باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
إذا عُلم ذلك
فمن لبس الحلقة أو الخيط ونحوهما
قاصدا بذلك رفع البلاء بعد نزوله :
أو دفعه قبل نزوله ,
فقد أشرك
لأنه إن اعتقد أنها هي الدافعة الرافعة
فهذا الشرك الأكبر
وهو شرك في الربوبية ,
حيث اعتقد شريكا مع الله في الخلق والتدبير ,
وشرك في العبودية
حيث تأله لذلك وعلق به قلبه طمعا ورجاء لنفعه
وإن اعتقد أن الله هو الدافع الرافع وحده
ولكن اعتقدها سببا يستدفع بها البلاء
فقد جعل ما ليس سببا شرعيا ولا قدريا سببا
وهذا محرم وكذب على الشرع وعلى القدر :
أما الشرع
فإنه ينهى عن ذلك أشد النهي
وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة
وأما القدر
فليس هذا من الأسباب المعهودة
ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود
ولا من الأدوية المباحة النافعة .
وكذلك هو من جملة وسائل الشرك
فإنه لا بد أن يتعلق قلب متعلقها بها
وذلك نوع شرك ووسيلة إليه
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
فإذا كانت هذه الأمور
ليست من الأسباب الشرعية
التي شرعها على لسان نبيه
التي يتوسل بها إلى رضا الله وثوابه
ولا من الأسباب القدرية
التي قد عُلم أو جُرِّب نفعها
مثل الأدوية المباحة
كان المتعلق بها
متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها
فتعين على المؤمن تركها
ليتم إيمانه وتوحيده
فإنه لو تم توحيده
لم يتعلق قلبه
بما ينافيه
وذلك أيضا نقص في العقل
حيث تعلق بغير متعلق
ولا نافع بوجه من الوجوه :
بل هو ضرر محض .
والشرع مبناه على تكميل
أديان الخلق
بنبذ الوثنيات والتعلُّق بالمخلوقين ,
وعلى تكميل عقولهم
بنبذ الخرافات والخزعبلات ,
والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول ,
المزكية للنفوس ,
المصلحة للأحوال كلها دينيها ودنيويها
والله أعلم .
باب ما جاء في الرقى والتمائم
باب ما جاء في الرقى والتمائم
أما التمائم فهي تعاليق تتعلق بها قلوب متعلقيها
والقول فيها كالقول في الحلقة والخيط كما تقدم
فمنها ما هو شرك أكبر
كالتي تشتمل على الاستغاثة بالشياطين
أو غيرهم من المخلوقين
فالاستغاثة بغير الله
فيما لا يقدر عليه إلا الله
شرك
كما سيأتي إن شاء الله
ومنها ما هو محرم
كالتي فيها أسماء لا يُفهم معناها
لأنها تجرُّ إلى الشرك .
باب ما جاء في الرقى والتمائم
وأما التعاليق
التي فيها قرآن أو أحاديث نبوية
أو أدعية طيبة محترمة
فالأولى تركها لعدم ورودها عن الشارع
ولكونها يتوسل بها إلى غيرها من المحرم ,
ولأن الغالب على متعلقها أنه لا يحترمها
ويدخل فيها المواضع القذرة .
باب ما جاء في الرقى والتمائم
وأما الرُقى ففيها تفصيل :
فإن كانت من القرآن أو السنة أو الكلام الحسن
فإنها مندوبة في حق الراقي لأنها من باب الإحسان ,
ولما فيها من النفع ,
وهي جائزة في حق المرقي
إلا أنه لا ينبغي له أن يبتدئ بطلبها ,
فإن من كمال توكل العبد وقوة يقينه
أن لا يسأل أحدا من الخلق
لا رقية ولا غيرها :
بل ينبغي له إذا سأل أحدا أن يدعو له
أن يلحظ مصلحة الداعي والإحسان إليه
بتسببه لهذه العبودية له مع مصلحة نفسه ,
وهذا من أسرار تحقيق التوحيد ومعانية البديعة
التي لا يوفق للتفقه فيها والعمل بها إلا الكُمَّل من العباد .
وإن كانت الرقية يدعى بها غير الله
ويطلب الشفاء من غيره
فهذا هو الشرك الأكبر
لأنه دعاء واستغاثة بغير الله ,
فافهم هذا التفصيل ,
وإياك أن تحكم على الرقى بحكم واحد
مع تفاوتها في أسبابها وغاياتها .
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب من تبرك بشجر أو حجر أو غيرهما
أي فإن ذلك
من الشرك ومن أعمال المشركين
فإن العلماء اتفقوا
على أنه لا يُشرع التبرك بشيء
من الأشجار والأحجار والبقع والمشاهد وغيرها
فإن هذا التبرك غلو فيها
وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها
وهذا هو الشرك الأكبر
كما تقدم انطباق الحد عليه
وهذا عام في كل شيء
حتى مقام إبراهيم وحجرة النبي صلى الله عليه وسلم
وصخرة بيت المقدس وغيرها من البقع الفاضلة .
وأما استلام الحجر الأسود وتقبيله
واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة
فهذا عبودية لله
وتعظيم لله
وخضوع لعظمته
فهو روح التعبد
فهذا تعظيم للخالق وتعبد له
وذاك تعظيم للمخلوق وتأله له
فالفرق بين الأمرين
كالفرق
بين الدعاء لله
الذي هو إخلاص وتوحيد
والدعاء للمخلوق
الذي هو شرك وتنديد .
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب ما جاء في الذبح لغير الله
أي أنه شرك ,
فإن نصوص الكتاب والسنة صريحة
في الأمر بالذبح لله ,
وإخلاص ذلك لوجهه ,
كما هي صريحة بذلك في الصلاة
فقد قرن الله الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه ,
وإذا ثبت أن الذبح لله
من أجل العبادات وأكبر الطاعات ,
فالذبح لغير الله شرك أكبر
مخرج عن دائرة الإسلام ,
باب ما جاء في الذبح لغير الله
فإن حد الشرك الأكبر وتفسيره
الذي يجمع أنواعه وأفراده
أن يصرف العبد نوعا أو فردا
من أفراد العبادة لغير الله .
فكل اعتقاد أو قول أو عمل
ثبتَ أنه مأمور به من الشارع
فصرفه لله وحده
توحيد وإيمان وإخلاص ,
وصرفه لغيره
شرك وكـفر ,
فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر
الذي لا يشذُّ عنه شيء ,
باب ما جاء في الذبح لغير الله
كما أن حد الشرك الأصغر
هو كل وسيلة وذريعة يتطرق منها
إلى الشرك الأكبر
من الإرادات والأقوال والأفعال
التي لم تبلغ رتبة العبادة ,
فعليك بهذين الضابطين للشرك الأكبر والأصغر ,
فإنه مما يعينك على فهم الأبواب السابقة واللاحقة
من هذا الكتاب ,
وبه يحصل لك الفرقان بين الأمور التي يكثر اشتباهها
والله المستعان .
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب لا يُذبح لله بمكان يُذبح فيه لغير الله
ما أحسن اتباع هذا الباب بالباب الذي قبله ,
فالذي قبله من المقاصد وهذا من الوسائل .
ذاك من باب الشرك الأكبر ,
وهذا من وسائل الشرك القريبة ,
فإن المكان الذي يذبح فيه المشركون لآلهتهم
تقربا إليها وشركا بالله
قد صار مشعرا من مشاعر الشرك ,
فإذا ذبح فيه المسلم ذبيحة ولو قصدها لله
فقد تشبه بالمشركين وشاركهم في مشعرهم ,
والموافقة الظاهرة
تدعو إلى الموافقة الباطنة والميل إليهم .
ومن هذا السبب نهى الشارع عن مشابهة الكفار
في شعارهم وأعيادهم
وهيئاتهم ولباسهم
وجميع ما يختص بهم
إبعادا للمسلمين عن الموافقة لهم في الظاهر
التي هي وسيلة قريبة للميل والركون إليهم ,
حتى أنه نهى عن الصلاة النافلة في أوقات النهي
التي يسجد المشركون فيها لغير الله
خوفا من التشبه المحذور
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب من الشرك النذر لغير الله
باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
متى فهمت الضابط السابق في حد الشرك الأكبر ,
وهو أن من صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك ,
فهمت هذه الأبواب الثلاثة التي والى المصنف بينها ,
فإن النذر عبادة مدح الله الموفين به :
وأمر صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة ,
وكل أمر مدحه الشارع أو أثنى على من قام به
أو أمر به فهو عبادة ,
فإن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه
من الأعمال والأقوال الظاهرة ,
والنذر من ذلك .
وكذلك أمر الله
بالاستعاذة به وحده
من الشرور كلها
وبالاستغاثة به
في كل شدة ومشقة ,
فهذه إخلاصها لله
إيمان وتوحيد ,
وصرفها لغير الله
شرك وتنديد .
باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
والفرق بين الدعاء والاستغاثة
أن الدعاء عام في كل الأحوال ,
والاستغاثة هي الدعاء لله في حالة الشدائد ,
فكل ذلك يتعين
إخلاصه لله وحده ,
وهو المجيب لدعاء الداعين
المفرِّج لكربات المكروبين ,
ومن دعا غيره من نبي
أو ملك
أو ولي
أو غيرهم ,
أو استغاث بغير الله
فيما لا يقدر عليه
إلا الله
فهو مشرك كافر ,
وكما أنه خرج من الدين
فقد تجرَّد أيضا من العقل ,
فإن أحدا من الخلق
ليس عنده من النفع والدفع مثقال ذرة
لا عن نفسه
ولا عن غيره
بل الكل فقراء إلى الله
في كل شئونهم .
رد: القول السديد في مقاصد التوحيد / للشيخ عبد الرحمن السعدي
باب قول الله تعالى
" أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
قول الله تعالى :
( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ )
[ سورة الأعراف : الآية 191 ]
هذا شروع في براهين التوحيد وأدلته ,
فالتوحيد له من البراهين النقلية والعقلية ما ليس لغيره ,
فتقدم أن التوحيدين :
توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات
من أكبر براهينه وأضخمها .
فالمتفرد بالخلق والتدبير ,
والمتوحد في الكمال المطلق من جميع الوجوه ,
هو الذي لا يستحق العبادة سواه .
باب قول الله تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
وكذلك من براهين التوحيد
معرفة أوصاف المخلوقين , ومن عُبد مع الله ,
فإن جميع ما يُعبد من دون الله
من ملك وبشر ومن شجر وحجر وغيرها
كلهم فقراء إلى الله ,
عاجزون ليس بيدهم من النفع مثقال ذرة ,
ولا يخلقون شيئا وهم يُخلقون ,
ولا يملكون ضرا
ولا نفعا ,
ولاموتا
ولاحياة
ولانشورا ,
باب قول الله تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
والله تعالى هو الخالق لكل مخلوق ,
وهو الرازق لكل مرزوق ,
المدبر للأمور كلها ,
الضار النافع ,
المعطي المانع ,
الذي بيده ملكوت كل شيء
وإليه يرجع كل شيء
وله يقصد ويصمد ويخضع كل شيء ,
فأي برهان أعظم من هذا البرهان
الذي أعاده الله وأبداه
في مواضع كثيرة من كتابه وعلى لسان رسوله ,
فهو دليل عقلي فطري
كما أنه دليل سمعي نقلي
على وجوب توحيد الله ,
وأنه الحق
وعلى بطلان الشرك .
باب قول الله تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
وإذا كان أشرف الخلق على الإطلاق
لا يملك نفع أقرب الخلق إليه
وأمسهم به رحما
فكيف بغيره :
فتبا لمن أشرك بالله
وساوى به أحدا من المخلوقين :
لقد سُلب عقله
بعد ما سُلب دينه :
باب قول الله تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون "
فنعوت الباري تعالى وصفات عظمته
وتوحده في الكمال المطلق
أكبر برهان على أنه
لا يستحق العبادة إلا هو ,
وكذلك صفات المخلوقات كلها
وما هي عليه من النقص والحاجة
والفقر إلى ربها في كل شئونها
وأنه ليس لها من الكمال إلا ما أعطاها ربها
من أعظم البراهين على
بطلان إلهية شيء منها ,
فمن عرف الله وعرف الخلق
اضطرته هذه المعرفة إلى
عبادة الله وحده ,
وإخلاص الدين له
والثناء عليه ,
وحمده وشكره
بلسانه وقلبه وأركانه
وانصرف تعلقه بالمخلوقين خوفا ورجاء وطمعا
والله أعلم .
باب قول الله تعالى "حتى إذا فزع عن قلوبهم”
باب قول الله تعالى "حتى إذا فزع عن قلوبهم”
قول الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ )
[ سورة سبأ : الآية 23 ]
وهذا أيضا برهان عظيم آخر على وجوب التوحيد وبطلان الشرك ,
وهو ذكر النصوص الدالة على كبرياء الرب وعظمته
التي تتضاءل وتضمحل عندها عظمة المخلوقات العظيمة ,
وتخضع له الملائكة والعالم العلوي والسفلي ,
ولا تثبت أفئدتهم عندما يسمعون كلامه
أو تتبدى لهم بعض عظمته ومجده ,
فالمخلوقات بأسرها خاضعة لجلاله
معترفة بعظمته ومجده خاضعة له خائفة منه ,
فمن كان هذا شأنه
فهو الرب الذي لا يستحق العبادة والحمد
والثناء والشكر
والتعظيم والتأله إلا هو ,
ومن سواه ليس له من هذا الحق شيء ,
فكما أن الكمال المطلق والكبرياء والعظمة ,
ونعوت الجلال والجمال المطلق كلها لله لا يمكن أن يتصف بها غيره
فكذلك العبودية الظاهرة والباطنة كلها حقه تعالى الخاص
الذي لا يشاركه فيه مشارك بوجه .
باب قول الله تعالى "إنك لا تهدي من أحببت"
باب قول الله تعالى "إنك لا تهدي من أحببت"
قول الله تعالى : ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ )
[ سورة القصص : الآية 56 ]
وهذا الباب أيضا نظير الباب الذي قبله ,
وذلك أنه إذا كان صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق على الإطلاق
وأعظمهم عند الله جاها وأقربهم إليه وسيلة ,
لا يقدر على هداية من أحب هداية التوفيق
وإنما الهداية كلها بيد الله ,
فهو الذي تفرد بهداية القلوب كما تفرد بخلق المخلوقات ,
فتبين أنه الإله الحق ,
وأما قوله تعالى :
( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
[ سورة الشورى : الآية 52 ]
فالمراد بالهداية هنا هداية البيان
وهو صلى الله عليه وسلم المبلِّغ عن الله وحيه الذي اهتدى به الخلق .