479- معنى الإلحاد في أسماء الله
....و أيضا فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت جامدة كالأعلام المحضة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قام به ,فكانت كلها سواء ,ولم يكن فرق بين مدلولاتها ,وهذا مكابرة صريحة وبهت بين,
فإن من جعل معنى اسم القدير هو معنى اسم السميع البصير و معنى اسم التواب هو معنى اسم المنتقم و معنى اسم المعطي هو معنى اسم المانع فقد كابر العقل واللغة والفطرة
فنفي معاني أسمائه من أعظم الإلحاد فيها والإلحاد فيها أنواع هذا أحدها
الثاني: تسمية الأوثان بها كما يسمونها آلهة, و قال ابن عباس ومجاهد عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه فسموا بها أوثانهم فزادوا و نقصوا فاشتقوا اللات من الله, و العزى من العزيز و مناة من المنان
وروي عن ابن عباس يلحدون في أسمائه يكذبون عليه, و هذا تفسير بالمعنى
و حقيقة الإلحاد فيها العدول بها عن الصواب فيها وإدخال ما ليس من معانيها فيها و إخراج حقائق معانيها عنها هذا حقيقة الإلحاد
و من فعل ذلك فقد كذب على الله, ففسر ابن عباس الإلحاد بالكذب أو هو غاية الملحد في أسمائه تعالى ,فإنه إذا أدخل في معانيها ما ليس منها وخرج بها عن حقائقها أو بعضها فقد عدل بها عن الصواب والحق وهو حقيقة الإلحاد .
فالإلحاد إما بجحدها وإنكارها, و إما بجحد معانيها وتعطيلها,و إما بتحريفها عن الصواب و إخراجها عن الحق بالتأويلات الباطلة, وإما بجعلها أسماء لهذه المخلوقات المصنوعات, كإلحاد أهل الإتحاد فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون محمودها ومذمومها ,حتى قال زعيمهم :و هو المسمى بكل اسم ممدوح عقلا و شرعا وعرفا و بكل اسم مذموم عقلا وشرعا و عرفا
تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا
مدارج السالكين/ ابن القيم
480-دلالة المطابقة, اللزوم,التضمن
...أن الإسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم,
فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن, و كذلك على الذات المجردة عن الصفة و يدل على الصفة الأخرى باللزوم
فإن اسم السميع يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة ,و على الذات وحدها و على السمع وحده بالتضمن ويدل على اسم الحي وصفة الحياة بالإلتزام وكذلك سائر أسمائه وصفاته
و لكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه, و من ههنا يقع اختلافهم في كثير من الأسماء والصفات والأحكام, فإن من علم أن الفعل الإختياري لازم للحياة وأن السمع والبصر لازم للحياة الكاملة وأن سائر الكمال من لوازم الحياة الكاملة أثبت من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ما ينكره من لم يعرف لزوم ذلك ولا عرف حقيقة الحياة ولوازمها وكذلك سائر صفاته .
فإن اسم العظيم له لوازم ينكرها من لم يعرف عظمة الله ولوازمها
وكذلك اسم العلي واسم الحكيم وسائر أسمائه
فإن من لوازم اسم العلي العلو المطلق بكل اعتبار فله العلو المطلق من جميع الوجوه علو القدر وعلو القهر وعلو الذات ,فمن جحد علو الذات فقد جحد لوازم اسمه العلي
و كذلك اسمه الظاهر من لوازمه أن لا يكون فوقه شيء كما في الصحيح عن النبي( وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ),بل هو سبحانه فوق كل شيء فمن جحد فوقيته سبحانه فقد جحد لوازم اسمه الظاهر
و لا يصح أن يكون الظاهر هو من له فوقية القدر فقط كما يقال الذهب فوق الفضة و الجوهر فوق الزجاج لأن هذه الفوقية تتعلق بالظهور بل قد يكون المفوق أظهر من الفائق فيها و لا يصح أن يكون ظهور القهر و الغلبة فقط و إن كان سبحانه ظاهرا بالقهر والغلبة لمقابلة الإسم الباطن وهو الذي ليس دونه شيء كما قابل الأول الذي ليس قبله شيء ب (الآخر )الذي ليس بعده شيء
و كذلك اسم الحكيم من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله و وضعه الأشياء في مواضعها وإيقاعها على أحسن الوجوه فإنكار ذلك إنكار لهذا الإسم و لوازمه وكذلك سائر أسمائه الحسنى
مدارج السالكين/ ابن القيم
481- قاعدة نفي النقص عن الله
...ولهذا سمى السلف كتبهم التي صنفوها في السنة و إثبات صفات الرب وعلوه على خلقه وكلامه وتكليمه توحيدا
لأن نفي ذلك و إنكاره و الكفر به إنكار للصانع وجحد له و إنما توحيده إثبات صفات كماله و تنزيهه عن التشبيه و النقائص, فجعل المعطلة جحد الصفات وتعطيل الصانع عنها توحيدا و جعلوا إثباتها لله تشبيها و تجسيما و تركيبا ,فسموا الباطل باسم الحق ترغييا فيه و زخرفا ينفقونه به
و سموا الحق باسم الباطل تنفيرا عنه
و الناس أكثرهم مع ظاهر السكة ليس لهم نقد النقاد
( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) الكهف 17
و المحمود لا يحمد على العدم والسكوت ألبتة ,إلا إذا كانت سلب عيوب ونقائص تتضمن إثبات أضدادها من الكمالات الثبوتية ,و إلا فالسلب المحض لا حمد فيه ولا مدح ولا كمال .
و كذلك حمده لنفسه على عدم اتخاذ الولد المتضمن لكمال صمديته و غناه وملكه, وتعبيد كل شيء له فاتخاذ الولد ينافي ذلك كما قال تعالى:
( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السموات وما في الأرض )يونس 68
وحمد نفسه على عدم الشريك المتضمن تفرده بالربوبية والإلهية و توحده بصفات الكمال التي لا يوصف بها غيره ,فيكون شريكا له, فلو عدمها لكان كل موجود أكمل منه لأن الموجود أكمل من المعدوم
و لهذا لا يحمد نفسه سبحانه بعدم إلا إذا كان متضمنا لثبوت كمال, كما حمد نفسه بكونه لا يموت لتضمنه كمال حياته
وحمد نفسه بكونه لا تأخذه سنة ولا نوم لتضمن ذلك كمال قيوميته
وحمد نفسه بأنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر لكمال علمه وإحاطته
وحمد نفسه بأنه لا يظلم أحدا لكمال عدله وإحسانه وحمد نفسه بأنه لا تدركه الأبصار لكمال عظمته ,يرى ولا يدرك, كما أنه يعلم ولا يحاط به علما
فمجرد نفي الرؤية ليس بكمال لأن العدم لا يرى فليس في كون الشيء لا يرى كمال ألبتة, وإنما الكمال في كونه لا يحاط به رؤية و لا إدراكا لعظمته في نفسه و تعاليه عن إدراك المخلوق له و كذلك حمد نفسه بعدم الغفلة والنسيان لكمال علمه
فكل سلب في القرآن حمد الله به نفسه فلمضادته لثبوت ضده ولتضمنه كمال ثبوت ضده
مدارج السالكين/ ابن القيم