رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)
وهكذا يقول حذاقهم في تحديد أمور كثيرة قد حدها غيرهم يقولون لا يمكن تحديدها تحديد تعريف لماهياتها بل تحديد تنبيه وتمييز كما قال ابن سينا في الشفاء قال:
"فنقول: إن الموجود والشيء والضروري معانيها ترتسم في النفس إرتساما أوليا ليس ذلك الارتسام مما يحتاج أن يجلب بأشياء هو أعرف منها.
فإنه كما أنه في باب التصديق مباديء أولية يقع التصديق بها لذاتها ويكون التصديق لغيرها بسببها وإذا لم يخطر بالبال أو يفهم اللفظ الدال عليها لم يمكن التوصل إلى معرفة ما يعرف بها وإذا لم يكن التعريف الذي يحاول إخطارها بالبال أو يفهم ما يدل عليها من الألفاظ محاولا لإفادة علم ما ليس في الغريزة بل منبها على تفهيم ما يريده القائل أو يذهب إليه وربما كان ذلك بأشياء هي في أنفسها أخفى من المراد تعريفه لكنها لعلة ما وعبارة ما صارت أعرف.
كذلك في التصورات أشياء هي مباديء للتصور هي متصورات لذاتها وإذا أريد أن يدل عليها لم يكن ذلك في الحقيقة تعريفا لمجهول بل تنبيها وإخطارا بالبال باسم العلامة وربما كانت في نفسها أخفى منه لكنها لعلة ما وحال ما تكون أظهر دلالة فإذا استعملت تلك العلامة نبهت النفس على إخطار ذلك المعنى بالبال من حيث أنه هو المراد لا غيره من غير أن تكون العلامة بالحقيقة معلمة إياه.
ولو كان كل تصور يحتاج إلى أن يسبقه تصور قبله لذهب الأمر إلى غير النهاية أو لدار وأولى الأشياء بأن تكون متصورة لأنفسها الأشياء العامة للأمور كلها كالموجود والشيء والواحد وغيره ولهذا ليس يمكن أن يبين شيء منها ببيان لا دور فيه ألبتة أو ببيان وشيء أعرف منها.
أقول: في هذا النقل ابن سينا يقول: هناك أشياء متصورة بذاتها مستغنية عن التعريف، ومع هذا قد تعرف بتعريف ما، ولكن هذا التعريف ليس هو الذي صورها في نفس المستمع بل هي متصورة بنفسها ومع هذا لعلة ما قد يكون جلب هذا التعريف للمستمع منبها له على إخطار ذلك المعنى في البال مع أن ذلك التعريف المستجلب قد يكون أخفى وأغمض في النفس من المعرَّف كتعريف الموجود والشيء والواحد فكل الناس تتصورها.
رد: تعليقات على كتاب الرد على المنطقيين (قسم التصورات)
وكذلك قول من قال: إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر. فإن يصح أخفى من الشيء، والخبر أخفى من الشيء، فكيف يكون هذا تعريفا للشيء! وإنما تعرف الصحة ويعرف الخبر بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما أنه شيء أو أنه أمر أو أنه ما أو أنه الذي وجميع ذلك كالمرادفات لاسم الشيء فكيف يصح أن يعرف الشيء تعريفا حقيقيا بما لا يعرف إلا به، نعم ربما كان في ذلك وأمثاله تنبيه ما، وأما بالحقيقة فانك إذا قلت أن الشيء هو ما يصح أن يخبر عنه تكون كأنك قلت أن الشيء هو الشيء الذي يصح عنه الخبر لأن معنى ما والذي والشيء معنى واحد فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء، على أننا لا ننكر أن يقع بهذا وما أشبهه مع فساد مأخذه تنبيه بوجه ما على الشيء ونقول أن معنى الموجود ومعنى الشيء متصوران في الأنفس وهما معنيان والموجود والمثبت والمحصل أسماء مترادفة على معنى واحد ولا شك أن معناها قد حصل في نفس من يقرأ هذا الكتاب.
أقول: من حدّ الشيء بقوله: هو الذي يصح عنه الخبر. فقد عرفه بالأخفى، و"الذي" بمعنى الشيء كأنك قلت هو: الشيء الذي يصح عنه الخبر. وهذا دور. ومع هذا قد فيه تنبيه وإخطار للمعنى في نفس مستمع التعريف، وإلا فالشيء والموجود معنيان متصوران في الأنفس بالبداهة.