-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
ذكر المصنف هنا أن الخبر ينقسم إلى متواتر وآحاد وعرَّفَ كلا منهما اصطلاحا ونحن نذكر طرفا من ذلك فنقول.
المتواتر
لغة: بمعنى المتتابع مأخوذ من تَواتَرَ أي تتابَعَ
واصطلاحا: أن يرويَ جماعةٌ كثيرةٌ لا يقع التواطؤُ منهم على الكذب عن مثلهم في كل طبقة من طبقات السند إلى أن ينتهي إلى المخبَرِ عنه وأن يكون مستندُهم الحسَّ لا الاجتهاد.
وحكمُ المتواترِ: أنه يوجبُ العِلْمَ.
الآحاد
لغة: جمع (واحد) وأخطأ بعضهم فقال: جمعُ أَحَد. قال في تاج العروس: "وروَى الأَزهَرِيُّ عَن أَبي العبّاسِ سُئلِ عَن الْآحَاد أَهِي جَمْعُ الأَحَدِ؟ فَقَالَ: معاذَ الله، لَيْسَ للأَحَدِ جَمْعٌ، وَلَكِن إِن جُعِلَتْ جَمْعَ الواحِد فَهُوَ مُحْتَمَلٌ مثلُ شَاهِدٍ وأَشْهَادٍ، قَالَ: وَلَيْسَ للواحِدِ تَثْنِيَة وَلَا للاثْنينِ واحِدٌ مِن جِنْسِه"[1].
واصطلاحا: ما لم يجمع شروط المتواتر.
وحكم الآحاد: أنه يوجبُ العمل.
وينقسم الآحاد باعتبارات متعددة ذكرَ منها المصنف ما يتعلق باتصال السند وانقطاعه فذكَرَ أنه ينقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: مسنَدٍ ومرسلٍ ثم عرَّفَ كلا منهما كالآتي:
1- المسند
هو ما اتصل إسناده. يعني ما رواه شخص عن شخص من أوله إلى منتهاه.
وأكثر ما يطلق (المسند) على المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
2- المرسل
ما لم يتصل إسناده. وهذا عند الأصوليين فهو يشمل ما سقط منه راوٍ واحد أو أكثر سواء كان السقط من أول السند أو وسطه أو آخره فيشمل المعلق والمنقطع والمعضل والمرسل
وأما عند المحدثين فالمرسل: ما سقط منه الصحابي.
ثم ذكر المصنف أن المرسلَ غيرُ حجةٍ وأشار إلى أن مراسيل الصحابة حجة بقوله: "فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة"
وكون مراسيلِ الصحابة حجةً هو الذي عليه جماهير أهل العلم وعليه عمل أئمة الحديث
ثم استثنى من مراسيل غير الصحابة مراسيلَ سعيدِ بنِ المسيب
ثم ذكر سبب ذلك وأن مراسيلَهُ قد فُتِّشَتْ فوُجِدَتْ أنها مسانيدُ من طرق أخرى فلهذا كانت مراسيلُ سعيد بن المسيب حجة.
وقد اقتصر المصنف على ذلك وهي لمحةٌ من علم الحديث وثمت تفصيلات كثيرة محل بحثها في كتب المصطلح
ثم انتقل المصنف بعد ذلك إلى الحديث عن صيغ أداء الحديث ومراتب الرواية فذكرَ:
الْعَنْعَنَةَ
وهي أن يقول الراوي (عن فلان)
ومثلها قوله: (قال فلان).
الْأَنْأَنَةُ
وهي أن يقول الراوي: (أنَّ فلانا)
وهذه الصيغُ (عن، وأنَّ، وقال) محمولة على السماع إلا إذا كان الراوي مُدَلِّسًا فإنها تكون محمولة على الانقطاع حتى يتبيَّنَ خِلافُه.
ثم ذَكَرَ مراتب الرواية
وقد جعلها ابن حجر في (النزهة) ثمانيةَ مراتب
وذكر المصنف منها هنا ثلاثة مراتب:
الأولى-أن يقرأ الشيخُ والتلميذُ يسمع وهذا يسمى (السماع) فيجوز للتلميذ الراوي أن يقول: (حدثني أو أخبرني)
الثانية-أن يقرأ التلميذُ على الشيخِ وهذا يسمَّى (العَرْض) فهنا يقول التلميذُ: (أخبرني) ولا يقول: (حدثني) وقد أجازه بعضهم.
الثالثة-أن يجيزه الشيخُ من غير قراءة فيقول: (أجازني) أو (أخبرني إجازة)
______________________________
[1] تاج العروس من جواهر القاموس 9/ 264 مادة (و.ح.د) ط. وزارة الإعلام بالكويت
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
قال صاحبي
قال: ذكرت في تعريف (المتواتر): أن يكون مستندهم الحسَّ
قلت: نعم
قال: مستندهم في ماذا؟
قلت: مستندُهم في الاتفاق، يعني أن يكون مستندُ اتفاقهم في الشيء الذي رووه محسوسا
قال: لا أكاد أفهمُ المراد فزدني.
قلت: المراد بالحِسِّ أن يكون عن شيء يدرَك بالحواس كأن يكون أصحابُ الطبقة الأولى شاهدوا شيئا من النبي صلى الله عليه وسلم فحكوه أو سمعوا منه شيئا فذكروه لمن بعدهم.
قال: يعني كقولهم: سمعنا أو رأينا أو لمسنا ... أو نحو ذلك
ثم قال: فكيف يكون مستندهم الحسَّ في كل الطبقات؟ ولم يرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه إلا أصحابُ الطبقة الأولى!
قلت: ليس المراد بقولهم: (أن يكون مستندهم الحسَّ) أن يكون ذلك في كل الطبقات بل المراد أن يكون ذلك في أصل السند أي الطبقة الأولى.
قال: فما مستند الطبقة الثانية والثالثة وهكذا؟ أليس الشرطُ أن يكون مستندُ اتفاقهم الحس؟
قلت: مستندُ كلِّ طبقةٍ السماعُ مما فوقها، وقد ينضم إلى السماع الرؤيةُ مثلا
قال: وكيف ذلك؟
قلت: بأن يفعل أصحابُ الطبقةِ الأولى مثلَ ما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم كأن يرويَ الصحابيُّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَبَّكَ أصابعَهُ فيُشَبِّكُ الصحابيُّ أصابعَهُ كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثم يشبك التابعيُّ أصابعَه كما شبَّكَ الصحابيُّ وهكذا؛ فيكون مستندهم في مثل هذا: السماعُ والرؤيةُ.
قال: فقولُ المصنف: "المتواترُ ما يوجبُ العلمَ" هل هو تعريف آخرُ للمتواتر؟
قلت: لا، لكن قد يكون من تتمة التعريف وقد يكون المراد: أن حكمَ المتواتر أنه يوجبُ العلمَ
قال: ما معنى أن المتواتر يفيد العلم؟
قلت: أي يفيد العلم اليقيني
قال: فما معنى أن الآحاد لا يفيد العلم؟
قلت: معناه أنه لا يفيد العلم اليقيني الضروري كالمتواتر وإن كان يفيد العلم النظريَّ الاستدلاليَّ
قال: ذكرتَ أن المرسَل غيرُ حجةٍ.
قلت: أجل
قال: كيف ذلك وقد احتجَّ به ثلاثة من الأئمة
قلت: تعني أبا حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه؟
قال: أجل
قلت: إنما استقر الأمر على أن المرسَل من نوع الحديث المردود لجهالة الراوي الذي لم يُسَمَّ فربما كان ضعيفا أو كذابا
قال: فكيف قَبِلَهُ مَنْ ذكرنا من الأئمة؟
قلت: قَبِلُوهُ من التابعي الثقة محتجين بأنه لا يَسْتَحِلُّ أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان قد سمعه من ثقة.
قال: أوَ ليس هذا صحيحا؟
قلت: قد يكون صحيحا وقد لا يكون كذلك
قال: وكيف ذلك؟
قلت: قد يروي التابعيُّ الثقةُ عن ثقةٍ عنده ولكنه ضعيف في نفس الأمر ولم يظهر حالُه للتابعيِّ الراوي عنه، وكما تعلم فكثير من الضعفاء اشتبه أمرهم على كثير من علماء الجرح والتعديل بَلْه غيرَهم وقد كان الإمام الشافعيُّ رضي الله عنه كثيرا ما يقول: حدثني الثقة مريدا به إبراهيم بن يحيى، وهو ضعيف أو كذاب، فاشتبه أمره على الشافعي وظهر لغيره
قال: فالصحيح في ذلك أن المرسَل لا يحتج به على الإطلاق؟
قلت: لا
قال: فَمَهْ؟
قلت: فيه تفصيل كالآتي:
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
قلت: فيه تفصيل كالآتي:
1- مراسيل الصحابة كأكثر روايات ابن عباس مقبولة
2- مراسيل سعيد بن المسيب مقبولة
3- يُشْتَرَطُ لقبول المراسيلِ غير ما سبق شروطا ذكرها الإمام الشافعي
4- ما لم يتوافر فيه ما سبق فهو مردود
قال: لماذا قُبِلَتْ مراسيلُ سعيد بن المسيب
قلت: لأنها فُتِّشَتْ فوُجِدَتْ مسانيدَ
قال: من الذي فَتَّشَها؟
قلت: الإمام الشافعيُّ
قال: فما شروطُ قبولِ المرسَل؟
قلت: شروط قبول المرسَل:
1- أن يكون المرسِلُ من كبار التابعين الذين أكثر روايتهم عن الصحابة مثل: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير.
2- أن يكون المُرْسِلُ إذا سَمَّى مَنْ أسْقَطَهُ وأرسلَ عنه لم يُسَمِّ إلا ثقةً
3- أن يكون المرسِلُ ثقةً حافظا بحيث إذا شاركه الحفاظُ المأمونون لم يخالفوه
4- أن ينضمَّ إلى هذه الشروط الثلاثة السابقة واحدٌ مما يأتي:
أ*- أن يُرْوَى الحديثُ من وجه آخر مَسْنَدًا
ب*- أو يُرْوَى من وجه آخر مرسَلا أرسله مَنْ أَخَذَ العلمَ عن غيرِ رجالِ المرسِلِ الأولِ.
ت*- أو يوافق قولَ صحابيٍّ
ث*- أو يفتي بمقتضاه أكثرُ أهل العلم
فإذا تحققت هذه الشروطُ تبيَّنَ صحةُ مَخْرَجِ المرسَلِ وما عضَّدَهُ وأنهما صحيحان[1].
قال: أرأيتَ إِنْ عارضَهُما صحيحٌ جاء من طريق واحد أيهما نرجِّحُ؟
قلت: نَجْمَعُ بينهما كما سبق
قال: فإن تعذر الجمعُ
قلت: نرجحُ طريق المرسل
قال: ولِمَ؟
قلت: بتعدُّدِ الطرق[2].
قال: ذكرت أن الطالبَ إذا قرأ على الشيخ فإنه يقول (أخبرني) ولا يجوز أن يقول (حدثني)
قال: نعم
قال: فما الفرق بين التحديث والإخبار؟
قلت: أما من حيث اللغة فلا فرق، ولكنه في الاصطلاح.
______________________________ ___
[1] تيسير مصطلح الحديث للطحان 58 مركز الهدى للدراسات بالإسكندرية.
[2] السابق.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
القياس
قال المصنف
وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَهُوَ رَدُّ الْفَرْعِ إِلَى الْأَصْلِ فِي الحُكْمِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا.
وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ، وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسِ شَبَهٍ.
______________________________ _____________
(وَ): استئنافية أو عاطفة على أقسام الكلام كما تقدم مرارا
(أَمَّا): حرف تفصيل متضمن معنى الشرط
(الْقِيَاسُ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب
(فَـ): واقعة في جواب (أما)، ومزحلقة عن موضعها
(هُوَ): مبتدأ
(رَدُّ): خبر، ومضاف
(الْفَرْعِ): مضاف إليه
وجملة (هو رد ...) من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل رفع خبر المبتدإ (القياس)
وجملة (القياس هو رد ...) جواب (أمَّا) على مذهب سيبويه، وجواب (مهما) على أحد قولَيِ الفارسي، وجوابهما معا عند الأخفش
وجملة (أما القياس فهو ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية إن جعلت الواو استئنافية أو معطوفة على جملة (أقسام الكلام)
(إِلَى الْأَصْلِ): متعلق بـ (رد)
(فِي الحُكْمِ): متعلق بمحذوف حال من الخبر (ردّ) أي: في حال كون الردِّ كائنا في الحكم لا في غيره
(بِعِلَّةٍ): متعلق بمحذوف حال ثانية من الخبر (ردّ) أيضا، والباء سببية أي: بسبب علة
(تَجْمَعُهُمَا): (تجمع) فعل مضارع والفاعل مستتر تقديره (هي) يعود على (علة) و(هما) مفعول به
والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر صفة لـ (علة)
(وَ): استئنافية
(هُوَ): مبتدأ
(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع والفاعل مستتر يعود على المبتدإ العائد إلى (القياس)
(إِلَى ثَلَاثَةِ): متعلق بـ (ينقسم)، و(ثلاثة) مضاف
(أَقْسَامٍ): مضاف إليه
والجملة من المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب استئنافية
(إِلَى قِيَاسِ): بدل من (إلى ثلاثة) بدل مفصل من مجمل، و(قياس) مضاف
(عِلَّةٍ): مضاف إليه
(وَ): عاطفة
(قِيَاسِ): معطوف على (قياس) الأول أي (قياس علة)، وهو مضاف
(دَلَالَةٍ): مضاف إليه
(وَ): عاطفة
(قِيَاسِ شَبَهٍ): مثل (قياس دلالة)
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
القياسُ هو الدليل الرابع من الأدلة الشرعية التي يُستدَل بها، وذكر المصنف هنا تعريفه اصطلاحا ثم ذكر أقسامه.
تعريف القياس
لغة: التقدير والمساواة
يقال: قِسْتُ النعلَ بالنعلِ، أي قدَّرْتُهُ به فساواه
وقِسْتُ الثوبَ بالذراعِ أي: قدَّرْتُهُ به
وفلانٌ لا يقاس بفلان أي: لا يُساوَى به.
وقد يُعَدَّى بـ (على) لتضمين معنى الابتناء؛ كقولهم: قاس الشيءَ على الشيءِ.
واصطلاحا: (رَدُّ الفرعِ إلى الأصلِ في الحُكْمِ بعلة تجمعهما)
ومعنى: (ردُّ الفرعِ إلى الأصل) أي رجوعُهُ إليه وإلحاقُهُ به وذلك بأن يأخُذَ الفرعُ مثلَ حُكْمِ الأصلِ فيصير حكمُ الفرعِ مثلَ حكمِ الأصلِ فإذا كان الأصل واجبا كان الفرعُ واجبا، وإن كان محرما كان الفرع فمحرما وهكذا.
وإنما يأخذ الفرعُ حُكْمَ الأصلِ إذا اشتركا في علةِ الحكم.
فظهر من هذا التعريف أن للقياس أركان أربعة هي:
الركن الأول-الأصل: وهو المقيس عليه
الركن الثاني-الفرع: وهو المقيس، والمراد به الواقعة المراد معرفةُ حكمها حيث لم يرِدْ في حكمها نص
الركن الثالث-العلة: وهي المعنى المشترك بين الأصل والفرع والذي علَّقَ الشرعُ عليه الحكمَ، أي: جعل حكمَ الأصلِ واجبا أو مندوبا أو مكروها ...الخ بسبب هذه العلة
الركن الرابع-الحُكْمُ: وهو كونُ الشيء واجبا أو مندوبا ... أو صحيحا أو فاسدا، كما سبق في أقسام الحكم الشرعي بنوعيه التكليفي والوضعي.
ثم ذكر المصنف أقسام القياس باعتبار الجامع بين الأصل والفرع، وهي ثلاثة:
1- قياسُ عِلَّةٍ
2- قياسُ دَلالةٍ
3- قياسُ شبَهٍ
وسيأتي بيانُها والكلام عنها فيما بعد.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
قال صاحبي
قال: ذكرت أن قوله: "إلى قياس" بدل من قوله: "إلى ثلاثة" بدل مفصل من مجمل
قلت: نعم
قال: فما أنواع البدل؟
قلت: بدل مطابِق، وبدل بعض من كل، وبدل اشتمال، وذكروا ثلاثةً أخرى
قال: تعني بدل الإضراب والغلط والنسيان
قلت: بلى
قال: فأين بدل كل من كل؟
قلت: هو المطابِق
قال: فلماذا قلت: (بدل مطابِق) ولم تقل (بدل كل من كل)؟
قلت:هكذا ذكر ابن مالك
قال: فما وجهُه؟
قلت: وجهه أن هذا النوع من البدل يقع في اسم الله تعالى
قال: مثلُ ماذا؟
قلت: مثل قوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [إبراهيم: 1، 2].
قال: تعني أن اسم الجلالة (الله) بدل مما قبله
قلت: نعم، هو ذا.
قال: فلماذا لا يكون نعتا؟
قلت: لأن اسم الجلالة (الله) عَلَمٌ، والعَلَمُ لا يُنْعَتُ به
قال: نعم، ولكن ما الإشكال في وقوع البدل في اسم الله تعالى؟
قلت: لا إشكال فيه
قال: فلماذا عَدَلَ ابن مالك رحمه الله عن قولهم: "بدل كل من كل" إلى "بدل مطابق" محتجا بوقوعه في اسم الله تعالى؟
قلت: لأن الـ(كُلَّ) إنما يطلق على ذي أجزاء وهو ممتنع هنا
قال: نعم
ثم قال: نعود لِمَا كنا فيه
قلت: نعم، نعود
قال: ذكرتَ أنواع البدل ولم تذكر منها (بدل مُفَصَّل مِنْ مُجْمَل)
قلت: نعم
قال: فقد ذكرت في الإعراب أنه بدل مفصل من مجمل
قلت: نعم
قال: فماذا تريد؟
قلت: اعلم أن من البدل ما يفصل المجمل الذي قبله، وهو قد يكون متعددا في اللفظ نحو: قرأت كتب النووي: المنهاج والروضة والمجموع. وقد يكون متعددا في المعنى كقول أبي العلاء المعري:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل *** عفافٌ وإقدامٌ وحَزْمٌ ونائلُ
ففي المثال الأول تجد أن (كتب النووي) جمْعٌ مجملٌ ففصَّلَها في (المنهاج والروضة والمجموع)
وفي المثال الثاني تجد قول أبي العلاء: (ما أنا فاعل) مفردٌ في اللفظ مجموع في المعنى وفَصَّلَهُ بقوله: "عفاف وإقدام وحزم ونائل".
قال: فمِنْ أيِّ أنواع البدل هذا البدل: (المفصَّل من المجمَل)؟
قلت: ذهب فريق من النحاة إلى أن البدل مجموعُ المتعاطفات فيكون من قبيل بدل الكل
ومنهم مَنْ يَعُدُّ البدلَ الأولَ فقط وما بعده معطوف عليه فيكون من قبيل بدل البعض[1].
______________________________ ___
قال: قد ذكرتَ القياسَ ولم تذكر أمثلة عليه
______________________________ __
[1] القواعد الأساسية للغة العربية للسيد أحمد الهاشمي ص292 هامش رقم1، ط. دار الفكر.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
قلت: هذه أمثلة على ذلك:
1- قياسُ المشروبات الكحولية المُسْكِرَة على الخمر في التحريم:
الأصل: الخمر: وقد ثبت الدليلُ على حرمته
الفرع: المشروبات الكحولية التي لم يرد دليل مستقل بحرمتها
العلة: الإسكار فكل منهما مُسْكِرٌ عادةً، وإن كان بعض مَنْ يشربُها يزعم أنه لا يَسْكَرُ
الحكم: حرمةُ هذه المشروبات الكحولية المسكرة
2- قياسُ الأرز على البُرِّ في كونه لا يجوز بيعُهُ بجنسه متفاضلا:
الأصل: البُرّ؛ لأنه ورد فيه النص بحكمه وهو:
عن مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ»[1].
الفرع: الأرز لأنه لم يرد فيه نص
الحكم: تحريم بيع الأرز بالأرز متفاضلا، كما يحرم بيع البُرِّ بالبُرِّ متفاضلا
العلة: اختلف العلماء في العلة هنا:
فذهب الشافعية إلى أن العلة (الطعم) أي أن كلا من الأرز والبُرِّ من المطعومات
وذهب المالكية إلى أن العلة (الاقتيات والادخار للقوت).
______________________________ __
[1] صحيح: رواه البخاري (2134، 2170، 2174) ومسلم (1586)
وقوله: "هاء وهاء" معناه أن يقول كل واحد من المتبايعين: (ها) فيعطيه ما في يده.
وقيل: معناه هاك وهات أي خُذ وأعط، وهذا مثل قوله: "يدًا بيد".
قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه "ها" ساكنة الألف مقصورة، والصواب بالفتح والمد؛ لأن أصلها هاك أي خذ، فحذفت الكاف وعوضت عنها الهمزة، يقال للواحد: هاء، وللاثنين: هاؤما، والجمع: هاؤم، قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
أقسام القياس
1 -قياس العلة
فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ: مَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ.
2 -قياس الدلالة
وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ: هُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِأَحَدِ النَّظِيرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ، وَلَا تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ.
3 -قياس الشبه
وَقِيَاسُ الشَّبَهِ: هُوَ الْفَرْعُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَيُلْحَقُ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهًا.
______________________________
(فَـ): فاء الفصيحة
(قِيَاسُ): مبتدأ، ومضاف
(الْعِلَّةِ): مضاف إليه
(مَا): اسم موصول أو نكرة موصوفة وهي واقعة على (القياس)، أي القياس الذي أو قياس كانت العلة...الخ، وعلى كل فهي اسم مبني على السكون في محل رفع خبر
(كَانَتِ): فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث الساكنة
(الْعِلَّةُ): اسم كان
(فِيهِ): متعلق بمحذوف حال من (العلة)
(مُوجِبَةً): خبر كان
وجملة (كانت... موجبة) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب صلةُ (ما)، أو في محل رفع صفة لها.
وجملة (قياس العلة ما ...) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب ابتدائية
(لِلْحُكْمِ): متعلق بـ (موجبة)
(وَ): عاطفة
(قِيَاسُ الدَّلَالَةِ): مبتدأ ومضاف إليه
(هُوَ): ضمير فصل على الأصح لا محل له من الإعراب
( الِاسْتِدْلَالُ ): خبر
(بِأَحَدِ): متعلق بـ (الاستدلال)، و(أحد) مضاف
(النَّظِيرَيْنِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى
(عَلَى الْآخَرِ): متعلق بـ (الاستدلال)
وجملة (قياس الدلالة ... الاستدلال) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (قياس العلة ما ...)
(وَ): استئنافية
(هُوَ): مبتدأ، يعود على (الاستدلال)
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(تَكُونَ): مضارع من (كان) الناقصة منصوب بـ (أَنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و(أنْ) والفعل في تأويل مصدر في محل رفع خبر
(الْعِلَّةُ): اسم (تكون)
(دَالَّةً): خبر (تكون)
(عَلَى الْحُكْمِ): متعلق بـ (دالة)
وجملة (تكون ... دالة) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
وجملة (هو أن تكون ...) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب استئنافية
(وَ): عاطفة
(لَا): نافية
(تَكُون): معطوفة على (تكون) الأولى من قوله: "وهو أن تكون العلة ...الخ"، واسمها مستتر يعود إلى (العلة)
(مُوجِبَةً): خبر
(لِلْحُكْمِ): متعلق بـ (موجبة)
(وَ): استئنافية
(قِيَاسُ الشَّبَهِ هُوَ الْفَرْعُ): مبتدأ ومضاف إليه وضمير فصل وخبر، والجملة استئنافية
(الْمُتَرَدِّدُ) : نعت لـ(الفرع)
(بَيْنَ): ظرف مكان متعلق بـ (المتردد)، وهو مضاف
(أَصْلَيْنِ): مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى
(فَـ): عاطفة
(يُلْحَقُ): مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الفرع)
( بِأَكْثَرِهِمَا ): الجار والمجرور متعلقان بـ (يُلْحَق)، و(أكثر) مضاف و(هما) مضاف إليه
(شَبَهًا): تمييز، وجملة (يُلْحَقُ) من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل رفع معطوفة على (المتردد)
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
ذكر المصنف هنا أقسام القياس باعتبار الجامع بين الأصل والفرع وهو ثلاثة أقسام:
الأول-قياس العلة: وهو ما كانت العلةُ فيه موجِبَةً للحكم.
يعني أن تكون العلة في الفرع أقوى منها في الأصل وهذا يسمى (قياس الأَوْلَى أو القياس الجلي)
مثاله: قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فقد حرَّمَ التأفيف؛ (قولَ: أُفٍّ) للوالدين
والعلة هي الإيذاء
ولما كان ضربُ الوالدَينِ أشد إيذاءً لهما من التأفيف كان ضربُ الوالدين حراما بالقياس على التأفيف لأن العلة وهي إيذاء الوالدين أشد ظهورا في الفرع؛ (الضرب) منها في الأصل؛ (التأفيف).
الثاني-قياس الدلالة: وهو الاستدلال بأحد النظيريْن على الآخر.
والمراد بـ (أحد النظيرين): الأصل
وبـ (الآخر): الفرع.
وفي هذا الاستدلال تكون العلةُ غيرَ موجبةٍ للحكم يعني غير ملزمة له بل دالةً عليه؛ دلالة استنباط لا دلالة نص.
يعني أن العلة لا تكون مقتضية للحكم حتما كما في قياس العلة فيجوز أن يثبت الحكم بها في الفرع وهو الظاهر ويجوز ألا تثبت.
مثاله: وجوب الزكاة في مال الصبي قياسا على وجوبها في مال البالغ
والعلة هي: دفع حاجة المستحق بجزء من المال النامي.
ويجوز ألا يُلْحَقَ الصبيُّ بالبالغ في الوجوب، وبه قال أبو حنيفة؛ كالحج، ولضعف نيته بخلاف البالغ[1].
الثالث-قياسُ الشَّبَهِ: وهو إلحاقُ الفرْعِ المتردد بين أصليْنِ بأكثرهما شبها به.
مثاله: المذي؛ (وهو سائل يخرج من الإنسان عند الشهوة) متردد بين:
= أن يُلْحَقَ بالبول فيكون نجسا، ومن ذهب إلى هذا الرأيِ قال: هو أكثر شبها بالبول؛ لأنه لا يتكون منه الولد ويخرج من مخرج البول؛ فيكون نجسا ويجب غسله إذا أصاب الثياب.
= وأن يُلْحَقَ بالمني فيكون طاهرا، ومن ذهب إلى هذا الرأي قال: هو أكثر شبها بالمني؛ لأنه لا يخرج إلا مع الشهوة فيلحق به[2].
______________________________ __
[1] غاية المأمول في شرح ورقات الأصول للرملي 298 -299، والشرح الكبير على الورقات 2/ 473 ط. مؤسسة قرطبة.
[2] تهذيب شرح متن الورقات لعياض بن نامي السلمي 95.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
من شروط القياس
قال المصنف:
وَمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ: أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلْأَصْلِ.
وَمِنْ شَرْطِ الْأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.
وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ: أَنْ تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولَاتِهَا فَلَا تَنْتَقِضُ لَفْظًا وَلَا معنى.
وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَالْعِلَّةُ: هِي الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ.
وَالْحُكْمُ: هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ.
______________________________ __
(وَ): استئنافية
(مِنْ شَرْطِ): متعلق بمحذوف خبر مقدم، و(شرط) مضاف
(الْفَرْعِ): مضاف إليه
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يَكُونَ): مضارع من (كان) الناقصة منصوب بـ (أَنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، واسم (يكون) ضمير مستتر يعود على (الفرع).
و(أَنْ) والفعل في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر
(مُنَاسِبًا): خبر (يكون)، وجملة (يكون مناسبا) وما تعلق بها لا محل لها صلة (أَنْ)
(لِلْأَصْلِ): متعلق بـ (مناسبا)
(وَمِنْ شَرْطِ الْأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ): مثل (ومن شرط الفرع ...الخ)
(مُتَّفَقٍ): صفة لـ(دليل)
(عَلَيْهِ): متعلق بـ (متفق)
(بَيْنَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
وهو متعلق بـ (ثابتا) أو بـ (دليل) لا بـ (متفق)؛ لأن المعنى أن الأصلَ ثابتٌ ثبوتا ودلالة بين الخصمين المتنازعين في ثبوت ذلك الحكم في الفرع، سواء كان نفسُ حكمِ ذلك الأصلِ متفقا عليه بينهما أو لم يكن كذلك بأن أنكره الخصمُ الآخرُ فأثبتَهُ المستدِلُّ بالدليل المذكورِ؛ لأن إثباته بمنزلة اعتراف الخصم به[1].
و(بين) مضاف
(الْخَصْمَيْنِ): مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى
(وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ: أَنْ تَطَّرِدَ): مثل (ومن شرط الفرع ...الخ)
(فِي مَعْلُولَاتِهَا ): متعلق بـ (تطرد)، و(معلولات) مضاف و(ها) مضاف إليه
(فَـ): استئنافية
(لَا): نافية
(تَنْتَقِضُ): مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على (العلة)
(لَفْظًا): تمييز محول عن الفاعل أي فلا ينتقض لفظُها
(وَ): عاطفة
(لَا): زائدة لتأكيد معنى النفي
(معنى): مثل (لفظا)
(وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَ): سبق نحوُه، و(مثلَ) مضاف
(الْعِلَّةِ): مضاف إليه
(فِي النَّفْيِ): متعلق بمحذوف حال من (مثل) أي في حال كونِ المثلية في النفي والإثبات
(وَ): عاطفة
(الْإِثْبَاتِ): معطوف على (النفي)
(وَ): استئنافية
(الْعِلَّةُ): مبتدأ
(هِي): ضمير فصل
(الْجَالِبَةُ): خبر
(لِلْحُكْمِ): متعلق بـ (الجالبة)
(وَالْحُكْمُ: هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ): مثل: (والعلة هي الجالبة للحكم)
_____________________
[1] الشرح الكبير على الورقات 2/ 488 -489، ط. قرطبة.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
لما ذكر المصنفُ تعريف القياس وأقسامه شرع في بيان شروطه فذكر لكل ركنٍ من أركانه شرطا، كالآتي:
من شروط الفرع
أن يكون مناسبا للأصل
ومعنى المناسبة هنا أن تتحقق العلة في الفرع بأن تكون متساوية في تحققها بين الأصل والفرع، فإذا كانت العلةُ في تحريم الخمر هي الإسكار فكل طعامٍ أو شرابٍ يثبت أن مِنْ شأنِه الإسكارُ: كالخمر يكون حراما، أما إذا لم يكن من شأنه الإسكار لكن عَرَضَ لبعض الناس أنْ نالتْهُ غيبوبة بسبب تناوُلِهِ لحالٍ عارضة في الشخص أو في الطعام أو الشراب فإنه لا يحرم.
من شروط الأصل
1- أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع ثابتا، لأنه لو كان مختلَفًا فيه لاحتيجَ إلى إثباته أولا.
وجَوَّزَ جماعةٌ القياس على الأصل المختلَفِ فيه.
2- أن يكون ثبوتُهُ بدليل متفَق عليه بين الخصمين بأن يكون ثابتا بالكتاب أو السنة، وكذا بالإجماع على الأرجح.
وأما كيفية الاتفاق على الأصل: فأَنْ يتفق عليه الخصمان فقط لتنضبط فائدةُ المناظرة
وذهب بعضهم إلى اشتراط اتفاق الأمة على الأصل ومنعوا القياس على مختلف فيه
والأولُ أصح.
وذكر الشوكاني في إرشاد الفحول اثني عشر شرطا للأصل فراجعها هناك[1].
من شروط العلة
أن تَطَرِدَ في معلولاتها فلا تنتقض لفظا ولا معنى.
يعني: أن تكون العلةُ مطردةً بحيث كلما وُجِدَتْ في فرعٍ ثبتَ فيه حكمُ الأصلِ. وهذا معنى قولِهم: (الحكمُ يدورُ مع علته وجودا وعدما) يعني: متى وُجِدَتْ العلةُ وُجِدَ الحكم.
من شروط الحكم (أي حكم الأصل)
أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات:
= فإن كانت العلةُ منفيةً كان الحكمُ منفيا: كقولهم: (العقدُ ليس بصحيح فلا تترتب عليه آثارُه)
فقولهم: (ليس بصحيح) تعليل عدمي منفي
وقولهم في الحكم: (فلا تترتب عليه آثارُه) هذا حكم عدمي منفي
فوافَقَ الحكمُ العلةَ في النفي
= وإن كانت العلةُ مثبتَةً كان الحكمُ مُثْبَتًا كقولهم: (هذا عقد صحيح الأركان مكتمل الشروط فتترتب عليه آثاره)
فالعلة وجودية مُثْبَتَةٌ
والحكمُ مثلُها وجوديٌّ مُثْبَتٌ[2].
وهذا الشرطُ أعمُّ من الشرط الأول المذكور في العلة لأن ذاك خاص بوجود الحكم عند وجود العلة، وهذا عام في الوجود والانتفاء، فالأول هو (الطرْد) والثاني هو (العكس)
وهذا إذا كان الحكم معللا بعلة واحدة: كتحريم الخمر لعِلَّةِ الإسكار، فمتى وجد الإسكار وجد التحريم ومتى انتفى الإسكار انتفى التحريم.
فإن كان للحكم علل متعددة لم يلزم من انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم، بل يثبت بالعلة الأخرى: كالبول والغائط والنوم لنقض الوضوء، فلو لم يوجد البول والغائط انتقض الوضوء بالنوم.
______________________________ _
[1] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني 2/ 864 ت. أبو حفص سامي الأثري، ط. دار الفضيلة
[2] تهذيب شرح الورقات 97 عياض بن نامي السلمي.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
واعلم أن:
(الطرد) هو: وجود الحكم عند وجود العلة.
و(العكس) هو: انتفاء الحكم عند انتفاء العلة.
وظاهر كلام المصنف اشتراط الانعكاس في العلة
ومَنْ يشترط ذلك يمنع تعليل الحكم بعلتين؛ لأنه إذا انتفت علة لم ينتفِ الحكم؛ لوجود العلة الأخرى وقيامها مقامها.
والصحيح أن ذلك لا يشترط ونسبه في الشرح الكبير للجمهور، فيجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين؛ لأن العلة علامة على وجود الحكم ولا مانع من تعدد العلامات.
ومثاله: ما تقدم من تعليل إيجاب الوضوء بالبول والغائط والريح والنوم
ومثاله أيضا: تعليل حرمة النكاح بالقرابة والصهر والرضاع[1].
______________________________ ____
ثم عَرَّفَ المصنفُ العلة والحكم فقال:
والعلةُ: هي الجالبةُ للحكمِ.
أي أن الشارعَ وهو الله سبحانه جعلها جالبة للحكم، لا أنها جالبة للحكم بذاتها؛ لأن الله تعالى لا يَحْمِلُهُ على شرع الحكم سوى إرادته جل وعلا[2].
والتعريف الأشهر للعلة هو أنها: وصفٌ ظاهرٌ مُنْضَبِطٌ دَلَّ الدليلُ على كونِهِ مَنَاطًا للحكم، أو علَّقَ الشارعُ الحكمَ عليه.
والتفصيل في المطولات
والحكم: هو المجلوب للعلة.
يعني أنه يوجد عند وجودها لأنها تقتضيه
فالتحريم مثلا يوجد عند وجود الإسكار الذي هو علة تحريم الخمر.
ومثل التحريم باقي أنواع الحكم من الوجوب والندب والصحة والفساد ...الخ
______________________________ __
[1] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 120، والشرح الكبير على الورقات لابن قاسم العبادي 2/ 497 ط. قرطبة.
[2] تهذيب شرح الورقات 97، وشرح الورقات لعبد الله الفوزان 121.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
قال صاحبي
قال: أليست (مِنْ) للتبعيض؟
قلت: بلى
قال: فكيف ترى قوله: "ومن شرط الفرع ... ومن شرط الأصل ...الخ" هذا معناه: أن بعض شرط الفرع ما ذكره، أي أن للفرع شرطٌ وسيذكر هو بعض هذا الشرط لا كله، فهل هذا مراده؟
قلت: لا
قال: وأنا أعتقد أيضا أن هذا ليس مرادَه ولكن إذا نظرنا إلى كلامه وجدناه يدل على ذلك
قلت: وكيف ذلك؟
قال: المصنف يقول: "ومِنْ شرط الفرع كذا" و(مِنْ) للتبعيض فلو أبدلناها بمعناها لكان المعنى: (وبعضُ شرطِ الفرع كذا)، فكيف تقول في هذا؟
قلت: أقول المثلَ العاميَّ المصريَّ: (كُلِّ مَا تْعَلِّمْ فِي الْمِتْبَلِّمْ يِصْبَحْ نَاسِيْ)
قال: وما معناه؟
قلت: مهما تجتهد فِي تعليمِ البَلِيدِ الغبيِّ فإنه يصبحُ ناسيا لما قلتَهُ.
قال: ولِمَ؟
قلت: لأنك نسيتَ ما قلناه سابقا
قال: وما هو؟
قلت: كيف ترى الإضافة في قوله: "شرط الفرع"؟
فتفكر قليلا ثم قال: هذا مفرد مضاف
قلت: أحسنت، لكن أين المفرد المضاف؟ هل هو (شرط) أو (الفرع)؟
فتلعثم وقال: لا أدي كل منهما يصلح لذلك
قلت: سبحان الله!! فكيف أجبت على الصواب؟!
قال: لا أدري هكذا جاءت
قلت له: تمهل قليلا وتفكَّرْ في هذا التركيب (شرط الفرع) من أيِّ أنواع التراكيبِ هو؟
قال: تركيب إضافيٌّ
قلت له: أحسنت، ولكن قبل أن نُكْمِلَ هل تعرفُ أنواعا أخرى من أنواع التراكيب؟
قال: نعم
قلت: مثل ماذا؟
قال: التركيب الوصفيُّ مثلُ: (كتابٌ جديدٌ)، والتركيبُ المَزْجِيُّ مثل: (سيبويه)
قلت: ما شاء الله، بارك الله فيك وبك وعليك؛ فلماذا تتلعثمُ إذن وأنت تعرفُ مثلَ هذا؟
فَاسْتَفَزَّهُ ما قلتُهُ وأخذتْهُ الحمِيَّةُ وقال: لن أتلعثم ثانية
قلت له: قل: (إن شاء الله)
فقال: إن شاء الله
قلت: إذن نعود إلى ما كنا فيه
قال: وما ذاك؟
فكدتُ أستشيطُ غضبا
فقال: نعم نعم، تذكرتُ تذكرتُ
قلت: فأيُّ شيء كنا فيه؟
قال: كنت تسأل عن قول المصنف: (شرط الفرع) من أي أنواع التراكيب هو؟ فأجبتُك: بأنه تركيبٌ إضافيٌّ.
فعادَ إليَّ بعضُ ما نَدَّ عني من الهدوء بسبب الغضب ولكن ما زال بيَ الغيظُ لم يَفْتُرْ فقلت له مغتاظا: ثم ماذا؟
فعَلِمَ ما بيَ من الثورةِ والهياجِ فضحك وقال: ثم نريد أن نُفَسِّرَ قولَ المصنف: "مِنْ شرط الفرع" هل يريدُ به بعضُ شرطِ الفرع كما هو ظاهرٌ من قوله: "مِنْ" التي تفيد التبعيض؟ أو يريدُ شيئا آخر؟
فسكتُّ كأنما نزلت عليَّ السكينةُ، ثم قلتُ: بل بقيَ شيءٌ آخرَ
قال: وما هو؟
قلت: قوله: "شرط الفرع" أيُّ الكلمتين من نوعِ المضاف المفرد؟
قال: نعم، أيهما؟
قلت: في التركيب الإضافيِّ تكون الكلمة الأولى مضافا والأخرى مضافا إليه
قال: نعم، أعلمُ هذا
قلت: إذن فالمفرد المضاف هو الكلمة الأولى (شرط) لا الثانية (فرع) لأن الثانية مضاف إليه، والمراد المفرد المضاف وليس المفرد المضاف إليه
قال: نعم، فهمتُ هذا، فأكمل.
قلت: وقد علمتَ مما سبق أن المفرد المضاف من باب العامِّ
قال: نعم
قلت: فقوله: "شرط الفرع" مفرد مضاف فيعُمُّ
قال: نعم، ولكن كيف يكون المعنى مع العموم؟
قلت: يكون المعنى: (ومن شروط الفرع كذا)، وإذن فالتبعيضُ ظاهر؛ إذ المعنى على ذلك: (وبعض شروط الفرع كذا)
قال: نعم، هكذا ظهر المعنى جليا، ولكن هذا يدل على أن للفرع شروطا أخرى لم يذكرها
قلت: نعم، هو ذا.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
الأصل في الأشياء
قال المصنف:
وَأَمَّا الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْحَظْرِ إِلَّا مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ يُتَمَسَّكْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحَظْرُ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِضِدِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ إِلَّا مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ.
_____________________________
(وَ): استئنافية، أو عاطفة
(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط، وأصلها: مهما يكن من شيء بعد
(الْحَظْرُ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب
(وَ): عاطفة
(الْإِبَاحَةُ): معطوفة على (الحظر)
(فَـ): واقعة في جواب (أما)، وهي مزحلقة عن مكانها إذ أصلها أن تدخل على (الحظر) فالأصل: (وأما فالحظر والإباحة) فوجب الفصل بينها وبين (أما) فزُحْلِقَتْ عن مكانها إلى هنا فصار (وأما الحظر والإباحة فـ ...)
والخبر مقدر بعد الفاء والتقدير: (فمختلَفٌ فيهما)
وجملة (الحظر... مختلَف) من المبتدإ والخبر جواب الشرط: (أمَّا) أو (مهما) أو جوابهما معا كما سبق بيانه.
وأصل الكلام: (ومهما يكن من شيء فالحظرُ والإباحةُ مختلَفٌ فيهما)
فـ(مهما) اسم الشرط
و(يكن من شيء) جملة الشرط
و(الفاء) واقعة في جواب (أما)
و(الحظرُ والإباحةُ مختلَفٌ) جواب الشرط
فنابتْ (أما) عن اسم الشرط وفعله فبقيَ الجوابُ: (فالحظر والإباحة مختلف فيهما) مقترنا بالفاء فصار (أما فالحظر...) فوجب الفصل بين (أما) والفاء كما سبق فزحلقت الفاء داخل جملة الجواب عن المبتدإ (الحظر) إلى الخبر (مختلف).
وجملة (أما الحظر ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية إن جعلت الواو استئنافية، أو معطوفة على جملة (فأما أقسام الكلام ...) كما تقدم مرارا
(مِنَ النَّاسِ): بيان للاختلاف المذكور في (الحظر والإباحة مختلف فيهما) فـ(مِنْ) بيانية وهي حرف جر، و(الناس) مجرور بها، والمراد بـ (الناس) العلماء، والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم
(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر
(يَقُولُ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر جوازا يعود على (مَنْ)
(إِنَّ): حرف توكيد ونصب
(الْأَشْيَاءَ): اسم إِنَّ
(عَلَى الْحَظْرِ): متعلق بمحذوف خبر إنَّ أي (إنَّ الأشياءَ كائنةٌ على الحظر) ومعنى كونها كائنة على الحظر أي أنها متصفة بصفة هي الحظر والتحريم.
(إِلَّا): أداة استثناء
(مَا): إما موصولة أو نكرة موصوفة وعلى كل فهي اسم مبني على السكون في محل نصب على الاستثناء
(أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ): (أباحَ) فعل ماضٍ، والتاء تاء التأنيث الساكنة، والهاء مفعول به يعود على (ما) و(الشريعة) فاعل
والجملة لا محل لها من الإعراب صلة (ما)، أو في محل نصب صفة لها
وجملة (إن الأشياء على الحظر) في محل نصب مقول القول
وجملة (يقول إِنَّ ...) لا محل لها من الإعراب صلة (مَنْ)
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
(فَـ): استئنافية
(إِنْ): شرطية
(لَمْ): حرف نفي وجزم وقلب
(يُوجَدْ): مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون
(فِي الشَّرِيعَةِ): متعلق بـ (يوجد)
(مَا): نائب فاعل، وهي موصولة أو نكرة موصوفة كما تقدم
(يَدُلُّ): مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على (ما)، والجملة لا محل لها صلة (ما) أو في محل رفع صفة لها.
(عَلَى الْإِبَاحَةِ): متعلق بـ (يدل)
(يُتَمَسَّكْ): مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ (إِنْ) لأنه جواب الشرط وعلامةُ جزمه السكون
(بِالْأَصْلِ): الباء حرف جر
و(الأصل) اسم مجرور بالباء وله محلان إعرابيان:
الأول-الجر بالباء لفظا
والثاني-الرفع محلا على أنه نائب فاعل لـ(يُتَمَسَّكَ)
(وَ): استئنافية
(هُوَ): مبتدأ
(الْحَظْرُ): خبر
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ): تقدم مثلها
(بِضِدِّهِ): متعلق بـ (يقول)
ومقول القول محذوف يدل عليه قوله: "وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ..."
وليس (بضده) مقول القول بل دليل عليه
والتقدير يُعْلَمُ مما سبق ومما سيأتي فيكون: (ومِنَ الناسِ مَنْ يقولُ: إن الأشياء على الإباحة إلا ما حَظَرَتْهُ الشريعةُ)
ويجوز أن يكون (يقول) بمعنى (يَذْكُرُ)
ويكون المفعول به محذوفا
و(بضده) متعلق بمحذوف صفة للمفعول المحذوف
وتقدير الكلام: (ومن الناسِ مَنْ يَذْكُرُ قولا كائنا بضد ما سبق):
- فـ(قَوْلًا) هو المفعول المحذوف
- و(كائنا) نعت له وهو متعلَّق (بضده)
(وَ): استئنافية
(هُوَ): مبتدأ
(أَنَّ الْأَصْلَ): أَنَّ واسمها
(فِي الْأَشْيَاءِ): متعلق بمحذوف نعت لـ(الأصل)
(الْإِبَاحَةُ): خبر (أَنَّ)
والجملة من (أَنَّ) واسمها وخبرها في محل رفع خبر للمبتدإ (هو)
(إِلَّا مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ): تقدم مثلها
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
تكلم المصنف هنا عن مسألة (حكم الأشياء التي سكتَ عنها الشرع) أو (حكم الأشياء قبل ورود الشرع) يعني قبل البعثة، وبعضهم لا يُفَرِّقُ بين حال قبل البعثة وبعد البعثة
وعلى كلٍّ فهذه مسألة كلامية وهي من فروع القول بالتحسين والتقبيح العقليين
وقد جرت عادة الأصوليين أن يتكلموا عليها وعلى مسألة شكر المنعِم هنا، فأعرض المصنف عن المسألة الثانية لأنه لا يكاد يتعلق بها شيء من أحكام الفروع وخص المسألة الأولى (الحظر والإباحة) لتعلق كثير من أحكام الفروع بها؛ فلهذا تعيَّنَ ذِكْرُها فيما وُضِعَ للفقهاء من الأصول.
والصحيحُ التفصيلُ في مسألة (حكم الأشياء التي سكت عليها الشرع) كالآتي:
1- حكم المَضَارِّ التحريم
2- حكم المنافع (أي الأشياء المنتفع بها) اختلف فيه على ثلاثة أقوال:
الأول-الأصل في الأشياء المنتفع بها الحظر والمنع إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يرد في الشريعة ما يدل على الإباحة يُتَمَسَّكْ بالأصل وهو الحظر.
وهذا قول ضعيف ذهب إليه معتزلة بغداد والشيعة الإمامية وبعض الحنفية وأبو بكر الأبهري من المالكية، ومن الحنابلة: أبو يعلى وابن حامد والحلواني، ومن الشافعية: ابن أبي هريرة وأبو عليّ الزبيري وعلي بن أبان الطبري وأبو الحسين بن القطان.
الثاني-الأصل في المنافع الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه، وهو قول الجمهور، واستدلوا عليه بأدلة كثيرة منها:
- قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].
وجه الدلالة: أن الله امتن على عباده بأنه خلق لهم ما في الأرض جميعا وهو سبحانه لا يمتن إلا بمباح؛ إذ لا مِنَّةَ في مُحَرَّمٍ.
- وقوله صلى الله عليه وسلم: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»[1].
وجه الدلالة: أن الأشياء لا تُحَرَّمُ إلا بتحريم خاص لقوله: «لَمْ يُحَرَّمْ»، وأيضا فإن التحريم قد يكون لأجل المسألة فبَيَّنَ بهذا أنها بدون ذلك ليست محرمة.
الثالث-التوقف
والقول الثاني أرجح الأقوال وأقواها دليلا، والله أعلم[2].
______________________________ _____
[1] صحيح: رواه البخاري (6859) ومسلم (2358)
[2] انظر شرح الورقات لعبد الله الفوزان 122 -123، وتهذيب شرح الورقات لعياض السلمي 99، والتحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان 573 -576، وشرح الورقات لابن الفركاح 347 -352.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
استصحاب الحال
قال المصنف:
وَمَعْنَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ: أَنْ يُسْتَصْحَبَ الْأَصْلُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ.
___________________________
(وَ): استئنافية
(مَعْنَى): مبتدا، وهو مضاف
(اسْتِصْحَابِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا
(الْحَالِ): مضاف إليه
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يُسْتَصْحَبَ): مضارع مبني للمجهول
(ويمكن قراءته بالبناء للفاعل: يَسْتَصْحِبْ) منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
و(أَنْ) والفعل في تأويل مصدر يقع خبرا للمبتدإ (معنى استصحاب)
(الْأَصْلُ): نائب فاعل إن قرأت (يُسْتَصْحَبُ) بالبناء للمجهول
أو مفعول به (الأصلَ) إن قرأت (يَسْتَصْحِبُ) بالبناء للفاعل ويكون الفاعل ضميرا مستترا يعود على (المجتهد أو المُسْتَدِلّ) المفهوم من الكلام أي أَنْ يَسْتَصْحِبَ المُسْتَدِلُّ الأصلَ.
وجملة (يستصحب الأصل) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
(عِنْدَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
وهو متعلق بمحذوف حال أي (يستصحب الأصل كائنا هذا الاستصحابُ عند عدم الدليل)
و(عند) مضاف
(عَدَمِ): مضاف إليه
وهو مضاف أيضا
(الدَّلِيلِ): مضاف إليه
(الشَّرْعِيِّ): صفة لـ(الدليل)
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
تكلم المصنف هنا عن الاستصحاب باعتباره أحد الأدلة الشرعية التي يلجأ إليها المجتهد عند عدم الدليل من الكتاب والسنة والإجماع، وبعض العلماء يقدم الاستصحاب على القياس ومنهم الغزالي وابن قدامة.
والاستصحاب في اللغة: طلب الصحبة
واصطلاحا: إبقاء ما كان على ما كان حتى يثبت خلافه
وله أقسام بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه كالآتي:
الأول-استصحاب البراءة الأصلية (أو استصحاب العدم الأصلي)
أمثلة:
- براءة الذمة من التكليفات الشرعية حتى يقوم دليل على التكليف؛ فإن كان صغيرا فببلوغه أوجاهلا فبعلمه، أو في دار حرب فبوصوله إلى دار الإسلام.
- ومَنِ ادعى على آخر حقا فعليه الإثبات، فإذا ادعى زيدٌ أن له دينارا عند عمرو فالأصل براءة ذمة عمرو من الدين حتى يُثْبِتَ زيدٌ دعواه بالبينة والدليلِ أو يُقِرَّ عمرو بذلك، وإلا فاليمين على عمرو أنه ليس عليه شيء لزيد، فالبينةُ على المدعِي واليمين على من أنكر.
والجمهور على أن هذا النوع حجة وادعَى بعضهم الاتفاق على حجيته
الثاني-استصحاب الدليل مع احتمال المعارِض، وهو قسمان:
أ*- استصحاب العموم حتى يَرِدَ تخصيصه؛ لأن تعطيله بدعوى البحث عن مخصص تعطيل للشريعة.
مثال: أجاز فريق من العلماء نكاح الزانية قبل وضع حملها، والصحيح عدم الجواز لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، فيجب استصحاب هذا العموم حتى يثبت تخصيصه بما يدل على جواز الصورة المذكورة.
ب*- استصحاب العمل بالنص حتى يرد ناسخ
وهذا النوع بقسميه متفق على صحته والعمل به ولكن وقع نزاع في تسميته استصحابا
الثالث-استصحاب الحكم الذي دل الدليل على ثبوته حتى يثبت خلافه
أمثلة:
- استصحاب بقاء النكاح والزوجية بناء على صحة عقد النكاح
- وكاستصحاب بقاء شغل ذمة مَنْ أتلف شيئا بناءً على ما صدر منه من إتلاف حتى يثبت براءة ذمته من ذلك
- ولو ادعت الزوجة الطلاق فالأصل عدمه وعليها البينة.
الرابع-استصحاب الوصف
أمثلة:
- وصف الماء بالطهارة يستمر قائما حتى يقوم دليل على تنجسه
- وإذا توضأ شخص ثبتت له صفة المتوضيء حتى يقوم الدليل على نقض وضوئه بيقين أو بظن غالب فلو شك هل أحدث أو لا؟ لم يَزُلْ يقينُهُ بالشك
- والمفقود تستمر له صفة الحياة دَفْعًا وإثباتا (كما قال الشافعية والحنابلة)، أو دَفْعًا فقط (كما قال الحنفية والمالكية) حتى يثبت خلاف ذلك أو يحكم القاضي بموته.
فائدة: في معنى قولهم: (المفقود تثبت له صفة الحياة دفعا فقط أو دفعا وإثباتا)
أما الدَّفْعُ فمعناه: المنع، والمراد أن استصحاب صفة الحياة التي كانت ثابتة له قبل فَقْدِهِ تمنع أن تزول عنه الحقوق التي كانت ثابتة له بموجبها؛ يعني أنه يأخذ حكم الأحياء في أمواله فتستمر على ملكه فلا توزع على ورثته، وفي الزوجية فتستمر زوجته على ذمته، وهكذا حتى يتبين موتُه أو يحكم القاضي بموته.
وأما الإثبات فمعناه: أنه يكون صالحا لأن تؤل إليه حقوقٌ جديدةٌ كأن يرثَ غيره أو تئول إليه أموال بوصية أو نحو ذلك.
الخامس-استصحاب الحكم الثابت بالإجماع في محل النزاع
مثال: أن مَنْ تيمم وصلى فصلاته صحيحة بالإجماع فإن رأَى الماء أثناء وقت الصلاة فاختلفوا فيه:
فقال بعضهم: نستصحب حكم الإجماع فتكون صلاته صحيحة؛ لأن الإجماع منعقد على صحتها قبل رؤية الماء.
وقال بعضهم: بل صلاته باطلة لأن الإجماع مشروط بعدم الماء فأما مع وجوده فلا إجماع.
وهذا النوع من الاستصحاب محل خلاف فالجمهور على أنه ليس بحجة، وذهب بعضهم إلى أنه حجة منهم داود الظاهري والآمدي وابن الحاجب وابن القيم والشوكاني.
والله أعلم
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
التعارض والترجيح وترتيب الأدلة
قال المصنف:
وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ:
فَيُقَدَّمُ الْجَلِيُّ مِنْهَا عَلَى الْخَفِيِّ.
وَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلظَّنِّ.
وَالنُّطْقُ عَلَى الْقِيَاسِ.
وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ.
فَإِنْ وُجِدَ فِي النُّطْقِ مَا يُغَيِّرُ الْأَصْلَ، وَإِلَّا فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ.
______________________________ _
(وَ): استئنافية أو عاطفة
(أَمَّا): حرف تفصيل فيه معنى الشرط
(الْأَدِلَّةُ): مبتدأ
(فَـ): واقعة في جواب (أما) وهي مزحلقة عن مكانها كما تقدم مرارا والأصل (فالأدلة يُقَدَّمُ)
(يُقَدَّمُ): مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة
(الْجَلِيُّ): نائب فاعل
(مِنْهَا): متعلق بـ (الجلي)
(عَلَى الْخَفِيِّ): متعلق بـ (يُقَدَّم)
وجملة (يقدم الجلي ...) في محل رفع خبر
وجملة (الأدلة يقدم ...) جواب (أمّا) أو (مهما) أو جوابهما معا
وجملة (أما الأدلة ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية أو معطوفة على (فأما أقسام الكلام ..)
(وَ): عاطفة
(الْمُوجِبُ): معطوف على (الجلي)
(لِلْعِلْمِ): متعلق بـ (الموجب)
(عَلَى الْمُوجِبِ): متعلق بـ (يُقَدَّم)
(لِلظَّنِّ): متعلق بـ (الموجِب) من قوله: "على الموجب"
(وَالنُّطْقُ عَلَى الْقِيَاسِ): تقدم مثلها
(وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ): تقدم مثلها، و(الجلي) صفة لـ(القياس)
(فَـ): استئنافية، أو فصيحة
(إِنْ): شرطية جازمة
(وُجِدَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط
(فِي النُّطْقِ): متعلق بـ (وُجِدَ)
(مَا): نائب فاعل، وهي نكرة موصوفة، وواقعة على (الحكم) أو (النطق) أي: إن وُجِدَ حُكْمٌ يُغَيِّرُ الأصلَ، أو إن وُجِدَ نُطْقٌ يُغَيِّرُ الأصلَ.
(يُغَيِّرُ): مضارع مرفوع والفاعل مستتر يعود على (ما)
(الْأَصْلَ): مفعول به
والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بها في محل رفع صفة لـ(ما)
وجواب الشرط محذوف للعلم به والتقدير مثلا: (حَكَمْنَا بِهِ) أو (فلا يُستصحب الحال)
(وَ): عاطفة
(إِلَّا): مكونة من (إِنْ) الشرطية و(لا) النافية، وجملة الشرط محذوفة لدلالة ما تقدم عليها والتقدير: (وإن لم يوجد في النطق ما يغير الأصل فيستصحب...)
(فَـ): واقعة في جواب الشرط
(يُسْتَصْحَبُ): مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ (إنْ) لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون وحُرِّكَ بالضم لأنه الأصل في الحركة
(الْحَالُ): نائب فاعل
وجملة (وإلا فيُستصحب ...) معطوفة على جملة (فإن وُجِدَ ...)
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
ترتيب الأدلة باب مهم تظهر ثمرته عند التعارض بين الأدلة
وقد سبق أنه عند التعارض:
- يُقَدَّمُ الجمع بين الأدلة على الترجيح بينها
- فإن لم يمكن الجمع وعُرِفَ التاريخُ فإن المتأخر ينسخ المتقدم
- فإن لم يمكن الجمع ولم يعرف التاريخ فإنا نلجأ إلى الترجيح بينها.
ولمعرفة كيفية الترجيح بينها فلابد من معرفة أيِّ الأدلة أقوى وأيها أضعف لكي يُقَدَّمَ الأقوى عند التعارض وهو المراد بهذا الباب فذكر المصنف كيفية ترتيب الأدلة وهي كالآتي:
______________________________ _
يُقَدَّمُ الدليلُ الجَلِيُّ على الدليلِ الخَفِيِّ:
فمثلا: إذا تعارض دليلان أحدهما (نَصٌّ) والآخر (ظاهر) قُدِّمَ (النَّصُّ) على (الظاهر)
وإذا تعارض دليلان أحدهما بالمنطوق والآخر بالمفهوم قُدِّمَ (المنطوق) على (المفهوم)
فمثال تعارض المفهوم والمنطوق: حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ »1
فمفهومه أن الثلاثَ رضعاتٍ تُحَرِّم
لكن هذا المفهوم مُعَارَضٌ بما ورد أيضا من حديث عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ} ثُمَّ نُسِخْنَ {بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ} فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ"2
فيُقَدَّمُ المنطوقُ وهو حديثُ عائشة رضي الله عنها الثاني على المفهوم
____________________________
يُقَدَّمُ الدليلُ الموجِبُ للعلم على الموجِبِ للظن:
فإذا تعارض نصان أحدهما متواتر والآخر آحادا قُدِّمَ المتواتر على الآحاد إلا أن يكون المتواتر من باب العامّ والآحاد من باب الخاصّ فيُخَصَّصُ المتواترُ العامُّ بالآحاد الخاصِّ.
مثال تخصيص المتواتر العامّ بالآحاد الخاص: قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } [النساء: 11]، فهذا يشمل الولد المسلم والكافر
مع قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ»3.
______________________________ _____
يُقَدَّمُ النُّطْقُ (وهو النصُّ من كتاب أوسنة) على القياس:
فإذا تعارض (نَصٌّ مِنْ كتابٍ أو سنةٍ) مع (قياسٍ) قُدِّمَ (النُّطْقُ) على (القياس) وصار القياسُ فاسدا؛ لأنه لا قياسَ مع نصٍّ.
مثال تعارض القياس مع النص: ما ذهب إليه بعض العلماء من أن شوك الحَرَمِ لا يَحْرُمُ قَطْعُهُ؛ لأنه يؤذي بطبعه فأشبَهَ السباع من الحيوان، وهذا قياس مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ»4.
______________________________ ____
يُقَدَّمُ القياسُ الجَلِيُّ على القياسِ الخَفِيِّ:
فالقياسُ الجَلِيُّ: هو ما نُصَّ على علتهِ أو أُجْمِعَ عليها أو قُطِعَ فيه بنَفْيِ الفارق بين الأصل والفرعِ
مثاله: تحريم إحراق مالِ اليتيمِ قياسا على تحريم أَكْلِهِ المنصوصِ عليه في آية سورة النساء؛ إذ لا فرق بينهما فكلٌّ منهما فيه إتلافٌ لمال اليتيم وضياعٌ لحقوقه.
والقياسُ الخَفِيُّ: هو ما ثبتت علتُهُ بالاستنباط، ولم يُقْطَعْ فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع
مثاله: قياسُ الأشنان على البُرِّ في الربا بجامع الكيل مثلا، فإنه لم يُقطع بنفي الفارق بين الفرع والأصل لاحتمال أن يقال: البُرُّ مطعوم والأشنانُ غيرُ مطعومٍ.
وإذا تعارض (قياسُ عِلَّةٍ) مع (قياسِ شَبَهٍ) قُدِّمَ (قياسُ العلة) على (قياسِ الشَّبَهِ)
___________________________
وقوله: "فَإِنْ وُجِدَ فِي النُّطْقِ مَا يُغَيِّرُ الْأَصْلَ، وَإِلَّا فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ". تقدم معنا قريبا والمراد إن وجد في الحادثة نصٌّ حكَمْنا بموجبه وإن لم يوجدْ نصٌّ استصحبنا البراءة الأصلية كما سبق.
والله أعلم.
______________________________ __
1 صحيح: رواه مسلم (1450)
2 صحيح: رواه مسلم (1452)
3 صحيح: متفق عليه
4 صحيح: متفق عليه
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
الاجتهاد والتقليد
شروط المفتي أو المجتهد
قال المصنف:
وَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْفِقْهِ؛ أَصْلًا وَفَرْعًا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا.
وَأَنْ يَكُونَ:
- كَامِلَ الْآلَةِ فِي الِاجْتِهَادِ.
- عَارِفًا بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيهِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنَ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَحْكَامِ، وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا.
______________________________ ___
(وَ): استئنافية
(مِنْ شَرْطِ): متعلق بمحذوف خبر مقدم
و(مِنْ) تبعيضية
و(شرط) مضاف
(الْمُفْتِي): مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يَكُونَ): مضارع من كان الناقصة منصوب بـ (أَنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
واسمها مستتر يعود على (المفتي)
(عَالِمًا): خبر (يكون)
و(أنْ) والفعل في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر
وجملة (يكون عالما) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
(بِالْفِقْهِ): متعلق بـ (عالما)
(أَصْلًا وَفَرْعًا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا): إن أعربتها أحوال من (الفقه) كان مراده بقوله (أصلا): دلائل الفقه المذكورة في علم أصول الفقه، وفي إدخالها في (الفقه) من قوله: "عالما بالفقه" مسامحة؛ إذ إنها ليست مِنه، بل هي من علم آخر هو علم أصول الفقه.
أما إن أعربتها تمييزات من (الفقه) محولة عن المضاف لم يلزم عليه شيئا ويكون أصل هذه التمييزات: (عالما بأصلِ الفقهِ وفرعِهِ ...الخ)، ويكون المراد بـ (أصل الفقه) أمهات المسائل التي هي كالقواعد ويتفرع عليها غيرُها، لكن يفوتُهُ التنبيه على (أصول الفقه) إلا أن يدخل في قوله: "كامل الآلة"
ولك جعلُها منصوبة على المفعولية المطلقة (أصل أصلا، وفرع فرعا، وخالف خلافا، وذهب مَذهبا)
وذهب الدمياطي إلى أنها منصوبة على نزع الخافض حيث قال: "قوله: (خلافا ومذهبا) هما منصوبان على نزع الخافض والتقدير: مِنْ مُخالِفِ مذهبِ إمامِهِ ومذهبِ إمامه"1.
(وَ): عاطفة
(أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْآلَةِ فِي الِاجْتِهَادِ.): معطوفة على قوله: "أن يكون عالما بالفقه" وإعرابها مثلها
و(في الاجتهاد) متعلق بـ (كامل)
(عَارِفًا): معطوف على (كامل) بحرف عطف محذوف أي (وعارفا)
أو خبر لـ(يكون) بعد خبر فيكون من باب تعدد الأخبار وهو جائز.
(بِمَا): متعلق بـ (عارفا)، و(ما) موصولة بمعنى الذي
(يُحْتَاجُ): مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (ما)
والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة (ما)
(إِلَيهِ): متعلق بـ (يُحتاج)
(فِي اسْتِنْبَاطِ): متعلق بـ (يُحتاج)، و(استنباط) مضاف
(الْأَحْكَامِ): مضاف إليه
(مِنَ النَّحْوِ): متعلق بـ (يُحتاج) وهو تفسير لـ(ما)
(وَ): عاطفة
(اللُّغَةِ): معطوفة على "النحو"
(وَ): واو المعية، أو عاطفة كما ستعرف
(مَعْرِفَةِ): بالنصب والرفع والجر:
فأما النصب فعلى أنه مفعول معه، والواو للمعية
والرفع على أن الواو عاطفة، و(معرفة) معطوفة على المصدر المؤول في قوله: "أن يكون عالما بالفقه" أي: ومِنْ شرطه كونُهُ عالما بالفقه ومِنْ شرطه معرفةُ الرجال
والجر على أن الواو عاطفة، و(معرفة) معطوفة على (الاجتهاد) من قوله: "وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد" أي وأن يكون كامل الآلة في معرفة الرجال، ويكون الجر بالعطف لا بحذف حرف الجر وبقاء عمله لأنه شاذ ولا يقاس عليه.
ولا شك أن الظاهر أنه معطوف على (النحو) من قوله: "من النحو واللغة" لكنه مشكل من حيث المعنى؛ إذ يصير المعنى أن مِنْ شرط المفتي أن يكون عارفا بمعرفةِ الرجال، وهذا ليس مرادا
و(معرفة) مضاف
(الرِّجَالِ): مضاف إليه
(وَ): عاطفة
(تَفْسِيرِ): معطوف على (معرفة)، وهو مضاف
(الْآيَاتِ): مضاف إليه
(الْوَارِدَةِ): صفة لـ(الآيات) وصفة المجرور مجرورة
(فِي الْأَحْكَامِ): متعلق بـ (الواردة)
(وَ): عاطفة
(الْأَخْبَارِ): معطوف على (الآيات)
(الْوَارِدَةِ فِيهَا): تقدم مثلها
______________________
1 حاشية الدمياطي على شرح الورقات للمحلي 22.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
لما انتهى المصنفُ من الكلام على الأدلة وما يحتاج إليه في الاجتهاد شرع في بيان الاجتهاد ليحصل الحكم المقصود والإفتاء للعمل به، وذكر بعض شروط المفتي والمستفتي.
شروط المفتي:
1- أن يكون عالما بالفقه أصلا وفرعا خلافا ومذهبا، واختلف في مراده بـ (أصل الفقه):
= فقيل: المرادُ دلائلُ الفقه المذكورة في أصول الفقه، وذلك على إعراب (أصلا) حالا من (الفقه)، وكما سبق فإدخال (دلائل الفقه) في (الفقه) مسامحة
= وقيل: يحتمل أن يريد بالأصل أمهاتِ المسائل التي هي كالقواعد ويتفرع عليها غيرُها لكن يفوته التنبيهُ على اشتراط العلمِ بأصول الفقه إلا أن يدخل ذلك في قوله: "كامل الآلة".
ومراده بـ (فرعا): المسائل المدونة في كتب الفقه، ولا يشترط حفظها؛ إذ إنها لا تنتهي بل المراد حفظ جملة صالحة منها ليتمكن من معرفة ما يَرِدُ عليه أثناء الفتوى، وأن تكون عنده ملَكَةٌ راسخة يتمكن بها من استنباط الحكم عند الحاجة إليه
ومراده بـ (خلافا): المسائل المختلَفُ فيها بين العلماء
ومراده بـ (مَذْهَبًا): ما يستقر عليه رأيُهُ هو، هذا إن حُمِلَ على المجتهد المطلق، أما إن حُمِلَ على المجتهد المقيَّد (الذي يتقيد بمذهب من المذاهب) فمرادُهُ بالمَذْهَبِ ما استقرَّ عليه رأيُ إمامِهِ.
واعلم أن الواجب على المفتي النظرُ في الأدلة والإفتاء بمقتضى الدليل سواء وافق مذهبه أو خالفه؛ لأن الله عز وجل لم يتعبدنا إلا بشرعه الذي أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والمذاهب كلها فيها الصواب وفيها الخطأ، فمَنِ التزمها وتقيَّدَ بها في كل صغيرة وكبيرة وقع في الخطإ لا محالة.
2- أن يكون كامل الآلة في الاجتهاد، وكمالُ الآلةِ يكون بـ:
معرفته بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من:
النحو ويندرج فيه التصريف
واللغة: وهي الألفاظ الموضوعة لبيان المعاني المفردة، وهذا يبحث عنه في المعاجم كالمصباح المنير والصحاح للجوهري ومختار الصحاح للرازي ولسان العرب للفيروزأبادي ...
ولا بد مع ذلك من معرفة علوم البلاغة؛ لأن الألفاظ الدالَّة على الأحكام الشرعية عربية بليغة، وفيها الحقيقة وفيها المجاز (خلافا لمَنْ نفاه) وفيها من ألوان التشبيه والاستعارات والكنايات وصيغ الخبر والإنشاء والتقديم والتأخير وغير ذلك الشيء الكثير فإن لم يكن المجتهد على معرفة بهذه العلوم قلَّ حظُّه ورتبتُه في الاجتهاد
تنبيه: لا يشترط في المجتهد أن يكون متبحرا في علوم اللغة بل الشرط أن يكون عالما بالقَدْرِ اللازم لفهم الكلام
من كمال الآلة أن يكون على علم جيد بأصول الفقه
3- وأن يكون ذا معرفة بعلم الرجال وهم رواة الأحاديث ليأخذ برواية المقبول منهم دون المجروح، وقد صار هذا الأمر يسيرا بعد انتشار الطباعة والكتب الالكترونية والبرامج البحثية كالشاملة ونحوها
4- أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ لئلا يفتي بالمنسوخ.
5- أن يكون عالما بتفسير آيات الأحكام، وهي نحو خمسمائة آية كما ذكر الإمام الغزالي، لكن هذا لا يمنع أن تكون أكثر من ذلك كما قال القرافي.
وقال العز بن عبد السلام: إنما ضرب الله الأمثال في كتابه تذكيرا ووعْظا، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو نحوه فإنه يدل على الأحكام.
ثم قال: "ومعظم آيِ القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جميلة ..."1.
ولا يُشترَطُ حفظُها بل معرفةُ مظانِّها ليراجعها وقت الحاجة.
وقد ألفت فيها كتب كثيرة منها: تفسير القرطبي المسمى (الجامع لأحكام القرآن) و(أحكام القرآن لابن العربي) و(تفسير آيات الأحكام) للإمام الشافعي الذي جمعه البيهقي، و(تفسير آيات الأحكام) للجصاص، و(الإكليل في استنباط التنزيل) للسيوطي، و(تفسير آيات الأحكام) للسايس وغيرها.
6- أن يكون عالما بأحاديث الأحكام، ولا يُشترَطُ حفظُها بل معرفةُ مظانِّها ليراجعها وقت الحاجة. وقد صُنِّفَتْ كتب كثيرة في هذا الأمر منها:
= (عمدة الأحكام) للمقدسي وفيه نحو (400) حديث مما اتفق عليه البخاري ومسلم غالبا وقد يكون في مسلم دون البخاري قليلا
= (بلوغ المرام من جمْع أحاديث الأحكام) لابن حجر وفيه (1451) حديثا إلى آخر كتاب (العتق) ثم ختمه بكتاب (الجامع) أي في الآداب وآخره الحديث رقم (1582)، وقد لخَّصَ فيه (الإلمام) لابن دقيق العيد وزاد عليه كثيرا، وأشهر شروحه (سبل السلام) للأمير الصنعاني
= (منتقى الأخبار) لابن تيمية الجد وفيه (3926) حديثا وقد شرحه الشوكاني في كتابه العظيم (نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار)
وبعضُهم اشترط البلوغ والذكورة والعدالة ولم يشترط ابن الصلاح الذكورة لكن اشترط العدالة، وبعضهم لم يشترطها
ولا يشترط في المجتهد أن يكون حافظا للقرآن
_____________________________
1 الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي (ص12) تصحيح: أبو الفضل عبد الله بن الصديق الغماري، ط. دار الكتاب العربي
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
ما يشترط في المستفتي
قال المصنف:
وَمِنْ شَرْطِ الْمُسْتَفْتِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، فَيُقَلِّد الْمْفُتِيَ فِي الْفُتْيَا. وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ
_____________________________
(وَ): استئنافية
(مِنْ شَرْطِ): متعلق بمحذوف خبر مقدم، و(شرط) مضاف
(الْمُسْتَفْتِي) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل
(أَنْ يَكُونَ): المصدر المؤول من أنْ والفعل في محل رفع مبتدأ مؤخر، واسم (يكون) مستتر يعود على (المستفتي)
(مِنْ أَهْلِ): متعلق بمحذوف خبر (يكون)، و(أهل) مضاف
(التَّقْلِيدِ): مضاف إليه
وجملة (يكون من أهل) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
وجملة (من شرط ... أن يكون) لا محل لها من الإعراب استئنافية
(فَـ): فاء السببية
(يُقَلِّدُ): مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على (المستفتي)
(الْمْفُتِيَ): مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
(فِي الْفُتْيَا): متعلق بـ (يقلد)، و(الفُتْيَا) اسم مجرور بفي وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر
(وَ): استئنافية
(لَيْسَ): فعل ماض ناقص من أخوات (كان) مبني على الفتح لا محل له من الإعراب
(لِلْعَالِمِ): متعلق بمحذوف خبر (ليس) مقدم، وهو جائز
(أَنْ يُقَلِّدَ): المصدر المؤول من أنْ والفعل في محل رفع اسم ليس مؤخر
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
بعد أن تكلم عن شروط المفتي ومَنْ يجوز له الإفتاء، تكلم عن شروط المستفتي ومَنْ يجوز له الاستفتاء
فذكر للمستفتي شرطا واحدا وهو: أن يكون مِنْ أهل التقليد، يعني: ليس عالما مِنْ أهل الاجتهاد
ثم ذكر أن العالم لا يجوز له أن يقلد غيره بل يجب عليه أن يبحث عن حكم المسألة بنفسه ويصير إلى ما أداه إليه اجتهادُه.
وهذه المسألة معروفة بـ (حكم تقليد العالِمِ للعالِمِ) وتفصيلُها كالآتي:
أ - إذا نظر العالمُ المجتهدُ في المسألةِ وتبَيَّنَ له رجحان قول على قول فقد أجمع العلماءُ على أنه لا يجوز له تقليد غيرِهِ وتَرْكِ ما تبَيَّنَ له
ب - إذا لم ينظر في المسألة فهل له أن يقلد غيره أو لا؟ اختلفوا في هذه الصورة على أقوال:
الأول - يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا لم ينظر في المسألة، أو نظر فيها ولم يتبين له شيء
الثاني - لا يجوز له التقليد بل يجب عليه التوقف حتى ينظر فيها
الثالث - يجوز له أن يقلدَ الأعلمَ منه، ولا يجوز له أن يقلد المساوي أو الأدنَى
الرابع-وهو الراجح، التفصيل: إن ضاقَ عليه الوقتُ جاز عليه التقليدُ وإلا فلا
مثال مَنْ ضاق عليه الوقت: أن يكون في صلاةٍ ثم تَعْرِضُ له مسألةٌ لم يكن قد نظر فيها قبل ذلك ولكنه يعلم قول الشافعي أو أحمد أو غيرهما من الأئمة في هذه المسألة ولكنه لا يعرف دليل الإمام فيها فهنا يجوز له التقليد؛ لأن الوقت قد ضاق ويَصْدُقُ عليه أنه لا يعلم الحكم1.
تنبيه: عدم جواز تقليد العالم لغيره مشروط بعدم التأثير على جماعة المسلمين يعني إذا كان المجتهد نظرَ في مسألة وأداه اجتهادُهُ إلى خلاف ما عليه جمهور المسلمين وإمامهم من الأمور التي تؤثر على المسلمين كالصلح مع العدو وأمور السلْمِ والحرب ونحوها فإن كان العالِمُ يرى رأيا يخالِفُ جماعةَ المسلمين وإمامهم ولو أظهره أدى ذلك إلى اختلاف الناسِ وشقِّ عصا الطاعة لم يَجُزْ للعالِمِ أن يخالفَ إمامَ المسلمين وإنْ ظَنَّ أن ما فعَلَهُ مرجوحا؛ لأن مخالفته تؤدي إلى تفرق كلمة المسلمين2.
______________________________
1 تهذيب شرح الورقات 107.
2 تهذيب شرح الورقات 108.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
التقليد
قول المصنف:
وَالتَّقْلِيدُ: قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ؛
فَعَلَى هَذَا قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّي تَقْلِيدًا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: التَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ.
______________________________ _____
(وَ): استئنافية
(التَّقْلِيدُ): مبتدأ
(قَبُولُ): خبر، وهو مضاف
(قَوْلِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا
(الْقَائِلِ): مضاف إليه
(بِـ): حرف جر
(لَا): نافية للجنس ملغاة لدخول حرف الجر عليها.
وذهب الكوفيون إلى أن (لا) هنا اسم بمعنى (غير) وأنها مجرورة بالباء وهي مضاف وما بعدها مضاف إليه1.
وإلى هذا الرأي ذهب الهروي في (الأُزْهِيَّة)2، والمالقي في (رصف المباني)3.
(حُجَّةٍ): مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة،
والجار والمجرور متعلق بـ (قبول)
وعلى مذهب الكوفيين (لا) مضاف، و(حجة) مضاف إليه
(فَـ): فاء السببة
(عَلَى هَذَا): متعلق بمحذوف حال، أي: (فبناءً على هذا التعريف للتقليد)،
أو متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (فالكلام الآتي (وهو قبول قول النبي ...الخ) مبنيٌّ على هذا التعريف)
(قَبُولُ): مبتدأ، ومضاف
(قَوْلِ): مضاف إليه، ومضاف أيضا
(النَّبِيِّ): مضاف إليه
(صلى الله عليه وسلم): (صَلَّى): فعل ماض،
واسم الجلالة فاعل،
و(عليه) متعلق بـ (صلى)
والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
و(الواو) عاطفة،
و(سَلَّمَ) فعل ماض، والفاعل مستتر يعود على اسم الجلالة،
وحذف الظرف من الثانية لدلالة الأولى عليه والتقدير: (وسلَّمَ عليه)
والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (صلى الله)
(يُسَمَّي): مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر،
ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (قبول)
(تَقْلِيدًا): مفعول به ثان لـ(يُسَمَّى)
وجملة (يسمى تقليدا) في محل رفع خبر (قبول)
(وَ): استئنافية
(مِنْهُمْ): متعلق بمحذوف خبر مقدم
(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر
(قَالَ): فعل ماض،
والفاعل مستتر يعود على العلماء وإن لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ لفهمه من السياق.
(التَّقْلِيدُ): مبتدأ
(قَبُولُ): خبر، ومضاف
(قَوْلِ): مضاف إليه، ومضاف أيضا
(الْقَائِلِ): مضاف إليه
وجملة (التقليد قبول ...) في محل نصب مقول القول
وجملة: (قال التقليد ...) لا محل لها من الإعراب صلة (مَنْ)
وجملة (ومنهم مَنْ ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية
(وَ): واو الحال
(أَنْتَ): مبتدأ
(لَا): نافية
(تَدْرِي): مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل،
والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت)
(مِنْ أَيْنَ): متعلق بـ (قال)
(قَالَهُ): فعل ماض وفاعل مستتر والهاء مفعول به،
وليس هنا مقول قول؛ لأن المراد بـ (قالَه) أي أَخَذَهُ، أي وأنت لا تدري مِنْ أين أخذه، أي لا تعلمُ مَحَلَّ أَخْذِهِ.
_________________________
1 مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام 3/ 316 تحقيق: د. عبد اللطيف محمد الخطيب
2 الأزهية في علم الحروف لعلي بن محمد النحوي الهروي ص160 ت. عبد المعين الملّوحي، ط. مجمع اللغة بدمشق
3 رصف المباني في شرح حروف المعاني لأحمد بن عبد النور المالقي 270 -271 ت. أحمد محمد الخراط، ط. مجمع اللغة بدمشق.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
قول المصنف:
فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ،
فَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّي قَبُولُ قَوْلِهِ تَقْلِيدًا.
______________________________ ___
(فَـ): فاء الفصيحة
(إِنْ): شرطية
(قُلْنَا): (قال) فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، في محل جزم فعل الشرط،
و(نا) فاعل
(إِنَّ): حرف توكيد ونصب
(النَّبِيَّ): اسم إِنَّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
(صلى الله عليه وسلم): سبق مثلها قريبا
(كَانَ): فعل ماض ناسخ ناقص، واسمها مستتر يعود على النبي صلى الله عليه وسلم
(يَقُولُ): فعل مضارع مرفوع
والفاعل مستتر يعود على النبي صلى الله عليه وسلم
والمراد بالقول هنا الاجتهاد والحكم، أي: كان يجتهد ويحكم بالقياس، ولهذا فليس هنا مقول قول.
(بِالْقِيَاسِ): متعلق بـ (يقول)
وجملة (يقول بالقياس) في محل رفع خبر (كان)
وجملة (كان يقول بالقياس) في محل رفع خبر (إنَّ)
وجملة: (إن النبي ...) من إِنَّ واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول (قلنا)
(فَـ): واقعة في جواب إنَّ
(يَجُوزُ): مضارع مرفوع
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يُسَمَّي): مضارع مبني للمجهول منصوب بـ (أنْ) وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر،
و(أَنْ) والفعل في تأويل مصدر مرفوع لأنه فاعل (يجوز)
(قَبُولُ): نائب فاعل، ومضاف
(قَوْلِهِ): قولِ مضاف إليه، ومضاف أيضا والضمير مضاف إليه
(تَقْلِيدًا): مفعول ثان لـ(يُسَمَّى)
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
تكلم هنا عن التقليد
وهو في اللغة: وضع القلادة في العنق
واصطلاحا: ذَكَرَ له تعريفين:
الأول - التقليد: "قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ"
يعني بلا ذِكْرِ دليل للحكم،
سواء كان له دليل في نفس الأمر أو لا،
وسواء عمل به أو لا
والمقصود به هنا: ملازمة قول الغير،
كأنه جعل قولَ الغير كالقلادة في عنقه فلا يخرج عن طوعه.
ومما ينبني على هذا التعريف أن قبولَ قولِ النبي صلى الله عليه وسلم يسمَّى تقليدا؛ لانطباق التعريف عليه:
- فهو صلى الله عليه وسلم (قائلٌ)
- وأنت تقبل قولَهُ بلا حجة؛
إذْ لا يُطالَبُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحجة،
وهذا هو التقليد.
قلت: قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حجةٌ بنفسه فلا يحتاج إلى حجة
والصواب زيادة (غير المعصوم) في التعريف
فيكون تعريفُ التقليدِ: "قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ بِلَا حُجَّةٍ".
وقوله: "بِلَا حُجَّةٍ" احتراز مما لو قَبِلَ قولَهُ لحُجَّةٍ ذكرها
فإنه لا يكون تقليدا
بل اجتهادا إنْ علم تلك الحجة وفهم دلالتها على الحكم
وإلا فهو تقليد وإن ذُكِرَتْ له الحجة.
الثاني- "التَّقْلِيدُ: قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ"
أي لا تدري هل له فيه حجة أو لا؟
وهل قاله عن نص أو اجتهاد؟
قال: "فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّي قَبُولُ قَوْلِهِ تَقْلِيدًا".
وقد اختُلِفَ في حكم اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم:
فقيل: لا يجوز له الاجتهاد؛ لأنه يأتيه الوحي من عند الله
والوحي قطعي، والاجتهاد ظني
واستبدالُ الاجتهادِ الظني بالوحي القطعي من استبدال الأدنى بالذي هو خير.
وقيل: بل يجب عليه الاجتهاد،
لقول الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]،
ولقوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء:105]،
ولأنه صلى الله عليه وسلم اجتهد في أمور أُقِرَّ عليها بالوحي، وفي أمور لم يُقّرَّ عليها بالوحي.
والأمور التي لم يُقَرَّ عليها في الاجتهاد، منها:
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
والأمور التي لم يُقَرَّ عليها في الاجتهاد، منها:
1- فداء أسرى بدر، فقد قال الله في ذلك: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:67].
2- وكذلك وما حصل له مع ابن أم مكتوم، عندما أتاه وفي مجلسه عِلْيَةُ القوم من ملإ قريش، فقال الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:2-3].
3- ومثل ذلك: اجتهاده في معذرة المنافقين حين أقسموا له في رجوعه من تبوك، فعاتبه الله في ذلك بقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43].
4- وكذلك تحريمه لِأَمَتِهِ ماريةَ أمِّ إبراهيم لإرضاء أمهات المؤمنين، وبالأخص لإرضاء حفصة، فأنزل الله فيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:1].
5- وكذلك ما حصل في قصة زينب بنت جحش مع زيد بن حارثة ،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها لزيد،
ثم أتاه الوحي أن ذلك النكاح لن يستمر، وأن زينب زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة،
فهو يعلم ذلك عن طريق الوحي،
ومع ذلك فكان زيد يأتيه يشكو إليه،
وتأتي زينب فتشكو،
فيقول لـ زيد : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ } [الأحزاب:37]، وهو ما أوحاه الله إليه من أنها ستكون زوجتَه في الدنيا والآخرة، فأنزل الله في ذلك هذه الآيات من سورة الأحزاب.
6- وكذلك نهيه عن تأبير النخل، وذِكْرُهُ أنه لا يُغَيِّرُ شيئًا، فقال: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".
فالراجح إذًا:
- حصول الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم،
- لكنه لا يُقرُّ على الخطأ قطعاً، بل لا بد أن يأتيه الوحي بعد اجتهاده،
- واجتهادُه رفعٌ لدرجته، وزيادةٌ لأجره،
- لكن مع ذلك الأخذ بقوله حتى لو كان من اجتهاده لا يُسمى تقليدًا؛ لأنه معصوم ولا يمكن أن يُقرَّ على الخطأ1.
______________________________ ___
1 شرح الورقات للددو الدرس 5 ص 23 بترقيم الشاملة.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
الاجتهاد ومسألة تصويب المجتهد
قال المصنف:
وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَهُوَ: بَذْلُ الْوُسْعِ فِي بُلُوغِ الْغَرَضِ.
فَالْمُجْتَهِدُ إِنْ كَانَ كَامِلَ الْآلَةَ فِي الِاجْتِهَادِ:
فَإِنِ اجْتَهَدَ فِي الْفُرُوعِ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامِيَّةِ مُصِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَصْوِيبِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنَ النَّصَارَي، وَالْمَجُوسِ، وَالْكُفَّارِ، وَالْمُلْحِدِين َ.
وَدَلِيلُ مَنْ قَالَ: لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " مَنِ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمَنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ."
وَجْهُ الدَّلِيلِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَّأَ الْمُجْتَهِدَ تَارَةً وَصَوَّبَهُ أُخْرَي.
_____________________________
(وَ): استئنافية أو عاطفة
(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط
(الِاجْتِهَادُ): مبتدأ وهو من جملة الجواب كما تقدم مرارا
(فَـ): واقعة في جواب (أمَّا) ومزحلقة عن موضعها كما تقدم مرارا أيضا
وأصل دخولها على (الاجتهاد) أي: (وأما فالاجتهاد هو ...) فوجب الفصل بينها وبين (أمَّا) فزحلقت إلى هذا الموضع،
وقد حذفت جملة الشرط والتقدير: (ومهما يكن من شيء فالاجتهاد هو ...)
(هُوَ): ضمير فصل
(بَذْلُ): خبر، ومضاف
(الْوُسْعِ): مضاف إليه وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، أي: بذلُ المفتي وسعَهُ
(فِي بُلُوغِ): متعلق بـ الخبر (بَذْل) أو بمحذوف حال منه أى: (الاجتهاد: هو بذل الوسع في حال كون هذا البذل كائنا فى بلوغ الغرض) وقوله: "بلوغ" مضاف
(الْغَرَضِ): مضاف إليه
وجملة (الاجتهاد ... بذل ...) وما تعلق بها جواب (أمّا)، أو (مهما)، أو جوابهما معا
وجملة (أما الاجتهاد ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية أو معطوفة على جملة (فأما أقسام الكلام ...) كما تقدم مرارا
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
(فَـ): فاء الفصيحة، أو استئنافية
(الْمُجْتَهِدُ): مبتدأ
(إِنْ): شرطية
(كَانَ): فعل ماض ناقص ناسخ مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، واسمها مستتر يعود على (المجتهد)
(كَامِلَ): خبر كان، وهو مضاف
(الْآلَةَ): مضاف إليه
(فِي الِاجْتِهَادِ): متعلق بـ (كامل)
(فَـ): واقعة في جواب (إِنْ)
والجواب محذوف يُعْلَمُ من السياق، والتقدير: (فهو المجتهد المطلق، أو فينظرُ إن اجتهد في الفروع ...الخ)
(إِنِ): حرف شرط مبني على السكون لا محل له من الإعراب وحُرِّكَ بالكسر لالتقاء الساكنين
(اجْتَهَدَ): فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والفاعل مستتر يعود على المجتهد
(فِي الْفُرُوعِ): متعلق بـ (اجتهد)
(فَـ): عاطفة
(أَصَابَ): فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم لأنه معطوف على (اجتهد)
(فَـ): واقعة في جواب الشرط
(لَهُ): متعلق بمحذوف خبر مقدم
(أَجْرَانِ): مبتدأ مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى
(وَ): عاطفة
(إِنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ): معطوفة على جملة (إن اجتهد في الفروع فأصاب ...) وإعرابها مثلُها،
و(واحد) نعت لـ(أجر)
(وَ): استئنافية
(مِنْهُمْ): متعلق بمحذوف خبر مقدم والضمير يعود على العلماء وإن لم يَجْرِ لهم ذكر في الكلام لفهمه من السياق
(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر
(قَالَ): فعل ماض والفاعل مستتر يعود على (مَنْ) وهو العائد
(كُلُّ): مبتدأ، ومضاف
(مُجْتَهِدٍ): مضاف إليه
(فِي الْفُرُوعِ): متعلق بـ (مجتهد)
(مُصِيبٌ): خبر
وجملة (كل ... مصيب) في محل نصب مقول القول
وجملة (قال كل... مصيب) لا محل لها من الإعراب صلة (مَنْ)
وجملة (منهم مَنْ ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية
(وَ): استئنافية
(لَا): نافية
(يَجُوزُ): مضارع مرفوع
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يُقَالَ): مضارع مبني للمجهول منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة
و(أنْ) والفعل في تأويل مصدر مرفوع فاعل (يجوز) والتقدير: (ولا يجوز قِيلُ كلُّ مجتهد ...)
(كُلُّ): مبتدأ، ومضاف
(مُجْتَهِدٍ): مضاف إليه
(فِي الْأُصُولِ): متعلق بـ (مجتهد)
(الْكَلَامِيَّة ): صفة لـ(أصول)
(مُصِيبٌ): خبر المبتدإ (كل)
وجملة (كل... مصيب) في محل رفع نائب فاعل (يقال) وهي مقول القول
وجملة (يقال كل ... مصيب) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
وجملة (لا يجوز أن يقال ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية
(لِـ): لام التعليل حرف مبني على الكسر لا محل له من الإعراب
(أَنَّ): حرف توكيد ونصب
(ذَلِكَ): (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم (أَنَّ)،
واللام للبعد والكاف حرف خطاب،
والإشارة إلى عدم جواز قيلِ إن كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب
(يُؤَدِّي): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل،
والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على اسم الإشارة (ذا).
والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر (أَنَّ)
وجملة (أَنَّ) واسمها وخبرها في محل جر باللام
والجار والمجرور (لأن ذلك يؤدي ...) متعلق بـ (يجوز) في قوله: "ولا يجوز أن يقال ..."
(إِلَى تَصْوِيبِ): متعلق بـ (يؤدي)، و(تصويب) مضاف
(أَهْلِ): مضاف إليه، و(أهل) مضاف
(الضَّلَالَةِ): مضاف إليه
(مِنَ): بيانية، وهي حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وحُرِّكَ بالفتحة لالتقاء الساكنين واختيرت الفتحة على الكسرة لخفتها
(النَّصَارَى): اسم مجرور بـ (مِنْ) وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر،
والجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت لـ(أهل) والتقدير: أهل الضلالة الكائنِينَ من النصارى
(وَالْمَجُوسِ، وَالْكُفَّارِ، وَالْمُلْحِدِين َ): معطوفات على النصارى
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
(وَ): استئنافية
(دَلِيلُ): مبتدأ، ومضاف
(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه
(قَالَ): فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب،
والفاعل مستتر يعود على (مَنْ) وهو العائد
(لَيْسَ): فعل ماض ناسخ ناقص من أخوات (كان) مبني على الفتح لا محل له من الإعراب
(كُلُّ): اسم (ليس) مرفوع، وهو مضاف
(مُجْتَهِدٍ): مضاف إليه
(فِي الْفُرُوعِ): متعلق بـ (مجتهد)
(مُصِيبًا): خبر (ليس) منصوب
وجملة (ليس ... مصيبا) في محل نصب مقول القول
وجملة (قال ليس ...) لا محل لها من الإعراب صلة (مَنْ)
(قَوْلُهُ): (قول) خبر المبتدإ (دليل)،
و(قولُ) مضاف والهاء مضاف إليه
وجملة المبتدإ وخبره (دليلُ ... قوله) لا محل لها من الإعراب استئنافية
(صلى الله عليه وسلم): تقدم مثلها
(مَنِ): حرف شرط مبني على السكون لا محل له من الإعراب وحرك بالكسر لالتقاء الساكنين
(اجْتَهَدَ): فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط،
والفاعل مستتر يعود على (مَنْ)
(فَـ): عاطفة
(أَصَابَ): معطوف على (اجتهد) فهو في محل جزم مثله
(فَـ): حرف ربط
(لَهُ أَجْرَانِ): جملة من مبتدإ مؤخر وخبر مقدم
وهي جملة جواب الشرط
(وَمَنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ): معطوفة على الجملة السابقة ومثلها في الإعراب إلا أن العطف هنا بالواو: (وأخطأ)، وهناك بالفاء: (فأصاب)،
و(واحد) نعت لـ(أجر)
وجملتي (من اجتهد فأصاب ... ومن اجتهد وأخطأ ...) في محل نصب مقول القول
(وَجْهُ): مبتدأ، ومضاف
(الدَّلِيلِ): مضاف إليه
(أَنَّ): حرف توكيد ونصب
(النَّبِيَّ): اسم (أنَّ) منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
(صلى الله عليه وسلم): تقدم مثلها
(خَطَّأَ): فعل ماض،
والفاعل مستتر يعود على النبي
(الْمُجْتَهِدَ): مفعول به
(تَارَةً): مفعول فيه (ظرف زمان) منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة،
وهو متعلق بالفعل (خَطَّأَ).
وجملة (خَطَّأَ المجتهدَ تارة) في محل رفع خبر (أَنَّ)
وجملة (أَنَّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدإ (وجه الدليل)
(وَ): حرف عطف
(صَوَّبَهُ): فعل ماض
وفاعل مستتر يعود على (النبي)
ومفعول به (الهاء)
(أُخْرَى): صفة لموصوف محذوف يدل عليه ما تقدم والتقدير: (وصوَّبَهُ تارة أخرى)، وصفة المنصوب منصوبة، وعلامة نصبها فتحة مقدرة على آخرها منع من ظهورها التعذر
وجملة (صوَّبَهُ أخرى) في محل رفع معطوفة على جملة (خَطَّأ المجتهدَ)
وجملة (وجه الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
المعنى
لما انتهى من الكلام على (التقليد) شَفَعَهُ بالكلام على (الاجتهاد) فذَكَرَ تعريفه ثم تكلم عن مسألتين هامتين وهما: هل كل مجتهد في الفروع مصيب؟ وهل كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب؟
فأما الاجتهاد لغة: فهو بذلُ الْجُهْدِ أي الطاقة
واصطلاحا: (بذلُ الفقيهِ جُهدَه في بلوغ الغرض) أي في الوصول إلى الغرض وهو الحكم الشرعي
والمراد أن يبذل المجتهد تمامَ طاقته في النظر في الأدلة الشرعية بحيث يحس من نفسه العجز عن المزيد على ذلك[1] ليحصل له الظن الغالب بالوصول للحكم الشرعي.
قال: "فَالْمُجْتَهِد إِنْ كَانَ كَامِلَ الْآلَةَ فِي الِاجْتِهَادِ" المجتهد الموصوف بهذا هو المجتهد المطلق، ولو أسقط قوله: "إِنْ كَانَ كَامِلَ الْآلَةَ فِي الِاجْتِهَادِ" لكان أفضل ؛ ليشمل المجتهد في المذهب ومجتهد الفتوى؛ لأن الظاهرَ جريانُ الحكم المذكور فيهما أيضا.
قال: "فَإِنِ اجْتَهَدَ فِي الْفُرُوعِ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنِ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ"؛
أما (الفروع) فهي المسائل الفقهية الظنية التي ليس فيها دليل قاطع؛ لأن هذا هو موضع الاجتهاد[2].
فإن اجتهد في استنباط الحكم فأصاب أي وافقَ حكمُهُ حكمَ الله عز وجل فله أجران: أجرٌ على اجتهاده، وأجرٌ على إصابته،
والمراد بالأجر ثواب عظيم من الله عز وجل لا يعلم مقدارَهُ إلا اللهُ تعالى.
وإن أخطأ في اجتهاده فله أجر واحد على اجتهاده، وخطؤه مغفور له لعدم تقصيره في ذلك.
أما إن لم يبذل وسعه في ذلك وأخطأ فهو آثم غير مأجور[3].
وهذا معناه أنه ليس كلُّ مجتهد في الفروع مصيبا
وهذا هو الصحيح وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وقول لأبي حنيفة.
وهناك رأي آخر يقول: بل كل مجتهد في الفروع مصيب وهو القول الآخر لأبي حنيفة وإليه ذهب بعض الشافعية وبعض المالكية.
______________________
[1] قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين وحاشية السوسي على قرة العين 169 -170.
[2] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 135.
[3] حاشية الدمياطي على شرح المحلي على الورقات 23.
-
رد: تذليل العقبات بإعراب الورقات
قال: "وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْأُصُولِ الْكَلَامِيَّةِ مُصِيبٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَصْوِيبِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنَ النَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ، وَالْكُفَّارِ، وَالْمُلْحِدِين َ".
والمراد بـ (الأصول الكلامية) مسائل الاعتقاد كالشهادتين وصفات الباري عز وجل ونحوها
و(المجوس): هم عباد النار والقائلين بأن للكون إلهين: إله الظلمة وإله النور.
و(الملحدين): جمع ملحد وهو من كفر بالأديان كلها
والمعنى: أنه لا يجوز أن يقال: إن كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيبٌ؛ لأن هذا يؤدي إلى تصويب أهل الضلالة والباطل من النصارى القائلين بالتثليث وأن الله ثالث ثلاثة: فالآب إله، والابن إله، والروح القدس إله.
كما يؤدي إلى تصويب مذهب المجوس الذين يعبدون النار والقائلين بأن للكون إلهين اثنين: إله النور وإله الظلمة.
كما يؤدي هذا القول كذلك إلى تصويب مذهب الكفار.
واعلم أن الكفر نوعان:
أ*- كفر أكبر مخرج من الملة وهو:
- كفر الإعراض عن الحق وعدم قبوله،
- وكفر العناد والاستكبار يعني يعرفون الحق ثم يتكبرون عن قبوله ككفر إبليس،
- وكفر التكذيب،
- وكفر النفاق الأكبر.
ب*- وكفر أصغر غيرُ مخرج من الملة: ويشمل جميع المعاصي[1].
وكذلك يؤدي إلى تصويب مذهب الملحدين الذين لا يؤمنون بإله موجود.
فالحاصل أن قولَ: (كل مجتهد في الأصول الكلامية مصيب) قولٌ باطل ظاهر البطلان
ثم ذكر المصنفُ دليل قولِ مَنْ قال: "ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا" وهو حديثُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ»[2]. وهذا لفظ البخاري ومسلم وقد ذكره المصنف بلفظ مختلف.
ووجه الدليل من الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم خَطَّأَ المجتهدَ تارةً وصوَّبَهُ أخرى فدلَّ على أن المجتهد قد يصيب وقد يخطيءُ وإذا أخطأ لم يكن مصيبا وهو المطلوب فدل على المطلوب وهو: (ليس كل مجتهد في الفروع مصيبا) وهذا هو الصحيح، والله أعلم.
______________________________
[1] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 137.
[2] صحيح: رواه البخاري (6919)، ومسلم (1716)
_____________________________
وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية ما أردناه من التعليق والشرح والتوضيح لهذا المتن المبارك بعد نحو ستة أعوام متتابعة
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيه وأن ينفع به وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم لا رياء فيه ولا سمعه.
والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّمَ تسليما كثيرا
وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد ألا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك