة حين استوت باطلا.
(قال): ولو أقام على دابة رجل في يديه بينة أنها لكل واحد منهما أبطلته، ولو أقاما بينة على شيء في يد أحدهما من غير نتاج أبطلتها لأنها قد تكافأت، ولزمك في ذلك الموضع أن تحلف الذي في يده الدابة لأنه مدعى عليه كمن لم يقم بينة، ولم تقم عليه (قال): ولا أقول هذا، وذكر أن إحدى البينتين لا تكون أبدا إلا كاذبة من قبل أن الدابة لا تنتج مرتين. قلنا فإن زعمت أن إحداهما كاذبة بغير عينها فكيف أبطلت إحداهما، وأحققت الأخرى فأنت لا تدري لعل التي أبطلت هي الصادقة، والتي أحققت هي الكاذبة فقل ما أحببت (قال): فإن قلت هذا لزمني ما قلت، ولكني أسألك. قلت بعد قطعك الجواب قال أسألك قلت: فسل قال أفيخالف الحديث الذي رويتموه في النتاج الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه؟» قلنا: لا قال فمن المدعي، ومن المدعى عليه؟ قلت: المدعى عليه كل من زعم أن شيئا له كان بيديه أو بيدي غيره لأن الدعوى معقولة في كلام العرب أنها
قول الرجل هذا لي، والمدعى عليه كل من زعم أن قبله حقا في يديه أو ماله أو قوله لا ما ذهبت إليه.
(قال): فما يدل على ما قلت؟ قلنا ما لا أحسب أحدا يجهله من اللسان (قال): فما قوله «البينة على المدعي» قلنا السنة في النتاج، وإجماع الناس أن ما ادعى مما في يديه له حتى تقوم عليه بينة بخلافه يدلان على أن قوله «البينة على المدعي» يعني الذي لا سبب له يدل على صدقه إلا دعواه، واليمين على المدعى عليه لا سبب يدل على صدقه إلا قوله.
(قال): فأين هذا؟ قلنا من قال لرجل لي في يديك مال ما كان أو عليك حق قلته أو فعلته فقال مالك قبلي، ولا علي حق أليس القول قوله مع يمينه؟ قال: بلى قلنا فهذا يدلك على أن المدعي للبراءة مما ادعي عليه، والمال في يديه هو الذي لا يكلف بينة، وإن كان مدعيا أو يكلف الذي لا سبب له بدعواه البينة أرأيت لو كان هذا حين ادعى البراءة مما ادعي عليه، وادعى الشيء الذي في يديه، وله سبب يدل على صدقه يكلف بينة أما كان الحق لازما له إلا ببينة يقيمها؟ قال فإن قلت هو المدعى عليه أليس هو المدعي؟ قلنا فإذا كان مدعى عليه لم تقبل منه بينة؟ قال نعم قلنا فإن أقام بينة ببراءة من حق دفعه أو بطل عنه بغير وجه الدفع أتقبلها منه؟ قال نعم، وأجعله حينئذ مدعيا قلنا فهو إذا قد يكون في الشيء الواحد مدعيا مدعى عليه، وليس هو هكذا زعمت
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تداعى الرجلان الشيء، وهو في يد أحدهما دون الآخر فأقاما معا عليه بينة فالبينة بينة الذي هو في يديه إذا كانت البينة مما يقضى بمثله مثل شاهد وامرأتين أو شاهدين فأقام الآخر عشرة وأكثر فسواء لأنا نقطع بهؤلاء كما نقطع بهؤلاء، وسواء كان بعضهم أرجح من بعض لأنا نقطع بالأدنيين إذا كانوا عدولا مثل ما يقطع بالأعليين ألا ترى أنا لا ننقص صاحب الأدنيين لو أقامهما على الانفراد عما يعطى صاحب الأعليين لو أقامهما على الانفراد؟ فإذا كان الحكم بهم واحدا فسببهما من جهة البينتين مستو، وقال في الإبل، والبقر، وجميع الدواب الضواري المفسدة للزرع أنه لا حد، ولا نفي على بهيمة، وقد قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما أفسدت المواشي أنه ضامن على أهلها، وقضى على أهل الأموال بحفظها بالنهار، وقضاؤه عليهم بالحفظ لأموالهم بالنهار إبطال لما أصابت في النهار، وتغريم لما أصابت في الليل، وفي هذا دلالة على أنها لا تباع على أهلها، ولا تنفى من بلدها، ولا تعقر، ولا يعدى بها ما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم -
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر الرجل للرجل بشيء ما كان من ذهب أو فضة أو عرض من العروض فوصل إقراره بشيء من الكلام من معنى الإقرار بصفة لما أقر به أو أجل فيما أقر به فالقول قوله في أول الكلام وآخره، وذلك مثل أن يقول له علي ألف درهم سوداء أو طبرية أو يزيدية أو له علي عبد من صفته أو طعام من صفته أو ألف درهم تحل في سنة أو سنتين فالقول قوله في هذا كله لأني إذا لم أثبت عليه من هذا شيئا إلا بقوله لم يجز أن أجعل قولا واحدا أبدا إلا حكما واحدا لا حكمين. ومن قال أقبل قوله في الدراهم، وأجعل ذكره الأجل دعوى منه لا أقبلها إلا ببينة لزمه أن يقول إذا أقر بألف درهم كانت نقد البلد الذي أقر به فإن أقر به فإن وصل إقراره بأن يقول طبرية جعلته مدعيا لأنه قد نقص من وزن ألف درهم، ومن أعيانها، وإن أقر بطعام فزعم أنه طعام حولي جعلت عليه طعاما جديدا، ولزمه أن يقول لو قال له علي ألف درهم إلا عشرة يلزمه ألف، ويبطل الثنيا، ولزمه لو قال امرأته طالق ثلاثا إلا واحدة أن يقع الثلاث، ويبطل الثنيا في الواحدة، ولزمه لو قال رقيقي أحرار إلا واحدا أن يكونوا أحرارا، ويبطل الثنيا، ولكنه لو قال علي ألف درهم ثم سكت وقطع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (277)
صــــــــــ 257 الى صـــــــــــ 262
الكلام ثم قال إنما عنيت ألف درهم إلا عشرة ألزمناه إقراره الأول، ولم نجعل له الثنيا إذا خرج من الكلام، ولو جعلناه له بعد خروجه من الكلام وقطعه إياه جعلناه له بعد أيام، وبعد زمان، وإن قال لك علي ألف درهم من ثمن متاع بعتنيه أو وديعة أو سلف، وقال إلى أجل فسواء، وهي إلى الأجل إلا في السلف فإن السلف حال، الوديعة حالة فلو أن رجلا أسلف رجلا ألف درهم إلى سنة كانت حالة له متى شاء أن يأخذ السلف لأن السلف عارية لم يأخذ بها المسلف عوضا فلا يكون له أخذها قبل ما شرط المسلف فيها، وهكذا الوديعة، وجميع العارية من المتاع، وغيره فلصاحبه أخذه متى شاء، وسواء غر المعار أو المسلف من شيء أو لم يغره إلا أن الذي يحسن في هذا مكارم الأخلاق، وأن يفي له فأما الحكم فيأخذها متى شاء، وإذا كان للرجل على الرجل الدين إلى أجل من الآجال قريب أو بعيد فأراد الذي عليه الدين السفر، وسأل الذي له الدين أن يحبس عن سفره، وقال سفره بعيد، والأجل قريب أو يؤخذ له كفيل أو رهن لم يكن ذلك له، وقيل إذا حل الأجل طلبته حيث كان أو ماله فقضى لك فيه من يرى القضاء على الغائب، ومالك حيث وضعته، وكما وضعته لا يحيله عما تراضيتما به خوف ما لا يدري يكون أو لا أنت ترضى أن تكون أعطيته إياه لا سبيل لك عليه فيه إلى الأجل ثم نجعل لك عليه السبيل قبل الأجل، ولسنا نعطي بالخوف ما لم يكن لما أعطيته، ولا ترضى ذمته، ونأخذ لك مع ذمته رهنا، وجميلا به، وكذلك لو بعته متاعا إلى أجل فلم تدفعه إليه حتى تعلم أنه غير مليء جبرناك على دفعه إليه، ولم نفسخ بينكما البيع حتى يحل الأجل فيكون مفلسا لأنه قد يمكن أن يوسر قبل الأجل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل على المرأة أنه تزوجها بولي وشهود ورضاها أحلفت فإن حلفت لم أثبت عليها النكاح، وإن نكلت رددنا عليه اليمين فإن حلف ثبت النكاح، وإن لم يحلف لم يثبت، وكذلك لو كانت هي المدعية للنكاح عليه لم أحلفها حتى تزعم أن العقد كان صحيحا برضاها، وشاهدي عدل وولي فإن زعم أن العقد نقص من ذا لم أحلفها، وذلك أنهما لو عقدا هذا ناقصا فسخت النكاح فلا أحلفها على أمر لو كان فسخته، وكذلك هو في جميع هذا
(قال الشافعي): - رضي الله عنه - وإذا أقر الرجل أنه أعتق عبده على ألف أو أقل أو أكثر سئل فإن قال جعلته حرا إن أدى إلي ألفا قيل للعبد إن شئت فأد إليه ألفا، وأنت حر، وإن شئت لا تؤدي لم يكن لك حرية فإن ادعى العبد أنه أعتقه عتقا بتاتا على غير شيء أحلفنا السيد فإن حلف بريء، وإن نكل ردت اليمين على العبد فإن حلف عتق، وإن قال السيد أعتقته عتق بتات، وضمن لي بالعتق مائة دينار أثبتنا عليه العتق، وجعلناه مدعيا في المائة إنما نجعل القول قوله إذا زعم أنه لم يوقع العتق، وأنه جعله لشيء أراده لأنه لم يقر فيه بحرية متقدمة، وإنما أقر بحرية تقع فإن قبلها العبد وقعت، وإن لم يصدقه لم تقع كما زعمنا في المسألة الأولى، ولو قال بعته نفسه بألف درهم فإن صدقه العبد فهو حر، وعليه ألف درهم، وإن ادعى العتق، وأنكر الألف فهو حر، والسيد مدع، وعلى العبد اليمين (قال الربيع) وفيه قول آخر أن بيع العبد من نفسه باطل فإن أعطاه المائة عتق بالصفة إذا كان قال له إن أعطيتني مائة فأنت حر، ولم يعتق بسبب البيع لأنه غير مبيع
(قال الشافعي): - رحمه الله - وكذلك لو قال كاتبته على ألف، وادعى العبد أنه أعتقه فإن قال قائل كيف تصيره رقيقا، وهو
يقدر على أن يعتق بشيء يفعله، وهو لو أعتقه سيده فقال لا أقبل العتق كان حرا، ولم نجعل له الخيار في أن يكون رقيقا؟ قيل له إن شاء الله تعالى كل ما أقر به السيد أنه قد وقع به عتق ماض لم يرد العتق الماضي كقوله بعتك من رجل وأعتقك فيكون حرا، ولا يكون على الرجل ثمنه إلا أن يقر به، وما زعم أن العتق يقع فيه مستأنفا بشيء يؤديه العبد أو يفعله لم يقع العتق إلا بأن يوفيه العبد أو يفعله كقوله للعبد أنت حر إن أعطيتني درهما أو إن دخلت الدار أو إن مسست الأرض أو إن أكلت هذا الطعام فإن فعل من هذا شيئا كان حرا، وإن لم يفعله كان رقيقا، وكانت المشيئة فيه إلى العبد، وللسيد أن يرجع فيبيعه، ويبطل ما جعله له لأن العتق إنما يثبت له إذا فعل شيئا فكلما لم يفعله فهو خارج من العتق، وعلى أصل الملك، وكل هذا مخالف للكتابة لأنه في الكتابة يملك ماله الذي يكون به حرا إلى وقته فالمكاتب زائل في هذا الموضع عن حكم العبد، وإن كان قال له شيئا من هذا فوقت وقتا فقال إن فعلته قبل الليل أو قبل أن نفترق من المجلس ففعله العبد قبل أن يحدث السيد فيه بيعا أو شيئا يقطع اليمين فهو حر، وإن فعله بعد الوقت لم يكن حرا، وإن لم يوقت فمتى فعله العبد كان حرا، وإن قال لا أفعل ثم فعله كان حرا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا مات لرجل شاة أو بعير أو دابة فاستأجر من يطرحها بجلدها فالإجارة فاسدة فإن تراجعا قبل طرحها فسخناها، وإن طرحها جعلنا له أجر مثله، ورددنا الجلد إن كان أخذه على مالك الدابة الميتة فإن قال قائل، ومن أين تفسد؟ قيل من وجهين أحدهما أن جلد الميتة لا يحل بيعه ما لم يدبغ فالإجارة لا تحل إلا بما يحل بيعه، ومن قبل أنه لو كان جلد ذكي لم يحل بيعه، وهو غير مسلوخ من قبل أنه قد يتلف، ويعاب في السلخ، ويخرج على غير ما يعرف صاحبه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعت الأمة على سيدها أنها أم ولد له أحلف السيد لها فإن حلف كانت رقيقا، وإن نكل أحلفت فإن حلفت كانت أم ولد، وإن لم تحلف كانت رقيقا له، وكذلك الرجل يدعي على الرجل الحر أنه عبده أحلفه له أيضا مثل أم الولد سواء، وكذلك كل ما ورد عليك من هذه الأشياء فهو هكذا قلت أرأيت بيع العذرة التي يزبل بها الزرع قال لا يجوز بيع العذرة ولا الروث ولا البول كان ذلك من الناس أو من البهائم، ولا شيئا من الأنجاس، وليس شيء من الحيوان بنجس ما كان حيا إلا الكلب والخنزير فهذان لما لزمتهما النجاسة في الحياة لم تحل أثمانهما (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا ابن أبي يحيى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يشترط على الذي يكريه أرضه أن لا يعيرها، وذلك قبل أن يدع عبد الله الكراء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تباع عظام الميتة. ولو أوقدتها تحت قدر أو غيرها لا أعلم تحريما لأن يؤكل ما في القدر، ولا يستمتع من الميتة بشيء إلا الجلد إذا دبغ، ولولا الخبر في الجلد ما جاز أن يستمتع به، وإن كان معقولا في الجلد أن الدباغ يقلبه عن حاله التي كان بها إلى حال غيرها فيصير يصب فيه الماء فلا يفسد الماء، وتذهب عنه الرائحة، وينشف الدباغ فضوله والعظم والشعر بحالهما لا دباغ لهما يغيرهما، ويقلبهما كما يقلب الجلد والصوف مثل الشعر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو وجب لرجل على رجل قصاص في قطع يد أو جرح غيره أو نفس هو وليها فقال الذي له القصاص قد صالحتك مما لي عليك من القصاص على أرشه، وقال الذي عليه القصاص ما صالحتك والقصاص لك فإن شئت فخذه، وإن شئت فدعه، قلنا للمدعي الصلح أنت في أصل ما كان لك كنت غنيا عن الصلح لأن أصل ما وجب لك الخيار بين أن تقتص وبين أن تأخذ الأرش مكانك حالا في مال
الجاني، وتدع القصاص فلا يبطل ذلك لك بقولك صالحتك، ولكن من زعم أنه كان له القصاص، ولم يكن له إلا القصاص، ولم يكن له أن يأخذ ما لا أبطل القصاص عن الذي وجب عليه القصاص بأن المدعي زعم أنه قد أبطل حقه فيه إذ قال قد عفوته على مال، وأنكر الذي عليه القصاص المال فعليه اليمين، وإذا أقام البينة على الشيء في يدي الرجل فسأل المقام عليه البينة الحاكم أن يحلفه له مع بينته لم يكن له إحلافه مع البينة إذا كان اثنان فصاعدا، فإن قال قد علم غير ما شهدت به بينته من أنه قد أخرجه إلى من ملكه بوجه من الوجوه أو قد أخرجه إلى من أخرجه إلي فعليه اليمين لأن هذه دعوى غير ما قامت به البينة لأن البينة قد تكون صادقة بأنه له بوجه من الوجوه، ويخرجه هو بلا علم البينة فتكون هذه يمينا من غير جهة ما قامت عليه البينة فإذا شهد شاهدان لرجل أن هذه الدار داره مات، وتركها ميراثا، وورثه فلان وفلان لا وارث له غيرهما فالشهادة جائزة، وقد كان ينبغي أن يتوقيا فيقولان لا نعلمها خرجت من يده.
ولا نعلم له وارثا لأنه قد يمكن أن تكون خرجت من يديه بغير علمهما، ويدعي وارثا بغير علمهما غير من سميا فإنما أجزنا الشهادة على البت، وقد يمكن خلافه بمعنى أن البت فيها هو العلم، وذلك أنه لا يعلم هذا شاهد أبدا، ولا ينبغي في هذا غير هذا، وإلا تعطلت الشهادات ألا ترى أني قبلت قول الشاهد إن هذه الدار داره لم يزد على هذا فقد يمكن أن تكون غير داره بكل وجه بأن يخرجها هو من ملكه أو يكون ملكها عن غير مالك أو غصبها ألا ترى أني أجيز الأيمان على الأمر قد يمكن غيره في القسامة التي لم يحضرها المقسم، وفي الحق يكون لعبد الرجل وابنه، ويجيزها من خالفنا على البت فيحلف الرجل لقد باع هذا العبد بريئا من الإباق، وبريئا من العيوب، وقد يمكن أن يكون أبق بغير علمه، ويكون عنده هذا العيب بغير علمه، وأقبل الشهادة على البت والعلم معا، ومعنى البت معنى العلم إذا كان لا يمكن في البت إلا العلم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وللرجل أن يكري داره، ويؤاجر عبده يوما وثلاثين سنة لا فرق بين ذلك وذلك أنه إذا كان مسلطا على أن يخرج رقبة داره، ورقبة عبده إلى غيره بعوض، وغير عوض لم يكن ممنوعا أن يخرج إليه منفعتهما ومنفعتها أقل من رقابهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا أقر الرجل لقوم أن أباهم كان أسلفه مالا، وأنه قد قضاه والدهم أو الرجل يقر بالدين للرجل عليه عند القوم على وجه الشكر للذي أسلفه يحمده بذلك أنه قد أقرضه، وقضاه قال الربيع لم يجئ بالجواب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار بعشرين دينارا على أن الدار إن احتاجت إلى مرمة رمها المكتري من العشرين الدينار قال أكره هذا الكراء من قبل شيئين أحدهما أن يكون المكتري أمين نفسه إن أراد المكري أن يرمها، ويمنع المكتري أن يرمها كان لم يف له بشرطه، وإن جبرت المكري على أن يرمها المكتري كان قد يرمها بالقليل والكثير، ولم يعقد له وكالة على شيء يعرفه بعد ما كان، والوجه الآخر أنها قد تحتاج إلى مرمة لا يضر بالساكن تركها، وإنما يلزم رب الدار مرمة ما يضر بالساكن تركه فإن وقع الكراء على هذا فسخناه قبل السكن وبعده، وقبل النفقة وبعدها فإن أنفق فيها أقل من عشرين دينارا كان القول قوله مع يمينه، فإن بلغ العشرين أو زاد عليها فهو متعد فإن كان أدخل فيها ما ليس منها قيل له انقضه فأخرجه إن شئت، وإن شئت فدعه، وعليه كراء مثل الدار إذا سكن
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل دارا في يدي رجل فأقام البينة أنها دار أبيه كان أصح للبينة أن تشهد أنه مات وتركها ميراثا فإن لم يشهدوا بها، وشهدوا أنها دار أبيه كان يملكها لا يزيدون على ذلك قضينا لأبيه، ولا ندفع إليه ميراثه، وإن كان أبوه حيا تركنا الدار في يدي الذي هي في يديه حتى يوكل أو يحضر فينظر ما يقول، فإن مات أبوه أو كان يوم شهدت البينة ميتا كلفنا ابنه
البينة على عدد ورثته ثم قضينا بها لهم على قدر مواريثهم فإن جاء بالبينة أن أباه مات، ولم يأت بالبينة على عدد ورثته وقفناها، وعرفنا غلتها حتى تعرف ورثته فإن ادعوها دفعناها إليهم وغلتها فإن ادعاها بعضهم، وكذب بعضهم الشهود رددنا حصة من أكذب الشهود من الدار والغلة، وأنفذنا حصة من ادعى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال رجل من دخل المسجد فهو ابن الفاعلة فبئس ما قال، ولا حد عليه، ولو كان المسجد جامعا يصلي فيه انبغى أن يعزر، وإنما منعنا من حده أنه لم يقصد قصد أحد بعينه بفرية، وأنه قد يمكن أن لا يدخل المسجد من له حد فرية، وهكذا لو قال من رماني بحجر أو شتمني أو أعطاني درهما أو أعانني فهو ابن كذا وكذا لم يكن في هذا حد، وإنما قلت هذا من قبل أنه قال من فعل بي من قبل أن يفعل به، وهذا قياس على العتق قبل الملك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن أصيب رجل برمية فشجه موضحة فقال من رماني فهو ابن كذا لفرية فقال رجل أنا رميتك صدق على نفسه، وكان عليه أرش الشجة أو القصاص فيها إن كان عمدا أو الأرش إن كان خطأ، ولا يصدق على الذي افترى عليه إن قال المفتري المشجوج ما قصدت قصد هذا بفرية، ولا علمته رماني، وإذا أقر لي بأنه شجني فأنا آخذ منه أرش شجتي، وإن قال قد علمت حين رماني أنه رماني فافتريت عليه بعد العلم لم آخذ منه حقه في الشجة، ولا حد له، فإن قال قائل لم لا تحده وقد كان الكلام بعدما كان الفعل؟ قيل إن الكلام كان غير مقصود به القذف، وقد قال الله تبارك وتعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} فكان بينا أن المأمور بجلده ثمانين هو من قصد قصد محصنة بقذف لا من وقع قذفه على محصنة بحال، ألا ترى أنه لو كان يحد من كان لم يقصد قصد القذف إذا وقع القذف بمثل ما تقع به الأيمان فقال قائل إن كان خرج رجل من الكوفة ثم قدم عليها الساعة فهو ابن كذا فقدم تلك الساعة رجل حر مسلم كان عليه الحد من قبل أن القذف كان بعد خروجه من الكوفة، وكان القدوم بعده، والقدوم لا يكون إلا والخروج متقدم له قبل الكلام بالقذف، وهذا لا حد عليه من قبل أنه يمكن أن لا يقدم في تلك الساعة، وأنه لم يقصد قصده بقذف، ولو كان الحد يقع بما تقع به الأيمان كان الرجل لو قال: غلامي حر إن ضربني أو إن أطاعني أو إن عصاني ففعل من هذا شيئا كان حرا، ولو قال من ضربني فهو ابن كذا فضربه رجل لم يكن عليه حد، ولا يجوز فيه، والله تعالى أعلم إلا ما قلت من أنه إنما يكون الحد على من قصد قصد أحد بالفرية أو يكون الحد على من وقعت فريته بحال كما تقع الأيمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تجوز شهادة النساء مع الرجال ولا منفردات إلا في موضعين أن يشهدن على مال لا غيره مع رجل أو يشهدن على ما يغيب من أمر النساء منفردات فإن شهدت امرأتان مع رجل أنهما سمعتا فلانا يقر بأن هذا ابنه لم تجز شهادتهن لأن هذا لا يثبت به مال إلا وقد تقدمه ثبوت نسب، وليس تجوز شهادتهن على الأنساب، ولا في موضع إلا حيث ذكرت، وإذا لم يثبت له النسب لم نعطه المال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل البينة أن هذه الدار التي في يدي هذا الرجل دار أبيه مات حرا مسلما، وتركها ميراثا غير أنا لا نعرف كم عدد ورثته، ونشهد أن هذا أحدهم قضينا بها للميت على الذي هي في يديه لأنا نقضي للميت بمحضر الوارث الواحد، ونقف حق الغيب حتى يأتوا أو يوكلوا أو يموتوا فتقوم ورثتهم مقامهم، ونقف هذه الدار ونستغلها، ولا نقضي لهذا الحاضر منها بشيء لأنا لا ندري أحصته منها الكل أو النصف
أو جزء من مائة جزء أو أقل، ولا يجوز أن يكون نعطيه شيئا، ونحن لا ندري لعله ليس له، وإن قامت بينة أعطيناه بما شهدت به البينة، وسلمنا له حصته من الغلة والدار فإن لم تقم بينة كان ذلك موقوفا، وسواء طال الزمان في ذلك أو قصر فإن قال قائل أفرأيت الرجل يموت وعليه الدين فتحضر غرماؤه فيثبتون على ديونهم، ويحلفون، وتصح في دينه كيف تقضي لهؤلاء، وأنت لا تدري لعل له غرماء لهم أكثر مما لهؤلاء فلا يصيب هؤلاء مثل ما تقضي لهم فإن جاء غيرهم من غرمائه أدخلتهم عليهم؟ قيل لافتراق الدين والميراث، فإن قال قائل فأين افتراقهما؟ قيل الدين في ذمة من عليه الدين حيا كان أو ميتا يجب في الحياة مثل الذي يجب في الوفاة، ولا يخرج ذو الدين حيا كان أو ميتا فيما بينه وبين الله عز وجل، ولا في الحكم إلا أن يؤدي دينه، ولو كان حيا فدفع إلى أحد غرمائه دون غيره من غرمائه كان ذلك جائزا للمدفوع إليه لأن أصل الدين في ذمته، وأهل الدين أحق بمال ذي الدين حيا كان أو ميتا منه ومن ورثته بعده، والدين مطلق كله لا بعضه في ذمته، والورثة ليسوا يستحقون، وذو المال على شيء، وإنما نقل الله عز وجل إليهم ما كان الميت مالكا الفضل عن الدين، وأدخل عليهم أهل الوصايا فإن وجدوا فضلا ملكوا ما وجدوا بما فرض الله عز وجل لهم لا بشيء كان في ذمة الميت، وإن لم يجدوا لم يكن في ذمة الميت لهم شيء، ولم يكن آثما بأن لم يجدوا شيئا، ولا متبوعا كما يكون متبوعا بالدين فلما لم يكن لهم في ذمة الميت شيء يتبع به بكل حال، وكان إنما فرض لهم شيء لا يزادون عليه، ولا ينقصون منه، إنما هو جزء مما وجدوا قل أو كثر فلم يكن ثم أصل حق يعطون به إلا على ما وصفت لم يجز لهم أن يكون الملك منقولا إلى واحد منهم إلا وملكه معروف، وإن ورد هذا على الحاكم كشفه، وكتب إلى البلد الذي انتوى به الميت، وطلب له وارثا، فإن لم يجده فإنما ماله موقوف فندعوا الطالب لميراثه بثقة كمن يرضى هو أن يقف الأموال على يديه فإذا ضمن عنه ما دفع إليه دفعه إليه، ولم يكن هذا ظلما لغائب إن جاء، ولا حبسا عن حاضر، وإذا كان المال مضمونا على ثقة كان خيرا للغائب من أن يكون أمانة عند ثقة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل البينة أن أباه مات وترك هذه الدار، وأنه لا وارث لأبيه غيره قضى له بالدار، ولم يؤخذ منه بذلك كفيل، والله تعالى الموفق.
باب الدعوى في البيوع
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا باع الرجل من الرجل عبدا أو شيئا ما كان بيعا حراما، وقبض المبتاع ما اشترى فهلك في يديه كان عليه رد قيمته، وذلك أن البائع لم يدفعه إليه إلا على عوض يأخذه منه فلما كان العوض غير جائز كان على المبتاع رد ما أخذ لأنه لم يسلم للبائع العوض، ولم يكن أصله أمانة، ولو باعه عبدا على أن المبتاع بالخيار فقبضه المبتاع فمات في يديه قبل أن يختار البيع أو يمضي أجل الخيار كان عليه أن يرد القيمة فإن قال قائل هل تم البيع بينهما، وفيه خيار؟ قيل كان أصل البيع حلالا لو أعتقه المشتري جاز عتقه أو كانت أمة حل له وطؤها، ولو أراد بيعها كان له، وكان مالكا صحيح الملك إلا أن له إن شاء رد الملك بالشرط، ولم يكن أخذه أمانة، ولا أخذه إلا على أن يوفي البائع ثمنه أو يرد إليه عبده، ولم يكن أخذه على محرم من البيوع فلما لزم الآخذ للعبد على المحرم أن يرد القيمة
لأنه لم يعط العبد أمانة ولا هبة، ولم يعطه إلا بعوض فلما لم يستحق العوض كان على المبتاع رده إن كان حيا، وقيمته إن كان ميتا كان المشتري على الخيار في هذا المعنى في أنه لم يدفع أمانة، ولا هبة إلا بعوض يسلم للبائع فلما لم يسلم له كان على القابض له رده حيا، ورد قيمته ميتا، وكان يريد أن أصل البيع والثمن كان حلالا فكيف يبطل ثمن الحلال، ويثبت ثمن الحرام؟ وهكذا لو كان البائع بالخيار أو كان الخيار لهما معا من قبل أن البائع لم يسلم قط عبده إلا على أن يرجع إليه أو ثمنه، وإنما منعنا أن نجعل له الثمن لا القيمة من قبل أنه شرط فيه شيئا فلما كان له فسخ البيع لم يكن الثمن لازما بكل حال فلما لم يكن لازما بكل حال ففات رددناه إلى القيمة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان لرجل زوجة، وابن منها، وكان لزوجته أخ فترافعوا إلى القاضي فتصادقوا على أن الزوجة والابن قد ماتا، وتداعيا فقال الأخ مات الابن ثم ماتت الأم فلا ميراث لها مع زوجها، وقال الزوج بل ماتت المرأة فأحرز ابني معي ميراثها ثم مات ابني فلا حق لك في ميراثه، ولا بينة بينهما فالقول قول الأخ مع يمينه لأنه الآن قائم، وأخته ميتة فهو وارث، وعلى الذي يدعي أنه محجوب البينة، ولا أدفع اليقين إلا بيقين فإن كان ابنها ترك مالا فقال الأخ آخذ حصتي من مال أختي من ميراثها من ابنها كان الأخ في ذلك الموضع هو المدعي من قبل أنه يريد أخذ شيء قد يمكن أن لا يكون كما قال فكما لم أدفع أنه وارث لأنه يقين بظن أن الابن حجبه فكذلك لم أورثه من الابن لأن الأب يقين، وهو ظن، وعلى الأب اليمين، وعلى الأخ البينة إذا حضر أخوان مسلم ونصراني فتصادقا أن أباهما مات، وترك هذه الدار ميراثا، وقال المسلم مات مسلما، وقال النصراني مات نصرانيا سئلا فإن تصادقا على أنه كان نصرانيا ثم قال المسلم أسلم بعد. قيل المال للنصراني لأن الناس على أصل ما كانوا عليه حتى تقوم بينة بأنه انتقل عما كان عليه فإن ثبت بينة بأنه أسلم، ومات مسلما كان الميراث للمسلم، وإن قال لم يزل مسلما، وقال النصراني لم يزل نصرانيا وقفنا المال أبدا حتى يعلم أو يصطلحا فإذا أقام النصراني بينة من المسلمين أنه كان نصرانيا، ومات نصرانيا كان الميراث له دون المسلم.
وإن أقام كل واحد منهما بينة على دعواه ففيها قولان أحدهما قول أهل المدينة الأول وسعيد بن المسيب يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول به، وهو قضاء مروان بالمدينة وابن الزبير، وهو يروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وهو أن يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه أحلفه، وجعل له الميراث، ومن قال هذا القول فمن حجته ما وصفت، ومن حجته أنه قياس على أن أمرهما في الدعوى والبينة والاستحقاق واحد فلما كنت لا أشك أن إحدى البينتين كاذبة بغير عينها أقرعت خبرا، وقياسا على أن رجلا أعتق مملوكين له فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وحجتهم واحدة، وعلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر ثم أقرع، وعلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرع بين نسائه فوجدته يقرع حيث تستوي الحجج ثم يجعل الحق لبعض، ويزيل حق بعض. والقول الثاني أن يجعل الميراث بينهما نصفين لأنه لا حجة لواحد منهما، ولا بينة إلا حجة صاحبه، وبينته فلما استويا فيما يتداعيان سوي بينهما، وجعله قسما بينهما، ومن حجة هذا أن يحتج بعول الفائض فيقول قد أجد في الفريضة نصفا ونصفا وثلثا فأضرب لكل واحد منهم بقدر ما قسم له فأكون قد أوفيته على أصل ما جعل له، وإن دخل النقص عليه بغيره فكذلك دخل على غيره به، ومن أراد أن يحتج على من احتج بهذا احتج عليه بأن هؤلاء قوم قد نقل الله تعالى إليهم الملك فكل صادق ليس منهم كاذب بحال.
والمشهود له بخلاف ما شهد به لصاحبه يحيط العلم بأن إحدى الشهادتين كاذبة، والعلم يحيط أن أحسن أحوال المستحق بالشهادة أن يكون أحد المستحقين بها محقا، والآخر مبطلا فإذا خرج النصف إلى أحدهما أحاط العلم بأنه قد أعطى نصفا من لا شيء له، ومنع نصفا
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (278)
صــــــــــ 263 الى صـــــــــــ 268
من كان له الكل فدخل عليه أن عمد أن أعطى أحدهما ما ليس له، ونقص أحدهما مما له فإن قال قد يدخل عليك في القرعة أن تعطي أحدهما الكل، ولعله ليس له؟ قيل فأنا لم أقصد قصد أن أعطي أحدهما بعينه إنما قصدت قصد الاجتهاد في أن أعطي الحق من هو له وأمنعه من ليس له كما أقصد قصد الاجتهاد فيما أشكل من الرأي فأعطي أحد الخصمين الحق كله، وأمنعه الآخر على غير إحاطة من الصواب، ويكون الخطأ عني مرفوعا في الاجتهاد، ولا أكون مخطئا بالاجتهاد، ولا يجوز لي عمد الباطل بكل حال إذا كنت آتيه، وأنا أعرفه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهذا مما أستخير الله تعالى فيه، وأنا فيه واقف ثم قال لا نعطي واحدا منهما شيئا يوقف حتى يصطلحا (قال الربيع) هو آخر قولي الشافعي، وهو أصوبهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تصدق الرجل على الرجل بدار أو وهبها له أو نحله إياها فلم يقبضها المتصدق بها عليه، ولا الموهوبة له، ولا المنحول فهذا كله واحد لا يختلف، ولمالك الدار المتصدق بها والواهب والناحل أن يرجع فيما أعطى قبل أن يقبض المعطى، ولا يتم شيء من هذا إلا بقول الناحل وقبض المنحول بأمر الناحل، وإن مات المنحول قبل القبض قيل للناحل أنت أحق بمالك حتى يخرج منك فإذا مات المنحول فأنت على ملكك، وإن شئت أن تستأنف فيه عطاء جديدا فافعل، وإن شئت أن تحبسه فاحبس، وهكذا كل ما أعطى آدمي آدميا على غير عوض إلا ما إذا أعطاه المالك لم يحل للمالك بما يخرج من فيه من الكلام أن يحبسه قبضه المعطى أو لم يقبضه أو رده أو لم يرده فإن قال قائل: وما هذا؟ قيل إذا أعتق الرجل عبده فقد أخرجه من ملكه، ولا يحل له أن يملكه، ولو رد ذلك العبد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا حبس الرجل على الرجل الشيء وجعله محرما لا يباع، ولا يوهب فقد أخرجه من ملكه خروجا لا يحل أن يعود فيه ألا ترى أنه لو رده عليه المحبس عليه بعد قبضه لم يكن له ملكه فلما كان لا يملكه برد المحبس عليه ولا شراء، ولا ميراث كان من العطايا التي قطع عنها المالك ملكه قطع الأبد؟ فلا يحتاج أن يكون مقبوضا، وسواء قبض أو لم يقبض فهو للمحبس عليه، والحبس يتم بالكلام دون القبض، وقد كتبنا هذا في كتاب الحبس وبيناه
وإذا ابتاع الرجل من الرجل الجارية فقبضها وولدت له ولدا ثم عدا عليه رجل فقتله فقضى عليه بعقل أو قصاص أو لم يقض ثم استحقها رجل أخذ المستحق الجارية وقيمة ولدها حين سقط، ولا يبطل القصاص إن كان لم يقتص منه، وإذا كانت دية كانت لأبيه قبضها أو لم يقبضها فإن قال قائل، ولما صارت لأبيه، والولد من الجارية، وهو للمستحق؟ قيل له إن الولد لما دخل في الغرور زايل حكم الجارية بأنها تسترق، ولا يسترق فلما لم يجز أن يجري عليه الرق لم يكن حكمه إلا حكم حر، وإنما يرث الحر وارثه، وكان سبيل رب الجارية بأن العتق كان حكم ولدها أن يأخذ قيمته من أول ما كان له حكم كما كان يأخذ قيمة الفائت من كل شيء ملكه. فإن قال قائل فهذا قد يكون غير فائت، وأنت لا ترقه قيل لما كان الأثر بما وصفنا، وقول أكثر أهل العلم والقياس أن لا يجري عليه الملك قيل حكمهم فيه حكمهم في الفائت، وإن كان غير فائت، وإن اقتص الأب من قاتل الابن قبل أن تستحق الأمة ضمن القيمة لمستحق الأمة، وكذلك إن جاء مستحق الأمة قبل القصاص فللأب أن يقتص، ويرد القيمة، ولا سبيل لسيد الأمة إلا على قيمة الابن، ولأبي الابن السبيل في ولد الأمة كما له السبيل في ولد الحرة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ضرب الرجل بطن الأمة التي غر بها الحر فألقت جنينا ميتا فمن قال جنين الرجل من أم ولده كجنين
الحرة فلأبيه فيه غرة تقوم بخمسين دينارا، وإذا جاء السيد قيل له لك قيمة ولد أمتك لو كان معروفا فلما لم يكن معروفا قيل له تقوم أمتك ثم نعطيك عشر قيمتها كما يكون ذلك في جنينها ضامنا على أبيه. فإن قال قائل أفرأيت إن كانت قيمة جنين الأمة إذا قوم بأمه أكثر من الغرة؟ قيل له، وكذلك يغرم الأب قيمته إن شاء رب الأمة ألا ترى أن الأمة لو حملت من غيره فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا كان لربها عليه عشر قيمة أمه قل ذلك أو كثر، وكذلك ذلك على المغرور لأنه كان في يديه، وكذلك ذلك عليه لو ماتت فشاء رب الأمة أن يضمنه قيمتها لأنها كانت في يديه إلا أن للمغرور الرجوع على الغار بما لزمه من الغرم بسببه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا الرجل يتزوج الأمة على أنها حرة مثل الرجل يبتاع الأمة فتستحق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل على الرجل أنه غصبه عبدا أو صار في يديه من غيره بشراء فاسد أو غير ذلك من الملك، والعبد غائب قبل القاضي البينة على الصفة والاسم والجنس، ولم يقض بالعبد حتى يحضر فيعيد البينة فيشهدون أن هذا العبد بعينه فيقضي به، وإنما قلت تقبل البينة لأن في المسألة عن تعديلهم مؤنة تسقط عن المشهود له، ولأن العبد قد يحضر فيقر الذي هو في يديه أن العبد الذي شهدوا عليه بهذه الصفة هذا العبد بعينه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجلان الشيء ليس في أيديهما، وأقام كل واحد منهما البينة على أنه له ففيها قولان أحدهما أنه يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق ثم يقضي له بها، ويقطع حق صاحبه منها. والآخر أنه يقضي به بينهما نصفين لأن حجة كل واحد منهما فيه سواء، وكان سعيد بن المسيب يقول بالقرعة، ويرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والكوفيون يروونها عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه -، وقضى بها مروان، وقضى بها الأوقص (قال الربيع) وفيه قول آخر أن الشيء إذا تداعاه رجلان لم يكن في يد واحد منهما أنه موقوف حتى يصطلحا فيه، ولو كان في أيديهما قسمه بينهما نصفين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل بينة على رجل بأرض في يديه أنها له، وعدلت البينة وكان القاضي ينظر في الحكم وقفها، ومنع الذي هي في يديه من البيع حتى يبين له الحكم لأحدهما فيقضي له بها، ويجعل الغلة تبعا من يوم شهد الشهود أنها له، وإن لم تعدل البينة، ولا واحد منها أو كانت البينة لم تقطع بما يحق الحكم للمشهود له لو عدلت تركها في يدي الذي هي في يديه غير موقوفة، ولم يمنعه مما صنع فيها، وينبغي له أن يشترط عليه أن لا يحدث فيها شيئا فإن أحدثه لم يمنعه منه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجلان الزرع في الأرض للرجل فإن زعم رب الأرض أن الزرع زرعه فالقول قوله مع يمينه، وإن زعم رب الأرض أن الزرع ليس له، وقال قد أذنت لهما أن يزرعا معا، ولا أعرف أيهما زرع، وليس في يدي واحد منهما فإن أقاما معا البينة فالقول فيها مثل القول في الرجلين يتداعيان ما ليس في أيديهما فيقيمان عليه بينة، وإن لم يقم أحدهما بينة، وأقام الآخر فهو للذي أقام البينة، وإن ذكرا معا أنه في أيديهما تحالفا، وقضى به بينهما نصفين إن كان رب الأرض يزعم أنه ليس له، وأنه قد أذن لهما بالزرع، وليس لهما فيه خصم، وهو في أيديهما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقام الرجل البينة على الأمة أنها أمته، والآخر بذلك، وأنها ولدت منه فمن قال بالقرعة أقرع بينهما فإن صارت للذي ولدت منه فهي له، ولا شيء عليه، وإن صارت للذي لم تلد منه فهي له، ويرجع على خصمه بقيمة ولده يوم ولد، وعقرها، وإن كانت المسألة بحالها غير أن الأمة هي التي أقامت البينة أنها لفلان الغائب الذي لم تلد منه وقف عنها الذي هي في يديه، ووضعت على يدي عدل حتى يحضر سيدها فيدعي فيكون خصما أو يكذب البينة فلا يكون خصما، وتكون للذي هي في يديه لأن البينة إنما
شهدت له، ومن لم يقل بالقرعة جعلها بينهما نصفين، ورد الذي ليست بيديه بنصف عقرها، ونصف قيمة ولدها يوم سقطوا، ونصف قيمتها، وجعلها أم ولد للآخر فإن قال قائل من أين جعلت لها العقر، والواطئ لم يطأها على أنه وقع عليها اسم نكاح؟ قيل لو كنت لا أجعل العقر إلا على واطئ نكح نكاحا صحيحا أو نكاحا فاسدا فلزمه قبل الوطء أنه ناكح للتي وطئ زعمت أن رجلين لو نكحا أختين فأخطئ بامرأة كل واحد منهما إلى صاحبه فأصابها لم يكن لواحدة منهما عقر، وذلك أن كل واحد من المصيبين غير ناكح للتي أصاب نكاحا صحيحا، ولا نكاحا فاسدا فلما كان لكل واحدة من هاتين المهر بالأثر استدللنا بالأثر، وما في معناه على أن المهر إنما يكون للمرأة حيث يكون الحد عنها ساقطا بأن لا تكون زانية، ومما في هذا المعنى الرجل يغصب المرأة فيصيبها فيكون عليه لها المهر، وما قلت هذا أن فيه أثرا عن أحد يلزم قوله، ولا إجماعا، ولكني وجدت المهر إنما هو للمرأة فلما كانت المرأة بهذا الجماع غير محدودة لأنها غير زانية، وإن كان الرجل زانيا جعلت لها المهر، وإن كانت أضعف حالا من الأولى لأن الأولى والواطئ غير زانيين، وواطئ المغصوبة زان فلما حكمت في المخطأ بها والمغصوبة هذا الحكم، وفي النكاح الفاسد كانت الأمة والحرة مستويتين حيثما وجب لواحدة منهما مهر وجب للأخرى لأن الله عز وجل قال {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} لم تحل أمة ولا حرة لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بصداق فإذا كانتا مجتمعتين في النكاح الصحيح والنكاح الفاسد ثم جعلنا الخطأ في الحرة، والاغتصاب بصداق كما جعلناه في الصحيح فكذلك الأمة في كل واحد منهما فمن فرق بينهما فقد فرق بين ما جمع الله عز وجل بينه وبين ما هو قياس على ما جمع الله تبارك وتعالى بينه في المهر.
باب دعوى الولد
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا تداعى الحر والعبد المسلمان، والذمي الحر، والعبد مولودا وجد لقيطا فلا فرق بين أحد منهم كما لا يكون بينهم فرق فيما تداعوا فيه مما يملكون فتراه القافة فإن ألحقوه بأحدهم فهو ابنه ليس له أن ينفيه، ولا للمولود أن ينتفي منه بحال أبدا، وإن ألحقه القافة باثنين فأكثر أو لم تكن قافة أو كانت فلم تعرف لم يكن ابن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى أيهم شاء فإذا فعل ذلك انقطعت دعوى الآخرين، ولم يكن للذي انتسب إليه أن ينفيه، وهو حر في كل حالاته بأيهم لحق لأن اللقيط حر، وإنما جعلناه حرا إذا غاب عنا معناه لأن أصل الناس الحرية حتى يعلم أنهم غير أحرار، ولو أن أحدهم قال هو ابني من أمة نكحتها لم يكن بهذا رقيقا لرب الأمة حتى يعلم أن الأمة ولدته، ولا يجعل إقرار غيره لازما له، ويكفي القائف الواحد لأن هذا موضع حكم بعلم لا موضع شهادة، ولو كان إنما حكمه حكم الشهادات ما أجزنا غير اثنين، ولا أجزنا شهادة اثنين يشهدان على ما لم يحضرا، ولم يريا، ولكنه كاجتهاد الحاكم العالم ينفذه كما ينفذ هذا، ولا يحتاج معه إلى ثان، ولا يقبل القائف الواحد حتى يكون أمينا، ولا أكثر منه حتى يكونوا أمناء أو بعضهم فإذا أحضرنا القائف والمتداعيين للولد أو ذوي أرحامهم إن كان المدعون له موتى أو كان بعض المدعين له ميتا فأحضرنا ذوي رحمه أحضرنا احتياطا أقرب الناس نسبا، وشبها في الخلق، والسن، والبلد بالمدعين له ثم فرقنا بين المتداعيين منهم ثم أمرنا القائف يلحقه بأبيه أو أقرب الناس بأبيه إن لم يكن له أب، وإن كانت معه أم أحضرنا لها نسبا في القرب منها كما وصفت ثم بدأنا فأمرنا القائف أن يلحقه بأمه لأن للقائف في الأم معنى، ولكي يستدل به على صوابه في الأب إن أصاب فيها.
ويستدل على غيره إن أخطأ فيها فخالفنا بعض الناس في القافة فقال القافة باطل فذكرنا له «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع مجززا المدلجي، ونظر إلى أقدام أسامة، وأبيه زيد، وقد غطيا وجوههما فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فحكى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة مسرورا به» فقال ليس في هذا حكم فقلنا إنه وإن لم يكن فيه حكم فإن فيه دلالة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رضيه، ورآه علما لأنه لو كان مما لا يجوز أن يكون حكما ما سره ما سمع منه إن شاء الله تعالى ولنهاه أن يعود له فقال إنك، وإن أصبت في هذا فقد تخطئ في غيره قال فهل في هذا غيره؟ قلنا نعم أخبرنا ابن علية عن حميد عن أنس أنه شك في ابن له فدعا القافة أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رجلين تداعيا ولدا فدعا له عمر القافة فقالوا قد اشتركا فيه فقال له عمر وال أيهما شئت أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان عن عمر مثل معناه أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن عروة عن عمر بن الخطاب مثل معناه قال فإنا لا نقول بهذا، ونزعم أن عمر قال هو ابنكما ترثانه، ويرثكما، وهو للباقي منكما قلت فقد رويت عن عمر أنه دعا القافة فزعمت أنك لا تدعو القافة فلو لم يكن في هذا حجة عليك في شيء مما وصفنا إلا أنك رويت عن عمر شيئا فخالفته فيه كانت عليك قال قد رويت عنه أنه ابنهما، وهذا خلاف ما رويتم قلنا، وأنت تخالف أيضا هذا قال فكيف لم تصيروا إلى القول به؟ قلنا هو لا يثبت عن عمر لأن إسناد حديث هشام متصل، والمتصل أثبت عندنا، وعندك من المنقطع.
وإنما هذا حديث منقطع، وسليمان بن يسار، وعروة أحسن مرسلا عن عمر ممن رويت عنه قال فأنت تخالف عمر فيما قضى به من أن يكون ابن اثنين قلت فإنك زعمت أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضى به إذ كان في أيديهما قضاء الأموال قال كذلك قلت.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت فقد زعمت أن الحر المسلم، والعبد المسلم، والذمي إذا تداعوا ولدا جعلته للحر المسلم للإسلام ثم زعمت أن العبد المسلم والذمي إذا تداعيا ولدا كان للذمي للحرية فزعمت أنك تجعله مرة للمدعي بالإسلام، والآخر يقضي به على الإسلام، وتجعله على الحرية دون الإسلام، وأنت تزعم أن هؤلاء لو تداعوا مالا جعلته سواء بينهم فإن زعمت أن حكمه حكم الأموال، وأن ذلك موجود في حكم عمر فقد خالفته بما وصفنا (قال): فإنا إنما قلنا هذا على النظر للمولود. قلنا، وتقول قولا لا قياسا، ولا خبرا ثم تقوله متناقضا أرأيت لو أجازوا لك أن تقوله على أن تنظر للمولود فحيث كان خيرا له ألحقته فتداعاه خليفة أو أشرف الناس نسبا، وأكثرهم مالا، وخيرهم دينا وفعالا، وشر من رأيت بعينك نفسا، ونسبا، وعقلا، ودينا، ومالا (قال): إذا أجعلهم فيه سواء؟ قلنا فلا نسمع قولك قضيت به على النظر له معنى لأنك لو كنت تثبت على النظر له ألحقته بخيرهما له.
(قال): فقد يصلح هذا، ويكثر ماله، ويفسد هذا، ويقل ماله قلنا، وكذلك يعتق العبد، ويسلم الذمي حتى يكونا خيرا من الذي قضيت له به (قال): فأين خالفته فيه في سوى هذا الموضع؟ قلت زعمت أن أبا يوسف - رحمه الله تعالى - قال: أقضي به للاثنين بالأثر، وثلاثة لأن ثلاثة في معنى اثنين فإذا كانوا أربعة فصاعدا لم أقض به لواحد منهم (قال): فهذا خطأ كله، وقد تركته. قلنا فقل ما شئت: قال فازعم أن الاثنين والثلاثة سواء فأقضي لهم به سواء قلنا كما يقضى بالمال؟ قال: نعم قلنا فما تقول إن مات المولود لمائة قيام؟ قال يرثه كل واحد منهم سهما من مائة سهم من ميراث أب لأن كذلك أبوتهم فيه. قلنا فما تقول إن مات واحد من
الآباء؟ قال فيرثه ميراث ابن كامل قلت، وكيف يكمل له ميراث ابن، وإنما له جزء من مائة جزء من أبوته فتورثه بغير الذي يورث منه، وإنما ورث المسلمون الأبناء من الآباء كما ورثوا الآباء. وكيف زعمت أنه إذا مات كان ابن تسعة وتسعين أبا ثم لم ترثه بنات الميت، ولم يكن لهن أخا، ولم يرثه بنو الميت بأنهم أخواته فكيف جعلته أبا إلى مدة، ومنقطع الأبوة بعد مدة؟ هل رأيت هكذا مخلوقا قط؟ قال اتبعت فيه عمر أنه قال هو للباقي منكما. قلنا ليس هو عن عمر بثابت كما وصفت.
ولو كان ثابتا كان أولى القولين عندك إذا اختلف فيه عن عمر أولاهما بالقياس والمعقول. والقياس والمعقول عندنا، وعندك على كتاب الله عز وجل، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر المسلمين أنه لا يكون ابن اثنين، ولا يرث اثنين بالأبوة وعمر، ولو قال ما قلت هو للباقي منكما فقطع أبوة الميت لم يورث الابن منه لأن الميراث إنما يجب بالموت. فلما كان الموت يقطع أبوة الميت كانت الأبوة منقطعة، ولا ميراث، ولو ورثه لم يورثه إلا كما كان موروثا الأب من الابن. جزءا من أجزاء لا كاملا، وقلت له، وهكذا كلما مات من المائة واحد حتى يبقى أب واحد قال نعم أفرأيت لو قال هذا من لم ينظر في علم قط فزعم أن مولودا مرة ابن مائة ومرة ابن واحد، وفرق ما بين المائة والواحد أما تقول له ما يحل لك أن تكلم في العلم لأنك لا تدري أي شيء تقول قال ما خفي علينا أن القياس ما قلتم، وأنه أحسن من قولنا، ولكنا تبعنا فيه الأثر، وليس في الأثر إلا الانقياد. قلنا فالأثر كما قلنا لأنك لا تخالفنا في أن الموصول أثبت من المنقطع، وأثرنا فيه موصول. ولو كانا منقطعين معا كان أصل قولك، وقولنا إن الحديثين إذا اختلفا ذهبنا إلى أشبههما بالقياس.
وقد خالفت عمر في حديث نفسك من حيث وصفنا مع أنك تخالف عمر لقول نفسك فيما هو ألزم لك أن تتبعه من هذا ثم عددت عليه أشياء يخالف فيها قول عمر لغير قول أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فإن لي عليك مسألة فيها قلت قد فرغنا من الذي علينا فأثبتنا لك عن عمر قولنا، وزعمت أنه القياس قال فهل لك حجة غيره؟ قلنا ما ذكرنا فيه كفاية. قال فقد قيل إن من أصحابك من يتأول فيه شيئا من القرآن. قلت: نعم زعم بعض أهل التفسير أن قول الله عز وجل {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} ما جعل الله لرجل من أبوين في الإسلام، واستدل بسياق الآية قول الله عز وجل {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} قال فتحتمل هذه الآية معنى غير هذا؟ قلنا نعم زعم بعض أهل التفسير أن معناها غير هذا قال فلك به حجة تثبت قلنا أما حتى نستطيع أن نقول هو هكذا غير شك فلا لأنه محتمل غيره، ولم يقل هذا أحد يلزم قوله. ولكنه إذا كان يحتمل، وكان معنى الإجماع أن الابن إذا ورث ميراث ابن كامل فكذلك يرثه الأب ميراث أب كامل لم يستقم فيه إلا هذا القول فإن قال قائل أرأيت إذا دعوت القافة لولد الأمة يطؤها رجلان بشبهة فإن كانت حرة فوطئت بشبهة أتدعو لها القافة؟ قلت نعم فإن قال، ومن أين؟ قلنا الخبر عن عمر أنه دعا القافة لولد امرأة ليس فيه حرة، وقد تكون في إبل أهلها، وهي حرة لأن الحرائر يرعين على أهلهن، وتكون في إبل أهلها، وهي أمة، ولو كان إنما حكم بالقافة في ابن أمة دل على أنه يحكم به في ابن الحرة فإن قال، وما يدل على ذلك؟ قلنا إذا ميزنا بين النسب والأموال فجعلنا القائف شاهدا أو حاكما أو في معناهما معا جاز أن يشهد على ابن الحرة كما يشهد على ابن الأمة، وأن يكون الحكم في ابن الحرة كهو في ابن الأمة لأنهما لا يختلفان، وكل واحد منهما ابن بوطء الحلال، ووطء الشبهة، ومنفي بوطء الزنا. أفرأيت لو لم ندع القافة لابن الحرة فوطئها رجلان بنكاح فاسد لم يعرف أيهما وطئها أولا أو ليس إن جعلناه ابنهما أو نفيناه عنهما أليس يدخل علينا ما عبناه على غيرنا في القولين معا؟ ولو علمنا أيهما كان، وطئها أولا فجعلناه له أو للآخر من
الواطئين دخل علينا أنا نقوله غير قياس، ولا خبر، وإذا كانت حجتهما في شيء واحد فلم تجعله لأحدهما دون الآخر، ولكنا لم نحكم فيه حكم الأموال، ولا حكم الأنساب، وافتعلنا فيها قضاء متناقضا لأنا إنما فرقنا بين حكم الأموال، وحكم الأنساب بالقافة، وإذا أبطلنا القافة في موضع كنا قد خرجنا من أصل مذهبنا في القافة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا التقط مسلم لقيطا فهو حر مسلم ما لم يعلم لأبويه دين غير دين الإسلام فإذا أقر به نصراني ألحقناه به، وجعلناه مسلما لأن إقراره به ليس بعلم منا أنه كما قال فلا نغير الإسلام إذا لم نعلم الكفر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقام النصراني بينة من المسلمين أنه ابنه ولد على فراشه ألحقناه به، وجعلنا دينه دين أبيه حتى يعرب عن نفسه لأن هذا علم منا بأنه مولود على فراشه، وأن التقاط من التقطه إنما هو كالضالة التي يجدها الرجل فإن أقام البينة أبوه عليه بعد عقله الإسلام ووصفه إياه جعلناه ابنه، ومنعناه من أن ينصره حتى يبلغ فيتم على الإسلام فنلحقه بالمسلمين، ونقطع عنه حكم أهل الذمة فإن بلغ فامتنع من الإسلام لم يكن من المرتدين الذين نقتلهم لأنه لم يصف الإسلام بعد البلوغ، وبعد وجوب ما أقر به على نفسه للناس، ولله عز وجل من الحقوق ألا ترى أنه لو كان ابن مسلم فارتد قبل البلوغ لم أقتله حتى يبلغ فيثبت على الردة، ولو زنى قبل البلوغ أو قذف لم أحده، وإنما تجب عليه الحدود والإقرار للناس إذا أقر بعد البلوغ، ولكني أحبسه وأخيفه رجاء رجوعه إلى الإسلام
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا التقط المنبوذ، ومعه مال فينبغي له أن يرفعه إلى القاضي، وينبغي للقاضي إن كان الذي التقطه ثقة لماله أن يوليه إياه، ويأمره ينفق عليه بالمعروف، وإن كان غير ثقة لماله فليدفع ماله لغيره، ويأمر ذلك الذي دفع إليه ماله بالنفقة عليه بالمعروف.
وإن لم يكن له مال فينبغي لوالي المسلمين أن ينفق عليه فإن لم يفعل فشاء الذي هو في يديه أن يأمره القاضي بالنفقة عليه، وأن تكون النفقة دينا على المنبوذ إذا بلغ وثاب له مال فعل، وإن لم يفعل الذي التقطه، ولا مال له، وأنفق عليه فهو متطوع بالنفقة، ولا يرجع بشيء منها عليه بعد بلوغ، ويسر، ولا قبله، وسواء وجد المال مع اللقيط أو أفاده بعد التقاطه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا يجوز على الولادة ولا شيء مما تجوز فيه شهادة النساء مما يغيب عن الرجال إلا أربع نسوة عدول من قبل أن الله عز وجل حيث أجاز الشهادة انتهى بأقلها إلى شاهدين أو شاهد وامرأتين فأقام الثنتين من النساء مقام رجل حيث أجازهما فإذا أجاز المسلمون شهادة النساء فيما يغيب عن الرجال لم يجز والله أعلم أن يجيزوها إلا على أصل حكم الله عز وجل في الشهادات فيجعلون كل امرأتين يقومان مقام رجل، وإذا فعلوا لم يجز إلا أربع. وهكذا المعنى في كتاب الله عز ذكره، وما أجمع المسلمون عليه أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في شهادة النساء على الشيء من أمر النساء لا يجوز فيه أقل من أربع، وقد قال غيرنا تجوز فيه واحدة لأنه من موضع الأخبار كما تجوز الواحدة في الخبر لا أنه من موضع الشهادة، ولو كان من موضع الشهادات ما جاز عدد من النساء -، وإن كثرن - على شيء فقيل لبعض من قال هذا فبأي شيء احتجت إلى خبر واحدة أبشهادة أو غير شهادة؟ قال بشهادة على معنى الأخبار فقيل له، وكذلك شاهدان، وأكثرهما شاهدان على معنى الأخبار قال، ولا تجوز شهادات النساء منفردات في غير هذا قيل نعم، ولا رجل وامرأتين إلا في خاص، ولا تجوز على الحدود، ولا على القتل فإن كنت أنكرت أن يكن غير توأم إلا في موضع فكذلك يلزمك في رجل، وامرأتين أنهما غير تامين، وكذلك يلزمك في رجلين لأنهما غير تامين في الشهادة على الزنا، وكذلك يلزمك في شهادة أهل الذمة بخبرها أنها غير تامة على مسلم فإذا كانت الشهادة كلها خاصة ما لم تتم الشهود أربعة فكيف إذا كانت الشهادة على ما يغيب عن الرجال
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (279)
صــــــــــ 269 الى صـــــــــــ 274
خاصة لم نصرفها إلى قياس على حكم الله وإجماع المسلمين، ولا يقبل فيها من العدد إلا أربعا تكون كل ثنتين مكان شاهد؟ قال فإنا روينا عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه أجاز شهادة القابلة، وحدها قلت لو ثبت عن علي - رضي الله تعالى عنه - صرنا إليه إن شاء الله تعالى ولكنه لا يثبت عندكم، ولا عندنا عنه، وهذا لا من جهة ما قلنا من القياس على حكم الله، ولا من جهة قبول خبر المرأة، ولا أعرف له معنى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ابتاع الرجل من الرجل بيعا ما كان على أن له الخيار أو للبائع أو لهما معا أو شرط المبتاع أو البائع خيارا لغيره، وقبض المبتاع السلعة فهلكت في يديه قبل رضا الذي له الخيار فهو ضامن لقيمتها ما بلغت قلت أو كثرت من قبل أن البيع لم يتم قط فيها، وأنه كان عليه إذا لم يتم البيع ردها، وكل من كان عليه رد شيء مضمونا عليه فتلف ضمن قيمته فالقيمة تقوم في الفائت مقام البدل، وهذا قول الأكثر ممن لقيت من أهل العلم والقياس والأثر، وقد قال قائل من ابتاع بيعا، وقبضه على أنه بالخيار فتلف في يديه فهو أمين كأنه ذهب إلى أن البائع سلطه على قبضه، وإلى أن الثمن لا يجب عليه إلا بكمال البيع فجعله في موضع الأمانة، وأخرجه من موضع الضمان، وقد روي عنه في الرجل يبتاع البيع الفاسد، ويقبضه ثم يتلف في يديه أنه يضمنه القيمة، وقد سلط البائع المشتري على القبض بأمر لا يوجب له الثمن، ومن حكمه، وحكم المسلمين أن هذا غير ثمن أبدا فإذا زعم أن ما لا يكون ثمنا أبدا يتحول فيصير قيمة إذا فات ما فيه العقد الفاسد فالمبيع يشتريه الرجل شراء حلالا، ويشترط خيار يوم أو ساعة فيتلف أولى أن يكون مضمونا لأن هذا لو مرت عليه ساعة أو اختار المشتري إنفاذه نفذ لأن أصله حلال، والبيع الفاسد لو مرت عليه الآباد أو اختار المشتري والبائع إنفاذه لم يجز فإن قال إن البائع بيعا فاسدا لم يرض أن يسلم سلعته إلى المشتري وديعة فتكون أمانة، وما رضي إلا بأن يسلم له الثمن فكذلك البائع على الخيار ما رضي أن يكون أمانة، وما رضي إلا بأن يسلم له الثمن فكيف كان في البيع الحرام عنده ضامنا للقيمة إذ لم يرض البائع أن يكون عنده أمانة، ولا يكون ضامنا في البيع الحلال، ولم يرض أن يكون أمانة، وقد روى المشرقيون عن عمر بن الخطاب أنه سام بفرس، وأخذها بأمر صاحبها فشار إليه لينظر إلى مشيها فكسرت فحاكم فيها عمر صاحبها إلى رجل فحكم عليه أنها ضامنة عليه حتى يردها كما أخذها سالمة فأعجب ذلك عمر منه، وأنفذ قضاءه، ووافقه عليه، واستقضاه فإذا كان هذا على مساومة، ولا تسمية ثمن إلا أنه من أسباب البيع فرأى عمر، والقاضي عليه أنه ضامن له، فما سمي له ثمن، وجعل فيه الخيار أولى أن يكون مضمونا من هذا، وإن أصاب هذا المضمون المشتري شراء فاسدا نقص عند المشتري رده، وما نقص، وإذا كان الابن فقيرا بالغا لا يجد طولا لحرة، ويخاف العنت فجائز له أن ينكح أمة أبيه كما ينكح أمة غيره إلا أن ولده من أمة أبيه أحرار فلا يكون لأبيه أن يسترقهم لأنهم بنو ولده، وإن كان الأب فقيرا فخاف العنت فأراد أن ينكح أمة ابنه لم يجز ذلك له وجبر ابنه إذا كان واجدا على أن يعفه بإنكاح أو ملك يمين لأن للأب إذا بلغ أن يكون فقيرا غير مغن لنفسه زمنا أن ينفق عليه الابن، وإذا تزوج الرجل المرأة، ودخل بها ثم ملك ابنتها فأصابها حرمت عليه أمها، وحرمت البنت لأن هذه بنت امرأة قد دخل بها، وتلك قد صارت أم امرأة أصابها، وإن ولدت له هذه الجارية كانت أم ولد تعتق بموته، ولا يحل له إصابتها، ويحل له خدمتها، وتكون مملوكة له كملك أم الولد يأخذ أرش الجناية عليها، وما أفادت من مال كما
يأخذ مال مماليكه، وإن كانت الأمة لأبيه، والمسألة بحالها، ولم تلد فالأمة لأبيه كما هي، وعليه عقرها لأبيه فإن قال قائل في الأمة التي وطئها الرجل، وولدت، وحرم فرجها عليه بأنه قد وطئ أمها بنكاح أعتقها عليه من قبل أنها لا ترق بعده بحال، ولا يكون له بيعها، وإنما هي أم ولد له فيها المتعة بالجماع فلما حرم الجماع أعتقها عليه قيل له - إن شاء الله تعالى - فما تقول في أم ولد الرجل قبل أن يحرم عليه فرجها أله شيء منها غير الجماع؟ فإن قال نعم قيل فيأخذ ثمنها، ويجنى عليها فيأخذ أرش الجناية عليها، وتفيد مالا من أي وجه ما كان فيأخذ المال، وتخدمه قلت له أسمع له فيها معاني كثيرة غير الجماع فلم أبطلتها، وأعتقتها عليه، وهو لم يعتق، وإنما القضاء أن يعتق على من أعتق أو تعتق أم الولد بعد موت السيد، وهو لم يمت فإذا كان عمر إنما أعتقهن بعد موت ساداتهن فعجلتهن العتق فقد خالفته، وإذا كان القضاء أن لا يعتق إلا من أعتق السيد فأعتقتها فقد خالفته فإن قال أكره أن يخلو بامرأة لا يحل له فرجها قيل وإن كانت ملكه؟ فإن قال نعم قيل له ما تقول فيه إن ملك أمه وبنته وأخته من الرضاع وجارية لها زوج أيحل له أن يخلو بهن؟ فإن قال نعم قيل فقد خليت بينه وبين الخلوة بأربع كلهن حرام الفرج عليه فكيف حرمته بواحدة؟ فإن قال إنما خليت بينه وبين الخلوة برضائعه لأنه محرم لهن قيل فمحرم هو لجاريته التي لها زوج؟ فإن قال لا قيل فقد خليت بينه وبين فرج ممنوع منه، وليس لها محرم فإن قال فلم منعت الابن فرج جاريته إذا أصابها أبوه، ولم تجعل عليه إلا العقر، ولم تقومها على أبيه، وقد فعل فيها فعلا يمنع به الابن من فرجها؟ قيل له إن منع الفرج لا ثمن له، والجناية جنايتان جناية لها ثمن، وأخرى لا ثمن لها فلما كان الحد إذا درئ كان ثمة في الموطوءة عقر أغرمناه الأب، ولم نسقط عنه شيئا فعله له ثمن، ولما كان تحريم الفرج غير معتق للأمة، ولا مخرج لها من ملك الابن لم يكن استهلك شيئا فيغرمه فإن قال فما يشبه هذا؟ قيل ما هو في أكثر من معناه، وهي المرأة ترضع بلبن الرجل جاريته لتحرمها عليه فتحرم الجارية وولدها، وتكون مسيئة آثمة بما صنعت، ولا يكون لما صنعت ثمن نغرمها إياه، وهي لو شجتها أغرمناها أرش شجتها فإذا كان التحريم يكون من المرأة عامدة، ولا تغرم لأنه غير إتلاف، ولا إخراج للمحرمة من الملك، ولا جناية لها أرش فكذلك هي في الأب بل هي في الأب أولى أن يكون قد أخذ منها بدلا لأنه قد أخذ منه عقر، وهذه لم يؤخذ منها قليل ولا كثير
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ملك الرجل أخته من الرضاعة فأصابها جاهلا فحبلت وولدت فهي أم ولد له تعتق بذلك الولد إذا مات ويحال بينه وبين فرجها بالنهي، وفيه قول آخر أنها لا تكون أم ولده، ولا تعتق بموته لأنه لم يطأها حلالا، وإنما هو وطء بشبهة، وإن كان عالما بأنها محرمة عليه فولدت فكذلك أيضا، وفيها قولان أحدهما أنه إذا أتى ما يعلم أنه محرم عليه أقيم عليه حد الزنا، والثاني لا يقام عليه حد الزنا، وإن أتاه، وهو يعلمه في شيء له فيه علق ملك بحال، ولكنه يوجع عقوبة منكلة، ويحال بينه وبين فرجها بأن ينهى عن وطئها، ولا عقر في واحدة من الحالين عليه لأن العقر الذي يجب بالوطء له، ولا يغرم لنفسه ألا ترى أنه لو قتلها لم يغرم لأنه إنما يضمن لنفسه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ملك النصراني المسلمة، ووطئها، وهو جاهل أعلم، ونهي أن يعود أن يملك مسلمة، وبيعت عليه فإن ولدت بذلك الوطء حيل بينه وبينها بأن تعزل عنه، ويؤخذ بنفقتها، وإن أراد أن تعمل له معتزلة عنه ما يعمل مثلها كان ذلك له، وإذا مات فهي حرة، وهكذا أم ولد النصراني تسلم، وإن كان وطئها، وهو يعلمها محرمة عليه فالقول فيها مثل القول في الذي وطئ رضيعته، وهو يعلمها محرمة عليه في أحد القولين حد، وفي الآخر عقوبة، وإن أراد إجارتها من امرأة في عمل تطيقه فذلك له، وله أخذ ما أفادته، وأخذ أرش جناية إن جني عليها، وقد خالفنا بعض الناس في أم ولد النصراني تسلم فقال هي حرة
حين أسلمت، وقال علتي في إعتاقها علتان إحداهما أن فرجها قد حرم عليه، والأخرى أن لا أثبت لمشرك على مسلم ملكا فقيل له أما الأولى فما أقرب تركها منك فقال وكيف؟ قلت أرأيت أم ولد لرجل وطئها ابنه قال تحرم عليه قلت أفتعتقها عليه، وقد حرم فرجها بكل حال؟ قال لا قلنا، وكذلك لو كان هو وطئ ابنتها وأمها حرم عليه فرجها بكل حال عندك، ولم تعتقها عليه؟ قال نعم قلنا، وكذلك لو ظهر أنها أخته من الرضاعة؟ قال نعم قلنا فقد تركت الأمر الأول في الأولى أن تعتق من هذه قال وكيف؟ قلنا هؤلاء لا تحل فروجهن عندك بحال، وأم ولد النصراني قد يحل فرجها لو أسلم الساعة قال فدع هذا قلت، والثاني ستدعه قال وكيف؟ قلت أرأيت مدبر النصراني أو مدبرته، ومكاتبته أتعتقهم إذا أسلموا أو تبيعهم؟ قال لا نعتق المدبرين إلا بالموت، ولا المكاتب إلا بالأداء قلنا فهؤلاء قبل أن يعتقوا لمن ملكهم؟ قال النصراني، ولكنه معلق بموته قلنا فكذلك أم الولد ملكها للنصراني معلق بموته فإذا مات عتقت، ولا تباع في دين، ولا تسعى فيه، وأنت تستسعي المدبر في دين النصراني قال فإن قلت فهو حر، ويسعى في قيمته؟ قلت يدخل ذلك عليك في المكاتب قال أما المكاتب فلا أقوله قلت أرأيت عبدا نصرانيا أسلم فوهبه النصراني لمسلم أو ذمي أو أعتقه أو تصدق به؟ قال يجوز ذلك كله قلنا فيجوز إلا، وهو مالك له ثابت الملك عليه؟ قال لا قلت أو رأيت لو أسلم بموضع لا سوق به أتمهله حتى يأتي السوق فيبيعه؟ قال نعم قلنا فلو جنى عليه جان فقتله أو جرحه كان الأرش للنصراني، وكان له أن يعفو كما كان يكون للمالك المسلم؟ قال نعم قلنا فقد زعمت أنه مالك له في حالات قال نعم، ولكني إذا قدرت على إخراجه من ملكه أخرجته قلت بأن تدفع إليه ثمنه مكانه أو بغير شيء؟ قال أدفع إليه ثمنه مكانه قلنا فتصنع ذا بأم الولد؟ قال لا أجد السبيل إلى بيعها فأدفع إليه ثمنها قلت فلما لم تجد السبيل إلى بيعها كان حكمها غير حكمه؟ قال نعم قلنا فمن قال لك أعتقتها بلا عوض يأخذه مكانه؟ قال لا، ولكن عوض عليها قلنا فهي معدمة به أفكنت بائعا عبده من معدم؟ قال لا قلنا فكيف بعتها من نفسها، وهي معدمة؟ قال للحرية قلنا من قبله كانت أو من قبلها؟ فإن قلت من قبله قلنا فهي حرة بلا سعاية قال ما أعتقها فتكون حرة بلا سعاية، ولا أعتق شيئا منها قلت فحرة من قبل نفسها فللمملوك أن يعتق نفسه قال فحرة من قبل الإسلام قلنا فقد أسلم العبد فلم تعتقه، وما دريت من أين أعتقتها، ولا أنت إلا تخرصت عليها، وأنت تعيب الحكم بالتخرص
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا استعار رجل من رجل جارية فوطئها فقال هذه ومسألة الغاصب الذي وطئ في كتاب الحدود في مسألة درء الحدود بالشبهات فخذوا جوابها من هنالك فإن الحجة فيها ثم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا زوج رجلا امرأة، وزعم أنها حرة فدخل عليها الرجل ثم استحق رقبتها رجل، وقد ولدت أولادا فأولادها أحرار، وللمستحق قيمتهم وجاريته والمهر يأخذ من الزوج إن شاء، ويرجع به الزوج كله على الغار لأنه لزم من قبله، وأصل ما رددنا به المغرور على الغار على أشياء منها أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال أيما رجل نكح امرأة بها جنون أو جذام أو برص فأصابها فلها المهر بما استحل من فرجها، وذلك لزوجها غرم على وليها فرد الزوج على ما استحقت به المرأة عليه من الصداق بالمسيس على الغار، وكان موجودا في قوله إنه إنما رده عليه لأن الغرم في المهر لزمه بغروره، وكذلك كل غار لزم المغرور بسببه غرم رجع به عليه، وسواء كان الولي يعرف من المرأة الجنون أم لم يعرفه لأن كلا غار.
فإن قال قائل: قد يخفى ذلك على العبد؟
قيل نعم، وعلى أبيها أرأيت لو كان تحت ثيابها نكتة برص أما كان يمكن أن يخفى ذلك على أبيها، والغار علم أو لم يعلم يضمن للمغرور ثم بين الغار وبين المرأة حكم، وهو مكتوب في كتاب النكاح
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أذن الرجل لعبده في التجارة فاشترى ابن سيده أو أباه أو من يعتق على سيده إذا ملكه ففيها قولان.
أحدهما: أنه لا يعتق عليه، وذلك أنه إنما أذن له فيما يجوز للمالك أن يملكه لا ما لا يجوز له ملكه كما يكون الرجل يدفع إلى الرجل مالا فيضاربه فيشتري ابنه فلا يلزمه أن يعتق عليه ويكون المضارب ضامنا للثمن الذي دفعه في ابنه لأنه اشترى بماله ما لا يجوز له ملكه، وهذا مذهب محتمل لمن قاله.
والقول الثاني: أنه يعتق عليه من قبل أن الشراء كان حلالا، وأن ما ملك العبد فإنما يملكه لسيده، وإذا ملك السيد ابنه عتق عليه.
فإن قال قائل: فما الفرق بين العبد المأذون له والمضارب؟
قيل له: إن في الشراء حقوقا. منها حق للبائع على المشتري الذي لا يجوز إبطاله إذا كان بيعا حلالا فلما كان هذا بيعا حلالا يلزم العبد لم يجز أن يلزم العبد أبدا إلا والسيد مالك فيعتق، والمضارب يلزمه البيع فلا يظلم المشتري، ويكون المضارب مالكا لهذا العبد، وليس ملك المضارب لنفسه مثل ملك صاحب المال، وملك العبد لنفسه مثل ملك صاحب المال، وهذا أصح القولين، وبه نأخذ، والله تعالى أعلم.
وسواء كان للعبد دين أذن له في مداينته أو لم يكن عليه دين من قبل أن الغرماء لا يملكون على العبد ماله إلا بالقيام عليه، وبعد ملك العبد له فلما كان تمام ملك العبد واقعا على ابن سيده، والعتق معه لم يجز أن يرق بحال لأنه إذا تم فيه ملكه تمت حريته، ولا يغرم الأب شيئا قل ولا كثر لأن الغرماء إن دخل عليهم نقص من عتقه فالذي دخل على الأب أكثر منه، ولا يكون مصابا بماله، وغارما مثله، وما أتلف شيئا فيكون عليه ما أتلف، ولا أمر بشرائه من مال العبد فيكون منتزعا من العبد شيئا يكون عليه رده إنما أخطأ فيه العبد أو تعدى فلا يرجع به على السيد أرأيت لو استهلك العبد جميع ما في يديه بهبة أو بدرك أو حرقه أو غرقه أيرجع على السيد بشيء؟، ولم يكن للسيد في هذا فعل، ولا أمر إنما يغرم الناس بفعلهم، وأمرهم فأما بغير فعلهم، ولا أمرهم فلا يغرمون إلا في موضع خاص من الديات، وما جاء فيه خبر، وإن كان العبد غير مأذون له فاشترى ابن مولاه فليس ثم شراء، ولا يملكه فيعتق بالملك، وهو على ملك سيده الأول
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الأعاجم بولاد الشرك أخوة بعضهم لبعض فإن كانوا جاءونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم بعتق قبلنا دعواهم كما قبلنا دعوى غيرهم من أهل الجاهلية الذين أسلموا، وإن كانوا مسبيين أو عليهم رق أعتقوا فثبت عليهم ولاء لم تقبل دعواهم إلا ببينة على ولاد أو دعوى معروفة كانت قبل السبي، وهكذا من قل منهم أو كثر أهل حصن كانوا أو غيرهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان الرجلان أخوين فمات أبوهما فأقر أحدهما بوارث معه، وقال هذا أخي ابن أبي، ودفعه الآخر فإن محمد بن الحسن أخبرني أن قول المدنيين الذي لم نزل نعرفه، ويلقوهم به أنه لا يثبت له نسب، ولا يأخذ من يديه شيئا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأحسبهم ذهبوا فيه إلى أن الأخ المقر له لم يقر لهذا الأخ بدين على أبيه، ولا وصية، ولا بحق له في يديه، ولا مال أبيه إلا بأن يثبت نسبه فيكون له عليه أن يرثه، وأن يعقل عنه وجميع حق الإخوة فلما كان أصل الإقرار به باطلا لا يثبت به النسب لم يجعلوا له شيئا كما لم يجعلوا عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال محمد بن الحسن - رضي الله تعالى عنه -: وكان هذا قولا صحيحا ثم أحدثوا أن لا يلحقوا، وأن يأخذ ثلث ما في يدي أخيه المقر له
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأحسبهم ذهبوا فيه إلى أنه أقر بأن له شيئا في يديه، وشيئا في يدي أخيه فأجازوا إقراره على نفسه، وأبطلوا إقراره على أخيه، وهذا أصح من قول محمد بن الحسن وأبي حنيفة - رضي الله تعالى عنهما
فإن محمد بن الحسن وأبا حنيفة قالا يقاسم الأخ الذي أقر له بما في يديه نصفين، ولا سبيل له على الآخر، ولا يثبت النسب، وكانت حجته أن قال قد أقر أنه، وهو سواء في مال أبيه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت المسألة بحالها، ولا ميراث لم يثبت النسب، ولا يثبت نسب أحد نسبه رجل إلى غيره، وذلك أن الأخ إنما يقر على أبيه فإذا كان معه من حقه في أبيه كحقه فدفع النسب لم يثبت، ولا يثبت نسب حتى تجتمع الورثة على الإقرار به معا أو تقوم بينة على دعوى الميت الذي إنما يلحق بنفسه فيكتفى بقوله، ويثبت له النسب. فإن قال قائل: كيف أجزت أن يقر ابن الرجل إذا كان وارثه لا وارث له غيره بالأخ فتلحقه بالأب، وإنما أقر على غيره؟ قيل له إنما أقر بأمر لا يدخل ضرره على ميت إنما يدخل الضرر عليه فيما ينتقص من شركته في ميراث الأب ووجدته إذا كان منفردا بوراثة أبيه القائم بكل حق لأبيه. ألا ترى أنه يعفو دمه فيجوز عفوه كما لو عفا أبوه جرح نفسه جاز عفوه؟ ألا ترى أنه يقوم بالحد على من قذف أباه كما كان أبوه قائما بالحد على من قذفه؟ ألا ترى أن لو كانت لأبيه بينة على رجل بحد أو مال أو قصاص أخذ له بها، وأخذ للابن بها بعد موته، ولو أكذبها الابن بعد موت الأب، والأب مدع لها أبطلناها لأنه لو مات قام مقامه؟ فإن قال قائل فهل في هذا خبر يدل عليه؟ قلنا نعم الخبر الذي الناس كلهم عيال عليه في أن الولد للفراش. فإن قال ما هو؟ قيل «اختصم عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابن أمة زمعة فقال سعد قد كان أخي عتبة عهد إلي أنه ابنه، وأمرني أن أفيضه إلي وقال عبد بن زمعة أخي، وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وألحقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعوة الأخ، وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى من شبهه بعتبة» فكان في هذا دليل على أنه لم يدفعه، وأنها قد ادعت منه ما ادعى أخوها فعلى هذا، هذا الباب كله وقياسه.
اليمين مع الشاهد
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا عبد الله بن الحارث المخزومي عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» قال عمرو في الأموال.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر سماه، ولا يحضرني ذكر اسمه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال وجدنا في كتب سعد بن عبادة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد»
(قال الشافعي): وذكر عبد العزيز بن المطلب عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال وجدنا في كتب سعد بن عبادة يشهد سعد بن عبادة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عمرو بن حزم أن يقضي باليمين مع
الشاهد».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد».
(قال عبد العزيز) فذكرت ذلك لسهيل فقال أخبرني ربيعة عني، وهو ثقة أني حدثته إياه، ولا أحفظه.
(قال عبد العزيز) وكان أصاب سهيلا علة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، وكان سهيل يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه. أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد بن المسيب «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد»
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد»
(قال الشافعي): أخبرنا مسلم بن خالد قال حدثني «جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم أقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد؟ قال نعم، وقضى بها علي بين أظهركم» قال مسلم قال جعفر في الدين (قال الشافعي): أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الشهادة فإن جاء بشاهد أحلف مع شاهده».
(قال الشافعي): أخبرنا مالك عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو عامل له على الكوفة أن اقض باليمين مع الشاهد (قال الشافعي): وأخبرنا الثقة من أصحابنا عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وهو عامله على الكوفة أن اقض باليمين مع الشاهد فإنها السنة قال أبو الزناد فقام رجل من كبرائهم فقال أشهد أن شريحا قضى بها في هذا المسجد.
(قال الشافعي): أخبرنا سفيان بن عيينة عن خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري قال حدثنا جعفر بن ميمون الثقفي قال خاصمت إلى الشعبي في موضحة فشهد القائس أنها موضحة فقال الشاج للشعبي أتقبل علي شهادة رجل واحد؟ فقال الشعبي قد شهد القائس أنها موضحة، ويحلف المشجوج على مثل ذلك قال فقضى الشعبي فيها، وذكر هشيم عن مغيرة عن الشعبي قال إن أهل المدينة يقضون باليمين مع الشاهد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأخبرنا مالك أن سليمان بن يسار وأبا سلمة بن عبد الرحمن سئلا أيقضى باليمين مع الشاهد؟ فقالا نعم (قال): وذكر حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى باليمين مع الشاهد. وذكر إسماعيل ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى باليمين مع الشاهد (قال): وذكر هشيم عن حصين قال خاصمت إلى عبد الله بن عتبة فقضى باليمين مع الشاهد، وذكر عبد العزيز بن الماجشون عن زريق بن حكيم قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أخبره أني لم أجد اليمين مع الشاهد إلا بالمدينة قال فكتب إلي أن اقض بها فإنها السنة، وذكر عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبي جعفر محمد بن علي أن أبي بن كعب قضى باليمين مع الشاهد. وعن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال قضى زرارة بن أوفى فقضى بشهادتي وحدي، وشعبة عن أبي قيس، وعن أبي إسحاق أن شريحا أجاز شهادة كل واحد منهما وحده.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (280)
صــــــــــ 275 الى صـــــــــــ 279
ما يقضى فيه باليمين مع الشاهد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد في الأموال، وكان في ذلك تحويل ملك مالك إلى مالك غيره حتى يصير المقضي له يملك المال الذي كان في يدي المقضي عليه بوجه من الوجوه التي تملك بها الأموال فكل ما كان في هذا المعنى قضي به على معنى ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أن يأتي رجل بشاهد أن الدار التي في يدي فلان داره غصبها إياه الذي هي في يديه أو باعه إياها، وأخذ منه ثمنها أو بغير ذلك من وجوه الملك فيحلف مع شاهده، وتخرج الدار من يدي الذي هي في يديه فتحول إلى ملك المشهود الحالف له فيملكها كما كان الذي هي في يديه مالكا لها، وكذلك غيرها مما يملك، وكذلك لو أتى بشاهد على عبد أو عرض أو عين بعينه أو بغير عينه أحلف مع شاهده، وقضي له بحقه، وكذلك لو أقام شاهدا أن له عليه ألف درهم أو أقل أو أكثر حلف مع شاهده، وأخذ منه ألفا فيملكها عليه كما كان المشهود عليه لها مالكا قبل الشهادة واليمين
(قال): وكذلك لو أقام البينة عليه أنه حرق له متاعا قيمته كذا وكذا أو قتل عبدا قيمته كذا أو جرحه هو في بدنه جراحة خطأ حلف في هذا كله مع شاهده، وقضي له بثمن المتاع وقيمة العبد وأرش الجناية قلت أو كثرت على الجاني في ماله أو على عاقلته لأنه يملك كل واحد ممن قضي عليه ما كان هو مالكا له إما في الظاهر والباطن، وإما في الظاهر.
وكذلك لو أقام شاهدا أنه أسلفه مائة دينار في طعام موصوف أو بر موصوف أو غير ذلك أحلفته مع الشاهد، وألزمت المشهود عليه بما شهد به شاهده، وجعلت ذلك مضمونا عليه إلى أجله الذي سمى.
وكذلك لو أقام شاهدا على رجل أنه اشترى منه جارية أو عبدا بمائة دينار حلف مع شاهده، ولزم المشهود عليه العبد أو الجارية بيعا بمائة دينار.
وكذلك لو أقام شاهدا أنه باعه هذه الجارية بجارية أخرى أو بدار حلف مع شاهده ولزم كل واحد منهما البيع، وهذا كله تحويل ملك إلى مالك
وكذلك لو أقام على رجل البينة أنه سرق منه شيئا من غير حرز يسوى مالا أو سرق منه شيئا من حرز لا يسوى ربع دينار حلف مع شاهده، وغرم السارق قيمة السرقة إن كانت مستهلكة، ولم يقطع السارق.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو كان لرجل حق من دين أو ثمن بيع أو أرش جناية أو غير ذلك من الحقوق فأقام الذي عليه الحق شاهدا أنه قد قبض ذلك منه صاحبه أو أبرأه منه أو صالحه منه على شيء قبضه حلف مع شاهده، وبريء من ذلك كله، وهذا تحويل ما كان من المشهود عليه بالبراءة ملك عليه إلى ملك المشهود له بالبراءة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو قضى على عاقلة رجل بأرش جناية فأقام شاهدا أن المجني عليه أبرأه من أرش الجناية وقفنا الشاهد. فإن قال أبرأه من أرش الجناية، وأبرأ أصحابه المقضي عليهم بها أحلفناهم وأبرأناهم فإن حلف بعضهم، ولم يحلف بعض بريء من حلف، ولم يبرأ من لم يحلف، وذلك مثل أن يكون ألف درهم لرجل على رجلين فأقاما شاهدا فشهد لهما بالبراءة فيها فحلف أحدهما، ولم يحلف الآخر فيبرأ
الذي حلف، ولا يبرأ الذي لم يحلف: وتحلف عاقلته، ولا يحلف معها لأن جنايته على عاقلته، ولا يعقل هو عن نفسه معهم شيئا. ولو قال الشاهد أبرأه من الجناية وقفته أيضا فقلت قد يحتمل قولك أبرأه من الجناية من أرشها فإن كنت هذا تريد فهو بريء منها، وإن تثبت الشهادة على إبراء العاقلة حلفوا وبرئوا، وإن لم تثبت عليهم لزمهم العقل لأنه لم يشهد لهم بالبراءة.
ولو باعه عبدا معيبا فأقام شاهدا أنه تبرأ إليه من العيب أو شاهدا أنه أبرأه بعد العلم بالعيب من العيب حلف مع شاهده وبريء. ولا احتاج مع هذا إلى وقفه كما أحتاج إلى وقفه في الجناية من قبل أنه أبرأه من أن يكون به عيب فهذا أكثر ما يكون له. وإن أبرأه مما يلزم في العيب من الرد بالعيب أو أخذ ما نقص العيب بريء، وهذا لا يلزم إلا المشهود له خاصة فيحلف فيه ويبرأ.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقام رجل على رجل بينة بحق فأتى المشهود عليه بشاهد يشهد بأن المشهود له أقر بأن ما شهد به شهوده على فلان باطل أحلف مع شاهده، وأبرئ مما شهد به عليه. وهذا مثل أن يقيم عليه بينة بمال فيأتي المشهود عليه بشاهد فيشهد أنه أبرأه منه فيحلف مع شاهده، ويبرأ مما شهد به عليه
(قال): ولو أن رجلا أقام شاهدا في حياته أن له حقا على فلان بوجه من الوجوه. ثم مات قبل أن يحلف. أو مات قبل أن يقيم شاهدا فأقام ورثته بعده شاهدا بأن له على فلان حقا فورثته يقومون مقامه في كل ما ملكوا عنه. وذلك أن الله عز وجل نقل ملك الموتى بالمواريث إلى الأحياء فجعلهم يملكون ما كان للأحياء يملكون ما ملكهم بقدر ما فرض لهم فهم يقومون مقام من ورثوه بقدر ما ورثوا (قال): فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول كيف يحلف الوارث، وهو لا يدري أشهد شاهده بحق فيحلف على علمه، وذلك أن العلم قد يكون بالعيان والسماع والرؤية فإذا سمع ممن يصدق أن لأبيه حقا على فلان أو علمه بأي وجه من وجوه العلم كان ذلك حلف مع شاهده، وكان كأبيه لو شهد له شاهد على حق كان عنه غائبا أو على رجل أنه قتل له دابة غائبة أو عبدا حلف مع شاهده، وأخذ حقه، ولو لم يحلف إلا على ما عاين أو سمع من الذي عليه الحق بعينه ضاق هذا عليه (قال): ولم يزل أهل العلم يحلفون مع الشاهد على الحق الغائب إذا أمكن أن يكون الحالف علم أن حقه حق بوجه من وجوه العلم الرؤية أو السمع أو الخبر (قال): وإذا كان هكذا فكذلك كل من شهد له بحق بأن فلانا أقر له أو أوصى له أو تصدق عليه حلف مع شاهده، ولو ضاق عليه أن يحلف إلا على ما عاين ضاق عليه أن يأخذ الحق بشاهد إلا فيما عاين حتى لو مات أبوه وهو صغير فشهد له أنه ورثه شيئا بعينه ضاق عليه أن يأخذه لأنه لم يعاين أباه وما ترك ولا عدد ورثته، ولا هل عليه دين أو له وصايا، وكذلك لو كان بالغا، ومات أبوه غائبا فشهد له على تركة له غائبة لأنه لم ير أباه يملكها، ولا يدري لعله لم يتركها فإن مات ميت، وترك ابنا بالغا، وابنا صغيرا، وزوجة يحلف البالغ، ويأخذ نصيبه من الميراث، وذلك نصف المال بعد ثمن المرأة، وإن حلفت المرأة أخذت الثمن ووقفت للصبي حقه من المال وذلك النصف بعد الثمن حتى يبلغ فيحلف أو يمتنع من اليمين فيبطل حقه أو يموت قبل البلوغ فتقوم ورثته فيما ورثوا عنه مقامه فيحلفون ويستحقون
(قال): وكذلك لو كان الورثة بالغين فيهم غيب أخذ الحاضر الحالف حقه، ووقفت حقوق الغيب حتى يحضروا فيحلفوا، ويستحقوا أو يأبوا فتبطل حقوقهم أو يموتوا قبل ذلك فتقوم ورثتهم في حقوقهم مقامهم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن كان في الورثة أخرس، وكان يفقه الإشارة باليمين أشير إليه بها حتى يفهم عنه أنه حلف ثم يعطى حقه، وإن كان لا يفهم الإشارة، ولا يفهم عنه أو كان معتوها أو ذاهب العقل وقف له حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فتقوم ورثته مقامه
فيحلفون، ويستحقون، ولا يجوز عندي أن يترك وارثين فيحلف أحدهما فيستحق الآخر حقه بيمين أخيه لأن كلا إنما يقوم مقام الميت فيما ورث عنه، والحق وإن كان عن الميت ورث فلم يحق إلا للأحياء بسبب الميت على قدر مواريثهم. ألا ترى أن اليمين إنما كانت من الأحياء فلا يجوز أن يقوم رجل مقام الذي له أصل الحق في نصف ماله فيستحق بيمين غيره النصف الآخر كما لو كان لرجلين على رجل ألفا درهم فأقام أحدهما شاهدا بها، وحلف أحدهما لم يستحق الألف، وهي التي تملك، ولا يحلف على ما يملك غيره، ولو حلف لم يستحق غيره بيمينه شيئا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد لصاحب الحق وصاحب الحق من ملكه كله لا من ملك بعضه، وبقي البعض مملوكا لغيره، ولو كان للورثة، وصي فأقام شاهدا بحق للميت لم يحلف الوصي لأنه ليس بمالك، وتوقف حقوقهم فكلما بلغ منهم واحد حلف، وأخذ حقه بقدر ميراثه، ولو مات رجل، وقد أقام في حياته شاهدا له بحق على رجل أو أقامه، وصيه بعد وفاته أو أحد ورثته، وله غرماء فقيل لورثته احلفوا، واستحقوا فأبوا أن يحلفوا بطل حقهم، ولم يكن للغرماء أن يحلفوا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قضى لمن أقام شاهدا بحق له على الآخر بيمينه، وأخذ حقه فإنما أعطى باليمين من شهد له بأصل الحق، وإنما اليمين مع الشاهد أن يقال لقد شهد الشاهد بحق، وإن هذا الحق لي على فلان، وما بريء منه، وإنما جعلت للوارث اليمين بأن الله عز وجل نقل ملك الميت إلى الوارث فجعله يقوم مقامه فيه، ولا يخالفه بقدر ما فرض له وجعله مالكا ما كان الميت مالكا أحب أو كره، ولو ورث عبدا زمنا ألزمته ملكه، وإن لم يرد ملكه حتى يخرجه هو من ملكه قال، وليس الغريم ولا الموصى له من معنى الوارث بسبيل لا هم الذين لهم أصل الحق فيكونون المقضي لهم باليمين مع الشاهد، ولا الذين حكم الله تعالى لهم بالميراث فيكونون في معنى صاحب الحق، والغرماء، والموصى لهم، وإن استحقوا مال صاحب الدين فليس من وجه أنهم يقومون مقامه، ولا يلزم فيهم ما يلزم الوارث من نفقة عبيده الزمنى قال، ولو مات صاحب الحق فجاء وارثه بشاهد، وقال أنا أحلف، وقال غريم الميت المال لي دون الوارث، وأنا أحلف حلف الوارث، وأخذ الغريم المال دونه كما كان أخذ له دون أبيه، ولو كان الغريم يقوم مقام الوارث كان أحق بالمال إذا ملكه الوارث عن الموروث فالغريم أحق به كما يكون أحق بجميع ماله الذي في يديه، والذي يحق به وله من الدية وغيرها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ففيما وصفت إن شاء الله تعالى بيان فرق ما بين الغريم والموصى له والوارث وصاحب أصل الحق قال ومما يثبته إن شاء الله تعالى أن الغريم إنما حقه في مال الميت جملة لا في ماله الذي يحلف عليه، وذلك أنه لو ظهر له مال سوى ماله الذي يقال للغريم احلف عليه كان للورثة أن يعطوه من المال الظاهر الذي لم يحلف عليه، ولو لم يكن له مال إلا ما حلف عليه الغريم فجاء غريم غيره فامتنع أحدهما من اليمين فإن حلف الآخر، وأخذ جميع الدين فقد أعطى بيمينه الحق، وإنما كان له النصف، وليس هكذا الرجلان يكون الحق لأحدهما إذا نكل بطل حقه، وأخذ الحالف حقه.
قال ولو أقام ورثة رجل شاهدا على حق له، وله غرماء، ووصايا قيل للورثة: احلفوا، واستحقوا فإذا فعلوا فالغرماء أحق بماله منهم وأهل الوصايا يشركونهم في ماله بالثلث، وإن أبوا أن يحلفوا أبطلنا حصة أهل الوصايا.
الامتناع من اليمين وكيف اليمين؟
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن كانت له اليمين على حق مع شاهد قيل له إن حلفت استحققت، وإن امتنعت من اليمين سألناك لم تمتنع؟ فإن قلت لآتي بشاهد آخر تركناك حتى تأتي به فتأخذ حقك بلا يمين أو لا تأتي به فنقول احلف، وخذ حقك، وإن امتنعت بغير أن تأتي بشاهد أو تنظر في كتاب لك أو لاستثبات أبطلنا حقك في اليمين، وإن طلبت اليمين بعدها لم نعطكها لأن الحكم قد مضى بإبطالها، وإن جئت بشاهد آخر أعطيناك به لأنا إنما أبطلنا حقك في اليمين لا في الشاهد الآخر، ولا الأول قال فإن قال بيني وبين الرجل معاملة أو قد حضرني، وإياه من أثق به فأسأله أمهلته حتى يسأله، ولم أقض له بشيء على المشهود عليه فإن حلف أخذ حقه، وإن أبى أبطلت حقه في اليمين فمتى طلب اليمين بعد لم أعطها إياه لأني قد أبطلتها، ومتى جاء بشاهد آخر أعطيته بهما لأني لم أبطل الشاهد إنما أبطلت الحق في اليمين (قال): وإذا كان الحق عشرين دينارا أو قيمتها أو دما أو جراحة عمد فيها قود ما كانت أو حدا أو طلاقا حلف الحالف بمكة بين البيت والمقام فإن كان بالمدينة فعلى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان في بيت المقدس ففي مسجدها أو ببلد ففي مسجده، وأحب لو حلف بعد العصر. وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف، وذلك عندي حسن
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن كان الحق أقل من عشرين دينارا أو قيمتها أو كانت جراحة خطأ أرشها أقل من عشرين أحلف في المسجد أو في مجلس الحكام (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وتوقيت عشرين دينارا قول فقهاء المكيين وحكامهم
فإذا حلف الرجل على حق نفسه حلف " بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة والرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية أن ما شهد به شاهدا فلان بن فلان عليك، وهو كذا وكذا، ويصفه لحق كما شهد به، وإن ذلك لثابت لي عليك ما قبضته منك، ولا شيئا منه، ولا اقتضاه لي مقتض بأمري، ولا شيئا منه، ولا بغير أمري فوصل إلي ولا أبرأتك منه، ولا من شيء منه، ولا أحلتني به، ولا بشيء منه على أحد، ولا أحلت به عليه، ولا برئت منه بوجه من الوجوه، ولا صرت إلى ما يبرئك منه، ولا من شيء منه بوجه من الوجوه إلى يوم حلفت يميني هذه فإن كان اقتضى منه شيئا أو أبرأه من شيء حلف بما وصفت فإذا انتهى إلى قوله ما اقتضيته، ولا شيئا منه، ولا اقتضاه لي مقتض بأمري، ولا شيئا منه، ولا اقتضاه لي مقتض بأمري، ولا شيئا منه، ولا وصل إلي، ولا إلى غيري بأمري، ولا كان مني فيه، ولا في شيء منه ما يكون لك به البراءة منه ثم تنسق اليمين، وإن حلف على دار له في يديه أو عبد أو غيره حلف كما وصفت. وقال " إن الدار التي كذا، ويحدها لداري ما بعتكها، ولا شيئا منها، ولا وهبتها لك، ولا شيئا منها، ولا تصدقت بها عليك، ولا بشيء منها، ولا على غيرك ممن صيرها إليك مني، ولا بشيء منها بوجه من الوجوه، وإنها لفي ملكي ما خرجت مني، ولا شيء منها إلى أحد من الناس أخرجها، ولا شيئا منها إليك " وإنما أحلفته على غيره بسبب المحلف له لأنه قد يخرجها إلى غيره فيخرج ذلك إلى الذي هي في يديه، وإن كان المستحلف ذميا أحلف " بالله الذي أنزل التوراة على موسى، وبغير ذلك مما يعظم اليمين به مما يعرف أنه حق، وليس بباطل، ولا يحلف بما يعظم إذا جهلناه، ويحضره من أهل دينه من يتوقى هو محضره إن كان حانثا ليكون أشد لتحفظه إن شاء الله تعالى.
قال، وإن كان الحق لميت فورثه الحالف حلف كما وصفت على أن هذا الحق ثابت لفلان عليك ما اقتضيته منك ثم ينسق اليمين كما وصفت، ولا علمت فلانا الميت اقتضاه، ولا شيئا منه منك، ولا أبرأك منه، ولا من شيء منه بوجه من الوجوه، ولقد مات، وأنه لثابت عليك إلى يوم حلفت بيميني هذه. قال، ولو كانت اليمين لرجل يأخذ بها أو على رجل يبرأ بها فبدأ فحلف قبل أن يحلفه الحاكم أعاد الحاكم عليه اليمين حتى تكون يمينه بعد خروج الحكم بها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (281)
صــــــــــ 3 الى صـــــــــــ 9
[باب ما لا يقضى فيه باليمين مع الشاهد وما يقضى]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ادعى الرجل على الرجل المال، فأتى بامرأتين تشهدان له على حقه لم يحلف مع الامرأتين.
فإن قال قائل: ما الحجة فيه؟ فالحجة فيه أن النساء إذا كن لا يجزن عند الحاكم إلا مع الرجال إلا فيما لا يراه الرجال فهاتان امرأتان ليس معهما رجل يشهد.
فإن قال قائل: معهما رجل يحلف فالحالف غير شاهد.
فإن قال: فقد يعطى بيمينه. قيل: يعطى بها بالسنة ليس أنه شاهد والرجل لا يشهد لنفسه، ولو شهد لنفسه لم يحلف
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن قال امرأتان تقومان مقام الرجل؟ قيل: إذا كانتا مع رجل ولزمه عندي أن يقول لو شهد أربع نسوة لرجل بحق أخذه كما يأخذه بشاهدين وشاهد وامرأتين ولا أحسب أحدا يقول بهذا القول
(قال): ولو أن امرأة رجل أقامت شاهدا أنه طلقها لم تحلف مع شاهدها وقيل: ائت بشاهد آخر وإلا أحلفناه ما طلقك، ولو أقام رجل شاهدا على أنه نكح امرأة بولي ورضاها وشهود ومهر لم يكن له أن يحلف مع شاهده، وذلك أن الرجل لم يملك رقبة المرأة كما يملك الأموال بالبيع وغيره من وجوه الملك إنما أبيح له منها بالنكاح شيء كان محرما عليه قبله؛ ولأن المرأة لا تملك من نفسها ما كان الزوج يملك منها فتقوم في نفسها مقام الزوج فيها في كل أمره، أو في بعضه والزوج نفسه لم يكن يملكها ملك المال فهما خارجان من معنى من حكم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد عندي والله تعالى أعلم.
لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما حكم بها لمن يملك ما حكم له به ملكا يكون له فيه بيعه وهبته، أو سلطان رق، أو ملك بوجه من الوجوه مما قد ملكه عليه غيره ومما يملك هو على غيره وليس هكذا الزوج، والمرأة إنما سلطانه عليها سلطان إباحة شيء كان محرما قبل النكاح، ولو أقام عبد شاهدا على أن سيده أعتقه، أو كاتبه لم يحلف مع شاهده، وذلك أن العبد لا يملك من نفسه ما كان سيده مالكه؛ لأن سيده كان له بيعه وهبته وليس ذلك للعبد في نفسه ولا يثبت شيء من الرق للعبد على نفسه إنما يثبت الملك لإنسان على غيره، فأما على نفسه فلا فإذا كان الحق للمشهود له في نفسه مثل العبد يعتق، والمرأة تطلق، والحد يثبت، أو يبطل فهذا كله لا يجوز فيه يمين مع الشاهد من قبل أن اليمين مع الشاهد فيما يملك به الحالف مع شاهده شيئا كان بيده غيره مما قد يملك بوجه من الوجوه والذي قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك مال، والمال غير المقضي له وغير المقضي عليه، بل هو ملك أحدهما ينتقل إلى الآخر فالعبد الذي يطلب أن يقضى له باليمين على عتقه كان إنما يقضى له بنفسه وهو لا يملكها ونفسه ليست كغيره فكان هذا خارجا من معنى ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندي والله تعالى أعلم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أتى رجل بشاهد يشهد أن رجلا أشهده أن له على فلان حقا لم يقبل إلا بشاهد آخر فإن قال أحلف لقد شهد لي لم يحلف؛ لأن حلفه على أنه شهد له ليس أن
يحلف على مال يأخذه إنما يحلف على أن يثبت شهادة شاهده وليس اليمين على هذا باليمين على المال بملك.
ولو أقام رجل شاهدا أن فلانا، أوصى إليه، أو أن فلانا وكله لم يحلف مع شاهده. وذلك أنه لا يملك بالوصية ولا بالوكالة شيئا ومثل ذلك لو أقام بينة أن فلانا، أودعه داره، أو أرضه لم يحلف مع شاهده، ولو أقام شاهدا أن فلانا قذفه بالزنا لم يحلف مع شاهده وذلك أنه لا يملك بالحد شيئا إنما الحد ألم على المحدود لا شيء يملكه المشهود له على المشهود عليه، ولو أقام بينة على أنه جرحه جراحة عمدا في مثلها قود، أو قتل ابنا له لم يحلف مع شاهده، وذلك أن الشهادة ليست بمال بعينه وأنه لا يجب بها المال دون التخيير في المال، أو القصاص فإذا كان القصاص هو الذي يثبت بها فالقصاص ليس بشيء يملكه أحد على أحد.
فإن قال قائل: فالمال يملكه؟ قيل: أجل ولكن ليس يملكه إلا بأن يملك القصاص معه لا أن المال إذا حلف كان له دون القصاص ولا القصاص دون المال فلما كان إنما لا يثبت له أحدهما بعينه، وكان المال لا يملك دون القصاص لم يجز أن يكون اليمين مع الشاهد في القصاص وهو لا يملك، ولو أقام عليه شاهدا أنه سرق له متاعا من حرز يسوى أكثر مما تقطع فيه اليد كان مخالفا لأن يقيم عليه الشاهد فيما يجب به القصاص فيحلف مع شاهده ويغرم السارق ما ذهب له به ولا يقطع.
فإن قيل: ما فرق بين هذا، والقصاص؟ قيل له: في السرقة شيئان.
أحدهما: شيء يجب لله عز وجل وهو القطع، والآخر شيء يجب للآدميين وهو الغرم فكل واحد منهما حكمه غير حكم صاحبه.
فإن قال قائل: ما دل على هذا؟ قيل: قد يسقط القطع عنه ولا يسقط الغرم ويسقط الغرم ولا يسقط القطع. فإن قال وأين؟ قيل: يسرق من غير حرز فلا يقطع ويغرم ويختلس وينتهب فيكون بهذا سارقا فلا يقطع ويغرم ويكون له شبهة في السرقة فلا يقطع ويغرم، ويسرق الرجل من امرأته، والمرأة من زوجها من منزلهما الذي يسكنانه فلا يقطع واحد منهما ويغرم فإن قال وأين يسقط الغرم عنه ويقطع؟ قيل يسرق السرقة فيهبها له المسروق، أو يبرئه من ضمانها فلا يكون عليه غرم ويقطع فلا يسقط القطع عنه إن سقط عنه غرم ما سرق وفي هذا بيان أن حكم الغرم غير حكم القطع وأن على السارق حكمين قد يزول أحدهما ويثبت الآخر وليس هكذا حكم الجراح التي لا يجب فيها أبدا مال إلا ومعه قصاص، أو تخيير بين القود، والعقل، فأيهما اختار سقط الآخر وإن اختار القود، ثم عفاه لم يكن له عقل وإن اختار العقل، ثم أبرأه منه لم يكن له قصاص فهذان حكمان كل واحد منهما بدل من صاحبه فلا يشبهان الحكمين اللذين لا يكون أحدهما بدلا من صاحبه ولا يبطل أحدهما إن بطل صاحبه ويشبه الشهادة على السرقة أن يأتي رجل بشاهد على أنه قال امرأته طالق إن كنت غصبت فلانا هذا العبد ويشهد أنه غصبه فيحلف صاحب العبد مع شاهده ويأخذ العبد ولا تطلق المرأة بشهادة واحد أنه حنث حتى يكون معه آخر، وذلك أن الشاهد مع اليمين إنما جاز على الغصب دون الطلاق والطلاق ليس بالغصب إنما هي يمين يحلف بها وحكم الأيمان غير حكم الأموال، وكذلك حكم الطلاق غير حكم الأموال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو كانت الجراحة عمدا لا قود فيها بحال مثل أن يقتل الحر المسلم عبدا مسلما، أو يقتل ذميا، أو مستأمنا، أو يقتل ابن نفسه، أو تكون جراحة لا قود فيها مثل الجائفة، والمأمومة وما لا قصاص فيه فهذا كله لا قود فيه قبلت فيه يمين المدعي مع شاهده فقضي له به كله ما كان عمدا منه ففي مال الجاني وما كان خطأ فعلى العاقلة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهد شاهد أن رجلا
رمى رجلا بسهم، فأصاب بعض جسده، ثم خرج منه، فأصاب آخر فقتله، أو جرحه
فالرمية الأولى عمد، والمصاب الثاني خطأ فإن كانت الرمية الأولى لا قصاص فيها فالشهادة جائزة ويحلفان مع شاهدهما ويقضى في كل واحد منهما بالأرش الأولى في مال الرامي والثانية على عاقلته وإن كانت الرمية الأولى يجب فيها القصاص في نفس كانت لأولياء الدم القسامة ويستحقون الدية، ثم القول في الرمية الثانية قولان.
أحدهما أن اليمين لا تكون مع الشاهد في هذا، وذلك أن صاحب الخطإ لا يثبت له شيء إلا بثبوته لصاحب العمد فلما كانت هذه الجناية واحدة فيها عمد فيه قصاص لم يجز في القصاص إلا شاهدان؛ لأنه لم يملك فيه شيئا.
، والقول الثاني: أن الشاهد يبطل لصاحب العمد إلا أن يقسم معه، أولياؤه ويثبت لصاحب الخطإ باليمين مع شاهده وهذا أصح القولين عندي - والله تعالى أعلم - وبه نأخذ وهي في مثل معنى المسألة من اليمين بالطلاق على الغصب والشهادة عليها وعلى الغصب
ولو أقام رجل على جارية وابنها شاهدا أنهما له حلف مع شاهده وأخذ الجارية وابنها، ولو أقام البينة على أنها له وابنها له ولد منه حلف أيضا وقضي له بالجارية، وكانت وابنها له، وكانت أم ولد له بإقراره وشهادة شاهده ويمينه
(قال): ولو أقام شاهد بأن أباه تصدق بهذه الدار عليه صدقة محرمة موقوفة حلف مع شاهده، وكانت الدار صدقة عليه كما شهد شاهده، ولو أقام البينة على أن أباه تصدق بهذه الدار عليه صدقة محرمة موقوفة وعلى أخوين له موقوفة فإذا انقرضوا فعلى أولادهم، أو على المساكين حلفوا وثبتت حقوقهم، فمن حلف ثبت حقه له؟
فإن قال قائل: ما بال الرجل إذا أقام شاهدا أن أباه وقف عليه دارا وعلى أخوين له، ثم على أولادهم بعدهم أحلفته وأثبت حقه من الصدقة المحرمة فإن حلف أخواه ثبت حقهما وإن لم يحلفا لم يثبت حقهما بثبوت حقه قيل له؛ لأنا أخرجنا الدار من ملك من شهد عليه الشاهد بيمين من شهد له فإذا شهد الشاهد لثلاثة لم يكن لواحد منهم أن يأخذ بيمين صاحبه شيئا؛ لأن حقه غير حق صاحبه وإن كان من شيء واحد فحق كل واحد منهم غير حق صاحبه فإذا حلفوا معا فأخرجت الدار من ملك صاحبها إلى ملك صاحبها من حلف فكانت بكمالها لمن حلف حياته فقد مضى الحكم فيها لهم ومن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا يقوم مقام الوارث لهم فيها، ألا ترى أن رجلا لو أقام شاهدا على رجل بدار فحلف قضي له بها فإن مات كانت لوارثه بعده ولا يمين على الوارث؛ لأن الحكم قد مضى فيها بيمين الذي أقام الشاهد له وإنما هي موروثة عن الذي حلف مع شاهده وإن حلف أخوه فهي عليهما معه، ثم على من بعدهم وإن أبى أخواه أن يحلفا فنصيبه منها وهو الثلث صدقة كما شهد شاهده، ثم نصيبه بعد منها على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد أخويه.
فإن قال الذين تصدق عليهم بعد الاثنين نحن نحلف على ما أبى أن يحلف عليه الاثنان فلهم أن يحلفوا من قبل أنهم مالكون حين كانوا إذا حلفوا بعد موت أبيهم الذي جعل لهم ملكه إذا مات
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإنما قلنا يملك المتصدق عليهم باليمين؛ لأن السنة، والآثار تدل على أن هذا ملك صحيح إذا أخرج المتصدق من ملكه أرضه صدقة على أقوام بعينهم، ثم على من بعدهم فملك المتصدق عليهم ما ملكهم المتصدق كما ملكهموه فهذا ملك صحيح
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قضينا بأن ملك المتصدق يتحول إلى ملك المتصدق عليهم كما ملكهم فهذا تحويل ملك مال إلى مالك ينتفع به انتفاع
المال يباع ما صار في أيديهم من غلته ويوهب ويورث وإن كان مسكنا أسكنوا فيه من أحبوا، أو أكروه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهد شاهد أن فلانا تصدق بهذه الدار على فلان وفلان وفلان بينهم وبين من حدث للمتصدق من ولد صدقة موقوفة محرمة فقال أحد القوم أنا أحلف وأبى الآخران قلنا فإذا حلفت جعلنا لك ثلث هذه الصدقة، ثم كلما حدث معك ولد واحد وقفنا له الثلث الآخر الذي ليس في يديك، ثم إن حدث آخر وقفنا له الثلث الآخر الذي ليس في يديك ولا يوقف للحادث قبله فإن حدث آخر نقصناك وكلما حدث ولد بعد الولدين اللذين يوقف لهما الثلثان حتى تستكمل الدار انتقصت من حقك وانتقص كل من كان معك من حقوقهم؛ لأنه كذلك تصدق عليك، فمن حلف من الكبار كان على حقه ومن بلغ فحلف كان على حقه ومن أبى بطل حقه وتوقف غلة من لم يبلغ حتى يبلغوا فيحلفوا فتكون لهم، أو يأبوا فيرد نصيبهم منها على المتصدق عليهم معهم وإن تصدق على ثلاثة، ثم على من بعدهم فحلف واحد كان له الثلث وبطل الثلثان فصارا ميراثا للورثة.
فإن قيل: كيف تكون دار شهد عليها أنها كلها موقوفة محرمة بعضها ميراث وبعضها موقوف فإنها لو وقفت على عشرة كان لكل واحد منهم العشر، فمن حلف أخذ حقه ومن أبى لم يكن له فيها حق وما لم يكن لأحد وقفا كان ميراثا على الأصل.
فإن قيل: ما يشبه ذلك؟ قيل: عشرة شهد شاهد أن ميتا أوصى لهم بدار فحلف واحد فله عشرها فإن أبى التسعة رجع ما بقي من الدار ميراثا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو تصدق بها على ثلاثة فحلف واحد وأبى اثنان كان نصيبهما ميراثا، وكان الثلث صدقة على واحد فإن قال هي صدقة على الثلاثة، ثم على أبنائهم من بعدهم فحلف واحد جعلنا ثلثها له وأبى الاثنان فجعلنا نصيبهما منها ميراثا وهو الثلثان، ثم حدث لهما ولدان وماتا وقف لهما نصيبهما حتى يبلغا فيحلفا، أو يموتا فيحلف وارثهما فإن أبى وارثهما رد ما بقي ميراثا للورثة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإنما يوقف للمولود من يوم ولد إذا مات أبوه، أو من جعلت له الصدقة بعده فإن ولد قبل أن يموت أبوه، أو من جعلت له الصدقة بعده لم يوقف حقه إلا بعد موتهما؛ لأنه إنما يكون له الحق بموتهما، فأما ما كان من غلة قبل، أو يولد، أو يموت من قبله فليس للمولود منها شيء؛ لأنه إنما شرط له أن يكون له الحق يوم يولد بعد موت من قبله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن شاهدا شهد أن فلانا تصدق على فلان وولده وولد ولده ما تناسلوا هم فيها سواء فحلف رجل مع شاهده كان له منها بقدر عدد من معه، وذلك أن يكون معه فيها عشرة فيكون له عشره فكلما حدث ولد يدخل معه في الصدقة نقص من حقه ووقف حق المولود حتى يحلف فيستحق، أو يدع اليمين فيبطل حقه ويرد كراء ما وقف من حقه على الذين انتقصوا حقوقهم من أجله سواء بينهم كأنه وقف لاثنين حدثا سدس الدار وأكرى بمائة درهم إلى أن يبلغا فلم يحلفا، فأبطلنا حقوقهما ورددنا المائة على العشرة لكل واحد منهم عشره فإن مات من العشرة واحد قبل بلوغ الموقوف عليهما الصدقة في نصف عمر اللذين وقف لهما فإن بلغا، فأبيا اليمين فرد نصيبهما على من معهما رد عليه، فأعطى ورثته ما استحق مما رد عليه، وذلك خمسة وترد الخمسة على التسعة الباقين وعلى هذا الحساب يعطى كل من مات قبل بلوغ الصبيين اللذين بطل ما وقف لهما.
فإن شهد الشاهد أنه تصدق بها عليه وعلى بني أب معروفين يحصون فالأمر فيها على ما وصفت تكون له حصة بقدر عددهم قلوا، أو كثروا، وإن شهد أنه تصدق بها عليه وعلى بني أب لا يحصون أبدا، أو على مساكين وفقراء فقد قيل: في الوصية
يوصى بها لفلان لقوم يحصون هو كأحدهم وقيل: فإن أوصى بها له ولبني أب لا يحصون، أو مساكين لا يحصون فله النصف ولهم النصف
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهذا أمر تخف فيه المؤنة ويسهل فيه الجواب في مسألتنا هذه، ولو كان يصح قياسا، أو خبرا أعطيناه النصف وجعلنا النصف على من تصدق به عليه معه ممن لا يحصى ولكن لا أرى القياس فيها إذا كانت الصدقة إذا تصدق بها عليه وعلى الفقراء وهم لا يحصون جائزة إلا أن يقال له إن شئت فاحلف فكن أسوة الفقراء فإن حلف أعطيناه ذلك وأحلف من معه في الصدقة، ثم حاص من قسمنا عليه فإذا زاد الفقراء بعد ذلك، أو نقصوا حاصهم كواحد منهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد قيل: إذا كان شرط السكنى سكن كل فقير في أقل ما يكفيه إن كان المتصدق قال يسكن كل واحد منهم بلا أن يدخل عليه من يضيق عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأصح من هذا القول، والله تعالى أعلم وبه أقول، أن السكنى مثل الغلة فإذا ضاق السكن اصطلحوا، أو أكروا ولم يؤثر واحد منهم بالسكن على صاحبه وكلهم فيه شرع.
وإذا كانت غلة، أو شيء فيها بين الفقراء وإن قل ذلك فلا يعطى واحد منهم أقل مما يعطى الآخر.
، وقد قيل: إذا لم يسم فقراء قبيلة فهو على فقراء قرابته قياسا على الصدقات التي يعطاها جيران المال المأخوذ منه الصدقة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبه أقول إذا كان قرابته جيران صدقته فإن جازت فيها الأثرة لبعض الجيران دون بعض كانت لذوي قرابة المتصدق فإن لم يجد فجيران الصدقة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أقام رجل شاهدا على رجل وحلف أنه غصبه أم ولد وولدها فيخرجان من يده فتكون أم ولد للمشهود له الحالف ويكون الابن ابنه ويخرج من رق الذي هي في يديه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكذلك لو أقام رجل شاهدا على رجل في يديه عبد يسترقه أنه كان عبدا له، فأعتقه، ثم غصبه إياه بعد العتق حلف، وكان هذا مولى له
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وليس يدخل في هذا العبد يقيم شاهدا على سيده أنه أعتقه؛ لأن العبد هو الذي فيه الخصومة كما وصفت في الباب الأول، واليمين مع الشاهد في الدين الذي يتنازع فيه المشهود له، والمشهود عليه لا واحد منهما والنسب، والولاء شيئان يصير لصاحبهما بهما منفعة في غير نفسه وإن كانت لا تملك فهي منفعة للخصم في غير نفسه، والمملوك لا ينتفع بشيء غير نفسه.
الخلاف في اليمين مع الشاهد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فخالفنا في اليمين مع الشاهد مع ثبوتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض الناس خلافا أسرف فيه على نفسه فقال لو حكمتم بما لا نراه حقا من رأيكم لم نرده وإن حكمتم باليمين مع الشاهد رددناها فقلت لبعضهم رددت الذي يلزمك أن تقول به ولا يحل لأحد من أهل العلم عندنا خلافه؛ لأنه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأجزت آراءنا التي لو رددتها كانت أخف عليك في المأثم.
قال إنها خلاف كتاب الله ونحن نردها بأشياء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد جهدت أن أتقصى ما كلموني به في رد اليمين مع الشاهد فكان مما كلمني به بعض من ردها أن قال
لم تروها إلا من حديث مرسل قلنا: لم نثبتها بحديث مرسل وإنما أثبتناها بحديث ابن عباس وهو ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يرد أحد من أهل العلم مثله لو لم يكن فيها غيره مع أن معه غيره ممن يشده
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال منهم قائل فكيف قلتم يقضى بها في الأموال دون غيرها فجعلتموها تامة في شيء ناقصة في غيره؟ فقلت له لما قال عمرو بن دينار وهو حملها قضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأموال كان هذا موصولا في خبره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال جعفر في الحديث في الدين والدين مال وقاله من لقيت من حملتها، والحكام بها قلنا إذا قيل: بها في الأموال دل ذلك والله تعالى أعلم على أنه لا يقضى بها في غير ما قضي بها فيه؛ لأن الشاهدين أصل في الحقوق فهما ثابتان، واليمين مع الشاهد أصل فيما يحكم بها فيه وفيما كان في معناه فإن كان شيء يخرج من معناه كان على الأصل الأول وهو الشاهدان قال فالعبد؟ قلت: له فإذا أقام رجل شاهدا على عبد أنه له حلف مع شاهده واستحق العبد، قال فإن أقام شاهدا أن سيده أعتقه؟ قلت فلا يعتق.
قال فما الفرق بين العبد يقيم رجل عليه شاهدا ويحلف ويأخذه وبين العبد يقيم شاهدا أن سيده أعتقه؟ قلت الفرق البين، قال وما هو؟ قلت أرأيت إن «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد في الأموال» أما في هذا بيان أن المال المقضي به للمقيم شاهدا الحالف هو ما ليس بالمقضي له ولا بالمقضي عليه وإنما هو مال أخرجه من يدي المقضي عليه إلى يدي المقضي له به فملكه إياه كما كان المقضي عليه له مالكا؟ قال بلى قلت: وهكذا العبد الذي سألت عنه أخرجه من يدي مالكه المقضي عليه إلى مالك مقضي له قال نعم: قلت أفليس تجد معنى العبد إذا أقام شاهدا أن سيده أعتقه غير معنى المال الذي يتنازع فيه المشهود له، والمشهود عليه؛ لأنه إنما ينازع في نفسه؟ قال إنه ليخالفه في هذا الموضع قلت: ويخالفه أنه لا يخرجه من يدي مالكه إلى ملك نفسه فيكون يملك من نفسه ما كان سيده يملكه كما كان المقضي عليه يملك المال، ثم أخرج من يده فملكه المقضي له قال أجل قلت: فكيف أقضي باليمين مع الشاهد في شيء معناه غير معنى ما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال فإنك تعتقه بالشاهدين؟ قلت: أجل وأقتل بالشاهدين؛ لأنهما حكم مطلق، واليمين مع الشاهد حكم خاص
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقلت له رأيتك عبت أن تكون الشهادة تامة في بعض الأشياء دون بعض أفرأيت الشاهدين أليسا تامين في كل شيء ناقصين في الزنا؟ قال بلى.
قلت أفرأيت الشاهد والامرأتين أليسا تامين في الأموال ناقصين في الحدود وغيرها؟ قال: بلى قلت أرأيت شهادة النساء في الاستهلال والرضاع وعيوب النساء أليست تامة حتى يلحق بها النسب وفيه عظيم من الأموال وأن يكون لمن شهدت له امرأة عندك أن فلانة ولدته، والمشهود عليه ينكر أن يلحق به نسبه فيعفو دمه ويرى بناته ويرث ماله؟ قال: بلى قلت أريت أهل الذمة أليست تتم شهادتهم عندك فيما بينهم على كل شيء.
ولو شهدوا على مسلم بفلس لم يجز؟ قال بلى قلت، ولو شهدت لرجل امرأة وحدها على أحد بفلس لم يجز؟ قال: بلى قلت، فأسمعك فيما عدا شهود الزنا من المسلمين قد جعلت الشهادات كلها تامة في شيء ناقصة في غيره وعبت ذلك علينا وإنما قلنا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعناها حيث وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعنا حكم الله عز وجل حيث وضعه.
قال فقال فإذا حلفتم الرجل مع شاهده فكيف زعمتم أن رجلا لو كان غائبا عن بلد فشهد له رجل بحق له على رجل من وصية، أوصى له بها ميت، أو شهد لابنه بحق وهو يوم شهد الشاهد صغير وغائب، أو شهد له بحق وليه عبد له، أو
وكيل حلف وهو لا يعلم شهد شاهده بحق أم لا
وهو إن حلف حلف على ما لا يعلمه (قال الشافعي): - رحمه الله -: فقلت له لا ينبغي لرجل أن يحلف على ما لا يعلم ولكن العلم يكون من وجوه.
قال وما هي؟ قلت أن يرى الرجل بعينه، أو يسمع بأذنه من الذي عليه الحق، أو يبلغه فيما غاب عنه الخبر يصدقه فيسعه اليمين على كل واحد من هذا.
قال أما الرؤية وما سمع من الذي عليه الحق فأعرفه.
وأما ما جاء به الخبر الذي يصدق فقد يمكن فيه الكذب فكيف يكون هذا علما أحلفه عليه؟ قال فقلت له الشهادة على علمه أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه، أو يراها، أو اليمين قال كل لا ينبغي إلا هكذا وإن الشهادة لأولاهما أن لا يشهد منها إلا على ما رأى، أو سمع قلت؛ لأن الله عز وجل حكى عن قوم أنهم قالوا {وما شهدنا إلا بما علمنا} وقال {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} قال نعم قلت له أفيشهد الرجل على أن فلانا ابن فلان وهو غريب لم ير أباه قط؟ قال نعم قلت فإنما سمعه ينتسب هذا النسب ولم يسمع من يدفعه عنه ولا من شهد له بأن ما قال كما قال.
قال: نعم قلت ويشهد أن هذه الدار دار فلان وأن هذا الثوب ثوبه، وقد يمكن أن يكون غصب هذه الدار، أو أعيرها ويمكن ذلك في الثوب.
قال وإن أمكن، إذا لم ير مدافعا له في الدار والثوب، وكان الأغلب عليه أن ما شهد به كما شهد وسعته الشهادة وإن أمكن فيه أن يكون ليس على ما شهد به ولكن يشهد على الأغلب قلت: أرأيت لو اشترى رجل من رجل عبدا ولد بالمشرق، أو بالمغرب، والمشتري ابن مائة سنة، أو أكثر، والمشترى ابن خمس عشرة سنة، ثم باعه، فأبق عند المشتري فكيف تحلف البائع؟ قال أحلفه لقد باع العبد بريئا من الإباق قال فقلت يحلف البائع فقال لك هذا مغربي، أو مشرقي، وقد يمكن أن يكون أبق قبل أن يولد جدي، قال وإن؛ يسأل؟ قلت وكيف تمكن المسألة؟ قال كما أمكنتك قلت وكيف يجوز هذا؟ قال؛ لأن الأيمان يدخلها هذا قال أورأيت لو كان العبد ولد عنده أما كان يمكن فيه أن يأبق ولا يدري به؟ قلت بلى: قال فهذا لا تختلف الناس في أنهم يحلفون على البت لقد باع بريئا من الإباق ولكن يسعه أن يحلف على البت وإنما ذلك على علمه قلت فهل طعنت في الحالف على الحق يصير له بوجه من الوجوه وصية، أو ميراث، أو شيء يليه عبده، أو وكيله غائبا عنه بشيء إلا لزمك أكثر منه في الشهادات، والأيمان؟ قال ما يجد الناس من هذا بدا وما زال الناس يجيزون ما وصفت لك: قلت فإذا أجازوا الشيء فلم لم يجيزوا مثله وأولى أن يكون علما يسمع عليه الشهادة، واليمين منه؟ قال هذا يلزمنا قال فإن مما رددنا به اليمين مع الشاهد أن الزهري أنكرها قلت لقد قضى بها الزهري حين ولي فلو كان أنكرها، ثم عرفها وكنت إنما اقتديت به فيها كان ينبغي أن يكون أثبت لها عندك أن يقضي بها بعد إنكارها وتعلم أنه إنما أنكرها غير عارف بها وقضى بها مستفيدا علمها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (282)
صــــــــــ 10 الى صـــــــــــ 16
، ولو أقام على إنكارها ما كان في هذا ما يشبه على عالم قال وكيف قلت أرويت أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنكر على معقل بن يسار «حديث بروع بنت واشق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل لها المهر، والميراث» ورد حديثه وقال بخلافه؟ قال: نعم قلت وقال بخلاف حديث بروع بنت واشق مع علي زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر؟ قال: نعم قلت ورويت عن عمر بن الخطاب أن عمار بن ياسر روى «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الجنب أن يتيمم»، فأنكر ذلك عليه وأقام عمر على أن لا يتيمم الجنب وأقام على ذلك مع عمر ابن مسعود وتأولا قول الله عز وجل {وإن كنتم جنبا فاطهروا} قال: نعم قلت ورويت وروينا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة وليس معه من الناس إلا بلال وأسامة وعثمان، فأغلقها عليه وكلهم سميع بصير حريص على حفظ فعله والاقتداء به فخرج أسامة فقال أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة فيها فجعل كلما
استقبل منها ناحية استدبر الأخرى وكره أن يستدبر من البيت شيئا فكبر في نواحيها وخرج ولم يصل فكان ابن عباس يفتي أن لا يصلى في البيت»
وغيره من أصحابنا بحديث أسامة. وقال بلال صلى فما تقول أنت؟ قال يصلى في البيت، وقول من قال: كان أحق من قول من قال: لم يكن؛ لأن الذي قال: كان شاهد والذي قال: لم يكن ليس بشاهد، قلت: وجعلت حديث بروع بنت واشق سنة ولم تبطلها برد علي - رضي الله تعالى عنه -، وخلاف ابن عباس وابن عمر وزيد وثبت حديث بروع؟ قال: نعم قلت وجعلت تيمم الجنب سنة ولم تبطلها برد عمر وخلاف ابن مسعود في التيمم وتأولهما قول الله عز وجل {وإن كنتم جنبا فاطهروا} والطهور بالماء وقول الله عز ذكره {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} قال: نعم قلت له، وكذلك تقول لو دخلت أنا وأنت على فقيه، أو قاض فخرجت فقلت حدثنا كذا وقضى بكذا وقلت أنت ما حدثنا ولا قضى بشيء كان القول قولي لأني شاهد وأنت مضيع، أو غافل؟ قال: نعم قلت فالزهري لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أكثر أصحابه فلو أقام على إنكار اليمين مع الشاهد أي حجة تكون فيه إذا كان من أنكر الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه لا يبطل قول من روى الحديث كان الزهري إذا لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بأن لا يوهن به حديث من حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان بعض السنن قد يعزب عن عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يجدوها عند الضحاك بن سفيان وحمل بن مالك مع قلة صحبتهما وبعد دارهما وعمر يطلبها من الأنصار، والمهاجرين فلا يجدها فإن كان الحكم عندنا وعندك أن من حدث أولى ممن أنكر الحديث فكيف احتججت بأن الزهري أنكر اليمين مع الشاهد؟ فقال لي: لقد علمت ما في هذا حجة.
قلت: فلم احتججت.
به؟ قال احتج به أصحابنا وأن عطاء أنكرها.
قلت والزنجي أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا رجعة إلا بشاهدين إلا أن يكون عذر فيأتي بشاهد ويحلف مع شاهده (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فعطاء يفتي باليمين مع الشاهد فيما لا يقول به أحد من أصحابنا، ولو أنكرها عطاء هل كانت الحجة فيه إلا كهي في الزهري وأضعف منها فيمن أنكر ما لم يسمع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال لا، قلت لو ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بها أكان لأحد خلافها وردها بالتأويل؟ قال لا فذكرت له بعض ما روينا فيها وقلت له أتثبت مثل هذا؟ قال نعم ولكني لم أكن سمعته قلت: أفذهب عليك من العلم شيء؟ قال نعم، قلت فلعل هذا مما قد ذهب عليك وإذ قد سمعته فصر إليه فكذلك يجب عليك.
قال فإنه قد بلغنا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» أن خزيمة بن ثابت شهد لصاحب الحق (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فسألته من أخبره فإذا هو يأتي بخبر ضعيف لا يثبت مثله عندنا ولا عنده، فقلت له أرأيت لو كان خبرك هذا قويا، وكان خزيمة قد شهد لصاحب الحق، فأحلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ألم تكن خالفت خبرك الذي به احتججت؟ قال وأين خالفته؟ قلت أيعدو خزيمة أن يكون يقوم مقام شاهد فهو كما قلنا قال لا ولكنه من بين الناس يقوم مقام شاهدين قلت فإن جاء طالب حق بشاهدين أتحلفه معهما؟ قال لا، ولكن أعطيه حقه بغير يمين، قلت له: فهذه إذا سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرى خالفتها؛ لأنه إن كان قضى بشهادة خزيمة وهو يقوم مقام شاهدين فقد
أحلف مع شاهدين وإن كان قضى بشهادة خزيمة وهو كشاهدين فيما روينا عنه فقد قضى قضيتين خالفتهما معا.
قال فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قضى باليمين أنه علم أن حق الطالب حق فقلت له: أفيجوز في جميع ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى فيه بقضية إما بإقرار من المدعى عليه، أو ببينة المدعي أن يقال لعله إنما قضى به أنه علم أن ما أقر به المقر، أو ما قامت به البينة حق فلا يجوز لأحد بعده أن يقضي ببينة ولا بإقرار؛ لأن أحدا بعده لا يعلم صدق البينة ولا المقر؛ لأن هذا لا يعلم إلا من جهة الوحي، والوحي قد انقطع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا، قلت: وما قضى به على ما قضى به ولا يبطل بلعل؟ قال نعم، قلت: فلم أردت إبطال اليمين مع الشاهد بلعل؟ وقلت له: وأكلمك على لعل أفرأيت لو جاءك رجل يدعي على رجل ألفا فعلمت أنها عليه ثابتة هل تعدو من أن تكون ممن يقضي بعلمه فتأخذها له منه ولا تكلفه شاهدا ولا يمينا، أو ممن لا يأخذ بعلمه فلا تعطيه إياها إلا بشاهدين سواك؟ قال ما أعدو هذا، قلت له: فلو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد من قبل أنه علم أن ما ادعى المدعي حق كنت خالفته؟ قال فلعل المطلوب رضي بيمين الطالب.
قلت: وقد عدت إلى لعل، وقلت: أرأيت لو جاءك خصمان فرضي المطلوب بيمين الطالب أكنت تكلفه شاهدا وتحلفه؟ قال: لا، قلت: ولو حلف مع شاهده، والمطلوب يرضى بيمينه لم تعطه شيئا قال لا أعطيه بيمينه مع شاهده شيئا ولكن إن أقر بحقه أعطيته.
قلت: أنت تعطيه إذا أقر ولا تحلف الطالب؟ قال نعم، قلت: فهذه سنة أخرى إن كانت كما قلت خالفتها.
قال فما تقول أنت في أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: على المسلمين أن يحكموا بها كما حكم، وكذلك ألزمهم الله.
قال فلعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم من جهة الوحي، قلت: فما حكم به من جهة الوحي فقد بينه، وذلك مثل ما أحل للناس وحرم وما حكم به بين الناس بالبينة فعلى الظاهر حكم به؟ قال فما يدل على ذلك؟ قلت: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما أنا بشر تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت له: فقد أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أنه إنما يقضي بينهم بما يظهر له وأن الله ولي ما غاب عنه وليستن به المسلمون فيحكموا على ما يظهر لهم؛ لأن أحدا بعده من ولاة المسلمين لا يعرف صدق الشاهد أبدا إنما يحكم على الظاهر، وقد يمكن في الشهود الكذب، والغلط، ولو كان القضاء لا يكون إلا من جهة الوحي لم يكن أحد يقضي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن أحدا لا يعرف الباطن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إذا حلفتم الحر مع شاهده فكيف أحلفتم المملوك، والكافر الذي لا شهادة له؟ قلت: أرأيت الحر العدل إذا شهد لنفسه أتجوز شهادته؟ قال لا، قلت: ولو جازت شهادته أحلف على شهادته؟ قال لا، قلت: فكيف توهمت أنا جعلناه شاهدا لنفسه؟ قال؛ لأنكم أعطيتموه بيمينه فقامت مقام شاهد، فقلت له: أعطيناه بما قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي وإن أعطي بها كما يعطى بشاهد فليس معناها معنى الشهادة، قال وهل تجد على ما تقول دلالة؟ قلت نعم إن شاء الله تعالى، قلت له: أرأيت إن ادعى عليه حقا فجاء بشاهدين يشهدان له بالبراءة مما ادعى عليه أيبرأ؟ قال نعم، قلت: فإن حلف ولا بينة عليه أيبرأ؟ قال نعم، قلت: أفتقوم يمينه ببراءته مما ادعي عليه مقام شاهدين؟ قال نعم في هذا الموضع، قلت: أفيمينه شاهدان؟ قال لا وهما إن اجتمع
في معنى فقد يفترقان في غيره؛ لأنه لو حلف، فأبرأته، ثم جاء طالب الحق بشاهدين أبطلت يمينه وأخذت لصاحب الحق حقه بشهادته، قلنا فهكذا قلنا في اليمين وإن أعطينا بها كما أعطينا بشاهد فليست كالشاهد في كل أمرها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقلت له: أرأيت لو قال لك قائل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - اليمين على المدعى عليه في زمان أهله أهل عدل وإسلام والناس اليوم ليسوا كذلك ولا أحلف من ادعي عليه من مشرك ولا مسلم غير عدل، قال ليس ذلك له، وإذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا فهو عام، قلنا، وكذلك اليمين مع الشاهد لما قضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطالب الحق كان الحر العدل وغيره سواء فيها، والعبد، والكافر كما يكونون سواء فيما يقع عليهم من الأيمان فيكون خير الناس لو كان يعرف إذا ادعي عليه يحلف فيبرأ، والكافر أيضا كذلك فكذلك يحلفان ويأخذان، وقلت له أرأيت أهل محلة وجد بين أظهرهم قتيل، فأقام وليه شاهدين أنهم قتلوه خطأ؟ قال فالدية عليهم، قلت: فلو لم يقم شاهدين أتحلفهم وتعطيهم الدية؟ قال نعم كما نعطيهم إذا أتى بشاهدين، قلت: فأيمانهم بالبراءة من دمه إذا لم يكن له شاهدان كشاهدين لو شهدا عليهم بقتله فقال لا، فقلت له ولم، وقد أعطيت بها كما أعطيت بالشاهدين؟ قال إنما أعطيت بالأثر، قلت: ولا يلزمك ها هنا حجة؟ قال لا، قلنا فنحن أعطينا بالسنة التي هي أولى من الأثر فكيف زعمت أن الحجة لزمتنا؟ قلت له: فأيمان أهل المحلة وهم مشركون كأيمانهم لو كانوا مسلمين؟ قال نعم، قلت: ولو ادعى رجل على رجل حقا فنكل عن اليمين أتعطي المدعي حقه؟ قال نعم، قلت أفنكوله كشاهدين لو شهدا عليه؟ قال لا، قلت فقد أعطيته بنكوله كما تعطي منه بشاهدين؟ قال فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» قلنا هذا روي عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه عمرو بن شعيب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبته وثبتناه برواية ابن عباس خاصة وروى ابن عباس «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى باليمين مع الشاهد» وروى ذلك عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى ذلك أبو هريرة وسعد بن عبادة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرددته وهو أكثر وأثبت وثبتنا وثبت معنا الذي هو دونه، وقلت له أرأيت إذ حكم الله عز وجل في الزنا بأربعة شهود وجاءت بذلك السنة وقال الله عز وجل {شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} أما صار أهل العلم إلى إجازة أربعة في الزنا واثنين في غير الزنا ولم يقولوا أن واحدا منهما نسخ الآخر ولا خالفه وأمضوا كل واحد منهما على ما جاء فيه؟ قال بلى قلت: فإذا أجاز أهل العلم شهادة النساء وحدهن في عيوب النساء وغيرها من أمر النساء بلا كتاب مضى فيه ولا سنة أيجوز أن يقال إذ حد الله الشهادات فجعل أقلها شاهدا وامرأتين فلا تجور شهادة النساء لا رجل معهن ومن أجازها خالف القرآن والسنة إذا كان أقل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاهد ويمين، قال لا يجوز إذا لم يحظر القرآن لا يجوز أقل من شاهد وامرأتين نصا ولم تحظر ذلك السنة، والمسلمون أعلم بمعنى القرآن والسنة.
قلت: والسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم، أو ما قالت الفقهاء عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال، بل السنة، قلت فلم رددت السنة في اليمين مع الشاهد وتأولت القرآن ولم ترد أثرا بأقل من شاهد ويمين فتأولت عليه القرآن؟ قال وإذا ثبتت السنة لم أردها، وكانت السنة دليلا على القرآن.
قلت: فإن عارضك أحد بمثل ما عارضت به فقال لا يثبت عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه أجاز شهادة القابلة ولا عن عمر أنه حكم بالقسامة؟ قال إذا رواه الثقات فليس له هذا، قلت، فمن روى اليمين مع الشاهد
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوثق وأعرف ممن روى عن عمر وعلي ما رويت أفترد القوي وتأخذ بأضعف منه؟ وقلت له لا يعدو الحكم بالشاهدين أن يكون محرما أن يجوز أقل منه فأنت تجيزه، أو لا يكون محرما ذلك، فأنت مخطئ بقولك إنه محرم أن يجوز أقل منه، وقد بينا بعض ذلك في مواضعه وسكتنا عن كثير لعله أن يكون أكثر مما بينا اكتفاء بما بينا عما لم نبين وإن الحجة لتقوم بأقل مما بينا، والله تعالى أعلم.
المدعي والمدعى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال فما تقول في البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه أهي عامة؟ قلت لا، ولكنها خاصة على بعض الأشياء دون بعض قال فإني أقول إنها عامة قلت حتى يبطل بها جميع ما خالفتنا عليه قال فإن قلت ذلك؟ قلت إذا تترك عامة ما في يدك قال وأين قلت فما البينة التي أمرت أن لا تعطى بأقل منها؟ قال بشاهدين، أو شاهد وامرأتين قلت فما تقول في مولى لي وجدته قتيلا في محلة فلم أقم بينة على أحد منهم بعينه أنه قتله؟ قال نحلف منهم خمسين رجلا خمسين يمينا، ثم نقضي بالدية عليهم وعلى عواقلهم في ثلاث سنين قلت فقالوا لك زعمت أن كتاب الله يحرم أن يعطى بأقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين وزعمت أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرم أن يعطى مدع إلا بالبينة وهي شاهدان عدلان، أو شاهد وامرأتان وزعمت أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على أن اليمين براءة لمن حلف فكيف أعطيت بلا شاهد وأحلفتنا ولم تبرئنا فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة؟ قال لم أخالفهما وهذا عن عمر بن الخطاب قلت أرأيت لو كان ثابتا عن عمر لكان هذا الحكم مخالفا للكتاب والسنة وما قال عمر من أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه؟ قال لا؛ لأن عمر أعلم بالكتاب والسنة ومعنى ما قال قلت أفدلك هذا الحكم خاصة على أن دعواك أن الكتاب يحرم أن يعطى أحد بأقل من شاهدين وأن السنة تحرم أن يحول حكم عن أن يعطى فيه بأقل من شاهدين، أو يحلف فيه أحد، ثم لا يبرأ ليس بعام على جميع الأشياء كما قلت؟ قال نعم ليس بعام ولكني إنما أخرجت هذا من جملة الكتاب والسنة بالخبر عن عمر قلت أفرأيتنا قلنا باليمين مع الشاهد بآرائنا، أو بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك ألزم لنا ولك من الخبر عن غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقلت أرأيت إن قال لك أهل المحلة إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي» فلم لا تكلف هذا بينة وقال اليمين على المدعى عليه وقال ذلك عمر أفمدعى علينا قال؟ كأنكم قلنا وكأنكم ظن، أو يقين هذا ولي القتيل لا يزعم أنا قتلناه، وقد يمكن أن يكون غيرنا قتله وطرحه علينا فكيف أحلفتنا ولسنا مدعى علينا قال فأجعلكم كالمدعى عليهم قلنا فقالوا ولم تجعلنا وولي الدم لا يدعي علينا، وإذا جعلتنا أفبعضنا مدعى عليه، أو كلنا؟ فقال، بل كلكم فقلنا فقالوا فأحلفنا كلنا فلعل فينا من يقر فتسقط الغرامة عنا وتلزمه قال فلا أحلفكم كلكم إذا جاوزتم خمسين قلنا فقالوا لو ادعى علينا درهما أتحلفنا كلنا؟ قال نعم قلنا فقالوا فأنت تظلم ولي القتيل إذا لم تحلفنا كلنا وكلنا مدعى علينا وتظلمنا إذا أحلفتنا ولسنا مدعى علينا وتخص بالظلم خيارنا ولا تقتصر على يمين واحدة على إنسان لو كنا اثنين أحلفت كل واحد منا خمسة وعشرين يمينا، أو واحدا أحلفته خمسين يمينا وإنما الأيمان على كل من حلف من كان
فيما سوى هذا عندك وإن عظم يمين واحدة وتحلفنا وتغرمنا فكيف جاز هذا لك؟ قال رويت هذا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قلت فقالوا لك فإذا رويت أنت الشيء عن عمر ألا تتهم المخبرين عنه وتتركه لأن ظاهر الكتاب يخالفه والسنة وما جاء عنه؟ قال لا يجوز لي أن أزعم أن الكتاب ولا السنة ولا قوله يخالفه ولكني أقول الكتاب على خاص والسنة وقوله كذلك قلت فإن قيل: إنه غلط من رواه عن عمر؛ لأن عمر لا يخالف ظاهر الكتاب والسنة وقوله هو نفسه البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه قال لا يجوز أن أتهم من أثق به ولكني أقول إن الكتاب والسنة.
وقول عمر على خاص وهذا كما جاء فيما جاء فيه وأستعمل الأخبار إذا وجدت إلى استعمالها سبيلا ولا أبطل بعضها ببعض قلت فلم إذا قلنا باليمين مع الشاهد زعمت أن الكتاب والسنة عام، ثم قلت الآن خاص ولم تجز لنا ما أجزت لنفسك؟ وقلت له أرأيت إن قال لك أهذا الحديث ثابت عن عمر؟ قال نعم هو ثابت فقلت فقال لك فقلت به على ما قضى به عمر ولم تلتفت إلى شيء إن خالفه في أصل الجملة وقلدت عمر فيه؟ قال نعم وهو ثابت فقلت له فقال لك خالفت الحديث عن عمر فيه قال وأين؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كتب في قتيل وجد بين خيران ووداعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منها خمسون رجلا حتى يوافوه بمكة، فأدخلهم الحجر فأحلفهم، ثم قضى عليهم بالدية فقالوا ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا فقال عمر كذلك الأمر وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال قال عمر حقنتم بأيمانكم دماءكم ولا يبطل دم مسلم قال وهكذا الحديث قلنا أفللحاكم اليوم أن يرفع قوما من مسيرة اثنين وعشرين ليلة وعندهم حاكم يجوز حكمه؟ قال لا ولا من مسيرة ثلاث قلنا فقد رفعهم عمر من مسيرة اثنين وعشرين ليلة وعندهم حكام تجوز أحكامهم هم أقرب إليهم من مكة قلنا أفللحاكم أن يكتب إلى الحاكم يخرج خمسين رجلا، أو إنما ذلك إلى ولي الدم يختار منهم خمسين رجلا؟ قال، بل إلى ولي الدم قلنا فعمر إنما كتب إلى الحاكم برفع خمسين فرفعهم زعمت ولم يجعل رفعهم إلى ولي الدم ولم يأمره بتخيرهم فيرفعهم الحاكم باختيار الولي قلنا، أو للحاكم أن يحلفهم في الحجر؟ قال لا ويحلفهم حيث يحكم قلنا فعمر لا يحكم في الحجر، وقد أحلفهم فيه قلنا، أو للحاكم لو لم يحلفوا أن يقتلهم؟ قال لا قلنا فعمر يخبر أنهم إنما حقنوا دماءهم بأيمانهم وهذا يدل على أنه يقتلهم لو لم يحلفوا فهذه أحكام أربعة تخالف فيها عمر لا مخالف لعمر فيها من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد علمته خالفه فيها وتقبل عنه حكما يخالف بعض حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القسامة؛ لأن «رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل على يهود دية، وقد وجد عبد الله بن سهل بينهم» أفتأخذ ببعض ما رويت عن عمر وله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالف وتترك ما رويت عنه مما لا مخالف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن غيره من أصحابه أربعة أحكام. فأي جهل أبين من قولك هذا؟ قال أفثابت هو عندك؟ قلت لا إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور، والحارث الأعور مجهول ونحن نروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإسناد الثابت أنه بدأ المدعين فلما لم يحلفوا قال أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا فإذا قال أفتبرئكم لا يكون عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجعل على اليهود، والقتيل بين أظهرهم شيئا ويروى عن عمر أنه بدأ المدعى عليهم، ثم ردوا الأيمان على المدعين وهذان جميعا يخالفان ما رويتم عنه وقلت له إذ زعمت أن الكتاب يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين وأن السنة تدل على أن لا يعطى أحد إلا ببينة فما تقول في رجل قال لامرأته ما ولدت هذا الولد مني وإنما
استعرتيه ليلحق بي نسبه؟ قال إن جاءت بامرأة واحدة تشهد بأنها ولدته ألحقته به إلا أن يلاعنها قلت: وكذلك عيوب النساء، والولاد تجيز فيه شهادة امرأة واحدة؟ قال نعم قلت فعمن رويت هذا القول؟ قال عن علي - رضي الله تعالى عنه - بعضه؛ قلت أفيد لك هذا على أن ما زعمت من أن القرآن يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين والسنة ليس كما ادعيت؟ قال نعم، وقد أعطيتك هذا قبل هذا في القسامة ولكن في هذا علة أخرى قلت وما هي؟ قال إن الله عز وجل إنما وضع حدوده على ما يحل فلو أن شاهدين عمدا أن ينظرا إلى فرج امرأة تلد ليشهدا لها بذلك كانا بذلك فاسقين لا تقبل شهادتهما.
قلت فهل في القرآن استثناء إلا ما لا يراه الرجال قال لا قلت فقد خالفت في أصل قولك القرآن، قلت أفرأيت شهود الزنا إذا كانوا يديمون النظر ويرصدون المرأة والرجل يزنيان حتى يثبتوا ذلك يدخل منه دخول المرود في المكحلة فيرون الفرج والدبر، والفخذين وغير ذلك من بدنهما إلى ما لا يحل لهم نظره أم إلى ما يحرم عليهم قال، بل إلى ما يحرم عليهم.
قلت فكيف أجزت شهادتهم؟ قال أجازها عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قلت فإن كان عمر بن الخطاب يجيز شهادة من نظر إلى ما يحرم عليه؛ لأنه إنما نظر ليشهد لا ليفسق فكيف زعمت أنك ترد شهادة من نظر إلى ما يحرم عليه ليشهد وفسقته قال ما أردها.
قلت: قد زعمت ذلك أولا فانظر فإن كانت امرأة مسلمة صالحة عند فاسق فقالت هو ينكر ولدي فيقلدني وولدي عارا وأنت تزعم أن الكتاب والسنة لا يجيزان أقل من شاهد وامرأتين فأجلس شاهدين، أو شاهدا وامرأتين من خلف الباب والنساء معي فإذا خرج رأس ولدي كشفنني ليروا خروجه مني فيلحق بأبيه فهذا نظر لنثبت به شهادة لي وللمولود وهو من حقوق الناس وأنت تشدد في حقوق الناس وليس هذا بنظر يتلذذ به الشاهدان، بل هو نظر يقذرانه ونظر شهود الزنا يجمع أمرين أنه أطول من نظرهما إلى ولادتي وأعم لعامة البدن وأنه نظر لذة يحرك الشهوة ويدعو إليها، فأجز هؤلاء كما أجزت شهادة شهود الزنا واردد شهادة شهود الزنا فهم أولى أن يردوا إذا كان ذلك يجوز لقولك إن من نظر إلى ما يحرم عليه فهو بذلك فاسق ترد شهادته إذا كان حدا لله عز وجل وأنت تدرأ حد الله بالشبهات وتأمر بالستر على المسلمين، قال لا أرد هؤلاء لو شهدوا ولا أكلفك هذا.
قلت فقد خالفت ما قلت أولا من أن الله عز وجل حرم أن يجوز أقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين ومما ادعيت في السنة وما احتججت به من أن هذا محرم على الناس أن يشهدوا فيه، وقلت أرأيت استهلال المولود، لم تقبل عليه شهادة امرأة والرجال يرونه قال قبلتها على ما قلت أولا قلت: أفلا تدع ذلك بما ادعيت في الكتاب والسنة؟ قال لا يخالف الكتاب.
قلت فالكتاب والسنة بهذا وبالقتيل يوجد في المحلة خاص؟ قال نعم: قلت لا تحتج بأنه عام مرة وتقول أخرى هو خاص وقلت له أرأيت الرجل، والمرأة يتداعيان متاع البيت لم لم تحكم فيه بأن تجعله للذي له البيت، أو للمرأة؛ لأنها ألزم للبيت وتجعل الزوج مدعيا، أو المرأة وتكلف أيهما جعلت مدعيا البينة، أو تجعله في أيديهما فتقسمه بينهما وبهذا نقول نحن فنقسمه بينهما وأنت تخالف هذا فتعطيها على غير بينة ولا معنى لكينونة الشيء في أيديهما فتجعل متاع الرجال للرجال ومتاع النساء للنساء وما يصلح لهما معا بينهما، وقد يملك الرجل متاع النساء، والمرأة متاع
الرجال، أو أورأيت الرجلين يتداعيان الجدار معا لم لم تجعله بينهما؟.
وكذلك نقول نحن ولم جعلته لمن يليه معاقد القمط وأنصاف اللبن؟ فتقول هذا كالدلالة على أن من يليه معاقد القمط وأنصاف اللبن مالك للجدار، وقد يبني الرجل الجدار بناء مختلفا، وقد يكونان اقتسما المنزل فلم يعتدل القسم إلا بأن يجعلا هذا الجدار لمن ليس إليه معاقد القمط وأنصاف اللبن؟ ويكون أحدهما اشتراه هكذا، أو رأيت الرجل يتكارى من رجل بيتا فيختلفان في رفاف البيت والرفاف بناء فلم لم تجعل البناء لصاحب البيت؟.
وكذلك نقول زعمت أنت أن الرفاف إن كانت ثابتة في الجدار فهي لصاحب البيت وإن كانت ملتصقة فهي للساكن، وقد يبني صاحب البيت رفافا ملتصقة ويبني الساكن رفافا فيحفر لها في الجدار فتصير فيه ثابتة وأعطيت في هذا كله بلا بينة واستعملت فيه أضعف الدلالة ولم تعتمد فيه على أثر ثابت ولا إجماع من الناس، ثم لم تنسب نفسك إلى خلاف كتاب الله ولا سنة ولا قياس وإن كان قول الله عز وجل فيه {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} محرما أن يعطي أحد بأقل من هذا فقد أعطيته بأقل من هذا وخالفته بلا عذر وخالفت ما ادعيت من أن السنة دلت على أن لا يعطى أحد إلا ببينة فيه وفي غيره مما هذا كاف منه ومبين عليك تركك قولك فيه قال فإنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن فإن وافقه، فأنا قلته وإن خالفه فلم أقله» فقلت له فهذا غير معروف عندنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمعروف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا خلاف هذا وليس يعرف ما أراد خاصا وعاما وفرضا وأدبا وناسخا ومنسوخا إلا بسنته - صلى الله عليه وسلم - فيما أمره الله عز وجل به فيكون الكتاب بحكم الفرض والسنة تبينه قال وما دل على ذلك؟ قلت قول الله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فقد بين الله عز وجل أن الرسول قد يسن وفرض الله على الناس طاعته (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثني سالم أبو النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه، أو أمرت به فيقول ما ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقلت له لو كان هذا الحديث الذي احتججت به ثابتا كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه إن شاء الله تعالى.
وقال لي بعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد قال الله عز وجل {ذوي عدل منكم} وقال {شهيدين من رجالكم} فكيف أجزتم أقل من هذا؟ فقلت له لما لم يكن في التنزيل أن لا يجوز أقل من شاهدين، وكان التنزيل محتملا أن يكون الشاهدان تامين في غير الزنا ويؤخذ بهما الحق لطالبه ولا يمين عليه، ثم وجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيز اليمين مع الشاهد لصاحب الحق ويأخذ حقه ووجدت المسلمين يجيزون شهادة أقل من شاهدين ويعطون بها دلت السنة وعمل المسلمين على أن قول الله عز وجل، {شهيدين من رجالكم} ليس محرما أن يجوز أقل منه والله تعالى أعلم، ونحن نسألك فإن قلت بمثل قولنا لزمك أن ترجع إلى اليمين مع الشاهد وإن خالفته لزمك أن تترك عامة قولك وإن تبين لك أن ما قلت من هذا ونجلتنا على غير ما قلت وأنك أولى بما نجلتنا من الخطإ في القرآن منا قال فسل، فقلت حد لي كل حكم في {شهيدين من رجالكم} قال أن يجوز فيؤخذ به الحق بغير يمين من الطالب قلت وماذا قال وفيه تحريم أن يؤخذ الحق بأقل منه؟ قلت وما الشاهدان من رجالنا؟ قال حران مسلمان عدلان قلت له فالاثنان ذوي عدل كما وصفت يجوزان ومحرم أن يجوز إلا ما زعمت ووصفت أنهم شرطوا في الكتاب؟ قال: نعم قلت فلم أجزت أهل الذمة فيما بينهم.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (283)
صــــــــــ 17 الى صـــــــــــ 23
والآيتان بينتان أنهما
في المؤمنين وإنما قلت في الأحرار المؤمنين خاصة بتأول ونحن بالآيتين لا نجيز شهادة أهل الذمة فيما بينهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فرجع بعضهم إلى قولنا فقال لا تجوز شهادة أهل الذمة.
وقال: القرآن يدل على ما قلتم وأقام أكثرهم على إجازتها فقلت له: لو لم يكن عليكم حجة فيما ادعيتم في الآيتين إلا إجازة شهادة أهل الذمة كنتم محجوجين ليس لكم أن تتأولوا على أحد ما قلتم؛ لأنكم خالفتموه وكنتم أولى بخلاف ظاهر ما تأولتم من غيركم.
قال فإنما أجزنا شهادة أهل الذمة بآية أخرى، قلنا وما هي؟ قال قول الله عز وجل {حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} فقلت له: أناسخة هذه الآية عندك ل {شهيدين من رجالكم}، أو منسوخة بها؟ قال ليست بناسخة ولا منسوخة، ولكن كل فيما نزل فيه: قلت فقولك إذا لا يجوز إلا الأحرار المسلمون ليس كما قلت، قال فأنت تقول بهذا؟ قلت: لست أقول به، بل سمعت من أرضى يقول فيه غير ما قلت، قال فإنا نقول هي في المشركين فقلت فقل هي في جماعة المشركين أهل الأوثان وغيرهم؛ لأن كلهم مشرك وأجز شهادة بعضهم لبعض، قال: لا قلت، فمن قال هي في أهل الكتاب خاصة.
أرأيت إن قال قائل أجيز شهادة أهل الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأن أهل الأوثان لم يبدلوا كتابا إنما وجدوا آباءهم على ضلال فتبعوهم وأهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله عز وجل وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هذا من عند الله.
فلما بان لنا أن أهل الكتاب عمدوا الكذب على الله لم تكن شهادتهم جائزة، فأخبرنا الله عز وجل أنهم كذبة وإذ كنا نبطل الشهادة بالكذب على الآدميين كانوا هم أولى فإذا تقول له ما أعلمه إلا أحسن مذهبا وأقوى حجة منك، قلت له أفتجيز شهادة أهل الذمة على وصية مسلم اليوم كما زعمت أنها في القرآن؟ قال: لا قلت ولم قال هي منسوخة قلت بماذا قال بقوله {ذوي عدل منكم} قلت وما نسخ لم يعمل به وعمل بالذي نسخه قال نعم قلت فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن إذ زعمت أن الله شرط أن لا يجوز إلا مسلم وأجزت كافرا، وإذا نسخت فيما زعمت أنها نزلت فيه أفتثبت في غير ما نزلت فيه؟ قال: لا قلت فما الحجة في إجازة شهادة أهل الذمة قال إن شريحا أجازها فقلت له أنت تزعم أنها منسوخة بقول الله عز وجل {ذوي عدل منكم} أو {شهيدين من رجالكم} يعني المؤمنين، ثم تخالف هذا.
قال فإن شريحا أعلم مني: قلت فلا تقل هي منسوخة إذا قال فهل يخالف شريحا غيره؟ قلت: نعم سعيد بن المسيب وابن حزم وغيرهما وفي كتاب الله الحجة التي هي أقوى من هذا وقلت له تخالف أنت شريحا فيما ليس فيه كتاب ولا له فيه مخالف مثله قال إني لأفعل قلت له وكيف تحتج به على الكتاب وعلى ما له فيه مخالف وأنت تدع قوله لرأي نفسك؟ فقال أجزت شهادتهم للرفق بهم لئلا تبطل حقوقهم إن لم نجز شهادتهم بينهم.
فقلت له نحن لم نبطل حقوقهم فيما بينهم لهم حكام لم يزالوا يتراضون بهم لا ندخل في أمرهم فإن أرادوا دخولنا في أحكامهم لم ندخل إلا بما أمرنا الله تعالى به من إجازة شهادة من أمرنا من المسلمين وقلت له: أرأيت إذا اعتللت بالرفق بهم لئلا تبطل حقوقهم فالرفق بالمسلمين يلتعن، أو الرفق بهم؟ (قال): بل الرفق بالمسلمين.
قلت له: ما تقول في عبيد عدول مأمونين كانوا بموضع في صناعة، أو على حفظ مال فشهد بعضهم لبعض في دم، أو مال؟ قال لا تجوز شهادتهم قلت: فما تقول في أهل البحر، والأعراب الأحرار المسلمين لا يخالطهم غيرهم إذا لم نجد من يعدلهم من أهل العدل فشهد بعضهم لبعض في دم، أو مال؟ قال لا تجوز
شهادتهم قلت فإذا لم تجزها بطلت حقوقهم بينهم (قال): وإن بطلت، فأنا لم أبطلها وإنما أمرت بأخذ الحق بالعدول الأحرار فإذا كانوا عدولا غير أحرار فقد نقصوا أحد الشرطين، أو كانوا أحرارا لا يعرف عدلهم فقد نقصوا أحد الشرطين قلت والشرط الثالث مؤمنين؟ قال نعم: قلت فقد نقص أهل الكتاب أعظم الشروط الإيمان وأجزت شهادتهم ونقص العبيد، والأحرار أقل الشروط فرددت شهادتهم وفيهم شرطان ولم إذا اعتللت بالرفق بهم لم ترفق بالمسلمين فتجيز شهادة بعضهم على بعض فالعبيد العدول لو عتق أحدهم اليوم جازت شهادته وأهل الذمة لو أسلموا لم تقبل شهادتهم حتى نختبر إسلامهم بعد مدة تطول، والمسلمون أولى بأن نرفق بهم ونحتاط لهم في أن لا نبطل حقوقهم من المشركين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فما زاد على أن قال هكذا قال أصحابنا.
وقلت: أرأيت قول الله تبارك وتعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} أليس بين في كتاب الله عز وجل بأن فرض غسل القدمين، أو مسحهما؟ قال بلى: قلت لم مسحت على الخفين ومن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس إلى اليوم من ترك المسح على الخفين ويعنف من مسح؟ قال ليس في رد من رده حجة، وإذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء لم يضره من خالفه.
وقلت ونعمل به وهو مختلف فيه كما نعمل به لو كان متفقا عليه ولا نعرضه على القرآن؟ قال لا، بل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على معنى ما أراد الله عز وجل قلنا فلم لا تقول بهذا في اليمين مع الشاهد وغيره مما تخالف فيه الحديث وتريد إبطال الحديث الثابت بالتأويل وبأن تقول الحديث يخالف ظاهر القرآن وقلت له: قال الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقال الله عز وجل {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال بعض الخوارج بمثل معنى قولك في اليمين مع الشاهد يقطع كل من لزمه اسم سرقة قلت سرقته، أو كثرت ويجلد كل من لزمه اسم الزنا مملوكا كان، أو حرا محصنا، أو غير محصن وزعمت أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - جلد الزاني ورجمه فلم رغبت عن هذا؟ قال جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن لا يقطع إلا من سرق من حرز ومن بلغت سرقته شيئا موقتا دون غيره ورجم ماعزا ولم يجلده ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد الله عز ذكره قلت له: وهل جاء هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بحديث كحديث اليمين مع الشاهد فما استطاع دفع ذلك وذكرت له أمر المواريث كلها وما ورث الله الولد، والوالد، والإخوة، والأخوات والزوجة والزوج.
فقلت له: فلم قلت إذا كان الأب كافرا، أو مملوكا، أو قاتلا عمدا، أو خطأ لم يرث واحد من هؤلاء قال: جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» قلت فهل روي عن معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن المسيب ومحمد بن علي بن حسين أنهم قالوا يرث المسلم الكافر وقال بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ولا يرث الكافر المسلم كما لا تحل لهم نساؤنا فلم لم تقل به؟ قال ليس في أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع هذا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلنا وإن قال لك قائل: هؤلاء أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولعله أراد بعض الكافرين دون بعض قال مخرج القول من النبي - صلى الله عليه وسلم - عام فهو على العموم ولا نزعم أن وجها لتفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قول غيره، ثم قول من لم يحتمل ذلك الحديث المفسر، وقد يكون لم يسمعه.
قلنا هذا كما قلت الآن فكيف زعمت أن المرتد يرثه ورثته من المسلمين؟ قال بقول علي - رضي الله تعالى عنه - قلنا فقد قلنا لك إن احتج عليك بقول معاذ وغيره فقلت ليس فيه حجة فإن لم تكن فليست في حجتك
بقول علي - رضي الله تعالى عنه - حجة وإن كانت فيه حجة فقد خالفتها مع أن هذا غير ثابت عن علي عند أهل العلم منكم وقلت له حديث اليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث «لا يرث المسلم الكافر» فثبته ورددت قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - باليمين وهو أصح منه.
وقلت له في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يرث قاتل من قتل» حديث يرويه عمرو بن شعيب مرسلا وعمرو بن شعيب يروي مسندا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «يرث قاتل الخطإ من المال ولا يرث من الدية ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية» وترد حديثه وتضعفه، ثم نحتج من حديثه بأضعف مما احتججت به وقلت له قد قال الله عز ذكره {فإن كان له إخوة فلأمه السدس}، وكان ابن عباس لا يحجبها عن الثلث إلا بثلاثة إخوة وهذا الظاهر وحجبتها بأخوين وخالفت ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ومعه ظاهر القرآن (قال): قاله عثمان - رضي الله تعالى عنه - وقال توارث عليه الناس قلنا فإن قيل: لك فاترك ما توارثوا عليه إلى ظاهر القرآن (قال): فقال عثمان أعلم بالقرآن منا وقلنا ابن عباس أيضا أعلم منا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين} فقلت لبعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد إنما ذكر الله عز وجل المواريث بعد الوصية والدين فلم تختلف الناس في أن المواريث لا تكون حتى يقضي جميع الدين وإن أتى ذلك على المال كله أفرأيت إن قال لنا ولك قائل الوصية مذكورة مع الدين فكيف زعمت أن الميراث يكون قبل أن ينفذ شيء من جميع الوصية واقتصرت بها على الثلث هل الحجة عليه إلا أن يقال الوصية وإن كانت مذكورة بغير توقيت فإن اسم الوصية يقع على القليل، والكثير فلما احتملت الآية أن يكون يراد بها خاص وإن كان مخرجها عاما استدللنا على ما أريد بالوصية بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد الله عز وجل قال ما له جواب إلا هذا قلت: فإن قال لنا ولك قائل ما الخبر الذي دل على هذا؟ قال: «قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد الثلث والثلث كثير» قلنا فإن قال لك هذه مشورة ليست بحكم ولا أمر أن لا يتعدى الثلث، وقد قال غير واحد الخمس أحب إلي في الوصية من غير أن يقول لا تعدو الخمس ما الحجة عليه؟ قال حديث عمران بن حصين «أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند الموت، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة» قلنا فقال لك فدلك هذا على أن العتق وصية وأن الوصية مرجوعة إلى الثلث قال نعم أبين الدلالة قلنا فقال لك أفثابت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دلك على أن الوصية في القرآن على خاص؟ قال نعم: قلنا فقال لك نوهيه بأن مخرج الوصية كمخرج الدين، وقد قلت في الدين عام، قال لا والسنة تدل على معنى الكتاب، قلت فأي حجة على أحد أبين من أن تكون تزعم أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدالة على معنى كتاب الله أن أقرع بين مماليك عمران بن حصين أعتقهم ستا، فأعتق اثنين وأرق أربعة، ثم خالفت ما زعمت أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبينة فرق بها بين الوصية والدين ومخرج الكلام فيهما واحد فزعمت أن هؤلاء الرقيق كلهم يعتقون ويسعى كل واحد منهم في خمسة أسداس قيمته، قال إني إنما قلته لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في عبد أعتق أن يعتق ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته»، قلنا هذا حديث غير ثابت، ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة، قال ومن
أين؟ قلت: أرأيت المعتق ستة أليس معتق ماله ومال غيره، فأنفذ ماله ورد مال غيره قال بلى، قلت: فكانت الستة يتجزءون، والحق فيما يتجزأ إذا اشترك فيه قسم فأعطي كل من له حق نصيبه؟ قال نعم قلت فإذا كان فيما لا يتجزأ لم يقسم مثل العبد الواحد والسيف، قال نعم.
قلت: فالعبيد يتجزءون فجزأهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفترد الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خبر لا يخالفه في كل حال أم تمضي كل واحد منهما كما جاء؟ قال، بل أمضي كل واحد منهما كما جاء.
قلت: فلم لم تفعل في حديث عمران بن حصين حين رددته على ما يخالفه؛ لأن ما يتجزأ يخالف في الحكم ما لا يتجزأ، ولو جاز أن يكونا مختلفين فنطرح أحدهما للآخر طرح الضعيف للقوي وحديث الاستسعاء ضعيف، ولو جاز أن يكون حديث عمران بن حصين في القرعة منسوخا، أو غير ثابت لم يكن لنا ولك في الاقتصار بالوصايا على الثلث حجة ولا على قوم خالفوه في معنى آخر من هذا الحديث قال وما قالوا؟ قلنا: قالوا قال الله عز وجل {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} وقال في جميع المواريث مثل هذا المعنى فإنما ملك الله الأحياء ما كان يملك غيرهم بالميراث بعد موت غيرهم، فأما ما كان مالك المال حيا فهو مالك ماله وسواء كان مريضا، أو صحيحا؛ لأنه لا يخلو مال من أن يكون له مالك وهذا مالك لا غيره فإذا أعتق جميع ما يملك، أو وهب جميع ما يملك عتق بتات، أو هبة بتات جاز العتق، والهبة وإن مات؛ لأنه في الحال التي أعتق فيها ووهب مالك قال ليس له من ذلك إلا الثلث، قلنا فقال لك ما دلك على هذا؟ قال حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في «رجل أعتق ستة مملوكين لا مال له غيرهم، فأقرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة»، قلنا فإن قال لك إن كان الحديث معارضا بخلافه فلا يجوز أن يكون حكم الحديث عندك إلا أن يكون ضعيفا بالمعارض له وما كان ضعيفا عندك من الحديث فهو متروك؛ لأن الشاهد إذا ضعف في الشهادة لم يحكم بشهادته التي ضعف فيها، وكان معناه معنى من لم يشهدوا الحديث عندك في ذلك المعنى، أو يكون منسوخا فالمنسوخ كما لم يكن قال ما هو بضعيف ولا منسوخ قلنا فإن قال لك فكيف جاز لك تركه في نفس ما حكم به فيه ولا يجوز لك تركه كله؟ قال ما تركته كله، قلنا فقال هو لفظ واحد وحكم واحد وتركك بعضه كتركك كله مع أنك تركت جميع ظاهر معانيه وأخذت بمعنى واحد بدلالة، أو رأيت لو جاز لك أن تبعضه فتأخذ منه بشيء وتترك شيئا، وأخذ رجل بالقرعة التي تركت وترك أن يرد ما صنع المريض في ماله إلى الثلث بالحجة التي وصفت أما كان هذا أولى أن يكون ذهب إلى شبهة من القرآن، والقياس منك قال: وأين القياس قلت: أنت تقول ما أقر به لأجنبي في ماله، ولو أحاط بماله جاز وما أتلف من ماله بعتق، أو غيره، ثم صح لم يرد؛ لأنه أتلفه وهو مالك، ولو أتلفه وهو غير مالك لم يجز له به، وقلت له أرأيت حين «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندك» وأذن بالسلف إلى أجل مسمى أليس هو بيع ما ليس عندك؟ قال بلى، قلت: فإن قال قائل: فهذان مختلفان عندك؟ قال فإذا اختلفا في الجملة ووجدت لكل واحد منهما مخرجا ثبتهما جميعا، وكان ذلك عندك أولى بي من أن أطرح أحدهما بالآخر فيكون لغيري أن يطرح الذي ثبت ويثبت الذي طرحت فقلت «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندك» على بيع العين لا يملكها وبيع العين بلا ضمان.
قال نعم، قلت والسلف وإن كان ليس عندك أليس ببيع مضمون عليك، فأنفذت كل واحد منهما ولم تطرحه بالآخر قال: نعم.
قلت: فلزمك هذا في حديث عمران بن حصين، أو لا يكون مثل هذا حجة لك قلت: أرأيت إن قال قائل.
قال الله تبارك وتعالى
{حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} ثم قال {كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم} فقال قد سمى الله من حرم، ثم أحل ما وراءهن فلا أزعم أن ما سوى هؤلاء حرام فلا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها؛ لأن كل واحدة منهما تحل على الانفراد ولا أجد في الكتاب تحريم الجمع بينهما قال ليس ذلك له، والجمع بينهما حرام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه قلنا فإن قال لك أفتثبت نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - وحده عن الجمع بينهما وفي ظاهر الكتاب عندك إباحته ولا توهنه بظاهر الكتاب قال فإن الناس قد أجمعوا عليه قلنا فإذا كان الناس أجمعوا على خبر الواحد بتصديق المخبر عنه ولا يحتجون عليه بمثل ما تحتجون به ويتبعون فيه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء خبر آخر أقوى منه فكيف جاز لك أن تخالفه وكيف جاز لك أن تثبت ما اختلفوا فيه مما وصفنا بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة وتعيب علينا أن ثبتنا ما هو أقوى منه وقلت لبعض من يقول هذا القول قد قال الله عز وجل {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف} فإن قال لك قائل تجوز الوصية لوارث قال روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلنا فالحديث لا تجوز الوصية لوارث أثبت أم حديث اليمين مع الشاهد قال، بل حديث اليمين مع الشاهد ولكن الناس لا يختلفون في أن الوصية لوارث منسوخة قلنا أليس بخبر قال بلى قلت: فإذا كان الناس يجتمعون على قبول الخبر، ثم جاء خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقوى منه لم جاز لأحد خلافه قلنا أرأيت إن قال لك قائل لا تجوز الوصية إلا لذي قرابة فقد قاله طاوس قال العتق وصية قد أجازها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمران للمماليك ولا قرابة لهم قلنا أفتحتج بحديث عمران مرة وتتركه أخرى وقلت له نصير بك إلى ما ليس فيه سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نوجدك تخرج من جميع ما احتججت به وتخالف فيه ظاهر الكتاب عندك.
قال وأين قلت قال الله عز وجل {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} وقال الله عز وجل {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} فلم زعمت أنه إذا أغلق بابا، أو أرخى سترا وهما يتصادقان أنه لم يمسها فلها الصداق كاملا وعليها العدة، وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قال ليس لها إلا نصف المهر ولا عدة عليها وشريح يقول ذلك وهو ظاهر الكتاب قال قاله عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما -، قلنا وخالفهما فيه ابن عباس وشريح ومعهما عندك ظاهر الكتاب قال هما أعلم بالكتاب منا قلنا وابن عباس وشريح عالمان بالكتاب ومعهما عدد من المفتين فكيف قلت بخلاف ظاهر الكتاب في موضع قد نجد المفتين فيه يوافقون ظاهر الكتاب واحتججت في ذلك برجلين من أصحاب النبي - عليه السلام -، وقد يخالفهما غيرهما وأنت تزعم أنك ما تخالف ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتركت الحجة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي ألزمنا الله طاعته والذي جاء عنه من اليمين مع الشاهد ليس يخالف حكم الكتاب قال ومن أين؟ قلنا قال الله عز وجل {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} {وأشهدوا ذوي عدل منكم} فكان هذا محتملا أن يكون دلالة من الله عز وجل على ما تتم به الشهادة، حتى لا يكون على المدعي يمين لا تحريما أن يجوز أقل منه ولم يكن في التنزيل تحريم أن يجوز أقل منه، وإذا وجدنا المسلمين قد يجيزون أقل منه فلا يكون أن يحرم الله أن يجوز أقل منه فيجيزه المسلمون قال ولا ننكر أن تكون السنة تبين معنى القرآن قلنا فلم عبت علينا
السنة في اليمين مع الشاهد وقلت بما هو أضعف منها؟ قال، والأثر أيضا يفسر القرآن، قلنا، والأثر أيضا أضعف من السنة قال نعم قلت وكل هذا حجة عليك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال لي منهم قائل إذا نصب الله حكما في كتابه فلا يجوز أن يكون سكت عنه، وقد بقي فيه شيء ولا يجوز لأحد أن يحدث فيه ما ليس في القرآن قال فقلت قد نصب الله عز وجل الوضوء، فأحدثت فيه المسح على الخفين وليس في القرآن ونصب ما حرم من النساء وأحل ما وراءهن فقلت لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها وسمى المواريث فقلت فيه لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر وإن كانوا ولدا ووالدا وحجبت الأم من الثلث بالأخوين وجعل الله للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ولم يجعل عليها عدة، ثم قلت إن خلا بها وإن لم يمس فلها المهر وعليها العدة فهذا كله عندك خلاف ظاهر القرآن، واليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئا؛ لأنا نحكم بشاهدين ولا يمين فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين وليس هذا بخلاف لظاهر القرآن وقلت له فكيف حكم الله تعالى بين المتلاعنين قال أن يلتعن الزوج، ثم تلتعن المرأة قلت ليس في القرآن غير ذلك قال نعم قلت فلم نفيت الولد قال بالسنة قلت فلم قلت لا يتناكحان ما كانا على اللعان قال بالأثر قلت فلم جلدته إذا أكذب نفسه وألحقت به الولد قال بقول بعض التابعين قلت فلم قلت إذا أبت أن تلتعن حبست قال بقول بعض الفقهاء قلت فنسمعك في أحكام منصوصة في القرآن قد أحدثت فيها أشياء ليست منصوصة في القرآن
وقلت لبعض من يقول هذا القول قد قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} الآية وقال في غير آية مثل هذا المعنى فلم زعمت أن كل ذي ناب من السباع حرام وليس هو مما سمى الله منصوصا محرما قال قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له ابن شهاب رواه وهو يضعفه ويقول لم أسمعه حتى جئت الشام قال وإن كان لم يسمعه حتى جاء الشام فقد أحاله على ثقة من أهل الشام قلنا ولا توهنه بتوهين من رواه وخلافه ظاهر الكتاب عندك وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - مع علمه بكتاب الله عز وجل وعائشة أم المؤمنين مع علمها به وبرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبيد بن عمير مع سنه وعلمه يبيحون كل ذي ناب من السباع قال ليس في إباحتهم كل ذي ناب مع السباع ولا في إباحة أمثالهم حجة إذ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرمه، وقد تخفى عليهم السنة يعلمها من هو أبعد دارا وأقل للنبي - صلى الله عليه وسلم - صحبة وبه علما منهم ولا يكون ردهم حجة حين يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه قلنا وتراهم يخفى ذلك عليهم ويسمعه رجل من أهل الشام قال نعم قد خفي على عمر، والمهاجرين، والأنصار ما حفظ الضحاك بن سفيان وهو من أهل البادية وحمل بن مالك وهو من أهل البادية قلنا فتحريم كل ذي ناب من السباع مختلف فيه قال وإن اختلف فيه إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق صحيح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم بمعنى ما أراد الله وليس في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة ولا في خلاف مخالف ما وهن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قلنا، واليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحريم كل ذي ناب من السباع وليس خلاف ظاهر الكتاب وليس لها مخالف واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف ثبت الذي هو أضعف إسنادا وأقوى مخالفا وأعلم مع خلافه ظاهر الكتاب عندك ورددت ما لا يخالف ظاهر الكتاب ولا يخالفه أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقلت له أسمعك استدللت بقول عمر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - ولهما مخالف في التي يغلق عليها الباب ويرخى الستر وقول عثمان أن حجبت الأم عن الثلث بالأخوين، وقد خالفهم ابن عباس في ذلك وغيره أرأيت
إن، أوجدتك قول عمر وعبد الرحمن وابن عمر يوافق كتاب الله، ثم تركت قولهم قال وأين؟ قلت قال الله عز وجل {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} الآية فلم قلتم يجزيه من قتله خطأ وظاهر القرآن يدل على أنه إنما يجزيه من قتله عمدا قال بحديث عن عمر وعبد الرحمن في رجلين، أوطئا ظبيا قلت قد يوطئانه عامدين فإذا كان هذا عنك هكذا فقد حكم عمر وعبد الرحمن على قاتلي صيد بجزاء واحد وحكم ابن عمر على قتلة صيد بجزاء واحد وقال الله عز وجل {مثل ما قتل من النعم}، والمثل واحد لا أمثال وكيف زعمت أن عشرة لو قتلوا صيدا جزوه بعشرة أمثال قال شبهته بالكفارات في القتل على النفر الذين يكون على كل واحد منهم رقبة قلنا ومن قال لك يكون على كل واحد منهم رقبة، ولو قيل: لك ذلك أفتدع ظاهر الكتاب وقول عمر وعبد الرحمن وابن عمر بأن تقيس، ثم تخطئ أيضا القياس أرأيت الكفارات أموقتات قال نعم قلت فجزاء الصيد موقت قال لا إلا بقيمته قلنا أفجزاء الصيد إذا كان قيمته بدية المقتول أشبه أم بالكفارات فمائة عندك لو قتلوا رجلا لم يكن عليهم إلا دية واحدة فلو لم يكن فيه إلا القياس كان بالدية أشبه.
وقيل: له: حكم عمر له في اليربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق فلم زعمت والله تعالى يقول في جزاء الصيد {هديا بالغ الكعبة} أن هذا لا يكون هديا وقلت لا يجوز ضحية وجزاء الصيد ليس من الضحايا بسبيل جزاء الصيد قد يكون بدنة والضحية عندك شاة وقيل له: قال الله عز وجل {فجزاء مثل ما قتل من النعم} وحكم عمر وعبد الرحمن وعثمان وابن عباس وابن عمر وغيرهم - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة والنعامة لا تسوى بدنة وفي حمار الوحش ببقرة وهو لا يسوى بقرة وفي الضبع بكبش وهو لا يسوى كبشا وفي الغزال بعنز، وقد يكون أكثر ثمنا منها أضعافا ومثلها ودونها وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وهما لا يسويان عناقا ولا جفرة أبدا فهذا يدل على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما يقتل من الصيد شبها بالبدن لا بالقيمة، ولو حكموا بالقيمة لاختلفت أحكامهم لاختلاف أسعار ما يقتل في الأزمان، والبلدان، ثم قلت في القيمة قولا مختلفا فقلت بجزاء الأسد ولا يعدى به شاة فلم تنظر إلى بدنه؛ لأنه أعظم من الشاة ولا قيمته إن كانت قيمته أكثر من شاة وهذا مكتوب في الحج بحججه قال لي أراك تنكر علي قولي في اليمين مع الشاهد هي خلاف القرآن قلت نعم ليست بخلافه القرآن عربي فيكون عام الظاهر وهو يراد به الخاص قال ذلك مثل ماذا قلت مثل قول الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فلما كان اسم السرقة يلزم سراقا لا يقطعون مثل من سرق من غير حرز ومن سرق أقل من ربع دينار.
وكانت الثيب تزني فترجم ولا تجلد، والعبد يزني فيجلد خمسين بالسنة كانت في هذا دلالة على أنه إنما أريد بهذا بعض الزناة دون بعض وبعض السراق دون بعض وليس هذا خلافا لكتاب الله عز وجل فكذلك كل كلام احتمل معاني فوجدنا سنة تدل على أحد معانيه دون غيره من معانيه استدللنا بها وكل سنة موافقة للقرآن لا مخالفة وقولك خلاف القرآن فيما جاءت فيه سنة تدل على أن القرآن على خاص دون عام جهل، قال فإنا نزعم أن النهي عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها مخالف للقرآن.
فقلت قد أخطأت من موضعين قال وما هما؟ قلت: لو جاز أن تكون سنة تخالف القرآن فتثبت كانت اليمين مع الشاهد تثبت بها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا لم تكن سنة، وكان القرآن محتملا فوجدنا قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجماع أهل العلم يدل على بعض المعاني دون بعض قلنا هم أعلم بكتاب الله عز وجل وقولهم غير مخالف إن شاء الله تعالى كتاب الله وما لم يكن فيه سنة ولا قول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (284)
صــــــــــ 24 الى صـــــــــــ 30
ولا إجماع يدل منه على ما وصفت من بعض المعاني دون بعض فهو على ظهوره وعمومه لا يخص منه شيء دون شيء.
وما اختلف فيه بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذنا منه بأشبهه بظاهر التنزيل، وقولك فيما فيه سنة هو خلاف القرآن جهل بين عند أهل العلم وأنت تخالف قولك فيه.
قال وأين قلنا فيما بينا وفيما سنبين إن شاء الله تعالى.
قلت قال الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} إلى قوله " إصلاحا " (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فظاهر هاتين الآيتين يدل على أن كل مطلق فله الرجعة على امرأته ما لم تنقض العدة؛ لأن الآيتين في كل مطلق عامة لا خاصة على بعض المطلقين دون بعض، وكذلك قلنا كل طلاق ابتدأه الزوج فهو يملك فيه الرجعة في العدة فإن قال لامرأته أنت طالق ملك الرجعة في العدة وإن قال لها أنت خلية، أو برية، أو بائن ولم يرد طلاقا فليس بطلاق وإن أراد الطلاق وأراد به واحدة فهو طلاق فيه الرجعة، وكذلك إن قال أنت طالق ألبتة لم ينو إلا واحدة فهي واحدة ويملك الرجعة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت لبعض من يخالفنا أليس هكذا تقول في الرجل يقول لامرأته أنت طالق؟ قال بلى وتقول في الخلية، والبرية، والبتة، والبائنة ليست بالطلاق إلا أن يريد طلاقا؟ قال نعم قلت، وإذا قال طالق لزمه الطلاق وإن لم يرد به طلاقا؟ قال نعم قلت فهذا أشد من قوله أنت خلية، أو برية؛ لأن هذا قد يكون غير طلاق عندك ولا يكون طلاقا إلا بإرادته الطلاق فإذا أراد الطلاق كان طالقا قال نعم قلت فلم زعمت أنه إن أراد بهذا طلاقا لم يكن يملك الرجعة وهذا أضعف عندك من الطلاق؛ لأنه قياس على طلاق فالطلاق القوي يملك الرجعة فيه عندك والضعيف لا يملك فيه الرجعة (قال): فقد روينا بعض قولنا هذا عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعلنا ما بقي قياسا عليه قلت فنحن قد روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه جعل ألبتة واحدة يملك فيه الرجعة حين حلف صاحبها أنه لم يرد إلا واحدة وروينا مثل ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ومعنا ظاهر القرآن فكيف تركته؟ وقلت له: قال الله عز وجل {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} إلى قوله {سميع عليم} قلنا فظاهر كتاب الله تعالى يدل على معنيين.
أحدهما: أن له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلا له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة الأشهر فدل على أن عليه - إذا مضت الأربعة الأشهر - واحدا من الحكمين إما أن يفيء وإما أن يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضي أربعة أشهر حتى يحدث فيه طلاقا فزعمتم أنه إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة فلم قلتم هذا وزعمتم أنه لا فيئة له إلا في الأربعة الأشهر فما نقصتموه مما جعل الله له من الأربعة الأشهر قدر الفيئة ولم زعمتم أن الفيئة له فيما بين أن يولي إلى أن تنقضي الأربعة الأشهر وليس عليه عزيمة الطلاق إلا في الأربعة الأشهر، وقد ذكرهما الله عز وجل معا لا فصل بينهما ولم زعمتم أن الفيئة لا تكون إلا بشيء يحدثه من جماع، أو فيء بلسان إن لم يقدر على الجماع وأن عزيمة الطلاق هي مضي الأربعة الأشهر لا شيء يحدثه هو بلسان ولا فعل أرأيت الإيلاء طلاق هو؟ قال لا، قلت أفرأيت كلاما قط ليس بطلاق جاءت عليه مدة فجعلته طلاقا قال فلم قلت أنت يكون طلاقا؟ قلت ما قلت يكون طلاقا إنما قلت إن كتاب الله عز وجل يدل أنه إذا آلى فمضت الأربعة الأشهر على أن عليه إما أن يفيء وإما أن يطلق وكلاهما شيء يحدثه
بعد مضي الأربعة أشهر.
قال: فلم قلت إن فاء في الأربعة الأشهر فهو فائي قلت أرأيت لو كان علي دين إلى أجل فعجلته قبل محله ألم أكن محسنا ويكون قاضيا عني؟ قال بلى: قلت فكذلك الرجل يفيء في الأربعة الأشهر فهو معجل ماله فيه مهل قال فلسنا نحاجك في هذا ولكنا اتبعنا فيه قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود.
قلنا أما ابن عباس فإنك تخالفه في الإيلاء قال ومن أين؟ قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي يحيى الأعرج عن ابن عباس أنه قال المولي الذي يحلف أن لا يقرب امرأته أبدا وأنت تقول المولى من حلف على أربعة أشهر فصاعدا، فأما ما رويت منه عن ابن مسعود فمرسل وحديث علي بن بذيمة لا يسنده غيره علمته، ولو كان هذا ثابتا عنه فكنت إنما بقوله اعتللت لكان بضعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى أن يؤخذ بقولهم من واحد، أو اثنين قال فمن أين لكم بضعة عشر؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يوقف المولي (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأقل بضعة عشر أن يكونوا ثلاثة عشر وهو يقول من الأنصار وعثمان بن عفان وعلي وعائشة وابن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم كلهم يقول يوقف المولي فإن كنت ذهبت إلى الكثرة، فمن قال يوقف أكثر وظاهر القرآن معهم، وقد قال عز وجل {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} إلى قوله {ستين مسكينا} وقلنا لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينا، والإطعام قبل أن يتماسا فقال يجزيه رقبة غير مؤمنة فقلت له أذهبت في هذا القول إلى خبر عن أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لا، ولكن إذا سكت الله عن ذكر المؤمنة في العتق فقال رقبة ولم يقل مؤمنة كما قال في القتل دل ذلك على أنه لو أراد المؤمنة ذكرها قلت له، أو ما يكتفي إذا ذكر الله عز وجل الكفارة في العتق في موضع فقال {رقبة مؤمنة}، ثم ذكر كفارة مثلها فقال رقبة بأن تعلم أن الكفارة لا تكون إلا مؤمنة فقال هل تجد شيئا يدلك على هذا؟ قلت نعم: قال وأين هو؟ قلت قول الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقوله {حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} فشرط العدل في هاتين الآيتين وقال {وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد} وقال في القاذف {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} وقال {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت} لم يذكر ها هنا عدلا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت له أرأيت لو قال لك قائل أجيز في البيع، والقذف وشهود الزنا غير العدل كما قلت في العتق لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل كما وجدته في غير هذه الأحكام قال ليس ذلك له قد يكتفي بقول الله عز وجل {ذوي عدل منكم} فإذا ذكر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل وإن سكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا يقبل فيها إلا العدل قلت هذا كما قلت فلم لم تقل بهذا؟ فتقول.
إذا ذكر الله رقبة في الكفارة فقال مؤمنة، ثم ذكر رقبة أخرى في الكفارة فهي مؤمنة؛ لأنهما مجتمعان في أنهما كفارتان فإن لم يكن لنا عليك بهذا حجة فليست على أحد لو خالفه فقال الشهود في البيع، والقذف والزنا يقبلون غير عدول (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإنما رأينا فرض الله عز وجل على المسلمين في أموالهم مدفوعا إلى مسلمين فكيف يخرج رجل من ماله فرضا عليه فيعتق به ذميا وقلنا له زعمت أن رجلا لو كفر بإطعام، فأطعم مسكينا عشرين ومائة مد في أقل من ستين يوما لم يجزه وإن أطعمه إياه في ستين يوما أجزأه أما يدلك فرض الله عز ذكره بإطعام ستين مسكينا على أن كل واحد منهم غير الآخر وإنما، أوجبه الله تعالى لستين متفرقين فكيف قلت يجزيه أن يطعمه مسكينا يفرقه عليه في ستين
يوما ولم يجز له أن يطعم تسعة وخمسين في يوم طعام ستين أرأيت رجلا وجبت عليه ستون درهما لستين رجلا أيجزيه أن يؤدي الستين إلى واحد، أو إلى تسعة وخمسين قال لا، والفرض عليه أن يؤدي إلى كل واحد منهم حقه قلنا فقد، أوجب الله عز وجل لستين مسكينا طعاما فزعمت أنه إن أعطاه واحدا منهم أجزأ عنه أرأيت لو قال لك قائل قد قال الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} أتقول إنه أراد أن يشهد للطالب بحقه فشرط عدد من يشهد له والشهادة، أو إنما أراد الشهادة قال أراد عدد الشهود وشهادة ذوي عدل منكم اثنان.
قلت، ولو شهد له بحقه واحد اليوم، ثم شهد له غدا أيجزيه من شاهدين؟ قال لا؛ لأن هذا واحد وهذه شهادة واحدة قلنا فالمسكين إذا رددت عليه الطعام لم يخرج من أن يكون واحدا لا ستين قلنا فقد سمى ستين مسكينا فجعلت طعامهم لواحد وقلت إذا جاء بالطعام أجزأه وسمى شاهدين فجاء شاهد منهما مرتين فقلت لا يجزئ فما الفرق بينهما؟ فرجع بعضهم إلى ما قلنا في هذا وفي أن لا تجزئ الكفارة إلا مؤمنة قال الله عز وجل {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} إلى قوله {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فبين - والله أعلم - في كتاب الله عز وجل أن كل زوج يلاعن زوجته؛ لأن الله عز وجل ذكر الزوجين مطلقين لم يخص أحدا من الأزواج دون غيره ولم تدل سنة ولا أثر ولا إجماع من أهل العلم على أن ما أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إن التعن الزوج ولم تلتعن المرأة حدت إذا أبت أن تلتعن لقول الله عز وجل {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد} فقد أخبر والله أعلم أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان وهذا ظاهر حكم الله عز وجل.
(قال): فخالفنا في هذا بعض الناس فقال لا يلاعن إلا حران مسلمان ليس منهما محدود في قذف فقلت له: وكيف خالفت ظاهر القرآن؟ قال روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أربعة لا لعان بينهم» فقلت له: إن كانت رواية عمرو بن شعيب مما يثبت فقد روى لنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليمين مع الشاهد، والقسامة وعدد أحكام غير قليلة فقلنا بها وخالفت وزعمت أن لا تثبت روايته فكيف تحتج مرة بروايته على ظاهر القرآن وتدعها لضعفه مرة؟ إما أن يكون ضعيفا كما قلت فلا ينبغي أن تحتج به في شيء.
وإما أن يكون قويا فاتبع ما رواه مما قلنا به وخالفته.
وقلت له أنت أيضا قد خالفت ما رويت عن عمرو بن شعيب قال وأين؟ قلت إن كان ظاهر القرآن عاما على الأزواج، ثم ذكر عمرو «أربعة لا لعان بينهم» فكان يلزمك أن تخرج الأربعة من اللعان، ثم تقول يلاعن غير الأربعة؛ لأن قوله «أربعة لا لعان بينهم» يدل على أن اللعان بين غير الأربعة فليس في حديث عمرو لا يلاعن المحدود في القذف.
قال أجل ولكنا قلنا به من قبل أن اللعان شهادة؛ لأن الله عز وجل سماه شهادة.
فقلت له إنما معناها معنى اليمين ولكن لسان العرب واسع.
قال وما يدل على ذلك؟ قلت أرأيت لو كانت شهادة أتجوز شهادة المرء لنفسه؟ قال: لا قلت: أفتكون شهادته أربع مرات إلا كشهادته مرة واحدة؟ قال: لا.
قلت: أفيحلف الشاهد؟ قال: لا قلت فهذا كله في اللعان.
قلت أفرأيت لو قامت مقام الشهادة ألا تحد المرأة؟ قال: بلى قلت أرأيت لو كانت شهادة أتجوز شهادة النساء في حد؟ قال لا قلت، ولو جازت كانت شهادتها نصف شهادة؟ قال نعم قلت فالتعنت ثمان مرات، قال نعم قلت
أفتبين لك أنها ليست بشهادة قال ما هي بشهادة قلت ولم قلت هي شهادة على معنى الشهادات مرة وأبيتها أخرى فإذا قلت هي شهادة فلم لا تلاعن بين الذميين وشهادتهما عندك جائزة كان هذا يلزمك وكيف لاعنت بين الفاسقين اللذين لا شهادة؟ لهما قال؛ لأنهما إذا تابا قبلت شهادتهما.
فقلت له، ولو قالا قد تبنا أتقبل شهادتهما دون اختبارهما في مدة تطول قال لا: قلت أفرأيت العبدين المسلمين العدلين الأمينين إذا أبيت اللعان بينهما في حال عبودية لا تجوز شهادتهما لو عتقا من ساعتهما أتجوز شهادتهما قال نعم قلت أهما أقرب إلى جواز الشهادة؛ لأنك لا تختبرهما يكفيك أنهما الخبرة لهما في العبودية أم الفاسقان اللذان لا تجيز شهادتهما؟ حتى تختبرهما؟ قال، بل هما قلت فلم أبيت اللعان بينهما وهما أقرب من العدل إذا تحولت حالهما ولاعنت بين الفاسقين اللذين هما أبعد من العدل ولم أبيت اللعان بين الذميين وأنت تجيز شهادتهما في الحال التي يقذف فيها الزوج؟ وقلت له أرأيت أعميين بحقين خلقا كذلك يقذف المرأة وفي الأعميين علتان إحداهما لا يريان الزنا، والأخرى أنك لا تجيز شهادتهما بحال أبدا ولا يتحولان عندك أن تجوز شهادة واحد منهما أبدا كيف لاعنت بينهما وفيهما ما وصفت من القاذف الذي لا تجوز شهادته أبدا وفيهما أكثر من ذلك أن الرجل القاذف لا يرى زنا امرأته؟ قال فظاهر القرآن أنهما زوجان قلنا فهذه الحجة عليك والذي أبيت قبوله منا أن اللعان بين كل زوجين وقال الله عز وجل في قذفه المحصنات {فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون - إلا الذين تابوا}.
وقلنا إذا تاب القاذف قبلت شهادته، وذلك بين في كتاب الله عز وجل (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز. لأشهد أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك قال وسمعت سفيان يحدث به هكذا مرارا، ثم سمعته يقول شككت فيه قال سفيان أشهد لأخبرني، ثم سمى رجلا فذهب على حفظ اسمه فسألت فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب، وكان سفيان لا يشك أنه ابن المسيب (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: وغيره يرويه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر قال سفيان أخبرني الزهري فلما قمت سألت فقال لي عمر بن قيس وحضر المجلس معي هو سعيد بن المسيب قلت لسفيان أشككت حين أخبرك أنه سعيد؟ قال لا هو كما قال غير أنه قد كان دخلني الشك.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - وأخبرني من أثق به من أهل المدينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن عمر لما جلد الثلاثة استتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما وأبى أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: وأخبرنا إسماعيل ابن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب تقبل شهادته قال وكلنا نقوله عطاء وطاوس ومجاهد وقال بعض الناس لا تجوز شهادة المحدود في القذف أبدا قلت أفرأيت القاذف إذا لم يحد حدا تاما أتجوز شهادته إذا تاب؟ قال نعم قلت له ولا أعلمك إلا دخل عليك خلاف القرآن من موضعين أحدهما أن الله عز وجل أمر بجلده وأن لا تقبل شهادته فزعمت أنه إن لم يجلد قبلت شهادته قال فإنه عندي إنما ترد شهادته إذا جلد قلت أفتجد ذلك في ظاهر القرآن أم في خبر ثابت؟ قال أما في خبر فلا، وأما في ظاهر القرآن فإن الله عز وجل يقول {فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} قلت أفبالقذف قال الله عز وجل
{ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} أم بالجلد؟ قال بالجلد قال بالجلد عندي قلت وكيف كان ذلك عندك، والجلد إنما وجب بالقذف.
، وكذلك ينبغي أن تقول في رد الشهادة أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال إن الله عز وجل قال في القاتل خطأ {فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} فتحرير الرقبة لله والدية لأهل المقتول ولا يجب الذي للآدميين وهو الدية حتى يؤدي الذي لله عز وجل كما قلت لا يجب أن ترد الشهادة وردها عن الآدميين حتى يؤخذ الحد الذي لله عز وجل ما تقول له؟ قال أقول ليس هذا كما قلت: وإذا، أوجب الله عز وعلا على آدمي شيئين فكان أحدهما للآدميين أخذ منه، وكان الآخر لله عز وجل فينبغي أن يؤخذ منه، أو يؤديه فإن لم يؤخذ منه ولم يؤده لم يسقط ذلك عنه حق الآدميين الذي، أوجبه الله عز وجل عليه قلت له فلم زعمت أن القاذف إذا لم يجلد الحد وجلد بعضه فلم يتم بعضه أن شهادته مقبولة، وقد، أوجب الله تبارك وتعالى في ذلك الحد ورد الشهادة؟ فما علمته رد حرفا إلا أن قال هكذا قال أصحابنا.
فقلت له هذا الذي عبت على غيرك أن يقبل من أصحابه وإن سبقوه إلى العلم وكانوا عنده ثقة مأمونين فقلت لا نقبل إلا ما جاء فيه كتاب، أو سنة، أو أثر، أو أمر أجمع عليه الناس، ثم قلت فيما أرى خلاف ظاهر الكتاب وقلت له إذ قال الله عز وجل {إلا الذين تابوا} فكيف جاز لك، أو لأحد إن تكلف من العلم شيئا أن يقول لا أقبل شهادة القاذف وإن تاب ومن قولك وقول أهل العلم لو قال رجل لرجل والله لا أكلمك أبدا ولا أعطيك درهما ولا آتي منزل فلان ولا أعتق عبدي فلانا ولا أطلق امرأتي فلانة إن شاء الله إن الاستثناء واقع على جميع الكلام أوله وآخره.
فكيف زعمت أن الاستثناء لا يقع على القاذف إلا على أن يطرح عنه اسم الفسق فقط؟ فقال قاله شريح فقلنا فعمر أولى أن يقبل قوله من شريح وأهل دار السنة وحرم الله أولى أن يكونوا أعلم بكتاب الله وبلسان العرب؛ لأنه بلسانهم نزل القرآن قال فقول أبي بكرة استشهدوا غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له قلما رأيتك تحتج بشيء إلا وهو عليك قال وما ذاك؟ قلت احتججت بقول أبي بكرة استشهدوا غيري فإن المسلمين فسقوني فإن زعمت أن أبا بكرة تاب فقد ذكر أن المسلمين لم يزيلوا عنه الاسم وأنت تزعم أن في كتاب الله عز وجل أن يزال عنه إذا تاب اسم الفسق ولا تجيز شهادته وقول أبي بكرة إن كان قاله أنهم لم يزيلوا عنه الاسم يدل على أنهم ألزموه الاسم مع تركهم قبول شهادته قال فهكذا احتج أصحابنا قلت أفتقبل عمن هو أشد تقدما في الدرك والسن، والفضل من صاحبك أن تحتج بما إذا كشف كان عليك وبما ظاهر القرآن خلافه؟ قال لا قلت فصاحبك أولى أن يرد هذا عليه وقلت له أتقبل شهادة من تاب من كفر ومن تاب من قتل ومن تاب من خمر ومن زنا؟ قال نعم قلت، والقاذف شر أم هؤلاء؟ قال، بل أكثر هؤلاء أعظم ذنبا منه قلت فلم قبلت من التائب من الأعظم وأبيت القبول من التائب مما هو أصغر منه؟
وقلت وقلنا لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب بحال، وقال جماعة منا ولا يحل نكاح أمة مسلمة لمن يجد طولا لحرة ولا إن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فتحل حينئذ فقال بعض الناس يحل نكاح إماء أهل الكتاب ونكاح الأمة المسلمة لمن لم يجد طولا لحرة وإن لم يخف العنت في الأمة فقلت له قال الله عز وجل {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فحرم المشركات جملة وقال الله عز وجل {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} ثم قال {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب}
فأحل صنفا واحدا من المشركات بشرطين أحدهما أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب.
والثاني أن تكون حرة؛ لأنه لم يختلف المسلمون في أن قول الله عز وجل {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} هن الحرائر وقال الله عز وجل {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم} قرأ الربيع إلى قوله {لمن خشي العنت منكم} فدل قول الله عز وجل {ومن لم يستطع منكم طولا} أنه إنما أباح نكاح الإماء من المؤمنين على معنيين.
أحدهما أن لا يجد طولا، والآخر أن يخاف العنت وفي هذا ما دل على أنه لم يبح نكاح أمة غير مؤمنة فقلت لبعض من يقول هذا القول: قد قلنا ما حكيت بمعنى كتاب الله وظاهره فهل قال ما قلت أنت من إباحة نكاح إماء أهل الكتاب أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أجمع لك عليه المسلمون فتقلدهم وتقول هم أعلم بمعنى ما قالوا إن احتملته الآيتان؟ قال: لا قلنا فلم خالفت فيه ظاهر الكتاب؟ قال إذا أحل الله عز وجل الحرائر من أهل الكتاب لم يحرم الإماء قلنا ولم لا تحرم الإماء منهم بجملة تحريم المشركات وبأنه خص الإماء المؤمنات لمن لم يجد طولا ويخاف العنت؟ قال لما حرم الله المشركات جملة، ثم ذكر منهن محصنات أهل الكتاب كان كالدال على أنه قد أباح ما حرم فقلت له أرأيت لو عارضك جاهل بمثل ما قلت فقال: قال الله عز وجل {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} قرأ الربيع إلى قوله {وما ذبح على النصب} وقال في الآية الأخرى {إلا ما اضطررتم إليه} فلما أباح في حال الضرورة ما حرم جملة أيكون لي إباحة ذلك في غير حال الضرورة فيكون التحريم فيه منسوخا، والإباحة قائمة؟ قال لا قلنا وتقول له التحريم بحاله، والإباحة على الشرط فمتى لم يكن الشرط فلا تحل؟ قال نعم قلنا فهذا مثل الذي قلنا في إماء أهل الكتاب وقلت له قال الله عز وجل فيمن حرم {وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} أفرأيت لو قال قائل إنما حرم الله بنت المرأة بالدخول، وكذلك الأم، وقد قاله غير واحد قال ليس ذلك له قلنا ولم؟ ألأن الله حرم الأم مبهمة والشرط في الربيبة فأحرم ما حرم الله وأحل ما أحل الله خاصة ولا أجعل ما أبيح وحده محلا لغيره.
قال: نعم قلنا فهكذا قلنا في إماء أهل الكتاب، والإماء المؤمنات وقلنا افترض الله عز وجل الوضوء فسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفين أيكون لنا إذا دلت السنة على أن المسح يجزئ من الوضوء أن نمسح على البرقع، والقفازين، والعمامة؟ قال لا قلنا ولم؟ أتعم الجملة على ما فرض الله تبارك وتعالى وتخص ما خصت السنة؟ قال نعم قلنا فهذا كله حجة عليك وقلنا أرأيت حين حرم الله تعالى المشركات جملة، ثم استثنى نكاح الحرائر من أهل الكتاب فقلت يحل نكاح الإماء منهن؛ لأنه ناسخ للتحريم جملة وإباحته حرائرهن تدل على إباحة إمائهن؟ فإن قال لك قائل نعم وحرائر وإماء المشركات غير أهل الكتاب؟ قال ليس ذلك له قلنا ولم؟ قال؛ لأن المستثنيات بشرط أنهن من أهل الكتاب قلنا ولا يكن من غيرهن؟ قال نعم قلنا وهو يشرط أنهن حرائر فكيف جاز أن يكن إماء، والأمة غير الحرة كما الكتابية غير المشركة؟ التي ليست بكتابية وهذا كله حجة عليه أيضا في إماء المؤمنين يلزمه فيه أن لا يحل نكاحهن إلا بشرط الله عز وجل فإن الله تبارك وتعالى إنما أباحه بأن لا يجد طولا ويخاف العنت والله تعالى أعلم
وقال الله تعالى {حرمت عليكم أمهاتكم} الآية وقال {كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم} وقال الله عز وجل {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} وقال الله عز وجل {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} فقلنا بهذه الآيات إن التحريم في غير النسب والرضاع وما خصته سنة بهذه الآيات إنما هو بالنكاح ولا يحرم
الحلال الحرام، وكذلك قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فلو أن رجلا ناك أم امرأته عاصيا لله عز وجل لا تحرم عليه امرأته وقال بعض الناس إذا قبل أم امرأته، أو نظر إلى فرجها شهوة حرمت عليه امرأته وحرمت هي عليه؛ لأنها أم امرأته، ولو أن امرأته قبلت ابنه بشهوة حرمت على زوجها فقلنا له ظاهر القرآن يدل على أن التحريم إنما هو بالنكاح فهل عندك سنة بأن الحرام يحرم الحلال؟ قال لا قلت فأنت تذكر شيئا ضعيفا لا يقوم بمثله حجة لو قاله من رويته عنه في شيء ليس فيه قرآن وقال هذا موجود فإن ما حرمه الحلال فالحرام له أشد تحريما قلنا أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال إن الله عز وجل يقول في التي طلقها زوجها ثالثة من الطلاق {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فإن نكحت والنكاح العقدة حلت لزوجها الذي طلقها؟.
قال ليس ذلك له؛ لأن السنة تدل على أن لا تحل حتى يجامعها الزوج الذي ينكحها قلنا فقال لك فإن النكاح يكون وهي لا تحل وظاهر القرآن يحلها فإن كانت السنة تدل على أن جماع الزوج يحلها لزوجها الذي فارقها فالمعنى إنما هو في أن يجامعها غير زوجها الذي فارقها فإذا جامعها رجل بزنا حلت، وكذلك إن جامعها بنكاح فاسد يلحق به الولد حلت قال لا وليس واحد من هذين زوجا قلنا فإن قال لك قائل: أوليس قد كان التزويج موجودا وهي لا تحل؟ فإنما حلت بالجماع فلا يضرك من أين كان الجماع قال لا حتى يجتمع الشرطان معا فيكون جماع نكاح صحيح قلنا ولا يحلها الجماع الحرام قياسا على الجماع الحلال؟ قال: لا قلت وإن كانت أمة فطلقها زوجها، فأصابها سيدها؟ قال لا قلنا فهذا جماع حلال قال وإن كان حلالا فليس بزوج لا تحل لزوجها الأول حتى يجتمع أن يكون زوجا ويجامعها الزوج قلنا فإنما حرم الله بالحلال فقال {وأمهات نسائكم} وقال {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} فمن أين زعمت أن حكم الحلال حكم الحرام وأبيت ذلك في المرأة يفارقها زوجها، والأمة يفارقها زوجها فيصيبها سيدها؟ وقلت له قد قال الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فإن قال لك قائل فلما كان حكم الزوجة إذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلو أن رجلا تكلم بالطلاق من امرأة يصيبها بفجور أفتكون حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره؛ لأن الكلام بالطلاق إذا حرم الحلال كان للحرام أشد تحريما؟ قال ليس ذلك له قلنا وليس حكم الحلال حكم الحرام؟ قال: لا، قلنا فلم زعمت أنه حكمه فيما وصفت؟ قال فإن صاحبنا قال أقول ذلك قياسا قلنا فأين القياس؟ قال الكلام محرم في الصلاة فإذا تكلم حرمت الصلاة قلنا وهذا أيضا فإذا تكلم في الصلاة حرمت عليه تلك الصلاة أن يعود فيها، أو حرمت صلاة غيرها بكلامه فيها؟ قال لا ولكنه أفسدها وعليه أن يستأنفها قلنا فلو قاس هذا القياس غير صاحبك أي شيء كنت تقول له؟ لعلك كنت تقول له ما يحل لك تكلم في الفقه هذا رجل قيل له استأنف الصلاة؛ لأنها لا تجزي عنك إذا تكلمت فيها.
وذلك رجل جامع امرأة فقلت له حرمت عليك أخرى غيرها أبدا فكان يلزمك أن تزعم أن صلاة غيرها حرام عليه أن يصليها أبدا وهذا لا يقول به أحد من المسلمين وإن قلته فأيهما تحرم عليه؟، أو تزعم أنها حرام عليه أن يصليها أبدا كما زعمت أن امرأته إذا نظر إلى فرج أمها حرمت عليه أبدا؟ قال لا أقول هذا ولا تشبه الصلاة المرأتان تحرمان لو شبهتهما بالصلاة قلت له يعود في كل واحدة من الامرأتين فينكحها بنكاح حلال وقلت له لا تعد في واحدة من الصلاتين قلنا فلو زعمت قسته به وهو أبعد الأمور منه قال شيء كان قاسه صاحبنا قلنا أفحمدت قياسه؟ قال لا ما صنع شيئا وقال فإن صاحبنا قال فالماء حلال فإذا خالطه الحرام نجسه
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (285)
صــــــــــ 31 الى صـــــــــــ 37
قلنا وهذا أيضا مثل الذي زعمت أنك لما تبين لك علمت أن صاحبك لم يصنع فيه شيئا قال فكيف؟ قلت أتجد الحرام في الماء مختلطا فالحلال منه لا يتميز أبدا؟ قال نعم قلت أفتجد بدن التي زنى بها مختلطا ببدن ابنتها لا يتميز منه؟ قال لا، قلت وتجد الماء لا يحل أبدا إذا خالطه الحرام لأحد من الناس قال نعم قلت فتجد الرجل إذا زنى بامرأة حرم عليه أن ينكحها، أو هي حلال له وحرام عليه أمها وابنتها؟ قال، بل هي حلال له قلت فهما حلال لغيره قال نعم قلت أفتراه قياسا على الماء؟ قال لا قلت أفما تبين لك أن خطأك في هذا ليس يسيرا إذا كان يعصي الله عز وجل في امرأة فزنى بها فإذا نكحها حلت له بالنكاح وإن أراد نكاح ابنتها لم تحل له فتحل له التي زنى بها وعصى الله تعالى فيها، ولو طلقها ثلاثا لم يكن ذلك طلاقا؛ لأن الطلاق لا يقع إلا على الأزواج وتحرم عليه ابنتها التي لم يعص الله تعالى في أمرها وإنما حرمت عليه بنت امرأته وهذه عندك ليست بامرأته قال فإنه يقال ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها قلت وما أدري لعل من زنى بامرأة ولم ير فرج ابنتها ملعون، وقد أوعد الله عز وجل على الزنا النار ولعله ملعون من أتى شيئا مما يحرم عليه فقيل له: ملعون من نظر إلى فرج أختين قال لا قلت فكيف زعمت أنه إن زنى بأخت امرأته حرمت عليه امرأته فرجع بعضهم إلى قولنا وعاب قول أصحابه في هذا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وجعل الله عز وجل الرجال قوامين على النساء والطلاق إليهم فزعموا هم أن المرأة إذا شاءت كان الطلاق إليها فإذا كرهت المرأة زوجها قبلت ابنه وقالت قبلته بشهوة فحرمت عليه فجعلوا الأمر إليها وقلنا نحن وهم وجميع الناس لا يختلفون في ذلك علمته من طلق غير امرأته، أو آلى منها، أو تظاهر منها لم يلزمها من ذلك شيء ولم يلزمه ظهار ولا إيلاء قال فقلنا إذا اختلعت المرأة من زوجها، ثم طلقها في عدتها لم يلزمها الطلاق؛ لأنها ليست له بامرأة وهذا يدل على أصل ما ذهبنا إليه لا يخالفه فقال بعض الناس إذا اختلعت منه فلا رجعة له عليها وإن طلقها بعد الخلع في العدة لزمها الطلاق وإن طلقها بعد انقضاء العدة لم يلزمها الطلاق فقلت له قد قال الله عز وجل {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} إلى آخر الآيتين وقال الله عز وجل {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا}.
وقلنا قال الله تبارك وتعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} وفرض الله عز وجل العدة على الزوجة في الوفاة فقال {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} فما تقول في المختلعة إن آلى منها في العدة بعد الخلع، أو تظاهر هل يلزمه الإيلاء، أو الظهار؟ قال لا قلت فإن مات هل ترثه، أو ماتت هل يرثها في العدة؟ قال لا قلت ولم وهي تعتد منه؟ قال لا وإن اعتدت فهي غير زوجة وإنما يلزم هذا في الأزواج وقال الله عز وجل {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} الآية، وإذا رمى المختلعة في العدة أيلاعنها قال لا قلت: أفبالقرآن تبين أنها ليست بزوجة قال نعم قلت فكيف زعمت أن الطلاق لا يلزم إلا زوجة وهذه بكتاب الله تعالى عندنا وعندك غير زوجة، ثم زعمت أن الطلاق يلزمها وأنت تقول إن آيات من كتاب الله عز وجل تدل على أنها ليست بزوجة؟ قال روينا قولنا هذا بحديث شامي قلنا أفيكون مثله مما يثبت؟ قال لا قلنا فلا تحتج به قال فقال ذلك إبراهيم النخعي وعامر الشعبي قلنا فهما إذا قالا وإن لم يخالفهما غيرهما حجة؟ قال لا قلنا فهل يحتج بهما على قولنا وهو يوافق ظاهر القرآن ولعلهما كانا يريان له عليها الرجعة فيلزمانه الإيلاء والظهار ويجعلان بينهما الميراث؟ قال فهل قال أحد بقولك؟ قلنا الكتاب كاف من ذلك، وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة؛ لأنه طلق ما لا يملك قلت له لو لم يكن في هذا إلا قول
ابن عباس وابن الزبير كليهما أكان لك خلافه في أصل قولنا وقولك إلا بأن يقول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه قال لا قلت فالقرآن مع قولهما، وقد خالفتهما وخالفت في قولك عدد آي من كتاب الله عز وجل قال فأين؟ قلت إن زعمت أن حكم الله في الأزواج أن يكون بينهم الإيلاء والظهار واللعان وأن يكون لهن الميراث ومنهن الميراث وأن المختلعة ليست بزوجة يلزمها واحد من هذا فما يلزمك إذا قلت يلزمها الطلاق والطلاق لا يلزم إلا زوجة أنك خالفت حكم الله في إلزامها الطلاق، أو في تركك إلزامها الإيلاء والظهار واللعان، والميراث لها، والميراث منها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فما رد شيئا إلا أن قال: قال بها أصحابنا فقلت له أتجعل قول الرجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة حجة وليس يدل على موافقة قوله من القرآن شيء وتجعله أخرى حجة وأنت تقول ظاهر القرآن يخالفه كما قلت إذا أرخى سترا وجب المهر وظاهر القرآن أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فلها نصف المهر وإغلاق الباب وإرخاء الستر ليس بالمسيس، ثم تترك قول ابن عباس وابن الزبير ومعهما خمس آيات من كتاب الله تعالى كلها تدل على أن المختلعة في العدة ليست بزوجة ومعهما القياس، والمعقول عند أهل العلم وتترك قول عمر في الصيد أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي اليربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق وقول عمر وعبد الرحمن حين حكما على رجلين، أوطئا ظبيا بشاة، والقرآن يدل على قولهما بقول الله عز وجل {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فزعمت أنه يجزي بدراهم ويقولان في الظبي بشاة واحدة والله يقول {مثل} وأنت تقول جزاءان وقال الله عز وجل {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} وقال {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} فقرأ إلى {المحسنين} فقال عامة من لقيت من أصحابنا المتعة هي للتي لم يدخل بها قط ولم يفرض لها مهر فطلقت وللمطلقة المدخول بها المفروض لها بأن الآية عامة على المطلقات لم يخصص منهن واحدة دون الأخرى بدلالة من كتاب الله عز وجل ولا أثر.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها صداق ولم يدخل بها فحسبها نصف المهر (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأحسب ابن عمر استدل بالآية التي تتبع للتي لم يدخل بها ولم يفرض لها؛ لأن الله تعالى يقول بعدها {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} الآية فرأي القرآن كالدلالة على أنها مخرجة من جميع المطلقات ولعله رأى أنه إنما أريد أن تكون المطلقة تأخذ بما استمتع به منها زوجها عند طلاقها شيئا فلما كانت المدخول بها تأخذ شيئا وغير المدخول بها إذا لم يفرض لها كانت التي لم يدخل بها، وقد فرض لها تأخذ بحكم الله تبارك وتعالى نصف المهر وهو أكثر من المتعة ولم يستمتع بها فرأى حكمها مخالفا حكم المطلقات بالقرآن وخالف حالها حالهن فذكرت ما وصفت من هذا لبعض من يخالفنا وقلنا له أنت تستدل بقول الواحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معنى الكتاب إذا احتمله، والكتاب محتمل ما قال ابن عمر وفيه كالدليل على قوله فكيف خالفته، ثم لم تزعم بالآية أن المطلقات سواء في المتعة وقال الله عز وجل {وللمطلقات متاع بالمعروف} لم يخص مطلقة دون مطلقة قال استدللنا بقول الله عز وجل {حقا على المتقين} أنها غير واجبة، وذلك أن كل واجب فهو على المتقين وغيرهم ولا يخص به المتقون.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلنا فقد
زعمت أن المتعة متعتان متعة يجبر عليها السلطان وهي متعة المرأة لم يفرض لها الزوج ولم يدخل بها فطلقها وإنما قال الله عز وجل فيها {حقا على المحسنين} فكيف زعمت أن ما كان حقا على المحسنين حق على غيرهم في هذه الآية وكل واحدة من الآيتين خاصة؟ فكيف زعمت أن إحداهما عامة، والأخرى خاصة؟ فإن كان هذا حقا على المتقين لم لم يكن حقا على غيرهم؟ هل معك بهذا دلالة كتاب، أو سنة، أو أثر، أو إجماع؟ فما علمته رد أكثر مما وصفت في أن قال هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في المشركين {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية وقال الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} وأهواءهم يحتمل سبيلهم في أحكامهم ويحتمل ما يهوون وأيهما كان فقد نهي عنه وأمر أن يحكم بينهم بما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقلنا إذا حكم الحاكم بين أهل الكتاب حكم بينهم بحكم الله عز وجل وحكم الله حكم الإسلام وأعلمهم قبل أن يحكم أنه يحكم بينهم حكمه بين المسلمين وأنه لا يجيز بينهم إلا شهادة المسلمين لقول الله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقوله {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فقال بعض الناس تجوز شهادتهم بينهم فقلنا ولم والله عز وجل يقول {شهيدين من رجالكم} وذوي عدل منكم وأنت لا تخالفنا في أنهم من الأحرار المسلمين العدول لا من غيرهم فكيف أجزت غير من أمر الله تعالى به؟ قال بقول الله عز وجل {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} فقلت له فقد قيل: من غير قبيلتكم والتنزيل والله تعالى أعلم يدل على ذلك لقول الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة} والصلاة المؤقتة للمسلمين وبقول الله تبارك وتعالى {فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى} وإنما القرابة بين المسلمين الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من العرب، أو بينهم وبين أهل الأوثان لا بينهم وبين أهل الذمة وقول الله تبارك وتعالى {ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين} فإنما يتأثم من كتمان الشهادة للمسلمين المسلمون لا أهل الذمة قال فإنا نقول هي على غير أهل دينكم قلت له فأنت تترك ما تأولت قال وأين قلت أفتجيز شهادة غير أهل ديننا من المشركين غير أهل الكتاب قال لا قلت ولم وهم غير أهل ديننا هل تجد في هذه الآية، أو في خبر يلزم مثله أن شهادة أهل الكتاب جائزة وشهادة غيرهم غير جائزة، أو رأيت لو قال لك قائل أراك قد خصصت بعض المشركين دون بعض فأجيز شهادة غير أهل الكتاب؛ لأنهم ضلوا بما وجدوا عليه آباءهم ولم يبدلوا كتابا كان في أيديهم وأرد شهادة أهل الذمة؛ لأن الله عز وجل أخبرنا أنهم بدلوا كتابه قال ليس ذلك له وفيهم قوم لا يكذبون قلنا وفي أهل الأوثان قوم لا يكذبون قال فالناس مجتمعون على أن لا يجيزوا شهادة أهل الأوثان قلنا الذين تحتج بإجماعهم معك من أصحابنا لم يردوا شهادة أهل الأوثان إلا من قول الله عز وجل {ذوي عدل منكم}، والآية معها وبذلك ردوا شهادة أهل الذمة فإن كانوا أخطئوا فلا نحتج بإجماع المخطئين معك وإن كانوا أصابوا فاتبعهم فقد اتبعوا القرآن فلم يجيزوا شهادة من خالف دين الإسلام قال فإن شريحا أجاز شهادة أهل الذمة فقلت له وخالف شريحا غيره من أهل دار السنة، والهجرة والنصرة، فأبوا إجازة شهادتهم ابن المسيب وأبو بكر بن حزم وغيرهما وأنت تخالف شريحا فيما ليس فيه كتاب برأيك قال إني لأفعل قلت ولم قال؛ لأنه لا يلزمني قوله قلت فإذا لم يلزمك قوله فيما ليس فيه كتاب فقوله فيما فيه خلاف الكتاب أولى أن لا يلزمك قال فإذا لم أجز شهادتهم أضررت بهم قلت أنت لم تضر بهم لهم حكام ولم يزالوا يسألون ذلك منهم ولا نمنعهم من حكامهم، وإذا
حكمنا لم نحكم إلا بحكم الله من إجازة شهادة المسلمين.
وقلت له أرأيت عبيدا أهل فضل ومروءة وأمانة يشهد بعضهم لبعض قال لا تجوز شهادتهم قلت لا يخلطهم غيرهم في أرض رجل، أو ضيعته فيهم قتل وطلاق وحقوق وغيرها ومتى ردت شهادتهم بطلت دماؤهم وحقوقهم قال فأنا لم أبطلها وإنما أمرت بإجازة شهادة الأحرار العدول المسلمين قلت وهكذا أعراب كثير في موضع لا يعرف عدلهم وهكذا أهل سجن لا يعرف عدلهم ولا يخلط هؤلاء ولا هؤلاء أحد يعدل أتبطل الدماء، والأموال التي بينهم وهم أحرار مسلمون لا يخالطهم غيرهم؟ قال نعم؛ لأنهم ليسوا ممن شرط الله قلنا ولا أهل الذمة ممن شرط الله؟، بل هم أبعد ممن شرط الله من عبيد عدول لو أعتقوا جازت شهادتهم من غد، ولو أسلم ذمي لم تجز شهادته حتى نختبر إسلامه وقلت له إذا احتججت ب {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} أفتجيزها على وصية المسلم حيث ذكرها الله عز وجل؟ قال لا؛ لأنها منسوخة قلنا أفتنسخ فيما نزلت فيه وتثبت في غيره؟ لو قال هذا غيرك كنت شبيها أن تخرج من جوابه إلى شتمه قال ما قلنا فيها إلا أن أصحابنا قالوه وأردنا الرفق بهم قلنا الرفق بالعبيد المسلمين العدول، والأحرار من الأعراب وأهل السجن كان أولى بك وألزم لك من الرفق بأهل الذمة فلم ترفق بهم؛ لأن شرط الله في الشهود غيرهم وغير أهل الذمة فكيف جاوزت شرط الله تعالى في أهل الذمة للرفق بهم ولم تجاوزه في المسلمين للرفق بهم وقلت أيضا على هذا المعنى إذا تحاكموا إلينا، وقد زنى منه ثيب رجمناه.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين زنيا» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فرجع بعضهم إلى هذا القول وقال أرجمهما إذا زنيا؛ لأن ذلك حكم الإسلام وأقام بعضهم على أن لا يرجمهما إذا زنيا وقالوا جميعا في الجملة نحكم عليهم بحكم الإسلام فقلت لبعضهم أرأيت إذا أربوا فيما بينهم والربا عندهم حلال؟ قال أرد الربا؛ لأنه حرام عندنا قلت ولا تلتفت إلى ما عندهم من إحلاله؟ قال لا قلت أرأيت إن اشترى مجوسي منهم بين يديك غنما بألف، ثم وقذها كلها ليبيعها فباع بعضها موقوذا بربح وبقي بعضها فحرقها عليه مسلم، أو مجوسي فقال هذا مالي وهذه ذكاته عندي وحلال في ديني، وقد نقدت ثمنه بين يديك وبعت بعضه بربح، والباقي كنت بائعه بربح، ثم حرقه هذا؟ قال فليس لك عليه شيء قلت فإن قال لك: ولم؟ قال: لأنه حرام، قلت: فإن قال لك: حرام عندك أو عندي؟ قال: أقول له: عندي، قلت: فقال: هو حلال عندي، قال: وإن كان حلالا عندك فهو حرام عندي علي وما كان حراما علي فهو حرام عليك قلت فإن قال فأنت تقرني على أن آكله، أو أبيعه وأنا في دار الإسلام وتأخذ مني عليه الجزية قال فإن أقررتك عليه فإقرارك عليه ليس هو الذي يوجب لك على أن أصير لك شريكا بأن أحكم لك به قلت فما تقول إن قتل له خنزيرا، أو أهراق له خمرا؟ قال يضمن ثمنه قلت ولم قال؛ لأنه مال له قلت أحرام عليك أم غير حرام؟ قال، بل حرام قلت أفتقضي له بقيمة الحرام ما فرق بينه وبين الربا وثمن الميتة للميتة كانت أولى أن يقضى له بثمنها؛ لأن فيها أهبا قد يسلخها فيدبغها فتحل له وليس في الخنزير عندك ما يحل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قلت له ما تقول في مسلم، أو ذمي سلخ جلود ميتة ليدبغها فحرق تلك الجلود عليه قبل الدباغ مسلم، أو ذمي؟ قال لا ضمان عليه قلت ولم، وقد تدبغ فتصير تسوى مالا كثيرا ويحل بيعها قال؛ لأنها حرقت في وقت فلما أتلفت في الوقت الذي ليست فيه حلالا لم أضمنها قلت، والخنزير شر، أو هذه؟ قال، بل الخنزير قلت فظلم المسلم، والمعاهد أعظم أم ظلم المعاهد وحده؟ قال، بل ظلم المسلم، والمعاهد معا قلت:
فلا فما أسمعك إلا ظلمت المسلم، والمعاهد، أو أحدهما حين لم تقض للمسلم بثمن الأهب، وقد تصير حلالا وهي الساعة له مال لو غصبه إياها إنسان لم تحل له، وكان عليك ردها إليه وظلمت المعاهد حين لم تضمن ثمن أهبه وثمن ميتته، أو ظلمته حين أعطيته ثمن الحرام من الخمر، والخنزير (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولهذا كتاب طويل هذا مختصر منه وفيما كتبنا بيان مما لم نكتب إن شاء الله تعالى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد قال الله تبارك وتعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} قرأ الربيع الآية فقلنا بما قال الله عز وجل إذا وجد الفقراء، والمساكين والرقاب، والغارم وابن السبيل أعطوا منها كلهم ولم يكن للإمام أن يعطي صنفا منهم ويحرمها صنفا يجدهم؛ لأن حق كل واحد منهم ثابت في كتاب الله عز وجل فقال بعض الناس إن كانوا موجودين فله أن يعطيها صنفا واحدا ويمنع من بقي معه فقيل له: عمن أخذت هذا؟ فذكر بعض من ينسب إلى العلم لا أحفظه قال فقال إن وضعها في صنف واحد وهو يجد الأصناف أجزأه قلنا فلو كان قول هذا الذي حكيت عنه هذا مما يلزم لم يكن لك فيه حجة؛ لأنه لم يقل فإن وضعها، والأصناف موجودون أجزأه وإنما قال الناس إذا لم يوجد صنف منها رد حصته على من معه؛ لأنه مال من مال الله عز وجل لا نجد أحدا أحق به ممن ذكره الله في كتابه معه، فأما، والأصناف موجودة فمنع بعضهم ماله لا يجوز، ولو جاز هذا جاز أن يأخذه كله فيصرفه إلى غيرهم مع أنا لا نعلم أحدا قال هذا القول قط يلزم قوله، ولو لم يكن في هذا كتاب الله وكيف تحتج على كتاب الله بغير سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا أمر بين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقد تركنا من الحجة على من خالف اليمين مع الشاهد أكثر مما كتبنا اكتفاء ببعض ما كتبنا ونسأل الله تعالى التوفيق، والعصمة، وقد بينا إن شاء الله تعالى أنهم لم يحتجوا في إبطال الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى باليمين مع الشاهد بشيء زعموا أنه يخالف ظاهر القرآن إلا، وقد بينا أنهم خالفوا القرآن بلا حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكونوا قالوا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أمرنا الله تعالى أن نأخذ ما آتانا وننتهي عما نهانا ولم يجعل لأحد بعده ذلك وبينا أنهم تركوا ظاهر القرآن ومعه قول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بظاهر القرآن في غير موضع أيضا، فأي جهل أبين من أن يكون قوم يحتجون بشيء يلزمهم أكثر منه لا يرونه حجة لغيرهم عليهم؟ والله تعالى الموفق.
باب اليمين مع الشاهد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من ادعى مالا، فأقام عليه شاهدا، أو ادعي عليه مال فكانت عليه يمين نظر في قيمة المال فإن كان عشرين دينارا فصاعدا، وكان الحكم بمكة أحلف بين المقام، والبيت على ما يدعي ويدعى عليه وإن كان بالمدينة حلف على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن كان عليه يمين لا يحلف بين المقام، والبيت فقال بعض أصحابنا إذا كان هذا هكذا حلف في الحجر فإن كانت عليه يمين في الحجر أحلف عن يمين المقام ويكون أقرب إلى البيت من المقام، وإن كان ما يحلف عليه أقل من عشرين دينارا أحلف في المسجد الحرام ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهكذا إذا كان يحلف عليه من أرش جناية، أو غيرها من الأموال كلها، ولو قال قائل: يجبر على اليمين بين البيت، والمقام وإن حنث كما يجبر على اليمين لو لزمته وعليه يمين أن لا يحلف كان مذهبا ومن كان ببلد غير مكة، والمدينة أحلف على عشرين دينارا، أو على العظيم من الدم، والجراح بعد العصر في مسجد ذلك البلد ويتلى عليه {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويحلف على الطلاق، والحدود كلها وجراح العمد صغرت أم كبرت بين المقام، والبيت وعلى جراح الخطإ التي هي أموال إذا بلغ أرشها عشرين دينارا فإن لم تبلغ لم يحلف بين المقام، والبيت، وكذلك العبد يدعي العتق إن بلغت قيمته عشرين دينارا حلف سيده وإلا لم يحلف قال وهذا قول حكام المكيين ومفتيهم ومن حجتهم فيه إجماعهم أن مسلم بن خالد، والقداح أخبرا عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن عبد الرحمن بن عوف رأى قومه يحلفون بين المقام، والبيت فقال أعلى دم؟ قالوا لا قال أفعلى عظيم من الأمر؟ فقالوا لا قال لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فذهبوا إلى أن العظيم من الأموال ما وصفت من عشرين دينارا فصاعدا وقال مالك يحلف على المنبر على ربع دينار (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: وأخبرنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة قال كتبت إلى ابن عباس من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا شاهد عليهما فكتب إلي أن أحبسهما بعد العصر، ثم أقرأ عليهما {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} ففعلت فاعترفت.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: وأخبرنا مطرف بن مازن بإسناد لا أعرفه أن ابن الزبير أمر بأن يحلف على المصحف.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ورأيت مطرفا بصنعاء يحلف على المصحف قال ويحلف الذميون في بيعتهم وحيث يعظمون وعلى التوراة، والإنجيل وما عظموا من كتبهم
(قال): ومن أحلف على حد، أو جراح عمد قل أرشها، أو كثر، أو زوج لاعن فهذا أعظم من عشرين دينارا فيحلف عليه كما وصفنا بين المقام، والبيت وعلى المنبر وفي المساجد وبعد العصر وبما تؤكد به الأيمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أخطأ الحاكم في رجل عليه يمين بين المقام، والبيت، فأحلفه ولم يحلفه بين المقام، والبيت فالقول في ذلك واحد من قولين.
أحدهما أنه إذا كان من ليس بمكة ولا المدينة ممن عنده حاكم لا يجلب إلى المدينة ولا مكة فيحلف ببلده فحلفه في حرم الله وفي حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم من حلفه في غيره ولا تعاد عليه اليمين، والآخر أنه إذا كان من حقه أن يحلف بين المقام، والبيت، أو على المنبر والناس لليمين بين البيت، والمقام وعلى المنبر أهيب فتعاد اليمين عليه حتى يؤخذ منه ما عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجلب أحد من بلد به حاكم يجوز حكمه في العظيم من الأمور إلى مكة وإلى المدينة وإلى موضع الخليفة ويحكم عليه حاكم بلده باليمين ببلده فإن كان المحكوم عليه يقهر حاكم بلده بجند، أو عز فسأل الطالب الخليفة رفعه إليه رأيت رفعه إن لم يكن حاكم يقوى عليه غيره فإن كان يقوى عليه حاكم غيره وهو أقرب إليه من الخليفة رأيت أن يرفع إلى الذي هو أقرب إليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):، والمسلمون البالغون رجالهم ونساؤهم ومماليكهم وأحرارهم سواء في الأيمان يحلفون كما وصفنا، والمشركون من أهل الذمة، والمستأمنون في الأيمان كما وصفنا يحلف كل واحد منهم بما يعظم من الكتب وحيث يعظم من المواضع بما يعرف المسلمون مما يعظم المستحلف منهم مثل قوله " بالله الذي أنزل التوراة على موسى وبالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى " وما أشبه هذا مما يعرفه المسلمون وإن كانوا يعظمون شيئا يجهله المسلمون إما يجهلون لسانهم فيه وإما يشكون في معناه لم يحلفوهم به ولا يحلفونهم أبدا إلا بما يعرفون
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):
ويحلف الرجل في حق نفسه على البت وفيما عليه نفسه على البت، وذلك مثل أن يكون له أصل الحق على الرجل فيدعي الرجل منه البراءة فيحلف بالله أن هذا الحق ويسميه لثابت عليه ما اقتضاه ولا شيئا منه ولا اقتضاه ولا شيئا منه له مقتض بأمره ولا أحال به ولا بشيء منه على أحد ولا أبرأ فلانا المشهود عليه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه وأنه عليه لثابت إلى يوم حلفت هذه اليمين فإن كان الحق لأبيه عليه فورث أباه أحلف على البت في نفسه كما وصفت وعلى علمه في أبيه ما علم أباه اقتضاه ولا شيئا منه ولا أبرأه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه، ثم أخذه فإن كان شهد له عليه شاهد قال في اليمين إن ما شهد له به فلان بن فلان على فلان ابن فلان لحق ثابت عليه على ما شهد به، ثم ينسق اليمين كما وصفت لك ويتحفظ الذي يحلفه فيقول له قل والله الذي لا إله إلا هو وإن وجبت اليمين لرجل يأخذ بها، أو على أحد يبرأ بها فسواء في الموضع الذي يحلف فيه وإن بدأ الذي له اليمين، أو الذي هي عليه فحلف عند الحاكم، أو في موضع اليمين على ما ادعى وادعي عليه لم يكن للحاكم أن يقبل بمينه ولكن إذا خرج له الحكم باليمين، أو عليه أحلفه فإن قال قائل ما الحجة في ذلك؟ فالحجة فيه أن محمد بن علي بن شافع أخبرنا عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد «أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ألبتة، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إني طلقت امرأتي ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه» قال فقد حلف ركانة قبل خروج الحكم فلم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أحلفه بمثل ما حلف به فكان في ذلك دلالة على أن اليمين إنما تكون بعد خروج الحكم فإذا كانت بعد خروج الحكم لم تعد ثانية على صاحبها، وإذا حلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركانة في الطلاق فهذا يدل أن اليمين في الطلاق كما هي في غيره.
وإذا كانت اليمين على الإرث، أو له أحلف، وكذلك إن كانت على من بلسانه خبل ويفهم بعض كلامه ولا يفهم بعض فإن كانت على أخرس فكان يفهم بالإشارة ويفهم عنه بها أشير إليه وأحلف له وعليه فإن كان لا يفهم ولا يفهم عنه، أو كان معتوها، أو مخبولا فكانت اليمين له وقفت له حقه حتى يفيق فيحلف، أو يموت فيحلف وارثه وإن كانت عليه قيل: لمدعيها انتظر حتى يفيق ويحلف فإن قال، بل أحلف وآخذ حقي قيل له: ليس ذلك لك إنما يكون ذلك لك إذا رد اليمين وهو لم يردها وإن أحلف الوالي رجلا فلما فرغ من يمينه استثنى فقال إن شاء الله أعاد عليه اليمين أبدا حتى لا يستثني (قال): والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين البيت، والمقام وعلى منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد العصر قول الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله} وقال المفسرون هي صلاة العصر وقول الله عز وجل في المتلاعنين {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين - والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} فاستدللنا بكتاب الله عز وجل على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة وعلى الحالف في اللعان بتكرير اليمين وقوله {أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين} وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدم بخمسين يمينا لعظمه وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين على المنبر وفعل أصحابه وأهل العلم ببلدنا (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (286)
صــــــــــ 38 الى صـــــــــــ 44
عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار».
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: وأخبرنا عن الضحاك بن عثمان الحزامي عن نوفل بن مساحق العامري عن المهاجر بن أبي أمية قال كتب إلي أبو بكر الصديق أن ابعث إلى نفيس بن مكشوح في وثاق، فأحلفه خمسين يمينا عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قتل ذا دوي.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد أحلف له مكاني فقال مروان لا والله إلا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك قال مالك كره زيد صبر اليمين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حلف على المنبر في خصومة كانت بينه وبين رجل وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها وافتدى منها وقال أخاف أن يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):، واليمين على المنبر مما لا اختلاف فيه عندنا في قديم ولا حديث علمته.
الخلاف في اليمين على المنبر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فعاب علينا اليمين على المنبر بعض الناس فقال وكيف تختلف الأيمان فيحلف من بالمدينة على المنبر ومن بمكة بين البيت، والمقام؟ فكيف يصنع من ليس بمكة ولا المدينة أيجلب إليهما أم يحلف على غير منبر ولا قرب بيت الله؟ قال فقلت لبعض من يقول هذا القول كيف أحلفت الملاعن أربعة أيمان وخامسة وهو قاذف لامرأته وأحلفت القاذف لغير امرأته يمينا واحدة وكيف أحلفت في الدم خمسين وأحلفت في الحقوق غيره وغير اللعان يمينا واحدة؟ وكيف أحلفت الرجل على فعله ولم تحلفه على غير فعله، ثم أحلفته في القسامة على فعله وما علم فعل غيره؟ قال اتبعنا في بعض هذا كتابا وفي بعضه أثرا وفي بعضه قول الفقهاء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقلت له ونحن اتبعنا الكتاب وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآثار عن أصحابه واجتماع أهل العلم ببلدنا فكيف عبت علينا اتباع ما هو ألزم من إحلافك في القسامة ما قتلت ولا علمت؟ قال فإن صاحبنا قال إنما أخذ أهل المدينة اليمين على المنبر عن مروان وخالفوا زيدا فذكرت له ما كتبت في كتابي من قول الله عز وجل وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما روي عن أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - فقال لم يذكر صاحبنا هذا وقال إن زيدا أنكر اليمين على المنبر فقلت له فصاحبك إن كان علم سنة فسكت عنها فلم ينصف وإن كان لم يعلمها فقد عجل قبل أن يعلم فقلت له زيد من أكرم أهل المدينة على مروان وأحراهم أن يقول له ما أراد ويرجع مروان إلى قوله (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك أن زيدا دخل على مروان فقال أيحل بيع الربا؟ فقال مروان أعوذ بالله قال فالناس يتبايعون الصكوك قبل أن يقبضونها فبعث مروان حرسا يردونها (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فلو لم يعرف زيد أن اليمين عليه لقال لمروان ما هذا علي وكيف تشهر يميني على المنبر ولكان عند مروان لزيد
أن لا يمضي عليه ما ليس عليه لو عزم على أن يمضيه لقال زيد ليس هذا علي قال فلم حلف زيد أن حقه لحق؟ قلنا، أو ما يحلف الرجل من غير أن يستحلف فإذا شهرت يمينه كره أن تصبر يمينه وتشهر قال بلى قلنا، ولو لم يكن على صاحبك حجة إلا ما احتج به من حديث زيد كانت عليه حجة فكيف وهي بالسنة، والخبر عن أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - أثبت؟ قال فكيف يحلف من بالأمصار على العظيم من الأمر قلنا بعد العصر كما قال الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة} وكما أمر ابن عباس ابن أبي مليكة بالطائف أن يحبس الجارية بعد العصر، ثم يقرأ عليها {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} ففعل فاعترفت.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا بذلك ابن مؤمل عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس.
باب رد اليمين
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن تحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا قال فتحلف يهود» (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - وأخبرنا عبد الوهاب الثقفي وابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ الأنصاريين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على يهود» (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - وأخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى - وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني ليث بن سعد أجرى فرسا فوطئ أصبع رجل من جهينة فنزى فيها فمات فقال عمر للذين ادعى عليهم تحلفون خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين احلفوا أنتم فأبوا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليمين على الأنصاريين يستحقون بها فلما لم يحلفوا حولها على اليهود يبرءون بها ورأى عمر على الليثيين يبرءون بها فلما أبوا حولها على الجهنيين يستحقون بها فكل هذا تحويل يمين من موضع قد رئيت فيه إلى الموضع الذي يخالفه فبهذا وما أدركنا عليه أهل العلم قبلنا قلنا في رد اليمين.
وقد قال الله عز وجل {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله} وقال الله عز وجل {فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله} فهذا وما أدركنا عليه أهل العلم ببلدنا يحكونه عن مفتيهم وحكامهم قديما وحديثا قلنا برد اليمين فإذا كانت الدعوى دما فالسنة فيها أن يبدأ المدعون إذا كان ما تجب به القسامة وهذا مكتوب في كتاب العقول فإن حلفوا استحقوا وإن أبوا الأيمان قيل يحلف لكم المدعى عليهم فإن حلفوا برئوا ولا يحلفون ويغرمون، والقسامة في العمد والخطإ سواء يبدأ فيها المدعون، وإن كانت الدعوى غير دم وكانت الدعوى مال أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين قيل للمدعي ليس النكول بإقرار فتأخذ منه حقك كما تأخذه بالإقرار ولا بينة فتأخذ بها حقك بغير يمين فاحلف وخذ حقك فإن أبيت أن تحلف سألناك عن إبائك فإن ذكرت أنك تأتي ببينة، أو تذكر معاملة بينك وبينه تركناك فمتى جئت بشيء تستحق به أعطيناك وإن لم تأت به حلفت فإن قلت لا أؤخر ذلك لشيء غير أني لا أحلف أبطلت يمينك فإن طلبتها بعد لم نعطك بها شيئا، وإن حلف المدعى عليه فبرئ، أو لم يحلف فنكل المدعي فأبطلنا يمينه، ثم جاء بشاهدين أخذنا له بحقه، والبينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، وقد قيل: إن بعض أصحابنا لا يأخذ له بالشهود إذا حلف المدعى عليه ويقول قد مضى الحكم بإبطال الحق عنه فلا آخذه بعد أن بطل، ولو أبى المدعي اليمين، فأبطلت أن أعطيه بيمينه، ثم جاء بشاهد فقال أحلف معه لم أر أن يحلف لأني قد حكمت أن لا يحلف في هذا الحق، ولو ادعى عليه حقا فقلت للمدعى عليه احلف، فأبى ورد اليمين على المدعي فقلت للمدعي احلف فقال المدعى عليه، بل أنا أحلف لم أجعل ذلك له لأني قد أبطلت أن يحلف وحولت اليمين على المدعي فإن حلف استحق وإن لم يحلف أبطلت حقه بلا يمين من المدعى عليه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو تداعى رجلان شيئا في أيديهما، وكان كل واحد منهما يدعي كله أحلفت كل واحد منهما لصاحبه فإن حلفا معا فالشيء بينهما نصفان كما كان في أيديهما فإن حلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف قيل: للحالف إنما أحلفناك على النصف الذي في يدك فلما حلفت جعلناه لك وقطعنا دعوى المدعي عليك وأنت تدعي نصفا في يده، فأبى أن يحلف فاحلف أنه لك كما ادعيت فإن حلف فهو له وإن أبى فهو للذي في يديه، ولو كانت دار في يدي رجل فادعى آخر أنها داره يملكها بوجه من وجوه الملك وسأل يمين الذي الدار في يديه، أو سأل أن تكون اليمين بالله ما اشتريتها وما وهبت لي فإن أبى ذلك الذي الدار في يديه أحلفناه بالله كما يحلف ما لهذا المدعي يسميه باسمه في هذه الدار حق بملك ولا غيره بوجه من الوجوه من قبل أنه قد يشتريها، ثم تخرج من يديه ويتصدق بها عليه فتخرج أيضا من يديه وتوهب له ولا يقبضها فإذا أحلفناه كما وصفت فقد احتطنا له وعليه في اليمين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وخالفنا في رد اليمين بعض الناس وقال من أين أخذتموها؟ فحكيت له ما كتبت من السنة، والأثر عن عمر وغيره مما كتبت وقلت له كيف لم تصر إلى القول بها مع ثبوت الحجج عليك فيها؟ قال فإني إنما رددتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» وقاله عمر فقلت له وهذا على ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروي عن عمر وهو على خاص فيما بيناه في كتاب الدعوى والبينات فإن كانت بينة أعطى بها المدعي، وإذا لم تكن أحلف المدعى عليه وليس فيما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليمين على المدعى عليه أنه إن لم يحلف أخذ منه الحق قال فإني أقول هذا عام ولا أعطي مدعيا إلا ببينة ولا أبرئ مدعى عليه من يمين فإذا لم يحلف لزمه ما ادعي عليه، وإذا حلف برئ فقلت له أرأيت مولى لي وجدته قتيلا في محلة فحضرتك أنا وأهل المحلة فقالوا لك أيدعي هذا ببينة؟ فقلت لا بينة لي فقلت فاحلفوا واغرموا فقالوا لك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «اليمين على المدعى عليه» وهذا لا يدعي علينا قال كأنكم مدعى عليكم قلنا وقالوا فإذا حكمت بكأن وكأن مما لا يجوز عندك هي فيما كأن فيه ليس كان أفعلينا كلنا، أو على بعضنا؟ قال، بل على كلكم قلت فقالوا، فأحلف كلنا وإلا، فأنت تظلمه إذا اقتصرت بالأيمان على الخمسين وهو يدعي على مائة وأكثر وهو عندك لو ادعى درهما على مائة أحلفتهم كلهم وظلمتنا إذ أحلفتنا فلم تبرئنا، واليمين عندك موضع براءة، وإذا أعطيته بلا بينة فخرجت من جميع ما احتججت به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر - رضي الله عنه - قال هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر خاصة قلت فإن كان عن عمر خاصا فلا نبطله بالخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر ونمضي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر في غير ما جاء فيه نص خبر عن عمر؟ قال نعم قلنا ولا يختلفان عندك؟ قال لا قلنا ويدلك خصوصه حكما يخرج من جملة قوله أن جملة قوله ليست على كل شيء؟ قال نعم وقلت له فالذي احتججت به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر في نقل الأيمان عن مواضعها التي ابتدئت فيها أثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» والذي احتججت به عن عمر أثبت عنه من قولك في القسامة عنه فكيف جعلت الرواية الضعيفة عن عمر حجة على ما زعمت من عموم السنة التي تخالفه ومن عموم قوله الذي يخالفه وعبت علي أن قلت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رد اليمين واستدللت بها على أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» خاص، فأمضيت سنته برد اليمين على ما جاءت فيه وسنته في البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه ولم يكن في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «، واليمين على المدعى عليه» بيان أن النكول كالإقرار إذا لم يكن مع النكول شيء يصدقه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهو يخالف البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه بكثير قد كتبنا ذلك في اليمين مع الشاهد وكتاب الدعوى والبينات واكتفينا بالذي حكينا في هذا الكتاب، وقلت له فكيف تزعم أن النكول يقوم مقام الإقرار فإن ادعيت حقا على رجل كثيرا وقلت فقأ عين غلامي، أو قطع يده، أو رجله فلم يحلف قضيت عليه بالحق والجراح كلها فإن ادعيت أنه قتله قلت القياس إذا لم يحلف أن يقتل ولكن أستحسن، فأحبسه حتى يقر فيقتل، أو يحلف فيبرأ وقال صاحبك، بل أجعل عليه الدية ولا أحبسه وأحلتما جميعا في العمد وهو عندكما لا دية فيه فقال أحدكما هو حكم الخطإ وقال الآخر أحبسه وخالفتما أصل قولكما أن النكول يقوم مقام الإقرار فكيف زعمتم أنكم إن لاعنتم بين زوجين فالتعن الزوج وأبت المرأة تلتعن حبستموها ولم تحدوها، والقرآن يدل على إيجاب الحد عليها؛ لأن الله عز وجل يقول {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله} فبين والله تعالى أعلم أن العذاب لازم لها إذا التعن الزوج إلا أن تشهد ونحن نقول تحد إن لم تلتعن وخالفتم أصل مذهبكم فيه فقال فكيف لم تجعلوا النكول يحق الحق للمدعي على المدعى عليه وجعلتم يمين المدعي يحقه عليه؟ فقلت له حكم الله فيمن رمى امرأة بزنا أن يأتي بأربعة شهداء، أو يحد فجعل شهود الزنا أربعة وحكم بين الزوجين أن يلتعن الزوج، ثم يبرأ من الحد ويلزم المرأة الحد إلا بأن تحلف فإن حلفت برئت وإن نكلت لزمها ما نكلت عنه وليس بنكولها فقط لزمها ولكن بنكولها مع يمينه فلما اجتمع النكول ويمين الزوج لزمها الحد، ووجدنا السنة والخبر برد اليمين فقلنا إذا لم يحلف من عليه مبتدأ اليمين رددناها على الذي يخالفه فإن حلف فاجتمع أن نكل من ادعى عليه وحلف هو أخذ حقه وإن لم يحلف لم يأخذ حقه؛ لأن النكول ليس بإقرار ولم نجد السنة ولا الأثر بالنكول فقط إقرارا ووجدنا حكم القرآن كما وصفت من أن يقام الحد على المرأة إذا نكلت وحلف الزوج لا إذا نكلت فقط اتباعا وقياسا، بل وجدتها لا يختلف الناس في أن لا حد عليها إلا ببينة تقوم، أو اعتراف وأن لو عرضت عليها اليمين فلم تلتعن لم تحد بترك اليمين، وإذا حلف الزوج قبلها، ثم لم تحلف فاجتمعت يمين الزوج المدافع عن نفسه الحد والولد الذي هو خصم يلزمه دون الأجنبي ونكولها عما ألزمها التعانه وهو يمينه حدت بالدلالة لقول الله عز وجل {ويدرأ عنها العذاب}.
في حكم الحاكم
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فبهذا نقول وفي هذا البيان الذي لا إشكال معه بحمد الله تعالى ونعمته على عالم فنقول ولي السرائر الله عز وجل فالحلال، والحرام على ما يعلمه الله تبارك وتعالى، والحكم على ظاهر الأمر وافق ذلك السرائر، أو خالفها فلو أن رجلا زور بينة على آخر فشهدوا أن له عليه مائة دينار فقضى بها القاضي لم يحل للمقضي له أن يأخذها إذا علمها باطلا ولا يحيل حكم القاضي علم المقضي له، والمقضي عليه ولا يجعل الحلال على واحد منهما حراما ولا الحرام لواحد منهما حلالا فلو كان حكم أبدا يزيل علم المقضي له وعليه حتى يكون ما علمه أحدهما محرما عليه، فأباحه له القاضي، أو علمه حلالا فحرمه عليه القاضي بالظاهر عنده حائلا بحكم القاضي عن علم الخصمين كان حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى الأحكام أن يكون هكذا فقد أعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يحكم بينهم بالظاهر وأن حكمه لا يحل لهم ما حرم الله تعالى عليهم، فأصل هذا ما وصفت لك من أن تنظر ما حل لك فإن حكم لك به أخذته وما حرم عليك فحكم لك به لم تأخذه، ولو طلق رجل امرأته ثلاثا، ثم جحد، فأحلفه الحاكم، ثم قضى له بحبسها.
لم يحل له إصابتها ولا لها أن تدعه يصيبها وعليها أن تمتنع منه بأكثر ما تقدر عليه ويسعها إذا أرادها ضربه وإن أتى الضرب على نفسه، ولو شهد شاهدا زور على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق القاضي بينهما لم يحل لها أن تنكح أبدا إذا علمت أن ما شهدا به باطل ولم يحل له أن ينكح أختها ولا أربعا سواها، وكان له أن يصيبها حيث قدر عليها إلا أنا نكره له أن يفعل خوفا أن يعد زانيا فيحد ولم يكن لها أن تمتنع منه، وكان لكل واحد منهما إن مات صاحبه قبله أن يرثه ولم يكن لورثته أن يدفعوه عن حقه في ميراثه إذا علموا أن الشهود كاذبون وإن كان الزوج الميت فعلى المرأة العدة منه، والبيوع مجامعة ما وصفنا من الطلاق في الأصل، وقد تختلف هي وهي في التصريف فيحتمل أن يكون معناهما لا يفترقان للاجتماع في الأصل ويحتمل أن يفرق بينهما حيث يفترقان ونسأل الله تعالى التوفيق بقدرته
ولو باع رجل من رجل جارية فجحده البيع فحلف كان ينبغي للقاضي أن يقول للمشتري بعد اليمين إن كنت اشتريت منه، فأشهد أنك قد فسخت البيع ويقول للبائع أشهد أنك قد قبلت الفسخ ليحل للبائع فرجها بانفساخ البيع، فإن لم يفعل ففيها أقاويل أحدها لا يحل فرجها للبائع؛ لأنها في ملك المشتري وهذا قياس الطلاق، ولو ذهب ذاهب إلى أن جحده البيع وحلفه يحلها للبائع ويقطع عنها ملك المشتري وأن يقول هذا رد بيع إن شاء البائع حلت له بأن يقبل الرد كان مذهبا، ولو ذهب مذهبا آخر ثالثا وقال وجدت السنة إذا أفلس بثمنها كان البائع أحق بها من الغرماء فلما كانت البيوع تملك بأخذ العوض فبطل العوض عن صاحب الجارية رجعت إليه بالملك الأول كان مذهبا أيضا والله تعالى أعلم وهكذا القول في البيوع كلها ينبغي بالاحتياط للقاضي إن أحلف المدعى عليه الشراء أن يقول له أشهد أنه إن كان بينك وبينه بيع فقد فسخته ويقول للبائع اقبل الفسخ حتى يعود ملكه إليه بحاله الأولى، وإن لم يفعل الحاكم فينبغي للبائع أن يقبل فسخ البيع حتى يفسخ في قول من رأى الجحود للشراء فسخ البيع وقول من لم يره، وكذلك لو ادعت امرأة على رجل أنه نكحها بشهود وغابوا، أو ماتوا فجحد وحلف كان ينبغي للقاضي أن يبطل
دعواها ويقول له أشهد أنك إن كنت نكحتها فهي طالق إن كان لم يدخل بها وإن كان دخل بها أعطاه شيئا قليلا على أن يطلقها واحدة ولا يملك رجعتها.
وإن ترك ذلك القاضي ولم يقبل ذلك المدعى عليه النكاح، والمرأة والرجل يعلمان أن دعواها حق فلا تحل لغيره ولا يحل له نكاح أختها حتى يحدث لها طلاقا قال وهما زوجان غير أنا نكره له إصابتها خوفا من أن يعد زانيا يقام عليه الحد ولها هي منعه نفسها لتركه إعطاءها الصداق والنفقة فإن سلم ذلك إليها ومنعته نفسها حتى يقر لها بالنكاح خوف الحبل وأن تعد زانية كان لها إن شاء الله تعالى؛ لأن حالها في ذلك مخالفة هو إذا ستر على أن يؤخذ في الحال التي يصيبها فيها لم يخف وهي تخاف الحمل أن تعد بإصابته، أو بإصابة غيره زانية تحد وحالها مخالفة حال الذي يقول لم أطلق، وقد شهد عليه بزور، والقول في البعير يباع فيجحد البيع والدار فيجحد المشتري البيع ويحلف كالقول في الجارية وأحب للوالي أن يقول له افسخ البيع وللبائع اقبل الفسخ فإن لم يفعل فللبائع في ذلك القول يقبل الفسخ فإن لم يفعل ولم يعمل بالوجه الآخر من أنه كالمفلس فله إجارة الدار حتى يستوفي ثمنها، ثم عليه تسليمها إليه، أو إلى وارثه، وكذلك يصنع بالبعير، وإن وجد ثمن الدار، أو البعير من مال المشتري كان له أخذه وعليه تسليم ما باعه إليه إذا أخذ ثمنه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه في النكاح، والبيع وغير ذلك
ولو شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا، وكان الرجل يعلم أنهما كاذبان وفرق القاضي بينهما وسعه أن يصيبها إذا قدر وإن كانت تعلم أنهما كاذبان لم يسعها الامتناع منه وتستتر بجهدها لئلا تعد زانية وإن كانت تشك ولا تدري أصدقا أم كذبا لم يسعها ترك الزوج الذي شهدا عليه أن يصيبها وأحببت لها الوقوف عن النكاح وإن صدقتهما جاز لها أن تنكح والله وليهما العالم بصدقهما وكذبهما، ولو اختصم رجلان في شيء فحكم القاضي لأحدهما فكان يعلم أن القاضي أخطأ لم يسعه أخذ ما حكم به له بعد علمه بخطئه وإن كان ممن يشكل ذلك عليه أحببت أن يقف حتى يسأل فإن رآه أصاب أخذه وإن كان الأمر مشكلا في قضائه فالورع أن يقف؛ لأن تركه وهو له خير من أخذه وليس له، والمقضي عليه بمال للمقضي له إن علم أن القاضي أخطأ عليه وسعه حبسه وإن أشكل عليه أحببت له أن لا يحبسه ولا يسعه حبسه حتى يعلم أن القاضي أخطأ عليه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وهذا مثل أن يشهد رجلان أن فلانا توفي وأوصى له بألف ويجحد الوارث فإن صدقهما وسعه أخذها وإن كذبهما لم يسعه أخذها وإن شك أحببت له الوقوف وفي مثل هذا أن يشهد له رجلان أن فلانا قذفه فإن صدقهما وسعه أن يحده وإن كذبهما لم يسعه أن يحده وإن شك أحببت له أن يقف وحاله فيما غاب عنه من كل ما شهد له به هكذا، ولو أقر له رجل بحق لا يعرفه، ثم قال مزحت فإن صدقه بأنه مزاح لم يحل له أخذه.
وإن كذبه وكان صادقا بالإقرار الأول عنده وسعه وأخذ ما أقر له به وإن شك أحببت له الوقوف فيه.
الخلاف في قضاء القاضي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فخالفنا بعض الناس في قضاء القاضي فقال قضاؤه يحيل الأمور عما هي عليه فلو أن رجلين عمدا أن يشهدا على رجل أنه طلق امرأته وهما يعلمان أنهما شهدا بزور ففرق القاضي بينهما وسع أحدهما فيما بينه وبين الله أن ينكحها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويدخل عليه أن لو شهد له رجلان بزور أن فلانا قتل ابنه وهو يعلم أن ابنه لم يقتل، أو لم يكن له ابن فحكم له
القاضي بالقود أن يقتله، ولو شهد له على امرأة أنه تزوجها بولي ودفع إليها المهر وأشهد على النكاح أن يصيبها، ولو ولدت له جاريته جارية فجحدها، فأحلفه القاضي وقضى بابنته جارية له جاز له أن يصيبها، ولو شهد له على مال رجل ودمه بباطل أن يأخذ ماله ويقتله، وقد بلغنا أنه سئل عن أشنع من هذا وأكثر فقال فيه بما ذكرنا أنه يلزمه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ثم حكى لنا عنه أنه يقول في موضع آخر خلاف هذا القول يقول لو علمت امرأة أن زوجها طلقها فجحدها وحلف وقضى القاضي بأن تقر عنده لم يسعها أن يصيبها، وكان لها إذا أراد إصابتها قتله وهذا القول بعيد عن القول الأول.
، والقول الأول خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يعرفه أهل العلم من المسلمين (قال): فخالفه صاحبه في الزوجة يشهد الرجلان بزور أن زوجها طلقها ففرق الحاكم بينهما فقال لا يحل لأحد الشاهدين أن ينكحها ولا يحل القضاء ما حرم الله (قال): ثم عاد فقال ولا يحل للزوج أن يصيبها فقيل: أتكره له ذلك لئلا يقام عليه الحد فنحن نكرهه أم لغير ذلك؟ قال لذلك ولغيره قلنا أي غير؟ قال قد حكم القاضي فهو يحل لغيره تزويجها، وإذا حل لغيره تزويجها حرم عليه هو إصابتها فقيل له: أو لبعض من يقول قوله أرأيت قوله يحل لغيره تزويجها يعني من جهل أن حكم القاضي إنما كان بشهادة زور فرأى أن حكمه بحق يحل له نكاحها فهو لا يحرم هذا عليه على الظاهر ويحرم عليه إن علم بمثل ما علم الزوج، وكذلك لا يحرم عليه في الظاهر لو نكح امرأة في عدتها، وقد قالت له ليست علي عدة أم يعني أنه لو علم ما علم الزوج والمرأة أن الشاهدين شهدا بباطل حل له أن ينكحها فهذا الذي عبت على صاحبك خلاف السنة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا أحفظ عنه في هذا جوابا بأكثر مما وصفت.
الحكم بين أهل الكتاب
(قال الشافعي): - رحمه الله - تعالى: الذي أحفظ من قول أصحابنا وقياسه أنهم لا ينظرون فيما بين أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شيء من أحكامهم فيما بينهم وأنهم لا يلزمون أنفسهم الحكم بينهم إلا أن يتدارءوا هم والمسلمون فإن فعلوا فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم فهذا الموضع الذي يلزمون أنفسهم النظر بينهم فيه فإذا نظروا بينهم وبين مسلم حكموا بحكم المسلمين لا خلاف في شيء منه بحال، وكذلك لو تدارءوا هم ومستأمن لا يرضى حكمهم، أو أهل ملة وملة أخرى لا ترضى حكمهم وإن تداعوا إلى حكامنا فجاء المتنازعون معا متراضين فالحاكم بالخيار إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم وأحب إلينا أن لا يحكم فإن أراد الحكم بينهم قال لهم قبل أن ينظر فيه إني إنما أحكم بينكم بحكمي بين المسلمين ولا أجيز بينكم إلا شهادة العدول المسلمين وأحرم بينكم ما يحرم في الإسلام من الربا وثمن الخمر، والخنزير.
وإذا حكمت في الجنايات حكمت بها على عواقلكم، وإذا كانت جناية تكون على العاقلة لم يحكم بها إلا برضا العاقلة فإن رضوا بهذا حكم به إن شاء وإن لم يرضوا لم يحكم فإن رضي بعضهم وامتنع بعض من الرضا لم يحكم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقال لي قائل ما الحجة في أن لا يحكم بينهم الحاكم حتى يجتمعوا على الرضا، ثم يكون بالخيار إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم؟ فقلت له قول الله عز وجل لنبيه {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإن جاءوك وجاءوك كأنها على المتنازعين لا على بعضهم دون بعض وجعل له الخيار فقال
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (287)
صــــــــــ 45 الى صـــــــــــ 51
{فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} قال فإنا نزعم أن الخيار منسوخ لقول الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} قلت له فاقرأ الآية {ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم}.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فسمعت من أرضى علمه يقول وأن احكم بينهم إن حكمت على معنى قوله {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} فتلك مفسرة وهذه جملة وفي قوله {فإن تولوا} دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم، ولو كان قوله {وأن احكم بينهم} إلزاما منه للحكم بينهم ألزمهم الحكم متولين؛ لأنهم إنما تولوا بعد الإتيان، فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا وهم والمسلمون إذا لم يأتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم إلا أنه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم فيغير عليهم وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عز وجل {وأن احكم بينهم} في معنى المسلمين انبغى للوالي أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم وإن تولى عنه زوجان على حرام ردهما حتى يفرق بينهما كما يرد زوجين من المسلمين لو توليا عنه وهما على حرام حتى يفرق بينهما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والدلالة على ما قال أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة وبها يهود وبخيبر وفدك ووادي القرى وباليمن كانوا، وكذلك في زمان أبي بكر وصدرا من خلافة عمر حتى أجلاهم وكانوا بالشام، والعراق، واليمن ولاية عمر بن الخطاب وعثمان وعلي - رضي الله تعالى عنهم - ولم يسمع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم بحكم إلا رجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم ولا لأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي وهم بشر يتظالمون ويتدارءون ويختلفون ويحدثون فلو لزم الحكم بينهم لزوم الحكم بين المسلمين تفقد منهم ما يتفقد من المسلمين، ولو لزم الحكم إذا جاء الطالب لكان الطالب إذا كان له في حكم المسلمين ما ليس له في حكم حكامه لجأ ولجأ المطلوب إذا رجا الفرج عند المسلمين ولجئوا في بعض الحالات مجتمعين إن شاء الله تعالى، ولو حكم فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو واحد من أئمة الهدى بعده لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله فالدلالة على أن لم يحكموا بما وصفت بينة إن شاء الله تعالى.
وقلت له لو كان الأمر كما تقول فكانت إحدى الآيتين ناسخة للأخرى ولم تكن دلالة من خبر ولا في الآية جاز أن يكون قول الله عز وجل {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} ناسخا لقوله {وأن احكم بينهم}، وكانت عليها دلالة بما وصفنا في التنزيل قال فما حجتك في أن لا تجيز بينهم إلا شهادة المسلمين قلت قول الله عز وجل {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط}، والقسط حكم الله الذي أنزل على نبيه وقول الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} والذي أنزل الله حكم الإسلام فحكم الإسلام لا يجوز إلا بشهادة العدول المسلمين، وقد قال الله {وأشهدوا ذوي عدل منكم}.
وقال تعالى {حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} فلم يختلف المسلمون أن شرط الله في الشهود المسلمين الأحرار العدول إذا كانت المعاني في الخصومات التي يتنازع فيها الآدميون معينة، وكان فيما تداعوا الدماء، والأموال وغير ذلك لم ينبغ أن يباح ذلك إلا بمن شرط الله من البينة وشرط الله المسلمين، أو بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع من المسلمين ولم يستن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمناه ولا أحد من أصحابه ولم يجمع المسلمون على إجازة شهادتهم بينهم وقلت له أرأيت الكذاب من المسلمين أتجيز شهادته عليهم؟ قال لا ولا أجيز عليهم من المسلمين إلا شهادة العدول التي تجوز على المسلمين فقلت له فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنهم بدلوا كتاب الله وكتبوا الكتب بأيديهم وقالوا
{هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} قال فالكذاب من المسلمين على الآدميين أخف في الكذب ذنبا من العاقد الكذب على الله بلا شبهة تأويل وأدنى المسلمين خير من المشركين فكيف ترد عنهم شهادة من هو خير منهم بكذب وتقبلهم وهم شر بكذب أعظم منه؟ والله أعلم.
الشهادات (أخبر الربيع بن سليمان) قال (أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال قال الله تبارك وتعالى {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} وقال {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} وقال الله عز وجل {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة «أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (قال الشافعي): - رحمه الله - تعالى: فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة، والكتاب يدل على أنه لا يجوز شهادة غير عدل (قال): والإجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه.
(قال): وسواء أي زنا ما كان زنا حرين، أو عبدين، أو مشركين؛ لأن كله زنا، ولو شهد أربعة على امرأة بالزنا، أو على رجل، أو عليهما معا لم ينبغ للحاكم أن يقبل الشهادة؛ لأن اسم الزنا قد يقع على ما دون الجماع حتى يصف الشهود الأربعة الزنا فإذا قالوا رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة، فأثبتوه حتى تغيب الحشفة فقد وجب الحد ما كان الحد رجما، أو جلدا وإن قالوا رأينا فرجه على فرجها ولم يثبت أنه دخل فيه فلا حد ويعزر فإن شهدوا على أن ذلك دخل في دبرها فقد وجب الحد كوجوبه في القبل فإن شهدوا على امرأة، فأنكرت وقالت أنا عذراء، أو رتقاء أريها النساء فإن شهد أربعة حرائر عدول على أنها عذراء، أو رتقاء فلا حد عليها؛ لأنها لم يزن بها إذا كانت هكذا الزنا الذي يوجب الحد ولا حد عليهم من قبل أنا وإن قبلنا شهادة النساء فيما يرين على ما يجزن عليه فإنا لا نحدهم بشهادة النساء، وقد يكون الزنا فيما دون هذا فإن ذهب ذاهب إلى أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق فقد قال عمر ذلك فيما بلغنا وقال ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم فأخبر أن الصداق يجب بالمسيس وإن لم يكن أرخى سترا ويجب بإرخاء الستر وإن لم يكن مسيس وذهب إلى أنها إذا خلت بينه وبين نفسها فقد وجب لها الصداق وجعل ذلك كالقبض في البيوع الذي يجب به الثمن وهو لو أغلق عليها بابا وأرخى سترا وأقام معها حتى تبلى ثيابها وتلبث سنة ولم يقر بالإصابة ولم يشهد عليه بها لم يكن عليه حد عند أحد، والحد ليس من الصداق بسبيل الصداق يجب بالعقدة فلو عقد رجل على امرأة عقدة نكاح، ثم مات، أو ماتت كان لها الصداق كاملا وإن لم يرها وليس معنى الصداق من معنى الحدود بسبيل
(قال): وإذا شهد أربعة على محصن أنه زنى بذمية حد المسلم ودفعت الذمية إلى أهل
دينها في قول من لا يحكم عليهم إلا أن يرضوا، فأما من قال نحكم عليهم رضوا، أو لم يرضوا فيحدها حدها إن كانت بكرا فمائة ونفي عام وإن كانت ثيبا فالرجم
(قال): وإذا شهد أربعة على رجل أنه وطئ هذه المرأة فقال هي امرأتي وقالت ذلك، أو قال هي جاريتي فالقول قولهما ولا يكشفان في ذلك ولا يحلفان فيه إلا أن يحضرهما من يعلم غير ما قالا وتثبت عليه الشهادة، أو يقران بعد بخلاف ما ادعيا فلا يجوز إلا ما وصفت من قبل أن الرجل قد ينكح المرأة ببلاد غربة وينتقل بها إلى غيرها وينكحها بالشاهدين والثلاثة فيغيبون ويموتون ويشتري الجارية بغير بينة وببينة فيغيبون فتكون الناس أمناء على هذا لا يحدون وهم يزعمون أنهم أتوا ما أحل الله تعالى لهم ونحن لا نعلمهم كاذبين ولا يجوز أن نقول يحد كل من وجدناه يجامع إلا أن يقيم بينة على نكاح، أو شراء، وقد يأخذ الفاسق الفاسقة فيقول هذه امرأتي وهذه جاريتي فإن كنت أدرأ عن الفاسق بأن يقول جيرانه رأيناه يدعي أنها زوجته وتقر بذلك ولا يعلمون أصل نكاح درأت عن الصالح الفاضل يقول هذه جاريتي؛ لأنه قد يشتريها بغير بينة ويقول هذه امرأتي على أحد هذه الوجوه، ثم كان أولى أن يقبل قوله من الفاسق وكل لا يحد إذا ادعى ما وصفت والناس لا يحدون إلا بإقرارهم، أو ببينة تشهد عليهم بالفعل وأن الفعل محرم، فأما بغير ذلك فلا نحد (قال): وهكذا لو وجدت حاملا فادعت تزويجا، أو إكراها لم تحد فإن ذهب ذاهب في الحامل خاصة إلى أن يقول قال عمر بن الخطاب الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنا إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف فإن مذهب عمر فيه بالبيان عنه بالخبر أنه يرجم بالحبل إذا كان مع الحبل إقرار بالزنا، أو غير ادعاء نكاح، أو شبهة يدرأ بها الحد.
باب إجازة شهادة المحدود
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وتقبل شهادة المحدودين في القذف وفي جميع المعاصي إذا تابوا، فأما من أتى محرما حد فيه فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى الحال الحسنة، والعفاف عن الذنب الذي أتى، وأما من قذف محصنة على موضع الشتم وغيره من غير مواضع الشهادات فلا تقبل شهادته حتى يختبر هذه المدة في الانتقال إلى أحسن الحال، والكف عن القذف، وأما من حد في أنه شهد على رجل بالزنا فلم تتم الشهادة فإن كان عدلا يوم شهد فساعة يقول قد تبت وكذب نفسه تقبل شهادته مكانه؛ لأنا وإن حددناه حد القاذف فلم يكن في معاني القذفة، ألا ترى أنهم إذا كانوا أربعة لم نحدهم، ولو كانوا أربعة شاتمين حددناهم، والحجة في قبول شهادة القاذف أن الله عز وجل أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا، ثم استثنى له إلا أن يتوب والاستثناء في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر وليس عند من زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحا لرأي أنفسهم، وقد كلمني بعضهم فكان من حجته أن قال إن أبا بكرة قال لرجل أراد أن يستشهده استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له لو لم تكن عليك حجة إلا هذه كنت قد أحسنت الاحتجاج على نفسك قال وكيف؟ قلت أرأيت أبا بكرة هل تاب من تلك الشهادة التي حد بها قال فإن قلت نعم؟ قلت فلم يطرح المسلمون عنه اسم الفسق، فأي شيء استثنى له بالتوبة؟ قال فإن قلنا لم يتب قلت فنحن لا نخالفك في أن من لم يتب لم تقبل شهادته قال فما توبته إذا كان حسن
الحال قلت إكذابه لنفسه كما قال صاحبكم الشعبي قال فهل في هذا خبر؟ قلت ما نحتاج مع القرآن إلى خبر ولا مع القياس إذا كنت تقبل شهادة الزاني، والقاتل، والمحدود في الخمر إذا تاب وشهادة الزنديق إذا تاب، والمشرك إذا أسلم وقاطع الطريق، والمقطوع اليد والرجل إذا تاب لا تقبل شهادة شاهد بالزنا فلم تتم به الشهادة فجعل قاذفا قال فهل عندك أثر؟ قلت نعم أخبرنا سفيان أنه سمع الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز وأشهد لأخبرني، ثم سمى الذي أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان فذهب على حفظي الذي سماه الزهري فسألت من حضرني فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فقلت لسفيان فهو سعيد؟ قال نعم إلا أني شككت فيه فلما أخبرني لم أشك ولم أثبته عن الزهري حفظا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب وسئل الشعبي عن القاذف فقال أيقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته؟ أخبرنا ابن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا يقوله عطاء وطاوس ومجاهد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والقاذف قبل أن يحد مثله حين يحد لا تقبل شهادته حتى يتوب كما وصفت، بل هو قبل أن يحد شر حالا منه حين يحد؛ لأن الحدود كفارات للذنوب فهو بعد ما يكفر عنه الذنب خير منه قبل أن يكفر عنه فلا أرد شهادته في خير حاليه وأجيزها في شر حاليه وإنما رددتها بإعلانه ما لا يحل له فلا أقبلها حتى ينتقل عنها وهذا القاذف، فأما الشاهد بالزنا عند الحاكم فلا يحده الحاكم لمحاباة، أو شبهة فإذا كان عدلا يوم شهد، ثم أكذب نفسه قبلت شهادته مكانه؛ لأنه ليس في معاني القذفة.
باب شهادة الأعمى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا رأى الرجل فأثبت وهو بصير، ثم شهد وهو أعمى قبلت شهادته؛ لأن الشهادة إنما وقعت وهو بصير إلا أنه بين وهو أعمى عن شيء وهو بصير ولا علة في رد شهادته فإذا شهد وهو أعمى على شيء قال أثبته كما أثبت كل شيء بالصوت، أو الحس فلا تجوز شهادته؛ لأن الصوت يشبه الصوت، والحس يشبه الحس فإن قال قائل فالأعمى يلاعن امرأته فأجل إنما حد الله في القذف غير الأزواج إذا لم يأتوا بأربعة شهداء فإذا جاءوا بهم خرجوا من الحد وحد الأزواج إلا بأن يخرجوا بالالتعان ففرق بين الأزواج والأجنبيين في هذا المعنى وجمع بينهم في أن يحدوا معا إذا لم يأت هؤلاء ببينة وهؤلاء بالالتعان، أو بينة وسواء قال الزوج رأيت امرأتي تزني، أو لم يقله كما سواء أن يقول الأجنبيون رأيناها تزني، أو هي زانية لا فرق بين ذلك، فأما إصابة الأعمى أهله وجاريته فذلك أمر لا يشبه الشهادات؛ لأن الأعمى وإن لم يعرف امرأته معرفة البصير فقد يعرفها معرفة يكتفي بها وتعرفه هي معرفة البصير، وقد يصيب البصير امرأته في الظلمة على معنى معرفة مضجعها ومجستها ولا يجوز له أن يشهد على أحد في الظلمة على معرفة المجسة، والمضجع، وقد يوجد من شهادة الأعمى بد؛ لأن أكثر الناس غير عمي فإذا أبطلنا شهادته في نفسه فنحن لم ندخل عليه ضررا وليس على أحد ضرورة غيره وعليه ضرورة نفسه فهو مضطر إلى الجماع الذي يحل؛ لأنه لا يحد أكثر من هذا ولا يبصر أبدا وليس بمضطر إلى الشهادة ولا غيره مضطر إلى شهادته وهو يحل له في ضرورته لنفسه ما لا يحل لغيره في ضرورته، ألا ترى أنه يجوز له في ضرورته الميتة، ولو صحبه من لا ضرورة به كضرورته لم تحل له الميتة أولا ترى أنه يجوز له اجتهاده في نفسه ولا يجوز له اجتهاده في غيره من أهل زمانه، فأما عائشة ومن روى عنها الحديث فالحديث
إنما قبل على صدق المخبر وعلى الأغلب على القلب وليس من الشهادات بسبيل، ألا ترى أنا نقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان بن فلان ولا نقبل في الشهادة حدثني فلان عن فلان حتى يقول أشهد لسمعت فلانا ونقبل حديث المرأة حتى نحل بها ونحرم وحدها ولا نقبل شهادتها وحدها على شيء ونقبل حديث العبد الصادق ولا نقبل شهادته ونرد حديث العدل إذا لم يضبط الحديث ونقبل شهادته فيما يعرف فالحديث غير الشهادة.
شهادة الوالد للولد والولد للوالد
(قال الشافعي): رحمة الله تعالى عليه لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا لبني بنيه ولا لبني بناته وإن تسفلوا ولا لآبائه وإن بعدوا؛ لأنه من آبائه وإنما شهد لشيء هو منه وأن بنيه منه فكأنه شهد لبعضه وهذا مما لا أعرف فيه خلافا ويجوز بعد شهادته لكل من ليس منه من أخ وذي رحم وزوجة لأني لا أجد في الزوجة ولا في الأخ علة أرد بها شهادته خبرا ولا قياسا ولا معقولا وإني لو رددت شهادته لزوجته؛ لأنه قد يرثها وترثه في حال رددت شهادته لمولاه من أسفل إذا لم يكن له ولد؛ لأنه قد يرثه في حال ورددت شهادته لعصبته وإن كان بينه وبينهم مائة أب ولست أجده يملك مال امرأته ولا تملك ماله فيكون يجر إلى نفسه بشهادته ولا يدفع عنها وهكذا أجده في أخيه، ولو رددت شهادته لأخيه بالقرابة رددتها لابن عمه؛ لأنه ابن جده الأدنى ورددتها لابن جده الذي يليه ورددتها لأبي الجد الذي فوق ذلك حتى أردها على مائة أب، أو أكثر قال، ولو شهد أخوان لأخ بحق، أو شهد عليه أحد بحق فجرحاه قبلت شهادتهما، ولو رددتها في إحدى الحالين لرددتها في الأخرى (قال): وكذلك لو شهدوا له وهو مملوك أنه أعتق، وكذلك لو جرحوا شاهدين شهدا عليه بحد قبلت شهادتهما؛ لأن أصل الشهادة أن تكون مقبولة، أو مردودة فإذا كانت مقبولة للأخ قبلت في كل شيء فإن قال قائل فقد يجرون إلى أنفسهم الميراث إذا صار حرا قيل له: أفرأيت إن كان له ولد أحرار، أو رأيت إن كان ابن عم بعيد النسب قد يرثونه إن مات ولا ولد له أورأيت إن كان رجل من أهل العشيرة متراخي النسب أترد شهادتهم له في الحد يدفعونه بجرح من شهدوا على جرحه ممن شهد عليه، أو بعتقه فإن قال: نعم، قيل: أفرأيت إن كانوا حلفاء فكانوا يعيرون بما أصاب حليفهم، أو كانوا أصهارا فكانوا يعيرون بما أصاب صهرهم وإن بعد صهره، وكان من عشيرة صهرهم الأدنى، أو رأيت إن كانوا أهل صناعة واحدة يعابون معا ويمدحون معا من علم، أو غيره فإن رد شهادتهم لم يخل الناس من أن يكون هذا فيهم وإن أجازها في هذا فقد أجازها وفيها العلة التي أبطلها بها (قال): ولا تجوز شهادة أحد غير الأحرار المسلمين البالغين العدول.
شهادة الغلام والعبد والكافر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الغلام قبل أن يبلغ، والعبد قبل أن يعتق، والكافر قبل أن يسلم لرجل بشهادة فليس للقاضي أن يجيزها ولا عليه أن يسمعها وسماعها منه تكلف فإذا بلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر وكانوا عدولا فشهدوا بها قبلت شهادتهم؛ لأنا لم نردها في العبد والصبي بعلة سخط في أعمالهما ولا كذبهما ولا بحال سيئة في أنفسهما لو انتقلا عنها وهما بحالهما قبلناهما إنما رددناها؛ لأنهما ليسا من شرط الشهود الذين أمرنا بإجازة شهادتهم، ألا ترى أن شهادتهما وسكاتهما في مالهما تلك سواء
وأنا لا نسأل عن عدلهما، ولو عرفنا عدلهما كان مثل جرحهما في أن لا تقبل شهادتهما في أن هذا لم يبلغ وأن هذا مملوك وفي الكافر وإن كان مأمونا على شهادة الزور في أنه ليس من الشرط الذي أمرنا بقبوله فإذا صاروا إلى الشرط الذي أمرنا بقبوله قبلناهم معا وكانوا كمن لم يشهد إلا في تلك الحال، فأما الحر المسلم البالغ ترد شهادته في الشيء، ثم تحسن حاله فيشهد بها فلا نقبلها؛ لأنا قد حكمنا بإبطالها؛ لأنه كان عندنا حين شهد في معاني الشهود الذين يقطع بشهادتهم حتى اختبرنا أنه مجروح فيها بعمل شيء، أو كذب فاختبر فرددنا شهادته فلا نجيزها وليس هكذا العبد ولا الصبي ولا الكافر أولئك كانوا عدولا، أو غير عدول ففيهم علة أنهم ليسوا من الشرط وهذا من الشرط إلا بأن يختبر عمله، أو قوله، والله تعالى الموفق.
شهادة النساء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين في مال يجب للرجل على الرجل فلا يجوز من شهادتهن شيء وإن كثرن إلا ومعهن رجل شاهد ولا يجوز منهن أقل من اثنتين مع الرجل فصاعدا ولا نجيز اثنتين ويحلف معهما؛ لأن شرط الله عز وجل الذي أجازهما فيه مع شاهد يشهد بمثل شهادتهما لغيره قال الله عز وجل {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}، فأما رجل يحلف لنفسه فيأخذ فلا يجوز وهذا مكتوب في كتاب اليمين مع الشاهد، والموضع الثاني حيث لا يرى الرجل من عورات النساء فإنهن يجزن فيه منفردات ولا يجوز منهن أقل من أربع إذا انفردن قياسا على حكم الله تبارك وتعالى فيهن؛ لأنه جعل اثنتين تقومان مع رجل مقام رجل وجعل الشهادة شاهدين، أو شاهدا وامرأتين فإن انفردن فمقام شاهدين أربع وهكذا كان عطاء يقول أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز في شيء من الحدود ولا في شيء من الوكالات ولا الوصية ولا ما عدا ما وصفت من المال وما لا يطلع عليه الرجال من النساء أقل من شاهدين ولا يجوز في العتق، والولاء ويحلف المدعى عليه في الطلاق، والحدود، والعتاق وكل شيء بغير شاهد وبشاهد فإن نكل رددت اليمين على المدعي وأخذت له بحقه وإن لم يحلف المدعي لم آخذ له شيئا ولا أفرق بين حكم هذا وبين حكم الأموال.
شهادة القاضي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا كان القاضي عدلا فأقر رجل بين يديه بشيء كان الإقرار عنده أثبت من أن يشهد عنده كل من يشهد؛ لأنه قد يمكن أن يشهدوا عنده بزور، والإقرار عنده ليس فيه شك.
وأما القضاة اليوم فلا أحب أن أتكلم بهذا كراهية أن أجعل لهم سبيلا إلى أن يجوروا على الناس، والله تعالى الموفق.
رؤية الهلال
(قال الشافعي): قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: ولا يلزم الإمام الناس أن يصوموا إلا بشهادة عدلين فأكثر، وكذلك لا يفطرون وأحب إلي لو صاموا بشهادة العدل؛ لأنهم لا مؤنة عليهم في الصيام إن
كان من رمضان أدوه وإن لم يكن رجوت أن يؤجروا به ولا أحب لهم هذا في الفطر؛ لأن الصوم عمل بر، والفطر ترك عمل.
أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين - رضي الله تعالى عنها - أن شاهدا شهد عند علي بن أبي طالب - رحمه الله تعالى - على رؤية هلال شهر رمضان فصام أحسبه قال وأمر الناس بالصيام وقال أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان. أحسبه " شك الشافعي " قال الربيع رجع الشافعي بعد فقال: لا يصام إلا بشاهدين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إن كان علي - رحمه الله تعالى -: أمر الناس بالصوم فعلى معنى المشورة لا على معنى الإلزام، والله تعالى أعلم.
شهادة الصبيان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تجوز شهادة الصبيان في حال من الأحوال؛ لأنهم ليسوا ممن نرضى من الشهداء وإنما أمرنا الله عز وجل أن نقبل شهادة من نرضى ومن قبلنا شهادته قبلناها حين يشهد بها في الموقف الذي يشهد بها فيه وبعده وفي كل حال ولا أعرف مكان من تقبل شهادته قبل أن يعلم ويجرب ويفارق موقفه إذا علمنا أن عقل الشاهد هكذا، فمن أجاز لنا أن نقبل شهادة من لا يدري ما لله - تبارك وتعالى اسمه - عليه في الشهادة وليس عليه فرض: فإن قال قائل فإن ابن الزبير قبلها قيل: فابن عباس ردها، والقرآن يدل على أنهم ليسوا ممن يرضى أخبرنا سفيان عن عمر، وعن ابن أبي مليكة عن ابن عباس.
الشهادة على الشهادة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): تجوز الشهادة على الشهادة ولا يجوز أن يشهد على شهادة الرجل ولا المرأة حيث تجوز إلا رجلان ولا يجوز أن يشهد على واحد منهما نساء مع رجل وإن كان ذلك في مال لأنهن لا يشهدن على أصل المال إنما يشهدن على تثبيت شهادة رجل، أو امرأة، وإذا كان أصل مذهبنا أنا لا نجيز شهادة النساء إلا في مال، أو فيما لا يراه الرجال لم يجز لنا أن نجيز شهادتين على شهادة رجل ولا امرأة
الشهادة على الجراح
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا أقام رجل شاهدا على جرح خطأ، أو عمدا مما لا قصاص فيه حال حلف مع شاهده يمينا واحدة، وكان له الأرش وإن كان عمدا فيه قصاص بحال لم يحلف ولم يقبل فيه إلا شاهدان، ولو أجزنا اليمين مع الشاهد في القصاص أجزناها في القتل وأجزناها في الحدود ووضعناها الموضع الذي لم توضع فيه وسواء كان ذلك في عبد قتله حر، أو نصراني قتله حر مسلم، أو جرح قال وشهادة النساء فيما كان خطأ من الجراح وفيما كان عمدا لا قصاص فيه بحال جائزة مع رجل ولا يجزن إذا انفردن ولا يمين لطالب الحق معهن وحدهن فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول: إن القسامة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (288)
صــــــــــ 52 الى صـــــــــــ 58
تجب بشاهد في النفس فيقتل ولي الدم فالقسامة تجب عنده بدعوى المقتول، أو الفوت من البينة ولا يجوز له إلا أن يزعم أن الجرح الذي فيه القود مثل النفس فيقضي فيه بالقسامة ويجعلها خمسين يمينا ولا يفرق بينه وبين القسامة في النفس بحال، أو يزعم أن القسامة لا تكون إلا في النفس، فأصل حكم الله تعالى في الشهادة شاهدان، أو شاهد وامرأتان في المال وأصل حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندنا أنه حكم باليمين مع الشاهد في الأموال، والقصاص ليس بمال قال فلا ينبغي إلا أن لا يجاز على القصاص إلا شاهدان إلا أن يقول قائل في الجراح أن فيها قسامة مثل النفس فإذا أبى من يقول هذا أن يقبل شاهدا وامرأتين، ثم يقتص كان ينبغي أن يكون لأن يقبل يمينا وشاهدا أشد إباء.
شهادة الوارث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا شهد وارث وهو عدل لرجل أن أباه، أوصى له بالثلث وجاء آخر بشاهدين يشهدان له أن أباه، أوصى له بالثلث فهو مثل الرجلين يقيم أحدهما شاهدين على الدار بأنهما له ويقيم الآخر شاهدا أنها له لا اختلاف بينهما، فمن رأى أن يسوى بين شاهد ويمين في هذا وبين شاهدين أحلف هذا مع شاهده وجعل الثلث بينهما نصفين ومن لم ير ذلك؛ لأن الشهادة لم تتم حتى يكون المشهود له مستغنيا عن أن يحلف جعل الثلث لصاحب الشاهدين وأبطل شهادة الوارث إذا كان وحده، ولو كان معه وارث آخر تجوز شهادته، أو أجنبي كان الثلث بينهما نصفين في القولين معا قال، ولو أن الوارث شهد أن أباه رجع عن وصيته للمشهود له وصيره إلى هذا الآخر حلف مع شاهده، وكان الثلث له وهذا يخالف المسألة الأولى لأنهما في المسألة الأولى مختلفان وهذا يثبت ما ثبتا ويثبت أن أباه رجع فيه قال، ولو مات رجل وترك بنين عددا فاقتسموا، أو لم يقتسموا، ثم شهد أحد الورثة لرجل أن أباه، أوصى له بالثلث فإن كان عدلا حلف مع شاهده وأخذ الثلث من أيديهم جميعا وإن كان غير عدل أخذ ثلث ما في يديه ولم يأخذ من الآخرين شيئا وأحلفوا له، وهكذا لو كان الشاهد امرأتين من الورثة، أو عشرا من الورثة لا رجل معهن أخذ ثلث ما في أيديهن ولم تجز شهادتهن على غيرهن ممن لم يقر ولم يحلف المشهود له مع شهادتهن قال، ولو كان الميت ترك ألفا نقدا وألفا دينا على أحد الوارثين فشهد الذي عليه الدين لرجل أنه، أوصى له بالثلث فإن كان عدلا أعطاه ثلث الألف التي عليه؛ لأنها من ميراث الميت وأعطى الآخر ثلث الألف التي أخذ إذا حلف وإن كان مفلسا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أقر الوارث بدين على أبيه، ثم أقر عليه بدين بعده فسواء الإقرار الأول، والإقرار الآخر؛ لأن الوارث لا يعدو أن يكون إقراره على أبيه يلزمه فيما صار في يديه من ميراث أبيه كما يلزمه ما أقر به في مال نفسه وهو لو أقر اليوم لرجل عليه بدين وغدا لآخر لزمه ذلك كله ويتحاصان في ماله، أو يكون إقراره ساقطا؛ لأنه لم يقر على نفسه فلا يلزمه واحد منهما وهذا مما لا يقوله أحد علمته، بل هما لازمان معا، ولو كان معه وارث، وكان عدلا حلفا مع شاهدهما، ولو لم يكن عدلا كانت المسألة الأولى ويلزمه ذلك فيما في يديه دون ما في يدي غيره قال، وإذا مات رجل وترك وارثا، أو ورثة، فأقر أحد الورثة في عبد تركه الميت أنه لرجل بعينه، ثم عاد بعد فقال، بل هو لهذا الآخر فهو للأول وليس للآخر فيه شيء ولا غرم على الوارث قال، وكذلك لو
وصل الكلام فقال هو لهذا، بل هو لهذا كان للأول منهما، وذلك أنه حينئذ كالمقر في مال غيره فلا يصدق على إبطال إقرار قد قطعه لآخر بأن يخرجه إلى آخر، وليس في معنى الشاهد الذي شهد بما لا يملك لرجل، ثم يرجع قبل الحكم فيشهد به لآخر قال، وإذا مات الميت وترك ابنين فشهد أحدهما لرجل بدين فإن كان ممن تجوز شهادته أخذ الدين من رأس المال مما في يدي الوارثين جميعا إذا حلف المشهود له وإن كان ممن لا تجوز شهادته أخذ من يدي الشاهد له من دينه بقدر ما كان يأخذ منه لو جازت شهادته؛ لأن موجودا في شهادته أنه إنما له في يدي المقر حق وفي يدي الجاحد حق، فأعطيته من المقر ولم أعطه من الجاحد شيئا وليس هذا كما هلك من مال الميت ذاك كما لم يترك، ألا ترى أنه لو ترك ألفين فهلكت إحداهما وثبت عليه دين ألف أخذت الألف، وكذلك لو ثبت لرجل وصية بالثلث أخذ ثلث الألف، وكانت الهالكة كما لم يترك، ولو قسم الورثة ماله اتبع أهل الدين وأهل الوصية كل وارث بما صار في يديه حتى يأخذوا من يديه بقدر ما صار لهم، ولو أفلسوا، فأعطي أهل الدين دينهم من يدي من لم يفلس رجع به على من أفلس وهذا الشاهد لا يرجع أبدا على أخيه بشيء إنما هو أقر به قال، ولو ترك الميت رجلا وارثا واحدا، فأقر لرجل أن له هذا العبد بعينه، ثم أقر به بعد لهذا فهو للأول ولا يضمن للآخر شيئا وسواء دفع العبد إلى المقر له الأول، أو لم يدفعه لا فرق بينهما، ولو زعمت أنه إذا دفعه إلى الأول، ثم أقر به للآخر ضمن للآخر قيمة العبد؛ لأنه قد استهلكه بدفعه إلى الأول قلت كذلك لو لم يدفعه من قبل أني إذا أجزت إقراره الأول، ثم أردت أن أخرج ذلك من يدي الأول إلى الآخر بإقرار كنت أقررت في مال غيري فلا أكون ضامنا لذلك وسواء كان الوارث إذا كان منفردا بالميراث ممن تجوز شهادته، أو لا تجوز في هذا الباب من قبل أن لا أقبل شهادته في شيء قد أقر به لرجل وخرج من ملكه إليه قال وهكذا لو أقر أن أباه، أوصى لرجل بثلث ماله، ثم قال، بل، أوصى به لهذا لم أقبل قوله من قبل أني قد ألزمته أن أخرج من يديه ثلث مال أبيه إليه فإذا أراد إخراجه إلى غيره جعلته خصما للذي استحقه أولا بإقراره فلا أقبل شهادته فيما هو فيه خصم له، قال، ولو اقتسم الورثة، ثم لحق الميت دين، أو وصية بشهادة وارث، أو غير وارث فذلك كله سواء ويقال للورثة إن تطوعتم أن تؤدوا على هذا دينه وتثبتون على القسم فذلك وإن أبيتم بعنا لهذا في أحضر ما ترك الميت ونقضنا القسم بينكم ولم نبع على كل واحد منهم بقدر الدين ولا بقدر الوصية، ألا ترى أنه لو ترك دارا وأرضا ورقيقا وثيابا ودراهم وترك دينا أعطينا صاحب الدين من الدراهم الحاضرة ولم نحبسه على غائب يباع ولم نبع له مال الميت كله وبعنا له من مال الميت بقدر دينه، أو وصيته
الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وتجوز الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي في كل حق للآدميين من مال، أو حد، أو قصاص وفي كل حد لله تبارك وتعالى قولان: أحدهما: أنها تجوز، والآخر لا تجوز من قبل درء الحدود بالشبهات، فمن قال تجوز فشهد شاهدان على رجل بالزنا وأربعة على شهادة آخرين بالزنا لم تقبل الشهادة حتى يصفوا زنا واحدا وفي وقت واحد ويثبت الشاهدان على رؤية الزنا
وتغيب الفرج في الفرج وتثبت الشهود على الشاهدين مثل ذلك، ثم يقام عليه الحد (قال): وهكذا كل شهادة زنا لا يقبلها الحاكم فيحد بها حتى يشهدوا بها على زنا واحد فإن شهدوا، فأبهموا ولم يصفوا أنها رؤية واحدة، ثم مات أحدهم، أو ماتوا، أو غاب أحدهم، أو غابوا لم يحدده ولم يحددهم من قبل أنهم لم يثبتوا عليه ما يوجب عليه الحد (قال): وهكذا لو شهد ثمانية على أربعة في هذا القول أقيم عليه الحد
(قال): وإذا سمع الرجلان الرجل يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل لهما اشهدا فليس عليهما أن يقوما بهذه الشهادة فإن قاما بها فليس للقاضي أن يحكم بها؛ لأنه لم يسترعهم الشهادة فيكون إنما شهد بحق ثابت عنده، وقد يجوز أن يقول أشهد أن لفلان عليه ألف درهم وعده إياها، أو من وجه لا يجب لأنه غير مأخوذ بها فإذا كان مؤديها إلى القاضي، أو يسترعي من يؤديها إلى القاضي لم يكن ليفعل إلا وهي عنده واجبة وأحب للقاضي أن لا يقبل هذا منه، وإن كان على الصحة حتى يسأله من أين هي له عليه فإن قال بإقرار منه، أو ببيع حضرته، أو سلف أجازه فإن قال هذا ولم يسأله القاضي كان موضع سغبا ورأيته جائزا من قبل أنه إنما شهد بها على الصحة
(قال): وإن أشهد شاهد على شهادة غيره فعليه أن يؤديها وليس للقاضي أن يقبلها حتى يكون معه غيره (قال): وإذا سمع الرجل الرجل يقر لرجل بمال وصف ذلك من غصب، أو بيع، أو لم يصف ولم يشهده المقر فلازم له أن يؤديها وعلى القاضي أن يقبله، وذلك أن إقراره على نفسه أصدق الأمور عليه (قال): وإذا سمع الرجل الرجل يقول أشهد أن لفلان على فلان حقا لم يلزم فلانا لأنه لم يقر به وإقرار غيره عليه لا يلزمه ولا يلزمه شيء من ذلك إلا أن يكون شاهدا عليه والشهادة عليه أن يقوم بها عند الحاكم، أو يسترعيها شاهدا، فأما أن ينطق بها وهي عنده كالمزاح فيسمع منه ولا يسترعيها فهذا بين أن ما أقر به على غيره ولا يلزم غيره إقراره ولم يكن شاهدا به فيلزم غيره شهادته
(قال): وإذا شهد الشاهدان على رجل أنه قد سرق مالا لرجل فوصفا المال ولم يصفا من حيث سرقه، أو وصفا من حيث سرقه ولم يصفا المال فلا قطع عليه؛ لأنه قد يكون سارقا لا قطع عليه، وذلك أن يختلس، أو يسرق من غير حرز، أو يسرق أقل من ربع دينار فإن مات الشاهدان، أو غابا لم يقطع، وإذا ماتا خلي بعد أن يحلف فإذا غابا حبس حتى يحضرا ويكتب إلى قاضي البلد الذي هما فيه فيقفهما، ثم يقبل ذلك من قبل كتاب القاضي في السرقة ومن لم يقبل كتاب القاضي في السرقة لم يكتب، وإن كانا وصفا السرقة ولم يصفا الحرز أغرمها السارق ولم يقطع
(قال): وإذا شهد شهود الزنا على الزنا لم يقم الحد حتى يصفوا الزنا كما وصفت فإن فعلوا أقيم الحد وإن لم يفعلوا حتى غابوا، أو ماتوا، أو غاب أحدهم حبس حتى يصفه فإن مات أحدهم خلى سبيله ولا يقيم الحد عليه أبدا حتى يجتمع أربعة يصفون زنا واحدا فيجب بمثله الحد، أو يحلفه ويخليه ويكون فيما يسأل الإمام الشهود عليه أزنى بامرأة لأنهم قد يعدون الزنا وقع على بهيمة ولعلهم أن يعدوا الاستمناء زنا فلا نحده أبدا حتى يثبتوا الشهادة ويبينوها له فيما يجب في مثله الزنا
(قال): وإذا شهد ثلاثة على رجل بالزنا، فأثبتوه فقال الرابع رأيته نال منها ولا أدري أغاب ذلك منه في ذلك منها؟ فمذهب أكثر المفتين أن يحد الثلاثة ولا يحد الرابع، ولو كان الرابع قال أشهد أنه زان، ثم قال هذا القول انبغى أن يحد في قولهم؛ لأنه قاذف لم يثبت الزنا الذي في مثله الحد ولم يحدوا، وهكذا لو شهد أربعة فقالوا رأيناه على هذه المرأة فلم يثبتوا لم
يحد ولم يحدوا، ولو قالوا زنى بهذه المرأة، ثم لم يثبتوا حدوا بالقذف؛ لأنهم قذفة لم يخرجوا بالشهادة
(قال): وإذا شهد الشهود على السارق بالسرقة لم يكن للإمام أن يلقنه الحجة، وذلك أنه لو جحد قطع ولكن لو ادعيت عليه السرقة ولم تقم عليه بينة فكان من أهل الجهالة بالحد إما بأن يكون مسلما بحضرة سرقته جاء من بلاد حرب وإما أن يكون جافيا ببادية أهل جفاء لم أر بأسا بأن يعرض له بأن يقول لعله لم يسرق، فأما أن يقول له اجحد فلا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الشاهدان على سرقة فاختلفا في الشهادة فقال أحدهما سرق من هذه الدار كبشا لفلان وقال الآخر، بل سرقه من هذه الدار، أو شهدا بالرؤية معا وقالا معا سرقه من هذا البيت وقال أحدهما بكرة وقال الآخر عشية، أو قال أحدهما سرق الكبش وهو أبيض وقال الآخر سرقه وهو أسود، أو قال أحدهما كان الذي سرق أقرن وقال الآخر أجم غير أقرن، أو قال أحدهما كان كبشا وقال الآخر كان نعجة فهذا اختلاف لا يقطع به حتى يجتمعا على شيء واحد يجب في مثله القطع ويقال للمسروق منه كل واحد من هذين يكذب صاحبه فادع شهادة أيهما شئت واحلف مع شاهدك فإن قال أحدهما سرق كبشا ووصفه بكرة وقال الآخر سرق كبشا ووصفه عشية فلم يدع المسروق إلا كبشا حلف على أي الكبشين شاء وأخذه، أو ثمنه إن فات، وإن ادعى كبشين حلف مع شهادة كل واحد منهما وأخذ كبشين إذا لم يكونا وصفا أن السرقة واحدة واختلفا في صفتهما فهذه سرقتان يحلف مع كل واحد منهما ويأخذه
(قال): وكذلك لو شهد عليه شاهد أنه شرب خمرا اليوم وشاهد آخر أنه شرب خمرا أمس لم يحد من قبل أن أمس غير اليوم، وكذلك لو شهد عليه شاهدان أنه زنى بفلانة في بيت كذا وشهد آخران أنه زنى بها في بيت غيره فلا حد على المشهود عليه ومن حد الشهود إذا لم يتموا أربعة حدهم، وإذا شهد شاهد على رجل أنه قذف رجلا اليوم وشهد آخر عليه أنه قذفه أمس فلا يحد من قبل أنه ليس ثم اثنان يشهدان على قذف واحد، وهكذا لو شهدا عليه بالطلاق فقال أحدهما قال لامرأته أمس أنت طالق وقال الآخر قال لها اليوم أنت طالق فلا طلاق من قبل أن طلاق أمس غير طلاق اليوم وشهادتهما على ابتداء القول الذي يقع به الآن الحد، أو الطلاق، أو العتق كشهادتهما على الفعل وليس هذا كما يشهدان عليه بأنه أقر بشيء مضى منه (قال): ويحلف في كل شيء من هذا إذا أبطلت عنه الشهادة استحلفته ولم يكن عليه شيء
(قال): وهكذا لو قال أشهد أنه قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فدخلها وقال الآخر أشهد أنه قال لامرأته أنت طالق إن ركبت الدابة فركبتها لم تطلق امرأته؛ لأن كل واحد منهما يشهد عليه بطلاق غير طلاق الآخر
(قال): وإذا سرق السارق السرقة فشهد عليه أربعة فشهد اثنان أنه ثوب كذا وقيمته كذا وشهد الآخران أنه ذلك الثوب بعينه وقيمته كذا فكانت إحدى الشهادتين يجب فيها القطع، والأخرى لا يجب بها القطع فلا قطع عليه من قبل أنا ندرأ الحدود بالشبهة وهذا أقوى ما يدرأ به الحد ونأخذه بالأقل من القيمتين في الغرم لصاحب السرقة وليس هذا كالذي يشهد عليه رجلان رجل بألف، والآخر بألفين من قبل أنه قد يكون لذلك ألف من وجه وألفان من وجه وهذا لا يكون له إلا ثمن ذلك الثوب الذي اجتمعوا عليه وليس شهود الزيادة بأولى من شهود النقص وأحلفه مع الشاهد الواحد على القيمة إذا ادعى شهادة اللذين شهدا على أكثر القيمتين
(قال): ومن شهد على رجل بغير الزنا فلم تتم الشهادة فلا حد على الشاهد ولا بأس أن يفرق القاضي بين الشهود إذا خشي عبثهم، أو جهلهم بما يشهدون عليه، ثم يوقفهم على ما شهدوا عليه وعلى الساعة التي يشهدون فيها وعلى الفعل، والقول كيف كان وعلى من حضر ذلك معهم وعلى ما يستدل به على صحة شهادتهم وشهادة من شهد معهم (قال): وهكذا إذا اتهمهم
بالتحامل، أو الحيف على المشهود عليه والتحامل لمن يشهدون له، أو الجنف له فإن صححوا الشهادة قبلها، وإن اختلفوا فيها اختلافا يفسد الشهادة ألغاها
(قال): وإذا أثبت الشهود الشهادة على أي حد ما كان، ثم غابوا، أو ماتوا قبل أن يعدلوا، ثم عدلوا أقيم عليه الحد، وهكذا لو كانوا عدولا، ثم غابوا قبل أن يقام الحد أقيم وهكذا لو خرسوا، أو عموا (قال): وإذا كان الشهود عدولا، أو عدلوا عند الحاكم أطرد المشهود عليه جرحتهم وقبلها منه على من كان من الناس لا فرق بين الناس في ذلك لأنا نرد شهادة أفضل الناس بالعداوة، والجر إلى نفسه والدفع عنها، ولا تقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به الجارح المجروح فإن الناس قد يجرحون بالاختلاف، والأهواء ويكفر بعضهم بعضا ويضلل بعضهم بعضا ويجرحون بالتأويل فلا يقبل الجرح إلا بنص ما يرى هو مثله يجرح كان الجارح فقيها، أو غير فقيه؛ لما وصفت من التأويل
(قال): وإذا شهد شهود على رجل بحد ما كان، أو حق ما كان فقال المشهود عليه هم عبيد، أو لم يقله فحق على الحاكم أن لا يقبل شهادة أحد منهم حتى يثبت عنده بخبرة منه بهم، أو ببينة تقوم عنده أنهم أحرار بالغون مسلمون عدول فإذا ثبت هذا عنده أخبر المشهود عليه، ثم أطرده جرحتهم فإن جاء بها قبلها منه، وإن لم يأت بها أنفذ عليه ما شهدوا به (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة، والمروءة حتى لا يخلطهما بشيء من معصية ولا ترك مروءة ولا يمحض المعصية ويترك المروءة حتى لا يخلطه بشيء من الطاعة والمروءة. فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة، والمروءة قبلت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رددت شهادته وكل من كان مقيما على معصية فيها حد وأخذ فلا نجيز شهادته وكل من كان منكشف الكذب مظهره غير مستتر به لم تجز شهادته، وكذلك كل من جرب بشهادة زور وإن كان غير كذاب في الشهادات ومن كان إنما يظن به الكذب وله مخرج منه لم يلزمه اسم كذاب وكل من تأول، فأتى شيئا مستحلا كان فيه حد، أو لم يكن لم ترد شهادته بذلك ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين ونصب علما في البلدان من قد يستحل المتعة فيفتي بأن ينكح الرجل المرأة أياما بدراهم مسماة، وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه محرم وأن منهم من يستحل الدينار بعشرة دنانير يدا بيد، وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه محرم وأن منهم من قد تأول فاستحل سفك الدماء ولا نعلم شيئا أعظم من سفك الدماء بعد الشرك ومنهم من تأول فشرب كل مسكر غير الخمر وعاب على من حرمه وغيره يحرمه.
ومنهم من أحل إتيان النساء في أدبارهن وغيره يحرمه، ومنهم من أحل بيوعا محرمة عند غيره فإذا كان هؤلاء مع ما وصفت وما أشبهه أهل ثقة في دينهم وقناعة عند من عرفهم، وقد ترك عليهم ما تأولوا، فأخطئوا فيه ولم يجرحوا بعظيم الخطإ إذا كان منهم على وجه الاستحلال كان جميع أهل الأهواء في هذه المنزلة فإذا كانوا هكذا فاللاعب بالشطرنج وإن كرهناها له وبالحمام وإن كرهناها له أخف حالا من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر، فأما إن قام رجل بالحمام، أو بالشطرنج رددنا بذلك شهادته، وكذلك لو قامر بغيره فقامر على أن يعادي إنسانا، أو يسابقه، أو يناضله، وذلك أنا لا نعلم أحدا من الناس استحل القمار ولا تأوله ولكنه لو جعل فيها سبقا متأولا كالسبق في الرمي وفي الخيل قيل له قد أخطأت خطأ فاحشا ولا ترد شهادته بذلك حتى يقيم عليه بعدما يبين له، وذلك أنه لا غفلة في هذا على أحد وأن العامة مجتمعة على أن هذا محرم قال وبائع الخمر مردود الشهادة لأنه لا فرق بين أحد من المسلمين
في أن بيعها محرم، فأما من عصر عنبا فباعه عصيرا فهو في الحال التي باعه فيها حلال كالعنب يشتريه كما يأكل العنب وأحب إلي له أن يحسن التوقي فلا يبيعه ممن يراه يتخذه خمرا فإن فعل لم أفسخ البيع من قبل أنه باعه حلالا ونية صاحبه في إحداث المحرم فيه لا تحرم الحلال ولا ترد شهادته بذلك من قبل أنه قد يعقد ربا ويتخذ خلا فإذا كانت الحال التي باعه فيها حلالا يحل فيها بيعه، وكان قد يتخذ حلالا وحراما فليس الحرام بأولى به من الحلال، بل الحلال أولى به من الحرام وبكل مسلم (قال):، وإذا شهد الشهود بشيء فلم يحكم به الحاكم حتى يحدث للشهود حال ترد بها شهادتهم لم يحكم عليه، ولا يحكم عليه حتى يكونوا عدولا يوم يحكم عليه ولكنه لو حكم بشهادتهم وهم عدول، ثم تغيرت حالهم بعد الحكم لم يرد الحكم؛ لأنه إنما ينظر إلى عدلهم يوم يقطع الحكم بهم
(قال): وإذا شهد الشهود على رجل فادعى جرحتهم أجل في جرحتهم بالمصر الذي هو به وما يقاربه فإن جاء بها وإلا أنفذ عليه الحكم، ثم إن جرحهم بعد لم يرد عنه الحكم وإن جاء ببعض ما يجرحهم مثل أن يأتي بشاهد واستأجل في آخر رأيت أن يضرب له أجلا يوسع عليه فيه حتى يجرحهم، أو يعوزه ذلك فيحكم عليه
(قال): وإذا شهد الرجل بشهادة، ثم رجع إلى الحاكم فشك فيها، أو قال قد بان لي أني قد غلطت فيها لم يكن للحاكم أن ينفذها ولا يناله بعقوبة؛ لأن الخطأ موضوع عن بني آدم فيما هو أعظم من هذا وقال له لقد كنت أحب أن تتثبت في الشهادة قبل أن تثبت عليها فإن قال قد غلطت على المشهود عليه الأول وهو هذا الآخر طرحتها عن الأول ولم أجزها على الآخر لأنه قد أطلعني على أنه قد شهد فغلط ولكن لو لم يرجع حتى يمضي الحكم بها، ثم يرجع بعد مضي الحكم لم أرد الحكم، وقد مضى وأغرمهما إن كانا شاهدين على قطع دية يد المقطوع في أموالهما حالة؛ لأنهما قد أخطآ عليه، وإن قال عمدنا أن نشهد عليه ليقطع، وقد علمنا أنه سيقطع إذا شهدنا عليه جعلنا للمقطوع الخيار إن شاء أن يقطع يديهما قصاصا، وإن شاء أن يأخذ منهما دية يده أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن علي - رضي الله تعالى عنه - (قال): وإذا كان الراجع شاهدا واحدا بعد مضي الحكم فالقول فيه كالقول في الأول يضمن نصف دية يده وإن عمد قطعت يده هو، فأما إذا أقرا بعمد شهادة الزور في شيء ليس فيه قصاص فإني أعاقبهما دون الحد ولا تجوز شهادتهما على شيء بعد حتى يختبرا ويجعل هذا حادثا منهما يحتاج إلى اختبارهما بعده إذا بينا أنهما أخطآ على من شهدا عليه، فأما لو شهدا، ثم قالا لا تنفذ شهادتنا فإنا قد شككنا فيها لم ينفذها، وكان له أن ينفذ شهادتهما في غيرها؛ لأن قولهما قد شككنا ليس هو قولهما أخطأنا
(قال): وإذا شهد الشهود لرجل بحق في قصاص، أو قذف، أو مال، أو غيره فأكذب الشهود المشهود له لم يكن له بعد إكذابهم مرة أن يأخذ بشيء من ذلك الذي شهدوا له به وهو أولى بحق نفسه وأحرى أن يبطل الحكم به إذا أكذب الشهود وإنما له شهدوا وهو على نفسه أصدق، ولو لم يكذب الشهود ولكنهم رجعوا، وقد شهدوا له بقذف، أو غيره لم يقض له بشيء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الرجوع عن الشهادات ضربان فإذا شهد الشاهدان، أو الشهود على رجل بشيء يتلف من بدنه، أو ينال مثل قطع، أو جلد، أو قصاص في قتل، أو جرح وفعل ذلك به، ثم رجعوا فقالوا عمدنا أن ينال ذلك منه بشهادتنا فهي كالجناية عليه ما كان فيه من ذلك قصاص خير بين أن يقتص، أو يأخذ العقل وما لم يكن فيه من ذلك قصاص أخذ فيه العقل وعزروا دون الحد، ولو قالوا عمدنا الباطل ولم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم العقل، وكان هذا عمدا يشبه الخطأ فيما يقتص منه وما لا يقتص منه، ولو قالا أخطأنا، أو شككنا لم يكن في شيء من هذا عقوبة ولا قصاص، وكان عليهم فيه الأرش
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو
شهدوا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق بينهما الحاكم، ثم رجعوا أغرمهم الحاكم صداق مثلها إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها غرمهم نصف صداق مثلها لأنهم حرموها عليه ولم يكن لها قيمة إلا مهر مثلها ولا ألتفت إلى ما أعطاها قل، أو كثر إنما ألتفت إلى ما أتلفوا عليه فأجعل له قيمته (قال): وإذا كانوا إنما شهدوا على الرجل بمال يملك، فأخرجوه من يديه بشهادتهم إلى غيره عاقبتهم على عمد شهادة الزور ولم أعاقبهم على الخطإ ولم أغرمهم من قبل أني لو قبلت قولهم الآخر وكانوا شهدوا على دار قائمة أخرجت فرددتها إليه لم يجز أن أغرمهم شيئا قائما بعينه قد أخرجته من ملك مالكه.
وقد قال بعض البصريين إنه ينقض الحكم في هذا كله فترد الدار إلى الذي أخرجها من يديه أولا وإنما منعنا من هذا أنا إن جعلناه عدلا بالأول فأمضينا به الحكم ولم يرجع قبل مضيه أنا إن نقضناه جعلنا للآخر في غير موضع عدالة فنجيز شهادته على الرجوع ولم يكن أتلف شيئا لا يوجد إنما أخرج من يدي رجل شيئا فكان الحكم أن ذلك حق في الظاهر فلما رجع كان كمبتدئ شهادة لا تجوز شهادته وهو لم يأخذ شيئا لنفسه فانتزعه من يديه ولم يفت شيئا لا ينتفع به من أفاته وإنما شهد بشيء انتفع به غيره فلم أغرمه ما أقر بيدي غيره
(قال): وإذا شهد الرجل، أو الاثنان على رجل أنه أعتق عبده، أو أن هذا العبد حر الأصل فرددت شهادتهما، ثم ملكاه، أو أحدهما عتق عليهما، أو على المالك له منهما؛ لأنه أقر بأنه حر لا يحل لأحد ملكه، ولا أقبل منه أن يقول شهدت أولا بباطل (قال): وهكذا لو قال لعبد لأبيه قد أعتقه أبي في وصية وهو يخرج من الثلث، ثم قال كذبت لم يكن له أن يملك منه شيئا؛ لأنه قد أقر له بالحرية
(قال): وإذا شهد الرجلان على رجل بشهادة فأجازها القاضي، ثم علم بعد أنهما عبدان، أو مشركان، أو أحدهما فعليه رد الحكم، ثم يقضي بيمين وشاهدان كان أحدهما عدلا، وكان مما يجوز فيه اليمين مع الشاهد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا لو علم أنهما يوم شهدا كانا غير عدلين من جرح بين في أبدانهما، أو في أديانهما لا أجد بينهما وبين العبد فرقا في أنه ليس لواحد منهما شهادة في هذه الحال فإذا كانوا بشيء ثابت في أنفسهم من فسق، أو عبودية، أو كفر لا يحل ابتداء القضاء بشهادتهم فقضى بها كان القضاء نفسه خطأ بينا عند كل أحد ينبغي أن يرده القاضي على نفسه ويرده على غيره، بل القاضي بشهادة الفاسق أبين خطأ من القاضي بشهادة العبد، وذلك أن الله عز وجل قال {وأشهدوا ذوي عدل منكم} وقال {ممن ترضون من الشهداء} وليس الفاسق واحدا من هذين، فمن قضى بشهادته فقد خالف حكم الله عز وجل وعليه رد قضائه ورد شهادة العبد إنما هو تأويل ليس ببين واتباع بعض أهل العلم، ولو كانا شهدا على رجل بقصاص، أو قطع فأنفذه القاضي، ثم بان له لم يكن عليهما شيء لأنهما صادقان في الظاهر، وكان على القاضي أن لا يقبل شهادتهما فهذا خطأ من القاضي تحمله عاقلته فيكون للمقضي عليه بالقصاص، أو القطع أرش يده إذا كان جاء ذلك بخطإ فإن أقر أنه جاء ذلك عمدا وهو يعلم أنه ليس ذلك له فعليه القصاص فيما فيه قصاص وهو غير محمود
(قال): وإذا مات الرجل وترك ابنا وارثا لا وارث له غيره فأقر أن هذه الألف الدرهم لهذا الرجل وهي ثلث مال أبيه، أو أكثر دفعنا إليه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (289)
صــــــــــ 59 الى صـــــــــــ 65
باب الحدود
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): الحد حدان حد لله تبارك وتعالى لما أراد من تنكيل من غشيه عنه وما أراد من تطهيره به، أو غير ذلك مما هو أعلم به وليس للآدميين في هذا حق وحد، أوجبه الله تعالى على من أتاه من الآدميين فذلك إليهم ولهما في كتاب الله تبارك وتعالى اسمه أصل، فأما أصل حد الله تبارك وتعالى في كتابه فقوله عز وجل {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} إلى قوله {رحيم} فأخبر الله تبارك اسمه بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا من قبل أن يقدر عليهم، ثم ذكر حد الزنا والسرقة ولم يذكره فيما استثنى فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة واحتمل أن يكون كل حد لله عز وجل فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه كما احتمل حين «قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حد الزنا في ماعز ألا تركتموه» أن يكون كذلك عند أهل العلم السارق إذا اعترف بالسرقة والشارب إذا اعترف بالشرب، ثم رجع عنه قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه ومن قال هذا قال هذا في كل حد لله عز وجل فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه حد الله تبارك وتعالى في الدنيا وأخذ بحقوق الآدميين واحتج بالمرتد يرتد عن الإسلام، ثم يرجع إلى الإسلام فيسقط عنه القتل فيبطل القطع عن السارق ويلزمه المال لأنه قد اعترف بشيئين أحدهما لله عز وجل، والآخر للآدميين فأخذناه بما للآدميين وأسقطنا عنه ما لله عز وجل ومن ذهب إلى أن الاستثناء في المحارب ليس إلا حيث هو جعل الحد على من أتى حد الله متى قدر عليه، وإن تقادم، فأما حدود الآدميين من القذف وغيره فتقام أبدا لا تسقط قال الربيع قول الشافعي - رحمه الله تعالى - الاستثناء في التوبة للمحارب وحده الذي أظن أنه يذهب إليه قال الربيع، والحجة عندي في أن الاستثناء لا يكون إلا في المحارب خاصة حديث ماعز حين أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقر الزنا، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجمه ولا نشك أن ماعزا لم يأت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخبره إلا تائبا إلى الله عز وجل قبل أن يأتيه فلما أقام عليه الحد دل ذلك على أن الاستثناء في المحارب خاصة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد الشاهدان على السرقة وشهدا أن هذا سرق لهذا كذا، وكذا قطع السارق إذا ادعى المسروق المتاع؛ لأنه قد قام عليه شاهدان بأنه سرق متاع غيره، ولو لم يزيدا على أن قالا هذا سرق من بيت هذا كان مثل هذا سواء إذا ادعى أنه له قطعت السارق لأني أجعل له ما في يديه وما في بيته مما في يديه (قال): ولو ادعى في الحالين معا أن المتاع متاعه غلبه عليه هذا، أو باعه إياه، أو وهبه له وأذن له في أخذه لم أقطعه لأني أجعله خصما له، ألا ترى أنه لو نكل عن اليمين أحلفت المشهود عليه بالسرقة ودفعته إليه، ولو أقام عليه بينة دفعته إليه، ولو أقام عليه بينة في المسألة الأولى، فأقام المسروق بينة أنه متاعه جعلت المتاع للذي المتاع في يديه وأبطلت الحد عن السارق؛ لأنه قد جاء ببينة أنه له فلا أقطعه فيما قد أقام البينة أنه له، وإن لم أقض به له وأنا أدرأ الحد بأقل من هذا، ولو أقر المسروق منه بعدما قامت البينة على السارق أنه نقب بيته وأخرج متاعه أنه أذن له أن ينقب بيته ويأخذه وأنه متاع له لم أقطعه، وكذلك لو شهد له شهود فأكذب الشهود إذا سقط أن أضمنه المتاع بإقرار رب المتاع له لم أقطعه في شيء أنا أقضي به له ولا أخرجه من يديه والشهادة على اللواط وإتيان البهائم أربعة لا يقبل فيها أقل منهم؛ لأن كلا جماع
قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن شهد على رجل بحد، أو قصاص، أو غيره فلم تجز شهادته بمعنى من المعاني إما بأن لم يكن معه غيره وإما بأن لم يكن عدلا فلا حد عليه ولا عقوبة إلا شهود الزنا الذين يقذفون بالزنا فإذا لم يتموا فالأثر عن عمر وقول أكثر المفتين أن يحدوا، والفرق بين الشهادة في الحدود وبين المشاتمة التي يعزر فيها من ادعى الشهادة، أو يحد أن يكون الشاهد إنما يتكلم بها عند الإمام الذي يقيم الحدود، أو عند شهود يشهدهم على شهادته، أو عند مفت يسأله ما تلزمه الشهادة لو حكاها لا على معنى الشتم ولكن على معنى الإشهاد عليها، فأما إذا قالها على معنى الشتم، ثم أراد أن يشهد بها لم يقبل منه وأقيم عليه فيها الحد إن كان حدا، أو التعزير إن كان تعزيرا
(قال): ولا يجوز كتاب القاضي إلى القاضي حتى يشهد عليه شاهدان بالكتاب بعدما يقرؤه القاضي عليهما ويعرفانه وكتابه إليه كالصكوك للناس على الناس لا أقبلها مختومة وإن شهد الشهود أن ما فيها حق، وكذلك إن شهد الشاهدان أن هذا كتاب القاضي دفعه إلينا وقال اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان لم أقبله حتى يقرأ عليهم وهو يسمعه ويقر به، ثم لا أبالي كان عليه خاتم، أو لم يكن فأقبله (قال): وقد حضرت قاضيا أتاه كتاب من قاض وشهود عدد عدول فقال الشهود نشهد أن هذا كتاب القاضي فلان دفعه إلينا وقال اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان فقبله وفتحه فأنكر المكتوب عليه ما فيه وجاء بكتاب معه يخالفه فوقف القاضي عنه وكتب إليه بنسختهما فكتب إليه يخبره أن أحدهما صحيح وأن الآخر وضع في مكان كتاب صحيح فدفعه وهو يرى أنه إياه وذكر المشهود عليه أن ذلك من قبل بعض كتابه، أو أعوانه فإذا أمكن هذا هكذا لم ينبغ أن يكون مقبولا حتى يشهد الشهود على ما فيه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يقبل إلا كتاب قاض عدل، وإذا كتب الكتاب وأشهد عليه، ثم مات، أو عزل انبغى للمكتوب إليه أن يقبله (قال): وكذلك لو مات القاضي المكتوب إليه انبغى للقاضي الوالي بعده أن يقبله (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): أصل ما نذهب إليه أنا لا نجيز شهادة خصم على خصمه؛ لأن الخصومة موضع عداوة سيما إذا كان الخصم يطلبه بشتم
(قال): ولو أن رجلا قذف رجلا، أو جماعة فشهدوا عليه بزنا، أو بحد غيره لم أجز شهادة المقذوف؛ لأنه خصم له في طلب القذف وحددت المشهود عليه بالقذف بشهادة غير من قذفه، ولو كانوا شهدوا عليه قبل القذف، ثم قذفهم كانت الشهادة ما كانت أنفذتها لأنها كانت قبل أن يكونوا له خصماء ولكنهم لو زادوا عليه فيها بعد القذف لم أقبل الزيادة لأنها كانت بعد أن كانوا له خصماء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قذف رجل رجلا، وكان المقذوف عبدا، فأقام شاهدين أن سيده أعتقه قبل قذف هذا بساعة، أو أكثر حد قاذفه، وكذلك لو جنى عليه، أو جنى هو كانت جنايته، والجناية عليه جناية حر (قال): وكذلك لو أصاب هو حدا كان حده حد حر وطلاقه طلاق حر لأني إنما أنظر إلى العتق يوم يكون الكلام ولا أنظر إليه يوم يقع به الحكم، ولو جحده سيده العتق سنة، أعتقه يوم أعتقه السيد وحكمت له بأحكام الحر يومئذ ورددته على السيد بإجارة مثله بما استخدمه وهكذا نقول في الطلاق إذا جحده الزوج وقامت به بينة الطلاق من يوم قامت البينة لا من يوم وقع الحكم وهكذا نقول في القرعة، وقيم العبيد قيمتهم يوم يقع العتق، وهكذا نقول فيمن عتق من الثلث قيمتهم يوم مات المعتق؛ لأنه يومئذ وقع العتق ولا ألتفت إلى وقوع الحكم، فأما أن يتحكم متحكم فيزعم مرة أنه إنما ينظر إلى يوم تكون البينة لا يوم يقع الحكم، ومرة إلى يوم يقع الحكم فلو شاء قائل أن يقول له بخلاف قوله فيجعل ما
جعل يوم كانت البينة، أو كان العتق لم يكن عليه حجة ولا يجوز فيه إلا ما قلناه من أن يكون الحكم من يوم وقع العتق ويوم قامت البينة
(قال): وإذا أقام شاهدا على رجل أنه غصبه جارية وشاهدا أنه أقر أنه غصبه إياها فهذه شهادة مختلفة ويحلف مع أحد شاهديه ويأخذها (قال): وكذلك لو شهد أحدهما أنها له وشهد الآخر أنه أقر أنه غصبه إياها
(قال): وإذا شهد شاهدان على رجل أنه غصب رجلا جارية، وقد وطئها وولدت له أولادا فله الجارية وما نقص ثمنها ومهرها وأولاده رقيق فإن أقر أنه غصبها ووطئها حد ولا يلحق به الولد، وإن زعم أنها له وأن الشهود شهدوا عليه بباطل فلا حد عليه ويلحق به الولد ويقومون وليس في شهادة الشهود عليه في الجارية أنه غصبها مسلمة في الحد عليه؛ لأنهم لم يشهدوا عليه بزنا إنما شهدوا عليه بغصب، وإذا شهد الشهود على رجل أنه غصبه جارية لا يعرفون قيمتها، وقد هلكت الجارية لم يقض عليه بقيمة صفة حتى يثبتوا على قيمتها ويقال لهم اشهدوا إن أثبتم على أن قيمتها دينار، أو أكثر فلا تأثموا إذا شهدتم بما أحطتم به علما ووقفتم عما لا تحيطون به علما فإن ماتوا ولم يثبتوا قيل للغاصب قل ما شئت في قيمتها مما يحتمل أن يكون ثمن شر ما يكون من الجواري وأقله ثمنا واحلف عليه وليس عليك أكثر منه فإن قال لا قيل للمغصوب ادع واحلف فإن فعل فهو له، وإن لم يفعل فلا شيء له
(قال): ولو شهدوا أنه أخذ من يده جارية ولم يقولوا هي له قضينا عليه بردها إليه، وكذلك كل ما أخذ من يديه قضي عليه برده عليه؛ لأنه أولى بما في يديه من غيره
(قال): ولو شهد شاهدان على رجل بغصب بعينه وقام عليه الغرماء حيا وميتا فالسلعة التي شهدوا بها بعينها للمغصوب له ما كان عبدا، أو ثوبا، أو دنانير، أو دراهم (قال): وإذا أقام رجل شاهدين على دابة أنها له زادوا ولا يعلمونه باع ولا وهب أولا قضيت له بها لأنهم لم يشهدوا أنها له إلا وهو لم يبع ولم يهب ولم تخرج من ملكه ولكنه إن دفعه المشهود عليه عنها أحلفته له أنها لفي ملكه ما خرجت منه بوجه من الوجوه
(قال): وإذا أقام رجل شاهدين أن هذا الميت مولى له أعتقه ولا وارث له غيره قضي له بميراثه وليس على أحد قضي له ببينة تقوم له أن يؤخذ منه كفيل إنما الكفيل في شيء ذهب إليه بعض الحكام يسأله المقضي له فيتطوع به احتياطا لشيء إن كان وإن لم يأت بكفيل قضى له به (قال):، ولو أقام رجل بعد هذا بينة على أنه مولاه أعتقه هو، وكانت البينة شاهدين وأكثر فسواء إذا كانا شاهدين تجوز شهادتهما هما ومن هو أكثر منهما وأعدل لأني أحكم بشهادة هذين كما أحكم بشهادة الجماعة التي هي أعدل وأكثر وهذا مكتوب في غير هذا الموضع
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان أن رجلا أعتق عبدا له في مرضه الذي مات فيه عتق بتات وهو يخرج من الثلث فهو حر كان الشاهدان وارثين، أو غير وارثين إذا كانا عدلين (قال): ولو جاء أجنبيان فشهدا لآخر أنه أعتقه عتق بتات سئلا عن الوقت الذي أعتقه فيه والشاهدان الآخران عن الوقت الذي أعتق العبد فيه، فأي العتقين كان أولا قدم وأبطل الآخر، وإن كانا سواء، أو كانوا لا يعرفون أي ذلك كان أولا أقرع بينهما، وإن كان أحدهما عتق بتات، والآخر عتق وصية كان البتات أولى فإن كانا جميعا عتق وصية، أو عتق تدبير فكله سواء يقرع بينهما (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان أجنبيان لعبد أنه أعتقه وهو الثلث في الوصية وشهد شاهدان وارثان لعبد غيره أنه أعتقه في وصية وهو الثلث فسواء الأجنبيان، والوارثان لأن الوارثين إذا شهدا على ما يستوظف
الثلث فليس ها هنا في الثلث موضع في أن يوفرا على أنفسهما فيعتق من كل واحد منهم نصفه (قال الربيع) قول الشافعي في غير هذا الموضع أن العبدين إذا استويا في الدعوى والشهادة ولم يدر أيهما عتق أولا فاستوظف به الثلث أنه يقرع بينهما، فأيهما خرج سهمه أعتقناه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أنهما شهدا أنه رجع عن عتق الأول وأعتق الآخر أجزت شهادتهما إذا كان الثلث وإنما أرد شهادتهما فيما جرا إلى أنفسهما التوفير، فأما إذا لم يجرا إلى أنفسهما فلا
(قال): ولو شهد أجنبيان لرجل أنه، أوصى له بالثلث، أو بعبد هو الثلث وشهد الوارثان أنه رجع عن الوصية لهذا المشهود له وأوصى بها لغيره وهو غير وارث، أو أعتق هذا العبد أجزت شهادتهما لأنهما مخرجان الثلث من أيديهما فإذا لم يخرجاه لشيء يعود عليهما منه ما يملكان ملك الأموال لم أرد شهادتهما، فأما الولاء فلا يملك ملك الأموال، وقد لا يصير في أيديهما من الولاء شيء، ولو كنا نبطلها بأنهما قد يرثان المولى يوما إن مات ولا وارث له غيرهما أبطلناها لذوي أرحامهما وعصبتهما ولكنها لا تبطل في شيء من هذا والشهادة في الوصية مثلها في العتق تجوز شهادة الوارثين فيها كما تجوز شهادة الأجنبيين فإن شهد الأجنبيان لرجل أنه أوصى له بالثلث وشهد الوارثان لرجل أنه أوصى له بالثلث كان بينهما سواء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فإذا شهد أجنبيان لعبد أنه أعتقه في وصية وشهد وارثان لعبد أنه أعتقه في وصية ورجع عن العتق الآخر وكلاهما الثلث فشهادة الوارثين جائزة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد أجنبيان بأن الميت أوصى لرجل بعبد بعينه وهو الثلث وشهد وارثان أنه، أوصى بذلك العبد بعينه لآخر ورجع في وصيته الأولى فشهادتهما جائزة، والوصية لمن شهدا له، وكذلك لو شهدا بعبد آخر غيره قيمته مثل قيمته جازت شهادتهما، ولو كانت أقل من قيمته رددت شهادتهما من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما فضل ما بين قيمة من شهد أنه، أوصى به وقيمة من شهدا أنه رجع عن الوصية به فلا أرد من شهادتهما إلا ما رد عليهما الفضل، ولو كانت له مع هذا وصايا بغير هذين تستغرق الثلث أجزت شهادتهما من قبل أن الثلث خارج لا محالة فليسا يردان على أنفسهما من فضل ما بين قيمتهما شيئا؛ لأن ذلك الشيء لغيرهما من الوصي لهم به
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد أجنبيان لعبد أن مولاه أعتقه من الثلث في وصيته وشهد وارثان لعبد آخر أنه رجع في عتق هذا المشهود له وأعتق هذا الآخر وهو سدس مال الميت أبطلت شهادتهما عن الأول لأنهما يجران إلى أنفسهما فضل قيمة ما بينهما وأعتقت الأول بغير قرعة وأبطلت حقهما من هذا الآخر لأنهما يشهدان له أنه حر من الثلث، ولو لم يزيدا على أن يقولا نشهد على أنه أعتق هذا أجزت شهادتهما وأقرعت بينهما حتى استوظف الثلث، وإذا شهد أجنبيان لرجل حي أن ميتا أوصى له بثلث ماله وشهد وارثان أن أباهما أعتق هذا العبد من عبيده عتق بتات في مرضه فعتق البتات يبدأ على الوصية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وتجوز شهادة الوارثين وليس في هذا شيء ترد به شهادة واحد منهم إذا كانوا عدولا، ولو كان العتق عتق وصية، فمن بدأ العتق على الوصية بدأ هذا العبد، ثم إن فضل منه شيء أعطى صاحب الثلث وإن لم يفضل منه شيء فلا شيء له ومن جعل الوصايا، والعتق سواء أعتق من العبد بقدر ما يصيبه وأعطى الموصى له الثلث بقدر ما يصيبه وشهادة الورثة وشهادة غيرهم فيما أوصى به الميت إذا كانوا عدولا سواء ما لم يجروا إلى أنفسهم بشهادتهم، أو يدفعوا عنها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان لرجل أن الميت أوصى له بالثلث وشهد شاهدان من الورثة لآخر غيره أن الميت أوصى له بالثلث فشهادتهم سواء ويقتسمان الثلث نصفين في قول أكثر المفتين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو شهد وارث لواحد أنه أوصى له بالثلث وشهد أجنبيان لآخر أنه
أوصى له بالثلث كان حكم الشاهدين أن المشهود له يأخذ بهما بغير يمين والشاهد أنه لا يأخذ إلا بيمين، وكانا حكمين مختلفين، والقياس يحتمل أن يعطي صاحب الشاهدين من قبل أنه أقوى سببا من صاحب الشاهد، واليمين، وذلك أنه يعطي بلا يمين، وقد يحتمل أن يقال إذا أعطيت بشاهد ويمين كما تعطي بشاهدين فاجعل الشاهد، واليمين يقوم مقام الشاهدين فيما يعطى بشاهد ويمين، فأما أربعة شهود وشاهدان وأكثر من أربعة وشاهدان وأعدل فسواء من قبل أنا نعطي بها عطاء واحدا بلا يمين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد أجنبيان لرجل أن ميتا أوصى له بالثلث وشهد وارثان لآخر أنه رجع في الوصية بالثلث لفلان وجعله لفلان فشهادتهما جائزة والثلث للآخر وأصل هذا أن شهادة الوارثين إذا كانا عدلين مثل شهادة الأجنبيين فيما لا يجران إلى أنفسهما ولا يدفعان به عنها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان أن الميت أوصى لرجل بالثلث وشهد وارثان أنه انتزعه منه وأوصى به للآخر وشهد أجنبيان أنه انتزعه من الذي شهد له الوارثان وأوصى به لآخر غيرهما جعلت الأول المنتزع منه لا شيء له بشهادة الوارثين أنه رجع في الوصية للأول، ثم انتزعه أيضا من الذي شهد له الوارثان بشهادة الأجنبيين أنه انتزعه من الذي أوصى له به وأوصى به لآخر، ثم هكذا كلما ثبتت الشهادة لواحد فشهد آخر أنه انتزعه منه وأعطاه آخر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان لرجل أن ميتا أوصى له بالثلث وشهد شاهدان أنه أوصى به لآخر وشهد شاهدان أن الميت رجع عن أحدهما ولا يدري من هو فشهادتهما باطلة وهو بينهما نصفان قال، وإذا شهد شاهدان أن فلانا قال إن قتلت فغلامي فلان حر وشهد رجلان على قتله وآخر أن علي أنه قد مات موتا بغير قتل ففي قياس من زعم أنه يقتل به قاتله يثبت العتق للعبد ويقتل القاتل وهذا قياس يقول به أكثر المفتين ومن قال لا أجعل الذين أثبتوا له القتل أولى من الذين طرحوا القتل عن القاتل ولا آخذ القاتل بقتله؛ لأن ها هنا من يبرئه من قتله وأجعل البينتين تهاترا لا يعتق العبد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا قال رجل إن مت في سفري هذا، أو في مرضي هذا، أو سنتي هذه، أو بلد كذا، وكذا فحضرني الموت في وقت من الأوقات، أو في بلد من البلدان فغلامي فلان حر فلم يمت في ذلك الوقت ولا في ذلك البلد ومات بعد قبل أن يحدث وصية ولا رجعة في هذا العتق فلا يعتق هذا العبد؛ لأنه أعتقه على شرط فلم يكن الشرط فلا يعتق
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد رجلان أن رجلا قال إن مت في رمضان ففلان حر، وإن مت في شوال ففلان غيره حر فشهد شاهدان أنه مات في رمضان وآخران أنه مات في شوال فينبغي في قياس من زعم أنه تثبت الشهادة للأول وتبطل للآخر؛ لأنه إذا ثبت الموت أولا لم يمت ثانيا، وفي قول من قال أجعلها تهاترا فنبطل الشهادتين معا ولا يثبت الحق لواحد منهما معا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا تداعى عبدان فقال أحدهما قال مالكي إن مت من مرضي هذا فأنت حر وقال الآخر قال إن برئت من مرضي هذا فأنت حر فادعى الأول أنه مات من مرضه والثاني أنه مات بعد برئه فالشهادة متضادة شهادة الورثة وغيرهم سواء إن كانوا عدولا فإن شهدوا لواحد بدعواه عتق ورق الآخر قال، وإن شهد الورثة لواحد وشهد الأجنبيون لواحد فالقياس على ما وصفت أولا إلا أن الذي شهد له الوارث، يعتق نصيب من شهد له بالعتق منهم على كل حال؛ لأنه يقر أن لا رق له عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا شهد شاهدان لعبد أن سيده قال إن مت من مرضي هذا فأنت حر فقال العبد مات من
مرضه ذلك وقال الوارث لم يمت منه فالقول قول الوارث مع يمينه إلا أن يأتي العبد ببينة أنه مات من ذلك المرض.
الأيمان والنذور، والكفارات في الأيمان
(أخبرنا الربيع) قال سئل الشافعي فقيل إنا نقول إن الكفارات من أمرين وهما قولك والله لأفعلن كذا، وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك إن كان جائزا فعله وفي أن تكفر وتدعه، وإن كان مما لا يجوز فعله فإنه يؤمر بالكفارة وينهى عن البر وإن فعل ما يجوز له من ذلك بر ولم تكن عليه كفارة والثاني قولك والله لا أفعل كذا، وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك وعليك الكفارة إن كان مما يجوز لك فعله ومخيرا في الإقامة على ترك ذلك ولا كفارة عليك إلا أن يكون ما حلف عليه طاعة لله عز وجل فيؤمر بفعله ويكفر عن يمينه ونقول أن قوله بالله وتالله وأشهد بالله وأقسم بالله وأعزم بالله، أو قال وعزة الله، أو وقدرة الله أو وكبرياء الله أن عليه في ذلك كله كفارة مثل ما عليه في قوله والله ونقول إنه إن قال أشهد ولم يقل بالله أو أقسم ولم يقل بالله، أو أعزم ولم يقل بالله، أو قال الله إنه إن لم يكن أراد به يمينا في ذلك كله أنه لا حنث عليه، وإن أراد به يمينا فمثل قوله والله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن حلف بالله، أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشيء غير الله جل وعز مثل أن يقول الرجل، والكعبة وأبي، وكذا، وكذا ما كان فحنث فلا كفارة عليه ومثل ذلك قوله لعمري لا كفارة عليه وكل يمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت» أخبرنا ابن عيينة قال حدثنا الزهري قال حدثنا سالم عن أبيه قال «سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر يحلف بأبيه فقال ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم قال عمر - رضي الله تعالى عنه - والله ما حلفت بها بعد ذلك ذاكرا ولا آثرا».
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فكل من حلف بغير الله كرهت له وخشيت أن تكون يمينه معصية وأكره الأيمان بالله على كل حال إلا فيما كان لله طاعة مثل البيعة على الجهاد وما أشبه ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن حلف على يمين فرأى خيرا منها فواسع له وأختار له أن يأتي الذي هو خير وليكفر عن يمينه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه» ومن حلف عامدا للكذب فقال والله لقد كان كذا، وكذا ولم يكن، أو والله ما كان كذا، وقد كان كفر، وقد أثم وأساء حيث عمد الحلف بالله باطلا فإن قال وما الحجة في أن يكفر، وقد عمد الباطل؟ قيل أقر بها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه» فقد أمره أن يعمد الحنث وقول الله عز وجل {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى} نزلت في رجل حلف أن لا ينفع رجلا، فأمره الله عز وجل أن ينفعه وقول الله عز وجل {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا}، ثم جعل فيه الكفارة ومن حلف وهو يرى أنه صادق، ثم وجده كاذبا فعليه الكفارة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وقول الرجل أقسم فليس بيمين فإن قال أقسمت بالله فإن كان يعني حلفت قديما يمينا بالله فليست
بيمين حادثة وإنما هو خبر عن يمين ماضية، وإن أراد بها يمينا فهي يمين، وإن قال أقسم بالله فإن أراد بها إيقاع يمين فهي يمين وإن أراد بها موعدا أنه سيقسم بالله فليست بيمين وإنما ذلك كقوله سأحلف، أو سوف أحلف وإن قال لعمر الله فإن أراد اليمين فهي يمين وإن لم يرد اليمين فليست بيمين؛ لأنها تحتمل غير اليمين؛ لأن قوله لعمري إنما هو لحقي فإن قال وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله يريد بهذا كله اليمين، أو لا نية له فهي يمين، وإن لم يرد بها اليمين فليست بيمين لأنه يحتمل وحق الله واجب على كل مسلم وقدرة الله ماضية عليه لا أنه يمين وإنما يكون يمينا بأن لا ينوي شيئا، أو بأن ينوي يمينا، وإذا قال بالله، أو تالله في يمين فهو كما وصفت إن نوى يمينا، أو لم تكن له نية وإن قال والله لأفعلن كذا، وكذا لم يكن يمينا إلا بأن ينوي يمينا؛ لأن هذا ابتداء كلام لا يمين إلا بأن ينويه، وإذا قال أشهد بالله فإن نوى اليمين فهي يمين، وإن لم ينو يمينا فليست بيمين؛ لأن قوله أشهد بالله يحتمل أشهد بأمر الله، وإذا قال أشهد لم يكن يمينا وإن نوى يمينا فلا شيء عليه، ولو قال أعزم بالله ولا نية له فليست بيمين؛ لأن قوله أعزم بالله إنما هي أعزم بقدرة الله، أو أعزم بعون الله على كذا، وكذا واستحلافه لصاحبه لا يمينه هو مثل قولك للرجل أسألك بالله، أو أقسم عليك بالله، أو أعزم عليك بالله، فإن أراد المستحلف بهذا يمينا فهو يمين، وإن لم يرد به يمينا فلا شيء عليه، فإن أراد بقوله أعزم بالله، أو أقسم بالله أو أسألك بالله يمينا فهي يمين، وكذلك إن تكلم بها، وإن لم ينو فلا شيء عليه، وإذا قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته، ثم حنث فليس بيمين إلا أن ينوي بها يمينا، وكذلك ليست بيمين لو تكلم بها لا ينوي يمينا فليس بيمين بشيء من قبل أن لله عليه عهدا أن يؤدي فرائضه، وكذلك لله عليه ميثاق بذلك وأمانة بذلك، وكذلك الذمة، والكفالة.
الاستثناء في اليمين
(قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول في الذي يقول والله لا أفعل كذا، وكذا إن شاء الله إنه إن كان أراد بذلك الثنيا فلا يمين عليه ولا كفارة إن فعل، وإن لم يرد بذلك الثنيا وإنما قال ذلك لقول الله عز وجل {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا - إلا أن يشاء الله} أو قال ذلك سهوا، أو استهتارا فإنه لا ثنيا وعليه الكفارة إن حنث وهو قول مالك - رحمه الله تعالى - وإنه إن حلف فلما فرغ من يمينه نسق الثنيا بها، أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يصل الاستثناء باليمين فإنه إن كان نسقا بها تباعا فذلك له استثناء وإن كان بين ذلك صمات فلا استثناء له
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): من قال والله، أو حلف بيمين ما كانت بطلاق، أو عتاق، أو غيره، أو أوجب على نفسه شيئا، ثم قال إن شاء الله موصولا بكلامه فقد استثنى ولم يقع عليه شيء من اليمين، وإن حنث، والوصل أن يكون كلامه نسقا وإن كان بينه سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر، أو العي، أو النفس أو انقطاع الصوت، ثم وصل الاستثناء فهو موصول وإنما القطع أن يحلف، ثم يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر، أو نهي، أو غيره، أو يسكت السكات الذي يبين أنه يكون قطعا فإذا قطع، ثم استثنى لم يكن له الاستثناء فإن حلف فقال والله لأفعلن كذا، وكذا إلا أن يشاء فلان فله أن يفعل ذلك الشيء حتى يشاء فلان فإن مات، أو خرس، أو غاب لم يفعل وإن قال لا أفعل كذا، وكذا إلا أن يشاء فلان فليس له أن يفعل ذلك الشيء إلا أن يشاء
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (290)
صــــــــــ 66 الى صـــــــــــ 72
فلان فإن مات فلان، أو خرس لم يكن له أن يفعل ذلك الشيء حتى يعلم أن فلانا شاء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن حلف فقال والله لأفعلن كذا، وكذا إلا أن يشاء فلان لم يحنث إن شاء فلان، وإن مات فلان، أو خرس أو غاب عنا معنى فلان حتى يمضي وقت يمينه حنث؛ لأنه إنما يخرجه من الحنث مشيئة فلان، ولو كانت المسألة بحالها فقال والله لا أفعل كذا، وكذا إلا أن يشاء فلان لم يفعل حتى يشاء فلان، وإن غاب عنا معنى فلان فلم نعرف شاء، أو لم يشأ لم يفعل فإن فعله لم أحنثه من قبل أنه يمكن أن يكون فلان شاء.
لغو اليمين
قيل للشافعي - رحمه الله تعالى - فإنا نقول إن اليمين التي لا كفارة فيها، وإن حنث فيها صاحبها إنها يمين واحدة إلا أن لها وجهين وجه يعذر فيه صاحبه ويرجى له أن لا يكون عليه فيها إثم لأنه لم يعقد فيها على إثم ولا كذب وهو أن يحلف بالله على الأمر لقد كان ولم يكن فإذا كان ذلك جهده ومبلغ علمه فذلك اللغو الذي وضع الله تعالى فيه المؤنة عن العباد وقال {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}، والوجه الثاني أنه إن حلف عامدا للكذب استخفافا باليمين بالله كاذبا فهذا الوجه الثاني الذي ليست فيه كفارة؛ لأن الذي يعرض من ذلك أعظم من أن يكون فيه كفارة وإنه ليقال له تقرب إلى الله بما استطعت من خير أخبرنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار وابن جريج عن عطاء قال ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة وهي معتكفة في ثبير فسألناها عن قول الله عز وجل {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت هو: لا والله وبلى والله.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولغو اليمين كما قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - والله تعالى أعلم قول الرجل لا والله وبلى والله ذلك إذا كان على اللجاج، والغضب، والعجلة لا يعقد على ما حلف عليه وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه أن لا يفعل الشيء فيفعله، أو ليفعلنه فلا يفعله، أو لقد كان وما كان فهذا آثم وعليه الكفارة لما وصفت من أن الله عز وجل قد جعل الكفارات في عمد المأثم فقال تعالى {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} وقال {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} إلى {بالغ الكعبة} ومثل قوله في الظهار {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا}، ثم أمر فيه بالكفارة ومثل ما وصفت من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه».
الكفارة قبل الحنث وبعده
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فمن حلف على شيء فأراد أن يحنث، فأحب إلي لو لم يكفر حتى يحنث وإن كفر قبل الحنث بإطعام رجوت أن يجزي عنه وإن كفر بصوم قبل الحنث لم يجز عنه، وذلك أنا نزعم أن لله تبارك وتعالى حقا على العباد في أنفسهم وأموالهم فالحق الذي في أموالهم إذا قدموه قبل محله
أجزأهم وأصل ذلك «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل» وأن المسلمين قد قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق التي في الأموال قياسا على هذا، فأما الأعمال التي على الأبدان فلا تجزي إلا بعد مواقيتها كالصلاة التي لا تجزي إلا بعد الوقت والصوم لا يجزي إلا في الوقت أو قضاء بعد الوقت الحج الذي لا يجزي العبد ولا الصغير من حجة الإسلام؛ لأنهما حجا قبل أن يجب عليهما.
من حلف بطلاق امرأته إن تزوج عليها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن قال لامرأته أنت طالق إن تزوجت عليك فطلقها تطليقة يملك الرجعة، ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث والطلاق الذي أوقع، وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فسمى وقتا فإن جاء ذلك الوقت وهي زوجته ولم يتزوج عليها فهي طالق ثلاثا، ولو أنه طلقها واحدة، أو اثنتين، ثم جاء ذلك الوقت وهي في عدتها وقعت عليها التطليقة الثالثة، وإن لم يوقت، وكانت المسألة بحالها فقال أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فهذا على الأبد لا يحنث حتى يموت، أو تموت قبل أن يتزوج عليها وما تزوج عليها من امرأة تشبهها، أو لا تشبهها خرج بها من الحنث دخل بها، أو لم يدخل ولا يخرجه من الحنث إلا تزويج صحيح يثبت، فأما تزويج فاسد فليس بنكاح يخرجه من الحنث، وإن ماتت لم يرثها وإن مات هو ورثته، ولم ترثه في قول من يورث المبتوتة إذا وقع الطلاق في المرض (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): بعد لا ترث المبتوتة وهو قول ابن الزبير (قال الربيع) صار الشافعي إلى قول ابن الزبير، وذلك أنهم أجمعوا أن الله عز وجل إنما ورث الزوجات من الأزواج وأنه إن آلى من المبتوتة فلا يكون عليه إيلاء وإن ظاهر فلا ظهار عليه وإن قذفها لم يكن له أن يلاعن ولم يبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها فلما زعموا أنها خارجة في هذه الأشياء من معاني الأزواج وإنما ورث الله تعالى الزوجات لم نورثها والله تعالى الموفق.
الإطعام في الكفارات في البلدان كلها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويجزئ في كفارة اليمين مد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنطة ولا يجزئ أن يكون دقيقا ولا سويقا، وإن كان أهل بلد يقتاتون الذرة، أو الأرز، أو التمر أو الزبيب أجزأ من كل جنس واحد من هذا مد بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما قلنا يجزئ هذا «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بعرق تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا» والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا وذلك ستون مدا فلكل مسكين مد.
فإن قال قائل: فقد قال سعيد بن المسيب «أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه خمسة عشر صاعا، أو عشرون صاعا» قيل فأكثر ما قال ابن المسيب مد وربع، أو ثلث وإنما هذا شك أدخله ابن المسيب، والعرق كما وصفت كان يقدر على خمسة عشر صاعا، والكفارات بالمدينة وبنجد ومصر، والقيروان، والبلدان كلها سواء ما فرض الله عز وجل على العباد فرضين في شيء واحد قط ولا يجزئ في ذلك إلا مكيلة الطعام وما أرى أن يجزيهم دراهم، وإن كان أكثر من قيمة الطعام وما يقتات أهل البلدان من شيء أجزأهم منه مد ويجزئ أهل البادية مد أقط، وإن لم يكن لأهل بلد قوت من طعام سوى اللحم أدوا مدا مما يقتات أقرب البلدان إليهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويعطي الكفارات والزكاة كل من لا تلزمه نفقته من قرابته وهم من عدا الوالد، والولد والزوجة إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم وإن كان ينفق عليهم متطوعا أعطاهم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وليس له إذا كفر بإطعام أن يطعم أقل من عشرة، وإن أطعم تسعة وكسا واحدا كان عليه أن يطعم عاشرا، أو يكسو تسعة؛ لأنه إنما جعل له أن يطعم عشرة، أو يكسوهم وهو لا يجزئه أن يكسو تسعة ويطعم واحدا؛ لأنه حينئذ لا أطعم عشرة ولا كساهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا كانت عليه ثلاثة أيمان مختلفة فحنث فيها فأعتق وأطعم وكسا ينوي الكفارة ولا ينوي عن أيها العتق ولا عن أيها الإطعام ولا عن أيها الكسوة أجزأه بنية الكفارة وأيها شاء أن يكون عتقا، أو إطعاما، أو كسوة كان وما لم يشأ فالنية الأولى تجزيه فإن أعتق وكسا وأطعم ولم يستكمل الإطعام أكمله ونواه عن أي الكفارات شاء، ولو كانت المسألة بحالها فكسا وأعتق وأطعم ولم ينو الكفارة، ثم أراد أن ينوي كفارة لم تكن كفارة لا تجزئه حتى يقدم النية قبل الكفارة، أو تكون معها وأما ما كان عمله قبل النية فهو تطوع لا يجزيه من الكفارة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا أمر الرجل الرجل أن يكفر عنه من مال المأمور، أو استأذن الرجل الرجل أن يكفر عنه من ماله فأذن له أجزأت عنه الكفارة وهذه هبة مقبوضة؛ لأن دفعه إياها إلى المساكين بأمره كقبض وكيله لهبة وهبها له، وكذلك إن قال أعتق عني فهي هبة فإعتاقه عنه كقبضه ما وهب له وولاؤه للمعتق عنه؛ لأنه قد ملكه قبل العتق، وكان العتق مثل القبض كما لو اشتراه فلم يقبضه حتى أعتقه كان العتق مثل القبض، ولو أن رجلا تطوع فكفر عن رجل بإطعام، أو كسوة، أو عتق ولم يتقدم في ذلك أمر من الحالف لم يجز عنه، وكان العتق عن نفسه لأنه هو المعتق لما يملك ما لم يهب لغيره فيقبله، وكذلك الرجل يعتق عن أبويه بعد الموت فالولاء له إذا لم يكن ذلك بوصية منهما ولا شيء من أموالهما، ولو أن رجلا صام عن رجل بأمره لم يجزه الصوم عنه، وذلك أنه لا يعمل أحد عن أحد عمل الأبدان؛ لأن الأبدان تعبدت بعمل فلا يجزي عنها أن يعمل غيرها ليس الحج، والعمرة بالخبر الذي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبأن فيهما نفقة وأن الله فرضهما على من وجد إليهما السبيل والسبيل بالمال.
من لا يطعم من الكفارات
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا يجزئ أن يطعم في كفارات الأيمان إلا حرا مسلما محتاجا فإن أطعم منها ذميا محتاجا، أو حرا مسلما غير محتاج أو عبد رجل محتاج لم يجزه ذلك، وكان حكمه حكم من لم يفعل شيئا وعليه أن يعيد وهكذا لو أطعم غنيا وهو لا يعلم، ثم علم غناه كان عليه أن يعيد، وهكذا لو أطعم من تلزمه نفقته، ثم علم أعاد (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن كان له مسكن لا يستغني عنه هو وأهله وخادم أعطي من كفارة اليمين والصدقة والزكاة، ولو كان له مسكن يفضل عن حاجته وحاجة أهله الفضل الذي يكون بمثله غنيا لم يعط.
ما يجزي من الكسوة في الكفارات
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأقل ما يكفي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة
أو سراويل، أو إزار أو مقنعة وغير ذلك للرجل، والمرأة؛ لأن ذلك كله يقع عليه اسم كسوة، ولو أن رجلا أراد أن يستدل بما تجوز فيه الصلاة من الكسوة على كسوة المساكين جاز لغيره أن يستدل بما يكفيه في الشتاء، أو في الصيف، أو في السفر من الكسوة ولكن لا يجوز الاستدلال عليه بشيء من هذا، وإذا أطلقه الله فهو مطلق ولا بأس أن يكسو رجالا ونساء، وكذلك يكسو الصبيان، وإن كسا غنيا وهو لا يعلم رأيت عليه أن يعيد الكسوة.
العتق في الكفارات
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أعتق في كفارة اليمين، أو في شيء وجب عليه العتق لم يجزه إلا رقبة مؤمنة ويعتق فيها الأسود، والأحمر والسوداء، والحمراء وأقل ما يقع به اسم الإيمان على العجمي أن يصف الإيمان إذا أمر بصفته، ثم يكون به مؤمنا ويجزي فيه الصغير إذا كان أبواه، أو أحدهما مؤمنا؛ لأن حكمهم حكم الإيمان ويجزي في الكفارات ولد الزنا، وكذلك كل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل ضررا بينا مثل العرج الخفيف، والعور وشلل الخنصر، والعيوب التي لا تضر بالعمل ضررا بينا ويجزي فيه العرج الخفيف ولا يجزي المقعد ولا الأعمى ولا أشل الرجل يابسها ولا اليدين يابسهما ويجزي الأصم، والخصي المجبوب وغير المجبوب ويجزي المريض الذي ليس به مرض زمانة مثل الفالج والسل وما أشبهه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت الجارية حاملا من زوجها، ثم اشتراها زوجها، فأعتقها في كفارة أجزأت عنه وإنما لا تجزي في قول من لا يبيع أم الولد إذا ولدت بعد شرائه إياها ووضعها لستة أشهر فصاعدا؛ لأنها تكون بذلك أم ولد، فأما ما كان قبل ذلك فلا تكون به أم ولد
(قال): ومن كانت عليه رقبة واجبة فأراد أن يشتري رقبة تعتق عليه إذا ملكها بغير عتق فلا تجزي عنه، وما كان يجوز له أن يملكه بحال أجزأ عنه ولا يعتق عليه إلا الآباء، وإن بعدوا، والبنون وإن سفلوا والدون كلهم، أو مولودون وسواء ذلك من قبل البنات، والبنين؛ لأن كلهم ولد ووالد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن اشترى رقبة بشرط عتقها لم تجز عنه من رقبة واجبة عليه
(قال): ويجزي المدبر في الرقاب الواجبة ولا يجزي عنه المكاتب حتى يعجز فيعود رقيقا فيعتقه بعد العجز ويجزي المعتق إلى سنين وهو في أضعف من حال المدبر، ومن اشترى عبدا فأعتقه وهو ممن لا يجزي في الرقاب الواجبة فالعتق ماض ويعود لرقبة تامة فإن كان الذي باعه دلس له بعيب عاد عليه فأخذ منه قيمة ما بينه صحيحا ومعيبا من الثمن وإن كان معيبا عيبا يجزي مثله في الرقاب الواجبة أجزأ عنه وعاد على صاحبه الذي باعه بقيمة ما بين العيب والصحة ولم يكن عليه أن يتصدق بقيمة العيب إذا أخذه من البائع وهو مال من ماله.
الصيام في كفارات الأيمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): كل من وجب عليه صوم ليس بمشروط في كتاب الله عز وجل أن يكون متتابعا أجزأه أن يكون متفرقا قياسا على قول الله عز وجل في قضاء رمضان {فعدة من أيام أخر}، والعدة أن يأتي بعدد صوم لا ولاء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):، وإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم والصائمة من عذر وغير عذر استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف.
من لا يجزيه الصيام في كفارة اليمين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والذي يجب عليه من الكفارة الإطعام، أو الكسوة، أو العتق من كان غنيا فليس له أن يأخذ من الصدقة شيئا، فأما من كان له أن يأخذ من الصدقة فله أن يصوم وليس عليه أن يتصدق ولا يعتق فإن فعل أجزأ عنه، وإن كان غنيا، وكان ماله غائبا عنه لم يكن له أن يكفر بصوم حتى يحضره ماله، أو يذهب المال إلا بإطعام، أو كسوة، أو عتق.
من حنث معسرا، ثم أيسر، أو حنث موسرا، ثم أعسر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا حنث الرجل موسرا، ثم أعسر لم يكن له أن يصوم ولا أرى الصوم يجزي عنه وأمرته احتياطا أن يصوم فإذا أيسر كفر وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه، ولو أنه حنث معسرا، ثم لم يصم حتى أيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم من قبل أنه لم يكفر حتى أيسر وإن صام ولم يكفر أجزأ عنه؛ لأن حكمه حين حنث الصيام (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إنما ينظر إلى الكفارة يوم يكفر فإذا كان معسرا كان له أن يصوم وإن كان موسرا كان عليه أن يعتق
(قال): ولا يصام في كفارة اليمين ولا في شيء وجب عليه من الصوم بإيجاب يوم من رمضان ولا يوم لا يصلح صومه متطوعا مثل يوم الفطر، والأضحى وأيام التشريق وصيام ما سواها من الأيام.
من أكل، أو شرب ساهيا في صيام الكفارة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ويفسد صوم التطوع وصوم رمضان وصوم الكفارة والنذر ما أفسد الصوم ولا خلاف بين ذلك، فمن أكل فيها، أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه ومن أكل، أو شرب عامدا أفسد الصوم عليه لا يختلف إلا في وجوب الكفارة على من جامع في رمضان وسقوطها عمن جامع في صوم غيره تطوعا، أو واجبا فإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم من عذر وغير عذر والصائمة استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف.
الوصية بكفارة الأيمان وبالزكاة ومن تصدق بكفارة، ثم اشتراها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن لزمه حق للمساكين في زكاة مال، أو لزمه حج أو لزمته كفارة يمين فذلك كله من رأس المال يحاص به ديون الناس ويخرج عنه في ذلك أقل ما يكفي في مثله فإن أوصى بعتق في كفارة ولم يكن في رأس المال إلا الطعام فإن حمل ثلثه العتق أعتق عنه من الثلث وإن لم يحمله أطعم عنه من رأس المال، وإذا أعتق عنه من الثلث لم يطعم عنه من رأس المال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كفر الرجل بالطعام، أو بالكسوة، ثم اشترى ذلك فدفعه إلى أهله، ثم اشتراه منهم فالبيع جائز، ولو تنزه عن ذلك كان أحب إلي.
كفارة يمين العبد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):، وإذا حنث العبد فلا يجزيه إلا الصوم؛ لأنه لا يملك شيئا، وإن كان نصفه عبدا ونصفه حرا، وكان في يديه مال لنفسه لم يجزه الصيام، وكان عليه أن يكفر مما في يديه من المال مما يصيبه فإن لم يكن في يديه مال لنفسه صام
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -):، وإذا حنث العبد، ثم عتق وكفر كفارة حر أجزأت عنه؛ لأنه حينئذ مالك، ولو صام أجزأ عنه؛ لأنه يوم حنث كان حكمه حكم الصيام.
من نذر أن يمشي إلى بيت الله عز وجل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن نذر تبررا أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر على المشي، وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا لأنه لم يأت بما نذر كما نذر، والقياس أن لا يكون عليه دم من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه كمن لا يطيق القيام في الصلاة فيسقط عنه ويصلي قاعدا ولا يطيق القعود فيصلي مضطجعا وإنما فرقنا بين الحج، والعمرة والصلاة أن الناس أصلحوا أمر الحج بالصيام والصدقة والنسك ولم يصلحوا أمر الصلاة إلا بالصلاة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يمشي أحد إلى بيت الله إلا حاجا، أو معتمرا لا بد له منه (قال الربيع) وللشافعي - رحمه الله تعالى -: قول آخر إنه إذا حلف أن يمشي إلى بيت الله الحرام فحنث فكفارة يمين تجزيه من ذلك إن أراد بذلك اليمين (قال الربيع) وسمعت الشافعي أفتى بذلك رجلا فقال هذا قولك يا أبا عبد الله؟ فقال هذا هو قول من هو خير مني قال ومن هو؟ قال عطاء بن أبي رباح
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ومن حلف بالمشي إلى بيت الله ففيها قولان أحدهما معقول معنى قول عطاء إن كل من حلف بشيء من النسك صوم، أو حج، أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا بفرض يؤديه من فرض الله عليه، أو تبررا يريد الله به.
فأما على غلق الأيمان فلا يكون تبررا وإنما يعمل التبرر لغير الغلق، وقد قال غير عطاء: عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبررا.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): والتبرر أن يقول لله علي إن شفى الله فلانا، أو قدم فلان من سفره أو قضى عني دينا، أو كان كذا أن أحج له نذرا فهو التبرر، فأما إذا قال إن لم أقضك حقك فعلي المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الأيمان لا من معاني النذور وأصل معقول قول عطاء في معاني النذور من هذا أنه يذهب إلى أن من نذر نذرا في معصية الله لم يكن عليه قضاء ولا كفارة فهذا يوافق السنة، وذلك أن يقول لله علي إن شفاني، أو شفى فلانا أن أنحر ابني، أو أن أفعل كذا من الأمر الذي لا يحل له أن يفعله، فمن قال هذا فلا شيء عليه فيه وفي السائبة وإنما أبطل الله عز وجل النذر في البحيرة والسائبة؛ لأنها معصية ولم يذكر في ذلك كفارة.
وكان فيه دلالة على أن من نذر معصية لله عز وجل أن لا يفي ولا كفارة عليه وبذلك جاءت السنة (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي
عن القاسم بن محمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال «كانت بنو عقيل حلفاء لثقيف في الجاهلية، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين، ثم إن المسلمين أسروا رجلا من بني عقيل ومعه ناقة له، وكانت ناقته قد سبقت الحاج في الجاهلية كذا، وكذا مرة، وكانت الناقة إذا سبقت الحاج في الجاهلية لم تمنع من كلإ ترتع فيه ولم تمنع من حوض تشرع فيه قال فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد فيم أخذتني وأخذت سابقة الحاج؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بجريرة حلفائك ثقيف قال وحبس حيث يمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك فقال يا محمد إني مسلم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو قلتها وأنت تملك أمرك كنت قد أفلحت كل الفلاح قال، ثم مر به النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة أخرى فقال يا محمد إني جائع، فأطعمني وظمآن فاسقني فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك حاجتك، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدا له ففادى به الرجلين اللذين أسرت ثقيف وأمسك الناقة، ثم إنه أغار على المدينة عدو فأخذوا سرح النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجدوا الناقة فيها، قال، وقد كانت عندهم امرأة من المسلمين قد أسروها وكانوا يريحون النعم عشاء فجاءت المرأة ذات ليلة إلى النعم فجعلت لا تجيء إلى بعير إلا رغا حتى انتهت إليها فلم ترغ فاستوت عليها فنجت فلما قدمت المدينة قال الناس العضباء العضباء فقالت المرأة إني نذرت إن الله أنجاني عليها أن أنحرها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بئسما جزيتيها ولا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم» أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها، أو تنحرها ولا تكفر.
(قال): وكذلك نقول إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال سقط النذر عنه لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما سواه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا نذر الرجل أن يحج ماشيا مشى حتى يحل له النساء، ثم ركب بعد، وذلك كمال حج هذا، وإذا نذر أن يعتمر ماشيا مشى حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا، والمروة ويحلق، أو يقصر، وذلك كمال عمرة هذا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا نذر أن يحج ماشيا فمشى ففاته الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا، والمروة ماشيا حل وعليه حج قابل ماشيا كما يكون عليه حج قابل إذا فاته هذا الحج، ألا ترى أن حكمه لو كان متطوعا بالحج، أو ناذرا له أو كانت عليه حجة الإسلام، أو عمرته أن لا يجزئ هذا الحج من حج ولا عمرة فإذا كان حكمه أن يسقط ولا يجزئ من حج ولا عمرة فكيف لا يسقط المشي الذي إنما هو هيئة في الحج، والعمرة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا نذر الرجل أن يحج، أو نذر أن يعتمر ولم يحج ولم يعتمر فإن كان نذر ذلك ماشيا فلا يمشي؛ لأنهما جميعا حجة الإسلام وعمرته فإن مشى فإنما مشى حجة الإسلام وعمرته وعليه أن يحج ويعتمر ماشيا من قبل أن أول ما يعمل الرجل من حج وعمرة إذا لم يعتمر ويحج فإنما هو حجة الإسلام، وإن لم ينو حجة الإسلام ونوى به نذرا، أو حجا عن غيره أو تطوعا فهو كله حجة الإسلام وعمرته وعليه أن يعود لنذره فيوفيه كما نذر ماشيا، أو غير ماش " قال الربيع " هذا إذا كان المشي لا يضر بمن يمشي فإذا كان
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (291)
صــــــــــ 73 الى صـــــــــــ 79
مضرا به فيركب ولا شيء عليه على مثل ما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا إسرائيل أن يتم صومه ويتنحى عن الشمس، فأمره بالذي فيه البر ولا يضر به ونهاه عن تعذيب نفسه لأنه لا حاجة لله في تعذيبه، وكذلك الذي يمشي إذا كان المشي تعذيبا له يضر به تركه ولا شيء عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو أن رجلا قال إن شفى الله فلانا فلله علي أن أمشي لم يكن عليه مشي حتى يكون نوى شيئا يكون مثله برا فإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه؛ لأنه ليس في المشي إلى غير مواضع البربر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو نذر فقال علي المشي إلى إفريقية، أو العراق، أو غيرهما من البلدان لم يكن عليه شيء؛ لأنه ليس لله طاعة في المشي إلى شيء من البلدان وإنما يكون المشي إلى الموضع الذي يرتجى فيه البر، وذلك المسجد الحرام وأحب إلي لو نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة أن يمشي وإلى مسجد بيت المقدس أن يمشي لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس» ولا يبين لي أن أوجب المشي إلى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد بيت المقدس كما يبين لي أن أوجب المشي إلى بيت الله الحرام، وذلك أن البر بإتيان بيت الله تعالى فرض، والبر بإتيان هذين نافلة، وإذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشي إلى بيت الله الحرام ولا يجب ذلك عليه إلا بأن ينويه؛ لأن المساجد بيوت الله وهو إذا نذر أن يمشي إلى مسجد مصر لم يكن عليه أن يمشي إليه، ولو نذر برا أمرناه بالوفاء به ولم يجبر عليه وليس هذا كما يؤخذ للآدميين من الآدميين هذا عمل فيما بينه وبين الله عز وجل لا يلزمه إلا بإيجابه على نفسه بعينه، وإذا نذر الرجل أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة، وذلك أن النحر بمكة بر، وإن نذر أن ينحر بغيرها ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر أن يتصدق وإنما أوجبته وليس في النحر في غيرها بر؛ لأنه نذر أن يتصدق على مساكين ذلك البلد فإذا نذر أن يتصدق على مساكين بلد فعليه أن يتصدق عليهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل غلامي حر إلا أن يبدو لي في ساعتي هذه، أو في يومي هذا، أو أشاء، أو يشاء فلان أن لا يكون حرا، أو امرأته طالق إلا أن أشاء أن لا تكون طالقا في يومي هذا أو يشاء فلان فشاء، أو شاء الذي استثنى مشيئته لم يكن العبد حرا ولا المرأة طالقا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل أنا أهدي هذه الشاة نذرا، أو أمشي نذرا فعليه أن يهديها وعليه أن يمشي إلا أن يكون أراد أني سأحدث نذرا، أو أني سأهديها فلا يلزمه ذلك وهو كما قاله لغير إيجاب فإذا نذر الرجل أن يأتي موضعا من الحرم ماشيا أو راكبا فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو معتمرا، ولو نذر أن يأتي عرفة، أو مرا، أو موضعا قريبا من الحرم ليس بالحرم لم يكن عليه شيء؛ لأن هذا نذر في غير طاعة، وإذا نذر الرجل حجا ولم يسم وقتا فعليه حج يحرم به في أشهر الحج متى شاء وإن قال علي نذر حج إن شاء فلان فليس عليه شيء، ولو شاء فلان إنما النذر ما أريد الله عز وجل به ليس على معاني الغلق ولا مشيئة غير الناذر، وإذا نذر أن يهدي شيئا من النعم لم يجزه إلا أن يهديه، وإذا نذر أن يهدي متاعا لم يجزه إلا أن يهديه، أو يتصدق به على مساكين الحرم فإن كانت نيته في هذه أن يعلقه سترا على البيت، أو يجعله في طيب البيت جعله حيث نوى، ولو نذر أن يهدي ما لا يحمل مثل الأرضين والدور باع ذلك فأهدى ثمنه ويلي الذي نذر الصدقة بذلك تعليقه على البيت وتطييبه به، أو يوكل به ثقة يلي ذلك له، وإذا نذر أن يهدي بدنة لم يجزه فيها إلا ثني من الإبل، أو ثنية وسواء في ذلك الذكر، والأنثى، والخصي وأكثرها ثمنا أحب إلي، وإذا لم يجد بدنة أهدى بقرة ثنية فصاعدا، وإذا لم يجد بقرة أهدى سبعا من الغنم ثنيا فصاعدا إن كن معزى، أو جذعا فصاعدا إن كن ضأنا، وإن كانت نيته على بدنة من الإبل دون البقر فلا يجزيه أن يهدي مكانها من البقر
والغنم إلا بقيمتها، وإذا نذر الرجل هديا ولم يسم الهدي ولم ينو شيئا، فأحب إلي أن يهدي شاة وما أهدى من مد حنطة، أو ما فوقه أجزأه لأن كل هذا هدي، وإذا نذر أن يهدي هديا ونوى به بهيمة جديا رضيعا أهداه إنما معنى الهدي هدية وكل هذا يقع عليه اسم هدي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا نذر أن يهدي شاة عوراء، أو عمياء أو عرجاء، أو ما لا يجوز أضحية أهداه، ولو أهدى تاما كان أحب إلي؛ لأن كل هذا هدي، ألا ترى إلى قول الله عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا} [المائدة: ٩٥] فقد يقتل الصيد وهو صغير وأعرج وأعمى وإنما يجزيه بمثله، أولا ترى أنه يقتل الجراد، والعصفور وهما من الصيد فيجزي الجرادة بتمرة، والعصفور بقيمته ولعله قبضه، وقد سمى الله تعالى هذا كله هديا، وإذا قال الرجل شاتي هذه هدي إلى الحرم، أو بقعة من الحرم أهدى، وإذا نذر الرجل بدنة لم تجزئه إلا بمكة فإذا سمى موضعا من الأرض ينحرها فيه أجزأته، وإذا نذر الرجل عدد صوم صامه إن شاء متفرقا، وإن شاء متتابعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا نذر صيام أشهر فما صام منها بالأهلة صامه عددا ما بين الهلالين إن كان تسعة وعشرين وثلاثين فإن صامه بالعدد صام عن كل شهر ثلاثين يوما، وإذا نذر صيام سنة بعينها صامها كلها إلا رمضان فإنه يصومه لرمضان ويوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ولا قضاء عليه كما لو قصد فنذر أن يصوم هذه الأيام لم يكن عليه نذر ولا قضاء فإن نذر سنة بغير عينها قضى هذه الأيام كلها حتى يوفي صوم سنة كاملة، وإذا قال لله علي أن أحج عامي هذا فحال بينه وبينه عدو، أو سلطان حابس فلا قضاء عليه وإن حال بينه وبينه مرض، أو خطأ عدد، أو نسيان أو توان قضاه إذا زعمت أنه يهل بالحج فيحصر بعدو فلا يكون عليه قضاء كان من نذر حجا بعينه مثله وما زعمت أنه إذا أحصر فعليه القضاء أمرته أن يقضيه إن نذره فأحصر وهكذا إن نذر أن يصوم سنة بعينها فمرض قضاها إلا الأيام التي ليس له أن يصومها فإن قال قائل فلم تأمر المحصر إذا أحصر بالهدي ولا تأمر به هذا؟ قلت: آمره به للخروج من الإحرام وهذا لم يحرم فآمره بالهدي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أكل الصائم، أو شرب في رمضان، أو نذر أو صوم كفارة، أو واجب بوجه من الوجوه أو تطوع ناسيا فصومه تام ولا قضاء عليه، وإذا تسحر بعد الفجر وهو لا يعلم، أو أفطر قبل الليل وهو لا يعلم فليس بصائم في ذلك اليوم وعليه بدله فإن كان صومه متتابعا فعليه أن يستأنفه، وإذا قال: لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم ليلا فليس عليه صوم صبيحة ذلك اليوم؛ لأنه قدم في الليل ولم يقدم في النهار وأحب إلي لو صامه، ولو قدم الرجل نهارا، وقد أفطر الذي نذر الصوم فعليه قضاء ذلك اليوم وهكذا لو قدم بعد الفجر وهو صائم ذلك اليوم متطوعا، أو لم يأكل فعليه أن يقضيه لأنه نذر والنذر لا يجزيه إلا أن ينوي صيامه قبل الفجر وهذا احتياط، وقد يحتمل القياس أن لا يكون عليه قضاؤه من قبل أنه لا يصلح له أن يكون فيه صائما عن نذره وإنما قلنا بالاحتياط إن جائزا أن يصام وليس هو كيوم الفطر وإنما كان عليه صومه بعد مقدم فلان فقلنا عليه قضاؤه وهذا أصح في القياس من الأول، ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا، أو قضاء رمضان أحببت أن يعود لصومه كنذره وقضائه ويعود لصومه لمقدم فلان، ولو أن فلانا قدم يوم الفطر، أو يوم النحر، أو التشريق لم يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه؛ لأنه ليس في صوم ذلك اليوم طاعة ولا يقضي ما لا طاعة فيه.
ولو قال لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا فقدم يوم الاثنين كان عليه قضاء اليوم الذي قدم فيه فلان وصوم الاثنين كلما استقبله فإن تركه فيما يستقبل قضاه إلا أن يكون يوم الاثنين يوم فطر أو أضحى، أو أيام التشريق فلا يصومه ولا يقضيه، وكذلك إن كان في رمضان لم يقضه وصامه من رمضان كما لو أن رجلا
نذر أن يصوم رمضان صام رمضان بالفريضة ولم يصمه بالنذر ولم يقضه.
وكذلك لو نذر أن يصوم يوم الفطر، أو الأضحى أو أيام التشريق، ولو كانت المسألة بحالها وقدم فلان يوم الاثنين، وقد وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما وقضى كل اثنين فيهما ولا يشبه هذا شهر رمضان؛ لأن هذا شيء أدخله على نفسه بعدما، أوجب عليه صوم يوم الاثنين وشهر رمضان شيء أوجبه الله تعالى لا شيء أدخله على نفسه، ولو كانت المسألة بحالها، وكان الناذر امرأة فكالرجل وتقضي كل ما مر عليها من حيضتها، وإذا قالت المرأة لله علي أن أصوم كلما حضت، أو أيام حيضتي فليس عليها صوم ولا قضاء لأنها لا تكون صائمة وهي حائض، وإذا نذر الرجل صوما، أو صلاة ولم ينو عددا، فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان ومن الصوم يوم؛ لأن هذا أقل ما يكون من الصلاة والصوم إلا الوتر.
(قال الربيع) وفيه قول آخر يجزيه ركعة واحدة، وذلك أنه يروى عن عمر أنه تنفل بركعة «وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوتر بركعة بعد عشر ركعات» وأن عثمان أوتر بركعة (قال الربيع) فلما كانت ركعة صلاة ونذر أن يصلي صلاة ولم ينو عددا فصلى ركعة كانت ركعة صلاة بما ذكرنا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال لله علي عتق رقبة، فأي رقبة أعتق أجزأه.
[من حلف على سكنى دار لا يسكنها]
فيمن حلف على سكنى دار لا يسكنها (سئل الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقيل له فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن هذه الدار وهو فيها ساكن أنه يؤمر بالخروج من ساعة حلف ولا نرى عليه حنثا في أقل من يوم وليلة إلا أن يكون له نية في تعجيل الخروج قبل يوم وليلة فإنه حانث إذا أقام يوما وليلة، أو يقول: نويت أن لا أعجل حتى أجد منزلا فيكون ذلك له (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يسكن الدار وهو فيها ساكن أخذ في الخروج مكانه فإن تخلف ساعة وهو يمكنه الخروج منها حنث ولكنه يخرج منها ببدنه متحولا ولا يضره أن يتردد على حمل متاعه منها وإخراج أهله لأن ذلك ليس بسكن قال فإنا نقول في الرجل يحلف أن لا يساكن الرجل وهما في دار واحدة ليس لها مقاصير كل بيت يدخله ساكنه أو كانت لها مقاصير يسكن كل مقصورة منها ساكنها، وكان الحالف مع المحلوف عليه في بيت منها، أو في مقصورة من مقاصيرها أو في حجرة المقصورة دون البيت وصاحب المحلوف عليه في البيت أنه يخرج مكانه حين حلف أنه لا يساكنه في البيت إلى أي بيوت الدار شاء وليس له أن يساكنه في المقصورة التي كانت فيها اليمين، وإن كان معه في البيت وليس له مقصورة، أو له مقصورة، أو كان في مقصورة دون البيت، والآخر في البيت دون المقصورة أنه إن أقام في البيت، أو في المقصورة يوما وليلة كان حانثا وإن أقام أقل من ذلك لغير المساكنة لم يكن عليه حنث إذا خرج إلى أي بيوت الدار ومقاصيرها شاء (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يساكن الرجل وهو ساكن معه فهي كالمسألة قبلها يخرج منها مكانه، أو يخرج الرجل مكانه فإن أقاما جميعا ساعة بعدما أمكنه أن يتحول عنه حنث، وإن كانا في بيتين فجعل بينهما حاجز، أو لكل واحد من الحجرتين باب فليست هذه مساكنة وإن كانا في دار واحدة، والمساكنة أن يكونا في بيت، أو بيتين حجرتهما ومدخلهما واحد، فأما إذا افترق البيتان، والحجرتان فليست مساكنة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإنما جوابنا في هذه الأيمان كلها إذا حلف لا نية له إنما خرجت اليمين منه بلا نية، فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى قال فإنا نقول إذا نقل أهله وعياله وترك متاعه فإنا
نستحب له أن ينتقل بجميع متاعه وأن لا يخلف شيئا من متاعه، وإن خلف شيئا منه، أو خلفه كله فلا حنث عليه فإن خلف أهله وولده فهو حانث؛ لأنه ساكن بعد، والمساكنة التي حلف عليها هي المساكنة منه ومن عياله لمن حلف أن لا يساكنه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والنقلة، والمساكنة على البدن دون الأهل، والمال، والولد، والمتاع فإذا حلف رجل لينتقلن فانتقل ببدنه وترك أهله وولده وماله فقد بر، وإن قال قائل ما الحجة؟ قيل أرأيت إذا سافر ببدنه أيقصر الصلاة ويكون من أهل السفر، أو رأيت إذا انقطع إلى مكة ببدنه أيكون من حاضري المسجد الحرام الذين إن تمتعوا لم يكن عليهم دم؟ فإذا قال: نعم قيل فإنما النقلة، والحكم على البدن لا على مال ولا على ولد ولا على متاع قال: فإنا نقول فيمن حلف أن لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فتركه عليه بعد اليمين أنا نراه حانثا لأنه قد لبسه بعد يمينه، وكذلك نقول فيه إن حلف لا يركب هذه الدابة وهو عليها فإن نزل مكانه وإلا كان حانثا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف أن لا يلبس الثوب وهو لابسه فمثل المسألتين الأوليين إن لم ينزعه من ساعته إذا أمكنه نزعه حنث، وكذلك إن حلف أن لا يركب دابة وهو راكبها فإن نزل مكانه وإلا حنث وهكذا كل شيء من هذا الصنف قيل فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن بيتا ولا نية له وهو من أهل الحضارة فسكن بيتا من بيوت الشعر فإنه إن كان ليمينه معنى يستدل عليه بالأمر الذي له حلف مثل أن يكون سمع بقوم انهدم عليهم بيت فعمهم ترابه فلا شيء عليه في سكناه في بيت شعر، وإن لم يكن له نية حين حلف، وإن كان إنما وجه يمينه أنه قيل له إن الشمس محتجبة وإن السكنى في السطوح، والخروج من البيوت مصحة ويسرة فحلف أن لا يسكن بيتا فإنا نراه حانثا إن سكن بيت شعر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن حلف الرجل أن لا يسكن بيتا وهو من أهل البادية، أو أهل القرية ولا نية له، فأي بيت شعر، أو أدم، أو خيمة، أو ما وقع عليه اسم بيت، أو حجارة، أو مدر سكن حنث قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يسكن دار فلان فسكن دارا بينه وبين رجل آخر أنه يحنث، وكذلك إن كانت الدار كلها له فسكن منها بيتا حنث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يسكن دارا لفلان ولم ينو دارا بعينها فسكن دارا له فيها شرك أكثرها كان له، أو أقلها لم يحنث ولا يحنث حتى تكون الدار كلها له خاصة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه فلان فاشترى فلان وآخر معه طعاما ولا نية له لم يحنث ولا أقول بقولكم إنكم تقولون فيمن حلف أن لا يأكل من طعام اشتراه فلان، فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر معه إنكم تحنثونه إن أكل منه قبل أن يقتسماه وزعمنا وزعمتم أنهما إن اقتسماه فأكل الحالف مما صار للذي لم يحلف عليه لم يكن عليه حنث، والقول فيها على ما أجبتك في صدر المسألة قال فإنا نقول من حلف أن لا يسكن دار فلان فباعها فلان إنه إن كان عقد يمينه على الدار؛ لأنها داره لا يحنث إن سكنها وهي لغيره، وإن كان إنما عقد يمينه على الدار وجعل تسميته صاحبها صفة من صفاتها مثل قوله هذه الدار المزوقة فذهب تزويقها، فأراه حانثا إن سكنها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يسكن دار فلان هذه بعينها وباعها فلان فإن كانت نيته على الدار حنث بأي وجه سكنها، وإن ملكها هو وإن كانت نيته ما كانت لفلان لم يحنث إذا خرجت من ملكه، وإن لم يكن له نية حنث إذا قال دار فلان هذه.
[من حلف أن لا يدخل هذه الدار وهذا البيت فغير عن حاله]
فيمن حلف أن لا يدخل هذه الدار وهذا البيت فغير عن حاله (قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول لو أن رجلا حلف أن لا يدخل هذه الدار فهدمت حتى صارت طريقا، أو خربة يذهب الناس فيها ذاهبين وجائين إنه إن كان في يمينه سبب يستدل به على شيء من نيته وما أراد في يمينه حمل على ما استدل به، وإن لم يكن لذلك سبب يستدل به على شيء من نيته فإنا لا نرى عليه حنثا في دخولها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يدخل هذه الدار فانهدمت حتى صارت طريقا، ثم دخلها لم يحنث لأنها ليست بدار قال فإنا نقول فيمن قال والله لا أدخل من باب هذه الدار فحول بابها فدخل من بابها هذا المحدث إنه حانث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يدخل من باب هذه الدار ولا نية له فحول بابها إلى موضع آخر فدخل منه لم يحنث، وإن كانت له نية فنوى من باب هذه الدار في هذا الموضع لم يحنث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو نوى أن لا يدخل الدار حنث (قال) : فإنا نقول فيمن حلف أن لا يلبس هذا الثوب وهو قميص فقطعه قباء، أو سراويل، أو جبة إنا نراه حانثا إلا أن تكون له نية يستدل بها على أنه لا حنث عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل أن لا يلبس ثوبا وهو رداء فقطعه قميصا، أو اتزر به، أو ارتدى به، أو قطعه قلانس، أو تبابين، أو حلف أن لا يلبس سراويل فاتزر بها، أو قميصا فارتدى به فهذا كله لبس وهو يحنث في هذا كله إذا لم تكن له نية فإن كانت له نية لم يحنث إلا على نيته إن حلف أن لا يلبس القميص كما تلبس القمص فارتدى به لم يحنث، وكذلك إن حلف أن لا يلبس الرداء كما تلبس الأردية فلبسه قميصا لم يحنث، وإذا حلف الرجل أن لا يلبس ثوب امرأته، وقد كانت منت بالثوب عليه، أو ثوب رجل من عليه، فأصل ما أبني عليه أن لا أنظر إلى سبب يمينه أبدا وإنما أنظر إلى مخرج اليمين، ثم أحنث صاحبها، أو أبره على مخرجها، وذلك أن الأسباب متقدمة، والأيمان محدثة بعدها فقد يحدث على مثالها وعلى خلاف مثالها فلما كان هكذا لم أحنثه على سبب يمينه وأحنثه على مخرج يمينه.
أرأيت لو أن رجلا قال لرجل قد نحلتك داري، أو قد وهبتك مالي فحلف ليضربنه أما يحنث إن لم يضربه وليس حلفه ليضربنه يشبه سبب ما قال له فإذا حلف أن لا يلبس هذا الثوب لثوب امرأته فوهبته له، أو باعته فاشترى بثمنه ثوبا، أو انتفع به لم يحنث ولا يحنث أبدا إلا بلبسه
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل دار فلان فرقى على ظهر بيته أنه يحنث؛ لأنه دخلها من ظهرها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل أن لا يدخل دار فلان فرقى فوقها فلم يدخلها وإنما دخوله أن يدخل بيتا منها أو عرصتها (قال) : فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل بيت فلان فدخل بيت فلان المحلوف عليه وإنما فلان ساكن في ذلك البيت بكراء إنه يحنث؛ لأنه بيته ما دام ساكنا فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يدخل بيت فلان وفلان في بيت بكراء لم يحنث لأنه ليس بيت فلان إلا أن يكون أراد مسكن فلان، ولو حلف أن لا يدخل مسكن فلان فدخل عليه مسكنا بكراء حنث إلا أن يكون نوى مسكنا له يملكه
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل دار فلان فاحتمله إنسان، فأدخله قهرا فإنه إن كان غلبه على ذلك ولم يتراخ فلا حنث عليه إن كان حين قدر على الخروج خرج من ساعته، فأما إن أقام، ولو شاء أن يخرج خرج فإن هذا حانث
(أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال إذا حلف أن لا يدخل دار فلان فحمل فأدخلها لم يحنث إلا أن يكون هو أمرهم أن يدخلوه تراخى، أو لم يتراخ
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف بالطلاق أن
لا يدخل دار فلان فقال إنما حلفت أن لا أدخلها ونويت شهرا إنا نرى عليه أنه إن كانت عليه في يمينه بينة فإنه لا يصدق بنيته، وإن دخلها حنث، وإن كان لا بينة عليه في يمينه قبل ذلك منه مع يمينه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل بطلاق امرأته أن لا يدخل دار فلان فقال نويت شهرا أو يوما فهو كذلك فيما بينه وبين الله عز وجل وعليه اليمين، فأما في الحكم فمتى دخلها فهي طالق
(قال) : فإنا نقول فيمن قال والله لا أدخل على فلان بيتا فدخل عليه فلان ذلك بيتا إنا نراه حانثا إن أقام معه في البيت حين دخل عليه، وذلك أنه ليس يراد باليمين في مثل هذا الدخول ولكن يراد به المجالسة إلا أن تكون نيته يوم حلف أن لا يدخل عليه وأنه كان هو في البيت أولا، ثم دخل عليه الآخر فلا حنث عليه، وإذا كان هذا هكذا نيته يوم حلف فإنا لا نرى عليه حنثا إذا كان المحلوف عليه هو الداخل عليه بعد دخوله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل أن لا يدخل على رجل بيتا فدخل عليه الآخر بيته، فأقام معه لم يحنث لأنه لم يدخل عليه
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف أن لا يدخل على فلان بيتا فدخل على جار له بيته فإذا فلان المحلوف عليه في بيت جاره إنه يحنث؛ لأنه داخل عليه وسواء كان البيت له أو لغيره وأنه إن دخل عليه مسجدا لم يحنث إلا أن يكون نوى المسجد في يمينه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل أن لا يدخل على رجل بيتا فدخل على رجل غيره بيتا فوجد ذلك المحلوف عليه في ذلك البيت لم يحنث من قبل أنه ليس على ذلك دخل (قال الربيع) وللشافعي قول آخر إنه يحنث إذا دخل عليه لأنه قد دخل عليه بيتا كما حلف، وإن كان قد قصد بالدخول على غيره (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن علم أنه في البيت فدخل عليه حنث في قول من يحنث على غير النية ولا يرفع الخطأ، فأما إذا حلف أن لا يدخل عليه بيتا فدخل عليه المسجد لم يحنث بحال.
[من حلف على أمرين أن يفعلهما أو لا يفعلهما ففعل أحدهما]
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف أن لا يكسو امرأته هذين الثوبين فكساها أحدهما أنه حانث إلا أن يكون نوى في يمينه أن لا يكسوها إياهما جميعا لحاجته إلى أحدهما، أو لأنها لا حاجة لها فيهما جميعا فقال أنت طالق إن فعلت فتكون له نيته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يكسو امرأته هذين الثوبين، أو هذه الأثواب الثلاثة فكساها أحد الثوبين، أو أحد الثلاثة، أو كساها من الثلاثة اثنين وترك واحدا لم يحنث، وكذلك لو حلف أن لا يأكل هذين القرصين، فأكلهما إلا قليلا لم يحنث إلا أن يأتي على الشيئين اللذين حلف عليهما إلا أن يكون ينوي أن لا يكسوها من هذه الأثواب شيئا، أو لا يأكل من هذا الطعام شيئا فيحنث، وإذا قال والله لا أشرب ماء هذه الإداوة ولا ماء هذا النهر ولا ماء هذا البحر كله فكل هذا سواء ولا يحنث إلا أن يشرب ماء الإداوة كله ولا سبيل إلى أن يشرب ماء النهر كله ولا ماء البحر كله ولكنه لو قال لا أشرب من ماء هذه الإداوة ولا من ماء هذا النهر ولا من ماء هذا البحر فشرب منه شيئا حنث إلا أن تكون له نية فيحنث على قدر نيته، وإذا قال والله لا أكلت خبزا وزيتا، فأكل خبزا ولحما لم يحنث، وكذلك كل شيء أكله مع الخبز سوى الزيت وكل شيء أكل به الزيت سوى الخبز فإنه ليس بحانث، وكذلك لو قال لا آكل زيتا ولحما فكذلك كل ما أكل مع اللحم سوى الزيت
(قال) : فإنا نقول لمن قال لأمته، أو امرأته أنت طالق، أو أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين فدخلت إحداهما ولم تدخل الأخرى إنه حانث وإن قال إن لم تدخليهما فأنت
طالق، أو أنت حرة فإنا لا نخرجه من يمينه إلا بدخولهما جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال لامرأته أنت طالق إن دخلت هاتين الدارين أو لأمته أنت حرة إن دخلت هاتين الدارين لم يحنث في واحدة منهما إلا بأن تدخلهما معا، وكذلك كل يمين حلف عليها من هذا الوجه
(قال) : فإنا نقول فيمن قال لعبدين له أنتما حران إن شئتما فإن شاءا جميعا الحرية فهما حران وإن شاءا جميعا الرق فهما رقيقان، وإن شاء أحدهما الحرية وشاء الآخر الرق فالذي شاء الحرية منهما حر ولا حرية بمشيئة هذا للذي لم يشأ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل لعبدين له أنتما حران إن شئتما لم يعتقا إلا بأن يشاءا معا ولم يعتقا بأن يشاء أحدهما دون الآخر، وكذلك إن قال أنتما حران إن شاء فلان وفلان لم يعتقا إلا أن يشاء فلان وفلان ولم يعتقا بأن يشاء أحدهما دون الآخر، ولو كان قال لهما أيكما شاء العتق فهو حر، فأيهما شاء فهو حر شاء الآخر، أو لم يشأ
(قال) : فإنا نقول في رجل قال والله لئن قضيتني حقي في يوم كذا، وكذا لأفعلن بك كذا، وكذا فقضاه بعض حقه إنه لا يلزمه اليمين حتى يقضيه حقه كله؛ لأنه أراد به الاستقصاء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو كان لرجل على رجل حق فحلف لئن قضيتني حقي في يوم كذا، وكذا لأهبن لك عبدا من يومك فقضاه حقه كله إلا درهما، أو فلسا في ذلك اليوم كله لم يحنث ولا يحنث إلا بأن يقضيه حقه كله قبل أن يمر اليوم الذي قضاه فيه آخر حقه ولا يهب له عبدا.
[من حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه]
(أخبرنا الربيع) قال: قيل للشافعي فإنا نقول فإن حلف أن لا يفارق غريما له حتى يستوفي حقه ففر منه، أو أفلس إنه حانث إلا أن تكون له نية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يفارق غريمه حتى يأخذ حقه منه ففر منه غريمه لم يحنث؛ لأنه لم يفارقه هو، ولو كان قال لا أفترق أنا وهو حنث في قول من لا يطرح الخطأ والغلبة عن الناس، ولا يحنث في قول من طرح الخطأ والغلبة عن الناس، فأما إن حلف لا يفارقه حتى يأخذ منه حقه فأفلس فيحنث في قول من لا يطرح الغلبة عن الناس، والخطأ ولا يحنث في قول من طرح الخطأ، والغلبة عنهم (قال) : فإنا نقول فيمن حلف لغريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي منه حقه فأحاله على غريم له آخر إنه إن كان فارقه بعد الحمالة فإنه حانث لأنه حلف أن لا يفارقه حتى يستوفي ففارقه ولم يستوف لما أحاله، ثم استوفاه بعد (قال الربيع) الذي يأخذ به الشافعي أنه إن لم يفرط فيه حتى فر منه فهو مكره فلا شيء عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل أن لا يفارق الرجل حتى يستوفي منه حقه، فأحاله بعد على رجل غيره، فأبرأه، ثم فارقه حنث، وإن كان حلف أن لا يفارقه وله عليه حق لم يحنث؛ لأنه، وإن لم يستوف أولا بالحمالة فقد برئ بالحوالة
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه منه فاستوفاه فلما افترقا أصاب بعضها نحاسا، أو رصاصا، أو نقصا بينا نقصانه إنه حانث لأنه فارقه ولم يستوف وإنه إن أخذ بحقه عرضا فإن كان يسوى ما أخذه به وهو قيمته لو أراد أن يبيعه باعه ولم يحنث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يفارقه حتى يستوفي منه حقه، فأخذ منه حقه فيما يرى، ثم وجد دنانيره زجاجا، أو نحاسا حنث في قول من لم يطرح عن الناس الخطأ في الأيمان ولا يحنث في قول من يطرح عن الناس ما لم يعمدوا عليه في الأيمان لأن هذا لم يعمد أن يأخذ إلا وفاء حقه وهو قول عطاء إنه يطرح عن الناس الخطأ والنسيان ورواه عطاء فإذا حلف أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه، فأخذ بحقه
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (292)
صــــــــــ 80 الى صـــــــــــ 86
عرضا فإن كان العرض الذي أخذ قيمة ما له عليه من الدنانير لم يحنث، وإن كان قيمته أقل مما عليه من الدنانير حنث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل لغريمه والله لا أفارقك حتى آخذ حقي فإن كانت نيته حتى لا يبقى عليك من حقي شيء، فأخذ منه عرضا يسوى، أو لا يسوى برئ ولم يحنث؛ لأنه قد أخذ شيئا ورضيه من حقه وبرئ الغريم من حقه، وكذلك إن كانت نيته حتى أستوفي ما أرضى به من جميع حقي، وكذلك إن قال رجل لرجل والله لأقضينك حقك فوهب صاحب الحق حقه للحالف، أو تصدق به عليه، أو دفع به إليه سلعة لم يحنث إن كانت نيته حين حلف أن لا يبقى علي شيء من حقك؛ لأنه دفع إليه شيئا رضيه فقد استوفى فإن لم تكن له نية فلا يبرأ أبدا إلا بأن يأخذ حقه ما كان، إن كانت دنانير فدنانير، أو دراهم فدراهم؛ لأن ذلك حقه، ولو أخذ فيه أضعاف ثمنه لم يبرأ؛ لأن ذلك غير حقه، وحد الفراق أن يتفرقا من مقامهما الذي كانا فيه ومجلسهما.
[من حلف أن لا يتكفل بمال فتكفل بنفس رجل]
(قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل إنه إن استثنى في حمالته أن لا مال عليه فلا حنث عليه، وإن لم يستثن ذلك فعليه المال وهو حانث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومن حلف أن لا يتكفل بمال أبدا فتكفل بنفس رجل لم يحنث؛ لأن النفس غير المال قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة أبدا فتكفل لوكيل له بكفالة عن رجل ولم يعلم أنه وكيل الذي حلف عليه فإنه إذا لم يكن علم بذلك ولم يكن ذلك الرجل من وكلائه وحشمه ولم يعلم أنه من سببه فلا حنث عليه، وإن كان ممن علم ذلك منه فإنه حانث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يتكفل لرجل بكفالة يكون له عليه فيها سبيل لنفسه فإن نوى هذا فكفل لوكيل له في مال للمحلوف حنث، وإن كان كفل في غير مال المحلوف لم يحنث، وكذلك إن كفل لوالده، أو زوجته، أو ابنه لم يحنث.
[من حلف في أمر أن لا يفعله غدا ففعله اليوم]
(قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول في رجل قال لرجل والله لأقضينك حقك غدا فقضاه اليوم إنه لا حنث عليه؛ لأنه لم يرد بيمينه الغد إنما أراد وجه القضاء، فإذا خرج الغد عنه وليس عليه فقد بر وهو قول مالك (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال لرجل والله لأقضينك حقك غدا فعجل له حقه اليوم فإن لم تكن له نية حنث من قبل أن قضاء غد غير قضائه اليوم كما يقول: والله لأكلمنك غدا فكلمه اليوم لم يبر، وإن كانت نيته حين عقد اليمين أن لا يخرج غد حتى أقضيك حقك فقضاه اليوم بر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال والله لآكلن هذا الرغيف اليوم، فأكل بعضه اليوم وبعضه غدا إنه حانث؛ لأنه لم يأكله كله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والبساط محال وإنما يقال السبب بساط اليمين عند أصحاب مالك كأنه حلف أن لا يلبس من غزل امرأته فباعت الغزل واشترت طعاما، فأكله فهو عندهم حانث؛ لأن بساط اليمين عندهم أن لا ينتفع بشيء من غزلها فإذا أكل منه فقد انتفع به وهو عند الشافعي محال (قال الربيع) قد خرق الشافعي البساط وحرقه بالنار
قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل فقال والله لآكلن هذا الطعام غدا أو لألبسن هذه الثياب غدا، أو لأركبن هذه الدواب غدا فماتت الدواب وسرق الطعام والثياب قبل الغد، فمن ذهب إلى طرح الإكراه عن الناس طرح هذا قياسا على الإكراه فإن قيل فما يشبهه من الإكراه؟ قيل لما وضع الله عز وجل عن الناس أعظم ما قال أحد الكفر به أنهم إذا أكرهوا عليه فجعل قولهم الكفر مغفورا لهم مرفوعا عنهم في الدنيا، والآخرة، وذلك قول الله عز وجل {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره} [النحل: ١٠٦] الآية، وكان المعنى الذي عقلنا أن قول المكره كما لم يقل في الحكم وعقلنا أن الإكراه هو أن يغلب بغير فعل منه فإذا تلف ما حلف ليفعلن فيه شيئا فقد غلب بغير فعل منه وهذا في أكثر من معنى الإكراه ومن ألزم المكره يمينه ولم يرفعها عنه كان حانثا في هذا كله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكذلك لو حلف ليعطينه حقه غدا فمات من الغد بعلمه، أو بغير علمه لم يحنث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكذلك الأيمان بالطلاق، والعتاق، والأيمان كلها مثل اليمين بالله (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أصل ما أذهب إليه أن يمين المكره غير ثابتة عليه لما احتججت به من الكتاب والسنة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف ليقضين رجلا حقه إلى أجل يسميه إلا أن يشاء أن يؤخره فمات صاحب الحق إنه لا حنث عليه ولا يمين عليه لورثة الميت من قبل أن الحنث لم يكن حتى مات المحلوف ليقضينه، وكذلك لو حلف ليقضينه حقه إلى أجل سماه إلا أن يشاء فلان فمات الذي جعل المشيئة إليه، قال فإنا نقول فيمن حلف ليقضين فلانا ماله رأس الشهر، أو عند رأس الشهر، أو إذا استهل الشهر، أو إلى استهلال الهلال إن له ليلة يهل الهلال ويومها حتى تغرب الشمس، وكذلك الذي يقول: إلى رمضان له ليلة الهلال ويومه، وكذلك إذا قال إلى رمضان، أو إلى هلال شهر كذا، وكذا فله حتى يهل هلال ذلك الشهر فإن قال له إلى أن يهل الهلال فله ليلة الهلال ويومه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف ليقضينه حقه إلى رأس الشهر، أو عند رأس الشهر، أو إلى استهلال الهلال، أو عند استهلال الهلال وجب عليه أن يقضيه حين يهل الهلال فإن حلف ليقضينه ليلة يهل الهلال فخرجت الليلة التي يهل فيها الهلال حنث كما يحنث لو حلف ليقضينه حقه يوم الاثنين فغابت الشمس يوم الاثنين حنث وليس حكم الليلة حكم اليوم ولا حكم اليوم حكم الليلة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال والله لأقضينك حقك إلى رمضان فلم يقضه حقه حتى يهل هلال رمضان حنث، وذلك أنه حد بالهلال كما تقول في ذكر حق فلان على فلان كذا، وكذا إلى هلال كذا، وكذا فإذا هل الهلال فقد حل الحق قال فإنا نقول فيمن قال والله لأقضينك حقك إلى حين، أو إلى زمان، أو إلى دهر إن ذلك كله سواء وإن ذلك سنة سنة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال والله لأقضينك حقك إلى حين فليس في الحين وقت معلوم يبر به ولا يحنث، وذلك أن الحين يكون مدة الدنيا كلها وما هو أقل منها إلى القيامة الفتيا لمن قال هذا أن يقال له إنما حلفت على ما لا تعلم ولا نعلم فنصيرك إلى علمنا، والورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم؛ لأن الحين يقع عليه من حين حلفت ولا تحنث أبدا؛ لأنه ليس للحين غاية، وكذلك الزمان، وكذلك الدهر، وكذا كل كلمة منفردة ليس لها ظاهر يدل عليها، وكذلك الأحقاب.
[من حلف على شيء أن لا يفعله فأمر غيره ففعله]
(قيل للشافعي) - رحمه الله تعالى - فإنا نقول فيمن حلف أن لا يشتري عبدا، فأمر غيره فاشترى له
عبدا إنه حانث لأنه هو المشتري إذا أمر من يشتري له إلا أن يكون له في ذلك نية، أو يكون يمينه على أمر قد عرف وجهها أنه إنما أراد أن لا يشتريه هو لأنه قد غبن غير مرة في اشترائه فإذا كان كذلك فليس بحانث، وإذا كان إنما كره شراء العبد أصلا، فأراه حانثا وإن أمر غيره، وكذلك لو حلف أن لا يبيع سلعة، فأمر غيره فباعها إنه يحنث إلا أن تكون له نية
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف أن لا يشتري عبدا، فأمر غيره فاشترى له عبدا لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يشتريه ولا يشتري له؛ لأنه لم يكن ولي عقدة شرائه والذي ولي عقدة شرائه غيره وعليه العهدة ألا ترى أن الذي ولي عقد شرائه لو زاد في ثمنه على ما يباع به مثله ما لا يتغابن الناس فيه، أو برئ من عيب لزمه البيع، وكان للآمر أن لا يأخذ لشراء غيره غير شرائه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يطلق امرأته فجعل أمرها بيدها فطلقت نفسها لم يحنث إلا أن يكون جعل إليها طلاقها، وكذلك لو جعل أمرها إلى غيرها فطلقها.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف ليضربن عبده، فأمر غيره فضربه لم يبر إلا أن يكون نوى ليضربن بأمره وهكذا لو حلف أن لا يضربه، فأمر غيره فضربه لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يأمر غيره بضربه (قال الربيع) للشافعي في مثل هذا قول في موضع آخر فإذا حلف ليضربن عبده فإن كان مما يلي الأشياء بيده فلا يبر حتى يضربه بيده فإن كان مثل الوالي، أو ممن لا يلي الأشياء بيده فالأغلب أنه إنما يأمر؛ فإذا أمر فضرب فقد بر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل لا يبيع لرجل شيئا فدفع المحلوف عليه سلعة إلى رجل فدفع ذلك الرجل السلعة إلى الحالف فباعها لم يحنث؛ لأنه لم يبعها للذي حلف أن لا يبيعها له إلا أن يكون نوى أن لا يبيع سلعة يملكها فلان فيحنث فلو حلف أن لا يبيع له رجل سلعة فدفعها إلى غيره ليبيعها فدفع ذلك الغير إلى الذي حلف أن لا يبيع له السلعة لم يحنث الحالف من قبل أن بيع الثالث غير جائز؛ لأنه إذا وكل رجلا يبيع له فليس له أن يوكل بالبيع غيره، ولو كان حين وكله أجاز له أن يوكل من رآه فدفعها إليه فباعها فإن كان نوى أن لا يبيع لي بأمري لم يحنث وإن كان نوى أن لا يبيعها بحال حنث؛ لأنه قد باعها.
[من قال لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، ثم قال لها قبل أن تسأله الإذن، أو بعد ما سألته إياه قد أذنت لك فخرجت لم يحنث، ولو كانت المسألة بحالها، فأذن لها ولم تعلم وأشهد على ذلك لم يحنث؛ لأنه قد خرجت بإذنه فإن لم تعلم، فأحب إلي في الورع أن لو حنث نفسه من قبل أنها عاصية عند نفسها حين خرجت بغير إذنه وإن كان قد أذن لها فإن قال قائل كيف لم تحنثه وهي عاصية ولا تجعله بارا إلا أن يكون خروجها بعلمها بإذنه؟ قيل أرأيت رجلا غصب رجلا حقا، أو كان له عليه دين فحلله الرجل، والغاصب المحلل لا يعلم أما يبرأ من ذلك أرأيت أنه لو مات وعليه دين فحلله الرجل بعد الموت أما يبرأ؟ قال فإنا نقول فيمن قال لامرأته إن خرجت إلى موضع إلا بإذني فأنت طالق، ثم قال لها اخرجي حيث شئت فخرجت ولم يعلم فإنه سواء قال لها في يمينه إن خرجت إلى موضع إلا بإذني، أو لم يقل لها إلى موضع فهو سواء ولا حنث عليه؛ لأنه إذا قال إن خرجت ولم يقل إلى موضع فإنما هو إلى موضع، وإن لم يقله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : مثل ذلك كله أقول لا حنث عليه قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يأذن لامرأته أن تخرج إلا في عيادة مريض، فأذن لها في عيادة مريض، ثم عرضت لها حاجة غير العيادة وهي عند المريض فذهبت فيها فإنه إذا أذن لها إلى عيادة
مريض فخرجت إلى غير ذلك لم يحنث؛ لأنها ذهبت إلى غير المريض بغير إذنه فلا حنث (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : مثل ذلك أقول إنه لا حنث عليه قال فإنا نقول فيمن حلف أن لا يأذن لامرأته بالخروج إلا لعيادة مريض فخرجت من غير أن يأذن لها إلى حمام، أو غير ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، أو إن خرجت إلى مكان، أو إلى موضع إلا بإذني فاليمين على مرة فإن أذن لها مرة فخرجت، ثم عادت فخرجت لم يحنث لأنه قد بر مرة فلا يحنث ثانية، وكذلك إن قال لها أنت طالق إن خرجت إلا أن آذن لك، فأذن لها فخرجت، ثم عادت فخرجت لم يحنث ولكنه لو قال لها أنت طالق كلما خرجت إلا بإذني، أو طالق في كل وقت خرجت إلا بإذني كان هذا على كل خرجة، فأي خرجة خرجتها بغير إذنه فهو حانث، ولو قال لها أنت طالق متى خرجت كان هذا على مرة واحدة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يدخل دار فلان إلا أن يأذن له فمات الذي حلف على إذنه فدخلها حنث، ولو لم يمت، والمسألة بحالها، فأذن له، ثم رجع عن الإذن فدخل بعد رجوعه لم يحنث؛ لأنه قد أذن له مرة
(قال) : فإنا نقول فيمن حلف بعتق غلامه ليضربنه إنه يحال بينه وبين بيعه؛ لأنه على حنث حتى يضربه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يبيعه إن شاء ولا يحال بينه وبين بيعه؛ لأنه على بر
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : من حنث بعتق وله مكاتبون وأمهات أولاد ومدبرون وأشقاص من عبيد يحنث فيهم كلهم إلا في المكاتب فلا يحنث فيه إلا بأن ينويه في مماليكه؛ لأن الظاهر من الحكم أن مكاتبه خارج عن ملكه بمعنى داخل فيه بمعنى فهو يحال بينه وبين أخذ ماله واستخدامه وأرش الجناية عليه فلا يكون عليه زكاة مال المكاتب ولا يكون عليه زكاة الفطر فيه وليس هكذا أم ولده ولا مدبروه كل أولئك داخل في ملكه له أخذ أموالهم وله أخذ أرش الجناية عليهم وتكون عليه الزكاة في أموالهم لأنه ماله فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم فإنما يعني عبدا في حال دون حال؛ لأنه لو كان عبدا بكل حال كان مسلطا على بيعه وأخذ ماله وما وصفت من أنه يحال بينه وبينه منه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل بعتق غلامه ليضربنه غدا فباعه اليوم فلما مضى غد اشتراه فلا يحنث؛ لأن الحنث إذا وقع مرة لم يعد ثانية وهذا قد وقع حنثه مرة فهو لا يعتق عليه ولا يعود عليه الحنث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يأكل الرءوس وأكل رءوس الحيتان، أو رءوس الجراد، أو رءوس الطير، أو رءوس شيء يخالف رءوس البقر، أو الغنم، أو الإبل لم يحنث من قبل أن الذي يعرف الناس إذا خوطبوا بأكل الرءوس أنها الرءوس التي تعمل متميزة من الأجساد يكون لها سوق كما يكون للحم سوق فإن كانت بلاد لها صيد ويكثر كما يكثر لحم الأنعام ويميز لحمها من رءوسها فتعمل كما تعمل رءوس الأنعام فيكون لها سوق على حدة وللحمها سوق على حدة فحلف حنث بها وهكذا إن كان ذلك يصنع بالحيتان، والجواب في هذا إذا لم يكن للحالف نية فإذا كان له نية حنث وبر على نيته، والورع أن يحنث بأي رأس ما كان، والبيض كما وصفت هو بيض الدجاج، والإوز والنعام، فأما بيض الحيتان فلا يحنث به إلا بنية؛ لأن البيض الذي يعرف هو الذي يزايل بائضه فيكون مأكولا وبائضه حيا، فأما بيض الحيتان فلا يكون هكذا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا إذا حلف الرجل أن لا يأكل لحما حنث بلحم الإبل، والبقر، والغنم، والوحوش والطير كله لأنه كله لحم ليس له اسم دون اللحم ولا
يحنث في الحكم بلحم الحيتان؛ لأن اسمه غير اسمه فالأغلب عليه الحوت، وإن كان يدخل في اللحم ويحنث في الورع به
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا نذر حلف أن لا يشرب سويقا، فأكله، أو لا يأكل خبزا فماثه فشربه لم يحنث؛ لأنه لم يفعل الذي حلف أن لا يفعله واللبن مثله، وكذلك إن حلف أن لا يأكله فشربه، أو لا يشربه، فأكله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يأكل سمنا، فأكل السمن بالخبز، أو بالعصيدة، أو بالسويق حنث؛ لأن السمن هكذا لا يؤكل إنما يؤكل بغيره ولا يكون مأكولا إلا بغيره إلا أن يكون جامدا فيقدر على أن يأكله جامدا منفردا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يأكل هذه التمرة فوقعت في التمر، فأكل التمر كله حنث؛ لأنه قد أكلها، وإن بقي من التمر كله واحدة، أو هلكت من التمر كله واحدة لم يحنث إلا أن يكون يستيقن أنها فيما أكل وهذا في الحكم، والورع أن لا يأكل منه شيئا إلا حنث نفسه إن أكله وإن حلف أن لا يأكل هذا الدقيق ولا هذه الحنطة، فأكله حنطة، أو دقيقا حنث، وإذا خبز الدقيق، أو عصده، فأكله، أو طحن الحنطة، أو خبزها أو قلاها فجعلها سويقا لم يحنث؛ لأن هذا لم يأكل دقيقا ولا حنطة إنما أكل شيئا قد حال عنهما بصنعة حتى لا يقع عليه اسم واحد منهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يأكل لحما، فأكل شحما، أو لا يأكل شحما، فأكل لحما لم يحنث في واحد منهما لأن كل واحد منهما غير صاحبه.
وكذلك إن حلف أن لا يأكل رطبا، فأكل تمرا، أو لا يأكل بسرا، فأكل رطبا، أو لا يأكل بلحا، فأكل بسرا، أو لا يأكل طلعا، فأكل بلحا لأن كل واحد من هذا غير صاحبه، وإن كان أصله واحدا وهكذا إن قال لا آكل زبدا، فأكل لبنا، أو قال لا آكل خلا، فأكل مرقا فيه خل فلا حنث عليه لأن الخل مستهلك فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يشرب شيئا فذاقه ودخل بطنه لم يحنث بالذوق؛ لأن الذوق غير الشرب (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف أن لا يكلم فلانا فسلم على قوم وهو فيهم لم يحنث إلا بأن ينويه فيمن سلم عليهم قال الربيع وله قول آخر فيما أعلم إنه يحنث إلا أن يعزله بقلبه في أن لا يسلم عليه خاصة (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا مر عليه فسلم عليه وهو عامد للسلام عليه وهو لا يعرفه ففيها قولان، فأما قول عطاء فلا يحنثه فإنه يذهب إلى أن الله جل وعز وضع عن الأمة الخطأ والنسيان وفي قول غيره يحنث فإذا حلف أن لا يكلم رجلا، فأرسل إليه رسولا، أو كتب إليه كتابا فالورع أن يحنث ولا يبين لي أن يحنث؛ لأن الرسول والكتاب غير الكلام، وإن كان يكون كلاما في حال ومن حنثه ذهب إلى أن الله عز وجل قال {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: ٥١] الآية وقال إن الله عز وجل يقول في المنافقين {قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم} [التوبة: ٩٤] وإنما نبأهم بأخبارهم بالوحي الذي ينزل به جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بوحي الله ومن قال لا يحنث قال إن كلام الآدميين لا يشبه كلام الله تعالى كلام الآدميين بالمواجهة، ألا ترى لو هجر رجل رجلا كانت الهجرة محرمة عليه فوق ثلاث فكتب إليه، أو أرسل إليه وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من هجرته التي يأثم بها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل لقاض أن لا يرى كذا، وكذا إلا رفعه إليه فمات ذلك القاضي فرأى ذلك الشيء بعد موته لم يحنث؛ لأنه ليس ثم أحد يرفعه إليه، ولو رآه قبل موته فلم يرفعه إليه حتى مات حنث، ولو أن قاضيا بعده ولي فرفعه إليه لم يبر؛ لأنه لم يرفعه إلى القاضي الذي أحلفه ليرفعه إليه، وكذلك إذا عزل ذلك القاضي لم يكن عليه أن يرفعه إلى القاضي الذي خلف بعده؛ لأنه غير المحلوف عليه، ولو عزل ذلك القاضي فإن كانت نيته ليرفعنه إليه إن كان قاضيا فرأى ذلك
الشيء وهو غير قاض لم يكن عليه أن يرفعه إليه، ولو لم تكن له نية خشيت أن يحنث إن لم يرفعه إليه، وإن رآه فعجل ليرفعه ساعة أمكنه رفعه فمات لم يحنث ولا يحنث إلا بأن يمكنه رفعه فيفرط حتى يموت، وإن علماه جميعا فعليه أن يخبره، وإن كان ذلك مجلسا واحدا، وإذا حلف الرجل ما له مال وله عرض، أو دين، أو هما حنث لأن هذا مال إلا أن يكون نوى شيئا فلا يحنث إلا على نيته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها فإن كان يحيط العلم أنه إذا ضربه بها ماسته كلها فقد بر، وإن كان يحيط العلم أنها لا تماسه كلها لم يبر، وإن كان العلم مغيبا قد تماسه ولا تماسه فضربه بها ضربة لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع فإن قال قائل فما الحجة في هذا؟ قيل معقول أنه إذا ماسته أنه ضاربه بها مجموعة، أو غير مجموعة، وقد قال الله عز وجل {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} [ص: ٤٤] وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا نضوا في الزنا بأثكال النخل وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة ولم يقل ضربا شديدا، فأي ضرب ضربه إياه خفيفا أو شديدا لم يحنث لأنه ضاربه في هذا كله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا حلف الرجل لئن فعل عبده كذا ليضربنه ففعل ذلك العبد وضربه السيد، ثم عاد ففعله لم يحنث ولا يكون الحنث إلا مرة واحدة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل لا يهب رجلا هبة فتصدق عليه بصدقة فهي هبة وهو حانث، وكذلك لو نحله فالنحل هبة، وكذلك إن أعمره لأنها هبة، فأما إن أسكنه فلا يحنث إنما السكنى عارية لم يملكه إياها وله متى شاء أن يرجع فيها، وكذلك إن حبس عليه لم يحنث؛ لأنه لم يملكه ما حبس عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف الرجل أن لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث، وإن حلف أن لا يركب دابة العبد فركب دابة العبد لم يحنث؛ لأنها ليست للعبد، ألا ترى أنه إنما اسمها مضاف إليه كما يضاف اسمها إلى سائسها، وإن كان حرا، أو يضاف الغلمان إلى المعلم وهم أحرار فيقال غلمان فلان وتضاف الدار إلى القيم عليها وإن كانت لغيره (قال الربيع) قلت أنا ويضاف اللجام إلى الدابة والسرج إلى الدابة فيقال لجام الحمار وسرج الحمار وليس يملك الدابة اللجام ولا السرج
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا حلف العبد بالله فحنث، أو أذن له سيده فحج، فأصاب شيئا مما عليه فيه فدية، أو تظاهر، أو آلى فحنث فلا يجزيه في هذا كله أن يتصدق، ولو أذن له سيده من قبل أنه لا يكون مالكا للمال وأن لمالكه أن يخرجه من يديه وهو مخالف للحر يوهب له الشيء فيتصدق به؛ لأن الحر يملكه قبل أن يتصدق به وعليه الصيام في هذا كله فإن كان هذا شيء منه بإذن مولاه فليس له أن يمنعه منه، وإن كان منه بغير إذن مولاه فإن كان الصوم يضر بعمل المولى كان له أن يمنعه فإن صام بغير إذن مولاه في الحال التي له أن يمنعه فيها أجزأه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : يحنث الناس في الحكم على الظاهر من أيمانهم، وكذلك أمرنا الله تعالى أن نحكم عليهم بما ظهر، وكذلك أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك أحكام الله وأحكام رسوله في الدنيا، فأما السرائر فلا يعلمها إلا الله فهو يدين بها ويجزي ولا يعلمها دونه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ألا ترى أن حكم الله تعالى في المنافقين أنه يعلمهم مشركين فأوجب عليهم في الآخرة جهنم فقال عز وجل {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: ١٤٥] وحكم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحكام الإسلام بما أظهروا منه فلم يسفك لهم دما ولم يأخذ لهم مالا ولم يمنعهم أن يناكحوا
المسلمين وينكحوهم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرفهم بأعيانهم يأتيه الوحي ويسمع ذلك منهم ويبلغه عنهم فيظهرون التوبة، والوحي يأتيه بأنهم كاذبون بالتوبة، ومثل ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع الناس «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» ، وكذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحدود، فأقام على رجل حدا، ثم قام خطيبا فقال «أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله، فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله» وروي عنه أنه قال «تولى الله منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات» وحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار» «ولاعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين العجلاني وامرأته وقذفها برجل بعينه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصروها فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه وإن جاءت به كذا فلا أراه إلا قد كذب عليها فجاءت به على النعت المكروه» ، وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «إن أمره لبين لولا ما حكم الله» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو كان لأحد من الخلق أن يحكم على خلاف الظاهر ما كان ذلك لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يأتيه به الوحي وبما جعل الله تعالى فيه مما لم يجعل في غيره من التوفيق فإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتول أن يقضي إلا على الظاهر، والباطن يأتيه وهو يعرف من الدلائل بتوفيق الله إياه ما لا يعرف غيره فغيره أولى أن لا يحكم إلا على الظاهر وإنما جوابنا في هذه الأيمان كلها إذا حلف الرجل لا نية له، فأما إذا كانت اليمين بنية فاليمين على ما نوى قيل للربيع كل ما كان في هذا الكتاب فإنا نقول فهو قول مالك؟ قال نعم والله أعلم.
[تابع الشهادة]
[باب الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} [النساء: ٦] الآية (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ففي هذه الآية معنيان أحدهما الأمر بالإشهاد وهو في مثل معنى الآية قبله والله تعالى أعلم من أن يكون الأمر بالإشهاد دلالة لا حتما وفي قول الله عز وجل {وكفى بالله حسيبا} [النساء: ٦] كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد؛ لأن الله عز وجل يقول {وكفى بالله حسيبا} [النساء: ٦] أي إن لم تشهدوا والله تعالى أعلم، والمعنى الثاني أن يكون ولي اليتيم المأمور بالدفع إليه ماله، والإشهاد به عليه يبرأ بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره، أو يكون مأمورا بالإشهاد عليه على الدلالة، وقد يبرأ بغير شهادة إذا صدقه اليتيم (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والآية محتملة المعنيين معا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وليس في واحدة من هاتين الآيتين تسمية شهود وتسمية الشهود في غيرهما وتلك التسمية تدل على ما يجوز فيهما وفي غيرهما وتدل معهما السنة، ثم ما لا أعلم أهل العلم اختلفوا فيه. وفي ذكر الله عز وجل
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (293)
صــــــــــ 87 الى صـــــــــــ 93
الشهادات دلالة على أن للشهادات حكما وحكمها والله تعالى أعلم أن يقطع بها بين المتنازعين بدلالة كتاب الله تعالى، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إجماع سنذكره في موضعه، قال الله عز وجل {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا} [النساء: ١٥] الآية فسمى الله في الشهادة في الفاحشة، والفاحشة ها هنا - والله تعالى أعلم - الزنا وفي الزنا أربعة شهود ولا تتم الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء لا امرأة فيهم لأن الظاهر من الشهداء الرجال خاصة دون النساء ودلت السنة على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة شهداء وعلى مثل ما دل عليه القرآن في الظاهر من أنهم رجال محصنون فإن قال قائل الفاحشة تحتمل الزنا وغيره فما دل على أنها في هذا الموضع الزنا دون غيره؟ قيل كتاب الله، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم ما لا أعلم عالما خالف فيه في قول الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم يمسكن حتى يجعل الله لهن سبيلا، ثم نزلت {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: ٢] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» ودل الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الحد إنما هو على الزناة دون غيرهم لم أعلم في ذلك مخالفا من أهل العلم فإن قال قائل ما دل على أن لا يقطع الحكم في الزنا بأقل من أربعة شهداء؟ قيل له: الآيتان من كتاب الله عز وجل يدلان على ذلك، قال الله عز وجل في القذفة {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} [النور: ١٣] يقول: لولا جاءوا على من قذفوا بالزنا بأربعة شهداء بما قالوا وقول الله عز وجل {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: ٤] ودل على ذلك مع الاكتفاء بالتنزيل السنة، ثم الأثر، ثم الإجماع (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي؛ قال أخبرنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة - رحمه الله تعالى - «أن سعدا قال يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - سئل عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فقال إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع فحد الثلاثة ولم أعلم الناس اختلفوا في أن لا يقام الحد في الزنا بأقل من أربعة شهداء.
[باب ما جاء في قول الله عز وجل واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم]
[النساء: ١٥] حتى ما يفعل بهن من الحبس، والأذى قال الله جل ثناؤه {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت} [النساء: ١٥] فيه دلالة على أمور منها أن الله عز وجل سماهن من نساء المؤمنين؛ لأن المؤمنين المخاطبون بالفرائض يجمع هذا إن لم يقطع العصمة بين أزواجهن وبينهم في الزنا وفي هذه الآية دلالة على أن قول الله عز اسمه {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: ٣] كما قال ابن المسيب إن شاء الله تعالى منسوخة.
(أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال قال ابن المسيب نسختها {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: ٣٢] فهن من أيامى المسلمين وقال الله عز وجل {فأمسكوهن في البيوت} [النساء: ١٥] يشبه عندي والله تعالى أعلم أن يكون إذا لم تقطع العصمة بالزنا
فالموارثة بأحكام الإسلام ثابتة عليها وإن زنت ويدل إذا لم تقطع العصمة بينها وبين زوجها بالزنا لا بأس أن ينكح امرأة، وإن زنت أن ذلك لو كان يحرم نكاحها قطعت العصمة بين المرأة تزني عند زوجها وبينه وأمر الله عز وجل في اللاتي يأتين الفاحشة من النساء بأن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا منسوخ بقول الله عز وجل {الزانية والزاني} [النور: ٢] في كتاب الله، ثم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن قال قائل فأين ما وصفت من ذلك؟ قيل إن شاء الله تعالى أرأيت إذا أمر الله في اللاتي يأتين الفاحشة أن يحبسن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا أليس بينا أن هذا أول ما أمر به في الزانية؟ فإن قال هذا، وإن كان هكذا عندي فقد يحتمل أن يكون عندي حد الزنا في القرآن قبل هذا، ثم خفف وجعل هذا مكانه إلا أن يدل عليه غير هذا قيل له: إن شاء الله تعالى (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن يونس عن الحسن عن عبادة بن الصامت في هذه الآية {حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: ١٥] قال كانوا يمسكوهن حتى نزلت آية الحدود فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» .
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فلا أدري أسقط من كتابي حطان الرقاشي أم لا؟ فإن الحسن حدثه عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت، وقد حدثنيه غير واحد من أهل العلم عن الثقة عن الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهذا حديث يقطع الشك ويبين أن حد الزانيين كان الحبس، أو الحبس، والأذى فكان الأذى بعد الحبس، أو قبله وأن أول ما حد الله به الزانيين من العقوبة في أبدانهما بعد هذا عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» ، والجلد على الزانيين الثيبين منسوخ «بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعز بن مالك ولم يجلده ورجم المرأة التي بعث إليها أنيسا ولم يجلدها، وكانا ثيبين» فإن قال قائل ما دل على أن هذا منسوخ؟ قيل له: أرأيت إذا كان أول ما حد الله به الزانيين الحبس، أو الحبس، والأذى، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة والتغريب والثيب بالثيب الجلد والرجم» أليس في هذا دلالة على أن أول ما حدهما الله به من العقوبة في أبدانهما الحبس، والأذى؟ فإن قال بلى قيل فإذا كان هذا أولا فلا نجد ثانيا أبدا إلا بعد الأول فإذا حد ثان بعد الأول فخفف من حد الأول شيء فذلك دلالة على ما خفف الأول منسوخ عن الزاني.
[باب الشهادة في الطلاق]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: ٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأمر الله عز وجل في الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة على الطلاق والرجعة شاهدان فإذا كان ذلك كمالها لم يجز فيها شهادة أقل من شاهدين؛ لأن ما كان دون الكمال مما يؤخذ به الحق لبعض الناس من بعض فهو غير ما أمر بالأخذ به ولا يجوز أن يؤخذ بغير ما
أمرنا بالأخذ به، وكذلك يدل على ما دل عليه ما قبله من نفي أن يجوز فيه إلا ذلك رجال لا نساء معهم لأن شاهدين لا يحتمل بحال أن يكونا إلا رجلين فاحتمل أمر الله عز وجل بالإشهاد في الطلاق والرجعة ما احتمل أمره بالإشهاد في البيوع ودل ما وصفت من أني لم ألق مخالفا حفظت عنه من أهل العلم أن حراما أن يطلق بغير بينة على أنه والله تعالى أعلم دلالة اختيار لا فرض يعصي به من تركه ويكون عليه أداؤه إن فات في موضعه واحتملت الشهادة على الرجعة من هذا ما احتمل الطلاق ويشبه أن تكون في مثل معناه؛ لأنهما إذا تصادقا على الرجعة في العدة تثبت الرجعة وإن أنكرت المرأة فالقول قولها كما إذا تصادقا على الطلاق يثبت، وإن أنكر الرجل فالقول قوله والاختيار في هذا وفي غيره مما أمر فيه بالشهادة والذي ليس في النفس منه شيء الإشهاد.
[باب الشهادة في الدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: ٢٨٢] الآية والتي بعدها وقال في سياقها {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: ٢٨٢] الآية فذكر الله عز وجل شهود الزنا وذكر شهود الطلاق والرجعة.
وذكر شهود الوصية فلم يذكر معهم امرأة فوجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال وشهود الطلاق والرجعة يشهدون على تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال في واحد منهما، وذكر شهود الوصية ولا مال للمشهود له أنه وصى، ثم لم أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أن لا يجوز في الزنا إلا الرجال وعلمت أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية، وكان ما حكيت من أكثرهم قال ولا في الطلاق ولا الرجعة إذا تناكر الزوجان وقالوا ذلك في الوصية، وكان ما حكيت من أقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر كتاب الله عز وجل، وكان أولى الأمور أن يصار إليه ويقاس عليه وذكر الله شهود الدين فذكر فيهم النساء، وكان الدين أخذ مال من المشهود عليه، والأمر على ما فرق الله بينه من الأحكام في الشهادات أن ينظر كل ما شهد به على أحد فكان لا يؤخذ منه بالشهادة نفسها مال، وكان إنما يلزم بها حق غير مال، أو شهد به لرجل، وكان لا يستحق به مالا لنفسه إنما يستحق به غير مال مثل الوصية، والوكالة، والقصاص، والحد وما أشبهه فلا يجوز فيه إلا شهادة الرجال لا يجوز فيه امرأة وينظر كل ما شهد به مما أخذ به المشهود له من المشهود عليه مالا فتجوز فيه شهادة النساء مع الرجال، لأنه في معنى الموضع الذي أجازهن الله فيه، فيجوز قياسا لا يختلف هذا القول فلا يجوز غيره والله تعالى أعلم، ومن خالف هذا الأصل ترك عندي ما ينبغي أن يلزمه من معنى القرآن، ولا أعلم لأحد خالفه حجة فيه بقياس ولا خبر لازم، وفي قول الله عز وجل {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: ٢٨٢] دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث نجيزهن إلا مع رجل ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعدا؛ لأن الله عز وجل لم يسم منهن أقل من اثنتين ولم يأمر بهن الله إلا مع رجل.
[باب الخلاف في شهادة النساء]
باب الخلاف في هذا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن خالفنا أحد فقال إن شهدت امرأتان لرجل حلف معهما فقد
خالفه عدد أحفظ عنهم ذلك من أهل المدينة وغيرهم وهذا أجاز النساء بغير رجل ويلزمه في أصل مذهبه أن يجيز أربعا فيعطي بهن حقا على مذهبه فيكون خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب فإن قال إني إنما أجزت شهادتهما أنهما مع يمين رجل فينبغي أن لا يحلف امرأة إن أقامت شاهدا والذي يستحق به الرجل هو الذي تستحق به المرأة الحق لا فرق بينهما وهكذا ينبغي أن لا يحلف مشرك ولا عبد ولا حر غير عدل مع أنه خلاف ما وصفت من دلالة الكتاب والله تعالى أعلم وهذا قول لا يجوز لأحد أن يغلط إليه فإن قال إني أعطي باليمين كما أعطي بشاهد فذلك بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لزمنا أن نقول بما حكم به لا أنه من جهة الشهادات، ولو كانت من جهة الشهادات ما أحلفنا الرجل وهو شاهد ولا أجزنا شهادته لنفسه، ولو جاز هذا ما جاز لغير عدل ولا جاز أن تحلف امرأة ولا عبد ولا كافر ولا غير عدل فإن قال قائل فما هي؟ قيل يمين أعطى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطينا بها كما كانت يمينا في المتلاعنين وللنبي - صلى الله عليه وسلم - سنة في المدعى عليه، فأحلفنا في ذلك المرأة والرجل، والحر العدل وغير العدل، والعبد، والكافر لا أنها من الشهادات بسبيل.
[باب اليمين مع الشاهد]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وقد حكيت مما ذكر الله عز وجل في كتابه من الشهادات، وكان الكتاب كالدليل على أنها يحكم بها على ما فرض الله بغير يمين على من كانت له تلك الشهادات، وكانت على ذلك دلالة السنة، ثم الآثار وما لا أعلم بين أحد لقيته فحفظت عنه من أهل العلم في ذلك مخالفا قال وذكر الله عز وجل في الزنا أربعة وذكر في الطلاق والرجعة، والوصية اثنين، ثم كان القتل، والجراح من الحقوق التي لم يذكر فيها عدد الشهود الذين يقطع بهم فاحتمل أن تقاس على شهود الزنا وأن تقاس على شهود الطلاق وما سمينا معه فلما احتمل المعنيين معا، ثم لم أعلم مخالفا لقيته من أهل العلم إلا واحدا في أنه يجوز فيما سوى الزنا شاهدان فكان الذي عليه أكثر من لقيت من أهل العلم أولى أن يقال به مما انفرد به واحد لا أعرف له متقدما إذا احتمل القياس خلاف قوله وإن احتمل القياس قوله، وكذلك شهادة الشهود على الخمر وغير ذلك، وكذلك الشهادة على القذف فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول في القذفة {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور: ١٣] الآية وقال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: ٤] قيل له: هذا كما قال الله عز وجل؛ لأن الله حكم في الزنا بأربعة فإذا قذف رجل رجلا بالزنا لم يخرجه من الحد إلا أن يقيم عليه بينة بأنه زان ولا يكون عليه بينة تقطع أقل من أربعة وما لم يتموا أربعة فهو قاذف يحد وإنما أريد بالأربعة أن يثبت عليه الزنا فيخرج من ذلك القاذف ويحد المشهود عليه المقذوف وحكمهم معا حكم شهود الزنا لأنهن شهادات على الزنا لا على القذف فإذا قام على رجل شاهدان بأنه قذف رجلا حد؛ لأنه لم يذكر عدد شهود القذف فكان قياسا على الطلاق وغيره مما وصفت ولا يخرج من أن يحد له إلا بأربعة شهداء يثبتون الزنا على المقذوف فيحد ويكون هذا صادقا في الظاهر والله تعالى الموفق.
اليمين مع الشاهد
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) : فأكثر ما جعل الله عز وجل من الشهود في الزنا أربعة وفي
الدين رجلان أو رجل وامرأتان فكان تفريق الله عز وجل بين الشهادات على ما حكم الله عز وجل من أنها مفترقة واحتمل إذا كان أقل ما ذكر الله من الشهادات شاهدين، أو شاهدا وامرأتين أن يكون أراد ما تتم به الشهادة بمعنى لا يكون على المشهود له يمين إذا أتى بكمال الشهادة فيعطى بالشهادة دون يمينه لا أن الله عز وجل حتم أن لا يعطى أحد بأقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين؛ لأنه لم يحرم أن يجوز أقل من ذلك نصا في كتاب الله عز وجل (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نقول؛ لأن عليه دلالة السنة، ثم الآثار وبعض الإجماع، والقياس فقلنا يقضى باليمين مع الشاهد فسألنا سائل ما رويت منها؟ فقلنا: أخبرنا عبد الله بن الحارث عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» قال عمرو في الأموال (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماه لا أحفظ اسمه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد» (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي أقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باليمين مع الشاهد؟ قال نعم وقضى بها علي - رضي الله عنه - بين أظهركم قال مسلم وقال جعفر في حديثه في الدين (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فحكمنا باليمين مع الشاهد في الأموال دون ما سواها وما حكمنا فيه باليمين مع الشاهد أجزنا فيه شهادة النساء مع الرجال وما لم نحكم فيه باليمين مع الشاهد لم نجز فيه شهادة النساء مع الرجال استدلالا بمعنى كتاب الله عز وجل الذي وصفت في شهادتهن قبل هذا.
[باب الخلاف في اليمين مع الشاهد]
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فخالفنا بعض الناس في اليمين مع الشاهد خلافا أسرف فيه على نفسه فقال أرد حكم من حكم بها لأنها خلاف القرآن فقلت لأعلى من لقيت ممن خالفنا فيها علما: أمر الله بشاهدين أو شاهد وامرأتين؟ فقال نعم فقلت ففيه أن حتما من الله عز وجل أن لا يجوز أقل من شاهدين، أو شاهد وامرأتين فقال فإن قلته؟ قلت له فقله فقال فقد قلته فقلت وتجد من الشاهدان اللذان أمر الله عز وجل بهما فقال حران مسلمان بالغان عدلان قلت ومن حكم بدون ما قلت خالف حكم الله؟ قال نعم قلت له إن كان كما زعمت فقد خالفت حكم الله عز وجل قال وأين؟ قلت إذ أجزت شهادة أهل الذمة وهم غير الذين شرط الله جل وعز أن تجوز شهادتهم وأجزت شهادة القابلة وحدها على الولادة وهذان وجهان أعطيت بهما من جهة الشهادة، ثم أعطيت بغير شهادة في القسامة وغيرها قال فتقول ماذا؟ قلت أقول إن القضاء باليمين مع الشاهد ليس بخلاف حكم الله عز وجل، بل بحكم الله حكمت باليمين مع الشاهد ففرض الله طاعة رسوله فاتبعت رسوله فعن الله قبلت كما قبلت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المعنى الذي وصفت من أن اتباع أمره فرض ولهذا كتاب طويل هذا مختصر منه قد قالوا فيه وقلنا وأكثرنا. قال: أفتوجدني لها نظيرا في القرآن؟ قلت: نعم أمر الله عز وجل في الوضوء بغسل القدمين، أو مسحهما فمسحنا ومسحت على الخفين بالسنة. وقول الله عز وجل {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما} [الأنعام: ١٤٥] فحرمنا نحن وأنت كل ذي ناب من السباع بالسنة. وقول الله عز وجل {كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: ٢٤] فحرمنا نحن وأنت أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين
المرأة وخالتها بالسنة. قال الله عز وجل {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: ٣٨] وقال {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: ٢] ودلت السنة على أنه إنما يقطع بعض السراق دون بعض ويجلد مائة بعض الزناة دون بعض فقلنا نحن وأنت به، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد خاصا وعاما فكذلك اليمين مع الشاهد تلزمك من حيث لزمك هذا فإن كنت مصيبا باتباع ما وصفنا من السنة مع القرآن لم تسلم من أن تكون مخطئا بترك اليمين مع الشاهد وإن كنت مصيبا بترك اليمين مع الشاهد لم تسلم من أن يكون عليك ترك المسح على الخفين وترك تحريم كل ذي ناب من السباع وقطع كل سارق فقد خالفك في هذا كله بعض أهل العلم ووافقنا في اليمين مع الشاهد عوام من أصحابنا.
ومنهم من خالف أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أثبت من اليمين مع الشاهد، وإن كانت اليمين ثابتة لعلة أضعف من كل علة اعتل بها من رد اليمين مع الشاهد فإن كانت لنا وله بهذا حجة على من خالفنا كانت عليه فيما خالف من الأحاديث.
[باب شهادة النساء لا رجل معهن]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الولاد وعيوب النساء مما لم أعلم مخالفا لقيته في أن شهادة النساء فيه جائزة لا رجل معهن وهذا حجة على من زعم أن في القرآن دلالة على أن لا يجوز أقل من شاهدين، أو شاهد واحد وامرأتين؛ لأنه لا يجوز على جماعة أهل العلم أن يخالفوا الله حكما ولا يجهلوه ففيه دلالة على أن أمر الله بشاهدين، أو شاهد وامرأتين حكم لا يمين على من جاء به مع الشاهد، والحكم باليمين مع الشاهد حكم بالسنة لا مخالف للشاهدين؛ لأنه غيرهما، ثم اختلفوا في شهادة النساء (أخبرنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا يجوز في شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبهذا نأخذ فإن قال قائل فكيف أخذت به؟ قلت لما ذكر الله عز وجل شهادة النساء فجعل امرأتين يقومان مقام رجل في الموضع الذي أجازهما الله تعالى فيه، وكان أقل ما انتهى إليه من عدد الرجال رجلين في الشهادات التي تثبت بها الحقوق ولا يحلف معها المشهود له شاهدين، أو شاهدا وامرأتين لم يجز والله تعالى أعلم إذا أجاز المسلمون شهادة النساء في موضع أن يجوز منهن إلا أربع عدول؛ لأن ذلك معنى حكم الله عز وجل
[الخلاف في إجازة أقل من أربع من النساء]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فقال بعض الناس تجوز شهادة امرأة وحدها كما يجوز في الخبر شهادة واحد عدل وليس من قبل الشهادات أجزتها، وإن كان من قبل الشهادات أجزتها لم أجز إلا ما ذكرت من أربع، أو شاهد وامرأتين فقيل لبعض من يقول هذا القول وأين الخبر من الشهادة؟ قال وأين يفترقان؟ قلت تقبل في الخبر كما قلت امرأة واحدة ورجلا واحدا وتقول فيه أخبرنا فلان عن فلان أفتقبل هذا في الشهادات؟ فقال لا قلت: والخبر هو ما استوى فيه المخبر، والمخبر، والعامة من حلال وحرام؟ قال نعم قلت والشهادة ما كان الشاهد منها خليا، والعامة وإنما تلزم المشهود عليه قال نعم قلت أفترى هذا يشبه هذا؟ قال أما في هذا فلا قلت أفرأيت لو قال لك قائل إذا قبلت في الخبر فلانا عن
فلان، فاقبل في أن تخبرك امرأة عن امرأة أن امرأة رجل ولدت هذا الولد؟ قال ولا أقبل هذا حتى أقف التي شهدت، أو يشهد عليها من تجوز شهادته بأمر قاطع قلت وأنزلته منزلة الخبر؟ قال أما في هذا فلا قلت ففي أي شيء أنزلته منزلة الخبر؟ هل عدوت بهذا أن قلت هو بمنزلة الخبر ولم تقسه في شيء غير الأصل الذي قلت؟ فأسمعك إذا تضع الأصول لنفسك قال فمن أصحابك من قال لا يجوز أقل من شهادة امرأتين قلت له هل رأيتني أذكر لك قولا لا تقول به؟ .
قال لا قلت فكيف ذكرت لي ما لا أقول به؟ قال فإلى أي شيء ذهب من ذهب إلى ما ذهبنا إليه من أنه خبر لا شهادة ولا إلى ما ذهبت إليه من أن تقول به على معنى كتاب الله وما أعرف له متقدما يلزم قوله فقلت له أن تنتقل عن قولك الذي يلزمك فيه عندي أن تنتقل عنه أولى بك من ذكر قول غيرك فهذا أمر لم نكلفه نحن ولا أنت، ولولا عرضك بترفيع قولك وتخطئة من خالفك كنا شبيها أن ندع حكاية قولك قال فإن شهد على شيء من ذلك رجلان، أو رجل وامرأتان قلت أجيز الشهادة وتكون أوثق عندي من شهادة النساء لا رجل معهن قال وكيف لم تعدهم بالشهادة فساقا ولا تجيز شهادتهم؟ قلت الشهادة غير الفسق قال فادللني على ما وصفت قلت قال الله عز وجل {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء: ١٥] «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسعد حين قال له أمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال نعم» والشهود على الزنا نظروا من المرأة إلى محرم ومن الرجل إلى محرم فلو كان النظر لغير إقامة شهادة كان حراما فلما كان لإقامة شهادة لم يجز أن يأمر الله عز وجل، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بمباح لا بمحرم فكل من نظر ليثبت شهادته لله، أو للناس فليس بجرح ومن نظر للتلذذ وغير شهادة عامدا كان جرحا إلا أن يعفو الله عنه.
[باب شرط الذين تقبل شهادتهم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {اثنان ذوا عدل منكم} [المائدة: ١٠٦] وقال عز وجل {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: ٢٨٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكان الذي يعرف من خوطب بهذا أنه أريد به الأحرار المرضيون المسلمون من قبل أن رجالنا ومن نرضاه أهل ديننا لا المشركون لقطع الله الولاية بيننا وبينهم بالدين ورجالنا أحرارنا والذين نرضى أحرارنا لا مماليكنا الذين يغلبهم من يملكهم على كثير من أمورهم وأنا لا نرضى أهل الفسق منا وأن الرضا إنما يقع على العدل منا ولا يقع إلا على البالغين لأنه إنما خوطب بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه يقطع بمن لم يبلغ أكثر الفرائض البالغون دون من لم يبلغ فإذا كانت الشهادة ليقطع بها لم يجز أن يتوهم أحد أنه يقطع بمن لم يبلغ أكثر الفرائض فإذا لم يلزمه أكثر الفرائض في نفسه لم يلزم غيره فرضا بشهادته ولم أعلم مخالفا لقيته في أنه أريد بها الأحرار العدول في كل شهادة على مسلم غير أن من أصحابنا من ذهب إلى أن يجيز شهادة الصبيان في الجراح ما لم يتفرقوا فإذا تفرقوا لم تجز شهادتهم عنده.
وقول الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (294)
صــــــــــ 94 الى صـــــــــــ 100
تبارك وتعالى {من رجالكم} [البقرة: ٢٨٢] يدل على أن لا تجوز شهادة الصبيان - والله أعلم - في شيء فإن قال قائل أجازها ابن الزبير قيل فإن ابن عباس ردها (قال الشافعي) - رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في شهادة الصبيان لا تجوز وزاد ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس؛ لأن الله عز وجل قال {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: ٢٨٢] قال ومعنى الكتاب مع ابن عباس والله تعالى أعلم، فإن قال أردت أن تكون دلالة قيل وكيف تكون الدلالة بقول صبيان منفردين إذا تفرقوا لم يقبلوا؟ إنما تكون الدلالة بقول البالغين الذين يقبلون بكل حال، فأشبه ما وصفت أن يكون دليلا على أن حكم الله فيمن تجوز شهادته هو من وصفت ممن يشبه أن تكون الآية دلت على صفته ولا تجوز شهادة مملوك في شيء وإن قل ولا شهادة غير عدل.
[باب شهادة القاذف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون - إلا الذين تابوا} [النور: ٤ - ٥] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأمر الله عز وجل أن يضرب القاذف ثمانين ولا تقبل له شهادة أبدا وسماه فاسقا إلا أن يتوب فقلنا يلزم أن يضرب ثمانين وأن لا تقبل له شهادة وأن يكون عندنا في حال من سمي بالفسق إلا أن يتوب فإذا تاب قبلت شهادته وخرج من أن يكون في حال من سمي بالفسق قال وتوبته إكذابه نفسه فإن قال قائل فكيف تكون التوبة الإكذاب؟ قيل له: إنما كان في حد المذنبين بأن نطق بالقذف، وترك الذنب هو أن يقول القذف باطل وتكون التوبة بذلك، وكذلك يكون الذنب في الردة بالقول بها والتوبة الرجوع عنها بالقول فيها بالإيمان الذي ترك فإن قال قائل فهل من دليل على هذا؟ ففيما وصفت كفاية وفي ذلك دليل عن عمر سنذكره في موضعه فإن كان القاذف يوم قذف ممن تجوز شهادته فحد قيل له مكانه إن تبت قبلت شهادتك فإذا أكذب نفسه قبلت شهادته، وإن لم يفعل لم تقبل حتى يفعل لأن الذنب الذي ردت به شهادته هو القذف فإذا أكذب نفسه فقد تاب وإن قذف وهو ممن لا تجوز شهادته، ثم تاب لم تقبل شهادته من قبل أن ردها كان من وجهين أحدهما سوء حاله قبل أن يقذف، والآخر القذف فإذا خرج من أحد الوجهين لم يخرج من الوجه الآخر ولكن يكون خارجا من أن يكون فيه علة رد الشهادة بالقذف فإذا أكذب نفسه وثبت عليه علة رد الشهادة بسوء الحال حتى تختبر حاله فإذا ظهر منه الحسن قبلت شهادته، وهكذا لو حد مملوك حسن الحال، ثم عتق لم تقبل شهادته إلا بإكذابه نفسه في القذف، وهكذا لو حد ذمي حسن الحال، فأسلم لم تقبل شهادته إلا بإكذابه نفسه في القذف فقال لي قائل: أفتذكر في هذا حديثا فقلت إن الآية لمكتفى بها من الحديث وإن فيه لحديثا (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة قال سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القذف لا تجوز، فأشهد لأخبرني، ثم سمى الذي أخبره أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان شككت بعدما سمعت الزهري يسمي الرجل فسألت فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب فقيل لسفيان شككت في خبره فقال لا هو سعيد إن شاء الله تعالى (قال الشافعي) :؟ - رحمه الله تعالى: وبلغني عن ابن عباس مثل هذا المعنى (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي نجيح أنه قال في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا نقوله فقلت من؟ قال عطاء وطاوس ومجاهد.
[باب الخلاف في إجازة شهادة القاذف]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فخالفنا بعض الناس في القاذف فقال إذا ضرب الحد، ثم تاب لم تجز شهادته أبدا، وإن لم يضرب الحد، أو ضربه ولم يوفه جازت شهادته فذكرت له ما ذكرت من معنى القرآن، والآثار فقال فإنا ذهبنا إلى قول الله عز وجل {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون - إلا الذين تابوا} [النور: ٤ - ٥] فقلنا نطرح عنهم اسم الفسق ولا نقبل لهم شهادة فقلت لقائل هذا أوتجد الأحكام عندك فما يستثنى على ما وصفت فيكون مذهبا ذهبتم في اللفظ أم الأحكام عندك في الاستثناء على غير ما وصفت؟ فقال: أوضح هذا لي قلت أرأيت رجلا لو قال والله لا أكلمك أبدا ولا أدخل لك بيتا ولا آكل لك طعاما ولا أخرج معك سفرا وإنك لغير حميد عندي ولا أكسوك ثوبا إن شاء الله تعالى أيكون الاستثناء واقعا على ما بعد قوله "أبدا" ، أو على ما بعد غير حميد عندي، أو على الكلام كله؟ قال، بل على الكلام كله قلت فكيف لم توقع الاستثناء في الآية على الكلام كله وأوقعتها في هذا الذي هو أكثر في اليمين على الكلام كله (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) : قال محمد بن الحسن إن أبا بكرة قال لرجل أراد استشهاده استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني قلت فالرجل الذي وصفت امتنع من أن يتوب من القذف وأقام عليه وهكذا كل من امتنع أن يتوب من القذف، ولو لم يكن لنا في هذا إلا ما رويت كان حجة عليك قال وكيف؟ قلت إن كان الرجل عندك ممن تاب من القذف بالرجوع عنه فقد أخبر عن المسلمين أنهم فسقوه وأنت تزعم أنه إذا تاب سقط عنه اسم الفسق وفيما قال دلالة على أن المسلمين لا يلزمونه اسم الفسق إلا وشهادته غير جائزة قلت ولا يجيزون شهادته إلا وقد أسقطوا عنه اسم الفسق؛ لأنهم لا يفرقون بين إسقاط اسم الفسق عنه بالتوبة وإجازة شهادته بسقوط الاسم عنه كما تفرق بينه، وإذا كنت تقبل شهادة القاتل والزاني، والمستتاب من الردة إذا تاب فكيف خصصت بها القاذف وهو أيسر ذنبا من غيره؟ قال تأولت فيه القرآن قلت تأولك خطأ على لسانك قال قاله شريح قلت أفتجعل شريحا حجة على كتاب الله وقول عمر بن الخطاب وابن عباس ومن سميت وغيرهم، والأكثر من أهل المدينة ومكة؟ وكيف؟ زعمت إن لم يطهر بالحد قبلت شهادته، وإذا طهر بالحد لم تقبل شهادته إذا كان تائبا في الحالين والله تعالى أعلم.
[باب التحفظ في الشهادة]
قال الله عز وجل {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: ٣٦] وقال الله عز وجل {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف: ٨٦] (أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) : وحكي أن إخوة يوسف وصفوا أن شهادتهم كما ينبغي لهم فحكي أن كبيرهم قال {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين} [يوسف: ٨١] (قال) : ولا يسع شاهدا أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما
أثبت سمعا من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه وما شهد به رجل على رجل أنه فعله، أو أقر به لم يجز إلا أن يجمع أمرين أحدهما أن يكون يثبته بمعاينة، والآخر أن يكون يثبته سمعا مع إثبات بصر حين يكون الفعل وبهذا قلت لا تجوز شهادة الأعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة، أو معاينة وسمعا، ثم عمي فتجوز شهادته؛ لأن الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد أو القول الذي أثبته سمعا وهو يعرف وجه صاحبه فإذا كان ذلك قبل يعمى، ثم شهد عليه حافظا له بعد العمى جاز، وإذا كان القول، والفعل وهو أعمى لم يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت، وإذا كان هذا هكذا كان الكتاب أحرى أن لا يحل لأحد أن يشهد عليه والشهادة في ملك الرجل الدار أو الثوب على تظاهر الأخبار بأنه مالك الدار وعلى أن لا يرى منازعا له في الدار والثوب فيثبت ذلك في القلب فيسع الشهادة عليه وعلى النسب إذا سمعه ينتسب زمانا، أو سمع غيره ينسبه إلى نسبه ولم يسمع دافعا ولم ير دلالة يرتاب بها، وكذلك يشهد على عين المرأة ونسبها إذا تظاهرت له أخبار من يصدق بأنها فلانة ويراها مرة بعد مرة وهذا كله شهادة بعلم كما وصفت، وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهد وفي رد اليمين وغير ذلك.
والله تعالى الموفق.
[باب الخلاف في شهادة الأعمى]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فخالفنا بعض الناس في شهادة الأعمى فقال لا تجوز حتى يكون بصيرا يوم شهد ويوم رأى وسمع أو رأى، وإن لم يسمع إذا شهد على رؤية فسألناهم فهل من حجة كتاب، أو سنة، أو أثر يلزم فلم يذكروا من ذلك شيئا لنا، وكانت حجتهم فيه أن قالوا إنا احتجنا إلى أن يكون يرى يوم شهد كما احتجنا إلى أن يكون يرى يوم عاين الفعل، أو سمع القول من المشهود عليه ولم تكن واحدة من الحالين أولى به من الأخرى فقلت له أرأيت الشهادة أليست بيوم يكون القول، أو الفعل، وإن يقم بها بعد ذلك بدهر؟ قال بلى قلت فإذا كان القول، والفعل وهو بصير سميع مثبت، ثم شهد به بعد عاقلا أعمى لم تجز شهادته قال، فأقول بغير الأول لا يجوز إلا بأمرين قلت أفيجوز أن يشهد على فعل رجل حي، ثم يموت الرجل فيقوم بالشهادة وهو لا يرى الرجل ويقوم بالشهادة على آخر وهو غائب لا يراه؟ قال نعم قلت فما علمتك تثبت لنفسك حجة إلا خالفتها، ولو كنت لا تجيزها إذا أثبتها بصيرا وشهد بها أعمى؛ لأنه لا يعاين المشهود عليه؛ لأن ذلك حق عندك لزمك أن لا تجيزها بصيرا على ميت ولا غائب؛ لأنه لا يعاين واحدا منهما أما الميت فلا يعاينه في الدنيا وأما الغائب ببلد فأنت تجيزها وهو لا يراه قال فإن رجعت في الغائب فقلت لا أجيزها عليه فقلت أفترجع في الميت وهو أشد عليك من الغائب؟ قال لا قال فإن من أصحابك من يجيز شهادة الأعمى بكل حال إذا أثبت كما يثبت أهله فقلت إن كان هذا صوابا فهو أبعد لك من الصواب قال فلم لم تقل به؟ .
قلت ليس فيه أثر يلزم، فأتبعه ومعنا القرآن، والمعقول بما وصفت من أن الشهادة فيما لا يكون إلا بعيان، أو عيان وإثبات سمع ولا يجوز أن تجوز شهادة من لا يثبت بعيان؛ لأن الصوت يشبه الصوت قال ويخالفونك في الكتاب قلت، وذلك أبعد من أن تجوز الشهادة عليه وقولهم فيه متناقض ويزعمون أنه لا يحل لي لو عرفت كتابي ولم أذكر الشهادة أن أشهد إلا وأنا ذاكر ويزعمون أني إن عرفت كتاب ميت حل لي أن أشهد عليه وكتابي كان
أولى أن أشهد عليه من كتاب غيري، ولو جاز أن أفرق بينهما جاز أن أشهد على كتابي ولا أشهد على كتاب غيري ولا يجوز واحد منهما لما وصفت من معنى كتاب الله عز وجل.
قال: فإنا نحتج عليك في أنك تعطي بالقسامة وتحلف الرجل مع شاهده على ما غاب بأنهم قد يحلفون على ما لا يعلمون قلت يحلفون على ما يعلمون من أحد الوجوه الثلاثة التي وصفت لك قلت فإن قال لا يكون إلا من المعاينة والسماع فقلت له اترك هذا القول إذا سئلت قال فاذكر ذلك قلت أرأيت الشهادة على النسب، والملك أتقبلهما من الوجوه التي قبلناها منها؟ قال: نعم قلت، وقد يمكن أن ينتسب الرجل إلى غير نسبه لم ير أباه يقر به ويمكن أن تكون الدار في يدي الرجل وهو لا يملكها قد غصبها، أو أعاره إياها غائب ويمكن ذلك في الثوب، والعبد قال: فقد أجمع الناس على إجازة هذا قلنا وإن كانوا أجمعوا ففيه دلالة لك على أن القول كما قلنا دون ما قلت أورأيت عبدا ابن خمسين ومائة سنة ابتاعه ابن خمس عشرة سنة، ثم باعه وأبق عند المشتري فخاصمه فيه فقال: أحلفه لقد باعه إياه بريا من الإباق فقلت وقال لك هذا ولد بالمشرق وأنا بالمغرب ولا تمكنني المسألة عنه؛ لأنه ليس ها هنا أحد من أهل بلده أثق به قال: يحلف على البت وإنما يرجع في ذلك إلى علمه قلت ويسعك ذلك ويسع القاضي؟ قال: نعم قلت أرأيت قوما قتل أبوهم فأمكنهم أن يعترفوا القاتل، أو يعاينوه أو يخبرهم من عاينه ممن مات، أو غاب ممن يصدق عندهم ولا تجوز شهادتهم عندي أليسوا أولى أن يقسموا من صاحب العبد الذي وصفها أن يحلف؟ والله تعالى أعلم:
[باب ما يجب على المرء من القيام بشهادته]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: ٨] وقال {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء} [النساء: ١٣٥] إلى آخر الآية وقال: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} [الأنعام: ١٥٢] وقال {والذين هم بشهاداتهم قائمون} [المعارج: ٣٣] وقال عز وجل {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم} [البقرة: ٢٨٣] وقال {وأقيموا الشهادة لله} [الطلاق: ٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد، وقد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والديه وولده، والقريب، والبعيد وللبغيض القريب، والبعيد ولا يكتم عن أحد ولا يحابي بها ولا يمنعها أحدا قال ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم ولهذا كتاب غير هذا.
[باب ما على من دعي يشهد بشهادة قبل أن يسألها]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله عز وجل {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل} [البقرة: ٢٨٢] إلى قوله {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة: ٢٨٢] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : في قول الله عز وجل {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} [البقرة: ٢٨٢] دلالة على أن عليه فيما علمه الله من الكتاب حقا في منفعة المسلمين ويحتمل ذلك الحق أن يكون كلما دعي لحق كتبه لا بد ويحتمل أن يكون عليه وعلى من هو في مثل حاله أن يقوم منهم من يكفي حتى لا تكون الحقوق معطلة لا يوجد
لها في الابتداء من يقوم بكفايتها والشهادة عليها فيكون فرضا لازما على الكفاية فإذا قام بها من يكفي أخرج من يتخلف من المأثم، والفضل للكافي على المتخلف فإذا لم يقم به كان حرج جميع من دعي إليه فتخلف بلا عذر كما كان الجهاد والصلاة على الجنائز ورد السلام فرضا على الكفاية لا يحرج المتخلف إذا كان فيمن يقوم بذلك كفاية فلما احتمل هذين المعنيين معا، وكان في سياق الآية {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} [البقرة: ٢٨٢] كان فيها كالدليل على أنه نهي الشهداء المدعوون كلهم أن يأبوا قال {ولا يضار كاتب ولا شهيد} [البقرة: ٢٨٢] ، فأشبه أن يكون يحرج من ترك ذلك ضرارا، وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية وهذا يشبه والله تعالى أعلم ما وصفت من الجهاد، والجنائز ورد السلام، وقد حفظت عن بعض أهل العلم قريبا من هذا المعنى ولم أحفظ خلافه عن أحد أذكره منهم.
الدعوى والبينات (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «البينة على المدعي» .
[باب في الأقضية]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص: ٢٦] وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الكتاب {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: ٤٢] إلى {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} [المائدة: ٤٢] وقال {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة: ٤٩] وقال {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء: ٥٨] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن فرضا عليه وعلى من قبله والناس إذا حكموا أن يحكموا بالعدل، والعدل اتباع حكمه المنزل قال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - حين أمره بالحكم بين أهل الكتاب {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: ٤٩] ووضع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من دينه وأهل دينه موضع الإبانة عن كتاب الله عز وجل معنى ما أراد الله وفرض طاعته فقال {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: ٨٠] وقال {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: ٦٥] الآية.
وقال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور: ٦٣] الآية.
فعلم أن الحق كتاب الله، ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فليس لمفت ولا لحاكم أن يفتي ولا يحكم حتى يكون عالما بهما ولا أن يخالفهما ولا واحدا منهما بحال فإذا خالفهما فهو عاص لله عز وجل وحكمه مردود فإذا لم يوجدا منصوصين فالاجتهاد بأن يطلبا كما يطلب الاجتهاد بأن يتوجه إلى البيت وليس لأحد أن يقول مستحسنا على غير الاجتهاد كما ليس لأحد إذا غاب البيت عنه أن يصلي حيث أحب ولكنه يجتهد في التوجه إلى البيت.
وهذا موضوع بكماله في كتاب جماع علم الكتاب، ثم السنة.
[باب في اجتهاد الحاكم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين - ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩]
قال الحسن بن أبي الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا لصوابه وأثنى على هذا باجتهاده (أخبرنا الربيع) قال: (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا الدراوردي عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بشر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر» قال يزيد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة ومن أمر أن يجتهد على مغيب فإنما كلف الاجتهاد ويسعه فيه الاختلاف فيكون فرضا على المجتهد أن يجتهد برأي نفسه لا برأي غيره، وبين أنه ليس لأحد أن يقلد أحدا من أهل زمانه كما لا يكون لأحد له علم بالتوجه إلى القبلة يرى أنها في موضع أن يقلد غيره إن رأى أنها في غير ذلك الموضع، وإذا كلفوا الاجتهاد فبين أن الاستحسان بغير قياس لا يجوز كلف لأحد (قال) : والقياس قياسان: أحدهما: يكون في مثل معنى الأصل فذلك الذي لا يحل لأحد خلافه، ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء من الأصل، والشيء من الأصل غيره، فيشبه هذا بهذا الأصل، ويشبه غيره بالأصل غيره (قال الشافعي) : وموضع الصواب فيه عندنا - والله تعالى أعلم - أن ينظر، فأيهما كان أولى بشبهه صيره إليه إن أشبه أحدهما في خصلتين، والآخر في خصلة ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين ومن اجتهد من الحكام، ثم رأى أن اجتهاده خطأ، أو قد خالف كتابا أو سنة، أو إجماعا، أو شيئا في مثل معنى هذا رده ولا يسعه غير ذلك، وإن كان مما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده من ذلك أن على من اجتهد على مغيب فاستيقن الخطأ كان عليه الرجوع، ولو صلى على جبل من جبال مكة ليلا فتأخى البيت، ثم أبصر فرأى البيت في غير الجهة التي صلى إليها أعاد وإن كان بموضع لا يراه لم يعد من قبل أنه رجع في المرة الأولى من مغيب إلى يقين وهو في هذه المرة يرجع من مغيب إلى مغيب وهذا موضوع في كتاب "جماع العلم من الكتاب والسنة" وكتاب القضاء، والحق في الناس كلهم واحد ولا يحل أن يترك الناس يحكمون بحكم بلدانهم إذا كانوا يختلفون فيما فيه كتاب، أو سنة، أو شيء في مثل معناهما حتى يكون حكمهم واحدا إنما يتفرقون في الاجتهاد إذا احتمل كل واحد منهم الاجتهاد، وأن يكون له وجه.
[باب التثبيت في الحكم]
وغيره (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} [الحجرات: ٦] الآية وقال {إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} [النساء: ٩٤] (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فأمر الله من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون مستبينا قبل أن يمضيه، ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحكم خاصة أن لا يحكم الحاكم وهو غضبان لأن الغضبان مخوف على أمرين.
أحدهما قلة التثبت، والآخر أن الغضب قد يتغير معه العقل ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه لو لم يكن غضب (أخبرنا الربيع) قال: (أخبرنا الشافعي) قال: أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا يحكم الحاكم، أو لا يقضي القاضي بين
اثنين وهو غضبان» (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ومعقول في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا أنه أراد أن يكون القاضي حين يحكم في حال لا تغير خلقه ولا عقله، والحاكم أعلم بنفسه فأي حال أتت عليه تغير خلقه، أو عقله انبغى له أن لا يقضي حتى تذهب وأي حال صيرت إليه سكون الطبيعة واجتماع العقل انبغى له أن يتعاهدها فيكون حاكما عندها، وقد روي عن الشعبي، وكان قاضيا أنه رئي أنه يأكل خبزا بجبن فقيل له: فقال آخذ حكمي كأنه يريد أن الطعام يسكن حر الطبيعة وأن الجوع يحرك حرها وتتوق النفس إلى المأكل فيشتغل عن الحكم، وإذا كان مريضا شقيحا، أو تعبا شقيحا فكل هذا في حال الغضب في بعض أمره، أو أشد يتوقى الحكم ويتوقاه على الملالة فإن العقل يكل مع الملالة وجماعه ما وصفت.
[باب المشاورة]
(قال الشافعي) : قال الله تبارك وتعالى {وشاورهم في الأمر} [آل عمران: ١٥٩] (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري قال: قال أبو هريرة «ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وقال الله عز وجل {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: ٣٨] (قال الشافعي) : قال الحسن إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لغنيا عن مشاورتهم ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده إذا نزل بالحاكم الأمر يحتمل وجوها، أو مشكل انبغى له أن يشاور ولا ينبغي له أن يشاور جاهلا لأنه لا معنى لمشاورته ولا عالما غير أمين فإنه ربما أضل من يشاوره ولكنه يشاور من جمع العلم، والأمانة وفي المشاورة رضا الخصم، والحجة عليه.
[باب أخذ الولي بالولي]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قال الله تبارك وتعالى {أم لم ينبأ بما في صحف موسى} [النجم: ٣٦] {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: ٣٧] {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: ٣٨] (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن أبجر عن أبان بن لقيط عن أبي رمثة قال: «دخلت مع أبي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا؟ قال ابني يا رسول الله أشهد به فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله عز وجل {وإبراهيم الذي وفى} [النجم: ٣٧] {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: ٣٨] (قال الشافعي) : - رحمه الله: والذي سمعت والله أعلم في قول الله تعالى {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: ٣٨] أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وذلك في بدنه دون ماله وإن قتل، أو كان حدا لم يقتل به غيره ولم يؤخذ ولم يحد بذنبه فيما بينه وبين الله تعالى لأن الله جل وعز إنما جعل جزاء العباد على أعمال أنفسهم وعاقبهم عليها، وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في ماله إلا حيث خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن جناية الخطإ من الحر على الآدميين على عاقلته فأما ما سواها فأموالهم ممنوعة من أن تؤخذ بجناية غيرهم وعليهم في أموالهم حقوق سوى هذا من ضيافة وزكاة وغير ذلك وليس من وجه الجناية.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (295)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ 107
[باب ما يجب فيه اليمين]
(قال الشافعي) : كل من ادعى على امرئ شيئا ما كان من مال وقصاص وطلاق وعتق وغيره أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعي فإن حلف استحق وإن لم يحلف لم يستحق ما ادعى ولا يقوم النكول مقام إقرار في شيء حتى يكون مع النكول يمين المدعي فإن قال قائل فكيف أحلفت في الحدود والطلاق والنسب، والأموال وجعلت الأيمان كلها تجب على المدعى عليه وتجعلها كلها ترد على المدعي؟ قيل له: إن شاء الله تعالى قلت استدلالا بكتاب الله، ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فإن قال وأين الدلالة من الكتاب؟ قيل له: إن شاء الله قال {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: ٤] فحد الرامي بالزنا ثمانين وقال في الزوج {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} [النور: ٦] إلى قوله {أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: ٩] فحكم الله عز وجل على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجا منه إلا بأن يأتي بأربعة شهداء وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة ويسقط عنه الحد ويلزمها إن لم تخرج أربعة أيمان، والتعانها وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينفي الولد، والتعانه وسن بينهما الفرقة ودرأ الله تعالى عنها الحد بالأيمان مع التعانه، وكانت أحكام الزوجين إذا خالفت أحكام الأجنبيين في شيء فهي مجامعة له في غيره، وذلك أن اليمين فيه قد جمعت درء الحد عن الرجل والمرأة وفرقة ونفي ولد فكان الحد والطلاق والنفي معا داخلا فيها ولا يحق الحد على المرأة حين يقذفها إلا بيمين الزوج وتنكل عن اليمين، ألا ترى أن الزوج لو لم يلتعن حد بالقذف وترك الخروج باليمين منه ولم يكن على المرأة حد ولم تلتعن، أولا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصاريين «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» فلما لم يحلفوا رد الأيمان على اليهود ليبرءوا بها فلما لم يقبلها الأنصاريون تركوا حقهم، أو لا ترى أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - بدأ بالأيمان على المدعى عليهم فلما لم يحلفوا ردها على المدعين والله أعلم.
هذا كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى عن أبي يوسف رحمهم الله تعالى (قال) : إذا أسلم الرجل إلى الخياط ثوبا فخاطه قباء فقال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتني بقباء فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول القول قول رب الثوب ويضمن الخياط قيمة الثوب وبه يأخذ يعني أبا يوسف، وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول الخياط في ذلك "، ولو أن الثوب ضاع من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب، والخياط في عمله فإن أبا حنيفة قال لا ضمان عليه ولا على القصار والصباغ وما أشبه ذلك من العمال إلا فيما جنت أيديهم وبلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال لا ضمان عليهم، وكان ابن أبي ليلى يقول هم ضامنون لما هلك عندهم وإن لم تجن أيديهم فيه."
قال أبو يوسف هم ضامنون إلا أن يجيء شيء غالب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
إذا ضاع الثوب عند الخياط، أو الغسال، أو الصباغ، أو أجير أمر ببيعه، أو حمال استؤجر على تبليغه وصاحبه معه، أو تبليغه وليس صاحبه معه من غرق، أو حرق، أو سرق ولم يجن فيه واحد من الأجراء شيئا، أو غير ذلك من وجوه الضيعة فسواء ذلك كله فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن من أخذ أجرا على شيء ضمنه ومن قال هذا قاسه على العارية تضمن وقال إنما ضمنت العارية لمنفعة فيها للمستعير فهو ضامن لها حتى يؤديها بالسلامة وهي كالسلف، وقد يدخل على قائل هذا أن يقال له إن العارية مأذون لك في الانتفاع بها بلا عوض أخذه منك المعير وهي كالسلف وهذا كله غير مأذون لك في الانتفاع به وإنما منفعتك في شيء تعمله فيه فلا يشبه هذا العارية، وقد وجدتك تعطي الدابة بكراء فتنتفع منها بعوض يؤخذ منك فلا تضمن إن عطبت في يديك، وقد ذهب إلى تضمين القصار شريح فضمن قصارا احترق بيته فقال تضمنني، وقد احترق بيتي؟ فقال شريح أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرتك؟ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا عنه ابن عيينة بهذا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا يجوز إذا ضمن الصناع إلا هذا وأن يضمن كل من أخذ على شيء أجرا ولا يخلو ما أخذ عليه الأجر من أن يكون مضمونا، والمضمون ضامن بكل حال، والقول الآخر أن لا يكون مضمونا فلا يضمن بحال كما لا تضمن الوديعة بحال، وقد يروى من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله أن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ضمن الغسال والصباغ وقال لا يصلح الناس إلا ذلك أخبرنا بذلك إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا - رضي الله تعالى عنه - قال ذلك ويروى عن عمر تضمين بعض الصناع من وجه أضعف من هذا ولم نعلم واحدا منهما يثبت، وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان لا يضمن أحدا من الأجراء من وجه لا يثبت مثله.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وثابت عن عطاء بن أبي رباح أنه قال لا ضمان على صانع ولا على أجير فأما ما جنت أيدي الأجراء والصناع فلا مسألة فيه وهم ضامنون كما يضمن المستودع ما جنت يده، والجناية لا تبطل عن أحد، وكذلك لو تعدوا ضمنوا (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي فيما رأيته أنه لا ضمان على الصناع إلا ما جنت أيديهم ولم يكن يبوح بذلك خوفا من الصناع.
[باب الغصب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اغتصب الرجل الجارية فباعها وأعتقها المشتري فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول البيع، والعتق فيها باطل لا يجوز؛ لأنه باع ما لا يملك وأعتق ما لا يملك وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اغتصب الرجل الجارية فأعتقها، أو باعها ممن أعتقها، أو اشتراها شراء فاسدا فأعتقها، أو باعها ممن أعتقها فالبيع باطل، وإذا بطل البيع لم يجز عتق المبتاع؛ لأنه غير مالك وهي مملوكة للمالك الأول البائع بيعا فاسدا، ولو تناسخها ثلاثون مشتريا فأكثر وأعتقها أيهم شاء إذا لم يعتقها البائع الأول فالبيع كله باطل ويترادون؛ لأنه إذا كان بيع المالك الأول الصحيح الملك فاسدا فباعها الذي لا يملكها فلا يجوز بيعه فيها بحال ولا بيع من باع بالملك عنه، والبيع إذا كان فاسدا لم يملك به ومن أعتق ما لا يملك لم يجز عتقه.
، وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها، ثم اطلع المشتري على عيب كان بها دلسه البائع له فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ليس له أن يردها بعد الوطء، وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب
-
رضي الله عنه - قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ولكنه يقول يرجع عليه بفضل ما بين الصحة، والعيب من الثمن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول يردها ويرد معها مهر مثلها، والمهر فيه قوله يأخذ العشر من قيمتها ونصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك.
ولو أن المشتري لم يطأ الجارية ولكنه حدث بها عيب عنده لم يكن له أن يردها في قول أبي حنيفة ولكنه يرجع بفضل ما بين العيب والصحة وبه يأخذ صاحبه، وكان ابن أبي ليلى يقول يردها ويرد ما نقصها العيب الذي حدث عنده
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الجارية ثيبا فأصابها، ثم ظهر منها على عيب كان عند البائع كان له ردها لأن الوطء لا ينقصها شيئا وإنما ردها بمثل الحال التي أخذها بها، وإذا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخراج بالضمان ورأينا الخدمة كذلك كان الوطء أقل ضررا عليها من خدمة، أو خراج لو أدته بالضمان وإن كانت بكرا فأصابها فيما دون الفرج ولم يفتضها فكذلك وإن افتضها لم يكن له ردها من قبل أنه قد نقصها بذهاب العذرة فلا يجوز له أن يردها ناقصة كما لم يكن يجوز عليه أن يأخذها ناقصة ويرجع بما نقصها العيب الذي دلس له من أصل الثمن الذي أعطى فيها إلا أن يشاء البائع أن يأخذها ناقصة فيكون ذلك له إلا أن يشاء المشتري أن يحبسها معيبة ولا يرجع بشيء من العيب ولا نعلمه ثبت عن عمر ولا علي ولا خلافهما أنه قال خلاف هذا القول.
وإذا اشترى الجارية فوطئها فاستحقها رجل فقضى له بها القاضي فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول على الواطئ مهر مثلها على مثل ما يتزوج به الرجل مثلها يحكم به ذوا عدل ويرجع بالثمن على الذي باعه ولا يرجع بالمهر وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول على الواطئ المهر على ما ذكرت لك من قوله ويرجع على البائع بالثمن، والمهر؛ لأنه قد غره منها فأدخل عليه بعضهم فقال وكيف يرجع عليه في قول ابن أبي ليلى بما أحدث وهو الذي وطئ؟ أرأيت لو باعه ثوبا فخرقه، أو أهلكه فاستحقه رجل وضمنه بالقيمة أليس إنما يرجع على البائع بالثمن وإن كانت القيمة أكثر منه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الجارية فوطئها، ثم استحقها رجل أخذها ومهر مثلها من الواطئ ولا وقت لمهر مثلها إلا ما ينكح به مثلها ويرجع المشتري على البائع بثمن الجارية الذي قبض منه ولا يرجع بالمهر الذي أخذه رب الجارية منه؛ لأنه كشيء استهلكه هو فإن قال قائل من أين قلت هذا؟ قيل له لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المرأة تزوج بغير إذن وليها أن نكاحها باطل وأن لها إن أصيبت المهر كانت الإصابة بشبهة توجب المهر ولا يكون للمصيب الرجوع على من غره؛ لأنه هو الآخذ للإصابة، ولو كان يرجع به على من غره لم يكن للمرأة عليه مهر؛ لأنها قد تكون غارة له فلا يجب لها ما يرجع به عليها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الجارية قد دلس له فيها بعيب علمه البائع، أو لم يعلمه فسواء في الحكم، والبائع أثم في التدليس إن كان عالما فإن حدث بها عند المشتري عيب، ثم اطلع على العيب الذي دلس له لم يكن له ردها وإن كان العيب الذي حدث بها عنده أقل عيوب الرقيق، وإذا كان مشتريا فكان له أن يردها بأقل العيوب؛ لأن البيع لا يلزمه في معيب إلا أن يشاء فكذلك عليه للبائع مثل ما كان له على البائع ولا يكون له أن يرد على البائع بعد العيب الذي حدث في ملكه كما لم يكن للبائع أن يلزمه البيع وفيه عيب كان في ملكه وهذا معنى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنه «قضى أن يرد العبد بالعيب وللمشتري إذا حدث العيب عنده» أن يرجع بما نقصها العيب الذي دلس له البائع ورجوعه به كما أصف لك أن تقوم الجارية سالمة من العيب فيقال قيمتها مائة، ثم تقوم
وبها العيب فيقال قيمتها تسعون وقيمتها يوم قبضها المشتري من البائع؛ لأنه يومئذ تم البيع، ثم يقال له ارجع بعشر ثمنها على البائع كائنا ما كان قل، أو كثر فإن اشتراها بمائتين رجع بعشرين وإن كان اشتراها بخمسين رجع بخمسة إلا أن يشاء البائع أن يأخذها معيبة بلا شيء يأخذه من المشتري فيقال للمشتري سلمها إن شئت وإن شئت فأمسكها ولا ترجع بشيء.
، وإذا اشترى الرجلان جارية فوجدا بها عيبا فرضي أحدهما بالعيب ولم يرض الآخر فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ليس لواحد منهما أن يرد حتى يجتمعا على الرد جميعا، وكان ابن أبي ليلى يقول لأحدهما أن يرد حصته وإن رضي الآخر بالعيب وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجلان الجارية صفقة واحدة من رجل فوجدا بها عيبا فأراد أحدهما الرد، والآخر التمسك فللذي أراد الرد الرد وللذي أراد التمسك التمسك؛ لأن موجودا في بيع الاثنين أنه باع كل واحد منهما النصف فالنصف لكل واحد كالكل لو باعه كما لو باع لأحدهما نصفها وللآخر نصفها، ثم وجدا بها عيبا كان لكل واحد منها رد النصف والرجوع بالثمن الذي أخذ منه، وكان لكل واحد منهما أن يمسك وإن رد صاحبه.
، وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نخل وفيه ثمر ولم يشترط شيئا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول الثمر للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري.
وكذلك بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول «من اشترى نخلا له ثمر مؤبر فثمره للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري ومن اشترى عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري» وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الثمرة للمشتري وإن لم يشترط لأن ثمرة النخل من النخل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل من الرجل النخل قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط ذلك المبتاع وإن كانت لم تؤبر فثمرتها للمشتري؛ لأن ثمرها غير منكشف إلا في وقت الإبار، والإبار حين يبدو الانكشاف وما لم يبد الانكشاف في الثمر فهو كالجنين في بطن أمه يملكه من ملك أمه، وإذا بدا منه الانكشاف كان كالجنين قد زايل أمه وهذا كله في معنى السنة فإن اشترى عنبا، أو تينا، أو ثمرا أي ثمر ما كان بعدما طلع صغيرا كان، أو كبيرا فالثمرة للبائع، وذلك أنها منكشفة لا حائل دونها في مثل معنى النخل المؤبر، وهكذا إذا باع عبدا له مال فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع وهذا كله مثل السنة نصا، أو شبيه بمعناها لا يخالفه
[مسائل في البيع]
[باب الاختلاف في العيب]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية، أو الدابة، أو الثوب، أو غير ذلك فوجد المشتري به عيبا وقال بعتني وهذا العيب به فأنكر ذلك البائع فعلى المشتري البينة فإن لم تكن له بينة فعلى البائع اليمين بالله لقد باعه وما هذا العيب به فإن قال البائع أنا أرد اليمين عليه فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا أرد اليمين عليه ولا يحولها عن الموضع الذي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول مثل قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - إلا أنه إذا اتهم المدعي رد اليمين عليه فيقال احلف وردها فإن أبى أن يحلف لم يقبل منه وقضى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل الدابة، أو الثوب، أو أي بيع ما كان فوجد المشتري به عيبا فاختلف المشتري، والبائع فقال البائع حدث عندك وقال المشتري، بل عندك فإن كان عيبا يحدث مثله بحال فالقول قول البائع مع يمينه على البت بالله لقد باعه وما هذا العيب به إلا أن يأتي المشتري على
دعواه ببينة، فتكون البينة أولى من اليمين وإن نكل البائع رددنا اليمين على المشتري اتهمناه، أو لم نتهمه فإن حلف رددنا على السلعة بالعيب وإن نكل عن اليمين لم نرددها عليه ولم نعطه بنكول صاحبه فقط إنما نعطيه بالنكول إذا كان مع النكول يمينه، فإن قال قائل ما دل على ما ذكرت؟ قيل قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصاريين بالأيمان يستحقون بها دم صاحبهم فنكلوا ورد الأيمان على يهود يبرءون بها، ثم رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الأيمان على المدعى عليهم الدم يبرءون بها فنكلوا فردها على المدعين ولم يعطهم بالنكول شيئا حتى رد الأيمان وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النص المفسرة تدل على سنته الجملة، وكذلك قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» ، ثم قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذلك جملة دل عليها نص حكم كل واحدة منهما والذي قال لا يعدو باليمين المدعى عليهم يخالف هذا فيكثر ويحمل الحديث ما ليس فيه، وقد وضعنا هذا في كتاب الأقضية، واليمين بين المتبايعين على البت فيما تبايعا فيه.
، وإذا باع الرجل بيعا فبرئ من كل عيب فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول البراءة من كل ذلك جائزة ولا يستطيع المشتري أن يرده بعيب كائنا ما كان، ألا ترى أنه لو أبرأه من الشجاج برئ من كل شجة، ولو أبرأه من القروح برئ من كل قرحة وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يبرأ من ذلك حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها ولم يذكر أن يضع يده عليها.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا باع الرجل العبد، أو شيئا من الحيوان بالبراءة من العيوب فالذي نذهب إليه - والله تعالى أعلم - قضاء عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - أنه برئ من كل عيب لم يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه ولم يسمه البائع ويقفه عليه وإنما ذهبنا إلى هذا تقليدا وأن فيه معنى من المعاني يفارق فيه الحيوان ما سواه، وذلك أن ما كانت فيه الحياة فكان يتغذى بالصحة والسقم وتحول طبائعه قلما يبرأ من عيب يخفى، أو يظهر فإذا خفى على البائع أبرئه ببرئه منه فإذا لم يخف عليه فقد وقع اسم العيوب على ما نقصه يقل ويكثر ويصغر ويكبر وتقع التسمية على ذلك فلا يبرئه منه إلا أن يقفه عليه وإن أصح في القياس لولا التقليد وما وصفنا من تفريق الحيوان غيره لأن لا يبرأ من عيب كان به لم يره صاحبه ولكن التقليد وما وصفنا أولى بما وصفناه.
، وإذا اشترى الرجل دابة، أو خادما، أو دارا، أو ثوبا، أو غير ذلك فادعى فيه رجل دعوى ولم يكن للمدعي على دعواه بينة فأراد أن يستحلف المشتري الذي في يديه ذلك المتاع على دعواه فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول اليمين عليه ألبتة بالله ما لهذا فيه حق وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول عليه أن يحلف بالله ما يعلم أن لهذا فيه حقا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : اليمين عليه بالبت ما لهذا فيه حق ويسعه ذلك إذا لم يكن يعلم لهذا فيه حقا وهكذا عامة الأيمان والشهادات.
، وإذا اشترى المشتري بيعا على أن البائع بالخيار شهرا، أو على أن المشتري بالخيار شهرا فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول البيع فاسد ولا يكون الخيار فوق ثلاثة أيام بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول «من اشترى شاة محفلة فهو بخير النظرين ثلاثة أيام إن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر، أو صاعا من شعير» فجعل الخيار كله على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ابن أبي ليلى يقول الخيار جائز شهرا كان، أو سنة وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل العبد، أو أي سلعة ما اشترى على أن البائع بالخيار، أو المشتري، أو هما معا إلى مدة يصفانها فإن كانت المدة ثلاثا، أو أقل فالبيع جائز وإن كانت أكثر من ذلك بطرفة عين فأكثر فالبيع منتقض فإن قال قائل وكيف جاز الخيار ثلاثا ولم يجز أكثر من ثلاث؟ قيل لولا الخبر عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاز أن يكون الخيار بعد تفرق المتبايعين ساعة؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل لهما الخيار إلى أن يتفرقا، وذلك أن رجلا لا يجوز أن يدفع ماله إلى البائع ويدفع البائع جاريته للمشتري فلا يكون للبائع الانتفاع بثمن سلعته ولا للمشتري أن ينتفع بجاريته، ولو زعمنا أن لهما أن ينتفعا زعمنا أن عليهما إن شاء أحدهما أن يرد رد فإذا كان من أصل مذهبنا أنه لا يجوز أن أبيع الجارية على أن لا يبيعها صاحبها لأني إذا شرطت عليه هذا فقد نقصته من الملك شيئا ولا يصلح أن أملكه بعوض آخذه منه إلا ما ملكه عليه تام فقد نقصته بشرط الخيار كل الملك حتى حظرته عليه وأصل البيع على الخيار لولا الخبر كان ينبغي أن يكون فاسدا؛ لأنا نفسد البيع بأقل منه مما ذكرت فلما شرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «في المصراة خيار ثلاث بعد البيع» وروي عنه - عليه الصلاة والسلام - «أنه جعل لحبان بن منقذ خيار ثلاث فيما ابتاع» انتهينا إلى ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخيار ولم نجاوزه إذا لم يجاوزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولك أن أمره به يشبه أن يكون كالحد لغايته من قبل أن المصراة قد تعرف تصريتها بعد أول حلبة في يوم وليلة وفي يومين حتى لا يشك فيها فلو كان الخيار إنما هو ليعلم استبانة عيب التصرية أشبه أن يقال له الخيار حتى يعلم أنها مصراة طال ذلك، أو قصر كما يكون له الخيار في العيب إذا علمه بلا وقت طال ذلك، أو قصر، ولو كان خيار حبان إنما كان لاستشارة غيره أمكنه أن يستشيره في مقامه وبعده بساعة وأمكن فيه أن يدع الاستشارة دهرا فكان الخبر دل على أن خيار ثلاث أقصى غاية الخيار فلم يجز لنا أن نجاوزه ومن جاوزه كان عندنا مشترطا بيعا فاسدا
(قال) : وإذا اشترى الرجل بيعا على أن البائع بالخيار يوما وقبضه المشتري فهلك عنده فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول المشتري ضامن بالقيمة لأنه أخذه على بيع وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو أمين في ذلك لا شيء عليه فيه، ولو أن الخيار كان للمشتري فهلك عنده فهو عليه بثمنه الذي اشتراه به في قولهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا باع الرجل العبد بالخيار ثلاثا، أو أقل وقبضه فمات العبد في يدي المشتري فهو ضامن لقيمته وإنما منعنا أن نضمنه ثمنه أن البيع لم يتم فيه ومنعنا أن نطرح الضمان عنه أنه لم يأخذه إلا على بيع يأخذ من المشتري به عوضا فلا نجعل البيع إلا مضمونا ولا وجه لأن يكون أمينا فيه إنما يكون الرجل أمينا فيما لا يملك ولا ينتفع به منفعة عاجلة ولا آجلة وإنما يمسكه لمنفعة ربه لا لمنفعة نفسه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وسواء في ذلك كان الخيار للبائع، أو المشتري؛ لأن البيع لم يتم فيه حتى مات.
وإذا اشترى الرجل الجارية فباع نصفها ولم يبع النصف الآخر، ثم وجد بها عيبا قد كان البائع دلسه له فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا يستطيع أن يرد ما بقي منها ولا يرجع بما نقصها العيب، ويقول رد الجارية كلها كما أخذتها وإلا فلا حق لك وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول يرد ما في يده منها على البائع بقدر ثمنها، وكذلك قولهما في الثياب وفي كل بيع
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه -، وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية، أو الثوب، أو السلعة فباع نصفها من رجل، ثم ظهر منها على عيب دلسه البائع لم يكن له أن يرد النصف بحصته من الثمن على البائع ولا يرجع عليه بشيء من نقص العيب من أصل الثمن ويقال له ردها كما هي، أو احبس وإنما يكون له أن يرجع بنقص العيب إذا ماتت الجارية، أو أعتقت
فصارت لا ترد بحال، أو حدث بها عنده عيب فصار ليس له أن يردها عليه بحال فأما إذا باعها، أو باع بعضها فقد يمكن أن يردها، وإذا أمكن أن يردها فيلزم ذلك البائع لم يكن له أن يردها ويرجع بنقص العيب كما لا يكون له أن يمسكها بيده ويرجع بنقص العيب
(قال) : وإذا اشترى الرجل عبدا واشترط فيه شرطا أن يبيعه من فلان، أو يهبه لفلان، أو على أن يعتقه فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول البيع في هذا فاسد وبه يأخذ، وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - نحو من ذلك، وكان ابن أبي ليلى يقول البيع جائز والشرط باطل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا باع الرجل الرجل العبد على أن لا يبيعه من فلان، أو على أن لا يستخدمه، أو على أن ينفق عليه كذا، أو على أن يخارجه فالبيع فيه كله فاسد؛ لأن هذا كله غير تمام ملك ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ولفراق العتق لما سواه فنقول إن اشتراه منه على أن يعتقه فأعتقه فالبيع جائز فإن قال رجل ما فرق بين العتق وغيره قيل قد يكون لي نصف العبد فأهبه وأبيعه وأصنع فيه ما شئت غير العتق فلا يلزمني ضمان نصيب شريكي فيه ولا يخرج نصيب شريكي من يده لأن كلا مالك لما ملك فإن أعتقته وأنا موسر عتق على نصيب شريكي الذي لا أملك ولم أعتق وضمنت قيمته وخرج من يدي شريكي بغير أمره وأعتق الحمل فتلده لأقل من ستة أشهر فيقع عليه العتق، ولو بعته لم يجز البيع مع خلافه لغيره في هذا وفي أم الولد، والمكاتب وما سواهما
(قال) : وإذا كان لرجل على رجل مال من بيع فحل المال فأخره عنه إلى أجل آخر فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول تأخيره جائز وهو إلى الأجل الآخر الذي أخره عنه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح منهما.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان للرجل على الرجل مال حال من سلف، أو من بيع، أو أي وجه كان فأنظره صاحب المال بالمال إلى مدة من المدد كان له أن يرجع في النظرة متى شاء، وذلك أنها ليست بإخراج شيء من ملكه إلى الذي عليه الدين ولا شيئا أخذ منه به عوضا فنلزمه إياه للعوض الذي يأخذه منه، أو نفسده ويرد العوض ولا فرق بين السلف وبين البيع إلا أن يتفاسخا في البيع، والمبيع قائم فيجعلانه بيعا غيره بنظرة، أو يتداعيان فيه دعوى فيصيرانه بيعا مستأنفا إلى أجل فيلزمهما البيع الذي أحدثاه.
ولو أن رجلا كان له على رجل مال فتغيب عنه المطلوب حتى حط عنه بعض ذلك المال على أن يعطيه بعضه، ثم ظهر له بعد فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ما حط عنه من ذلك المال فهو جائز.
وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع فيما حط عنه لأنه تغيب عنه وبه يأخذ، ولو أن الطالب قال إن ظهر لي فله مما عليه كذا، وكذا لم يكن قوله هذا يوجب عليه شيئا في قولهم جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تغيب الرجل عليه الدين من الرجل فحط عنه وهو متغيب شيئا وأخذ منه البقية، ثم قال إنما حططت عنه للتغيب فليس له أن يرجع فيما حط
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (296)
صــــــــــ 108 الى صـــــــــــ 114
عنه ولا يكون هذا من معاني الإكراه التي نطرحها عمن أكره عليها؛ لأن الإكراه موضوع عن العبد فيما بينه وبين الله وفي الحكم وليس هذا إكراها قد كان يظهر له بعد التغيب ويعدى عليه في التغيب ويظن أنه غاب عنه ولم يغب.
ولو قال الطالب إن ظهر لي فله وضع كذا فظهر له لم يكن له وضع؛ لأنه عطية مخاطرة.
وإذا باع الرجل الرجل بيعا إلى العطاء فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول في ذلك البيع فاسد.
وكان ابن أبي ليلى يقول البيع جائز، والمال حال، وكذلك قولهما في كل مبيع إلى أجل لا يعرف فإن استهلكه المشتري فعليه القيمة في قول أبي حنيفة وإن حدث به عيب رده ورد ما نقصه العيب وإن كان قائما بعينه فقال المشتري لا أريد الأجل وأنا أنقد لك المال جاز ذلك له في هذا كله في قول أبي حنيفة وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا باع الرجل الرجل بيعا إلى العطاء فالبيع فاسد من قبل أن الله عز وجل أذن بالدين إلى أجل مسمى، والمسمى الموقت بالأهلة التي سمى الله عز وجل فإنه يقول {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: ١٨٩] ، والأهلة معروفة المواقيت وما كان في معناها من الأيام المعلومات فإنه يقول {في أيام معلومات} [الحج: ٢٨] والسنين فإنه يقول {حولين كاملين} [البقرة: ٢٣٣] وكل هذا الذي لا يتقدم ولا يتأخر، والعطاء لم يكن قط فيما علمت ولا نرى أن يكون أبدا إلا يتقدم ويتأخر، ولو اجتهد الإمام غاية جهده لدخله التقدم والتأخر (أخبرنا الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال لا تبايعوا إلى العطاء ولا إلى الأندر ولا إلى العصير.
(قال الشافعي) : وهذا كله كما قال؛ لأن هذا يتقدم ويتأخر وكل بيع إلى أجل غير معلوم فالبيع فيه فاسد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : فإن هلكت السلعة التي ابتيعت إلى أجل غير معلوم في يدي المشتري رد القيمة وإن نقصت في يديه بعيب ردها وما نقصها العيب فإن قال المشتري أنا أرضى السلعة بثمن حال وأبطل الشرط بالأجل لم يكن ذلك له إذا انعقد البيع فاسدا لم يكن لأحدهما أن يصلحه دون الآخر ويقال لمن قال قول أبي حنيفة أرأيت إذا زعمت أن البيع فاسد فمتى صلح فإن قال صلح بإبطال هذا شرطه قيل له: فلهذا أن يكون بائعا مشتر، أو إنما هذا مشتر ورب السلعة بائع.
فإن قال، بل رب السلعة بائع قيل له: فهل أحدث رب السلعة بيعا غير البيع الأول؟ فإن قال: لا، قيل فقولك متناقض تزعم أن بيعا فاسدا حكمه كما لم يصر فيه بيع يصير بيعا من غير أن يبيعه مالكه.
[باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها]
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي) : وإذا اشترى الرجل ثمرا قبل أن يبلغ من أصناف الغلة كلها فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - قال إذا لم يشترط ترك ذلك الثمر إلى أن يبلغ فإن البيع جائز، ألا ترى أنه لو اشترى قصيلا يقصله على دوابه قبل أن يبلغ كان ذلك جائزا؟ قال، ولو اشترى شيئا من الطلع حين يخرج فقطعه كان جائزا، وإذا اشتراه ولم يشترط تركه فعليه أن يقطعه فإذا استأذن صاحبه في تركه فأذن له في ذلك فلا بأس بذلك وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا خير في بيع شيء من ذلك حتى يبلغ ولا بأس إذا اشترى شيئا من ذلك قد بلغ أن يشترط على البائع تركه إلى أجل، وكان أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - يقول لا خير في هذا الشرط
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل أصنافا من الثمار قبل أن يبدو صلاحها فالبيع فاسد لأن «النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها» ، ولو اشتراه ولم يسم قطعه ولا تركه قبل أن يبدو صلاحه كان البيع فيه فاسدا؛ لأنه إنما يشتري، ثم
يترك إلى أن يبلغ إبانه ولا يحل بيعه منفردا حتى يبدو صلاحه إلا أن يشتري منه شيئا يراه بعينه على أن يقطع مكانه فلا يكون به بأس كما لا يكون به بأس إذا كان موضوعا بالأرض فليس هذا من المعنى الذي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه إنما «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثمرة أن تباع حتى يبدو صلاحها وقال أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟» ، وقد «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمرة حتى تنجو من العاهة» وإنما يمنع من الثمرة ما يترك إلى مدة يكون المنع دونها، وكذلك إنما تأتي العاهة على ما يترك إلى مدة تكون العاهة دونها فأما ما يقطع مكانه فهو كالموضوع بالأرض.
وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نخل فيها حمل فلم يذكر النخل ولا الحمل فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول النخل للمشتري تبعا للأرض والثمرة للبائع إلا أن يشترط المشتري.
بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من اشترى نخلا مؤبرا فثمرته للبائع إلا أن يستثنيه المشتري» وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول: الثمرة للمشتري
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا اشترى الرجل أرضا فيها نخل وفي النخل ثمرة فالثمرة للبائع إذا كان قد أبر وإن لم يؤبر فهو للمشتري، والأرض بالنخل للمشتري
(قال) : وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من دار غير مقسومة، أو عشرة أجرية من أرض غير مقسومة فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول في ذلك كله البيع باطل ولا يجوز؛ لأنه لا يعلم ما اشترى كم هو من الدار وكم هو من الأرض وأين موضعه من الدار، والأرض.
، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول هو جائز في البيع وبه يأخذ وإن كانت الدار لا تكون مائة ذراع فالمشتري بالخيار إن شاء ردها وإن شاء رجع بما نقصت الدار على البائع في قول ابن أبي ليلى
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل من الدار ثلثا، أو ربعا، أو عشرة أسهم من مائة سهم من جميعها فالبيع جائز وهو شريك فيها بقدر ما اشترى
(قال الشافعي) : وهكذا لو اشترى نصف عبد، أو نصف ثوب، أو نصف خشبة، ولو اشترى مائة ذراع من دار محدودة ولم يسم أذرع الدار فالبيع باطل من قبل أن المائة قد تكون نصفا، أو ثلثا، أو ربعا، أو أقل فيكون قد اشترى شيئا غير محدود ولا محسوب معروف كم قدره من الدار فنجيزه، ولو سمى ذرع جميع الدار، ثم اشترى منها مائة ذراع كان جائزا من قبل أن هذا منها سهم معلوم من جميعها وهذا مثل شرائه سهما من أسهم منها، ولو قال أشتري منك مائة ذراع آخذها من أي الدار شئت كان البيع فاسدا
وإن كانت الآجام محظورة، وقد حظر فيها سمك فاشتراه رجل فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا يجوز ذلك.
بلغنا عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أنه قال «لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر» ، وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وإبراهيم النخعي وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا شراؤه جائز لا بأس به، وكذلك بلغنا عن عمر بن عبد العزيز
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان السمك في بئر، أو ماجل، أو أجمة محظورة، وكان البائع، والمشتري يريانه فباعه مالكه، أو شيئا منه يراه بعينه وهو لا يؤخذ حتى يصاد فالبيع فيه باطل من قبل أنه ليس ببيع صفة مضمونة ولا بيع عين مقدور عليها حين تباع فيدفع، وقد يمكن أن يموت فينتن قبل أن يقبض فيكون على مشتريه في موته المخاطرة في قبضه ولكنه لو كان في عين ماء لا يمتنع فيه ويؤخذ باليد مكانه جاز بيعه كما يجوز إذا أخرج فوضع على الأرض.
وإذا حبس الرجل في الدين وفلسه القاضي فباع في السجن واشترى وأعتق، أو تصدق بصدقة، أو وهب هبة فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه -
كان يقول هذا كله جائز ولا يباع شيء من ماله في الدين وليس بعد التفليس شيء، ألا ترى أن الرجل قد يفلس اليوم ويصيب غدا مالا، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا عتقه ولا هبته ولا صدقته بعد التفليس فيبيع ماله ويقضيه الغرماء وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - مثل قول ابن أبي ليلى ما خلا العتاقة في الحجر وليس من قبيل التفليس ولا نجيز شيئا سوى العتاقة من ذلك أبدا حتى يقضي دينه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ويجوز بيع الرجل وجميع ما أحدث في ماله كان ذا دين، أو غير ذي دين وذا وفاء، أو غير ذي وفاء حتى يستعدى عليه في الدين فإذا استعدى عليه فثبت عليه شيء، أو أقر منه بشيء انبغى للقاضي أن يحجر عليه مكانه ويقول قد حجرت عليه حتى أقضي دينه وفلسته، ثم يحصي ماله ويأمره بأن يجتهد في التسوم ويأمر من يتسوم به، ثم ينفذ القاضي فيه البيع بأغلى ما يقدر عليه فيقضي دينه فإذا لم يبق عليه دين أحضره فأطلق الحجر عنه وعاد إلى أن يجوز له في ماله كل ما صنع إلى أن يستعدى عليه في دين غيره وما استهلك من ماله في الحالة التي حجر فيها عليه ببيع، أو هبة، أو صدقة، أو غير ذلك فهو مردود
، وإذا أعطى الرجل الرجل متاعا يبيعه ولم يسم بالنقد ولا بالنسيئة فباعه بالنسيئة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول هو جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول البيع جائز، والمأمور ضامن لقيمة المتاع حتى يدفعه لرب المتاع فإذا خرج الثمن من عند المشتري وفيه فضل عن القيمة فإنه يرد ذلك الفضل على رب المتاع وإن كان أقل من القيمة لم يضمن غير القيمة الماضية ولم يرجع البائع على رب المتاع بشيء والله تعالى أعلم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا دفع الرجل إلى الرجل سلعة فقال بعها ولم يقل بنقد ولا بنسيئة ولا بما رأيت من نقد، أو نسيئة فالبيع على النقد فإن باعها بنسيئة كان له نقض البيع بعد أن يحلف بالله ما وكل أن يبيع إلا بنقد فإن فاتت فالبائع ضامن لقيمتها فإن شاء أن يضمن المشتري ضمنه فإن ضمن البائع لم يرجع البائع على المشتري وإن ضمن المشتري رجع المشتري على البائع بالفضل مما أخذ رب السلعة عما ابتاعها به؛ لأنه لم يؤخذ منه إلا ما لزمه من قيمة السلعة التي أتلفها إذا كان البيع فيها لم يتم
(قال) : وإذا اختلف البيعان فقال البائع بعتك وأنا بالخيار وقال المشتري بعتني ولم يكن لك خيار فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول القول قول البائع مع يمينه، وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المشتري وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تبايع الرجلان عبدا وتفرقا بعد البيع، ثم اختلفا فقال البائع بعتك على أني بالخيار ثلاثا وقال المشتري بعتني ولم تشترط خيارا تحالفا، وكان المشتري بالخيار في فسخ البيع، أو يكون للبائع الخيار وهذا - والله تعالى أعلم - كاختلافهما في الثمن نحن ننقض البيع باختلافهما في الثمن وننقضه بادعاء هذا أن يكون له الخيار وأنه لم يقر بالبيع إلا بخيار.
وكذلك لو ادعى المشتري الخيار كان القول فيه هكذا
(قال) : وإذا باع الرجل جارية بجارية وقبض كل واحد منهما، ثم وجد أحدهما بالجارية التي قبض عيبا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى: كان يقول يردها ويأخذ جاريته؛ لأن البيع قد انتقض وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول يردها ويأخذ قيمتها صحيحة، وكذلك قولهما في جميع الرقيق، والحيوان، والعروض (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا بايع الرجل الرجل جارية بجارية وتقابضا، ثم وجد أحدهما بالجارية التي قبض عيبا ردها وأخذ الجارية التي باع بها وانتقض البيع بينهما وهكذا جميع الحيوان، والعروض وهكذا إن كانت مع إحداهما دراهم، أو عرض من العروض وإن ماتت الجارية في يدي أحد الرجلين فوجد الآخر عيبا بالجارية الحية ردها وأخذ قيمة الجارية الميتة؛ لأنها هي الثمن الذي دفع كما يردها ويأخذ الثمن الذي دفع.
وإذا اشترى الرجل بيعا لغيره بأمره فوجد به عيبا فإن أبا حنيفة
رضي الله تعالى عنه - كان يقول يخاصم المشتري ولا نبالي أحضر الآمر أم لا ولا نكلف المشتري أن يحضر الآمر ولا نرى على المشتري يمينا إن قال البائع الآمر قد رضي بالعيب وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يستطيع المشتري أن يرد السلعة التي بها العيب حتى يحضر الآمر فيحلف ما رضي بالعيب، ولو كان غائبا بغير ذلك البلد.
وكذلك الرجل معه مال مضاربة أتى بلادا يتجر فيها بذلك المال فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ما اشترى من ذلك فوجد به عيبا فله أن يرده ولا يستحلف على رضا الآمر بالعيب، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يستطيع المشتري المضارب أن يرد شيئا من ذلك حتى يحضر رب المال فيحلف بالله ما رضي بالعيب وإن لم ير المتاع وإن كان غائبا أرأيت رجلا أمر رجلا فباع له متاعا، أو سلعة فوجد المشتري به عيبا أيخاصم البائع في ذلك، أو نكلفه أن يحضر الآمر رب المتاع، ألا ترى أن خصمه في هذا البائع ولا نكلفه أن يحضر الآمر ولا خصومة بينه وبينه فكذلك إذا أمره فاشترى له فهو مثل أمره بالبيع أرأيت لو اشترى متاعا ولم يره أكان للمشتري الخيار إذا رآه أم لا يكون له خيار حتى يحضر الآمر؟ أرأيت لو اشترى عبدا فوجده أعمى قبل أن يقبضه فقال لا حاجة لي فيه أما كان له أن يرده بهذا حتى يحضر الآمر؟ بلى له أن يرده ولا يحضر الآمر
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه -، وإذا وكل الرجل الرجل أن يشتري سلعة بعينها، أو موصوفة، أو دفع إليه مالا قراضا فاشترى به تجارة فوجد بها عيبا كان له أن يرد ذلك دون رب المال؛ لأنه المشتري وليس عليه أن يحلف بالله ما رضي رب المال، وذلك أنه يقوم مقام المالك فيما اشترى لرب المال، ألا ترى أن رب المال لو قال لا أرضى بما اشترى لم يكن له خيار فيما ابتاع ولزمه البيع، ولو اشترى شيئا فحابى فيه لم ينتقض البيع، وكانت التباعة لرب المال على الوكيل لا على المشتري منه.
وكذلك تكون التباعة للمشتري على البائع دون رب المال فإن ادعى البائع على المشتري رضا رب المال حلف على علمه لا على البت.
، وإذا باع الرجل ثوبا مرابحة على شيء مسمى فباع المشتري الثوب، ثم وجد البائع قد خانه في المرابحة وزاد عليه في المرابحة.
فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول البيع جائز؛ لأنه قد باع الثوب، ولو كان عنده الثوب كان له أن يرده ويأخذ ما نقد إن شاء ولا يحطه شيئا، وكان ابن أبي ليلى يقول تحط عنه تلك الخيانة وحصتها من الربح وبه يأخذ
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثوبا مرابحة فباعه، ثم وجد البائع الأول الذي باعه مرابحة قد خانه في الثمن فقد قيل تحط عنه الخيانة بحصتها من الربح ويرجع عليه به، ولو كان الثوب قائما لم يكن له أن يرده وإنما منعنا من إفساد البيع وأن يرده إذا كان قائما ويجعله بالقيمة إذا كان فائتا أن البيع لم ينعقد على محرم عليهما معا وإنما انعقد على محرم على الخائن منهما فإن قال قائل ما يشبه هذا مما يجوز فيه البيع بحال، والبائع فيه غار؟ قيل يدلس الرجل للرجل العيب فيكون التدليس محرما عليه وما أخذ من ثمنه محرما كما كان ما أخذ من الخيانة محرما ولا يكون البيع فاسدا فيه ولا يكون للبائع الخيار في رده وقيل للمشتري الخيار في أخذه بالثمن الذي سمى له، أو فسخ البيع؛ لأنه لم ينعقد إلا بثمن مسمى فإذا وجد غيره فلم يرض به المشتري فسد البيع؛ لأنه يرد إلى ثمن مجهول عند المشتري لم يرض به البائع.
وإذا اشترى الرجل للرجل سلعة فظهر فيها عيب قبل أن ينقد الثمن فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول: له أن يردها إن أقام البينة على العيب وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول: لا أقبل شهودا على العيب حتى ينقد الثمن
(قال الشافعي) : وإذا اشترى الرجل السلعة وقبضها ونقد ثمنها، أو لم ينقده حتى ظهر منها على عيب يقر به البائع، أو يرى، أو يشهد عليه فله الرد قبل النقد كما له الرد بعد النقد.
وإذا باع الرجل على ابنه وهو كبير دارا، أو متاعا من غير حاجة ولا
عذر فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يجوز ذلك على ابنه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول بيعه عليه جائز
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان الرجل يلي ماله نفسه فباع أبوه عليه شيئا من ماله بأكثر مما يسوى أضعافا، أو بغير ما يسوى في غير حاجة، أو حاجة نزلت بأبيه فالبيع باطل وهو كالأجنبي في البيع عليه ولا حق له في ماله إلا أن يحتاج فينفق عليه بالمعروف، وكذلك ما استهلك من ماله.
وإذا باع الرجل متاعا لرجل والرجل حاضر ساكت فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا يجوز ذلك عليه وليس سكوته إقرارا بالبيع وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول سكوته إقرار بالبيع
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا باع الرجل ثوبا لرجل، أو خادما والرجل المبيع ثوبه، أو خادمه حاضر البيع لم يوكل البائع ولم ينهه عن البيع ولم يسلمه فله رد البيع ولا يكون صمته رضا بالبيع إنما يكون الصمت رضا البكر وأما الرجل فلا
(قال) : وإذا باع الرجل نصيبا من داره ولم يسم ثلثا، أو ربعا، أو نحو ذلك، أو كذا، وكذا سهما فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يجوز البيع على هذا الوجه وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - له الخيار إذا علم إن شاء أخذ وإن شاء ترك، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول إذا كانت الدار بين اثنين، أو ثلاثة أجزت بيع النصيب وإن لم يسم وإن كانت أسهما كثيرة لم يجز حتى يسمي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت الدار بين ثلاثة فقال أحدهم لرجل بعتك نصيبا من هذه الدار ولم يقل نصيبي فالبيع باطل من قبل أن النصيب منها قد يكون سهما من ألف سهم وأقل ويكون أكثر الدار فلا يجوز حتى يكون معلوما عند البائع، والمشتري، ولو قال بعتك نصيبي لم يجز حتى يتصادقا بأنهما قد عرفا نصيبه قبل عقد البيع.
وإذا ختم الرجل على شراء فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ليس ذلك بتسليم للبيع حتى يقول سلمت وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول ذلك تسليم للبيع
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه -، وإذا أتى الرجل بكتاب فيه شراء باسمه وختم عليه ولم يتكلم ولم يشهد ولم يكتب فالختم ليس بإقرار إنما يكون الإقرار بالكلام، وإذا بيع الرقيق، والمتاع في عسكر الخوارج وهو متاع من متاع المسلمين، أو رقيق من رقيقهم قد غلبوهم عليه فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا يجوز ويرد على أهله وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو جائز وإن كان المتاع قائما بعينه والرقيق قائما بعينه وقتل الخوارج قبل أن يبيعوه رد على أهله في قولهم جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ظهر الخوارج على قوم فأخذوا أموالهم مستحلين فباعوها، ثم ظهر الإمام على من هي في يديه أخرجها من يديه وفسخ البيع ورده بالثمن على من اشترى منه،
وإذا باع الرجل المسلم الدابة من النصراني فادعاها نصراني آخر وأقام عليها بينة من النصارى فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا تجوز شهادتهم من قبل أنه يرجع بذلك على المسلم، وكان ابن أبي ليلى يقول شهادتهم جائزة على النصراني ولا يرجع على المسلم بشيء وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا تجوز شهادة أحد خالف الإسلام ولا تجوز الشهادة حتى يجمع الشاهدان أن يكونا حرين مسلمين بالغين عدلين غير ظنينين فيما يشهدان فيه بين المشركين ولا المسلمين ولا لأحد ولا على أحد، وإذا باع الرجل بيعا من بعض ورثته وهو مريض فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يجوز بيعه ذلك إذا مات من مرضه، وكان ابن أبي ليلى يقول بيعه جائز بالقيمة وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا باع الرجل المريض بيعا من بعض ورثته بمثل قيمته، أو بما يتغابن الناس به، ثم مات فالبيع جائز، والبيع لا هبة ولا وصية فيرد.
وإذا استهلك الرجل مالا لولده وولده كبير والرجل غني فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هو دين على الأب وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى
يقول لا يكون له دين على أبيه وما استهلك أبوه من شيء لابنه فلا ضمان عليه فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا استهلك الرجل لابنه مالا ما كان من غير حاجة من الأب رجع عليه الابن كما يرجع على الأجنبي، ولو أعتق له عبدا لم يجز عتقه، والعتق غير استهلاك فلا يجوز بحال عتق غير المالك
، وإذا اشترى رجل جارية بعبد وزاد معها مائة درهم، ثم وجد بالعبد عيبا، وقد ماتت الجارية عند المشتري فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول يرد العبد ويأخذ منه مائة درهم وقيمة الجارية صحيحة فإن كانت الجارية هي التي وجد بها العيب، وقد مات العبد رد الجارية وقسم قيمة العبد على المائة الدرهم وعلى قيمة الجارية فيكون له ما أصاب المائة الدرهم ويرد ما أصاب العبد من قيمة الجارية وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول في هذا إن وجد بالعبد عيبا رده وأخذ قيمته صحيحا، وكذلك الدراهم التي هي في يديه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل جارية بعبد وزاد مع الجارية مائة درهم فتقابضا، ثم ماتت الجارية فوجد بالعبد عيبا فله رد العبد وقبض المائة الدرهم التي دفع وقيمة الجارية التي دفع وإنما جعلنا قيمتها على القابض من قبل أنها لو كانت قائمة رددناها بعينها لأنها ثمن العبد هي، والمائة الدرهم، وكذلك إن مات العبد ووجد بالجارية العيب ردها، والمائة الدرهم وأخذ قيمته؛ لأنه لو كان قائما لأخذه فإذا فات فقيمته تقوم مقامه وكل من ابتاع بيعا فأصاب عيبا رده ورجع بما أعطى في ثمنه.
وإذا اشترى الرجل ثوبين من رجل وقبضهما فهلك واحد ووجد بالثوب الآخر عيبا فأراد رده فاختلفا في قيمة الهالك فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول القول قول البائع مع يمينه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المشتري
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل ثوبين صفقة واحدة فهلك أحدهما في يده ووجد بالآخر عيبا فاختلفا في ثمن الثوب فقال البائع قيمته عشرة وقال المشتري قيمته خمسة فالقول قول البائع من قبل أن الثمن كله قد لزم المشتري، والمشتري إن أراد رد الثوب رده بأكثر الثمن، أو أراد الرجوع بالعيب رجع به بأكثر الثمن فلا نعطيه بقول الزيادة (قال الربيع) وفيه قول آخر للشافعي أن القول قول المشتري من قبل أنه المأخوذ منه الثمن وهو أصح القولين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى ثوبين، أو شيئين في صفقة واحدة فهلك أحدهما ووجد بالآخر عيبا فليس إلى الرد سبيل ويرجع بقيمة العيب؛ لأنه اشتراهما صفقة واحدة فليس له أن ينقضها.
[باب المضاربة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أعطى الرجل الرجل ثوبا يبيعه على أن ما كان فيه من ربح فبينهما نصفان، أو أعطاه دارا يبنيها ويؤاجرها على أن أجرتها بينهما نصفان فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول في ذلك كله فاسد وللذي باع أجر مثله على رب الثوب ولباني الدار أجر مثله على رب الدار وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو جائز، والأجر والربح بينهما نصفان، وكان ابن أبي ليلى يجعل هذا بمنزلة الأرض للمزارعة والنخل للمعاملة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا دفع الرجل إلى الرجل ثوبا، أو سلعة يبيعها بكذا فما زاد فهو بينهما نصفان، أو بقعة يبنيها على أن يكريها، والكراء بينهما
نصفان فهذا فاسد فإن أدرك قبل البيع والبناء نقض وإن لم يدرك حتى يكون البيع والبناء كان للبائع والباني أجر مثله، وكان ثمن الثوب كله لرب الثوب والدار لرب الدار، وإذا كان مع الرجل مال مضاربة فأدانه ولم يأمره بذلك رب المال ولم ينهه يعني بقوله فأدانه المشتري به وباع بنسيئة ولم يقرضه، ولو أقرضه ضمن فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا ضمان على المضارب وما أدان من ذلك فهو جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول المضارب ضامن إلا أن يأتي بالبينة أن رب المال أذن له في النسيئة، ولو أقرضه قرضا ضمن في قولهما جميعا؛ لأن القرض ليس من المضاربة
أبو حنيفة عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أعطى مال يتيم مضاربة فكان يعمل به في العراق ولا يدري كيف قاطعه على الربح
أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن عبد الله بن علي عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه أن عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - أعطى مالا مقارضة يعني مضاربة أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أعطى زيد بن خليدة مالا مقارضة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا مضاربة ولم يأمره ولم ينهه عن الدين فأدان في بيع، أو شراء، أو سلف فسواء ذلك كله هو ضامن إلا أن يقر له رب المال، أو تقوم عليه بينة أنه أذن له في ذلك.
[باب السلم]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان لرجل على رجل طعام أسلم إليه فيه فأخذ بعض طعامه وبعض رأس ماله فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هو جائز بلغنا عن عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال ذلك المعروف الحسن الجميل وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا أخذ بعض رأس ماله فقد فسد السلم ويأخذ رأس ماله كله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أسلف الرجل الرجل مائة دينار في مكيلة طعام موصوف إلى أجل معلوم فحل الأجل فتراضيا أن يتفاسخا البيع كله كان جائزا، وإذا كان هذا جائزا جاز أن يتفاسخا نصف البيع ويثبتا نصفه، وقد سئل عن هذا ابن عباس فلم ير به بأسا وقال هذا المعروف الحسن الجميل وقول ابن عباس القياس وخالفه فيه غيره
(قال) : وإذا أسلم الرجل في اللحم فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا خير فيه لأنه غير معروف وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا بأس به، ثم رجع أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إلى قول ابن أبي ليلى وقال إذا بين مواضع اللحم فقال أفخاذ وجنوب ونحو هذا فهو جائز
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أسلف الرجل الرجل في لحم بوزن وصفة وموضع ومن سن معلوم وسمى ذلك الشيء فالسلف جائز
[باب الشفعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إذا تزوجت امرأة على شقص من دار فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا شفعة في ذلك لأحد وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول للشفيع الشفعة بالقيمة وتأخذ المرأة قيمة ذلك منه وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كيف يكون ذلك وليس هذا شراء يكون
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (297)
صــــــــــ 115 الى صـــــــــــ 121
فيه شفعة إنما هذا نكاح أرأيت لو طلقها قبل أن يدخل بها كم للشفيع منها وبم يأخذ بالقيمة، أو بالمهر، وكذلك إذا اختلعت بشقص من دار في قولهما جميعا
(قال الشافعي) : وإذا تزوج الرجل المرأة بنصيب من دار غير مقسومة فأراد شريك المتزوج الشفعة أخذها بقيمة مهر مثلها، ولو طلقها قبل أن يدخل بها كانت الشفعة تامة كان للزوج الرجوع بنصف ثمن الشفعة، وكذلك لو اختلعت بشقص من دار ولا يجوز أن يتزوجها بشقص إلا أن يكون معلوما محسوبا فيتزوجها بما قد علمت من الصداق فإن تزوجها على شقص غير محسوب ولا معلوم كان لها صداق مثلها ولم يكن فيه شفعة؛ لأنه مهر مجهول فيثبت النكاح وينفسخ المهر ويرد إلى ربه ويكون لها صداق مثلها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترى الرجل دارا وبنى فيها بناء، ثم جاء الشفيع يطلبها بالشفعة فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول يأخذ الشفيع الدار ويأخذ صاحب البناء النقض وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يجعل الدار ولا بناء للشفيع ويجعل عليه قيمة البناء وثمن الدار الذي اشتراها به صاحب البناء وإلا فلا شفعة له.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - وإذا اشترى الرجل نصيبا من دار، ثم قاسم فيه وبنى، ثم طلبه الشفيع بالشفعة قيل له: إن شئت فأد الثمن الذي اشتراه به وقيمة البناء اليوم وإن شئت فدع الشفعة لا يكون له إلا هذا؛ لأنه بنى غير متعد فلا يكون عليه هدم ما بنى، وإذا اشترى الرجل أرضا، أو دارا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لصاحب الشفعة الشفعة حين علم فإن طلب الشفعة وإلا فلا شفعة له وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو بالخيار ثلاثة أيام بعد علمه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا بيع شقص من الدار والشفيع حاضر عالم فطلب مكانه فله الشفعة وإن أخر الطلب فذكر عذرا من مرض، أو امتناع من وصول إلى السلطان، أو حبس سلطان، أو ما أشبهه من العذر كان على شفعته ولا وقت في ذلك إلا أن يمكنه وعليه اليمين ما ترك ذلك رضي بالتسليم للشفعة ولا تركا لحقه فيه فإن كان غائبا فالقول فيه كهو في معنى الحاضر إذا أمكنه الخروج، أو التوكيل ولم يكن له حابس فإن ترك ذلك انقطعت شفعته، وإذا أخذ الرجل الدار بالشفعة من المشتري ونقده الثمن فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول العهدة على المشتري الذي أخذ المال وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول العهدة على البائع؛ لأن الشفعة وقعت يوم اشترى المشتري للشفيع (قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - فإذا أخذ الرجل الشقص بالشفعة من المشتري فعهدته على المشتري الذي أخذ منه وعهدة المشتري على بائعه إنما تكون العهدة على من قبض المال وقبض منه المبيع، ألا ترى أن البائع الأول ليس بمالك، ولو أبرأ الآخذ بالشفعة من الثمن لم يبرأ، ولو كان تبرأ إلى المشتري منه من عيب لم يعلم به المستشفع فإن علم المستشفع بعد أخذه بالشفعة كان له رده
وإذا كانت الشفعة لليتيم فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول له الشفعة فإن كان له وصي أخذها بالشفعة وإن لم يكن له وصي كان على شفعته إذا أدرك فإن لم يطلب الوصي الشفعة بعد علمه فليس لليتيم شفعة إذا أدرك، وكذلك الغلام إذا كان أبوه حيا وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا شفعة للصغير وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - الشفعة للشريك الذي لم يقاسم وهي بعده للشريك الذي قاسم والطريق واحدة بينهما وهي بعده للجار الملاصق، وإذا اجتمع الجيران، وكان التصاقهم سواء فهم شركاء في الشفعة، وكان ابن أبي ليلى يقول بقول أبي حنيفة حتى كتب إليه أبو العباس أمير المؤمنين يأمره أن لا يقضي بالشفعة إلا للشريك الذي لم يقاسم فأخذ بذلك، وكان لا يقضي إلا للشريك الذي لم يقاسم وهذا قول أهل الحجاز، وكذلك بلغنا عن علي وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
(قال الشافعي) :
رضي الله تعالى عنه - وإذا بيع الشقص من الدار ولليتيم فيه شفعة، أو الغلام في حجر أبيه فلولي اليتيم، والأب أن يأخذا للذي يليان بالشفعة إن كانت غبطة فإن لم يفعلا فإذا بلغا أن يليا أموالهما كان لهما الأخذ بالشفعة فإذا علما بعد البلوغ فتركا الترك الذي لو أحدث البيع في تلك الحال فتركاه انقطعت شفعتهما فقد انقطعت شفعتهما ولا شفعة إلا فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
، وكذلك لو اقتسموا الدار، والأرض وتركوا بينهم طريقا، أو تركوا بينهم مشربا لم تكن شفعة ولا نوجب الشفعة فيما قسم بشرك في طريق ولا ماء، وقد ذهب بعض أهل البصرة إلى جملة قولنا فقالوا لا شفعة إلا فيما بين القوم الشركاء فإذا بقيت بين القوم طريق مملوكة لهم، أو مشرب مملوك لهم فإن كانت الدار، والأرض مقسومة ففيها شفعة لأنهم شركاء في شيء من الملك ورووا حديثا عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبيها بهذا المعنى أحسبه يحتمل شبيها بهذا المعنى ويحتمل خلافه قال «الجار أحق بسقبه إذا كانت الطريق واحدة» وإنما منعنا من القول بهذا أن أبا سلمة وأبا الزبير سمعا جابرا وأن بعض حجازيينا يروي عن عطاء عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفعة شيئا ليس فيه هذا وفيه خلافه، وكان اثنان إذا اجتمعا على الرواية عن جابر، وكان الثالث يوافقهما أولى بالتثبت في الحديث إذا اختلف عن الثالث، وكان المعنى الذي به منعنا الشفعة فيما قسم قائما في هذا المقسوم ألا ترى أن الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «إن الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة» ولا يجد أحد قال بهذا القول مخرجا من أن يكون قد جعل الشفعة فيما وقعت فيه الحدود فإن قال فإني إنما جعلتها فيما وقعت فيه الحدود لأنه قد بقي من الملك شيء لم تقع فيه الحدود قيل فيحتمل ذلك الباقي أن يجعل فيه الشفعة فإن احتمل فاجعلها فيه ولا تجعلها فيما وقعت فيه الحدود فتكون قد اتبعت الخبر وإن لم يحتمل فلا تجعل الشفعة في غيره وقال بعض المشرقيين الشفعة للجار وللشريك إذا كان الجار ملاصقا، أو كانت بين الدار المبيعة والدار التي له فيها الشفعة رحبة ما كانت إذا لم يكن فيها طريق نافذة وإن كان فيها طريق نافذة وإن ضاقت فلا شفعة للجار قلنا لبعض من يقول هذا القول على أي شيء اعتمدتم؟ قال على الأثر أخبرنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «الجار أحق بسقبه» فقيل له فهذا لا يخالف حديثنا ولكن هذا جملة وحديثنا مفسر قال وكيف لا يخالف حديثكم؟ قلنا الشريك الذي لم يقاسم يسمى جارا ويسمى المقاسم ويسمى من بينك وبينه أربعون دارا فلم يجز في هذا الحديث إلا ما قلنا من أنه على بعض الجيران دون بعض فإذا قلناه لم يجز ذلك لنا على غيرنا إلا بدلالة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة» دل هذا على أن قوله في الجملة «الجار أحق بسقبه» على بعض الجيران دون بعض وأنه الجار الذي لم يقاسم، فإن قال وتسمي العرب الشريك جارا قيل نعم كل من قارب بدنه بدن صاحبه قيل له: جار قال فادللني على هذا قيل له قال
حمل بن مالك بن النابغة «كنت بين جارتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة» وقال الأعشى لامرأته:
أجارتنا بيني فإنك طالقه
فقيل له فأنت إذا قلت هو خاص على بعض الجيران دون بعض لم تأت فيه بدلالة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تجعله على من لزمه اسم الجوار وحديث إبراهيم بن ميسرة لا يحتمل إلا أحد المعنيين، وقد خالفتهما معا، ثم زعمت أن الدار تباع وبينها وبين دار الرجل رحبة فيها ألف ذراع فأكثر إذا لم يكن فيها طريق نافذة فيكون فيها الشفعة وإن كانت بينهما طريق نافذة عرضها ذراع لم تجعل فيها الشفعة فجعلت الشفعة لأبعد الجارين ومنعتها أقربهما وزعمت أن من أوصى لجيرانه قسمت وصيته على من كان بين داره وداره أربعون دارا فكيف لم تجعل الشفعة على ما قسمت عليه الوصية إذا خالفت حديثنا وحديث إبراهيم بن ميسرة الذي احتججت به؟ قال فهل قال بقولكم أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قلنا نعم ولا يضرنا بعد إذ ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقول به أحد قال، فمن قال به؟ قيل عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وعثمان - رضي الله تعالى عنه - وقال بعض التابعين عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى - عليه وغيره.
وإذا اشترى الرجل الدار وسمى أكثر مما أخذها به فسلم ذلك الشفيع، ثم علم بعد ذلك أنه أخذها بدون ذلك فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هو على شفعته؛ لأنه إنما سلم بأكثر من الثمن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول لا شفعة له؛ لأنه قد سلم ورضي أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس، وعن الحكم عن يحيى عن علي أنهما قالا لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الجار أحق بسقبه ما كان» أبو حنيفة عن أبي أمية عن المسور بن مخرمة، أو عن سعد بن مالك قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الجار أحق بسقبه»
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : واذا اشترى الرجل النصيب من الدار فقال أخذته بمائة فسلم ذلك الشفيع، ثم علم الشفيع بعد أنه أخذه بأقل من المائة فله حينئذ الشفعة وليس تسليمه بقاطع شفعته إنما سلمه على ثمن فلما علم ما هو دونه كان له الأخذ بالشفعة، ولو علم بعد أن الثمن أكثر من الذي سلمه به لم يكن له شفعة من قبل أنه إذا سلمه بالأقل كان الأكثر أولى أن يسلمه به.
[باب المزارعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أعطى الرجل الرجل أرضا مزارعة بالنصف، أو الثلث، أو الربع، أو أعطى نخلا، أو شجرا معاملة بالنصف، أو أقل من ذلك، أو أكثر فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هذا كله باطل لأنه استأجره بشيء مجهول يقول أرأيت لو لم يخرج من ذلك شيء أليس كان عمله ذلك بغير أجر، وكان ابن أبي ليلى يقول ذلك كله جائز بلغنا «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أعطى خيبر بالنصف» فكانت كذلك حتى قبض وخلافة أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - وعامة خلافة عمر وبه يأخذ وإنما قياس هذا عندنا مع الأثر، ألا ترى أن الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة بالنصف ولا
بأس بذلك، وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -، وعن عبد الله بن مسعود، وعن عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - أنهم أعطوا مالا مضاربة وبلغنا عن سعد بن أبي وقاص، وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنهما - أنهما كانا يعطيان أرضهما بالربع والثلث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا دفع الرجل إلى الرجل النخل، أو العنب يعمل فيه على أن للعامل نصف الثمرة، أو ثلثها، أو ما تشارطا عليه من جزء منها فهذه المساقاة الحلال التي عامل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر
، وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوعة إليه فما أخرج الله منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة، والمخابرة، والمزارعة التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحللنا المعاملة في النخل خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحرمنا المعاملة في الأرض البيضاء خبرا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن تحريم ما حرمنا بأوجب علينا من إحلال ما أحللنا ولم يكن لنا أن نطرح بإحدى سنتيه الأخرى ولا نحرم بما حرم ما أحل كما لا نحل بما أحل ما حرم ولم أر بعض الناس سلم من خلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - من واحد من الأمرين لا الذي أحلهما جميعا ولا الذي حرمهما جميعا فأما ما روي عن سعد وابن مسعود أنهما دفعا أرضهما مزارعة فما لا يثبت هو مثله ولا أهل الحديث، ولو ثبت ما كان في أحد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة وأما قياسه وما أجاز من النخل، والأرض على المضاربة فعهدنا بأهل الفقه يقيسون ما جاء عمن دون النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما أن يقاس سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على خبر واحد من الصحابة كأنه يلتمس أن يثبتها بأن توافق الخبر عن أصحابه فهذا جهل إنما جعل الله عز وجل للخلق كلهم الحاجة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أيضا يغلط في القياس، إنما أجزنا نحن المضاربة، وقد جاءت عن عمر وعثمان أنها كانت قياسا على المعاملة في النخل فكانت تبعا قياسا لا متبوعة مقيسا عليها، فإن قال قائل فكيف تشبه المضاربة المساقاة؟ قيل النخل قائمة لرب المال دفعها على أن يعمل فيها المساقي عملا يرجى به صلاح ثمرها على أن له بعضها فلما كان المال المدفوع قائما لرب المال في يدي من دفع إليه يعمل فيه عملا يرجو به الفضل جاز له أن يكون له بعض ذلك الفضل على ما تشارطا عليه، وكان في مثل المساقاة فإن قال فلم لا يكون هذا في الأرض؟ قيل الأرض ليست بالتي تصلح فيؤخذ منه الفضل إنما يصلح فيها شيء من غيرها وليس بشيء قائم يباع ويؤخذ فضله كالمضاربة ولا شيء مثمر بالغ فيؤخذ ثمره كالنخل وإنما هو شيء يحدث فيها، ثم بتصرف لا في معنى واحد من هذين فلا يجوز أن يكون قياسا عليها وهو مفارق لها في المبتدإ، والمتعقب، ولو جاز أن يكون قياسا ما جاز أن يقاس شيء نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحل به شيء حرمه كما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المفسد للصوم بالجماع رقبة فلم يقس عليها المفسد للصلاة بالجماع وكل أفسد فرضا بالجماع.
[باب الدعوى والصلح]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ادعى الرجل الدعوى قبل رجل في دار، أو دين، أو غير ذلك فأنكر ذلك المدعى عليه الدعوى، ثم صالحه من الدعوى وهو منكر لذلك فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول في هذا جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى لا يجيز الصلح على الإنكار، وكان أبو حنيفة يقول كيف لا يجوز هذا وأجوز ما يكون الصلح على الإنكار، وإذا وقع الإقرار لم يقع الصلح
(قال الشافعي) :
رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى فأنكر المدعى عليه، ثم صالح المدعي من دعواه على شيء وهو منكر فالقياس أن يكون الصلح باطلا من قبل أنا لا نجيز الصلح إلا بما تجوز به البيوع من الأثمان الحلال المعروفة فإذا كان هذا هكذا عندنا وعند من أجاز الصلح على الإنكار كان هذا عوضا، والعوض كله ثمن ولا يصلح أن يكون العوض إلا بما تصادقا عليه المعوض، والمعوض إلا أن يكون في هذا أثر يلزم فيكون الأثر أولى من القياس ولست أعلم فيه أثرا يلزم مثله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وبه أقول، وإذا صالح الرجل الطالب عن المطلوب، والمطلوب متغيب فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول الصلح جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الصلح مردود لأن المطلوب متغيب عن الطالب، وكذلك لو أخر عنه دينا عليه وهو متغيب كان قولهما جميعا على ما وصفت لك.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه -، وإذا صالح الرجل عن الرجل، والمصالح عنه غائب، أو أنظره صاحب الحق وهو غائب فذلك كله جائز ولا أبطل بالتغيب شيئا أجيزه في الحضور؛ لأن هذا ليس من معاني الإكراه الذي أرده
وإذا صالح الرجل الرجل، أو باع بيعا، أو أقر بدين فأقام البينة أن الطالب أكرهه على ذلك فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ذلك كله جائز ولا أقبل منه بينة أنه أكرهه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل البينة على الإكراه وأرد ذلك عليه وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا كان الإكراه في موضع أبطل فيه الدم قبلت البينة على الإكراه وتفسير ذلك أن رجلا لو شهر على رجل سيفا فقال لتقرن، أو لأقتلنك فقال أقبل منه البينة على الإكراه وأبطل عنه ذلك الإقرار
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أكره الرجل الرجل على بيع، أو إقرار، أو صدقة، ثم أقام المكره البينة أنه فعل ذلك كله وهو مكره أبطلت هذا كله عنه، والإكراه ممن كان أقوى من المكره في الحال التي يكرهه فيها التي لا مانع له فيها من إكراهه ولا يمتنع هو بنفسه سلطانا كان، أو لصا، أو خارجيا، أو رجلا في صحراء، أو في بيت مغلق على من هو أقوى منه، وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما بحق صاحب بعدما قاما من عند القاضي وقامت عليه بذلك بينة وهو يجحد ذلك فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ذلك جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا إقرار لمن خاصم إلا عندي ولا صلح لهما إلا عندي
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اختصم الرجلان إلى القاضي فأقر أحدهما عند القاضي في مجلس الحكم، أو غير مجلسه، أو علم القاضي فإن ثبت لأحدهما على الآخر حق قبل الحكم، أو بعده فالقول فيه واحد من قولين من قال يقضي القاضي بعلمه؛ لأنه إنما يقضي بشاهدين على أنه عالم في الظاهر أن ما شهدا به كما شهدا قضى بهذا، وكان علمه أولى من شهادة شاهدين وشهود كثيرة؛ لأنه لا يشك في علمه ويشك في شهادة الشاهدين ومن قال القاضي كرجل من الناس قال إن حكم بينهما لم يكن شاهدا وكلف الخصم شاهدين غيره، وكان حكمه كحكم من لم يسمع شيئا ولم يعلمه وهذا قول شريح قد جاءه رجل يعلم له حقا فسأله أن يقضي له به فقال ائتني بشاهدين إن كنت تريد أن أقضي لك قال أنت تعلم حقي قال فاذهب إلى الأمير فاشهد لك ومن قال هذا قال إن الله عز وجل تعبد الخلق بأن تؤخذ منهم الحقوق إذا تجاحدوا بعدد بينة فلا تؤخذ بأقل منها ولا تبطل إذا جاءوا بها وليس الحاكم على يقين من أن ما شهدت به البينة كما شهدت، وقد يكون ما هو أقل منها عددا أزكى فلا يقبل وما تم العدد أنقص من الزكاة فيقبلون إذا وقع عليهم أدنى اسم العدل ولم يجعل للحاكم أن يأخذ بعلمه كما لم يجعل له أن يأخذ بعلم واحد غيره ولا أن يكون شاهدا حاكما في أمر واحد كما لم يكن له أن يحكم لنفسه لو علم أن حقه حق (قال الربيع) الذي يذهب إليه الشافعي أنه يحكم بعلمه؛ لأن علمه أكبر من تأدية
الشاهدين الشهادة إليه وإنما كره إظهار ذلك لئلا يكون القاضي غير عدل فيذهب بأموال الناس.
وإذا اصطلح الرجلان على حكم يحكم بينهما فقضى بينهما بقضاء مخالف لرأي القاضي فارتفعا إلى ذلك القاضي فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ينبغي لذلك القاضي أن يبطل حكمه ويستقبل الحكم بينهما وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول حكمه عليهما جائز
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اصطلح الرجلان على أن يحكم الرجل بينهما في شيء يتنازعان فيه فحكم لأحدهما على الآخر فارتفعنا إلى القاضي فرأى خلاف ما يرى الحكم بينهما فلا يجوز في هذا إلا واحد من قولين إما أن يكون إذا اصطلحا جميعا على حكمه ثبت القضاء وافق ذلك قضاء القاضي، أو خالفه فلا يكون للقاضي أن يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم القاضي غيره من خلاف كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو شيء داخل في معناه وإما أن يكون حكمه بينهما كالفتيا فلا يلزم واحدا منهما شيء فيبتدئ القاضي النظر بينهما كما يبتدئه بين من لم يحاكم إلى أحد
[باب الصدقة والهبة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة، أو تصدقت، أو تركت له من مهرها، ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا أقبل بينتها وأمضي عليها ما فعلت من ذلك، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشيء، أو وضعت له من مهرها، أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله، وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوب له وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة، أو كانت جارية صغيرة فأصلحها، أو صنعها حتى شبت وأدركت فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا يرجع الواهب في شيء من ذلك ولا في كل هبة زادت عند صاحبها خيرا
، ألا ترى أنه قد حدث فيها في ملك الموهوبة له شيء لم يكن في ملك الواهب؟ أرأيت إن ولدت الجارية ولدا كان للواهب أن يرجع فيه ولم يهبه له ولم يملكه قط؟ وبهذا يأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول: له أن يرجع في ذلك كله وفي الولد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل للرجل جارية، أو دارا فزادت الجارية في يديه، أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر أنه وهب للثواب ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية أي حال ما كانت زادت خيرا، أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها، ثم طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ولا يهدمه ويقال له إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار، والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبني فيها صاحبها ولا يرجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها؛ لأنه مبنيا أكثر قيمة منه غير مبني، ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له؛ لأنه حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج، والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة، ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف الجارية إن أراد ذلك.
وإذا وهب الرجل جارية لابنه وابنه كبير وهو في عياله فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا تجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه وإن كان قد أدرك فهذه الهبة جائزة، وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا
وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله، أو لم يكن، وكذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنهم - في البالغين، وعن عثمان أنه رأى أن الأب يحوز لولده ما كانوا صغارا وهذا يدل على أنه لا يحوز لهم إلا في حال الصغر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ولا تتم إلا بقبض المعطى.
وإذا وهب الرجل دارا لرجلين، أو متاعا، وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما منها حصته، وكان ابن أبي ليلى يقول الهبة جائزة وبه يأخذ، وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم، أو طعاما، أو ثيابا، أو عبدا لا ينقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع، وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم، أو لا تنقسم، أو عبدا لرجل وقبض جازت الهبة، وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبه يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أنه نحل عائشة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنها - جذاذ عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة لأنها لم تكن قبضته، وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة، وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ولا يفسد الهبة أنها كانت لاثنين وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة، والقبض أن تكون كانت في يدي الواهب فصارت في يدي الموهوبة له لا وكيل معه فيها، أو يسلمها ربها ويخلي بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا، والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة.
وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا، أو أرضا، ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ذلك جائز ولا يكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء، وكان ابن أبي ليلى يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل الرجل شقصا من دار فقبضه، ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها لثواب كان فيها الشفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة، وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شيء وهبه ولا الثواب منه (قال الربيع) وفيه قول آخر: إذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا، وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شيء وهبه وهو معنى قول الشافعي.
وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول: الهبة في هذا باطلة لا تجوز وبه يأخذ (قال) : ولا تكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصيته، وكان ابن أبي ليلى يقول هي جائزة من
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (298)
صــــــــــ 122 الى صـــــــــــ 128
الثلث
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات لم يكن للموهوبة له شيء، وكانت للورثة الحجاج بن أرطاة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة
الأعمش عن إبراهيم قال: الصدقة إذا علمت جازت، والهبة لا تجوز إلا مقبوضة، وكان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يأخذ بقول ابن عباس في الصدقة وهو قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وليس للواهب أن يرجع في الهبة إلا قبض منها عوضا قل، أو كثر
[باب في الوديعة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا استودع الرجل رجلا وديعة فقال المستودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها إليه قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فالقول قول رب الوديعة، والمستودع ضامن وبهذا يأخذ يعني أبا يوسف، وكان ابن أبي ليلى يقول القول قول المستودع ولا ضمان عليه وعليه اليمين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فتصادقا عليها، ثم قال المستودع أمرتني أن أدفع الوديعة إلى رجل فدفعتها إليه وأنكر ذلك رب الوديعة فالقول قول رب الوديعة وعلى المستودع البينة بما ادعى، وإذا استودع الرجل الرجل وديعة فجاء آخر يدعيها معه فقال المستودع لا أدري أيكما استودعني هذه الوديعة وأبى أن يحلف لهما وليس لواحد منهما بينة فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول يعطيهما تلك الوديعة بينهما نصفين ويضمن لهما أخرى مثلها بينهما؛ لأنه أتلف ما استودع بجهالته.
ألا ترى أنه لو قال هذا استودعنيها، ثم قال أخطأت، بل هو هذا كان عليه أن يدفع الوديعة إلى الذي أقر له بها أولا ويضمن للآخر مثل ذلك؛ لأن قوله أتلفه، وكذلك الأول إنما أتلفه هو بجهله وبهذا يأخذ.
وكان ابن أبي ليلى يقول في الأول ليس عليه شيء، الوديعة، والمضاربة بينهما نصفان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت في يدي الرجل وديعة فادعاها رجلان كلاهما يزعم أنها له وهي مما يعرف بعينه مثل العبد، والبعير والدار فقال هي لأحدكما ولا أدري أيكما هو قيل لهما هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه؟ فإن قالا لا وقال كل واحد منهما هو لي أحلف بالله لا يدري لأيهما هو ووقف ذلك لهما جميعا حتى يصطلحا فيه، أو يقيم كل واحد منهما البينة على صاحبه أنه له دونه، أو يحلفا فإن نكل أحدهما وحلف الآخر كان له وإن نكلا معا فهو موقوف بينهما.
وفيها قول آخر يحتمل وهو أن يحلف الذي في يديه الوديعة، ثم تخرج من يديه ولا شيء عليه غير ذلك فتوقف لهما حتى يصطلحا عليه ومن قال هذا القول قال هذا شيء ليس في أيديهما فأقسمه بينهما والذي هو في يديه يزعم أنه لأحدهما لا لهما.
وإذا استودع الرجل وديعة فاستودعها المستودع غيره فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول هو ضامن لأنه خالف وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا ضمان عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا، أودع الرجل الرجل الوديعة فاستودعها غيره ضمن إن تلفت؛ لأن المستودع رضي بأمانته لا أمانة غيره ولم يسلطه على أن يودعها غيره، وكان متعديا ضامنا إن تلفت.
وإذا مات الرجل وعليه دين معروف وقبله وديعة بغير عينها فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول جميع ما ترك بين الغرماء وصاحب الوديعة بالحصص وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي للغرماء وليس لصاحب الوديعة؛ لأن الوديعة شيء مجهول ليس بشيء بعينه وقال أبو حنيفة فإن كانت الوديعة بعينها فهي لصاحب
الوديعة إذا علم ذلك، وكذلك قال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في الرجل يموت وعنده الوديعة وعليه دين أنهم يتحاصون الغرماء وأصحاب الوديعة.
الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر وعطاء مثل ذلك.
الحجاج عن الحكم عن إبراهيم مثله.
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فمات المستودع وأقر الوديعة بعينها، أو قامت عليه بينة وعليه دين محيط بماله كانت الوديعة لصاحبها فإن لم تعرف الوديعة بعينها ببينة تقوم ولا إقرار من الميت وعرف لها عدد، أو قيمة كان صاحب الوديعة كغريم من الغرماء.
[باب في الرهن]
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو ارتهن الرجل رهنا فوضعه على يدي عدل برضا صاحبه فهلك من عند العدل وقيمته والدين سواء فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول الرهن بما فيه، وقد بطل الدين وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الدين على الراهن كما هو والرهن من ماله؛ لأنه لم يكن في يدي المرتهن إنما كان موضوعا على يدي غيره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا رهن الرجل الرهن فقبضه منه، أو قبضه عدل رضيا به فهلك الرهن في يديه، أو في يدي العدل فسواء الرهن أمانة والدين كما هو لا ينقص منه شيء، وقد كتبنا في هذا كتابا طويلا.
وإذا مات الراهن وعليه دين والرهن على يدي عدل فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول المرتهن أحق بهذا الرهن من الغرماء وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول الرهن بين الغرماء، والمرتهن بالحصص على قدر أموالهم، وإذا كان الرهن في يدي المرتهن فهو أحق بها من الغرماء وقولهما جميعا فيه واحد
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا مات الراهن وعليه دين، وقد رهن رهنا على يدي صاحب الدين، أو يدي غيره فسواء، والمرتهن أحق بثمن هذا الرهن حتى يستوفي حقه منه فإن فضل فيه فضل كان الغرماء شرعا فيه وإن نقص عن الدين حاص أهل الدين بما يبقى له في مال الميت.
وإذا رهن الرجل الرجل دارا، ثم استحق منها شقص، وقد قبضها المرتهن فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول الرهن باطل لا يجوز وبهذا يأخذ حفظي عنه في كل رهن فاسد وقع فاسدا فصاحب المال أحق به حتى يستوفي ماله يباع لدينه، وكان ابن أبي ليلى يقول ما بقي من الدار فهو رهن بالحق وقال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وكيف يكون ذلك وإنما كان رهنه نصيبا غير مقسوم.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا رهن الرجل الرجل دارا فقبضها المرتهن، ثم استحق من الدار شيء كان ما يبقى من الدار رهنا بجميع الدين الذي كانت الدار به رهنا، ولو ابتدأ نصيب شقص معلوم مشاع جاز ما جاز أن يكون بيعا جاز أن يكون رهنا، والقبض في الرهن مثل القبض في البيع لا يختلفان وهذا مكتوب في كتاب الرهن.
وإذا وضع الرجل الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الأجل، ثم مات الراهن فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول للعدل أن يبيع الرهن، ولو كان موت الراهن يبطل بيعه لأبطل الرهن وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس له أن يبيع، وقد بطل الرهن وصار بين الغرماء وللمسلط أن يبيعه في مرض الراهن ويكون للمرتهن خاصة في قياس قوله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وضع الراهن الرهن على يدي عدل وسلطه على بيعه عند محل الحق فهو فيه وكيل فإذا حل الحق كان له أن يبيعه ما كان الراهن حيا فإذا مات لم يكن له البيع إلا بأمر السلطان، أو برضا الوارث؛ لأن الميت وإن رضي بأمانته في بيع
الرهن فقد تحول ملك الرهن لغيره من الورثة الذين لم يرضوا أمانته والرهن بحاله لا ينفسخ من قبل أن الورثة إنما ملكوا من الرهن ما كان له الراهن مالكا فإذا كان الراهن ليس له أن يفسخه كان كذلك الوارث، والوكالة ببيعه غير الرهن الوكالة لو بطلت لم يبطل الرهن.
وإذا ارتهن الرجل دارا، ثم أجرها بإذن الراهن فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول قد خرجت من الرهن حين أذن له أن يؤجرها وصارت بمنزلة العارية وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي رهن على حالها، والغلة للمرتهن قضاء من حقه
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا رهن الرجل الرجل دارا ودفعها إلى المرتهن، أو عدل وأذن بكرائها فأكريت كان الكراء للراهن؛ لأنه مالك الدار ولا تخرج بهذا من الرهن وإنما منعنا أن نجعل الكراء رهنا، أو قصاصا من الدين أن الكراء سكن والسكن ليس هو المرهون، ألا ترى أنه لو باعه دارا فسكنها، أو استغلها، ثم ردها بعيب كان السكن، والغلة للمشتري، ولو أخذ من أصل الدار شيئا لم يكن له أن يردها لأن ما أخذ من الدار من أصل البيع، والكراء، والغلة ليس أصل البيع فلما كان الراهن إنما رهن رقبة الدار، وكانت رقبة الدار للراهن إلا أنه شرط للمرتهن فيها حقا لم يجز أن يكون النماء من الكراء والسكن إلا للراهن المالك الرقبة كما كان الكراء والسكن للمشتري المالك الرقبة في حينه ذلك
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ارتهن الرجل ثلث دار، أو ربعها وقبض الرهن فالرهن جائز. ما جاز أن يكون بيعا وقبضا في البيع جاز أن يكون رهنا وقبضا في الرهن، وإذا رهن الرجل الرجل دارا، أو دابة فقبضها المرتهن فأذن له رب الدابة، أو الدار أن ينتفع بالدار، أو الدابة فانتفع بها لم يكن هذا إخراجا له من الرهن وما لهذا وإخراجه من الرهن وإنما هذا منفعة للراهن ليست في أصل الرهن؛ لأنه شيء يملكه الراهن دون المرتهن، وإذا كان شيء لم يدخل في الرهن فقبض المرتهن الأصل، ثم أذن له في الانتفاع بما لم يرهن لم ينفسخ الرهن، ألا ترى أن كراء الدار وخراج العبد للراهن.
[باب الحوالة والكفالة في الدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان لرجل على رجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ الذي أحاله؛ لأنه قد أبرأه وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس له أن يأخذ الذي عليه الأصل فيهما جميعا؛ لأنه حيث قبل منه الكفيل فقد أبرأه من المال إلا أن يكون المال قد توى قبل الكفيل فيرجع به على الذي عليه الأصل وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما شاء في قولهما جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان للرجل على الرجل المال وكفل به آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفي مالا إذا كانت الكفالة مطلقة فإن كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له، ولو كانت حوالة فالحوالة معقول فيها أنها تحول حق على رجل إلى غيره فإذا تحولت عن رجل لم يجز أن يعود عليه ما تحول عنه إلا بتجديد عودته عليه ويأخذ المحال عليه دون المحيل بكل حال.
وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه، ثم أخذ منه بعد ذلك آخر بنفسه فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول هما كفيلان جميعا وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول قد برئ الكفيل الأول حين أخذ الكفيل الآخر
(قال الشافعي) : وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه، ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ولم يبرئ الأول
فكلاهما كفيل بنفسه، وإذا كفل الرجل للرجل بدين غير مسمى فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هو له ضامن وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز عليه الضمان في ذلك؛ لأنه ضمن شيئا مجهولا غير مسمى وهو أن يقول الرجل للرجل أضمن ما قضى لك به القاضي عليه من شيء وما كان لك عليه من حق وما شهد لك به الشهود وما أشبه هذا فهو مجهول
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به القاضي على فلان، أو شهد لك به عليه شهود، أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن لم يكن ضامنا لشيء من قبل أنه قد يقضى له ولا يقضى له ويشهد له ولا يشهد له فلا يلزمه شيء مما شهد له بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة.
وإذا ضمن الرجل دين ميت بعد موته وسماه ولم يترك الميت وفاء ولا شيئا ولا قليلا ولا كثيرا فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا ضمان على الكفيل؛ لأن الدين قد توى، وكان ابن أبي ليلى يقول الكفيل ضامن وبه يأخذ وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى: إن ترك شيئا ضمن الكفيل بقدر ما ترك وإن كان ترك وفاء فهو ضامن لجميع ما تكفل به.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا، أو لم يترك.
وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول كفالته باطلة؛ لأنها معروف وليس يجوز له المعروف وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول كفالته جائزة لأنها من التجارة.
وإذا أفلس المحتال عليه فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يرجع على الذي أحاله حتى يموت المحتال عليه ولا يترك مالا، وكان ابن أبي ليلى يقول له: أن يرجع إذا أفلس وبهذا يأخذ (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : الحوالة تحويل حق فليس له أن يرجع
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كفل العبد المأذون له في التجارة بكفالة فالكفالة باطلة؛ لأن الكفالة استهلاك مال لا كسب مال، وإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل، أو كثر فكذلك نمنعه أن يتكفل فيغرم من ماله شيئا قل، أو كثر.
وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فأراد الوكيل أن يوكل بذلك غيره فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ليس له ذلك إلا أن يكون صاحبه أمره أن يوكل بذلك غيره وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب، أو مرض فأما إذا كان صحيحا حاضرا فلا قال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - وكيف يكون له أن يوكل غيره ولم يرض صاحبه بخصومة غيره وإنما رضي بخصومته
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن يوكل غيره مرض الوكيل، أو أراد الغيبة، أو لم يردها؛ لأن الموكل له رضي بوكالته ولم يرض بوكالة غيره فإن قال وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل.
وإذا وكل رجل رجلا بخصومة وأثبت الوكالة عند القاضي، ثم أقر على صاحبه الذي وكله أن تلك الخصومة حق لصاحبه الذي يخاصمه أقر به عند القاضي فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول إقراره جائز وبه يأخذ قال وإن أقر عند غير القاضي وشهد عليه الشهود فإقراره باطل ويخرج من الخصومة وقال أبو يوسف إقراره عند القاضي وعند غيره جائز عليه، وكان ابن أبي ليلى يقول إقراره باطل
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة ولم يقل في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ولا يصالح ولا يبرئ ولا يهب فليس له أن يقر ولا يبرئ ولا يهب ولا يصالح فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل؛ لأنه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله.
وإذا وكل رجل رجلا في قصاص، أو حد فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا تقبل في ذلك وكالة وبه يأخذ وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة قال أقبل من الوكيل البينة في الدعوى في الحد، والقصاص ولا أقيم الحد ولا القصاص حتى يحضر
المدعي وقال أبو يوسف لا أقبل البينة إلا من المدعي ولا أقبل في ذلك وكيلا، وكان ابن أبي ليلى يقول تقبل في ذلك الوكالة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له، أو قصاص له على رجل قبلت الوكالة على تثبيت البينة، وإذا حضر الحد، والقصاص لم أحده ولم أقتص حتى يحضر المحدود له، والمقتص له من قبل أنه قد يقر له فيبطل الحق ويكذب البينة فيبطل القصاص ويعفو.
وإذا كانت في يدي رجل دار فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه وكلني بها فلان لرجل غائب أقوم له عليها فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول: لا أصدقه إلا أن يأتي على ذلك ببينة وأجعله خصما وبه يأخذ، وقال أبو يوسف - رحمه الله - بعد أن كان متهما أيضا لم أقبل منه بينة وجعلته خصما إلا أن يأتي بشهود أعرفهم، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل منه وأصدقه ولا نجعل بينهما خصومة، وكان ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول إذا اتهمته سألته البينة على الوكالة فإن لم يقم البينة جعلته خصما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإن كانت الدار في يدي رجل فادعاها رجل فقال الذي هي في يديه ليست لي هي في يدي وديعة، أو هي علي بكراء، أو أنا فيها وكيل، فمن قضى على الغائب سمع من المدعي البينة وأحضر الذي هي في يديه فإن أثبت وكالته قضى عليه وإن لم يثبتها قضى بها للذي أقام عليها البينة وكتب في القضاء إني قضيت بها ولم يحضرني فيها خصم وزعم فلان أنها ليست له ومن لم يقض على الغائب سأل الذي هي في يديه البينة على ما يقول فإن جاء بها على أنها في يديه بكراء، أو وديعة لم يجعله خصما فإن جاء بالبينة على الوكالة جعلته خصما.
(قال الربيع) وحفظي عن الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه يقضي على الغائب.
قال، وإذا كان للرجل على الرجل مال فجاء رجل فقال قد وكلني بقبضه منك فلان فقال الذي عليه المال صدقت، فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول أجبره على أن يعطيه إياه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا أجبره على ذلك إلا أن يقيم بينة عليه وأقول أنت أعلم فإن شئت فأعطه وإن شئت فاتركه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان للرجل على الرجل مال وهو عنده فجاءه رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فإن دفعه لم يبرأ من المال إلا أن يقر رب المال بأنه وكله، أو تقوم عليه بينة بذلك، وكذلك لو ادعى هذا الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال على أن يعطيه إياه، وذلك أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره فلا يجوز إقراره على غيره.
وإذا وكل الرجل رجلا في شيء فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول لا تثبت وكالته إلا أن يأتي معه بخصم وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول نقبل بينته على الوكالة ونثبتها له وليس معه خصم، وقد كان أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا جاءه رجل قد عرفه يريد أن يغيب فقال هذا وكيلي في كل حق لي يخاصم فيه قبل ذلك وأثبت وكالته، وإذا تغيب الخصم وكل له وكيلا وقضى عليه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا وكل الرجل الرجل عند القاضي بشيء أثبت القاضي بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه خصم، أو لم يحضر وليس الخصم من هذا بسبيل وإنما أثبت له الوكالة على الموكل، وقد تثبت له الوكالة ولا يلزم الخصم شيء، وقد يقضي للخصم على الموكل فتكون تلك الشهادة إنما هي شهادة للخصم تثبت له حقا على الموكل.
وإذا وكل رجل رجلا بكل قليل وكثير فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يجوز بيعه لأنه لم يوكله بالبيع إلا أن يقول ما صنعت من شيء فهو جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا وكله في كل قليل وكثير فباع دارا، أو غير ذلك كان جائزا
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له لم يزد على هذا فالوكالة على هذا غير جائزة من قبل أنه قد يوكله ببيع القليل
والكثير ويوكله بحفظ القليل والكثير لا غيره ويوكله بدفع القليل والكثير لا غيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع، أو شراء، أو وديعة، أو خصومة، أو عمارة، أو غير ذلك.
وإذا وكلت المرأة وكيلا بالخصومة وهي حاضرة فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول لا أقبل إلا أن يرضى الخصم، وكان ابن أبي ليلى يقول نقبل ذلك ونجيزه وبه يأخذ (قال الشافعي) : - رحمه الله - وأقبل الوكالة من الحاضر من النساء والرجال في العذر وغيره، وقد كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب حاضر فقبل ذلك عثمان - رضي الله عنه - وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب ولا أحسبه أنه كان يوكله إلا عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولعل عند أبي بكر - رضي الله عنه - (قال الشافعي) : - رحمه الله - وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها.
[باب في الدين]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان على الرجل دين، وكان عنده وديعة غير معلومة بعينها فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ما ترك الرجل فهو بين الغرماء وأصحاب الوديعة بالحصص وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ليس لصاحب الوديعة شيء لا أن يعرف وديعته بعينها فتكون له خاصة وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - هي دين في ماله ما لم يقل قبل الموت قد هلكت، ألا ترى أنه لم يعلم لها سبيل ذهبت فيه، وكذلك كل مال أصله أمانة وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان عند الرجل وديعة بعينها، وكانت عليه ديون فالوديعة لرب الوديعة لا تدخل عليه الغرماء فيها، ولو كانت بغير عينها مثل دنانير ودراهم وما لا يعرف بعينه حاص رب الوديعة الغرماء إلا أن يقول المستودع الميت قبل أن يموت قد هلكت الوديعة فيكون القول قولك؛ لأنه أمين، وإذا أقر الرجل في مرضه الذي مات فيه بدين وعليه دين بشهود في صحته وليس له وفاء فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول يبدأ بالدين المعروف الذي في صحته فإن فضل عنهم شيء كان للذين أقر لهم في المرض بالحصص، ألا ترى أنه حين مرض أنه ليس يملك من ماله شيئا ولا تجوز وصيته فيه لما عليه من الدين فكذلك إقراره له وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هو مصدق فيما أقر به والذي أقر له في الصحة، والمرض سواء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت على الرجل ديون معروفة من بيوع، أو جنايات، أو شيء استهلكه، أو شيء أقر به وهذا كله في الصحة، ثم مرض فأقر بحق لإنسان فذلك كله سواء ويتحاصون معا لا يقدم واحد على الآخر ولا يجوز أن يقال فيه إلا هذا والله تعالى أعلم، أو أن يقول رجل إذا مرض فإقراره باطل كإقرار المحجور عليه فأما أن يزعم أن إقراره يلزمه، ثم لا يحاص به غرماؤه فهذا تحكم، وذلك أن يبدأ بدين الصحة وإقرار الصحة فإن كان عليه دين في المرض ببينة حاص وإن لم يكن ببينة لم يحاص، وإذا فرع الرجل أهل دين الصحة ودين المرض بالبينة لم تجز له وصية ولم يورث حتى يأخذ هذا حقه فهذا دين مرة يبدأ على المواريث، والوصايا وغير دين إذا صار لا يحاص به.
وإذا استدانت المرأة وزوجها غائب فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول أفرض لها على زوجها نفقة مثلها في غيبته، ثم رجع عن ذلك فقال لا شيء لها وهي متطوعة فيما أنفقت والدين عليها خاصة، وكان ابن أبي ليلى لا يفرض لها نفقة إلا فيما يستقبل، وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا غاب الرجل
عن امرأته فلم ينفق عليها فرضت عليه النفقة لما مضى منذ ترك النفقة عليها إلى أن أنفق ولا يجوز أن يكون لو كان حاضرا ألزمناه نفقتها وبعنا لها في ماله، ثم يغيب عنها، أو يمنعها النفقة ولا نجعل لها عليه دينا؛ لأن الظلم إذا يقطع الحق الثابت والظلم لا يقطع حقا والذي يزعم أنه يفرض عليه نفقتها في الغيبة يزعم أنه لا يقضي على غائب إلا زوجها فإنه يفرض عليه نفقتها وهو غائب فيخرجها من ماله فيدفعها إليها فيجعلها، أوكد من حقوق الناس مرة في هذا، ثم يطرحها بغيبته إن لم تقم عليه وهو لا يطرح حقا بترك صاحبه القيام عليه ويعجب من قول أصحابنا في الحيازة ويقول الحق جديد والترك غير خروج من الحق، ثم يجعل الحيازة في النفقة.
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن يأخذوهم بأن ينفقوا، أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا.
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وهم يزعمون أنهم لا يخالفون الواحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خالفوا حكم عمر ويزعمون أنهم لا يقبلون من أحد ترك القياس، وقد تركوه وقالوا فيه قولا متناقضا.
وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول هو قصاص وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يكون قصاصا إلا أن يتراضيا به فإن كان لأحدهما على صاحبه مال مخالف لذلك لم يكن ذلك قصاصا في قولهما جميعا
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا كان لرجل على رجل مال وله عليه مثله لا يختلفان في وزن ولا عدد، وكانا حالين معا فهو قصاص فإن كانا مختلفين لم يكن قصاص إلا بتراض ولم يكن التراضي جائزا إلا بما تحل به البيوع
وإذا أقر وارث بدين وفي نصيبه وفاء بذلك الدين فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول يستوفي الغريم من ذلك الوارث المقر جميع ماله من نصيبه؛ لأنه لا ميراث له حتى يقضي الدين وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إنما يدخل عليه من الدين بقدر نصيبه من الميراث فإن كان هو وأخ له دخل عليه النصف وإن كانوا ثلاثة دخل عليه الثلث والشاهد عنده منهم وحده بمنزلة المقر وإن كانا اثنين جازت شهادتهما في جميع الميراث في قولهما جميعا إذا كانا عدلين فإن لم يكونا عدلين كان ذلك في أنصبائهما على ما فسرنا من قول أبي حنيفة وابن أبي ليلى
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - إذا مات الرجل وترك ابنين غير عدلين فأقر أحدهما على أبيه بدين فقد قال بعض أصحابنا للغريم المقر له أن يأخذ من المقر مثل الذي كان يصيبه مما في يديه لو أقر به الآخر، وذلك النصف من دينه مما في يديه وقال غيرهم يأخذ جميع ماله من هذا فمتى أقر له الآخر رجع المأخوذ من يديه على الوارث معه فيقاسمه حتى يكونا في الميراث سواء.
وإذا كتب الرجل بقرض في ذكر حق، ثم أقام بينة أن أصله كان مضاربة فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول آخذه به وإقراره على نفسه بالقرض أصدق من دعواه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أبطله عنه وأجعله عليه مضاربة وهو فيه أمين
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا أقر الرجل أن للرجل عليه ألف درهم سلفا، ثم جاء بالبينة أنها مقارضة سئل الذي له السلف فإن قال نعم هي مقارضة أردت أن يكون له ضامنا أبطلنا عنه السلف وجعلناها مقارضة وإن لم يقر بهذا رب المال وادعاه المشهود له أحلفناه فإن حلف كانت له عليه دينا، وكان إقراره على نفسه أولى من شهود شهدوا له بأمر قد يمكن أن يكونوا صدقوا فيه ويكون أصلها مقارضة تعدى فيها فضمن، أو يكونوا كذبوا.
وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بمال في ذكر حق من شيء جائز فأقام الذي عليه الدين البينة أنه من ربا وأنه قد أقر أنه قد كتب ذكر حق من شيء جائز فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا أقبل منه
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (299)
صــــــــــ 129 الى صـــــــــــ 135
المخرج ويلزمه المال بإقراره أنه ثمن شيء جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقبل منه البينة على ذلك ويرده إلى رأس المال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أقام الرجل على الرجل البينة بألف درهم فأقام الذي عليه الألف البينة أنها من ربا فإن شهدت البينة على أصل بيع ربا سئل الذي له الألف هل كان ما قالوا من البيع فإن قالوا لم يكن بينه وبينه بيع ربا قط ولا له حق عليه من وجه من الوجوه إلا هذه الألف وهي من بيع صحيح قبلت البينة عليه وأبطلت الربا كائنا ما كان ورددته إلا رأس ماله وإن امتنع من أن يقر بها أحلفته له فإن حلف لزمت الغريم الألف وهي في مثل معنى المسألة قبلها؛ لأنه قد يمكن أن يكون أربى عليه في الألف ويكون له ألف غيرها.
وإذا أقر الرجل بمال في ذكر حق من بيع، ثم قال بعد ذلك لم أقبض المبيع وتشهد عليه بينة بقبضه فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول المال له لازم ولا ألتفت إلى قوله، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يلزمه شيء من المال حتى يأتي الطالب بالبينة أنه قد قبض المتاع الذي به عليه ذكر الحق وقال أبو يوسف - رحمه الله - أسأل الذي له الحق أبعت هذا؟ فإن قال نعم قلت فأقم البينة على أنك قد وفيته متاعه فإن قال الطالب لم أبعه شيئا لزمه المال (قال الشافعي) : - رحمه الله: وإذا جاء بذكر حق وبينة على رجل أن عليه ألف درهم من ثمن متاع، أو ما كان فقال الذي عليه البينة إنه باعني هذا المتاع ولم أقبضه كلفت الذي له الحق بينة أنه قد قبضه، أو أقر بقبضه فإن لم يأت بها أحلفت الذي عليه الحق ما قبضت المتاع الذي هذه الألف ثمنه، ثم أبرأته من هذه الألف، وذلك أن الرجل يشتري من الرجل الشيء فيجب عليه ثمنه بتسليم البائع ما اشترى منه ويسقط عنه الثمن بهلاك الشيء قبل أن يقبضه ولا يلزمه أن يكون دافعا للثمن إلا بأن يدفع السلعة إليه، ولو كان الذي له الألف أتى بذكر حق وبشاهدين يشهدان أن عليه ألف درهم من ثمن متاع اشتراه منه، ثم قال المشهود عليه لم أقبضه سئل المشهود له بالألف فإن قال هذه الألف من ثمن متاع بعته إياه وقبضه كلف البينة على أنه قبضه، وكان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها وإن قال قد أقر لي بالألف فخذه لي بإقراره أخذته له به وأحلفته على دعوى المشهود عليه.
وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم وجاء عليه بالبينة فشهد أحد شاهديه بالألف وشهد الآخر بألفين فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا شهادة لهما؛ لأنهما قد اختلفا، وكان ابن أبي ليلى يجيز من ذلك ألف درهم ويقضي بها للطالب وبه يأخذ، ولو شهد أحدهما بألف وشهد الآخر بألف وخمسمائة كانت الألف جائزة في قولهما جميعا وإنما أجاز هذا أبو حنيفة؛ لأنه كان يقول قد سمى الشاهدان جميعا ألفا وقال الآخر خمسمائة فصارت هذه مفصولة من الألف
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم وجاء عليه بشاهدين شهد له أحدهما بألف، والآخر بألفين سألتهما فإن زعما أنهما شهدا بها عليه بإقراره، أو زعم الذي شهد بألف أنه شك في الألفين وأثبت الألف فقد ثبت عليه الألف بشاهدين إن أراد أخذها بلا يمين وإن أراد الألف الأخرى التي له عليها شاهد واحد أخذها بيمين مع شاهد وإن كانا اختلفا فقال الذي شهد بالألفين شهدت بهما عليه من ثمن عبد قبضه وقال الذي شهد عليه بألف شهدت بها عليه من ثمن ثياب قبضها فقد بينا أن أصل الحقين مختلف فلا يأخذ إلا بيمين مع كل واحد منهما فإن أحب حلف معهما وإن أحب حلف مع أحدهما وترك الآخر إذا ادعى ما قالا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وسواء ألفين، أو ألفا وخمسمائة.
وإذا شهد الرجل على شهادة رجل وشهد آخر على شهادة
نفسه في دين، أو شراء، أو بيع فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا تجوز شهادة شاهد على شهادة شاهد ولا يقبل عليه إلا شاهدان، وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل شهادة شاهد على شهادة شاهد، وكذلك بلغنا عن شريح وإبراهيم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين لم أقبل على كل شاهد إلا شهادة شاهدين معا (قال الربيع) من قبل أن الشاهدين لو شهدا على شهادة شاهد لم يحكم بها الحاكم إلا بشاهد آخر فلما شهدا على شهادة الشاهد الآخر كانا إنما جرا إلى أنفسهما إجازة شهادتهما الأولى التي أبطلها الحاكم فلم نجز إلا شهادة شاهدين على كل شاهد.
وإذا شهد الشهود على دار أنها لفلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول إن شهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غير هؤلاء جازت الشهادة وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا تجوز شهادتهم إذا قالوا لا نعلم له وارثا غير هؤلاء حتى يثبتوا ذلك فيقولوا لا وارث له غيرهم.
وإذا وارث غيرهم ببينة أدخله معهم في الميراث ولم تبطل شهادة الأولين في قولهما
(قال الشافعي) : - رضي الله عنه - وإذا شهد الشهود أن هذه الدار دار فلان مات وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا إلا فلان وفلان قبل القاضي شهادتهم فإن كان الشاهدان من أهل المعرفة الباطنة به قضي لهما بالميراث وإن جاء ورثة غيرهم أدخلتهم عليهم، وكذلك لو جاء أهل وصية، أو دين فإن كانوا من غير أهل المعرفة الباطنة بالميت احتاط القاضي فسأل أهل المعرفة فقال هل تعلمون له وارثا غيرهم؟ فإن قالوا نعم قد بلغنا فإنا لا نقسم الميراث حتى نعلم كم هم فنقسمه عليهم فإن تطاول أن يثبت ذلك دعا القاضي الوارث بكفيل بالمال ودفعه إليه ولم يجبره إن لم يأت بكفيل، ولو قال الشهود لا وارث له غيرهم قبلته على معنى لا نعلم، ولو قالوا ذلك على الإحاطة لم يكن هذا صوابا منهم ولم يكن فيه ما رد شهادتهم؛ لأن الشهادة على البت تؤول إلى العلم.
، وإذا شهد الشهود على زنا قديم، أو سرقة قديمة فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول يدرأ الحد في ذلك ويقضي بالمال وينظر في المهر لأنه قد وطئ فإذا لم يقم الحد بالوطء فلا بد من مهر، وكذلك بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه قال أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا عند حضرة ذلك فإنما شهدوا على ضغن فلا شهادة لهم وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل شهادتهم وأمضي الحد فأما السكران فإن أتى به وهو غير سكران فلا حد عليه وإن كان أخذ وهو سكران فلم يرتفع إلى الوالي حتى ذهب السكر عنه إلا أنه في يدي الشرط، أو عامل الوالي فإنه يحد
(قال الشافعي) : - رحمه الله: وإذا شهد الشهود على حد لله، أو للناس، أو حد فيه شيء لله عز وجل وللناس مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر وأثبتوا الشهادة على المشهود عليه أنها بعد بلوغه في حال يعقل فيها أقيم عليه الحد ذلك الحد إلا أن يحدث بعده توبة فيلزمه ما للناس ويسقط عنه ما لله قياسا على قول الله عز وجل في المحاربين {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: ٣٤] الآية فما كان من حد لله تاب صاحبه من قبل أن يقدر عليه سقط عنه والتوبة مما كان ذنبا بالكلام مثل القذف وما أشبهه الكلام بالرجوع عن ذلك والنزوع عنه والتوبة مما كان ذنبا بالفعل مثل الزنا وما أشبهه فبترك الفعل مدة يختبر فيها حتى يكون ذلك معروفا وإنما يخرج من الشيء بترك الذي دخل به فيه (قال الربيع) للشافعي فيها قول آخر أنه يقام عليه الحد وإن تاب؛ لأن الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقر بالحد لم يأته إن شاء الله تعالى إلا تائبا، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجمه وليس طرح الحدود التي لله عز وجل إلا في المحاربين خاصة فأما ما كان للآدميين فإنهم إن كانوا قتلوا فأولياء الدم مخيرون في قتلهم، أو أخذ الدية، أو أن يعفوا وإن كانوا أخذوا المال أخذ منهم
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا شهد الشهود عند
القاضي بشهادة فادعى المشهود عليه أنهم شهدوا بزور وقال أنا أجرحهم وأقيم البينة أنهم استؤجروا وأنهم قوم فساق فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا أقبل الجرح على مثل هذا وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقبله فأما غير ذلك من محدود في قذف، أو شريك، أو عبد فهما يقبلان في هذا الجرح جميعا وحفظي عن أبي يوسف أنه قال بعد يقبل الجرح إذا شهد من أعرفه وأثق به
(قال الشافعي) : - رضي الله عنه - وإذا شهد الشهود على الرجل بشهادة فعدلوا انبغى للقاضي أن يسميهم وما شهدوا به على المشهود عليه ويمكنه من جرحهم فإن جاء بجرحتهم قبلها وإن لم يأت بها أمضى عليه الحق ويقبل في جرحتهم أن يكونوا له مهاجرين في الحال التي شهدوا فيها عليه وإن كانوا عدولا ويقبل جرحتهم بما تجرح به الشهود من الفسق وغيره وينبغي أن يقف الشهود على جرحتهم ولا يقبل منهم الجرحة إلا بأن يبينوا ما يجرحون به مما يراه هو جرحا فإن من الشهود من يجرح بالتأويل وبالأمر الذي لا جرح في مثله فلا يقبل حتى يثبتوا ما يراه هو جرحا كان الجارح من شاء أن يكون في فقه، أو فضل
وإذا شهد الوصي للوارث الكبير على الميت بدين، أو صدقة في دار، أو هبة، أو شراء فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول لا يجوز ذلك، وكان ابن أبي ليلى يقول هو جائز وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا مات الرجل فأوصى إلى رجل فشهد الوصي لمن لا يلي أمره من وارث كبير رشيد، أو أجنبي، أو وارث يليه غير الوصي فشهادته جائزة وليس فيها شيء ترد له، وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي، وإذا شهد الوصي على غير الميت للوارث الكبير بشيء له خاصة فشهادته جائزة في قولهما جميعا (قال الشافعي) : وكذلك إذا شهد لمن لا يلي أمره على أجنبي.
وإذا ادعى رجل دينا على ميت فشهد له شاهدان على حقه وشهد هو وآخر على وصية ودين لرجل عليه فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول شهادتهم جائزة لأن الغريم يضر نفسه بشهادته وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا تجوز شهادته، وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم تجز؛ لأنهم شركاء في الوصية الثلث بينهم وقال أبو يوسف أصحاب الوصايا، والغرماء سواء لا تجوز شهادة بعضهم لبعض
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه: وإذا كان لرجل دين ببينة على ميت، ثم شهد هو وآخر معه لرجل بوصية فشهادتهما جائزة ولا شيء فيها مما ترد له إنما ترد بأن يجرا إلى أنفسهما بها وهذان لم يجرا إلى أنفسهما بها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا شهد أصحاب الوصايا بعضهم لبعض لم يجز؛ لأنهم شركاء في الوصية الثلث بينهم.
وإذا شهد الرجل لامرأته فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا تجوز شهادته لها، وكذلك بلغنا عن شريح وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول شهادته لها جائزة
(قال الشافعي) : - رضي الله تعالى عنه - ترد شهادة الرجل لوالديه وأجداده وإن يعدوا من قبل أبيه وأمه ولولده وإن سفلوا ولا ترد لأحد سواهم زوجة ولا أخ ولا عم ولا خال.
وإذا شهد الرجل على شهادة وهو صحيح البصر، ثم عمي فذهب بصره فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا تجوز شهادته تلك إذا شهد بها بلغنا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - رد شهادة أعمى شهد عنده، وكان ابن أبي ليلى يقول شهادته جائزة وبه يأخذ إذا كان شيء لا يحتاج أن يقف عليه
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا شهد الرجل وهو بصير، ثم أدى الشهادة وهو أعمى جازت شهادته من قبل أن أكثر ما في الشهادة السمع، والبصر وكلاهما كان فيه يوم شهد فإن قال قائل ليسا فيه يوم يشهد قيل إنما احتجنا إلى الشهادة يوم كانت فأما يوم تقام فإنما هي تعاد بحكم شيء قد أثبته بصيرا، ولو رددناها إذا لم يكن بصيرا لأنه لا يرى المشهود عليه حين يشهد لزمنا أن لا نجيز شهادة بصير على ميت ولا على غائب؛ لأن الشاهد لا يرى الميت ولا الغائب والذي يزعم أنه لا يجيز شهادته بعد العمى، وقد أثبتها بصيرا يجيز شهادة البصير
على الميت، والغائب.
وإذا أقر الرجل بالزنا أربع مرات في مقام واحد عند القاضي فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول هذا عندي بمنزلة مرة واحدة ولا حد عليه في هذا وبه يأخذ بلغنا «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ماعز بن مالك أتاه فأقر عنده بالزنا فرده، ثم أتاه الثانية فأقر عنده فرده، ثم أتاه الثالثة فأقر عنده فرده، ثم أتاه الرابعة فأقر عنده فسأل قومه هل تنكرون من عقله شيئا قالوا لا فأمر به فرجم» وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقيم الحد إذا أقر أربع مرات في مقام واحد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أقر الرجل بالزنا ووصفه الصفة التي توجب الحد في مجلس أربع مرات فسواء هو والذي أقر به في مجالس متفرقة إن كنا إنما احتجنا إلى أن يقر أربع مرات قياسا على أربعة شهود فالذي لم يقم عليه في أربع مرات في مقام واحد وأقامها عليه في أربع مرات في مقامات مختلفة ترك أصل قوله؛ لأنه يزعم أن الشهود الأربعة لا يقبلون إلا في مقام واحد (قال) : ولو تفرقوا حدهم فكان ينبغي له أن يقول الإقرار أربع مرات في مقام أثبت منه في أربعة مقامات فإن قال إنما أخذت بحديث ماعز فليس حديث ماعز كما وصف، ولو كان كما وصف أن ماعزا أقر في أربعة أمكنة متفرقة أربع مرات ما كان قبول إقراره في مجلس أربع مرات خلافا لهذا؛ لأنا لم ننظر إلى المجالس إنما نظرنا إلى اللفظ وليس الأمر كما قالا جميعا وإقراره مرة عند الحاكم يوجب الحد إذا ثبت عليه حتى يرجم، ألا ترى إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» وحديث ماعز يدل حين سأل أبه جنة أنه رده أربع مرات لإنكار عقله.
وإذا أقر الرجل بالزنا عند غير قاض أربع مرات فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان لا يرى ذلك شيئا ولا يحده وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا قامت عليه الشهود بذلك أحده
(قال الشافعي) : - رضي الله عنه - وإذا أقر الرجل عند غير قاض بالزنا فينبغي للقاضي أن لا يرجمه حتى يقر عنده، وذلك أنه يقر عنده ويقضي برجمه فيرجع فيقبل رجوعه فإذا كان أصل القول في الإقرار هكذا لم ينبغ أن يرجمه حتى يقر عنده وينبغي إذا بعث به ليرجم أن يقول لهم متى رجع فاتركوه بعد وقوع الحجارة وقبلها وما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ماعز «فهلا تركتموه» إلا بعد وقوع الحجارة.
وإذا رجع الرجل عن شهادته بالزنا، وقد رجم صاحبه بها فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول يضرب الحد ويغرم ربع الدية وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول أقتله فإن رجعوا أربعتهم قتلتهم ولا نغرمهم الدية فإن رجع ثلاثة في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى: ضربوا الحد وغرم كل واحد منهم ربع الدية
(قال الشافعي) : - رحمه الله: وإذا شهد أربعة على رجل بالزنا فرجم فرجع أحدهم عن شهادته سأله القاضي عن رجوعه فإن قال عمدت أن أشهد بزور قال له القاضي علمت أنك إذا شهدت مع غيرك قتل؟ فإن قال نعم دفعه إلى، أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا فإن قالوا نترك القتل ونأخذ الدية كان لهم عليه ربع الدية وعليه الحد في هذا كله وإن قال شهدت ولا أعلم ما يكون عليه القتل، أو غيره أحلف ما عمد القتل، وكان عليه ربع الدية، والحد وهكذا الشهود معه كلهم إذا رجعوا.
وإذا شهد الشهود عند القاضي على عبد وحلوه ووصفوه وهو في بلدة أخرى فكتب القاضي شهادتهم على ذلك فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا أقبل ذلك ولا أدفع إليه العبد؛ لأن الحلية قد توافق الحلية وهو ينتفع بالعبد حتى يأتي به إلى القاضي الذي كتب له أرأيت لو كانت جارية جميلة والرجل غير أمين أكنت أبعث بها معه؟ ، وكان ابن أبي ليلى يختم في عنق العبد ويأخذ من الذي جاء بالكتاب كفيلا، ثم يبعث به إلى القاضي فإذا جاءه العبد، والكتاب الثاني دعا الشهود فإن شهدوا أنه عبده أبرأ كفيله وقضى بالعبد أنه له وكتب له بذلك كتابا إلى القاضي الذي أخذ منه الكفيل
حتى يبرئ كفيله وبه يأخذ
(قال الشافعي) : - رحمه الله: وإذا شهد الشهود لرجل على دابة غائبة فوصفوها وحلوها فالقياس أن لا يكلف صاحب الدابة أن يدفعها من قبل أن الحلية قد تشبه الحلية، وإذا ختم القاضي الذي هو ببلده في عنقها وبعث بها إلى القاضي المشهود عنده فإن زعم أن ضمانها من الذي هي في يديه فقد أخرجها من يديه ولم يبرئه من ضمانها ويقطع عنه منفعتها إلى البلد الذي تصير إليه فإن لم يثبت عليه الشهود، أو ماتوا قبل أن تصل إلى ذلك البلد فردت إليه كان قد انقطعت منفعتها عنه ولم يعط لها إجارة عوضت تلفا غير مضمون له، ولو جعل ضمانها من المدفوعة له وجعل عليه كراءها في مغيبها إن ردت كان قد ألزم ضمانها وإنما يضمن المتعدي وهذا لم يتعد وإنما ذهب ابن أبي ليلى وغيره ممن ذهب مذهبه إلى أن قال لا سبيل إلى أخذ هذه الدابة إلا بأن يؤتى بها إلى الشهود، أو يذهب بالشهود إليها وليس على الشهود أن يكلفوا الذهاب من بلدانهم، والإتيان بالدابة أخف ولرب الدابة في الدابة مثل ما للشهود في أنفسهم من أن لا يكلف الخروج بشيء لم يستحق عليه وهكذا العبد مثل الدابة وجميع الحيوان.
وإذا شهد الرجل من أهل الكوفة شهادة بعدل بمكة وكتب بها قاضي مكة إلى قاضي مصر في مصر غير مصره بالشهادة وزكى هناك وكتب بذلك إلى قاضي الكوفة فشهد قوم من أهل الكوفة أن هذا الشاهد فاسق فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول شهادتهم لا تقبل عليه أنه فاسق وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول ترد شهادته ويقبل قولهم وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - لا ينبغي للقاضي أن يفعل ذلك لأنه قد غاب عن الكوفة سنين فلا يدري ما أحدث ولعله قد تاب.
(قال الشافعي) : - رضي الله عنه: وإذا شهد الرجلان من أهل مصر بشهادة فعدلا بمكة وكتب قاضي مكة إلى قاضي مصر فسأل المشهود عليه قاضي مصر أن يأتيه بشهود على جرحهما فإن كان جرحهما بعداوة، أو ظنة، أو ما ترد به شهادة العدل قبل ذلك منه وردهما عنه وإن جرحهما بسوء حال في أنفسهما نظر إلى المدة التي قد زايلا فيها مصر وصارا بها إلى مكة فإن كانت مدة تتغير الحال في مثلها التغير الذي لو كانا بمصرهما مجروحين فتغيرا إليها قبلت شهادتهما قبل القاضي شهادتهما ولم يلتفت إلى الجرح؛ لأن الجرح متقدم، وقد حدثت لهما حال بعد الجرح صارا بها غير مجروحين وإن لم تكن أتت عليهما مدة تقبل فيها شهادتهما إذا تغيرا قبل عليهما الجرح، وكان أهل بلدهما أعلم بهما ممن عدلهما غريبا، أو من أهل بلدهما؛ لأن الجرح أولى من التعديل (قال الشافعي) : - رحمه الله: قال الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: ٢] وقال {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: ٢٨٢] (أخبرنا الربيع) قال (أخبرنا الشافعي) قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال عدلان حران مسلمان، ثم لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن هذا معنى الآية، وإذا لم يختلفوا فقد زعموا أن الشهادة لا تتم إلا بأربع أن يكون الشاهدان حرين مسلمين عدلين بالغين وأن عبدا لو كان مسلما عدلا لم تجز شهادته بأنه ناقص الحرية وهي أحد الشروط الأربعة فإذا زعموا هذا فنقص الإسلام أولى أن لا تجوز معه الشهادة من نقص الحرية فإن زعموا أن هذه الآية التي جمعت هذه الأربع الخصال حتم أن لا يجوز من الشهود إلا من كانت فيه هذه الخصال الأربعة المجتمعة فقد خالفوا ما زعموا من معنى كتاب الله حين أجازوا شهادة كافر بحال وإن زعموا أنها دلالة وأنها غير مانعة أن يجوز غير من جمع هذه الشروط الأربعة فقد ظلموا من أجاز شهادة العبيد، وقد سألتهم فكان أعلى من زعموا أنه أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.
شريح، وقد أجاز شريح شهادة العبيد فقال له المشهود عليه أتجيز علي شهادة عبد؟ فقال قم فكلكم سواء عبيد وإماء فإن زعم أنه يخالف شريحا لقول أهل التفسير أن في الآية شرط الحرية فليس في الآية بعينها بيان الحرية وهي محتملة لها وفي الآية
بيان شرط الإسلام فلم وافق شريحا مرة وخالفه أخرى، وقد كتبنا هذا في كتاب الأقضية ولا تجوز شهادة ذكر ولا أنثى في شيء من الدنيا لأحد ولا على أحد حتى يكون بالغا عاقلا حرا مسلما عدلا ولا تجوز شهادة ذمي ولا من خالف ما وصفنا بوجه من الوجوه
وإذا شهد الشاهدان من اليهود على رجل من النصارى وشهد شاهدان من النصارى على رجل من اليهود فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول ذلك جائز؛ لأن الكفر كله ملة واحدة وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى لا يجيز ذلك ويقول؛ لأنهما ملتان مختلفتان، وكان أبو حنيفة يورث اليهودي من النصراني والنصراني من اليهودي ويقول أهل الكفر بعضهم من بعض وإن اختلفت مللهم وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى لا يورث بعضهم من بعض
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا تحاكم أهل الملل إلينا فحكمنا بينهم لم يورث مسلما من كافر ولا كافرا من مسلم وورثنا الكفار بعضهم من بعض فنورث اليهودي النصراني والنصراني اليهودي ونجعل الكفر ملة واحدة كما جعلنا الإسلام ملة؛ لأن الأصل إنما هو إيمان، أو كفر.
وإذا شهد الشهود عند قاضي الكوفة على عبد وحلوه ووصفوه أنه لرجل فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - قال لا أكتب له وقال ابن أبي ليلى أكتب شهادتهم إلى قاضي البلد الذي فيه العبد فيجمع القاضي الذي العبد في بلده بين الذي جاء بالكتاب وبين الذي عنده العبد فإن كان للذي عنده العبد حجة وإلا بعث بالعبد مع الرجل الذي جاء بالكتاب مختوما في عنقه وأخذ منه كفيلا بقيمته ويكتب إلى القاضي بجواب كتابه بذلك فيجمع قاضي الكوفة بين البينة وبين العبد حتى يشهدوا عليه بعينه، ثم يرده مع الذي جاء به إلى قاضي البلد الذي كان فيه العبد حتى يجمع بينه وبين خصمه، ثم يمضي عليه القضاء ويبرأ كفيله وبه يأخذ قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - ما لم تجئ تهمة، أو أمر يستريبه من الغلام.
وإذا سافر الرجل المسلم فحضره الموت فأشهد على وصيته رجلين من أهل الكتاب فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا تجوز شهادتهما وبه يأخذ لقول الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: ٢] ، وكان ابن أبي ليلى يقول ذلك جائز
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا سافر المسلم فأشهد على وصيته ذميين لم نقبلهما لما وصفنا من شرط الله عز وجل في الشهود، وكان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يرى على شاهد الزور تعزيرا غير أنه يبعث به إلى سوقه إن كان سوقيا وإلى مسجد قومه إن كان من العرب فيقول القاضي يقرئكم السلام ويقول إنا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروه الناس وذكر ذلك أبو حنيفة عن القاسم عن شريح، وكان ابن أبي ليلى يقول عليه التعزير ولا يبعث به ويضربه خمسة وسبعين سوطا قال أبو يوسف - رحمه الله - أعزره ولا أبلغ به أربعين سوطا ويطاف به وقال أبو يوسف بعد ذلك أبلغ به خمسة وسبعين سوطا
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا أقر الرجل بأن قد شهد بزور، أو علم القاضي يقينا أنه قد شهد بزور عزره ولا يبلغ به أربعين ويشهر بأمره فإن كان من أهل المسجد وقفه في المسجد وإن كان من أهل القبيلة وقفه في قبيلته وإن كان سوقيا وقفه في سوقه وقال إنا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه واحذروه، وإذا أمكن بحال أن لا يكون شاهد زور، أو شبه عليه بما يغلط به مثله قيل له لا تقدمن على شهادة إلا بعد إثبات ولم يعزره، وإذا شهد شاهدان لرجل على رجل بحق فأكذبهما المشهود له ردت شهادتهما؛ لأنه أبطل حقه في شهادتهما ولم يعزرا ولا واحد منهما لأنا لا ندري أيهما الكاذب فأما الأولان فقد يمكن أن يكونا صادقين والذي أكذبهما كاذب فإذا أمكن أن يصدق أحدهما ويكذب الآخر لم يعزر واحد منهما من قبل أنا لا ندري أيهما الكاذب
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وكذلك لو شهد رجلان لرجل بأكثر مما ادعى لم يعزرا؛ لأنه قد يمكن أن يكون صادقين، وإذا اختلف الشاهدان في الموطن الذي شهدا فيه فإن أبا حنيفة
رضي الله عنه - كان يقول لا نعزرهما ويقول لأني لا أدري أيهما الصادق من الكاذب إذا كانا شهدا على فعل فإن كانا شهدا على إقرار فإنه كان يقول لا أدري لعلهما صادقان جميعا وإن اختلفا في الإقرار وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يرد الشاهدين وربما ضربهما وعاقبهما، وكذلك لو خالف المدعي الشاهدين في قول أبي حنيفة - رحمه الله - فشهدا بأكثر مما ادعى فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقول لا نضربهما ونتهم المدعي عليهما، وكان ابن أبي ليلى ربما عزرهما وضربهما وربما لم يفعل (قال الشافعي) : - رضي الله عنه - لا نعزرهما إذا أمكن صدقهما، وإذا لم يطعن الخصم في الشاهد فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا يسأل عن الشاهد، وكان ابن أبي ليلى يقول يسأل عنه وبهذا يأخذ، وكان أبو حنيفة - رحمه الله - لا يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولا يقبل القاضي شهادة شاهد حتى يعرف عدله طعن فيه الخصم، أو لم يطعن ولا تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح ولا غيرها قبل أن يتفرقوا ولا بعد أن يتفرقوا؛ لأنهم ليسوا من شرط الله الذي شرطه في قوله {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: ٢٨٢] وهذا قول ابن عباس - رضي الله عنهما - وخالفه ابن الزبير وقال نجيز شهادتهم إذا لم يتفرقوا وقول ابن عباس - رضي الله عنهما - أشبه بالقرآن، والقياس لا أعرف شاهدا يكون مقبولا على صبي ولا يكون مقبولا على بالغ، ويكون مقبولا في مقامه ومردودا بعد مقامه، والله سبحانه وتعالى الموفق.
[باب في الأيمان]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ادعى الرجل على الرجل دعوى وجاء بالبينة فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا نرى عليه يمينا مع شهوده ومن حجته في ذلك أنه قال بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «اليمين على المدعى عليه، والبينة على المدعي» فلا نجعل على المدعي ما لم يجعل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تحول اليمين عن الموضع الذي وضعها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول على المدعي اليمين مع شهوده، وإذا لم يكن له شهود لم يستحلفه وجعل اليمين على المدعى عليه فإن قال المدعى عليه أنا أرد اليمين عليه فإنه لا يرد اليمين عليه إلا أن يتهمه فيرد اليمين عليه إذا كان كذلك وهذا في الدين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا جاء الرجل بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه، ولو جعلنا عليه اليمين مع شاهديه لم يكن لإحلافنا مع الشاهد معنى، وكان خلافا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» ، وإذا ادعى رجل على رجل دعوى ولا بينة له أحلفنا المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل قلنا لصاحب الدعوى لسنا نعطيك بنكوله شيئا إلا أن تحلف مع نكوله فإن حلفت أعطيناك وإن امتنعت لم نعطك ولهذا كتاب في كتاب الأقضية.
وإذا ورث الرجل ميراثا دارا، أو أرضا، أو غير ذلك فادعى رجل فيها دعوى ولم تكن له بينة فأراد أن يستحلف الذي ذلك في يديه فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول اليمين على علمه أنه لا يعلم لهذا فيه حقا، وكذلك كان ابن أبي ليلى يقول أيضا وإنما جعل أبو حنيفة - رضي الله عنه - على هذا اليمين على علمه؛ لأن الميراث لزمه إن شاء وإن أبى، والبيع لا يلزمه إلا بقبول، وإذا كان الشيء لا يلزمه إلا بفعله وقبول منه مثل البيع، والهبة والصدقة فاليمين في ذلك ألبتة، والميراث لو قال لا أقبله كان قوله ذلك باطلا، وكان الميراث له لازما فلذلك كانت اليمين على علمه في
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السابع
الحلقة (300)
صــــــــــ 136 الى صـــــــــــ 142
الميراث وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول اليمين عليه على علمه في جميع ما ذكرت لك من بيع وغير ذلك
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا ورث الرجل دارا، أو غيرها فادعى رجل فيها دعوى سألناه عن دعواه فإن ادعى شيئا كان في يدي الميت أحلفنا الوارث على علمه ما يعلم له فيها حقا، ثم أبرأناه وإن ادعى فيها شيئا كان في يدي الوارث أحلفناه على البت نحلفه في كل ما كان في يديه على البت وما كان في يدي غيره فورثه على العلم، وإذا استحلف المدعى عليه على دعواه فحلفه القاضي على ذلك، ثم أتى بالبينة بعد ذلك على تلك الدعوى فإن أبا حنيفة - رحمه الله - كان يقبل منه ذلك؛ لأنه بلغنا عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وشريح أنهما كانا يقولان اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا أقبل منه البينة بعد اليمين وبعد فصل القضاء
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا ادعى الرجل على الرجل الدعوى ولم يأت عليه ببينة وأحلفه القاضي فحلف، ثم جاء المدعي ببينة قبلتها وقضيت له بها ولم أمنع البينة العادلة التي حكم المسلمون بالإعطاء بها باليمين الفاجرة.
[باب الوصايا]
وإذا، أوصى الرجل للرجل بسكنى دار، أو بخدمة عبد، أو بغلة بستان، أو أرض، وذلك ثلثه، أو أقل فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول ذلك جائز وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول لا يجوز ذلك، والوقت في ذلك وغير الوقت في قول ابن أبي ليلى سواء
(قال الشافعي) : - رضي الله عنه: وإذا، أوصى الرجل للرجل بغلة داره، أو ثمرة بستانه والثلث يحمله فذلك جائز، وإذا، أوصى له بخدمة عبده والثلث يحمل العبد فذلك جائز وإن لم يحمل الثلث العبد جاز له منه ما حمل الثلث ورد ما لم يحمل؛
وإذا، أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلثه فأجاز ذلك الورثة في حياته وهم كبار، ثم ردوا ذلك بعد موته فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا تجوز عليهم تلك الوصية ولهم أن يردوها لأنهم أجازوا وهم لا يملكون الإجازة ولا يملكون المال، وكذلك بلغنا عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وشريح وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول إجازتهم جائزة عليهم لا يستطيعون أن يرجعوا إلى شيء منها، ولو أجازوها بعد موته، ثم أرادوا أن يرجعوا فيها قبل أن تنفذ الوصية لم يكن ذلك لهم، وكانت إجازتهم جائزة في هذا الموضع في قولهما جميعا
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا، أوصى الرجل للرجل بأكثر من ثلث ماله فأجاز ذلك الورثة وهو حي، ثم أرادوا الرجوع فيه بعد أن مات فذلك جائز لهم؛ لأنهم أجازوا ما لم يملكوا، ولو مات فأجازوها بعد موته، ثم أرادوا الرجوع قبل القسم لم يكن ذلك لهم من قبل أنهم أجازوا ما ملكوا فإذا أجازوا ذلك قبل موته كانت الوصية وصاحبهم مريض، أو صحيح كان لهم الرجوع؛ لأنهم في الحالين جميعا غير مالكين أجازوا ما لم يملكوا
(قال) : وإذا، أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبماله كله لآخر فرد ذلك الورثة كله إلى الثلث، فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول الثلث بينهما نصفان لا يضرب صاحب الجميع بحصة الورثة من المال، وكان ابن أبي ليلى يقول الثلث بينهما على أربعة أسهم يضرب صاحب المال بثلاثة أسهم ويضرب صاحب الثلث بسهم واحد وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا، أوصى الرجل لرجل بثلث ماله، ولآخر بماله كله ولم يجز ذلك الورثة أقسم الوصية على أربعة أسهم لصاحب الكل ثلاثة ولصاحب الثلث واحد قياسا على عول الفرائض ومعقول في الوصية أنه أراد هذا بثلاثة وهذا بواحد.
[باب المواريث]
(أخبرنا الربيع) قال (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأمه وجده فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول المال كله للجد وهو بمنزلة الأب في كل ميراث، وكذلك بلغنا عن أبي بكر الصديق، وعن عبد الله بن عباس، وعن عائشة أم المؤمنين، وعن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهم - أنهم كانوا يقولون الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن له أب، وكان ابن أبي ليلى يقول في الجد بقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - للأخ النصف وللجد النصف، وكذلك قال زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود في هذه المنزلة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا هلك الرجل وترك جده وأخاه لأبيه وأمه فالمال بينهما نصفان وهكذا قال زيد بن ثابت وعلي وعبد الله بن مسعود وروي عن عثمان - رضي الله عنهم - وخالفهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فجعل المال للجد وقالته معه عائشة وابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عتبة - رضي الله عنهم - وهو مذهب أهل الكلام في الفرائض، وذلك أنهم يتوهمون أنه القياس وليس واحد من القولين بقياس غير أن طرح الأخ بالجد أبعد من القياس من إثبات الأخ معه، وقد قال بعض من يذهب هذا المذهب إنما طرحنا الأخ بالجد لثلاث خصال أنتم مجتمعون معنا عليها إنكم تحجبون به بني الأم، وكذلك منزلة الأب ولا تنقصونه من السدس، وكذلك منزلة الأب وأنكم تسمونه أبا (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : قلت إنما حجبنا به بني الأم خبرا لا قياسا على الأب قال وكيف ذلك؟ قلت نحن نحجب بني الأم ببنت ابن ابن متسفلة وهذه وإن وافقت منزلة الأب في هذا الموضع فلم نحكم لها نحن وأنت بأن تكون تقوم مقام الأب في غيره، وإذا وافقه في معنى وإن خالفه في غيره وأما أن لا ننقصه من السدس فإنا لم ننقصه خبرا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفرأيتنا وإياك أقمناها مقام الأب إن وافقته في معنى وأما اسم الأبوة فنحن وأنت نلزم من بيننا وبين آدم اسم الأبوة.
وإذا كان ذلك ودون أحدهم أب أقرب منه لم يرث، وكذلك لو كان كافرا، والموروث مسلما، أو قاتلا، والموروث مقتولا، أو كان الموروث حرا، والأب مملوكا فلو كان إنما ورثنا باسم الأبوة فقط ورثنا هؤلاء الذين حرمناهم كلهم ولكنا إنما ورثناهم خبرا لا بالاسم قال فأي القولين أشبه بالقياس؟ قلت ما فيهما قياس، والقول الذي اخترت أبعد من القياس، والعقل قال فأين ذلك؟ قلت أرأيت الجد، والأخ إذا طلبا ميراث الميت أيدليان بقرابة أنفسهما أم بقرابة غيرهما؟ قال وما ذلك قلت أليس إنما يقول الجد أنا أبو أبي الميت ويقول الأخ أنا ابن أبي الميت؟ قال بلى قلت فبقرابة أبي الميت يدليان معا إلى الميت قلت فاجعل أبا الميت هو الميت أيهما أولى بكثرة ميراثه ابنه، أو أبوه؟ قال، بل ابنه؛ لأن له خمسة أسداس ولأبيه السدس قلت: فكيف حجبت الأخ بالجد، والأخ إذا مات الأب أولى بكثرة ميراثه من الجد لو كنت حاجبا أحدهما بالآخر انبغى أن تحجب الجد بالأخ قال وكيف يكون القياس فيه؟ قلت لا معنى للقياس فيهما معا يجوز، ولو كان له معنى انبغى أن نجعل للأخ أبدا حيث كان مع الجد خمسة أسداس وللجد السدس وقلت أرأيت الإخوة أمثبتي الفرض في كتاب الله؟ قال نعم قلت فهل للجد في كتاب الله فرض؟ قال لا قلت، وكذلك السنة هم مثبتون فيها ولا أعلم للجد في السنة فرضا إلا من وجه واحد لا يثبته أهل الحديث كل التثبيت فلا أعلمك إلا طرحت الأقوى من كل وجه بالأضعف.
وإذا أقرت الأخت وهي لأب وأم، وقد ورث معها العصبة بأخ لأب فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول نعطيه نصف ما في يدها؛ لأنها أقرت أن المال كله بينهما نصفان فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان وبه يأخذ
وكان ابن أبي ليلى يقول لا نعطيه مما في يدها شيئا لأنها أقرت بما في يدي العصبة وهو سواء في الورثة كلهم ما قالا جميعا
(قال الشافعي) : وإذا مات الرجل وترك أخته لأبيه وأمه وعصبته فأقرت الأخت بأخ فالقياس أنه لا يأخذ شيئا وهكذا كل من أقر به وهو وارث فكان إقراره لا يثبت نسبة فالقياس أن لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له بحق عليه في ذلك الحق مثل الذي أقر له به؛ لأنه إذا كان وارثا بالنسب كان موروثا به، وإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به، وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها قد صارت ملكا له، وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شيء فلما سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الإقرار له، وذلك مثل الرجلين يتبايعان العبد فيختلفان في ثمنه، وقد تصادقا على أنه قد خرج من ملك المالك إلى ملك المشتري فلما لم يسلم للمشتري ما زعم أنه ملكه به سقط الإقرار فلا يجوز أن يثبت للمقر له بالنسب حق، وقد أحطنا أنه لم يقر له به من دين ولا وصية ولا حق على المقر له إلا الميراث الذي إذا ثبت له ثبت أن يكون موروثا به، وإذا لم يثبت له أن يكون موروثا بالنسب لم يثبت له أن يكون وارثا به.
وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدها ولم يقر بحبل امرأته، ثم جاءت بولد بعد موته وجاءت بامرأة تشهد على الولادة فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا أقبل هذا ولا أثبت نسبه ولا أورثه بشهادة امرأة، وكان ابن أبي ليلى يقول أثبت نسبه وأورثه بشهادتها وحدها وبه يأخذ
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا مات الرجل وترك ولدا وزوجة فولدت فأنكر ابنه ولدها فجاءت بأربع نسوة يشهدن بأنها ولدته كان نسبه ثابتا، وكان وارثا ولا أقبل فيه أقل من أربع نسوة قياسا على القرآن لأن الله عز وجل ذكر شاهدين وشاهدا وامرأتين فأقام امرأتين حيث أجازهما مقام رجل فلما أجزنا النساء فيما يغيب عنه الرجال لم يجز أن نجيز منهن إلا أربعا قياسا على ما وصفت وجملة هذا القول قول عطاء بن أبي رباح.
وإذا كان للرجل عبدان ولدا في ملكه كل واحد منهما من أمة فأقر في صحته أن أحدهما ابنه، ثم مات ولم يبين ذلك فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول لا يثبت نسب واحد منهما ويعتق من كل منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته، وكذلك أمهاتهما وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يثبت نسب أحدهما ويرثان ميراث ابن ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته، وكذلك أمهاتهما
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان لرجل أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد بأن أحدهما ابنه ومات ولا يعرف أيهما أقر به فإنا نريهما القافة فإن ألحقوا به أحدهما جعلناه ابنه وورثناه منه وجعلنا أمه أم ولد تعتق بموته وأرققنا الآخر وإن لم تكن قافة، أو كانت فأشكل عليهم لم نجعل ابنه واحدا منهما وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه بأنها أم ولد وأرققنا الآخر وأمه وأصل هذا مكتوب في كتاب العتق.
وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام ابن عم له البينة أنها دار جدهما والذي هي في يديه منكر لذلك فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول لا أقضي بشهادتهم حتى يشهدوا أن الجد تركها ميراثا لأبيه ولأبي صاحبه لا يعلمون له وارثا غيرهما، ثم توفي أبو هذا وترك نصيبه منها ميراثا لهذا لا يعلمون له وارثا غيره، وكان ابن أبي ليلى يقول أقضي له بشهادتهم وأسكنه في الدار مع الذي هي في يديه ولا يقتسمان حتى تقوم البينة على المواريث كما وصفت لك في قول أبي حنيفة ولا يقولان لا نعلم في قول ابن أبي ليلى لكن يقولان لا وارث له غيرهما في قول ابن أبي ليلى وقال أبو يوسف أسكنه ولا
يقتسمان
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كانت الدار في يدي الرجل فأقام ابن عمه البينة أنها دار جدهما أبي أبيهما ولم تقل البينة أكثر من ذلك والذي في يديه الدار ينكر قضيت بها دارا لجدهما ولم أقسمها بينهما حتى تثبت البينة على من ورث جدهما ومن ورث أباهما لأني لا أدري لعل معهما ورثة، أو أصحاب دين، أو وصايا وأقبل البينة إذا قالوا مات جدهما وتركها ميراثا لا وارث له غيرهما ولا يكونون بهذا شهودا على ما لا يعلمون؛ لأنهم في هذا كله إنما يشهدون على الظاهر كشهادتهم على النسب وكشهادتهم على الملك وكشهادتهم على العدل ولا أقبلهم إذا قالوا لا نعلم وارثا غير فلان وفلان إلا أن يكونوا من أهل الخبرة بالمشهود عليه الذين يكون الأغلب منهم أنه لا يخفى عليهم وارث لو كان له، وذلك أن يكونوا ذوي قرابة، أو مودة، أو خلطة، أو خبرة بجوار، أو غيره فإذا كانوا هكذا قبلتهم على العلم لأن معنى البت معنى العلم ومعنى العلم معنى البت.
وإذا توفي الرجل وترك امرأته وترك في بيته متاعا فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يحدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال ما كان للرجال من المتاع فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للباقي منهما المرأة كانت، أو الرجل، وكذلك الزوج إذا طلق، والباقي الزوج في الطلاق وبه كان يأخذ أبو حنيفة وأبو يوسف، ثم قال بعد ذلك لا يكون للمرأة إلا ما يجهز به مثلها في ذلك كله؛ لأنه يكون رجل تاجر عنده متاع النساء من تجارته، أو صانع، أو تكون رهونا عند رجل، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا مات الرجل، أو طلق فمتاع البيت كله متاع الرجل إلا الدرع، والخمار وشبهه إلا أن تقوم لأحدهما بينة على دعواه، ولو طلقها في دارها كان أمرهما على ما وصفت في قولهما جميعا
(قال الشافعي) : وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا، أو بعد ما تفرقا كان البيت للمرأة، أو الرجل، أو بعدما يموتان واختلفت في ذلك ورثتهما بعد موتهما، أو ورثة الميت منهما، والباقي كان الباقي الزوج، أو الزوجة فسواء ذلك كله، فمن أقام البينة على شيء من ذلك فهو له ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الإجماع أن هذا المتاع في أيديهما معا فهو بينهما نصفان كما يختلف الرجلان في المتاع بأيديهما جميعا فيكون بينهما نصفين بعد الإيمان فإن قال قائل فكيف يكون للرجل النضوح، والخلوق والدروع، والخمر ويكون للمرأة السيف والرمح والدرع؟ قيل قد يملك الرجال متاع النساء والنساء متاع الرجال أرأيت لو أقام الرجل البينة على متاع النساء، والمرأة البينة على متاع الرجال أليس يقضى لكل بما أقام عليه البينة؟ فإذا قال بلى قيل أفليس قد زعمت وزعم الناس أن كينونة الشيء في يدي المتنازعين تثبت لكل النصف؟ فإن قال بلى قيل كما تثبت له البينة فإن قال بلى قيل فلم لم تجعل الزوجين هكذا وهي في أيديهما فإن استعملت عليهم الظنون وتركت الظاهر قيل لك فما تقول في عطار ودباغ في أيديهما عطر ومتاع الدباغ تداعياه معا فإن زعمت أنك تعطي الدباغ متاع الدباغين، والعطار متاع العطارين قيل فما تقول في رجل غير موسر ورجل موسر تداعيا ياقوتا ولؤلؤا فإن زعمت أنك تجعله للموسر وهو بأيديهما معا خالفت مذهب العامة وإن زعمت أنك تقسمه بينهما ولا تستعمل عليهما الظن فهكذا ينبغي لك أن تقول في متاع الرجل، والمرأة
(قال) : وإذا أسلم الرجل على يدي الرجل ووالاه وعاقده، ثم مات ولا وارث له فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول ميراثه له بلغنا ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى لا يورثه شيئا مطرف عن الشعبي أنه قال لا ولاء إلا لذي نعمة الليث بن أبي سليم عن أبي الأشعث الصنعاني عن عمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سئل عن الرجل يسلم على يدي الرجل فيموت ويترك مالا فهو له وإن أبى فلبيت
المال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن مسروق أن رجلا من أهل الأرض والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود عن ذلك فقال ماله له.
(قال فالشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا أسلم الرجل على يدي رجل ووالاه، ثم مات لم يكن له ميراثه من قبل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «فإنما الولاء لمن أعتق» وهذا يدل على معنيين أحدهما أن الولاء لا يكون إلا لمن أعتق، والآخر أنه لا يتحول الولاء عمن أعتق وهذا مكتوب في كتاب الولاء.
[باب في الأوصياء]
(قال الشافعي) : - رحمه الله: ولو أن رجلا، أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول هذا الآخر وصي الرجلين جميعا وبهذا يأخذ، وكذلك بلغنا عن إبراهيم، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول هذا الآخر وصي الذي أوصى إليه ولا يكون وصيا للأول إلا أن يكون الآخر أوصى إليه بوصية الأول فيكون وصيهما جميعا وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - بعد لا يكون وصيا للأول إلا أن يقول الثاني قد أوصيت إليك في كل شيء، أو يذكر وصية الآخر
(قال الشافعي) : - رحمه الله: وإذا، أوصى الرجل إلى رجل، ثم حضرت الوصي الوفاة فأوصى بماله وولده ووصية الذي، أوصى إليه إلى رجل آخر فلا يكون الآخر بوصية الأوسط وصيا للأول ويكون وصيا للأوسط الموصى إليه، وذلك أن الأول رضي بأمانة الأوسط ولم يرض أمانة الذي بعده، والوصي أضعف حالا في أكثر أمره من الوكيل، ولو أن رجلا وكل رجلا بشيء لم يكن للوكيل أن يوكل غيره بالذي وكله به ليستوجب الحق، ولو كان الميت الأول، أوصى إلى الوصي أن لك أن توصي بما، أوصيت به إليك إلى من رأيت فأوصى إلى رجل بتركة نفسه لم يكن وصيا للأول ولا يكون وصيا للأول حتى يقول قد أوصيت إليك بتركة فلان فيكون حينئذ وصيا له، ولو أن وصيا لأيتام تجر لهم بأموالهم، أو دفعها مضاربة.
فإن أبا حنيفة - رضي الله عنه - كان يقول هو جائز عليهم ولهم بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي، وكان ابن أبي ليلى يقول لا تجوز عليهم، والوصي ضامن لذلك وقال ابن أبي ليلى أيضا على اليتامى الزكاة في أموالهم فإن أداها الوصي عنهم فهو ضامن وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - ليس على يتيم زكاة حتى يبلغ، ألا ترى أنه لا صلاة عليه ولا فريضة عليه وبهذا يأخذ
(قال الشافعي) : - رضي الله عنه - وإذا كان الرجل وصيا بتركة ميت يلي أموالهم كان أحب إلي أن يتجر لهم بها لم تكن التجارة بها عندي تعديا، وإذا لم تكن تعديا لم يكن ضامنا إن تلفت، وقد اتجر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بمال يتيم كان يليه، وكانت عائشة - رضي الله عنها - تبضع بأموال بني محمد بن أبي بكر في البحر وهم أيتام وتليهم وتؤدي منها الزكاة وعلى ولي اليتيم أن يؤدي الزكاة عنه في جميع ماله كما يؤديها عن نفسه لا فرق بينه وبين الكبير البالغ فيما يجب عليهما كما على ولي اليتيم أن يعطي من مال اليتيم ما لزمه من جناية لو جناها، أو نفقة له من صلاحه (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن معمر بن راشد عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لرجل إن عندنا مالا ليتيم قد أسرعت فيه الزكاة وذكر أنه دفعه إلى رجل يتجر فيه
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : إما قال مضاربة وإما قال بضاعة وقال بعض الناس لا زكاة في مال اليتيم الناض وفي زرعه الزكاة وعليه زكاة الفطر تؤدى عنه وجناياته التي تلزم من ماله واحتج بأنه لا صلاة عليه وأنه لو كان سقوط الصلاة عنه يسقط
عنه الزكاة كان قد فارق قوله إذ زعم أن عليه زكاة الفطر وزكاة الزرع، وقد كتب هذا في كتاب الزكاة
(قال) : ولو أن وصي ميت ورثته كبار وصغار ولا دين على الميت ولم يوص بشيء باع عقارا من عقار الميت فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - كان يقول في ذلك بيعه جائز على الصغار، والكبار، وكان ابن أبي ليلى يقول يجوز على الصغار، والكبار إذا كان ذلك مما لا بد منه وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - بيعه على الصغار جائز في كل شيء كان منه بدأ ولم يكن ولا يجوز على الكبار في شيء من بيع العقار إذا لم يكن الميت، أوصى بشيء يباع فيه، أو يكون عليه دين
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : ولو أن رجلا مات وأوصى إلى رجل وترك ورثة بالغين أهل رشد وصغارا ولم يوص بوصية ولم يكن عليه دين فباع الوصي عقارا مما ترك الميت كان بيعه على الكبار باطلا ونظر في بيعه على الصغار فإن كان باع عليهم فيما لا صلاح لمعاشهم إلا به، أو باع عليهم نظرا لهم بيع غبطة كان بيعا جائزا وإن لم يبع في واحد من الوجهين ولا أمر لزمهم كان بيعه مردودا، وإذا أمرناه إذا كان في يده الناض أن يشتري لهم به العقار الذي هو خير لهم من الناض لم نجز له أن يبيع العقار إلا ببعض ما وصفت من العذر.
[باب في الشركة والعتق وغيره]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة ولأحدهما ألف درهم وللآخر أكثر من ذلك.
فإن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى: كان يقول ليست هذه بمفاوضة وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول هذه مفاوضة جائزة، والمال بينهما نصفان (قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وشركة المفاوضة باطلة ولا أعرف شيئا من الدنيا يكون باطلا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال بالمال، والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التي يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان فإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذي اشتركا فيه معا من تجارة، أو إجارة، أو كنز، أو هبة، أو غير ذلك فهو له دون صاحبه، وإن زعما بأن المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة فيه فاسدة ولا أعرف القمار إلا في هذا، أو أقل منه أن يشترك الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون بينهما أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال كان يجوز فإن قال لا يجوز؛ لأنه عطية ما لم يكن للمعطى ولا للمعطي وما لم يعلمه واحد منهما أفتجيزه على مائتي درهم اشتركا بها؟ فإن عدوه بيعا فبيع ما لم يكن لا يجوز أرأيت رجلا وهب له هبة، أو أجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل، أو هبة أيكون الآخر فيها شريكا؟ لقد أنكروا أقل من هذا
(قال) : ولو أن عبدا بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه وهو موسر كان الخيار للآخر في قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - فإن شاء أعتق العبد كما أعتق صاحبه وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته فيكون الولاء بينهما وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد ويكون الولاء للشريك كله وهو عبد ما بقي عليه من السعاية شيء، وكان ابن أبي ليلى - رحمه الله تعالى - يقول هو حر كله يوم أعتقه الأول، والأول ضامن لنصف القيمة ولا يرجع بها على العبد وله الولاء ولا يخير صاحبه في أن يعتق العبد، أو يستسعيه، ولو كان الذي أعتق العبد معسرا كان الخيار في قول أبي حنيفة للشريك الآخر إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها، والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق
صاحبه، والولاء بينهما، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان معسرا سعى العبد للشريك الذي لم يعتق في نصف قيمته ويرجع بذلك العبد على الذي أعتقه، والولاء كله للذي أعتقه وليس للآخر أن يعتق منه شيئا، وكان يقول إذا أعتق شقصا في مملوك فقد أعتقه كله ولا يتبعض العبد فيكون بعضه رقيقا وبعضه حرا وبه يأخذ أرأيت ما أعتق منه أيكون رقيقا؟ فإن كان ما أعتق منه يكون رقيقا فقد عتق فكيف يجتمع في معتق واحد عتق ورق؟ ، ألا ترى أنه لا يجتمع في امرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق وبعضها امرأة للزوج على حالها.
وكذلك الرقيق وبهذا يأخذ إلا خصلة لا يرجع العبد بما سعى فيه على الذي أعتقه وقال أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يعتق بعضه وبعضه رقيق وهذا كله بمنزلة العبد ما دام منه شيء رقيق، أو يسعى في قيمته أرأيت لو أن الشريك قال نصيب شريكي منه حر وأما نصيبي فلا، هل كان يعتق منه ما لا يملك؟ ، وإذا أعتق منه ما يملك، فكيف يعتق منه ما لا يملك؟ وهل يقع عتق فيما لا يملك الرجل؟
(قال الشافعي) : - رحمه الله - وإذا كان العبد بين الرجلين فأعتق أحدهما نصيبه منه فإن كان موسرا بأن يؤدي نصف قيمته فالعبد حر كله، والولاء للمعتق الأول ولا خيار لسيد العبد الآخر، وإن كان معسرا فالنصف الأول حر والنصف الثاني لمالكه ولا سعاية عليه وهذا مكتوب في كتاب العتق بحججه إلا أنا وجدنا في هذا الكتاب زيادة حرف لم نسمع به في حججهم كان مما احتجوا به في هذا الكتاب أن قال قائلهم كيف تكون نفس واحدة بعضها حر وبعضها مملوك لا يكون كما لا تكون المرأة بعضها طالق وبعضها غير طالق فإن زعم أن العبد يكون فيه الرق، والحرية قياسا على المرأة قيل له: أيجوز للرجل أن ينكح بعض امرأة؟ فإن قال لا، لا تكون إلا منكوحة كلها، أو غير منكوحة قيل له: أفيجوز أن يشتري بعض عبد؟ فإن قال نعم قيل له: فأين العبد من المرأة؟ وقيل له: أيجوز له أن يكاتب المرأة على الطلاق ويكون ممنوعا حتى تؤدي الكتابة، أو تعجز؟ فإن قال: لا قيل: أفيجوز هذا له في العبد؟ فإن قال: نعم قيل: فلم تجمع بينهما؟ فإن قال لا يجتمعان قيل، وكذلك لا يجتمعان حيث جمعت بينهما، ويقال له أيضا أتكون المرأة لاثنين كما يكون العبد مملوكا لاثنين ويكون لزوج المرأة أن يهبها للرجل فتكون زوجة له كما يكون العبد إذا وهبه صار عبدا لمن وهبه له؟ فإن قال: لا قيل فما بال المرأة تقاس على المملوك ويقال له أرأيت العبد إذا عتق مرة أيكون لسيده أن يسترقه كما يكون له إذا طلق المرأة مرة أن يكون له رجعتها؟ فإن قال: لا قيل فما نعلم شيئا أبعد مما قاسه به منه
(قال) : ولو أن عبدا بين رجلين كاتبه أحدهما بغير إذن صاحبه ولا رضاه فأنكر ذلك صاحبه قبل أن يؤدي المكاتب شيئا فإن أبا حنيفة - رضي الله تعالى عنه - كان يقول المكاتبة باطلة ولصاحبه أن يردها لأنها منفعة تصل إليه وليس ذلك له دون صاحبه وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول المكاتبة جائزة وليس للشريك أن يردها، ولو أن الشريك أعتق العبد كان العتق باطلا في قول ابن أبي ليلى حتى ينظر ما يصنع في المكاتبة فإن أداها إلى صاحبها عتق، وكان الذي كاتب ضامنا لنصف القيمة، والولاء كله له، وكان أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: عتق ذلك جائز ويخير المكاتب فإن شاء ألغى الكتابة وعجز عنها وإن شاء سعى فيها، فإن عجز عنها كان الشريك الذي كاتب بالخيار إن شاء ضمن الذي أعتق إن كان موسرا وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته وإن شاء أعتق العبد فإن ضمن الذي أعتق كان له أن يرجع على العبد بما ضمن
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) : وإذا كان العبد بين رجلين فكاتب أحدهما نصيبه بغير إذن شريكه فالكتابة مفسوخة وما أخذ منه بينهما نصفان ما لم يؤد جميع الكتابة فإن أدى جميع الكتابة عتق نصف المكاتب، وكان كمن ابتدأ العتق في عبد بينه وبين رجل إن كان موسرا عتق عليه كله وإن معسرا عتق منه ما عتق، ولو ردت الكتابة قبل
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg