-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (151)
صــــــــــ 50 الى صـــــــــــ56
( قال الشافعي ) أخبرني عمي محمد بن علي عن الثقة أحسبه محمد بن علي بن حسين ، أو غيره عن مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه قال : بينا أنا مع عثمان في ماله بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر فقال : ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال : انظر من هذا فقلت أنا رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال : انظر فنظرت ، فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فأداه لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال : ما أخرجك هذه الساعة ؟ [ ص: 50 ] فقال : بكران من إبل الصدقة تخلفا ، وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى السماء والظل وتكفيك فقال : عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال : عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا " فعاد إلينا فألقى نفسه .
( قال الشافعي ) في حكاية قول عمر لعثمان في البكرين اللذين تخلفا وقول عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا " ( أخبرنا ) مالك عن ابن شهاب يعني بما حكاه عن عمر وعثمان .
( قال الشافعي ) وإن كان للخليفة مال يحمل عليه في سبيل الله من إبل وخيل فلا بأس أن يدخلها الحمى ، وإن كان منها مال لنفسه فلا يدخلها الحمى فإنه إن يفعل ظلم ; لأنه منع منه وأدخل لنفسه ، وهو من أهل القوة .
( قال الشافعي ) وهكذا من كان له مال يحمل عليه في سبيل الله دون الخليفة قال : ومن سأل الوالي أن يقطعه في الحمى موضعا يعمره فإن كان حمى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا منعه إياه وأن عمر أبطل عمارته وكان كمن عمر فيما ليس له أن يعمر فيه ، وإن كان حمى أحدث بعده فكان يرى الحمى حقا كان له منعه ذلك ، وإن أراد العمارة كان له منعه العمارة ، وإن سبق فعمر لم يبن لي أن تبطل عمارته والله تعالى أعلم . ويحتمل إذا جعل الحمى حقا وكان هو في معنى ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه حمى لمثل ما حماه له أن يبطل عمارته ، وإن أذن له الوالي بعمارة لم يكن له إبطال عمارته ; لأن إذنه له إخراج له من الحمى ، وقد يجوز أن يخرج ما أحدث حماه من الحمى ويحمي غيره إذا كان غير ضرر على من حماه عليه ، وليس للوالي بحال أن يحمي من الأرض إلا أقلها ، وقد يوسع الحمى حتى يقع موقعا ويبين ضرره على من حمى عليه ، وما أحدث من حمى فرعاه أحد لم يكن عليه في رعيته شيء أكثر من أن يمنع رعيته ، فأما غرم ، أو عقوبة فلا أعلمه عليه .
تشديد أن لا يحمي أحد على أحد
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { من منع فضول الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة } .
( قال الشافعي ) ففي هذا الحديث ما دل على أنه ليس لأحد أن يمنع فضل مائه ، وإنما يمنع فضل رحمة الله بمعصية الله فلما كان منع فضل الماء معصية لم يكن لأحد منع فضل الماء ، وفي هذا الحديث دلالة على أن مالك الماء أولى أن يشرب به ويسقي وأنه إنما يعطي فضله عما يحتاج إليه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته } وفضل الماء الفضل عن حاجة مالك الماء .
( قال الشافعي ) : وهذا أوضح حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء ، وأشبه معنى ; لأن مالكا روى عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يمنع نفع البئر } .
( قال الشافعي ) فكان هذا جملة ندب المسلمون إليها في الماء ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أصحها وأبينها معنى .
( قال الشافعي ) وكل ماء ببادية يزيد في عين ، أو بئر ، أو غيل أو نهر بلغ مالكه منه حاجته لنفسه وماشيته وزرع إن كان له فليس له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب ، أو يسقي ذا روح خاصة دون الزرع وليس لغيره أن يسقي منه زرعا ، ولا شجرا إلا أن يتطوع بذلك مالك الماء ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته } ففي هذا [ ص: 51 ] دلالة إذا كان الكلأ شيئا من رحمة الله أن رحمة الله رزقه خلقه عامة للمسلمين وليس لواحد منهم أن يمنعها من أحد إلا بمعنى ما وصفنا من السنة والأثر الذي في معنى السنة ، وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين : أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل ، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى .
( قال الشافعي ) فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم ; لأنه في معنى تلف على ما لا غنى به لذوي الأرواح والآدميين وغيرهم ، فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ ، والمعنى الأول أشبه والله أعلم ، فلو أن جماعة كان لهم مياه ببادية فسقوا بها واستقوا ، وفضل منها شيء فجاء من لا ماء له يطلب أن يشرب أو يسقي إلى واحد منهم دون واحد لم يجز لمن معه فضل من الماء ، وإن قل منعه إياه إن كان في عين ، أو بئر ، أو نهر ، أو غيل ; لأنه فضل ماء يزيد ويستخلف ، وإن كان الماء في سقاء ، أو جرة ، أو وعاء ما كان ، فهو مختلف للماء الذي يستخلف فلصاحبه منعه ، وهو كطعامه إلا أن يضطر إليه مسلم والضرورة أن يكون لا يجد غيره بشراء ، أو يجد بشراء ، ولا يجد ثمنا فلا يسع عندي والله أعلم منعه ; لأن في منعه تلفا له ، وقد وجدت السنة توجب الضيافة بالبادية والماء أعز فقدا وأقرب من أن يتلف من منعه وأخف مؤنة على من أخذ منه من الطعام فلا أرى من منع الماء في هذه الحال إلا آثما إذا كان معه فضل من ماء في وعاء ، فأما من وجد غنى عن الماء بماء غير ماء صاحب الوعاء فأرجو أن لا يخرج من منعه .
إقطاع الوالي
( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال : { لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ابتعثني الله إذا ؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه } .
( قال الشافعي ) في هذا الحديث دلائل :
منها أن حقا على الوالي إقطاع من سأله القطيع من المسلمين ; لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه } دلالة أن لمن سأله الإقطاع أن يؤخذ للضعيف فيهم حقه وغيره ودلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الناس بالمدينة وذلك بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل فلم يكن لهم بالعامر منع غير العامر ، ولو كان لهم لم يقطعه الناس ، وفي هذا دلالة على أن ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه وما لم يقارب من الموات سواء في أنه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممن سأله من المسلمين .
( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا } وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع وقال أين المستقطعون ؟ .
( قال الشافعي ) والعقيق قريب من المدينة وقوله " أين المستقطعون نقطعهم " ، وإنما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر ومن أقطع ما لا يملكه أحد يعرف من الموات ، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } دليل على أن من أحيا مواتا كان له كما يكون له إن أقطعه واتباع في أن يملك [ ص: 52 ] من أحيا الموات ما أحيا كاتباع أمره في أن يقطع الموات من يحييه لا فرق بينهما ، ولا يجوز أن يقطع الموات من يحييه ولا مالك له ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } فعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة لمن أحيا الموات فمن أحيا الموات فبعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه ، وعطيته في الجملة أثبت من عطية من بعده في النص والجملة ، وقد روي عن عمر مثل هذا المعنى لا يخالفه .
باب الركاز يوجد في بلاد المسلمين
( قال الشافعي ) رحمه الله : الركاز دفن الجاهلية أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا حمى إلا لله ورسوله } .
( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ورسوله } لم يكن لأحد أن ينزل بلدا غير معمور فيمنع منه شيئا يرعاه دون غيره وذلك أن البلاد لله عز وجل لا مالك لها من الآدميين ، وإنما سلط الله الآدميين على منع مالهم خاصة لا منع ما ليس لأحد بعينه وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ولرسوله } أن لا حمى إلا حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاح المسلمين الذين هم شركاء في بلاد الله ليس أنه حمى لنفسه دونهم ولولاة الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا من الأرض شيئا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين ، وليس لهم أن يحموا شيئا لأنفسهم دون غيرهم .
( قال الشافعي ) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هني على الحمى .
( قال الشافعي ) وقول عمر إنهم ليرون أني قد ظلمتهم يقول يذهب رأيهم أني حميت بلادا غير معمورة لنعم الصدقة ولنعم الفيء وأمرت بإدخال أهل الحاجة الحمى دون أهل القوة على المرعى في غير الحمى إلى أني قد ظلمتهم .
( قال الشافعي ) ولم يظلمهم عمر رضي الله عنه وإن رأوا ذلك ، بل حمى على معنى ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحاجة دون أهل الغنى وجعل الحمى حوزا لهم خالصا كما يكون ما عمر الرجل له خالصا دون غيره ، وقد كان مباحا قبل عمارته فكذلك الحمى لمن حمى له من أهل الحاجة ، وقد كان مباحا قبل يحمى .
قال : وبيان ذلك في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا أنه لم يحم إلا لما يحمل عليه لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين أن يحموا ورأى إدخال الضعيف حقا له دون القوي فكل ما لم يعمر من الأرض فلا يحال بينه وبين المسلمين أن ينزلوا ويرعوا فيه حيث شاءوا إلا ما حمى الوالي لمصلحة عوام المسلمين فجعله لما يحمل عليه في سبيل الله من نعم الجزية وما يفضل من نعم الصدقة فيعده لمن يحتاج إليه من أهلها ، وما يصير إليه من ضوال المسلمين وماشية أهل الضعف دون أهل القوة .
( قال الشافعي ) وكل هذا عام المنفعة بوجوه ; لأن من حمل في سبيل الله فذلك لجماعة المسلمين ومن أرصد له أن يعطي من ماشية الصدقة فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين ، وكذلك من ضعف من المسلمين فرعيت له ماشيته [ ص: 53 ] فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وأمر عمر رضي الله عنه أن لا يدخل نعم ابن عفان وابن عوف لقوتهما في أموالهما وإنهما لو هلكت ماشيتهما لم يكونا ممن يصير كلا على المسلمين فكذلك يصنع بمن له غنى غير الماشية .
الأحباس
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال جميع ما يعطي الناس من أموالهم ثلاثة وجوه . ثم يتشعب كل وجه منها ، والعطايا منها في الحياة وجهان ، وبعد الوفاة واحد : فالوجهان من العطايا في الحياة مفترقا الأصل والفرع ، فأحدهما يتم بكلام المعطي والآخر يتم بأمرين ، بكلام المعطي وقبض المعطى أو قبض من يكون قبضه له قبضا .
( قال الشافعي ) والعطايا التي تتم بكلام المعطي دون أن يقبضها المعطى ما كان إذا خرج به الكلام من المعطى له جائرا على ما أعطى لم يكن للمعطي أن يملك ما خرج منه فيه الكلام بوجه أبدا وهذه العطية الصدقات المحرمات الموقوفات على قوم بأعيانهم ، أو قوم موصوفين وما كان في معنى هذه العطايا مما سبل محبوسا على قوم موصوفين ، وإن لم يسم ذلك محرما فهو محرم باسم الحبس .
( قال الشافعي ) : فإذا أشهد الرجل على نفسه بعطية من هذه فهي جائزة لمن أعطاها ، قبضها ، أو لم يقبضها ، ومتى قام عليه أخذها من يدي معطيها وليس لمعطيها حبسها عنه على حال بل يجبر على دفعها إليه ، وإن استهلك منها شيئا بعد إشهاده بإعطائها ضمن ما استهلك كما يضمنه أجنبي لو استهلكه ; لأنه إذا خرج من ملكه فهو والأجنبي فيما استهلك منه سواء ، ولو مات من جعلت هذه الصدقة عليه قبل قبضها ، وقد أغلت غلة أخذ وارثه حصته من غلتها ; لأن الميت قد كان مالكا لما أعطى ، وإن لم يقبضه كما يكون له غلة أرض لو غصبها ، أو كانت وديعة في يدي غيره فجحدها ثم أقر بها ، وإن لم يكن قبض ذلك ، ولو مات بها قبل أن يقبضها من تصدق بها عليه لم يكن لوارثه منها شيء وكانت لمن تصدق بها عليه ، ولا يجوز أن يقال ترجع موروثة والموروث إنما يورث ما كان ملكا للميت ، فإذا لم يكن للمتصدق الميت أن يملك شيئا في حياته ، ولا بحال أبدا لم يجز أن يملك الوارث عنه بعد وفاته ما لم يكن له أن يملك في حياته بحال أبدا .
قال : وفي هذا المعنى العتق ، إذا تكلم الرجل يعتق من يجوز له عتقه تم العتق ، ولم يحتج إلى أن يقبله المعتق ، ولم يكن للمعتق ملكه ، ولا لغيره ملك رق يكون له فيه بيع ، ولا هبة ، ولا ميراث بحال .
والوجه الثاني من العطايا في الحياة ما أخرجه المالك من يده ملكا تاما لغيره بهبته ، أو ببيعه ويورث عنه ، وهذا من العطايا يحل لمن أخرجه من يديه أن يملكه بوجوه ، وذلك أن يرث من أعطاه ، أو يرد عليه المعطى العطية ، أو يهبها له ، أو يبيعه إياها ، وهذا مثل النحل والهبة والصدقة غير المحرمة ، ولا التي في معناها بالتسبيل وغيره وهذه العطية تتم بأمرين :
إشهاد من أعطاها وقبضها بأمر من أعطاها والمحرمة والمسبلة تجوز بلا قبض . قيل : تقليد الهدي وإشعاره وسياقه وإيجابه بغير تقليد يكون على مالكه بلاغه البيت ونحوه والصدقة فيه بما صنع منه ، ولم يقبضه من جعل له وليس كذلك ما تصدق به بغير حبس مما لا يتم إلا بقبض من أعطيها لنفسه ، أو قبض غيره له ممن قبضه له قبض ، وهذا الوجه من العطايا لمعطيه أن يمنعه من أعطاه إياه ما لم يقبضه ، ومتى رجع في عطيته قبل قبض من أعطيه فذلك له ، وإن مات المعطى قبل يقبض العطية فالمعطي بالخيار إن أحب أن يعطيها ورثته عطاء مبتدأ لا عطاء موروثا عن المعطى ; لأن المعطى لم يملكها فعل وذلك أحب إلي له ، وإن شاء حبسها [ ص: 54 ] عنهم ، وإن مات المعطي قبل يقبضها المعطى فهي لورثة المعطي ; لأن ملكها لم يتم للمعطى . قال : والعطية بعد الموت هي الوصية لمن أوصى له في حياته فقال : إذا مت فلفلان كذا فله أن يرجع في الوصية ما لم يمت ، فإذا مات ملك أهل الوصايا وصاياهم بلا قبض كان من المعطى ، ولا بعده وليس للورثة أن يمنعوه الموصى لهم ، وهو لهم ملكا تاما - قال : وأصل ما ذهبنا إليه أن هذا موجود في السنة والآثار ، أو فيهما ففرقنا بينه اتباعا وقياسا .
الخلاف في الصدقات المحرمات
( قال الشافعي ) رحمه الله : فخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات وقال من تصدق بصدقة محرمة وسبلها فالصدقة باطل وهي ملك للمتصدق في حياته ولوارثه بعد موته قبضها من تصدق بها عليه ، أو لم يقبضها وقال لي بعض من يحفظ قول قائل هذا : إنا رددنا الصدقات الموقوفات بأمور قلت له وما هي ؟ فقال قال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس فقلت له وتعرف الحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها ؟ قال لا أعرف حبسا إلا الحبس بالتحريم فهل تعرف شيئا يقع عليه اسم الحبس غيرها ؟
( قال الشافعي ) فقلت له أعرف الحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها وهي غير ما ذهبت إليه وهي بينة في كتاب الله عز وجل قال اذكرها قلت : قال الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } فهذه الحبس التي كان أهل الجاهلية يحبسونها فأبطل الله شروطهم فيها وأبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبطال الله إياها وهي أن الرجل كان يقول : إذا نتج فحل إبله ثم ألقح فأنتج منه هو حام أي قد حمى ظهره فيحرم ركوبه ويجعل ذلك شبيها بالعتق له ويقول في البحيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا ويقول لعبده أنت حر سائبة لا يكون لي ، ولاؤك ، ولا علي عقلك قال : فهل قيل في السائبة غير هذا ؟ فقلت نعم قيل إنه أيضا في البهائم قد سيبتك ( قال الشافعي ) فلما كان العتق لا يقع على البهائم رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة وحكم له بمثل حكم النسب ، ولم يحبس أهل الجاهلية علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها ، وإنما حبس أهل الإسلام ( قال الشافعي ) فالصدقات يلزمها اسم الحبس وليس لك أن تخرج مما لزمه اسم الحبس شيئا إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ما قلت وقلت أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر بن حفص العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر { أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر اشتراها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت مالا لم أصب مثله قط ، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال حبس الأصل ، وسبل الثمرة } .
( قال الشافعي ) وأخبرني عمر بن حبيب القاضي عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر { بأن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إني أصبت مالا من خيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي أو أعظم عندي منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت حبست أصله وسبلت ثمره } فتصدق به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم حكى صدقته به .
( قال الشافعي ) فقال : إن كان هذا ثابت فلا يجوز إلا أن يكون الحبس التي أطلق غير الحبس التي أمر بحبسها قلت هذا عندنا ، وعندك ثابت ، وعندنا أكثر من هذا ، وإن كانت الحجة تقوم عندنا ، وعندك بأقل [ ص: 55 ] منه قال فكيف أجزت الصدقات المحرمات ، وإن لم يقبضها من تصدق بها عليه ؟ فقلت اتباعا وقياسا فقال : وما الاتباع ؟ فقلت له لما سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماله فأمره أن يحبس أصل ماله ويسبل ثمره دل ذلك على إجازة الحبس وعلى أن عمر كان يلي حبس صدقته ويسبل ثمرها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يليها غيره ، قال : فقال : أفيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حبس أصلها وسبل ثمرها اشترط ذلك ؟ قلت نعم والمعنى الأول أظهرهما وعليه من الخبر دلالة أخرى قال وما هي ؟ قلت إذا كان عمر لا يعرف وجه الحبس أفيعلمه حبس الأصل وسبل الثمر ويدع أن يعلمه أن يخرجها من يديه إلى من يليها عليه ولمن حبسها عليه ; لأنها لو كانت لا تتم إلا بأن يخرجها المحبس من يديه إلى من يليها دونه ، كان هذا أولى أن يعلمه ; لأن الحبس لا يتم إلا به ، ولكنه علمه ما يتم له ، ولم يكن في إخراجها من يديه شيء يزيد فيها ، ولا في إمساكها يليها هو شيء ينقص صدقته ، ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يلي فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله تبارك وتعالى ، ولم يزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي صدقته بينبع حتى لقي الله عز وجل ، ولم تزل فاطمة عليها السلام تلي صدقتها حتى لقيت الله تبارك وتعالى .
( قال الشافعي ) أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلي وعمر ومواليهم ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه ، وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا وأن نقل الحديث فيها كالتكلف ، وإن كنا قد ذكرنا بعضه قبل هذا .
فإذا كنا إنما أجزنا الصدقات ، وفيها العلل التي أبطلها صاحبك بها من قول شريح جاء محمد بإطلاق الحبس بأنه لا يجوز أن يكون مال مملوكا ثم يخرجه مالكه من ملكه إلى غير مالك له كله إلا بالسنة واتباع الآثار فكيف اتبعناهم في إجازتها وإجازتها أكثر ونترك اتباعهم في أن يحوزها كما حازوها ، ولم يولوها أحدا ؟ فقال : فما الحصة فيه من القياس ؟ قلت له لما { أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبس الأصل أصل المال وتسبل الثمرة } دل ذلك على أنه أجاز أن يخرجه مالك المال من ملكه بالشرط إلى أن يصير المال محبوسا لا يكن لمالكه بيعه ، ولا أن يرجع إليه بحال كما لا يكون لمن سبل ثمره عليه بيع الأصل ، ولا ميراثه فكان هذا مالا مخالفا لكل مال سواه ; لأن كل مال سواه يخرج من مالكه إلى مالك فالمالك يملك بيعه وهبته ويجوز للمالك الذي أخرجه من ملكه أن يملكه بعد خروجه من يديه ببيع وهبة وميراث وغير ذلك من وجوه الملك ويجامع المال المحبوس الموقوف العتق الذي أخرجه مالكه من ماله بشيء جعله الله إلى غير ملك نفسه ، ولكن ملكه منفعة نفسه بلا ملك لرقبته كما ملك المحبس من جعل منفعة المال له بغير ملك منه لرقبة المال وكان بإخراجه الملك من يديه محرما على نفسه أن يملك المال بوجه أبدا كما كان محرما أن يملك العبد بشيء أبدا فاجتمعا في معنيين ، وإن كان العبد مفارقه في أنه لا يملك منفعة نفسه غير نفسه كما يملك منفعة المال مالك ، وذلك أن المال لا يكون مالكا إنما يملك الآدميون ، فلو قال قائل لماله أنت حر لم يكن حرا ، ولو قال أنت موقوف لم يكن موقوفا ; لأنه لم يملك منفعته أحدا ، وهو إذا قال لعبده أنت حر ، فقد ملكه منفعة نفسه فقال قد قال فيها فقهاء المكيين وحكامهم قديما وحديثا ، وقد علمنا أنهم يقولون قولك ، وأبو يوسف حين أجاز الصدقات قال قولك في أنها تجوز ، وإن وليها صاحبها حتى يموت واحتج فيها بأنه إنما أجازها اتباعا وأن المتصدقين بها من السلف ولوها حتى ماتوا ، ولكنا قد ذهبنا فيها وبعض البصريين إلى أن الرجل إن لم يخرجها من [ ص: 56 ] ملكه إلى من يليها دونه في حياته لمن تصدق بها عليه كانت منتقضة وأنزلها منزلة الهبات ، وتابعنا بعض المدنيين فيها وخالفنا في الهبات .
( قال الشافعي ) فقلت له قد حفظنا عن سلفنا ما وصفت وما أعرف عن أحد من التابعين أنه أبطل صدقة بأن لم يدفعها المتصدق بها إلى وال في حياته وما هذا إلا شيء أحدثه منهم من لا يكون قوله حجة على أحد وما أدري لعله سمع قولكم ، أو قول بعض البصريين فيه فاتبعه فقال وأنا أقوم بهذا القول عليك قلت له هذا قول تخالفه فكيف تقوم به ؟ قال أقوم به لمن قاله من أصحابنا وأصحابك فأقول إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جداد عشرين وسقا فمرض قبل أن تقبضه فقال لها : لو كنت خزنتيه وقبضتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال الوارث ، وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات أحدهم قال مال أبي نحلنيه ، وإن مات ابنه قال مالي وبيدي لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد حتى يكون إن مات أحق بها " وأنه شكا إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قول عمر فرأى أن الوالد يجوز لولده ما داموا صغارا ، فأقول إن الصدقات الموقوفات قياسا على هذا .
ولا أزعم ما زعمت من أنها مفترقة فقلت له أفرأيت لو اجتمعت هي والصدقات في معنى واختلفتا في معنيين ، أو أكثر الجمع بينهما أولى بتأويل ، أو التفريق ؟ قال بل التفريق فقلت له أفرأيت الهبات كلها والنحل والعطايا سوى الوقف لو تمت لمن أعطيها ثم ردها على الذي أعطاها ، أو لم يقبلها منه ، أو رجعت إليه بميراث ، أو شراء ، أو غير ذلك من وجوه الملك أيحل له أن يملكها ؟ قال نعم : قلت ، ولو تمت لمن أعطيها حل له بيعها وهبتها ؟ قال : نعم ، قلت : أفتجد الوقف إذا تم لمن وقف له يرجع إلى مالكه أبدا بوجه من الوجوه ، أو يملكه من وقف عليه ملكا يكون له فيه بيعه وهبته وأن يكون موروثا عنه ؟ قال : لا ، قلت والوقوف خارجه من ملك مالكها بكل حال ومملوكة المنفعة لمن وقفت عليه غير مملوكة الأصل ؟ قال نعم : قلت أفترى العطايا تشبه الوقوف في معنى واحد من معانيها ؟ قال في أنها لا تجوز إلا مقبوضة قلت : كذلك قلت أنت فأراك جعلت قولك أصلا قال : قسته على ما ذكرت إن خالف بعض أحكامه قلت : فكيف يجوز أن يقاس الشيء بخلافه وهي مخالفة لما ذكرت من العطايا غيرها ؟ أورأيت لو قال لك قائل : أراك تسلك بالعطايا كلها مسلكا واحدا فأزعم أن الرجل إذا أوجب الهدي على نفسه بكلام ، أو ساقه ، أو قلده أو أشعره كان له أن يبيعه ويهبه ويرجع ; لأنه لمساكين الحرم ، ولم يقبضوه أله ذلك ؟ قال : لا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (152)
صــــــــــ 57 الى صـــــــــــ63
قلت وأنت تقول لو دفع رجل إلى وال مالا يحمل به في سبيل الله ، أو يتصدق به متطوعا لم يكن له أن يخرجه من يدي الوالي بل يدفعه ؟ قال نعم قال ما العطايا بوجه واحد قلت فعمدت إلى ما دلت عليه السنة وجاءت الآثار بإجازته من الصدقات المحرمات فجعلته قياسا على ما يخالفه وامتنعت من أن تقيس عليه ما هو أقرب منه مما لا أصل فيه تفرق بينه وبينه . قال : وقلت له لو قال لك قائل : أنا أزعم أن الوصية لا تجوز إلا مقبوضة . قال : وكيف تكون الوصية مقبوضة ؟ قلت بأن يدفعها الموصي إلى الموصى له ويجعلها له بعد موته فإن مات جازت ، وإن لم يدفعها لم تجز كما أعتق رجل مماليك له فأنزلها النبي صلى الله عليه وسلم وصية ، وكما يهب في المرض فيكون وصية قال ليس ذلك له . قلت : فإن قال لك ولم ؟ قال أقول ; لأن الوصايا مخالفة للعطايا في الصحة قلت : فأذكر من قال يجوز بغير ما وصفنا من السلف . قال : ما أحفظه عن السلف وما أعلم فيه اختلافا قلنا : فبان لك أن المسلمين فرقوا بين العطايا ، قال : ما وجدوا بدا من التفريق بينهما . قلت : والوصايا بالعطايا أشبه من الوقف بالعطايا ، فإن للموصي أن يرجع في وصيته بعد الإشهاد عليها ويرجع في ماله إن مات من أوصى له بها ، أو ردها فكيف باينت بين [ ص: 57 ] العطايا والوصايا سواها وامتنعت من المباينة بين الوقف والعطايا سواه وأنت تفرق بين العطايا سواه فرقا بينا فنقول في العمرى هي لصاحبها لا ترجع إلى الذي أعطاها ، ولا تقول هذا في العارية ، ولا العطية غير العمرى ، قال بالسنة . قلت : وإذا جاءت السنة اتبعتها ؟ قال فذلك يلزمني . قلت : فقد وصفت لك في الوقف السنة والخبر العام عن الصحابة ، ولم تتبعه ، وقلت له أرأيت النحل والهبة والعطايا غير الوقف ألصاحبها أن يرجع فيها ما لم يقبضها من جعلها له ؟ قال : نعم ، قلت : فمن تقويت به فمن قال قولك من أصحابنا يقول لا يرجع فيها ، وإن مات قبل يقبضها من أعطيها رجعت ميراثا يكون في ذلك الوقف فيسوي بين قوليه ، قال : فهذا قول لا يستقيم ، ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين إما أن يكون كما قلت إذا تكلم بالوقف ، أو العطية تمت لمن جعلها له وجبر على إعطائها إياه ، وإما أن يكون لا يتم إلا بالقبض مع العطايا فيكون له أن يرجع ما لم تتم بقبض من أعطيها ، ولا يجوز أبدا أن يكون له حبسها إذا تكلم بإعطائها ، ولا يكون لوارثه ملكها عنه إذا لم ترجع في حياته إلى ملكه لم ترجع في وفاته إلى ملكه فتكون موروثة عنه ، وهذا قول محال وكل ما وهبت لك فلي الرجوع فيه ما لم تقبضه ، أو يقبض لك ، وهذا مثل أن أقول : قد بعتك عبدي بألف فإن قلت قد رجعت قبل أن تختار أخذه كان لي الرجوع وكل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد . فقلت : هذا كما قلت إن شاء الله ، ولكن رأيتك ذهبت إلى رد الصدقات قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت فهل لك فيها حجة غير ما ذكرت مما لزمك به عندنا إثبات الصدقات ؟ قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت .
( قال الشافعي ) رحمه الله قلت ففيما وصفت أن صدقات المهاجرين والأنصار بالمدينة معروفة قائمة ، وقد ورث المهاجرين والأنصار النساء الغرائب والأولاد ذوو الدين والإهلاك لأموالهم والحاجة إلى بيعه فمنعهم الحكام في كل دهر إلى اليوم فكيف أنكرت إجازتها مع عموم العلم ؟ وأنت تقول لو أخرج رجل بيتا من داره فبناه مسجدا وأذن فيه لمن صلى ، ولم يتكلم بوقفه كان وقفا للمصلين ، ولم يكن له أن يعود في ملكه إذا أذن للمصلين فيه ، وفي قولك هذا أنه لم يخرجه من ملكه ، ولو كان إذنه في الصلاة إخراجه من ملكه كان إخراجه إلى غير مالك بعينه فكان مثل الحبس الذي يلزمك إطلاقها لحديث شريح فعمدت إلى ما جاءت به السنة من الوقف في الأموال والدور وما أخرجه مالكه من ملك نفسه فأبطلته بعلة وأجزت المسجد بلا خبر من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاوزت القصد فيه فأخرجته من ملك صاحبه ، ولم يخرجه صاحب من ملكه إنما يخرجه بالكلام وأنت تعيب على المدنيين أن يقضوا بحيازة عشرة وعشرين سنة .
إذا حاز الرجل الدار والمحوز عليه حاضر يراه يبنيها ويهدمها ، وهو يبيع المنازل لا يكلمه فيها . وقلت الصمت والحوز لا يبطل الحق إنما يبطله القول وتجعل إذن صاحب المسجد - ، وهو لم ينطق بوقفه - وقفا فتزكن عليه وتعيب ما هو أقوى في الحجة من قول المدنيين في الحيازة من قولك في المسجد وتقول هذا وهو إزكان ، وقلت له : أرأيت لو أذن في داره للحاج أن ينزلوها سنة ، أو سنتين أتكون صدقة عليهم ؟ قال لا وله منعهم متى شاء من النزول فيها ، قلت : فكيف لم تقل هذا في المسجد يخرجه من الدار ، ولا يتكلم بوقفه . فقال : إن صاحبينا قد عابا قول صاحبهم وصارا إلى قولكم في إجازة الصدقات ، فقلت له ما زاد قولنا قوة بنزوعهما إليه ، ولا ضعفا بفراقهما حين فارقاه ولهما بالرجوع إليه أسعد ، وما علمتهما أفادا حين رجعا إليه علما كانا يجهلانه ، قال : ولكن قد يصح عندهما الشيء بعد أن لم يصح ، فقلت : الله أعلم كيف كان رجوعهما ومقامهما والرجوع بكل حال خير لهما إن شاء الله وقلت له أيجوز لعالم أن يأتيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر منصوص فيقول به ، وإن عارضه [ ص: 58 ] معارض بخبر غير منصوص فيقول به ثم يأتي مثله فلا يقبله ويصرف أصلا إلى أصل ؟ قال : لا ، قلت : فقد فعلت وصرفت الصدقات إلى النحل وهما مفترقان عندك . وقلت له : أيجوز أن يأتيك الحديث عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات بأمر يدل على أنهم تصدقوا بها وولوها وهم لا يفعلون إلا الجائز عندهم ، ثم يقولون في النحل عندهم : إنما تكون بأن تكون مقبوضات ، فتقول : أجعلوا الصدقات مثله ؟ قال : لا ، قلت : فقد فعلت قال : فلو كان هذا مأثورا عندهم عرفه الحجازيون ، فقلت قد ذكرت لك بعض ما حضرني من الأخبار على الدلالة عليه وأنه قول المكيين ، ولا أعلم من متقدمي المدنيين أحدا قال بخلافه .
( قال الشافعي ) ووصفت لك أن أهل هذه الصدقات من آل علي وغيرهم قد ذكروا ما وصفت من أن عليا رضي الله عنه ومن تصدق لم يزل يلي صدقته وصدقاتهم فيه جارية ثم ثبتت قائمة مشهورة القسم والموضع إلى اليوم ، وهذا أقوى من خبر الخاصة ، فقال فما تقول في الرجل يتصدق على ابنه ، أو ذي رحمه ، أو أجنبي بصدقة غير محرمة ، ولا في سبيل المحرمة بالتسبيل أيكون له ما لم يقبضها المتصدق عليه أن يرجع فيها ؟ قلت : نعم ، قال وسبيلها سبيل الهبات والنحل ؟ قلت : نعم . قال فأين هذا لي ؟ قلت معنى تصدقت عليك متطوعا معنى وهبت لك ونحلتك ; لأنه إنما هو شيء من مالي لم يلزمني أن أعطيكه ، ولا غيرك أعطيتك متطوعا ، وهو يقع عليه اسم صدقة ونحل وهبة وصلة وإمتاع ومعروف وغير ذلك من أسماء العطايا وليس يحرم علي لو أعطيتكه فرددته علي أن أملكه ، ولو مت أن أرثه كما يحرم علي لو تصدقت عليك بصدقة محرمة أن أملكها عنك بميراث ، أو غيره ، وقد لزمها اسم صدقة بوجه أبدا ؟ قلت له نعم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عبد الله بن يزيد الأنصاري ذكر الحديث .
( قال الشافعي ) وأخبرنا الثقة ، أو سمعت مروان بن معاوية عن عبد الله بن عطاء المديني عن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تصدقت على أمي بعبد وإنها ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجبت صدقتك ، وهو لك بميراثك } قال فلم جعلت ما تصدق به غير واجب عليه على أحد بعينه في معنى الهبات تحل لمن لا تحل له الصدقة الواجبة فهل من دليل على ما وصفت ؟ قلت : نعم أخبرني محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب وأن عليا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم .
( قال الشافعي ) وأخرج إلى والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع وأنها كانت عندهم فأمر بها فقرئت علي ، فإذا فيها تصدق بها علي رضي الله عنه على بني هاشم وبني المطلب وسمى معهم غيرهم ، قال وبنو هاشم وبنو المطلب تحرم عليهم الصدقة المفروضة ، ولم يسم علي ، ولا فاطمة منهم غنيا ، ولا فقيرا ، وفيهم غني .
( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم عن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات كان يضعها الناس بين مكة والمدينة فقلت أو قيل له ؟ فقال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة .
( قال الشافعي ) فقال أفتجيز أن يتصدق الرجل على الهاشمي والمطلبي والغني منهم ومن غيرهم متطوعا ؟ فقلت : نعم استدلالا بما وصفت وأن الصدقة تطوعا إنما هي عطاء ، ولا بأس أن يعطى الغني تطوعا قال : فهل تجد أنه يجوز أن يعطى الغني ؟ فقلت : ما للمسألة من هذا موضع ، ولا بأس أن يعطى الغني قال : فاذكر فيه حجة قلت أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : استعملني ، قال : فهل تحرم الصدقة [ ص: 59 ] تطوعا على أحد ؟ فقلت : لا إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذها ويأخذ الهدية ، وقد يجوز تركه إياها على ما رفعه الله به وأبانه من خلقه تحريما ويجوز لغير ذلك ; لأن معنى الصدقات من العطايا هبة لا يراد ثوابها ومعنى الهدية يراد ثوابها قال : أفتجد دليلا على قبوله الهدية ؟ فقلت : نعم ، أخبرنيه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال ألم أر برمة لحم فقالوا ذلك شيء تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ، وهو لنا هدية } فقال : ما الذي يجوز أن يكون صدقة محرمة ؟ قلت : كل ما كان الشهود يسمونه بحدود من الأرضين والدور معمورها وغير معمورها والرقيق فقال أما الأرضون والدور فهي صدقات من مضى فكيف أجزت الرقيق وأصحابنا لا يجيزون الصدقة بالرقيق إلا أن يكونوا في الأرض المتصدق بها فقلت له تصدق السلف بالدور والنخل ولعل في النخل زرعا أفرأيت إن قال قائل لا أجيز الصدقة بحمام ، ولا مقبرة ; لأنهما مخالفان للدور وأراضي النخل والزرع هل الحجة عليه إلا أن يقال إذا كان السلف تصدقوا بدور وأراضي نخل وزرع فكان ذلك إنما يعرف بالحدود وقد تتغير ، وكذلك الحمام والمقبرة يعرفان بحد ، وإن تغيرا قال هذه حجة عليه قال ، فإذا كانوا يعرفون العبيد بأعيانهم أتجدهم في معرفة الشهود بهم في معنى الأرضين والنخل ، أو أكثر بأنهم إذا عرفوا بأعيانهم كانوا كأرض تعرف حدودها ؟ قال إنهم لقريب مما وصفت قلت فكيف أبطلت الصدقة المحرمة فيهم ؟ قال قد يهلكون ويأبقون وتنقطع منفعتهم قلت فكل هذا يدخل الأرض والشجر قد تخرب الأرض بذهاب الماء ويأتي عليها السيل فيذهب بها وتنهدم الدار ويذهب بها السيل فما كانت قائمة فهي موقوفة ، ولا جناية لنا فيما أتى عليها من قضاء الله عز وجل قلت : وكذلك العبد لا جناية لنا في ذهابه ، ولا نقصه .
( قال الشافعي ) وكل ما عرف بعينه وقطع عليه الشهود مثل الإبل والبقر والغنم أنه صدقة محرمة جازت الصدقة في الماشية قال وتتم الصدقات المحرمات أن يتصدق بها مالكها على قوم معروفين بأعيانهم وأنسابهم وصفاتهم ويجمع في ذلك أن يقول المتصدق بها تصدقت بداري هذه على قوم ، أو رجل معروف بعينه يوم تصدق بها ، أو صفته أو نسبه حتى يكون إنما أخرجها من ملكه لمالك ملكه منفعتها يوم أخرجها ويكون مع ذلك أن يقول : صدقة لا تباع ، ولا توهب ، أو يقول : لا تورث ، أو يقول : غير موروثة أو يقول : صدقة محرمة ، أو يقول : صدقة مؤبدة ، فإذا كان واحد من هذا ، فقد حرمت الصدقة فلا تعود ميراثا أبدا ، وإن قال : صدقة محرمة على من لم يكن بعدي بعينه ولا نسبه ثم على بني فلان ، أو قال : صدقة محرمة على من كان بعدي بعينه فالصدقة منفسخة ، ولا يجوز أن يخرجها من ملكه إلا إلى مالك منفعة له فيها يوم يخرجها إليه ، وإذا انفسخت عادت في ملك صاحبها كما كانت قبل أن يتصدق بها .
ولو تصدق بداره صدقة محرمة على رجل بعينه ، أو قوم بأعيانهم ، ولم يسلبها على من بعدهم كانت محرمة أبدا ، فإذا انقرض الرجل المتصدق بها عليه ، أو القوم المتصدق بها عليهم كانت هذه صدقة محرمة بحالها أبدا ورددناها على أقرب الناس بالرجل الذي تصدق بها يوم ترجع الصدقة إنما تصير غير راجعة موروثة بواحد مما وصفنا أو ما كان في معناه ، وإنما فسخناها إذا تصدق بها فكانت حين عقدت صدقة لا مالك لمنفعتها ; لأنه لا يجوز أن تخرج من مالك إلى غير مالك منفعة ; لأنها لا تملك منفعة نفسها كما يملك العبد منفعة نفسه بالعتق ، ولا يزول عنها الملك إلا إلى مالك منفعة فيها فأما إذا لم يقل في صدقته محرمة ، أو بعض ما قلنا مما هو في معنى تحريمها من شرط المتصدق فالصدقة كالهبات تملك بما تملك به الأموال غير المحرمات وكالعمرى ، أو غيرها من العطايا . وسواء في الصدقات المحرمات يوم يتصدق بها إلى مالك يملك منفعتها سبلت بعده ، أو لم تسبل [ ص: 60 ] أو دفعت إليه ، أو إلى غير المتصدق أو لم تدفع كل ذلك يحرم بيعها بكل حال وسواء في الصدقات كل ما جازت فيه الصدقات المحرمات من أرض ودار وغيرهما وعلى ما شرط المتصدق لمن تصدق بها عليه من منفعتها فإن شرط أن لبعضهم على بعض الأثرة بالتقدمة ، أو الزيادة من المنفعة فذلك على ما اشترط فإن شرطها عليهم بأسمائهم وأنسابهم فسواء كانوا أغنياء ، أو فقراء فإن قال الأحوج منهم فالأحوج كانت على ما شرط لا يعدى بها شرطه ، وإن شرطها على جماعة رجال ونساء تخرج النساء منها إذا تزوجن ويرجعن إليها بالفراق وموت الأزواج كانت على ما شرط ، وكذلك إن شرط بأن يخرج الرجال منها بالغين ويدخلوا صغارا ، أو يخرجوا أغنياء ويدخلوا فقراء ، أو يخرجوا غيبا عن البلد الذي به الصدقة ويدخلوا حضورا كيفما شرط أن يكون ذلك كان إذا بقي لمنفعتها مالك سوى من أخرجه منها .
الخلاف في الحبس وهي الصدقات الموقوفات
( قال الشافعي ) رحمه الله : وخالفنا بعض الناس في الصدقات الموقوفات فقال لا تجوز بحال قال وقال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس قال وقال شريح لا حبس عن فرائض الله تعالى .
( قال الشافعي ) والحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم ما وصفنا من البحيرة والوصيلة والحام والسائبة إن كانت من البهائم فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قيل ما علمنا جاهليا حبس دارا على ولد ، ولا في سبيل الله ، ولا على مساكين وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم وكان بينا في كتاب الله عز وجل إطلاقها ، فإن قال قائل : فهو يحتمل ما وصفت ويحتمل إطلاق كل حبس فهل من خبر يدل على أن هذا الحبس في الدور والأموال خارجة من الحبس المطلقة ؟ قيل : نعم أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال { جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا لم أصب مثله قط ، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس أصله وسبل ثمرته } .
( قال الشافعي ) وحجة الذي أبطل الصدقات الموقوفات أن شريحا قال : لا حبس عن فرائض الله تعالى لا حجة فيها عندنا ، ولا عنده ; لأنه يقول قول شريح على الانفراد لا يكون حجة ، ولو كان حجة لم يكن في هذا حبس عن فرائض الله عز وجل فإن قال : وكيف ؟ قيل : إنما أجزنا الصدقات الموقوفات إذا كان المتصدق بها صحيحا فارغة من المال فإن كان مريضا لم نجزها إلا من الثلث إذا مات من مرضه ذلك وليس في واحدة من الحالين حبس عن فرائض الله تعالى فإن قال قائل : وإذا حبسها صحيحا ثم مات لم تورث عنه قيل : فهو أخرجها ، وهو مالك لجميع ماله يصنع فيه ما يشاء ويجوز له أن يخرجها لأكثر من هذا عندنا ، وعندك أرأيت لو وهبها لأجنبي ، أو باعه إياها فحاباه أيجوز ؟ فإن قال : نعم ، قال : فإذا فعل ثم مات أتورث عنه ؟ فإن قال : لا ، قيل : فهذا قرار من فرائض الله تعالى فإن قال : لا ; لأنه أعطى ، وهو يملك وقبل وقوع فرائض الله تعالى قيل : وهكذا الصدقة تصدق بها صحيحا قبل وقوع [ ص: 61 ] فرائض الله تعالى ، وقولك : لا حبس عن فرائض الله تعالى محال ; لأنه فعله قبل أن تكون فرائض الله في الميراث ; لأن الفرائض إنما تكون بعد موت المالك ، وفي المرض .
( قال الشافعي ) وحجة الذي صار إليه من أبطل الصدقات أن قال : إنها في معنى البحيرة والوصيلة والحامي ; لأن سيدها أخرجها من ملكه إلى غير مالك قيل : له قد أخرجها إلى مالك يملك منفعتها بأمر جعله لله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والبحيرة والوصيلة والحامي لم تخرج رقبته ، ولا منفعته إلى مالك فهما متباينان فكيف تقيس أحدهما بالآخر ؟
( قال الشافعي ) والذي يقول هذا القول يزعم أن الرجل إذا تصدق بمسجد له جاز ذلك ، ولم يعد في ملكه وكان صدقة موقوفا على من صلى فيه ، فإذا قيل له : فهل أخرجه إلى مالك يملك منه ما كان مالكه يملك ؟ قال : لا ، ولكن ملك من صلى فيه الصلاة وجعله لله تبارك وتعالى ، فلو لم يكن عليه حجة بخلاف السنة إلا ما أجازه في المسجد مما ليس فيه سنة ورد من الدور والأرضين ، وفي الأرضين سنة كان محجوجا فإن قال قائل : أجيز الأرضين والدور ; لأن في الأرضين سنة والدور مثلها ; لأنها أرضون تغل ، وأراد المساجد كان أولى أن يكون قوله مقبولا ممن رد الدور والأرضين وأجاز المساجد ثم تجاوز في المساجد إلى أن قال : لو بنى رجل في داره مسجدا فأخرج له بابا وأذن للناس أن يصلوا فيه كان حبسا وقفا ، وهو لم يتكلم بوقفه ، ولا بحبسه وجعل إذنه بالصلاة كالكلام بحبسه ووقفه .
( قال الشافعي ) فعاب هذا القول عليه صاحباه واحتجا عليه بما ذكرنا وأكثر منه وقالا : هذا جهل ، صدقات المسلمين في القديم والحديث أشهر من أن ينبغي أن يجهلها عالم ، وأجازوا الصدقات المحرمات في الدور والأرضين على ما أجزناها عليه ثم اعتدل قول أبي يوسف فيها فقال : بأحسن قول فقال : تجوز الصدقات المحرمات إذا تكلم بها صاحبها قبضت ، أو لم تقبض وذلك أنا إنما أجزناها اتباعا لمن كان قبلنا مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهم وهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا فلا يجوز أن نخالفهم في أن لا نجيزها إلا مقبوضة وهم قد أجازوها غير مقبوضة بالكلام بها فنوافقهم في إجازتها .
( قال الشافعي ) وما قال فيها أبو يوسف كما قال .
( قال الشافعي ) أخبرني غير واحد من آل عمر وآل علي أن عمر ولى صدقته حتى مات وجعلها بعده إلى حفصة وولى علي صدقته حتى مات ووليها بعده الحسن بن علي رضي الله عنهما وأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتى ماتت وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنه ولي صدقته حتى مات .
( قال الشافعي ) وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يسبل ثمر أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا فبهذا نراه بلا قبض جائزا ، ولم يأمره أن يخرجه عمر من ملكه إلى غيره إذا حبسه ولما صارت الصدقات مبدأة في الإسلام لا مثال لها قبله علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فلم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى أحد يحوزها دونه دلالة على أن الصدقة تتم بأن يحبس أصلها ويسبل ثمرتها دون وال يليها كما كان في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يصوم ويستظل ويجلس ويتكلم دلالة على أن لا كفارة عليه ، ولم يأمره في ذلك بكفارة .
( قال الشافعي ) وخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات فقال : لا تجوز حتى يخرجها المتصدق بها إلى من يحوزها عليه والحجة عليه ما وصفنا وغيره من افتراق الصدقات الموقوفات وغيرها مما يحتاج فيه إلى أن لا يتم إلا بقبض . [ ص: 62 ] وثيقة في الحبس
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال : أخبرنا الشافعي إملاء قال : هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا إني تصدقت بداري التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا أحد حدود جماعة هذه الدار ينتهي إلى كذا والثاني والثالث والرابع تصدقت بجميع أرض هذه الدار وعمارتها من الخشب والبناء والأبواب وغير ذلك من عمارتها وطرقها ومسايل مائها وأرفاقها ومرتفقها وكل قليل وكثير هو فيها ومنها وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها وحبستها صدقة بتة مسبلة لوجه الله وطلب ثوابه لا مثنوية فيها ، ولا رجعة حبسا محرمة لا تباع ، ولا تورث ، ولا توهب حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين وأخرجتها من ملكي ودفعتها إلى فلان بن فلان يليها بنفسه وغيره ممن تصدقت بها عليه على ما شرطت وسميت في كتابي هذا وشرطي فيه أني تصدقت بها على ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم من كان منهم حيا اليوم ، أو حدث بعد اليوم وجعلتهم فيها سواء ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم شرعا في سكناها وغلتها لا يقدم واحد منهم على صاحبه ما لم تتزوج بناتي ، فإذا تزوجت واحدة منهن وباتت إلى زوجها انقطع حقها ما دامت عند زوج وصار بين الباقين من أهل صدقتي كما بقي من صدقتي يكونون فيهم شرعا ما كانت عند زوج .
فإذا رجعت بموت زوج ، أو طلاق كانت على حقها من داري كما كانت عليه قبل أن تتزوج وكلما تزوجت واحدة من بناتي فهي على مثل هذا الشرط تخرج من صدقتي ناكحة ويعود حقها فيها مطلقة أو ميتا عنها لا تخرج واحدة منهن من صدقتي إلا بزوج .
وكل من مات من ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم رجع حقه على الباقين معه من ولدي لصلبي ، فإذا انقرض ولدي لصلبي فلم يبق منهم واحد كانت هذه الصدقة حبسا على ولد ولدي الذكور لصلبي وليس لولد البنات من غير ولدي شيء ثم كان ولد ولدي الذكور من الإناث والذكور في صدقتي هذه على مثل ما كان عليه ولدي لصلبي الذكر والأنثى فيها سواء وتخرج المرأة منهم من صدقتي بالزوج وترد إليها بموت الزوج ، أو طلاقه وكل من حدث من ولدي الذكور من الإناث والذكور فهو داخل في صدقتي مع ولد ولدي وكل من مات منهم رجع حقه على الباقين معه حتى لا يبقى من ولد ولدي أحد .
فإذا لم يبق من ولد ولدي لصلبي أحد كانت هذه الصدقة بمثل هذا الشرط على ولد ولد ولدي للذكور الذين إلى عمود نسبهم تخرج منها المرأة بالزوج وترد إليها بموته ، أو فراقه ويدخل عليهم من حدث أبدا من ولد ولد ولدي ، ولا يدخل قرن ممن إلى عمود نسبه من ولد ولدي ما تناسلوا على القرن الذين هم أبعد إلي منهم ما بقي من ذلك القرن أحد ، ولا يدخل عليهم أحد من ولد بناتي الذين إلى عمود انتسابهم إلا أن يكون من ولد بناتي من هو من ولد ولدي الذكور الذين إلى عمود نسبه فيدخل مع القرن الذين عليهم صدقتي لولادتي إياه من قبل أبيه لا من قبل أمه ثم هكذا صدقتي أبدا على من بقي من ولد أولادي الذين إلى عمودي نسبهم ، وإن سفلوا ، أو تناسخوا حتى يكون بيني وبينهم مائة أب وأكثر ما بقي أحد إلى عمود نسبه ، فإذا انقرضوا كلهم فلم يبق منهم أحد إلى عمود نسبه فهذه الدار حبس صدقة لا تباع ، ولا توهب لوجه الله تعالى على ذوي رحمي المحتاجين من قبل [ ص: 63 ] أبي وأمي يكونون فيها شرعا سواء ذكرهم وأنثاهم والأقرب إلي منهم والأبعد مني ، فإذا انقرضوا ، ولم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس على موالي الذين أنعمت عليهم وأنعم عليهم آبائي بالعتاقة لهم وأولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم ومن بعد إلي وإلى آبائي نسبه بالولاء ونسبه إلى من صار مولاي بولاية سواء ، فإذا انقرضوا فلم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس صدقة لوجه الله تعالى على من يمر بها من غزاة المسلمين وأبناء السبيل وعلى الفقراء والمساكين من جيران هذه الدار وغيرهم من أهل الفسطاط وأبناء السبيل والمارة من كانوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
ويلي هذه الدار ابني فلان بن فلان الذي وليته في حياتي وبعد موتي ما كان قويا على ولايتها أمينا عليها بما أوجب الله تعالى عليه من توفير غلة إن كانت لها والعدل في قسمها ، وفي إسكان من أراد السكن من أهل صدقتي بقدر حقه فإن تغيرت حال فلان بن فلان ابني يضعف عن ولايتها ، أو قلة أمانة فيها أوليها من ولدي أفضلهم دينا وأمانة على الشروط التي شرطت على ابني فلان ويليها ما قوي وأدى الأمانة ، فإذا ضعف ، أو تغيرت أمانته فلا ولاية له فيها وتنتقل الولاية عنه إلى غيره من أهل القوة والأمانة من ولدي ثم كل قرن صارت هذه الصدقة إليه وليها من ذلك القرن أفضلهم قوة وأمانة ومن تغيرت حاله ممن وليها بضعف ، أو قلة أمانة نقلت ولايتها عنه إلى أفضل من عليه صدقتي قوة وأمانة وهكذا كل قرن صارت صدقتي هذه إليه يليها منه أفضلهم دينا وأمانة على مثل ما شرطت على ولدي ما بقي منهم أحد ثم من صارت إليه هذه الدار من قرابتي ، أو موالي وليها ممن صارت إليه أفضلهم دينا ، ولا أمانة ما كان في القرن الذي تصير إليهم هذه الصدقة ذو قوة وأمانة ، وإن حدث قرن ليس فيهم ذو قوة ، ولا أمانة ولى قاضي المسلمين صدقتي هذه من يحمل ولايتها بالقوة والأمانة من أقرب الناس إلي رحما ما كان ذلك فيهم فإن لم يكن ذلك فيهم فمن موالي وموالي آبائي الذين أنعمنا عليهم فإن لم يكن ذلك فيهم فرجل يختاره الحاكم من المسلمين فإن حدث من ولدي أو من ولد ولدي ، أو من موالي رجل له قوة وأمانة نزعها الحاكم من يدي من ولاه من قبله وردها إلى من كان قويا وأمينا ممن سميت وعلى كل وال يليها أن يعمر ما وهي من هذه الدار ويصلح ما خاف فساده منها ويفتح فيها من الأبواب ويصلح منها ما فيه الصلاح لها والمسترد في غلتها وسكنها مما يجتمع من غلة هذه الدار ثم يفرق ما يبقى على من له هذه الغلة سواء بينهم ما شرطت لهم ، وليس للوالي من ولاة المسلمين أن يخرجها من يدي من وليته إياها ما كان قويا أمينا عليها ، ولا من يدي أحد من القرن الذي تصير إليهم ما كان فيهم من يستوجب ولايتها بالقوة والأمانة ، ولا يولي غيرهم ، وهو يجد فيهم من يستوجب الولاية ، شهد على إقرار فلان بن فلان ، فلان بن فلان ومن شهد .
كتاب الهبة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (153)
صــــــــــ 64 الى صـــــــــــ70
وترجم في اختلاف مالك والشافعي " باب القضاء في الهبات "
( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي الغطفان بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال : " ومن وهب هبة لصلة رحم ، أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد به الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها " وقال : مالك إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب للثواب بزيادة أو نقصان ، فإن على [ ص: 64 ] الموهوب له أن يعطي الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي ، فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها أن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته ، ولو أعطى أضعافها في مذهبه - والله أعلم - كان له أن يرجع فيها ، ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشيء وله فيه الخيار عبد ، أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه ، وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة فكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر بن الخطاب .
وفي اختلاف العراقيين " باب الصدقة والهبة "
( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة ، أو تصدقت ، أو تركت له من مهرها ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة كان يقول لا أقبل بينتها وأمضي عليها ما فعلت من ذلك وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت .
( قال الشافعي ) وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشيء ، أو وضعت له من مهرها ، أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله
وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوبة له وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة ، أو كانت جارية صغيرة فأصلحها ، أو صنعها حتى شبت وأدركت ، فإن أبا حنيفة كان يقول : لا يرجع الواهب في شيء من ذلك ، ولا من كل هبة زادت عند صاحبها خيرا ، ألا ترى أنه قد حدث فيها في ملك الموهوبة له شيء لم يكن في ملك الواهب ، أرأيت إن ولدت الجارية ولدا أكان للواهب أن يرجع فيه ، ولم يهبه له ، ولم يملكه قط ؟ وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له أن يرجع في ذلك كله ، وفي الولد .
( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل للرجل جارية ، أو دارا فزادت الجارية في يديه ، أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر أنه وهب للثواب ، ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية أي حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة جارية فزادت في يديها ثم طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار ، فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ، ولا يهدمه ويقال له : إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبني فيها صاحبها ، ولا ترجع بنصفها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها ; لأن مبنيا أكثر قيمة منه غير مبني ، ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له ; لأنه حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف الجارية إن أراد ذلك ، وإذا وهب الرجل جاريته لابنه وابنه كبير ، وهو في عياله ، فإن أبا حنيفة كان يقول : لا يجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه ، وإن كان قد أدرك فهذه الهبة له جائزة ، وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته .
( قال الشافعي )
وإذا وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن وسواء كان في عياله ، أو لم يكن كذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في البالغين وعن عثمان أنه رأى أن الأب يحوز لولده ما كانوا صغارا فهذا يدل على أنه لا يحوز لهم إلا في حال الصغر .
( قال الشافعي ) وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ، ولا تتم إلا بقبض المعطي
وإذا وهب الرجل دارا لرجلين ، أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن [ ص: 65 ] أبا حنيفة كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما حصته وكان ابن أبي ليلى يقول الهبة جائزة وبهذا يأخذ ، وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال : أبو يوسف هما سواء .
( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم ، أو طعاما ، أو ثيابا أو عبدا لا تنقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع ، وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم ، أو لا تنقسم أو عبد الرجل وقبض جازت الهبة ، وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ، ولم يقسمه له ، فإن أبا حنيفة كان يقول الهبة في هذا باطلة ، ولا تجوز وبهذا يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال : لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبي بكر رحمه الله أنه نحل عائشة أم المؤمنين جداد عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة " إنك لم تكوني قبضتيه ، وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة " ; لأنها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة ، وإذا وهب الرجلان دارا لرجل فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة ، ولا تفسد الهبة ; لأنها كانت لاثنين وبه يأخذ .
( قال الشافعي ) وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة
والقبض أن تكون كانت في يدي الموهوبة له ، ولا وكيل معه فيها ، أو يسلمها ربها ويخلي بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها دونها هو ، ولا وكيل له ، فإذا كان هذا هكذا كان قبضا ، والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة ، وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا ، أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبضه الواهب ، فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول : ذلك جائز ولا تكون فيه شفعة ، وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ، ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا
( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل لرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال : وهبتها للثواب كان فيها شفعة ، وإن قال : وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة ، وهذا كله في قول من قال : للواهب الثواب إذا قال : أردته فأما من قال : لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شيء وهبه ، ولا الثواب منه .
( قال الربيع ) وفيه قول آخر ، وإذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا ، وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شيء وهبه ، وهو معنى قول الشافعي ، وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب ، فإن أبا حنيفة كان يقول : الهبة في هذا باطل لا تجوز وبه يأخذ ، ولا يكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصية ، وكان ابن أبي ليلى يقول هي جائزة من الثلث
( قال الشافعي ) وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب لم يكن للموهوبة له شيء وكانت الهبة للورثة . الحجاج بن أرطاة عن عطاء بن أبي رباح . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة . الأعمش عن إبراهيم قال : الصدقة إذا علمت جازت الهبة لا تجوز إلا مقبوضة وكان أبو حنيفة يأخذ بقول ابن عباس في الصدقة ، وهو قول أبي يوسف .
( قاله الشافعي ) وليس للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبض منها عوضا ، قل ، أو كثر .
[ ص: 66 ] باب في العمرى من كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما .
( قال الربيع ) سألت الشافعي عمي أعمر عمرى له ولعقبه فقال هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها فقلت : ما الحجة في ذلك ؟ قال : السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
( أخبرنا ) مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها } ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث .
( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل المدينة ، وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال : تخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : إن حجتنا فيه أن مالكا قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال : له القاسم ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم ، وفيما أعطوا .
( قال الشافعي ) ما أجابه القاسم في العمرى بشيء وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول العمرى من المال والشرط فيها جائز ، فقد يشترط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم . فإن قال قائل : وما هي ؟ قيل : الرجل يشتري العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل . فإن قال : السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذتم بالسنة مرة وتركتموها مع أن قول القاسم رحمه الله لو كان قصد به قصد العمرى فقال : إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
فإن قال قائل : ولم ؟ قيل : نحن لا نعلم أن القاسم قال : هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه ، وكذلك علمنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ، فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح مما روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال : به مما قاله ناس بعده قد يمكن فيهم أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلغهم عنه شيء وأنهم أناس لا نعرفهم .
فإن قال قائل : لا يقول القاسم قال : الناس إلا لجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي صلى الله عليه وسلم سنة ، ولا يجتمعون أبدا من جهة الرأي ، ولا يجتمعون إلا من جهة السنة ، فقيل : له قد أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال : لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاث ، وإذا قيل لكم لم لا تقولون قول القاسم والناس إنها تطليقة ؟ قلتم لا ندري من الناس الذين يروي هذا عنهم القاسم فلئن لم يكن قول القاسم رأى الناس حجة عليكم في رأي أنفسكم لهو عن أن يكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة أبعد ولئن كان حجة لقد أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم . وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
. ( أخبرنا ) ابن عيينة عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج عن حبيب بن أبي ثابت قال : كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال : إني وهبت لابني هذا ناقة في حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته وموته فقال : إني تصدقت عليه بها قال : ذلك أبعد لك منها .
( أخبرنا ) سفيان عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله إلا أنه قال [ ص: 67 ] أضنت
يعني كبرت واضطربت ( أخبرنا ) الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبرنا ) ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تعمروا ، ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا ، أو أرقبه فهو سبيل الميراث } ( أخبرنا ) سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال : حضرت شريحا قضى لأعمى بالعمرى فقال : له الأعمى يا أبا أمية بم قضيت لي ؟ فقال شريح لست أنا قضيت لك ، ولكن محمد صلى الله عليه وسلم قضى لك منذ أربعين سنة قال : " من أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات " .
( قال الشافعي ) فتتركون ما وصفتم من العمرى مع ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنه قول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهكذا عندكم عمل بعد النبي صلى الله عليه وسلم لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم يعني في رجل قال لأمة قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس . ، وفي بعض النسخ مما ينسب للأم ( في العمرى )
( قال الشافعي ) وهو يروى عن ربيعة إذ ترك حديث العمرى أنه يحتج بأن الزمان قد طال وأن الرواية يمكن فيها الغلط ، فإذا روى الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم { من أعمر عمرى له ولعقبه فهي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطى ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث } .
( قال الشافعي ) وقد أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أعمر شيئا فهو له } .
( قال الشافعي ) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { العمرى للوارث } .
( قال الشافعي ) وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت قال كنا عند عبد الله بن عمر فجاءه أعرابي فقال : له إني أعطيت بعض بني ناقة حياته قال : عمر ، وفي الحديث وإنها تناتجت . وقال ابن أبي نجيح في حديثه وإنها أضنت واضطربت فقال : هي له حياته وموته . قال : فإني تصدقت بها عليه قال : " فذلك أبعد لك منها " .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى بالعمرى لأعمى فقال : بم قضيت لي يا أبا أمية ؟ فقال ما أنا قضيت لك ، ولكن قضى لك محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة قضى من أعمر شيئا حياته فهو له حياته وموته . قال سفيان وعبد الوهاب فهو لورثته إذا مات .
( قال الشافعي ) فترك هذا ، وهو يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله من وجوه ثابتة وزيد بن ثابت ويفتي به جابر بالمدينة ويفتي به ابن عمر ويفتي به عوام أهل البلدان لا أعلمهم يختلفون فيه بأن قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقوله الناس فيها فقال [ ص: 68 ] القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم ، وفيما أعطوا .
( قال الشافعي ) والقاسم يرحمه لم يجبه في العمرى بشيء إنما أخبره أنه إنما أدرك الناس على شروطهم ، ولم يقل له : إن العمرى من تلك الشروط التي أدرك الناس عليها ، ويجوز أن لا يكون القاسم سمع الحديث ، ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله . قال : فإذا قيل لبعض من يذهب مذهبه : لو كان القاسم قال هذا في العمرى أيضا فعارضك معارض بأن يقول : أخاف أن يغلط على القاسم من روى هذا عنه إذا كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفنا يروى من وجوه يسندونه . قال : لا يجوز أن يتهم أهل الحفظ بالغلط فقيل : ولا يجوز أن يتهم من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال : لا يجوز قلنا ما يثبت عن النبي أولى أن يكون لازما لأهل دين الله ، أو ما قال القاسم أدركت الناس ولسنا نعرف الناس الذين حكي هذا عنهم ، فإن قال : لا يجوز على مثل القاسم في علمه أن يقول أدركت الناس إلا والناس الذين أدرك أئمة يلزمه قولهم قيل له : فقد روى يحيى بن سعيد عن القاسم أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال : لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ، وهو يفتي برأي نفسه أنها ثلاث تطليقات فإن قال : في هذه لا أعرف الناس الذين روى القاسم هذا عنهم جاز لغيره أن يقول لا أعرف الناس الذين روى هذا عنهم في الشروط ، وإن كان يقول إن القاسم لا يقول الناس إلا الأئمة الذين يلزمه قولهم ، فقد ترك قول القاسم برأي نفسه وعاب على غيره اتباع السنة .
كتاب اللقطة الصغيرة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في اللقطة مثل حديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء { وقال : في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهي لك فكلها ، فإذا جاء صاحبها فاغرمها له . } { وقال : في المال يعرفه سنة ثم يأكله إن شاء فإن جاء صاحبه غرمه له } ، وقال : { يعرفها سنة ثم يأكلها موسرا كان ، أو معسرا إن شاء } إلا أني لا أرى له أن يخلطها بماله ، ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها وعفاصها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له ، وإن مات كانت دينا عليه في ماله ، ولا يكون عليه في الشاة يجدها بالمهلكة تعريف إن أحب أن يأكلها فهي له ومتى لقي صاحبها غرمها له ، وليس ذلك له في ضالة الإبل ، ولا البقر ; لأنهما يدفعان عن أنفسهما ، وإنما كان ذلك له في ضالة الغنم والمال ; لأنهما لا يدفعان عن أنفسهما ، ولا يعيشان والشاة يأخذها من أرادها وتتلف لا تمتنع من السبع إلا أن يكون معها من يمنعها والبعير والبقرة يردان المياه ، وإن تباعدت ويعيشان أكثر عمرهما بلا راع فليس له أن يعرض لواحد منهما والبقر قياسا على الإبل .
( قال الشافعي ) وإن وجد رجل شاة ضالة في الصحراء فأكلها ثم جاء صاحبها قال : يغرمها خلاف مالك .
( قال الشافعي ) ابن عمر لعله أن لا يكون سمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة ، ولو لم يسمعه انبغى أن يقول لا يأكلها كما قال ابن عمر انبغى أن يفتيه أن يأخذها وينبغي للحاكم أن ينظر فإن كان الآخذ لها ثقة أمره بتعريفها وأشهد شهودا على عددها وعفاصها ووكائها أمره أن يوقفها في يديه إلى أن يأتي ربها فيأخذها ، وإن لم يكن ثقة في ماله وأمانته أخرجها من يديه إلى من يعف عن الأموال ليأتي ربها وأمره بتعريفها لا يجوز لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان من أهل الأمانة ، ولو وجدها فأخذها ثم أراد تركها لم يكن ذلك له ، وهذا في كل ما [ ص: 69 ] سوى الماشية فأما الماشية فإنها تخرق بأنفسها فهي مخالفة لها ، وإذا وجد رجل بعيرا فأراد رده على صاحبه فلا بأس بأخذه ، وإن كان إنما يأخذه ليأكله فلا ، وهو ظالم ، وإن كان للسلطان حمى ، ولم يكن على صاحب الضوال مؤنة تلزمه في رقاب الضوال صنع كما صنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه تركها في الحمى حتى يأتي صاحبها ، وما تناتجت فهو لمالكها ويشهد على نتاجها كما يشهد على الأم حين يجدها ويوسم نتاجها ويوسم أمهاتها ، وإن لم يكن للسلطان حمى وكان يستأجر عليها فكانت الأجرة تعلق في رقابها غرما رأيت أن يصنع كما صنع عثمان بن عفان إلا في كل ما عرف أن صاحبه قريب بأن يعرف بعير رجل بعينه فيحبسه ، أو يعرف وسم قوم بأعيانهم حبسها لهم اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك .
اللقطة الكبيرة ( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا التقط الرجل اللقطة مما لا روح له ما يحمل ويحول ، فإذا التقط الرجل لقطة ، قلت ، أو كثرت ، عرفها سنة ويعرفها على أبواب المساجد والأسواق ومواضع العامة ويكون أكثر تعريفه إياها في الجماعة التي أصابها فيها ويعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتب ويشهد عليه فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة على أن صاحبها متى جاء غرمها ، وإن لم يأت فهي مال من ماله ، وإن جاء بعد السنة ، وقد استهلكها والملتقط حي أو ميت فهو غريم من الغرماء يحاص الغرماء فإن جاء وسلعته قائمة بعينها فهي له دون الغرماء والورثة وأفتي الملتقط إذا عرف رجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أن يعطيه ، ولا أجبره في الحكم إلا ببينة تقوم عليها كما تقوم على الحقوق فإن ادعاها واحد أو اثنان ، أو ثلاثة فسواء لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه ; لأنه قد يصيب الصفة بأن الملتقط وصفها ويصيب الصفة بأن الملتقطة عنه قد وصفها فليس لإصابته الصفة معنى يستحق به أحد شيئا في الحكم .
وإنما قوله أعرف عفاصها ووكاءها والله أعلم أن تؤدي عفاصها ووكاءها مع ما تؤدي منها ولنعلم إذا وضعتها في مالك أنها اللقطة دون مالك ويحتمل أن يكون ليستدل على صدق المعترف ، وهذا الأظهر إنما قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { البينة على المدعي } فهذا مدع أرأيت لو أن عشرة ، أو أكثر وصفوها كلهم فأصابوا صفتها ألنا أن نعطيهم إياها يكونون شركاء فيها ، ولو كانوا ألفا ، أو ألفين ونحن نعلم أن كلهم كاذب إلا واحدا بغير عينه ولعل الواحد يكون كاذبا ليس يستحق أحد بالصفة شيئا ، ولا تحتاج إذا التقطت أن تأتي بها إماما ، ولا قاضيا .
( قال الشافعي ) فإذا أراد الملتقط أن يبرأ من ضمان اللقطة ويدفعها إلى من اعترفها فليفعل ذلك بأمر حاكم ; لأنه إن دفعها بغير أمر حاكم ثم جاء رجل فأقام عليه البينة ضمن .
قال : وإذا كان في يدي رجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها ، فإذا دفعه ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له أن لا يدفعه إلا بأمر الحاكم لئلا يقيم عليه غيره بينة فيضمن ; لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده ، فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم آخر بينة عادلة فيكون أولى ، وقد تموت البينة ويدعي هو أنه دفعه ببينة فلا يقبل قوله غير أن الذي قبض منه إذا أقر له فيضمنه القاضي للمستحق الآخر رجع هذا على المستحق الأول إلا أن يكون أقر أنه له فلا يرجع عليه ، وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة ، أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة ; لأن هذا مال ، وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد وشهدوا أن هذه صفة عبده وأنه لم [ ص: 70 ] يبع ، ولم يهب ، أو لم نعلمه باع ، ولا وهب وحلف رب العبد كتب الحاكم بينته إلى قاضي بلد غير مكة فوافقت الصفة العبد الذي في يديه لم يكن للقاضي أن يدفعه إليه بالصفة ، ولا يقبل إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه ، ولكن إن شاء الذي له عليه بينة أن يسأل القاضي أن يجعل هذا العبد ضالا فيبيعه فيمن يزيد ويأمر من يشتريه ثم يقبضه من الذي اشتراه .
( قال الشافعي ) وإذا أقام عليه البينة بمكة بعينه أبرأ القاضي الذي اشتراه من الثمن بإبراء رب العبد ويرد عليه الثمن إن كان قبضه منه ، وقد قيل : يختم في رقبة هذا العبد ويضمنه الذي استحقه بالصفة فإن ثبت عليه الشهود فهو له ويفسخ عنه الضمان ، وإن لم يثبت عليه الشهود رد ، وإن هلك فيما بين ذلك كان له ضامنا ، وهذا يدخله أن يفلس الذي ضمن ويستحقه ربه فيكون القاضي أتلفه ويدخله أن يستحقه ربه ، وهو غائب فإن قضى على الذي دفعه إليه بإجازته في غيبته قضى عليه بأجر ما لم يغصب ، ولم يستأجر ، وإن أبطل عنه كان قد منع هذا حقه بغير استحقاق له ويدخله أن يكون جارية فارهة لعلها أم ولد لرجل فيخلي بينها وبين رجل يغيب عليها ، ولا يجوز فيه إلا القول الأول
( قال الشافعي ) وإذا اعترف الرجل الدابة في يدي رجل فأقام رجل عليها بينة أنها له قضى له القاضي بها فإن ادعى الذي هي في يديه أنه اشتراها من رجل غائب لم يحبس الدابة عن المقضي له بها ، ولم يبعث بها إلى البلد الذي فيها البيع كان البلد قريبا ، أو بعيدا ، ولا أعمد إلى مال رجل فأبعث به إلى البلد لعله يتلف قبل أن يبلغه بدعوى إنسان لا أدري كذب أم صدق ، ولو علمت أنه صدق ما كان لي أن أخرجها من يدي مالكها نظرا لهذا أن لا يضيع حقه على المغتصب لا تمنع الحقوق بالظنون ، ولا تملك بها وسواء كان الذي استحق الدابة مسافرا أو غير مسافر ، ولا يمنع منها ، ولا تنزع من يديه إلا أن يطيب نفسا عنها ، ولو أعطي قيمتها أضعافا ; لأنا لا نجبره على بيع سلعته .
( قال الشافعي ) ويأكل اللقطة الغني والفقير ومن تحل له الصدقة ومن لا تحل له ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب ، وهو أيسر أهل المدينة ، أو كأيسرهم وجد صرة فيها ثمانون دينارا أن يأكلها ( أخبرنا ) الدراوردي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار { عن علي بن أبي طالب رحمه الله أنه وجد دينارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعرفه فلم يعترف فأمره أن يأكله ثم جاء صاحبه فأمره أن يغرمه } .
( قال الشافعي ) وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ممن تحرم عليه الصدقة ; لأنه من صلبية بني هاشم ، وقد روى { عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن بأكل اللقطة بعد تعريفها سنة } علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد بن خالد الجهني وعبد الله بن عمرو بن العاص وعياض بن حماد المجاشعي رضي الله عنهم
( قال الشافعي ) والقليل من اللقطة والكثير سواء لا يجوز أكله إلا بعد سنة فأما أن آمر الملتقط وإن كان أمينا أن يتصدق بها فما أنصفت الملتقط ولا الملتقط عنه إن فعلت ، إن كانت اللقطة مالا من مال الملتقط بحال فلم آمره أن يتصدق وأنا لا آمره أن يتصدق به ، ولا بميراثه من أبيه ، وإن أمرته بالصدقة فكيف أضمنه ما آمره بإتلافه ؟ ، وإن كانت الصدقة مالا من مال الملتقط عنه فكيف آمر الملتقط بأن يتصدق بمال غيره بغير إذن رب المال ؟ ثم لعله يجده رب المال مفلسا فأكون قد أتويت ماله ، ولو تصدق بها ملتقطها كان متعديا فكان لربها أن يأخذها بعينها فإن نقصت في أيدي المساكين ، أو تلفت رجع على الملتقط إن شاء بالتلف والنقصان ، وإن شاء أن يرجع بها على المساكين رجع بها إن شاء
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (154)
صــــــــــ 71 الى صـــــــــــ77
( قال الشافعي ) وإذا التقط العبد اللقطة فعلم السيد باللقطة فأقرها بيده فالسيد ضامن لها في ماله في رقبة العبد وغيره إذا استهلكها العبد قبل السنة أو بعدها دون مال السيد ; لأن أخذه اللقطة عدوان ، إنما يأخذ اللقطة من له ذمة يرجع بها عليه [ ص: 71 ] ومن له مال يملكه والعبد لا مال له ، ولا ذمة ، وكذلك إن كان مدبرا ، أو مكاتبا ، أو أم ولد ، والمدبر والمدبرة كلهم في معنى العبد إلا أن أم الولد لا تباع ويكون في ذمتها إن لم يعلمه السيد ، وفي مال المولي إن علم .
( قال الربيع ) وفي القول الثاني إن علم السيد أن عبده التقطها ، أو لم يعلم فأقرها في يده فهي كالجناية في رقبة العبد ، ولا يلزم السيد في ماله شيء
( قال الشافعي ) والمكاتب في اللقطة بمنزلة الحر ; لأنه يملك ماله والعبد بعضه حر وبعضه عبد يقضي بقدر رقه فيه فإن التقط اللقطة في اليوم الذي يكون لنفسه فيه أقرت في يديه وكانت مالا من ماله ; لأن ما كسب في ذلك اليوم في معاني كسب الأحرار ، وإن التقطها في اليوم الذي هو فيه للسيد أخذها السيد منه ; لأن ما كسبه في ذلك اليوم للسيد ، وقد قيل : إذا التقطها في يوم نفسه أقر في يدي العبد بقدر ما عتق منه وأخذ السيد بقدر ما يرق منه ، وإذا اختلفا فالقول قول العبد مع يمينه ; لأنها في يديه ، ولا يحل للرجل أن ينتفع من اللقطة بشيء حتى تمضي سنة ، وإذا باع الرجل الرجل اللقطة قبل السنة ثم جاء ربها كان له فسخ البيع ، وإن باعها بعد السنة فالبيع جائز ويرجع رب اللقطة على البائع بالثمن ، أو قيمتها إن شاء فأيهما شاء كان له .
( قال : الربيع ) ليس له إلا ما باع إذا كان باع بما يتغابن الناس بمثله ، فإن كان باع بما لا يتغابن الناس بمثله ، غله ما نقص عما يتغابن الناس بمثله .
( قال الشافعي ) وإذا كانت الضالة في يدي الوالي فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت الضالة عبدا فزعم سيد العبد أنه أعتقها قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشتري يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت المشتري بالثمن الذي أخذ منه .
( قال : الربيع ) وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم ; لأن بيع الوالي كبيع صاحبه فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه ; لأن رجلا لو باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه قبل أن يبيعه لم يقبل قوله فيفسخ على المشتري بيعه إلا ببينة تقوم على ذلك
( قال الشافعي ) وإذا التقط الرجل الطعام الرطب الذي لا يبقى فأكله ثم جاء صاحبه غرم قيمته وله أن يأكله إذا خاف فساده ، وإذا التقط الرجل ما يبقى لم يكن له أكله إلا بعد سنة مثل الحنطة والتمر وما أشبهه
( قال الشافعي ) والركاز دفن الجاهلية فما وجد من مال الجاهلية على وجه الأرض فهو لقطة من اللقط يصنع فيه ما يصنع في اللقطة ; لأن وجوده على ظهر الأرض ، وفي مواضع اللقطة يدل على أنه ملك سقط من مالكه ، ولو تورع صاحب فأدى خمسه كان أحب إلي ، ولا يلزمه ذلك
( قال الشافعي ) وإذا وجد الرجل ضالة الإبل لم يكن له أخذها فإن أخذها ثم أرسلها حيث وجدها فهلكت ضمن لصاحبها قيمتها والبقر والحمير والبغال في ذلك بمنزلة ضوال الإبل وغيرها ، وإذا أخذ السلطان الضوال فإن كان لها حمى يرعونها فيه بلا مؤنة على ربها رعوها فيه إلى أن يأتي ربها ، وإن لم يكن لها حمى باعوها ودفعوا أثمانها لأربابها ، ومن أخذ ضالة فأنفق عليها فهو متطوع بالنفقة لا يرجع على صاحبها بشيء ، وإن أراد أن يرجع على صاحبها بما أنفق فليذهب إلى الحاكم حتى يفرض لها نفقة ويوكل غيره بأن يقبض لها تلك النفقة منه وينفق عليها ، ولا يكون للسلطان أن يأذن له أن ينفق عليها إلا اليوم واليومين وما أشبه ذلك مما لا يقع من ثمنها موقعا ، فإذا جاوز ذلك أمر ببيعها .
ومن التقط لقطة فاللقطة مباحة فإن هلكت منه بلا تعد فليس بضامن لها والقول قوله مع يمينه ، وإذا التقطها ثم ردها في موضعها فضاعت فهو ضامن لها ، وإن رآها فلم يأخذها فليس بضامن لها وهكذا إن دفعها إلى غيره فضاعت أضمنه من ذلك ما أضمن المستودع وأطرح عنه الضمان فيما أطرح عن المستودع
( قال الشافعي ) وإذا حل الرجل دابة الرجل فوقفت ثم مضت ، أو فتح قفصا لرجل عن طائر ثم خرج بعد لم يضمن ; لأن الطائر والدابة أحدثا الذهاب والذهاب غير فعل الحال والفاتح وهكذا الحيوان كله وما فيه روح وله عقل يقف فيه [ ص: 72 ] بنفسه ويذهب بنفسه فأما ما لا عقل له ، ولا روح فيه مما يضبطه الرباط مثل زق زيت وراوية ماء فحلها الرجل فتدفق الزيت فهو ضامن إلا أن يكون حل الزيت ، وهو مستند قائم فكان الحل لا يدفقه فثبت قائما ثم سقط بعد فإن طرحه إنسان فطارحه ضامن لما ذهب منه ، وإن لم يطرحه إنسان لم يضمنه الحال الأول ; لأن الزيت إنما ذهب بالطرح دون الحل وأن الحل قد كان ، ولا جناية فيه
( قال الشافعي ) ولا جعل لأحد جاء بآبق ، ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال : لأجنبي إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال : لآخر إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينارا ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله ; لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كله كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين ، أو لم يسمعه ، وكذلك لو قال لثلاثة فقال لأحدهم : إن جئتني به فلك كذا ولآخر ولآخر فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به جميعا فلكل أحد منهم ثلث جعله .
، وفي اختلاف مالك والشافعي اللقطة .
( قال : الربيع ) سألت الشافعي رحمه الله عمن وجد لقطة قال : يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان ، أو معسرا ، فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت : له وما الحجة في ذلك ؟ فقال : السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها وأبي من مياسير الناس يومئذ وقبل وبعد ( أخبرنا ) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها } .
( أخبرنا ) مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال : له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة ، فإذا مضت السنة فشأنك بها .
( قال الشافعي ) فرويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك فقلتم يكره أكل اللقطة للغني والمسكين .
( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال : إني وجدت لقطة فماذا ترى ؟ فقال : له ابن عمر عرفها ، قال : قد فعلت ، قال فزد قال : فعلت قال : لا آمرك أن تأكلها ، ولو شئت لم تأخذها .
( قال الشافعي ) وابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر يكره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون : لو تركها ضاعت .
وترجم في كتاب اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما اللقطة
( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال دخل علي ابن قيس قال : سمعت هزيلا يقول رأيت عبد الله أتاه رجل بصرة مختومة فقال : عرفتها ، ولم أجد من يعرفها قال : استمتع بها ، وهذا قولنا إذا عرفها سنة فلم يجد [ ص: 73 ] من يعرفها فله أن يستمتع بها وهكذا السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود يشبه السنة ، وقد خالفوا هذا كله ورووا حديثا عن عامر عن أبيه عن عبد الله أنه اشترى جارية فذهب صاحبها فتصدقوا بثمنها وقال : اللهم عن صاحبها فإن كره فلي وعلي الغرم ، ثم قال : وهكذا نفعل باللقطة فخالفوا السنة في اللقطة التي لا حجة فيها ، وخالفوا حديث ابن مسعود الذي يوافق السنة ، وهو عندهم ثابت واحتجوا بهذا الحديث الذي عن عامر وهم يخالفونه فيما هو بعينه يقولون : إن ذهب البائع فليس للمشتري أن يتصدق بثمنها ، ولكنه يحبسه حتى يأتي صاحبها متى جاء .
كتاب اللقيط
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال : سمعت الشافعي رحمه الله يقول في المنبوذ : هو حر ولا ولاء له ، وإنما يرثه المسلمون بأنهم قد خولوا كل مال لا مالك له ، ألا ترى أنهم يأخذون مال النصراني ، ولا وارث له ؟ ولو كانوا أعتقوه لم يأخذوا ماله بالولاء ، ولكنهم خولوا ما لا مالك له من الأموال ، ولو ورثه المسلمون وجب على الإمام أن لا يعطيه أحدا من المسلمين دون أحد وأن يكون أهل السوق والعرب من المسلمين فيه سواء ثم وجب عليه أن يجعل ولاءه يوم ولدته أمه لجماعة الأحياء من المسلمين الرجال والنساء ثم يجعل ميراثه لورثته من كان حيا من المسلمين من الرجال دون النساء كما يورث الولاء ، ولكنه مال كما وصفنا لا مالك له ويرد على المسلمين يضعه الإمام على الاجتهاد حيث يرى .
وترجم في سير الأوزاعي الصبي يسبى ثم يموت
سئل أبو حنيفة رحمه الله عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه ، وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالإسلام فقال : لا يصلى عليه ، وهو على دين أبيه ; لأنه لا يقر بالإسلام وقال الأوزاعي : مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال : لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه وقال : أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه صار مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان ، وهو ينقض قول الأوزاعي إنه لا بأس أن يبتاع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة : إذا كان معه أبواه ، أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر بالإسلام ، وإذا لم يكن معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم .
( قال الشافعي ) { سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بنت عجوز ولدها من النبي صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقي من السبايا أثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا إلى طريق الشام } فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال ، وفيهم الصغير والكبير ، وقد يحتمل هذا أن يكونوا من أجل أن أمهات الأطفال معهم ويحتمل أن يكون في الأطفال من لا أم له ، فإذا سبوا مع أمهاتهم فلا بأس أن يباعوا من المشركين ، وكذلك لو سبوا مع آبائهم ، ولو مات أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا فيصفوا الإسلام لم يكن لنا أن نصلي عليهم ; لأنهم على دين الأمهات والآباء إذا كان النساء بلغا فلنا بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين ; لأنا قد حكمنا عليهم بأن حكم الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة عليهم كما حكمنا به وهم مع آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين [ ص: 74 ] وكذلك النساء البوالغ قد { استوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بالغا من أصحابه ففدى بها رجلين }
وترجم في اختلاف مالك والشافعي باب المنبوذ ( أخبرنا ) مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال : ما حملك على أخذ هذه النسمة ؟ قال وجدتها ضائعة فأخذتها فقال عريفي يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح فقال : أكذلك ؟ قال : نعم قال : عمر اذهب فهو حر وولاؤه لك وعلينا نفقته قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ، ولاءه للمسلمين فقلت : للشافعي فبقول مالك نأخذ .
( قال الشافعي ) فقد تركتم ما روي عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولاء لمن أعتق } ، فقد زعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ، ولا يزول عن معتق ، فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذي أعتقه ، وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له ، وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول { فإنما الولاء لمن أعتق } فهذا نفى أن يكون الولاء لمن أعتق والمنبوذ غير معتق ولا ولاء له فمن أجمع ترك السنة وخالف عمر فيا ليت شعري من هؤلاء المجمعين لا يسمون فإنا لا نعرفهم ، وهو المستعان ، ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ، ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف ؟ إن هذه لغفلة طويلة فلا أعرف أحدا عنه هذا العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله واحد يترك ما روي في اللقيط عن عمر للسنة ثم يدع السنة فيه في موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم .
( قال الشافعي ) وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أشد توجيها من قولكم قالوا : يتبع ما جاء عن عمر في اللقيط ; لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق فيمن لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل يسلم على يديه الرجل للمسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم { فإنما الولاء لمن أعتق } لا يكون الولاء إلا لمعتق ، ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين ; لأنكم خالفتموه حيث ينبغي أن توافقوه ووافقتموه حيث كان لكم شبهة لو خالفتموه .
[ ص: 75 ] باب الجعالة وليس في التراجم
وفي آخر اللقطة الكبيرة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا جعل لأحد جاء بآبق ، ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال لأجنبي : إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال الآخر : إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينارا ثم جاءا به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله ; لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين ، أو لم يسمعه ، وكذلك لو قال لثلاثة فقال : لأحدهم إن جئتني به فلك كذا ، ولآخر ولآخر . فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به معا فلكل واحد منهم ثلث جعله
كتاب الفرائض
" باب المواريث " من سمى الله تعالى له الميراث وكان يرث ، ومن خرج من ذلك .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فرض الله تعالى ميراث الوالدين والإخوة والزوجة والزوج فكان ظاهره أن من كان والدا ، أو أخا محجوبا وزوجا وزوجة ، فإن ظاهره يحتمل أن يرثوا وغيرهم ممن سمي له ميراث إذا كان في حال دون حال فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقاويل أكثر أهل العلم على أن معنى الآية أن أهل المواريث إنما ورثوا إذا كانوا في حال دون حال .
قلت للشافعي : وهكذا نص السنة ؟ قال : لا ، ولكن هكذا دلالتها ، قلت وكيف دلالتها ؟ قال : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال : قولا يدل على أن بعض من سمي له ميراث لا يرث . فيعلم أن حكم الله تعالى لو كان على أن يرث من لزمه اسم الأبوة والزوجة وغيره عاما لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد لزمه اسم الميراث بأن لا يرث بحال . قيل : للشافعي فاذكر الدلالة فيمن لا يرث مجموعة . قال : لا يرث أحد ممن سمي له ميراث حتى يكون دينه دين الميت الموروث ويكون حرا ، ويكون بريئا من أن يكون قاتلا للموروث ، فإذا برئ من هذه الثلاث الخصال ورث ، وإذا كانت فيه واحدة منهن لم يرث ، فقلت : فاذكر ما وصفت ، قال : أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين قال : إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ، ولم يرثه علي ، ولا جعفر . قال : فلذلك تركنا نصيبنا [ ص: 76 ] من الشعب .
( قال الشافعي ) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفت لك من أن الدينين إذا اختلفا بالشرك والإسلام لم يتوارث من سميت له فريضة ، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع } .
( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مال العبد إذا بيع لسيده دل هذا على أن العبد لا يملك شيئا ، وأن اسم ماله إنما هو إضافة المال إليه ، كما يجوز في كلام العرب أن يقول الرجل لأجير في غنمه وداره وأرضه هذه أرضك وهذه غنمك على الإضافة لا الملك ، فإن قال قائل : ما دل على أن هذا معناه ، وهو يحتمل أن يكون المال ملكا له ؟ قيل : له قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ماله للبائع دلالة على أن ملك المال لمالك الرقبة وأن المملوك لا يملك شيئا ، ولم أسمع اختلافا في أن قاتل الرجل عمدا لا يرث من قتل من دية ، ولا مال شيئا .
ثم افترق الناس في القاتل خطأ ، فقال : بعض أصحابنا يرث من المال ، ولا يرث من الدية وروي ذلك عن بعض أصحابنا عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ، وقال غيرهم : لا يرث قاتل الخطأ من دية ، ولا مال ، وهو كقاتل العمد ، وإذا لم يثبت الحديث فلا يرث قاتل عمد ، ولا خطأ شيئا أشبه بعموم أن لا يرث قاتل ممن قتل .
باب الخلاف في ميراث أهل الملل ، وفيه شيء يتعلق بميراث العبد والقاتل .
( قال الربيع ) ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فوافقنا بعض الناس ، فقال : لا يرث مملوك ، ولا قاتل عمدا ، ولا خطأ ، ولا كافر شيئا ، ثم عاد فقال : إذا ارتد الرجل عن الإسلام فمات على الردة ، أو قتل ورثه ورثته المسلمون .
( قال الشافعي ) فقيل لبعضهم : أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما ؟ قال : بل كافر ، قيل : فقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يرث الكافر المسلم } ، ولم يستثن من الكفار أحدا فكيف ورثت مسلما كافرا ؟ فقال : إنه كافر قد كان ثبت له حكم الإسلام ثم أزاله عن نفسه ، قلنا فإن كان زال بإزالته إياه ، فقد صار إلى أن يكون ممن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرثه مسلم ، ولا يرث مسلما ، وإن كان لم يزل بإزالته إياه ، أفرأيت أن من مات له ابن مسلم ، وهو مرتد أيرثه ؟ قال : لا ، قلنا : ولم حرمته ؟ قال : للكفر ، قلنا : فلم لا يحرم منه بالكفر كما حرمته ؟ هل يعدو أن يكون في الميراث بحاله قبل أن يرتد فيرث ويورث أو يكون خارجا من حاله قبل أن يرتد فلا يرث ، ولا يورث ، وقد قتلته ؟ وذلك يدل على أن قد زالت بإزالته وحرمت عليه امرأته وحكمت عليه حكم المشركين في بعض وحكم المسلمين في بعض قال : فإني إنما ذهبت إلى أن عليا رضي الله عنه ورث ورثة مرتد قتله من المسلمين ماله قلنا : قد رويته عن علي رضي الله عنه وقد زعم بعض أهل العلم بالحديث قبلك أنه غلط على علي كرم الله وجهه ، ولو كان ثابتا عنه كان أصل مذهبنا ومذهبك أنه لا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فيحتمل أن يكون لا يرث الكافر الذي لم يزل كافرا قلنا فإن كان حكم المرتد مخالفا حكم من لم يزل كافرا فورثه فورثته المسلمون إذا ماتوا قبله فعلي لم ينهك عن هذا قال : هو داخل في جملة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت : فإن كان داخلا في جملة الحديث [ ص: 77 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم لزمك أن تترك قولك في أن ورثته من المسلمين يرثونه ( قال الشافعي ) وقد روي عن معاذ بن جبل ومعاوية ومسروق وابن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين أن المؤمن يرث الكافر ، ولا يرثه الكافر وقال : بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ، ولا تحل لهم نساؤنا فإن قال لك قائل : { قضاء النبي صلى الله عليه وسلم كان في كافر من أهل الأوثان } وأولئك لا تحل ذبائحهم ، ولا نساؤهم وأهل الكتاب غيرهم فيرث المسلمون من أهل الكتاب اعتمادا على ما وصفنا ، أو بعضهم ; لأنه يحتمل لهم ما احتمل لك بل لهم شبهة ليست لك بتحليل ذبائح أهل الكتاب ونسائهم قال : لا يحل له ذلك قلنا ولم ؟ قال ; لأنهم داخلون في الكافرين وحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة . قلنا : فكذلك المرتد داخل في جملة الكافرين
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (155)
صــــــــــ 78 الى صـــــــــــ84
باب من قال : لا يورث أحد حتى يموت .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال الله عز وجل { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم [ ص: 78 ] يكن لهن ولد } وقال عز وعلا { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد } وقال : النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } .
( قال الشافعي ) وكان معقولا عن الله عز وجل ثم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في لسان العرب وقول عوام أهل العلم ببلدنا أن امرأ لا يكون موروثا أبدا حتى يموت ، فإذا مات كان موروثا وأن الأحياء خلاف الموتى فمن ورث حيا دخل عليه - والله تعالى أعلم - خلاف حكم الله - عز وجل - وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : والناس معنا بهذا لم يختلف في جملته وقلنا به في المفقود وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته .
وقضى عمر وعثمان في امرأته بأن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ، وقد يفرق بين الرجل والمرأة بالعجز عن إصابتها . ونفرق نحن بالعجز عن نفقتها وهاتان سببا ضرر ، والمفقود قد يكون سبب ضرر أشد من ذلك ، فعاب بعض المشرقيين القضاء في المفقود ، وفيه قول عمر وعثمان وما وصفنا مما يقولون فيه بقولنا ويخالفونا ، وقالوا : كيف يقضي لامرأته بأن يكون ميتا بعد مدة ، ولم يأت يقين موته ؟ ثم دخلوا في أعظم مما عابوا خلاف الكتاب والسنة . وجملة ما عابوا ، فقالوا في الرجل يرتد في ثغر من ثغور المسلمين فيلحق بمسلحة من مسالح المشركين فيكون قائما فيها يترهب ، أو جاء إلينا مقاتلا يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين وتحل ديونه ويعتق مدبروه وأمهات أولاده ويحكم عليه حكم الموتى في جميع أمره ثم يعود لما حكم به عليه فيقول فيه قولا متناقضا خارجا كله من أقاويل الناس والقياس والمعقول .
( قال الشافعي ) فقال : ما وصفت بعض من هو أعلمهم عندهم ، أو كأعلمهم فقلت له ما وصفت ، وقلت : له أسألك عن قولك ، فقد زعمت أن حراما أن يقول أحد أبدا قولا ليس خبرا لازما ، أو قياسا أقولك في أن يورث المرتد ، وهو حي إذا لحق بدار الكفر خبرا ، أو قياسا ؟ فقال : أما خبر فلا ، فقلت : فقياس ؟ قال : نعم من وجه ، قلت فأوجدنا ذلك الوجه قال : ألا ترى أنه لو كان معي في الدار وكنت قادرا عليه قتلته ؟ فقلت فإن لم تكن قادرا عليه فتقتله أفمقتول هو أم ميت بلا قتل ؟ قال : لا قلت : فكيف حكمت عليه حكم الموتى ، وهو غير ميت ؟ أورأيت لو كانت علتك بأنك لو قدرت عليه في حاله تلك فقتلته فجعلته في حكم الموتى فكان هاربا في بلاد الإسلام مقيما على الردة دهرا من دهره أتقسم ميراثه ؟ قال : لا ، قلت : فأسمع علتك بأنك لو قدرت عليه قتلته . قال : فإن لم تقدر عليه حكم عليه حكم الموتى كانت باطلا عندك فرجعت إلى الحق عندك في أن لا تقتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام وأنت لو قدرت عليه قتلته .
ولو كانت عندك حقا فتركت الحق في قتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام . قلت : فإنما قسمت ميراثه بلحوقه بدار الكفر دون الموت ؟ قال : نعم ، قلت : فالمسلم يلحق بدار الكفر أيقسم ميراثه إذا كان في دار لا يجري عليه فيها الحكم ؟ قال : لا . قلنا فالدار لا تميت أحدا ، ولا تحييه ، فهو حي حيث كان حيا وميت حيث كان ميتا .
قال نعم : قلنا أفتستدرك على أحد أبدا بشيء من جهة الرأي أقبح أن تقول الحي ميت ؟ أرأيت لو تابعك أحد على أن تزعم أن حيا يقسم ميراثه ما كان يجب عليك أن من تابعك على هذا مغلوب على عقله ، أو غبي لا يسمع منه . فكيف إذا كان الكتاب والسنة يدلان معا على دلالة المعقول على خلافكما معا ؟ .
( قال الشافعي ) وقلت : له عبتم على من قال : قول عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما في امرأة المفقود ومن أصل ما تذهبون كما تزعمون أن الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : قولا كان قوله غاية ينتهى إليها وقبلتم عن عمر أنه قال : إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة ورددتم على من تأول الآيتين وهما قول الله عز وجل { ، وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقوله { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ، وقد روي هذا [ ص: 79 ] عن ابن عباس وشريح وذهبنا إلى أن الإرخاء والإغلاق لا يصنع شيئا إنما يصنعه المسيس فكيف لم تجيزوا لمن تأول على قول عمر وقال : بقول ابن عباس ؟ وقلتم عمر في إمامته أعلم بمعنى القرآن ، ثم امتنعتم من القبول عن عمر وعثمان القضاء في امرأة المفقود وهما لم يقضيا في ماله بشيء علمناه ، وقلتم لا يجوز أن يحكم عليه حكم الموتى قبل أن تستيقن وفاته ، وإن طال زمانه .
ثم زعمتم أنكم تحكمون على رجل حكم الموت وأنت على يقين من حياته في طرفة عين فلقلما رأيتكم عبتم على أحد في الأخبار التي انتهى إليها شيئا قط إلا قلتم من جهة الرأي بمثله وأولى أن يكون معيبا فأي جهل أبين من أن تعيب في الخبر الذي هو عندك فيما تزعم ؟ غاية ما نقول من جهة الرأي ما عبت منه ، أو مثله ، وقلت لبعضهم : أرأيت قولك لو لم يعب بخلاف كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا معقول وسكت لك عن هذا كله ، ألا يكون قولك معيبا بلسانك ؟ .
( قال ) وأين ؟ قلت : أرأيت إذا كانت الردة اللحوق بدار الحرب يوجب عليه حكم الموت لم زعمت أن القاضي إن فرط ، أو لم يرفع ذلك إليه حتى يمضي سنين ، وهو في دار الحرب . ثم رجع قبل أن يحكم القاضي مسلما أنه على أصل ملكه ، ولم زعمت أن القاضي إن حكم في طرفة عين عليه بحكم الموت ثم رجع مسلما كان الحكم ماضيا في بعض دون بعض ؟ ما زعمت أن حكم الموت يجب عليه بالردة واللحوق بدار الحرب ; لأنك لو زعمت ذلك ، قلت : لو رجع مسلما أنفذ عليه الحكم ; لأنه وجب ، ولو زعمت أن الحكم إذا أنفذ عليه ورجع مسلما رد الحكم فلا ينفذ فأنت زعمت أن ينفذ بعضا ويرد بعضا .
( قال ) وما ذلك ؟ قلت : زعمت أنه يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويعطي غريمه الذي حقه إلى ثلاثين سنة حالا ويقسم ميراثه فيأتي مسلما ومدبروه وأمهات أولاده وماله قائم في يدي غريمه يقر به ويشهد عليه ولا يرد من هذا شيئا ، وهو ماله بعينه فكل مال في يدي الغريم ماله بعينه وتقول لا ينقض الحكم . ثم تنزع ميراثه من يدي ورثته فكيف نقضت بعض الحكم دون بعض ؟ قال : قلت : هو ماله بعينه لم يحلل له ومدبروه وأمهات أولاده بأعيانهم . ثم زعمت أنه ينقض الحكم للورثة وأنه إن استهلك بعضهم ماله ، وهو موسر لم يغرمه إياه ، وإن لم يستهلكه بعضهم أخذته ممن لم يستهلكه هل يستطيع أحد كمل عقله وعلمه لو تخاطأ أن يأتي بأكثر من هذا في الحكم بعينه ؟ أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر وقلتم إنما يتخرص فيلقى ما جاء على لسانه هل كان تعطيل النظر يدخل عليه أكثر من خلاف كتاب وسنة ، فقد جمعتهما جميعا ، أو خلاف معقول ، أو قياس أو تناقض قول ، فقد جمعته كله فإن كان أخرجك عند نفسك من أن تكون ملوما على هذا إنك أبديته وأنت تعرفه فلا أحسب لمن أتى ما ليس له ، وهو يعرفه عذرا عندنا ; لأنه إذا لم يكن للجاهل بأن يقول من قبل أنه يخطئ ، ولا يعلم فأحسب العالم غير معذور بأن يخطئ ، وهو يعلم .
( قال الشافعي ) فقال : فما تقول أنت ؟ فقلت : أقول إني أقف ماله حتى يموت فأجعله فيئا ، أو يرجع إلى الإسلام فأرده إليه ، ولا أحكم بالموت على حي فيدخل علي بعض ما دخل عليك .
باب رد المواريث
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : الله عز وجل { ، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر [ ص: 80 ] مثل حظ الأنثيين } وقال : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها ، أو دين } وقال : تعالى { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم } وقال : عز اسمه { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } .
( قال الشافعي ) فهذه الآي في المواريث كلها تدل على أن الله عز وجل انتهى بمن سمى له فريضة إلى شيء ، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى الله به إلى شيء غير ما انتهى به ، ولا ينقصه فبذلك قلنا : لا يجوز رد المواريث .
( قال الشافعي ) وإذا ترك الرجل أخته أعطيتها نصف ما ترك وكان ما بقي للعصبة فإن لم تكن عصبة فلمواليه الذين أعتقوه ، فإن لم يكن له موال أعتقوه كان النصف مردودا على جماعة المسلمين من أهل بلده ، ولا تزاد أخته على النصف ، وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة ، ولا زوج ، ولا زوجة له فريضة ، ولا تجاوز بذي فريضة فريضته والقرآن إن شاء الله تعالى يدل على هذا ، وهو قول زيد بن ثابت وقول الأكثر ممن لقيت من أصحابنا .
باب الخلاف في رد المواريث
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فقال لي بعض الناس إذا ترك الميت أخته ، ولا وارث له غيرها ، ولا مولى أعطيت الأخت المال كله ، قال : فقلت لبعض من يقول هذا إلى أي شيء ذهبتم ؟ قال : ذهبنا إلى أن روينا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رد المواريث فقلت : له ما هو عن واحد منهما فيما علمته بثابت ، ولو كان ثابتا كنت قد تركت عليهما أقاويل لهما في الفرائض غير قليلة لقول زيد بن ثابت فكيف إن كان زيد لا يقول بقولهما لا يرد المواريث لم لم تتبعه دونهما كما اتبعته دونهما في غير هذا من الفرائض ؟ .
( قال الشافعي ) فقال : فدع هذا ، ولكن أرأيت إذا اختلف القولان في رد المواريث أليس يلزمنا أن نصير إلى أشبه القولين بكتاب الله تبارك وتعالى ؟ قلنا بلى قال فعدهما خالفاه أي القولين أشبه بكتاب الله تبارك وتعالى ؟ قلنا قول زيد بن ثابت لا شك إن شاء الله تعالى قال : وأين الدلالة على موافقة قولكم في كتاب الله عز وجل دون قولنا ؟ قلت قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : { فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } فذكر الأخت منفردة فانتهى بها إلى النصف وذكر الأخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر الأخ والأخت مجتمعين فجعلها على النصف من الأخ في الاجتماع كما جعلها في الانفراد أفرأيت إن أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم الله تبارك وتعالى نصا ؟ لأن الله عز وجل انتهى بها إلى النصف وخالفت معنى حكم الله إذ سويتها به ، وقد جعلها الله تبارك وتعالى معه على النصف منه .
( قال الشافعي ) فقلت له وآي المواريث كلها تدل على خلاف رد المواريث قال : فقال أرأيت إن قلت : لا أعطيها النصف الباقي ميراثا ؟ قلت : له قل ما شئت قال : أراها موضعه قلت : فإن رأى غيرك غيرها موضعه فأعطاها جارة له محتاجة ، أو جارا له محتاجا أو غريبا محتاجا ؟ قال : فليس له ذلك قلت : ولا لك بل هذا أعذر منك ، هذا لم يخالف حكم الكتاب نصا ، وإنما خالف قول عوام المسلمين ; لأن عوام منهم يقولون هو لجماعة المسلمين .
[ ص: 81 ] باب المواريث أخبرنا الربيع بن سليمان قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني } وقال عز وجل { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } وقال : تبارك وتعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } فنسب الموالي نسبان أحدهما إلى الآباء والآخر إلى الولاء وجعل الولاء بالنعمة وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتقه } فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء إنما يكون للمعتق قال وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب } فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولاد من الأب ، ألا ترى أن رجلا لو كان لا أب له يعرف جاء رجلا فسأل أن ينسبه إلى نفسه ورضي ذلك الرجل لم يجز أن يكون له ابنا أبدا فيكون مدخلا به على عاقلته مظلمة في أن يعقلوا عنه ويكون ناسبا إلى نفسه غير من ولد ، وإنما قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولد للفراش } ، وكذلك إذا لم يعتق الرجل الرجل لم يجز أن يكون منسوبا إليه بالولاء فيدخل على عاقلته المظلمة في عقلهم عنه وينسب إلى نفسه ولاء من لم يعتق ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } فبين في قوله { إنما الولاء لمن أعتق } أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ، أولا ترى أن رجلا لو أمر ابنه أن ينتسب إلى غيره ، أو ينتفي من نسبه وتراضيا على ذلك لم تنقطع أبوته عنه بما أثبت الله عز وجل لكل واحد منهما على صاحبه ؟ أولا ترى أنه لو أعتق عبدا له ثم أذن له بعد العتق أن يوالي من شاء أو ينتفي من ولايته ورضي بذلك المعتق لم يكن لواحد منهما أن يفعل ذلك لما أثبت الله تعالى عليه من النعمة ؟ فلما كان المولى في المعنى الذي فيه النسب ثبت الولاء بمتقدم المنة كما ثبت النسب بمتقدم الولادة لم يجز أن يفرق بينهما أبدا إلا بسنة ، أو إجماع من أهل العلم وليس في الفرق بينهما في هذا المعنى سنة ، ولا إجماع .
( قال الشافعي ) قد حضرني جماعة من أصحابنا من الحجازيين وغيرهم فكلمني رجل من غيرهم بأن قال إذا أسلم الرجل على يدي رجل فله ولاؤه إذا لم يكن له ولاء نعمة وله أن يوالي من شاء ، وله أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه ، فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل عنه ، وقال لي فما حجتك في ترك هذا ؟ قلت : خلافه ما حكيت من قول الله عز وجل { ادعوهم لآبائهم } الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم { فإنما الولاء لمن أعتق } فدل ذلك على أن النسب يثبت بمتقدم الولاد كما ثبت الولاء بمتقدم العتق ، وليس كذلك الذي يسلم على يدي الرجل ، فكان النسب شبيها بالولاء والولاء شبيها بالنسب ، فقال لي قائل : إنما ذهبت في هذا إلى حديث رواه ابن موهب عن تميم الداري قلت لا يثبت ، قال : أفرأيت إذا كان هذا الحديث ثابتا أيكون مخالفا لما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } قلت : لا ، قال : فكيف تقول ؟ .
قلت : أقول : إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما الولاء لمن أعتق } { ونهيه عن بيع الولاء وعن هبته } ، وقوله { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ، ولا يوهب } فيمن أعتق ; لأن العتق نسب والنسب لا يحول ، والذي يسلم على يدي الرجل ليس هو المنهي أن يحول ، ولاؤه ، قال : فبهذا قلنا ، فما منعك منه إذا كان الحديثان [ ص: 82 ] محتملين أن يكون لكل واحد منهما وجه ؟ قلت : منعني أنه ليس بثابت ، إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري ، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ، ولا نعلمه لقي تميما ، ومثل هذا لا يثبت عندنا ، ولا عندك من قبل أنه مجهول ، ولا نعلمه متصلا ، قال : فإن من حجتنا أن عمر قال : في المنبوذ هو حر ولك ، ولاؤه ، يعني للذي التقطه ، قلت : وهذا لو ثبت عن عمر حجة عليك ; لأنك تخالفه ، قال : ومن أين ؟ قلت : أنت تزعم أنه لا يوالي عن الرجل إلا نفسه بعد أن يعقل ، وأن له إذا والى عن نفسه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه ، فإن زعمت أن موالاة عمر عنه ; لأنه وليه جائزة عليه ، فهل لوصي اليتيم أن يوالي عنه ؟ قال : ليس ذلك له ، قلت : فإن زعمت أن ذلك للوالي دون الوصي ، فهل وجدته يجوز للوالي شيء في اليتيم لا يجوز للوصي ؟ فإن زعمت أن ذلك حكم من عمر والحكم لا يجوز عندك على أحد إلا بشيء يلزمه نفسه ، أو فيما لا بد له منه مما لا يصلحه غيره ، ولليتيم بد من الولاء .
فإن قلت : هو حكم فلا يكون له أن ينتقل به فكيف يجوز أن يكون له أن ينتقل إذا عقد على نفسه عقدا ما لم يعقل عنه ، ولا يكون له أن ينتقل إن عقده عليه غيره ؟ .
( قال ) فإن قلت : هو أعلم بمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ونعارضك بما هو أثبت عن ميمونة وابن عباس من هذا عن عمر بن الخطاب ، قال : وما هو ؟ قلت : وهبت ميمونة ، ولاء بني يسار لابن أختها عبد الله بن عباس فاتهبه ، فهذه زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وهما اثنان ، قال : فلا يكون في أحد ، ولو كانوا عددا كثيرا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ، قلنا : فكيف احتججت بأحد على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هكذا يقول بعض أصحابنا ، قلت : أبيت أن تقبل هذا من غيرك ، فقال : من حضرنا من المدنيين هذه حجة ثابتة ، قال فأنتم إن كنتم ترونها ثابتة ، فقد تخالفونها في شيء قالوا ما نخالفها في شيء ، وما نزعم أن الولاء يكون إلا لذي نعمة .
( قال الشافعي ) فقال لي قائل أعتقد عنهم جوابهم ، فأزعم أن للسائبة أن يوالي من شاء ، قلت : لا يجوز هذا إذا كان من احتججنا به من الكتاب والسنة والقياس ، إلا أن يأتي فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أمر أجمع الناس عليه فنخرجه من جملة المعتقين اتباعا ، قال : فهم يروون أن حاطبا أعتق سائبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلنا ونحن : لا نمنع أحدا أن يعتق سائبة . فهل رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولاء السائبة إليه يوالي من شاء ؟ قال : لا ، قلت : فداخل هو في معنى المعتقين ؟ قال : نعم ، قلت : أفيجوز أن يخرج ، وهو معتق من أن يثبت له وعليه الولاء .
قال : فإنهم يروون أن رجلا قتل سائبة فقضى عمر بعقله على القاتل فقال : أبو القاتل أرأيت لو قتل ابني ؟ قال : إذا لا يغرم ، قال : فهو إذا مثل الأرقم ، قال : عمر فهو مثل الأرقم ، فاستدلوا بأمه لو كانت له عاقلة بالولاء قضى عمر بن الخطاب على عاقلته ؟ قلت فأنت إن كان هذا ثابتا عن عمر محجوج به ، قال : وأين ؟ قلت : تزعم أن ولاء السائبة لمن أعتقه ، قال : فأعفني من ذا فإنما أقوم لهم بقولهم . قلت : فأنت تزعم أن من لا ولاء له من لقيط ومسلم وغيره إذا قتل إنسانا قضى بعقله على جماعة المسلمين ; لأن لهم ميراثه ، وأنت تزعم أن عمر لم يقض بعقله على أحد . قال : وهكذا يقول جميع المفتين . قلت : أفيجوز لجميع المفتين أن يخالفوا عمر ؟ قال : لا هو عن عمر منقطع ليس بثابت . قلت : فكيف احتججت به ؟ قال : لا أعلم [ ص: 83 ] لهم حجة غيره . قلت : فبئس ما قضيت على من قمت بحجته إذا كان احتج بغير حجة عندك ، قال : فعندك في السائبة شيء مخالف لهذا ؟ قلت : إن قبلت الخبر المنقطع فنعم .
( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق أهل أبيات من أهل اليمن سوائب فانقلعوا عن بضعة عشر ألفا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمر أن تدفع إلى طارق ، أو إلى ورثة طارق .
( قال الشافعي ) فهذا إن كان ثابتا يدلك على أن عمر يثبت ولاء السائبة لمن سيبه .
وهذا معروف عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في تركة سالم الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة أن أبا بكر أعطى فضل ميراثه عمرة بنت يعار الأنصارية وكانت أعتقته سائبة . وروي عن ابن مسعود أنه قال : في السائبة شبيها بمعنى ذلك فيما أظن حديث منقطع .
قال : فهل عندك حجة تفرق بين السائبة وبين الذي يسلم على يدي الرجل غير الحديث المنقطع قلت : نعم من القياس . قال : ما هو ؟ قلت : إن الذي يسلم على يدي الرجل وينتقل بولائه إلى موضع إنما ذلك برضا المنتسب والمنسوب إليه وله أن ينتقل بغير رضا من انتسب إليه ، وإن السائبة يقع العتق عليه بلا رضى منه وليس له أن ينتقل منه ، ولو رضي بذلك هو ومعتقه ، وإنه ممن يقع عليه عتق المعتق مع دخوله في جملة المعتقين . كان أهل الجاهلية يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويعفون الحامي وهذه من الإبل والغنم . فكانوا يقولون في الحامي إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين وقيل : نتج له عشرة حام أي حمى ظهره فلا يحل أن يركب .
ويقولون في الوصيلة وهي من الغنم إذا وصلت بطونا توما ونتج نتاجها فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها ، ويسيبون السائبة . فيقولون قد أعتقناك سائبة ولا ولاء لنا عليك ، ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك . فأنزل الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } الآية فرد الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى مالكها إذا كان العتق من لا يقع على غير الآدميين ، وكذلك لو أنه أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذا حكم الله عز وجل أن يرد إليه ذلك ويبطل الشرط فيه . فكذلك أبطل الشروط في السائبة ورده إلى ، ولاء من أعتقه مع الجملة التي وصفنا لك .
( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن محمد أن عبد الله بن أبي بكر وعبد العزيز أخبراه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته في سائبة مات أن يدفع ميراثه إلى الذي أعتقه .
( قال الشافعي ) وإن كانت الكفاية فيما ذكرنا من الكتاب والسنة والقياس . فقال : فما تقول في النصراني يعتق العبد المسلم ؟ قلت : فهو حر . قال : فلمن ولاؤه ؟ قلت : للذي أعتقه . قال : فما الحجة فيه ؟ قلت : ما وصفت لك إذ كان الله عز وجل نسب كافرا إلى مسلم ومسلما إلى كافر والنسب أعظم من الولاء . قال : النصراني لا يرث المسلم ، قلت : وكذلك الأب لا يرث ابنه إذا اختلف أديانهما وليس منعه ميراثه بالذي قطع نسبه منه هو ابنه بحاله إذ كان ثم متقدم الأبوة ، وكذلك العبد مولاه بحاله إذ كان ثم متقدم العتق .
قال : وإن أسلم المعتق ؟ قلت : يرثه . قال : فإن لم يسلم ؟ قلت : فإن كان للمعتق ذوو رحم مسلمون فيرثونه . قال : وما الحجة في هذا ؟ ولم إذا دفعت الذي أعتقه عن ميراثه تورث به غيره إذ لم يرث هو فغيره أولى أن لا يرث بقرابته منه ؟ قلت هذا من شبهك ، قال : فأوجدني الحجة فيما قلت : ؟ قلت : أرأيت الابن إذا كان مسلما فمات وأبوه كافر ؟ قال : لا يرثه قلت : فإن كان له إخوة ، أو أعمام ، أو بنو عم مسلمون ؟ قال : يرثونه ، قلت وبسبب من ورثوه ؟ قلت : بقرابتهم من الأب ، قلت : فقد منعت الأب من الميراث وأعطيتهم بسببه ، قال إنما منعته بالدين فجعلته إذا خالف دينه كأنه ميت وورثته أقرب الناس به ممن هو على دينه قلت : فما منعنا من هذه الحجة في النصراني ؟ قال : هي لك ونحن نقول بها معك ، ولكنا احتججنا لمن خالفك من [ ص: 84 ] أصحابك ، قلت : أو رأيت فيما احتججت به حجة ؟ قال لا وقال : أرأيت إذا مات رجل ، ولا ولاء له ؟ قلت : فميراثه للمسلمين ، قال : بأنهم مواليه ؟ قلت : لا ، ولا يكون المولى إلا معتقا ، وهذا غير معتق ، قال : فإذا لم تورثهم بأنهم موال وليسوا بذوي نسب فكيف أعطيتهم ماله ؟ قلت : لم أعطهموه ميراثا ، ولو أعطيتهموه ميراثا وجب علي أن أعطيه من على الأرض حين يموت كما أجعله لو كانوا معا أعتقوه ، وأنا وأنت إنما نصيره للمسلمين يوضع منهم في خاصة والمال الموروث لا يوضع في خاصة فكان يدخل عليك لو زعمت بأنه ورث بالولاء هذا وأن تقول انظر اليوم الذي أسلم فيه فأثبت ، ولاءه لجماعة من كان حيا من المسلمين يومئذ فيرثه ورثة أولئك الأحياء دون غيرهم ويدخل عليك في النصراني يموت ، ولا وارث له فتجعل ماله لجماعة المسلمين ، وقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } قال : فبأي شيء تعطي المسلمين ميراث من لا نسب له ، ولا ولاء له من المسلمين وميراث النصراني إذا لم يكن له نسب ، ولا ولاء ؟ قلت : بما أنعم الله تعالى به على أهل دينه فخولهم من أموال المشركين إذا قدروا عليها ومن كل مال لا مالك له يعرف من المسلمين . مثل الأرض الموات فلم يحرم عليهم أن يحيوها ، فلما كان هذان المالان لا مالك لهما يعرف خولهما الله أهل دين الله من المسلمين
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (156)
صــــــــــ 85 الى صـــــــــــ91
الرد في المواريث .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن كانت له فريضة في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما جاء عن السلف انتهينا به إلى فريضته ، فإن فضل من المال شيء لم نرده عليه ، وذلك أن علينا شيئين : أحدهما : أن لا ننقصه مما جعله الله تعالى له ، والآخر : أن لا نزيده عليه والانتهاء إلى حكم الله عز وجل هكذا وقال : بعض الناس نرده عليه إذا لم يكن للمال من يستغرقه وكان من ذوي الأرحام وأن لا نرده على زوج ، ولا زوجة وقالوا روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : لهم أنتم تتركون ما تروون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود في أكثر الفرائض لقول زيد بن ثابت وكيف لم يكن هذا مما تتركون ؟ قالوا إنا سمعنا قول الله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فقلنا معناها على غير ما ذهبتم إليه ، ولو كان على ما ذهبتم إليه كنتم قد تركتموه قالوا فما معناها ؟ قلنا توارث الناس بالحلف والنصرة ثم توارثوا بالإسلام والهجرة ، ثم نسخ ذلك فنزل قول الله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } على معنى ما فرض الله عز ذكره وسن رسوله صلى الله عليه وسلم لا مطلقا هكذا .
ألا ترى أن الزوج يرث أكثر مما يرث ذوو الأرحام ، ولا رحم له ، أولا ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله ، ولا يرثه الخال والخال أقرب رحما منه فإنما معناها على ما وصفت لك من أنها على ما فرض الله لهم وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأنتم تقولون : إن الناس يتوارثون بالرحم وتقولون خلافه في موضع آخر تزعمون أن الرجل إذا مات وترك أخواله ومواليه فماله لمواليه دون أخواله ، فقد منعت ذوي الأرحام الذين قد تعطيهم في حال وأعطيت المولى الذي لا رحم له المال . قال : فما حجتك في أن لا ترد المواريث ؟ قلنا : ما وصفت لك من الانتهاء إلى حكم الله عز وجل وأن لا أزيد ذا سهم على سهمه ، ولا أنقصه قال : فهل من شيء تثبته سوى هذا ؟ قلت : نعم ، قال : الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : عز ذكره { ، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر [ ص: 85 ] مثل حظ الأنثيين } فذكر الأخ والأخت منفردين فانتهى بالأخت إلى النصف وبالأخ إلى الكل وذكر الإخوة والأخوات مجتمعين فحكم بينهم مثل حكمه بينهم منفردين قال : { فللذكر مثل حظ الأنثيين } فجعلها على النصف منه في كل حال ، فمن قال برد المواريث قال : أورث الأخت المال كله فخالف قوله الحكمين معا . قلت : فإن قلتم نعطيها النصف بكتاب الله عز وجل ونرد عليها النصف لا ميراثا .
قلنا بأي شيء ترده عليها ؟ قال : ما نرده أبدا إلا ميراثا أو يكون مالا حكمه إلى الولاة فما كان كذلك فليس الولاة بمخيرين ، وعلى الولاة أن يجعلوه لجماعة المسلمين ، ولو كانوا فيه مخيرين كان للوالي أن يعطيه من شاء والله تعالى الموفق .
باب ميراث الجد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث ، فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه ، وهذا قول زيد بن ثابت وعنه قبلنا أكثر الفرائض ، وقد روي هذا القول عن عمر وعثمان أنهما قالا فيه مثل قول زيد بن ثابت ، وقد روي هذا أيضا عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الأكثر من فقهاء البلدان ، وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال : الجد أب ، وقد اختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبو بكر وعائشة وابن عباس وعبد الله بن عتبة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه . إنه أب إذا كان معه الإخوة طرحوا وكان المال للجد دونهم ، وقد زعمنا نحن وأنت أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر إلا بالتثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة وهكذا نقول وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت ومن قال قوله .
قالوا : فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال : الجد أب لخصال منها أن الله عز وجل قال : { يا بني آدم } وقال : { ملة أبيكم إبراهيم } فأقام الجد في النسب أبا وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم ينقصوه من السدس ، وهذا حكمهم للأب وأن المسلمين حجبوا بالجد الأخ للأم وهكذا حكمهم في الأب فكيف جاز أن يجمعوا بين أحكامه في هذه الخصال وأن يفرقوا بين أحكامه وحكم الأب فيما سواها قلنا إنهم لم يجمعوا بين أحكامه فيها قياسا منهم للجد على الأب قالوا وما دل على ذلك ؟ قلنا أرأيتم الجد لو كان إنما يرث باسم الأبوة هل كان اسم الأبوة يفارقه لو كان دونه أب ، أو يفارقه لو كان قاتلا أو مملوكا ، أو كافرا ؟ قال : لا قلنا ، فقد نجد اسم الأبوة يلزمه ، وهو غير وارث ، وإنما ورثناه بالخبر في بعض المواضع دون بعض لا باسم الأبوة قال : فإنهم لا ينقصونه من السدس وذلك حكم الأب قلنا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفترى ذلك قياسا على الأب فتقفها موقف الأب فتحجب بها الإخوة ؟ قالوا : لا ولكن قد حجبتم الإخوة من الأم بالجد كما حجبتموهم بالأب قلنا نعم قلنا هذا خبرا لا قياسا ، ألا ترى أنا نحجبهم بابنة ابن متسفلة ، ولا نحكم لها بحكم الأب .
وهذا يبين لكم أن الفرائض تجتمع في بعض الأمور دون بعض قالوا وكيف لم تجعلوا أبا الأب كالأب كما جعلتم ابن الابن كالابن ؟ قلنا لاختلاف الأبناء والآباء ; لأنا وجدنا الأبناء أولى بكثرة المواريث من الآباء وذلك أن الرجل يترك أباه وابنه فيكون لابنه خمسة أسداس ولأبيه السدس ويكون له بنون يرثونه معا ، ولا يكون أبوان يرثانه معا ، وقد نورث نحن وأنتم الأخت ، ولا نورث ابنتها أو نورث الأم ، ولا نورث ابنتها إذا كان دونها غيرها ، وإن ورثناها لم نورثها قياسا على أمها ، وإنما ورثناها خبرا لا قياسا قال : فما حجتكم [ ص: 86 ] في أن أثبتم فرائض الإخوة مع الجد ؟ قلنا ما وصفنا من الاتباع وغير ذلك قالوا وما غير ذلك ؟ قلنا أرأيت رجلا مات وترك أخاه وجده هل يدلي واحد منهما إلى الميت بقرابة نفسه ؟ قالوا : لا ، قلنا : أليس إنما يقول أخوه أنا ابن أبيه ويقول جده أنا أبو أبيه وكلاهما يطلب ميراثه لمكانه من أبيه ؟ قالوا بلى قلنا أفرأيتم لو كان أبوه الميت في تلك الساعة أيهما أولى بميراثه ؟ قال : يكون لابنه خمسة أسداسه ولأبيه السدس قلنا ، وإذا كانا جميعا إنما يدليان بالأب فابن الأب أولى بكثرة ميراثه من أبيه فكيف جاز أن يحجب الذي هو أولى بالأب الذي يدليان بقرابته بالذي هو أبعد منه ؟ قلنا : ميراث الإخوة ثابت في القرآن .
ولا فرض للجد فيه فهو أقوى في القرآن والقياس في ثبوت الميراث قال : فكيف جعلتم الجد إذا كثر الإخوة أكثر ميراثا من أحدهم ؟ قلنا خبرا ، ولو كان ميراثه قياسا جعلناه أبدا مع الواحد وأكثر من الإخوة أقل ميراثا فنظرنا كل ما صار للأخ ميراثا فجعلنا للأخ خمسة أسهم وللجد سهما كما ورثناهما حين مات ابن الجد أبو الابن قال : فلم لم تقولوا بهذا ؟ قلنا لم نتوسع بخلاف ما روينا عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يخالف بعضهم إلى قول بعض فنكون غير خارجين من أقاويلهم .
ميراث ولد الملاعنة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلنا إذا مات ولد الملاعنة وولد الزنا ورثت أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم ونظرنا ما بقي فإن كانت أمه مولاة عتاقة كان ما بقي ميراثا لموالي أمه ، وإن كانت عربية أو لا ، ولاء لها كان ما بقي لجماعة المسلمين وقال : بعض الناس بقولنا فيها إلا في خصلة واحدة إذا كانت أمه عربية أو لا ولاء لها ردوا ما بقي من ميراثه على عصبة أمه وكان عصبة أمه عصبته واحتجوا فيه برواية ليست بثابتة وأخرى ليست مما يقوم بها حجة وقالوا كيف لم تجعلوا عصبته عصبة أمه كما جعلتم مواليه موالي أمه ؟ قلنا بالأمر الذي لم نختلف نحن وأنتم في أصله ثم تركتم قولكم فيه قلت : أرأيتم المولاة العتيقة تلد من مملوك ، أو ممن لا يعرف أليس يكون ولاء ولدها تبعا لولائها حتى يكونوا كأنهم أعتقوا معا ما لم يجر أب ولاءهم ؟ قالوا : بلى ، قلنا : أو يعقل عنهم موالي أمهم ويكونون أولياء في التزويج لهم ؟ قالوا : بلى ، قلنا : فإن كانت عربية فتكون عصبتها عصبة ولدها فيعقلون عنهم ويزوجون بناتهم قالوا : لا ، قلنا : فإذا كان موالي الأم يقومون مقام العصبة في ولد مولاتهم وكان الأخوال لا يقومون ذلك المقام في بني أختهم فكيف أنكرت ما قلنا والأصل الذي ذهبنا إليه واحد ؟
ميراث المجوس ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلنا : إذا أسلم المجوسي وابنة الرجل امرأته ، أو أخته أمه نظرنا إلى أعظم السببين فورثناها به وألغينا الآخر وأعظمهما أثبتهما بكل حال ، وإذا كانت أم أختا ورثناها بأنها أم وذلك أن الأم قد تثبت في كل حال والأخت قد تزول وهكذا جميع فرائضهم على هذه المنازل ، وقال بعض الناس أورثها من الوجهين معها فقلنا له أرأيت إذا كان معها أخت وهي أخت أم ؟ قال أحجبها من الثلث بأن معها أختين وأورثها من الوجه الآخر ; لأنها أخت قلنا أرأيت حكم الله عز وجل إذ جعل للأم الثلث في حال ونقصها منه بدخول الإخوة عليها أليس إنما نقصها بغيرها لا بنفسها ؟ قال : بلى [ ص: 87 ] بغيرها نقصها فقلنا وغيرها خلافها ؟ قال : نعم قلنا ، فإذا نقصتها بنفسها أفليس قد نقصتها بخلاف ما نقصها الله عز وجل به ؟ وقلنا أرأيت إذا كانت أما على الكمال فكيف يجوز أن تعطيها بنقصها دون الكمال وتعطيها أما كاملة وأختا كاملة وهما بدنان ، وهذا بدن ؟ قال : فقد دخل عليك أن عطلت أحد الحقين قلنا لما لم يكن سبيل إلى استعمالهما إلا بخلاف الكتاب وخلاف المعقول لم يجز إلا تعطيل أصغرهما لا أكبرهما قال : فهل تجد علينا شيئا من ذلك ؟ قلنا نعم قد تزعم أن المكاتب ليس بكامل الحرية ، ولا رقيق وأن كل من لم تكمل فيه الحرية صار إلى حكم العبيد ; لأنه لا يرث ، ولا يورث ، ولا تجوز شهادته ، ولا يحد من قذفه ، ولا يحد هو إلا حد العبيد فتعطل موضع الحرية منه قال : إني أحكم عليه أنه رقيق قلت : أفي كل حال ، أو في بعض حال دون بعض ؟ قال : بل في بعض حاله دون بعض ; لأني لو قلت : لك في كل حاله قلت لسيد المكاتب أن يبيعه ويأخذ ماله ، قلت : فإذا كان قد اختلط أمره فلم يمحض عبدا ، ولم يمحض حرا فكيف لم تقل فيه بما رويته عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه يعتق منه بقدر ما أدى وتجوز شهادته بقدر ما أدى ويحد بقدر ما أدى ويرث ويورث بقدر ما أدى ؟
قال : لا تقول به قلنا وتصير على أصل أحكامه ، وهو حكم العبيد فيما نزل به وتمنعه الميراث ؟ قال : نعم قلنا فكيف لم تجز لنا في فرض المجوس ما وصفنا ؟ وإنما صيرنا المجوس إلى أن أعطيناهم بأكثر ما يستوجبون فلم نمنعهم حقا من وجه إلا أعطيناهم ذلك الحق ، أو بعضه من وجه آخر وجعلنا الحكم فيهم حكما واحدا معقولا لا متبعضا لا أنا جعلنا بدنا واحدا في حكم بدنين .
ميراث المرتد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث المسلم الكافر ، ولا [ ص: 88 ] الكافر المسلم } .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول فكل من خالف دين الإسلام من أهل الكتاب ومن أهل الأوثان فإن ارتد أحد من هؤلاء عن الإسلام لم يرثه المسلم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقطع الله الولاية بين المسلمين والمشركين ، فوافقنا بعض الناس على كل كافر إلا المرتد وحده فإنه قال ترثه ورثته من المسلمين فقلنا فيعدو المرتد أن يكون داخلا في معنى الكافرين ، أو يكون في أحكام المسلمين ؟ فإن قلت : هو في بعض حكمه في أحكام المسلمين ، قلنا أفيجوز أن يكون كافرا في حكم مؤمنا في غيره ؟ فيقول لك غيرك فهو كافر حيث جعلته مؤمنا ومؤمن حيث جعلته كافرا ، قال : لا ، قلنا أفليس يجوز لك [ ص: 89 ] من هذا شيء إلا جاز عليك مثله ؟ قال : فإنا إنما صرنا في هذا إلى أثر رويناه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل المستورد وورث ميراثه ورثته المسلمين قلنا ، فقد زعم بعض أهل الحديث منكم أنه غلط ونحن نجعله لك ثابتا أفرأيت حكمه في سوى الميراث أحكم مشرك ، أو مسلم ؟ قال : بل حكم مشرك قلنا فإن حبست المرتد لقتله أو لتستتيبه فمات ابن له مسلم أيرثه ؟ قال : لا ، قلنا أفرأيت أحدا قط لا يرث ولده إلا أن يكون قاتله ويرثه ولده ؟ إنما أثبت الله عز وجل المواريث للأبناء من الآباء حيث أثبت المواريث للآباء من الأبناء وقطع ولاية المسلمين من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 90 ] أن { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } فإن كان المرتد خارجا من معنى حكم الله تبارك وتعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم من بين المشركين بالأثر الذي زعمت لزمك أن تكون قد خالفت الأثر ; لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يمنعه ميراث ولده لو ماتوا ، وهو لو ورث ولده منه انبغى أن يورثه ولده إذا كان عنده مخالفا لغيره من المشركين ، ولو جاز أن يرثوه ، ولا يرثهم كان في مثل معنى ما حكم به معاوية بن أبي سفيان وتابعه عليه غيره فقال : نرث المشركين ، ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ، ولا تحل لهم نساؤنا أفرأيت إن احتج عليك أحد بهذا من قول معاوية ومن تابعه عليه منهم سعيد بن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين وغيرهما ، وقد روي عن معاذ بن جبل شبيهه .
وقد قاله معاوية ومعاذ في أهل الكتاب ، وقال : لك إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يحكم به على أهل الأوثان والنساء اللاتي يحللن للمسلمين نساء أهل الكتاب لا نساء أهل الأوثان فقال : لمعاذ بن جبل ولمعاوية ولهما فقه وعلم فلم لم توافق قولهما ؟ وقد يحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } أن يكون أراد به الكفار من أهل الأوثان وأتبع معاوية ومعاذا في أهل الكتاب فأورث المسلم من الكافر ، ولا أورث الكافر من المسلم كما أقول في نكاح نسائهم قال : لا يكون ذلك له ; لأنه إذا قال : النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } فهذا على جميع الكفار ، قلنا ولم لا تستدل بقول من سمينا مع أن الحديث محتمل له ؟ قال إنه قل حديث إلا وهو يحتمل معاني والأحاديث على ظاهرها لا تحال عنه إلى معنى تحتمله إلا بدلالة عمن حدث عنه قلنا ، ولا يكون أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مقدما حجة في أن يقول بمعنى يحتمله الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا قلنا فكل ما قلت : من هذا حجة عليك في ميراث المرتد ، وفيما رويت عن علي بن أبي طالب [ ص: 91 ] مثله .
( قال الشافعي ) وقلنا لا يؤخذ مال المرتد عنه حتى يموت أو يقتل على ردته ، وإن رجع إلى الإسلام كان أحق بماله . وقال بعض الناس إذا ارتد فلحق بدار الحرب قسم الإمام ميراثه كما يقسم ميراث الميت وأعتق أمهات أولاده ومدبريه وجعل دينه المؤجل حالا وأعطى ورثته ميراثه فقيل : له عبت أن يكون عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما حكما في دار السنة والهجرة في امرأة المفقود الذي لا يسمع له بخبر والأغلب أنه قد مات بأن تتربص امرأته أربع سنين ثم أربعة أشهر وعشرا ثم تنكح فقلت : وكيف نحكم بحكم الوفاة على رجل امرأته ، وقد يمكن أن يكون حيا ؟ وهم لم يحكموا في ماله بحكم الحياة إنما حكموا به لمعنى الضرر على الزوجة ، وقد نفرق نحن وأنت بين الزوج وزوجته بأقل من هذا الضرر على الزوجة فنزعم أنه إذا كان عنينا فرق بينهما ثم صرت برأيك إلى أن حكمت على رجل حي لو ارتد بطرسس فامتنع بمسلحة الروم ونحن نرى حياته بحكم الموتى في كل شيء في ساعة من نهار خالفت فيه القرآن ودخلت في أعظم من الذي عبت . وخالفت من عليك عندك اتباعه فيما عرفت وأنكرت .
قال : وأين القرآن الذي خالفت ؟ قلت : قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } وقال : جل وعز { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } فإنما نقل ملك الموتى إلى الأحياء والموتى خلاف الأحياء ، ولم ينقل بميراث قط ميراث حي إلى حي فنقلت ميراث الحي إلى الحي ، وهو خلاف حكم الله تبارك وتعالى . قال : فإني أزعم أن ردته ولحوقه بدار الحرب مثل موته ، قلت : قولك هذا خبر ؟ قال : ما فيه خبر ، ولكني قلته قياسا . قلت : فأين القياس ؟ قال : ألا ترى أني لو وجدته في هذه الحال قتلته فكان ميتا ، قلت : قد علمت أنك إذا قتلته مات فأنت لم تقتله فأين القياس ؟ إنما قتله لو أمته فأنت لم تمته .
ولو كنت بقولك لو قدرت عليه قتلته كالقاتل له لزمك إذا رجع إلى بلاد الإسلام أن يكون حكمه الميت فتنفذ عليه حكم الموتى . قال : ما أفعل وكيف أفعل ، وهو حي ؟ قلت : قد فعلت أولا ، وهو حي ثم زعمت أنك إن حكمت عليه بحكم الموتى فرجع تائبا وأم ولده قائمة ومدبره قائم ، وفي يد غريمه ماله بعينه الذي دفعته إليه ، وهو إلى عشر سنين ، وفي يد أبيه ميراثه فقال : لك رد علي مالي ، وهذا غريمي يقول هذا مالك بعينه لم أغيره ، وإنما هو لي إلى عشر سنين وهذه أم ولدي ومدبري بأعيانهما .
قال : لا أرده عليه ; لأن الحكم قد نفذ فيه ، قلنا فكيف رددت عليه ما في يدي وارثه ، وقد نفذ له به الحكم ؟ قال : هذا ماله بعينه ، قلنا : والمال الذي في يد غريمه وأم ولده ومدبره ماله بعينه ، فكيف نقضت الحكم في بعضه دون بعض ؟ هل قلت : هذا خبرا ، أو قياسا قال : ما قلته خبرا ، ولكن قلته قياسا ، قلنا فعلى أي شيء قسته ؟ قال على أموال أهل البغي يصيبها أهل العدل ، فإن تاب أهل البغي فوجدوا أموالهم بأعيانها أخذوها ، وإن لم يجدوها بأعيانها لم يغرمها أهل العدل ، وكذلك ما أصاب أهل العدل لأهل البغي ، قلنا فهذا وجد ماله بعينه فرددت بعضه ، ولم تردد بعضه فأما أهل العدل لو أصابوا لأهل البغي أم ولد ، أو مدبرة رددتهما على صاحبهما وقلت : لا يعتقان ، ولا يملكهما غير صاحبهما وليس هكذا قلت : في مال المرتد .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (157)
صــــــــــ 92 الى صـــــــــــ98
ميراث المشركة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قلنا : إن المشركة زوج وأم وأخوان لأب وأم وأخوان لأم فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث ويشركهم بنو الأب ; لأن الأب لما سقط حكمه صاروا [ ص: 92 ] بني أم معا وقال : بعض الناس مثل قولنا إلا أنهم قالوا لا يشركهم بنو الأب والأم واحتجوا علينا بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيها فقال بعضهم قولنا وقال بعضهم قولهم فقالوا اخترنا قول من قلنا بقوله من قبل أنا وجدنا بني الأب والأم قد يكونون مع بني الأم فيكون للواحد منهم الثلثان وللجماعة من بني الأم الثلث ووجدنا بني الأب والأم قد يشركهم أهل الفرائض فيأخذون أقل مما يأخذ بنو الأم فلما وجدناهم مرة يأخذون أكثر مما يأخذون ومرة أقل مما يأخذون فرقنا بين حكميهم فورثنا كلا على حكمه ; لأنا وإن جمعتهم الأم لم نعطهم دون الأب ، وإن أعطيناهم بالأب مع الأم فرقنا بين حكميهم فقلنا إنا إنما أشركناهم مع بني الأم ; لأن الأم جمعتهم وسقط حكم الأب ، فإذا سقط حكم الأب كان كأن لم يكن ، ولو صار للأب موضع يكون له فيه حكم استعملناه قل نصيبهم ، أو كثر قال : فهل تجد مثل ما وصفت من أن يكون الرجل مستعملا في حال ثم تأتي حال فلا يكون مستعملا فيها ؟ قلنا نعم ، قال : وما ذاك ؟ قلنا ما قلنا نحن وأنت وخالفت فيه صاحبك من الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ثم يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ، ولو نكحها بعد واحدة ، أو اثنتين لم يهدم الواحد ، ولا الثنتين كما يهدم الثلاث ; لأنه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق الذي تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها بنكاح قبل زوج كما كانت تحل لو لم يطلقها لم يكن له معنى فلم نستعمله قال : إنا لنقول هذا خبرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت : وقياسا كما وصفنا ; لأنه قد خالف عمر فيه غيره .
قال : فهل تجد لي هذا في الفرائض ؟ قلت : نعم الأب يموت ابنه وللابن إخوة فلا يرثون مع الأب ، فإذا كان الأب قاتلا ورثوا ، ولم يورث الأب من قبل أن حكم الأب قد زال وما زال حكمه كان كمن لم يكن فلم نمنعهم الميراث له إذا صار لا حكم له كما منعناهم به إذا كان له حكم ، وكذلك لو كان كافرا أو مملوكا قال : فهذا لا يرث بحال وأولئك يرثون بحال قلنا : أوليس إنما ننظر في الميراث إلى الفريضة التي يدلون فيها بحقوقهم لا ننظر إلى حالهم قبلها ، ولا بعدها ؟ قال : وما تعني بذلك ؟ قلت : لو لم يكن قاتلا ورث ، وإذا صار قاتلا لم يرث ، ولو كان مملوكا فمات ابنه لم يرث ، ولو عتق قبل أن يموت ورث قال : هذا هكذا ؟ قلنا فنظرنا إلى الحال التي لم يكن فيها للأب حكم في الفريضة أسقطناه ووجدناهم لا يخرجون من أن يكونوا إلى بني الأم .
كتاب الوصايا
أخبرنا الربيع بن سليمان قال : كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي من خطه بيده ، ولم نسمعه منه وذكر الربيع في أوله ، وإذا أوصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده وذكر بعده تراجم ، وفي آخرها ما ينبغي أن يكون مقدما ، وهو : باب الوصية وترك الوصية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية : إن قوله صلى الله عليه وسلم { ما حق امرئ له مال يحتمل ما لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده } ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض . [ ص: 93 ] باب الوصية بمثل نصيب أحد ولده ، أو أحد ورثته ونحو ذلك ، وليس في التراجم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده ، فإن كانوا اثنين فله الثلث ، وإن كانوا ثلاثة فله الربع حتى يكون مثل أحد ولده ، وإن كان أوصى بمثل نصيب ابنه ، فقد أوصى له بالنصف فله الثلث كاملا إلا أن يشاء الابن أن يسلم له السدس .
( قال ) وإنما ذهبت إذا كانوا ثلاثة إلى أن يكون له الربع ، وقد يحتمل أن يكون له الثلث ; لأنه يعلم أن أحد ولده الثلاثة يرثه الثلث وأنه لما كان القول محتملا أن يكون أراد أن يكون كأحد ولده وأراد أن يكون له مثل ما يأخذ أحد ولده ، جعلت به الأقل فأعطيته إياه ; لأنه اليقين ومنعته الشك ، وهكذا لو قال : أعطوه مثل نصيب أحد ولدي فكان في ولده رجال ونساء أعطيته نصيب امرأة ; لأنه أقل ، وهكذا لو كان ولده ابنة وابن ابن ، فقال : أعطوه مثل نصيب أحد ولدي أعطيته السدس ، ولو كان ولد الابن اثنين ، أو أكثر أعطيته أقل ما يصيب واحدا منهم ، ولو قال : له مثل نصيب أحد ورثتي ، فكان في ورثته امرأة ترثه ثمنا ، ولا وارث له يرث أقل من ثمن أعطيته إياه ، ولو كان له أربع نسوة يرثنه ثمنا أعطيته ربع الثمن ، وهكذا لو كانت له عصبة فورثوه أعطيته مثل نصيب أحدهم ، وإن كان سهما من ألف سهم ، وهكذا لو كانوا موالي ، وإن قل عددهم وكان معهم وارث غيرهم زوجة أو غيرها أعطيته أبدا الأقل مما يصيب أحد ورثته ، ولو كان ورثته إخوة لأب وأم وإخوة لأب وإخوة لأم ، فقال : أعطوه مثل نصيب أحد إخوتي ، أو له مثل نصيب أحد إخوتي فذلك كله سواء ، ولا تبطل وصيته بأن الإخوة للأب لا يرثون ويعطي مثل نصيب أقل إخوته الذين يرثونه نصيبا ، إن كان أحد إخوته لأم أقل نصيبا ، أو بني الأم والأب أعطى مثل نصيبه .
( قال ) ولو قال : أعطوه مثل أكثر نصيب وارث لي نظر من يرثه فأيهم كان أكثر له ميراثا أعطي مثل نصيبه حتى يستكمل الثلث ، فإن جاوز نصيبه الثلث لم يكن له إلا الثلث ، إلا أن يشاء ذلك الورثة ، وهكذا لو قال : أعطوه أكثر مما يصيب أحدا من ميراثي ، أو أكثر نصيب أحد ولدي أعطى ذلك حتى يستكمل الثلث ، ولو قال : أعطوه ضعف ما يصيب أكثر ولدي نصيبا أعطى مثلي ما يصيب أكثر ولده نصيبا ، ولو قال : ضعفي ما يصيب ابني نظرت ما يصيب ابنه فإن كان مائة أعطيته ثلثمائة فأكون أضعفت المائة التي تصيبه بميراثه مرة ثم مرة فذاك ضعفان وهكذا إن قال : ثلاثة أضعاف وأربعة لم أزد على أن أنظر أصل الميراث فأضعفه له مرة بعد مرة حتى يستكمل ما أوصى له به ، ولو قال : أعطوه مثل نصيب أحد من أوصيت له أعطي أقل ما يصيب أحدا ممن أوصى له لأني إذا أعطيته أقل ، فقد أعطيته ما أعلم أنه أوصى له به فأعطيته باليقين ، ولا أجاوز ذلك ; لأنه شك والله تعالى أعلم .
باب الوصية بجزء من ماله .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو قال : لفلان نصيب من مالي ، أو جزء من مالي ، أو حظ من مالي كان هذا كله سواء ويقال للورثة أعطوه منه ما شئتم ; لأن كل شيء جزء ونصيب وحظ ، فإن قال : الموصى له قد علم الورثة أنه أراد أكثر من هذا أحلف الورثة ما تعلمه أراد أكثر مما أعطاه ونعطيه وهكذا لو قال : أعطوه جزءا قليلا من مالي ، أو حظا ، أو نصيبا ، ولو قال : مكان قليل كثيرا ما عرفت للكثير حدا وذلك أني لو ذهبت إلى أن أقول الكثير كل ما كان له حكم وجدت قوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا [ ص: 94 ] يره ومن يعمل مثقال : ذرة شرا يره } فكان مثقال ذرة قليلا ، وقد جعل الله تعالى لها حكما يرى في الخير والشر ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء يقضي بأدائه على من أخذه غصبا ، أو تعديا أو استهلكه .
( قال الشافعي ) ووجدت ربع دينار قليلا ، وقد يقطع فيه .
( قال الشافعي ) ووجدت مائتي درهم قليلا ، وفيها زكاة وذلك قد يكون قليلا فكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير فلما لم يكن للكثير حد يعرف وكان اسم الكثير يقع على القليل كان ذلك إلى الورثة ، وكذلك لو كان حيا فأقر لرجل بقليل ماله أو كثيره كان ذلك إليه فمتى لم يسم شيئا ، ولم يحدده فذلك إلى الورثة ; لأني لا أعطيه بالشك ، ولا أعطيه إلا باليقين .
باب الوصية بشيء مسمى بغير عينه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى لرجل فقال : أعطوه عبدا من رقيقي أعطوه أي عبد شاءوا ، وكذلك لو قال : أعطوه شاة من غنمي أو بعيرا من إبلي ، أو حمارا من حميري ، أو بغلا من بغالي أعطاه الورثة أي ذلك شاءوا مما سماه ، ولو قال أعطوه أحد رقيقي ، أو بعض رقيقي ، أو رأسا من رقيقي أعطوه أي رأس شاءوا من رقيقه ذكرا أو أنثى صغيرا ، أو كبيرا معيبا أو غير معيب ، وكذلك إذا قال : دابة من دوابي أعطوه أي دابة شاءوا أنثى ، أو ذكرا صغيرة كانت أو كبيرة ، وكذلك يعطونه صغيرا من الرقيق إن شاءوا ، أو كبيرا ، ولو أوصى فقال : أعطوه رأسا من رقيقي ، أو دابة من دوابي فمات من رقيقه رأس ، أو من دابة فقال الورثة هذا الذي أوصى لك به وأنكر الموصى له ذلك ، فقد ثبت للموصي له عبدا ، أو رأسا من رقيقه فيعطيه الورثة أي ذلك شاءوا وليس عليه ما مات ما حمل الثلث ذلك كما لو أوصى له بمائة دينار فهلك من ماله مائة دينار لم يكن عليه أن يحسب عليه ما حمل ذلك الثلث وذلك أنه جعل المشيئة فيما يقطع به إليهم فلا يبرءون حتى يعطوه إلا أن يهلك ذلك كله فيكون كهلاك عبد أوصى له به بعينه ، وإن لم يبق إلا واحد مما أوصى له به من دواب ، أو رقيق فهو له ، وإن هلك الرقيق ، أو الدواب أو ما أوصى له به كله بطلت الوصية .
باب الوصية بشيء مسمى لا يملكه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو قال : الموصي أعطوا فلانا شاة من غنمي ، أو بعيرا من إبلي أو عبدا من رقيقي ، أو دابة من دوابي فلم يوجد له دابة ، ولا شيء من الصنف الذي أوصى له به بطلت الوصية ; لأنه أوصى له بشيء مسمى إضافة إلى ملكه لا يملكه ، وكذلك لو أوصى له وله هذا الصنف فهلك ، أو باعه قبل موته بطلت الوصية له ، ولو مات وله من صنف ما أوصى فيه شيء فمات ذلك الصنف إلا واحدا كان ذلك الواحد للموصى له إذا حمله الثلث ، ولو مات فلم يبق منه شيء بطلت وصية الرجل له بذهابه ، ولو تصادقوا على أنه بقي منه شيء فقال الموصى له استهلكه الورثة وقال : الورثة بل هلك من السماء كان القول قول الورثة على الموصى له البينة فإن جاء بها قيل للورثة أعطوه ما شئتم مما يكون مثله ثمنا لأقل الصنف الذي أوصى له به والقول في ثمنه قولكم إذا جئتم بشيء يحتمل واحلفوا له إلا أن يأتي ببينة على أن أقله ثمنا كان مبلغ ثمنه كذا ، ولو استهلك ذلك كله وارث ، أو أجنبي كان للموصى له أن [ ص: 95 ] يرجع على مستهلكه من كان بثمن أي شيء سلمه له الوارث منه فإن أخذ الوارث منه ثمن بعض ذلك الصنف وأفلس ببعضه رجع الموصى له على الوارث بما أصاب ما سلم له الوارث من ذلك الصنف بقدر ما أخذ كأنه أخذ نصف ثمن غنم فقال : الوارث أسلم له أدنى شاة منها وقيمتها درهمان فيرجع على الوارث بدرهم وهكذا هذا في كل صنف ، والله تعالى أعلم .
باب الوصية بشاة من ماله .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا أوصى لرجل بشاة من ماله قيل : للورثة أعطوه أي شاة شئتم كانت عندكم ، أو اشتريتموها له صغيرة ، أو كبيرة ضائنة ، أو ماعزة فإن قالوا نعطيه ظبيا ، أو أروية لم يكن ذلك لهم ، وإن وقع على ذلك اسم شاة ; لأن المعروف إذا قيل : شاة ضائنة ، أو ماعزة وهكذا لو قالوا نعطيك تيسا ، أو كبشا لم يكن ذلك لهم ; لأن المعروف إذا قيل شاة أنها أنثى ، وكذلك لو قال أعطوه بعيرا ، أو ثورا من مالي لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ، ولا بقرة ; لأنه لا يقع على هذين اسم البعير ، ولا الثور على الانفراد وهكذا لو قال : أعطوه عشر أينق من مالي لم يكن لهم أن يعطوه فيها ذكرا وهكذا لو قال : أعطوه عشرة أجمال ، أو عشرة أثوار ، أو عشرة أتياس لم يكن لهم أن يعطوه أنثى من واحد من هذه الأصناف ، ولو قال : أعطوه عشرا من غنمي ، أو عشرا من إبلي ، أو عشرا من أولاد غنمي ، أو إبلي ، أو بقري ، أو قال : أعطوه عشرا من الغنم ، أو عشرا من البقر أو عشرا من الإبل كان لهم أن يعطوه عشرا إن شاءوا إناثا كلها ، وإن شاءوا ذكورا كلها ، وإن شاءوا ذكورا وإناثا ; لأن الغنم والبقر والإبل جماع يقع على الذكور والإناث ، ولا شيء أولى من شيء .
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليس فيما دون خمس ذود صدقة } فلم يختلف الناس أن ذلك في الذكور دون الإناث والإناث دون الذكور والذكور والإناث لو كانت لرجل ، ولو قال : أعطوا فلانا من مالي دابة قيل : لهم أعطوه إن شئتم من الخيل ، أو البغال أو الحمير أنثى ، أو ذكرا ; لأنه ليس الذكر منها بأولى باسم الدابة من الأنثى ، ولكنه لو قال : أنثى من الدواب ، أو ذكرا من الدواب لم يكن له إلا ما أوصى به ذكرا كان ، أو أنثى صغيرا كان ، أو كبيرا أعجف كان ، أو سمينا معيبا كان أو سليما . والله تعالى الموفق .
باب الوصية بشيء مسمى فيهلك بعينه ، أو غير عينه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو أوصى الرجل لرجل بثلث شيء واحد بعينه مثل عبد وسيف ودار وأرض وغير ذلك فاستحق ثلثا ذلك الشيء ، أو هلك وبقي ثلثه مثل دار ذهب السيل بثلثيها ، أو أرض كذلك فالثلث كالباقي للموصى له به إذا خرج من الثلث من قبل أن الوصية موجودة وخارجة من الثلث .
باب ما يجوز من الوصية في حال ، ولا يجوز في أخرى .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو قال : أعطوا فلانا كلبا من كلابي وكانت له كلاب كانت الوصية [ ص: 96 ] جائزة ; لأن الموصى له يملكه بغير ثمن ، وإن استهلكه الورثة ، ولم يعطوه إياه ، أو غيرهم لم يكن له ثمن يأخذه ; لأنه لا ثمن للكلب ، ولو لم يكن له كلب فقال : أعطوا فلانا كلبا من مالي كانت الوصية باطلة ; لأنه ليس على الورثة ، ولا لهم أن يشتروا من ثلثه كلبا فيعطوه إياه ، ولو استوهبوه فوهب لهم لم يكن داخلا في ماله وكان ملكا لهم ، ولم يكن عليهم أن يعطوا ملكهم للموصى له والموصي لم يملكه .
ولو قال : أعطوه طبلا من طبولي وله الطبل الذي يضرب به للحرب والطبل الذي يضرب به للهو فإن كان الطبل الذي يضرب به للهو يصلح لشيء غير اللهو قيل : للورثة أعطوه أي الطبلين شئتم ; لأن كلا يقع عليه اسم طبل ، ولو لم يكن له إلا أحد الصنفين ، لم يكن لهم أن يعطوه من الآخر وهكذا لو قال : أعطوه طبلا من مالي ، ولا طبل له ابتاع له الورثة أي الطبلين شاءوا بما يجوز له فيه ، وإن ابتاعوا له الطبل الذي يضرب به للحرب فمن أي عود ، أو صفر شاءوا ابتاعوه ويبتاعونه وعليه أي جلد شاءوا مما يصلح على الطبول فإن أخذه بجلدة لا تعمل على الطبول لم يجز ذلك حتى يأخذوه بجلدة يتخذ مثلها على الطبول ، وإن كانت أدنى من ذلك فإن اشترى له الطبل الذي يضرب به فكان يصلح لغير الضرب واشترى له طبلا فإن كان الجلدان اللذان يجعلان عليهما يصلحان لغير الضرب أخذ بجلدته ، وإن كانا لا يصلحان لغير الضرب أخذ الطبلين بغير جلدين ، وإن كان يقع على طبل الحرب اسم طبل بغير جلدة أخذته الورثة إن شاءوا بلا جلد ، وإن كان الطبل الذي يضرب به لا يصلح إلا للضرب لم يكن للورثة أن يعطوه طبلا إلا طبلا للحرب كما لو كان أوصى له بأي دواب الأرض شاء الورثة لم يكن لهم أن يعطوه خنزيرا .
ولو قال : أعطوه كبرا كان الكبر الذي يضرب به دون ما سواه من الطبول ودون الكبر الذي يتخذه النساء في رءوسهن ; لأنهن إنما سمين ذلك كبرا تشبيها بهذا وكان القول فيه كما وصفت إن صلح لغير الضرب جازت الوصية ، وإن لم يصلح إلا للضرب لم تجز عندي ، ولو قال : أعطوه عودا من عيداني وله عيدان يضرب بها وعيدان قسي وعصي وغيرها فالعود إذا وجه به المتكلم للعود الذي يضرب به دون ما سواه مما يقع عليه اسم عود فإن كان العود يصلح لغير الضرب جازت الوصية ، ولم يكن عليه إلا أقل ما يقع عليه اسم عود وأصغره بلا وتر ، وإن كان لا يصلح إلا للضرب بطلت عندي الوصية وهكذا القول في المزامير كلها .
وإن قال : مزمار من مزاميري ، أو من مالي فإن كانت له مزامير شتى فأيها شاءوا أعطوه ، وإن لم يكن له إلا صنف منها أعطوه من ذلك الصنف ، وإن قال : مزمار من مالي أعطوه أي مزمار شاءوا - ناي ، أو قصبة أو غيرها - إن صلحت لغير الزمر ، وإن لم تصلح إلا للزمر لم يعط منها شيئا ، ولو أوصى رجل لرجل بجرة خمر بعينها بما فيها أهريق الخمر وأعطي ظرف الجرة .
ولو قال : أعطوه قوسا من قسيي وله قسي معمولة وقسي غير معمولة ، أو ليس له منها شيء فقال : أعطوه عودا من القسي كان عليهم أن يعطوه قوسا معمولة أي قوس شاءوا - صغيرة أو كبيرة عربية ، أو أي عمل شاءوا - إذا وقع عليها اسم قوس ترمى بالنبل ، أو النشاب ، أو الحسبان ومن أي عود شاءوا ، ولو أرادوا أن يعطوه قوس جلاهق ، أو قوس نداف أو قوس كرسف لم يكن لهم ذلك ; لأن من وجه بقوس فإنما يذهب إلى قوس رمى بما وصفت ، وكذلك لو قال أي قوس شئتم ، أو أي قوس الدنيا شئتم ، ولكنه لو قال : أعطوه أي قوس شئتم مما يقع عليه اسم قوس أعطوه إن شاءوا قوس نداف ، أو قوس قطن ، أو ما شاءوا مما وقع عليه اسم قوس ، ولو كان له صنف من القسي فقال : أعطوه [ ص: 97 ] من قسيي لم يكن لهم أن يعطوه من غير ذلك الصنف ، ولا عليهم وكان لهم أن يعطوه أيها شاءوا أكانت عربية ، أو فارسية ، أو دودانية أو قوس حسبان ، أو قوس قطن .
باب الوصية في المساكين والفقراء .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فقال : ثلث مالي في المساكين فكل من لا مال له ، ولا كسب يغنيه داخل في هذا المعنى ، وهو للأحرار دون المماليك ممن لم يتم عتقه .
( قال ) وينظر أين كان ماله فيخرج ثلثه فيقسم في مساكين أهل ذلك البلد الذي به ماله دون غيرهم فإن كثر حتى يغنيهم نقل إلى أقرب البلدان له ثم كان هكذا حيث كان له مال صنع به هذا وهكذا لو قال : ثلث مالي في الفقراء كان مثل المساكين يدخل فيه الفقير والمسكين ; لأن المسكين فقير والفقير مسكين إذا أفرد الموصي القول هكذا ، ولو قال : ثلث مالي في الفقراء والمساكين ، علمنا أنه أراد التمييز بين الفقير والمسكنة ، فالفقير الذي لا مال له ، ولا كسب يقع منه موقعا ، والمسكين من له مال ، أو كسب يقع منه موقعا ، ولا يغنيه ، فيجعل الثلث بينهم نصفين ونعني به مساكين أهل البلد الذي بين أظهرهم مال ، وفقراءهم ، وإن قل ، ومن أعطى في فقراء ، أو مساكين ، فإنما أعطى لمعنى فقر أو مسكنة ، فينظر في المساكين فإن كان فيهم من يخرجه من المسكنة مائة وآخر يخرجه من المسكنة خمسون أعطى الذي يخرجه من المسكنة مائة سهمين والذي يخرجه خمسون سهما ، وهكذا يصنع في الفقراء على هذا الحساب ، ولا يدخل فيهم ، ولا يفضل ذو قرابة على غيره إلا بما وصفت في غيره من قدر مسكنته ، أو فقره .
( قال ) فإذا نقلت من بلد إلى بلد أو خص بها بعض المساكين والفقراء دون بعض كرهته ، ولم يبن لي أن يكون على من فعل ذلك ضمان ، ولكنه لو أوصى لفقراء ومساكين فأعطى أحد الصنفين دون الآخر ضمن نصف الثلث ، وهو السدس ; لأنا قد علمنا أنه أراد صنفين فحرم أحدهما ، ولو أعطى من كل صنف أقل من ثلاثة ضمن ، ولو أعطى واحدا ضمن ثلثي السدس ; لأن أقل ما يقسم عليه السدس ثلاثة ، وكذلك لو كان الثلث لصنف كان أقل ما يقسم عليه ثلاثة ، ولو أعطاها اثنين ضمن حصة واحد إن كان الذي أوصى به السدس فثلث السدس ، وإن كان الثلث فثلث الثلث ; لأنه حصة واحدة ، وكذلك لو قال : ثلث مالي في المساكين يضعه حيث رأى منهم كان له أقل ما يضعه فيه ثلاثة يضمن إن وضعه في أقل حصة ما بقي من الثلاثة وكان الاختيار له أن يعمهم ، ولا يضيق عليه أن يجتهد فيضعه في أحوجهم ، ولا يضعه كما وصفت في أقل من ثلاثة ، وكان له الاختيار إذا خص أن يخص قرابة الميت ; لأن إعطاء قرابته يجمع أنهم من الصنف الذي أوصى لهم وأنهم ذو رحم على صلتها ثواب .
باب الوصية في الرقاب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الرقاب أعطى منها في المكاتبين ، ولا يبتدئ منها عتق رقبة ، وأعطى من وجد من المكاتبين بقدر ما بقي عليهم وعموا كما وصفت في الفقراء والمساكين لا يختلف ذلك ، وأعطى ثلث كل مال له في بلد في مكاتبي أهله .
( قال ) : وإن قال : يضعه منهم حيث رأى فكما قلت : في الفقراء والمساكين لا يختلف ، فإن قال : يعتق به عني رقابا لم يكن له أن [ ص: 98 ] يعطي مكاتبا منه درهما ، وإن فعل ضمن ، وإن بلغ أقل من ثلاث رقاب لم يجزه أقل من عتق ثلاث رقاب ، فإن فعل ضمن حصة من تركه من الثلث ، وإن لم يبلغ ثلاث رقاب وبلغ أقل من رقبتين يجدهما ثمنا وفضل فضل جعل الرقبتين أكثر ثمنا حتى يذهب في رقبتين ، ولا يحبس شيئا لا يبلغ رقبة ، وهكذا لو لم يبلغ رقبتين وزاد على رقبة ، ويجزيه أي رقبة اشترى صغيرة ، أو كبيرة ، أو ذكرا ، أو أنثى ، وأحب إلي أزكى الرقاب وخيرها وأحراها أن يفك من سيده ملكه ، وإن كان في الثلث سعة تحتمل أكثر من ثلاث رقاب فقيل : أيهما أحب إليك إقلال الرقاب واستغلاؤها ، أو إكثارها واسترخاصها ؟ قال : إكثارها واسترخاصها أحب إلي ، فإن قال ولم ؟ ; لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار } ويزيد بعضهم في الحديث { حتى الفرج بالفرج } .
باب الوصية في الغارمين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى بثلث ماله في الغارمين فالقول أنه يقسم في غارمي البلد الذي به ماله ، وفي أقل ما يعطاه ثلاثة فصاعدا كالقول في الفقراء والرقاب ، وفي أنه يعطى الغارمون بقدر غرمهم كالقول في الفقراء لا يختلف ، ويعطى من له الدين عليهم أحب إلي ، ولو أعطوه في دينهم رجوت أن يسع .
باب الوصية في سبيل الله .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل بثلث ماله في سبيل الله أعطيه من أراد الغزو لا يجزي عندي غيره ; لأن من وجه بأن أعطى في سبيل الله لا يذهب إلى غير الغزو ، وإن كان كل ما أريد الله به من سبيل الله . والقول في أن يعطاه من غزا من غير البلد الذي به مال الموصي ويجمع عمومهم ، وإن يعطوا بقدر مغازيهم إذا بعدت وقربت مثل القول في أن تعطى المساكين بقدر مسكنتهم لا يختلف ، وفي أقل من يعطاه ، وفي مجاوزته إلى بلد غيره مثل القول في المساكين لا يختلف ، ولو قال : أعطوه في سبيل الله ، أو في سبيل الخير ، أو في سبيل البر ، أو في سبيل الثواب جزئ أجزاء فأعطيه ذو قرابته فقراء كانوا أو أغنياء ، والفقراء والمساكين ، وفي الرقاب والغارمين ، والغزاة ، وابن السبيل ، والحاج ، ودخل الضيف وابن السبيل والسائل والمعتر فيهم ، أو في الفقراء والمساكين لا يجزئ عندي غيره أن يقسم بين هؤلاء لكل صنف منهم سهم فإن لم يفعل الوصي ضمن سهم من منعه إذا كان موجودا ومن لم يجده حبس له سهمه حتى يجده بذلك البلد ، أو ينقل إلى أقرب البلدان به ممن فيه ذلك الصنف فيعطونه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (158)
صــــــــــ 99 الى صـــــــــــ105
باب الوصية في الحج
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل وكان قد حج حجة الإسلام فأوصى أن يحج عنه فإن بلغ ثلثه حجة من بلده أحج عنه رجلا من بلده ، وإن لم يبلغ أحج عنه رجلا من حيث بلغ ثلثه .
( قال الربيع ) الذي يذهب إليه الشافعي أنه من لم يكن حج حجة الإسلام أن عليه أن يحج عنه من رأس المال وأقل ذلك من الميقات .
( قال الشافعي ) : ولو قال : أحجوا عني فلانا بمائة درهم وكانت المائة أكثر من إجارته أعطيها ; لأنها وصية له كان بعينه ، أو بغير عينه ما لم يكن وارثا ، فإن كان وارثا فأوصى له أن يحج عنه بمائة درهم وهي أكثر من أجر مثله قيل : له إن شئت فأحجج عنه بأجر مثلك ويبطل الفضل عن أجر مثلك ; لأنها وصية والوصية لوارث لا تجوز ، وإن لم تشأ أحججنا عنه غيرك بأقل ما يقدر عليه أن يحج عنه من بلده ، والإجارة بيع من البيوع ، فإذا لم يكن فيها محاباة فليست بوصية ، ألا ترى أنه لو أوصى أن يشترى عبد لوارث فيعتق فاشتري بقيمته جاز ؟ وهكذا لو أوصى أن يحج عنه فقال : وارثه أنا أحج عنه بأجر مثلي جاز له أن يحج عنه بأجر مثله .
( قال ) ولو قال : أحجوا عني بثلثي حجة وثلثه يبلغ أكثر من حجج جاز ذلك لغير وارث ، ولو قال : أحجوا عني بثلثي وثلثه يبلغ حججا فمن أجاز أن يحج عنه متطوعا أحج عنه بثلثه بقدر ما بلغ لا يزيد أحدا ويحج عنه على أجر مثله فإن فضل من ثلثه ما لا يبلغ أن يحج عنه أحد من بلده أحج عنه من أقرب البلدان إلى مكة حتى ينفد ثلثه . فإن فضل درهم ، أو أقل مما لا يحج عنه به أحد رد ميراثا وكان كمن أوصى لمن لم يقبل الوصية .
( قال ) فإن أوصى أن يحج عنه حجة أو حججا في قول من أجاز أن يحج عنه فأحج عنه ضرورة لم يحج ، فالحج عن الحاج لا عن الميت ويرد الحاج جميع الأجرة .
( قال ) : ولو استؤجر عنه من حج فأفسد الحج رد جميع الإجارة ; لأنه أفسد العمل الذي استؤجر عليه ، ولو أحجوا عنه امرأة أجزأ عنه وكان الرجل أحب إلي ، ولو أحجوا رجلا عن امرأة أجزأ عنها .
( قال ) وإحصار الرجل عن الحج مكتوب في كتاب الحج ، وإذا أوصى الرجل أن يحجوا عنه رجلا فمات الرجل قبل أن يحج عنه أحج عنه غيره كما لو أوصى أن يعتق عنه رقبة فابتيعت فلم تعتق حتى ماتت أعتق عنه أخرى ، ولو أوصى رجل قد حج حجة الإسلام فقال : أحجوا عني فلانا بمائة درهم وأعطوا ما بقي من ثلثي فلانا وأوصى بثلث ماله لرجل بعينه فللموصى له بالثلث نصف الثلث ; لأنه قد أوصى له بالثلث وللحاج وللموصى له بما بقي من الثلث نصف الثلث ويحج عنه رجل بمائة .
باب العتق والوصية في المرض
أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم ، وذكر الحديث .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فعتق البتات في المرض إذا مات المعتق من الثلث ، وهكذا الهبات والصدقات في المرض ; لأن كله شيء أخرجه المالك من ملكه بلا عوض مال أخذه ، فإذا أعتق المريض عتق بتات وعتق تدبير لوصية بدئ بعتق البتات قبل عتق التدبير والوصية وجميع الوصايا فإن فضل من الثلث فضل [ ص: 100 ] عتق منه التدبير والوصايا وأنفذت الوصايا لأهلها ، وإن لم يفضل منه فضل لم تكن وصية وكان كمن مات لا مال له ، وهكذا كل ما وهب فقبضه الموهوب له أو تصدق به فقبضه ; لأن مخرج ذلك في حياته وأنه مملوك عليه إن عاش بكل حال لا يرجع فيه فهي كما لزمه بكل حال في ثلث ماله بعد الموت ، وفي جميع ماله إن كانت له صحة والوصايا بعد الموت لم تلزمه إلا بعد موته فكان له أن يرجع فيها في حياته ، فإذا أعتق رقيقا له لا مال له غيرهم في مرضه ثم مات قبل أن تحدث له صحة فإن كان عتقه في كلمة واحدة مثل أن يقول : إنهم أحرار ، أو يقول رقيقي أو كل مملوك لي حر أقرع بينهم فأعتق ثلثه وأرق الثلثان ، وإن أعتق واحدا ، أو اثنين ثم أعتق من بقي بدئ بالأول ممن أعتق فإن خرج من الثلث فهو حر ، وإن لم يخرج عتق ما خرج من الثلث ورق ما بقي ، وإن فضل من الثلث شيء عتق الذي يليه . ثم هكذا أبدا لا يعتق واحد حتى يعتق الذي بدأ بعتقه ، فإن فضل فضل عتق الذي يليه ; لأنه لزمه عتق الأول قبل الثاني ، وأحدث عتق الثاني ، والأول خارج من ملكه بكل حال إن صح وكل حال بعد الموت إن خرج من الثلث ، فإن لم يفضل من الثلث شيء بعد عتقه فإنما أعتق ، ولا ثلث له .
( قال ) وهكذا لو قال : لثلاثة أعبد له : أنتم أحرار . ثم قال : ما بقي من رقيقي حر بدئ بالثلاثة . فإن خرجوا من الثلث أعتقوا معا ، وإن عجز الثلث عنهم أقرع بينهم ، وإن عتقوا معا وفضل من الثلث شيء أقرع بين من بقي من رقيقه إن لم يحملهم الثلث ، ولو كان مع هؤلاء مدبرون وعبيد . وقال : إن مت من مرضي فهم أحرار بدئ بالذين أعتق عتق البتات فإن خرجوا من الثلث ، ولم يفضل شيء لم يعتق مدبر ، ولا موصى بعتقه بعينه ، ولا صفته ، وإن فضل من الثلث عتق المدبر والموصي بعتقه بعينه وصفته ، وإن عجز عن أن يعتقوا منه كانوا في العتق سواء لا يبدأ المدبر على عتق الوصية ; لأن كلا وصية ، ولا يعتق بحال إلا بعد الموت وله أن يرجع في كل في حياته ، ولو كان في المعتقين في المرض عتق بتات إماء فولدن بعد العتق وقبل موت المعتق فخرجوا من الثلث ، ولم يخرج الولد عتقوا ، والإماء من الثلث والأولاد أحرار من غير الثلث ; لأنهم أولاد حرائر .
ولو كانت المسألة بحالها وكان الثلث ضيقا عن أن يخرج جميع من أعتق من الرقيق عتق بتات قومنا ، والإماء كل أمة منهن معها ولدها لا يفرق بينها وبينه . ثم أقرعنا بينهم فأي أمة خرجت في سهم العتق عتقت من الثلث وتبعها ولدها من غير الثلث ; لأنا قد علمنا أنه ولد حرة لا يرق ، وإذا ألغينا قيم الأولاد الذين عتقوا بعتق أمهم فزاد الثلث أعدنا القرعة بين من بقي . فإن خرجت أمة معها ولدها أعتقت من الثلث وعتق ولدها ; لأنه ابن حرة من غير الثلث ، فإن بقي من الثلث شيء أعدناه هكذا أبدا حتى نستوظفه كله .
( قال ) وإن ضاق ما يبقى من الثلث فعتق ثلث أم ولد منهن عتق ثلث ولدها معها ورق ثلثاه كما رق ثلثاها . ويكون حكم ولدها حكمها فما عتق منها قبل ولاده عتق منه ، وإذا وقعت عليها قرعة العتق فإنما أعتقناها قبل الولادة . وهكذا لو ولدتهم بعد العتق البتات وموت المعتق لأقل من ستة أشهر ، أو أكثر .
( قال الشافعي ) وإذا أوصى الرجل بعتق أمة بعد موته فإن مات من مرضه ، أو سفره فولدت قبل أن يموت الموصي فولدها مماليك ; لأنهم ولدوا قبل أن يعتق في الحين الذي لو شاء أرقها وباعها ، وفي الحين الذي لو صح بطلت وصيتها ، ولو كان عتقها تدبيرا كان فيه قولان : أحدهما هذا ; لأنه يرجع في التدبير ، والآخر أن ولدها بمنزلتها ; لأنه عتق واقع بكل حال ما لم يرجع فيه ، وقد اختلف في الرجل يوصي بالعتق ووصايا غيره فقال : غير واحد من المفتين يبدأ بالعتق ثم يجعل ما بقي من الثلث في الوصايا فإن لم يكن في الثلث فضل عن العتق فهو رجل أوصى فيما ليس له .
( قال ) ولست أعرف في هذا أمرا يلزم من أثر ثابت ، ولا إجماع لا اختلاف فيه ثم اختلف قول من [ ص: 101 ] قال : هذا في العتق مع الوصايا فقال : مرة بهذا وفارقه أخرى فزعم أن من قال : لعبده إذا مت فأنت حر وقال : إن مت من مرضي هذا فأنت حر فأوقع له عتقا بموته بلا وقت بدئ بهذا على الوصايا فلم يصل إلى أهل الوصايا وصية إلا فضلا عن هذا وقال : إذا قال : اعتقوا عبدي هذا بعد موتي ، أو قال : عبدي هذا حر بعد موتي بيوم ، أو بشهر ، أو وقت من الأوقات لم يبدأ بهذا على الوصايا وحاص هذا أهل الوصايا واحتج بأنه قيل : يبدأ بالعتق قبل الوصية وما أعلمه قال يبدأ بالعتق قبل الوصية مطلقا ، ولا يحاص العتق الوصية مطلقا بل فرق القول فيه بغير حجة فيما أرى والله المستعان .
( قال ) ولا يجوز في العتق في الوصية إلا واحد من قولين إما أن يكون العتق إذا وقع بأي حال ما كان بدئ على جميع الوصايا فلم يخرج منها شيء حتى يكمل العتق وإما أن يكون العتق وصية من الوصايا يحاص بها المعتق أهل الوصايا فيصيبه من العتق ما أصاب أهل الوصايا من وصاياهم ويكون كل عتق كان وصية بعد الموت بوقت ، أو بغير وقت سواء ، أو يفرق بين ذلك خبر لازم ، أو إجماع ، ولا أعلم فيه واحدا منهما فمن قال : عبدي مدبر ، أو عبدي هذا حر بعد موتي ، أو متى مت ، أو إن مت من مرضي هذا ، أو أعتقوه بعد موتي ، أو هو مدبر في حياتي ، فإذا مت فهو حر فهو كله سواء ومن جعل المعتق يحاص أهل الوصايا فأوصى معه بوصية حاص العبد في نفسه أهل الوصايا في وصاياهم فأصابه من العتق ما أصابهم ورق منه لم يخرج من الثلث وذلك أن يكون ثمن العبد خمسين دينارا وقيمة ما يبقى من ثلثه بعد العتق خمسين دينارا فيوصى بعتق العبد ويوصي لرجل بخمسين دينارا ولآخر بمائة دينار فيكون ثلثه مائة ووصيته مائتين فلكل واحد من الموصى لهم نصف وصيته فيعتق نصف العبد ويرق نصفه ويكون لصاحب الخمسين خمسة وعشرون وللموصى له بالمائة خمسون .
باب التكملات .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولو أوصى رجل لرجل بمائة دينار من ماله ، أو بدار موصوفة بعين ، أو بصفة ، أو بعبد كذلك ، أو متاع ، أو غيره وقال : ثم ما فضل من ثلثي فلفلان كان ذلك كما قال : يعطى الموصى له بالشيء بعينه ، أو صفته ما أوصى له به فإن فضل من الثلث شيء كان للموصى له بما فضل من الثلث ، وإن لم يفضل شيء فلا شيء له .
( قال الشافعي ) ولو كان الموصى له به عبدا ، أو شيئا يعرف بعين ، أو صفة مثل عبد ، أو دار ، أو عرض من العروض فهلك ذلك الشيء هلك من مال الموصى له وقوم من الثلث ثم أعطى الذي أوصى له بتكملة الثلث ما فضل عن قيمة الهالك كما يعطاه لو سلم الهالك فدفع إلى الموصى له به ( قال ) ولو كان الموصى به عبدا فمات الموصي ، وهو صحيح ثم اعور قوم صحيحا بحاله يوم مات الموصي وبقيمة مثله يومئذ فأخرج من الثلث ودفع إلى الموصى له به كهيئته ناقصا ، أو تاما وأعطى الموصى له بما فضل عنه ما فضل عن الثلث : وإنما القيمة في جميع ما أوصى به بعينه يوم يموت الميت ، وذلك يوم تجب الوصية .
( قال الشافعي ) وإذا قال : الرجل ثلث مالي إلى فلان يضعه حيث أراه الله فليس له أن يأخذ لنفسه شيئا كما لا يكون له لو أمره أن يبيع له شيئا أن يبيعه من نفسه ; لأن معنى يبيعه أن يكون مبايعا به ، وهو لا يكون مبايعا إلا لغيره ، وكذلك معنى يضعه يعطيه غيره ، وكذلك ليس له أن يعطيه وارثا للميت ; لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميت ، فلما لم يكن للميت أن يعطيه لم يجز لمن صيره إليه أن يعطي منه من لم يكن له أن يعطيه .
( قال ) وليس له أن يضعه فيما ليس للميت فيه نظر كما ليس له [ ص: 102 ] لو وكله بشيء أن يفعل فيه ما ليس له فيه نظر ، ولا يكون له أن يحبسه عند نفسه ، ولا يودعه غيره ; لأنه لا أجر للميت في هذا ، وإنما الأجر للميت في أن يسلك في سبيل الخير التي يرجى أن تقربه إلى الله عز وجل ( قال الشافعي ) فأختار للموصى إليه أن يعطيه أهل الحاجة من قرابة الميت حتى يعطي كل رجل منهم دون غيرهم ، فإن إعطاءهموه أفضل من إعطاء غيرهم لما ينفردون به من صلة قرابتهم للميت ويشركون به أهل الحاجة في حاجاتهم .
( قال ) وقرابته ما وصفت من القرابة من قبل الأب والأم معا وليس الرضاع قرابة .
( قال ) وأحب له إن كان له رضعاء أن يعطيهم دون جيرانه ; لأن حرمة الرضاع تقابل حرمة النسب ثم أحب له أن يعطي جيرانه الأقرب منهم فالأقرب . وأقصى الجوار فيها أربعون دارا من كل ناحية ثم أحب له أن يعطيه أفقر من يجده وأشده تعففا واستتارا ، ولا يبقي منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار .
باب الوصية للرجل وقبوله ورده .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل المريض لرجل بوصية ما كانت ثم مات فللموصى له قبول الوصية وردها لا يجبر أن يملك شيئا لا يريد ملكه بوجه أبدا إلا بأن يرث شيئا فإنه إذا ورث لم يكن له دفع الميراث وذلك أن حكما من الله عز وجل أنه نقل ملك الموتى إلى ورثتهم من الأحياء فأما الوصية والهبة والصدقة وجميع وجوه الملك غير الميراث فالمملك لها بالخيار إن شاء قبلها ، وإن شاء ردها ، ولو أنا أجبرنا رجلا على قبول الوصية أجبرناه إن أوصى له بعبيد زمنى أن ينفق عليهم فأدخلنا الضرر عليه ، وهو لم يحبه ، ولم يدخله على نفسه .
( قال الشافعي ) ولا يكون قبول ، ولا رد في وصية حياة الموصي ، فلو قبل الموصى له قبل موت الموصي كان له الرد إذا مات ، ولو رد في حياة الموصي كان له أن يقبل إذا مات ويجبر الورثة على ذلك ; لأن تلك الوصية لم تجب إلا بعد موت الموصي . فأما في حياته فقبوله ورده وصمته سواء ; لأن ذلك فيما لم يملك .
( قال ) وهكذا لو أوصى له بأبيه وأمه وولده كانوا كسائر الوصية إن قبلهم بعد موت الموصي عتقوا ، وإن ردهم فهم مماليك تركهم الميت لا وصية فيهم فهم لورثته .
( قال الربيع ) فإن قبل بعضهم ورد بعضا كان ذلك له وعتق عليه من قبل ، وكان من لم يقبل مملوكا لورثة الميت ، ولو مات الموصي ثم مات الموصى له قبل أن يقبل ، أو يرد كان لورثته أن يقبلوا ، أو يردوا فمن قبل منهم فله نصيبه بميراثه مما قبل ومن رد كان ما رد لورثة الميت .
ولو أن رجلا تزوج جارية رجل فولدت له ثم أوصى له بها ومات فلم يعلم الموصى له بالوصية حتى ولدت له بعد موت سيدها أولادا كثيرا . فإن قبل الوصية فمن ولدت له بعد موت السيد له تملكهم بما ملك به أمهم ، وإذا ملك ولده عتقوا عليه ، ولم تكن أمهم أم ولد له حتى تلد بعد قبولها منه لستة أشهر فأكثر فتكون بذلك أم ولد وذلك أن الوطء الذي كان قبل القبول إنما كان وطء نكاح والوطء بعد القبول وطء ملك والنكاح منفسخ ، ولو مات قبل أن يرد أو يقبل قام ورثته مقامه ، فإن قبلوا الوصية فإنما ملكوا لأبيهم فأولاد أبيهم الذين ولدت بعد موت سيدها الموصي أحرار وأمهم مملوكة ، وإن ردوها كانوا مماليك كلهم وأكره لهم ردها ، وإذا قبل الموصى له الوصية بعد أن تجب له بموت الموصي ثم ردها فهي مال من مال الميت موروثة عنه كسائر ماله ، ولو أراد بعد ردها أخذها بأن يقول إنما أعطيتكم ما لم تقبضوا جاز أن يقولوا له لم تملكها بالوصية دون القبول . فلما كنت إذا قبلت ملكتها ، وإن لم تقبضها ; لأنها لا تشبه هبات الأحياء التي [ ص: 103 ] لا يتم ملكها إلا بقبض الموهوبة له لها جاز عليك ما تركت من ذلك كما جاز لك ما أعطيت بلا قبض في واحد منهما وجاز لهم أن يقولوا : ردكها إبطال لحقك فيما أوصى لك به الميت ورد إلى ملك الميت فيكون موروثا عنه .
( قال ) ولو قبلها ثم قال : قد تركتها لفلان من بين الورثة ، أو كان له على الميت دين فقال : فقد تركته لفلان من بين الورثة قيل : قولك تركته لفلان يحتمل معنيين أظهرهما تركته تشفيعا لفلان ، أو تقربا إلى فلان فإن كنت هذا أردت فهذا متروك للميت فهو بين ورثته كلهم وأهل وصاياه ودينه كما ترك ، وإن مت قبل أن تسأل فهو هكذا ; لأن هذا أظهر معانيه كما تقول عفوت عن ديني على فلان لفلان ووضعت عن فلان حقي لفلان أي بشفاعة فلان ، أو حفظ فلان أو التقرب إلى فلان ، وإن لم تمت فسألناك فقلت : تركت وصيتي أو تركت ديني لفلان وهبته لفلان من بين الورثة فذلك لفلان من بين الورثة ; لأنه وهب له شيئا يملكه ، وإذا أوصى رجل لرجلين بعبد أن غيره فقبل أحدهما ورد الآخر فللقابل نصف الوصية ونصف الوصية مردود في مال الميت ، ولو أوصى رجل لرجل بجارية فمات الموصي ، ولم يقبل الموصى له ، ولم يرد حتى وهب إنسان للجارية مائة دينار والجارية ثلث مال الميت ، ثم قبل الوصية فالجارية له لا يجوز فيما وهب لها ، وفي ولد ولدته بعد موت السيد وقبل قبول الوصية وردها إلا واحد من قولين أن يكون ما وهب للجارية ، أو ولدها ملكا للموصى له بها ; لأنها كانت خارجة من مال الميت إلى ماله إلا أن له إن شاء أن يردها .
ومن قال : هذا قال : هو وإن كان له ردها فإنما ردها إخراج لها من ماله كما له أن يخرج من ماله ما شاء ، فإذا كانت هي وملك ما وهب للأمة وولدها لمن يملكها فالموصى له بها المالك لها .
ومن قال : هذا قال فإن استهلك رجل من الورثة شيئا مما وهب لها ، أو ولدها فهو ضامن له للموصى له بها ، وكذلك إن جنى أجنبي على مالها أو نفسها ، أو ولدها فالموصى له بها إن قبل الوصية الخصم في ذلك ; لأنه له ، وإن مات الموصى له بها قبل القبول والرد فورثته يقومون مقامه في ذلك كله .
والقول الثاني أن ذلك كله لورثة الموصي ، وإن الموصى له إنما يملك إذا اختار قبول الوصية ، وهذا قول منكر لا نقول به ; لأن القبول إنما هو على شيء ملك متقدما ليس بملك حادث ، وقد قال : بعض الناس تكون له الجارية وثلث أولادها وثلث ما وهب لها ، وإن كانت الجارية لا تخرج من الثلث فولدت أولادا بعد موت الموصي ووهب لها مالا . لم يكن في كتاب الشافعي من هذه المسألة غير هذا . بقي في المسألة الجواب .
باب ما نسخ من الوصايا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال : الله تبارك وتعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعدما سمعه } الآية .
( قال الشافعي ) وكان فرضا في كتاب الله تعالى على من ترك خيرا والخير المال أن يوصي لوالديه وأقربيه ثم زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة واختلفوا في الأقربين غير الوارثين فأكثر من لقيت من أهل العلم ممن حفظت عنه قال الوصايا منسوخة ; لأنه إنما أمر بها إذا كانت إنما يورث بها فلما قسم الله - تعالى ذكره - المواريث كانت تطوعا .
( قال الشافعي ) وهذا إن شاء الله تعالى كله كما قالوا ، فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : له قال : الله تبارك وتعالى { ولأبويه لكل واحد منهما [ ص: 104 ] السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } أخبرنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا وصية لوارث } وما وصفت من أن الوصية للوارث منسوخة بآي المواريث وأن لا وصية لوارث مما لا أعرف فيه عن أحد ممن لقيت خلافا .
( قال الشافعي ) : وإذا كانت الوصايا لمن أمر الله تعالى ذكره بالوصية منسوخة بآي المواريث وكانت السنة تدل على أنها لا تجوز لوارث وتدل على أنها تجوز لغير قرابة دل ذلك على نسخ الوصايا للورثة وأشبه أن يدل على نسخ الوصايا لغيرهم .
( قال ) ودل على أن الوصايا للوالدين وغيرهما ممن يرث بكل حال إذا كان في معنى غير وارث فالوصية له جائزة ، ومن قبل أنها إنما بطلت وصيته إذا كان وارثا ، فإذا لم يكن وارثا فليس بمبطل للوصية ، وإذا كان الموصي يتناول من شاء بوصيته كان والده دون قرابته إذا كانوا غير ورثة في معنى من لا يرث ولهم حق القرابة وصلة الرحم .
فإن قال قائل : فأين الدلالة على أن الوصية لغير ذي الرحم جائزة ؟ قيل : له إن شاء الله تعالى حديث عمران بن حصين { أن رجلا أعتق مملوكين له ليس له مال فيهم فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة } ، والمعتق عربي ، وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه ، فلو لم تجز الوصية إلا لذي قرابة لم تجز للملوكين ، وقد أجازها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب الخلاف في الوصايا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة عن طاوس عن أبيه .
( قال الشافعي ) والحجة في ذلك ما وصفنا من الاستدلال بالسنة وقول الأكثر ممن لقينا فحفظنا عنه والله تعالى أعلم .
باب الوصية للزوجة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم } الآية . وكان فرض الزوجة أن يوصي لها الزوج بمتاع إلى الحول ، ولم أحفظ عن أحد خلافا أن المتاع النفقة والسكنى والكسوة إلى الحول وثبت لها السكنى فقال : { غير إخراج } ثم قال : { فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف } فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على الأزواج ; لأنهن تركن ما فرض لهن ودل الكتاب العزيز إذا كان السكنى لها فرضا فتركت حقها فيه ، ولم يجعل الله تعالى على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه . ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولا منسوخ بآية المواريث . قال الله عز وجل { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها ، أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها ، أو دين } .
( قال الشافعي ) : ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة وأقل من سنة . ثم احتمل سكناها إذ كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليه اسم المتاع أن يكون منسوخا في السنة وأقل منها كما كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل منها واحتمل أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي عدتها بأصل هذه الآية [ ص: 105 ] وأن تكون داخلة في جملة المعتدات ، فإن الله تبارك وتعالى يقول في المطلقات { لا تخرجوهن من بيوتهن ، ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } فلما فرض الله في المعتدة من الطلاق السكنى وكانت المعتدة من الوفاة في معناها احتملت أن يجعل لها السكنى ; لأنها في معنى المعتدات . فإن كان هذا هكذا فالسكنى لها في كتاب الله عز وجل منصوص ، أو في معنى من نص لها السكنى في فرض الكتاب ، وإن لم يكن هكذا فالفرض في السكنى لها في السنة ثم فما أحفظ عمن حفظت عنه من أهل العلم أن للمتوفى عنها السكنى ، ولا نفقة ، فإن قال : قائل فأين السنة في سكنى المتوفى عنها زوجها ؟ قيل : أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق عن كعب بن عجرة .
( قال الشافعي ) وما وصفت في متاع المتوفى عنها هو الأمر الذي تقوم به الحجة والله تعالى أعلم ، وقد قال : بعض أهل العلم بالقرآن إن آية المواريث للوالدين والأقربين ، وهذا ثابت للمرأة ، وإنما نزل فرض ميراث المرأة والزوج بعد ، وإن كان كما قال فقد أثبت لها الميراث كما أثبته لأهل الفرائض وليس في أن يكون ذلك بآخر ما أبطل حقها .
وقال : بعض أهل العلم إن عدتها في الوفاة كانت ثلاثة قروء كعدة الطلاق ثم نسخت بقول الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فإن كان هذا هكذا ، فقد بطلت عنها الأقراء وثبتت عليها العدة بأربعة أشهر وعشر منصوصة في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل : فأين هي في السنة ؟ قيل : أخبرنا . حديث المغيرة عن حميد بن نافع قال الله عز وجل في عدة الطلاق { واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فاحتملت الآية أن تكون في المطلقة لا تحيض خاصة ; لأنها سياقها واحتملت أن تكون في المطلقة كل معتدة مطلقة تحيض ومتوفى عنها ; لأنها جامعة ويحتمل أن يكون استئناف كلام على المعتدات . فإن قال : قائل فأي معانيها أولى بها ؟ قيل والله تعالى أعلم . فأنا الذي يشبه فإنها تكون في كل معتدة ومستبرأة . فإن قال : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : قال الشافعي لما كانت العدة استبراء وتعبدا وكان وضع الحمل براءة من عدة الوفاة هادما للأربعة الأشهر والعشر كان هكذا في جميع العدد والاستبراء . والله أعلم مع أن المعقول أن وضع الحمل غاية براءة الرحم حتى لا يكون في النفس منه شيء ، فقد يكون في النفس شيء في جميع العدد والاستبراء ، وإن كان ذلك براءة في الظاهر ، والله سبحانه وتعالى الموفق .
باب استحداث الوصايا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى في غير آية في قسم الميراث { من بعد وصية توصون بها أو دين } و { من بعد وصية يوصين بها أو دين } .
( قال الشافعي ) فنقل الله تبارك وتعالى ملك من مات من الأحياء إلى من بقي من ورثة الميت فجعلهم يقومون مقامه فيما ملكهم من ملكه وقال الله عز وجل { من بعد وصية توصون بها ، أو دين } قال : فكان ظاهر الآية المعقول فيها { من بعد وصية توصون بها ، أو دين } إن كان عليهم دين .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول ، ولا أعلم من أهل العلم فيه مخالفا ، وقد تحتمل الآية معنى غير هذا أظهر منه وأولى بأن العامة لا تختلف فيه فيما علمت وإجماعهم لا يكون عن جهالة بحكم الله إن شاء الله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (159)
صــــــــــ 106 الى صـــــــــــ112
( قال الشافعي ) وفي قول الله عز وجل { من بعد وصية توصون بها أو دين } معان سأذكرها إن شاء الله تعالى فلما لم يكن بين أهل العلم خلاف علمته في أن ذا الدين أحق بمال الرجل في حياته منه حتى يستوفي دينه وكان أهل الميراث إنما يملكون عن الميت ما كان الميت أملك به كان بينا [ ص: 106 ] والله أعلم - في حكم الله عز وجل ثم ما لم أعلم أهل العلم فاختلفوا فيه أن الدين مبدأ على الوصايا والميراث فكان حكم الدين كما وصفت منفردا مقدما ، وفي قول الله عز وجل " أو دين " ثم إجماع المسلمين أن لا وصية ولا ميراث إلا بعد الدين دليل على أن كل دين في صحة كان أو في مرض بإقرار ، أو بينة ، أو أي وجه ما كان سواء ; لأن الله عز وجل لم يخص دينا دون دين .
( قال الشافعي ) وقد روي في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية } وأخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس أنه قيل : له كيف تأمرنا بالعمرة قبل الحج والله تعالى يقول { وأتموا الحج والعمرة لله ؟ } فقال : كيف تقرءون الدين قبل الوصية ، أو الوصية قبل الدين ؟ فقالوا الوصية قبل الدين قال : فبأيهما تبدءون ؟ قالوا بالدين قال : فهو ذاك .
( قال الشافعي ) يعني أن التقديم جائز ، وإذا قضي الدين كان للميت أن يوصي بثلث ماله فإن فعل كان للورثة الثلثان ، وإن لم يوص ، أو أوصى بأقل من ثلث ماله كان ذلك مالا من مال تركه قال : فكان للورثة ما فضل عن الوصية من المال إن أوصى .
( قال الشافعي ) ولما جعل الله عز ذكره للورثة الفضل عن الوصايا والدين فكان الدين كما وصفت وكانت الوصايا محتملة أن تكون مبدأة على الورثة ، ويحتمل أن تكون كما وصفت لك من الفضل عن الوصية وأن يكون للوصية غاية ينتهي بها إليها كالميراث بكل وارث غاية كانت الوصايا مما أحكم الله عز وجل فرضه بكتابه وبين كيف فرضه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك عن ابن شهاب .
( قال الشافعي ) فكان غاية منتهى الوصايا التي لو جاوزها الموصي كان للورثة رد ما جاوز ثلث مال الموصي قال : وحديث عمران بن حصين يدل على أن من جاوز الثلث من الموصين ردت وصيته إلى الثلث ويدل على أن الوصايا تجوز لغير قرابة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رد عتق المملوكين إلى الثلث دل على أنه حكم به حكم الوصايا والمعتق عربي ، وإنما كانت العرب تملك من لا قرابة بينها وبينه والله تعالى أعلم .
باب الوصية بالثلث وأقل من الثلث وترك الوصية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى الرجل فواسع له أن يبلغ الثلث وقال : في { قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد الثلث والثلث كثير ، أو كبير ، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } .
( قال الشافعي ) غيا كما قال : من بعده في الوصايا وذلك بين في كلامه ; لأنه إنما قصد قصد اختيار أن يترك الموصي ورثته أغنياء ، فإذا تركهم أغنياء اخترت له أن يستوعب الثلث ، وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث وأن يوصي بالشيء حتى يكون يأخذ بالحظ من الوصية ، ولا وقت في ذلك إلا ما وقع عليه اسم الوصية لمن لم يدع كثير مال ومن ترك أقل مما يغني ورثته وأكثر من التافه زاد شيئا في وصيته ، ولا أحب بلوغ الثلث إلا لمن ترك ورثته أغنياء .
( قال الشافعي ) في قول النبي صلى الله عليه وسلم { الثلث والثلث كثير ، أو كبير } يحتمل الثلث غير قليل ، وهو أولى معانيه ; لأنه لو كرهه لسعد لقال له : غض منه ، وقد كان يحتمل أن له بلوغه ويجب له الغض منه وقل كلام إلا ، وهو محتمل وأولى معاني الكلام به ما دل عليه الخبر والدلالة ما وصفت من أنه لو كرهه لسعد أمره أن يغض منه قيل : للشافعي فهل اختلف الناس في هذا ؟ قال : لم أعلمهم اختلفوا في أن جائزا لكل موص أن يستكمل [ ص: 107 ] الثلث قل ما ترك ، أو كثر وليس بجائز له أن يجاوزه فقيل للشافعي وهل اختلفوا في اختيار النقص عن الثلث أو بلوغه ؟ قال : نعم ، وفيما وصفت لك من الدلالة عن رسول صلى الله عليه وسلم ما أغنى عما سواه . فقلت : فاذكر اختلافهم . فقال : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر
باب عطايا المريض أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى لما أعتق الرجل ستة مملوكين له لا مال له غيرهم في مرضه ، ثم مات فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة دل ذلك على أن كل ما أتلف المرء من ماله في مرضه بلا عوض يأخذه مما يتعوض الناس ملكا في الدنيا فمات من مرضه ذلك فحكمه حكم الوصية ، ولما كان إنما يحكم بأنه كالوصية بعد الموت فما أتلف المرء من ماله في مرضه ذلك فحكمه حكم الوصايا فإن صح تم عليه ما يتم به عطية الصحيح ، وإن مات من مرضه ذلك كان حكمه حكم وصيته ومتى حدثت له صحة بعد ما أتلف منه ، ثم عاوده مرض فمات تمت عطيته إذا كانت الصحة بعد العطية فحكم العطية حكم عطية الصحيح .
( قال الشافعي ) وجماع ذلك ما وصفت من أن يخرج من ملكه شيئا بلا عوض يأخذه الناس من أموالهم في الدنيا فالهبات كلها والصدقات والعتاق ومعاني هذه كلها هكذا فما كان من هبة ، أو صدقة ، أو ما في معناها لغير وارث ، ثم مات فهي من الثلث فإن كان معها وصايا فهي مبدأة عليها ; لأنها عطية بتات قد ملكت عليه ملكا يتم بصحته من جميع ماله ويتم بموته من ثلثه إن حمله والوصايا مخالفة لهذا .
الوصايا لم تملك عليه وله الرجوع فيها ، ولا تملك إلا بموته وبعد انتقال الملك إلى غيره ( قال الشافعي ) وما كان من عطية بتات في مرضه لم يأخذ بها عوضا أعطاه إياها ، وهو يوم أعطاه ممن يرثه لو مات أولا يرثه فهي موقوفة ، فإذا مات فإن كان المعطى وارثا له حين مات أبطلت العطية ; لأني إذا جعلتها من الثلث لم أجعل لوارث في الثلث شيئا من جهة الوصية ، وإن كان المعطى حين مات المعطي غير وارث أجزتها له ; لأنها وصية لغير وارث
( قال الشافعي ) وما كان من عطايا المريض على عوض أخذه مما يأخذ الناس من الأموال في الدنيا فأخذ به عوضا يتغابن الناس بمثله ، ثم مات فهو جائز من رأس المال ، وإن أخذ به عوضا لا يتغابن الناس بمثله فالزيادة عطية بلا عوض فهي من الثلث فمن جازت له وصية جازت له ومن لم تجز له وصية لم تجز له الزيادة وذلك ، الرجل يشتري العبد ، أو يبيعه ، أو الأمة ، أو الدار ، أو غير ذلك مما يملك الآدميون ، فإذا باع المريض ودفع إليه ثمنه ، أو لم يدفع حتى مات فقال ورثته حاباك فيه ، أو غبنته فيه نظر إلى قيمة المشترى يوم وقع البيع والثمن الذي اشتراه به فإن كان اشتراه بما يتغابن أهل المصر بمثله كان الشراء جائزا من رأس المال ، وإن كان اشتراه بما لا يتغابن الناس بمثله كان ما يتغابن أهل المصر بمثله جائزا من رأس المال وما جاوزه جائزا من الثلث فإن حمله الثلث جاز له البيع ، وإن لم يحمله الثلث قيل للمشتري لك الخيار في رد البيع إن كان قائما وتأخذ ثمنه الذي أخذ منك ، أو تعطي الورثة الفضل عما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث فإن كان البيع فائتا رد ما بين قيمة ما لا يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث ، وكذلك إن كان البيع قائما قد دخله عيب رد قيمته .
( قال الشافعي ) فإن كان المريض المشتري فهو في هذا المعنى ويقال للبائع البيع جائز فيما يتغابن الناس بمثله من رأس المال وبما جاوز ما يتغابن الناس بمثله من الثلث فإن لم يكن له ثلث ، أو كان [ ص: 108 ] فلم يحمله الثلث قيل له إن شئت سلمته بما سلم لك من رأس المال والثلث وتركت الفضل والبيع جائز ، وإن شئت رددت ما أخذت ونقضت البيع إن كان البيع قائما بعينه .
( قال الشافعي ) : وإن كان مستهلكا ، ولم تطب نفس البائع عن الفضل فللبائع من مال الميت ما يتغابن الناس بمثله في سلعته وما حمل الثلث مما لا يتغابن الناس بمثله ويرد الفضل عن ذلك على الورثة ، وإن كان السلعة قائمة قد دخلها عيب
( قال الشافعي ) : وإن كان المبيع عبدا ، أو غيره فاشتراه المريض فظهر منه على عيب فأبرأ البائع من العيب فكان في ذلك غبن كان القول فيه كالقول فيما انعقد عليه البيع ، وفيه غبن ، وكذلك لو اشتراه صحيحا ، ثم ظهر منه على عيب ، وهو مريض فأبرأه منه أو اشتراه وله فيه خيار رؤية أو خيار شرط ، أو خيار صفقة فلم يسقط خيار الصفقة بالتفرق ، ولا خيار الرؤية بالرؤية ، ولا خيار الشرط بانقضاء الشرط حتى مرض ففارق البائع ، أو رأى السلعة فلم يردها ، أو مضت أيام الخيار ، وهو مريض فلم يرده ; لأن البيع تم في هذا كله ، وهو مريض .
( قال الشافعي ) وسواء في هذا كله كان البائع الصحيح والمشتري المريض ، أو المشتري الصحيح والبائع المريض على أصل ما ذهبنا إليه من أن الغبن يكون في الثلث وهكذا لو باع مريض من مريض ، أو صحيح من صحيح ، ولو اختلف ورثة المريض البائع والمشتري الصحيح في قيمة ما باع المريض فقال المشتري اشتريتها منه وقيمتها مائة وقال الورثة بل باعكها وقيمتها مائتان ، ولو كان المشتري في هذا كله وارثا ، أو غير وارث فلم يمت الميت حتى صار وارثا كان بمنزلة من لم يزل وارثا له إذا مات الميت ، فإذا باعه الميت وقبض الثمن منه ، ثم مات فهو مثل الأجنبي في جميع حاله إلا فيما زاد على ما يتغابن الناس به فإن باعه بما يتغابن الناس بمثله جاز ، وإن باعه بما لا يتغابن الناس بمثله قيل : للوارث حكم الزيادة على ما يتغابن الناس بمثله حكم الوصية وأنت فلا وصية لك فإن شئت فاردد البيع إذا لم يسلم لك ما باعك ، وإن شئت فأعط الورثة من ثمن السلعة ما زاد على ما يتغابن الناس بمثله ، ثم هو في فوت السلعة وغبنها مثل الأجنبي ، وكذلك إن باع مريض وارث من مريض وارث .
باب نكاح المريض
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى أربعا وما دونهن كما يجوز له أن يشتري ، فإذا أصدق كل واحدة منهن صداق مثلها جاز لها من جميع المال وأيتهن زاد على صداق مثلها فالزيادة محاباة فإن صح قبل أن يموت جاز لها من جميع المال ، وإن مات قبل أن يصح بطلت عنها الزيادة على صداق مثلها وثبت النكاح وكان لها الميراث .
( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر أنه قال : كانت ابنة حفص بن المغيرة عند عبد الله بن أبي ربيعة فطلقها تطليقة ، ثم إن عمر بن الخطاب تزوجها بعده فحدث أنها عاقر لا تلد فطلقها قبل أن يجامعها فمكثت حياة عمر وبعض خلافة عثمان بن عفان ثم تزوجها عبد الله بن أبي ربيعة ، وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث وكان بينها وبينه قرابة .
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج [ ص: 109 ] عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة بن خالد يقول أراد عبد الرحمن بن أم الحكم في شكواه أن يخرج امرأته من ميراثها منه فأبت فنكح عليها ثلاث نسوة وأصدقهن ألف دينار كل امرأة منهن فأجاز ذلك عبد الملك بن مروان وشرك بينهن في الثمن .
( قال الشافعي ) أرى ذلك صداق مثلهن ، ولو كان أكثر من صداق مثلهن لجاز النكاح وبطل ما زادهن على صداق مثلهن إذا مات من مرضه ذلك ; لأنه في حكم الوصية والوصية لا تجوز لوارث .
( قال الشافعي ) وبلغنا أن معاذ بن جبل قال في مرضه الذي مات فيه زوجوني لا ألقى الله تبارك وتعالى وأنا عزب .
( قال ) وأخبرني سعيد بن سالم أن شريحا قضى في نكاح رجل نكح عند موته فجعل الوارث والصداق في ماله .
( قال الشافعي ) ولو نكح المريض فزاد المنكوحة على صداق مثلها ، ثم صح ، ثم مات جازت لها الزيادة ; لأنه قد صح قبل أن يموت ، فكان كمن ابتدأ نكاحا ، وهو صحيح ، ولو كانت المسألة بحالها ، ثم لم يصح حتى ماتت المنكوحة فصارت غير وارث كان لها جميع ما أصدقها صداق مثلها من رأس المال والزياد من الثلث كما يكون ما وهب لأجنبية فقبضته من الثلث فما زاد من صداق المرأة على الثلث إذا ماتت مثل الموهوب المقبوض .
( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها والمتزوجة ممن لا ترث بأن تكون ذمية ، ثم مات وهي عنده جاز لها جميع الصداق صداق مثلها من جميع المال والزيادة على صداق مثلها من الثلث ; لأنها غير وارث ، ولو أسلمت فصارت وارثا بطل عنها ما زاد على صداق مثلها
( قال الشافعي ) ولو نكح المريض امرأة نكاحا فاسدا ثم مات لم ترثه ، ولم يكن لها مهر إن لم يكن أصابها فإن كان أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمي لها ، أو أكثر .
( قال الشافعي ) ولو كانت لرجل أمة فأعتقها في مرضه ، ثم نكحها وأصدقها صداقا وأصابها - بقي الجواب قال الربيع أنا أجيب فيها وأقول ينظر فإن خرجت من الثلث كان العتق جائزا وكان النكاح جائزا بصداق مثلها إلا أن يكون الذي سمي لها من الصداق أقل من صداق مثلها فليس لها إلا ما سماه لها فإن كان أكثر من صداق مثلها ردت إلى صداق مثلها وكانت وارثة ، وإن لم تخرج من الثلث عتق منها ما احتمل الثلث وكان لها صداق مثلها بحساب ما عتق منها ، ولم تكن وارثة ; لأن بعضها رقيق .
هبات المريض
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما ابتدأ المريض هبة في مرضه لوارث ، أو غير وارث فدفع إليه ما وهب له فإن كان وارثا ، ولم يصح المريض حتى مات من مرضه الذي وهب فيه فالهبة مردودة كلها ، وكذلك إن وهبه له ، وهو غير وارث ، ثم صار وارثا فإن استغل ما وهب له ، ثم مات الواهب قبل أن يصح رد الغلة ; لأنه إذا مات استدللنا على أن ملك ما وهب له كان في ملك الواهب ، ولو وهب لوارث ، وهو مريض ، ثم صح ، ثم مرض فدفع إليه الهبة في مرضه الذي مات فيه كانت الهبة مردودة ; لأن الهبة إنما تتم بالقبض وقبضه إياها كان ، وهو مريض ، ولو كانت الهبة ، وهو مريض ، ثم كان الدفع ، وهو صحيح ، ثم مرض فمات كانت الهبة تامة من قبل أنها تمت بالقبض ، وقد كان للواهب حبسها وكان دفعه إياها كهبته إياها ودفعه ، وهو صحيح .
( قال الشافعي ) ولو كانت الهبة لمن يراه يرثه فحدث دونه وارث فحجبه فمات ، وهو غير وارث أو لأجنبي كانت سواء ; لأن كليهما غير وارث ، فإذا كانت هبته لهما صحيحا ، أو مريضا وقبضهما الهبة ، وهو صحيح فالهبة لهما جائزة من رأس ماله خارجة من ملكه ، وكذلك لو كانت هبته ، وهو مريض ، ثم صح ، ثم مات كان ذلك كقبضهما ، وهو صحيح ، ولو كان قبضهما الهبة ، وهو مريض فلم يصح كانت الهبة [ ص: 110 ] وهو صحيح ، أو مريض فذلك سواء والهبة من الثلث مبدأة على الوصايا ; لأنها عطية بتات وما حمل الثلث منها جاز وما لم يحمل رد وكان الموهوب له شريكا للورثة بما حمل الثلث مما وهب له
( قال الشافعي ) وما نحل ، أو ما تصدق به على رجل بعينه فهو مثل الهبات لا يختلف ; لأنه لا يملك من هذا شيء إلا بالقبض وكل ما لا يملك إلا بالقبض فحكمه حكم واحد لا يختلف ، ألا ترى أن الواهب والناحل والمتصدق لو مات قبل أن يقبض الموهوب له والمنحول والمتصدق عليه ما صير لكل واحد منهم بطل ما صنع وكان مالا من مال الواهب الناحل المتصدق لورثته ؟ أولا ترى أن جائزا لمن أعطى هذا أن يرده على معطيه فيحل لمعطيه ملكه ويحل لمعطيه شراؤه منه وارتهانه منه ويرثه إياه فيملكه كما كان يملكه قبل خروجه من يده ؟
( قال الشافعي ) ولو كانت دار رجل أو عبده في يدي رجل بسكنى أو إجارة ، أو عارية فقال : قد وهبت لك الدار التي في يديك وكنت قد أذنت لك في قبضه لنفسك كانت هذه هبة مقبوضة للدار والعبد الذي في يديه ، ثم لم يحدث له منعا لما وهب له حتى مات علم أنه لها قابض
( قال الشافعي ) وما كان يجوز بالكلام دون القبض مخالف لهذا وذلك الصدقات المحرمات ، فإذا تكلم بها المتصدق وشهد بها عليه فهي خارجة من ملكه تامة لمن تصدق بها عليه لا يزيدها القبض تماما ، ولا ينقص منها ترك ذلك وذلك أن المخرج لها من ملكه أخرجها بأمر منعها به أن يكون ملكه منها متصرفا فيما يصرف فيه المال من بيع وميراث وهبة ورهن وأخرجها من ملكه خروجا لا يحل له أن يعود إليه بحال فأشبهت العتق في كثير من أحكامها ، ولم تخالفه إلا في المعتق يملك منفعة نفسه وكسبها وأن منفعة هذه مملوكة لمن جعلت له وذلك أنها لا تكون مالكة ، وإنما منعنا من كتاب الآثار في هذا أنه موضوع في غيره ، فإذا تكلم بالصدقة المحرمة صحيحا ، ثم مرض ، أو مريضا ، ثم صح فهي جائزة خارجة من ماله ، وإذا كان تكلم بها مريضا فلم يصح فهي من ثلثه جائزة بما تصدق به لمن جازت له الوصية بالثلث ومردودة عمن ترد عنه الوصية بالثلث .
" باب الوصية بالثلث " وفيه الوصية بالزائد على الثلث وشيء يتعلق بالإجارة ، ولم يذكر الربيع ترجمة تدل على الزائد على الثلث " .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن لا يجوز لأحد وصية إذا جاوز الثلث مما ترك فمن أوصى فجاوز الثلث ردت وصاياه كلها إلى الثلث إلا أن يتطوع الورثة فيجيزون له ذلك فيجوز بإعطائهم ، وإذا تطوع له الورثة فأجازوا ذلك له فإنما أعطوه من أموالهم فلا يجوز في القياس إلا أن يكون يتم للمعطى بما يتم به له ما ابتدءوا به عطيته من أموالهم من قبضة ذلك ويرد بما رد به ما ابتدءوا من أموالهم إن مات الورثة قبل أن يقبضه الموصى له ( قال الشافعي ) فلو أوصى [ ص: 111 ] لرجل بثلث ماله ولآخر بنصفه ولآخر بربعه ، ولم تجز ذلك الورثة اقتسم أهل الوصايا الثلث على قدر ما أوصي لهم به يجزأ الثلث ثلاثة عشر جزءا فيأخذ منه صاحب النصف ستة وصاحب الثلث أربعة وصاحب الربع ثلاثة ، ولو أجاز الورثة اقتسموا جميع المال على أنه دخل عليهم عول نصف السدس فأصاب كل واحد منهم من العول نصف سدس وصيته واقتسموا المال كله كما اقتسموا الثلث حتى يكونوا سواء في العول .
( قال الشافعي ) ولو قال لفلان غلامي فلان ولفلان داري ووصفها ولفلان خمسمائة دينار فلم يبلغ هذا الثلث ، ولم تجزه لهم الورثة وكان الثلث ألفا والوصية ألفين وكانت قيمة الغلام خمسمائة وقيمة داره ألفا والوصية خمسمائة دخل على كل واحد منهم في وصيته عول النصف وأخذ نصف وصيته فكان للموصى له بالغلام نصف الغلام وللموصى له بالدار نصف الدار وللموصى له بالخمسمائة مائتان وخمسون دينارا لا تجعل وصية أحد منهم أوصي له في شيء بعينه إلا فيما أوصي له به ، ولا يخرج إلى غيره إلا ما سلمها الورثة فإن قال الورثة : لا نسلم له من الدار إلا ما لزمنا قيل له ثلث الدار شريك لكم بها إن شاء وشئتم اقتسمتم ويضرب بقيمة سدس الدار الذي جاز له من وصيته في مال الميت يكون شريكا لكم به وهكذا العبد وكل ما أوصي له به بعينه فلم تسلمه له الورثة والله تعالى الموفق .
باب الوصية في الدار والشيء بعينه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل لرجل بدار فقال داري التي كذا - ووصفها وصية - لفلان فالدار له بجميع بنائها وما ثبت فيها من باب وخشب وليس له متاع فيها ، ولا خشب ، ولا أبواب ليست بثابتة في البناء ، ولا لبن ، ولا حجارة ، ولا آجر لم يبن به ; لأن هذا لا يكون من الدار حتى يبنى به فيكون عمارة للدار ثابتة فيها ، ولو أوصى له بالدار فانهدمت في حياة الموصي لم يكن له ما انهدم من الدار وكان له ما بقي لم ينهدم من الدار وما ثبت فيها لم ينهدم منها من خشب وأبواب وغيره ، ولو جاء عليها سيل فذهب بها أو ببعضها بطلت وصيته ، أو بطل منها ما ذهب من الدار وهكذا لو أوصى له بعبد فمات ، أو اعور ، أو نقص منه شيء بعينه فذهب لم يكن له فيما بقي من الثلث سوى ما أوصى له به شيء ; لأن ما أوصى له به قد ذهب وهكذا كل ما أوصى له به بعينه فهلك ، أو نقص وهكذا لو أوصى له بشيء فاستحق على الموصي بشيء بشراء ، أو هبة ، أو غصب بطلت الوصية ; لأنه أوصى له بما لا يملك
[ ص: 112 ] باب الوصية بشيء بصفته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أوصى رجل لرجل بعبد فقال له غلامي البربري ، أو غلامي الحبشي أو نسبه إلى جنس من الأجناس وسماه باسمه ، ولم يكن له عبد من ذلك الجنس يسمى بذلك الاسم كان غير جائز ، ولو زاد فوصفه وكان له عبد من ذلك الجنس يسمى باسمه وتخالف صفته صفته كان جائزا له .
( قال الربيع ) أخاف أن يكون هذا غلطا من الكاتب ; لأنه لم يقرأ على الشافعي ، ولم يسمع منه والجواب فيها عندي أنه إن وافق اسمه أنه إن أوصى له بغلام وسماه باسمه وجنسه ووصفه فوجدنا له غلاما بذلك الاسم والجنس غير أنه مخالف لصفته كأنه قال في صفته : أبيض طوال حسن الوجه فأصبنا ذلك الاسم والجنس أسود قصيرا أسمج الوجه لم نجعله له .
( قال الشافعي ) ولو كان سماه باسمه ونسبه إلى جنسه فكان له عبدان أو أكثر من ذلك الجنس فاتفق اسماهما وأجناسهما لا تفرق بينهما صفة ، ولم تثبت الشهود أيهما أراد .
( قال الربيع ) ففيها قولان أحدهما أن الشهادة باطلة إذا لم يثبتوا العبد بعينه كما لو شهدوا لرجل على رجل أن له هذا العبد ، أو هذه الجارية أن الشهادة باطلة ; لأنهم لم يثبتوا العبد بعينه .
والقول الثاني أن الوصية جائزة في أحد العبدين وهما موقوفان بين الورثة والموصى له حتى يصطلحوا ; لأنا قد عرفنا أن له أحدهما ، وإن كان بغير عينه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (160)
صــــــــــ 113 الى صـــــــــــ119
باب المرض الذي تكون عطية المريض فيه جائزة ، أو غير جائزة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى المرض مرضان فكل مرض كان الأغلب منه أن الموت مخوف منه فعطية المريض فيه إن مات في حكم الوصايا وكل مرض كان الأغلب منه أنه غير مخوف فعطية المريض فيه كعطية الصحيح ، وإن مات منه ، فأما المرض الذي الأغلب منه أن الموت مخوف منه فكل حمى بدأت بصاحبها حتى جهدته أي حمى كانت ، ثم إذا تطاولت فكلها مخوف إلا الربع فإنها إذا استمرت بصاحبها ربعا كان الأغلب فيها أنها غير مخوفة فما أعطى الذي استمرت به حمى الربع ، وهو في حماه فهو كعطية الصحيح وما أعطى من به حمى غير ربع فعطية مريض ، فإن كان مع الربع غيرها من الأوجاع وكان ذلك الوجع مخوفا فعطيته كعطية المريض ما لم يبرأ من ذلك الوجع وذلك مثل البرسام والرعاف الدائم وذات الجنب والخاصرة والقولنج وما أشبه هذا وكل واحد من هذا انفرد فهو مرض مخوف ، وإذا ابتدأ البطن بالرجل فأصابه يوما أو يومين لا يأتي فيه دم ، ولا شيء غير ما يخرج من الخلاء لم يكن مخوفا ، فإن استمر به بعد يومين حتى يعجله ، أو يمنعه نوما ، أو يكون منخرقا فهو مخوف [ ص: 113 ] وإن لم يكن البطن منخرقا وكان معه زحير ، أو تقطيع فهو مخوف ( قال ) وما أشكل من هذا أن يخلص بين مخوفه وغير مخوفه سئل عنه أهل العلم به ، فإن قالوا : هو مخوف لم تجز عطيته إذا مات إلا من ثلثه ، وإن قالوا : لا يكون مخوفا جازت عطيته جواز عطية الصحيح ، ومن ساوره الدم حتى تغير عقله أو تغلبه ، وإن لم يتغير عقله ، أو المزار فهو في حاله تلك مخوف عليه ، وإن تطاول به كان كذلك ، ومن ساوره البلغم كان مخوفا عليه في حال مساورته ، فإن استمر به فالج فالأغلب أن الفالج يتطاول به وأنه غير مخوف المعاجلة ، وكذلك إن أصابه سل فالأغلب أن السل يتطاول ، وهو غير مخوف المعاجلة ، ولو أصابه طاعون فهذا مخوف عليه حتى يذهب عنه الطاعون ، ومن أنفذته الجراح حتى تصل منه إلى جوف فهو مخوف عليه ومن أصابه من الجراح ما لا يصل منه إلى مقتل فإن كان لا يحم عليها ، ولا يجلس لها ، ولا يغلبه لها وجع ، ولا يصيبه فيها ضربان ولا أذى ، ولم يأكل ويرم فهذا غير مخوف ، وإن أصابه بعض هذا فهو مخوف .
( قال الشافعي ) : ثم جميع الأوجاع التي لم تسم على ما وصفت يسأل عنها أهل العلم بها فإن قالوا مخوفة فعطية المعطي عطية مريض ، وإن قالوا : غير مخوفة فعطيته عطية صحيح ، وأقل ما يكون في المسألة عن ذلك والشهادة به شاهدان ذوا عدل .
باب عطية الحامل وغيرها ممن يخاف
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز عطية الحامل حتى يضربها الطلق لولاد ، أو إسقاط فتكون تلك حال خوف عليها إلا أن يكون بها مرض غير الحمل مما لو أصاب غير الحامل كانت عطيتها عطية مريض ، وإذا ولدت الحامل فإن كان بها وجع من جرح ، أو ورم ، أو بقية طلق ، أو أمر مخوف فعطيتها عطية مريض ، وإن لم يكن بها من ذلك شيء فعطيتها عطية صحيح .
( قال الشافعي ) فإن ضربت المرأة ، أو الرجل بسياط ، أو خشب ، أو حجارة فثقب الضرب جوفا أو ورم بدنا ، أو حمل قيحا فهذا كله مخوف ، وهو قبل أن يبلغ هذا في أول ما يكون الضرب إن كان مما يصنع مثله مثل هذا مخوف ، فإن أتت عليه أيام يؤمن فيها أن يبقى بعدها وكان مقتلا فليس بمخوف .
باب عطية الرجل في الحرب والبحر
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز عطية الرجل في الحرب حتى يلتحم فيها ، فإذا التحم كانت عطيته كعطية المريض كان محاربا مسلمين ، أو عدوا .
( قال الربيع ) وله فيما أعلم قول آخر : أن عطيته عطية الصحيح حتى يجرح .
( قال ) وقد قال : لو قدم في قصاص ; لضرب عنقه إن عطيته عطية الصحيح ; لأنه قد يعفى عنه ، فإذا أسر فإن كان في أيدي المسلمين جازت عطيته في ماله ، وإن كان في أيدي مشركين لا يقتلون أسيرا فكذلك ، وإن كان في أيدي مشركين يقتلون الأسرى ويدعونهم فعطيته عطية المريض ; لأن الأغلب منهم أن يقتلوا وليس يخلو المرء في حال أبدا من رجاء الحياة وخوف الموت لكن إذا كان الأغلب عنده ، وعند غيره الخوف عليه فعطيته عطية مريض ، وإذا كان الأغلب عنده ، وعند غيره الأمان عليه مما نزل به من وجع أو إسار ، أو حال كانت عطيته عطية الصحيح ( قال الشافعي ) وإن [ ص: 114 ] كان في مشركين يفون بالعهد فأعطوه أمانا على شيء يعطيهموه ، أو على غير شيء فعطيته عطية الصحيح .
باب الوصية للوارث
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد يعني في حديث { لا وصية لوارث } .
( قال الشافعي ) ورأيت متظاهرا عند عامة من لقيت من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عام الفتح { لا وصية لوارث } ، ولم أر بين الناس في ذلك اختلافا ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا وصية لوارث } فحكم الوصية لوارث حكم ما لم يكن فمتى أوصى رجل لوارث وقفنا الوصية فإن مات الموصي والموصى له وارث فلا وصية له ، وإن حدث للموصي وارث يحجبه ، أو خرج الموصى له من أن يكون يوم يموت وارثا له ، بأن يكون أوصى صحيحا لامرأته ، ثم طلقها ثلاثا ، ثم مات مكانه فلم ترثه فالوصية لها جائزة لأنها غير وارثة ، وإنما ترد الوصية وتجوز إذا كان لها حكم ، ولا يكون لها حكم إلا بعد موت الموصي حتى تجب ، أو تبطل .
ولو أوصى لرجل وله دونه وارث يحجبه فمات الوارث قبل الموصي فصار الموصى له وارثا أو لامرأة ، ثم نكحها ومات وهي زوجته بطلت الوصية لهما معا ; لأنها صارت وصية لوارث ، ولو أوصى لوارث وأجنبي بعبد ، أو أعبد ، أو دار ، أو ثوب ، أو مال مسمى ما كان بطل نصيب الوارث وجاز للأجنبي ما يصيبه ، وهو النصف من جميع ما أوصى به للوارث والأجنبي ، ولكن لو قال أوصيت بكذا لفلان وفلان فإن كان سمى للوارث ثلثا وللأجنبي ثلثي ما أوصى به جاز للأجنبي ما سمي له ورد عن الوارث ما سمي له ، ولو كان له ابن يرثه ولابنه أم ولدته أو حضنته ، أو أرضعته ، أو أب أرضعه ، أو زوجة ، أو ولد لا يرثه أو خادم ، أو غيره فأوصى لهؤلاء كلهم ، أو لبعضهم جازت لهم الوصية ; لأن كل هؤلاء غير وارث ، وكل هؤلاء مالك لما أوصى له به ; لملكه ماله إن شاء منعه ابنه ، وإن شاء أعطاه إياه ، وما أحد أولى بوصيته من ذوي قرابته ومن عطف على ولده ولقد ذكر الله تبارك وتعالى الوصية فقال { إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } وأن الأغلب من الأقربين ; لأنهم يبتلون أولاد الموصي بالقرابة ، ثم الأغلب أن يزيدوا وأن يبتلوهم بصلة أبيهم لهم بالوصية وينبغي لمن منع أحدا مخافة أن يرد على وارث أو ينفعه أن يمنع ذوي القرابة وأن لا يعتق العبيد الذين قد عرفوا بالعطف على الورثة ، ولكن لا يمنع أحد وصية غير الوارث بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا يختلف فيه من أحفظ عنه ممن لقيت .
باب ما يجوز من إجازة الوصية للوارث وغيره وما لا يجوز
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أراد الرجل أن يوصي لوارث فقال للورثة إني أريد أن أوصي بثلثي لفلان وارثي فإن أجزتم ذلك فعلت ، وإن لم تجيزوا أوصيت بثلثي لمن تجوز الوصية له فأشهدوا له على أنفسهم بأن قد أجازوا له جميع ما أوصى له وعلموه ، ثم مات فخير لهم فيما بينهم وبين الله عز وجل أن يجيزوه ; لأن في ذلك صدقا ووفاء بوعد وبعدا من غدر وطاعة للميت وبرا للحي فإن لم يفعلوا لم يجبرهم الحاكم على إجازته ، ولم يخرج ثلث مال الميت في شيء إذا لم يخرجه هو فيه ، وذلك أن [ ص: 115 ] إجازتهموه قبل أن يموت الميت لا يلزمهم بها حكم من قبل أنهم أجازوا ما ليس لهم ، ألا ترى أنهم قد يكونون ثلاثة واثنين وواحدا فتحدث له أولاد أكثر منهم فيكونون أجازوا كل الثلث إنما لهم بعضه ويحدث له وارث غيرهم يحجبهم ويموتون قبله فلا يكونون أجازوا في واحدة من الحالين في شيء يملكونه بحال ، وإن أكثر أحوالهم فيه أنهم لا يملكونه أبدا إلا بعدما يموت أولا ترى أنهم لو أجازوها لوارث كان الذي أجيزت له الوصية قد يموت قبل الموصي ، فلو كان ملك الوصية بوصية الميت وإجازتهم ملكها كان لم يملكها ، ولا شيء من مال الميت إلا بموته وبقائه بعده فكذلك الذين أجازوا له الوصية أجازوها فيما لا يملكون ، وفيما قد لا يملكونه أبدا .
( قال ) وهكذا لو استأذنهم فيما يجاوز الثلث من وصيته فأذنوا له به وهكذا لو قال رجل منهم ميراثي منك لأخي فلان ، أو لبني فلان لم يكن له ; لأنه أعطاه ما لم يملك وهكذا لو استأذنهم في عتق عبيد له أعتقهم بعد موته فلم يخرجوا من الثلث كان لهم رد من لا يخرج من الثلث منهم وخير في هذا كله أن يجيزوه ، ولكنه لو أوصى لوارث بوصية فقال : فإن أجازها الورثة وإلا فهي لفلان رجل أجنبي ، أو في سبيل الله ، أو في شيء مما تجوز له الوصية به مضى ذلك على ما قال إن أجازها الورثة جازت ، وإن ردوها فذلك لهم وعليهم أن ينفذوها لمن أوصى له بها إن لم تجزها الورثة ; لأنها وصية لغير وارث ، وكذلك لو أوصى بوصية لرجل فقال : فإن مات قبلي فما أوصيت له به لفلان ، فمات قبله كانت الوصية لفلان ، وكذلك لو قال لفلان ثلثي إلا أن يقدم فلان فقدم فلان هذا البلد فهو له جاز ذلك على ما قال .
باب ما يجوز من إجازة الورثة للوصية وما لا يجوز
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإذا أوصى الميت لمن لا تجوز له وصيته من وارث أو غيره ، أو بما لا تجوز به مما جاوز الثلث فمات ، وقد علموا ما أوصى به وترك ، فقالوا : قد أجزنا ما صنع ففيها قولان : أحدهما : أن قولهم بعد علمهم وقصهم ميراثه لهم قد أجزنا ما صنع جائز لمن أجازوه له كهبته لو دفعوه إليه من أيديهم ، ولا سبيل لهم في الرجوع فيه ومن قال هذا القول قال إن الوصاية بعد الموت مخالفة عطايا الأحياء التي لا تجوز إلا بقبض من قبل أن معطيها قد مات ، ولا يكون مالكا قابضا لشيء يخرجه من يديه ، وإنما هي إدخال منه لأهل الوصية على الورثة فقوله في وصيته يثبت لأهل الوصية فيما يجوز لهم يثبت لهم ما يثبت لأهل الميراث ، وإذا كان هكذا فأجاز الورثة بعد علمهم وملكهم فإنما قطعوا حقوقهم من مواريثهم عما أوصى به الميت مضى على ما فعل منه جائز له جواز ما فعل مما لم يردوه وليس ما أجازوا لأهل الوصايا بشيء في أيديهم فيخرجونه إليهم إنما هو شيء لم يصر إليهم إلا بسبب الميت ، وإذا سلموا حقوقهم سلم ذلك لمن سلموه له كما يبرءون من الدين والدعوى فيبرأ منها من أبرءوه ويبرءون من حقوقهم من الشفعة فتنقطع حقوقهم فيها ، ولهذا وجه محتمل ، والقول الثاني : أن يقول ما ترك الميت مما لا تجوز له الوصية به فهو ملك نقله الله تعالى إليهم فكينونته في أيديهم وغير كينونته سواء .
وإجازتهم ما صنع الميت هبة منهم لمن وهبوه له فمن دفعوه إليه جاز له ولهم الرجوع ما لم يدفعوه كما [ ص: 116 ] تكون لهم أموال ودائع في أيدي غيرهم فيهبون منها الشيء لغيرهم فلا تتم له الهبة إلا بالقبض ، ولهذا وجه محتمل والله تعالى أعلم ، وإن قالوا أجزنا ما صنع ، ولا نعلمه وكنا نراه يسيرا انبغى في الوجهين جميعا أن يقال أجيزوا يسيرا واحلفوا ما أجزتموه إلا وأنتم ترونه هكذا ، ثم لهم الرجوع فيما بقي ، وكذلك إن كانوا غيبا ، وإن أقيمت عليهم البينة بأنهم علموه جازت عليهم في قول من أجاز إجازتهم بغير قبض ، وإنما تجوز عليهم إذا أوصى بثلثي ماله ، أو بماله كله أو بجزء معلوم منه إن علموا كم ترك كأن أوصى بشيء يسميه فقال لفلان كذا وكذا دينارا ولفلان عبدي فلان ولفلان من إبلي كذا وكذا فقالوا قد أجزنا له ذلك ، ثم قالوا إنما أجزنا ذلك ونحن نراه يجاوز الثلث بيسير لأنا قد عهدنا له مالا فلم نجده أو عهدناه غير ذي دين فوجدنا عليه دينا ففيه قولان أحدهما أن يقال هذا يلزمهم في قول من أجاز إجازتهم ; لأنهم أجازوا ما يعرفون وما لا يعذرون بجهالتهم والآخر أن لهم أن يحلفوا ويردوا الآن هذا إنما يجوز من مال الميت ويقال لهم - إذا احلفوا - : أجيزوا منه ما كنتم ترونه يجاوز الثلث سدسا كان أو ربعا ، أو أقل ، أو أكثر .
باب اختلاف الورثة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن أجاز بعض الورثة فيما تلزم الإجازة فيه ، ولم يجز بعضهم جاز في حصة من أجاز ما أجاز كأن الورثة كانوا اثنين فيجب للموصى له نصف ما أوصى له به مما جاوز الثلث .
( قال الشافعي ) ولو كان في الورثة صغير ، أو بالغ محجور عليه ، أو معتوه لم يجز على واحد من هؤلاء أن يجيز في نصيبه بشيء جاوز الثلث من الوصية ، ولم يكن لولي واحد من هؤلاء أن يجيز ذلك في نصيبه ، ولو أجاز ذلك في ماله كان ضامنا له في ماله ، وإن وجد في يدي من أجيز له أخذ من يديه وكان للولي أن يتبع من أعطاه إياه بما أعطى منه ; لأنه أعطاه ما لا يملك .
. الوصية للقرابة
( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا أوصى الرجل فقال : ثلث مالي لقرابتي أو لذوي قرابتي ، أو لرحمي ، أو لذوي رحمي ، أو لأرحامي ، أو لأقربائي ، أو قراباتي فذلك كله سواء والقرابة من قبل الأم والأب في الوصية سواء وأقرب قرابته وأبعدهم منه في الوصية سواء الذكر والأنثى والغني والفقير والصغير والكبير ; لأنهم أعطوا باسم القرابة فاسم القرابة يلزمهم معا كما أعطي من شهد القتال باسم الحضور .
وإذا كان الرجل من قبيلة من قريش فأوصى في قرابته فلا يجوز إذا كان كل من يعرف نسبه إلا أن يكون بينه وبين من يلقاه إلى أب ، وإن بعد قرابة ، فإذا كان المعروف عند العامة أن من قال من قريش لقرابتي لا يريد جميع قريش ، ولا من هو أبعد منهم ومن قال : لقرابتي لا يريد أقرب الناس ، أو ذوي قرابة أبعد منه بأب ، وإن كان قريبا صير إلى المعروف من قول العامة ذوي قرابتي فينظر إلى القبيلة التي ينسب إليها ؟ فيقال : من بني عبد مناف ، ثم يقال : قد يتفرق بنو عبد مناف فمن أيهم ؟ فيقال من بني المطلب فيقال أيتميز بنو المطلب ؟ قيل : نعم هم قبائل فمن أيهم ؟ قيل : من بني عبد يزيد بن هاشم بن المطلب فيقال أفيتميز هؤلاء ؟ قيل : نعم هم قبائل قيل فمن أيهم ؟ قيل : من بني عبيد بن عبد يزيد قيل أفيتميز هؤلاء ؟ [ ص: 117 ] قيل نعم هم بنو السائب بن عبيد بن عبد يزيد قيل : وبنو شافع وبنو علي وبنو عباس وكل هؤلاء من بني السائب ، فإن قيل : أفيتميز هؤلاء ؟ قيل : نعم كل بطن من هؤلاء يتميز عن صاحبه ، فإذا كان من آل شافع فقال لقرابته فهو لآل شافع دون آل علي وآل عباس ، وذلك أن كل هؤلاء يتميزون ظاهر التمييز من البطن الآخر يعرف ذلك منهم إذا قصدوا آباءهم دون الشعوب والقبائل في آبائهم ، وفي تناصرهم وتناكحهم ويحول بعضهم لبعض على هؤلاء الذين معهم .
ولو قال : ثلث مالي لأقرب قرابتي ، أو لأدنى قرابتي ، أو لألصق قرابتي كان هذا كله سواء ونظرنا إلى أقرب الناس منه رحما من قبل أبيه وأمه فأعطيناه إياه ، ولم نعطه غيره ممن هو أبعد منه كأنا وجدنا له عمين وخالين وبني عم وبني خال وأعطينا المال عميه وخاليه سواء بينهم دون بني العم والخال ; لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه قبل بني عمه وخاله وهكذا لو وجدنا له إخوة لأب وإخوة لأم وعمين وخالين أعطينا المال إخوته لأبيه وإخوته لأمه دون عميه وخاليه ; لأنهم يلقونه عند أبيه وأمه الأدنيين قبل عميه وخاليه ، ولو كان مع الإخوة للأب والإخوة للأم إخوة لأب وأم كان المال لهم دون الإخوة للأب والإخوة للأم ; لأنا إذا عددنا القرابة من قبل الأب والأم سواء فجمع الإخوة للأب والأم قرابة الأب والأم كانوا أقرب بالميت ، ولو كان مع الإخوة للأب والأم ولد ولد متسفل لا يرث كان المال له دون الإخوة ; لأنه ابن نفسه ، وابن نفسه أقرب إليه من ابن أبيه ، ولو كان مع ولد الولد المستفل جد كان الولد أولى منه ، وإن كان جدا أدنى .
( قال ) : ولو كان مع الإخوة للأب أو الأم جد كان الإخوة أولى من الجد في قول من قال الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد ; لأنهم أقرب منه وأنهم يلقون الميت قبل أن يصير الميت إلى الجد ، ولو قال في هذا كله ثلث مالي لجماعة من قرابتي فإن كان أقرب الناس به ثلاثة فصاعدا فهو لهم وسواء كانوا رجالا أو نساء ، وإن كانوا اثنين ، ثم الذين يلونهم واحد ، أو أكثر كان للاثنين الثلثان من الثلث وللواحد فأكثر ما بقي من الثلث ، وإن كانوا واحدا فله ثلث الثلث ولمن يليه من قرابته إن كانوا اثنين فصاعدا ثلثا الثلث ، ولو كان أقرب الناس واحدا والذي يليه في القرابة واحد أخذ كل واحد منهما ثلث الثلث وأخذ الذين يلونهما في القرابة واحد أو أكثر الثلث الباقي سواء بينهم .
باب الوصية لما في البطن والوصية بما في البطن
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وتجوز الوصية بما في البطن ولما في البطن إذا كان مخلوقا يوم وقعت الوصية ، ثم يخرج حيا ، فلو قال رجل : ما في بطن جاريتي فلانة لفلان ، ثم توفي فولدت جاريته لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية كان لمن أوصى له به ، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر لم يكن له ; لأنه قد يحدث الحمل فيكون الحمل الحادث غير الذي أوصي به ، ولو قال : ولد جاريتي ، أو جاريتي أو عبد بعينه وصية لما في بطن فلانة امرأة يسميها بعينها فإن ولدت تلك المرأة لأقل من ستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فالوصية جائزة ، وإن ولدت لستة أشهر من يوم تكلم بالوصية فأكثر فالوصية مردودة ; لأنه قد يحدث حمل بعد الوصية فيكون غير ما أوصى له ، وإن كان الحمل الذي أوصى به غلاما ، أو جارية ، أو غلاما وجارية ، أو أكثر كانت الوصية بهم كلهم جائزة لمن أوصى له بهم ، وإن كان الحمل الذي أوصى له غلاما وجارية ، أو أكثر كانت الوصية بينهم سواء على العدد ، وإن مات الموصي قبل أن تلد التي أوصى لحملها وقفت الوصية حتى تلد ، فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر كانت الوصية له .
[ ص: 118 ] باب الوصية المطلقة والوصية على الشيء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن أوصى فقال : إن مت من مرضي هذا ففلان - لعبد له - حر ولفلان كذا وصية ويتصدق عني بكذا ، ثم صح من مرضه الذي أوصى فيه ، ثم مات بعده فجأة ، أو من مرض غير ذلك المرض بطلت تلك الوصية ; لأنه أوصى إلى أجل ومن أوصى له وأعتق على شرط لم يكن ، وكذلك إذا حد في وصيته حدا فقال : إن مت في عامي هذا ، أو في مرضي هذا فمات من مرض سواه بطل فإن أبهم هذا كله وقال : هذه وصيتي ما لم أغيرها فهو كما قال وهي وصيته ما لم يغيرها ولكنه لو قال : هذا وأشهد أن وصيته هذه ثابتة ما لم يغيرها كانت وصيته نافذة .
( قال الشافعي ) وإن أوصى فقال : إن حدث بي حدث الموت وصية مرسلة ، ولم يحدد لها حدا ، أو قال : متى حدث بي حدث الموت ، أو متى مت فوصيته ثابتة ينفذ جميع ما فيها مما جاز له متى مات ما لم يغيرها .
باب الوصية للوارث
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال : الله عز وجل { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين } الآية إلى " المتقين " وقال عز وجل في آي المواريث { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وذكر من ورث جل ثناؤه في آي من كتابه .
( قال الشافعي ) واحتمل إجماع أمر الله تعالى بالوصية للوالدين والأقربين معنيين : أحدهما : أن يكون للوالدين والأقربين الأمران معا فيكون على الموصي أن يوصي لهم فيأخذون بالوصية ويكون لهم الميراث فيأخذون به واحتمل أن يكون الأمر بالوصية نزل ناسخا لأن تكون الوصية لهم ثابتة فوجدنا الدلالة على أن الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخة بآي المواريث من وجهين : أحدهما : أخبار ليست بمتصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الحجازيين منها أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن سليمان الأحول عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا وصيه لوارث } وغيره يثبته بهذا الوجه ووجدنا غيره قد يصل فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا المعنى ، ثم لم نعلم أهل العلم في البلدان اختلفوا في أن الوصية للوالدين منسوخة بآي المواريث واحتمل إذا كانت منسوخة أن تكون الوصية للوالدين ساقطة حتى لو أوصى لهما لم تجز الوصية وبهذا نقول ، وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم نعلم أهل العلم اختلفوا فيه يدل على هذا ، وإن كان يحتمل أن يكون وجوبها منسوخا .
وإذا أوصى لهم جاز ، وإذا أوصى للوالدين فأجاز الورثة فليس بالوصية أخذوا ، وإنما أخذوا بإعطاء الورثة لهم ما لهم ; لأنا قد أبطلنا حكم الوصية لهم فكان نص المنسوخ في وصية الوالدين وسمى معهم الأقربين جملة فلما كان الوالدان وارثين قسنا عليهم كل وارث ، وكذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الأقربون ورثة وغير ورثة أبطلنا الوصية للورثة من الأقربين بالنص والقياس والخبر { ألا لا وصية لوارث } وأجزنا الوصية للأقربين ولغير الورثة من كان فالأصل في الوصايا لمن أوصى في كتاب الله عز وجل وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لم أعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه في أن [ ص: 119 ] ينظر إلى الوصايا ، فإذا كانت لمن يرث الميت أبطلتها ، وإن كانت لمن لا يرثه أجزتها على الوجه الذي تجوز به وموجود عندي - والله تعالى أعلم - فيما وصفت من الكتاب وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وحيث إن ما لم نعلم من مضى من أهل العلم اختلفوا فيه أنه إنما يمنع الورثة الوصايا لئلا يأخذوا مال الميت من وجهين ، وذلك أن ما ترك المتوفى يؤخذ بميراث ، أو وصية فلما كان حكمهما مختلفين لم يجز أن يجمع لواحد الحكمان المختلفان في حكم واحد وحال واحدة كما لا يجوز أن يعطى بالشيء وضد الشيء ، ولم يحتمل معنى غيره فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول إنما لم تجز الوصية للوارث من قبل تهمة الموصي لأن يكون يحابي وارثه ببعض ماله .
فلولا أن العناء مستعل على بعض من يتعاطى الفقه ما كان فيمن ذهب إلى هذا المذهب عندي - والله أعلم - للجواب موضع ; لأن من خفي عليه هذا حتى لا يتبين له الخطأ فيه كان شبيها أن لا يفرق بين الشيء وضد الشيء فإن قال : قائل فأين هذا ؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت امرأ من العرب عصبته يلقونه بعد ثلاثين أبا قد قتل آباء عصبته آباءه وقتلهم آباؤه وبلغوا غاية العداوة بينهم بتسافك الدماء وانتهاك المحارم والقطيعة والنفي من الأنساب في الأشعار وغيرها وما كان هو يصطفي ما صنع بآبائه ويعادي عصبته عليه غاية العداوة ويبذل ماله في أن يسفك دماءهم وكان من عصبته الذين يرثونه من قتل أبويه فأوصى من مرضه لهؤلاء القتلة وهم ورثته مع غيرهم من عصبته كان الوارث معهم في حال عداوتهم ، أو كان له سلما به برا وله واصلا ، وكذلك كان آباؤهما أتجوز الوصية لأعدائه ، وهو لا يتهم فيهم ؟ .
فإن قال : لا قيل ، وكذلك لو كان من الموالي فكان مواليه قد بلغوا بآبائه ما بلغ بهم وبأبيهم ما وصفت من حال القربى فأوصى لورثته من مواليه ومعهم ابنته أتجوز الوصية لهم ، وهو لا يتهم فيهم ؟ فإن قال : لا . قيل : وهكذا زوجته لو كانت ناشزة منه عاصية له عظيمة البهتان وترميه بالقذف قد سقته سما لتقتله وضربته بالحديد لتقتله فأفلت من ذلك وبقيت ممتنعة منه وامتنع من فراقها إضرارا لها ، ثم مات فأوصى لها لم تجز وصيته ; لأنها وارث .
فإن قال : نعم : قيل .
ولو أن أجنبيا مات ليس له وارث أعظم النعمة عليه صغيرا وكبيرا وتتابع إحسانه عليه ، وكان معروفا بمودته فأوصى له بثلث ماله أيجوز ؟ فإن قال : نعم ، قيل : وهكذا تجوز الوصية له .
وإن كان ورثته أعداء له . فإن قال : نعم تجوز وصيته في ثلثه كان ورثته أعداء له ، أو غير أعداء . قيل له : أرأيت لو لم يكن في أن الوصية تبطل للوارث وأنه إذا خص بإبطال وصيته الوارث لم يكن فيها معنى إلا ما قلنا .
، ثم كان الأصل الذي وصفت لم يسبقك إليه أحد يعقل من أهل العلم شيئا علمناه أما كنت تركته ؟ أو ما كان يلزمك أن تزعم أنك تنظر إلى وصيته أبدا فإن كانت وصيته لرجل عدو له أو بغيض إليه ، أو غير صديق أجزتها ، وإن كان وارثا ، وإن كانت لصديق له ، أو لذي يد عنده أو غير عدو فأبطلتها ، وإذا فعلت هذا خرجت مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يدخل فيما لم يختلف فيه أهل العلم علمناه ، أورأيت لو كان له عبد يعلم أنه أحب الناس إليه وأوثقه في نفسه وأنه يعرف بتوليج ماله إليه في الحياة ولد ولد دون ولده ، ثم مات ولده فصار وارثه عدوا له فأعتق عبده في وصيته أليس يلزمك أن لا تجيز العتق لشأن تهمته فيه حيا إذ كان يؤثره بماله على ولد نفسه وميتا إذ كان عنده بتلك الحال وكان الوارث له عدوا ؟ أو رأيت لو كان وارثه له عدوا فقال : والله ما يمنعني أن أدع الوصية فيكون الميراث وافرا عليك إلا حب أن يفقرك الله ، ولا يغنيك .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (161)
صــــــــــ 120 الى صـــــــــــ126
ولكني أوصي بثلث مالي لغيرك فأوصى لغيره أليس إن أجاز هذا أجاز ما [ ص: 120 ] ينبغي أن يرد ورد ما كان ينبغي أن يجوز من الوصية لوارث عدو في أصل قوله ؟ أورأيت إذا كانت السنة تدل على أن للميت أن يوصي بثلث ماله ، ولا يحظر عليه منه شيء أن يوصي به إلا لوارث إذا دخل عليه أحد أن يحظر عليه الوصية لغير وارث بحال أليس قد خالفنا السنة ؟ أو رأيت إذا كان حكم الثلث إليه ينفذه لمن رأى غير وارث لو كان وارثه في العداوة له على ما وصفت من العداوة ، وكان بعيد النسب ، أو كان مولى له فأقر لرجل آخر بمال قد كان يجحده إياه ، أو كان لا يعرف بالإقرار له به ، ولا الآخر بدعواه أليس إن أجازه له مما يخرج الوارث من جميع الميراث أجابه له أكثر من الثلث ، وهو متهم على أن يكون صار الوارث ؟ وإن أبطله أبطل إقرارا بدين أحق من الميراث ; لأن الميراث لا يكون إلا بعد الدين
( قال الشافعي ) الأحكام على الظاهر والله ولي المغيب ومن حكم على الناس بالإزكان جعل لنفسه ما حظر الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم ; لأن الله عز وجل إنما يولي الثواب والعقاب على المغيب ; لأنه لا يعلمه إلا هو جل ثناؤه ، وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر ، ولو كان لأحد أن يأخذ بباطن عليه دلالة كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وما وصفت من هذا يدخل في جميع العلم ، فإن قال : قائل ما دل على ما وصفت من أنه لا يحكم بالباطن ؟ قيل : كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر الله تبارك وتعالى المنافقين فقال : لنبيه صلى الله عليه وسلم { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله } قرأ إلى { فصدوا عن سبيل الله } فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسمة ويحكم لهم أحكام المسلمين ، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم اتخذوا أيمانهم جنة من القتل بإظهار الأيمان على الإيمان .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه . فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ به فإنما أقطع له بقطعة من النار } فأخبرهم أنه يقضي بالظاهر وأن الحلال والحرام عند الله على الباطن وأن قضاءه لا يحل للمقضي له ما حرم الله تعالى عليه إذا علمه حراما .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله } فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم أخذوا بذلك ، وبذلك أمر الله تعالى ذكره فقال : { ولا تجسسوا } وبذلك أوصى صلى الله عليه وسلم { ولاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان ، ثم قال انظروا فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه } فجاءت به على النعت الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو للذي يتهمه به ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } ، ولم يستعمل عليهما الدلالة البينة التي لا تكون دلالة أبين منها .
، وذلك خبره أن يكون الولد ، ثم جاء الولد على ما قال مع أشياء لهذا كلها تبطل حكم الإزكان من الذرائع في البيوع وغيرها من حكم الإزكان فأعظم ما فيما وصفت من الحكم بالإزكان خلاف ما أمر الله عز وجل به أن يحكم بين عباده من الظاهر وما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يمتنع من حكم بالإزكان إن اختلفت أقاويله فيه حتى لو لم يكن آثما بخلافه ما وصفت من الكتاب والسنة كان ينبغي أن تكون أكثر أقاويله متروكة عليه لضعف مذهبه فيها ، وذلك أنه يزكن في الشيء الحلال فيحرمه ثم [ ص: 121 ] يأتي ما هو أولى أن يحرمه منه إن كان له التحريم بالإزكان فلا يحرمه ، فإن قال قائل : ومثل ماذا من البيوع ؟ قيل : أرأيت رجلا اشترى فرسا على أنها عقوق ، فإن قال : لا يجوز البيع ; لأن ما في بطنها مغيب غير مضمون بصفة عليه ، قيل له : وكذلك لو اشتراها وما في بطنها بدينار ، فإن قال : نعم قيل : أرأيت إذا كان المتبايعان بصيرين فقالا : هذه الفرس تسوى خمسة دنانير إن كانت غير عقوق عشرة إن كانت عقوقا فأنا آخذها منك بعشرة ، ولولا أنها عندي عقوق لم أزدك على خمسة ولكنا لا نشترط معها عقوقا لإفساد البيع فإن قال : هذا البيع يجوز ; لأن الصفقة وقعت على الفرس دون ما في بطنها ونيتهما معا وإظهارهما الزيادة لما في البطن لا يفسد البيع إذا لم تعقد الصفقة على ما يفسد البيع ، ولا أفسد البيع ها هنا بالنية قيل له إن شاء الله تعالى .
وكذلك لا يحل نكاح المتعة ويفسخ ، فإن قال : نعم ، قيل : وإن كان أعزب ، أو آهلا ؟ فإن قال : نعم ، قيل : فإن أراد أن ينكح امرأة ونوى أن لا يحبسها إلا يوما ، أو عشرا إنما أراد أن يقضي منها وطرا ، وكذلك نوت هي منه غير أنهما عقدا النكاح مطلقا على غير شرط ، وإن قال : هذا يحل قيل له : ولم تفسده بالنية إذا كان العقد صحيحا ؟ فإن قال : نعم ، قيل له : إن شاء الله تعالى فهل تجد في البيوع شيئا من الذرائع ، أو في النكاح شيئا من الذرائع تفسد به بيعا ، أو نكاحا أولى أن تفسد به البيع من شراء الفرس العقوق على ما وصف وكل ذات حمل سواها والنكاح على ما وصفت ، فإذا لم تفسد بيعا ، ولا نكاحا بنية يتصادق عليها المتبايعان والمتناكحان أيما كانت نيتهما ظاهرة قبل العقد ومعه وبعده ، وقلت لا أفسد واحدا منهما ; لأن عقد البيع وعقد النكاح وقع على صحة والنية لا تصنع شيئا وليس معها كلام فالنية إذا لم يكن معها كلام أولى أن لا تصنع شيئا يفسد به بيع ، ولا نكاح .
( قال الشافعي ) وإذا لم يفسد على المتبايعين نيتهما ، أو كلامهما فكيف أفسدت عليهما بأن أزكنت عليهما أنهما نويا ، أو أحدهما شيئا والعقد صحيح فأفسدت العقد الصحيح بإزكانك أنه نوى فيه ما لو شرط في البيع ، أو النكاح فسد فإن قال ومثل ماذا ؟ قال : قيل له : مثل قولك والله تعالى الموفق .
باب تفريغ الوصايا للوارث .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكل ما أوصى به المريض في مرضه الذي يموت فيه لوارث من ملك مال ومنفعة بوجه من الوجوه لم تجز الوصية لوارث بأي هذا كان .
الوصية للوارث قال الربيع ( قال الشافعي ) وإذا استأذن الرجل أن يوصي لوارث في صحة منه ، أو مرض فأذنوا له أو لم يأذنوا فذلك سواء فإن وفوا له كان خيرا لهم وأتقى لله عز ذكره وأحسن في الأحدوثة أن يجيزوه ، فإن لم يفعلوا لم يكن للحاكم أن يجبرهم على شيء منه ، وذلك بما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميراث .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة قال : سمعت الزهري يقول : زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك ، أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان سمى الزهري الذي أخبره فحفظته ، ثم نسيته وشككت فيه فلما قمنا سألت من حضر فقال لي عمرو بن قيس : هو سعيد بن المسيب فقلت هل شككت [ ص: 122 ] فيما قال : ؟ فقال : لا هو سعيد بن المسيب غير شك .
( قال الشافعي ) وكثيرا ما سمعته يحدثه فيسمي سعيدا وكثير ما سمعته يقول عن سعيد إن شاء الله تعالى .
، وقد روى غيره من أهل الحفظ عن سعيد ليس فيه شك وزاد فيه أن عمر استتاب الثلاثة فتاب اثنان فأجاز شهادتهما وأبى أبو بكر فرد شهادته .
مسألة في العتق
( قال ) ومن أوصى بعتق عبده ، ولا يحمله الثلث فأجاز له بعض الورثة وأبى بعض أن يجيز عتق منه ما حمل الثلث وحصة من أجاز وكان الولاء للذي أعتق لا للذي أجاز إن قال : أجزت لا أرد ما فعل الميت ، ولا أبطله من قبل أنه لعله أن يكون لزمه عتقه في حياته ، أو وجه ذكره مثل هذا ، ومن أوصى له بثلث رقيق ، وفيهم من يعتق عليه إذا ملكه فله الخيار في أن يقبل ، أو يرد الوصية ، فإن قبل عتق عليه من يعتق عليه إذا ملكه وقوم عليه ما بقي منه إن كان موسرا وكان له ، ولاؤه ، ويعتق على الرجل كل من ولد الرجل من أب وجد أب وجد أم إذا كان له والدا من جهة من الجهات ، وإن بعد ، وكذلك كل من كان ولد بأي جهة من الجهات ، وإن بعد ، ولا يعتق عليه أخ ، ولا عم ، ولا ذو قرابة غيرهم .
ومن أوصى لصبي لم يبلغ بأبيه ، أو جده كان للوصي أن يقبل الوصية ; لأنه لا ضرر عليه في أن يعتق على الصبي وله ، ولاؤه ، وإن أوصى له ببعضه لم يكن للولي أن يقبل الوصية على الصبي ، وإن قبل لم يقوم على الصبي وعتق منه ما ملك الصبي ، وإنما يجوز له أمر الولي فيما زاد الصبي أو لم ينقص ، أو فيما لا بد له منه . فأما ما ينقصه مما له منه بد فلا يجوز عليه ، وهذا نقص له منه بد ، وإذا كان العبد بين اثنين فأعطى أحدهما خمسين دينارا على أن يعتقه ، أو يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق عليه ورجع شريكه عليه بنصف الخمسين وأخذها ونصف قيمة العبد ، وكان له ، ولاؤه ورجع السيد على العبد بالخمسة والعشرين التي قبضها منه السيد ، ولو كان السيد قال : إن سلمت لي هذه الخمسون فأنت حر لم يكن حرا وكان للشريك أن يأخذ منه نصف الخمسين ; لأنه مال العبد وماله بينهما .
ومن قال : إذا مت فنصف غلامي حر فنصف غلامه حر ، ولا يعتق عليه النصف الثاني ، وإن حمل ذلك ثلثه ; لأنه إذا مات ، فقد انقطع ملكه عن ماله ، وإنما كان له أن يأخذ من ماله ما كان حيا ، فلما أوقع العتق في حال ليس هو فيها مالك لم يقع منه إلا ما أوقع ، وإذا كنا في حياته لو أعتق نصف مملوك ونصفه لغيره ، وهو معسر لم نعتقه عليه فهو بعد الموت لا يملك في حاله التي أعتق فيها ، ولا يفيد ملكا بعده ، ولو أعتقه فبت عتقه في مرضه عتق عليه كله ; لأنه أعتق ، وهو مالك للكل ، أو الثلث ، وإذا مات فحمل الثلث عتق كله وبدئ على التدبير والوصايا
( قال الشافعي ) وإذا كان العبد بين رجلين ، أو أكثر فأعتق أحدهم ، وهو موسر وشركاؤه غيب عتق كله وقوم فدفع إلى وكلاء شركائه نصيبهم من العبد وكان حرا وله ، ولاؤه فإن لم يكن لهم وكلاء وقف ذلك لهم على أيدي من يضمنه بالنظر من القاضي لهم ، أو أقره على المعتق إن كان مليئا ، ولا يخرجه من يديه إذا كان مليئا مأمونا إنما يخرجه إذا كان غير مأمون .
وإذا قال : الرجل لعبده : أنت حر على أن عليك مائة دينار ، أو خدمة سنة ، أو عمل كذا فقبل العبد العتق على هذا لزمه ذلك وكان دينا عليه ، فإن مات قبل أن يخدم رجع عليه المولى بقيمة الخدمة في ماله إن كان له .
( قال الشافعي ) ولو قال : في هذا أقبل العتق ، ولا أقبل ما جعلت علي لم يكن حرا ، وهو كقولك أنت حر إن ضمنت مائة دينار ، أو ضمنت كذا وكذا ، ولو قال : أنت حر وعليك مائة دينار وأنت حر ، ثم عليك مائة دينار أو خدمة فإن ألزمه العبد نفسه ، أو [ ص: 123 ] لم يلزمه نفسه عتق في الحالين معا ، ولم يلزمه منه شيء ; لأنه أعتقه ، ثم استأنف أن جعل عليه شيئا فجعله على رجل لا يملكه ، ولم يعقد به شرطا فلا يلزمه إلا أن يتطوع بأن يضمنه له
( قال الشافعي ) وإذا أعتق الرجل شركا له في عبد فإنما أنظر إلى الحال التي أعتق فيها فإن كان موسرا ساعة أعتقه أعتقته وجعلت له ولاءه وضمنته نصيب شركائه وقومته بقيمته حين وقع العتق وجعلته حين وقع العتق حرا جنايته والجناية عليه وشهادته وحدوده وجميع أحكامه أحكام حر ، وإن لم يدفع القيمة ، ولم يرتفع إلى القاضي إلا بعد سنة ، أو أكثر ، وإن كانت قيمته يوم أعتقه مائة دينار ، ثم نقصت ، ثم لم يرافعه إلى الحاكم حتى تصير عشرة أو زادت حتى تصير ألفا فسواء وقيمته مائة ، وإن كانت المعتقة أمة فولدت أولادا بعد العتق فالقيمة قيمة الأم يوم وقع العتق حاملا كانت ، أو غير حامل ، ولا قيمة لما حدث من الحمل ، ولا من الولادة بعد العتق ; لأنهم أولاد حرة
ولو كان العبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وأعتقه الثاني بعد عتق الأول فعتقه باطل . وهذا إذا كان الأول موسرا فله ولاؤه وعليه قيمته ، وإن كان معسرا فعتق الثاني جائز والولاء بينهما ، وإن أعتقاه جميعا معا لم يتقدم أحدهما صاحبه في العتق كان حرا ولهما ، ولاؤه وهكذا إن وليا رجلا عتقه فأعتقه كان حرا وكان ، ولاؤه بينهما ، ولو قال : أحدهما لصاحبه إذا أعتقت فهو حر فأعتقه صاحبه كان حرا حين قال : المعتق ، ولا يكون حرا لو قال : إذا أعتقتك فأنت حر ; لأنه أوقع العتق بعد كمال الأول وكان كمن قال إذا أعتقته فهو حر ، ولا ألتفت إلى القول الآخر ، وإذا كان العبد بين شريكين فأعتقه أحدهما ، وهو معسر فنصيبه حر وللمعتق نصف ماله وللذي لم يعتق نصفه ، ولو كان موسرا كان حرا وضمن لشريكه نصف قيمته وكان مال العبد بينهما ، ولا مال للعبد إنما ماله لمالكه إن شاء أن يأخذه أخذه وعتقه غير هبة ماله .
( قال الشافعي ) وهو غير ماله ، وهو يقع عليه العتق ، ولا يقع على ماله ، ولو قال : رجل لغلامه أنت حر ولماله أنت حر كان الغلام حرا ، ولم يكن المال حرا ما كان المال من حيوان أو غيره لا يقع العتق إلا على بنى آدم .
وإذا أعتق الرجل عبدا بينه وبين رجل وله من المال ما يعتق عليه ثلاثة أرباعه ، أو أقل ، أو أكثر إلا أن الكل لا يخرج عتق عليه ما احتمل ماله منه وكان له من ، ولائه بقدر ما عتق منه ويرق منه ما بقي وسواء فيما وصفت العبد بين المسلمين ، أو المسلم والنصراني وسواء أيهما أعتقه وسواء كان العبد مسلما أو نصرانيا ، فإذا أعتقه النصراني ، وهو موسر فهو حر كله وله ولاؤه ، وهو فيه مثل المسلم إلا أنه لا يرثه لاختلاف الدينين كما لا يرث ابنه فإن أسلم بعد ، ثم مات المولى المعتق ورثه ، ولا يبعد النصراني أن يكون مالكا معتقا فعتق المالك جائز . وقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } ، ولا يكون مالكا لمسلم ، فلو أعتقه لم يجز عتقه ، فأما مالك معتق يجوز عتقه ، ولا يكون له ، ولاؤه فلم أسمع بهذا ، وهذا خلاف السنة
وإذا ملك الرجل أباه ، أو أمه بميراث عتقا عليه ، وإذا ملك بعضهما عتق منهما ما ملك ، ولم يكن عليه أن يقوما عليه ; لأن الملك لزمه وليس له دفعه ; لأنه ليس له دفع الميراث ; لأن حكم الله عز وجل أنه نقل ميراث الموتى إلى الأحياء الوارثين . ولكنه لو أوصى له ، أو وهب له ، أو تصدق به عليه ، أو ملكه بأي ملك ما شاء غير الميراث عتق عليه ، وإن ملك بعضهما بغير ميراث كان عليه أن يقوما عليه ، ولو اشترى بعضهما ; لأنه قد كان له دفع هذا الملك كله ، ولم يكن عليه قبوله ، ولم يكن مالكا له إلا بأن يشاء فكان اختياره الملك ملك ما له قيمة ، والعتق يلزم العبد أحب أو كره
ولو أعتق الرجل شقصا له في عبد قوم عليه فقال : عند القيمة إنه آبق ، أو سارق كلف البينة .
فإن جاء بها قوم كذلك ، وإن أقر له شريكه قوم كذلك ، وإن لم يقر له شريكه أحلف ، فإن حلف قوم بريا من الإباق والسرقة .
فإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على المعتق فإن حلف قومناه آبقا سارقا ، وإن نكل قومناه صحيحا .
[ ص: 124 ] باب الوصية بعد الوصية
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل بوصية مطلقة ، ثم أوصى بعدها بوصية أخرى أنفذت الوصيتان معا .
، وكذلك إن أوصى بالأولى فجعل إنفاذها إلى رجل وبالأخرى فجعل إنفاذها إلى رجل كانت كل واحدة من الوصيتين إلى من جعلها إليه ، وإن كان قال في الأولى وجعل وصيته وقضاء دينه وتركته إلى فلان وقال : في الأخرى مثل ذلك كان كل ما قال في واحدة من الوصيتين ليس في الأخرى إلى الوصي في تلك الوصية دون صاحبه وكان قضاء دينه وولاية تركته إليهما معا ، ولو قال : في إحدى الوصيتين أوصى بما في هذه الوصية إلى فلان وقال : في الأخرى أوصى بما في هذه الوصية وولاية من خلف وقضاء دينه إلى فلان فهذا مفرد بما أفرده به من قضاء دينه وولاية تركته وما في وصيته ليست في الوصية الأخرى وشريك مع الآخر فيما في الوصية الأخرى .
باب الرجوع في الوصية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وللرجل إذا أوصى بوصية تطوع بها أن ينقضها كلها ، أو يبدل منها ما شاء التدبير ، أو غيره ما لم يمت ، وإن كان في وصيته إقرار بدين ، أو غيره ، أو عتق بتات فذلك شيء واجب عليه أوجبه على نفسه في حياته لا بعد موته فليس له أن يرجع من ذلك في شيء .
باب ما يكون رجوعا في الوصية وتغييرا لها وما لا يكون رجوعا ، ولا تغييرا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل بعبد بعينه لرجل ، ثم أوصى بذلك العبد بعينه لرجل فالعبد بينهما نصفان ، ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان لفلان ، أو قد أوصيت بالعبد الذي أوصيت به لفلان لفلان كان هذا ردا للوصية الأولى وكانت وصيته للآخر منهما ، ولو أوصى لرجل بعبد ، ثم أوصى أن يباع ذلك العبد كان هذا دليلا ثم إبطال وصيته به ، وذلك أن البيع والوصية لا يجتمعان في عبد ، وكذلك لو أوصى لرجل بعبد ، ثم أوصى بعتقه ، أو أخذ مال منه وعتقه كان هذا كله إبطالا للوصية به للأول ، ولو أوصى لرجل بعبد ، ثم باعه أو كاتبه ، أو دبره ، أو وهبه كان هذا كله إبطالا للوصية فيه ( قال الشافعي ) ولو أوصى به لرجل ، ثم أذن له في التجارة أو بعثه تاجرا إلى بلد ، أو أجره ، أو علمه كتابا ، أو قرآنا أو علما ، أو صناعة ، أو كساه ، أو وهب له مالا ، أو زوجه لم يكن شيء من هذا رجوعا في الوصية ، ولو كان الموصي به طعاما فباعه أو وهبه ، أو أكله ، أو كان حنطة فطحنها ، أو دقيقا فعجنه أو خبزه فجعلها سويقا كان هذا كله كنقض الوصية ، ولو أوصى له بما في هذا البيت من الحنطة ثم خلطها بحنطة غيرها كان هذا إبطالا للوصية ، ولو أوصى له مما في البيت بمكيلة حنطة ثم خلطها بحنطة مثلها لم يكن هذا إبطالا للوصية وكانت له المكيلة التي أوصى بها له .
[ ص: 125 ] تغيير وصية العتق أخبرنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا الشافعي إملاء قال : وللموصي أن يغير من وصيته ما شاء من تدبير وغير تدبير ; لأن الوصية عطاء يعطيه بعد الموت فله الرجوع فيه ما لم يتم لصاحبه بموته ، قال : وتجوز وصية كل من عقل الوصية من بالغ محجور عليه وغير بالغ لأنا إنما نحبس عليه ماله ما لم يبلغ رشده ، فإذا صار إلى أن يحول ملكه لغيره لم نمنعه أن يتقرب إلى الله تعالى في ماله بما أجازت له السنة من الثلث ، قال : ونقتصر في الوصايا على الثلث ، والحجة في أن يقتصر بها على الثلث ، وفي أن تجوز لغير القرابة حديث عمران بن حصين { أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة } فاقتصر بوصيته على الثلث وجعل عتقه في المرض إذا مات وصية وأجازها للعبيد وهم غير قرابة وأحب إلينا أن يوصي للقرابة
( قال الشافعي ) وإذا أوصى رجل لرجل بثلث ماله ، أو شيء مسمى من دنانير ، أو دراهم ، أو عرض من العروض وله مال حاضر ، ولا يحتمل ما أوصى به ومال غائب فيه فضل عما أوصى به أعطينا الموصي له ما أوصى له بما بينه وبين أن يستكمل ثلث المال الحاضر وبقينا ما بقي له وكلما حضر من المال شيء دفعنا إلى الورثة ثلثيه وإلى الموصي له ثلثه حتى يستوفوا وصاياهم ، وإن هلك المال الغائب هلك منهم ومن الورثة ، وإن أبطأ عليهم أبطأ عليهم معا وأحسن حال الموصي له أبدا أن يكون كالوارث ما احتملت الوصية الثلث ، فإذا عجز الثلث عنها سقط معه فأما أن يزيد أحد بحال أبدا على ما أوصى له به قليلا ، أو كثيرا فلا إلا أن يتطوع له الورثة فيهبون له من أموالهم أرأيت من زعم أن رجلا لو أوصى لرجل بثلاثة دراهم وترك ثلاثة دراهم وعرضا غائبا يساوي ألفا فقال : أخير الورثة بين أن يعطوا الموصي له هذه الثلاثة دراهم كلها ويسلم لهم ثلث مال الميت ، أو أجبرهم على درهم من الثلاثة ; لأنه ثلث ما حضر وأجعل للموصي له ثلثي الثلث فيما غاب من ماله أليس كان أقرب إلى الحق وأبعد من الفحش في الظلم لو جبرهم على أن يعطوه من الثلاثة دراهم درهما ؟ ، فإذا لم يحز عنده أن يجبرهم على درهمين يدفعونهما من قبل أنه لا يكون له أن تسلم إليه وصيته ، ولم تأخذ الورثة ميراثهم كان أن يعطوه قيمة ألوف أحرم عليه وأفحش في الظلم ، وإنما أحسن حالات الموصى له أن يستوفي ما أوصي له به لا يزاد عليه بشيء ، ولا يدخل عليه النقص فأما الزيادة فلا تحل ولكن كلما حضر من مال الميت أعطينا الورثة الثلثين وله الثلث حتى يستوفي وصيته ، وكذلك لو أوصى له بعبد بعينه ، ولم يترك الميت غيره إلا مالا غائبا سلمنا له ثلثه وللورثة الثلثين وكلما حضر من المال الغائب شيء له ثلث زدنا الموصى له في العبد أبدا حتى يستوفي رقبته أو سقط الثلث فيكون له ما حمل الثلث ، ولا أبالي ترك الميت دارا ، أو أرضا ، أو غير ذلك ; لأنه لا مأمون في الدنيا قد تنهدم الدار وتحترق ويأتي السيل عليها فينسف أرضها وعمارتها وليس من العدل أن يكون للورثة ثلثان بكتاب الله عز وجل وللموصي له ثلث تطوعا من الميت فيعطى بالثلث ما لا تعطى الورثة بالثلثين .
باب وصية الحامل أخبرنا الربيع بن سليمان قال : ( قال الشافعي ) تجوز وصية الحامل ما لم يحدث لها مرض غير الحمل [ ص: 126 ] كالأمراض التي يكون فيها صاحبها مضنيا أو تجلس بين القوابل فيضربها الطلق ، فلو أجزت أن توصي حامل مرة ، ولا توصي أخرى كان لغيري أن يقول إذا ابتدأ الحمل تغثى نفسها وتغير عن حال الصحة وتكره الطعام فلا أجيز وصيتها في هذه الحال وأجزت وصيتها إذا استمرت في الحمل وذهب عنها الغثيان والنعاس وإقهام الطعام ، ثم يكون أولى أن يقبل قوله ممن فرق بين حالها قبل الطلق وليس في هذا وجه يحتمله إلا ما قلنا ; لأن الطلق حادث كالتلف ، أو كأشد وجع الأرض مضن وأخوفه ، أو لا تجوز وصيتها إذا حملت بحال ; لأنها حاملا مخالفة حالها غير حامل ، وقد قال في الرجل يحضر القتال تجوز هبته وجميع ما صنع في ماله في كل ما لم يجرح ، فإذا جرح جرحا مخوفا فهذا كالمرض المضني أو أشد خوفا فلا يجوز مما صنع في ماله إلا الثلث ، وكذلك الأسير يجوز له ما صنع في ماله ، وكذلك من حل عليه القصاص ما لم يقتل ، أو يجرح من قبل أنه قد يمكن أن يحيا .
صدقة الحي عن الميت
أخبرنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا الشافعي إملاء قال : يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث حج يؤدى عنه ومال يتصدق به عنه ، أو يقضى ودعاء فأما ما سوى ذلك من صلاة ، أو صيام فهو لفاعله دون الميت ، وإنما قلنا بهذا دون ما سواه استدلالا بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياسا ، وذلك الواجب دون التطوع ، ولا يحج أحد عن أحد تطوعا ; لأنه عمل على البدن فأما المال ، فإن الرجل يجب عليه فيما له الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدي عنه بأمره ; لأنه إنما أريد بالفرض فيه تأديته إلى أهله لا عمل على البدن ، فإذا عمل امرؤ عني على ما فرض في مالي ، فقد أدى الفرض عني ، وأما الدعاء فإن الله عز وجل ندب العباد إليه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، فإذا جاز أن يدعى للأخ حيا جاز أن يدعى له ميتا ولحقه إن شاء الله تعالى بركه ذلك مع أن الله عز ذكره واسع لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته ، وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (162)
صــــــــــ 127 الى صـــــــــــ133
. باب الأوصياء ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا تجوز الوصية إلا إلى بالغ مسلم عدل ، أو امرأة كذلك ، ولا تجوز إلى عبد أجنبي ، ولا عبد الموصي ، ولا عبد الموصى له ، ولا إلى أحد لم تتم فيه الحرية من مكاتب ، ولا غيره ، ولا تجوز وصية مسلم إلى مشرك فإن قال قائل فكيف لم تجز الوصية إلى من ذكرت أنها لا تجوز إليه ؟ قيل : لا تعدو الوصية أن تكون كوكالة الرجل في الحق له فلسنا نرد على رجل وكل عبدا كافرا خائنا ; لأنه أملك بماله ونجيز له أن يوكل بما يجوز له في ماله ، ولا نخرج من يديه ما دفع إليه منه ، ولا نجعل عليه فيه أمينا ، ولا أعلم أحدا يجيز في الوصية ما يجيز في الوكالة من هذا وما أشبهه ، فإذا صاروا إلى أن لا يجيزوا هذا في الوصية فلا وجه للوصية إلا بأن يكون الميت نظر لمن أوصى له بدين وتطوع من ولاية ولده فأسنده إليه بعد موته فلما خرج من ملك الميت فصار يملكه وارث ، أو ذو دين ، أو موصى له لا يملكه الميت ، فإذا قضى عليهم فيما كان لهم بسببه قضاء يجوز أن يبتدئ الحاكم القضاء لهم به ; لأنه نظر لهم أجزته وكان فيه معنى أن يكون من أسند ذلك إليه يعطف عليهم من الثقة بمودة للميت أو للموصى لهم ، فإذا ولى حرا [ ص: 127 ] أو حرة عدلين أجزنا ذلك لهما بما وصفت من أن ذلك يصلح على الابتداء للحاكم أن يولي أحدهما ، فإذا لم يول من هو في هذه الصفة بان لنا أن قد أخطأ عامدا ، أو مجتهدا على غيره ، ولا نجيز خطأه على غيره إذا بان ذلك لنا كما تجيز أمر الحاكم فيما احتمل أن يكون صوابا ، ولا نجيزه فيما بان خطؤه ونجيز أمر الوالي فيما صنع نظرا ونرده فيما صنع من مال من يلي غير نظر ونجيز قول الرجل والمرأة في نفسه فيما أمكن أن يكون صدقا ، ولا نجيزه فيما لا يمكن أن يكون صدقا وهكذا كل من شرطنا عليه في نظره أن يجوز بحال لم يجز في الحال التي يخالفها
وإذا أوصى الرجل إلى من تجوز وصيته ، ثم حدث للموصى إليه حال تخرجه من حد أن يكون كافيا لما أسند إليه ، أو أمينا عليه أخرجت الوصية من يديه إذا لم يكن أمينا وأضم إليه إذا كان أمينا ضعيفا عن الكفاية قويا على الأمانة فإن ضعف عن الأمانة أخرج بكل حال وكلما صار من أبدل مكان وصي إلى تغير في أمانة ، أو ضعف كان مثل الوصي يبدل مكانه كما يبدل مكان الوصي إذا تغيرت حاله ، وإذا أوصى إلى رجلين فمات أحدهما ، أو تغيرت حاله أبدل مكان الميت ، أو المتغير رجل آخر ; لأن الميت لم يرض قيام أحدهما دون الآخر ، ولو أوصى رجل إلى رجل فمات الموصى إليه وأوصى بما أوصى به إلى رجل لم يكن وصي الوصي وصيا للميت الأول لأن الميت الأول لم يرض الموصى الآخر
( قال الشافعي ) ولو قال أوصيت إلى فلان فإن حدث به حدث ، فقد أوصيت إلى من أوصى إليه لم يجز ذلك ; لأنه إنما أوصى بمال غيره وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن أوصى إليه الوصي الميت فإن كان كافيا أمينا ، ولم يجد آمن منه ، أو مثله في الأمانة ممن يراه أمثل لتركة الميت من ذي قرابة الميت ، أو مودة له ، أو قرابة لتركته ، أو مودة لهم ابتدأ لتوليته بتركة الميت ، وإن وجد أكفأ وأملأ ببعض هذه الأمور منه ولى الذي يراه أنفع لمن يوليه أمره إن شاء الله تعالى
( قال الشافعي ) وإذا اختلف الوصيان ، أو الموليان ، أو الوصي ، ولا مولى معه في المال قسم ما كان منه يقسم فجعل في أيديهما نصفين وأمر بالاحتفاظ بما لا يقسم منه معا
وإذا أوصى الميت بإنكاح بناته إلى رجل فإن كان وليهن الذي لا أولى منه زوجهن بولاية النسب أو الولاء دون الوصية جاز ، وإن لم يكن وليهن لم يكن له أن يزوجهن ، وفي إجازة تزويج الوصي إبطال للأولياء إذا كان الأولياء أهل النسب ، ولا يجوز أن يلي غير ذي نسب فإن قال قائل يجوز بوصية الميت أن يلي ما كان يلي الميت ؟ فالميت لا ولاية له على حي فيكون يلي أحد بولاية الميت إذا مات صارت الولاية لأقرب الناس بالمزوجة من قبل أبيها بعده أحبت ذلك ، أو كرهته ، ولو جاز هذا لوصي الأب جاز لوصي الأخ والمولى ولكن لا يجوز لوصي فإن قيل : قد يوكل أبوها الرجل فيزوجها فيجوز ؟ قيل : نعم ووليها من كان والولاية حينئذ للحي منهما والوكيل يقوم مقامه
( قال الشافعي ) فإذا قال الرجل قد أوصيت إلى فلان بتركتي ، أو قال : قد أوصيت إليه بمالي ، أو قال : بما خلفت .
( قال الربيع ) أنا أجيب فيها أقول : يكون وصيا بالمال ، ولا يكون إليه من النكاح شيء إنما النكاح إلى العصبة الأقرب فالأقرب من المزوجة والله تعالى أعلم .
باب ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يخرج الوصي من مال اليتيم كل ما لزم اليتيم من زكاة ماله وجنايته وما لا غنى به عنه من كسوته ونفقته بالمعروف ، وإذا بلغ الحلم ، ولم يبلغ رشده زوجه ، وإذا احتاج إلى خادم ومثله يخدم اشترى له خادما ، وإذا ابتاع له نفقة وكسوة فسرق ذلك أخلف له مكانها ، وإن [ ص: 128 ] أتلف ذلك فأته يوما يوما وأمره بالاحتفاظ بكسوته فإن أتلفها رفع ذلك إلى القاضي وينبغي للقاضي أن يحبسه في إتلافها ويخيفه ، ولا بأس بأن يأمر أن يكسى أقل ما يكفيه في البيت مما لا يخرج فيه ، فإذا رأى أن قد أدبه أمر بكسوته ما يخرج فيه وينفق على امرأته إن زوجه وخادم إن كانت لها بالمعروف ويكسوها ، وكذلك ينفق على جاريته إن اشتراها له ليطأها ، ولا أرى أن يجمع له امرأتين ولا جاريتين للوطء ، وإن اتسع ماله لأنا إنما نعطيه منه ما فيه الكفاية مما يخرج من حد الضيق وليس بامرأة ، ولا جارية لوطء ضيق إلا أن تسقم أيتهما كانت عنده حتى لا يكون فيها موضع للوطء فينكح ، أو يتسرى إذا كان ماله محتملا لذلك ، وهذا ما لا صلاح له إلا به إن كان يأتي النساء فإن كان مجبوبا أو حصورا فأراد جارية يتلذذ بها لم تشتر له ، وإن أراد جارية للخدمة اشتريت له فإن أراد أن يتلذذ بها تلذذ بها ، وإن أراد امرأة لم يزوجها ; لأن هذا مما له منه بد ، وإذا زوج المولى عليه فأكثر طلاقها أحببت أن يتسرى فإن أعتق فالعتق مردود عليه .
الوصية التي صدرت من الشافعي رضي الله عنه قال الربيع بن سليمان : هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في شعبان سنة ثلاث ومائتين وأشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وكفى به جل ثناؤه شهيدا ، ثم من سمعه أنه شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لم يزل يدين بذلك وبه يدين حتى يتوفاه الله ويبعثه عليه إن شاء الله وأنه يوصي نفسه وجماعة من سمع وصيته بإحلال ما أحل الله عز وجل في كتابه ، ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتحريم ما حرم الله في الكتاب ، ثم في السنة وأن لا يجاوز من ذلك إلى غيره وأن مجاوزته ترك رضا الله وترك ما خالف الكتاب والسنة وهما من المحدثات والمحافظة على أداء فرائض الله عز وجل في القول والعمل والكف عن محارمه خوفا لله وكثرة ذكر الوقوف بين يديه { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } وأن تنزل الدنيا حيث أنزلها الله فإنه لم يجعلها دار مقام إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع ، وإنما جعلها دار عمل وجعل الآخرة دار قرار وجزاء فيها بما عمل في الدنيا من خير ، أو شر إن لم يعف الله جل ثناؤه ، وأن لا يخال أحدا إلا أحدا خاله لله فمن يفعل الخلة في الله - تبارك وتعالى - ويرجى منه إفادة علم في دين وحسن أدب في الدنيا ، وأن يعرف المرء زمانه ويرغب إلى الله تعالى ذكره في الخلاص من شر نفسه فيه ، ويمسك عن الإسراف من قول ، أو فعل في أمر لا يلزمه وأن يخلص النية لله عز وجل فيما قال : وعمل ، وأن الله تعالى يكفيه مما سواه ، ولا يكفي منه شيء غيره ، وأوصى متى حدث به حادث الموت الذي كتبه الله جل وعز عن خلقه الذي أسأل الله العون عليه ، وعلى ما بعده وكفاية كل هول دون الجنة برحمته ، ولم يغير وصيته هذه ، أن يلي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي النظر في أمر ثابت الخصي الأقرع الذي خلف بمكة ، فإن كان غير مفسد فيما خلفه محمد بن إدريس فيه أعتقه عن محمد بن إدريس فإن حدث بأحمد بن محمد حدث قبل أن ينظر في أمره نظر في أمره القائم بأمر محمد بن إدريس بعد أحمد فأنفذ فيه ما جعل إلى أحمد وأوصى أن جاريته الأندلسية التي تدعى فوز التي ترضع ابنه أبا الحسن بن محمد بن إدريس إذا استكمل أبو الحسن بن محمد بن إدريس سنتين واستغنى [ ص: 129 ] عن رضاعها ، أو مات قبل ذلك فهي حرة لوجه الله تعالى ، وإذا استكمل سنتين ورئي أن الرضاع خير له أرضعته سنة أخرى ، ثم هي حرة لوجه الله تعالى إلا أن يرى أن ترك الرضاع خير له أن يموت فتعتق بأيهما كان ومتى أخرج إلى مكة أخرجت معه حتى يكمل ما وصفت من رضاعه ، ثم هي حرة ، وإن عتقت قبل أن يخرج إلى مكة لم تكره في الخروج إلى مكة وأوصى أن تحمل أم أبي الحسن أم ولده دنانير وأن تعطي جاريته سكة السوداء وصية لها ، أو أن يشترى لها جارية ، أو خصي بما بينها وبين خمسة وعشرين دينارا ، أو يدفع إليها عشرون دينارا وصية لها فأي واحد من هذا اختارته دفع إليها ، وإن مات ابنها أبا الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة فهذه الوصية لها إن شاءتها ، وإن لم تعتق حتى تخرج بأبي الحسن إلى مكة حملت وابنها معها مع أبي الحسن ، وإن مات أبو الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة عتقت فوز وأعطيت ثلاثة دنانير وأوصى أن يقسم ثلث ماله بأربعة وعشرين سهما على دنانير سهمان من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ما عاش ابنها وأقامت معه ينفق عليها منه ، وإن مات ابنها أبو الحسن وأقامت مع ولد محمد بن إدريس فذلك لها ومتى فارقت ابنها وولده قطع عنها ما أوصى لها به ، وإن أقامت فوز مع دنانير بعدما تعتق فوز ودنانير مقيمة مع ابنها محمد ، أو ولد محمد بن إدريس وقف على فوز سهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث مال محمد بن إدريس ينفق عليها منه ما أقامت معها ومع ولد محمد بن إدريس فإن لم تقم فوز قطع عنها ورد على دنانير أم ولد محمد بن إدريس وأوصى لفقراء آل شافع بن السائب بأربعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدفع إليهم سواء فيه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وإناثهم وأوصى لأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي بستة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله وأوصى أن يعتق عنه رقاب بخمسة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ويتحرى أفضل ما يقدر عليه وأحمده ويشترى منهم مسعدة الخياط إن باعه من هو له فيعتق وأوصى أن يتصدق على جيران داره التي كان يسكن بذي طوى من مكة بسهم واحد من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدخل فيهم كل من يحوي إدريس ولاءه وموالي أمه ذكرهم وإناثهم فيعطي كل واحد منهم ثلاثة أضعاف ما يعطي واحدا من جيرانه وأوصى لعبادة السندية وسهل وولدهما مواليه وسليمة مولاة أمه ومن أعتق في وصيته بسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يجعل لعبادة ضعف ما يجعل لكل واحد منهم ويسوي بين الباقين ، ولا يعطي من مواليه إلا من كان بمكة وكل ما أوصى به من السهمان من ثلثه بعدما أوصى به من الحمولة والوصايا يمضي بحسب ما أوصى به بمصر فيكون مبدأ ، ثم يحسب باقي ثلثه فيخرج الأجزاء التي وصفت في كتابه وجعل محمد بن إدريس إنفاذ ما كان من وصاياه بمصر وولاية جميع تركته بها إلى الله تعالى ، ثم إلى عبد الله بن عبد الحكم القرشي ويوسف بن عمرو بن يزيد الفقيه وسعيد بن الجهم الأصبحي فأيهم مات ، أو غاب ، أو ترك القيام بالوصية قام الحاضر القائم بوصيته مقاما يغنيه عمن غاب عن وصيةمحمد بن إدريس ، أو تركها وأوصى يوسف بن يزيد وسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم أن يلحقوا ابنه أبا الحسن متى أمكنهم إلحاقه بأهله بمكة ، ولا يحمل بحرا وإلى البر سبيل بوجه ويضموه وأمه إلى ثقة وينفذوا ما أوصاهم به بمصر ويجمعوا ماله ومال أبي الحسن ابنه بها ويلحقوا ذلك كله ورقيق أبي الحسن معه بمكة حتى يدفع إلى وصي محمد بن إدريس بها وما يخلف لمحمد بن إدريس ، أو ابنه أبي الحسن بن محمد بمصر من شيء فسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو أوصياءه فيه وولاة ولده ما كان له ولهم بمصر على ما شرط أن يقوم الحاضر منهم في كل ما أسند إليه مقام كلهم وما أوصلوا إلى أوصياء محمد بن إدريس بمكة وولاة [ ص: 130 ] ولده مما يقدر على إيصاله ، فقد خرجوا منه وهم قائمون بدين محمد بن إدريس قبضا وقضاء دين إن كان عليها بها وبيع ما رأوا بيعه من تركته وغير ذلك من جميع ماله وعليه بمصر وولاية ابنه أبي الحسن ما كان بمصر وجميع تركة محمد بن إدريس بمصر من أرض وغيرها وجعل محمد بن إدريس ، ولاء ولده بمكة وحيث كانوا إلى عثمان وزينب وفاطمة بني محمد بن إدريس وولاء ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس من دنانير أم ولده إذا فارق مصر والقيام بجميع أموال ولده الذين سمى وولدان حدث لمحمد بن إدريس حتى يصيروا إلى البلوغ والرشد معا وأموالهم حيث كانت إلا ما يلي أوصياؤه ، فإن ذلك إليهم ما قام به قائم منهم ، فإذا تركه فهو إلى وصييه بمكة وهما أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي وعبيد الله بن إسماعيل بن مقرظ الصراف فإن عبيد الله توفي ، أو لم يقبل وصية محمد بن إدريس فأحمد بن محمد القائم بذلك كله ومحمد يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله وأن يرحمه فإنه فقير إلى رحمته وأن يجيره من النار ، فإن الله تعالى غني عن عذابه وأن يخلفه في جميع ما يخلف بأفضل ما خلف به أحدا من المؤمنين وأن يكفيهم فقده ويجبر مصيبتهم من بعده وأن يقيهم معاصيه وإتيان ما يقبح بهم والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته ولله الحمد أشهد محمد بن إدريس الشافعي على نفسه في مرضه أن سليما الحجام ليس إنما هو لبعض ولده ، وهو مشهود علي فإن بيع فإنما ذلك على وجه النظر له فليس مالي منه شيء ، وقد أوصيت بثلثي ، ولا يدخل في ثلثي ما لا قدر له من فخار وصحاف وحصر من سقط البيت وبقايا طعام البيت وما لا يحتاج إليه مما لا خطر له شهد على ذلك .
[ ص: 131 ] باب الولاء والحلف أخبرنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : أمر الله تبارك وتعالى أن ينسب من كان له نسب من الناس نسبين من كان له أب أن ينسب إلى أبيه ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه ، وقد يكون ذا أب وله موال فينسب إلى أبيه ومواليه وأولى نسبيه أن يبدأ به أبوه وأمر أن ينسبوا إلى الأخوة في الدين مع الولاء ، وكذلك ينسبون إليها مع النسب والإخوة في الدين ليست بنسب إنما هو صفة تقع على المرء بدخوله في الدين ويخرج منها بخروجه منه والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يزله المولى من فوق ، ولا من أسفل ، ولا الأب ، ولا الولد والنسب اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم وإلى الجهل وإلى الصناعة وإلى التجارة ، وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه وتركه الفعل وكان منهم صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون ، ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية الله وإلى أديانهم وصناعاتهم ، وأصل ما قلت من هذا في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه عوام أهل العلم قال : الله تبارك وتعالى { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } وقال : عز وجل { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله } وقال : تبارك وتعالى { ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ، ولا تكن مع الكافرين قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين } وقال : عز وجل { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال : لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يغني عنك شيئا ؟ } وقال : تقدست أسماؤه { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم ، أو إخوانهم أو عشيرتهم } فميز [ ص: 132 ] الله عز وجل بينهم بالدين ، ولم يقطع الأنساب بينهم فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في شيء .
الأنساب ثابتة لا تزول والدين شيء يدخلون فيه ، أو يخرجون منه ونسب ابن نوح إلى أبيه وابنه كافر ونسب إبراهيم خليله إلى أبيه وأبوه كافر وقال : عز وجل ذكره { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } فنسب إلى آدم المؤمن من ولده والكافر ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بأمر الله عز وجل إلى آبائهم كفارا كانوا ، أو مؤمنين ، وكذلك نسب الموالي إلى ، ولائهم ، وإن كان الموالي مؤمنين والمعتقون مشركين .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك وسفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته } ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا محمد بن الحسين عن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ، ولا يوهب } .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عليا رضي الله تعالى عنه قال : " الولاء بمنزلة الخلف أقره حيث جعله الله عز وجل " .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { عن عائشة أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال : أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق } .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن هشام عن عروة عن أبيه { عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت جاءتني بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ، ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته عائشة فقال : صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه فقال : أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق } .
( قال الشافعي ) في حديث هشام عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلائل قد غلط في بعضها من يذهب مذهبهم من أهل العلم فقال : لا بأس ببيع المكاتب بكل حال ، ولا أراه إلا قد غلط الكتابة ثابتة ، فإذا عجز المكاتب فلا بأس أن يبيعه فقال : لي قائل بريرة كانت مكاتبة وبيعت وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع فقلت له ، ألا ترى أن بريرة جاءت تستعين في كتابتها وتذهب مساومة بنفسها لمن يشتريها وترجع بخبر أهلها ؟ فقال : بلى ولكن ما قلت في هذا ؟ قلت إن هذا رضا منها بأن تباع قال : أجل قلت ودلالة على عجزها ، أو رضاها بالعجز قال : أما رضاها بالعجز ، فإذا رضيت بالبيع دل ذلك على رضاها بالعجز ، وأما على عجزها ، فقد تكون غير عاجزة وترضى بالعجز رجاء تعجيل العتق فقلت له والمكاتب إذا حلت نجومه فقال : قد عجزت لم يسأل عنه غيره ورددناه رقيقا وجعلنا للذي كاتبه بيعه ويعتق ويرق قال : أما هذا فلا يختلف فيه أحد أنه إذا عجز رد رقيقا قلت ، ولا يعلم عجزه إلا بأن يقول قد عجزت أو تحل نجومه فلا يؤدي ، ولا يعلم له مال قال : أجل ولكن ما دل على أن بريرة لم تكن ذات مال قلت مسألتها في أوقية ، وقد بقيت عليها أواق ورضاها بأن تباع دليل على أن هذا عجز منها على لسانها قال : إن هذا الحديث ليحتمل ما وصفت ويحتمل جواز بيع المكاتب قلت أما ظاهره فعلى ما وصفت والحديث على ظاهره ، ولو احتمل ما وصفت ووصفت كان أولى المعنيين أن يؤخذ به ما لا يختلف فيه أكثر أهل العلم من أن المكاتب لا يباع حتى يعجز ، ولم ينسب إلى العامة أن يجهل معنى حديث ما روي عن النبي [ ص: 133 ] صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) فبين في كتاب الله عز وجل ، ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ما لا تمتنع منه العقول من أن المرء إذا كان مالكا لرجل فأعتقه فانتقل حكمه من العبودية إلى الحرية فجازت شهادته وورث وأخذ سهمه في المسلمين وحد حدودهم وحد له فكانت هذه الحرية إنما تثبت العتق للمالك وكان المالك المسلم إذا أعتق مسلما ثبت ، ولاؤه عليه فلم يكن للمالك المعتق أن يرد ولاءه فيرده رقيقا ، ولا يهبه ، ولا يبيعه ، ولا للمعتق ، ولا لهما لو اجتمعا على ذلك فهذا مثل النسب الذي لا يحول وبين في السنة وما وصفنا في الولاء أن الولاء لا يكون بحال إلا لمعتق ، ولا يحتمل معنى غير ذلك فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل له : إن شاء الله تعالى قال : الله عز وجل { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى الله وأن في قول الله تبارك وتعالى معنيين أحدهما أنها لمن سميت له والآخر أنها لا تكون لغيرهم بحال ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الولاء لمن أعتق } ، فلو أن رجلا لا ولاء له والى رجلا أو أسلم على يديه لم يكن مولى له بالإسلام ، ولا الموالاة ، ولو اجتمعا على ذلك ، وكذلك لو وجده معبودا فالتقطه ومن لم يثبت له ولاء بنعمة تجري عليه للمعتق فلا يقال لهذا مولى أحد ، ولا يقال له مولى المسلمين فإن قال : قائل فما باله إذا مات كان ماله للمسلمين ؟ قيل له : ليس بالولاء ورثوه ولكن ورثوه بأن الله عز وجل من عليهم بأن خولهم ما لا مالك له دونه فلما لم يكن لميراث هذا مالك بولاء ، ولا بنسب ، ولا له مالك معروف كان مما خولوه فإن قال : وما يشبه هذا ؟ قيل : الأرض في بلاد المسلمين لا مالك لها يعرف هي لمن أحياها من المسلمين والذي يموت ، ولا وارث له يكون ماله لجماعتهم لا أنهم مواليه .
، ولو كانوا أعتقوه لم يرثه من أعتقه منهم ، وهو كافر ولكنهم خولوا ماله بأن لا مالك له .
ولو كان حكم المسلمين في الذي لا ، ولاء له إذا مات أنهم يرثونه بالولاء حتى كأنه أعتقه جماعة المسلمين وجب علينا فيه أمران .
أحدهما أن ينظر إلى الحال التي كان فيها مولودا لا رق عليه ومسلما فيجعل ورثته الأحياء يومئذ من المسلمين دون من حدث منهم فإن ماتوا ورثنا ورثة الأحياء يومئذ من الرجال ماله ، أو جعلنا من كان حيا من المسلمين يوم يموت ورثته قسمناه بينهم قسم ميراث الولاء .
، ولا نجعل في واحدة من الحالين ماله لأهل بلد دون أهل بلد وأحصينا من في الأرض من المسلمين ، ثم أعطينا كل واحد منهم حظه من ميراثه كما يصنع بجماعة لو أعتقت واحدا فتفرقوا في الأرض ونحن والمسلمون إنما يعطون ميراثه أهل البلد الذي يموت فيه دون غيرهم ولكنا إنما جعلناه للمسلمين من الوجه الذي وصفت لا من أنه مولى لأحد فكيف يكون مولى لأحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { فإنما الولاء لمن أعتق } ، وفي قوله إنما الولاء لمن أعتق تثبيت أمرين أن الولاء للمعتق بأكيد ونفي أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ، وهذا غير معتق
( قال الشافعي ) ومن أعتق عبدا له سائبة فالعتق ماض وله ، ولاؤه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (163)
صــــــــــ 134 الى صـــــــــــ140
، ولا يخالف المعتق سائبة في ثبوت الولاء عليه والميراث منه غير السائبة لأن هذا معتق ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وهكذا المسلم يعتق مشركا فالولاء للمسلم ، وإن مات المعتق لم يرثه مولاه باختلاف الدينين ، وكذلك المشرك الذمي وغير الذمي فالعتق جائز والولاء للمشرك المعتق ، وإن مات المسلم المعتق لم يرثه المشرك الذمي الذي أعتقه باختلاف الدينين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم فكان هذا في النسب والولاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص واحدا منهم دون الآخر
( قال الشافعي ) وإذا قال : الرجل لعبده أنت حر عن فلان [ ص: 134 ] ولم يأمره بالحرية وقبل المعتق عنه ذلك بعد العتق ، أو لم يقبله فسواء ، وهو حر عن نفسه لا عن الذي أعتقه عنه وولاؤه له ; لأنه أعتقه
( قال الشافعي ) وإذا مات المولى المعتق وكانت له قرابة من قبل أبيه ترثه بأصل فريضة ، أو عصبة ، أو إخوة لأم يرثونه بأصل فريضة ، أو زوجة أو كانت امرأة وكان لها زوج ورث أهل الفرائض فرائضهم والعصبة شيئا إن بقي عنهم .
فإن لم يكن عصبة قام المولى المعتق مقام العصبة فيأخذ الفضل عن أهل الفرائض ، فإذا مات المولى المعتق قبل المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ، ولا وارث له غير مواليه ، أو له وارث لا يحوز ميراثه كله خالف ميراث الولاء ميراث النسب كما سأصفه لك إن شاء الله تعالى .
فانظر فإن كان للمولى المعتق بنون وبنات أحياء يوم يموت المولى المعتق فاقسم مال المولى المعتق ، أو ما فضل عن أهل الفرائض منه بين بني المولى المعتق فلا تورث بناته منه شيئا فإن مات المولى المعتق ، ولا بنين للمولى المعتق لصلبه وله ولد ولد متسفلون ، أو قرابة نسب من قبل الأب فانظر الأحياء يوم مات المولى المعتق من ولد ولد المولى المعتق فإن كان واحد منهم أقعد إلى المولى المعتق بأب واحد فقط فاجعل الميراث له دون من بقي من ولد ولده .
، وإن استووا في القعود فاجعل الميراث بينهم شرعا فإن كان المولى المعتق مات ، ولا ولد له ، ولا والد للمولى المعتق وله إخوة لأبيه وأمه وإخوة لأبيه وإخوة لأمه فلا حق للإخوة من الأم في ، ولاء مواليه ، ولم يكن معهم غيرهم والميراث للإخوة من الأب والأم دون الإخوة للأب ، ولو كان الإخوة للأب والأم واحدا .
وهكذا منزلة أبناء الإخوة ما كانوا مستوين ، فإذا كان بعضهم أقعد من بعض فانظر فإن كان القعدد لبني الإخوة للأب والأم ، أو لواحد منهم فاجعل الميراث له .
، وكذلك إن كانوا مثله في القعدد لمساواته في القعدد ولانفراده بقرابة الأم دونهم ومساواته إياهم في قرابة الأب فإن كان القعدد لابن الأخ لأب دون بني الأب والأم فاجعله لأهل القعدد بالمولى المعتق وهكذا منزلة عصبتهم كلهم بعدوا ، أو قربوا في ميراث الولاء
( قال الشافعي ) فإن كانت المعتقة امرأة ورثت من أعتقت ، وكذلك من أعتق من أعتقت ، ولا ترث من أعتق أبوها ، ولا أمها ، ولا أحد غيرها وغير من أعتق من أعتقت ، وإن سفلوا ويرث ولد المرأة المعتقة من أعتقت كما يرث ولد الرجل الذكور دون الإناث فإن انقرض ولدها وولد ولدها الذكور ، وإن سفلوا ، ثم مات مولى لها أعتقته ورثه أقرب الناس بها من رجال عصبتها لا عصبة ولدها .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام من أبيه أنه أخبره أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لأم ورجل لعلة فهلك أحد الذين لأم وترك مالا وموالي فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه . ، ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه فقال : ابنه قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي : وقال : أخوه ليس كذلك ، وإنما أحرزت المال فأما ولاء الموالي فلا ، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا ؟ فاختصما إلى عثمان فقضى لأخيه بولاء الموالي .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أنه كان جالسا عند أبان بن عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحارث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة عند رجل من بني الحارث بن الخزرج يقال له إبراهيم بن كليب فماتت المرأة وتركت مالا وموالي فورثها ابنها وزوجها ، ثم مات ابنها فقالت ورثته لنا ولاء الموالي قد كان ابنها أحرزه . وقال : الجهنيون ليس كذلك إنما هم موالي صاحبتنا . ، فإذا مات ولدها فلنا ، ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى أبان بن عثمان للجهنيين بولاء [ ص: 135 ] الموالي .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم أن عمر بن عبد العزيز أعتق عبدا له نصرانيا فتوفي العبد بعدما عتق قال إسماعيل فأمرني عمر بن عبد العزيز أن آخذ ماله فأجعله في بيت مال المسلمين .
( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ .
ميراث الولد الولاء .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا مات الرجل وترك ابنين وبنات وموالي هو أعتقهم فمات المولى المعتق ورثه ابناه ، ولم يرثه أحد من بناته .
فإن مات أحد الابنين وترك ولدا ثم مات أحد الموالي الذين أعتقهم ورثه ابن المعتق لصلبه دون بني أخيه ; لأن المعتق لو مات يوم يموت المولى كان ميراثه لابنه لصلبه دون ابن ابنه ثم هكذا ميراث الولد وولد الولد أبدا ، وإن تسفلوا في الموالي انسب ولد الولد أبدا إلى المولى المعتق يوم يموت المولى المعتق فأيهم كان أقرب إليه بأب واحد فاجعل له جميع ميراث المولى المعتق
ولو أعتق رجل غلاما ، ثم مات المعتق وترك ثلاثة بنين ثم مات البنون الثلاثة وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة بنين والآخر خمسة بنين ، ثم مات المولى المعتق اقتسموا ميراث المولى على عشرة أسهم للابن سهم وللأربعة البنين أربعة أسهم وللخمسة خمسة أسهم كما يقتسمون ميراث الجد لو مات يومئذ وهم ورثته لاختلاف حال ميراث الولاء والمال ، ولو كان الجد الميت فورثه ثلاثة بنون ، ثم مات البنون وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة والآخر خمسة ، ثم ظهر للجد مال اقتسم بنو البنين على أنه ورثه ثلاثة بنين ، ثم ورث الثلاثة البنين أبناؤهم فللابن المنفرد بميراث أبيه ثلث ميراث الجد ، وذلك حصة أبيه من ميراث الجد وللأربعة البنين ثلث ميراث الجد أرباعا بينهم ، وذلك حصة ميراث أبيهم ، وللخمسة البنين ثلث ميراث الجد أخماسا بينهم . وذلك حصة أبيهم من ميراث جدهم . ولو كان معهم في المال بنات دخلن ، ولا يدخلن في ميراث الولاء .
فإذا أعتق رجل عبدا فمات المولى المعتق وترك أباه وأولادا ذكورا فميراث المولى المعتق لذكور ولده دون بناته وجده لا يرث الجد مع ولد المعتق شيئا ما كان فيهم ذكر ، ولا ولد ولده ، وإن سفلوا ، فإذا مات المولى المعتق وترك أباه وإخوته لأبيه وأمه ، أو لأبيه فالمال للأب دون الإخوة ; لأنهم إنما يلقون الميت عند أبيه فأبوه أولى بولاء الموالي إذا كانوا إنما يدلون بقرابته
فإذا مات المولى المعتق وترك جده وإخوته لأبيه وأمه ، أو لأبيه فاختلف أصحابنا في ميراث الجد والأخ ، فمنهم من قال : الميراث للأخ دون الجد ، وذلك ; لأنه يجمعه والميت أب قبل الجد ، ومن قال هذا القول قال : وكذلك ابن الأخ وابن ابنه ، وإن سفلوا ; لأن الأب يجمعهم والمولى المعتق قبل الجد وبهذا أقول ; ومن أصحابنا من قال : الجد والأخ في ولاء الموالي بمنزلة ; لأن الجد يلقى المولى المعتق عند أول أب ينتسب إليه فيجمعه والميت المعتق أب يكونان فيه سواء ، وأول من ينسب إليه الميت أبو الميت والميت ابنه والجد أبوه فذهب إلى أن يشرك الجد والميت المعتق أب هما شرع فيه الجد بالأبوة والابن بولادته ويذهب إلى أنهما سواء ، ومن قال : هذا قال : الجد أولى بولاء الموالي من بنى الأخ إذا سوى بينه وبين الأخ جعل المال للجد بالقرب من الميت .
( قال الشافعي ) الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد ، وبنو الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد .
فعلى هذا الباب كله وقياسه ، فأما إن مات المولى المعتق وترك جده وعمه ومات المولى المعتق فالمال للجد دون العم ; لأن العم لا يدلي بقرابة إلا بأبوة الجد فلا شيء له مع من يدلي بقرابته ، ولو مات رجل وترك عمه [ ص: 136 ] وجد أبيه كان القول فيها على قياس من قال : الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد أن يكون المال للعم ; لأنه يلقى الميت عند جد يجمعهما قبل الذي ينازعه ، وكذلك ولد العم ، وإن تسفلوا ; لأنهم يلقونه عند أب لهم ولد قبل جد أبيه ومن قال : الأخ والجد سواء فجد الأب والعم سواء ; لأن العم يلقاه عند جده وجد أبيه أبو جده .
( قال الشافعي ) فإن كان المنازع لجد الأب ابن العم فجد الأب أولى كما يكون الجد أولى من ابن الأخ للقرب من المولى المعتق
( قال الشافعي ) وإذا مات المولى المعتق ، ثم مات المولى المعتق ، ولا وارث للمولى المعتق وترك أخاه لأمه وابن عم قريب ، أو بعيد فالمال لابن العم القريب ، أو البعيد ; لأن الأخ من الأم لا يكون عصبة ، فإن كان الأخ من الأم من عصبته وكان في عصبته من هو أقعد منه من أخيه لأمه الذي هو من عصبته كان للذي هو أقعد إلى المولى المعتق فإن استوى أخوه لأمه الذي هو من عصبته وعصبته فالميراث كله للأخ من الأم ; لأنه ساوى عصبته في النسب وانفرد منهم بولادة الأم ، وكذلك القول في عصبته بعدوا أو قربوا ، لا اختلاف في ذلك ، والله تعالى الموفق .
الخلاف في الولاء .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقال : لي بعض الناس الكتاب والسنة والقياس والمعقول والأثر على أكثر ما قلت في أصل ، ولاء السائبة وغيره ونحن لا نخالفك منه إلا في موضع ، ثم نقيس عليه غيره فيكون مواضع قلت : وما ذاك ؟ قال : الرجل إذا أسلم على يدي الرجل كان له ، ولاؤه كما يكون للمعتق قلت : أتدفع أن الكتاب والسنة والقياس يدل على ما وصفنا من أن المنعم بالعتق يثبت له الولاء كثبوت النسب ؟ قال : لا . قلت والنسب إذا ثبت فإنما الحكم فيه أن الولد مخلوق من الوالد ؟ قال نعم . قلت فلو أراد الوالد بعد الإقرار بأن المولود منه نفيه وأراد ذلك الولد لم يكن لهما ، ولا لواحد منهما ذلك . قال : نعم . قلت ، فلو أن رجلا لا أب له رضي أن ينتسب إلى رجل ورضي ذلك الرجل وتصادقا مع التراضي بأن ينتسب أحدهما إلى الآخر وعلم أن أم المنسوب إلى المنتسب إليه لم تكن للمنتسب إليه زوجة ، ولا أمة وطئها بشبهة لم يكن ذلك لهما ، ولا لواحد منهما ؟ قال : نعم قلت ; لأنا إنما ننسب بأمرين أحدهما الفراش ، وفي مثل معناه ثبوت النسب بالشبهة بالفراش والنطفة بعد الفراش ؟ قال : نعم قلت ، ولا ننسب بالتراضي إذا تصادقا إذا لم يكن ما ينسب به ، قال : نعم : قلت : وثبت له حكم الأحرار وينتقل عن أحكام العبودية .
قال : نعم قلت والولاء هو إخراجك مملوكك من الرق بعتقك والعتق فعل منك لم يكن لمملوكك رده عليك ؟ قال : نعم . قلت ولو رضيت أن تهب ولاءه ، أو تبيعه لم يكن ذلك لك ؟ قال : نعم .
قلت ، فإذا كان هذا ثبت فلا يزول بما وصفت من متقدم العتق والفراش والنطفة وما وصفت من ثبوت الحقوق في النسب والولاء ، أفتعرف أن المعنى الذي اجتمعنا عليه في تثبيت النسب والولاء لا ينتقل ، وإن رضي المنتسب والمنتسب إليه ، والمولى المعتق والمولى المعتق لم يجز له ، ولا لهما بتراضيهما قال : نعم . هكذا السنة والأثر وإجماع الناس فهل تعرف السبب الذي كان ذلك ؟ .
( قال الشافعي ) فقلت له في واحد مما وصفت ووصفنا كفاية والمعنى الذي حكم بذلك بين عندي والله تعالى أعلم .
قال : فما هو ؟ قلت إن الله عز وجل أثبت للولد والوالد حقوقا في المواريث وغيرها وكانت الحقوق التي تثبت لكل واحد منهما على صاحبه تثبت للوالد على ولد الولد ، وللولد من الأم على والدي الوالد حقوقا في المواريث وولاء الموالي وعقل الجنايات وولاية النكاح وغير ذلك ، فلو ترك الوالد والولد حقهما من ذلك [ ص: 137 ] وما يثبت لأنفسهما لم يكن لهما تركه لآبائهما ، أو أبنائهما أو عصبتهما ، ولو جاز للابن أن يبطل حقه عن الأب في ولاية الصلاة عليه لو مات والقيام بدمه لو قتل والعقل عنه لو جنى ، لم يجز له أن يبطل ذلك لآبائه ، ولا أبنائه ، ولا لإخوته ، ولا عصبته
; لأنه قد ثبت لآبائه وأبنائه وعصبته حقوق على الولد لا يجوز للوالد إزالتها بعد ثبوتها ، ومثل هذه الحال الولد .
فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يثبت رجل على آبائه وأبنائه وعصبته نسب من قد علم أنه لم يلده فيدخل عليهم ما ليس له ، ولا من قبل أحد من المسلمين ميراث من نسب إليه من نسب له والمولى المعتق كالمولود فيما يثبت له من عقل جنايته ويثبت عليه من أن يكون موروثا وغير ذلك ، فكذلك لا يجوز أن ينتسب إلى ولاء رجل لم يعتقه ; لأن الذي يثبت المرء على نفسه يثبت على ولده وآبائه وعصبته ولايتهم ، فلا يجوز له أن يثبت عليهم ما لا يلزمهم من عقل وغيره بأمر لا يثبت ، ولا لهم بأمر لم يثبت .
فقال : هذا كما وصفت إن شاء الله تعالى قلت فلم جاز لك أن توافقه في معنى وتخالفه في معنى ؟ وما وصفت في تثبيت الحقوق في النسب والولاء .
قال : أما القياس على الأحاديث التي ذكرت وما يعرف الناس فكما قلت لولا شيء أراك أغفلته والحجة عليك فيه قائمة .
قلت وما ذاك ؟ قال : حديث عمر بن عبد العزيز قلت له ليس يثبت مثل هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث . قال : لأنه خالف غيره من حديثك الذي هو أثبت منه .
قلت لو خالفك ما هو أثبت منه لم نثبته وكان علينا أن نثبت الثابت ونرد الأضعف .
قال : أفرأيت لو كان ثابتا أيخالف حديثنا حديثك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الولاء ؟ فقلت لو ثبت لاحتمل خلافها وأن لا يخالفها ; لأنا نجد توجيه الحديثين معا لو ثبت وما وجدنا له من الأحاديث توجيها استعملناه مع غيره ، قال : فكيف كان يكون القول فيه لو كان ثابتا ؟ قلت : يقال الولاء لمن أعتق لا ينتقل عنه أبدا ، ولو نقله عن نفسه ، وبوجه قول النبي صلى الله عليه وسلم { فإنما الولاء لمن أعتق } على الإخبار عن شرط الولاء فيمن باع فأعتقه غيره أن الولاء للذي أعتق إذا كان معتقا لا على العام أن الولاء لا يكون إلا لمعتق إذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء لغير معتق ممن أسلم على يديه .
قال : هذا القول المنصف غاية النصفة فلم لم تثبت هذا الحديث فنقول بهذا ؟ قلت ; لأنه عن رجل مجهول ومنقطع ونحن وأنت لا نثبت حديث المجهولين ، ولا المنقطع من الحديث .
قال : فهل يبين لك أنه يخالف القياس إذا لم يتقدم عتق ؟ قلت نعم ، وذلك إن شاء الله تعالى بما وصفنا من تثبيت الحق له وعليه بثبوت العتق وأنه إذا كان يثبت بثبوت العتق لم يجز أن يثبت بخلافه .
قال : فإن قلت يثبت على الموالي بالإسلام ; لأنه أعظم من العتق ، فإذا أسلم على يديه فكأنما أعتقه .
قلت : فما تقول في مملوك كافر ذمي لغيرك أسلم على يديك أيكون إسلامه ثابتا ؟ قال : نعم .
قلت : أفيكون ولاؤه لك أم يباع على سيده ويكون رقيقا لمن اشتراه ؟ قال : بل يباع ويكون رقيقا لمن اشتراه .
قلت فلست أراك جعلت الإسلام عتقا ، ولو كان الإسلام يكون عتقا كان للعبد الذمي أن يعتق نفسه ، ولو كان كذلك كان الذمي الحر الذي قلت هذا فيه حرا وكان إسلامه غير إعتاق من أسلم على يديه ; لأنه إن كان مملوكا للمسلمين فلهم عندنا ، وعندك أن يسترقوه ، ولا يخرج بالإسلام من أيديهم ، وإن قلت كان مملوكا للذميين فينبغي أن يباع ويدفع ثمنه إليهم قال : ليس بمملوك للذميين وكيف يكون مملوكا لهم ، وهو يوارثهم وتجوز شهادته ، ولا للمسلمين بل هو حر ، قلت وكيف كان الإسلام كالعتق ؟ قال : بالخبر ، قلت لو ثبت قلنا به معك إن شاء الله تعالى ، وقلت له : وكيف قلت في الذي لا ولاء له ، ولم [ ص: 138 ] يسلم على يدي رجل يوالي من شاء ؟ قال : قياسا أن عمر قال : في المنبوذ هو حر ولك ، ولاؤه ، قلت أفرأيت المنبوذ إذا بلغ أيكون له أن ينتقل بولائه ؟ قال : فإن قلت لا ; لأن الوالي عقد الولاء عليه قلت أفيكون للوالي أن يعقد عليه ما لم يسبق به حرية ، ولم يعقد على نفسه ؟ قال : فإن قلت هذا حكم من الوالي ؟ قلت أو يحكم الوالي على غير سبب متقدم يكون به لأحد المتنازعين على الآخر حق ، أو يكون صغيرا يبيع عليه الحاكم فيما لا بد له منه وما يصلحه ، وإن كان كما وصفت أفيثبت الولاء بحكم الوالي للملتقط فقست الموالي عليه ؟ .
قلت ، فإذا والى فأثبت عليه الولاء ، ولا تجعل له أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فأنت تقول ينتقل بولائه ، قال : فإن قلت ذلك في اللقيط ؟ قلت ، فقد زعمت أن للمحكوم عليه أن يفسخ الحكم ، قال : فإن قلت ليس للقيط ، ولا للموالى أن ينتقل ، وإن لم يعقل عنه ؟ قلت فهما يفترقان ، قال : وأين افتراقهما ؟ قلت اللقيط لم يرض شيئا ، وإنما لزمه الحكم بلا رضا منه ، قال : ولكن بنعمة من الملتقط عليه ، قلت فإن أنعم على غير لقيط أكثر من النعمة على اللقيط فأنقذ من قتل وغرق وحرق وسجن وأعطاه مالا أيكون لأحد بهذا ، ولاؤه ؟ قال : لا : قلت ، فإذا كان الموالى لا يثبت عليه الولاء إلا برضاه فهو مخالف للقيط الذي يثبت به بغير رضاه فكيف قسته عليه ؟ قال : ولأي شيء خالفتم حديث عمر ؟ قلنا : وليس مما يثبت مثله هو عن رجل ليس بالمعروف ، وعندنا حديث ثابت معروف أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهبت ولاء بني يسار لابن عباس ، فقد أجازت ميمونة وابن عباس هبة الولاء فكيف تركته ؟ قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته ; قلنا أفيحتمل أن يكون نهيه على غير التحريم ؟ قال : هو على التحريم ، وإن احتمل غيره ، قلت : فإن قال : لك قائل لا يجهل ابن عباس وميمونة كيف وجه نهيه .
قال قد يذهب عنهما الحديث رأسا فتقول ليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ، قلت فكيف أغفلت هذه الحجة في اللقيط ؟ فلم ترها تلزم غيرك كما لزمتك حجتك في أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد يعزب عن بعض أصحابه ; وأنه على ظاهره ، ولا يحال إلى باطن ، ولا خاص إلا بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن غيره ، قال : فهكذا نقول : قلت نعم في الجملة ، وفي بعض الأمر دون بعض ، قال : قد شركنا في هذا بعض أصحابك .
قلت أفحمدت ذلك منهم ؟ قال : لا قلت فلا أشركهم فيما لم تحمد ، وفيما نرى الحجة في غيره .
فقال : لمن حضرنا من الحجازيين : أكما قال : صاحبكم في أن لا ولاء إلا لمن أعتق ؟ فقالوا نعم وبذلك جاءت السنة ، قال : فإن منكم من يخالف في السائبة والذمي يعتق المسلم ، قالوا : نعم .
قال : فيكلمه بعضكم أو أتولى كلامه لكم ؟ قالوا افعل فإن قصرت تكلمنا ; قال : فأما أتكلم عن أصحابك في ولاء السائبة ما تقول في ولاء السائبة وميراثه إذا لم يكن له وارث إلا من سيبه ؟ فقلت ، ولاؤه لمن سيبه وميراثه له .
قال فما الحجة في ذلك ؟ قلت الحجة البينة أمعتق المسيب للمسيب ؟ قال : نعم قلت : فقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } وجعل المسلمون ميراث المعتق لمن أعتقه إذا لم يكن دونه من يحجبه بأصل فريضة .
قال : فهل من حجة غير هذه ؟ قلت ما أحسب أحدا سلك طريق النصفة يريد وراءها حجة ، قال : بلى .
وقلت له : قال : الله تبارك وتعالى { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } قال : وما معنى هذا ؟ قلت سمعت من أرضى من أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده في الجاهلية سائبة فيقول لا أرثه ، ويفعل في الوصيلة من الإبل والحام أن لا يركب ، فقال الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } على معنى ما جعلتم فأبطل شروطهم فيها وقضى أن الولاء لمن أعتق ورد البحيرة والوصيلة والحام إلى [ ص: 139 ] ملك مالكها إذا كان العتق في حكم الإسلام أن لا يقع على البهائم ، قال : فهل تأول أحد السائبة على بعض البهائم ؟ قلت : نعم . وهذا أشبه القولين بما يعرف أهل العلم والسنة ، قال : أفرأيت قولك قد أعتقتك سائبة أليس خلاف قولك قد أعتقتك ؟ قلت أما في قولك أعتقتك فلا ، وأما في زيادة سائبة فنعم . قال : فهما كلمتان خرجتا معا فإنما أعتقه على شرط ، قلت : أو ما أعتقت بريرة على شرط أن الولاء للبائعين فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرط ؟ فقال : { الولاء لمن أعتق } قال : بلى : قلت ، فإذا أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط البائع والمبتاع المعتق ، وإنما انعقد البيع عليه ; لأن الولاء لمن أعتق ورده إلى المعتق فكيف لا يبطل شرط المعتق ، ولم يجعله لغيره من الآدميين ؟ قال : فإن قلت فله الولاء ، ولا يرثه ؟ قلت فقل إذا الولاء للمعتق المشترط عليه أن الولاء لغيره ، ولا يرثه ، قال : لا يجوز أن أثبت له الولاء وأمنعه الميراث وديناهما واحد .
( قال الشافعي ) وقلت له أرأيت الرجل يملك أباه ويتسرى الجارية ويموت لمن ، ولاء هذين ؟ قال : لمن عتقا بملكه وفعله ، قلت أفرأيت لو قال لك قائل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما الولاء لمن أعتق } ، ولم يعتق واحد من هذين .
هذا ورث أباه فيعتقه ، وإن كره ، وهذا ولدت جاريته ، ولم يعتقها بالولد ، وهو حي فأعتقها به بعد الموت فلا يكون لواحد من هذين ولاء ; لأن كليهما غير معتق هل حجتنا وحجتك عليه إلا أنه إذا زال عنه الرق بسبب من يحكم له بالملك كان له ولاؤه ؟ قال : لا وكفى بهذا حجة منك ، وهذا في معاني المعتقين ، قلت فالمعتق سائبة هو المعتق ، وهذا أكثر من الذي في معاني المعتقين ، قال ، فإن القوم يذكرون أحاديث ، قلت فاذكرها قال : ذكروا أن حاطب بن أبي بلتعة أعتق سائبة ، قلت ونحن نقول إن أعتق رجل سائبة فهو حر وولاؤه له ، قال : فيذكرون عن عمر وعثمان ما يوافق قولهم ويذكر سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه رجل من الحاج فأصابه غلام من بني مخزوم فقضى عمر عليهم بعقله ، فقال : أبو المقضي عليه لو أصاب ابني ، قال : إذا لا يكون له شيء ، قال : فهو إذا مثل الأرقم ، قال : عمر فهو إذا مثل الأرقم ، فقلت له هذا إذا ثبت بقولنا أشبه ، قال ومن أين ؟ قلت ; لأنه لو رأى ولاءه للمسلمين رأى عليهم عقله ، ولكن يشبه أن يكون رأى عقله على مواليه فلما كانوا لا يعرفون لم ير فيه عقلا حتى يعرف مواليه ، ولو كان على ما تأولوا ، وكان الحديث يحتمل ما قالوا كانوا يخالفونه ، قال : وأين ؟ قلت هم يزعمون أن السائبة لو قتل كان عقله على المسلمين ، ونحن نروي عن عمر وغيره مثل معنى قولنا ، قال : فاذكره : قلت أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم ، فقال : عمر بن الخطاب أعطوه ورثة طارق فأبوا أن يأخذوا ، فقال : عمر فاجعلوه في مثلهم من الناس ، قال : فحديث عطاء مرسل قلت يشبه أن يكون سمعه من آل طارق ، وإن لم يسمعه عنهم فحديث سليمان مرسل قال : فهل غيره ؟ قلت أخبرنا سفيان عن سليمان بن مهران عن إبراهيم النخعي أن رجلا أعتق سائبة فمات فقال : عبد الله هو لك قال : لا أريد قال فضعه إذا في بيت المال ، فإن له وارثا كثيرا .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان قال أخبرني أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن عن معمر قال : كان سالم مولى أبي حذيفة لامرأة من الأنصار يقال لها عمرة بنت يعار أعتقته سائبة فقتل يوم اليمامة فأتى أبو بكر بميراثه فقال : أعطوه عمرة فأبت تقبله ، قال : قد اختلفت فيه الأحاديث قلت فما كنا نحتاج إليها مع قول النبي صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } ، وإذا اختلفت فالذي يلزمنا أن نصير إلى أقربها من السنة ، وما قلنا معنى السنة مع ما ذكرنا من الاستدلال بالكتاب ، قال : فإن قالوا إنما أعتق السائبة عن المسلمين ، قلنا : فإن قال : قد أعتقتك عن نفسي سائبة لا عن غيري وأشهد بهذا القول قبل العتق [ ص: 140 ] ومعه ، فقال : أردت أن يكمل أجري بأن لا يرجع إلي ، ولاؤه ، قال : فإن قالوا : فإذا قال : هذا ؟ فهذا يدل على أنه أعتقه على المسلمين ، قلنا هذا الجواب محال ، يقول أعتقتك عن نفسي ويقول أعتقه عن المسلمين ، فقال : هذا قول غير مستقيم ، قلت أرأيت لو كان أخرجه من ملكه إلى المسلمين أكان له أن يعتقه ، ولم يأمروه بعتقه ؟ ، ولو فعل لكان عتقه باطلا إذا أعتق ما أخرج من ملكه إلى غيره بغير أمره ، فإن قال : إنما أجزته ; لأنه مالك معتق ، فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق ، قال : فما حجتك عليهم في الذمي يسلم عبده فيعتقه ؟ قلت مثل أول حجتي في السائبة أنه لا يعدو أن يكون معتقا ، فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولاء لمن أعتق ، أو يكون إذا اختلف الدينان لا يجوز عتقه فيكون عتقه باطلا ؟ قال : بل هو معتق والعتق جائز قلت فما أعلمك بقيت للمسألة موضعا قال : بلى لو مات العبد لم يرثه المعتق قلت وما منع الميراث إنما منع الميراث الذي منعه الورثة أيضا غير المعتق باختلاف الدينين ، وكذلك يمنعه وارثه بالنسب باختلاف الولاء والنسب قال : أفيجوز أن يثبت له عليه ولاء ، وهو لا يرثه ؟ قلت نعم كما يجوز أن يثبت له على أبيه أبوة ، وهو لا يرثه إذا اختلف الدينان ، أو يجوز أن يقال : إن الذمي إذا أعتق العبد المسلم وللذمي ولد مسلمون كان الولاء لبنيه المسلمين ، ولا يكون للذي أعتقه ؟ لئن لم يكن للمعتق فالمعتق لهم من بنيه أبعد أن يجوز قال : وأنت تقول مثل هذا ؟ قلت وأين ؟ قال تزعم أن رجلا لو كان له ولد مسلمون ، وهو كافر فمات أحدهم ورثته إخوته المسلمون ، ولم يرثه أبوه وبه ورثوه قلت أجل فهذه الحجة عليك قال : وكيف ؟ قلت أرأيت أبوته زالت عن الميت باختلاف دينهما ؟ قال لا ، هو أبوه بحاله قلت ، وإن أسلم قبل أن يموت ورثته قال نعم قلت ، وإنما حرم الميراث باختلاف الدينين قال نعم قلت فلم لم تقل في الموالي هذا القول فنقول مولاه من أعتقه ، ولا يرثه ما اختلف ديناهما ، فإذا أسلم المعتق ورثه إن مات بعد إسلامه قال : فإنهم يقولون إذا أعتقه الذمي ثبت ، ولاؤه للمسلمين ، ولا يرجع إليه قلت وكيف ثبت ، ولاؤه للمسلمين وغيرهم أعتقه ؟ قال فبأي شيء يرثونه ؟ قلت ليسوا يرثونه ولكن ميراثه لهم ; لأنه لا مالك له بعينه قال : وما دلك على ما تقول ، فإن الذي يعرف أنهم لا يأخذونه إلا ميراثا ؟ قلت أفيجوز أن يرثوا كافرا ؟ قال : لا قلت أفرأيت الذمي لو مات ، ولا وارث له من أهل دينه لمن ميراثه ؟ قال : للمسلمين قلت ; لأنه لا مالك له لا أنه ميراث قال : نعم قلت ، وكذلك من لا ولاء من لقيط ومسلم لا ولاء له ، أو ، ولاؤه لكافر لا قرابة له من المسلمين وذكرت ما ذكرت في أول الكتاب من أنه لا يؤخذ على الميراث قال : فإن من أصحابنا من خالفك في معنى آخر فقال : لو أن مسلما أعتق نصرانيا فمات النصراني ورثه إنما قال : النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر في النسب } فقلت أموجود ذلك في الحديث ؟ قال فيقولون الحديث يحتمله قلت أفرأيت إن عارضنا وإياهم غيرنا فقال : فإنما معنى الحديث في الولاء ؟ قال : ليس ذلك له قلت ولم ؟ ألأن الحديث لا يحتمله ؟ قال : بل يحتمله ولكنه ليس في الحديث والمسلمون يقولون هذا في النسب قلت ليس كل المسلمين يقولونه في النسب فمنهم من يورث المسلم الكافر كما يجيز له النكاح إليه ، ولا يورث الكافر المسلم قال : فحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة ؟ قلت أجل في جميع الكفار والحجة على من قال : هذا في بعض الكافرين في النسب كالحجة على من قال : في الولاء قلت فإنهم يقولون إن عمر بن عبد العزيز قضى به فقلت قد أخبرتك أن ميمونة وهبت ولاء بني يسار لابن عباس فأتهيبه وقلت : إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة فهو على جمله ، ولم نحمله ما احتمل إلا بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكذلك أقول قلت فلم لم تقل هذا في المسلم يعتق النصراني مع أن الذي روينا
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (164)
صــــــــــ 141 الى صـــــــــــ147
فقلت أموجود ذلك في الحديث ؟ قال فيقولون الحديث يحتمله قلت أفرأيت إن عارضنا وإياهم غيرنا فقال : فإنما معنى الحديث في الولاء ؟ قال : ليس ذلك له قلت ولم ؟ ألأن الحديث لا يحتمله ؟ قال : بل يحتمله ولكنه ليس في الحديث والمسلمون يقولون هذا في النسب قلت ليس كل المسلمين يقولونه في النسب فمنهم من يورث المسلم الكافر كما يجيز له النكاح إليه ، ولا يورث الكافر المسلم قال : فحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة ؟ قلت أجل في جميع الكفار والحجة على من قال : هذا في بعض الكافرين في النسب كالحجة على من قال : في الولاء قلت فإنهم يقولون إن عمر بن عبد العزيز قضى به فقلت قد أخبرتك أن ميمونة وهبت ولاء بني يسار لابن عباس فأتهيبه وقلت : إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة فهو على جمله ، ولم نحمله ما احتمل إلا بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكذلك أقول قلت فلم لم تقل هذا في المسلم يعتق النصراني مع أن الذي روينا
[ ص: 141 ] عن عمر بن عبد العزيز أنه وضع ميراث مولى له نصراني في بيت المال ، وهذا أثبت الحديثين عنه وأولاهما به عندنا والله تعالى أعلم والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز خلاف هذا قال ، فقد يحتمل أن يكون هذا من عمر بن عبد العزيز ترك شيء ، وإن كان له قلت نعم وأظهر معانيه عندنا أنه ليس له أن يرث كافرا وأنه إذا منع الميراث للولد والوالد والزوج بالكفر كان ميراث المولى أولى أن يمنعه ; لأن المولى أبعد من ذي النسب قال : فما حجتك على أحد إن خالفك في الرجل يعتق عبده عن الرجل بغير أمره فقال الولاء للمعتق عنه دون المعتق لعبده ; لأنه عقد العتق عنه ؟ قلت أصل حجتي عليك ما وصفت من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولاء لمن أعتق } ، وهذا معتق قال ، فقد زعمت أنه إن أعتق عبده عنه بأمره كان الولاء للآمر المعتق عنه عبده ، وهذا معتق عنه قلت نعم من قبل أنه إذا أعتق عنه بأمره فإنما ملكه عبده وأعتقه عنه بعدما ملكه قال : أفقبضه المالك المعتق عنه ؟ قلت إذا أعتقه عنه بأمره فعتقه أكثر من قبضه هو لو قبضه قال : ومن أين ؟ قلت إذا جاز للرجل أن يأمر الرجل أن يعتق عبد نفسه فأعتقه فجاز بأنه وكيل له ماضي الأمر فيه ما لم يرجع في وكالته وجاز للرجل أن يشتري العبد من الرجل فيعتقه المشتري بعد تفرقهما عن المقام الذي تبايعا فيه وقبل القبض فينفذ العتق ; لأنه مالك جاز إذا ملكه سيد العبد عبده أن ينفذ عليه عتقه وعتق غيره بأمره قال : والولاء للآمر قلت نعم ; لأنه مالك معتق قال : ومن أين يكون معتقا ، وإنما أعتق عنه غيره بأمره ؟ قلت إذا أمر بالعتق رجلا فأعتق عنه فهو وكيل له جائز العتق ، وهو المعتق إذا وكل ونفذ العتق بأمره قال : فكيف ؟ قلت في الرجل يعتق عن غيره عبده بغير أمره العتق جائز قلت نعم ; لأنه أعتق ما يملك قال أرأيت قوله هو حر عن فلان ألهذا معنى ؟ قلت أما معنى له حكم يرد به العتق أو ينتقل به الولاء فلا ، قال : فما الحجة في هذا سوى ما ذكرت أرأيت لو قال : إذا أعتقه عنه بغير أمره فقبل العتق كان له الولاء قلت إذا يلزمه فيه العلة التي لا نرضى أن نقوله قال : وما هو ؟ قلت يقال له هل يكون العتق إلا لمالك ؟ قال : يقول لا قلنا فمتى ملك ؟ قال : حين قبل قلت أفرأيت حين قبل أقبل حرا ، أو مملوكا ؟ قال : فأقول بل قبل حرا قلنا أفيعتق حرا أو يملكه قال : فأقول بل حين فعل علمنا أنه كان مالكا حين وهبه له قلت أفرأيت إن قال : لك قد قبلت وأبطلت عتقك أيكون العبد المعتق مملوكا له ؟ قال وكيف يكون مملوكا له ؟ قلت تجعله بإعتاقه إياه عنه مملوكا له قبل العتق ، وإذا ملكتني عبدك ، ثم أعتقته أنت ، جاز تمليكك إياي وبطل عنه عتقك إذا لم أحدث له عتقا ، ولم آمرك تحدثه لي قال : هذا يلزم من قال هذا ، وهذا خطأ بين ما يملكه إياه إلا بعد خروجه من الرق وما أخرجه من الرق غيره فالولاء له كما قلت ، وهذا قول قد قاله غيرك من أصحابنا أفتوضحه لي بشيء ؟ قلت نعم أرأيت لو أعتقت عبدا لي ثم قلت بعد عتقه قد جعلت أجره وولاءه الآن لك ؟ قال : فلا يكون لي أجره ، ولا ، ولاؤه ، وإنما يقع الأجر والولاء يوم أعتقت فلما أعتقت عن نفسك لم ينتقل إلى أجرك كما لا ينتقل أجر عملك غير هذا إلي .
( قال الشافعي ) وقلت له الولاء لا يملكه إلا من أعتق ، ولا يكون لمن أعتق إخراجه من ملكه إلى غيره ، وهو غير الأموال المملوكة التي يحولها الناس من أموالهم إلى أموال من شاءوا قال نعم قلت فهذه الحجة على من خالفنا في هذا .
[ ص: 142 ] الوديعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا الشافعي قال : إذا استودع الرجل الرجل الوديعة وأراد المستودع سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا فهلكت ضمن ، وكذلك لو أراد سفرا فجعل الوديعة في بيت مال المسلمين فهلكت ضمن ، وكذلك إن دفنها ، ولم يعلم بها أحدا يأمنه على ماله فهلكت ضمن ، وكذلك إن دفنها ، ولم يخلف في منزله أحدا يحفظه فهلكت ، ضمن
وإذا أودع الرجل الوديعة فتعدى فيها فلم تهلك حتى أخذها وردها في موضعها فهلكت ضمن من قبل أنه قد خرج من حد الأمانة إلى أن كان متعديا ضامنا للمال بكل حال حتى يحدث له المستودع أمانة مستقبلة ، وكذلك لو تكارى دابة إلى بلد فتعدى بها ذاهبا ، أو جائيا ثم ردها سالمة إلى الموضع الذي له في الكراء فهلكت من قبل أن يدفعها كان لها ضامنا من قبل أنه صار متعديا ومن صار متعديا لم يبرأ حتى يدفع إلى من تعدى عليه ماله
وكذلك لو سرق دابة لرجل من حرزها ، ثم ردها إلى حرزها فهلكت ضمن ، ولا يبرأ من ضمن إلا بدفع ما ضمن إلى مالكه
ولو أودعه عشرة دراهم فتعدى منها في درهم فأخرجه فأنفقه ، ثم أخذه فرده بعينه ، ثم هلكت الوديعة ضمن الدرهم ، ولا يضمن التسعة لأنه تعدى بالدرهم ، ولم يتعد بالتسعة ، وكذلك إن كان ثوبا فلبسه ، ثم رده بعينه ضمنه ( قال الربيع ) قول الشافعي إن كان الدرهم الذي أخذه ، ثم وضع غيره معروفا من الدراهم ضمن الدرهم ، ولم يضمن التسعة ، وإن كان لا يتميز ضمن العشرة
( قال الشافعي ) وإذا أودع الرجل الرجل الدابة فأمره بسقيها وعلفها فأمر بذلك من يسقي دوابه ويعلفها فتلفت من غير جناية لم يضمن ، وإن كان سقى دوابه في داره فبعث بها خارجا من داره ضمن ، قال : وإذا استودع الرجل الرجل الدابة فلم يأمره بسقيها ، ولا علفها ، ولم ينهه فحبسها المستودع مدة إذا أتت على مثلها ، ولم تأكل ، ولم تشرب تلفت فتلفت فهو ضامن ، وإن كانت تلفت في مدة قد تقيم الدواب في مثلها ، ولا تتلف فتلفت لم يضمن من تركها .
وإذا دفع إليه الدابة وأمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يحمل عليها فعطبت ضمن ، ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها تبنا فأكراها ممن يحمل عليها حديدا فعطبت ضمن ، ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها حديدا فأكراها ممن يحمل عليها تبنا بوزنه فعطبت ضمن ; لأنه يفترش عليها من التبن ما يعم فيقتل ويجمع عليها من الحديد ما يلهد فيتلعى ويرم فيقتل ، ولو أمره أن يكريها ممن يركب بسرج فأكراها ممن يركبها بلا سرج فعطبت ضمن ; لأن معروفا أن السرج أوقى لها ، وإن كان يعرف أنه ليس بأوقى لها لم يضمن ; لأنه زادها خفة ، ولوكانت دابة ضئيلة فأكراها ممن يعلم أنها لا تطيق حمله ضمن ; لأنه إذا سلطه على أن يكريها فإنما يسلطه على أن يكريها ممن تحمله فأكراها ممن لا تحمله ضمن ، وإذا أمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يركبها بإكاف فكان الإكاف أعم ، أو أضر في حال ضمن ، وإن كان أخف أو مثل السرج لم يضمن
( قال الشافعي ) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فأراد المستودع السفر فإن كان المستودع حاضرا ، أو وكيل له لم يكن له أن يسافر حتى يردها إليه ، أو إلى وكيله ، أو يأذنا له أن يودعها من رأى ، فإن فعل [ ص: 143 ] فأودعها من شاء فهلكت ضمن إذا لم يأذنا له ، وإن كان غائبا فأودعها من يودع ماله ممن يكون أمينا على ذلك فهلكت لم يضمن ، فإن أودعها ممن يودع ماله ممن ليست له أمانة فهلكت ضمن ، وسواء كان المودع من أهلها أو من غيرهم ، أو حرا ، أو عبدا أو ذكرا ، أو أنثى ; لأنه يجوز له أن يستهلك ماله ، ولا يجوز له أن يستهلك مال غيره ، ويجوز له أن يوكل بماله غير أمين ، ولا يجوز له أن يوكل بأمانته غير أمين .
وهكذا لو مات المستودع فأوصى إلى رجل بماله الوديعة ، أو الوديعة دون ماله فهلكت فإن كان الموصى إليه الوديعة أمينا لم يضمن الميت ، وإن كان غير أمين ضمن .
ولو استودعه إياها في قرية آهلة فانتقل إلى قرية غير آهلة ، أو في عمران من القرية فانتقل إلى خراب من القرية وهلكت ضمن في الحالين ، ولو استودعه إياها في خراب فانتقل إلى عمارة ، أو في خوف فانتقل إلى موضع آمن لم يكن ضامنا ; لأنه زاده خيرا ، ولو كان شرط عليه أن لا يخرجها من هذا الموضع فتعدى فأخرجها من غير ضرورة فهلكت ضمن ، فإن كانت ضرورة فأخرجها إلى موضع أحرز من الموضع الذي كانت فيه لم يضمن . وذلك مثل النار تغشاه والسيل ، ولو اختلفا في السيل ، أو النار فقال : المستودع لم يكن سيل ، ولا نار وقال : المستودع قد كان فإن كان يعلم أنه قد كان في تلك الناحية ذلك بعين ترى ، أو أثر يدل فالقول قول المستودع ، وإن لم يكن فالقول قول المستودع ، ومتى ما قلت لواحد منهما القول قوله فعليه اليمين إن شاء الذي يخالفه أحلفه
( قال ) : وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فاختلفا فقال : المستودع دفعتها إليك وقال : المستودع لم تدفعها فالقول قول المستودع ، ولو كانت المسألة بحالها غير أن المستودع قال : أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها وقال المستودع لم آمرك فالقول قول المستودع وعلى المستودع البينة . وإنما فرقنا بينهما أن المدفوع إليه غير المستودع . وقد قال : الله عز وجل : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } فالأول إنما ادعى دفعها إلى من ائتمنه ، والثاني إنما ادعى دفعها إلى غير المستودع بأمره فلما أنكر أنه أمره أغرم له ; لأن المدفوع إليه غير الدافع . وقد قال : الله عز وجل : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وقال : عز اسمه { ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } ، وذلك أن ولي اليتيم إنما هو وصي أبيه ، أو وصي وصاه الحاكم ليس أن اليتيم استودعه ، فلما بلغ اليتيم أن يكون له أمر في نفسه وقال : لم أرض أمانة هذا ، ولم أستودعه فيكون القول قول المستودع كان على المستودع أن يشهد عليه إن أراد أن يبرأ ، وكذلك الوصي ، فإذا أقر المدفوع إليه أنه قد قبض بأمر المستودع فإن كانت الوديعة قائمة ردها ، وإن كان استهلكها رد قيمتها ، فإن قال هلكت بغير استهلاك ، ولا تعد فالقول قوله ، ولا يضمن من قبل أن الدافع إليه بعد إنما دفع إليه بقول رب الوديعة ،
قال : وإذا استودع الرجل الرجل المال في خريطة فحولها إلى غيرها ، فإن كانت التي حولها إليها حرزا كالتي حولها منها لا يضمن ، وإن كانت لا تكون حرزا ضمن إن هلكت ، وإناستودعه إياها على أن يجعلها في صندوق على أن لا يرقد عليه ، أو على أن لا يقفله أو على أن لا يضع عليه متاعا فرقد عليه ، أو أقفله ، أو وضع عليه متاعا فسرق لم يضمن ; لأنه زاده خيرا . وكذلك لو استودعه على أن يدفنها في موضع من البيت ، ولا يبني عليه فوضعها في ذلك الموضع وبنى عليه بنيانا بلا أن يكون مخرجا لها من البيت فسرقت لم يضمن ; لأنه زادها بالبناء حرزا .
وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة على أن يجعلها في بيت ، ولا يدخله أحد فأدخله قوما فسرقها بعض الذين دخلوا ، أو غيرهم ، فإن كان الذي سرقها ممن أدخلها فعليه غرمها ، وإن كان الذي سرق لم يدخله فلا غرم عليه
( قال ) وإذا سأل الرجل الرجل الوديعة فقال : ما استودعتني شيئا ، ثم قال : قد كنت استودعتني فهلكت فهو ضامن لها من قبل أنه قد أخرج نفسه من الأمانة ، وكذلك لو سأله إياها فقال : قد دفعتها إليك ثم قال : [ ص: 144 ] بعد قد ضاعت في يدي فلم أدفعها إليك كان ضامنا ، ولو قال : ما لك عندي شيء ، ثم قال كان لك عندي شيء فهلك كان القول قوله ; لأنه صادق أنه ليس له عنده شيء إذا هلكت الوديعة
( قال ) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فوضعها في موضع من داره يحرز فيه مال ويرى الناس مثله حرزا ، وإن كان غيره من داره أحرز منه فهلكت لم يضمن ، وإن وضعها في موضع من داره لا يراه الناس حرزا ، ولا يحرز فيه مثل الوديعة فهلكت ضمن .
وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة ذهبا ، أو فضة في منزله على أن لا يربطها في كمه أو بعض ثوبه فربطها فخرج فهلكت ضمن ، ولو كان ربطها في مكانه ليحرزها فإن كان إحرازها يمكنه فتركها حتى طرت ضمن ، وإن كان لا يمكنه بغلق لم ينفتح ، أو ما أشبه ذلك لم يضمن .
( قال ) وإذ استودعه إياها خارجا من منزله على أن يحرزها في منزله وعلى أن لا يربطها في كمه فربطها فضاعت فإن كان ربطها من كمه فيما بين عضده وجنبه لم يضمن ، وإن كان ربطها ظاهرة على عضده ضمن ; لأنه لا يجد من ثيابه شيئا أحرز من ذلك الموضع ، وقد يجد من ثيابه ما هو أحرز من إظهارها على عضده ، وإذا استودعه إياها على أن يربطها في كمه فأمسكها في يده فانفلتت من يده ضمن ، ولو كرهه رجل على أخذها لم يضمن ، وذلك أن يده أحرز من كمه ما لم يجن هو في يده شيئا هلك به
( قال ) وإذا استودع الرجل الرجل شيئا من الحيوان ، ولم يأمره بالنفقة عليه انبغى له أن يرفعه إلى الحاكم حتى يأمره بالنفقة عليه ويجعلها دينا على المستودع ويوكل الحاكم بالنفقة من يقبضها منه وينفقها غيره لئلا يكون أمين نفسه ، أو يبيعها ، وإن لم يفعل فأنفق عليها فهو متطوع ، ولا يرجع عليه بشيء ، وكذلك إذا أخذ له دابة ضالة ، أو عبدا آبقا فأنفق عليه فهو متطوع ، ولا يرجع عليه بشيء .
وإذا خاف هلاك الوديعة فحملها إلى موضع آخر فلا يرجع بالكراء على رب الوديعة ; لأنه متطوع به
( قال ) ، وإذا استودع الرجل الرجل الذهب فخلطها مع ورق له ، فإن كان خلطها ينقصها ضمن النقصان ، ولا يضمنها لو هلكت ، وإن كان لا ينقصها لم يضمن ، وكذلك لو خلطها مع ذهب يتميز منها فهلكت لم يضمن ، وإن كان لا يتميز منها تميزا بينا فهلكت ضمن .
وإذا استودع الرجل الرجل دنانير أو دراهم فأخذ منها دينارا أو درهما ، ثم رد مكانه بدله فإن كان الذي رد مكانه يتميز من دنانيره ودراهمه فضاعت الدنانير كلها ضمن ما تسلف فقط ، وإن كان الذي وضع بدلا مما أخذ لا يتميز ، ولا يعرف فتلفت الدنانير ضمنها كلها .
[ ص: 145 ] قسم الفيء أخبرنا الربيع قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أصل قسم ما يقوم به الولاة من جملة المال ثلاثة وجوه أحدها ما جعله الله تبارك وتعالى طهورا لأهل دينه ، قال : الله جل وعز لنبيه صلى الله عليه وسلم { خذ من أموالهم صدقة } الآية فكل ما أوجب الله عز وجل على مسلم في مال بلا جناية جناها هو ، ولا غيره ممن يعقل عنه ، ولا شيء لزمه من كفارة ، ولا شيء ألزمه نفسه لأحد ، ولا نفقة لزمته لوالد أو ولد ، أو مملوك ، أو زوجته ، أو ما كان في معنى هذا فهو صدقة طهور له ، وذلك مثل صدقة الأموال كلها عينيها وحوليها وماشيتها وما وجب في مال مسلم من زكاة ، أو وجه من وجوه الصدقة في كتاب ، أو سنة ، أو أثر أجمع عليه المسلمون .
وقسم هذا كله واحد لا يختلف في كتاب الله عز ذكره ، قال : الله تبارك وتعالى في سورة براءة { إنما الصدقات للفقراء } الآية وعلى المسلم في ماله إيتاء واجبة في كتاب ، أو سنة ليست من هذا الوجه ، وذلك مثل نفقة من تلزمه نفقته والضيافة وغيرها وما لزم بالجنايات والإقرار والبيوع وكل هذا خروج من دين ، أو تأدية واجب ، أو نافلة يوصل فيها الأجر كل هذا موضوع على وجهه في كتاب الصدقات في كل صنف منه في صنفه الذي هو أملك به .
قسم الغنيمة والفيء .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه غير ضيافة من مر بهم من [ ص: 146 ] المسلمين فهو على وجهين لا يخرج منهما كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي فعله فأحدهما الغنيمة قال : الله عز وجل في سورة الأنفال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية والوجه الثاني الفيء ، وهو مقسوم في كتاب الله عز ذكره في سورة الحشر قال : الله تبارك وتعالى { وما أفاء الله على رسوله منهم } إلى قوله { رءوف رحيم } فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من أهل دينه ، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها وعلى أهل الذمة ضيافة ، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت فهو لمن مر بهم من المسلمين خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يلزمه إياها .
جماع سنن قسم الغنيمة والفيء .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال : الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية وقال : الله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية ، وقال : عز وجل { وما أفاء الله على رسوله منهم } الآية .
( قال الشافعي ) فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له ومن سماه الله عز وجل له في الآيتين معا سواء مجتمعين غير مفترقين . قال : ثم يتعرف الحكم في الأربعة الأخمس بما بين الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي فعله فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير والفيء ، وهو ما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب فكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قرى عرينة التي أفاءها الله عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراه الله عز وجل .
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال سمعت عمر بن الخطاب وعلي والعباس رحمة الله عليهم يختصمان إليه في أموال النبي صلى الله عليه وسلم فقال : عمر { كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليها المسلمون بخيل ، ولا ركاب فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل } ، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، ثم سألتماني أن أوليكماها فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها به أبو بكر ، ثم وليتها به فجئتماني تختصمان أتريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا أتريدان مني قضاء غير ما قضيت به بينكما أولا ؟ فلا والله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي بينكما قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفكماها .
( قال الشافعي ) فقال : لي سفيان لم أسمعه من الزهري ولكن أخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري قلت كما قصصت ؟ قال : نعم .
( قال الشافعي ) فأموال بني النضير التي أفاء الله على رسوله عليه الصلاة والسلام التي يذكر عمر فيها ما بقي في يدي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخمس وبعد أشياء قد فرقها النبي صلى الله عليه وسلم منها بين رجال من المهاجرين لم يعط منها أنصاريا إلا رجلين ذكرا فقرا ، وهذا مبين في موضعه ، وفي هذا الحديث دلالة على أن عمر إنما حكى أن أبا بكر ، وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه ما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به فيها وأنهما لم يكن [ ص: 147 ] لهما مما لم يوجف عليه المسلمون من الفيء ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما كانا فيه أسوة للمسلمين ، وذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما ، والأمر الذي لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته ، ولم يزل يحفظ من قولهم أنه ليس لأحد ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صفي الغنيمة ، ولا من أربعة أخماس ما لم يوجف عليه منها .
( قال الشافعي ) وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه وغيرهن لو كان معهن فلم أعلم أحدا من أهل العلم قال : لورثتهم تلك النفقة التي كانت لهم ، ولا خلاف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل فضول غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح الإسلام وأهله ( قال الشافعي ) فما صار في أيدي المسلمين من فيء لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه الله تبارك وتعالى وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله ، وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه الدلالة على ما وصفت .
أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقتسمن ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة } أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بمثل معناه .
( قال الشافعي ) وقد أخبرنا أن النفقة إنما هي جارية بقوت منه على أعيان أهله وأن ما فضل من نفقتهم فهو صدقة ومن وقفت له نفقة لم تكن موروثة عنه .
( قال الشافعي ) والجزية من الفيء وسبيلها سبيل جميع ما أخذ مما أوجف من مال مشرك أن يخمس فيكون لمن سمى الله عز وجل الخمس وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله ، وكذلك كل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف ، وذلك مثل ما أخذ منه إذا اختلف في بلاد المسلمين ومثل ما أخذ منه إذا مات ، ولا وارث له وغير ذلك مما أخذ من ماله .
، وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فتوح في غير قرى عرينة التي وعدها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قبل فتحها فأمضاها النبي صلى الله عليه وسلم كلها لمن هي ، ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي كانت له ، وذلك مثل جزية أهل البحرين وهجر وغير ذلك ، وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فيء من غير قرى عرينة ، وذلك مثل أهل البحرين فكان له أربعة أخماسها يمضيها حيث أراه الله عز وجل كما يمضي ماله وأوفى خمسه من جعله الله له ، فإن قال : قائل ما دل على ذلك ؟ قيل أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الحديث .
( قال الربيع ) قال : غير الشافعي { قال : النبي صلى الله عليه وسلم لجابر لو جاءني مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا } فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأته فجاء أبا بكر فأعطاني .
تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا غزا المسلمون بلاد أهل الحرب بالخيل والركاب فغنموا أرضهم وديارهم وأموالهم وأنفسهم أو بعض ذلك دون بعض فالسنة في قسمه أن يقسمه الإمام معجلا على وجه النظر فإن كان معه كثير في ذلك الموضع آمنين لا يكر عليهم العدو فلا يؤخر قسمه إذا أمكنه في موضعه الذي غنمه فيه ، وإن كانت بلاد حرب أو كان يخاف كرة العدو عليهم أو كان منزله غير رافق بالمسلمين تحول عنه إلى أرفق بهم منه وآمن لهم من عدوهم ، ثم قسمه ، وإن كانت بلاد شرك .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (165)
صــــــــــ 148 الى صـــــــــــ154
( قال الشافعي ) : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني المصطلق وسبيهم في الموضع الذي غنمه [ ص: 148 ] فيه قبل أن يتحول عنه وما حوله كله بلاد شرك وقسم أموال أهل بدر بسير على أميال من بدر ومن حول سير وأهله مشركون ، وقد يجوز أن يكون قسمه بسير ; لأن المشركين كانوا أكثر من المسلمين فتحول إلى موضع لعل العدو لا يأتونه فيه ويجوز أن يكون سير أوصف بهم في المنزل من بدر .
( قال الشافعي ) وأكثر ما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمراء سراياه ما غنموا ببلاد أهل الحرب .
( قال الشافعي ) وما وصفت من قسم النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه معروف عند أهل العلم عندنا لا يختلفون فيه فقال : لي بعض الناس لا تقسم الغنيمة إلا في بلاد الإسلام وبلغني أن بعض أصحابه خالفه وقال : فيه قولنا والحجة على من خالفنا فيه ما وصفنا من المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم من القسم ببلاد العدو ، وإذا حوله الإمام عن موضعه إلى موضع غيره فإن كانت معه حمولة حمله عليها ، وإن لم تكن معه فينبغي للمسلمين أن يحملوه له إن كان معهم حمولة بلا كراء ، وإن امتنعوا فوجد كراء كارى على الغنائم واستأجر عليها ثم أخرج الكراء والإجارة من جميع المال .
( قال الشافعي ) ولو قال : قائل يجبر من معه فضل محمل كان مذهبا .
( قال الشافعي ) وإن لم يجد حمولة ، ولم يحمل الجيش قسمه مكانه ، ثم من شاء أخذ ماله .
( قال الشافعي ) ولو قال : قائل يجبرون على حمله بكراء مثلهم ; لأن هذا موضع ضرورة كان مذهبا
( قال الشافعي ) وإذا خرجت سرية من عسكر فغنمت غنيمة فالأمر فيها كما وصفت في الجيش في بلاد العدو .
( قال الشافعي ) فإن ساق صاحب الجيش ، أو السرية سبيا ، أو خرثيا ، أو غير ذلك فأدركه العدو فخاف أن يأخذوه منه ، أو أبطأ عليه بعض ذلك فالأمر الذي لا أشك فيه أنه إن أراد قتل البالغين من الرجال قتلهم وليس له قتل من لم يبلغ ، ولا قتل النساء منهم ، ولا عقر الدواب ، ولا ذبحها ، وذلك أني إنما وجدت الدلالة من كتاب الله عز وجل ، ثم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يختلف أهل العلم فيه عندنا أنه إن ما أبيح قتله من ذوات الأرواح من البهائم فإنما أبيح أن يذبح إذا قدر على ذبحه ليؤكل ، ولا يقتل بغير الذبح والنحر الذي هو مثل الذبح ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصير البهائم وهي أن ترمى بعدما تؤخذ وأبيح ما امتنع منها بما نيل به من سلاح لأحد معنيين أن يقتل ليؤكل وتلك ذكاته ; لأنه لا يقدر من ذكاته على أكثر من ذلك أما قتل ما لا يؤكل لضرره وأذاه ; لأنه في معاني الأعداء ، أو الحوت أو الجراد فإن قتله ذكاته ، وهو يؤكل بلا ذكاة ، وأما ما سوى ذلك فلا أجده أبيح .
( قال الشافعي ) وقد قيل : تذبح خيلهم وتعقر ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب ، ولا أعلم ما روي عن جعفر من ذلك ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازي ، ولا ثابتا بالإسناد المعروف المتصل فإن كان من قال : هذا إنما أراد غيظ المشركين لما في غيظهم من أن يكتب به عمل صالح فذلك فيما أغيظوا به مما أبيح لنا ، وكذلك إن أراد توهينهم ، وذلك أنا نجد مما يغيظهم ويوهنهم ما هو محظور علينا غير مباح لنا فإن قال : قائل وما ذلك ؟ قلنا قتل أبنائهم ونسائهم ، ولو قتلوا كان أغيظ وأهون لهم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقتل ذوي الأرواح بغير وجهه عذاب فلا يجوز عندي لغير معنى ما أبيح من أكله وإطعامه ، أو قتل ما كان عدوا منه .
( قال الشافعي ) فأما ما لا روح فيه من أموالهم فلا بأس بتحريقه وإتلافه بكل وجه ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير وعقر النخل بخيبر والعنب بالطائف ، وإن تحريق هذا ليس بتعذيب له ; لأنه لا يألم بالتحريق إلا ذو روح ، وهذا مكتوب في [ ص: 149 ] غير هذا الموضع .
( قال الشافعي ) ولو كان رجل في الحرب فعقر رجل فرسه رجوت أن لا يكون له بأس ; لأن ذلك ضرورة ، وقد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات .
الأنفال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ثم لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيء غير السلب ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن { أبي قتادة قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه قال : فضربته على حبل عاتقه ضربة وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له : ما بال الناس ؟ فقال : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ؟ ، ثم جلست ، ثم قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا أبا قتادة ؟ فقصصت عليه القصة فقال : رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله عز وجل يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه إياه فأعطانيه فبعت الدرع وابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام } .
( قال الشافعي ) هذا حديث ثابت معروف عندنا
والذي لا أشك فيه أن يعطي السلب من قتل والمشرك مقبل يقاتل من أي جهة قتله مبارزا ، أو غير مبارز ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير مبارز ولكن المقتولين جميعا مقبلان ، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى أحدا قتل موليا سلب من قتله والذي لا أشك فيه أن له سلب من قتل الذي يقتل المشرك والحرب قائمة والمشركون يقاتلون ولقتلهم هكذا مؤنة ليست لهم إذا انهزموا ، أو انهزم المقتول ، ولا أرى أن يعطى السلب إلا من قتل مشركا مقبلا ، ولم ينهزم جماعة المشركين ، وإنما ذهبت إلى هذا أنه لم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أنه أعطى السلب قاتلا قتل مقبلا ، وفي حديث أبي قتادة ما دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل قتيلا له سلبه } يوم حنين بعدما قتل أبو قتادة الرجل ، وفي هذا دلالة على أن بعض الناس خالف السنة في هذا فقال : لا يكون للقاتل السلب إلا أن يقول الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه وذهب بعض أصحابنا إلى أن هذا من الإمام على وجه الاجتهاد ، وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم عندنا حكم ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم السلب للقاتل في غير موضع .
( قال الشافعي ) ولو اشترك نفر في قتل رجل كان السلب بينهم ، ولو أن رجلا ضرب رجلا ضربة لا يعاش من مثلها ، أو ضربة يكون مستهلكا من مثلها ، وذلك مثل أن يقطع يديه ، أو رجليه ثم يقتله آخر كان السلب لقاطع اليدين ، أو الرجلين ; لأنه قد صيره في حال لا يمنع فيها سلبه ، ولا يمتنع من أن يذفف عليه ، وإن ضربه وبقي فيه ما يمنع نفسه ، ثم قتله بعده آخر فالسلب للآخر إنما يكون السلب لمن صيره بحال لا يمتنع فيها
( قال الشافعي ) والسلب الذي يكون للقاتل كل ثوب عليه وكل سلاح عليه ومنطقته وفرسه إن كان راكبه ، أو ممسكه فإن كان منفلتا منه أو مع غيره فليس له ، وإنما سلبه ما أخذ من يديه ، أو مما على بدنه ، أو [ ص: 150 ] تحت بدنه ( قال الشافعي ) فإن كان في سلبه سوار ذهب ، أو خاتم ، أو تاج ، أو منطقة فيها نفقة ، فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا مما عليه من سلبه كان مذهبا ، ولو قال : ليس هذا من عدة الحرب ، وإنما له سلب المقتول الذي هو له سلاح كان وجها والله أعلم
( قال الشافعي ) ولا يخمس السلب .
( قال الشافعي ) فعارضنا معارض فذكر أن عمر بن الخطاب قال : إنا كنا لا نخمس السلب وأن سلب البراء قد بلغ شيئا كثيرا ، ولا أرى أني إلا خامسه قال : فخمسه وذكر عن ابن عباس أنه قال : السلب من الغنيمة ، وفيه الخمس .
( قال الشافعي ) : فإذا قال : النبي صلى الله عليه وسلم { من قتل قتيلا فله سلبه } فآخذ خمس السلب أليس إنما يكون لصاحبه أربعة أخماسه لا كله ، وإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء لم يجز تركه فإن قال : قائل فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب أنه لم يكن ذا خطر وعمر يخبر أنه لم يكن يخمسه ، وإنما خمسه حين بلغ مالا كثيرا فالسلب إذا كان غنيمة فأخرجناه من أن يكون حكمه حكمها وقلنا قد يحتمل أن يكون قول الله تعالى { فأن لله خمسه } على أكثر الغنيمة لا على كلها فيكون السلب مما لم يرد من الغنيمة وصفي النبي صلى الله عليه وسلم وما غنم مأكولا فأكله من غنمه ويكون هذا بدلالة السنة وما بقي تحتمله الآية ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب من قتل لم يجز عندي والله أعلم أن يخمس ويقسم إذ كان اسم السلب يكون كثيرا وقليلا ، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم قليل السلب ، ولا كثيره أن يقول يعطى القليل من السلب دون الكثير ونقول دلت السنة أنه إنما أراد بما يخمس ما سوى السلب من الغنيمة .
( قال الشافعي ) وهذه الرواية من خمس السلب عن عمر ليست من روايتنا وله رواية عن سعد بن أبي وقاص في زمان عمر تخالفها . أخبرنا ابن عيينة عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى سير بن علقمة قال : بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص .
( قال الشافعي ) واثني عشر ألفا كثير .
الوجه الثاني من النفل .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة كانت سهمانهم اثني عشر بعيرا ، أو أحد عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا } أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس يعطون النفل من الخمس .
( قال الشافعي ) وحديث ابن عمر يدل على أنهم إنما أعطوا مالهم مما أصابوا على أنهم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم وقول ابن المسيب يعطون النفل من الخمس كما قال : إن شاء الله ، وذلك من خمس النبي صلى الله عليه وسلم فإن له خمسا من كل غنيمة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه حيث أراه الله كما يضع سائر ماله فكان الذي يريه الله تبارك وتعالى ما فيه صلاح المسلمين .
( قال الشافعي ) وما سوى سهم النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الخمس لمن سماه الله عز وجل له فلا يتوهم عالم أن يكون قوم حضروا فأخذوا مالهم وأعطوا مما لغيرهم إلا أن يطوع به عليهم غيرهم ( قال الشافعي ) والنفل في هذا الوجه من سهم النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي للإمام أن يجتهد ، فإذا كثر العدو واشتدت الشوكة وقل من بإزائه من المسلمين نفل منه اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يكن ذلك لم ينفل ، وذلك أن أكثر مغازي النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 151 ] وسراياه لم يكن فيها أنفال من هذا الوجه ( قال الشافعي ) والنفل في أول مغزى والثاني وغير ذلك سواء على ما وصفت من الاجتهاد ( قال الشافعي ) والذي يختار من أرضى من أصحابنا أن لا يزاد أحد على ماله لا يعطى غير الأخماس ، أو السلب للقاتل ويقولون لم نعلم أحدا من الأئمة زاد أحدا على حظه من سلب ، أو سهما من مغنم إلا أن يكون ما وصفت من كثرة العدو وقلة المسلمين فينفلون ، وقد روى بعض الشاميين في النفل في البدأة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الأخرى ورواية ابن عمر أنه نفل نصف السدس فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام وأكثر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها إنفال ، فإذا كان للإمام أن لا ينفل فنفل فينبغي لتنفيله أن يكون على الاجتهاد غير محدود .
الوجه الثالث من النفل .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال بعض أهل العلم إذا بعث الإمام سرية ، أو جيشا فقال : لهم قبل اللقاء من غنم شيئا فهو له بعد الخمس فذلك لهم على ما شرط الإمام ; لأنهم على ذلك غزوا وبه رضوا وقالوا يخمس جميع ما أصاب كل واحد منهم غير السلب في إقبال الحرب وذهبوا في هذا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال : { من أخذ شيئا فهو له } ، وذلك قبل نزول الخمس والله أعلم ، ولم أعلم شيئا يثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما وصفنا من قسمة الأربعة الأخماس بين من حضر القتال وأربعة أخماس الخمس على أهله ووضعه سهمه حيث أراه الله عز وجل ، وهو خمس الخمس ، وهذا أحب إلي والله أعلم ، ولهذا مذهب ، وذلك أن يقال : إنما قاتل هؤلاء على هذا الشرط والله أعلم .
كيف تفريق القسم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب من شيء قل ، أو كثر من دار ، أو أرض وغير ذلك من المال ، أو سبي قسم كله إلا الرجال البالغين فالإمام فيهم بالخيار بين أن يمن على من رأى منهم ، أو يقتل ، أو يفادي أو يسبي ، وإن من ، أو قتل فذلك له ، وإن سبى ، أو فادى فسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى سبيل ما سواه من الغنيمة قال : وذلك إذا أخذ منهم شيئا على إطلاقهم فأما أن يكون أسير من المسلمين فيفاديه بأسيرين ، أو أكثر فذلك له ، ولا شيء للمسلمين على من فادى من المسلمين بأسارى المشركين ، وإذا جاز له أن يمن عليهم فلا يعود على المسلمين منه منفعة يقبضونها كان أن يستخرج أسيرا من المسلمين أنفع وأولى أن يجوز ، أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين { أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى رجلا برجلين }
( قال الشافعي ) وفي الرجل يأسره الرجل فيسترق ، أو تؤخذ منه الفدية قولان أحدهما ما أخذ منه كالمال يغنم وأنه إن استرق فهو كالذرية ، وذلك يخمس وأربعة أخماسه بين جماعة من حضر فلا يكون ذلك لمن أسره ، وهذا قول صحيح لا أعلم خبرا ثابتا يخالفه ، وقد قيل الرجل مخالف للسبي والمال ; لأن عليه القتل فهو لمن أخذه وما أخذ منه فلمن أخذه كما يكون سلبه لمن قتله ; لأن أخذه أشد من قتله ، وهذا مذهب والله أعلم ، فينبغي [ ص: 152 ] للإمام أن يعزل خمس ما حصل بعدما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه ويحسب من حضر القتال من الرجال المسلمين البالغين ويعرف من حضر من أهل الذمة وغير البالغين من المسلمين ومن النساء فينفلهم شيئا فمن رأى أن ينفلهم من الأربعة الأخماس لهم نفلهم وسيذكر هذا في موضعه إن شاء الله .
ثم يعرف عدد الفرسان والرجالة من بالغي المسلمين الذين حضروا القتال فيضرب للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما فيسوي بين الراجل والراجل فيعطيان سهما سهما ويفضل ذو الفرس ، فإن الله عز وجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } الآية ، فأطاع في الرباط وكانت عليه مؤنة في اتخاذه وله غناء بشهوده عليه ليس الراجل شبيها به أخبرنا الثقة عن إسحاق الأزرق عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم } فزعم بعض الناس أنه لا يعطى فرس إلا سهما وفارس سهما ، ولا يفضل فرس على مسلم فقلت لبعض من يذهب مذهبه : هو كلام عربي ، وإنما يعطي الفارس بسبب القوة والغناء مع السنة والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه ، ولا يقال لا يفضل فرس على مسلم والفرس بهيمة لا يقاس بمسلم ، ولو كان هذا كما قال صاحبك لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم ، وفي قوله وجهان أحدهما خلاف السنة والآخر قياسه الفرس بالمسلم ، وهو لو كان قياسا له دخل عليه أن يكون قد سوى فرسا بمسلم وقال : بعض أصحابه بقولنا في سهمان الخيل وقال : هذه السنة التي لا ينبغي خلافها .
( قال الشافعي ) وأحب الأقاويل إلي وأكثر قول أصحابنا أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية ولأنها قد تغني غناءها في كثير من المواطن واسم الخيل جامع لها ، وقد قيل : يفضل العربي على الهجين ، وإذا حضر الرجل بفرسين ، أو أكثر لم يسهم إلا لفرس واحد ، ولو جاز أن يسهم لاثنين جاز أن يسهم لأكثر ، وهو لا يلفى أبدا إلا على واحد ، ولو تحول عنه كان تاركا له آخذه لمثله .
( قال الشافعي ) وليس فيما قلت من أن لا يسهم إلا لفرس واحد ، ولا خلافه خبر يثبت مثله والله تعالى أعلم ، وفيه أحاديث منقطعة أشبهها أن يكون ثابتا أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وسهما في ذي القربى .
( قال الشافعي ) يعني والله تعالى أعلم بسهم ذي القربى سهم صفية أمه ، وقد شك سفيان أحفظه عن هشام عن يحيى سماعا ، ولم يشك سفيان أنه من حديث هشام عن يحيى هو ، ولا غيره ممن حفظه عن هشام .
( قال الشافعي ) وحديث مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل { أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم سهما له وأربعة أسهم لفرسه } ، ولو كان كما حدث مكحول أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأخذ خمسة أسهم كان ولده أعرف بحديثه وأحرص على ما فيه زيادة من غيرهم إن شاء الله تعالى
( قال الشافعي ) ، ولا يسهم لراكب دابة غير الفرس لا بغل ، ولا حمار ، ولا بعير ، ولا فيل ، ولا غيره وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل فلا يدخل إلا شديدا ، ولا يدخل حطما ، ولا قحما ضعيفا ، ولا ضرعا ، ولا أعجف رازحا فإن غفل فشهد رجل على واحد من هذه ، فقد قيل : لا يسهم له ; لأنه ليس لواحد منها غناء الخيل التي أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نعلمه أسهم لأحد فيما مضى على مثل هذه الدواب
( قال الشافعي ) ولو قال : رجل أسهم للفرس كما أسهم للرجل ، ولم يقاتل كانت شبهة ولكن في الحاضر غير المقاتل العون بالرأي والدعاء وإن الجيش قد ينصرون بأضعفهم وأنه قد لا يقاتل ، ثم يقاتل ، وفيهم مرضى فأعطي سهمه سنة وليست في فرس ضرع ، ولا قحم ، ولا واحد مما وصفنا من هذه المعاني .
( قال الشافعي ) وإنما أسهم للفارس بسهم فارس إذا حضر شيئا من الحرب فارسا قبل أن تنقطع الحرب فأما إن كان فارسا إذا [ ص: 153 ] دخل بلاد العدو وكان فارسا بعد انقطاع الحرب وقبل جمع الغنيمة فلا يسهم له بسهم فارس قال : وقال : بعض الناس إذا دخل بلاد العدو فارسا ، ثم مات فرسه أسهم له سهم فارس ، وإن أفاد فرسا ببلاد العدو قبل القتال فحضر عليه لم يسهم له ( قال الشافعي ) فقيل له : ولم أسهمت له إذا دخل أدنى بلاد العدو فارسا ، وإن لم يحضر القتال فارسا ؟ قال : لأنه قد يثبت في الديوان فارسا قيل : فقد يثبت هو في الديوان فإن مات فلا يسهم له إلا أن يموت بعدما تحرز الغنيمة قيل : فقد أثبت هو وفرسه في الديوان فزعمت أن الموت قبل إحراز الغنيمة ، وإن حضر القتال يقطع حظه في الغنيمة ، وإن موت فرسه قبل حضور القتال لا يقطع حظه قبل فعله ، وقد أوفى أدنى بلاد العدو قيل : فذلك كله يلزمك في نفسه ويلزمك في الفرس أرأيت الخراساني ، أو اليماني يقود الفرس للروم حتى إذا لم يكن بينه وبين أدنى بلاد العدو إلا ميل فمات فرسه أيسهم لفرسه ؟ قال : لا قيل فهذا قد تكلف من المؤنة أكثر مما يتكلف رجل من أهل الثغور ابتاع فرسا ، ثم غزا عليه فأمسى بأدنى بلاد العدو ، ثم مات فرسه فزعمت أنك تسهم له ، ولو كنت بالمؤنة التي لزمته في الفرس تسهم له كان هذا أولى أن تحرمه من الذي تكلف أكثر مما تكلف فحرمته
( قال الشافعي ) ولو حاصر قوم مدينة فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة ، أو غزا قوم في البحر فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة لا ينتفعون بالخيل في واحد من المعنيين أعطي الفارس سهم الفارس لم ينقص منه
( قال الشافعي ) ولو دخل رجل يريد الجهاد فلم يجاهد أسهم له ، ولو دخل أجير يريد الجهاد ، فقد قيل : يسهم له وقيل يخير بين أن يسهم له ويطرح الإجارة ، أو الإجارة ، ولا يسهم له ، وقد قيل : يرضخ له
( قال الشافعي ) ولو انفلت أسير في أيدي العدو قبل أن تحرز الغنيمة ، فقد قيل : لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل فأرى أن يسهم له ، وقد قيل : يسهم له ما لم تحرز الغنيمة ، ولو دخل قوم تجار فقاتلوا لم أر بأسا أن يسهم لهم ، وقد قيل : لا يسهم لهم
( قال الشافعي ) فأما الذمي غير البالغ والمرأة يقاتلون فلا يسهم لهم ويرضخ لهم وكان أحب إلي في الذمي لو استؤجر بشيء من غير الغنيمة ، أو المولود في بلاد الحرب يرضخ له ويرضخ لمن قاتل أكثر مما يرضخ لمن لم يقاتل وليس ذلك عندي حد معروف يعطون من الخرثي والشيء المتفرق مما يغنم ، ولو قال قائل يرضخ لهم من جميع المال كان مذهبا وأحب إلي أن يرضخ لهم من الأربعة الأسهم ; لأنهم حضروا القتال والسنة بالرضخ لهم بحضورهم كما كانت بالإسهام لغيرهم بحضورهم
( قال الشافعي ) فإن جاء مدد للمسلمين بلاد الحرب قبل أن تنقطع الحرب فحضروا من الحرب شيئا قل ، أو كثر شركوا في الغنيمة ، وإن لم يأتوا حتى تنقطع الحرب ، ولا يكون عند الغنيمة مانع لها لم يشركوهم ، ولو جاءوا بعدما أحرزت الغنيمة ، ثم كان قتال بعدها فإن غنموا شيئا حضروه شركوا فيه ، ولا يشركون فيما أحرز قبل حضورهم ، ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين ، ولم تغنم الأخرى ، أو بعث سرية من عسكر ، أو خرجت هي فغنمت في بلاد العدو ، ولم يغنم العسكر ، أو غنم العسكر ، ولم تغنم السرية شرك كل واحد من الفريقين صاحبه ; لأنه جيش واحد كلهم رد ، لصاحبه قد مضت خيل المسلمين فغنمت بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العسكر : حنين فشركوهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
( قال الشافعي ) ولو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركهم المقيمون ، وإن كان منهم قريبا ; لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم ، ولا يشركهم أهل المدينة ، ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وأمر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدو غنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون فإن اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد ويرفعون الخمس إلى الإمام وليس واحد من القائدين بأحق بولاية الخمس إلى أن يوصله إلى الإمام [ ص: 154 ] من الآخر وهما فيه شريكان
( قال الشافعي ) ولو غزت جماعة باغية مع جماعة أهل عدل شركوهم في الغنيمة ولأهل العدل بطاعة الإمام أن يلوا الخمس دونهم حتى يوصلوه إلى الإمام .
سن تفريق القسم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال : الله تبارك اسمه { واعلموا أنما غنمتم من شيء } الآية .
( قال الشافعي ) أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم أخبره عن أبيه قال : { لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم . أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، أو منعتنا ، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة . فقال : النبي صلى الله عليه وسلم إنمابنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه }
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أحسبه داود العطار عن ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه أخبرنا الثقة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه .
( قال الشافعي ) فذكرت لمطرف بن مازن أن يونس وابن إسحاق رويا حديث ابن شهاب عن ابن المسيب فقال مطرف حدثنا معمر كما وصفت ولعل ابن شهاب رواه عنهما معا أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وزاد { لعن الله من فرق بين بني هاشم وبني المطلب } .
( قال الشافعي ) وأخبرنا عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال : { قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، ولم يعط منه أحدا من بني عبد شمس ، ولا بني نوفل شيئا } .
( قال الشافعي ) فيعطى جميع سهم ذي القربى حيث كانوا لا يفضل منهم أحد حضر القتال على أحد لم يحضره إلا بسهمه في الغنيمة كسهم العامة ، ولا فقير على غني ويعطى الرجل سهمين والمرأة سهما ويعطى الصغير منهم والكبير سواء ، وذلك أنهم إنما أعطوا باسم القرابة وكلهم يلزمه اسم القرابة فإن قال : قائل قد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم مائة وسق وبعضهم أقل ( قال الشافعي ) فكل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا فيما وصفت من التسوية بينهم وبأنه إنما قيل : أعطى فلانا كذا ; لأنه كان ذا ولد فقيل : أعطاه كذا . وإنما أعطاه حظه وحظ عياله والدلالة على صحة ما حكيت مما قالوا عنهم ما وصفت من اسم القرابة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من حضر خيبر ومن لم يحضرها وأنه لم يسم أحدا من عيال من سمى أنه أعطى بعينه وأن حديث جبير بن مطعم فيه إنه قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب والقسم إذا لم يكن تفضيل يشبه قسم المواريث ، وفي حديث جبير بن مطعم الدلالة على أنه لهم خاصة . وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من سهمه غير واحد من قريش والأنصار لا من سهم ذي القربى
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (166)
صــــــــــ 155 الى صـــــــــــ160
( قال الشافعي ) وتفرق ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله عز وجل على اليتامى والمساكين وابن السبيل في بلاد الإسلام كلها يحصون ، ثم توزع بينهم لكل صنف منهم سهمه كاملا لا يعطى واحد من أهل السهمان سهم صاحبه .
( قال الشافعي ) وقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ماضيا وصلى الله عليه وملائكته [ ص: 155 ] فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه فمنهم من قال : يرد على السهمان التي ذكرها الله عز وجل معه ; لأني رأيت المسلمين قالوا فيمن سمي له سهم من أهل الصدقات فلم يوجد يرد على من سمي معه . وهذا مذهب يحسن ، وإن كان قسم الصدقات مخالفا قسم الفيء ، ومنهم من قال : يضعه الإمام حيث رأى على الاجتهاد للإسلام وأهله ، ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح .
( قال الشافعي ) والذي أختار أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الإسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع ، أو سلاح ، أو إعطاء أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزير الإسلام وأهله على ما صنع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام خيبر نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل الحاجة وفضل وأكثرهم أهل فاقة نرى ذلك كله والله تعالى أعلم من سهمه .
وقال بعض الناس بقولنا في سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل وزاد سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى : فقلت له أعطيت بعض من قسم الله عز وجل له ماله وزدته ومنعت بعض من قسم الله له ماله فخالفت الكتاب والسنة فيما أعطيت ومنعت .
فقال : ليس لذي القربى منه شيء .
( قال الشافعي ) وكلمونا فيه بضروب من الكلام قد حكيت ما حضرني منها وأسأل الله التوفيق فقال : بعضهم ما حجتكم فيه ؟ قلت الحجة الثابتة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه .
وذكرت له القرآن والسنة فيه قال فإن سفيان بن عيينة روى عن محمد بن إسحاق قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي ما صنع علي رحمه الله في الخمس ؟ فقال سلك به طريق أبي بكر وعمر وكان يكره أن يؤخذ عليه خلافهما ، وكان هذا يدل على أنه كان يرى فيه رأيا خلاف رأيهما فاتبعهما .
فقلت له هل علمت أن أبا بكر قسم على العبد والحر وسوى بين الناس وقسم عمر فلم يجعل للعبيد شيئا وفضل بعض الناس على بعض وقسم علي فلم يجعل للعبيد شيئا وسوى بين الناس ؟ قال : نعم : قلت أفتعلمه خالفهما معا ؟ قال : نعم : قلت أو تعلم عمر قال : لا تباع أمهات الأولاد وخالفه علي ؟ قال : نعم : قلت وتعلم أن عليا خالف أبا بكر في الجد ؟ قال : نعم : قلت فكيف جاز لك أن يكون هذا الحديث عندك على ما وصفت من أن عليا رأى غير رأيهما فاتبعهما وبين عندك أنه قد يخالفهما فيما وصفنا ، وفي غيره ؟ قال : فما قوله سلك به طريق أبي بكر وعمر ، قلت هذا كلام جملة يحتمل معاني فإن قلت كيف صنع فيه علي ؟ فذلك يدلني على ما صنع فيه أبو بكر وعمر .
( قال الشافعي ) وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن حسنا وحسينا وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر سألوا عليا رضي الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس فقال : هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه .
( قال الشافعي ) فأخبرت بهذا الحديث عبد العزيز بن محمد فقال : صدق : هكذا كان جعفر يحدثه أفما حدثكه عن أبيه عن جده ؟ قلت : لا قال ما أحسبه إلا عن جده : قال : فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحاق ؟ قال : بل جعفر ، فقلت له هذا بين لك إن كان ثابتا أن ما ذهبت إليه من ذلك على غير ما ذهبت إليه فينبغي أن يستدل أن أبا بكر وعمر أعطياه أهله
( قال الشافعي ) محمد بن علي مرسل عن أبي بكر وعمر وعلي لا أدري كيف كان هذا الحديث ، قلت : وكيف احتججت به إن كان حجة فهو عليك ، وإن لم يكن حجة فلا تحتج بما ليس بحجة واجعله كما لم يكن : قال : فهل في حديث جعفر أعطاهموه ؟ قلت أيجوز على علي ، أو على رجل دونه أن يقول هو لكم حق ثم يمنعهم ؟ قال : نعم إن طابت أنفسهم قلنا : وهم إن طابت أنفسهم عما في أيديهم من مواريث آبائهم وأكسابهم حل له أخذه .
قال : فإن الكوفيين قد رووا فيه عن أبي بكر وعمر شيئا أفعلمته ؟ قلت : نعم ورووا ذلك عن [ ص: 156 ] أبي بكر وعمر مثل قولنا ، قال : وما ذاك ؟ قلت أخبرنا إبراهيم بن محمد عن مطر الوراق ورجل لم يسمه كلاهما عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيت عليا عند أحجار الزيت ، فقلت له بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس ؟ فقال : علي أما أبو بكر فلم يكن في زمانه أخماس وما كان ، فقد أوفاناه وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاء مال السوس والأهواز ، أو قال : فارس قال الربيع أنا أشك " فقال : في حديث مطر ، أو حديث الآخر ، فقال : في المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه : فقال العباس لعلي لا نطمعه في حقنا : فقلت يا أبا الفضل ألسنا أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين فتوفي عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه .
وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر قال : لكم حق ، ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله ، فقال : فإن الحكم يحكى عن أبي بكر وعمر أنهما أعطيا ذوي القربى حقهم ، ثم تختلف الرواة عنه في عمر فتقول مرة أعطاهم حتى جاءهم مال السوس ثم استسلفه منهم للمسلمين .
وهذا تمام على إعطائهم القليل والكثير منه وتقول مرة أعطاهموه حتى كثر ، ثم عرض عليهم حين كثر أن يعطيهم بعض ما يراه لهم حقا لا كله ، وهذا أعطاهم بعضه دون بعض ، وقد روى الزهري عن ابن هرمز عن ابن عباس عن عمر قريبا من هذا المعنى قال : فكيف يقسم سهم ذي القربى وليست الرواية فيه عن أبي بكر وعمر متواطئة ؟ وكيف يجوز أن يكون حقا لقوم ، ولا يثبت عنهما من كل وجه أنهما أعطياه عطاء بينا مشهورا ؟ فقلت له قولك هذا قول من لا علم له ، قال : وكيف ؟ قلت هذا الحديث يثبت عن أبي بكر أنه أعطاهموه في هذا الحديث وعمر حتى كثر المال ، ثم اختلف عنه في الكثرة وقلت أرأيت مذهب أهل العلم في القديم والحديث إذا كان الشيء منصوصا في كتاب الله عز وجل مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أليس يستغنى به عن أن يسأل عما بعده ويعلم أن فرض الله عز وجل على أهل العلم اتباعه ؟ قال : بلى : قلت : قلت أفتجد سهم ذي القربى مفروضا في آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفعله ثابت بما يكون من أخبار الناس من وجهين ، أحدهما ثقة المخبرين به واتصاله وأنهم كلهم أهل قرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم الزهري من أخواله وابن المسيب من أخوال أبيه وجبير بن مطعم ابن عمه وكلهم قريب منه في جذم النسب وهم يخبرونك مع قرابتهم وشرفهم أنهم مخرجون منه وأن غيرهم مخصوص به دونه ويخبرك أنه طلبه هو وعثمان فمنعاه وقرابتهما في حدم النسب قرابة بني المطلب الذين أعطوه .
قال نعم : قلت فمتى تجد سنة أبدا أثبتت بفرض الكتاب وصحة الخبر وهذه الدلالات من هذه السنة لم يعارضها عن النبي صلى الله عليه وسلم معارض بخلافها وكيف تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول : ظاهر الكتاب يخالفهما ، وهو لا يخالفهما ، ثم نجد الكتاب بينا في حكمين منه بسهم ذي القربى من الخمس معه السنة فتريد إبطال الكتاب والسنة هل تعلم قولا أولى بأن يكون مردودا من قولك هذا وقول من قال قولك ؟ .
( قال الشافعي ) له أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال أراك قد أبطلت سهم ذي القربى من الخمس ، فأنا أبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال : ليس ذلك له قلنا فإن قال فأثبت لي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهموه ، أو أن أبا بكر وعمر أعطاهموه ، أو أحدهما . قال : ما فيه خبر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمن بعده غير أن الذي يجب علينا أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من أعطى الله إياه ، وأن أبا بكر وعمر عملا بذلك بعده إن [ ص: 157 ] شاء الله تعالى : قلنا أفرأيت لو قال : فأراك تقول نعطي اليتامى والمساكين وابن السبيل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى فإن جاز لك أن يكون الله عز وجل قسمه على خمسة فجعلته لثلاثة فأنا أجعله كله لذوي القربى ; لأنهم مبدءون في الآية على اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعرفون معرفتهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ذوي القربى ، ولا أجد خبرا مثل الخبر الذي يحكي أنه عليه الصلاة والسلام أعطى ذوي القربى سهمهم واليتامى والمساكين وابن السبيل ، ولا أجد ذلك عن أبي بكر ، ولا عمر فقال : ليس ذلك له : قلنا ولم ؟ قال : لأن الله تعالى إذ قسم لخمسة لم يجز أن يعطاها واحد .
قلت فكيف جاز لك . وقد قسم الله عز وجل لخمسة أن أعطيته ثلاثة وذوو القربى موجودون ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال لعل هذا إنما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لمكانهم منه فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم قلت له أيجوز لأحد نظر في العلم أن يحتج بمثل هذا ؟ قال ولم لا يجوز إذا كان يحتمل ، وإن لم يكن ذلك في الخبر ، ولا شيء يدل عليه ؟ قلت : فإن عارضك جاهل بمثل حجتك فقال : ليس لليتامى والمساكين وابن السبيل بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيء ; لأنه يحتمل أن يكون ذلك حقا ليتامى المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا في سبيل الله مع رسوله وكانوا قليلا في مشركين كثير ونابذوا الأبناء والعشائر وقطعوا الذمم وصاروا حزب الله فهذا لأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، فإذا مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار الناس مسلمين ورأينا ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لآبائه سابقة معه من حسن اليقين والفضل أكثر ممن يرى أخذوا وصار الأمر واحد فلا يكون لليتامى والمساكين وابن السبيل شيء إذا استوى في الإسلام ، قال ليس ذلك له قلت ولم ؟ قال ; لأن الله عز وجل إذا قسم شيئا فهو نافذ لمن كان في ذلك المعنى إلى يوم القيامة قلت له ، فقد قسم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى فلم لم تره نافذا لهم إلى يوم القيامة ؟ قال : فما منعك أن أعطيت ذوي القربى أن تعطيهم على معنى الحاجة فيقضى دين ذي الدين ويزوج العزب ويخدم من لا خادم له ، ولا يعطى الغني شيئا : قلت له منعني أني وجدت كتاب الله عز وجل ذكره في قسم الفيء وسنة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة عن كتاب الله عز وجل على غير هذا المعنى الذي دعوت إليه ، وأنت أيضا تخالف ما دعوت إليه .
فتقول لا شيء لذوي القربى ، قال : إني أفعل فهلم الدلالة على ما قلت قلت قول الله عز وجل { وللرسول ولذي القربى } فهل تراه أعطاهم بغير اسم القرابة ؟ قال : لا ، وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة : قلت فإن وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من ذوي القربى غنيا لا دين عليه ، ولا حاجة به بل يعول عامة أهل بيته ويتفضل على غيره لكثرة ماله ، وما من الله عز وجل به عليه من سعة خلقه ، قال : إذا يبطل المعنى الذي ذهبت إليه ، قلت ، فقد أعطى أبا الفضل العباس بن عبد المطلب ، وهو كما وصفت في كثرة المال يعول عامة بني المطلب ويتفضل على غيرهم ، قال : فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى إذا أعطيه الغني ، وقلت له أرأيت لو عارضك معارض أيضا فقال : قال : الله عز وجل في الغنيمة { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية ، فاستدللنا أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها من حضر القتال ، وقد يحتمل أن يكون أعطاهموها على أحد معنيين ، أو عليهما ، فيكون أعطاها أهل الحاجة ممن حضر دون أهل الغنى عنه ، أو قال : قد يجوز إذا كان بالغلبة [ ص: 158 ] أعطاهموه أن يكون أعطاه أهل البأس والنجدة دون أهل العجز عن الغناء ، أو أعطاه من جمع الحاجة والغناء ما تقول له ؟ قال : أقول : ليس ذلك له قد أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما قلت : أفيجوز أن يكون أعطى الفارس والراجل ممن هو بهذه الصفة ؟ قال : إذا حكي أنه أعطى الفارس والراجل فهو عام حتى تأتي دلالة بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خاص ، وهو على الغني والفقير والعاجز والشجاع لأنا نستدل أنهم أعطوه لمعنى الحضور ، فقلت له : فالدلالة على أن ذوي القربى أعطوا سهم ذوي القربى بمعنى القرابة مثله ، أو أبين قلت فيمن حضر أرأيت لو قال : قائل ما غنم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ليس بالكثير ، فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقدر ما كانوا يأخذون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس ذلك له ، قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير ، فإذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لهم أربعة أخماس فسواء قلت ، أو كثرت أو قلوا ، أو كثروا ، أو استغنوا أو افتقروا : قلت فلم لا تقول هذا في سهم ذي القربى ؟ .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقلت له أرأيت لو غزا نفر يسير بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا أيجوز أن تصرف من التكثير الذي غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين لقوا القتال الشديد من الترك ، ولم يغنموا شيئا ؟ قال : لا قلت ، ولم وكل يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ؟ قال : لا يغير شيء عن موضعه الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بمعنى ، ولا علة ، قلت ، وكذلك قلت في الفرائض التي أنزلها الله عز وجل ، وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : وما ذلك ؟ قلت أرأيت لو قال لك : قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه بعد وفاته ، ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجعل لهم سهم من خالفهم هذا ممن كان يسيء إليه في حياته وإلى تركته بعد موته ، وهو غني عن ميراثه قال : ليس له ذلك بل ينفل ما جعله الله عز وجل لمن جعله قلت وقسم الغنيمة والفيء والمواريث والوصايا على الأسماء دون الحاجة ؟ قال : نعم قلت له بل قد يعطى أيضا من الفيء الغني والفقير قال : نعم قد أخذ عثمان وعبد الرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى قلت فما بال سهم ذوي القربى ، وفيه الكتاب والسنة ، وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا ، أدخلت فيه ما لا يجوز أن يدخل في مثله أضعف منه ؟ قال : فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا أردنا أن يكون ثابتا عن أبي بكر وعمر قلت له أو ما يكتفى بالكتاب والسنة ؟ .
قال : بلى قلت ، فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم يثبت بخبر صحيح عن أبي بكر ، ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتهم ؟ قال : لا قلت أورأيت إذا لم يثبت عن أبي بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه فكيف ؟ قلت فيه : وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا ؟ قال : الإمام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبي بكر وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس ، وهو يقول السلب من الغنيمة ، وفي السلب الخمس لقول الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية ، قال : إذا ثبت الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوهنه أن لا يثبت عمن بعده ، ولا من خالفه من بعده قلت ، وإن كان معهم التأويل ؟ قال : وإن ; لأن الحجة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له قد ثبت حكم الله عز وجل وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت ، وقد قال : الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال : النبي صلى الله عليه وسلم { فيما سقي بالسماء العشر } [ ص: 159 ] لم يخص مال دون مال في كتاب الله عز وجل ، ولا في هذا الحديث وقال : إبراهيم النخعي فيما أنبتت الأرض فكيف ؟ قلت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ؟ قال : فإن أبا سعيد لو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبي سعيد ؟ قال لا قلت أفالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى لذي القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبي سعيد عن أبي سعيد هذا الحديث ؟ قال : بل من روى منهم ذي القربى قلت ، وقد قرأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عهود : عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين وعهده لعمرو بن حزم على نجران وعهدا ثالثا ولأبي بكر عهدا ولعمر عهودا ولعثمان عهودا فما وجدت في واحد منها قط { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } .
وقد عهدوا في العهود التي قرأت على العمال ما يحتاجون إليه من أخذ الصدقة وغيرها ، ولا وجدنا أحدا قط يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث ثابت { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } غير أبي سعيد ، ولا وجدنا أحدا قط يروي ذلك عن أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي فهل وجدته ؟ قال : لا قلت أفهذا ; لأنهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان ، وفي السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذي القربى الذي هو لنفر بعدد ، وفي وقت واحد من السنة ؟ قال : كلاهما مما كان ينبغي أن يكون مشهورا قلت أفتطرح حديث أبي سعيد { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } ; لأنه ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من وجه واحد وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن ; لأن المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ؟ قال : لا ولكني أكتفي بالسنة من هذا كله فقلت له قال : الله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية .
وقد قال : ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع } ووافقه الزهري فيما يقول قال : كل ذي ناب من السباع حرام والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل وذكره من خالف شيئا مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس في قوله حجة ، ولو علم الذي قال قولا يخالف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله رجع إليه ، وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبد الله بن أبي عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال : نعم وخالفت أبا بكر في إعطاء المماليك فقلت لا يعطون قال : نعم وخالفت عمر في امرأة المفقود والبتة ، وفي التي تنكح في عدتها ، وفي أن ضعف الغرم على سراق ناقة المزني وفي أن قضى في القسامة بشطر الدية ، وفي أن جلد في التعريض الحد ، وجلد في ريح الشراب الحد ، وفي أن جلد وليدة حاطب وهي ثيب حد الزنا حد البكر ، وفي شيء كثير منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما تخالفه ، ولا مخالف له منهم قال : نعم أخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت له وسعد بن عبادة قسم ماله صحيحا بين ورثته ، ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا : نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد لا أرد شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شيء أعطوه وليس لأبي بكر وعمر في هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين ، ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن علي رضوان الله تعالى عليه .
( قال الشافعي ) رحمه الله [ ص: 160 ] ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال : في التي نكحت في عدتها فأصيبت تعتد عدتين وقال : علي ومنها أن عمر قضى في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما ومنها أن عمر رأى أن الأيمان في القسامة على قوم ، ثم حولها على آخرين فقال : إنما ألزمنا الله عز وجل قول رسوله صلى الله عليه وسلم وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة قلت ، فقد خالفت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في سهم ذي القربى ، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالفه قال : فقد روي عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما ، وهو يراد به الخاص قال : ومثل ماذا ؟ .
قلت مثل قول الله عز وجل { الذين قال لهم الناس } الآية فنحن وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال : هذا كله هكذا ؟ قلت إذا لم يسم ابن عباس أحدا من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم ؟ فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من أن يحتاج معهما إلى شيء ، قال : أفيجوز أن قول ابن عباس فأبى ذلك علينا قومنا يعني غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت : نعم يجوز أن يكون عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال : فكيف لم يعطهم عمر بن عبد العزيز سهم ذي القربى ؟ قلت فأعطى عمر بن عبد العزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال : لا أراه إلا قد فعل قلت أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذي القربى ؟ قال : أراه ليس بيقين قلت أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبد العزيز قال : لا قلت ، ولو قال : عمر بن عبد العزيز في سهم ذي القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطاهموه قال : نعم قلت وتخالف عمر بن عبد العزيز في حكم لو حكم به لم يخالفه فيه غيره ؟ قال : وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله ، وإنما هو كأحدنا قلت فكيف احتججت بالتوهم عنه ، وهو عندك هكذا ؟ قال : فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني في سهم ذي القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال : إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالفرض من الله عز وجل على خلقه اتباعه ، والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشيء يخالفه عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخطئ ثم إذا كان معه كتاب الله عز وجل فذلك ألزم له وأولى أن لا يحتج أحد معه .
وسهم ذي القربى ثابت في الكتاب والسنة
الخمس فيما لم يوجف عليه
( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى وما أخذ الولاة من المشركين من جزيتهم والصلح عن أرضهم وما أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين ومن أموالهم إن صالحوا بغير إيجاف خيل ، ولا ركاب ومن أموالهم إن مات منهم ميت لا وارث له وما أشبه هذا مما أخذه الولاة من مال المشركين فالخمس في جميعه ثابت فيه ، وهو على ما قسمه الله عز وجل لمن قسمه له من أهل
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (167)
صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ166
[ ص: 161 ] الخمس الموجف عليه من الغنيمة ، وهذا هو المسمى في كتاب الله عز وجل ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال لي قائل قد احتججت بأن { النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سهم ذي القربى عام خيبر ذوي القربى } وخيبر مما أوجف عليه فكيف زعمت أن الخمس لهم مما لم يوجف عليه ؟ فقلت له وجدت المالين أخذا من المشركين وخولهما بعض أهل دين الله عز وجل وجدت الله تبارك وتعالى اسمه حكم في خمس الغنيمة بأنه على خمسة ; لأن قول الله تبارك وتعالى { لله } مفتاح كلام كل شيء وله الأمر من قبل ومن بعد فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى حقهم فلا يشك أنه قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل حقهم وأنه قد انتهى إلى كل ما أمره الله عز وجل به فلما وجدت الله عز وجل قد قال في سورة الحشر { وما أفاء الله على رسوله منهم } الآية ، فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمضى لكن جعل الله له شيئا مما جعل الله له وإن لم نثبت فيه خبرا عنه كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي القربى من الموجف عليه كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه مما جعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل بأن الله عز وجل قد أدى إليه رسوله كما أوجب عليه أداءه والقيام به فقال لي قائل :
فإن الله تبارك وتعالى جعل الخمس فيما أوجف عليه على خمسة وجعل الكل فيما لا يوجف عليه على خمسة فكيف زعمت أنه إنما للخمسة الخمس لا الكل ؟ فقلت له ما أبعد ما بينك وبين من يكلمنا في إبطال سهم ذي القربى ، أنت تريد أن تثبت لذي القربى خمس الجميع مما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب وغيرك يريد أن يبطل عنهم خمس الخمس قال إنما قصدت في هذا قصد الحق فكيف لم تقل بما قلت به وأنت شريكي في تلاوة كتاب الله عز وجل ولك فيما زاد لذي القربى ؟ فقلت له إن حظي فيه لا يدعوني أن أذهب فيه إلى ما يعلم الله عز وجل أني أرى الحق في غيره قال فما دلك على أنه إنما هو لمن له خمس الغنيمة الموجف عليها خمس الفيء الذي لم يوجف عليه دون الكل .
قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر قال كانت بنو النضير مما أفاء الله عز وجل على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فقال لست أنظر إلى الأحاديث والقرآن أولى بنا .
ولو نظرت إلى الحديث كان هذا الحديث يدل على أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فقلت له هذا كلام عربي إنما يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يكون للمسلمين الموجفين وذلك أربعة أخماس قال : فاستدللت بخبر عمر على أن الكل ليس لأهل الخمس مما أوجف عليه قلت نعم قال فالخبر أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فما دل على الخمس لأهل الخمس معه ؟ .
قلت لما احتمل قول عمر أن يكون الكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين فيما أوجف عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون الخمس فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم فيها مقام المسلمين استدللنا بقول الله عز وجل في الحشر { فلله وللرسول ولذي القربى } الآية . على أن لهم الخمس وأن الخمس إذا كان لهم ، ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم سلمه لهم فاستدللنا إذا كان حكم الله عز وجل في الأنفال { واعلموا أنما غنمتم من شيء ، فإن لله خمسه } الآية [ ص: 162 ] فاتفق الحكمان في سورة الحشر وسورة الأنفال لقوم موصوفين ، وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره فقال فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل ؟ قلت : نعم فلهم الكل وندع الخبر قال لا يجوز عندنا ترك الخبر والخبر يدل على معنى الخاص والعام فقال لي قائل غيره فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بوجه من الوجوه فذكرت له الآية في الحشر قال فأولئك أوجف عليهم بلا خيل ، ولا ركاب فأعطوه بشيء ألقاه الله عز وجل في قلوبهم قلت أرأيت الجزية التي أعطاها من أوجف عليه بلا خيل ، ولا ركاب لما كان أصل إعطائها منهم للخوف من الغلبة ، وقد سير إليهم بالخيل والركاب فأعطوا فيها أهي أقرب من الإيجاف أم من أعطى بأمر لم يسير إليه بالخيل والركاب ؟ قال : نعم قلت : فإذا كان حكم الله فيما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب حتى يكون مأخوذا مثل صلح لا مثل ما أوجف عليه بغير صلح أن يكون لمن سمى كيف لم تكن الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بهذه الحال ؟ قال : فهل من دلالة غير هذا ؟ قلت : في هذا كفاية ، وفي أن أصل ما قسم الله من المال ثلاثة وجوه :
الصدقات وهي ما أخذ من مسلم فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء .
وما غنم بالخيل والركاب فتلك على ما قسم الله عز وجل
والفيء الذي لا يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب .
فهل تعلم رابعا ؟ قال : لا قلت : فبهذا قلنا الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك ; لأنه لا يعدو ما أخذ منه أبدا أن يكون غنيمة ، أو فيئا والفيء ما رده الله تعالى على أهل دينه .
كيف يفرق ما أخذ من الأربعة الأخماس الفيء غير الموجف عليه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يحصي جميع ما في البلدان من المقاتلة وهم من قد احتلم ، أو قد استكمل خمس عشرة من الرجال ويحصي الذرية وهم من دون المحتلم ودون خمس عشرة سنة ، والنساء صغيرهن وكبيرهن ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم والذرية ما يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم طعاما ، أو قيمته دراهم ، أو دنانير ويعطي المنفوس شيئا ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته ، وهذا يستوي في أنهم يعطون الكفاية ويختلف في مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان وحالات الناس فيها ، فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض ، ولم أعلم أصحابنا اختلفوا في أن العطاء للمقاتلة حيث كانت إنما يكون من الفيء وقالوا في إعطاء الرجل نفسه لا بأس أن يعطي لنفسه أكثر من كفايته وذلك أن عمر بلغ بالعطاء خمسة آلاف وهي أكثر من كفاية الرجل نفسه ومنهم من قال : خمسة آلاف بالمدينة لرجل يغزى إذا غزا ليست بأكثر من الكفاية إذا غزا عليها لبعد المغزى ، وقال : هي كالكفاية على أنه يغزى ، وإن لم يغز في كل سنة ، وقالوا ويفرض لمن هو أقرب للجهاد ، أو أرخص سعر بلد أقل ، ولم يختلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء ، ولا للأغراب الذين هم أهل الصدقة واختلفوا في التفضيل على السابقة والنسب فمنهم من قال أساوي بين الناس ، ولا أفضل على نسب ، ولا سابقة وأن أبا بكر حين قال له عمر أتجعل الذين جاهدوا في الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن إنما دخل في الإسلام كرها ؟ فقال أبو بكر إنما عملوا لله ، وإنما أجورهم على الله عز وجل ، وإنما الدنيا بلاغ وخير البلاغ أوسعه وسوى [ ص: 163 ] علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه بين الناس فلم يفضل أحدا علمناه .
( قال الشافعي ) رحمه الله وهذا الذي أختار وأسأل الله التوفيق وذلك أني رأيت قسم الله تبارك وتعالى اسمه في المواريث على العدد ، وقد تكون الإخوة متفاضلي الغناء على الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا يفضلون وقسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد ومنهم من يغنى غاية الغناء ويكون الفتوح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضرر بالجبن والهزيمة فلما وجدت السنة تدل على أنه إنما أعطاهم بالحضور وسوى بين الفرسان أهل الغناء وغيرهم والرجالة وهم يتفاضلون كما وصفت كانت التسوية أولى عندي والله تعالى أعلم من التفضيل على نسب وسابقة ، ولو وجدت الدلالة على التفضيل أرجح بكتاب ، أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة من الهواء في التفضيل أسرع ، ولكني أقول يعطون على ما وصفت ، وإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما يعطى من بعدت داره وغلا سعره وهذا ، وإن تفاضل عدد العطية من التسوية على معنى ما يلزم كل واحد من الفريقين في الجهاد إذا أراده .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وعليهم أن يغزوا إذا أغزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه ، فإذا أغزى البعيد أغزاه إلى أقرب المواضع من مجاهده فإن استغنى مجاهده بعدد وكثر من قربهم أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم ، ولهذا كتاب غير هذا .
إعطاء النساء والذرية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى واختلف أصحابنا في إعطاء من دون البالغين من الذرية وإعطاء نساء أهل الفيء فمنهم من قال يعطون من الفيء وأحسب من حجتهم أن يقولوا إنا إذا منعناهم الفيء ومؤنتهم تلزم رجالهم كنا لم نعطهم ما يكفيهم ، وإن أعطينا رجالهم الكفاية لأنفسهم فعليهم مؤنة عيالهم وليس في إعطائهم لأنفسهم كفاية ما يلزمهم فدخل علينا أن لم نعطهم مال الكفاية من الفيء ، ومنهم من قال : إذا كان أصل المال غنيمة وفيئا وصدقة فالفيء لمن قاتل عليه ، أو من سوى معهم في الخمس ، والصدقة لمن لا يقاتل من ذرية ونساء وليسوا بأولى بذلك من ذرية الأغراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفيء إذ لا يقاتلون عليه أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال : ما أحد إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا ما ملكت أيمانكم أخبرنا إبراهيم بن محمد بن المنكدر عن مالك بن أوس عن عمر نحوه وقال لئن عشت ليأتين الراعي بسرا وحمير حقه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن يقول ليس أحد يعطي بمعنى حاجة من أهل الصدقة ، أو بمعنى أنه من أهل الفيء الذين يغزون لا وله حق في مال الفيء ، أو الصدقة ، وهذا كأنه أولى معانيه فإن قال قائل : ما دل على هذا ؟ قيل : قد { قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة لا حظ فيها لغني ، ولا لذي مرة مكتسب } { وقال لرجلين سألاه إن شئتما إن قلتما نحن محتاجون أعطيتكما إذا كنت لا أعرف عيالكما ، ولا حظ فيها لغني } والذي أحفظه عن أهل العلم أن الأعراب لا يعطون من الفيء ، ولو قلنا معنى قوله إلا وله في هذا المال يعني الفيء حق كنا خالفنا ما لا نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لمن أعطي من الصدقة ما يكفيه ، ولا لمن كان غنيا من أهل الصدقات الذين يؤخذ منهم في الفيء نصيب ، ولو قلنا يعني عمر إلا له في هذا المال حق مال الصدقات كنا قد خالفنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا حظ فيها لغني } وما لا نعلم الناس [ ص: 164 ] اختلفوا فيه أنه ليس لأهل الفيء من الصدقة نصيب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأهل الفيء كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء قال والعطاء الواجب من الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع { عن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني } قال نافع فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال هذا الفرق بين المقاتلة والذرية وكتب في أن يفرض لابن خمس عشرة في المقاتلة ومن لم يبلغها في الذرية .
( قال الشافعي ) رحمه الله وإن كان المستكمل خمس عشرة سنة أعمى لا يقدر على القتال أبدا ، أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطي بمعنى الكفاية في المقام والكفاية في المقام شبيه بعطاء الذرية ; لأن الكفاية في القتال للسفر والمؤنة أكثر ، وكذلك لو كان سالما في المقاتلة ثم عمي أو أصابه ما يعلم أنه لا يجاهد معه أبدا صير إلى أن يعطي الكفاية في المقام .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإن مرض مرضا طويلا قد يرجى برؤه منه أعطاه عطاء المقاتلة ويخرج العطاء في كل عام للمقاتلة في وقت من الأوقات وأحب إلي لو أعطيت الذرية على ذلك الوقت .
وإذا صار مال الفيء إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطى ورثته عطاءه .
وإن مات قبل أن يصير المال الذي فيه عطاؤه لذلك العام إلى الوالي لم تعط ورثته عطاءه .
وإن فضل من المال فضل بعدما وصفت من إعطاء العطاء وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في السلاح والكراع وكل ما قوى به المسلمين فإن استغنى به المسلمون وكملت كل مصلحة لهم فرق ما بقي منه بينهم كله على قدر ما يستحقون في ذلك المال .
وإن ضاق الفيء عن مبلغ العطاء فرق بينهم بالغا ما بلغ لم يحبس عنهم منه شيئا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويعطى من الفيء رزق الحكام وولاة الأحداث والصلات بأهل الفيء وكل من قام بأمر أهل الفيء من وال وكاتب وجندي ممن لا غنى لأهل الفيء عنه رزق مثله فإن وجد من يغنى غناءه ويكون أمينا كما يلي له بأقل مما ولي ، ولم يزد أحدا على أقل ما يحدثه أهل الغناء وذلك أن منزلة الوالي من رعيته بمنزلة والي مال اليتيم من ماله لا يعطى منه على الغناء على اليتيم إلا أقل ما يقدر عليه .
قال وإن ولي أحد على أهل الصدقات كان رزقه مما يؤخذ منها ; لأن له فيها حقا ، ولا يعطى من الفيء عليها كما لا يعطى من الصدقات على الفيء ، ولا يرزق من الفيء على ولاية شيء إلا ما لا صلاح فلا يدخل الأكثر فيمن يرزقه على الفيء ، وهو يغنيه الأقل .
وإن ضاق الفيء عن أهله آسى بينهم فيه .
الخلاف
( قال الشافعي ) فاختلف أصحابنا وغيرهم في قسم الفيء فذهبوا به مذاهب لا أحفظ عنهم تفسيرها ، ولا أحفظ أيهم قال ما أحكي من القول دون ما خالفه وسأحكي ما حضرني من معاني كل من قال في الفيء شيئا فمنهم من قال هذا المال لله دل على من يعطاه ، فإذا اجتهد الوالي فأعطاه ففرقه في جميع من سمى له على قدر ما يرى من استحقاقهم بالحاجة إليه ، وإن فضل بعضهم على بعض في [ ص: 165 ] العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطي كل واحد منهم لسد خلته ، ولا يجوز أن يعطيه صنفا منهم ويحرم صنفا ، ومنهم من قال إذا اجتمع المال ونظر في مصلحة المسلمين فرأى أن يصرف المال إلى بعض الأصناف دون بعض فكان الصنف الذي يصرفه إليه لا يستغني عن شيء مما يصرف إليه كان أرفق بجماعة المسلمين صرفه ، وإن حرم غيره ، ويشبه قول الذي يقول هذا إن طلب المال صنفان فكان إذا حرمه أحد الصنفين تماسك ، ولم يدخل عليه خلة مضرة ، وإن آسى بينه وبين الصنف الآخر كانت على الصنف الآخر مضرة أعطاه الذي فيهم الخلة المضرة كله إذا لم يسد خلتهم غيره ، وإن منعه المتماسكين كله ثم قال بعض من قاله : إذا صرف مال الفيء إلى ناحية فسدها وحرم الأخرى ثم جاء مال آخر أعطاها دون الناحية التي سدها فكأنه ذهب إلى أنه إنما جعل أهل الخلة وأخر غيرهم حتى أفاءهم بعد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولا أعلم أحدا منهم قال يعطي من يعطي من الصدقات ، ولا يجاهد من الفيء شيئا وقال بعض من أحفظ عنه فإن أصابت أهل الصدقات سنة تهلك أموالهم أنفق عليهم من الفيء ، فإذا استغنوا منعوا من الفيء ومنهم من قال في مال الصدقات هذا القول يزيد بعض أهل الصدقات على بعض .
والذي أقول به وأحفظه عمن أرضى عمن سمعت منه ممن لقيت أن لا يؤخر المال إذا اجتمع ، ولكن يقسم ، فإذا كانت نازلة من عدو وجب على المسلمين القيام بها ، وإن غشيهم عدو في دارهم وجب النفير على جميع من غشيه من الرجال أهل الفيء وغيرهم أخبرنا من أهل العلم أنه لما قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بما أصيب بالعراق قال له صاحب بيت المال ، ألا أدخله بيت المال ؟ قال لا ورب الكعبة لا يؤدى تحت سقف بيت حتى أقسمه فأمر به فوضع في المسجد ووضعت عليه الأنطاع وحرسه رجال المهاجرين والأنصار فلما أصبح غدا مع العباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف أخذ بيد أحدهما ، أو أحدهما أخذ بيده فلما رأوه كشطوا الأنطاع عن الأموال فرأى منظرا لم ير مثله رأى الذهب فيه والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلألأ فبكى عمر بن الخطاب فقال له أحدهما والله ما هو بيوم بكاء ، ولكنه يوم شكر وسرور فقال إني والله ما ذهبت حيث ذهبت ، ولكنه والله ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم ثم أقبل على القبلة ورفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا فإني أسمعك تقول - { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } الآية ، ثم قال : أين سراقة بن جعشم ؟ فأتي به أشعر الذراعين دقيقهما فأعطاه سواري كسرى فقال : البسهما ففعل فقال الله أكبر ثم قال الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج وجعل يقلب بعض ذلك بعضا ، ثم قال : إن الذي أدى هذا لأمين فقال له رجل : أنا أخبرك أنت أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله عز وجل فإذا رتعت رتعوا قال صدقت ثم فرقه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإنما ألبسهما سراقة ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه كأني بك ، وقد لبست سواري كسرى } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم يجعل له إلا سوارين " أخبرنا الثقة من أهل المدينة قال أنفق عمر على أهل الرمادة حتى وقع مطر فترحلوا فخرج إليهم عمر راكبا فرسا ينظر إليهم وهم يترحلون بظعائنهم فدمعت عيناه فقال له رجل من بني محارب بن خصفة أشهد أنها انحسرت ، عنك ولست بابن أمة فقال له ويلك ذاك لو كنت أنفقت عليهم من مالي ومال الخطاب إنما أنفقت عليهم من مال الله عز وجل .
[ ص: 166 ] ما لم يوجف عليه من الأرضين بخيل ، ولا ركاب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكل ما صالح عليه المشركون بغير قتال بخيل ، ولا ركاب فسبيله سبيل الفيء يقسم على قسم الفيء فإن كانوا ما صالحوا عليه أرض ودور فالدور والأرضون وقف للمسلمين تستغل ويقسم الإمام غلها في كل عام ثم كذلك أبدا وأحسب ما ترك عمر من بلاد أهل الشرك هكذا ، أو شيئا استطاب أنفس من ظهروا عليه بخيل وركاب فتركوه كما استطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفس أهل سبي هوازن فتركوا حقوقهم وحديث جرير بن عبد الله عن عمر أنه عوضه من حقه وعوض امرأة من حقها بميراثها من أبيها كالدليل على ما قلت ويشبه قول جرير بن عبد الله عن عمر لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما قسم لكم أن يكون قسم لهم بلاد صلح مع بلاد إيجاف فرد قسم الصلح وعوض من بلاد الإيجاف بخيل وركاب .
باب تقويم الناس في الديوان على منازلهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية . وروي عن الزهري أن { النبي صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفا } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين شعارا وللأوس شعارا وللخزرج شعارا وعقد النبي صلى الله عليه وسلم الألوية عام الفتح فعقد للقبائل قبيلة قبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله } وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك ; لأن في تفريقهم إذا أريد والأمر مؤنة عليهم وعلى واليهم وهكذا أحب للوالي أن يضع ديوانه على القبائل ويستظهر على من غاب عنه ومن جهل ممن يحضره من أهل الفضل من قبائلهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه أجمع على تدوين الديوان فاستشار فقال بمن ترون أبدأ ؟ فقال له رجل : ابدأ بالأقرب فالأقرب بك قال : ذكرتموني بل أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ببني هاشم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (168)
صــــــــــ 167 الى صـــــــــــ172
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ ؟ قيل له ابدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا غير واحد من أهل العلم والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وغيرهم وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من بعض ، وقد زاد بعضهم على بعض في الحديث أن عمر لما دون الديوان قال أبدأ ببني هاشم ثم قال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب . فإذا كانت السن في الهاشمي قدمه على المطلبي ، وإذا كانت في المطلبي قدمه على الهاشمي فوضع الديوان على ذلك وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة ثم استوت له بنو عبد شمس ونوفل في جذم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا بني نوفل يتلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم وهم من حلف الفضول ، وفيهم كان النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل ذكر سابقة فقدمهم على بني عبد الدار ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم ثم انفردت له زهرة فدعاها تتلو عبد الدار ثم استوت له بنو تيم ومخزوم فقال [ ص: 167 ] في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين ، وفيهما كان النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : ذكر سابقة وقيل : ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوما يتلونهم ثم استوت له سهم وجمح وعدي بن كعب فقيل له : ابدأ بعدي فقال : بل أقر نفسي حيث كنت ، فإن الإسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد ، ولكن انظروا بني سهم وجمح فقيل : قدم بني جمح ثم دعا بني سهم فقال وكان ديوان عدي وسهم مختلطا كالدعوة الواحدة فلما خلصت إليه دعوته كبر تكبيرة عالية ثم قال الحمد لله الذي أوصل إلي حظي من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم دعا بني عامر بن لؤي فقال بعضهم : إن أبا عبيدة بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال : أكل هؤلاء تدعو أمامي ؟ فقال يا أبا عبيدة اصبر كما صبرت أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا قال فقدم معاوية بعد بني الحارث بن فهر ففصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى
وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح للسابقة فيهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا فرغ من قريش قدمت الأنصار على قبائل العرب كلها لمكانهم من الإسلام .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الناس عباد الله فأولاهم أن يكون مقدما أقربهم بخيرة الله لرسالته ومستودع أمانته وخاتم النبيين وخير خلق رب العالمين محمد عليه الصلاة والسلام .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن فرض له الوالي من قبائل العرب رأيت أن يقدم الأقرب فالأقرب منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب ، فإذا استووا قدم أهل السابقة على غير أهل السابقة ممن هم مثلهم في القرابة .
كتاب الجزية أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى خلق الله تعالى الخلق لعبادته ثم أبان جل وعلا أن خيرته من خلقه أنبياؤه فقال تبارك اسمه { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } فجعل النبيين صلى الله عليهم وسلم من أصفيائه دون عباده بالأمانة على وحيه والقيام بحجته فيهم ثم ذكر من خاصته صفوته فقال جل وعز { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } فخص آدم ونوحا بإعادة ذكر اصطفائهما وذكر إبراهيم فقال جل ثناؤه { واتخذ الله إبراهيم خليلا } وذكر إسماعيل بن إبراهيم فقال عز ذكره { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا } ثم أنعم الله عز وجل على آل إبراهيم وعمران في الأمم فقال تبارك وتعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ثم اصطفى الله عز وجل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم بصفة فضيلته وفضيلة من اتبعه به فقال عز وجل { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا } الآية وقال لأمته { كنتم خير أمة أخرجت للناس } ففضيلتهم بكينونتهم من أمته دون أمم الأنبياء ثم أخبر جل وعز أنه جعله فاتح رحمته عند فترة رسله فقال { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ، ولا نذير ، فقد جاءكم بشير ونذير } وقال { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته [ ص: 168 ] ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وكان في ذلك ما دل على أنه بعث إلى خلقه ; لأنهم كانوا أهل كتاب ، أو أميين وأنه فتح به رحمته وختم به نبوته فقال عز وجل { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله وخاتم النبيين } وقضى أن أظهر دينه على الأديان فقال عز وجل { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون } ، وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين في غير هذا الموضع .
مبتدأ التنزيل والفرض على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على الناس .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم { اقرأ باسم ربك الذي خلق } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه فرائضه كما شاء لا معقب لحكمه ثم أتبع كل واحد منها فرضا بعد فرض في حين غير حين الفرض قبله .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عليه { اقرأ باسم ربك الذي خلق } ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين فمرت لذلك مدة .
ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه ويدعوهم إلى الإيمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يتناول فنزل عليه { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } فقال يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حين تبلغ ما أنزل إليك فلما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين } .
( قال الشافعي ) وأعلمه من علمه منهم أنه لا يؤمن به فقال { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا } قرأ الربيع إلى { بشرا رسولا } .
( قال الشافعي ) وأنزل الله عز وجل فيما يثبته به إذا ضاق من أذاهم { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك } إلى آخر السورة . ففرض عليه إبلاغهم وعبادته ، ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ، ولم يأمره بعزلتهم وأنزل عليه { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } وقوله { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } قرأ الربيع الآية : وقوله { ما على الرسول إلا البلاغ } مع أشياء ذكرت في القرآن في غير موضع في مثل هذا المعنى وأمرهم الله عز وجل بأن لا يسبوا أندادهم فقال عز وجل { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } الآية مع ما يشبهها .
( قال الشافعي ) ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الحال التي فرض فيها عزلة المشركين فقال { ، وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } مما فرض عليه فقال { ، وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } قرأ الربيع إلى { إنكم إذا مثلهم } .
الإذن بالهجرة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانا لم يؤذن لهم فيه بالهجرة [ ص: 169 ] منها ثم أذن الله عز وجل لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجا فيقال نزلت { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد جعل الله تبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجا وقال { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة } الآية . وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة ثم دخل أهل المدينة في الإسلام فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة فهاجرت إليهم غير محرم على من بقي ترك الهجرة إليهم وذكر الله جل ذكره للفقراء المهاجرين وقال { ، ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة } قرأ الربيع إلى { في سبيل الله } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ثم أذن الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة ، ولم يحرم في هذا على من بقي بمكة المقام بها وهي دار شرك ، وإن قلوا بأن يفتنوا ، ولم يأذن لهم بجهاد . ثم أذن الله عز وجل لهم بالجهاد ، ثم فرض بعد هذا عليهم أن يهاجروا من دار الشرك ، وهذا موضوع في غير هذا الموضع .
مبتدأ الإذن بالقتال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فأذن لهم بأحد الجهادين بالهجرة قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال ، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال قال الله تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } الآية ، وأباح لهم القتال بمعنى أبانه في كتابه فقال عز وجل { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم } قرأ الربيع إلى { كذلك جزاء الكافرين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى يقال : نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين وفرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله عز وجل ثم يقال : نسخ هذا كله والنهي عن القتال حتى يقاتلوا والنهي عن القتال في الشهر الحرام بقول الله عز وجل { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } الآية ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد وهي موضوعة في موضعها .
فرض الهجرة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولما فرض الله عز وجل الجهاد على رسوله صلى الله عليه وسلم وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه وأثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة ورأوا كثرة من دخل في دين الله عز وجل اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم ، أو من فتنوا منهم فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله عز وجل جعل لكم مخرجا وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ، ولا يمتنع } فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة فلم يهاجر { الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم } الآية . وأبان الله عز وجل عذر المستضعفين فقال { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة } إلى " رحيما " .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويقال " عسى " من الله واجبة .
( قال الشافعي ) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن [ ص: 170 ] لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة { وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين ، وإن أقمتم فأنتم كأعراب وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم } .
أصل فرض الجهاد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولما مضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضا فقال تبارك وتعالى { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } وقال عز وجل { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } الآية . وقال تبارك وتعالى { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } وقال عز وجل { وجاهدوا في الله حق جهاده } وقال { ، فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } وقال عز وجل { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم } إلى قدير وقال { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم } الآية ، ثم ذكر قوما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان يظهر الإسلام فقال { لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك } الآية ، فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد بعد إبانته ذلك في غير مكان في قوله { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب } قرأ الربيع إلى { أحسن ما كانوا يعملون } وسنبين من ذلك ما حضرنا على وجهه إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } قرأ الربيع الآية وقال { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وقال { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله } مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على المتخلف عنه .
من لا يجب عليه الجهاد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فلما فرض الله تعالى الجهاد دل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك ، أو أنثى بالغ ، ولا حر لم يبلغ لقول الله عز وجل { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا } وقرأ الربيع الآية فكأن الله عز وجل حكم أن لا مال للمملوك ، ولم يكن مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال ، ولم يكن للمملوك مال ، وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { حرض المؤمنين على القتال } فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث ; لأن الإناث المؤمنات .
وقال عز وجل { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } وقال { كتب عليكم القتال } وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث . وقال عز وجل - إذ أمر بالاستئذان - : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين وقال : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا } فلم يجعل لرشدهم حكما تصير به أموالهم إليهم إلا بعد البلوغ فدل على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين ، ودلت السنة ثم ما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم على مثل ما وصفت .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله ، أو عبيد الله عن نافع عن { ابن عمر شك الربيع قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد [ ص: 171 ] وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم القتال عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم ، ولم يسهم وأسهم لضعفاء أحرار بالغين شهدوا معه فدل ذلك على أن السهمان إنما تكون فيمن شهد القتال من الرجال الأحرار ، ودل ذلك على أن لا فرض في الجهاد على غيرهم ، وهذا موضوع في موضعه .
من له عذر بالضعف والمرض والزمانة في ترك الجهاد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل في الجهاد : { ليس على الضعفاء ، ولا على المرضى ، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } الآية وقال { ليس على الأعمى حرج ، ولا على الأعرج حرج ، ولا على المريض حرج } .
( وقال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقيل الأعرج المقعد والأغلب أنه الأعرج في الرجل الواحدة ، وقيل نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا ، وهو أشبه ما قالوا وغير محتمل غيره وهم داخلون في حد الضعفاء وغير خارجين من فرض الحج ، ولا الصلاة ، ولا الصوم ، ولا الحدود ، ولا يحتمل والله تعالى أعلم أن يكون أريد بهذه الآية إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى الغزو غزوان : غزو يبعد عن المغازي ، وهو ما بلغ مسيرة ليلتين قاصدتين حيث تقصر الصلاة وتقدم مواقيت الحج من مكة وغزو يقرب ، وهو ما كان دون ليلتين مما لا تقصر فيه الصلاة وما هو أقرب من المواقيت إلى مكة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الغزو البعيد لم يلزم القوي السالم البدن كله إذا لم يجد مركبا وسلاحا ونفقة ويدع لمن تلزمه نفقته قوته إذن قدر ما يرى أنه يلبث ، وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق .
( قال الشافعي ) رحمه الله : نزلت { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا } ، الآية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا وجد هذا كله دخل في جملة من يلزمه فرض الجهاد فإن تهيأ للغزو ، ولم يخرج ، أو خرج ، ولم يبلغ موضع الغزو ، أو بلغه ثم أصابه مرض ، أو صار ممن لا يجد في أي هذه المواضع كان فله أن يرجع ، وقد صار من أهل العذر ، فإن ثبت كان أحب إلي ووسعه الثبوت ، وإذا كان ممن لم يكن لهم قوتهم لم يحل له أن يغزو على الابتداء ، ولا يثبت في الغزو إن غزا ، ولا يكون له أن يضيع فرضا ويتطوع ; لأنه إذا لم يجد فهو متطوع بالغزو ، ومن قلت له أن لا يغزو فله أن يرجع إذا غزا بالعذر وكان ذلك له ما لم يلتق الزحفان ، فإذا التقيا لم يكن له ذلك حتى يتفرقا .
العذر بغير العارض في البدن .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا كان سالم البدن قويه واجدا لما يكفيه ومن خلف يكون داخلا فيمن عليه فرض الجهاد لو لم يكن عليه دين ، ولم يكن له أبوان ، ولا واحد من أبوين يمنعه ، فلو كان عليه دين لم يكن له أن يغزو بحال إلا بإذن أهل الدين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان يحجبه مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم ، أو كافر ، وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا والمطاع منهما مؤمن ، فإن قال قائل : كيف تقول لا تجب عليه طاعة أبويه ، ولا واحد منهما حتى يكون [ ص: 172 ] المطاع مسلما في الجهاد ، ولم تقله في الدين ؟ قيل : الدين مال لزمه لمن هو له لا يختلف فيه من وجب له من مؤمن ، ولا كافر ; لأنه يجب عليه أداؤه إلى الكافر كما يجب عليه إلى المؤمن وليس يطيع في التخلف عن الغزو صاحب الدين بحق يجب لصاحب الدين عليه إلا بماله ، فإذا برئ من ماله فأمر صاحب الدين ونهيه سواء ، ولا طاعة له عليه ; لأنه لا حق له عليه بغير المال فلما كان الخروج بغرض إهلاك ماله لديه لم يخرج إلا بإذنه ، أو بعد الخروج من دينه وللوالدين حق في أنفسهما لا يزول بحال للشفقة على الولد والرقة عليه وما يلزمه من مشاهدتهما لبرهما ، فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ، ولا يبرأ منه بوجه وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما ، وإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك الجهاد وله الجهاد ، وإن خالفهما والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط ، وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين .
فإن قال قائل : فهل من دليل على ما وصفت ؟ قيل جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأبوه مجاهد النبي صلى الله عليه وسلم فلست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا مخالفين مجاهدين له ، أو مخذلين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأي الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة في الغزو ، وإن غزا رجل وأحد أبويه ، أو هما مشركان ثم أسلما ، أو أحدهما فأمره بالرجوع فعليه الرجوع عن وجهه ما لم يصر إلى موضع لا طاقة له بالرجوع منه إلا بخوف أن يتلف وذلك أن يصير إلى بلاد العدو ، فلو فارق المسلمين لم يأمن أن يأخذه العدو ، فإذا كان هذا هكذا لم يكن له أن يرجع للتعذر في الرجوع ، وكذلك إن لم يكن صار إلى بلاد مخوفة إن فارق الجماعة فيها خاف التلف وهكذا إذا غزا ، ولا دين عليه ثم ادان فسأله صاحب الدين الرجوع .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن سأله أبواه ، أو أحدهما الرجوع وليس عليه خوف في الطريق ، ولا له عذر فعليه أن يرجع للعذر ، وإذا قلت ليس له أن يرجع فلا أحب أن يبادر ، ولا يسرع في أوائل الخيل ، ولا الرجل ، ولا يقف الموقف الذي يقفه من يتعرض للقتل ; لأنه إذا نهيته عن الغزو لطاعة والديه ، أو لذي الدين نهيته إذا كان له العذر عن تعرض القتل وهكذا أنهاه عن تعرض القتل لو خرج وليس له أن يخرج بخلاف صاحب دينه وأحد أبويه ، أو خلاف الذي غزا وأحد أبويه وصاحب دينه كاره
وليس على الخنثى المشكل الغزو فإن غزا وقاتل لم يعط سهما ويرضخ له ما يرضخ للمرأة .
والعبد يقاتل فإن بان لنا أنه رجل فعليه من حين يبين الغزو وله فيه سهم رجل .
العذر الحادث .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (169)
صــــــــــ 173 الى صـــــــــــ179
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أذن للرجل أبواه في الغزو فغزا ثم أمراه بالرجوع فعليه الرجوع إلا من عذر حادث والعذر ما وصفت من خوف الطريق ، أو جدبه ، أو من مرض يحدث به لا يقدر معه على الرجوع ، أو قلة نفقة لا يقدر على أن يرجع يستقل معها ، أو ذهاب مركب لا يقدر على [ ص: 173 ] الرجوع معه ، أو يكون غزا بجعل مع السلطان ، ولا يقدر على الرجوع معه ، ولا يجوز أن يغزو بجعل من مال رجل فإن غزا به فعليه أن يرجع ويرد الجعل ، وإنما أجزت له هذا من السلطان أنه يغزو بشيء من حقه وليس للسلطان حبسه في حال قلت عليه فيها الرجوع إلا في حال ثانية أن يكون يخاف برجوعه ورجوع من هو في حاله أن يكثروا وأن يصيب المسلمين خلة برجوعهم بخروجهم يعظم الخوف فيها عليهم فيكون له حبسه في هذه الحال ، ولا يكون لهم الرجوع عليها ، فإذا زالت تلك الحال فعليهم أن يرجعوا وعلى السلطان أن يخليهم إلا من غزا منهم بجعل إذا كان رجوعهم من قبل والد ، أو صاحب دين لا من علة بأبدانهم فإن أراد أحد منهم الرجوع لعلة ببدنه تخرجه من فرض الجهاد فعلى السلطان تخليته غزا بجعل ، أو غير جعل وليس له الرجوع في الجعل ; لأنه حق من حقه أخذه ، وهو يستوجبه وحدث له حال عذر وذلك أن يمرض ، أو يزمن بإقعاد ، أو بعرج شديد لا يقدر معه على مشي الصحيح وما أشبه هذا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإني لأرى العرج إذا نقص مشيه عن مشي الصحيح وعدوه كله عذرا والله تعالى أعلم ، وكذلك إن رجل عن دابته ، أو ذهبت نفقته خرج من هذا كله من أن يكون عليه فرض الجهاد ، ولم يكن للسلطان حبسه عليه إلا في حال واحدة أن يكون خرج إلى فرض الجهاد بقلة الوجود فعليه أن يعطيهم حتى يكون واجدا فإن فعله حبسه وليس للرجل الامتناع من الأخذ منه إلا أن يقيم معه في الجهاد حتى ينقضي فله إذا فعل الامتناع من الأخذ منه .
وإذا غزا الرجل فذهبت نفقته ، أو دابته فقفل ثم وجد نفقة ، أو فاد دابة فإن كان ذلك ببلاد العدو لم يكن له الخروج وكان عليه الرجوع إلا أن يكون يخاف في رجوعه ، وإن كان قد فارق بلاد العدو فالاختيار له العود إلا أن يخاف فلا يجب عليه العود ; لأنه قد خرج ، وهو من أهل العذر فإن كانت تكون خلة برجوعه ، أو كانوا جماعة أصابهم ذلك وكانت تكون بالمسلمين خلة برجوعهم فعليهم وعلى الواحد أن يرجع إذا كانت كما وصفت إلا أن يخاف إذا تخلفوا أن يقتطعوا في الرجوع خوفا بينا فيكون لهم عذر بأن لا يرجعوا .
تحويل حال من لا جهاد عليه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان الرجل ممن لا جهاد عليه بما وصفت من العذر ، أو كان ممن عليه جهاد فخرج فيه فحدث له ما يخرج به من فرض الجهاد بالعذر في نفسه وماله ثم زالت الحال عنه عاد إلى أن يكون ممن عليه فرض الجهاد وذلك أن يكون أعمى فذهب العمى وصح بصره ، أو إحدى عينيه فيخرج من حد العمى ، أو يكون أعرج فينطلق العرج ، أو مريضا فيذهب المرض ، أو لا يجد ثم يصير واحدا ، أو صبيا فبلغ أو مملوكا فيعتق ، أو خنثى مشكلا فيبين رجلا لا يشكل ، أو كافرا فيسلم فيدخل فيمن عليه فرض الجهاد فإن كان بلده كان كغيره ممن عليه فرض الجهاد فإن كان قد غزا وله عذر ثم ذهب العذر وكان ممن عليه فرض الجهاد لم يكن له الرجوع عن الغزو دون رجوع من غزا معه أو بعض الغزاة في وقت يجوز فيه الرجوع .
قال وليس للإمام أن يجمر بالغزو فإن جمرهم ، فقد أساء ويجوز لكلهم خلافه والرجوع ، وإن أطاعته منهم طائفة فأقامت فأراد بعضهم الرجوع لم يكن لهم [ ص: 174 ] الرجوع إلا أن يكون من تخلف منهم ممتنعين بموضعهم ليس الخوف بشديد أن يرجع من يريد الرجوع فيكون حينئذ لمن أراد الرجوع أن يرجع وسواء في ذلك الواحد يريد الرجوع والجماعة ; لأن الواحد قد يخل بالقليل والجماعة لا تخل بالكثير ولذي العذر الرجوع في كل حال إذا جمر وجوزته قدر الغزو ، وإن أخل بمن معه وكل منزلة قلت لا ينبغي لأحد أن يرجع فيها فعلى الإمام فيها أن يأذن في الوقت الذي قلت : لبعضهم الرجوع ويمنع في الوقت الذي قلت : ليس لهم فيه الرجوع .
شهود من لا فرض عليه القتال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى والذين لا يأثمون بترك القتال - والله تعالى أعلم - بحال ضربان ضرب أحرار بالغون معذورون بما وصفت وضرب لا فرض عليهم بحال وهم العبيد ، أو من لم يبلغ من الرجال الأحرار والنساء ، ولا يحرم على الإمام أن يشهد معه القتال الصنفان معا ، ولا على واحد من الصنفين أن يشهد معه القتال .
( قال الشافعي ) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأل : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ؟ وهل كان يضرب لهن بسهم ؟ فقال قد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ، ولكن يحذين من الغنيمة } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومحفوظ أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال العبيد والصبيان وأحذاهم من الغنيمة .
( قال ) وإذا شهد من ليس عليه فرض الجهاد قويا كان ، أو ضعيفا القتال أحذى من الغنيمة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذي النساء وقياسا عليهن وخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد والصبيان ، ولا يبلغ بحذية واحد منهم سهم حر ، ولا قريبا منه ويفضل بعضهم على بعض في الحذية إن كان منهم أحد له غناء في القتال ، أو معونة للمسلمين المقاتلين ، ولا يبلغ بأكثرهم حذية سهم مقاتل من الأحرار .
وإن شهد القتال رجل حر بالغ له عذر في عدم شهود القتال من زمن ، أو ضعف بمرض ، أو عرض ، أو فقير معذور ضرب له بسهم رجل تام فإن قال : من أين ضربت لهؤلاء وليس عليهم فرض القتال ، ولا لهم غناء بسهم ، ولم تضرب به للعبيد ولهم غناء ، ولا للنساء والمراهقين ، وإن أغنوا وكل ليس عليه فرض القتال ؟ قيل : له قلنا خبرا وقياسا فأما الخبر ، فإن { النبي صلى الله عليه وسلم أحذى النساء من الغنائم } وكان العبيد والصبيان ممن لا فرض عليهم ، وإن كانوا أهل قوة على القتال ليس بعذر في أبدانهم ، وكذلك العبيد لو أنفق عليهم لم يكن عليهم القتال فكانوا غير أهل جهاد بحال كما يحج الصبي والعبد ، ولا يجزئ عنهما من حجة الإسلام ; لأنهما ليسا من أهل الفرض بحال ويحج الرجل والمرأة الزمنان اللذان لهما العذر بترك الحج والفقيران الزمنان فيجزئ عنهما عن حجة الإسلام ; لأنهما إنما زال الفرض عنهما بعذر في أبدانهما وأموالهما متى فارقهما ذلك كانا من أهله ، ولم يكن هكذا الصبي والعبد في الحج قال ، وكذلك لو لم يكونا كذا والمرأة مثلهما في الجهاد وضربت للزمن والفقير اللذين لا غزو عليهم ; لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لمرضى وجرحى وقوم لا غناء لهم على الشهود } وأنهم لم يزل فرض الجهاد عليهم إلا بمعنى العذر الذي إذا زال صاروا من أهله ، فإذا تكلفوا شهوده كان لهم ما لأهله .
[ ص: 175 ] من ليس للإمام أن يغزو به بحال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم { وما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق فشهدها معه عدد فتكلموا بما حكى الله تعالى من قولهم { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } وغير ذلك مما حكى الله عز وجل من نفاقهم ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه قوم منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله عز وجل شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل في غزاة تبوك أو منصرفه عنها ، ولم يكن في تبوك قتال من أخبارهم فقال { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأظهر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية كان فيها ما دل على أن الله عز وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين ; لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } قرأ الربيع إلى الخالفين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للإمام أن يدعه يغزو معه ، ولم يكن لو غزا معه أن يسهم له ، ولا يرضخ ; لأنه ممن منع الله عز وجل أن يغزو مع المسلمين لطلبته فتنتهم وتخذيله إياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من عدوهم .
( قال ) ولما نزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج بهم أبدا ، وإذا حرم الله عز وجل أن يخرج بهم فلا سهم لهم لو شهدوا القتال ، ولا رضخ ، ولا شيء ; لأنه لم يحرم أن يخرج بأحد غيرهم فأما من كان على غير ما وصف الله عز وجل من هؤلاء أو بعضه ، ولم يكن يحمد حاله أو ظن ذلك به ، وهو ممن لا يطاع ولا يضر ما وصف الله تعالى عن هؤلاء الذين وصف الله عز وجل بشيء من أحكام الإسلام إلا ما منعه الله عز وجل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على أحكام الإسلام بعد الآية ، وإنما منعوا الغزو مع المسلمين للمعنى الذي وصف الله عز وجل من ضررهم وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أن يصلي عليهم بخلاف صلاته صلاة غيره .
( قال الشافعي ) وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطيعه من مسلم ، أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به ، وإن غزا به لم يرضخ له ; لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم ، أو أكثر إذا كانت أفعالهم كأفعالهم ، أو أكثر ، ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين بدلالة على عورة عدو ، أو طريق ، أو ضيعة ، أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزى به وأحب إلي أن لا يعطى من الفيء شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه ، وهو [ ص: 176 ] غير سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن أغفل ذلك أعطي من سهم النبي صلى الله عليه وسلم { ورد النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر مشركا } قيل نعيم فأسلم ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام أن يرد المشرك فيمنعه الغزو ويأذن له ، وكذلك الضعيف من المسلمين .
ويأذن له ورد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة إباحة الرد والدليل على ذلك والله أعلم أنه قد غزا بيهود بني قينقاع بعد بدر وشهد صفوان بن أمية معه حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك .
( قال ) ونساء المشركين في هذا وصبيانهم كرجالهم لا يحرم أن يشهدوا القتال وأحب إلي لو لم يعطوا ، وإن شهدوا القتال فلا يبين أن يرضخ لهم إلا أن تكون منهم منفعة للمسلمين فيرضخ لهم بشيء ليس كما يرضخ لعبد مسلم أو لامرأة ، ولا صبي مسلمين وأحب إلي لو لم يشهدوا الحرب إن لم تكن بهم منفعة ; لأنا إنما أجزنا شهود النساء مع المسلمين والصبيان في الحرب رجاء النصرة بهم لما أوجب الله تعالى لأهل الإيمان وليس ذلك في المشركين .
كيف تفضل فرض الجهاد .
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { كتب عليكم القتال ، وهو كره لكم } مع ما أوجب من القتال في غير آية من كتابه ، وقد وصفنا أن ذلك على الأحرار المسلمين البالغين غير ذوي العذر بدلائل الكتاب والسنة ، فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملا لأن يكون كفرض الصلاة وغيرها عاما ومحتملا لأن يكون على غير العموم فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران أحدهما أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه ، والآخر أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان ، أو يعطي أهل الكتاب الجزية قل ، فإذا قام بهذا من المسلمين من فيه الكفاية به خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد وكان الفضل للذين ولوا الجهاد على المتخلفين عنه قال الله عز وجل { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } الآية .
( قال الشافعي ) وبين إذ وعد الله عز وجل القاعدين غير أولي الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف ويوعدون الحسنى بالتخلف بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكا ، ولا سوء نية ، وإن تركوا الفضل في الغزو وأبان الله عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير { انفروا خفافا وثقالا } وقال عز وجل { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } وقال تبارك وتعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } الآية ، فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من المجاهدين .
( قال الشافعي ) ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون ، وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وفي تجهزه للجمع للروم { ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله } .
( قال الشافعي ) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد على ما ذكرت .
( قال الشافعي ) وأبان أن لو تخلفوا معا أثموا معا بالتخلف بقوله عز وجل { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } يعني والله تعالى أعلم ، إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم قال ففرض الجهاد على ما وصفت يخرج المتخلفين من المأثم بالكفاية فيه ، ويأثمون معا إذا تخلفوا معا .
[ ص: 177 ] تفريع فرض الجهاد .
( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } قال : ففرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين وكان معقولا في فرض الله جهادهم أن أولاهم بأن يجاهد أقربهم بالمسلمين دارا ; لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى وكان من قرب أولى أن يجاهد من قربه من عورات المسلمين وأن نكاية من قرب أكثر من نكاية من بعد قال : فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو ، أو كانت بالمسلمين عليهم قوة أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين ; لأنهم الذين يلونهم ، ولا يتناول من خلفهم من طريق المسلمين على عدو دونه حتى يحكم أمر العدو دونه بأن يسلموا ، أو يعطوا الجزية إن كانوا أهل كتاب وأحب له إن لم يرد تناول عدو وراءهم ، ولم يطل على المسلمين عدو أن يبدأ بأقربهم من المسلمين ; لأنهم أولى باسم الذين يلون المسلمين ، وإن كان كل يلي طائفة من المسلمين فلا أحب أن يبدأ بقتال طائفة تلي قوما من المسلمين دون آخرين ، وإن كانت أقرب منهم من الأخرى إلى قوم غيرهم .
فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض ، أو أخوف من بعض فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف ، أو الأنكى ولا بأس أن يفعل ، وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف ممن بدأ به مما لا يخاف من غيره مثله وتكون هذه بمنزلة ضرورة ; لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها ، وقد { بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحارث بن أبي ضرار أنه يجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب } .
( قال الشافعي ) وهذه منزلة لا يتباين فيها حال العدو كما وصفت والواجب أن يكون أول ما يبدأ به سد أطراف المسلمين بالرجال ، وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر دفع العدو قبل انتياب العدو في ديارهم حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا ، وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين ، وإن قدر على أن يكون فيه أكثر فعل ويكون القائم بولايتهم أهل الأمانة والعقل والنصيحة للمسلمين والعلم بالحرب والنجدة والأناة والرفق والإقدام في موضعه وقلة البطش والعجلة .
( قال الشافعي ) فإذا أحكم هذا في المسلمين وجب عليه أن يدخل المسلمين بلاد المشركين في الأوقات التي لا يغرر بالمسلمين فيها ويرجو أن ينال الظفر من العدو فإن كانت بالمسلمين قوة لم أر أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عامة ، وإن كان يمكنه في السنة بلا تغرير بالمسلمين أحببت له أن لا يدع ذلك كلما أمكنه وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عليه عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر ، ، وإذا غزا عاما قابلا غزا بلدا غيره ، ولا يتأتى الغزو على بلد ويعطل من بلاد المشركين غيره إلا أن يختلف حال أهل البلدان فيتابع الغزو على من يخاف نكايته ، أو من يرجو غلبة المسلمين على بلاده فيكون تتابعه على ذلك وعطل غيره بمعنى ليس في غيره مثله .
قال : وإنما قلت بما وصفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه ، أو غيره في عام من غزوة ، أو غزوتين ، أو سرايا ، وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه ، ولا يسري سرية ، وقد يمكنه ، ولكنه يستجم ويجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه .
ويجب على أهل الإمام أن يغزوا [ ص: 178 ] أهل الفيء يغزوا كل قوم إلى من يليهم من المشركين ، ولا يكلف الرجل البلاد البعيدة وله مجاهد أقرب منها إلا أن يختلف حال المجاهدين فيزيد عن القريب عن أن يكفيهم فإن عجز القريب عن كفايتهم كلفهم أقرب أهل الفيء بهم .
قال : ولا يجوز أن يغزو أهل دار من المسلمين كافة حتى يخلف في ديارهم من يمنع دارهم منه .
( قال الشافعي ) : فإذا كان أهل دار المسلمين قليلا إن غزا بعضهم خيف العدو على الباقين منهم لم يغز منهم أحد وكان هؤلاء في رباط الجهاد ونزلهم .
( قال الشافعي ) وإن كانت ممتنعة غير مخوف عليها ممن يقاربها فأكثر ما يجوز أن يغزى من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن عن أهله وماله ، فإن { رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرت جموعهم ، قال : ليخرج من كل رجلين رجل } ومن في المدينة ممتنع بأقل ممن تخلف فيها ، وإذا كان القوم في ساحل من السواحل كسواحل الشام وكانوا على قتال الروم والعدو الذي يليهم أقوى ممن يأتيهم من غير أهل بلدهم وكان جهادهم عليه أقرب منه على غيرهم فلا بأس أن يغزوا إليهم من يقيم في ثغورهم مع من تخلف منهم ، وإن لم يكن من خلفوا منهم يمنعون دارهم لو انفردوا إذا صاروا يمنعون دارهم بمن تخلف من المسلمين معهم ويدخلون بلاد العدو فيكون عدوهم أقرب ودوابهم أجم وهم ببلادهم أعلم وتكون دارهم غير ضائعة بمن تخلف منهم وخلف معهم من غيرهم .
قال : ولا ينبغي أن يولي الإمام الغزو إلا ثقة في دينه شجاعا في بدنه حسن الأناة عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل ، ولا نزق وأن يقدم إليه وإلى من ولاه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال ، ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدخوا تحته ، ولا دخول مطمورة يخاف أن يقتلوا ، ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها ، ولا غير ذلك من أسباب المهالك فإن فعل ذلك الإمام ، فقد أساء ويستغفر الله تعالى ، ولا عقل ، ولا قود عليه ، ولا كفارة إن أصيب أحد من المسلمين بطاعته .
قال : وكذلك لا يأمر القليل منهم بانتياب الكثير حيث لا غوث لهم ، ولا يحمل منهم أحدا على غير فرض القتال عليه وذلك أن يقاتل الرجل الرجلين لا يجاوز ذلك ، وإذا حملهم على ما ليس له حملهم عليه فلهم أن لا يفعلوه قال : وإنما قلت لا عقل ، ولا قود ، ولا كفارة عليه أنه جهاد ويحل لهم بأنفسهم أن يقدموا فيه على ما ليس عليهم بغرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين ، ألا ترى أني لا أرى ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا ، أو يبادر الرجل ، وإن كان الأغلب أنه مقتول ; لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل رجل من الأنصار حاسرا على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقتل .
تحريم الفرار من الزحف .
قال : الله تبارك وتعالى { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } وقال عز وجل { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } الآية أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : لما نزلت { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله عز وجل { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } فخفف عنهم وكتب عليهم أن لا يفر مائة من المائتين .
( قال الشافعي ) : وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وقال : الله تعالى : { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } الآية ، فإذا غزا المسلمون [ ص: 179 ] أو غزوا فتهيئوا للقتال فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة فإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا عنهم ، ولا يستوجب السخط عندي من الله عز وعلا لو ولوا عنهم إلى غير التحرف للقتال والتحيز إلى فئة ; لأنا بينا أن الله عز وجل إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه وأن فرض الله عز وجل في الجهاد إنما هو على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو ، ويأثم المسلمون لو أطل عدو على أحد من المسلمين وهم يقدرون على الخروج إليه بلا تضييع لما خلفهم من ثغرهم إذا كان العدو ضعفهم وأقل .
قال : وإذا لقي المسلمون العدو فكثرهم العدو أو قووا عليهم ، وإن لم يكثروهم بمكيدة ، أو غيرها فولى المسلمون غير متحرفين لقتال ، أو متحيزين إلى فئة رجوت أن لا يأثموا ، ولا يخرجون والله تعالى أعلم من المأثم إلا بأن لا يولوا العدو دبرا إلا وهم ينوون أحد الأمرين من التحرف إلى القتال أو التحيز إلى فئة فإن ولوا على غير نية واحد من الأمرين خشيت أن يأثموا وأن يحدثوا بعد نية خير لهم ومن فعل هذا منهم تقرب إلى الله عز وجل بما استطاع من خير بلا كفارة معلومة فيه .
قال : ولو ولوا يريدون التحرف للقتال أو التحيز إلى الفئة ثم أحدثوا بعد نية في المقام على الفرار بلا واحدة من النيتين كانوا غير آثمين بالتولية مع النية لأحد الأمرين وخفت أن يأثموا بالنية الحادثة أن يثبتوا على الفرار لا لواحد من المعنيين ، وإن بعض أهل الفيء نوى أن يجاهد عدوا بلا عذر خفت عليه المأثم ، ولو نوى المجاهد أن يفر عنه لا لواحد من المعنيين كان خوفي عليه من المأثم أعظم ، ولو شهد القتال من له عذر في ترك القتال من الضعفاء والمرضى الأحرار خفت أن يضيق على أهل القتال ; لأنهم إنما عذروا بتركه ، فإذا تكلفوه فهم من أهله كما يعذر الفقير الزمن بترك الحج ، فإذا حج لزمه فيه ما لزم من لا يعذر بتركه من عمل ومأثم وفدية .
قال : وإن شهد القتال عبد أذن له سيده كان كالأحرار ما كان في إذن سيده يضيق عليه التولية ; لأن كل من سميت من أهل الفرائض الذين يجري عليهم المأثم ويصلحون للقتال قال : ولو شهد القتال عبد بغير إذن سيده لم يأثم بالفرار على غير نية واحد من الأمرين ; لأنه لم يكن القتال ، ولو شهد القتال مغلوب على عقله بلا سكر لم يأثم بأن يولي ، ولو شهده مغلوب على عقله بسكر من خمر فولى كان كتولية الصحيح المطيق للقتال ، ولو شهد القتال من لم يبلغ لم يأثم بالتولية ; لأنه ممن لا حد عليه ، ولم تكمل الفرائض عليه ، ولو شهد النساء القتال فولين رجوت أن لا يأثمن بالتولية ; لأنهن لسن ممن عليه الجهاد كيف كانت حالهن .
قال : وإذا حضر العدو القتال فأصاب المسلمون غنيمة ، ولم تقسم حتى ولت منهم طائفة ، فإن قالوا ولينا متحرفين لقتال ، أو متحيزين إلى فئة كانت لهم سهمانهم فيما غنم بعد ، وإن لم يكونوا مقاتلين ، ولا ردءا ، ولو غنم المسلمون غنيمة ثم لم تقسم خمست ، أو لم تخمس حتى ولوا وأقروا أنهم ولوا بغير نية واحد من الأمرين وادعوا أنهم بعد التولية أحدثوا نية أحد الأمرين والرجعة ورجعوا لم يكن لهم غنيمة ; لأنها لم تصر إليهم حتى صاروا ممن عصى بالفرار وترك الدفع عنها وكانوا آثمين بالترك .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا ولى القوم غير متحرفين إلى فئة ثم غزوا غزاة أخرى وعادوا إلى ترك الغزاة فما كان فيها من غنيمة شهدوها ، ولم يولوا بعدها فلهم حقهم منها ، وإذا رجع القوم القهقرى بلا نية لأحد الأمرين كانوا كالمولين ; لأنه إنما أريد بالتحريم الهزيمة عن المشركين .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (170)
صــــــــــ 180 الى صـــــــــــ186
وإذا غزا القوم فذهبت دوابهم لم يكن لهم عذر بأن يولوا ، وإن ذهب السلاح والدواب وكانوا يجدون شيئا يدفعون به من حجارة ، أو خشب ، أو غيرها ، وكذلك إن لم يجدوا [ ص: 180 ] من هذا شيئا فأحب إلي أن يولوا فإن فعلوا أحببت أن يجمعوا مع الفعل على أن يكونوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة ، ولا يبين أن يأثموا ; لأنهم ممن لا يقدر في هذه الحالة على شيء يدفع به عن نفسه ، وأحب في هذا كله أن لا يولي أحد بحال إلا متحرفا لقتال ، أو متحيزا إلى فئة .
ولو غزا المشركون بلاد المسلمين كان تولية المسلمين عنهم كتوليتهم لو غزاهم المسلمون إذا كانوا نازلين لهم عليهم أن يبرزوا إليهم .
قال : ولا يضيق على المسلمين أن يتحصنوا من العدو في بلاد العدو وبلاد الإسلام ، وإن كانوا قاهرين للعدو فيما يرون إذا ظنوا ذلك أزيد في قوتهم ما لم يكن العدو يتناول من المسلمين ، أو أموالهم شيئا في تحصنهم عنهم ، فإذا كان واحد من المعنيين ضررا على المسلمين ضاق عليهم إن أمكنهم الخروج أن يتخلفوا عنهم ، فأما إذا كان العدو قاهرين فلا بأس أن يتحصنوا إلى أن يأتيهم مدد أو تحدث لهم قوة ، وإن ونى عليهم فلا بأس أن يولوا عن العدو ما لم يلتقوا هم والعدو ; لأن النهي إنما هو في التولية بعد اللقاء .
( قال الشافعي ) رحمه الله والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال ما كان الإمكان والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو ، أو ببلاد الإسلام بعد ذلك أقرب إنما يأثم في التولية من لم ينو واحدا من المعنيين أخبرنا ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال { بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة فأتينا المدينة وفتحنا بابها فقلنا يا رسول الله : نحن الفرارون قال : أنتم العكارون وأنا فئتكم } أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أنا فئة كل مسلم .
في إظهار دين النبي صلى الله عليه وسلم على الأديان .
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون } أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله } .
( قال الشافعي ) { لما أتي كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مزقه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزق ملكه } .
( قال الشافعي ) وحفظنا أن { قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في مسك فقال : النبي صلى الله عليه وسلم يثبت ملكه } .
( قال الشافعي ) ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح بعضها وتم فتحها في زمان عمر وفتح العراق وفارس .
( قال الشافعي ) فقد أظهر الله عز وجل دينه الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها وقتل منأهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم وهذا ظهور الدين كله قال : وقد يقال ليظهرن الله عز وجل دينه على الأديان حتى لا يدان الله عز وجل إلا به وذلك متى شاء الله تبارك وتعالى .
( قال الشافعي ) وكانت [ ص: 181 ] قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا مع معايشها منه وتأتي العراق ، قال : فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع تعايشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام فقال : النبي صلى الله عليه وسلم { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده } .
( قال الشافعي ) فلم يكن بأرض العراق كسرى بعده ثبت له أمر بعده ، قال : { وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده } فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال : لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع الله الأكاسرة عنالعراق وفارس وقيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام .
( قال الشافعي ) { قال : النبي صلى الله عليه وسلم في كسرى يمزق ملكه } فلم يبق للأكاسرة ملك .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : { وقال : في قيصر يثبت ملكه } فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا أمر يصدق بعضه بعضا .
الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة وهي بلاد قومه وقومه أميون ، وكذلك من كان حولهم من بلاد العرب ، ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك ، أو أجير ، أو مجتاز ، أو من لا يذكر قال : الله تبارك وتعالى { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته } الآية فلم يكن من الناس أحد في أول ما بعث أعدى له من عوام قومه ومن حولهم ، وفرض الله عز وجل عليه جهادهم فقال : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فقيل : فيه فتنة شرك ويكون الدين كله واحدا لله وقال : في قوم كان بينه وبينهم شيء { ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم } الآية مع نظائر لها في القرآن .
أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } أخبرنا سفيان بن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن أبي عصام المزني عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية قال : إن رأيتم مسجدا ، أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا } أخبرنا سفيان عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أليس قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } قال : أبو بكر هذا من حقها لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى يعني من منع الصدقة ، ولم يرتد أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن عمر قال : لأبي بكر هذا القول أو ما معناه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقا ، وإنما يراد به والله تعالى أعلم مشركو أهل الأوثان ، ولم يكن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قربه أحد من مشركي أهل الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء الأنصار ، ولم تكن أنصار اجتمعت أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلاما فوادعت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر ، ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فكلم بعضها بعضا بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، ولم يكن بالحجاز علمته إلا يهودي ، أو نصراني بنجران وكانت المجوس بهجر وبلاد البربر [ ص: 182 ] وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركون أهل أوثان كثير .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأنزل الله عز وجل على رسوله فرض قتال المشركين من أهل الكتاب فقال : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } الآية . ففرق الله عز وجل كما شاء لا معقب لحكمه بين قتال أهل الأوثان ففرض أن يقاتلوا حتى يسلموا وقتل أهل الكتاب ففرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية ، أو أن يسلموا وفرق الله تعالى بين قتالهم أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أو جيشا أمر عليهم قال : إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ، أو ثلاث خلال - شك علقمة - ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن أجابوك فاقبل منهم وأخبرهم أنهم إن فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم ، وإن اختاروا المقام في دارهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله عز وجل كما يجري على المسلمين وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم ، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم } .
( قال الشافعي ) حدثني عدد كلهم ثقة عن غير واحد كلهم ثقة لا أعلم إلا أن فيهم سفيان الثوري عن علقمة بمثل معنى هذا الحديث لا يخالفه .
( قال الشافعي ) وهذا في أهل الكتاب خاصة دون أهل الأوثان وليس يخالف هذا الحديث حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } ، ولكن أولئك الناس أهل الأوثان والذين أمر الله أن تقبل منهم الجزية أهل الكتاب ، والدليل على ذلك ما وصفت من فرق الله بين القتالين ، ولا يخالف أمر الله عز وجل أن يقاتل المشركون حتى يكون الدين لله ويقتلوا حيث وجدوا حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة وأمر الله عز وجل بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، ولا تنسخ واحدة من الآي غيرها ، ولا واحد من الحديثين غيره وكل فيما أنزل الله عز وجل ثم سن رسوله فيه .
( قال الشافعي ) : ولو جهل رجل فقال : إن أمر الله بالجزية نسخ أمره بقتال المشركين حتى يسلموا جاز عليه أن يقول جاهل مثله بل الجزية منسوخة بقتال المشركين حتى يسلموا ، ولكن ليس فيهما ناسخ لصاحبه ، ولا مخالف .
من يلحق بأهل الكتاب .
( قال الشافعي ) انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه الفرقان فدانت دين أهل الكتاب وقارب بعض أهل الكتاب العرب من أهل اليمن فدان بعضهم دينهم وكان من أنزل الله عز وجل فرض قتاله من أهل الأوثان حتى يسلم مخالفا دين من وصفته دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان على نبي الله صلى الله عليه وسلم لتمسك أهل الأوثان بدين آبائهم { فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر دومة } ، وهو رجل يقال من غسان أو من كندة { وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من ذمة أهل اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران ، وفيهم عرب } فدل ذلك على ما وصفت من أن الإسلام لم يكن وهم أهل أوثان بل دائنين دين أهل الكتاب مخالفين دين أهل الأوثان وكان في هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل [ ص: 183 ] وأحطنا بأن الله عز وجل أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل والفرقان قال الله عز وجل { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } فأخبر أن لإبراهيم صحفا وقال : تبارك وتعالى { وإنه لفي زبر الأولين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض دينهم وكان المجوس بطرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا والله تعالى أعلم أهل كتاب يجمعهم اسم أنهم أهل كتاب مع اليهود والنصارى .
أخبرنا ابن عيينة عن أبي سعد سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال : قال فروة بن نوفل الأشجعي علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب ؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلبه وقال : يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعلى أمير المؤمنين يعني عليا ، وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج علي عليهما فقال : ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال : علي رضي الله تعالى عنه أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه ، وإنما ملكهم سكر فوقع على ابنته ، أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا خاف أن يقيموا عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما أتوه قال : تعلمون دينا خيرا من دين آدم ؟ وقد كان آدم ينكح بنيه بناته وأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه ؟ فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوه حتى قتلوهم فأصبحوا ، وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب ، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر منهم الجزية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما روي عن علي من هذا دليل على ما وصفت أن المجوس أهل كتاب ودليل أن عليا كرم الله وجهه ما خبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب ، ولا من بعده ، فلو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال : علي الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل كتاب ، أو لم يكونوا أهله ، ولم أعلم ممن سلف من المسلمين أحدا أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع بجالة يقول : ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس أهل هجر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وحديث بجالة متصل ثابت ; لأنه أدرك عمر وكان رجلا في زمانه كاتبا لعماله وحديث نصر بن عاصم عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم متصل وبه يأخذ ، وقد روي من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر له المجوس فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال : له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إن كان ثابتا فنفتي في أخذ الجزية ; لأنهم أهل كتاب لا أنه يقال إذا قال { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } والله تعالى أعلم في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم قال : ولو أراد جميع المشركين غير أهل الكتاب لقال والله تعالى أعلم سنوا بجميع المشركين سنة أهل الكتاب ، ولكن لما قال : سنوا بهم ، فقد خصهم ، وإذا خصهم فغيرهم مخالف ، ولا يخالفهم إلا غير أهل الكتاب أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه بلغه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين } وأن [ ص: 184 ] عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أخذها من البربر .
( قال الشافعي ) رحمه الله ولا يجوز أن يسأل عمر عن المجوس ويقول ما أدري كيف أصنع بهم ، وهو يجوز عنده أن تؤخذ الجزية من جميع المشركين لا يسأل عما يعلم أنه جائز له ، ولكنه سأل عن المجوس إذ لم يعرف من كتابهم ما عرف من كتاب اليهود والنصارى حتى أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه الجزية وأمره بأخذ الجزية منهم فيتبعه ، وفي كل ما حكيت ما يدل على أنه لا يسعه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب .
تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان .
( أخبرنا الربيع ) قال : ( قال الشافعي ) فكل من دان ودان آباؤه ، أو دان بنفسه ، وإن لم يدن آباؤه دين أهل الكتاب أي كتاب كان قبل نزول الفرقان وخالف دين أهل الأوثان قبل نزول الفرقان فهو خارج من أهل الأوثان وعلى الإمام إذا أعطاه الجزية ، وهو صاغر أن يقبلها منه عربيا كان أو عجميا
وكل من دخل عليه الإسلام ، ولا يدين دين أهل الكتاب ممن كان عربيا ، أو عجميا ، فأراد أن تؤخذ منه الجزية ويقر على دينه ، أو يحدث أن يدين دين أهل الكتاب فليس للإمام أن يأخذ منه الجزية ، وعليه أن يقاتله حتى يسلم كما يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا .
قال : وأي مشرك ما كان إذا لم يدع أهل دينه دين أهل الكتاب فهو كأهل الأوثان وذلك مثل أن يعبد الصنم وما استحسن من شيء ومن يعطل ومن في معناهم .
ومن غزا المسلمون ممن يجهلون دينه فذكروا لهم أنهم أهل كتاب فهم أهل كتاب سئلوا متى دانوا به وآباؤهم ، فإن ذكروا أن ذلك قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلوا قولهم إلا أن يعلموا غير ما قالوا ، فإن علموا ببينة تقوم عليهم لم يأخذوا منهم الجزية ، ولم يدعوهم حتى يسلموا ، أو يقتلوا ، وإن علموه بإقرار فكذلك ، وإن أقر بعضهم أنه لم يدن ، ولم يدن آباؤه دين أهل الكتاب إلا في وقت يذكرونه يعلم أنه قبل أن ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم أقررناهم على دينه وأخذنا منهم الجزية ، ولا يكون الإمام أخذها إلا أن يقول آخذها منكم حتى أعلم إن لم تدينوا وآباؤكم هذا الدين إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمته لم آخذها منكم فيما أستقبل ونبذت إليكم فإما أن تسلموا وإما أن تقتلوا فإذا أخبرنا من الذين أسلموا منهم قوما عدولا فاثبتوا لنا على هؤلاء الذين أخذت منهم الجزية بقولهم بأن لم يدينوا دين أهل الكتاب بحال إلا بعد نزول الفرقان ، وإن شهد هؤلاء النفر المسلمون ، أو اثنان منهم على جماعتهم إن لم يدينوا دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وأن آباءهم كانوا يدينون دين أهل الكتاب نبذت إلى من بلغ منهم ، ولم يدن دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وكان ذلك بعد نزول الفرقان ، قال : ولم ينبذ إلى صغارهم إذ كان آباؤهم دانوا دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان .
ولو أن هؤلاء النفر العدول شهدوا على أنفسهم أنهم لم يكونوا دانوا دين أهل الكتاب إلا بعد نزول الفرقان كان إقرارا منهم على أنفسهم لا أجعله شهادة على غيرهم ، ولا أقبل الشهادة على أحد منهم إلا بأن يثبتوها عليه أن الفرقان نزل ، ولا يدين دين أهل الكتاب ، فإذا فعلوا لم أقبل منه الجزية ، ولو كان آباؤهم من أهل الكتاب ; لأنه لا يكون دينه دين آبائه إذا بلغ إنما يكون مقرا [ ص: 185 ] على دين آبائه ما لم يبلغ ، فلو شهدوا أن أبا رجلين مات على دين أهل الكتاب يهوديا أو نصرانيا وله ابن بالغ مخالف دين أهل الكتاب وابن صغير ونزل الفرقان وهما بتلك الحال فبلغ الصغير ودان دين أهل الكتاب وعاد البالغ إلى دينهم أخذت الجزية من الصغير ; لأنه كان يقر على دين أبيه ، ولم يدن بعد البلوغ دينا غيره ، ولا آخذها من الكبير الذي نزل الفرقان ، وهو على دين غير دين أهل الكتاب .
من ترفع عنه الجزية .
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قال : فكان بينا في الآية والله تعالى أعلم أن الذين فرض الله عز وجل قتالهم حتى يعطوا الجزية الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ فتركوا دين الله عز وجل وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من أهل الكتاب وكان بينا أن الذين أمر الله بقتالهم عليها الذين فيهم القتال وهم الرجال البالغون .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ثم أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معنى كتاب الله عز وجل فأخذ الجزية من المحتلمين دون من دونهم ودون النساء { وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تقتل النساء من أهل الحرب ، ولا الولدان وسباهم } فكان ذلك دليلا على خلاف بين النساء والصبيان والرجال ، ولا جزية على من لم يبلغ من الرجال ، ولا على امرأة ، وكذلك لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أنه لا دين له تمسك به ترك له الإسلام ، وكذلك لا جزية على مملوك ; لأنه لا مال له يعطي منه الجزية فأما من غلب على عقله أياما ثم أفاق ، أو جن فتؤخذ منه الجزية ; لأنه يجري عليه القلم في حال إفاقته وليس يخلو بعض الناس من العلة يغرب بها عقله ثم يفيق ، فإذا أخذت من صحيح ثم غلب عقله حسب له من يوم غلب على عقله فإن أفاق لم ترفع عنه الجزية ، وإن لم يفق رفعت عنه من يوم غلب على عقله قال : وإذا صولحوا على أن يؤدوا عن أبنائهم ونسائهم سوى ما يؤدون عن أنفسهم فإن كان ذلك من أموال الرجال فذلك جائز ، وهو كما ازديد عليهم من أقل الجزية ومن الصدقة ومن أموالهم إذا اختلفوا وغير ذلك مما يلزمهم إذا شرطوه لنا ، وإن كانوا على أن يؤدوها من أموال نسائهم ، أو أبنائهم الصغار لم يكن ذلك عليهم ، ولا لنا أن نأخذه من أبنائهم ، ولا نسائهم بقولهم فلا شيئا عليك فإن قالت : فإن أؤدي بعد علمها قبل ذلك منها ومتى امتنعت ، وقد شرطت أن تؤدي لم يلزمها الشرط ما أقامت في بلادها ، وكذلك لو تجرت بمالها لم يكن عليها أن تؤدي إلا أن تشاء ، ولكنها تمنع الحجاز فإن قالت أدخلها على شيء يؤخذ مني فألزمته نفسها جاز عليها ; لأنه ليس لها دخول الحجاز .
وإذا صالحت على أن يؤخذ من مالها شيء في غير بلاد الحجاز فإن أدته قبل ، وإن منعته بعد شرطه فلها منعه ; لأنه لا يبين لي أن على أهل الذمة أن يمنعوا من غير الحجاز ولو شرط هذا صبي ، أو مغلوب على عقله لم يجز الشرط عليه ، ولا يؤخذ من ماله ، وكذلك لو شرط أبو الصبي ، أو المعتوه أو وليهما ذلك عليهما لم يكن ذلك لنا ولنا أن نمنعهما من أن يختلفا في بلاد الحجاز ، وكذلك يمنع مالهما مع الذي لا يؤدي شيئا عن نفسه ، ولا يكون لنا منعه من مسلم ، ولا ذمي يؤدي عن ماله وتمنع أنفسهما .
قال : ولو أن أهل دار من أهل الكتاب امتنع رجالهم من أن يصالحوا على جزية ، أو [ ص: 186 ] يجري عليهم الحكم وأطاعوا بالجزية ولنا قوة عليهم وليس في صلحهم نظر فسألوا أن يؤدوا الجزية عن نسائهم وأبنائهم دونهم لم يكن ذلك لنا ، وإن صالحوهم على ذلك فالصلح منتقض ، ولا نأخذ منهم شيئا إن سموه على النساء والأبناء ; لأنهم قد منعوا أموالهم بالأمان وليس على أموالهم جزية ، وكذلك لا نأخذها من رجالهم ، وإن شرطها رجالهم ، ولم يقولوا من أبنائنا ونسائنا أخذناها من أموال من شرطها بشرطه ، وكذلك لو دعا إلى هذا النساء والأبناء لم يؤخذ هذا منهم ، وكذلك لو كان النساء والأبناء أخلياء من رجالهم ففيها قولان : أحدهما ليس لنا أن نأخذ منهم الجزية ولنا أن نسبيهم ; لأن الله عز وجل إنما أذن بالجزية مع قطع حرب الرجال وأن يجري عليهم الحكم ، ولا حرب في النساء والصبيان إنما هن غنيمة وليسوا في المعنى الذي أذن الله عز وجل بأخذ الجزية به ، والقول الثاني : ليس لنا سباؤهم وعلينا الكف عنهم إذا أقروا بأن يجري عليهم الحكم وليس لنا أن نأخذ من أموالهم شيئا ، وإن أخذناه فعلينا رده
قال : وتؤخذ الجزية من الرهبان والشيخ الفاني الزمن وغيره ممن عليه الحكم من رجال المشركين الذين أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم .
وإذا صالح القوم من أهل الذمة على الجزية ثم بلغ منهم مولود قبل حولهم بيوم ، أو أقل ، أو أكثر فرضي بالصلح سئل فإن طابت نفسه بالأداء لحول قومه أخذت منه ، وإن لم تطب نفسه فحوله حول نفسه ; لأنه إنما وجب عليه الجزية بالبلوغ والرضا ويأخذ منه الإمام من حين رضي على حوله أصحابه وفضل إن كان عليه من سنة قبلها لئلا تختلف أحوالهم كأن بلغ قبل الحول بشهر فصالحه على دينار كل حول فيأخذ منه إذا حال حول أصحابه نصف سدس دينار ، وفي حول مستقبل معهم دينار ، فإذا أخره أخذ منه في حول أصحابه دينار ونصف سدس دينار .
الصغار مع الجزية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قال : فلم يأذن الله عز وجل في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه حتى يعطيها عن يد صاغرا .
( قال الشافعي ) وسمعت عددا من أهل العلم يقولون الصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام .
( قال الشافعي ) وما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الإسلام ، فإذا جرى عليهم حكمه ، فقد أصغروا بما يجري عليهم منه .
( قال الشافعي ) : وإذا أحاط الإمام بالدار قبل أن يسبي أهلها ، أو قهر أهلها القهر البين ، ولم يسبهم ، أو كان على سبيه بالإحاطة من قهره لهم ، ولم يغزهم لقربهم أو قلتهم ، أو كثرتهم وقوته فعرضوا عليه أن يعطوا الجزية على أن يجري عليهم حكم الإسلام لزمه أن يقبلها منهم ، ولو سألوه أن يعطوها على أن لا يجري عليهم حكم الإسلام لم يكن ذلك له وكان عليه أن يقاتلهم حتى يسلموا ، أو يعطوا الجزية وهم صاغرون بأن يجري عليهم حكم الإسلام قال فإن سألوه أن يتركوا من شيء من حكم الإسلام إذا طلبهم به غيرهم ، أو وقع عليهم بسبب غيرهم لم يكن له أن يجيبهم إليه ، ولا يأخذ الجزية منهم عليه فأما إذا كان في غزوهم مشقة ، أو من بإزائهم من المسلمين ومن ينتابهم عنهم ضعف ، أو بهم انتصاف فلا بأس أن يوادعوا ، وإن لم يعطوا شيئا أو أعطوه على النظر ، وإن لم يجر عليهم حكم الإسلام كما يجوز ترك قتالهم وموادعتهم على النظر ، وهذا موضوع في كتاب الجهاد دون الجزية .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (171)
صــــــــــ 187 الى صـــــــــــ193
[ ص: 187 ] مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون .
( قال الشافعي ) وإذا أسر الإمام قوما من أهل الكتاب وحوى نساءهم وذراريهم وأولادهم فسألوه تخليتهم وذراريهم ونساءهم على إعطاء الجزية لم يكن ذلك له في نسائهم ، ولا أولادهم ، ولا ما غلب من ذراريهم وأموالهم ، وإذا سألوه إعطاء الجزية في هذا الوقت لم يقبل ذلك منهم ; لأنهم صاروا غنيمة ، أو فيئا وكان له القتل والمن والفداء كما كان ذلك له في أحرار رجالهم البالغين خاصة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد من وفادى وقتل أسرى الرجال وأذن الله عز وجل بالمن والفداء فيهم فقال : { فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء } .
( قال الشافعي ) ولو كان أسر أكثر الرجال وحوى أكثر النساء والذراري والأموال وبقيت منهم بقية لم يصل إلى أسرهم بامتناع في موضع ، أو هرب كان له وعليه أن يعطي الممتنعين أحد الجزية والأمان على أموالهم ونسائهم إن لم يكن أحرز من ذلك شيئا فإن أعطاهم ذلك مطلقا فكان قد أحرز من ذلك شيئا لم يكن له الوفاء به وكان عليه أن يقسم ما أحرز لهم وخيرهم بين أن يعطوا الجزية عن أنفسهم وما لم يحرز لهم أو ينبذ إليهم .
ولو جاء الإمام رسل بعض أهل الحرب فأجابهم إلى أمان من جاءوا عنده من بلد كذا وكذا على أخذ الجزية وخالف الرسل من غزا من المسلمين فافتتحوها وحووا بلادهم نظر فإن كان الأمان كان لهم قبل الفتح وقبل أن يحووا البلاد خلى سبيلهم وكانت لهم الذمة على ما أعطوا ، ولو أعطوا ذمة منتقصة خلى سبيلهم ونبذ إليهم ، وإن كان سباؤهم والغلبة على بلادهم كان قبل إعطاء الإمام إياهم ما أعطاهم مضى عليهم السباء وبطل ما أعطى الإمام ; لأنه أعطى الأمان من كان رقيقا وما له غنيمة ، أو فيئا كما لو أعطى قوما حووا أن يرد إليهم أموالهم لم يكن ذلك له .
مسألة إعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله .
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { إنما المشركون نجس } الآية قال فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم .
( قال الشافعي ) وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ، ولا لمشرك أن يدخل الحرم } قال : وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم { لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا } فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للإمام أن يقبل منه على ذلك شيئا ، ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا ، أو غيره لتحريم الله عز وجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها كلها ; لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال : { أقركم ما أقركم الله } ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من الحجاز ، ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأحب إلي أن لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
قال : ولا يبين لي أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر ; لأنه قد يحتمل أمر النبي [ ص: 188 ] صلى الله عليه وسلم بإجلائهم عنها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه { لا يبقين دينان بأرض العرب } لا يبقين دينان مقيمان ، ولولا أن عمر ولى الخراج أهل الذمة لما ثبت عنده من أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم محتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجرا ثلاث لا يقيم فيها بعد ذلك لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا يتخذ ذمي شيئا من الحجاز دارا ، ولا يصالح على دخولها إلا مجتازا إن صولح أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا أذن لهم أن يدخلوا الحجاز فذهب لهم بها مال ، أو عرض بها شغل قيل لهم : وكلوا بها من شئتم من المسلمين وأخرجوا ، ولا يقيمون بها أكثر من ثلاث ، وأما مكة فلا يدخل الحرم أحد منهم بحال أبدا كان لهم بها مال ، أو لم يكن ، وإن غفل عن رجل منهم فدخلها فمرض أخرج مريضا ، أو مات أخرج ميتا ، ولم يدفن بها وإن مات منهم ميت بغير مكة دفن حيث يموت ، أو مرض فكان لا يطيق أن يحمل إلا بتلف عليه ، أو زيادة في مرضه ترك حتى يطيق الحمل ثم يحمل قال ، وإن صالح الإمام أحدا من أهل الذمة على شيء يأخذه في السنة منهم مما قلت لا يجوز الصلح عليه على أن يدفعوا إليه شيئا فيقبض ما حل عليهم فلا يرد منه شيئا ; لأنه قد وفى له بما كان بينه وبينه ، وإن علم بعد مضي نصف السنة نبذه إليهم مكانه وأعلم أن صلحهم لا يجوز وقال : إن رضيتم صلحا يجوز جددته لكم ، وإن لم ترضوه أخذت منكم ما وجب عليكم ، وهو نصف ما صالحتكم عليه في السنة ; لأنه قد تم لكم ونبذت إليكم ، وإن كانوا صالحوا على أن سلفوه شيئا لسنتين رد عليهم ما صالحوه عليه إلا قدر ما استحق بمقامهم ونبذ إليهم ، ولم أعلم أحدا أجلى أحدا من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن ، ولا بأس أن يصالحهم على مقامهم باليمن .
فأما سائر البلدان ما خلا الحجاز فلا بأس أن يصالحوا على المقام بها ، فإذا وقع لذمي حق بالحجاز وكل به ، ولم أحب أن يدخلها بحال ، ولا يدخلها لمنفعة لأهلها ، ولا غير ذلك من أسباب الدخول كتجارة يعطي منها شيئا ، ولا كراء يكريه مسلم ، ولا غيره فإن أمر بإجلائه من موضع ، فقد يمنع من الموضع الذي أجلي منه ، وهذا إذا فعل فليس في النفس منه شيء ، وإذا كان هذا هكذا فلا يتبين أن يمنعوا ركوب بحر الحجاز ويمنعون المقام في سواحله ، وكذلك إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن منعوا سكناها ; لأنها من أرض الحجاز ، وإذا دخل الحجاز منهم رجل في هذه الحالة فإن كان تقدم إليه أدب وأخرج ، وإن لم يكن تقدم إليه لم يؤدب وأخرج ، وإن عاد أدب ، وإن مات منهم ميت في هذه الحال بمكة أخرج منها وأخرج من الحرم فدفن في الحل ، ولا يدفن في الحرم بحال ; لأن الله عز وجل قضى أن لا يقرب مشرك المسجد الحرام ، ولو أنتن أخرج من الحرم ولو دفن بها نبش ما لم ينقطع ، وإن مات بالحجاز دفن بها ، وإن مرض في الحرم أخرج فإن مرض بالحجاز يمهل بالإخراج حتى يكون محتملا للسفر فإن احتمله أخرج قال : وقد وصفت مقدمهم بالتجارات بالحجاز فيما يؤخذ منهم وأسأل الله التوفيق وأحب إلي أن لا يتركوا بالحجاز بحال لتجارة ولا غيرها .
[ ص: 189 ] كم الجزية ؟ .
( قال الشافعي ) قال : الله تبارك وتعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد } وكان معقولا أن الجزية شيء يؤخذ في أوقات وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير .
( قال الشافعي ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد { فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية أهل اليمن دينارا في كل سنة ، أو قيمته من المعافري } وهي الثياب ، وكذلك روي أنه أخذ من أهل أيلة ومن نصارى مكة دينارا عن كل إنسان ، قال : وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة ، ولا أدري ما غاية ما أخذ منهم ، وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار وأخذها من أكيدر ، ومن مجوس البحرين لا أدري كم غاية ما أخذ منهم ، ولم أعلم أحدا قط حكى عنه أنه أخذ من أحد أقل من دينار أخبرنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن { النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن إن على كل إنسان منكم دينارا ، أو قيمته من المعافري } يعني أهل الذمة منهم أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن أن { النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الذمة من أهل اليمن دينارا كل سنة } قلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضا فقال : ليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء ثابتا عندنا .
( قال الشافعي ) وسألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدة من علماء أهل اليمن فكل حكى عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة ، ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية وقال : عامتهم ، ولم يأخذ من زروعهم ، وقد كانت لهم الزروع ، ولا من مواشيهم شيئا علمناه وقال لي : قد جاءنا بعض الولاة فخمس زروعهم ، أو أرادوها فأنكر ذلك عليه وكل من وصفت أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير .
( قال الشافعي ) سألت عددا كثيرا من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان اليمن فكلهم أثبت لي - لا يختلف قولهم - أن معاذا أخذ منهم دينارا على كل بالغ وسموا البالغ الحالم قالوا كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ { إن على كل حالم دينارا } أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث أن { النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثا ، ولا يغشوا مسلما } أخبرنا إبراهيم عن إسحاق بن عبد الله أنهم كانوا يومئذ ثلاثمائة فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة دينار كل سنة .
( قال الشافعي ) : فإذا دعا من يجوز أن تؤخذ منه الجزية إلى الجزية على ما يجوز وبذل دينارا عن نفسه كل سنة لم يجز للإمام إلا قبوله منه ، وإن زاده على دينار ما بلغت الزيادة ، قلت أو كثرت جاز للإمام أخذها منه ; لأن اشتراط النبي صلى الله عليه وسلم على نصارى أيلة في كل سنة دينارا على كل واحد والضيافة زيادة على الدينار وسواء معسر البالغين من أهل الذمة وموسرهم بالغا ما بلغ يسره ; لأنا نعلم أنه إذا صالح أهل اليمن وهم عدد كثير على دينار على المحتلم في كل سنة أن منهم المعسر فلم يضع عنه وأن فيهم الموسر فلم يزد عليه فمن عرض دينارا موسرا كان أو معسرا قبل منه ، وإن عرض أقل منه لم يقبل منه ; لأن من صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعلمه صالح على أقل من دينار قال : فالدينار أقل ما يقبل من أهل الذمة وعليه إن بذلوه قبوله منه عن كل واحد منهم ، وإن لم يزد ضيافة ، ولا شيئا يعطيه من ماله .
فإن صالح السلطان أحدا ممن يجوز أخذ الجزية منه ، وهو يقوى عليه على الأبدي على [ ص: 190 ] أقل من دينار ، أو على أن يضع عمن أعسر من أهل دينه الجزية ، أو على أن ينفق عليهم من بيت المال فالصلح فاسد وليس له أن يأخذ من أحد منهم إلا ما صالحه عليه إن مضت مدة بعد الصلح توجب عليه بشرطه شيئا وعليه أن ينبذ إليهم حتى يصالحوه صلحا جائزا ، وإن صالحوه صلحا جائزا على دينار ، أو أكثر فأعسر واحد منهم بجزيته فالسلطان غريم من الغرماء ليس بأحق بماله من غرمائه ، ولا غرمائه منه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن فلسه لأهل دينه قبل أن يحول الحول عليه ضرب مع غرمائه بحصة جزيته لما مضى عليه من الحول ، وإن قضاه الجزية دون غرمائه كان له ما لم يستعد عليه غرماؤه ، أو بعضهم ، فإذا استعدى عليه بعضهم فليس له أن يأخذ جزيته دونهم ; لأن عليه حين استعدى عليه أن يقف ماله إذا أقر به ، أو ثبت عليه ببينة فإن لم يستعد عليه كان له أخذ جزيته منه دونهم ; لأنه لم يثبت عليه حق عنده حين أخذ جزيته .
وإن صالح أحدا من أهل الذمة على ما يجوز له فغاب الذمي فله أخذ حقه من ماله ، وإن كان غائبا إذا علم حياته ، وإن لم يعلم حياته سأل وكيله ومن يقوم بماله عن حياته فإن قالوا : مات ، وقف ماله وأخذ ما استحق فيه إلى يوم يقولون مات فإن قالوا : حي ، وقف ماله إلا أن يعطوه متطوعين الجزية ، ولا يكون له أخذها من ماله ، وهو لا يعلم حياته إلا أن يعطوه إياها متطوعين ، أو يكون بعلم ورثته كلهم وأن لا وارث له غيرهم وأن يكونوا بالغين يجوز أمرهم في مالهم فيجيز عليهم إقرارهم على أنفسهم ; لأنه إن مات فهو مالهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإن أخذ الجزية من ماله لسنتين ثم ثبت عنده أنه مات قبلهما .
رد حصة ما لم يستحق وكان عليه أن يحاص الغرماء فإن كان ما يصيبه إذا حاصصهم في الجزية عليه أقل مما أخذ رده عليهم ، وإن كان ورثته بالغين جائزي الأمر فقالوا مات أمس وشهد شهود أنه مات عام أول فسأل الورثة الوالي أن يرد عليهم جزيته سنة لم يكن على الوالي أن يردها عليهم ; لأنهم يكذبون الشهود بسقوط الجزية عنه بالموت ، ولو جاءنا وارثان فصدق أحدهما الشهود وكذبهم الآخر فكانا كرجلين شهد لهما رجلان بحقين فصدقهما أحدهما ، ولم يصدقهما الآخر فتجوز شهادتهما للذي صدقهما وترد للذي كذبهما وكان على الإمام أن يرد نصف الدينار على الوارث الذي صدق الشهود ، ولا يرد على الذي كذب الشهود .
( قال الشافعي ) وإن أخذنا الجزية من أحد من أهلها فافتقر كان الإمام غريما من الغرماء ، ولم يكن له أن ينفق من مال الله عز وجل على فقير من أهل الذمة ; لأن مال الله عز وجل ثلاثة أصناف :
الصدقات فهي لأهلها الذين سمى الله عز وجل في سورة براءة ، والفيء فلأهله الذين سمى الله عز وجل في سورة الحشر ، والغنيمة فلأهلها الذين حضروها ، وأهل الخمس المسلمين في الأنفال وكل هؤلاء مسلم فحرام على الإمام والله تعالى أعلم أن يأخذ من حق أحد من المسلمين فيعطيه مسلما غيره فكيف بذمي لم يجعل الله تبارك وتعالى فيما تطول به على المسلمين نصيبا ؟ ألا ترى أن الذمي منهم يموت فلا يكون له وارث فيكون ماله للمسلمين دون أهل الذمة ; لأن الله عز وجل أنعم على المسلمين بتخويلهم ما لم يكونوا يتخولونه قبل تخويلهم وبأموال المشركين فيئا وغنيمة .
( قال الشافعي ) ويروون أن { النبي صلى الله عليه وسلم جعل على نصارى أيلة جزية دينار على كل إنسان } وضيافة من مر بهم من المسلمين وتلك زيادة على الدينار .
( قال الشافعي ) فإن بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغا ما بلغ كان الازدياد أحب إلي ، ولم يحرم على الإمام مما زادوه شيء ، وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة أخبرنا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل المذهب أربعة دنانير ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام .
( قال الشافعي ) وقد روي أن عمر ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين وعلى أهل اليسر وعلى أهل الأوساط أربعة وعشرين [ ص: 191 ] وعلى من دونهم اثني عشر درهما ، وهذا في الدرهم أشبه بمذهب عمر بأنه عدل الدراهم في الدية اثني عشر درهما بدينار أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضر أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض ، أو مطر أنفق من ماله .
( قال الشافعي ) وحديث أسلم ضيافة ثلاثة أيام أشبه ; لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الضيافة ثلاثا } ، وقد يكون جعلها على قوم ثلاثا وعلى قوم يوما وليلة ، ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضا .
بلاد العنوة .
( قال الشافعي ) وإذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب ونفى عنها أهلها ، أو ظهر على بلاد وقهر أهلها ، ولم يكن بين بلاد الحرب التي ظهر عليها وبين بلاد الإسلام مشرك ، أو كان بينه وبينهم مشركون لا يمنعون أهل الحرب الذين ظهروا على بلادهم وكان قاهرا لمن بقي محصورا ومناظرا له ، وإن لم يكن محصورا فسأله أولئك من العدو وأن يدع لهم أموالهم على شيء يأخذ منهم فيها ، أو منها قل أو كثر لم يكن ذلك له ; لأنها قد صارت بلاد المسلمين وملكا لهم ، ولم يجز له إلا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فإنه ظهر عليها ، وهو في عدد المشركون من أهلها أكثر منهم وقربها مشركون من العرب غير يهود ، وقد أرادوا منعهم منه فلما بان له أنه قاهر قسم أموالهم كما يقسم ما أحرز في بلاد المسلمين وخمسها وسألوه وهم متحصنون منه لهم شوكة ثابتة أن يؤمنهم ، ولا يسبي ذراريهم فأعطاهم ذلك ; لأنه لم يظهر على الحصون ومن فيها فيملكها المسلمون ، ولم يعطهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر عليه من الأموال إذ رأى أن لا قوة بهم على أن يبرزوا عن الحصون لمنع الأموال ، وكذلك لم يعطهم ذلك في حصن ظهر فيه بصفية بنت حيي وأختها وصارت في يديه ; لأنه ظهر عليه كما ظهر على الأموال ، ولم يكن لهم قوة على منعه إياه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهكذا كل ما ظهر عليه من قليل أموال المشركين ، أو كثيره أرض ، أو دار ، أو غيره لا يختلف ; لأنه غنيمة وحكم الله عز وجل في الغنيمة أن تخمس ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأربعة الأخماس لمن أوجف عليها بالخيل والركاب .
وإن ظهر المسلمون على طرف من أطراف المشركين حتى يكون بهم قوة على منعه من المشركين ، وإن لم ينالوا المشركين فهو بلد عنوة يجب عليه قسمه وقسم أربعة أخماسه بين من أوجف عليه بخيل وركاب إن كان فيه عمارة ، أو كانت لأرضه قيمة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام ، ولم يقسمه فوقفه المسلمون أو تركه لأهله رد حكم الإمام فيه ; لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معا ، فإن قيل : فأين ذكر ذلك في الكتاب ؟ قيل : قال الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية . { وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعة الأخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب من كل ما أوجف عليه من أرض ، أو عمارة ، أو مال } ، وإن تركها لأهلها أتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها فاستخرج من أيديهم وجعل أجر مثلهم فيما قاموا عليه فيها وكان لأهلها أن يتبعوا الإمام بكل ما فات فيها ; لأنها أموالهم أفاتها .
قال : فإن ظهر الإمام على بلاد عنوة فخمسها ثم سأل أهل الأربعة الأخماس ترك حقوقهم منها فأعطوه ذلك طيبة به أنفسهم فله قبوله إن أعطوه إياه يضعه حيث يرى فإن [ ص: 192 ] تركوه كالوقف على المسلمين فلا بأس أن يقبله من أهله وغير أهله بما يجوز للرجل أن يقبل به أرضه وأحسب عمر بن الخطاب إن كان صنع هذا في شيء من بلاد العنوة إنما استطاب أنفس أهلها عنها فصنع ما وصفت فيها كما استطاب النبي صلى الله عليه وسلم أنفس من صار في يديه سبي هوازن بحنين فمن طاب نفسا رده ومن لم يطب نفسا لم يكرهه على أخذ ما في يديه .
بلاد أهل الصلح .
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا غزا الإمام قوما فلم يظهر عليهم حتى عرضوا عليه الصلح على شيء من أرضهم ، أو شيء يؤدونه عن أرضهم فيه ما هو أكثر من الجزية ، أو مثل الجزية فإن كانوا ممن يؤخذ منهم الجزية وأعطوه ذلك على أن يجري عليهم الحكم فعليه أن يقبله منهم وليس له قبوله منهم إلا على أن يجري عليهم الحكم ، وإذا قبله كتب بينه وبينهم كتابا بالشرط بينهم واضحا يعمل به من جاء بعده وهذه الأرض مملوكة لأهلها الذين صالحوا عليها على ما صالحوا على أن يؤدوا عنها شيئا فهي مملوكة لهم على ذلك ، وإن هم صالحوه على أن للمسلمين من رقبة الأرض شيئا ، فإن المسلمين شركاؤهم في رقاب أرضهم بما صالحوهم عليه ، وإن صالحوا على أن الأرض لهم وعليهم أن يؤدوا كذا من الحنطة ، أو يؤدوا من كل ما زرعوا في الأرض كذا من الحنطة لم يجز حتى يستبين فيه ما وصفت فيمن صالح على صدقة ماله .
وإذا صالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين فلا بأس أن يصالحهم على ذلك ويجعلوا عليهم خراجا معلوما إما شيء مسمى يضمنونه في أموالهم كالجزية وإما شيء مسمى يؤدى عن كل زرع من الأرض كذا من الحنطة ، أو غيرها إذا كان ذلك إذا جمع مثل الجزية ، أو أكثر ، ولا خير في أن يصالحوهم على أن الأرض كلها للمشركين وأنهم إن زرعوا شيئا من الأرض للمسلمين من كل جريب ، أو فدان زرعوه مكيلة معلومة ، أو جزء معلوم ; لأنهم قد يزرعون فلا ينبت ، أو يقل أو يكثر ، أو لا يزرعون ، ولا يكونون حينئذ صالحوه على جزية معلومة ، ولا أمر يحيط العلم أنه يأتي كأقل الجزية ، أو يجاوز ذلك وأهل الصلح أحرار إن لم يظهر عليهم ولهم بلادهم إلا ما أعطوه منها وعلى الإمام أن يخمس ما صالحوا عليه فيدفع خمسه إلى أهله وأربعة أخماسه إلى أهل الفيء فإن لم يفعل ضمن في ماله ما استهلك عليهم منه كما وصفت في بلاد العنوة وعلى الإمام أن يمنع أهل العنوة والصلح ; لأنهم أهل جزية كما وصفته يمنع أهل الجزية .
الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى حكم الله عز وجل في المشركين حكمان : فحكم أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، أو يسلموا قال : وأحل الله عز وجل نساء أهل الكتاب وطعامهم فقيل طعامهم ذبائحهم فاحتمل إحلال الله نكاح نساء أهل الكتاب وطعامهم كل أهل الكتاب وكل من دان دينهم واحتمل أن يكون أراد بذلك بعض أهل الكتاب دون بعض فكانت دلالة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لا أعلم فيه مخالفا أنه أراد أهل التوراة والإنجيل من بني إسرائيل دون المجوس فكان في ذلك دلالة على أن بني إسرائيل المرادون بإحلال النساء والذبائح [ ص: 193 ] والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم أعلم مخالفا في أن لا تنكح نساء المجوس ، ولا تؤكل ذبائحهم فلما دل الإجماع على أن حكم أهل الكتاب حكمان وأن منهم من تنكح نساؤه وتؤكل ذبيحته ومنهم من لا تنكح نساؤه ، ولا تؤكل ذبيحته وذكر الله عز وجل نعمته على بني إسرائيل في غير موضع من كتابه وما آتاهم دون غيرهم من أهل دهرهم كان من دان دين بني إسرائيل قبل الإسلام من غير بني إسرائيل في غير معنى من بني إسرائيل أن ينكح ; لأنه لا يقع عليهم أهل الكتاب بأن آباءهم كانوا غير أهل الكتاب ومن غير نسب بني إسرائيل فلم يكونوا أهل كتاب إلا بمعنى لا أهل كتاب مطلق فلم يجز والله تعالى أعلم أن ينكح نساء أحد من العرب والعجم غير بني إسرائيل دان دين اليهود والنصارى بحال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري ، أو عبد الله بن سعيد مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا ، أو أضرب أعناقهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فمن كان من بني إسرائيل يدين دين اليهود والنصارى نكح نساؤه وأكلت ذبيحته ومن نكح نساؤه فسبي منهم أحد وطئ بالملك ومن دان دين بني إسرائيل من غيرهم لم تنكح نساؤه ، ولم تؤكل ذبيحته ، ولم توطأ أمته ، وإذا لم تنكح نساؤهم ، ولم توطأ منهم أمة بملك اليمين لم تنكح منهم امرأة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن كان الصابئون والسامرة من بني إسرائيل ودانوا دين اليهود والنصارى فلأصل التوراة ولأصل الإنجيل نكحت نساؤهم وأحلت ذبائحهم ، وإن خالفوهم في فرع من دينهم ; لأنهم فروع قد يختلفون بينهم ، وإن خالفوهم في أصل التوراة لم تؤكل ذبائحهم ولم تنكح نساؤهم .
( قال الشافعي ) وكل من كان من بني إسرائيل تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم بدينه اليهودية والنصرانية حل ذلك منه حيثما كان محاربا ، أو مهادنا ، أو معطيا للجزية لا فرق بين ذلك غير أني أكره للرجل النكاح ببلاد الحرب خوف الفتنة والسباء عليه وعلى ولده من غير أن يكون محرما والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن ارتد من نساء اليهود إلى النصرانية أو من نساء النصارى إلى اليهودية أو رجالهم لم يقروا على الجزية ولم ينكح من ارتد عن أصل دين آبائه وكذلك إذا ارتدوا إلى مجوسية أو غيرها من الشرك لأنه إنما أخذ منهم على الإقرار على دينهم فإذا بدلوه بغير الإسلام حالت حالهم عما أخذ إذن بأخذ الجزية منهم عليه وأبيح من طعامهم ونسائهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (172)
صــــــــــ 194 الى صـــــــــــ200
تبديل أهل الجزية دينهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أصل ما نبني عليه أن الجزية لا تقبل من أحد دان دين كتابي إلا أن يكون آباؤه ، أو هو دان ذلك الدين قبل نزول القرآن وتقبل من كل من يثبت على دينه ودين آبائه قبل نزول القرآن ما ثبتوا على الأديان التي أخذت الجزية منهم عليها فإن بدل يهودي دينه بنصرانية ، أو مجوسية أو نصراني دينه بمجوسية ، أو بدل مجوسي دينه بنصرانية أو انتقل أحد منهم من دينه إلى غير دينه من الكفر مما وصفت أو التعطيل ، أو غيره لم يقتل ; لأنه إنما يقتل من بدل دين الحق ، وهو الإسلام ، وقيل : إن رجعت إلى دينك أخذنا منك الجزية ، وإن أسلمت طرحنا عنك فيما يستقبل ونأخذ منك حصة [ ص: 194 ] الجزية التي لزمتك إلى أن أسلمت ، أو بدلت ، وإذا بدلت بغير الإسلام نبذنا إليك ونفيناك عن بلاد الإسلام ; لأن بلاد الإسلام لا تكون دار مقام لأحد إلا مسلم ، أو معاهد ، ولا يجوز أن نأخذ منك الجزية على غير الدين الذي أخذت منك أولا عليه ، ولو أجزنا هذا أجزنا أن يتنصر وثني اليوم ، أو يتهود أو يتمجس فنأخذ منه الجزية فيترك قتال الذين كفروا حتى يسلموا ، وإنما أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم على ما دانوا به قبل محمد صلى الله عليه وسلم وذلك خلاف ما أحدثوا من الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان له مالبالحجاز قيل : وكل به ولم يترك يقيم إلا ثلاثا ، وإن كان له بغير الحجاز لم يترك يقيم في بلاد الإسلام إلا بقدر ما يجمع ماله ، فإن أبطأ فأكثر ما يؤجل إلى الخروج من بلاد الإسلام أربعة أشهر ; لأنه أكثر مدة جعلها الله تعالى لغير الذميين من المشركين وأكثر مدة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم قال : الله تبارك وتعالى { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } قرأ الربيع إلى { غير معجزي الله } فأجلهم النبي صلى الله عليه وسلم ما أجلهم الله من أربعة أشهر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا لحق بدار الحرب فعلينا أن نؤدي إليه ماله وليس لنا أن نغنمه بردته عن شرك إلى شرك لما سبق من الأمان له
فإن كانت له زوجة وولد كبار وصغار لم يبدلوا أديانهم أقرت الزوجة والولد الكبار والصغار في بلاد الإسلام ، وأخذ من ولده الرجال الجزية
وإن ماتت زوجته ، أو أم ولده ، ولم تبدل دينها وهي على دين يؤخذ من أهله الجزية أقر ولدها الصغار ;
وإن كانت بدلت دينها وهي حية معه أو بدلته ثم ماتت ، أو كانت وثنية له ولد صغار منها .
ففيهم قولان : أحدهما أن يخرجوا ; لأنه لا ذمة لأبيهم ، ولا أمهم يقرون بها في بلاد الإسلام . والثاني لا يخرجون لما سبق لهم من الذمة ، وإن بدلوا هم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا قلت في زوجته وولده الصغير وجاريته وعبده ومكاتبه ومدبره : أقره في بلاد الإسلام فأراد إخراجهم وكرهوه .
فليس ذلك له وآمره فيمن يجوز له بيعه من رقيقه أن يوكل به ، أو يبيعه وأوقف مالا إن وجدت له وأشهد عليه أنه ملكه للنفقة على أولاده الصغار وزوجته ومن تلزمه النفقة عليه ، وإن لم أجد له شيئا فلا ينشأ له وقف ونفيته بكل حال عن بلاد الإسلام إن لم يسلم ، أو يرجع إلى دينه الذي أخذت عليه منه الجزية .
وإذا مات قبل إخراجه .
ورثت ماله من كان يرثه قبل أن يبدل دينه ; لأن الكفر كله ملة واحدة ويورث الوثني الكتابي والمجوسي وبعض الكتابيين بعضا ، وإن اختلفوا كما الإسلام ملة .
جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى جماع الوفاء بالنذر وبالعهد كان بيمين ، أو غيرها في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ، وفي قوله تعالى { يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا } ، وقد ذكر الله عز وجل الوفاء بالعقود بالأيمان في غير آية من كتابه ، منها قوله عز وجل { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } قرأ الربيع الآية وقوله { يوفون بعهد الله ، ولا ينقضون الميثاق } مع ما ذكر به الوفاء بالعهد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وهذا من سعة لسان العرب الذي [ ص: 195 ] خوطبت به وظاهره عام على كل عقد ويشبه والله تعالى أعلم أن يكون أراد الله عز وجل أن يوفي بكل عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة ، ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية .
فإن قال : قائل ما دل على ما وصفت والأمر فيه كله مطلق ؟ ومن أين كان لأحد أن ينقض عهدا بكل حال ؟ قيل : الكتاب ثم السنة { صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بالحديبية على أن يرد من جاء منهم فأنزل الله تبارك وتعالى في امرأة جاءته منهم مسلمة { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } } ففرض الله عز وجل عليهم أن لا ترد النساء ، وقد أعطوهم رد من جاء منهم وهن منهم فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل { وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عز وجل عليه { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } } الآية . وأنزل { كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا } الآية . فإن قال : قائل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية ومن صالح من المشركين ؟ قيل : كان صلحه لهم طاعة لله ، إما عن أمر الله عز وجل بما صنع نصا ، وإما أن يكون الله تبارك وتعالى جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل قضاءه عليه فصاروا إلى قضاء الله جل ثناؤه ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكل كان لله طاعة في وقته .
فإن قال قائل : وهل لأحد أن يعقد عقدا منسوخا ثم يفسخه ؟ قيل له أن يبتدئ عقدا منسوخا ، وإن كان ابتدأه فعليه أن ينقضه كما ليس له أن يصلي إلى بيت المقدس ثم يصلي إلى الكعبة ; لأن قبلة بيت المقدس قد نسخت .
ومن صلى إلى بيت المقدس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نسخها فهو مطيع لله عز وجل كالطاعة له حين صلى إلى الكعبة . وذلك أن قبلة بيت المقدس كانت طاعة لله قبل أن تنسخ ومعصية بعدما نسخت ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله عز وجل فلا يزاد فيها ، ولا ينقص منها فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية ، وهذا فرق بين نبي الله وبين من بعده من الولاة في الناسخ والمنسوخ ، وفي كل ما وصفت دلالة على أن ليس للإمام أن يعقد عقدا غير مباح له وعلى أن عليه إذا عقده أن يفسخه ثم تكون طاعة الله في نقضه ، فإن قيل : فما يشبه هذا ؟ قيل له : هذا مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } { وأسر المشركون امرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت الأنصارية على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فنذرت إن نجاها الله عز وجل عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا نذر في معصية ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى يعني والله تعالى أعلم لا نذر يوفى به فلما دلت السنة على إبطال النذر فيما يخالف المباح من طاعة الله عز وجل دل على إبطاله العقود في خلاف ما يباح من طاعة الله جل وعز ، ألا ترى أن نحر الناقة لم يكن معصية لو كانت لها فلما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنذرت نحرها كان نحرها معصية بغير إذن مالكها فبطل عنها عقد النذر ، وقال الله تبارك وتعالى في الأيمان { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين } وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه } فأعلم أن طاعة الله عز وجل أن لا يفي باليمين إذا رأى غيرها خيرا منها وأن يكفر بما فرض الله عز وجل من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد لمسلم ، أو مشرك كان مباحا لا معصية لله عز وجل فيه فأما ما فيه لله معصية فطاعة الله تبارك وتعالى في نقضه إذا مضى ، ولا ينبغي للإمام أن يعقده .
[ ص: 196 ] جماع نقض العهد بلا خيانة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } .
( قال الشافعي ) نزلت في أهل هدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم شيء استدل به على خيانتهم .
( قال الشافعي ) فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل هدنة بجميع ما هادنهم عليه فله أن ينبذ إليهم ، ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يلحقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هدنة له .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال الإمام : أخاف خيانة قوم ، ولا دلالة له على خيانتهم من خبر ، ولا عيان فليس له - والله تعالى أعلم - نقض مدتهم إذا كانت صحيحة ; لأن معقولا أن الخوف من خيانتهم الذي يجوز به النبذ إليهم لا يكون إلا بدلالة على الخوف ، ألا ترى أنه لو لم يكن بما يخطر على القلوب قبل العقد لهم ومعه وبعده من أن يخطر عليها أن يخونوا ، فإن قال قائل فما يشبهه ؟ قيل : قول الله عز وجل { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع } فكان معلوما أن الرجل إذا عقد على المرأة النكاح ، ولم يرها ، فقد يخطر على باله أن تنشز منه بدلالة ومعقولا عنده أنه إذا أمره بالعظة والهجر والضرب لم يؤمر به إلا عند دلالة النشوز وما يجوز به من بعلها ما أتيح له فيها .
نقض العهد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وادع الإمام قوما مدة ، أو أخذ الجزية من قوم فكان الذي عقد الموادعة والجزية عليهم رجلا ، أو رجالا منهم لم تلزمهم حتى نعلم أن من بقي منهم قد أقر بذلك ورضيه ، وإذا كان ذلك فليس لأحد من المسلمين أن يتناول لهم مالا ودما ، فإن فعل حكم عليه بما استهلك ما كانوا مستقيمين ، وإذا نقض الذين عقدوا الصلح عليهم ، أو نقضت منهم جماعة بين أظهرهم فلم يخالفوا الناقض بقول ، أو فعل ظاهر قبل أن يأتوا الإمام ، أو يعتزلوا بلادهم ويرسلوا إلى الإمام إنا على صلحنا ، أو يكون الذين نقضوا خرجوا إلى قتال المسلمين ، أو أهل ذمة للمسلمين فيعينون المقاتلين ، أو يعينون على من قاتلهم منهم فللإمام أن يغزوهم ، فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج مما فعله جماعتهم فللإمام قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم كانوا في وسط دار الإسلام ، أو في بلاد العدو .
وهكذا { فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة فنقض ، ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم وهي معه بطرف المدينة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم } وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن ذلك دماءهم وأحرز عليهم ، وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل للإمام قتال جماعتهم كما كان يقاتلهم قبل الهدنة روي أنه قد { أعان على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 197 ] قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة وترك الباقون معونة خزاعة } ، فإن خرج منهم خارج بعد مسير الإمام والمسلمين إليهم إلى المسلمين مسلما أحرز له الإسلام ماله ونفسه وصغار ذريته ، وإن خرج منهم خارج فقال : أنا على الهدنة التي كانت وكانوا أهل هدنة لا أهل جزية وذكر أنه لم يكن ممن غدر ، ولا أعان قبل قوله إذا لم يعلم الإمام غير ما قال فإن علم الإمام غير ما قال نبذ إليه ورده إلى مأمنه ثم قاتله وسبى ذريته وغنم ماله إن لم يسلم ، أو يعط الجزية إن كان من أهلها ، فإن لم يعلم غير قوله وظهر منه ما يدل على خيانته وختره ، أو خوف ذلك منه نبذ إليه الإمام وألحقه بمأمنه ثم قاتله لقول الله عز وجل { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى نزلت والله تعالى أعلم في قوم أهل مهادنة لا أهل جزية ، وسواء ما وصفت فيمن تؤخذ منه الجزية ، أو لا تؤخذ إلا أن من لا تؤخذ منه الجزية إذا عرض الجزية لم يكن للإمام أخذها منه على الأبد وأخذها منه إلى مدة ، قال : وإن أهل الجزية ليخالفون غير أهل الجزية في أن يخاف الإمام غدر أهل الجزية فلا يكون له أن ينبذ إليهم بالخوف والدلالة كما ينبذ إلى غير أهل الجزية حتى ينكشفوا بالغدر ، أو الامتناع من الجزية أو الحكم .
وإذا كان أهل الهدنة ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية فخيف خيانتهم نبذ إليهم ، فإن قالوا : نعطي الجزية على أن يجري علينا الحكم لم يكن للإمام إلا قبولها منهم
وللإمام أن يغزو دار من غدر من ذي هدنة ، أو جزية يغير عليهم ليلا ونهارا ويسبيهم إذا ظهر الغدر والامتناع منهم ، فإن تميزوا ، أو يخالفهم قوم فأظهروا الوفاء وأظهر قوم الامتناع كان له غزوهم ، ولم يكن له الإغارة على جماعتهم ، وإذا قاربهم دعا أهل الوفاء إلى الخروج فإن خرجوا وفى لهم وقاتل من بقي منهم فإن لم يقدروا على الخروج كان له قتل الجماعة ويتوقى أهل الوفاء فإن قتل منهم أحدا لم يكن فيه عقل ، ولا قود ; لأنه بين المشركين ، وإذا ظهر عليهم ترك أهل الوفاء فلا يغنم لهم مالا ، ولا يسفك لهم دما ، وإذا اختلطوا فظهر عليهم فادعى كل أنه لم يغدر ، وقد كانت منهم طائفة اعتزلت أمسك عن كل من شك فيه فلم يقتله ، ولم يسب ذريته ، ولم يغنم ماله وقتل وسبى ذرية من علم أنه غدر ، وغنم ماله .
ما أحدث الذين نقضوا العهد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وادع الإمام قوما فأغاروا على قوم موادعين ، أو أهل ذمة ، أو مسلمين فقتلوا ، أو أخذوا أموالهم قبل أن يظهروا نقض الصلح فللإمام غزوهم وقتلهم وسباؤهم ، وإذا ظهر عليهم ألزمهم بمن قتلوا وجرحوا وأخذوا ماله الحكم كما يلزم أهل الذمة من عقل وقود وضمان قال : وإن نقضوا العهد وآذنوا الإمام بحرب ، أو أظهروا نقض العهد ، وإن لم يأذنوا الإمام بحرب إلا أنهم قد أظهروا الامتناع في ناحيتهم ثم أغاروا ، أو أغير عليهم فقتلوا ، أو جرحوا وأخذوا المال حوربوا وسبوا وقتلوا ، فإن ظهر عليهم ففيها قولان : أحدهما لا يكون عليهم قود في دم ، ولا جرح وأخذ منهم ما وجد عندهم من مال بعينه ، ولم يضمنوا ما هلك من المال ومن قال : هذا قال : إنما فرقت بين هذا ، وقد حكم الله عز [ ص: 198 ] وجل بين المؤمنين بالقود وزعمت أنك تحكم بين المعاهدين به ويجري على المعاهدين ما يجري على المؤمنين . قلت استدلالا بالسنة في أهل الحرب وقياسا عليهم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا .
فإن قال فأين ؟ قلت : قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب يوم أحد ووحشي مشرك ، وقتل غير واحد من قريش غير واحد من المسلمين ثم أسلم بعض من قتل فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتل منهم قودا وأحسب ذلك لقول الله عز وجل { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } يقال نزلت في المحاربين من المشركين فكان المحاربون من المشركين خارجين من هذا الحكم وما وصفت من دلالة السنة ثم أسلم طليحة وغيره ثم ارتدوا وقتل طليحة وأخوه ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بعدما أظهر طليحة وأخوه الشرك فصارا من أهل الحرب والامتناع .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين موادعين زنيا بأن جاءوه ونزل عليه { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } } فلم يجز إلا أن يحكم على كل ذمي وموادع في مال مسلم ومعاهد أصابه بما أصاب ما لم يصر إلى إظهار المحاربة ، فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع كما لم يحكم على من صار إلى الإسلام ثم رجع عنه بما فعل في المحاربة والامتناع مثل طليحة وأصحابه ، فإذا أصابوا وهم في دار الإسلام غير ممتنعين شيئا فيه حق لمسلم أخذ منه ، وإن امتنعوا بعده لم يزدهم الامتناع خيرا وكانوا في غير حكم الممتنعين ثم ينالون بعد الامتناع دما ومالا أولئك إنما نالوه بعد الشرك والمحاربة وهؤلاء نالوه قبل المحاربة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن مسلما قتل ثم ارتد وحارب ثم ظهر عليه وتاب كان عليه القود ، وكذلك ما أصاب من مال مسلم ، أو معاهد شيئا ، وكذلك ما أصاب المعاهد والموادع لمسلم ، أو غيره ممن يلزم أن يؤخذ له ، ويخالف المعاهد المسلم فيما أصاب من حدود الله عز وجل فلا تقام على المعاهدين حتى يأتوا طائعين ، أو يكون فيه سبب حق لغيرهم فيطلبه ، وهكذا حكمهما معاهدين قيل : يمتنعان ، أو ينقضان .
والقول الثاني : أن الرجل إذا أسلم ، أو القوم إذا أسلموا ثم ارتدوا وحاربوا أو امتنعوا وقتلوا ثم ظهر عليهم أقيد منهم في الدماء والجراح وضمنوا الأموال تابوا أو لم يتوبوا ، ومن قال : هذا قال ليسوا كالمحاربين من الكفار ; لأن الكفار إذا أسلموا غفر لهم ما قد سلف وهؤلاء إذا ارتدوا حبطت أعمالهم فلا تطرح عنهم الردة شيئا كان يلزمهم لو فعلوه مسلمين بحال من دم ، ولا قود ، ولا مال ، ولا حد ، ولا غيره ومن قال : هذا قال : لعله لم يكن في الردة قاتل يعرف بعينه ، أو كان فلم يثبت ذلك عليه ، أو لم يطلبه ولاة الدم .
( قال الربيع ) : وهذا عندي أشبههما بقوله عندي في موضع آخر وقال : في ذلك إن لم تزده الردة شرا لم تزده خيرا ; لأن الحدود عليهم قائمة فيما نالوه بعد الردة .
ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أخذت الجزية من قوم فقطع قوم منهم الطريق ، أو قاتلوا رجلا مسلما فضربوه ، أو ظلموا مسلما ، أو معاهدا ، أو زنى منهم زان أو أظهر فسادا في مسلم ، أو معاهد حد فيما فيه الحد وعوقب عقوبة منكلة فيما فيه العقوبة ، ولم يقتل إلا بأن يجب عليه القتل ، ولم يكن هذا نقضا للعهد يحل دمه ، ولا يكون النقض للعهد إلا بمنع الجزية ، أو الحكم بعد الإقرار والامتناع بذلك ، ولو قال : [ ص: 199 ] أؤدي الجزية ، ولا أقر بحكم نبذ إليه ، ولم يقاتل على ذلك مكانه وقيل : قد تقدم لك أمان بأدائك للجزية وإقرارك بها ، وقد أجلناك في أن تخرج من بلاد الإسلام ، ثم إذا خرج فبلغ مأمنه قتل إن قدر عليه ، وإن كان عينا للمشركين على المسلمين يدل على عوراتهم عوقب عقوبة منكلة ، ولم يقتل ولم ينقض عهده ، وإن صنع بعض ما وصفت من هذا ، أو ما في معناه موادع إلى مدة نبذ إليه ، فإذا بلغ مأمنه قوتل إلا أن يسلم ، أو يكون ممن تقبل منه الجزية فيعطيها لقول الله عز وجل { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } الآية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأمر في الذين لم يخونوا أن يتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم في قوله { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ، ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } الآية .
المهادنة .
( قال الشافعي ) فرض الله عز وجل قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فهذا فرض الله على المسلمين قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم ، وقد كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال كثير من أهل الأوثان بلا مهادنة إذا انتاطت دورهم عنهم مثل بني تميم وربيعة وأسد ، وطيء حتى كانوا هم الذين أسلموا وهادن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا ووادع حين قدم المدينة يهودا على غير ما خرج أخذه منهم .
( قال الشافعي ) وقتال الصنفين من المشركين فرض إذا قوي عليهم وتركه واسع إذا كان بالمسلمين عنهم أو عن بعضهم ضعف ، أو في تركهم للمسلمين نظر للمهادنة وغير المهادنة ، فإذا قوتلوا ، فقد وصفنا السيرة فيهم في موضعها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإذا ضعف المسلمون عن قتال المشركين ، أو طائفة منهم لبعد دارهم ، أو كثرة عددهم أو خلة بالمسلمين ، أو بمن يليهم منهم جاز لهم الكف عنهم ومهادنتهم على غير شيء يأخذونه من المشركين ، وإن أعطاهم المشركون شيئا قل أو كثر كان لهم أخذه ، ولا يجوز أن يأخذوه منهم إلا إلى مدة يرون أن المسلمين يقوون عليها إذا لم يكن فيه وفاء بالجزية ، أو كان فيه وفاء ، ولم يعطوا أن يجري عليهم الحكم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئا بحال على أن يكفوا عنهم ; لأن القتل للمسلمين شهادة وأن الإسلام أعز من أن يعطي مشرك على أن يكف عن أهله ; لأن أهله قاتلين ومقتولين ظاهرون على الحق إلا في حال واحدة وأخرى أكثر منها وذلك أن يلتحم قوم من المسلمين فيخافون أن يصطلحوا لكثرة العدو وقلتهم وخلة فيهم فلا بأس أن يعطوا في تلك الحال شيئا من أموالهم على أن يتخلصوا من المشركين ; لأنه من معاني الضرورات يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها ، أو يؤسر مسلم فلا يخلى إلا بفدية فلا بأس أن يفدى ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من أصحابه أسره العدو برجلين ، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين } .
المهادنة على النظر للمسلمين .
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : { قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 200 ] وقريش ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى توقى الناس لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا للحرب دونه من سراياه وإعداد من يعد له من عدوه بنجد فمنعت منه قريش أهل تهامة ومنع أهل نجد منه أهل نجد المشرق ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ألف وأربعمائة فسمعت به قريش فجمعت له وجدت على منعه ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدة ، ولم يهادنهم على الأبد } ; لأن قتالهم حتى يسلموا فرض إذا قوي عليهم وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } قال ابن شهاب فما كان في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد أحرجت الناس فلما أمنوا لم يتكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله فلقد أسلم في سنين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك ثم نقض بعض قريش ، ولم ينكر عليه غيره إنكارا يعتد به عليه ، ولم يعتزل داره فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح مخفيا لوجهه ليصيب منهم غرة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكانت هدنة قريش نظرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين للأمرين اللذين وصفت من كثرة جمع عدوهم وجدهم على قتاله ، وإن أرادوا الدخول عليهم وفراغه لقتال غيرهم وأمن الناس حتى دخلوا في الإسلام قال : فأحب للإمام إذا نزلت بالمسلمين نازلة وأرجو أن لا ينزلها الله عز وجل بهم إن شاء الله تعالى مهادنة يكون النظر لهم فيها ، ولا يهادن إلا إلى مدة ، ولا يجاوز بالمدة مدة أهل الحديبية كانت النازلة ما كانت فإن كانت بالمسلمين قوة قاتلوا المشركين بعد انقضاء المدة فإن لم يقو الإمام فلا بأس أن يجدد مدة مثلها أو دونها ، ولا يجاوزها من قبل أن القوة للمسلمين والضعف لعدوهم قد يحدث في أقل منها ، وإن هادنهم إلى أكثر منها فمنتقضة ; لأن أصل الفرض قتال المشركين حين يؤمنوا ، أو يعطوا الجزية ، فإن الله عز وجل أذن بالهدنة فقال : { إلى الذين عاهدتم من المشركين } وقال تبارك وتعالى { إلا الذين عاهدتم } فلما لم يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة أكثر من مدة الحديبية لم يجز أن يهادن إلا على النظر للمسلمين ، ولا تجاوز .
( قال ) وليس للإمام أن يهادن القوم من المشركين على النظر إلى غير مدة هدنة مطلقة ، فإن الهدنة المطلقة على الأبد وهي لا تجوز لما وصفت ، ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه حتى إن شاء أن ينبذ إليهم فإن رأى نظرا للمسلمين أن ينبذ فعل ، فإن قال : قائل فهل لهذه المدة أصل ؟ قيل : نعم { افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال خيبر عنوة وكانت رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد صلحا فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله عز وجل ويعملون له وللمسلمين بالشطر من الثمر } .
فإن قيل : ففي هذا نظر للمسلمين ؟ قيل : نعم كانت خيبر وسط مشركين وكانت يهود أهلها مخالفين للمشركين وأقوياء على منعها منهم وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة ، ولم يكن بالمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها فلما كثر المسلمون { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلاء اليهود عن الحجاز } فثبت عند عمر ذلك فأجلاهم ، فإذا أراد الإمام أن يهادنهم إلى غير مدة هادنهم على أنه إذا بدا له نقض الهدنة فذلك إليه وعليه أن يلحقهم بما منهم . فإن قيل : فلم لا يقول ما أقركم الله عز وجل ؟ قيل : للفرق بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن أمر الله عز وجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي ، ولا يأتي أحدا غيره بوحي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن جاء من المشركين يريد الإسلام فحق على الإمام أن يؤمنه حتى يتلو عليه كتاب الله عز وجل ويدعوه إلى الإسلام بالمعنى الذي يرجو أن يدخل الله عز وجل به عليه الإسلام لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم { ، وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } الآية .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (173)
صــــــــــ 201 الى صـــــــــــ207
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن قلت ينبذ إليه [ ص: 201 ] أبلغه مأمنه وإبلاغه مأمنه أن يمنعه من المسلمين والمعاهدين ما كان في بلاد الإسلام ، أو حيث يتصل ببلاد الإسلام وسواء قرب ذلك أم بعد .
( قال الشافعي ) ثم أبلغه مأمنه : يعني والله تعالى أعلم منك أو ممن يقتله على دينك ممن يطيعك لا أمانه من غيرك من عدوك وعدوه الذي لا يأمنه ، ولا يطيعك ، فإذا أبلغه الإمام أدنى بلاد المشركين شيئا ، فقد أبلغه مأمنه الذي كلف إذا أخرجه سالما من أهل الإسلام ومن يجري عليه حكم الإسلام من أهل عهدهم فإن قطع به بلادنا ، وهو أهل الجزية كلف المشي ورد إلا أن يقيم على إعطاء الجزية قبل منه ، وإن كان ممن لا يجوز فيه الجزية يكلف المشي ، أو حمل ، ولم يقر ببلاد الإسلام وألحق بمأمنه ، وإن كانت عشيرته التي يأمن فيها بعيدة فأراد أن يبلغ أبعد منها لم يكن ذلك على الإمام ، وإن كان له مأمنان فعلى الإمام إلحاقه بحيث كان يسكن منهما ، وإن كان له بلدا شرك كان يسكنهما معا ألحقه الإمام بأيهما شاء الإمام ، ومتى سأل أن يجيره حتى يسمع كلام الله ثم يبلغه مأمنه وغيره من المشركين كان ذلك فرضا على الإمام ، ولو لم يجاوز به موضعه الذي استأمنه منه رجوت أن يسعه .
مهادنة من يقوى على قتاله .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا سأل قوم من المشركين مهادنة فللإمام مهادنتهم على النظر للمسلمين رجاء أن يسلموا أو يعطوا الجزية بلا مؤنة وليس له مهادنتهم إذا لم يكن في ذلك نظر وليس له مهادنتهم على النظر على غير الجزية أكثر من أربعة أشهر لقول الله عز وجل { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } إلى قوله { أن الله بريء من المشركين ورسوله } الآية وما بعدها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { لما قوي أهل الإسلام أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك { براءة من الله ورسوله } فأرسل بهذه الآيات مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقرأها على الناس في الموسم وكان فرضا أن لا يعطي لأحد مدة بعد هذه الآيات إلا أربعة أشهر } ; لأنها الغاية التي فرضها الله عز وجل قال : { وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية بعد فتح مكة بسنين أربعة أشهر } لم أعلمه زاد أحدا بعد أن قوي المسلمون على أربعة أشهر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فقيل : كان الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم قوما موادعين إلى غير مدة معلومة فجعلها الله عز وجل أربعة أشهر ثم جعلها رسوله كذلك وأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في قوم عاهدهم إلى مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة نبذ إليه فلم يجز أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر لما وصفت من فرض الله عز وجل فيهم وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ولا أعرف كم كانت مدة النبي صلى الله عليه وسلم ومدة من أمر أن يتم إليه عهده إلى مدته قال ويجعل الإمام المدة إلى أقل من أربعة أشهر إن رأى ذلك وليس بلازم له أن يهادن بحال إلا على النظر للمسلمين ويبين لمن هادن ويجوز له في النظر لمن رجا إسلامه ، وإن تكن له شوكة أن يعطيه مدة أربعة أشهر إذا خاف إن لم يفعل أن يلحق بالمشركين ، وإن ظهر على بلاده ، فقد صنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بصفوان حين خرج هاربا إلى اليمن من الإسلام ثم [ ص: 202 ] أنعم الله عز وجل عليه بالإسلام من قبل أن تأتي مدته ومدته أشهر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن جعل الإمام لمن قلت ليس له أن يجعل له مدة أكثر من أربعة أشهر فعليه أن ينبذ إليه لما وصفت من أن ذلك لا يجوز له ويوفيه المدة إلى أربعة أشهر لا يزيده عليها ، وليس له إذا كانت مدة أكثر من أربعة أشهر أن يقول لا أفي لك بأربعة أشهر ; لأن الفساد إنما هو فيما جاوز الأربعة الأشهر .
جماع الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلما ، أو مشركا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن قريشا عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضا وأن من جاء قريشا من المسلمين مرتدا لم يردوه عليه ومن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة منهم رده عليهم ، ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلما إلى غير المدينة في بلاد الإسلام والشرك ، وإن كان قادرا عليه } ، ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئا من هذا الشرط وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } فقال بعض المفسرين : قضينا لك قضاء مبينا فتم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على هذا حتى جاءته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فنسخ الله عز وجل الصلح في النساء وأنزل الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } الآية كلها وما بعدها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويجوز للإمام من هذا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل في الرجال دون النساء ; لأن الله عز وجل نسخ رد النساء إن كن في الصلح ومنع أن يرددن بكل حال ، فإذا صالح الإمام على مثل ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالح على أن لا يمنع الرجال دون النساء للرجال من أهل دار الحرب إذا جاء أحد من رجال أهل دار الحرب إلى منزل الإمام نفسه وجاء من يطلبه من أوليائه خلى بينه وبينهم بأن لا يمنعه من الذهاب به وأشار على من أسلم أن لا يأتي منزله وأن يذهب في الأرض ، فإن أرض الله عز وجل واسعة فيها مراغم كثيرة ، وقد { كان أبو بصير لحق بالعيص مسلما ولحقت به جماعة من المسلمين فطلبوهم من النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما أعطيناكم أن لا نؤيهم ثم لا نمنعكم منهم إذا جئتم ونتركهم ينالون من المشركين ما شاءوا } .
( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا صالح الإمام على أن يبعث إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم منهم بأحد ، ولم يأمر أبا بصير ، ولا أصحابه بإتيانهم ، وهو يقدر على ذلك ، وإنما معنى رددناه إليكم لم نمنعه كما نمنع غيره ، وإذا صالحهم على أن لا يمنعهم من نساء مسلمات جئنه لم يجز الصلح وعليه منعهم منهن ; لأنهن إن لم يكن دخلن في الصلح بالحديبية فليس له أن يصالح على هذا فيهن ، وإن كن دخلن فيه ، فقد حكم الله عز وجل أن لا ترجعوهن إلى الكفار ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاءه من النساء وهكذا من جاءه من معتوه ، أو صبي هاربا منهم لم تكن له التخلية بينه وبينهم ; لأنهما يجامعان النساء في أن لا يمنعا معا ويزيدان على النساء أن لا يعرفا ثوابا في أن ينال منهما المشركون شيئا ، ولا يرد إليهم في صبي ، ولا في معتوه شيئا كما لا يرد إليهم في النساء غير المتزوجات شيئا ; لأن الرد إنما هو في المتزوجات .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن جاءه من عبيدهم مسلما لم يرده إليهم وأعتقه [ ص: 203 ] بخروجه إليه ، وفي إعطائهم القيمة قولان أحدهما أن يعطوها ذكرا ، أو أنثى ; لأن رقيقهم ليس منهم ولهم حرمة الإسلام . فإن قال : قائل فكيف لا يكون منهم ؟ قيل : فإن الله عز وجل يقول { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فلم يختلف المسلمون أنها على الأحرار دون المماليك ذوي العدل ، ولا يقال : لرقيق الرجل هم منك إنما يقال هم مالك ، وإنما يرد عليهم القيمة بأنهم إذا صولحوا أمنوا على أموالهم ولهم أمان فلما حكم الله عز وجل بأن يرد نفقة الزوجة ; لأنها فائتة حكم بأن يرد قيمة المملوك ; لأنه فائت . وما رددنا عليهم فيه من النفقة . قلنا أن نأخذ منهم إذا فات المسلمين إليهم مثله وما لم نعطهم فيه شيئا من الأحرار الرجال ، أو غير ذوات الأزواج لم نأخذ منهم شيئا إذا فات المسلمين إليهم مثله ; لأن الله عز وجل إنما حكم بأن يرد إليهم العوض في الموضع الذي حكم للمسلمين بأن يأخذوا منهم مثله .
والقول الثاني : لا يرد إليهم قيمة ، ولا يأخذ منهم فيمن فات إليهم من رقيق عينا ، ولا قيمة ; لأن رقيقهم ليسوا منهم ، ولا يجوز للإمام إذا لم يصالح القوم إلا على ما وصفت أن يمكنهم من مسلم كان أسيرا في أيديهم فانفلت منهم ، ولا يقضي لهم عليه بشيء ، ولو أقر عبدهم أنهم أرسلوه على أن يؤدي إليهم شيئا لم يجز له أن يأخذه لهم ، ولم يخرج المسلم بحسبه ; لأنه أعطاهموه على ضرورة هي أكثر الإكراه وكل ما أعطى المرء على الإكراه لم يلزمه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن أسيرا في بلاد الحرب أخذ منهم مالا على أن يعطيهم منه عوضا كان بالخيار بين أن يعطيهم مثل مالهم إن كان له مثل أو مثل قيمته إن لم يكن له مثل أو العوض الذي رضوا به ، وإن كان في يده رده إليهم بعينه إن لم يكن تغير ، وإن كان تغير رده ورد ما نقصه ; لأنه أخذه على أمان ، وإنما أبطلت عنه الشرط بالإكراه والضرورة فيما لم يأخذ به عرضا . وهكذا لو صالحنا قوما من المشركين على مثل ما وصفت فكان في أيديهم أسير من غيرهم فانفلت فأتانا لم يكن لنا رده عليهم من قبل أنه ليس منهم وأنهم قد يمسكون عن قتل وتعذيب من كان منهم إمساكا لا يمسكونه عن غيره .
أصل نقض الصلح فيما لا يجوز .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى حفظنا أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية الصلح الذي وصفت فخلى بين من قدم عليه من الرجال ووليه وقدمت عليهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة مهاجرة فجاء أخواها يطلبانها فمنعها منهما } وأخبر أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال ، وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في صلح الحديبية بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضا والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) وذكر بعض أهل التفسير أن هذه الآية نزلت فيها { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } قرأ الربيع الآية ، ومن قال : إن النساء كن في الصلح قال بهذه الآية مع الآية التي في براءة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذه الآية مع الآية في براءة قلنا إذا صالح الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء ، وقد أعطى المشركين فيما حفظنا فيهن ما أعطاهم في الرجال بأن لم يستثنين وأنهن منهم وبالآية في براءة
وبهذا قلنا : إذا ظفر المشركون برجل من المسلمين فأخذوا عليه عهودا وأيمانا بأن يأتيهم ، أو يبعث إليهم بكذا ، أو بعدد أسرى أو مال فحلال له أن لا يعطيهم قليلا ولا كثيرا ; لأنها أيمان مكره ، وكذلك لو أعطى الإمام عليه أن يرده عليهم إن جاءه . فإن قال : قائل ما دل على ذلك قيل [ ص: 204 ] له : { لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير من وليه حين جاءاه فذهبا به فقتل أحدهما وهرب الآخر منه فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } بل قال : قولا يشبه التحسين له ، ولا حرج عليه في الأيمان ; لأنها أيمان مكره وحرام على الإمام أن يرده إليهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أراد هو الرجوع حبسه ، وكذلك حرام على الإمام أن يأخذ منه شيئا لهم مما صالحهم عليه ، وكذلك إن أعطاهم هذا في عبد له ، أو متاع غلبوا عليه لم يكن للإمام أن يأخذ منه الشيء يعطونه إياه فيأخذه الإمام برد السلف ، أو مثله ، أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ولو أعطوه إياه بيعا فهو بالخيار بين أن يرده إليهم إن لم يكن تغير أو يعطيهم قيمته ، أو الثمن ; لأنه مكره حين اشتراه ، وهو أسير فلا يلزمه ما اشترى وللإمام أن يعطيهم منه ما وجب لهم عليه بما اشتراه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذا قلنا : لو أعطى الإمام قوما من المشركين الأمان على أسير في أيديهم من المسلمين ثم جاءوه لم يحل له إلا نزعه من أيديهم بلا عوض لما وصفت من خلاف حال الأسير وأموال المسلمين في أيدي المشركين ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية من رد رجالهم الذين هم أبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم الممنوعين منهم ومن غيرهم أن ينالوا بتلف فإن ذهب ذاهب إلى رد أبي جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي ربيعة إلى أهله بما أعطاهم قيل : له آباؤهم وأهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرص على سلامتهم وأهلهم كانوا سيقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلا عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف ، أو أمر لا يحملونه من عذاب ، وإنما نقموا منهم خلافهم دينهم ودين آبائهم فكانوا يتشددون عليهم ليتركوا دين الإسلام ، وقد وضع الله عز وجل عنهم المأثم في الإكراه فقال : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } ومن أسر مسلما من غير قبيلته وقرابته ، فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع والجهد ، وليس حالهم واحدة ، ويقال له أيضا : ألا ترى أن الله عز وجل نقض الصلح في النساء إذا كن إذا أريد بهن الفتنة ضعفن عند عرضها عليهن ، ولم يفهمن فهم الرجال أن التقية تسعهن في إظهار ما أراد المشركون من القول وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام فأسرى المسلمين في أكثر من هذا الحال إلا أن الرجال ليس ممن ينكح وربما كان في المشركين من يفعل فيما بلغنا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
جماع الصلح في المؤمنات .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } قرأ الربيع الآية .
( قال الشافعي ) وكان بينا في الآية منع المؤمنات المهاجرات من أن يرددن إلى دار الكفر وقطع العصمة بالإسلام بينهن وبين أزواجهن ، ودلت السنة على أن قطع العصمة إذا انقضت عددهن ، ولم يسلم أزواجهن من المشركين وكان بينا فيها أن يرد على الأزواج نفقاتهم ومعقول فيها أن نفقاتهم التي ترد نفقات اللائي ملكوا عقدهن وهي المهور إذا كانوا قد أعطوهن إياها ، وبين أن الأزواج الذين يعطون النفقات ; لأنهم الممنوعون من نسائهم وأن نساءهم المأذون للمسلمين بأن ينكحوهن إذا آتوهن أجورهن ; لأنه لا إشكال عليهم في أن ينكحوا غير ذوات الأزواج إنما كان الإشكال في نكاح ذوات [ ص: 205 ] الأزواج حتى قطع الله عز وجل عصمة الأزواج بإسلام النساء وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة قبل إسلام الأزواج فلا يؤتى أحد نفقته من امرأة فاتت إلا ذوات الأزواج ، وقد قال الله عز وجل للمسلمين { ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة فكان الحكم في إسلام الزوج الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان . قال : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } يعني والله تعالى أعلم أن أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهم المشركون إتيان أزواجهم بالإسلام أوتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله الله عز وجل حكما بينهم ثم حكم لهم في مثل هذا المعنى حكما ثانيا ، فقال عز وعلا { ، وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم } والله تعالى أعلم يريد فلم تعفوا عنهم إذا لم يعفوا عنكم مهور نسائكم { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } كأنه يعني من مهورهن إذا فاتت امرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مائة في مهرها وفاتت امرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مائة حسبت مائة المسلم بمائة المشرك فقيل : تلك العقوبة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يعطي المشرك ما قاصصناه به من مهر امرأته للمسلم الذي فاتت امرأته إليهم ليس له غير ذلك ، ولو كان للمسلمة التي تحت مشرك أكثر من مائة رد الإمام الفضل عن المائة إلى الزوج المشرك ، ولو كان مهر المسلمة ذات الزوج المشرك مائتين ومهر امرأة المسلم الفائتة إلى الكفار مائة ففاتت امرأة مشركة أخرى قص من مهرها مائة وليس على الإمام أن يعطي ممن فاتته زوجته من المسلمين إلى المشركين إلا قصاصا من مشرك فاتت زوجته إلينا ، وإن فاتت زوجة المسلم مسلمة ، أو مرتدة فمنعوها فذلك له ، وإن فاتت على أي الحالين كان فردوها لم يؤخذ لزوجها منهم مهر وتقتل إن لم تسلم إذا ارتدت وتقر مع زوجها مسلمة .
تفريع أمر نساء المهادنين .
( أخبرنا الربيع ) قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا جاءت المرأة الحرة من نساء أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى موضع الإمام من دار الإسلام أو دار الحرب فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض ، وإذا طلبها زوجها بنفسه أو طلبها غيره بوكالته منعها ، وفيها قولان أحدهما يعطى العوض والعوض ما قال الله عز وجل { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومثل ما أنفقوا يحتمل والله تعالى أعلم ما دفعوا بالصداق لا النفقة غيره ، ولا الصداق كله إن كانوا لم يدفعوه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا جاءت امرأة رجل قد نكحها بمائتين فأعطاها مائة ردت إليه مائة ، وإن نكحها بمائة فأعطاها خمسين ردت إليه خمسون ; لأنها لم تأخذ منه من الصداق إلا خمسين ، وإن نكحها بمائة ، ولم يعطها شيئا من الصداق لم ترد إليه شيئا ; لأنه لم ينفق بالصداق شيئا ، ولو أنفق من عرس وهدية وكرامة لم يعط من ذلك شيئا لأنه تطوع به ، ولا ينظر في ذلك إلى مهر مثلها إن كان زادها عليه ، أو نقصها منه ; لأن الله عز وجل أمر بأن يعطوا مثل ما أنفقوا ويعطي الزوج هذا الصداق من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الفيء والغنيمة دون ما سواه من المال ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود [ ص: 206 ] فيكم } يعني والله تعالى أعلم في مصلحتكم وبأن الأنفال كانت تكون عنه ، وأن عمر روى أن { النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل فضل ماله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن ادعى الزوج صداقا وأنكره الإمام ، أو جهله ، فإن جاء الزوج بشاهدين من المسلمين أو شاهد حلف معه أعطاه ، وإن لم يجد شاهدا إلا مشركا لم يعطه بشهادة مشرك وينبغي للإمام أن يسأل المرأة فإن أخبرته شيئا وأنكر الزوج ، أو صدقته لم يقبله الإمام وكان على الإمام أن يسأل عن مهر مثلها في ناحيتها ويحلفه بأنه دفعه ثم يدفعه إليه وقل قوم إلا ومهورهم معروفة ممن معهم من المسلمين الأسرى والمستأمنين ، أو الحاضرين لهم ، أو المصالح عليهم لم يكن معهم مسلمون منها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن أعطاه المهر على واحد من هذه المعاني بلا بينة ثم أقام عنده شاهدا أنه أكثر مما أعطاه رجع عليه بالفضل الذي شهدت له به البينة ، ولو أعطاه بهذه المعاني ، أو ببينة ثم أقر عنده أنه أقل مما أعطاه رجع عليه بالفضل وحبسه فيه ولم يكن هذا نقضا لعهده ، وإن لم يقدم زوجها ، ولا رسوله بطلبها حتى مات فليس لورثته فيما أنفق من صداقها شيء ; لأنه لو كان حيا فلم يطلبه إياه ، وإنما جعل له ما أنفق إذا منع ردها إليه ، وهو لا يقال له ممنوع ردها إليه حتى يطلبها فيمنع ردها إليه .
وإن قدم في طلبها فلم يطلبها إلى الإمام حتى مات كان هكذا ، وكذلك لو لم يطلبها إلى الإمام حتى طلقها ثلاثا ، أو ملكها أن تطلق نفسها ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا ، أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها لم يكن له عوض ; لأنه قد قطع حقه فيها حتى لو أسلم وهي في عدة لم تكن له زوجة فلا يرد إليه المهر من امرأة قد قطع حقه فيها بكل حال ، وكذلك لو خالعها قبل أن يرتفع إلى الإمام ; لأنه لو أسلم ثبت الخلع وكانت بائنا منه لا يعطى من نفقته شيء من امرأة قطع أن تكون زوجة له بحال ، ولو طلقها واحدة يملك الرجعة ثم طلب العوض لم نعطه حتى يراجعها فإن راجعها في العدة من يوم طلقها ثم طلبها أعطي العوض ; لأنه لم يقطع حقه في العوض لا يكون قطعه حقه في العوض إلا بأن يحدث طلاقا لو كانت ساعتها تلك أسلمت وأسلم لم يكن له عليها رجعة ، ولو كانت المرأة قدمت غير مسلمة كان هذا هكذا .
قال : ولو قدمت مسلمة وجاء زوجها فلم يطلبها حتى ماتت لم يكن له عوض ; لأنه إنما يعاوض بأن يمنعها وهي بحضرة الإمام ، ولو كانت المسألة بحالها فلم تمت ، ولكن غلبت على عقلها كان لزوجها العوض ، ولو قدم الزوج مسلما وهي في العدة كان أحق بها ، ولو قدم يطلبها مشركا ثم أسلم قبل أن تنقضي عدتها كانت زوجته ورجع عليه بالعوض فأخذ منه إن كان أخذه ، ولو طلب العوض فأعطيه ثم لم يسلم حتى تنقضي عدتها ثم أسلم فله العوض ; لأنها قد بانت منه بالإسلام في ملك النكاح ، ولو نكحها بعد لم نرجع عليه بالعوض ; لأنه إنما ملكها بعقد غيره ; وإن قدمت امرأة من بلاد الإسلام ، أو غيرها حيث ينفذ أمر الإمام ثم جاء زوجها يطلبها إلى الإمام لم يعط عوضا ; لأنها لم تقدم عليه وواجب على كل من كانت بين ظهرانيه من المسلمين أن يمنعها زوجها ومتى ما صارت إلى دار الإمام فمنعها منه فله العوض ومتى طلبها زوجها وهي في دار الإمام فجاء زوجها فلم يرفعها إلى الإمام حتى تنحت عن دار الإمام لم يكن له عوض ; لأنه يكون له العوض بأن تقيم في دار الإمام ، ومتى طلبها بعد مدتها ، أو مغيبها عن دار الإمام فلا عوض له .
ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت استتيبت فإن تابت وإلا قتلت فإن قدم زوجها بعد القتل ، فقد فاتت ، ولا عوض ، وإن قدم قبل أن ترتد فارتدت وطلبها لم يعطها وأعطي العوض واستتيبت فإن تابت وإلا قتلت ، وإن قدم وهي مرتدة قبل أن تقتل فطلبها أعطي العوض وقتلت مكانها ، ومتى طلبها ، فقد استوجب العوض ; لأن على الإمام منعه منها ، وإن قدمت وطلبها الزوج ثم قتلها رجل فعليه القصاص [ ص: 207 ] أو العقل ولزوجها العوض ، وكذلك لو قدم ، وفيها الحياة لم تمت ، وإن كان يرى أنها في آخر رمق ; لأنه يمنعها في هذه الأحوال إلا أن تكون جنى عليها جناية فصارت في حال لا تعيش فيها إلا كما تعيش الذبيحة فهي في حال الميتة فلا يعطى فيها عوضا ، وإذا كان على الإمام منعه إياها في هذه الأحوال بأن تكون في حكم الحياة كان له العوض ، ولا يستوجب العوض بحال إلا أن يطلبها إلى الإمام ، أو وال يخلفه ببلده فإن طلبها إلى من دون الإمام من عامة ، أو خاصة الإمام ، أو وال ممن لم يوله الإمام هذا فهذا لا يكون له به العوض ، ومتى وصل إلى الإمام طلبه بها ، وإن لم يصل إليه فله العوض ، وإن ماتت قبل أن تصل إلى الإمام ثم طلبها إليه فلا عوض له ، وإن كانت القادمة مملوكة متزوجة رجلا حرا أو مملوكا أمر الإمام باختيار فراق الزوج إن كان مملوكا ، وإن كان حرا فطلبها ، أو مملوكا فلم تختر فراقه حتى قدم مسلما فهي على النكاح ، وإن قدم كافرا فطلبها فمن قال : تعتق ، ولا عوض لمولاها ; لأنها ليست منهم فلا عوض لمولاها ، ولا لزوجها كما لا يكون لزوج المرأة المأسورة فيهم من غيرهم عوض ، ومن قال تعتق ويرد الإمام على سيدها قيمتها فلزوجها العوض إذا كان حرا ، وإن كان مملوكا فلا عوض له إلا أن يجتمع طلبه وطلب السيد فيطلب هو امرأته بعقد النكاح والسيد المال مع طلبه ، فإن انفرد أحدهما دون الآخر فلا عوض له .
وإن كان هذا بيننا وبين أحد من أهل الكتاب فجاءتنا امرأة رجل منهم مشركة ، أو امرأة غير كتابي ، وهذا العقد بيننا وبينه فطلبها زوجها لم يكن لنا منعه منها إذا كان الزوج القادم أو محرما لها بوكالته إذا سألت ذلك ، وإن كان الزوج القادم فطلبها زوجها وأسلمت أعطيناه العوض ، وإن لم تسلم دفعناها إليه ، ولو خرجت امرأة رجل منهم معتوهة منعنا زوجها منها حتى يذهب عنها ، فإذا ذهب فإن قالت خرجت مسلمة وأنا أعقل ثم عرض لي ، فقد وجب له العوض ، وإن قالت خرجت معتوهة ثم ذهب هذا عني فأنا أسلم منعناها منه ، وإن طلبها يومئذ أعطيناه العوض ، وإن لم يطلبها فلا عوض له .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإن خرجت إلينا منهم زوجة رجل لم تبلغ ، وإن عقلت فوصفت الإسلام منعناها منه بصفة الإسلام ، ولا يعطى حتى تبلغ ، فإذا بلغت وثبتت على الإسلام أعطيناه العوض إذا طلبها بعد بلوغها وثبوتها على الإسلام فإن لم يطلبها بعد ذلك لم يكن له عوض من قبل أنه لا يكمل إسلامها حتى تقتل على الردة إلا بعد البلوغ ، ولو جاءتنا جارية لم تبلغ فوصفت الإسلام وجاء زوجها وطلبها فمنعناه منها فبلغت ، ولم تصف الإسلام بعد البلوغ فتكون من الذين أمرنا إذا علمنا إيمانهن أن لا ندفعهن إلى أزواجهن فمتى وصفت الإسلام بعد وصفها الإسلام والبلوغ لم يكن له عوض ، وكذلك إن بلغت معتوهة لم يكن له عوض .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (174)
صــــــــــ 208 الى صـــــــــــ214
والقول الثاني : أن له العوض في كل حال منعناها منه بصفة الإسلام ، وإن كانت صبية ، وإذا جاء زوج المرأة يطلبها فلم يرتفع إلى الإمام حتى أسلم ، وقد خرجت امرأته من العدة لم يكن له عوض ، ولا على امرأته سبيل ; لأنه لا يمنع من امرأته إذا أسلم إلا بانقضاء عدتها ، ولو كانت في عدتها كانا على النكاح ، وإنما يعطي العوض من يمنع امرأته ، ولو قدم وهي في العدة ثم أسلم ثم طلبها إلى الإمام خلى بينه وبينها فإن لم يطلبها حتى ارتدت بعد إسلامه ثم طلب العوض لم يكن له ; لأنه لما أسلم صار ممن لا يمنع امرأته فلا يكون له عوض ; لأني أمنعها منه بالردة ، فإن لحق بدار الحرب مرتدا فسأل العوض لم يعطه لما وصفت ، ولو قدمت مسلمة ثم ارتدت ثم طلب منها [ ص: 208 ] الإسلام الأول ويمنع منها بالردة ، وإن رجعت إلى الإسلام وهي في العدة فهو أحق بها وإن رجعت بعد مضي العدة والعصمة منقطعة بينهما فلا عوض وكل ما وصفت فيه العوض في قول من رأى أن يعطي العوض ، وفيه قول ثان لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض ، ولو شرط الإمام برد النساء كان الشرط منتقضا ومن قال هذا قال : إن { شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الحديبية إذ دخل فيه أن يرد من جاءه منهم } وكان النساء منهم كان شرطا صحيحا فنسخه الله ثم رسوله لأهل الحديبية ورد عليهم فيما نسخ منه العوض ولما قضى الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ترد النساء لم يكن لأحد ردهن ، ولا عليه عوض فيهن ; لأن شرط من شرط رد النساء بعد نسخ الله عز وجل ثم رسوله لها باطل ، ولا يعطى بالشرط الباطل شيء .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن قال : هذا لم يرد مملوكا بحال ، ولا يعطيهم فيه عوضا وأشبههما أن لا يعطوا عوضا والآخر كما وصفت يعطون فيه العوض ، ومن قال : هذا لا نرد إلى أزواج المشركين عوضا لم يأخذ للمسلمين فيما فات من أزواجهم عوضا ، وليس لأحد أن يعقد هذا العقد إلا الخليفة ، أو رجل بأمر الخليفة ; لأنه يلي الأموال كلها فمن عقده غير خليفة فعقده مردود ، وإن جاءت فيه امرأة ، أو رجل لم يرد للمشركين ، ولم يعطوا عوضا ونبذ إليهم ، وإذا عقد الخليفة فمات ، أو عزل واستخلف غيره فعليه أن يفي لهم بما عقد لهم الخليفة قبله ، وكذلك على والي الأمر بعده إنفاذه إلى انقضاء المدة فإن انقضت المدة فمن قدم من رجل ، أو امرأة لم يرده ، ولم يعط عوضا وكانوا كأهل دار الحرب قدم علينا نساؤهم ورجالهم مسلمين فنقبلهم ، ولا نعطي أحدا عوضا من امرأته في قول من أعطى العوض .
فإن هادناهم على الترك سنة فقدمت علينا امرأة رجل منهم وكان الذين هادنونا من أهل الكتاب أو ممن دان دينهم قبل نزول الفرقان وأسلموا في دارهم أو أعطوا الجزية ثم جاءونا يطلبون رجالهم ونساءهم قيل : قد انقضت الهدنة وخير لكم دخولكم في الإسلام وهؤلاء رجالكم فإن أحبوا رجعوا ، وإن أحبوا أقاموا ، وإن أحبوا انصرفوا ، ولو نقضوا العهد بيننا وبينهم لم يعطوا عوضا من امرأة رجل منهم ، ولم يرد إليهم منهم مسلم وهكذا لو هادنا قوما هكذا وأتانا رجالهم فخلينا بين أوليائهم وبينهم ثم نقضوا العهد كان لنا إخراجهم من أيديهم وعلينا طلبهم حتى نخرجهم من أيديهم ; لأنهم تركوا العهد بيننا وبينهم وسقط الشر .
وهكذا لو هادنا من لا تؤخذ منه الجزية في كل ما وصفته إلا أنه ليس لنا أن نأخذ الجزية ، وإذا هادنا قوما رددنا إليهم ما فات إلينا من بهائم أموالهم وأمتعتهم ; لأنه ليس في البهائم حرمة يمنعن بها من أن نصيرها إلى مشرك ، وكذلك المتاع ، وإن صارت في يد بعضنا فعليه أن يصيرها إليهم ، ولو استمتع بها واستهلكها كان كالغصب يلزمه لهم ما يلزم الغاصب من كراء إن كان لها وقيمة ما هلك منها في أكثر ما كانت قيمته .
إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة كذا وكذا لفلان بن فلان النصراني من بني فلان الساكن بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا إنك سألتني أن أؤمنك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا وأعقد لك ولهم ما يعقد لأهل الذمة على ما أعطيتني وشرطت لك ولهم وعليك وعليهم فأجبتك إلى أن عقدت لك ولهم علي وعلى جميع المسلمين الأمان ما استقمت [ ص: 209 ] واستقاموا بجميع ما أخذنا عليكم وذلك أن يجري عليكم حكم الإسلام لا حكم خلافه بحال يلزمكموه ، ولا يكون لكم أن تمتنعوا منه في شيء رأيناه نلزمكم به وعلى أن أحدا منكم إن ذكر محمدا صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله عز وجل أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به ، فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما أعطي عليه الأمان وحل لأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب دماؤهم .
وعلى أن أحدا من رجالكم إن أصاب مسلمة بزنا ، أو اسم نكاح أو قطع الطريق على مسلم ، أو فتن مسلما عن دينه ، أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال ، أو دلالة على عورة المسلمين وإيواء لعيونهم ، فقد نقض عهده وأحل دمه وماله ، وإن نال مسلما بما دون هذا في ماله أو عرضه ، أو نال به من على مسلم منعه من كافر له عهد ، أو أمان لزمه فيه الحكم وعلى أن نتتبع أفعالكم في كل ما جرى بينكم وبين مسلم فما كان لا يحل لمسلم مما لكم فيه فعل رددناه وعاقبناكم عليه وذلك أن تبيعوا مسلما بيعا حراما عندنا من خمر ، أو خنزير ، أو دم ميتة أو غيره ونبطل البيع بينكم فيه ونأخذ ثمنه منكم إن أعطاكموه ، ولا نرده عليكم إن كان قائما ونهريقه إن كان خمرا ، أو دما ونحرقه إن كان ميتة ، وإن استهلكه لم نجعل عليه فيه شيئا ونعاقبكم عليه ، وعلى أن لا تسقوه ، أو تطعموه محرما أو تزوجوه بشهود منكم ، أو بنكاح فاسد عندنا وما بايعتم به كافرا منكم ، أو من غيركم لم نتبعكم فيه ، ولم نسألكم عنه ما تراضيتم به .
وإذا أراد البائع منكم ، أو المبتاع نقض البيع وأتانا طالبا له فإن كان منتقضا عندنا نقضناه ، وإن كان جائزا أجزناه إلا أنه إذا قبض المبيع وفات لم يرده ; لأنه بيع بين مشركين مضى ومن جاءنا منكم ، أو من غيركم من أهل الكفر يحاكمكم أجريناكم على حكم الإسلام ومن لم يأتنا لم نعرض لكم فيما بينكم وبينه ، وإذا قتلتم مسلما ، أو معاهدا منكم ، أو من غيركم خطأ فالدية على عواقلكم كما تكون على عواقل المسلمين وعواقلكم قراباتكم من قبل آبائكم ، وإن قتله منكم رجل لا قرابة له فالدية عليه في ماله ، وإذا قتله عمدا فعليه القصاص إلا أن تشاء ورثته دية فيأخذونها حالة ، ومن سرق منكم فرفعه المسروق إلى الحاكم قطعه إذا سرق ما يجب فيه القطع وغرم ، ومن قذف فكان للمقذوف حد حد له ، وإن لم يكن حد عزر حتى تكون أحكام الإسلام جارية عليكم بهذه المعاني فيما سمينا ، ولم نسم .
وعلى أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب ، ولا تعلنوا بالشرك ، ولا تبنوا كنيسة ، ولا موضع مجتمع لصلاتكم ، ولا تضربوا بناقوس ، ولا تظهروا قولكم بالشرك في عيسى ابن مريم ، ولا في غيره لأحد من المسلمين ، وتلبسوا الزنانير من فوق جميع الثياب الأردية وغيرها حتى لا تخفى الزنانير وتخالفوا بسروجكم وركوبكم وتباينوا بين قلانسكم وقلانسهم بعلم تجعلونه بقلانسكم وأن لا تأخذوا على المسلمين سروات الطرق ، ولا المجالس في الأسواق وأن يؤدي كل بالغ من أحرار رجالكم غير مغلوب على عقله جزية رأسه دينارا مثقالا جيدا في رأس كل سنة لا يكون له أن يغيب عن بلده حتى يؤديه ، أو يقيم به من يؤديه عنه لا شيء عليه من جزية رقبته إلى رأس السنة ومن افتقر منكم فجزيته عليه حتى تؤدى عنه وليس الفقر بدافع عنكم شيئا ، ولا ناقض لذمتكم عن ما به فمتى وجدنا عندكم شيئا أخذتم به ، ولا شيء عليكم في أموالكم سوى جزيتكم ما أقمتم في بلادكم واختلفتم ببلاد المسلمين غير تجار وليس لكم دخول مكة بحال ، وإن اختلفتم بتجارة على أن تؤدوا من جميع تجاراتكم العشر إلى المسلمين فلكم دخول جميع بلاد المسلمين إلا مكة والمقام بجميع بلاد المسلمين كما شئتم إلا الحجاز فليس لكم [ ص: 210 ] المقام ببلد منها إلا ثلاث ليال حتى تظعنوا منه ، وعلى أن من أنبت الشعر تحت ثيابه ، أو احتلم ، أو استكمل خمس عشرة سنة قبل ذلك فهذه الشروط لازمة له إن رضيها فإن لم يرضها فلا عقد له ، ولا جزية على أبنائكم الصغار ، ولا صبي غير بالغ ومغلوب على عقله ، ولا مملوك ، فإذا أفاق المغلوب على عقله وبلغ الصبي وعتق المملوك منكم فدان دينكم فعليه جزيتكم والشرط عليكم وعلى من رضيه ومن سخطه منكم نبذنا إليه ولكم أن نمنعكم وما يحل ملكه عندنا لكم ممن أرادكم من مسلم ، أو غيره بظلم بما نمنع به أنفسنا وأموالنا ونحكم لكم فيه على من جرى حكمنا عليه بما نحكم به في أموالنا وما يلزم المحكوم في أنفسكم فليس علينا أن نمنع لكم شيئا ملكتموه محرما من دم ، ولا ميتة ، ولا خمر ، ولا خنزير كما نمنع ما يحل ملكه ، ولا نعرض لكم فيه إلا أنا لا ندعكم تظهرونه في أمصار المسلمين فما ناله منه مسلم ، أو غيره لم نغرمه ثمنه ; لأنه محرم ، ولا ثمن لمحرم ونزجره عن العرض لكم فيه فإن عاد أدب بغير غرامة في شيء منه .
وعليكم الوفاء بجميع ما أخذنا عليكم وأن لا تغشوا مسلما ، ولا تظاهروا عدوهم عليهم بقول ، ولا فعل عهد الله وميثاقه وأعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من الوفاء بالميثاق ولكم عهد الله وميثاقه وذمة فلان أمير المؤمنين وذمة المسلمين بالوفاء لكم ، وعلى من بلغ من أبنائكم ما عليكم بما أعطيناكم ما وفيتم بجميع ما شرطنا عليكم فإن غيرتم أو بدلتم فذمة الله ثم ذمة فلان أمير المؤمنين والمسلمين بريئة منكم ومن غاب عن كتابنا ممن أعطيناه ما فيه فرضيه إذا بلغه فهذه الشروط لازمة له ولنا فيه ومن لم يرض نبذنا إليه . شهد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن شرط عليهم ضيافة ، فإذا فرغ من ذكر الجزية كتب في أثر قوله : ولا شيء عليكم في أموالكم غير الدينار في السنة والضيافة على ما سمينا فكل من مر به مسلم ، أو جماعة من المسلمين فعليه أن ينزله في فضل منازله فيما يمكنه من حر ، أو برد ليلة ويوما ، أو ثلاثا إن شرطوا ثلاثا ويطعمه من نفقة عامة أهله مثل الخبز والخل والجبن واللبن والحيتان واللحم والبقول المطبوخة ويعلفه دابة واحدة تبنا ، أو ما يقوم مقامه في مكانه فإن أقام أكثر من ذلك فليس عليه ضيافة ، ولا علف دابة وعلى الوسط أن ينزل كل من مر به رجلين وثلاثة لا يزيد عليهم ويصنع لهم ما وصفت وعلى الموسع أن ينزل كل من مر به ما بين ثلاثة إلى ستة لا يزيدون على ذلك ، ولا يصنعون بدوابهم إلا ما وصفت إلا أن يتطوعوا لهم بأكثر من ذلك فإن قلت المارة من المسلمين يفرقهم وعدلوا في تفريقهم .
فإن كثر الجيش حتى لا يحتملهم منازل أهل الغنى ، ولا يجدون منزلا أنزلهم أهل الحاجة في فضل منازلهم وليست عليهم ضيافة فإن لم يجدوا فضلا من منازل أهل الحاجة لم يكن لهم أن يخرجوهم وينزلوا منازلهم وإذا كثروا وقل من يضيفهم فأيهم سبق إلى النزول فهو أحق به ، وإن جاءوا معا أقرعوا فإن لم يفعلوا وغلب بعضهم بعضا ضيف الغالب ، ولا ضيافة على أحد أكثر مما وصفت ، فإذا نزلوا بقوم آخرين من أهل الذمة أحببت أن يدع الذين قروا القرى ويقري الذين لم يقروا ، فإذا ضاق عليهم الأمر فإن لم يقرهم أهل الذمة لم يأخذ منهم ثمنا للقرى ، فإذا مضى القرى لم يؤخذوا به إذا سألهم المسلمون ، ولا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ، ولا أموالهم شيئا بغير إذنهم ، وإذا لم يشترطوا عليهم ضيافة فلا ضيافة عليهم وأيهم قال أو فعل شيئا مما وصفته نقضا للعهد وأسلم لم يقتل إذا كان ذلك قولا ، وكذلك إذا كان فعلا لم يقتل إلا أن يكون في دين المسلمين إن فعله قتل حدا أو قصاصا فيقتل بحد ، أو قصاص لا نقض عهد ، وإن فعل ما وصفنا وشرط أنه نقض لعهد الذمة فلم يسلم ، ولكنه قال : أتوب وأعطي الجزية كما كنت [ ص: 211 ] أعطيها ، أو على صلح أجدده عوقب ، ولم يقتل إلا أن يكون فعل فعلا يوجب القصاص بقتل ، أو قود فأما ما دون هذا من الفعل ، أو القول وكل قول فيعاقب عليه ، ولا يقتل .
( قال الشافعي ) رحمه الله فإن فعل ، أو قال ما وصفنا وشرط أنه يحل دمه فظفرنا به فامتنع من أن يقول أسلم ، أو أعطى جزية قتل وأخذ ماله فيئا .
الصلح على أموال أهل الذمة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال : الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قال : فكان معقولا في الآية أن تكون الجزية غير جائزة والله تعالى أعلم إلا معلوما ثم دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معنى ما وصفت من أنها معلوم فأما ما لم يعلم أقله ، ولا أكثره ، ولا كيف أخذ من أخذه من الولاة له ، ولا من أخذت منه من أهل الجزية فليس في معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نوقف على حده .
ألا ترى إن قال : أهل الجزية نعطيكم في كل مائة سنة درهما وقال : الوالي بل آخذ منكم في كل شهر دينارا لم يقم على أحد هذا ، ولا يجوز فيها إلا أن يستن فيها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ بأقل ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون لوال أن يقبل أقل منه ، ولا يرده ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها معلومة ، ألا ترى أنه أخذها دينارا وازداد فيها ضيافة فأخذ من كل إنسان من أهل اليمن دينارا ومن أهل أيلة مثله وأخذ من أهل نجران كسوة وأعلمني علماء من أهلها أنها تتجاوز قيمة دينار ، ولم يجز في الآية إلا أن تكون على كل بالغ لا على بعض البالغين دون بعض من أهل دين واحد فلا يجوز والله تعالى أعلم أن تؤخذ الجزية من قوم من أموالهم على معنى تضعيف الصدقة بلا ثني عليهم فيها وذلك أن ذلك لو جاز كان منهم من لا مال له تجب فيه الصدقة ، وإن كان له مال كثير من عروض ودور كغلة وغيرها فيكونون بين أظهرنا مقرين على دينهم بلا جزية ، ولم يبح هذا لنا ، ولا أن يكون أحد من رجالهم خليا من الجزية .
ويجوز أن يؤخذ من الجزية على ما صالحوا عليه من أموالهم تضعيف صدقة ، أو عشر أو ربع ، أو نصف ، أو نصف أموالهم أو أثلاثها ، أو ثني أن يقال : من كان له منكم مال أخذ منه ما شرط على نفسه وشرطوا له ما كان يؤخذ منه في السنة تكون قيمته دينارا أو أكثر ، فإذا لم يكن له ما يجب فيه ما شرط ، أو هو أقل من قيمة دينار فعليه دينار ، أو تمام دينار ، وإنما اخترت هذا أنها جزية معلومة الأقل وأن ليس منهم خلي منها قال : ولا يفسد هذا ; لأنه شرط يتراضيان به لا بيع بينهما فيفسد بما تفسد به البيوع كما لم يفسد أن يشترط عليهم الضيافة ، وقد تتابع عليهم فتلزمهم وتغب فلا تلزمهم بإغبابها شيء .
قال ولعل عمر أن يكون صالح من نصارى العرب على تضعيف الصدقة وأدخل هذا الشرط ، وإن لم يحك عنه ، وقد روي عنه أنه أبى أن يقر العرب إلا على الجزية فأنفوا منها ، وقالوا تأخذها منا على معنى الصدقة مضعفة كما يؤخذ من العرب المسلمين فأبى فلحقت منهم جماعة بالروم فكره ذلك وأجابهم إلى تضعيف الصدقة عليهم فصالحه من بقي في بلاد الإسلام عليها فلا بأس أن يصالحهم عليها على هذا المعنى الذي وصفت من الثني .
[ ص: 212 ] كتاب الجزية على شيء من أموالهم
( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) وإذا أراد الإمام أن يكتب لهم كتابا على الجزية بشرط معنى الصدقة كتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله فلان أمير المؤمنين لفلان بن فلان النصراني من بني فلان الفلاني من أهل بلد كذا وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أنك سألتني لنفسك وأهل النصرانية من أهل بلد كذا أن أعقد لك ولهم علي وعلى المسلمين ما يعقد لأهل الذمة على ما شرطت عليك وعليهم ولك ولهم فأجبتك إلى ما سألت لكم ولمن رضي ما عقدت من أهل بلد كذا على ما شرطنا عليه في هذا الكتاب وذلك أن يجري عليكم حكم الإسلام لا حكم خلافه ولا يكون لأحد منكم الامتناع مما رأيناه لازما له فيه ولا مجاوزا به ثم يجري الكتاب على مثل الكتاب الأول لأهل الجزية التي هي ضريبة لا تزيد ولا تنقص فإذا انتهى إلى موضع الجزية كتب على أن من كان له منكم إبل أو بقر أو غنم أو كان ذا زرع أو عين مال أو تمر يرى فيه المسلمون على من كان له منهم فيه الصدقة أخذت جزيته منه الصدقة مضعفة وذلك أن تكون غنمه أربعين فتؤخذ منه فيها شاتان إلى عشرين ومائة فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة أخذت فيها أربع شياه إلى مائتين فإذا زادت شاة على مائتين أخذت فيها ست شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة وتسعة وتسعين فإذا بلغت أربعمائة أخذ فيها ثمان شياه ثم لا شيء في الزيادة حتى تكمل مائة ثم عليه في كل مائة منها شاتان ومن كان منكم ذا بقر فبلغت بقره ثلاثين فعليه فيها تبيعان ثم لا شيء عليه في زيادتها حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين فعليه فيها مسنتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها أربعة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها إلى ثمانين فإذا بلغتها ففيها أربع مسنات ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ تسعين .
فإذا بلغتها ففيها ستة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة فإذا بلغتها فعليه فيها مسنتان وأربعة أتبعة ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع مسنات وتبيعان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ست مسنات ثم يجري الكتاب بصدقة البقر مضعفة ثم يكتب في صدقة الإبل فإن كانت له إبل فلا شيء فيها حتى تبلغ خمسا فإذا بلغتها فعليه فيها شاتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرا فإذا بلغتها فعليه فيها أربع شياه ثم لا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمس عشرة فإذا بلغتها فعليه فيها ست شياه ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ثمان شياه ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا مخاض فإن لم يكن فيها ابنتا مخاض فابنا لبون ذكران .
وإن كانت له ابنة مخاض واحدة وابن لبون واحد أخذت بنت المخاض وابن اللبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وثلاثين فإذا بلغتها فعليه فيها ابنتا لبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وأربعين فإذا بلغتها فعليه فيها حقتان طروقتا الجمل ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ إحدى وستين فإذا بلغتها ففيها جذعتان ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ ستا وسبعين فإذا بلغتها ففيها أربع بنات لبون ثم لا شيء في زيادتها حتى تبلغ إحدى وتسعين فإذا بلغتها ففيها أربع حقائق ثم ذلك فرضها حتى تنتهي إلى عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة طرح هذا وعدت فكان في كل أربعين منها ابنتا لبون وفي كل خمسين مباحا وإذا لم يوجد في مال من عليه [ ص: 213 ] الجزية من الإبل السن التي شرط عليه أن تؤخذ في ست وثلاثين فصاعدا فجاء بها قبلت منه وإن لم يأت بها فالخيار إلى الإمام بأن يأخذ السن التي دونها ويغرمه في كل بعير لزمه شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الإمام أخذه به وإن شاء الإمام أخذ السن التي فوقها ورد إليه في كل بعير شاتين أو عشرين درهما أيهما شاء الإمام فعل وأعطاه إياه ، وإذا اختار الإمام أن يأخذ السن العليا على أن يعطيه الإمام الفضل أعطاه الإمام أيهما كان أيسر نقدا على المسلمين ، وإذا اختار أن يأخذ السن الأدنى ويغرم له صاحب الإبل فالخيار إلى صاحب الإبل فإن شاء أعطاه شاتين وإن شاء أعطاه عشرين درهما .
ومن كان منهم ذا زرع يقتات من حنطة أو شعير أو ذرة أو دخن أو أرز أو قطنية لم يؤخذ منه فيه شيء حتى يبلغ زرعه خمسة أوسق يصف الوسق في كتابه بمكيال يعرفونه فإذا بلغها زرعه فإن كان مما يسقى بغرب ففيه العشر وإن كان مما يسقى بنهر أو سيح أو عين ماء أو نيل ففيه الخمس . ومن كان منهم ذا ذهب فلا جزية عليه فيها حتى تبلغ ذهبه عشرين مثقالا فإذا بلغتها فعليه فيها دينار نصف العشر وما زاد فبحساب ذلك . ومن كان ذا ورق فلا جزية عليه في ورقه حتى تبلغ مائتي درهم وزن سبعة فإذا بلغت مائتي درهم فعليه فيها نصف العشر ثم ما زاد فبحسابه ، وعلى أن من وجد منكم ركازا فعليه خمساه ، وعلى أن من كان بالغا منكم داخلا في الصلح فلم يكن له مال عند الحول يجب على مسلم لو كان له فيه زكاة أو كان له مال يجب فيه على مسلم لو كان له الزكاة فأخذنا منه ما شرطنا عليه فلم يبلغ قيمة ما أخذنا منه دينارا فعليه أن يؤدي إلينا دينارا إن لم نأخذ منه شيئا وتمام دينار إن نقص ما أخذنا منه عن قيمة دينار وعلى أن ما صالحتمونا عليه على كل من بلغ غير مغلوب على عقله من رجالكم وليس ذلك منكم على بالغ مغلوب على عقله ولا صبي ولا امرأة . قال : ثم يجري الكتاب كما أجريت الكتاب قبله حتى يأتي على آخره وإن شرطت عليهم في أموالهم قيمة أكثر من دينار كتبت أربعة دنانير كان أو أكثر وإذا شرطت عليهم ضيافة كتبتها على ما وصفت عليهم في الكتاب قبله وإن أجابوك إلى أكثر منها فاجعل ذلك عليهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس فيهم وفيمن وقت عليهم الجزية أن يكتب على الفقير منهم كذا ولا يكون أقل من دينار ومن جاوز الفقر كذا لشيء أكثر منه ومن دخل في الغنى كذا لأكثر منه ويستوون إذا أخذت منهم الجزية هم وجميع من أخذت منه جزية مؤقتة فيما شرطت لهم وعليهم وما يجري من حكم الإسلام على كل ، وإذاشرط على قوم أن على فقيركم دينارا وعلى من جاوز الفقر ولم يلحق بغني مشهور دينارين وعلى من كان من أهل الغنى المشهور أربعة دنانير جاز ، وينبغي أن يبينه فيقول وإنما أنظر إلى الفقر والغنى يوم تحل الجزية لا يوم عقد الكتاب ، فإذا صالحهم على هذا فاختلف الإمام ومن تؤخذ منه الجزية فقال الإمام لأحدهم أنت غني مشهور الغنى وقال بل أنا فقير أو وسط فالقول قوله إلا أن يعلم غير ما قال ببينة تقوم عليه بأنه غني لأنه المأخوذ منه ، وإذا صالحهم على هذا فجاء الحول ورجل فقير فلم تؤخذ منه جزيته حتى يوسر يسرا مشهورا أخذت جزيته دينارا على الفقر لأن الفقر حاله يوم وجبت عليه الجزية ، وكذلك إن حال عليه الحول وهو مشهور الغنى فلم تؤخذ جزيته حتى افتقر أخذت جزيته أربعة دنانير على حاله يوم حال عليه الحول وإن لم توجد له إلا تلك الأربعة الدنانير فإن أعسر ببعضها أخذ منه ما وجد له منها واتبع بما بقي دينا عليه وأخذت جزيته ما كان فقيرا فيما استأنف دينارا لكل سنة على الفقر ولو كان في الحول مشهور الغنى حتى إذا كان قبل الحول بيوم افتقر أخذت جزيته في عامه ذلك جزية فقير ، وكذلك لو كان في حوله فقيرا فلما كان قبل الحول بيوم صار مشهورا بالغنى أخذت جزيته جزية غني .
[ ص: 214 ] الضيافة مع الجزية
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أثبت من جعل عمر عليه الضيافة ثلاثا ولا من جعل عليه يوما وليلة ولا من جعل عليه الجزية ولم يسم عليه ضيافة بخبر عامة ولا خاصة يثبت ولا أحد الذين ولوا الصلح عليها بأعيانهم لأنهم قد ماتوا كلهم وأي قوم من أهل الذمة اليوم أقروا أو قامت على أسلافهم بينة بأن صلحهم كان على ضيافة معلومة وأنهم رضوها بأعيانهم ألزموها ولا يكون رضاهم الذي ألزموه إلا بأن يقولوا صالحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا وإن قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح لم ألزمهموه وأحلفهم ما ضيفوا على إقرار بصلح وكذلك إن أعطوا كثيرا أحلفتهم ما أعطوه على إقرار بصلح فإذا حلفوا جعلتهم كقوم ابتدأت أمرهم الآن فإن أعطوا أقل الجزية وهو دينار قبلته وإن أبوا نبذت إليهم وحاربتهم وأيهم أقر بشيء في صلحه وأنكره منهم غيره ألزمته ما أقر به ولم أجعل إقراره لازما لغيره إلا بأن يقولوا صلحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا فأما إذا قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح فلا ألزمهموه قال ويأخذهم الإمام بعلمه وإقرارهم وبالبينة إن قامت عليهم من المسلمين ولا نجيز شهادة بعضهم على بعض وكذلك نصنع في كل أمر غير مؤقت مما صالحوا عليه وفي كل مؤقت لم يعرفه أهل الذمة بالإقرار به وإذا أقر قوم منهم بشيء يجوز للوالي أخذه ألزمهموه ما حيوا وأقاموا في دار الإسلام وإذا صالحوا على شيء أكثر من دينار ثم أرادوا أن يمتنعوا إلا من أداء دينار ألزمهم ما صالحوا عليه كاملا فإن امتنعوا منه حاربهم فإن دعوا قبل أن يظهر على أموالهم وتسبى ذراريهم إلى أن يعطوا الإمام الجزية دينارا لم يكن للإمام أن يمتنع منهم وجعلهم كقوم ابتدأ محاربتهم فدعوه إلى الجزية أو قوم دعوه إلى الجزية بلا حرب فإذا أقر منهم قرن بشيء صالحوا عليه ألزمهموه فإن كان فيهم غائب لم يحضر لم يلزمه وإذا حضر ألزم ما أقر به مما يجوز الصلح عليه وإذا نشأ أبناؤهم فبلغوا الحلم أو استكملوا خمس عشرة سنة فلم يقروا بما أقر به آباؤهم قيل إن أديتم الجزية وإلا حاربناكم فإن عرضوا أقل الجزية وقد أعطى آباؤهم أكثر منها لم يكن لنا أن نقاتلهم إذا أعطوا أقل الجزية ولا يحرم علينا أن يعطونا أكثر مما يعطينا آباؤهم ولا يكون صلح الآباء صلحا على الأبناء إلا ما كانوا صغارا لا جزية عليهم أو نساء لا جزية عليهن أو معتوهين لا جزية عليهم فأما من لم يجز لنا إقراره في بلاد الإسلام إلا على أخذ الجزية منه فلا يكون صلح أبيه ولا غيره صلحا عنه إلا برضاه بعد البلوغ ومن كان سفيها بالغا محجورا عليه منهم ( من أهل الذمة ) صالح عن نفسه بأمر وليه فإن لم يفعل وليه وهو معا حورب فإن غاب وليه جعل له السلطان وليا يصالح عنه فإن أبى المحجور عليه الصلح حاربه وإن أبى وليه وقبل المحجور عليه جبر وليه أن يدفع الجزية عنه لأنها لازمة إذا أقر بها لأنها من معنى النظر له لئلا يقتل ويؤخذ ماله فيئا وإذا كان هذا هكذا وكان من صالحهم ممن مضى الأئمة بأعيانهم قد ماتوا فحق الإمام أن يبعث أمناء فيجمعون البالغين من أهل الذمة في كل بلد ثم يسألونهم عن صلحهم فما أقروا به مما هو أزيد من أقل الجزية قبله منهم إلا أن تقوم عليهم بينة بأكثر منه ما لم ينقضوا العهد فيلزمه منهم من قامت عليه بينة ويسأل عمن نشأ منهم فمن بلغ عرض عليه قبول ما صالحوا عليه فإن فعل قبله منه وإن امتنع إلا من أقل الجزية قبل منه بعد أن يجتهد بالكلام على استزادته ويقول هذا صلح أصحابك فلا تمتنع منه ويستظهر بالاستعانة بأصحابه عليه وإن أبى إلا أقل الجزية قبله منه فإن اتهم أن يكون أحد منهم بلغ ولم يقر عنده بأن قد استكمل خمس عشرة سنة أو قد احتلم ولم يقم بذلك عليه بينة مسلمون أقل من يقبل في ذلك شاهدان عدلان كشفه كما { كشف رسول
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (175)
صــــــــــ 215 الى صـــــــــــ221
[ ص: 215 ] الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة فمن أنبت قتله } فإذا أنبت قال له إن أديت الجزية وإلا حاربناك فإن قال أنبت من أني تعالجت بشيء تعجل إنبات الشعر لم يقبل منه ذلك إلا أن يقوم شاهدان مسلمان على ميلاده فيكون لم يستكمل خمس عشرة فيدعه ، ولا يقبل لهم ولا عليهم شهادة غير مسلم عدل ويكتب أسماءهم وحلاهم في الديوان ويعرف عليهم ويحلف عرفاؤهم لا يبلغ منهم مولود إلا رفعه إلى واليه عليهم ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم إلا رفعوا إليه فكلما دخل فيهم أحد من غيرهم ممن لم يكن له صلح وكان ممن تؤخذ منه الجزية فعل به كما وصفت فيمن فعل وكلما بلغ منهم بالغ فعل به ما وصفت .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن دخل من له صلح ( من أهل الذمة ) ألزمته صلحه ومتى أخذ منه صلحه رفع عنه أن تؤخذ عنه في غير بلده فإن كان صالح على دينار وقد كان له صلح قبله على أكثر أخذ منه ما بقي من الفضل على الدينار لأنه صالح عليه وإن كان صلحه الأول على دينار ببلده ثم صالح ببلد غيره على دينار أو أكثر قيل له إن شئت رددنا عليك الفضل عما صالحت عليه أولا إلا أن يكون نقض العهد ثم أحدث صلحا فيكون صلحه الآخر كان أقل أو أكثر من الصلح الأول ومتى مات منهم ميت أخذت من ماله الجزية بقدر ما مر عليه من سنته كأنه مر عليه نصفها لم يؤدها يؤخذ نصف جزيته وإن عته رفع عنه الجزية ما كان معتوها فإذا أفاق أخذتها منه من يوم أفاق فإن جن فكان يجن ويفيق ولم ترفع الجزية لأن هذا ممن تجري عليه الأحكام في حال إفاقته وكذلك إن مرض فذهب عقله أياما ثم عاد إنما ترفع عنه الجزية إذا ذهب عقله فلم يعد وأيهم أسلم رفعت عنه الجزية فيما يستقبل وأخذت لما مضى وإن غاب فأسلم فقال أسلمت من وقت كذا فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينة بخلاف ما قال .
( قال الربيع ) وفيه قول آخر أن عليه الجزية من حين غاب إلى أن قدم فأخبرنا أنه مسلم إلا أن تقوم له بينة بأن إسلامه قد تقدم قبل أن يقدم علينا بوقت فيؤخذ بالبينة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أسلم ثم تنصر لم يؤخذ الجزية وإن أخذت ردت وقيل إن أسلمت وإلا قتلت وكذلك المرأة إن أسلمت وإلا قتلت قال ويبين وزن الدينار والدنانير التي تؤخذ منهم وكذلك صفة كل ما يؤخذ منهم وإن صالح أحدهم وهو صحيح فمرت به نصف سنة ثم عته إلى آخر السنة ثم أفاق أو لم يفق أخذت منه جزية نصف السنة التي كان فيها صحيحا ومتى أفاق استقبل به من يوم أفاق سنة ثم أخذت جزيته منه لأنه كان صالح فلزمه الجزية ثم عته فسقطت عنه وإن طابت نفسه أن يؤديها ساعة أفاق قبلت منه وإن لم تطب لم يلزمها إلا بعد الحول وإذا عتق العبد البالغ من أهل الذمة أخذت منه الجزية أو نبذ إليه وسواء أعتقه مسلم أو كافر .
الضيافة في الصلح .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أقر أهل الذمة بضيافة في صلحهم ورضوا بها فعلى الإمام مسألتهم عنها وقبول ما قالوا أنهم يعرفونه منها إذا كانت زيادة على أقل الجزية ولا تقبل منهم ولا يجوز أن يصالحهم عليها بحال حتى تكون زيادة على أقل الجزية فإن أقروا بأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين يوما وليلة أو ثلاثا أو أكثر وقالوا ما حددنا في هذا حدا ألزموا أن يضيفوا من وسط ما يأكلون خبزا وعصيدة وإداما من زيت أو لبن أو سمن أو بقول مطبوخة أو حيتان أو لحم أو غيره أي هذا تيسر عليهم [ ص: 216 ] وإذا أقروا بعلف دواب ولم يحددوا شيئا علفوا التبن والحشيش مما تحشاه الدواب ولا يبين أن يلزموا حبا لدواب ولا ما جاوز أقل ما تعلفه الدواب إلا بإقرارهم ولا يجوز بأن يحمل على الرجل منهم في اليوم والليلة ضيافة إلا بقدر ما يحتمل أن احتمل واحدا أو اثنين أو ثلاثة ولا يجوز عندي أن يحمل عليه أكثر من ثلاثة وإن أيسر إلا بإقرارهم ويؤخذ بأن ينزل المسلمين الذين يضيفهم حيث يشاء من منازله التي ينزلها السفر التي تكن من مطر وبرد وحر وإن لم يقروا بهذا فعلى الإمام أن يبين إذا صالحهم كيف يضيف الموسر الذي بلغ يسره كذا ويصف ما يضيف من الطعام والعلف وعدد من يضيفه من المسلمين وعلى الوسط الذي يبلغ ماله عدد كذا من الأصناف وعلى من عنده فضل عن نفعه وأهل بيته عدد كذا واحدا أو أكثر منه ومنازلهم وما يقري كل واحد منهم ليكون ذلك معلوما إذا نزل بهم الجموع ومرت الجيوش فيؤخذون به ويجعل ذلك كله مدونا مشهودا عليه به ليأخذه من وليهم من ولاته بعده ويكتب في كتابهم أن كل من كان معسرا فرجع إلى ماله حتى يكون موسرا نقل إلى ضيافة المياسير .
الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا أحب أن يدع الوالي أحدا من أهل الذمة في صلح إلا مكشوفا مشهودا عليه وأحب أن يسأل أهل الذمة عما صالحوا عليه مما يؤخذ منهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين فإن أنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شيء يؤخذ منها سوى الجزية لم يلزمها ما أنكرت وعرض عليها إحدى خصلتين أن لا تأتي الحجاز بحال أو تأتي الحجاز على أنها متى أتت الحجاز أخذ منها ما صالحها عليه عمر وزيادة إن رضيت به وإنما قلنا لا تأتي الحجاز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاها من الحجاز وقلنا تأتيه على ما أخذ عمر أن ليس في إجلائها من الحجاز أمر يبين أن يحرم أن تأتي الحجاز منتابة وإن رضيت بإتيان الحجاز على شيء مثل ما أخذ عمر أو أكثر منه أذن لها أن تأتيه منتابة لا تقيم ببلد منه أكثر من ثلاث فإن لم ترض منعها منه وإن دخلته بلا إذن لم يؤخذ من مالها شيء وأخرجها منه وعاقبها إن علمت منعه إياها ولم يعاقبها إن لم تعلم منعه إياها وتقدم إليها فإن عادت عاقبها ويقدم إلى ولاته أن لا يجيزوا بلاد الحجاز إلا بالرضا والإقرار بأن يؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وإن زادوه عليها شيئا لم يحرم عليه فكان أحب إلي وإن عرضوا عليه أقل منه لم أحب أن يقبله .
وإن قبله لخلة بالمسلمين رجوت أن يسعه ذلك لأنه إذا لم يحرم أن يأتوا الحجاز مجتازين لم يحل إتيانهم الحجاز كثير يؤخذ منهم ويحرمه قليل وإذا قالوا نأتيها بغير شيء لم يكن ذلك للوالي ولا لهم ويجتهد أن يجعل هذا عليهم في كل بلد انتابوه فإن منعوا منه في البلدان فلا يبين لي أن له أن يمنعهم بلدا غير الحجاز ولا يأخذ من أموالهم وإن اتجروا في بلد غير الحجاز شيئا ولا يحل أن يؤذن لهم في مكة بحال وإن أتوها على الحجاز أخذ منهم ذلك وإن جاءوها على غير شرط لم يكن له أن يأخذ منهم شيئا وعاقبهم إن علموا نهيه عن إتيان مكة ولم يعاقبهم إن لم يعلموا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وينبغي أن يبتدئ صلحهم على البيان من جميع ما وصفت ثم يلزمهم ما صالحوا عليه فإن أغفلهم منعهم الحجاز كله فإن دخلوه بغير صلح لم يأخذ منهم شيئا ولا يبين لي أن يمنعهم غير الحجاز [ ص: 217 ] من البلدان قال ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبد العزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم بما أخذ منهم فأخذه منهم كما تؤخذ الجزية فإما أن يكون ألزمهموه بغير رضا منهم فلا أحسبه وكذلك أهل الحرب يمنعون الإتيان إلى بلاد المسلمين بتجارة بكل حال إلا بصلح فما صالحوا عليه جاز لمن أخذه وإن دخلوا بأمان وغير صلح مقرين به لم يؤخذ منهم شيء من أموالهم وردوا إلى مأمنهم إلا أن يقولوا إنما دخلنا على أن يؤخذ منا ، فيؤخذ منهم وإن دخلوا بغير أمان غنموا وإذا لم يكن لهم دعوى أمان ولا رسالة كانوا فيئا وقتل رجالهم إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية قبل أن نظفر بهم إن كانوا ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية وإن دخل رجل من أهل الذمة بلدا أو دخلها حربي بأمان فأدى عن ماله شيئا ثم دخل بعد لم يؤخذ ذلك منه إلا بأن يصالح عليه قبل الدخول أو يرضى به بعد الدخول فأما الرسل ومن ارتاد الإسلام فلا يمنعون الحجاز لأن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } وإن أراد أحد من الرسل الإمام وهو بالحرم فعلى الإمام أن يخرج إليه ولا يدخله الحرم إلا أن يكون يغني الإمام فيه الرسالة والجواب فيكتفي بهما ، فلا يترك يدخل الحرم بحال .
ذكر ما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من أهل الذمة
. ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر . أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال كنت عاملا مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى لعل السائب حكى أمر عمر أن يأخذ من النبط العشر في القطنية كما حكى سالم عن أبيه عن عمر فلا يكونان مختلفين أو يكون السائب حكى العشر في وقت فيكون أخذ منهم مرة في الحنطة والزيت عشرا ومرة نصف العشر ولعله كله بصلح يحدثه في وقت برضاه ورضاهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أحسب عمر أخذ ما أخذ من النبط إلا عن شرط بينه وبينهم كشرط الجزية وكذلك أحسب عمر بن عبد العزيز أمر بالأخذ منهم ولا يأخذ من أهل الذمة شيئا إلا عن صلح ولا يتركون يدخلون الحجاز إلا بصلح ويحدد الإمام فيما بينه وبينهم في تجاراتهم وجميع ما شرط عليهم أمرا يبين لهم وللعامة ليأخذهم به الولاة غيره ، ولا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد المسلمين تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا وإن دخلوا بأمان وشرط أن يأخذ منهم عشرا أو أكثر أو أقل أخذ منهم فإن دخلوا بلا أمان ولا شرط ردوا إلى مأمنهم ولم يتركوا يمضون في بلاد الإسلام ولا يؤخذ منهم شيء وقد عقد لهم الأمان إلا عن طيب أنفسهم وإن عقد لهم الأمان على دمائهم لم يؤخذ من أموالهم شيء إن دخلوا بأموال إلا بشرط على أموالهم أو طيب أنفسهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وسواء كان أهل الحرب بين قوم يعشرون المسلمين إن دخلوا بلادهم أو يخمسونهم لا يعرضون لهم في أخذ شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم أو صلح يتقدم منهم أو يؤخذ غنيمة أو فيئا إن لم يكن لهم ما يأمنون به على أموالهم لأن الله عز وجل أذن بأخذ أموالهم غنيمة وفيئا وكذلك الجزية فيما أعطوها [ ص: 218 ] أيضا طائعين وحرم أموالهم بعقد الأمان لهم ولا يؤخذ إذا أمنوا إلا بطيب أنفسهم بالشرط فيما يختلفون به وغيره فيحل به أموالهم .
تحديد الإمام ما يأخذ من أهل الذمة في الأمصار .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وينبغي للإمام أن يحدد بينه وبين أهل الذمة جميع ما يعطيهم ويأخذ منهم ويرى أنه ينوبه وينوب الناس منهم فيسمي الجزية وأن يؤديها على ما وصفت ويسمي شهرا تؤخذ منهم فيه وعلى أن يجري عليهم حكم الإسلام إذا طلبهم به طالب أو أظهروا ظلما لأحد وعلى أن لا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما هو أهله ولا يطعنوا في دين الإسلام ولا يعيبوا من حكمه شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ويأخذوا عليهم أن لا يسمعوا المسلمين شركهم وقولهم في عزير وعيسى عليهما السلام وإن وجدوهم فعلوا بعد التقدم في عزير وعيسى عليهما السلام إليهم عاقبهم على ذلك عقوبة لا يبلغ بها حدا لأنهم قد أذن بإقرارهم على دينهم مع علم ما يقولون ولا يشتموا المسلمين وعلى أن لا يغشوا مسلما وعلى أن لا يكونوا عينا لعدوهم ولا يضروا بأحد من المسلمين في حال وعلى أن نقرهم على دينهم وأن لا يكرهوا أحدا على دينهم إذا لم يرده من أبنائهم ولا رقيقهم ولا غيرهم وعلى أن لا يحدثوا في مصر من أمصار المسلمين كنيسة ولا مجتمعا لضلالاتهم ولا صوت ناقوس ولا حمل خمر ولا إدخال خنزير ولا يعذبوا بهيمة ولا يقتلوها بغير الذبح ولا يحدثوا بناء يطيلونه على بناء المسلمين وأن يفرقوا بين هيئاتهم في اللباس والمركب وبين هيئات المسلمين وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم فإنها من أبين فرق بينهم وبين هيئات المسلمين ولا يدخلوا مسجدا ولا يبايعوا مسلما بيعا يحرم عليهم في الإسلام وأن لا يزوجوا مسلما محجورا إلا بإذن وليه ولا يمنعوا من أن يزوجوه حرة إذا كان حرا ما كان بنفسه أو محجورا بإذن وليه بشهود المسلمين ولا يسقوا مسلما خمرا ولا يطعموه محرما من لحم الخنزير ولا غيره ولا يقاتلوا مسلما ولا غيره ولا يظهروا الصليب ولا الجماعة في أمصار المسلمين وإن كانوا في قرية يملكونها منفردين لم يمنعهم إحداث كنيسة ولا رفع بناء ولا يعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وجماعاتهم وأخذ عليهم أن لا يسقوا مسلما أتاهم خمرا ولا يبايعوه محرما ولا يطعموه ولا يغشوا مسلما وما وصفت سوى ما أبيح لهم إذا ما انفردوا قال وإذا كانوا بمصر للمسلمين لهم فيه كنيسة أو بناء طائل كبناء المسلمين لم يكن للإمام هدمها ولا هدم بنائهم وترك كلا على ما وجده عليه ومنع من إحداث الكنيسة وقد قيل يمنع من البناء الذي يطاول به بناء المسلمين وقد قيل إذا ملك دارا لم يمنع مما لا يمنع المسلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحب إلي أن يجعلوا بناءهم دون بناء المسلمين بشيء وكذلك إن أظهروا الخمر والخنزير والجماعات وهذا إذا كان المصر للمسلمين أحبوه أو فتحوه عنوة وشرطوا على أهل الذمة هذا فإن كانوا فتحوه على صلح بينهم وبين أهل الذمة من ترك إظهار الخنازير والخمر وإحداث الكنائس فيما ملكوا لم يكن له منعهم من ذلك وإظهار الشرك أكثر منه ولا يجوز للإمام أن يصالح أحدا من أهل الذمة على أن ينزله من بلاد المسلمين منزلا يظهر فيه جماعة ولا كنيسة ولا ناقوسا إنما يصالحهم على ذلك في بلادهم التي وجدوا فيها فنفتحها عنوة أو صلحا فأما بلاد لم تكن لهم فلا يجوز هذا له فيها فإن فعل ذلك أحد في بلاد بملكه منعه الإمام منه فيه ويجوز أن يدعهم أن ينزلوا بلدا لا يظهرون هذا فيه ويصلون في منازلهم بلا جماعات ترتفع أصواتهم ولا نواقيس ولا نكفهم إذا لم يكن ذلك ظاهرا عما [ ص: 219 ] كانوا عليه إذا لم يكن فيه فساد لمسلم ولا مظلمة لأحد فإن أحد منهم فعل شيئا مما نهاه عنه مثل الغش لمسلم أو بيعه حراما أو سقيه محرما أو الضرب لأحد أو الفساد عليه عاقبه في ذلك بقدر ذنبه ولا يبلغ به حدا وإن أظهروا ناقوسا أو اجتمعت لهم جماعات أو تهيئوا بهيئة نهاهم عنها تقدم إليهم في ذلك فإن عادوا عاقبهم وإن فعل هذا منهم فاعل أو باع مسلما بيعا حراما فقال ما علمت تقدم إليه الوالي وأحلفه وأقاله في ذلك فإن عاد عاقبه ومن أصاب منهم مظلمة لأحد فيها حد ( النصارى ) مثل قطع الطريق والفرية وغير ذلك أقيم عليه وإن غش أحد منهم المسلمين بأن يكتب إلى العدو لهم بعورة أو يحدثهم شيئا أرادوه بهم وما أشبه هذا عوقب وحبس ولم يكن هذا ولا قطع الطريق نقضا للعهد ما أدوا الجزية على أن يجري عليهم الحكم .
ما يعطيهم الإمام من المنع من العدو .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يظهر لهم أنهم إن كانوا في بلاد الإسلام أو بين أظهر أهل الإسلام منفردين أو مجتمعين فعليه أن يمنعهم من أن يسبيهم العدو أو يقتلهم منعه ذلك من المسلمين .
وإن كانت دارهم وسط دار المسلمين وذلك أن يكون من المسلمين أحد بينهم وبين العدو فلم يكن في صلحهم أن يمنعهم فعليه منعهم لأن منعهم منع دار الإسلام دونهم وكذلك إن كان لا يوصل إلى موضع هم فيه منفردون إلا بأن توطأ من بلادهم شيء كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم وإن كانت بلادهم داخلة ببلاد الشرك ليس بينها وبين بلاد الإسلام شرك حرب فإذا أتاها العدو لم يطأ من بلاد الإسلام شيئا ومعهم مسلم فأكثر كان عليه منعهم .
وإن لم يشترط ذلك لهم لأن منع دارهم منه مسلم وكذلك إن لم يكن معهم مسلم وكان معهم مال لمسلم فإن كانت دارهم كما وصفت متصلة ببلاد الإسلام وبلاد الشرك إذا غشيها المشركون لم ينالوا من بلاد الإسلام شيئا وأخذ الإمام منهم الجزية فإن لم يشترط لهم منعهم فعليه منعهم حتى يبين في أصل صلحهم أنه لا يمنعهم فيرضون بذلك وأكره له إذا اتصلوا كما وصفت ببلاد الإسلام أن يشترط أن لا يمنعهم وأن يدع منعهم ولا يبين أن عليه منعهم .
فإن كان أصل صلحهم أنهم قالوا لا تمنعنا ونحن نصالح المشركين بما شئنا لم يحرم عليه أن يأخذ الجزية منهم على هذا وأحب إلي لو صالحهم على منعهم لئلا ينالوا أحدا يتصل ببلاد الإسلام فإن كانوا قوما من العدو دونهم عدو فسألوا أن يصالحوا على جزية ولا يمنعوا جاز للوالي أخذها منهم ولا يجوز له أخذها بحال من هؤلاء ولا غيرهم إلا على أن يجري عليهم حكم الإسلام لأن الله عز وجل لم يأذن بالكف عنهم إلا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام فمتى صالحهم على أن لا يجري عليهم حكم الإسلام فالصلح فاسد وله أخذ ما صالحوه عليه في المدة التي كف فيها عنهم وعليه أن ينبذ إليهم حتى تصالحوا على أن يجري عليهم الحكم أو يقاتلهم ولا يجوز أن يصالحهم على هذا إلا أن تكون بهم قوة .
ولا يجوز أن يقول آخذ منكم الجزية إذا استغنيتم وأدعها إذا افتقرتم ولا أن يصالحهم إلا على جزية معلومة لا يزاد فيها ولا ينقص ولا أن يقول متى افتقر منكم مفتقر أنفقت عليه من مال الله تعالى قال ومتى صالحهم على شيء مما زعمت أنه لا يجوز الصلح عليه وأخذ عليه منهم جزية أكثر من دينار في السنة رد الفضل على الدينار ودعاهم إلى أن يعطوا الجزية على ما يصلح .
فإن لم [ ص: 220 ] يفعلوا نبذ إليهم وقاتلهم ومتى أخذ منهم الجزية على أن يمنعهم فلم يمنعهم إما بغلبة عدو له حتى هرب عن بلادهم وأسلمهم وإما تحصن منه حتى نالهم العدو فإن كان تسلف منهم جزية سنة أصابهم فيها ما وصفت رد عليهم جزية ما بقي من السنة ونظر فإن كان ما مضى من السنة نصفها أخذ منه ما صالحهم عليه لأن الصلح كان تاما بينه وبينهم حتى أسلمهم فيومئذ انتقض صلحه وإن كان لم يتسلف منهم شيئا وإنما أخذ منهم جزية سنة قد مضت وأسلمهم في غيرها لم يرد عليهم شيئا ولا يسعه إسلامهم فإن غلب غلبة فعلى ما وصفت وإن أسلمهم غلبة فهو آثم في إسلامهم وعليه أن يمنع من آذاهم وإذا أخذ منهم الجزية أخذها بإجمال ولم يضرب منهم أحدا ولم يقل لهم قبيح والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أن يضربوا ولا يؤذوا ويشترط عليهم أن لا يحيوا من بلاد الإسلام شيئا ولا يكون له أن يأذن لهم فيه بحال وإن أقطعه رجلا مسلما فغمره ثم باعهموه لم ينقض البيع وتركهم حياءه لأنهم ملكوه بأموالهم وليس له أن يمنعهم الصيد في بر ولا بحر لأن الصيد ليس بإحياء أموات وكذلك لا يمنعهم الحطب ولا الرعي في بلاد المسلمين لأنه لا يملك .
تفريع ما يمنع من أهل الذمة
( أخبرنا الربيع ) قال .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا كان علينا أن نمنع أهل الذمة إذا كانوا معنا في الدار وأموالهم التي يحل لهم أن يتمولوها مما نمنع منه أنفسنا وأموالنا من عدوهم إن أرادهم أو ظلم ظالم لهم وأن نستنقذهم من عدوهم لو أصابهم وأموالهم التي تحل لهم لو قدرنا ، فإذا قدرنا استنقذناهم وما حل لهم ملكه ولم نأخذ لهم خمرا ولا خنزيرا فإن قال قائل كيف تستنقذهم وأموالهم التي يحل لهم ملكها ولا تستنقذ لهم الخمر والخنزير وأنت تقرهم على ملكها ؟ قلت إنما منعتهم بتحريم دمائهم فإن الله عز وجل جعل في دمائهم دية وكفارة ، وأما منعي ما يحل من أموالهم فبذمتهم وأما ما أقررتهم عليه فمباح لي بأن الله عز وجل أذن بقتالهم حتى يعطوا الجزية فكان في ذلك دليل على تحريم دمائهم بعد ما أعطوها وهم صاغرون ولم يكن في إقراري لهم عليها معونة عليها ، ألا ترى أنه لو امتنع عليهم عبد أو ولد من الشرك فأرادوا إكراههم ( أهل الذمة ) لم أقرهم على إكراهه بل منعتهم منه وكما لم أكن بإقرارهم على الشرك معينا لهم بإقرارهم عليه ولا يمنعهم من العدو معينا عليه فكذلك لم يكن إقرارهم على الخمر والخنزير عونا لهم عليه ولا أكون عونا لهم على أخذ الخمر والخنزير وإن أقررتهم على ملكه فإن قال فلم لم تحكم لهم بقيمته على من استهلكه قلت أمرني الله عز وجل أن أحكم بينهم بما أنزل الله ولم يكن فيما أنزل الله تبارك وتعالى ولا ما دل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزل عليه المبين عن الله عز وجل ولا فيما بين المسلمين أن يكون للمحرم ثمن ، فمن حكم لهم بثمن محرم حكم بخلاف حكم الإسلام ولم يأذن الله تعالى لأحد أن يحكم بخلاف حكم الإسلام وأنا مسئول عما حكمت به ولست مسئولا عما عملوا مما حرم عليهم مما لم أكلف منعه منهم ، ومن سرق لهم من بلاد المسلمين أو أهل الذمة ما يجب فيه القطع قطعته وإذا سرقوا فجاءني المسروق قطعتهم وكذلك أحدهم إن قذفوا وحدانا لهم من قذفهم وأؤدب لهم من ظلمهم من المسلمين وآخذ لهم منه جميع ما يجب لهم مما يحل أخذه وأنهاه عن العرض له وإذا عرض لهم بما يوجب عليه في ماله أو بدنه شيئا ( أهل الذمة ) أخذته منه إذا عرض لهم بأذى لا يوجب ذلك عليه زجرته عنه فإن عاد حبسته أو عاقبته عليه وذلك مثل أن يهريق خمرهم أو يقتل خنازيرهم وما أشبه [ ص: 221 ] هذا فإن قال قائل فكيف لا تجيز شهادة بعضهم على بعض وفي ذلك إبطال الحكم عنهم ؟ قيل قال الله عز وجل { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } وقال { ممن ترضون من الشهداء } فلم يكونوا من رجالنا ولا ممن نرضى من الشهداء فلما وصف الشهود منا دل على أنه لا يجوز أن يقضى بشهادة شهود من غيرنا لم يجز أن نقبل شهادة غير مسلم وأما إبطال حقوقهم فلم نبطلها إلا إذا لم يأتنا ما يجوز فيه وكذلك يصنع بأهل البادية والشجر والبحر والصناعات لا يكون منهم من يعرف عدله وهم مسلمون فلا يجوز شهادة بعضهم على بعض وقد تجري بينهم المظالم والتداعي والتباعات كما تجري بين أهل الذمة ولسنا آثمين فيما جنى جانيهم ومن أجاز شهادة من لم يؤمر بإجازة شهادته أثم بذلك لأنه عمل نهي عن عمله فإن قال : فإن الله عز وجل يقول { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } قرأ الربيع إلى { فيقسمان بالله } فما معناه ؟ قيل والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حبان قال بكير قال مقاتل أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قوله تبارك وتعالى { اثنان ذوا عدل منكم } الآية { أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي والآخر يماني صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبز ورقة فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاء ببعض ماله وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه ؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا قالوا فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } إلى آخر الآية فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السموات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وأنا لا نشتري بإيماننا ثمنا قليلا من الدنيا { ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين } فلما حلفا خلى سبيلهما ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا اشتريناه منه في حياته وكذبا فكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل { فإن عثر } يقول فإن اطلع { على أنهما استحقا إثما } يعني الداريين أي كتما حقا { فآخران } من أولياء الميت { يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله } فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق { وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين } هذا قول الشاهدين أولياء الميت { ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها } يعني الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك } .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (176)
صــــــــــ 222 الى صـــــــــــ228
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يعني من كان في مثل حال الداريين من الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال وإن كان لم يوضح بعضه لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان لا في الشهود فإن قال فكيف تسمى في هذا الوضع شهادة ؟ قيل كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم فإن قال قائل فكيف لم تحتمل الشهادة ؟ قيل ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ولا يجوز أن يكون إجماعهما خلافا [ ص: 222 ] لكتاب الله عز وجل ويشبه قول الله تبارك وتعالى { فإن عثر على أنهما استحقا إثما } يوجد من مال الميت في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما فلما وجد ادعيا ابتياعه فأحلف أولياء الميت على مال الميت فصار مالا من مال الميت بإقرارهما وادعيا لأنفسهما شراءه فلم تقبل دعواهما بلا بينة فأحلف وارثاه على ما ادعيا وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وليس في هذا رد اليمين إنما كانت يمين الداريين على ادعاء الورثة من الخيانة ويمين ورثة الميت على ما ادعى الداريان مما وجد في أيديهما وأقرا أنه للميت وأنه صار لهما من قبله وإنما أجزنا رد اليمين من غير هذه الآية فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول { أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم } فذلك والله تعالى أعلم أن الأيمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا كان للميت وادعائهم شراءه منه فجاز أن يقال أن ترد أيمان تثنى عليهم الأيمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان كما يجب على من حلف لهم وذلك قول الله ، والله تعالى أعلم { يقومان مقامهما } يحلفان كما أحلفا وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة لأمر الله عز وجل بإشهاد ذوي عدل منكم ومن نرضى من الشهداء .
الحكم بين أهل الذمة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم وقال بعض نزلت في اليهوديين اللذين زنيا } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والذي قالوا يشبه ما قالوا لقول الله عز وجل { وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله } وقوله تبارك وتعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك } الآية يعني والله تعالى أعلم إن تولوا عن حكمك بغير رضاهم وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم والذين حاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون وكان في التوراة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم فجاءوا بها فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وإذا وادع الإمام قوما من أهل الشرك ، ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم ثم جاءوه متحاكمين فهو بالخيار بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم ، فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين لقول الله عز وجل { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } والقسط حكم الله عز وجل الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد الله عز وجل وعليه أن يقيمه ولا يفارقون الموادعين إلا في هذا الموضع ، ثم على الإمام أن يحكم على الموادعين حكمه على المسلمين إذا جاءوه فإن امتنعوا بعد رضاهم بحكمه حاربهم ، وسواء في أن له الخيار في الموادعين إذا أصابوا حدا لله أو حدا فيما بينهم لأن المصاب منه الحد لم يسلم ولم يقر بأن يجرى عليه الحكم .
[ ص: 223 ] الحكم بين أهل الجزية .
( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكان الصغار والله تعالى أعلم أن يجري عليهم حكم الإسلام وأذن الله بأخذ الجزية منهم على أن قد علم شركهم به واستحلالهم لمحارمه فلا يكشفوا عن شيء مما استحلوا بينهم ما لم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم وإن كان فيه ضرر على أحد من أنفسهم لم يطلبه لم يكشفوا عنه فإذا أبى بعضهم على بعض ما فيه له عليه حق فأتى طالب الحق إلى الإمام يطلب حقه فحق لازم للإمام والله تعالى أعلم أن يحكم له على من كان له عليه حق منهم وإن لم يأته المطلوب راضيا بحكمه وكذلك إن أظهر السخطة لحكمه لما وصفت من قول الله عز وجل { وهم صاغرون } ولا يجوز أن تكون دار الإسلام دار مقام لمن يمتنع من الحكم في حال ويقال نزلت { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } فكان ظاهر ما عرفنا أن يحكم بينهم والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدي عليه بأنه طلقها أو آلى منها ( أهل الذمة ) حكمت عليه حكمي على المسلمين فألزمته الطلاق وفيئية الإيلاء فإن فاء وإلا أخذته بأن يطلق وإن قالت تظاهر مني أمرته أن لا يقربها حتى يكفر ولا يجزئه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وكذلك لا يجزئه في القتل إلا رقبة مؤمنة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فكيف يكفر الكافر قيل كما يؤدي الواجب وإن كان لا يؤجر على أدائه من دية أو أرش جرح أو غيره وكما يحد وإن كان لا يكفر عنه بالحد لشركه فإن قال فيكفر عنه خطيئة الحد ؟ قيل فإن جاز أن يكفر خطيئة الحد جاز أن يكفر عنه خطيئة الظهار واليمين وإن قيل يؤدي ويؤخذ منه الواجب وإن لم يؤجر وإن لم يكفر عنه ؟ قيل وكذلك الظهار والأيمان والرقبة في القتل فإن جاءنا يريد أن يتزوج لم نزوجه إلا كما يزوج المسلم برضا من الزوجة ومهر وشهود عدول من المسلمين وإن جاءتنا امرأة قد نكحها تريد فساد نكاحها بأنه نكحها بغير شهود مسلمين أو غير ولي وما يرد به نكاح المسلم مما لا حق فيه لزوج غيره لم يرد نكاحه إذا كان اسمه عندهم نكاحا لأن النكاح ماض قبل حكمنا فإن قال قائل من أين قلت هذا ؟ قلت قال الله تبارك وتعالى في المشركين بعد إسلامهم { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } وقال { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } فلم يأمرهم برد ما بقي من الربا وأمرهم بأن لا يأخذوا ما لم يقبضوا منه ورجعوا منه إلى رءوس أموالهم وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المشرك بما كان قبل حكمه وإسلامهم وكان مقتضيا ورد ما جاوز أربعا من النساء لأنهن بواق فتجاوز عما مضى كله في حكم الله عز وجل وحكم رسوله وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذمة وأهل هدنة يعلم أنهم ينكحون نكاحهم ولم يأمرهم بأن ينكحوا غيره ولم نعلمه أفسد لهم نكاحا ولا منع أحدا منهم أسلم امرأته وامرأته بالعقد المتقدم في الشرك بل أقرهم على ذلك النكاح إذا كان ماضيا وهم مشركون وإن كانوا معاهدين ومهادنين وهكذا إن جاءنا رجلان منهم قد تبايعا خمرا ولم يتقابضاها أبطلنا البيع وإن تقابضاها لم نرده لأنه قد مضى ، وإن تبايعاها فقبض المشتري بعضا ولم يقبض بعضا لم يرد المقبوض ورد ما لم يقبض وهكذا بيوع الربا كلها ولو جاءتنا نصرانية قد نكحها مسلم بلا ولي أو شهود نصارى أفسدنا النكاح لأنه ليس للمسلم أن يتزوج أبدا غير تزويج الإسلام ، فننفذ له ولو جاءنا نصراني باع مسلما خمرا أو نصراني ابتاع من مسلم خمرا تقابضاها أو لم يتقابضاها أبطلناها بكل حال ورددنا المال إلى المشتري وأبطلنا ثمن الخمر عنه إن كان المسلم المشتري لها لم يملك خمرا . وإن كان البائع لها لم يكن [ ص: 224 ] له أن يملك ثمن خمر ، ولا آمر الذمي أن يرد الخمر على المسلم وأهريقها على الذمي إذا كان ملكها على المسلم لأنها ليست كماله وإن كان المسلم القابض للخمر يرد ثمن الخمر على المسلم وأهريقت الخمر لأني لا أقضي على مسلم أن يرد خمرا . ويجوز أن أهريقها لأن الذمي عصى بإخراجها إلى المسلم مع معصيته بملكها وأخرجها طائعا فأدبته بإهراقها لم أكن أهريقها ولم يأذن فيها إنما أهريقها بعد ما أذن فيها بالبيع وإن جاءتنا امرأة الذمي قد نكحته في بقية من عدتها من زوج غيره فرقنا بينه وبينها لحق الزوج الأول وليس هذا كفساد عقدة نجيزها له إذا كانت جائزة عنده لا ضرر فيها على غيره ولا تجوز في الإسلام بحال وإن طلق رجل امرأته ثلاثا ثم تزوجها وذلك جائز عنده فسخنا النكاح وجعلنا لها مهر مثلها إن أصابها ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره يصيبها فإذا نكحت زوجا غيره مسلما أو ذميا فأصابها حل له نكاحها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وتبطل بينهم البيوع التي تبطل بين المسلمين كلها فإذا مضت واستهلكت لم نبطلها إنما نبطلها ما كانت قائمة وإن جاءنا عبد أحدهم قد أعتقه أعتقنا عليه وإن كاتبه كتابة جائزة عندما أجزناها له أو أم ولد يريد بيعها لم ندعه يبيعها في قول من لا يبيع أم الولد ويبيعها في قول من يبيع أم الولد فإذا أسلم عبد الذمي بيع عليه فإن أعتقه الذمي أو وهبه أو تصدق به وأقبضه فكل ذلك جائز لأنه مالكه وولاؤه للذمي لأنه الذي أعتقه ولا يرثه إن مات بالولاء لاختلاف الدينين ، فإن أسلم قبل أن يموت ثم مات ورثه بالولاء وهكذا أمته فإن أسلمت أم ولده عزل عنها وأخذ بنفقتها وكان له أن يؤاجرها فإذا مات فهي حرة وإن دبر عبدا له فأسلم العبد قبل موت السيد ففيها قولان ، أحدهما أن يباع عليه كما يباع عبده لو قال له أنت حر إذا دخلت الدار أو كان غد أو جاء شهر كذا والآخر لا يباع حتى يموت فيعتق إلا أن يشاء السيد بيعه فإذا شاء جاز بيعه وإن كاتب عبده فأسلم العبد قيل للمكاتب إن شئت فاترك الكتابة وتباع وإن شئت فأنت على الكتابة فإذا أديت عتقت ومتى عجزت أبعت وهكذا لو أسلم العبد ثم كاتبه سيده النصراني أو أسلم ثم دبر أو أسلمت أمته ثم وطئها فحبلت لأنه مالك لهم في هذه الحال ولا حد عليه ولا عليها ، وإذا جنى النصراني على النصراني عمدا فالمجني عليه بالخيار بين القود والعقل إن كان جنى جناية فيها القود فإذا اختار العقل فهو حال في مال الجاني ، وإن كانت الجناية خطأ فعلى عاقلة الجاني كما تكون على عواقل المسلمين ، فإن لم يكن للجاني عاقلة فالجناية في ماله دين يتبع بها ولا يعقل عنه النصارى ولا قرابة بينه وبينهم وهم لا يرثون ولا يعقل المسلمون عنه وهم لا يأخذون ما ترك إذا مات ميراثا إنما يأخذونه فيئا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وولاة دماء النصارى كولاة دماء المسلمين إلا أنه لا يجوز بينهم شهادة إلا شهادة المسلمين ويجوز إقرارهم بينهم كما يجوز إقرار المسلمين بعضهم لبعض وكل حق بينهم يؤخذ لبعضهم من بعض كما يؤخذ للمسلمين بعضهم من بعض .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا أهراق واحد منهم لصاحبه خمرا أو قتل له خنزيرا أو حرق له ميتة أو خنزيرا أو جلد ميتة لم يدبغ لم يضمن له في شيء من ذلك شيئا لأن هذا حرام ولا يجوز أن يكون للحرام ثمن ولو كانت الخمر في زق فخرقه أو جرة فكسرها ضمن ما نقص الجر أو أحلفه ولم يضمن الخمر لأنه يحل ملك الزق والجرة إلا أن يكون الزق من ميتة لم يدبغ أو جلد خنزير دبغ أو لم يدبغ فلا يكون له ثمن ولو كسر له صليبا من ذهب لم يكن عليه شيء ولو كسره من عود وكان العود إذا فرق لم يكن صليبا يصلح لغير الصليب فعليه ما نقص الكسر العود ، وكذلك لو كسر له تمثالا من ذهب أو خشب يعبده لم يكن عليه في الذهب شيء ولم يكن أيضا في الخشب شيء إلا أن يكون الخشب موصولا فإذا فرق صلح لغير تمثال فيكون عليه ما نقص كسر الخشب لا ما نقص قيمة الصنم [ ص: 225 ] ولو كسر له طنبورا أو مزمارا أو كبرا فإن كان في هذا شيء يصلح لغير الملاهي فعليه ما نقص الكسر وإن لم يكن يصلح إلا للملاهي فلا شيء عليه وهكذا لو كسرها نصراني لمسلم أو نصراني أو يهودي أو مستأمن أو كسرها مسلم لواحد من هؤلاء أبطلت ذلك كله قال ولو أن نصرانيا أفسد لنصراني ما أبطل عنه فغرم المفسد شيئا بحكم حاكمهم أو شيئا يرونه حقا يلزمه بعضهم بعضا أو شيئا تطوع له به وضمنه ولم يقبضه المضمون له حتى جاءنا الضامن أبطلناه عنه لأنه لم يقبض ولو لم يأتنا حتى يدفع إليه ثم سألنا إبطاله ففيها قولان أحدهما لا نبطله ونجعله كما مضى من بيوع الربا والآخر أن نبطله بكل حال لأنه آخذ منه على غير بيع إنما أخذ بسبب جناية لا قيمة لها . ولو كان الذي غرم له ما أبطل عنه في الحكم مسلما وقبضه منه ثم جاءني رددته على المسلم كما لو أربى على مسلم أو أربى عليه مسلم وتقابضا رددت ذلك بينهما وكذلك لو أهراق نصراني لمسلم خمرا أو أفسد له شيئا مما أبطله عنه وترافعا إلي وغرم له النصراني قيمته متطوعا أو بحكم ذمي أو بأمر رآه النصراني لازما له ودفعه إلى المسلم ثم جاءني أبطلته عنه ورددت النصراني به على المسلم لأنه ليس لمسلم قبض حرام وما مضى من قبضه الحرام وبقي سواء في أنه يرد عنه وأنه لا يقر على حرام جهله ولا عرفه بحال .
ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه خوف الربا واستحلال البيوع الحرام وإن فعل لم أفسخ ذلك لأنه قد يعمل بالحلال ولا أكره للمسلم أن يستأجر النصراني وأكره أن يستأجر النصراني المسلم ولا أفسخ الإجارة إذا وقعت وأكره أن يبيع المسلم من النصراني عبدا مسلما أو أمة مسلمة وإن باعه لم يبن لي أن أفسخ البيع وجبرت النصراني على بيعه مكانه إلى أن يعتقه أو يتعذر السوق عليه في موضعه فألحقه بالسوق ويتأنى به اليوم واليومين والثلاثة ثم أجبره على بيعه قال وفيه قول آخر إن البيع مفسوخ ، وإن باع مسلم من نصراني مصحفا فالبيع مفسوخ ، وكذلك إن باع منه دفترا فيه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما فرق بين هذا وبين العبد والأمة أن العبد والأمة قد يعتقان فيعتقان بعتق النصراني وهذا مال لا يخرج من ملك مالكه إلا إلى مالك غيره وإن باعه دفاتر فيها رأي كرهت ذلك له ولم أفسخ البيع ، وإن باعه دفاتر فيها شعر أو نحو لم أكره ذلك له ولم أفسخ البيع ، وكذلك إن باعه طبا أو عبارة رؤيا وما أشبههما في كتاب قال : ولو أن نصرانيا باع مسلما مصحفا أو أحاديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا مسلما لم أفسخ له البيع ولم أكرهه إلا أني أكره أصل ملك النصراني فإذا أوصى المسلم للنصراني بمصحف أو دفتر فيه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلت الوصية . ولو أوصى بها النصراني لمسلم لم أبطلها ولو أوصى المسلم للنصراني بعبد مسلم فمن قال أفسخ بيع العبد المسلم لو اشتراه النصراني أبطل الوصية ومن قال أجبره على بيعه أجاز الوصية ، وهكذا هبة المسلم للنصراني واليهودي والمجوسي في جميع ما ذكرت ، ولو أوصى مسلم لنصراني بعبد نصراني فمات المسلم ثم أسلم النصراني جازت الوصية في القولين معا لأنه قد ملكه بموت الموصي وهو نصراني ثم أسلم فيباع عليه ، ولو أسلم قبل موته النصراني كان كوصية له بعبد لا يختلفان ، فإذا أوصى النصراني بأكثر من ثلثه فجاءنا ورثته أبطلنا ما جاوز الثلث إن شاء الورثة كما نبطله إن شاء ورثة المسلم ولو أوصى بثلث ماله أو بشيء منه يبني به كنيسة لصلاة النصارى أو يستأجر به خدما للكنيسة أو يعمر به الكنيسة أو يستصبح به فيها أو يشتري به أرضا فتكون صدقة على الكنيسة وتعمر بها أو ما في هذا المعنى كانت الوصية باطلة ، [ ص: 226 ] وكذلك لو أوصى أن يشتري به خمرا أو خنازير فيتصدق بها أو أوصى بخنازير له أو خمر أبطلنا الوصية في هذا كله ، ولو أوصى أن تبنى كنيسة ينزلها مار الطريق أو وقفها على قوم يسكنونها أو جعل كراءها للنصارى أو للمساكينجازت الوصية وليس في بنيان الكنيسة معصية إلا أن تتخذ لمصلى النصارى الذين اجتماعهم فيها على الشرك وأكره للمسلم أن يعمل بناء أو نجارة أو غيره في كنائسهم التي لصلواتهم ، ولو أوصى أن يعطي الرهبان والشمامسة ثلثه جازت الوصية لأنه قد تجوز الصدقة على هؤلاء ، ولو أوصى أن يكتب بثلثه الإنجيل والتوراة لدرس لم تجز الوصية لأن الله عز وجل قد ذكر تبديلهم منها فقال { الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله } وقال { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب } قرأ الربيع الآية ولو أوصى أن يكتب به كتب طب فتكون صدقة جازت له الوصية ولو أوصى أن تكتب به كتب سحر لم يجز . ولو أوصى أن يشتري بثلثه سلاحا للمسلمين جاز ولو أوصى أن يشتري به سلاحا للعدو من المشركين لم يجز ، ولو أوصى بثلثه لبعض أهل الحرب جاز لأنه لم يحرم أن يعطوا مالا وكذلك لو أوصى أن يفتدى منه أسير في أيدي المسلمين من أهل الحرب قال : ومن استعدى على ذمي أو مستأمن أعدى عليه وإن لم يرض ذلك المستعدى عليه إذا استعدى عليه في شيء فيه حق للمستعدي وإن جاءنا محتسب من المسلمين أو غيرهم يذكر أن الذميين يعملون فيما بينهم أعمالا من رباء لم نكشفهم عنها لأن ما أقررناهم عليه من الشرك أعظم ما لم يكن لها طالب يستحقها وكذلك لا يكشفون عما استحلوا من نكاح المحارم فإن جاءتنا محرم للرجل قد نكحته فسخنا النكاح فإن جاءتنا امرأة نكحها على أربع أجبرناه بأن يختار أربعا ويفارق سائرهن وإن لم تأتنا لم نكشفه عن ذلك فإن قال قائل فقد كتب عمر يفرق بين كل ذي محرم من المجوس فقد يحتمل أن يفرق إذا طلبت ذلك المرأة أو وليها أو طلبه الزوج ليسقط عنه مهرها وتركنا لهم على الشرك أعظم من تركنا لهم على نكاح ذات محرم وجمع أكثر من أربع ما لم يأتونا فإن جاءنا منهم مسروق بسارق قطعناه له وإن جاءنا منهم سارق قد استعبده مسروق بحكم له أبطلنا العبودية عنه وحكمنا عليه حكمنا على السارق قال : وللنصراني الشفعة على المسلم وللمسلم الشفعة عليه ولا يمنع النصراني أن يشتري من مسلم ماشية فيها صدقة ولا أرض زرع ولا نخلا وإن أبطل ذلك الصدقة فيها كما لا يمنع الرجل المسلم أن يبيع ذلك مفرقا من جماعة فتسقط فيه الصدقة قال : ولا يكون لذمي أن يحيي مواتا من بلاد المسلمين فإن أحياها لم تكن له بإحيائها وقيل له خذ عمارتها وإن كان ذلك فيها والأرض للمسلمين لأن إحياء الموات فضل من الله تعالى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لمن أحياه ولم يكن له قبل يحييه كالفيء وإنما جعل الله تعالى الفيء وملك ما لا مالك له لأهل دينه لا لغيرهم .
كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة باب فيمن يجب قتاله من أهل البغي
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال . ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فذكر الله عز وجل اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو [ ص: 227 ] أضعف إذا لزمها اسم الامتناع وسماهم الله تعالى المؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وبذلك قلت لا يبيت أهل البغي قبل دعائهم لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله عز وجل قبل القتال وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها لأن الله عز وجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء .
( قال الشافعي ) والفيء الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفيء بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله تعالى ذكره إلى طاعته في الكف عما حرم الله عز وجل قال وقال أبو ذؤيب - يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهله في وقعة فقتل :
لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا عقوا بسهم فلم يشعر به أحد
ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح
.
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأمر الله تعالى إن فاءوا أن يصلح بينهما بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم فأشبه هذا والله تعالى أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم قال وقد يحتمل قول الله عز وجل { فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل { بالعدل } أخذ الحق لبعض الناس من بعض .
( قال الشافعي ) وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه ( قال الشافعي ) وهذا كما قال الزهري عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص أحد من أحد ولا غرم له مالا أتلفه ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قتل دون ماله فهو شهيد } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن للمرء أن يمنع ماله وإذا منعه بالقتال دونه فهو إحلال للقتال والقتال سبب الإتلاف لمن يقاتل في النفس وما دونها قال ولا يحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم { من قتل دون ماله فهو شهيد } إلا أن يقاتل دونه ولو ذهب رجل إلى أن يحمل هذا القول على أن يقتل ويؤخذ ماله كان اللفظ في الحديث من قتل وأخذ ماله أو قتل ليؤخذ ماله ولا يقال له ، قتل دون ماله ومن قتل بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد .
( قال الشافعي ) وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان ، منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد يمنع الحق قال ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتد عن كذا وقول عمر لأبي بكر أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا [ ص: 228 ] إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } في قول أبي بكر هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم :
ألا أصبحنا قبل نائرة الفجر لعل منايانا قريب وما ندري
أطعنا رسول الله ما كان وسطنا فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر
فإن الذي يسألكمو فمنعتم لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
سنمنعهم ما كان فينا بقية كرام على العزاء في ساعة العسر
وقالوا لأبي بكر بعد الإسار ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا .
( قال الشافعي ) وقول أبي بكر لا تفرقوا بين ما جمع الله يعني فيما أرى والله تعالى أعلم أنه مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها ولعل مذهبه فيه أن الله عز وجل يقول { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل .
( قال الشافعي ) فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقي أخا بني بدر الفزاري فقاتله معه عمر وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمضى أبو بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل منعه قال فإذا امتنع رجل من تأدية حق وجب عليه والسلطان يقدر على أخذه منه أخذه ولم يقتله وذلك أن يقتل فيقتله أو يسرق فيقطعه أو يمنع أداء دين فيباع فيه ماله أو زكاة فتؤخذ منه فإن امتنع دون هذا أو شيء منه بجماعة وكان إذا قيل له أد هذا قال لا أؤديه ولا أبدؤكم بقتال إلا أن تقاتلوني قوتل عليه لأن هذا إنما يقاتل على ما منع من حق لزمه وهكذا من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فقاتلهم أبو بكر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (177)
صــــــــــ 229 الى صـــــــــــ235
( قال الشافعي ) ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله فالباغي يقاتل الإمام العادل في مثل هذا المعنى في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتاله الإمام قال وقد قاتل أهل الامتناع بالصدقة وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضي الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم . ولو أن رجلا واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لي قائل فلم قلت في الطائفة الممتنعة الغاصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن رجلا تأول [ ص: 229 ] فقتل أو أتلف مالا اقتصصت منه وأغرمته المال ؟ فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم مسلم أو قتل نفس بغير نفس } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده } ووجدت الله تعالى قال { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فذكر الله عز وجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله عز وجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتغين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين هو من يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له : علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل وقتله الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد علي وأبو بكر قبله ولي من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا ولا على الكفر .
( قال الشافعي ) والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في ذلك إباحة أموالهم ولا شيء منها ، وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء جماعة كانوا أو وحدانا يقتلون حدا وبالقصاص بحكم الله عز وجل في القتلة وفي المحاربين .
باب السيرة في أهل البغي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح .
( قال الشافعي ) فذكرت هذا الحديث للدراوردي فقال ما أحفظه يريد يعجب بحفظه هكذا ذكره جعفر بهذا الإسناد . قال الدراوردي أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه كان لا يأخذ سلبا وأنه كان يباشر القتال بنفسه وأنه كان لا يذفف على جريح ولا يقتل مدبرا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره إن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا .
باب الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لأنهم على حرمة الإيمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم فيها بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه بينما هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد لا حكم إلا الله عز وجل فقال علي رضي الله تعالى عنه كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد [ ص: 230 ] الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال .
( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذا كله نقول ولا يحل للمسلمين بطعنهم دماؤهم ولا أن يمنعوا الفيء ما جرى عليهم حكم الإسلام وكانوا أسوتهم في جهاد عدوهم ولا يحال بينهم وبين المساجد والأسواق قال ولو شهدوا شهادة الحق وهم مظهرون لهذا قبل الاعتقاد أو بعده وكانت حالهم في العفاف والعقول حسنة البغي للقاضي أن يحصيهم بأن يسأل عنهم فإن كانوا يستحلون في مذاهبهم أن يشهدوا لمن يذهب مذهبهم بتصديقه على ما لم يسمعوا ولم يعاينوا أو يستحلوا أن ينالوا من أموال من خالفهم أو أبدانهم شيئا يجعلون الشهادة بالباطل ذريعة إليه لم تجز شهادتهم وإن كانوا لا يستحلون ذلك جازت شهادتهم وهكذا من بغى من أهل الأهواء ولا يفرق بينهم وبين غيرهم فيما يجب لهم وعليهم من أخذ الحق والحدود والأحكام ولو أصابوا في هذه الحال حدا لله عز وجل أو للناس دما أو غيره ثم اعتقدوا ونصبوا إماما وامتنعوا ثم سألوا أن يؤمنوا على أن يسقط عنهم ما أصابوا قبل أن يعتقدوا أو شيء منه لم يكن للإمام أن يسقط عنهم منه شيئا لله عز ذكره ولا للناس وكان عليه أخذهم به كما يكون عليه أخذ من أحدث حدا لله تبارك وتعالى أو للناس ثم هرب ولم يتأول ويمتنع .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن قوما كانوا في مصر أو صحراء فسفكوا الدماء وأخذوا الأموال كان حكمهم كحكم قطاع الطريق وسواء المكابرة في المصر أو الصحراء ولو افترقا كانت المكابرة في المصر أعظمهما .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكذلك لو أن قوما كابروا فقتلوا ولم يأخذوا مالا أقيم عليهم الحق في جميع ما أخذوا وكذلك لو امتنعوا فأصابوا دما وأموالا على غير التأويل ثم قدر عليهم أخذ منهم الحق في الدماء والأموال وكل ما أتوا من حد .
( قال الشافعي ) ولو أن قوما متأولين كثيرا كانوا أو قليلا اعتزلوا جماعة الناس فكان عليهم وال لأهل العدل يجري حكمه فقتلوه وغيره قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا عليا رضي الله تعالى عنه ونقموا عليه الحكومة فقالوا لا نساكنك في بلد فاستعمل عليهم عاملا فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا : كلنا قاتله قال فاستسلموا نحكم عليكم قالوا لا فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم قال وكل ما أصابوه في هذه الحال من حد لله تبارك وتعالى أو للناس أقيم عليهم متى قدر عليهم وليس عليهم في هذه الحال أن يبدءوا بقتال حتى يمتنعوا من الحكم وينتصبوا قال وهكذا لو خرج رجل أو رجلان أو نفر يسير قليلو العدد يعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريد فأظهروا رأيهم ونابذوا إمامهم العادل وقالوا نمتنع من الحكم فأصابوا دما وأموالا وحدودا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق لله تعالى وللناس في كل شيء كما يؤخذ من غير المتأولين فإن كانت لأهل البغي جماعة تكثر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبوا إماما وأظهروا حكما وامتنعوا من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها فينبغي إذا فعلوا هذا أن نسألهم ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت فإن لم يذكروها بينة قيل لهم عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل إنا مؤذنوكم بحرب [ ص: 231 ] فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلون حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا قال وإذا امتنعوا من الإجابة وحكم عليهم بحكم فلم يسلموا أو حلت عليهم صدقة فمنعوها وحالوا دونها وقالوا لا نبدؤكم بقتال قوتلوا حتى يقروا بالحكم ويعودوا لما امتنعوا إن شاء الله تعالى .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما أصابوا في هذه الحال على وجهين : أحدهما ما أصابوا من دم ومال وفرج على التأويل ثم ظهر عليهم بعد لم يقم عليهم منه شيء إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ ، والوجه الثاني ما أصابوا على غير وجه التأويل من حد لله تعالى أو للناس ثم ظهر عليهم رأيت أن يقام عليهم كما يقام على غيرهم ممن هرب من حد أو أصابه وهو في بلاد لا والي لها ثم جاء لها وال وهكذا غيرهم من أهل دار غلبوا الإمام عليها فصار لا يجري له بها حكم فمتى قدر عليهم أقيمت عليهم تلك الحدود ولم يسقط عنهم ما أصابوا بالامتناع ولا يمنع الامتناع حقا يقام إنما يمنعه التأويل والامتناع معا فإن قال قائل فأنت تسقط ما أصاب المشركون من أهل الحرب إذا أسلموا فكذلك أسقط عن حربي لو قتل مسلما منفردا ثم أسلم وأقتل الحربي بديئا من غير أن يقتل أحدا وليس هذا الحكم في المتأول في واحد من الوجهين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا دعي أهل البغي فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك وذلك بأن الله عز وجل حرم ثم رسوله دماء المسلمين إلا بما بين الله تبارك وتعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما أبيح قتال أهل البغي ما كانوا يقاتلون وهم لا يكونون مقاتلين أبدا إلا مقبلين ممتنعين مريدين فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم وهم لا يخرجون منها أبدا إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون وذلك بين عندي في كتاب الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم يستثن الله تبارك وتعالى في الفيئة فسواء كان للذي فاء فئة أو لم تكن له فئة فمتى فاء والفيئة الرجوع حرم دمه ولا يقتل منهم مدبر أبدا ولا أسير ولا جريح بحال لأن هؤلاء قد صاروا في غير المعنى الذي حلت به دماؤهم وكذلك لا يستمتع من أموالهم بدابة تركب ولا متاع ولا سلاح يقاتل به في حربهم وإن كانت قائمة ولا بعد تقضيها ولا غير ذلك من أموالهم وما صار إليهم من دابة فحبسوها أو سلاح فعليهم رده عليهم وذلك لأن الأموال في القتال إنما تحل من أهل الشرك الذين يتخولون إذا قدر عليهم فأما من أسلم فحد في قطع الطريق والزنا والقتل فهو لا يؤخذ ماله فهو إذا قوتل في البغي كان أخف حالا لأنه إذا رجع عن القتال لم يقتل فلا يستمتع من ماله بشيء لأنه لا جناية على ماله بدلالة توجب في ماله شيئا قال ومتى ألقى أهل البغي السلاح لم يقاتلوا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا قاتلت المرأة أو العبد مع أهل البغي والغلام المراهق فهم مثلهم يقاتلون مقبلين ويتركون مولين قال ويختلفون في الأسارى فلو أسر البالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام إنما هي على الجهاد وأما إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يحبس أسيرهم ولو قال أهل البغي أنظرونا ننظر في أمرنا لم أر بأسا أن ينظروا قال ولو قالوا أنظرونا مدة رأيت أن يجتهد الإمام فيه فإن كان يرجو فيئتهم أحببت الاستيناء بهم وإن لم يرج ذلك فإن عليه جهادهم وإن كان يخاف على الفئة العادلة الضعف عنهم [ ص: 232 ] رجوت تأخيرهم إلى أن يرجعوا أو تمكنه القوة عليهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو سألوا أن يتركوا بجعل يؤخذ منهم لم ينبغ أن يؤخذ من مسلم جعل على ترك حق قبله ولا يترك جهاده ليرجع إلى حق منعه أو عن باطل ركبه والأخذ منهم على هذا الوجه في معنى الصغار والذلة والصغار لا يجري على مسلم قال ولو سألوا أن يتركوا أبدا ممتنعين لم يكن ذلك للإمام إذا قوي على قتالهم وإذا تحصنوا فقد قيل يقاتلون بالمجانيق والنيران وغيرها ويبيتون إن شاء من يقاتلهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأنا أحب إلي أن يتوقى ذلك فيهم ما لم يكن بالإمام ضرورة إليه والضرورة إليه أن يكون بإزاء قوم متحصنا فيغزونه أو يحرقون عليه أو يرمونه بمجانيق أو عرادات أو يحيطون به فيخاف الاصطلام على من معه فإذا كان هذا أو بعضه رجوت أن يسعه رميهم بالمنجنيق والنار دفعا عن نفسه أو معاقبة بمثل ما فعل به قال ولا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم المسلمين الظاهر ، ولا أجعل لمن خالف دين الله عز وجل الذريعة إلى قتل أهل دين الله قال ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنهم تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين ونياما وكيفما قدر عليهم إذا بلغتهم الدعوة وأهل البغي إنما يحل قتالهم دفعا لهم عما أرادوا من قتال أو امتناع من الحكم فإذا فارقوا تلك الحال حرمت دماؤهم قال ولا أحب أن يقاتلهم أيضا بأحد يستحل قتلهم مدبرين وجرحى وأسرى من المسلمين فيسلط عليهم من يعلم أنه يعمل فيهم بخلاف الحق وهكذا من ولي شيئا ينبغي أن لا يولاه وهو يعلم أنه يعمل بخلاف الحق فيه ولو كان المسلمون الذين يستحلون من أهل البغي ما وصفت يضبطون بقوة الإمام وكثرة من معه حتى لا يتقدموا على خلافه وإن رأوه حقا لم أر بأسا أن يستعان بهم على أهل البغي على هذا المعنى إذا لم يوجد غيرهم يكفي كفايتهم وكانوا أجزأ في قتالهم من غيرهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو تفرق أهل البغي فنصب بعضهم لبعض فسألت الطائفتان أو إحداهما إمام أهل العدل معونتها على الطائفة المفارقة لها بلا رجوع إلى جماعة أهل العدل وكانت بالإمام ومن معه قوة على الامتناع منهم لو أجمعوا عليه لم أر أن يعين إحدى الطائفتين على الأخرى وذلك أن قتال إحداهما ليس بأوجب من قتال الأخرى وأن قتاله مع إحداهما كالأمان للتي تقاتل معه وإن كان الإمام يضعف فذلك أسهل في أن يجوز معاونة إحدى الطائفتين على الأخرى فإن انقضى حرب الإمام الأخرى لم يكن له جهاد التي أعان حتى يدعوها ويعذر إليها فإن امتنعت من الرجوع نبذ إليها ثم جاهدها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا من أهل العدل قتل رجلا من أهل العدل في شغل الحرب وعسكر أهل العدل فقال : أخطأت به ظننته من أهل البغي أحلف وضمن ديته ولو قال عمدته أقيد منه .
( قال الشافعي ) وكذلك لو صار إلى أهل العدل بعض أهل البغي تائبا مجاهدا أهل البغي أو تاركا للحرب وإن لم يجاهد أهل البغي فقتله بعض أهل العدل وقال قد عرفته بالبغي وكنت أراه إنما صار إلينا لينال من بعضنا غرة فقتلته أحلف على ذلك وضمن ديته وإن لم يدع هذه الشبهة أقيد منه لأنه إذا صار إلى أهل العدل فحكمه حكمهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو رجع نفر من أهل البغي عن رأيهم وأمنهم السلطان فقتل رجلا منهم رجل فادعى معرفتهم أنهم من أهل البغي وجهالته بأمان السلطان لهم ورجوعهم عن رأيهم درئ عنه القود وألزم الدية بعد ما يحلف على ما ادعى من ذلك وإن أتى ذلك عامدا أقيد بما نال من دم وجرح يستطاع فيه القصاص وكان عليه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص من الجراح قال ولو أن تجارا في عسكر أهل البغي أو أهل مدينة غلب عليها أهل البغي أو أسرى من المسلمين كانوا في أيديهم [ ص: 233 ] وكل هؤلاء غير داخل مع أهل البغي برأي ولا معونة قتل بعضهم بعضا أو أتى حدا لله أو للناس عارفا بأنه محرم عليه ثم قدر على إقامته عليه أقيم عليه ذلك كله وكذلك لو كانوا في بلاد الحرب فأتوا ذلك عالمين بأنه محرم وغير مكرهين على إتيانه أقيم عليهم كل حد لله عز وجل وللناس وكذلك لو تلصصوا فكانوا بطرف ممتنعين لا يجري عليهم حكم أو لا يتلصصون ولا متأولين إلا أنهم لا تجري عليهم الأحكام وكانوا ممن قامت عليهم الحجة بالعلم مع الإسلام ثم قدر عليهم أقيمت عليهم الحقوق .
حكم أهل البغي في الأموال وغيرها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ظهر أهل البغي على بلد من بلدان المسلمين فأقام إمامهم على أحد حدا لله أو للناس فأصاب في إقامته أو أخذ صدقات المسلمين فاستوفى ما عليهم أو زاده مع أخذه ما عليهم ما ليس عليهم ثم ظهر أهل العدل عليهم لم يعودوا على من حده إمام أهل البغي بحد ولا على من أخذوا صدقته بصدقة عامة ذلك فإن كانت وجبت عليهم صدقة فأخذوا بعضها استوفى إمام أهل العدل ما بقي منها وحسب لهم ما أخذ أهل البغي منها : قال : وكذلك من مر بهم فأخذوا ذلك منه . قال وإن أراد إمام أهل العدل أخذ الصدقة منهم فادعوا أن إمام أهل البغي أخذها منهم فهم أمناء على صدقاتهم وإن ارتاب بأحد منهم أحلفه فإذا حلف لم تعد عليه الصدقة وكذلك ما أخذوا من خراج الأرض وجزية الرقاب لم يعد على من أخذوه منه لأنهم مسلمون ظاهر حكمهم في الموضع الذي أخذوا ذلك فيه ما عليهم من خراج وجزية رقبة وحق لزم في مال أو غيره . قال : ولو استقضى إمام أهل البغي رجلا كان عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي من أخذ الحق لبعض الناس من بعض في الحدود وغيرها إذا جعل ذلك إليه : ولو ظهر أهل العدل على أهل البغي لم يردد من قضاء قاضي أهل البغي إلا ما يرد من قضاء القضاة غيره .
وذلك خلاف الكتاب أو السنة أو إجماع الناس أو ما هو في معنى هذا أو عمد الحيف برد شهادة أهل العدل في الحين الذي يردها فيه أو إجازة شهادة غير العدل في الحين الذي يجيزها فيه ولو كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على آخر من غير أهل البغي فالأغلب من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بخلاف رأيه ويقبل شهادة من لا عدل له بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ أموال الناس بما أمكنه فأحب إلي أن لا يقبل كتابه وكتابه ليس بحكم نفذ منه فلا يكون للقاضي رده إلا بجور تبين له ولو كانوا مأمونين على ما وصفنا براء من كل خصلة منه وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له إن رد كتابه فقبل القاضي كتابه كان لذلك وجه والله تعالى أعلم : وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت في فوت الحق إن رد شبيها بحكمه .
قال ومن شهد من أهل البغي عند قاض من أهل العدل في الحال التي يكون فيها محاربا أو ممن يرى رأيهم في غير محاربة فإن كان يعرف باستحلال بعض ما وصفت من أن يشهد لمن وافقه بالتصديق له على ما لم يعاين ولم يسمع أو باستحلال لمال المشهود عليه أو دمه أو غير ذلك من الوجوه التي يطلب بها الذريعة إلى منفعة المشهود له أو نكاية المشهود عليه استحلالا لم تجز شهادته في شيء وإن قل ومن كان من هذا بريئا منهم ومن غيرهم عدلا جازت شهادته .
قال : ولو وقع لرجل في عسكر أهل البغي على رجل في عسكر أهل العدل حق في دم نفس أو جرح أو مال وجب على [ ص: 234 ] قاضي أهل العدل الأخذ له به لا يختلف هو وغيره فيما يؤخذ لبعضهم من بعض من الحق في المواريث وغيرها ، وكذلك حق على قاضي أهل البغي أن يأخذ من الباغي لغير الباغي من المسلمين وغيرهم حقه ، ولو امتنع قاضي أهل البغي من أخذ الحق منهم لمن خالفهم كان بذلك عندنا ظالما ولم يكن لقاضي أهل العدل أن يمنع أهل البغي حقوقهم قبل أهل العدل بمنع قاضيهم الحق منهم قال : وكذلك أيضا يأخذ من أهل العدل الحق لأهل الحرب والذمة وإن منع أهل الحرب الحق يقع عليهم وأحق الناس بالصبر للحق أهل السنة من أهل دين الله تعالى وليس منع رئيس المشركين حقا قبل من بحضرته لمسلم بالذي يحل لمسلم أن يمنع حربيا مستأمنا حقه لأنه ليس بالذي ظلمه .
فيحبس له مثل ما أخذ منه ولا يمنع رجلا حقا بظلم غيره وبهذا يأخذ الشافعي . قال : ولو ظهر أهل البغي على مصر فولوا قضاءه رجلا من أهل معروفا بخلاف رأي أهل البغي فكتب إلى قاض غيره نظر فإن كان القاضي عدلا وسمى شهودا شهدوا عنده يعرفهم القاضي المكتوب إليه بنفسه أو يعرفهم أهل العدالة بالعدل وخلاف أهل البغي قبل الكتاب فإن لم يعرفوا فكتابه كما وصفت من كتاب قاضي أهل البغي قال :
وإذا غزا أهل البغي المشركين مع أهل العدل والتقوا في بلادهم فاجتمعوا ثم قاتلوا معا فإن كان لكل واحد من الطائفتين إمام فأهل البغي كأهل العدل جماعتهم كجماعتهم وواحدهم مثل واحدهم في كل شيء ليس الخمس قال : فإن أمن أحدهم عبدا كان أو حرا أو امرأة منهم جاز الأمان وإن قتل أحد منهم في الإقبال كان له السلب . وإن كان أهل البغي في عسكر ردءا لأهل العدل فسرى أهل العدل فأصابوا غنائم أو كان أهل العدل ردءا فسرى أهل البغي فأصابوا غنائم شركت كل واحدة من الطائفتين صاحبتها لا يفترقون في حال إلا أنهم إذا دفعوا الخمس من الغنيمة كان إمام أهل العدل أولى به لأنه لقوم مفترقين في البلدان يؤديه إليهم لأن حكمه جار عليهم دون حكم إمام أهل البغي وأنه لا يستحل حبسه استحلال الباغي .
قال : ولو وادع أهل البغي قوما من المشركين لم يكن لأحد من المسلمين غزوهم فإن غزاهم فأصاب لهم شيئا رده عليهم ولو غزا أهل البغي قوما قد وادعهم إمام المسلمين فسباهم أهل البغي فإن ظهر المسلمون على أهل البغي استخرجوا ذلك من أيديهم وردوه على أهله المشركين قال : ولا يحل شراء أحد من ذلك السبي وإن اشترى فشراؤه مردود قال : ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل .
وقد كان أهل العدل وادعوا أهل الحرب فإنه حلال لأهل العدل قتال أهل الحرب وسبيهم وليس كينونتهم مع أهل البغي بأمان إنما يكون لهم الأمان على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا له : وقد قيل : لو استعان أهل البغي بقوم من أهل الذمة على قتال المسلمين لم يكن هذا نقضا للعهد لأنهم مع طائفة من المسلمين وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى علينا إذا حملتنا طائفة من المسلمين على طائفة من المسلمين أخرى أنها إنما تحملنا على من يحل دمه في الإسلام مثل قطاع الطريق أو قالوا لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلما لم يكن هذا نقضا لعهدهم ويؤخذون بكل ما أصابوا من أهل العدل من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ونتقدم إليهم ونجدد عليهم شرطا بأنهم إن درجوا إلى مثل هذا استحل قتلهم وأسأل الله التوفيق قال : فإن أتى أحد من أهل البغي تائبا لم يقتص منه لأنه مسلم محرم الدم وإذا قاتل أهل الذمة مع أهل العدل أهل الحرب لم يعطوا سلبا ولا خمسا ولا سهما وإنما يرضخ لهم ولو رهن أهل البغي نفرا منهم عند أهل العدل ورهنهم أهل العدل رهنا .
وقالوا احبسوا رهننا حتى ندفع إليكم رهنكم وتوادعوا على [ ص: 235 ] ذلك إلى مدة جعلوها بينهم فعدا أهل البغي على رهن أهل العدل فقتلوهم لم يكن لأهل العدل أن يقتلوا رهن أهل البغي الذين عندهم ولا أن يحبسوهم إذا أثبتوا أن قد قتل أصحابهم لأن أصحابهم لا يدفعون إليهم أبدا ولا يقتل الرهن بجناية غيرهم وإن كان رهن أهل البغي بلا رهن من أهل العدل ووادعوهم إلى مدة فجاءت تلك المدة وقد غدر البغي لم يكن لهم حبس الرهن بغدر غيرهم . قال : ولو أن أهل العدل أمنوا رجلا من أهل البغي فقتله رجل جاهل كان فيه الدية . وإذا قتل العدلي الباغي عامدا والقاتل وارث المقتول أو قتل الباغي العدلي وهو وارثه لم أر أن يتوارثا والله تعالى أعلم ويرثهما معا ورثتهما غير القاتلين ، وإذا قتل أهل البغي في معركة وغيرها صلى عليهم لأن الصلاة سنة في المسلمين إلا من قتله المشركون في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه . وأما أهل البغي إذا قتلوا في المعركة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ويصنع بهم ما يصنع بالموتى ولا يبعث برءوسهم إلى موضع ولا يصلبون ولا يمنعون الدفن ، وإذا قتل أهل العدل أهل البغي في المعركة ففيهم قولان : أحدهما أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم والثياب التي قتلوا فيها إن شاءوا لأنهم شهداء ولا يصلى عليهم ويصنع بهم كما يصنع بمن قتله المشركون لأنهم مقتولون في المعركة وشهداء . والقول الثاني : أن يصلى عليهم لأن أصل الحكم في المسلمين الصلاة على الموتى إلا حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها فيمن قتله المشركون في المعركة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والصبيان والنساء من أهل البغي إذا قتلوا معهم فهم في الصلاة عليهم مثل الرجال البالغين . قال : وأكره للعدلي أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي ولو كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك له بل أحبه وذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل أبيه } ، وإذا قتلت الجماعة الممتنعة من أهل القبلة غير المتأولة أو أخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق ، وهذا مكتوب في كتاب قطع الطريق .
وإذا ارتد قوم عن الإسلام فاجتمعوا وقاتلوا فقتلوا وأخذوا المال فحكمهم حكم أهل الحرب من المشركين ، وإذا تابوا لم يتبعوا بدم ولا مال . فإن قال قائل : لم لا يتبعون ؟ قيل هؤلاء صاروا محاربين حلال الأموال والدماء وما أصاب المحاربون لم يقتص منهم وما أصيب لهم لم يرد عليهم وقد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم هو فلم يضمن عقلا ولا قودا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والحد في المكابرة في المصر والصحراء سواء ولعل المحارب في المصر أعظم ذنبا .
( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر : يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا فقتلوا من قبل أن الشرك إن لم يزدهم شرا لم يزدهم خيرا بأن يمنع القود منهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن أهل البغي ظهروا على مدينة فأراد قوم غيرهم من أهل البغي قتالهم لم أر أن يقاتلهم أهل المدينة معهم ، فإن قالوا نقاتلكم معا وسع أهل المدينة قتالهم دفعا لهم عن أنفسهم وعيالهم وأموالهم وكانوا في معنى من قتل دون نفسه وماله إن شاء الله تعالى . ولو سبى المشركون أهل البغي وكانت بالمسلمين قوة على قتال المشركين لم يسع المسلمين الكف عن قتال المشركين حتى يستنقذوا أهل البغي . ولو غزا المسلمون فمات عاملهم فغزوا معا أو متفرقين وكل واحد منهم رد لصاحبه شرك كل واحد منهم صاحبه في الغنيمة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (178)
صــــــــــ 236 الى صـــــــــــ242
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال لي قائل : فما تقول فيمن أراد مال رجل أو دمه أو حرمته ؟ قلت له : فله دفعه عنه ، قال فإن لم يكن يدفع عنه إلا بقتال ؟ قلت فيقاتله ، قال وإن أتى القتال على نفسه ؟ قلت : نعم . إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك . قال : وما معنى يقدر على دفعه بغير ذلك ؟ قلت : أن يكون فارسا والعارض له راجل فيمعن على الفرس ، أو يكون متحصنا فيغلق [ ص: 236 ] الحصن الساعة فيمضي عنه . وإن أبى إلا حصره وقتاله قاتله أيضا ، قال : أفليس قد ذكر حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس } فقلت له حديث عثمان كما حدث به وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث } كما قال وهذا كلام عربي ومعناه أنه إذا أتى واحدة من ثلاث حل دمه . كما قال : فكان رجل زنى ثم ترك الزنا وتاب منه أو هرب من الموضع الذي زنى فيه فقدر عليه قتل رجما ولو قتل مسلما عامدا ثم ترك القتل فتاب وهرب عليه قتل قودا وإذا كفر فتاب زال عنه اسم الكفر وهذان لا يفارقهما اسم الزنا والقتل ولو تابا وهربا فيقتلان بالاسم اللازم لهما ، والكافر بعد إيمانه لو هرب ولم يترك القول بالكفر بعد ما أظهره قتل إلا أنه إذا تاب من الكفر وعاد إلى الإسلام حقن دمه وذلك أنه يسقط عنه إذا رجع إلى الإسلام اسم الكفر فلا يقتل وقد عاد مسلما ومتى لزمه اسم الكفر فهو كالزاني والقاتل .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والباغي خارج من أن يقال له حلال الدم مطلقا غير مستثنى فيه وإنما يقال إذا بغى وامتنع أو قاتل مع أهل الامتناع قوتل دفعا عن أن يقتل أو منازعة ليرجع أو يدفع حقا إن منعه فإن أتى لا قتال على نفسه فلا عقل فيه ولا قود فإنا أبحنا قتاله ، ولو ولى عن القتال أو اعتزل أو جرح أو أسر أو كان مريضا لا قتال به لم يقتل في شيء من هذه الحالات ولا يقال للباغي وحاله هكذا حلال الدم ولو حل دمه ما حقن بالتولية والإسار والجرح وعزله القتال ، ولا يحقن دم الكافر حتى يسلم وحاله ما وصفت قبله من حال من أراد دم رجل أو ماله .
الخلاف في قتال أهل البغي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : حضرني بعض الناس الذي حكيت حجته بحديث عثمان فكلمني بما وصفت وحكيت له جملة ما ذكرت في قتال أهل البغي فقال هذا كما قلت وما علمت أحدا احتج في هذا بشبيه بما احتججت به ولقد خالفك أصحابنا منه في مواضع . قلت : وما هي ؟ قال : قالوا إذا كانت للفئة الباغية فئة ترجع إليها وانهزموا قتلوا منهزمين وذفف عليهم جرحى وقتلوا أسرى فإن كانت حربهم قائمة فأسر منهم أسير قتل أسيرهم وذفف على جرحاهم ، فأما إذا لم يكن لأهل البغي فئة وانهزم عسكرهم فلا يحل أن يقتل مدبرهم ولا أسيرهم ولا يذفف على جرحاهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له إذا زعمت أن ما احتججنا به حجة فكيف رغبت عن الأمر الذي فيه الحجة أقلت بهذا خبرا أو قياسا ؟ قال : بل قلت به خبرا . قلت : وما الخبر ؟ قال إن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال يوم الجمل : لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح فكان ذلك عندنا على أنه ليس لأهل الجمل فئة يرجعون إليها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له أفرويت عن علي أنه قال لو كانت لهم فئة يرجعون إليها قتلنا مدبرهم وأسيرهم وجريحهم فتستدل باختلاف حكمه على اختلاف السيرة في الطائفتين عنده ؟ قال لا ولكنه عندي على هذا المعنى . قلت أفبدلالة ؟ فأوجدناها . فقال فكيف يجوز قتلهم مقبلين ولا يجوز مدبرين ؟ قلت بما قلنا من أن الله عز وجل إنما أذن بقتالهم إذا كانوا باغين . قال الله تبارك وتعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } وإنما [ ص: 237 ] يقاتل من يقاتل ، فأما من لا يقاتل فإنما يقال اقتلوه لا فقاتلوه ولو كان فيما احتججت به من هذا حجة كانت عليك لأنك تقول لا تقتلون مدبرا ولا أسيرا ولا جريحا إذا انهزم عسكرهم ولم تكن لهم فئة قال قلته اتباعا لعلي بن أبي طالب قلت فقد خالفت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مثل ما اتبعته فيه ، وقلت أرأيت إن احتج عليك أحد بمثل حجتك وقال نقتلهم بكل حال وإن انهزم عسكرهم لأن عليا قد يكون ترك قتلهم على وجه المن لا على وجه التحريم قال ليس ذلك له وإن احتمل ذلك الحديث لأنه ليس في الحديث دلالة عليه قلت ولا لك لأنه ليس في حديث علي رضي الله تعالى عنه ولا يحتمله دلالة على قتل من كانت له فئة موليا وأسيرا أو جريحا .
( قال ) وقلت وما ألفيته من هذا المعنى ما هو إلا واحد من معنيين ، إما ما قلنا بالاستدلال بحكم الله عز وجل وفعل من يقتدى به من السلف فإن أبا بكر قد أسر غير واحد ممن منع الصدقة فما ضربه ولا قتله ، وعلي رضي الله تعالى عنه قد أسر وقدر على من امتنع فما ضربه ولا قتله ، وإما أن يكون خروجهم إلى هذا يحل دماءهم فيقتلون في كل حال كانت لهم فئة أو لم تكن قال لا يقتلون في هذه الحال . قلت أجل ولا في الحال التي أبحت دماءهم فيها ، وقد كان معاوية بالشام فكان يحتمل أن تكون لهم فئة كانوا كثيرا وانصرف بعضهم قبل بعض فكانوا يحتملون أن تكون الفئة المنصرفة أولا فئة للفئة المنصرفة آخرا ، وقد كانت في المسلمين هزيمة يوم أحد وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة بالشعب فكان النبي صلى الله عليه وسلم فئة لمن انحاز إليه وهم في موضع واحد وقد يكون للقوم فئة فينهزمون ولا يريدونها ولا يريدون العودة للقتال ولا يكون لهم فئة فينهزمون يريدون الرجوع للقتال وقد وجدت القوم يريدون القتال ويشحذون السلاح فتزعم نحن وأنت أنه ليس لنا قتالهم ما لم ينصبوا إماما ويسيروا ونحن نخافهم على الإيقاع بنا فكيف أبحت قتالهم بإرادة غيرهم القتال أو بترك غيرهم الهزيمة وقد انهزموا هم وجرحوا وأسروا ولا تبيح قتالهم بإرادتهم القتال ؟ وقلت له لو لم يكن عليك في هذا حجة إلا فعل علي بن أبي طالب وقوله كنت محجوجا بفعل علي وقوله قال وما ذاك ؟ قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي فاختة أن عليا رضي الله تعالى عنه أتي بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال علي " لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين " فخلى سبيله ثم قال أفيك خير أيبايع ؟ .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا وعلي يقول لأسير من أصحاب معاوية لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين وأنت تأمر بقتل مثله ؟ قال فلعله من عليه قلت هو يقول إني أخاف الله رب العالمين قال يقول إني أخاف الله فأطلب الأجر بالمن عليك قلت أفيجوز إذ قال لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح لمن لا فئة له مثل حجتك ؟ قال لا لأنه لا دلالة في الحديث عليه قلت ولا دلالة في حديث أبي فاختة على ما قلت وفيه الدلالة على خلافك لأنه لو قاله رجاء الأجر قال إني لأرجو الله . واسم الرجاء بمن ترك شيئا مباحا له أولى من اسم الخوف واسم الخوف بمن ترك شيئا خوف المأثم أولى وإن احتمل اللسان المعنيين قال فإن أصحابنا يقولون قولك لا نستمتع من أموال أهل البغي بشيء إلا في حال واحدة قلت وما تلك الحال ؟ قال إذا كانت الحرب قائمة استمتع بدوابهم وسلاحهم فإذا انقضت الحرب رد ذلك عليهم وعلى ورثتهم قلت أفرأيت إن عارضنا وإياك معارض يستحل مال من استحل دمه من أهل القبلة ؟ فقال الدم عند الله تعالى أعظم حرمة من المال فإذا حل الدم كان المال له تبعا هل الحجة عليه إلا أن يقال هذا في رجال أهل الحرب الذين خالفوا دين الله عز وجل هكذا وتحل أموالهم أيضا بما لا تحل به دماؤهم وذلك إن يسبى ذراريهم ونساؤهم فيسترقون [ ص: 238 ] وتؤخذ أموالهم والحكم في أهل القبلة مباين لهذا قد يحل دم الزاني منهم والقاتل ولا يحل من مالهما شيء وذلك لجنايتهما ولا جناية على أموالهما والباغي أخف حالا منهما لأنه يقال للزاني المحصن والقاتل هذا مباح الدم مطلقا لا استثناء فيه ولا يقال للباغي مباح الدم إنما يقال على الباغي أن يمنع من البغي فإن قدر على منعه منه بالكلام أو كان باغيا غير ممتنع مقاتل لم يحل قتاله وإن يقاتل فلم يخلص إلى دمه حتى يصير في غير معنى قتال بتولية أو أن يصير جريحا أو ملقيا للسلاح أو أسيرا لم يحل دمه فقال هذا الذي إذا كان هكذا حرم أو مثل حال الزاني والقاتل محرم المال قال ما الحجة عليه إلا هذا وما فوق هذا حجة ؟ فقلت هل الذي حمدت حجة عليك ؟ قال إني إنما آخذه لأنه أقوى لي وأوهن لهم ما كانوا يقاتلون فقلت فهل يعدو ما أخذت من أموالهم أن تأخذ مال قتيل قد صار ملكه لطفل أو كبير لم يقاتلك قط فتقوى بمال غائب عنك غير باغ على باغ يقاتلك غيره أو مال جريح أو أسير أو مول قد صاروا في غير معنى أهل البغي الذين يحل قتالهم وأموالهم أو مال رجل يقاتلك يحل لك دفعه وإن أتى الدفع على نفسه ولا جناية على ماله أو رأيت لو سبى أهل البغي قوما من المسلمين أنأخذ من أموالهم ما نستعين به على قتال أهل البغي لنستنقذهم فنعطيهم باستنقاذهم خيرا مما نستمتع به من أموالهم ؟ .
قال لا قلت وقليل الاستمتاع بأموال الناس محرم ؟ قال نعم قلت فما أحل لك الاستمتاع بأموال أهل البغي حتى تنقضي الحرب ثم استمتعت بالكراع والسلاح دون الطعام والثياب ، والمال غيرهما ؟ قال فما فيه قياس وما القياس فيه إلا ما قلت ولكني قلته خبرا قلت وما الخبر ؟ قال بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه غنم ما في عسكر من قاتله فقلت له قد رويتم أن عليا عرف ورثة أهل النهروان حتى تغيب قدر أو مرجل أفسار على علي بسيرتين إحداهما غنم والأخرى لم يغنم فيها ؟ قال لا ولكن أحد الحديثين وهم قلت فأيهما الوهم ؟ قال ما تقول أنت ؟ قلت ما أعرف منهما واحدا ثابتا عنه فإن عرفت الثابت فقل بما يثبت عنه قال ماله أن يغنم أموالهم قلت ألأن أموالهم محبة ؟ قال نعم فقلت فقد خالفت الحديثين عنه وأنت لا تغنم وقد زعمت أنه غنم ولا تترك وقد زعمت أنه ترك قال إنما استمتع بها في حال قلت فالمحظور يستمتع به فيما سوى هذا ؟ قال لا قلت أفيجوز أن يكون شيئان محظوران فيستمتع بأحدهما ويحرم الاستمتاع بالآخر بلا خبر ؟ قال لا قلت فقد أجزته .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلت له أرأيت لو وجدت لهم دنانير أو دراهم تقويك عليهم أتأخذها ؟ قال لا قلت فقد تركت ما هو أشد لك عليهم تقوية من السلاح والكراع في بعض الحالات قال فإن صاحبنا يزعم أنه لا يصلي على قتلى أهل البغي فقلت له ولم ؟ وصاحبك يصلي على من قتله في حد والمقتول في حد يجب على صاحبك قتله ولا يحل له تركه والباغي يحرم على صاحبك قتله موليا وراجعا عن البغي فإذا ترك صاحبك الصلاة على أحدهما دون الآخر كان من لا يحل له إلا قتله أولى أن يترك الصلاة عليه ؟ قال كأنه ذهب إلى أن ذلك عقوبة ليتنكل غيره عن مثل ما صنع قلت أو يعاقبه صاحبك بما لا يسعه أن يعاقبه به ؟ فإذا كان ذلك جائزا فليصلبه أو ليحرقه فهو أشد في العقوبة من ترك الصلاة عليه أو يجز رأسه فيبعث به ؟ قال لا يفعل به من هذا شيئا قلت وهل يبالي من قاتلك على أنك كافر أن لا تصلي عليه وهو يرى صلاتك لا تقربه إلى الله تعالى ؟ وقلت صاحبك لو غنم مال الباغي كان أبلغ في تنكيل الناس حتى لا يصنعوا مثل ما صنع الباغي قال ما ينكل أحد بما ليس له أن ينكل به قلت فقد فعلت وقلت له أتمنع الباغي أن تجوز شهادته أو يناكح أو يوارث أو شيئا مما يجوز لأهل الإسلام ؟ قال لا قلت قال فكيف منعته الصلاة وحدها ؟ أبخبر ؟ لا قلت فإن قال لك قائل أصلي عليه وأمنعه أن يناكح أو يوارث قال ليس له أن [ ص: 239 ] يمنعه شيئا مما لا يمنعه المسلم إلا بخبر قلت فقد منعه الصلاة بلا خبر وقال إذا قتل العادل أخاه وأخوه باغ ورثه لأن له قتله وإذا قتله أخوه لم يرثه لأنه ليس له قتله فقلت له فقد زعم بعض أصحابنا أن من قتل أخاه عمدا لم يرث من ماله ولا من دينه إن أخذت منه شيئا ومن قتله خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته شيئا لأنه لا يتهم على أن يكون قتله ليرث ماله وروى هذا عمرو بن شعيب يرفعه فقلت حديث عمرو بن شعيب ضعيف لا تقوم به حجة وقلت إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم { ليس لقاتل شيء } هذا على من لزمه اسم القتل أيما كان تعمد القتل أو مرفوعا عنه الإثم بأن عمد غرضا فأصاب إنسانا فكيف لم يقل بهذا في القتيل من أهل البغي والعدل فيقول كل من يلزمه اسم قاتل فلا يرث كما احتججت علينا ؟ وأنت أيضا تسوي بينهما في القتل فتقول لا أقيد واحدا منهما من صاحبه وإن كان أحدهما ظالما لأن كلا متأول قال فإن صاحبنا قال نقاتل أهل البغي ولا يدعون لأنهم يعرفون ما يدعون إليه وقال حجتنا فيه أن من بلغته الدعوة من أهل الحرب جاز أن يقاتل ولا يدعى فقلت له لو قاس غيرك أهل البغي بأهل الحرب كنت شبيها بالخروج إلى الإسراف في تضعيفه كما رأيتك تفعل في أقل من هذا قال وما الفرق بينهم ؟ .
قلت أرأيت أهل البغي إذا أظهروا إرادة الخروج علينا والبراءة منا واعتزلوا جماعتنا أتقتلهم في هذه الحال ؟ قال لا فقلت ولا نأخذ لهم مالا ولا نسبي لهم ذرية ؟ قال لا قلت أفرأيت أهل الحرب إذا كانوا في ديارهم لا يهمون بنا ولا يعرضون بذكرنا أهل قوة على حربنا فتركوها أو ضعف عنها فلم يذكروها أيحل لنا أن نقاتلهم نياما كانوا أو مولين ومرضى ونأخذ ما قدرنا عليه من مال وسبي نسائهم وأطفالهم ورجالهم ؟ قال نعم قلت وما يحل منهم مقاتلين مقبلين ومدبرين مثل ما يحل منهم تاركين للحرب غافلين ؟ قال نعم قلت وأهل البغي مقبلين يقاتلون ويتركون مولين فلا يؤخذ لهم مال ؟ قال نعم قلت أفتراهم يشبهونهم ، قال إنهم ليفارقونهم في بعض الأمور قلت بل في أكثرها أو كلها قال فما معنى دعوتهم ؟ قلت قد يطلبون الأمر ببعض الخوف والإرعاد فيجتمعون ويعتقدون ويسألون عزل العامل ويذكرون جوره أو رد مظلمته أو ما أشبه هذا فيناظرون فإن كان ما طلبوا حقا أعطوه وإن كان باطلا أقيمت الحجة عليهم فيه فإن تفرقوا قبل هذا تفرقا لا يعودون له فذاك وإن أبوا إلا القتال قوتلوا وقد اجتمعوا في زمان عمر بن عبد العزيز فكلمهم فتفرقوا بلا حرب وقلت له وإذا كانوا عندنا وعندك إذا قاتلوا فأكثروا القتل ثم ولوا لم يقتلوا مولين لحرمة الإسلام مع عظم الجناية فكيف تبيتهم فتقتلهم قبل قتالهم ودعوتهم وقد يمكن فيهم الرجوع بلا سفك دم ولا مؤنة أكثر من الكلام ورد مظلمة إن كانت يجب على الإمام ردها إذا علمها قبل أن يسألها .
الأمان
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال بعض الناس يجوز أمان المرأة المسلمة ، والرجل المسلم لأهل الحرب فأما العبد المسلم فإن أمن أهل بغي أو حرب وكان يقاتل أجزنا أمانه كما نجيز أمان الحر وإن كان لا يقاتل لم نجز أمانه ، فقلت له لم فرقت بين العبد يقاتل ولا يقاتل ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } فقلت له هذه الحجة عليك ، قال ومن أين ؟ قلت إن زعمت أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { يسعى بذمتهم [ ص: 240 ] أدناهم } على الأحرار دون المماليك فقد زعمت أن المملوك يؤمن وهو خارج من الحديث ، قال ما هو خارج من الحديث وإنه ليلزمه اسم الإيمان ، فقلت له فإن كان داخلا في الحديث فكيف زعمت أنه لا يجوز أمانه إذا لم يقاتل ؟ قال إنما يؤمن المقاتلين مقاتل ، قلت ورأيت ذلك استثناء في الحديث أو وجدت عليه دلالة منه ؟ قال كان العقل يدل على هذا قلت ليس كما تقول الحديث والعقل معا يدلان على أنه يجوز أمان المؤمن بالإيمان لا بالقتال ولو كان كما قلت كنت قد خالفت أصل مذهبك قال ومن أين ؟ قلت زعمت أن المرأة تؤمن ، فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل يؤمن فيجوز أمانه وكان يلزمك في هذين على أصل ما ذهبت إليه أن لا يجوز أمانهما لأنهما لا يقاتلان قال فإني أترك هذا كله فأقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال تتكافأ دماؤهم فدية العبد أقل من دية الحر فليس بكفء بدمه لدمه ، فقلت له القول الذي صرت إليه أبعد من الصواب من القول الذي بان لك تناقض قولك فيه ، قال ومن أين ؟ قلت أتنظر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تتكافأ دماؤهم " إلى القود أم إلى الدية ؟ قال إلى الدية ، قلت فدية المرأة نصف دية الرجل وأنت تجيز أمانها ، ودية بعض العبيد عندك أكثر من دية المرأة فلا تجيز أمانه ؟ .
وقد يكون العبد لا يقاتل أكثر دية من العبد يقاتل ولا تجيز أمانه ويكون العبد يقاتل عن مائة درهم فتجيز أمانه فقد تركت أصل مذهبك في إجازة أمان العبد المقاتل يساوي مائة درهم وفي المرأة ، قال : فإن قلت إنما عنى " تتكافأ دماؤهم " في القود ، قلت فقله قال فقد قلت فأنت تقيد بالعبد الذي لا يساوي عشرة دنانير الحر ديته ألف دينار كان العبد ممن يحسن قتالا أو لا يحسنه ، قال إني لأفعل وما هذا على القود قلت أجل ولا على الدية ولا على القتال ، ولو كان على شيء من ذلك كنت قد تركته كله ، قال فعلام هو ؟ قلت على اسم الإيمان قال وإذا أسر أهل البغي أهل العدل وكان أهل العدل فيهم تجار فقتل بعضهم بعضا أو استهلك بعضهم لبعض مالا لم يقتص لبعضهم من بعض ولم يلزم بعضهم لبعض في ذلك شيء لأن الحكم لا يجري عليهم ، وكذلك إن كانوا في دار حرب ، فقلت له أتعني أنهم في حال شبهة بجهالهم وتنحيهم عن أهل العلم وجهالة من هم بين ظهرانيه ممن أهل بغي أو مشركين ؟ قال لا ولو كانوا فقهاء يعرفون أن ما أتوا وما هو دونه محرم أسقطت ذلك عنهم في الحكم لأن الدار لا يجري عليها الحكم فقلت له إنما يحتمل قولك لا يجري عليها الحكم معنيين ، أحدهما أن تقول ليس على أهلها أن يعطوا أن يكون الحكم عليهم جاريا ، والمعنى الثاني أن يغلب أهلها عليها فيمنعوها من الحكم في الوقت الذي يصيب فيه هؤلاء الحدود فأيهما عنيت ؟ قال أما المعنى الأول فلا أقول به على أهلها أن يصيروا إلى جماعة المسلمين ويستسلموا للحكم وهم بمنعه ظالمون مسلمون كانوا أو مشركين ولكن إذا منعوا دارهم من أن يكون عليها طاعة يجري فيها الحكم كانوا قبل المنع مطيعين يجري عليهم الحكم أو لم يكونوا مطيعين قبله فأصاب المسلمون في هذه الدار حدودا بينهم أو لله لم تؤخذ منهم الحدود ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله عز وجل تأديتها فقلت له نحن وأنت تزعم أن القول لا يجوز إلا أن يكون خبرا أو قياسا معقولا فأخبرنا في أي المعنيين قولك ؟ قال قولي قياس لا خبر قلنا فعلام قسته ؟ قال على أهل دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا نقيد منهم ، قلت أتعني من المشركين ؟ قال : نعم . فقلت له أهل الدار من المشركين يخالفون التجار والأسارى فيهم في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا .
قال فأوجدنيه قلت أرأيت المشركين المحاربين لو سبى بعضهم بعضا ثم أسلموا أتدع السابي يتخول المسبي موقوفا له ؟ قال نعم : قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار ثم ظهرنا عليهم ، قال فلا يكون لهم أن يسترق بعضهم [ ص: 241 ] بعضا قلت أفرأيت أهل الحرب لو غزونا فقتلوا فينا ثم رجعوا إلى دارهم فأسلموا أو أسلموا قبل الرجوع أيكون على القاتل منهم قود ؟ قال : لا . قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار غير مكرهين ولا مشتبه عليهم ؟ قال : يقتلون قلت أفرأيت المسلمين أيسعهم أن يقصدوا قصد الأسارى والتجار من المسلمين ببلاد الحرب فيقتلونهم ؟ قال لا بل محرم عليهم ، قلت أفيسعهم ذلك في أهل الحرب ؟ قال : نعم قلت أرأيت الأسارى والتجار لو تركوا صلوات ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاؤها أو زكاة كان عليهم أداؤها ؟ قال : نعم قلت ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل في دار الإسلام ؟ قال : نعم قلت فإن كانت الدار لا تغير مما أحل الله لهم وحرم عليهم شيئا فيكون أسقطت عنهم حق الله عز وجل وحق الآدميين الذي أوجبه الله عز وجل فيما أتوا في الدار التي لا تغير عندك شيئا .
ثم قلت ولا يحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره ؟ وما كان لا يحل لهم حبسه كان على السلطان استخراجه منهم عندك في غير هذا الموضع ، فقال فإني أقيسهم على أهل البغي الذين أبطل ما أصابوا إذا كان الحكم لا يجري عليهم ، قلت ولو قستهم بأهل البغي كنت قد أخطأت القياس ، قال وأين ؟ قلت أنت تزعم أن أهل البغي ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكمهم يقاد منهم في كل ما أصابوا وتقام عليهم الحدود والأسارى والتجار لا إمام لهم ولا امتناع فلو قستهم بأهل البغي كان الذي تقيم عليه الحدود من أهل البغي أشبه بهم لأنه غير ممتنع بنفسه وهم غير ممتنعين بأنفسهم وأهل البغي عندك إذا قتل بعضهم بعضا بلا شبهة ثم ظهرت عليهم أقدتهم وأخذت لبعضهم من بعض ما ذهب لهم من مال ، فقال ولكن الدار ممنوعة من أن يجرى عليها الحكم بغيرهم فإنما منعتهم بأن الدار لا يجرى عليها الحكم ، فقلت له فأنت إن قستهم بأهل الحرب والبغي مخطئ وإنما كان ينبغي أن تبتدئ بالذي رجعت إليه ، قال فيدخل علي في الذي رجعت إليه شيء ؟ قلت نعم قال وما هو ؟ قلت أرأيت الجماعة من أهل القبلة يحاربون فيمتنعون في مدينة أو صحراء فيقطعون الطريق ويسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويأتون الحدود ؟ قال يقام هذا كله عليهم قلت ولم وقد منعوا هم بأنفسهم دارهم ومواضعهم حتى صاروا لا تجري الأحكام عليهم ؟ وإن كنت إنما ذهبت إلى أنه أسقط الحكم عن المسلمين امتناع الدار فهؤلاء منعوا الدار بأنفسهم من أن يجرى عليها حكم وقد أجريت عليهم الحكم فلم أجريته على قوم في دار ممنوعة من القوم وأسقطته عن آخرين ؟ وإن كنت قلت يسقط عن أهل البغي فأولئك قوم متأولون مع المنعية مشبه عليهم يرون أن ما صنعوا مباح لهم والأسارى والتجار الذين أسقطت عنهم الحدود يرون ذلك محرما عليهم ؟ فإنما قلت هذا في المحاربين من أهل القبلة بأن الله تعالى حكم عليهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قلت له أفيحتمل أن يكون الحكم عليهم إن كانوا غير ممتنعين ؟ قال نعم ويحتمل وكل شيء إلا وهو يحتمل ولكن ليس في الآية دلالة عليه والآية على ظاهرها حتى تأتي دلالة على باطن دون ظاهر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قلت له ومن قال بباطن دون ظاهر بلا دلالة له في القرآن والسنة أو الإجماع مخالف للآية قال نعم فقلت له فأنت إذا تخالف آيات من كتاب الله عز وجل قال وأين ؟ قلت قال الله تبارك وتعالى { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال الله تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وقال عز ذكره { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } فزعمت في هذا وغيره أنك تطرحه عن الأسارى والتجار بأن يكونوا في دار ممتنعة ولم تجد دلالة على هذا في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع فتزيل ذلك عنهم بلا دلالة وتخصهم بذلك دون غيرهم وقال بعض الناس لا ينبغي لقاضي أهل البغي أن [ ص: 242 ] يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس وإذا ظهر الإمام على البلد الذي فيه قاض لأهل البغي لم يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغي وإن حكم على غير أهل البغي فلا ينبغي للإمام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أموال الناس بما لا يحل له .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا إنفاذ حكمه ، وحكمه أكثر من كتابه فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الأكثر ويرد كتابه وهو الأقل ؟ وقال من خالفنا إذا قتل العادل أباه ورثه وإذا قتل الباغي لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال هما سواء يتوارثان لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لأنهما قاتلان .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الذي هو أشبه بمعنى الحديث أنهما سواء لا يتوارثان ويرثهما غيرهما من ورثتهما .
( قال الشافعي ) قال من خالفنا يستعين الإمام على أهل البغي بالمشركين إذا كان حكم المسلمين ظاهرا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له إن الله عز وجل أعز بالإسلام أهله فخولهم من خالفهم بخلاف دينه فجعلهم صنفين صنفا مرقوقين بعد الحرية وصنفا مأخوذا من أموالهم ما فيه لأهل الإسلام المنفعة صغارا غير مأجورين عليه ومنعهم من أن ينالوا نكاح مسلمة وأباح نساء حرائر أهل الكتاب للمسلمين ثم زعمت أن لا يذبح النسك إذا كان تقربا إلى الله جل ذكره أحد من أهل الكتاب فكيف أجزت أن تجعل المشرك في منزلة ينال بها مسلما حتى يسفك بها دمه وأنت تمنعه من أن تسلطه على شاته التي يتقرب بها إلى ربه ؟ قال حكم الإسلام هو الظاهر قلت : والمشرك هو القاتل والمقتول قد مضى عنه الحكم وصيرت حتفه بيدي من خالف دين الله عز وجل ولعله يقتله بعداوة الإسلام وأهله في الحال التي لا تستحل أنت فيها قتله .
( قال الشافعي ) وقلت له أرأيت قاضيا إن استقضى تحت يده قاضيا هل يولي ذميا مأمونا أن يقضي في حزمة بقل وهو يسمع قضاءه فإن أخطأ الحق رده ؟ قال : لا قلت ولم ؟ وحكم القاضي الظاهر ؟ قال وإن . فإن عظيما أن ينفذ على مسلم شيء بقول ذمي قلت : إنه بأمر مسلم ، قال وإن كان كذلك فالذمي موضع حاكم فقلت له أفتجد الذمي في قتال أهل البغي قاتلا في الموضع الذي لا يصل الإمام إلى أن يأمره بقتل إن رآه ولا كف ؟ قال إن هذا كما وصفت ولكن أصحابنا احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بالمشركين على المشركين قلت : ونحن نقول لك استعن بالمشركين على المشركين لأنه ليس في المشركين عز محرم أن نذله ولا حرمة حرمت إلا أن نستبقيها كما يكون في أهل دين الله عز وجل ولو جاز أن يستعان بهم على قتال أهل البغي في الحرب كان أن يمضوا حكما في حزمة بقل أجوز وقلت له : ما أبعد ما بين أقاويلك قال في أي شيء ؟ قلت أنت تزعم أن المسلم والذمي إذا تداعيا ولذا جعلت الولد للمسلم وحجتهما فيه واحدة لأن الإسلام أولى بالولد قبل أن يصف الولد الإسلام . وزعمت أن أحد الأبوين إذا أسلم كان الولد مع أيهما أسلم تعزيرا للإسلام فأنت في هذه المسألة تقول هذا وفي المسألة قبلها تسلط المشركين على قتل أهل الإسلام .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (179)
صــــــــــ 243 الى صـــــــــــ249
كتاب السبق والنضال أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال : جماع ما يحل أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه أحدها ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم دفعه من جناياتهم وجنايات من يعقلون عنه ، وما وجب عليهم بالزكاة والنذور والكفارات وما أشبه [ ص: 243 ] ذلك ، وما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع والإجارات والهبات للثواب وما في معناه وما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين أحدهما طلب ثواب الله تعالى ، والآخر طلب الاستحماد ممن أعطوه إياه وكلاهما معروف حسن ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء الله تعالى ، ثم ما أعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه وما في معناها واحد من وجهين أحدهما حق والآخر باطل فما أعطوا من الباطل غير جائز لهم ولا لمن أعطوه وذلك قول الله عز وجل { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } فالحق من هذا الوجه الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت يدل على الحق في نفسه وعلى الباطل فيما خالفه ، وأصل ذكره في القرآن والسنة والآثار ، قال الله تبارك وتعالى فيما ندب إليه أهل دينه { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة هي الرمي ، وقال الله تبارك وتعالى { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف } .
( قال الشافعي ) وأخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا سبق إلا في حافر أو خف } قال : وأخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال : مضت السنة في النصل والإبل والخيل والدواب حلال : قال : وأخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل } يجمع معنيين أحدهما أن كل نصل رمي به من سهم أو نشابة أو ما ينكأ العدو نكايتهما وكل حافر من خيل وحمير وبغال وكل خف من إبل بخت أو عراب داخل في هذا المعنى الذي يحل فيه السبق . والمعنى الثاني أنه يحرم أن يكون السبق إلا في هذا : وهذا داخل في معنى ما ندب الله عز وجل إليه وحمد عليه أهل دينه من الإعداد لعدوه القوة ورباط الخيل والآية الأخرى { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها والغنيمة عليها كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها فالاستباق فيها حلال وفيما سواها محرم فلو أن رجلا سابق رجلا على أن يتسابقا على أقدامهما أو سابقه على أن يعدو إلى رأس جبل أو على أن يعدو فيسبق طائرا ، أو على أن يصيب ما في يديه ، أو على أن يمسك في يده شيئا فيقول له اركن فيركن فيصيبه ، أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو أكثر منها ، أو على أن يصارع رجلا ، أو على أن يداحي رجلا بالحجارة فيغلبه كان هذا كله غير جائز من قبل أنه خارج من معاني الحق الذي حمد الله عليه وخصته السنة بما يحل فيه السبق وداخل في معنى ما حظرته السنة إذ نفت السنة أن يكون السبق إلا في خف أو نصل أو حافر وداخل في معنى أكل المال بالباطل لأنه ليس مما أخذ المعطي عليه عوضا ولا لزمه بأصل حق ولا أعطاه طلبا لثواب الله عز وجل ولا لمحمدة صاحبه بل صاحبه يأخذه غير حامد له وهو غير مستحق له فعلى هذا عطايا الناس وقياسها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من مال متطوعا به وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غاية إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما وإن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع والذي يليه بقدر ما أرى فما جعل لهم كان لهم على ما جعل لهم وكان مأجورا ، عليه أن يؤدي فيه وحلالا لمن أخذه . وهذا وجه ليست فيه علة . والثاني يجمع وجهين وذلك أن يكون الرجلان يريدان يستبقان بفرسيهما ولا يريد كل [ ص: 244 ] واحد منهما أن يسبق صاحبه ويريدان أن يخرجا سبقين من عندهما وهذا لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا ، والمحلل فارس أو أكثر من فارس ولا يجوز المحلل حتى يكون كفؤا للفارسين لا يأمنان أن يسبقهما فإذا كان بينهما محلل أو أكثر فلا بأس أن يخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه مائة مائة أو أكثر أو أقل ويتواضعانها على يدي من يثقان به أو يضمنانها ويجري بينهما المحلل فإن سبقهما المحلل كان ما أخرجا جميعا له وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد منهما من صاحبه شيئا وأقل السبق أن يفوت أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه .
( قال الربيع ) الهادي عنق الفرس والكتد كتف الفرس والمصلي هو الثاني والمحلل هو الذي يرمي معي ومعك ويكون كفؤا للفارسين فإن سبقنا المحلل أخذ منا جميعا وإن سبقناه لم نأخذ منه شيئا لأنه محلل وإن سبق أحدنا صاحبه وسبقه المحلل أخذ المحلل منه السبق ولم يأخذ مني لأني قد أخذت سبقي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان هذا في الاثنين هكذا فسواء لو كانوا مائة أخرج كل واحد منهم مثل ما يخرج صاحبه وأدخلوا بينهم محللا إن سبق كان له جميع ذلك وإن سبق لم يكن عليه شيء وإنما قلنا هذا لأن أصل السنة في السبق أن يكون بين الخيل وما يجري فإن سبق غنم وإن سبق لم يغرم وهكذا هذا في الرمي والثالث أن يسبق أحد الفارسين صاحبه فيكون السبق منه دون صاحبه فإن سبقه صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئا وأحرز هو ماله وسواء لو أدخل معه عشرة هكذا ولا يجوز أن يجري الرجل مع الرجل يخرج كل واحد منها سبقا ويدخلان بينهما محللا إلا والغاية التي يجريان منها والغاية التي ينتهيان إليها واحدة ولا يجوز أن ينفصل أحدهما عن الآخر بخطوة واحدة .
ما ذكر في النضال
( قال الشافعي ) رحمه الله : والنضال فيما بين الاثنين يسبق أحدهما الآخر والثالث بينهما المحلل كهو في الخيل لا يختلفان في الأصل فيجوز في كل واحد منهما ما جاز في الآخر ويرد فيهما ما يرد في الآخر ثم يتفرعان فإذا اختلفت عللهما اختلفا ، وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن يجعلا بينهما قرعا معروفا خواسق أو حوابي فهو جائز إذا سميا الغرض الذي يرميانه ، وجائز أن يتشارطا ذلك محاطة أو مبادرة فإذا تشارطاه محاطة فكلما أصاب أحدهما بعدد وأصاب الآخر بمثله سقط كل واحد من العددين واستأنفا عددا كأنهما أصابا بعشرة أسهم عشرة سقطت العشرة بالعشرة ولا شيء لواحد منهما على صاحبه ولا يعتد كل واحد منهما على صاحبه إلا بالفضل من إصابته على إصابة صاحبه وهذا من حين يبتدئان السبق إلى أن يفرغا منه وسواء كان لأحدهما فضل عشرين سهما ثم أصاب معه صاحبه بسهم حط منهما سهم ثم كلما أصاب حطه حتى يخلص له فضل العدد الذي شرط فينضله
وإن وقف وقرع بينهما من عشرين خاسقا وله فضل تسعة عشر فأصاب بسهم وقفنا المفلوج وأمرنا الآخر بالرمي حتى [ ص: 245 ] ينفذ ما في أيديهما في رشقها فإن حطه المفلوج عليه بطل فلجه وإن أنفد ما في يديه وللآخر في ذلك الرشق عشرون لم يكلف أن يرمي معه وكان قد فلج عليه .
وإن تشارطا أن القرع بينهما حواب كان الحابي قرعة والخاسق قرعتين ويتقايسان إذا أخطآ في الوجه معا فإن كان أحدهما أقرب من صاحبه بسهم فأكثر عدد ذلك عليه ، وإن كان أقرب منه بسهم ثم الآخر أقرب بأسهم بطلت أسهمه الذي هو أقرب به لا يعد القرب لواحد ولا أكثر وثم واحد أقرب منه ، وكذلك لو كان أحدهما أقرب بسهم حسبناه له والآخر أقرب بخمسة أسهم بعد ذلك السهم لم نحسبها له إنما نحسب له الأقرب فأيهما كان أقرب بواحد حسبناه له وإن كان أقرب بأكثر وإن كان أقرب بواحد ثم الآخر بعده أقرب بواحد ثم الأول الذي هو أقربهما أقرب بخمسة أسهم لم يحسب له من الخمسة من قبل أن لمناضله سهما أقرب منها ، وإن كان أقرب بأسهم فأصاب صاحبه بطل القرب لأن المصيب أولى من القريب إنما يحسب القريب لقربه من المصيب ولكن إن أصاب أحدهما وأخلى الآخر حسب للمصيب صوابه ثم نظر في حوابيهما فإن كان الذي لم يصب أقرب بطل قربه بمصيب مناضله فإن كان المصيب أقرب حسب له من نبله ما كان أقرب مع مصيبه لأنا إذا حسبنا له ما قرب من نبله مع غير مصيبه كانت محسوبة مع مصيبه ، وقد رأيت من أهل الرمي من يزعم أنهم إنما يتقايسون في القرب إلى موضع العظم ، وموضع العظم وسط الشن والأرض ولست أرى هذا يستقيم في القياس فالقياس أن يتقاربوا إلى الشن من قبل أن الشن موضع الصواب وقد رأيت منهم من يقايس بين النبل في الوجه والعواضد يمينا وشمالا ما لم يجاوز الهدف فإذا جاوز الهدف أو الشن أو كان منصوبا ألغوها فلم يقايسوا بها ما كان عضدا أو كان في الوجه ولا يجوز هذا في القياس فالقياس أن يقاس به خارجا أو ساقطا أو عاضدا أو كان في الوجه وهذا في المبادرة مثله في المحاطة لا يختلفان ، والمبادرة أن يسميا قرعا ثم يحسب لكل واحد منهما صوابه إن تشارطوا الصواب وحوابيه إن تشارطوا الحوابي مع الصواب ثم أيهما سبق إلى ذلك العدد كان له الفضل
( قال الربيع : الحابي الذي يصيب الهدف ولا يصيب الشن ) فإذا تقايسا بالحوابي فاستوى حابياهما تباطلا في ذلك الوجه فلم يتعادا لأنا إنما نعاد من كل واحد منهما ما كان أقرب به وليس واحد منهما بأقرب من صاحبه ، وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه أو سبق رجل بين رجلين فقد رأيت من الرماة من يقول صاحب السبق أولى أن يبدأ والمسبق يبدئ أيهما شاء ولا يجوز في القياس أن يتشارطا أيهما يبدأ فإن لم يفعلا اقترعا ، والقياس أن لا يرميا إلا عن شرط وإذا بدأ أحدهما من وجه بدأ الآخر من الوجه الذي يليه ويرمي البادئ بسهم ثم الآخر بسهم حتى ينفد نبلهما وإذا عرق أحدهما فخرج السهم من يده فلم يبلغ الغرض كان له أن يعود فيرمي به من قبل العارض فيه وكذلك لو زهق من قبل العارض فيه أعاده فرمى به وكذلك لو انقطع وتره فلم يبلغ أو انكسر قوسه فلم يبلغ كان له أن يعيده ، وكذلك لو أرسله فعرض دونه دابة أو إنسان فأصابهما كان له أن يعيده في هذه الحالات كلها ، وكذلك لو اضطربت به يداه أو عرض له في يديه ما لا يمضي معه السهم كان له أن يعود ، فأما إن جاز وأخطأ القصد فرمى فأصاب الناس أو أجاز من ورائهم فهذا سوء رمي منه ليس بعارض غلب عليه وليس له أن يعيده ، وإذا كان رميهما مبادرة فبدأ أحدهما فبلغ تسعة عشر من عشرين رمى صاحبه بالسهم الذي يراسله به ثم رمى البادئ فإن أصاب بسهمه ذلك فلج عليه ولم يرم الآخر بالسهم لأن أصل السبق مبادرة والمبادرة أن يفوت أحدهما الآخر وليست كالمحاطة .
وإذا تشارطا الخواسق فلا يحسب لرجل خاسق حتى يخرق الجلد ويكون متعلقا مثله ، وإن تشارطا المصيب فلو أصاب الشن ولم يخرقه حسب له لأنه مصيب ، وإذا [ ص: 246 ] تشارطا الخواسق والشن ملصق بهدف فأصاب ثم رجع ولم يثبت فزعم الرامي أنه خسق ثم رجع لغلظ لقيه من حصاة أو غيرها وزعم المصاب عليه أنه لم يخسق وأنه إنما قرع ثم رجع فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينهما بينة فيؤخذ بها ، وكذلك إن كان الشن باليا فيه خروق فأصاب موضع الخروق فغاب في الهدف فهو مصيب ، وإن لم يغب في الهدف ولم يستمسك بشيء من الشن ثم اختلفا فيه فالقول قول المصاب عليه مع يمينه
فإن أصاب طرفا من الشن فخرمه ففيها قولان : أحدهما : أنه لا يحسب له خاسقا إذا كان شرطهما الخواسق إلا أن يكون بقي عليه من الشن طغية أو خيط أو جلد أو شيء من الشن يحيط بالسهم فيكون يسمى بذلك خاسقا لأن الخاسق ما كان ثابتا في الشن وقليل ثبوته وكثيره سواء ، ولا يعرف الناس إذا وجهوا بأن يقال هذا خاسق إلا أن الخاسق ما أحاط به المخسوق فيه ، ويقال للآخر خارم لا خاسق . والقول الآخر أن يكون الخاسق قد يقع بالاسم على ما أوهى الصحيح فخرقه فإذا خرق منه شيئا - قل أو كثر ببعض النصل - فهو خاسق لأن الخسق الثقب وهذا قد ثقب وإن خرم .
وإن كان السهم ثابتا في الهدف وعليه جلدة من الشن أو طغية ليست بمحيطة فقال الرامي خرق هذه الجلدة فانخرمت أو هذه الطغية فانخرمت ، وقال المخسوق عليه إنما وقع في الهدف متغلغلا تحت هذه الجلدة أو الطغية اللتين هما طائرتان عما سواهما من الشن فالقول قوله مع يمينه ولا يحسب هذا خاسقا بحال في واحد من القولين ، ولو كان في الشن خرق فأثبت السهم في الخرق ثم ثبت في الهدف كان خاسقا لأنه إذا ثبت في الهدف فالشن أضعف منه .
ولو كان الشن منصوبا فرمى فأصاب ثم مرق السهم فلم يثبت كان عندي خاسقا ، ومن الرماة من لا يعده إذا لم يثبت ، ولو اختلفا فيه فقال الرامي أصاب ومار فخرج وقال المرمى عليه لم يصب أو أصاب حرف الشن بالقدح ثم مضى كان القول قوله مع يمينه .
ولو أصاب الأرض ثم ازدلف فخرق الشن فقد اختلفت الرماة فمنهم من أنبته خاسقا وقال بالرمية أصاب وإن عرض له دونها شيء فقد مضى بالنزعة التي أرسل بها ، ومنهم من زعم أن هذا لا يحسب له لأنه استحدث بضربته الأرض شيئا أحماه فهو غير رمي الرامي ولو أصاب وهو مزدلف فلم يخسق وشرطهم الخواسق لم يحسب في واحد من القولين خاسقا ، ولو كان شرطهما المصيب حسب في قول من يحسب المزدلف وسقط في قول من يسقطه .
( قال الربيع ) المزدلف الذي يصيب الأرض ثم يرتفع من الأرض فيصيب الشن ، ولو كان شرطهم المصيب فأصاب السهم حين تفلت غير مزدلف الشن بقدحه دون نصله لم يحسب لأن الصواب إنما هو بالنصل دون القدح ، ولو أرسله مفارقا للشن فهبت ريح فصرفته فأصاب حسب له مصيبا ، وكذلك لو صرفته عن الشن وقد أرسله مصيبا ، وكذلك لو أسرعت به وهو يراه قاصرا فأصاب حسب مصيبا ، ولو أسرعت به وهو يراه مصيبا فأخطأ كان مخطئا ولا حكم للريح يبطل شيئا ولا يحقه ليست كالأرض ولا كالدابة يصيبها ثم يزدلف عنها فيصيب ، ولو كان دون الشن شيء ما كان دابة أو ثوبا أو شيئا غيره فأصابه فهتكه ثم مر بحموته حتى يصيب الشن حسب في هذه الحالة لأن إصابته وهتكه لم يحدث له قوة غير النزع إنما أحدث فيه ضعفا .
ولو رمى والشن منصوب فطرحت الريح الشن أو أزاله إنسان قبل يقع سهمه كان له أن يعود فيرمي بذلك السهم لأن الرمية زالت ، وكذلك لو زال الشن عن موضعه بريح أو إزالة إنسان بعد ما أرسل السهم فأصاب الشن حيث زال لم يحسب له ، ولكنه لو أزيل فتراضيا أن يرمياه حيث أزيل حسب لكل واحد منهما صوابه ، ولو أصاب الشن ثم سقط فانكسر سهمه أو خرج بعد ثبوته حسب له خاسقا لأنه قد ثبت وهذا كنزع الإنسان إياه بعد ما يصيب .
ولو تشارطا أن الصواب إنما هو في الشن [ ص: 247 ] خاصة فكان للشن وتر يعلق به أو جريد يقوم عليه فأثبت السهم في الوتر أو في الجريد لم يحسب ذلك له لأن هذا وإن كان مما يصلح به الشن فهو غير الشن ، ولو لم يتشارطا فأثبت في الجريد أو في الوتر كان فيهما قولان ، أحدهما أن اسم الشن والصواب لا يقع على المعلاق لأنه يزايل الشن فلا يضر به وإنما يتخذ ليربط به كما يتخذ الجدار ليسند إليه وقد يزايله فتكون مزايلته غير إخراب له ويحسب ما ثبت في الجريد إذا كان الجريد مخيطا عليه لأن إخراج الجريد لا يكون إلا بضرر على الشن ، ويحسب ما ثبت في عرى الشن المخروزة عليه والعلاقة مخالفة لهذا ، والقول الثاني أن يحسب أيضا ما يثبت في العلاقة من الخواسق لأنها تزول بزواله في حالها تلك قال ولا بأس أن يناضل أهل النشاب أهل العربية وأهل الحسبان لأن كلها نبل وكذلك القسي الدودانية والهندية وكل قوس يرمى عنها بسهم ذي نصل ، ولا يجوز أن يتناضل رجلان على أن في يد أحدهما من النبل أكثر مما في يد الآخر ولا على أنه إذا خسق أحدهما حسب خاسقه خاسقين وخاسق الآخر ولا على أن لأحدهما خاسقا ثابتا لم يرم به يحسب مع خواسقه ولا على أنه يطرح من خواسق أحدهما خاسق ولا على أن أحدهما يرمي من عرض والآخر من أقرب منه ولا يجوز أن يرميا إلا من عرض واحد وبعدد نبل واحد وأن يستبقا إلى عدد قرع لا يجوز أن يقول أحدهما أسابقك على أن آتي بواحد وعشرين خاسقا فأكون ناضلا إن لم تأت بعشرين ولا تكون ناضلا إن جئت بعشرين قبل أن آتي بواحد وعشرين حتى يكونا مستويين معا ولا يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر أن لا يرمي إلا بنبل بأعيانها إن تغيرت لم يبدلها ولا إن أنفذ سهما أن لا يبدله ولا على أن يرمي بقوس بعينها لا يبدلها ولكن يكون ذلك إلى الرامي يبدل ما شاء من نبله وقوسه ما كان عدد النبل والغرض والقرع واحدا ، وإن انتضلا فانكسرت نبل أحدهما أو قوسه أبدل نبلا وقوسا ، وإن انقطع وتره أبدل وترا مكان وتره ، ومن الرماة من زعم أن المسبق إذا سمى قرعا يستبقان إليه أو يتحاطانه فكانا على السواء أو بينهما زيادة سهم كان للمسبق أن يزيد في عدد القرع ما شاء ، ومنهم من زعم أنه ليس له أن يزيد في عدد القرع ما لم يكونا سواء ومنهم من زعم أنهما إذا رميا على عدد قرع لم يكن للمسبق أن يزيد فيه بغير رضا المسبق ولا خير في أن يجعل خاسق في السواد بخاسقين في البياض إلا أن يتشارطا أن الخواسق لا تكون إلا في السواد ، فيكون بياض الشن كالهدف لا يحسب خاسقا وإنما يحسب حابيا ولا خير في أن يسميا قرعا معلوما فلا يبلغانه ويقول أحدهما للآخر إن أصبت بهذا السهم الذي في يدك فقد نضلت إلا أن يتناقضا السبق الأول ثم يجعل له جعلا معروفا على أن يصيب بسهم ولا بأس على الابتداء أن يقف عليه فيقول إن أصبت بسهم فلك كذا وإن أصبت بأسهم فلك كذا وكذا فإن أصاب بها فذلك له وإن لم يصب بها فلا شيء له لأن هذا سبق على غير نضال ، ولكن لو قال له ارم عشرة أرشاق فناضل الخطأ بالصواب فإن كان صوابك أكثر فلك سبق كذا لم يكن في هذا خير لأنه لا يصلح أن يناضل نفسه وإذا رمى بسهم فانكسر فأصاب النصل حسب خاسقا وإن سقط الشق الذي فيه النصل دون الشن وأصاب بالقدح الذي لا نصل فيه لم يحسب ولو انقطع باثنين فأصاب بهما معا حسب له الذي فيه النصل وألغي عنه الآخر .
ولو كان في الشن نبل فأصاب بسهمه فوق سهم من النبل ولم يمض سهمه إلى الشن لم يحسب له لأنه لم يصب الشن وأعيد عليه فرمى به لأنه قد عرض له دون الشن عارض كما تعرض له الدابة فيصيبها فيعاد عليه وإذا سبق الرجل الرجل على أن يرمي معه فرمى معه ثم أراد المسبق أن يجلس فلا يرمي معه وللمسبق فضل أو لا فضل له أو عليه فضل فسواء لأنه قد يكون عليه الفضل ثم ينضل ويكون له الفضل ثم ينضل ، والرماة يختلفون في ذلك فمنهم من يجعل [ ص: 248 ] له أن يجلس ما لم ينضل ، وينبغي أن يقول هو شيء إنما يستحقه بغير غاية تعرف وقد لا يستحقه ويكون منضولا وليس بإجارة فيكون له حصته مما عمل ، ومنهم من يقول ليس له أن يجلس به إلا من عذر وأحسب العذر عندهم أن يموت أو يمرض المرض الذي يضر بالرمي أو يصيبه بعض ذلك في إحدى يديه أو بصره وينبغي إذا قالوا له هذا أن يقولوا فمتى تراضيا على أصل الرمي الأول فلا يجوز في واحد من القولين أن يشترط المسبق أن المسبق إذا جلس به كان السبق له به لأن السبق على النضل والنضل غير الجلوس وهذان شرطان وكذلك لو سبقه ولم يشترط هذا عليه ثم شرط هذا بعد السبق سقط الشرط ولا خير في أن يقول له أرمي معك بلا عدد قرع يستبقان إليه أو يتحاطانه ، ولا خير في أن يسبقه على أنهما إذا تفالجا أعاد عليه وإن سبقه ونيتهما أن يعيد كل واحد منهما على صاحبه فالسبق غير فاسد وأكره لهما النية إنما أنظر في كل شيء إلى ظاهر العقد فإذا كان صحيحا أجزته في الحكم وإن كانت فيه نية لو شرطت أفسدت العقد لم أفسده بالنية لأن النية حديث نفس وقد وضع الله عن الناس حديث أنفسهم وكتب عليهم ما قالوا وما عملوا .
وإذا سبق أحد الرجلين الآخر على أن لا يرمي معه إلا بنبل معروف أو قوس معروفة فلا خير في ذلك حتى يكون السبق مطلقا من قبل أن القوس قد تنكسر وتعتل فيفسد عنها الرمي فإن تشارطا على هذا فالشرط يبطل السبق بينهما ولا بأس أن يرمي الناشب مع صاحب العربية وإن سابقه على أن يرمي معه بالعربية رمى بأي قوس شاء من العربية وإن أراد أن يرمي بغير العربية من الفارسية لم يكن له ذلك لأن معروفا أن الصواب عن الفارسية أكثر منه عن العربية وكذلك كل قوس اختلفت . وإنما فرقنا بين أن لا نجيز أن يشترط الرجل على الرجل أن لا يرمي إلا بقوس واحدة أو نبل وأجزنا ذلك في الفرس إن سابقه بفرس واحد لأن العمل في السبق في الرمي إنما هو للرامي والقوس والنبل أداة فلا يجوز أن يمنع الرمي بمثل القوس والنبل الذي شرط أن يرمي بها فيدخل عليه الضرر بمنع ما هو أرفق به من أداته التي تصلح رميه والفرس نفسه هو الجاري المسبق ولا يصلح أن يبدله صاحبه وإنما فارسه أداة فوقه ولكنه لو شرط عليه أن لا يجريه إلا إنسان بعينه لم يجز ذلك ولو أجزنا أن يراهن رجل رجلا بفرس بعينه فيأتي بغيره أجزنا أن يسبق رجل رجلا ثم يبدل مكانه رجلا يناضله ولكن لا يجوز أن يكون السبق إلا على رجل بعينه ولا يبدله بغيره وإذا كان عن فرس بعينه فلا يبدل غيره ولا يصلح أن يمنع الرجل أن يرمي بأي نبل أو قوس شاء إذا كانت من صنف القوس التي سابق عليها ولا أرى أن يمنع صاحب الفرس أن يحمل على فرسه من شاء لأن الفارس كالأداة للفرس والقوس والنبل كالأداة للرامي . ولا خير في أن يشترط المتناضلان أحدهما على صاحبه ولا كل واحد منهما على صاحبه أن لا يأكل لحما حتى يفرغ من السبق ولا أن يفترش فراشا .
وكذلك لا يصلح أن يقول المتسابقان بالفرس لا يعلف حتى يفرغ يوما ولا يومين لأن هذا شرط تحريم المباح والضرر على المشروط عليه وليس من النضال المباح .
وإذا نهى الرجل أن يحرم على نفسه ما أحل الله له لغير تقرب إلى الله تعالى بصوم كان أو يشرط ذلك عليه غيره أولى أن يكون منهيا عنه ولا خير في أن يشترط الرجل على الرجل أن يرمي معه بقرع معلوم على أن للمسبق أن يعطيه ما شاء الناضل أو ما شاء المنضول ولا خير في ذلك حتى يكون بشيء معلوم مما يحل في البيع والإجارات . ولو سبقه شيئا معلوما على أنه إن نضله دفعه إليه وكان له عليه أن لا يرمي أبدا أو إلى مدة من المدد لم يجز لأنه يشترط عليه أن يمتنع من المباح له . ولو سبقه دينارا على أنه إن نضله كان ذلك الدينار له وكان له عليه أن يعطيه صاع حنطة بعد شهر كان هذا سبقا جائزا إذا كان ذلك كله من مال المنضول ولكنه لو سبقه [ ص: 249 ] دينارا على أنه إن نضله أعطاه المنضول ديناره وأعطى الناضل المنضول مد حنطة أو درهما أو أكثر أو أقل لم يكن هذا جائزا من قبل أن العقد قد وقع منه على شيئين شيء يخرجه المنضول جائزا في السنة للناضل وشيء يخرجه الناضل فيفسد من قبل أنه لا يصلح أن يتراهنا على النضال لا محلل بينهما لأن التراهن من القمار ولا يصلح لأن شرطه أن يعطيه المد ليس ببيع ولا سبق فيفسد من كل وجه ولو كان علي لك دينار فسبقتني دينارا فنضلتك فإن كان دينارك حالا فلك أن تقاصني وإن كان إلى أجل فعليك أن تعطيني الدينار وعلي إذا حل الأجل أن أعطيك دينارك ولو سبقه دينارا فنضله إياه ثم أفلس كان أسوة الغرماء لأنه حل في ماله بحق أجازته السنة فهو كالبيوع والإجارات ولو سبق رجل رجلا دينارا إلا درهما أو دينارا إلا مدا من حنطة كان السبق غير جائز لأنه قد يستحق الدينار وحصة الدرهم من الدينار عشر ولعل حصته يوم سبقه نصف عشره وكذلك المد من الحنطة وغيره .
ولا يجوز أن أسبقك ولا أن أشتري منك ولا أن أستأجر منك إلى أجل بشيء إلا شيئا يستثنى منه لا من غيره ولا أن أسبقك بمد تمر إلا ربع حنطة ولا درهم إلا عشرة أفلس ولكن إن استثنيت شيئا من الشيء الذي سبقته فلا بأس إذا سبقتك دينارا إلا سدسا فإنما سبقتك خمسة أسداس دينار وإن سبقتك صاعا إلا مدا فإنما سبقتك ثلاثة أمداد فعلى هذا الباب كله وقياسه ، قال : ولا خير في أن أسبقك دينارا على أنك إن نضلتنيه أطعمت به أحدا بعينه ولا بغير عينه ولا تصدقت به على المساكين كما لا يجوز أن أبيعك شيئا بدينار على أن تفعل هذا فيه ولا يجوز إذا ملكتك شيئا إلا أن يكون ملكك فيه تاما تفعل فيه ما شئت دوني
وإذا اختلف المتناضلان من حيث يرسلان وهما يرميان في المائتين يعني ذراعا فإن كان أهل الرمي يعلمون أن من رمى في هدف يقدم أمام الهدف الذي يرمي من عنده ذراعا أو أكثر حمل على ذلك إلا أن يتشارطا في الأصل أن يرميا من موضع بعينه فيكون عليهما أن يرميا من موضع شرطهما
وإن تشارطا أن يرميا في شيئين موضوعين أو شيئين يريانهما أو يذكران سيرهما فأراد أحدهما أن يعلق ما تشارطا على أن يضعاه أو يضع ما تشارطا على أن يعلقاه أو يبدل الشن بشن أكبر أو أصغر منه فلا يجوز له ويحمل على أن يرمي على شرطه
وإذا سبقه ولم يسم الغرض فأكره السبق حتى يسبقه على غرض معلوم وإذا سبقه على غرض معلوم كرهت أن يرفعه أو يخفضه دونه وقد أجاز الرماة للمسبق أن يرفع المسبق ويخفضه فيرمي معه رشقا وأكثر في المائتين ورشقا وأكثر في الخمسين والمائتين ورشقا وأكثر في الثلاثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يرمي به في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة ومن أجاز هذا أجاز له أن يبدل الشن وجعل هذا كله إلى المسبق ما لم يكونا تشارطا شرطا ، ويدخل عليه إذا كانا رميا أول يوم بعشرة أن يكون للمسبق أن يزيد في عدد النبل وينقص منها إذا استويا في حال أبدا جعلوا ذلك إليه .
ولا بأس أن يتشارطا أن يرميا أرشاقا معلومة كل يوم من أول النهار أو آخره ولا يتفرقان حتى يفرغا منها إلا من عذر بمرض لأحدهما أو حائل يحول دون الرمي والمطر عذر لأنه قد يفسد النبل والقسي ويقطع الأوتار ولا يكون الحر عذرا لأن الحر كائن كالشمس ولا الريح الخفيفة وإن كانت قد تصرف النبل بعض الصرف ولكن إن كانت الريح عاصفا كان لأيهما شاء أن يمسك عن الرمي حتى تسكن أو تخف ، وإن غربت لهما الشمس قبل أن يفرغا من أرشاقهما التي تشارطا لم يكن عليهما أن يرميا في الليل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (180)
صــــــــــ 250 الى صـــــــــــ256
وإن انكسرت قوس أحدهما أو نبله أبدل مكان القوس والنبل والوتر متى قدر عليه فإن لم يقدر على بدل القوس ولا الوتر فهذا عذر ، وكذلك إن ذهبت نبله كلها فلم يقدر على بدلها فإن ذهب بعض نبله ولم يقدر على بدله قيل لصاحبه إن شئت فاتركه حتى يجد البدل وإن شئت فارم معه بعدد ما بقي [ ص: 250 ] في يديه من النبل وإن شئت فاردد عليه مما رمى به من نبله ما يعيد الرمي به حتى يكمل العدد وإذا رموا اثنين واثنين وأكثر من العدد فاعتل واحد من الحزبين علة ظاهرة قيل للحزب الذين يناضلونه : إن اصطلحتم على أن تجلسوا مكانه رجلا من كان فذلك وإن تشاححتم لم نخبركم على ذلك وإن رضي أحد الحزبين ولم يرض الآخر لم يجبر الذين لم يرضوا
وإذا اختلف المتناضلان في موضع شن معلق فأراد المسبق أن يستقبل به عين الشمس لم يكن ذلك له إلا أن يشاء المسبق كما لو أراد أن يرمي به في الليل أو المطر لم يجبر على ذلك المسبق وعين الشمس تمنع البصر من السهم كما تمنعه الظلمة .
( قال الربيع ) المسبق أبدا هو الذي يغرم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو اختلفا في الإرسال فكان أحدهما يطول بالإرسال التماس أن تبرد يد الرامي أو ينسى صنيعه في السهم الذي رمى به فأصاب أو أخطأ فيلزم طريق الصواب ويستعتب من طريق الخطأ أو قال هو لم أنو هذا وهذا يدخل على الرامي لم يكن ذلك له وقيل له ارم كما يرمي الناس لا معجلا عن أن تثبت في مقامك وفي إرسالك ونزعك ولا مبطئا لغير هذا الإدخال الحبس على صاحبك وكذلك لو اختلفا في الذي يوطن له فكان يريد الحبس أو قال لا أريده والموطن يطيل الكلام قيل للمواطن وطن له بأقل ما يفهم به ولا تعجل عن أقل ما يفهم به ، ولو حضرهما من يحبسهما أو أحدهما أو يغلط فيكون ذلك مضرا بهما أو بأحدهما نهوا عن ذلك .
( قال الربيع ) الموطن الذي يكون عند الهدف فإذا رمى الرامي قال دون ذا قليل أرفع من ذا قليل
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلف الراميان في الموقف فخرجت قرعة أحدهما على أن يبدأ فبدأ من عرض وقف حيث شاء من المقام ثم كان للآخر من العرض الآخر الذي بدأ منه أن يقف حيث شاء من المقام وإذا سبق الرجل الرجل سبقا معلوما فنضله المسبق كان السبق في ذمة المنضول حالا يأخذه به كما يأخذ بالدين فإن أراد الناضل أن يسلفه المنضول أو يشتري به الناضل ما شاء فلا بأس وهو متطوع بإطعامه إياه وما نضله فله أن يحرزه ويتموله ويمنعه منه ومن غيره وهو عندي كرجل كان له على رجل دينار فأسلفه الدينار ورده عليه أو أطعمه به فعليه دينار كما هو ولا يجوز عند أحد رأيته ممن يبصر الرمي أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي بعشر ويجعل القرع من تسع ومنهم من يذهب إلى أن لا يجوز أن يجعل القرع من عشر ولا يجيز إلا أن يكون القرع لا يؤتي به بحال إلا في أكثر من رشق فإذا كان لا يؤتي به إلا بأكثر من الرشق فسواء قل ذلك أو كثر فهو جائز .
فإذا أصاب الرجل بالسهم فخسق وثبت قليلا ثم سقط بأي وجه سقط به حسب لصاحبه ولو وقف رجل على أن يفلج فرمى بسهم فقال إن أصبت فقد فلجت وإن لم أصب فالفلج لكم وقال له صاحبه إن أصبت بهذا السهم فلك به الفلوج وإن لم يكن يبلغه به إذا أصابه وإن أخطأت به فقد أنضلتني نفسك فهذا كله باطل لا يجوز وهما على أصل رميهما لا يفلج واحد منهما على صاحبه إلا أن يبلغ الفلوج ولو طابت نفس المسبق أن يسلم له السبق من غير أن يبلغه كان هذا شيئا تطوع به من ماله كما وهب له .
وإذا كانوا في السبق اثنين واثنين وأكثر فبدأ رجلان فانقطع أوتارهما أو وتر أحدهما كان له أن يقف من بقي حتى يركب وترا وينفد نبله . وقد رأيت من يقول هذا إذا رجا أن يتفالجا ويقول إذا علم أنهما والحرب كله لا يتفالجون لو أصابوا بما في أيديهم لأنهم لم يقاربوا عدد الغاية التي بينهم يرمي من بقي ثم يتم هذان .
وإذا اقتسموا ثلاثة وثلاثة فلا يجوز أن يقترعوا وليقتسموا قسما معروفا ولا يجوز أن يقول أحد الرجلين أختار على أن أسبق ولا يختار على أن [ ص: 251 ] يسبق ولا أن يقترعا فأيهما خرجت قرعته سبقه صاحبه ولكن يجوز أن يقتسما قسما معروفا ويسبق أيها شاء متطوعا لا مخاطرة بالقرعة ولا بغيرها من أن يقول أرمي أنا وأنت هذا الوجه فأينا أفضل على صاحبه سبقه المفضول والسبق على من بذله دون حزبه إلا أن يدخل حزبه أنفسهم معه في ضمان السبق أو يأمروه أن يسبق عنهم فيلزم كل واحد منهم حصته على قدر عدد الرجال لا على قدر جودة الرمي .
وإذا قال الرجل للرجل إن أصبت بهذا السهم فلك سبق فهذا جائز وليس هذا من وجه النضال ، فإن قال إن أخطأت بهذا السهم فلك سبق لم يكن ذلك له . وإن حضر الغريب أهل الغرض فقسموه فقال من معه كنا نراه راميا ، ولسنا نراه راميا أو قال أهل الحرب الذين يرمي عليهم كنا نراه غير رام وهو الآن رام لم يكن لهم من إخراجه إلا ما لهم من إخراج من عرفوا رميه ممن قسموه وهم يعرفونه بالرمي فسقط أو بغير الرمي فوافق ، ولا يجوز أن يقول الرجل للرجل سبق فلانا دينارين على أني شريك في الدينارين إلا أن يتطوع بأن يهب له أحدهما أو كليهما بعد ما ينضل .
وكذلك لو تطارد ثلاثة فأخرج اثنان سبقين وأدخلا محللا لم يجز أن يجعل رجلا لا يرمي عليه نصف سبق أحدهما على أن له نصف الفضل إن أحرز على صاحبه وإذا سبق الرجل الرجل على أن له أن يبدأ عليه رشقين فأكثر لم يجز ذلك له ، وذلك أنا إذا أعطيناه ذلك أعطيناه فضل سهم أو أكثر ألا ترى أنهما لو رميا بعشر ثم ابتدأ الذي بدأ كان لو فلج بذلك السهم الحادي عشر كنا أعطيناه أن يرمي بسهم يكون في ذلك الوقت فضلا على مراسله عن غير مراسلة وإنما نجيز هذا له إذا تكافأ فكان أحدهما يبدأ في وجه والآخر في آخر .
وإذا سبق الرجل الرجل فجائز أن يعطيه السبق موضوعا على يديه أو رهنا به أو حميلا أو رهنا وحميلا أو يأمنه كل ذلك جائز وإذا رميا إلى خمسين مبادرة فأفضل أحدهما على صاحبه خمسا أو أقل أو أكثر فقال الذي أفضل عليه اطرح فضلك على أن أعطيك به شيئا لم يجز ولا يجوز إلا أن يتفاسخا هذا السبق برضاهما ويتسابقان سبقا آخر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في الصلاة في المضربة والأصابع إذا كان جلدهما ذكيا مما يؤكل لحمه أو مدبوغا من جلد ما لا يؤكل لحمه ما عدا جلد كلب أو خنزير فإن ذلك لا يظهر بالدباغ والله تعالى أعلم ، فإن صلى الرجل والضربة والأصابع عليه فصلاته مجزئة عنه غير أني أكرهه لمعنى واحد إني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض وإذا كانت عليه المضربة والأصابع منعتاه أن يقضي بجميع بطون كفيه لا معنى غير ذلك ، ولا بأس أن يصلي متنكبا القوس والقرن إلا أن يكون يتحركان عليه حركة تشغله فأكره ذلك له وإن صلى أجزأه ،ولا يجوز أن يسبق الرجل الرجل على أن يرمي معه ، ويختار المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق ولا المسبق ثلاثة ولا يسميهم للمسبق قال : ولا يجوز السبق حتى يعرف كل واحد من المتناضلين من يرمي معه وعليه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه .
وإذا كان القوم المتناضلون ثلاثة وثلاثة أو أكثر كان لمن له الإرسال وحزبه ولمناضليهم أن يقدموا أيهم شاءوا كما شاءوا ويقدم الآخرون كذلك ، ولو عقدوا السبق على أن فلانا يكون مقدما وفلان معه وفلان ثان وفلان معه كان السبق مفسوخا ولا يجوز حتى يكون القوم يقدمون من رأوا تقديمه ، وإذا كان البدء لأحد المتناضلين فبدأ المبدأ عليه فأصاب أو أخطأ رد ذلك السهم خاصة ، وإن لم يعلما حتى يفرغا من رميهما رد عليه السهم الأول فرمى به فإن كان أصاب به بطل عنه وإن كان أخطأ به رمى به فإن أصاب به حسب له لأنه رمى به في البدء وليس له الرمي به فلا ينفعه مصيبا كان أو مخطئا إلا أن [ ص: 252 ] يتراضيا به .
كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : الحكم في قتال المشركين حكمان فمن غزا منهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ، ويقاتلهم إذا قوي عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله عز وجل { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } الآيتين ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإذا أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله عز وجل { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية وإذا قوتل أهل الأوثان وأهل الكتاب قتلوا وسبيت ذراريهم ومن لم يبلغ الحلم والمحيض منهم ونساؤهم البوالغ وغير البوالغ ثم كانوا جميعا فيئا يرفع منهم الخمس ويقسم الأربعة الأخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب ، فإن أثخنوا فيهم وقهروا من قاتلوه منهم حتى تغلبوا على بلادهم قسمت الدور والأرضون قسم الدنانير والدراهم لا يختلف ذلك تخمس وتكون أربعة أخماسها لمن حضر ، وإذا أسر البالغون من الرجال فالإمام فيهم بالخيار بين أن يقتلهم إن لم يسلم أهل الأوثان أو يعط الجزية أهل الكتاب ، أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال يأخذه منهم أو بأسرى من المسلمين يطلقون لهم أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة يخمس ويكون أربعة أخماسه لأهل الغنيمة ، فإن قال قائل : كيف حكمت في المال والولدان والنساء حكما واحدا وحكمت في الرجال أحكاما متفرقة ، قيل { ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريظة وخيبر فقسم عقارهما من الأرضين والنخل قسمة الأموال وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدان بني المصطلق وهوازن ونساءهم فقسمهم قسمة الأموال وأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فمنهم من من عليه بلا شيء أخذه منه ، ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله ، وكان المقتولان بعد الإسار يوم بدر عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ، وكان من الممنون عليهم بلا فدية أبو عزة الجمحي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته وأخذ عليه عهدا أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجلا غيره فقال يا محمد امنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لقتالك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد خدعت محمدا مرتين فأمر به فضربت عنقه ، ثم أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال الحنفي بعد فمن عليه ثم عاد ثمامة بن أثال فأسلم وحسن إسلامه } أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من المسلمين برجلين من المشركين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يعمد قتل النساء والولدان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهم . أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن عمه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان } .
( قال الشافعي ) لا يعمدون بقتل وللمسلمين أن يشنوا عليهم الغارة ليلا ونهارا فإن أصابوا من النساء [ ص: 253 ] والولدان أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود ولا كفارة ، فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قيل أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الصعب بن جثامة الليثي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم منهم } وربما قال سفيان في الحديث { هم من آبائهم } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإن قال قول النبي صلى الله عليه وسلم { هم من آبائهم } قيل لا عقل ولا قود ولا كفارة ، فإن قال فلم لا يعمدون بالقتل ؟ قيل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمدوا به فإن قال فلعل الحديثين مختلفان ؟ قيل : لا ولكن معناهما ما وصفت فإن قال ما دل على ما قلت ؟ قيل له إن شاء الله تعالى إذا لم ينه عن الإغارة ليلا فالعلم يحيط أن القتل قد يقع على الولدان وعلى النساء . فإن قال فهل أغار على قوم ببلد غارين ليلا أو نهارا ؟ قيل نعم أخبرنا عمر بن حبيب عن عبد الله بن عون أن نافعا مولى ابن عمر كتب إليه يخبره أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما . أخبره { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة وسبى الذرية } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وفي { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل ابن أبي الحقيق غارا دلالة على أن الغار يقتل وكذلك أمر بقتل كعب بن الأشرف فقتل غارا } فإن قال قائل فقد قال أنس { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بقوم ليلا لم يغر حتى يصبح } قيل له إذا كان موجودا في سنته أنه أمر بما وصفنا من قتل الغارين وأغار على الغارين ولم ينه في حديث الصعب عن البيات دل ذلك على أن حديث أنس غير مخالف لهذه الأحاديث ولكنه قد يترك الغارة ليلا لأن يعرف الرجل من يقاتل أو أن لا يقتل الناس بعضهم بعضا وهم يظنون أنهم من المشركين فلا يقتلون بين الحصن ولا في الآكام حيث لا يبصرون من قبلهم لا على معنى أنه حرم ذلك وفيما وصفنا من هذا كله ما يدل على أن الدعاء للمشركين إلى الإسلام أو إلى الجزية إنما هو واجب لمن تبلغه الدعوة فأما من بلغته الدعوة فللمسلمين قتله قبل أن يدعى وإن دعوه فذلك لهم من قبل أنهم إذا كان لهم ترك قتاله بمدة تطول فترك قتاله إلى أن يدعى أقرب فأما من لم تبلغه دعوة المسلمين فلا يجوز أن يقاتلوا حتى يدعوا إلى الإيمان إن كانوا من غير أهل الكتاب أو إلى الإيمان أو إعطاء الجزية إن كانوا من أهل الكتاب ولا أعلم أحدا لم تبلغه الدعوة اليوم إلا أن يكون من وراء عدونا الذين يقاتلونا أمة من المشركين فلعل أولئك أن لا تكون الدعوة بلغتهم وذلك مثل أن يكونوا خلف الروم أو الترك أو الخزر أمة لا نعرفهم فإن قتل أحد من المسلمين أحدا من المشركين لم تبلغه الدعوة وداه إن كان نصرانيا أو يهوديا دية نصراني أو يهودي وإن كان وثنيا أو مجوسيا دية المجوسي وإنما تركنا قتل النساء والولدان بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم ليسوا ممن يقاتل فإن قاتل النساء أو من لم يبلغ الحلم لم يتوق ضربهم بالسلاح وذلك أن ذلك إذا لم يتوق من المسلم إذا أراد دم المسلم كان ذلك من نساء المشركين ومن لم يبلغ الحلم منهم أولى أن لا يتوقى وكانوا قد زايلوا الحال التي نهى عن قتلهم فيها وإذا أسروا أو هربوا أو جرحوا وكانوا ممن لا يقاتل فلا يقتلون لأنهم قد زايلوا الحال التي أبيحت فيها دماؤهم وعادوا إلى أصل حكمهم بأنهم ممنوعين بأن يقصد قصدهم بالقتل ويترك قتل الرهبان وسواء رهبان الصوامع ورهبان الديارات والصحاري وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبي بكر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه إذا [ ص: 254 ] كان لنا أن ندع قتل الرجال المقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قلنا هذا تبعا لا قياسا ولو أنا زعمنا أنا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى من لا يقاتل تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم والرهبان وأهل الجبن والأحرار والعبيد وأهل الصناعات الذين لا يقاتلون فإن قال قائل ما دل على أنه يقتل من لا قتال منه من المشركين ؟ قيل قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين دريد بن الصمة وهو في شجار مطروح لا يستطيع أن يثبت جالسا وكان قد بلغ نحوا من خمسين ومائة سنة فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ولم أعلم أحدا من المسلمين عاب أن نقتل من رجال المشركين من عدا الرهبان ولو جاز أن يعاب قتل من عدا الرهبان بمعنى أنهم لا يقاتلون لم يقتل الأسير ولا الجريح المثبت وقد ذفف على الجرحى بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو جهل بن هشام ذفف عليه ابن مسعود وغيره وإذا لم يكن في ترك قتل الراهب حجة إلا ما وصفنا غنمنا كل مال له في صومعته وغير صومعته ولم ندع له منه شيئا لأنه لا خير في أن يترك ذلك له فيتبع ، وتسبى أولاد الرهبان ونساؤهم إن كانوا غير مترهبين . والأصل في ذلك أن الله عز وجل أباح أموال المشركين فإن قيل فلم لا تمنع ماله ؟ قيل كما لا أمنع مال المولود والمرأة وأمنع دماءهما وأحب لو ترهب النساء تركهن كما أترك الرجال فإن ترهب عبد من المشركين أو أمة سبيتهما من قبل أن السيد لو أسلم قضيت له أن يسترقهما ويمنعهما الترهب لأن المماليك لا يملكون من أنفسهم ما يملك الأحرار فإن قال قائل وما الفرق بين المماليك والأحرار . قيل لا يمنع حر من غزو ولا حج ولا تشاغل ببر عن صنعته بل يحمد على ذلك ويكون الحج والغزو لازمين له في بعض الحالات ولمالك العبد منعه من ذلك وليس يلزم العبد من هذا شيء .
الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : المجوس والصابئون والسامرة أهل كتاب فخالفنا بعض الناس فقال : أما الصابئون والسامرة فقد علمت أنهما صنفان من اليهود والنصارى وأما المجوس فلا أعلم أنهم أهل كتاب وفي الحديث ما يدل على أنهم غير أهل كتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } وأن المسلمين لا ينكحون نساءهم ولا يأكلون ذبائحهم فإن زعم أنهم إذا أبيح أن تؤخذ منهم الجزية فكل مشرك عابد وثن أو غيره فحرام إذا أعطى الجزية أن لا تقبل منه وحالهم حال أهل الكتاب في أن تؤخذ منهم الجزية وتحقن دماؤهم بها إلا العرب خاصة فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وقال لي بعض من يذهب هذا المذهب ما حجتك في أن حكمت في المجوس حكم أهل الكتاب ولم تحكم بذلك في غير المجوس ؟ فقلت الحجة أن سفيان أخبرنا عن أبي سعيد عن نصر بن عاصم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأل عن المجوس فقال : " كانوا أهل كتاب " فما قوله " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " قلت كلام عربي والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب سواهما قال وما دل على ما قلت ؟ قلت قال الله عز وجل { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } فالتوراة كتاب موسى والإنجيل كتاب عيسى والصحف كتاب إبراهيم ما لم تعرفه العامة من العرب حتى [ ص: 255 ] أنزل الله وقال عز وجل { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } قال فما معنى قوله { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل على أنه كلام خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم .
( قال الشافعي ) فقال ففي المشركين الذين تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان ؟ قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شيء ؟ قلنا نعم حكم الله جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عز وجل { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } إلى { فخلوا سبيلهم } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية } وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطي العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين في اسم الشرك ؟ قال بلى ولكن لم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جزية من غير كتابي أو مجوسي ؟ قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابيين من المشركين قياسا على المجوس ؟ أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من أهل الكتاب ما تقول له ؟ قال أفتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من عربي ؟ قلنا نعم وأهل الإسلام يأخذوها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم . وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب وبني نمير إذ كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للآخر جاز أن يقال الأمر بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عز وجل أن نقاتل المشركين حتى يسلموا وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضيان جميعا على وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عز وجل وحكم رسوله معا وقولك خارج من ذلك في بعض الأمور دون بعض قال فقال لي أفعلي أي شيء الجزية ؟ قلنا على الأديان لا على الأنساب ولوددنا أن الذي قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل بالإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا ظهر المسلمون على رجال من العدو فأسروهم فأسلموا بعد الإسار فهم مرقوقون لا تحل دماؤهم وأي حال أسلموا فيها قبل الإسار حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم إلا ما حووا قبل أن يسلموا وكانوا أحرارا ولم يسب من ذراريهم أحد صغير فأما نساؤهم وأبناؤهم البالغون فحكمهم حكم أنفسهم في القتل والسبي لا حكم الأب والزوج وكذلك إن أسلموا وقد حصروا في مدينة أو بيت أو أحاطت بهم الخيل أو غرقوا في البحر فكانوا لا يمتنعون ممن أراد أخذهم أو وقعوا في نار أو بئر وخرجوا وكانوا غير ممتنعين كانوا بهذا كله محقوني الدماء ممنوعين من أن يسبوا ولكن لو سبوا فربطوا أو سجنوا غير مربوطين أو صاروا إلى الاستسلام فأمر بهم الحاكم قوما يحفظونهم فأسلموا حقنت دماؤهم وجرى السبي عليهم فإن قال ما فرق بين هذه الحال وبين المحاط بهم في صحراء أو بيت أو مدينة ؟ قيل قد يمتنع أولئك حتى يغلبوا من أحاط بهم أو [ ص: 256 ] يأتيهم المدد أو يتفرقون عنهم فيهربوا وليس من كان بهذه الحال ممن يقع عليه اسم السبي إنما يقع عليه اسم السبي إذا حوى غير ممتنع
ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم ليقاتلوهم فقد قيل يقاتلونهم وقيل قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين ومن قال هذا القول قال وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك ولو قال قائل قتالهم حرام لمعان منها أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى الإمام فيفرقه وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي أن لا يقاتلوا ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا غزا المسلمون بلاد الحرب فسرت سرية كثيرة أو قليلة بإذن الإمام أو غير إذنه فسواء ولكني أستحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام لخصال منها أن الإمام يغني عن المسألة ويأتيه من الخبر ما لا تعرفه العامة فيقدم بالسرية حيث يرجو قوتها ويكفها حيث يخاف هلكتها وإن أجمع لأمر الناس أن يكون ذلك بأمر الإمام وإن ذلك أبعد من الضيعة لأنهم قد يسيرون بغير إذن الإمام ، فيرحل ولا يقيم عليهم فيتلفون إذا انفردوا في بلاد العدو ويسيرون ولا يعلم فيرى الإمام الغارة في ناحيتهم فلا يعينهم ولو علم مكانهم أعانهم وإما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه يحرم ، وذلك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار إن قتلت صابرا محتسبا ؟ قال فلك الجنة قال فانغمس في جماعة العدو فقتلوه وألقى رجل من الأنصار درعا كانت عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من الأنصار تخلف عن أصحابه ببئر معونة فرأى الطير عكوفا على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم إلى هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا حسنا ويقال فقال لعمرو فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل ؟ } فإذا حل الرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة ، الأغلب عنده وعند من رآه أنها ستقتله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رآه حيث لا يرى ولا يأمن كان هذا أكثر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } الآية وقال { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال } إلى قوله { والله مع الصابرين } أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا كما قال ابن عباس ومستغن بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله عز وجل من أن لا يفر العشرون من المائتين فكان هذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الأمر إلى أن لا تفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال : من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (181)
صــــــــــ 257 الى صـــــــــــ263
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول ابن عباس وقولنا وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما ترى [ ص: 257 ] والله تعالى أعلم بالفارين بكل حال ، أما الذين يجب عليهم السخط فإذا فر الواحد من اثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا والمتحرف له يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال والفار متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو منتئية عنه سواء إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف والمتحيز فإن كان الله عز وجل يعلم إنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذي استثنى الله فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز وإن كان لغير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله تعالى عنه أن يكون قد باء بسخط من الله وإذا تحرف إلى الفئة فليس عليه أن ينفرد إلى العدو فيقاتلهم وحده ولو كان ذلك الآن لم يكن له أولا أن يتحرف ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود وإذا بارز الرجل من المشركين بغير أن يدعو أو يدعى إلى المبارزة فبرز له رجل فلا بأس أن يعينه عليه غيره لأنهم لم يعطوه أن لا يقاتله إلا واحد ولم يسألهم ذلك ولا شيء يدل على أنه إنما أراد أن يقاتله واحد فقد تبارز عبيدة وعتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر وضربه عتبة فقطع رجله وأعان حمزة وعلي فقتلا عتبة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأما إن دعا مسلم مشركا أو مشرك مسلما إلى أن يبارزه فقال له لا يقاتلك غيري أو لم يقل له ذلك إلا أنه يعرف أن الدعاء إلى مبارزة الواحد كل من الفريقين معا سوى المبارزين أحببت أن يكف عن أن يحمل عليه غيره فإن ولى عنه المسلم أو جرحه فأثخنه فحمل عليه بعد تبارزهما فلهم أن يقتلوه إن قدروا على ذلك لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن منهم حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله حتى يرجع إلى مأمنه ولو شرطوا ذلك له فخافوه على المسلم أو يجرح المسلم فلهم أن يستنقذوا المسلم منه بلا أن يقتلوه فإن امتنع أن يخليهم وإنقاذ صاحبهم وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه ولو عرض بينه وبينهم فقال أنا منكم في أمان قالوا نعم إن خليتنا وصاحبنا فإن لم تفعل تقدمنا لأخذ صاحبنا فإن قاتلتنا قاتلناك وكنت أنت نقضت أمانك فإن قال قائل وكيف لا يعان الرجل البارز على المشرك قاهرا له ؟ قيل إن معونة حمزة وعلي على عتبة إنما كانت بعد أن لم يكن في عبيده قتال ولم يكن منهم لعتبة أمان يكفون به عنه فإن تشارطا الأمان فأعان المشركون صاحبهم كان للمسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه المبارز له ولا يقتلوا المبارز ما لم يكن هو استنجدهم عليه
( قال الشافعي ) وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر وغير المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم فإن قال قائل ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهى عن قتلهم ؟ قيل الحجة فيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بني النضير وحرقها } أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال [ ص: 258 ] بني النضير } .
( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير } فقال قائل :
وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
.
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بني النضير ؟ قيل له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عز وجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في بعض الأحاديث معروف عند أهل المغازي فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك ؟ قيل نعم قطع بخيبر وهي بعد بني النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها لقي فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهي عن قتلهم ؟ قيل أجزنا بما وصفنا { وبأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق } والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبهه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولأن مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن تجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في شيء من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة .
وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل أحرزناها أو بنا بها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهي في أيدينا أو خفنا الدرك وهي في أيدينا ولا حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شيء منها ولا قتله بشيء من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر " لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه " فإن قال قائل فقد قال أبو بكر " ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته " قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبي بكر كانت في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم فإن قال قائل ما السنة ؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بني عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله قيل يا رسول الله وما حقها ؟ قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها } وقد نهى [ ص: 259 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة ووجدت الله عز وجل أباح قتل ذوات الأرواح من المأكول بواحد من معنيين أحدهما أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها والآخران تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ولم أجده أباح قتلها لغير منفعة وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور فإن قال قائل ففي ذلك نكايتهم وتوهين وغيظ قلنا وقد يغاظون بما يحل فنفعله وبما لا يحل فنتركه فإن قال ومثل ما يغاظون به فنتركه قلنا قتل نسائهم وأولادهم فهم لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم قتلهم لم نقتلهم ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذا كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقر بهم كما نرميهم بالمجانيق .
وإن أصاب ذلك غيرهم وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانعكست به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان بعد ذلك شعرا :
فلو شئت نجتني كميت رجيلة ولم أحمل النعماء لابن شعوب
وما زال مهري مزجر الكلب منهم لدن غدوة حتى دنت لغروب
أقاتلهم طرا وأدعو لغالب وأدفعهم عني بركن صليب
.
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن قال قائل ما الفرق بين العقر بهم وعقر بهائمهم ؟ قيل العقر بهم يجمع أمرين أحدهما دفع عن العاقر المسلم ولأن الفرس أداة عليه يقبل بقوته ويحمل عليه فيقتله والآخر يصل به إلى قتل المشرك والدواب توجف أو يخاف طلب العدو لها إذا قتلت ليست في واحد من هذين المعنيين لا أن قتلها منع العدو للطلب ولا أن يصل المسلم من قتل المشرك إلى ما لم يكن يصل إليه قبل قتلها وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا مفصل ولا بقر بطن ولا تحريق ولا تغريق ولا شيء يعدو ما وصفت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المثلة } وقتل من قتل كما وصفت فإن قال قائل قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلة ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح { أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه } .
( قال الشافعي ) رحمه الله وكان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر عن أبيه عن علي بن حسين قال { والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في الأسارى من المسلمين في بلاد الحرب يقتل بعضهم بعضا أو يجرح بعضهم بعضا أو يغصب بعضهم بعضا ثم يصيرون إلى بلاد المسلمين إن الحدود تقام عليهم إذا صاروا إلى بلاد المسلمين ولا تمنع الدار حكم الله عز وجل ويؤدون كل زكاة وجبت عليهم لا تضع الدار عنهم شيئا من الفرائض ولكنهم لو كانوا من المشركين فأسلموا ولم يعرفوا الأحكام وأصاب بعضهم من بعض شيئا بجراح أو قتل درأنا عنهم الحد بالجهالة وألزمناهم الدية في أموالهم وأخذنا منهم في أموالهم كل ما أصاب بعضهم لبعض وكذلك لو زنى رجل منهم بامرأة وهو لا [ ص: 260 ] يعلم أن الزنا محرم درأنا عنه الحد بأن الحجة لم تقم وتطرح عنه حقوق الله ويلزمه حقوق الآدميين ، ولو كانت المرأة مسلمة أسرت أو استؤمنت ممن قد قامت عليهم الحجة فأمكنته من نفسها حدث ولم يكن لها مهر ولم يكن عليه حد ولو أنه تزوجها بنكاح المشركين فسخنا النكاح وألحقنا به الولد ودرأنا عنه الحد وجعلنا لها المهر ولو سرق بعضهم من بعض شيئا درأنا عنه القطع وألزمناه الغرامة ولو أربى بعضهم على بعض رددنا الربا بينهم لأن هذا من حقوق الآدميين وقال في القوم من المسلمين ينصبون المجانيق على المشركين فيرجع عليه حجر المنجنيق فيقتل بعضهم فهذا قتل خطأ فدية المقتولين على عواقل القاتلين قدر حصة المقتولين كأنه جر المنجنيق عشرة فرجع الحجر على خمسة منهم فقتلهم فأنصاف دياتهم على عواقل القاتلين لأنهم قتلوا بفعلهم وفعل غيرهم ولا يؤدون حصتهم من فعلهم فهم قتلوا أنفسهم مع غيرهم ولو رجع حجر المنجنيق على رجل لم يجره كان قريبا من المنجنيق أو بعيدا معينا لأهل المنجنيق بغير الجر أو غير معين لهم كانت ديته على عواقل الجارين كلهم ولو كان فيهم رجل يمسك لهم من الحبال التي يجرونها بشيء ولا يجر معهم في إمساكه لهم لم يلزمه ولا عاقلته شيء من قبل أنا لم ند إلا بفعل القتل فأما بفعل الصلاح فلا ولو رجع عليهم الحجر فقتلهم كلهم أو سقط المنجنيق عليهم من جرهم فقتل كلهم وهم عشرة ودوا كلهم ورفع عن عواقل من يديهم عشر دية كل واحد منهم لأنه قتل بفعل نفسه وفعل تسعة معه فيرفع عنه حصة فعل نفسه ويؤخذ له حصة فعل غيره ثم هكذا كل واحد ولو رمى رجل بعرادة أو بغيرها أو ضرب بسيف فرجعت الرمية عليه كأنها أصابت جدارا ثم رجعت إليه أو ضرب بسيف شيئا فرجع عليه السيف فلا دية له لأنه جنى على نفسه ولا يضمن لنفسه شيئا ولو رمى في بلاد الحرب فأصاب مسلما مستأمنا أو أسيرا أو كافرا أسلم فلم يقصد قصده بالرمية ولم يره فعليه تحرير رقبة ولا دية له وإن رآه وعرف مكانه ورمى وهو مضطر إلى الرمي فقتله فعليه دية وكفارة وإن كان عمده وهو يعرفه مسلما فعليه القصاص إذا رماه بغير ضرورة ولا خطأ وعمد قتله فإن تترس به مشرك وهو يعلمه مسلما وقد التحم فرأى أنه لا ينجيه إلا ضربه المسلم فضربه يريد قتل المشرك فإن أصابه درأنا عنه القصاص وجعلنا عليه الدية وهذا كله إذا كان في بلاد المشركين أو صفهم فأما إذا انفرج عن المشركين فكان بين صف المسلمين والمشركين فذلك موضع يجوز أن يكون فيه المسلم والمشرك فإن قتل رجل رجلا وقال ظننته مشركا فوجدته مسلما فهذا من الخطأ وفيه العقل فإن اتهمه أولياؤه أحلف لهم ما علمه مسلما فقتله فإن قال قائل كيف أبطلت دية مسلم أصيب ببلاد المشركين برمي أو غارة لا يعمد فيها بقتل ؟ قيل قال الله عز وجل { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } إلى قوله { متتابعين } فذكر الله عز وجل في المؤمن يقتل خطأ والذمي يقتل خطأ الدية في كل واحد منهما وتحرير رقبة فدل ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الإسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة وذكر من حكمهما حكم المؤمن من عدو لنا يقتل فجعل فيه تحرير رقبة فلم تحتمل الآية والله تعالى أعلم إلا أن يكون قوله { فإن كان من قوم عدو لكم } يعني في قوم عدو لكم وذلك أنها نزلت وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين لأن مسلمي العرب هم من قوم عدو للمسلمين وكذلك مسلمو العجم ولو كانت على أن لا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الإسلام من جماعة المشركين هم عدو لأهل الإسلام للزم من قال هذا القول أن يزعم أن من أسلم من قوم مشركين فخرج إلى دار الإسلام فقتل كانت فيه تحرير رقبة ولم تكن فيه دية وهذا خلاف حكم المسلمين وإنما معنى الآية إن شاء الله تعالى على ما قلنا وقد سمعت بعض من أرضى من أهل العلم يقول ذلك فالفرق بين القتلين أن يقتل المسلم في دار الإسلام غير معمود بالقتل فيكون فيه [ ص: 261 ] دية وتحرير رقبة أو يقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا إسلام فيها ظاهر غير معمود بالقتل ففي ذلك تحرير رقبة ولا دية .
. مسألة مال الحربي
( قال الشافعي ) وإذا دخل الذمي أو المسلم دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم شيئا فأما مع المسلم فلا نعرض له ويرد إلى أهله من أهل الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وأما مع الذمي قال الربيع " ففيها قولان أحدهما أنا نغنمه لأنه لا تكون كينونته معه أمانا له منا لأنه إنما روي { المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } فلا يكون ما مع الذمي من أموالهم أمانا لأموالهم وإن ظن الحربي الذي بعث بماله معه أن ذلك أمان له كما لو دخل حربي بتجارة إلينا بلا أمان منا كان لنا أن نسبيه ونأخذ ماله ولا يكون ظنه بأنه إذا دخل تاجرا أن ذلك أمان له ولماله بالذي يزيل عنه حكما والقول الثاني أنا لا نغنم ما مع الذمي من مال الحربي لأنه لما كان علينا أن لا نعرض للذمي في ماله كان ما معه من مال غيره له أمان مثل ماله كما لو أن حربيا دخل إلينا بأمان وكان معه مال لنفسه ومال لغيره من أهل الحرب لم نعرض له في ماله لما تقدم له من الأمان ولا في المال الذي معه لغيره فهكذا لما كان للذمي أمان متقدم لم يتعرض له في ماله ولا في المال الذي معه لغيره مثل هذا سواء . والله نسأل التوفيق برحمته . وكان آخر القولين أشبه إن شاء الله تعالى .
الأسارى والغلول
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا أسر المسلم فكان في بلاد الحرب أسيرا موثقا أو محبوسا أو مخلى في موضع يرى أنه لا يقدر على البراح منه أو موضع غيره ولم يؤمنوه ولم يأخذوا عليه أنهم أمنوا منه فله أخذ ما قدر عليه من ولدانهم ونسائهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك إلا أن يقولوا قد أمناك ولا أمان لنا عليك لأنا لا نطلب منك أمانا فإذا قالوا هذا هكذا كان القول فيه كالقول في المسألة الأولى يحل له اغتيالهم والذهاب بأموالهم وإفسادها والذهاب بنفسه فإن أمنوه وخلوه وشرطوا عليه أن لا يبرح بلادهم أو بلدا سموه وأخذوا عليه أمانا أو لم يأخذوا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم يهرب وقال بعضهم ليس له أن يهرب وقال وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه من ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه فليس له أن يغتالهم ولا يخونهم وأما الهرب بنفسه فله الهرب فإن أدرك ليؤخذ فله أن يدفع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه [ ص: 262 ] فإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إلى وقت وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهمفلا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام أن يدعه إن أراد العودة فإن كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق وإن كان أعطاهموه على شيء يأخذه منهم لم يحق له إلا أداؤه بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عليهم ما استكره عليه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في أسير في أيدي العدو وأرسلوا معه رسلا ليعطيهم فداء أو أرسلوه بعهد أن يعطيهم فداء سماه لهم وشرطوا عليه إن لم يدفعه إلى رسولهم أو يرسل به إليهم أن يعود في إسارهم .
( قال الشافعي ) يروى عن أبي هريرة والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال وقال بعضهم إن أراد العودة منعه السلطان العودة وقال ابن هرمز يحبس لهم بالمال وقال بعضهم يفي لهم ولا يحبسونه ولا يكون كديون الناس وروي عن الأوزاعي والزهري يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال وروي ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روي عنه في المسألة الأولى .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهب الأوزاعي ومن قال قوله فإنما يحتج فيما أراه بما روي عن بعضهم أنه يروى { أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه بعد الصلح مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم فلم يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعب ذلك عليه وتركه فكان بطريق الشام يقطع على كل مال قريش حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمه إليه لما نالوه من أذاه } .
( قال الشافعي ) رحمه الله وهذا حديث قد رواه أهل المغازي كما وصفت ولا يحضرني ذكر إسناده فأعرف ثبوته من غيره
قال وإذا كان المسلمون أسارى أو مستأمنين أو رسلا في دار الحرب فقتل بعضهم بعضهم أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم ولو فعلوه في بلاد الإسلام وإنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ولا تسقط دار الحرب عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة فالحدود فرض عليهم وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حد الله تعالى ولو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا عليه الحد أبدا لأنه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه حكم الله جل ثناؤه ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل بلاد الحرب فوجد في أيديهم أسيرا أو أسارى رجالا ونساء من المسلمين فاشتراهم وأخرجهم من بلاد الحرب فأراد أن يرجع عليهم بما أعطى فيهم لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء وزائدا أن اشترى ما ليس يباع من الأحرار فإن كان بأمرهم اشتراهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وإذا أسرت المرأة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا أولادها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحقوا بالنكاح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد يقين وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو في دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك .
[ ص: 263 ] المستأمن في دار الحرب .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم
وإن أسر العدو أطفال المسلمين ونساءهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم فإذا فعلوا قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم .
ما يجوز للأسير في ماله إذا أراد الوصية
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الإسلام وإن قدم ليقتل ما لم ينله منه ضرب يكون مرضا وكذلك الرجل بين الصفين ( قال الشافعي ) : أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد بن عبد الله عن الزهري أن مسروقا قدم بين يدي عبد الله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا : لها نصف الصداق ولا ميراث لها ( قال الشافعي ) : أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل وروي عن عمر بن عبد العزيز : عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين القوابل وبهذا كله نقول ( قال الشافعي ) : وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصل إلى الغرق أو شبه الغرق ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وقال القاسم بن محمد وابن المسيب : عطية الحامل جائزة ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وما وصفت من قول من سميت وغيرهم من أهل المدينة وقد روي عن ابن أبي ذئب أنه قال : عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث وروى ذلك عن الزهري ( قال الشافعي ) : وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله تعالى أعلم ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر وتأول قول الله عز وجل { حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت } وليس في قول الله عز وجل { فلما أثقلت } دلالة على مرض ولو كانت فيه دلالة على مرض يغير الحكم قد يكون مرضا غير ثقيل وثقيلا وحكمه في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء ولو كان ذلك فيه كان الإثقال يحتمل أن يكون حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لأن ذلك الوقت الذي يخشيان فيه قضاء الله عز وجل ويسألانه أن يؤتيهما صالحا فإن قال : قد يدعوان الله قبل ؟ قيل : نعم مع أول الحمل ووسطه وآخره وقبله والحبلى في أول حملها أشبه بالمرض منها بعد ستة أشهر للتغير والكسل والنوم والضعف ولهي في شهرها أخف منها في شهر البدء من حملها وما في هذا إلا أن الحبل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال المخوفة للأولاد أو يكون تغيرها بالحبل مرضا كله من أوله إلى آخر فيكون ما قال ابن أبي ذئب ، فأما غير هذا لا يجوز - والله تعالى أعلم - لأحد أن يتوهمه .
المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (182)
صــــــــــ 264 الى صـــــــــــ270
قيل للشافعي : أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو [ ص: 264 ] بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين ، فقلت للشافعي : أقلت هذا خير أم قياسا ؟ قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي : فذكر السنة فيه ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال { : سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها : أخرجي الكتاب فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما هذا يا حاطب ؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا لا كفرا بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد صدق فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فنزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذه لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه قيل للشافعي : أفرأيت إن قال قائل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فيقال له : قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة أو يكون ذلك موجودا في كتاب الله عز وجل قلت للشافعي أفتأمر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشافعي إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { تجافوا لذوي الهيئات } وقد قيل في الحديث [ ص: 265 ] ما لم يكن حد فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام والله تعالى أعلم تعزيره وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا فترك ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لجهالته يعني المعترف بما عليه وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من غل في سبيل الله فقلت للشافعي : أرأيت الذي يكتب بعورة المسلمين أو يخبر عنهم بأنهم أرادوا بالعدو شيئا ليحذروه من المستأمن والموادع أو يمضي إلى بلاد العدو مخبرا عنهم قال : يعزر هؤلاء ويحبسون عقوبة وليس هذا بنقض للعهد يحل سبيهم وأموالهم ودماءهم وإذا صار منهم واحد إلى بلاد العدو فقالوا : لم نر بهذا نقضا للعهد فليس بنقض للعهد ويعزر ويحبس قلت للشافعي أرأيت الرهبان إذا دلوا على عورة المسلمين ؟ قال : يعاقبون وينزلون من الصوامع ويكون من عقوبتهم إخراجهم من أرض الإسلام فيخيرون بين أن يعطوا الجزية ويقيموا بدار الإسلام أو يتركوا يرجعون فإن عادوا أودعهم السجن وعاقبهم مع السجن قلت للشافعي : أفرأيت إن أعانوهم بالسلاح والكراع أو المال أهو كدلالتهم على عورة المسلمين ؟ قال : إن كنت تريد في أن هذا لا يحل دماءهم فنعم وبعض هذا أعظم من بعض ويعاقبون بما وصفت أو أكثر ولا يبلغ بهم قتل ولا حد ولا سبي فقلت للشافعي فما الذي يحل دماءهم ؟ قال : إن قاتل أحد من غير أهل الإسلام راهب أو ذمي أو مستأمن مع أهل الحرب حل قتله وسباؤه وسبي ذريته وأخذ ماله فأما ما دون القتال فيعاقبون بما وصفت ولا يقتلون ولا تغنم أموالهم ولا يسبون .
الغلول
قلت للشافعي : أفرأيت المسلم الحر أو العبد الغازي أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل أن تقسم ؟ فقال : لا يقطع ويغرم كل واحد من هؤلاء قيمة ما سرق إن هلك الذي أخذه قبل أن يؤديه وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت للشافعي : أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه أو يحرق متاعه ؟ فقال : لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان وكذلك العقوبات فأما على الأموال فلا عقوبة عليها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقليل الغلول وكثيره محرم قلت فما الحجة ؟ قال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن عمرو بن شعيب وأخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال : حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر : تكلم قال : كلام حي أو كلام ميت ؟ قال : تكلم لا بأس قال : إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله عز وجل معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال عمر : ما تقول ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور ؟ فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال عمر : ارتشيت وأصبت منه فقلت : والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال : لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو [ ص: 266 ] لأبدأن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم وفرض له .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على حكم عمر يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من بني قريظة حين حصرهم وجهد بهم الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يقبل الإمام من أهل الحصن عقله ونظره للإسلام وذلك أن السنة دلت على أن قبول الإمام إنما كان لمن وصفت من أهل القناعة والثقة فلا يجوز للإمام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من لعله لا يدري ما يصنع ؟ قيل لما كان الله عز وجل أذن بالمن والفداء في الأسارى من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادي أو يقتل أو يسترق فأي ذلك فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) : وقد وصفنا أن للإمام في الأسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للإسلام وأهله فيقتل إن كان ذلك أوهن وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما أشار به أنس على عمر ومتى سبق من الإمام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الأمان بعدما سبق منه وكذلك كل قول يشبه الأمان مثل قول عمر تكلم لا بأس ( قال الشافعي ) : ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه عمر قودا وقول عمر في هذا موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول عمر لتأتيني بمن يشهد على ذلك أو لأبدأن بعقوبتك يحتمل أن لم يذكر ما قال للهرمزان من أن لا تقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما احتاط في الأخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عمن هو بيديه وأشبه ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأله " إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون " قال : نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال : " أرأيت إن رمي بحجر " قال إذا يقتل قال : فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ما قال عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين وإني أستحب للإمام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الأغلب عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من عرضه والمبارزة ليست هكذا لأن المبارزة إنما يبرز لواحد فلا يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمى أو على الجماعة وحده الأغلب أن لا يدان له بهم فإن قال قائل : ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة ؟ قيل بلغنا { أن رجلا قال : يا رسول الله إلام يضحك الله من عبده ؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا فألقى درعا كانت عليه وحمل حاسرا حتى قتل } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى [ ص: 267 ] أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال { : سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال أنس وإني لرديف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم } ( قال الشافعي ) : وفي رواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للإغارة ليلا ونهارا ولا غارين في حال والله تعالى أعلم ، ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم ، فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بتحريم أن يغير أحد ليلا ؟ قيل : قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه .
الفداء بالأسارى
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال { أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه أو قال أتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وتحته قطيفة فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك قال : فيم أخذت وفيم أخذت سابقة الحاج ؟ قال أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه فقال ما شأنك قال : إني مسلم فقال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرجع إليه فقال : إني جائع فأطعمني قال . وأحسبه قال وإني عطشان فاسقني قال : هذه حاجتك ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف } إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول أخذت أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد ويصيروا إلى ما أراد ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال : يؤخذ الولي من المسلمين وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلين مسلمين هذا ابنك ؟ قال نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقضى الله عز وجل أن لا تزر وازرة وزر أخرى } ولما كان حبس هذا حلالا بغير جناية غيره وإرساله مباحا كان جائزا أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه ويخلى تطوعا إذا نال به بعض ما يحب حابسه ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : { وأسلم هذا الأسير فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلم لا بنية فقال [ ص: 268 ] لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح } وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد إساره وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إسلامه دمه ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه استدلالا بما وصفنا من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفعله بالرجلين بعد إسلامهما فهذا أثبت عليه الرق بعد إسلامه ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وهذا رد لقول مجاهد لأن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا فاداه النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه فإنما فاداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه . وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين من يجري عليه الرق وإن أسلم إذا كان من يدفعون إليهم من المسلمين لا يسترق وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم وإن خرج من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك وفي هذا دلالة على أنه لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فدى صاحبيه فالعقيلي بعد إسلامه وبلاده بلاد شرك ففي ذلك دلالة على ما وصفت ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فداء النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالعقيلي ورده إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يضرونه ولا يجترئون عليه لقدره فيهم وشرفه عندهم ولو أسلم رجل لم يرد إلى قوم يقومون عليه أن يضروه إلا في مثل حال العقيلي ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وفداؤه بالعقيلي والعقيلي لا يسترق خلاف أن يفدى بمن يسترق من المسلمين قال : ولا بأس أن يفدى بمن يسترق من المشركين البالغين المسلمين وإذا جاز أن يفدى بمن يسترق جاز أن يبيع المسلمون المشركين البالغين من المشركين .
العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب .
سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما أو يملكونهما أسهما ؟ قال : لا فقلت للشافعي : فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما ؟ فقال : هما لصاحبهما فقلت أرأيت إن وقعا في المقاسم ؟ فقال : اختلف فيهما المفتون فمنهم من قال هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصاحبهما ومنهم من قال هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم رجل فلا سبيل إليهما ومنهم من قال صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة : قلت للشافعي : فما اخترت من هذا ؟ قال : أنا أستخير الله عز وجل فيه قلت فمع أي القولين الآثار والقياس ؟ فقال : دلالة السنة والله تعالى أعلم . فقلت للشافعي : فاذكر السنة فقال : أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن عمران بن حصين قال { سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : كأنه يعني ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لأن آخر حديثه يدل على ذلك قال عمران بن حصين { : فكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتركته حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن [ ص: 269 ] الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفوا الناقة وقالوا : ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إنها قد جعلت لله تعالى عليها لتنحرنها فقالوا والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبئس ما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو قال ابن آدم } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وهذا الحديث يدل على أن العدو قد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأنصارية انفلتت من إسارهم عليها بعد إحرازهموها ورأت أنها لها فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية الناقة أن تكون ملكها بأنها أخذتها ولا خمس فيها لأنها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول به أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لأهل الخمس أو تكون من الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبي صلى الله عليه وسلم وخمسها لأهل الخمس ولا أحفظ قولا لأحد أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الأقاويل . قال : فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئا على المسلمين وإذا لم يملك المشركون على المسلمين ما أوجفوا عليه بخيلهم فأحرزوه في ديارهم أشبه والله تعالى أعلم أن لا يملك المسلمون عنهم ما لم يملكوا هم لأنفسهم قبل قسم الغنيمة ولا بعده ، قلت للشافعي رحمه الله تعالى فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف اختلف فيه ؟ فقال : قد يذهب بعض السنن على بعض أهل العلم ولو علمها إن شاء الله تعالى قال بها ، قلت للشافعي : أفرأيت من لقيت ممن سمع هذا كيف تركه ؟ فقال : لم يدعه كله ولم يأخذ به كله ، فقلت : فكيف كان هذا ؟ قال : والله تعالى أعلم ولا يجوز هذا لأحد ، فقلت فهل ذهب فيه إلى شيء ؟ فقال : كلمني بعض من ذهب هذا المذهب فقال : وهكذا يقول فيه المقاسم فيصير عبد رجل في سهم رجل فيكون مفروزا من حقه وبتفرق الجيش فلا يجد أحدا يتبعه بسهمه فينقلب لا سهم له . فقلت له : أفرأيت لو وقع في سهمه حر أو أم ولد لرجل ؟ قال يخرج من يده ويعوض من بيت المال فقلت له : وإن لم يستحق الحر الحرية ولا مالك أم الولد إلا بعد تفرق الجيش ؟ قال : نعم ويعوض من بيت المال . فقلت له : وما يدخل على من قال هذا القول في عبد الرجل المسلم يخرج من يدي من صار سهمه ويعوض منه قيمته . فقال من أين يعوض ؟ قلت : من الخمس خاصة . قال : ومن أي الخمس ؟ قلت سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يضعه في الأنفال ومصالح المسلمين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال لي قائل : تول الجواب عمن قال صاحب المال أحق به قبل المقاسم وبعده قلت فاسأل فقال : ما حجتك فيه ؟ قلت : ما وصفت من السنة في حديث عمران بن حصين والخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن السنة إذا دلت أن المشركين لا يملكون على المسلمين شيئا بحال لم يجز أن يملكوا عليهم بحال أخرى إلا بسنة مثلها . فقال ومن أين ؟ قلت : إني إذا أعطيت أن مالك العبد إذا وجد عبده قبل ما يحرزه العدو ثم يحرزه المسلمون على العدو قبل أن يقسمه المسلمون فقد أعطيت أن العدو لم يملكوه ملكا يتم لهم ولو ملكوه [ ص: 270 ] ملكا يتم لهم لم يكن العبد لسيده إذا ملكه الموجفون عليه من المسلمين قبل القسم ولا بعده أرأيت لو كان أسرهم إياه وغلبتهم عليه كبيع مولاه له منهم أو هبته إياه ثم أوجف عليه ألا يكون للموجفين ؟ قال : بلى قلت : أفتعدو غلبة العدو عليه أن تكون ملكا فيكون كمال لهم سواء مما وهب لهم أو اشتروه أو تكون غصبا لا يملكونه عليه ؟ فإذا كانت السنة والآثار والإجماع تدل على أنه كالغصب قبل أن يقسم فكذلك ينبغي أن يكون بعدما يقسم ، ألا ترى أن مسلما متأولا أو غير متأول لو أوجف على عبد ثم أخذ من يد من قهره عليه كان لمالكه الأول فإذا لم يملك مسلم على مسلم بغصب كان المشرك أولى أن لا يكون مالكا مع أنك لم تجعل المشرك مالكا ولا غير مالك ( قال الشافعي ) : فقال : إن هذا ليدخله ولكنا قلنا فيه بالأثر ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أرأيت إن قال لك قائل : هذه السنة والأثر تجامع ما قلنا وهو القياس والمعقول فكيف صرت إلى أن تأخذ بشيء دون السنة وتدع السنة وشيء من الأثر أقل من الآثار وتدع الأكثر فما حجتك فيه ؟ قال : إنا قد قلنا بالسنة والآثار التي ذهبت إليها ولم يكن فيها بيان أن ذلك بعد القسمة كهو قبلها ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى قلت له : أما فيها بيان أن العدو لو ملكوا على المسلمين ما أحرزوا من أموالهم ملكا تاما كان ذلك لمن ملك من المسلمين على المشركين دون مالكه الأول ؟ قال : بلى قلت : أولا يكون مملوكا لمالكه الأول بكل حال أو للعدو إذا أحرزوه ؟ فقال : إن هذا ليدخل ذلك ولكن صرنا إلى الأثر وتركنا القياس ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فقلت له فهذه السنة والآثار والقياس عليها فقال : قد يحتمل أن يكون حكمه قبل ما يقسم حكمه بعد ما يقسم حكمه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له : أما في قياس أو عقل فلا يجوز أن يكون هذا لو كان إلا بالأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء ويروى عمن دونه فليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة قال : أفيحتمل من روى عنه قولنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذهب عليه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : أفيحتمل عندك ؟ فقال : نعم فقلت : فما مسألتك عن أمر تعلم أن لا مسألة فيه ؟ قال فأوجدني مثل هذا فقلت : نعم وأبين قال مثل ماذا ؟ ( قال الشافعي ) : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن بخمس وقضى عمر في الضرس ببعير فكان يحتمل لذاهب لو ذهب مذهب عمر أن يقول السن ما أقبل والضرس ما أكل عليه ثم يكون هذا وجها محتملا يصح المذهب فيه ؟ فلما كانت السن داخلة في معنى الأسنان في حال فإن باينتها باسم منفرد دونها كما تباين الأسنان بأسماء تعرف بها صرنا وأنت إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة وجعلنا الأعم أولى بقول النبي صلى الله عليه وسلم من الأخص وإن احتمل الأخص من حكم كثير غير هذا نقول فيه نحن وأنت بمثل هذا قال : هذا في هذا وغيره كما تقول قلت فما أحرز المشركون ثم أحرز عنهم فكان لمالكه قبل القسم ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له بعد القسم أثر غير هذا فأحرى لا يحتمل معنى إلا أن المشركين لا يحرزون على المسلمين شيئا قال : فإنا نأخذ قولنا من غير هذا الوجه إذا دخل من هذا الوجه فأخذه من أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم { من أسلم على شيء فهو له } وروينا عنه أن المغيرة أسلم على مال قوم قد قتلهم وأخفاه فكان له ( قال الشافعي ) : أرأيت ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه من أسلم على شيء فهو له " أيثبت ؟ قال هو من حديثكم قلت نعم منقطع ونحن نكلمك على تثبيته فنقول لك أرأيت إن كان ثابتا أهو عام [ ص: 271 ] أو خاص ؟ قال : فإن قلت هو عام ؟ قلت : إذا نقول لك أرأيت عدوا أحرز حرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مدبرا أو عبدا مرهونا فأسلم عليهم ؟ قال : لا يكون له حر ولا أم ولد ولا شيء لا يجوز ملكه
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (183)
صــــــــــ 271 الى صـــــــــــ277
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فقلت له فتركت قولك : إنه عام ؟ قال : نعم وأقول من أسلم على شيء يجوز ملكه لمالكه الذي غصبه عليه قلنا فأم الولد يجوز ملكها لمالكها إلى أن يموت أفتجعل للعدو ملكها إلى موت سيدها ؟ قال : لا لأن فرجها لا يحل لهم قلت : إن أحللت ملك رقبتها بالغصب حين تقيم الغاصب مقام سيدها إنك لشبيه أن تحل فرجها أو ملكها وإن منعت فرجها ، أو رأيت إن جعلت الحديث خاصا وأخرجته من العموم أيجوز لك فيه أن تقول فيه بالخاص بغير دلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ( قال الشافعي ) : فقال : فأستدل بحديث المغيرة على أن المغيرة ملك ما يجوز له تملكه فأسلم عليه فلم يخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من يده لم يخمسه قال : فقلت له الذين قتلوا المغيرة مشركون فإن زعمت أن حكم أموال المسلمين حكم أموال المشركين كلمناك على ذلك ، قال : ما حكم أموال المشركين حكم أموال المسلمين وإنه ليدخل على هذا القول ما وصفت ، فهل تجد إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { من أسلم على شيء فهو له } مخرجا صحيحا لا يدخل فيه شيء مثل ما دخل هذا القول ؟ ( قال الشافعي ) : فقلت له : نعم من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له فقال هذا جملة فأبنه فقلت له : إن شاء الله تبارك وتعالى أعز أهل دينه إلا بحقها فهي من غير أهل دينه أولى أن تكون ممنوعة أو أقوى على منعها فإذا كان المسلم لو قهر مسلما على عبد ثم ورث عن القاهر أو غلبه عليه متأول أو لص أخذه المقهور عليه بأصل ملكه الأول وكان لا يملكه مسلم بغصب فالكافر أولى أن لا يملكه بغصب ، وذلك أن الله جل ثناؤه خول المسلمين أنفس الكافرين المحاربين وأموالهم فيشبه والله تعالى أعلم أن يكون المشركون إن كانوا إذا قدروا عليهم وأموالهم خولا لأهل دين الله عز وجل أن لا يكون لهم أن يتحولوا من أموال أهل دين الله شيئا يقدر على إخراجه من أيديهم ولا يجوز أن يكون المتخول متخولا على ممن يتخوله إذا قدر عليه قال : فما الذي يسلمون عليه فيكون لهم ؟ فقلت ما غصبه بعض المشركين بعضا ثم أسلم عليه الغاصب كان له أخذه المغيرة من أموال المشركين وذلك أن المشركين الغاصبين والمغصوبين لم يكونوا ممنوعي الأموال بدين الله عز وجل فلما أخذها بعضهم لبعض أو سبى بعضهم بعضا ثم أسلم السابي الآخذ للمال كان له ما أسلم عليه لأنه أسلم على ما لو ابتدأ أخذه في الإسلام كان له ولم يكن له أن يبتدئ في الإسلام أخذ شيء لمسلم فقال لي : أرأيت من قال هذا القول كيف زعم في المشركين إذا أخذوا لمسلم عبدا أو مالا غيره أو أمته أو أم ولده أو مدبره أو مكاتبه أو مرهونه أو أمة جانية أو غير ذلك ثم أحرزها المسلمون ؟ فقلت هذا يكون كله لمالكه على الملك الأول وبالحال الأول قبل أن يحرزها العدو وتكون أم الولد أم ولد وإن مات سيدها عتقت بموته في بلاد الحرب أو بعد والمدبرة مدبرة ما لم يرجع فيها سيدها والعبد الجاني والأمة الجانية جانيين في رقابهما الجناية لا يغير السباء منهما شيئا وكذلك الرهن وغيره قال : أفرأيت إن أحرز هذا المشركون ثم أحرزه عليهم مشركون غيرهم ثم أحرزه المسلمون ثم أحرزه المشركون عليهم ؟ قلت : كيف كان هذا وتطاول ؟ فهذا قول لا يدخل بحال هو على الملك الأول وكل حادث فيه بعده لا يبطله ويدفعون إلى مالكيهم الأولين المسلمين فقلت للشافعي رحمه الله تعالى : فأجب على هذا القول أرأيت إن أحرز العدو جارية رجل فوطئها المحرز لها فولدت ثم [ ص: 272 ] ظهر عليها المسلمون فقال هي وأولادها لمالكها ؟ فقلت : فإن أسلموا عليها ؟ قال : تدفع الجارية إلى مالكها ويأخذ ممن وطئها عقرها وقيمة أولادها يوم سقطوا .
( قال الشافعي ) : أخبرنا حاتم عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال فقال ابن عباس : إن ناسا يقولون : إن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أني أخاف أن أكتم علما لم أكتب إليه فكتب نجدة إليه أما بعد أخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم وهل كان يقتل الصبيان ومتى ينقضي يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو ؟ فكتب إليه ابن عباس " إنك كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم ولعمري إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الأخذ ضعيف الإعطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس وإنا كنا نقول هو لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه .
سألت الشافعي عن المسلمين إذا غزوا أهل الحرب هل يكره لهم أن يقطعوا الشجر المثمر ويخربوا منازلهم ومدائنهم ويغرقوها ويحرقوها ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم وتؤخذ أمتعتهم ؟ ( قال الشافعي ) : كل ما كان مما يملكوا لا روح له فإتلافه مباح بكل وجه وكل ما زعمت أنه مباح فحلال للمسلمين فعله وغير محرم عليهم تركه وأحب إذا غزا المسلمون بلاد دار الحرب وكانت غزاتهم غارة أو كان عدوهم كثيرا ومتحصنا ممتنعا لا يغلب عليهم أن تصير دارهم دار الإسلام ولا دار عهد يجري عليها الحكم أن يقطعوا ويحرقوا ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم ويؤخذ متاعهم وما كان يحمل من خفيف متاعهم فقدروا عليه اخترت أن يغنموه وما لم يقدروا عليه حرقوه وغرقوه وإذا كان الأغلب عليهم أنها ستصير دار الإسلام أو دار عهد يجري عليهم الحكم اخترت لهم الكف عن أموالهم ليغنموها إن شاء الله تعالى ولا يحرم عليهم تحريقها ولا تخريبها حتى يصيروا مسلمين أو ذمة أو يصير منها في أيديهم شيء مما يحمل فينقل فلا يحل تحريق ذلك لأنه صار للمسلمين ويحرقوا ما سواه مما لا يحمل وإنما زعمت أنه لا يحرم تحريق شجرهم وعامرهم وإن طمع بهم لأنه قد يطمع بالقوم ثم يكون الأمر على غير ما عليه الطمع وإنها حرقت ولم يحرزها المسلمون وإنما زعمت أن لهم الكف عن تحريقها لأن هكذا أصل المباح وقد حرق النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ولم يحرق على آخرين وإن حمل المسلمون شيئا من أموالهم فلم يقتسموه حتى أدركهم عدو وخافوا غلبتهم عليه فلا بأس أن يحرقوه بأن أجمعوا على ذلك وكذلك لو اقتسموه لم أر بأسا على أحد صار في يده أن يحرقه وإن كانوا يرجون منعه لم أحب أن يعجلوا بتحريقه والبيض ما لم يكن فيه فراخ من غير ذوات الأرواح بمعنى الكفار وما ذبحوا من ذوات الأرواح حتى زايله الروح بمنزلة ما لا روح له فيحرق كله إن أدركهم العدو في بلاد المشركين على ما وصفت إن شاءوا ذلك وإن شاءوا تركوه فأما ذوات الأرواح من الخيل والبقر والنحل وغيرها فلا تحرق ولا تعقر ولا تغرق إلا بما يحل به ذبحها أو في موضع ضرورة فقلت كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم [ ص: 273 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } قرأ إلى { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم ووصفه إياه جل ثناؤه كالرضا به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل من ألوان نخلهم فأنزل الله تبارك وتعالى : رضا بما صنعوا من قطع نخيلهم { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } فرضي القطع وأباح الترك فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وترك وقطع نخل غيرهم وترك وممن غزا من لم يقطع نخله ( قال الشافعي ) : أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير } ( قال الشافعي ) : أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير فقال قائل :
: وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
} فإن قال قائل : ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حرق مال بني النضير ثم ترك قيل على معنى ما أنزل الله عز وجل وقد قطع وحرق بخيبر وهي بعد النضير وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قاتل بها وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنى ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن جعفر الأزهري قال : سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد قال { : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغزو صباحا على أهل أبنى وأحرق . } الخلاف في التحريق
قلت للشافعي رحمه الله تعالى : فهل خالف ما قلت في هذا أحد ؟ فقال : نعم بعض إخواننا من مفتي الشاميين فقلت : إلى أي شيء ذهبوا ؟ قال : إلى أنهم رووا عن أبي بكر أنه نهى أن يخرب عامر وأن يقطع شجر مثمر فيها فيما نهى عنه قلت : فما الحجة عليه ؟ قال : ما وصفت من الكتاب والسنة فقلت : علام تعد نهي أبي بكر عن ذلك ؟ فقال الله تعالى أعلم أما الظن به فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فتح الشام فكان على يقين منه فأمر بترك تخريب العامر وقطع المثمر ليكون للمسلمين لا لأنه رآه محرما لأنه قد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم تحريقه بالنضير وخيبر والطائف فلعلهم أنزلوه على غير ما أنزله عليه والحجة فيما أنزل الله عز وجل في صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وكل شيء في وصية أبي بكر سوى هذا فيه نأخذ .
ذوات الأرواح قلت للشافعي رحمه الله تعالى : أفرأيت ما ظفر المسلمون به من ذوات الأرواح من أموال المشركين من الخيل والنحل وغيرها من الماشية فقدروا على إتلافه قبل أن يغنموه أو غنموه فأدركهم العدو فخافوا أن يستنقذوه منهم ويقووا به على المسلمين أيجوز لهم إتلافه بذبح أو عقر أو تحريق أو تغريق في شيء من الأحوال ؟ ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى لا يحل عندي أن يقصد قصده بشيء يتلفه إذا كان لا [ ص: 274 ] راكب عليه فقلت للشافعي ولم قلت وإنما هو مال من أموالهم لا يقصد قصده بالتلف ؟ ( قال الشافعي ) : لفراقه ما سواه من المال لأنه ذو روح يألم بالعذاب ولا ذنب له وليس كما لا روح له يألم بالعذاب من أموالهم وقد نهي عن ذوات الأرواح أن يقتل ما قدر عليه منها إلا بالذبح لتؤكل وما امتنع بما نيل من السلاح لتؤكل وما كان منها عداء وضارا للضرورة قلت للشافعي : اذكر ما وصفت فقال : أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فلما كان قتل ذوات الأرواح من البهائم محظورا إلا بما وصفت كان عقر الخيل والدواب التي لا ركبان عليها من المشركين داخلا في معنى الحظر خارجا من معنى المباح فلم يجز عندي أن تعقر ذوات الأرواح إلا على ما وصفت فإن قال قائل : ففي ذلك غيظ المشركين وقطع لبعض قوتهم قيل له : إنما ينال من غيظ المشركين بما كان غير ممنوع من أن ينال فأما الممنوع فلا يغاظ أحد بأن يأتي الغائظ له ما نهي عن إتيانه ألا ترى أنا لو سبينا نساءهم وولدانهم فأدركونا فلم نشك في استنفاذهم إياهم منا لم يجز لنا قتلهم وقتلهم أغيظ لهم وأنكى من قتل دوابهم فإن قال قائل : فقد روي أن جعفر بن أبي طالب عقر عند الحرب ؟ فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي قيل للشافعي رحمه الله تعالى : أفرأيت الفارس من المشركين أللمسلم أن يعقره ؟ قال : نعم إن شاء الله تعالى لأن هذه منزلة يجد السبيل بها إلى قتل من أمر بقتله فإن قال قائل : فاذكر ما يشبه هذا قيل يكون له أن يرمي المشرك بالنبل والنار والمنجنيق فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به وكان له قتله بالسيف وكذلك له أن يرمي الصيد فيقتله فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاء التي هي أخف عليه وقد أبيح له دم المشرك بالمنجنيق وإن أصاب ذلك بعض من معهم ممن هو محظور الدم للمرء في دفعه عن نفسه عدوه أكثر من هذا فإن قال : فهل في هذا خبر ؟ قيل : نعم عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه فانعكست به وصرع عنها فجلس حنظلة على صدره وعطف ابن شعوب على حنظلة فقتله وذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا نهى غيره عن مثل هذا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولكنه إذا صار إلى أن يفارقه فارسه لم يكن له عقره في تلك الحال والله تعالى أعلم وكذلك لو كانت عليه امرأة أو صبي لا يقاتل لم يعقر إنما يعقر لمعنى أن يوصل إلى فارسه ليقتل أو ليؤسر قيل للشافعي : فهل سمعت في هذا حديثا عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إنما الغاية أن يوجد على شيء دلالة من كتاب أو سنة وقد وصفت لك بعض ما حضرني من ذلك فلا يزيده شيء وافقه قوة ولا يوهنه شيء خالفه وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي أنه أوصى ابنه لا يعقر جسدا وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت وعن قبيصة أن فرسا قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وأخبرنا من سمع هشام بن الغازي يروي عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال { : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة } قيل للشافعي : أفرأيت ما أدرك معهم من أموال المشركين من ذوات الأرواح ؟ قال : لا تعقروا منه شيئا إلا أن تذبحوه لتأكلوا كما وصفت بدلالة السنة وأما ما فارق ذوات الأرواح فيصنعون فيما خافوا أن يستنقذ من أيديهم فيه ما شاءوا من تحريق وكسر وتغريق وغيره قلت : أو يدعون أولادهم ونساءهم ودوابهم ؟ فقال : نعم إذا لم يقدروا على استنقاذهم منهم فقلت للشافعي : أفرأيت إن كان السبي والمتاع قسم ؟ قال : كل رجل صار له من ذلك شيء فهو مسلط على ماله [ ص: 275 ] ويدع ذوات الأرواح إن لم يقو على سوقها وعلى منعها ويصنع في غير ذوات الأرواح ما شاء فقلت للشافعي : أفرأيت الإمام إذا أحرز ما يحمل من المتاع فحرقه في بلاد الشرك وهو يقاتل أو حرقه عند إدراك المشركين له وخوفه أن يستنقذوه قبل أن يقسم وبعدما قسم ؟ فقال : كل ذلك في الحكم سواء إن أحرقه بإذن من معه حل له ولم يضمن لهم سواه ويعزل الخمس لأهله فإن سلم به دفعه إليهم خاصة وإن لم يسلم به لم يكن عليه شيء ومتى حرقه بغير إذنهم ضمنه لهم إن شاءوا وكذلك رجل من المسلمين إن حرقه يضمن ما حرق منه إن حرقه بعد أن يحوزه المسلمون فأما إذا أحرقه قبل أن يحرز فلا ضمان عليه .
السبي يقتل
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسر المشركون فصاروا في يد الإمام ففيهم حكمان ، أما الرجال البالغون فللإمام إن شاء أن يقتلهم أو بعضهم أو يمن عليهم أو على بعضهم ولا ضمان عليه فيما صنع من ذلك أسرتهم العامة أو أحد أو نزلوا على حكمهم أو وال هو أسرهم ( قال الشافعي ) : ولا ينبغي له أن يقتلهم إلا على النظر للمسلمين من تقوية دين الله عز وجل وتوهين عدوه وغيظهم وقتلهم بكل حال مباح ولا ينبغي له أن يمن عليهم إلا بأن يكون يرى له سببا ممن من عليه يرجو إسلامه أو كفه المشركين أو تخذيلهم عن المسلمين أو ترهيبهم بأي وجه ما كان وإن فعل على غير هذا المعنى كرهت له ولا يضمن شيئا وكذلك له أن يفادي بهم المسلمين إذا كان له المن بلا مفاداة فالمفاداة أولى أن تكون له ( قال الشافعي ) رحمه الله : ومن أرق منهم أو أخذ منه فدية فهو كالمال الذي غنمه المسلمون يقسم بينهم ويخمس ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ودون البالغين من الرجال والنساء إذا أسروا بأي وجه ما كان الإسار فهم كالمتاع المغنوم ليس له ترك أحد منهم ولا قتله فإن فعل كان ضامنا لقيمته وكذلك غيره من الجند إن فعل كان ضامنا لقيمة ما استهلك منهم وأتلف .
سير الواقدي .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال : أصل فرض الجهاد والحدود على البالغين من الرجال والفرائض على البوالغ من النساء من المسلمين في الكتاب والسنة من موضعين فأما الكتاب فقول الله تعالى { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فأخبر أن عليهم إذا بلغوا الاستئذان فرضا كما كان على من قبلهم من البالغين وقوله عز وجل { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا } وكان بلوغ النكاح استكمال خمس عشرة وأقل فمن بلغ النكاح استكمل خمس عشرة أو قبلها ثبت عليه الفرض كله والحدود ومن أبطأ عنه بلوغ النكاح فالسن التي يلزمه بها الفرائض من الحدود وغيرهما استكمال خمس عشرة والأصل فيه من السنة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد عبد الله بن عمر عن الجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة وأجازه وهو ابن خمس عشرة سنة وعبد الله وأبو عبد الله طالبان لأن يكون عبد الله مجاهدا في الحالين فأجازه إذا بلغ أن تجب عليه [ ص: 276 ] الفرائض ورده إذا لم يبلغها وفعل ذلك مع بضعة عشر رجلا منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وغيرهم } فمن لم يستكمل خمس عشرة ولم يحتلم قبلها فلا جهاد ولا حد عليه في شيء من الحدود وسواء كان جسيما شديدا مقاربا لخمس عشرة وليس بينه وبين استكمالها إلا يوما أو ضعيفا موديا بينه وبين استكمالها سنة أو سنتان لأنه لا يحد على الخلق إلا بكتاب أو سنة فأما إدخال الغفلة معهما فالغفلة مردودة إذا لم تكن خلافهما فكيف إذا كانت بخلافهما ؟ ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وحد البلوغ في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشعر وذلك أنهم في الحال التي يقتلون فيها مدافعون للبلوغ لئلا يقتلوا وغير مشهود عليهم فلو شهد عليهم أهل الشرك لم يكونوا ممن تجوز شهادتهم وأهل الإسلام يشهدون بالبلوغ على من بلغ فيصدقون بالبلوغ . فإن قال قائل : فهل من خبر سوى الفرق بين المسلمين والمشركين في حد البلوغ ؟ قيل : نعم كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة حين قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم فكان في سنته أن لا يقتل إلا رجل بالغ فمن كان أنبت قتله ومن لم يكن أنبت سباه فإذا غزا البالغ فحضر القتال فسهمه ثابت وإذا حضر من دون البلوغ فلا سهم له فيرضخ له وللعبد ، والمرأة والصبي يحضرون الغنيمة ولا يسهم لهم ويرضخ أيضا للمشرك يقاتل معهم ولا يسهم له .
الاستعانة بأهل الذمة على قتال العدو .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الذي روى مالك كما روى { رد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم ثم استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر بسنتين في غزاة خيبر بعدد من يهود بني قينقاع كانوا أشداء واستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك } فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين بمسلم أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ لهم ولا يسهم لهم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لهم ولا يجوز أن يترك العبيد من المسلمين بلا سهم وغير البالغين وإن قاتلوا والنساء وإن قاتلن لتقصير هؤلاء عن الرجلية والحرية والبلوغ والإسلام ويسهم للمشرك وفيه التقصير الأكثر من التقصير عن الإسلام وهذا قول من حفظت عنه وإن أكره أهل الذمة على أن يغزوا فلهم أجر مثلهم في مثل مخرجهم من أهلهم إلى أن تنقضي الحرب وإرسالهم إياهم وأحب إلي إذا غزا بهم لو استؤجروا .
[ ص: 277 ] الرجل يسلم في دار الحرب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلم الرجل من أهل دار الحرب كان مشركا أو مستأمنا فيهم أو أسيرا في أيديهم سواء ذلك كله فإذا خرج إلى المسلمين بعدما غنموا فلا يسهم له وهكذا من جاءهم من المسلمين مددا وإن بقي من الحرب شيء شهدها هذا المسلم الخارج أوالجيش شركوهم في الغنيمة لأنها لم تحرز إلا بعد تقضي الحرب وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : الغنيمة لمن شهد الوقعة فإن حضر واحد من هؤلاء فارسا أسهم له سهم فارس وإن حضر راجلا أسهم له سهم راجل فإن قاتل التجار مع المسلمين أسهم لهم فرسان إن كانوا فرسانا وسهم رجاله إن كانوا رجالة .
في السرية تأخذ العلف والطعام .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يجوز لأحد من الجيش أن يأخذ شيئا دون الجيش مما يتموله العدو إلا الطعام خاصة والطعام كله سواء وفي معناه الشراب كله فمن قدر منهم على شيء له أن يأكله أو يشربه ويعلفه ويطعمه غيره ويسقيه ويعلف له وليس له أن يبيعه وإذا باعه رد ثمنه في المغنم ويأكله بغير إذن الإمام وما كان حلالا من مأكول أو مشروب فلا معنى للإمام فيه والله تعالى أعلم .
في الرجل يقرض الرجل الطعام أو العلف إلى دار الإسلام .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أقرض الرجل رجلا طعاما أو علفا في بلاد العدو رده فإن خرج من بلاد العدو لم يكن له رده عليه لأنه مأذون له في بلاد العدو في أكله وغير مأذون له إن فارق بلاد العدو في أكله ويرده المستقرض على الإمام .
الرجل يخرج الشيء من الطعام أو العلف إلى دار الإسلام .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ومن فضل في يديه شيء من الطعام قل أو كثر فخرج به من دار العدو إلى دار الإسلام لم يكن له أن يبيعه ولا يأكله وكان عليه أن يرده إلى الإمام فيكون في المغنم فإن لم يفعل حتى يتفرق الجيش فلا يخرجه منه أن يتصدق به ولا بإضعافه كما لا يخرجه من حق واحد ولا جماعة إلا تأديته إليهم فإن قال : لا أجدهم فهو يجد الإمام الأعظم الذي عليه تفريقه فيهم ولا أعرف لقول من قال يتصدق به وجها فإن كان ليس له مال فليس له الصدقة بمال غيره فإن قال : لا أعرفهم قيل : ولكن تعرف الوالي الذي يقوم به عليهم ولو لم تعرفهم ولا واليهم ما أخرجك فيما بينك وبين الله إلا أداء قليل ما لهم وكثيره عليهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (184)
صــــــــــ 278 الى صـــــــــــ284
[ ص: 278 ] الحجة في الأكل والشرب في دار الحرب
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فإن قال قائل : كيف أجزت لبعض المسلمين أن يأكل ويشرب ويعلف مما أصاب في دار الحرب ولم تجز له أن يأكل بعد فراقه إياها ؟ قيل : إن الغلول حرام وما كان في بلاد الحرب فليس لأحد أن يأخذ منه شيئا دون أحد حضره فهم فيه شرع سواء على ما قسم لهم فلو أخذ إبرة أو خيطا كان محرما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار ونار يوم القيامة } فكان الطعام داخلا في معنى أموال المشركين وأكثر من الخيط والمخيط والفلس والخرزة التي لا يحل أخذها لأحد دون أحد فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام في بلاد الحرب كان الإذن فيه خاصا خارجا من الجملة التي استثنى فلم يجز أن نجيز لأحد أن يأكل إلا حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل وهو ببلاد الحرب خاصة فإذا زايلها لم يكن بأحق بما أخذ من الطعام من غيره كما لا يكون بأحق بمخيط لو أخذه من غيره وكذلك كل ما أحل من محرم في معنى لا يحل إلا في ذلك المعنى خاصة فإذا زايل ذلك المعنى عاد إلى أصل التحريم مثلا الميتة المحرمة في الأصل المحلة للمضطر فإذا زايلت الضرورة عادت إلى أصل التحريم مع أنه يروى من حديث بعض الناس مثل ما قلت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا في بلاد العدو ولا يخرجوا بشيء من الطعام فإن كان مثل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة لأحد معه وإن كان لا يثبت لأن في رجاله من يجهل وكذلك في رجال من روي عنه إحلاله من يجهل .
بيع الطعام في دار الحرب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا تبايع رجلان طعاما بطعام في بلاد العدو فالقياس أنه لا بأس به لأنه إنما أخذ مباحا بمباح فأكل كل واحد منهما ما صار إليه ما لم يخرج فإذا خرج رد الفضل فإذا جاز له أن يأخذ طعاما فيطعمه غيره لأنه قد كان يحل لغيره أن يأخذ كما أخذ فيأكل فلا بأس أن يبايعه به .
الرجل يكون معه الطعام في دار الحرب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا فضل في يدي رجل طعام ببلاد العدو بعد تقضي الحرب ودخل رجل لم يشركهم في الغنيمة فبايعه لم يجز له بيعه لأنه أعطى من ليس له أكله والبيع مردود فإن فات رد قيمته إلى الإمام ولم يكن له حبسها ولا إخراجها من يديه إلى من ليس له أكلها وكان كإخراجه إياها من بلاد العدو إلى الموضع الذي ليس له أكلها فيه .
[ ص: 279 ] ذبح البهائم من أجل جلودها
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحب إلي إذا كانوا غير متفاوتين ولا خائفين من أن يدركوا في بلاد العدو ولا مضطرين أن لا يذبحوا شاة ولا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكله ولا يذبحوا لنعل ولا شراك ولا سقاء يتخذونها من جلودها ولو فعلوا كان مما أكره ولم أجز لهم اتخاذ شيء من جلودها ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وجلود البهائم التي يملكها العدو كالدنانير والدراهم لأنه إنما أذن لهم في الأكل من لحومها ولم يؤذن لهم في ادخار جلودها وأسقيتها وعليهم رده إلى المغنم وإذا كانت الرخصة في الطعام خاصة فلا رخصة في جلد شيء من الماشية ولا ظرف فيه طعام لأن الظرف غير الطعام والجلد غير اللحم فيرد الظرف والجلد والوكاء فإن استهلكه فعليه قيمته وإن انتفع به فعليه ضمانه حتى يرده وما نقصه الانتفاع وأجر مثله إن كان لمثله أجر .
كتب الأعاجم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما وجد من كتبهم فهو مغنم كله وينبغي للإمام أن يدعو من يترجمه فإن كان علما من طب أو غيره ولا مكروه فيه باعه كما يبيع ما سواه من المغانم وإن كان كتاب شرك شقوا الكتاب وانتفعوا بأوعيته وأداته فباعها ولا وجه لتحريقه ولا دفنه قبل أن يعلم ما هو .
توقيح الدواب من دهن العدو
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يوقح الرجل دابته ولا يدهن أشاعرها من أدهان العدو لأن هذا غير مأذون له به من الأكل وإن فعل رد قيمته .
زقاق الخمر والخوابي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ظهر المسلمون على بلاد الحرب حتى تصير دار الإسلام أو ذمة يجري عليها الحكم فأصابوا فيها خمرا في خواب أو زقاق أهراقوا الخمر وانتفعوا بالزقاق والخوابي وطهروها ولم يكسروها لأن كسرها فساد وإذا لم يظهروا عليها وكان ظفرهم بها ظفر غارة لا ظفر أن يجري بها حكم أهراقوا الخمر من الزقاق والخوابي فإن استطاعوا حملها أو حمل ما خف منها حملوه مغنما وإن لم يستطيعوا أحرقوه وكسروه إذا ساروا وإذا ظفروا بالكشوث في الحالين أي المسلمون انتفعوا به وكذلك كل ما ظهروا عليه غير محرم وليس الكشوث وإن كان غير محرم وإن كان يطرح في السكر إذا كان حلالا بأولى أن يحرم من الزبيب والعسل اللذين يعمل منهما المحرم ولا يحرق هذا ولا هذا لأنهما غير محرمين . .
[ ص: 280 ] إحلال ما يملكه العدو
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا دخل القوم بلاد العدو فأصابوا منها شيئا سوى الطعام فأصل ما يصيبونه سوى الطعام شيئان : أحدهما محظور أخذه غلول والآخر مباح لمن أخذه . فأصل معرفة المباح منه أن ينظر إلى بلاد الإسلام فما كان فيها مباحا من شجر ليس يملكه الآدمي أو صيد من بر أو بحر فأخذ مثله في بلاد العدو فهو مباح لمن أخذه يدخل في ذلك القوس يقطعها الرجل من الصحراء أو الجبل والقدح ينحته وما شاء من الخشب وما شاء من الحجارة البرام وغيرها إذا كانت غير مملوكة محرزة . فكل ما أصيب من هذه فهو لمن أخذه لأن أصله مباح غير مملوك وكل ما ملكه القوم فأحرزوه في منازلهم فهو ممنوع مثل حجر نقلوه إلى منازلهم أو عود أو غيره أو صيد فأخذ هذا غلول .
البازي المعلم والصيد المقرط والمقلد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أخذ الرجل بازيا معلما فهذا لا يكون إلا مملوكا ويرده في الغنم وهكذا إن أخذ صيدا مقلدا أو مقرطا أو موسوما فكل هذا قد علم أنه قد كان له مالك وهكذا إن وجد في الصحراء وتدا منحوتا أو قدحا منحوتا كان النحت دليلا على أنه مملوك فيعرف فإن عرفه المسلمون فهو لهم وإن لم يعرفوه فهو مغنم لأنه في بلاد العدو .
في الهر والصقر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما وجدنا من أموال العدو من كل شيء له ثمن من هر أو صقر فهو مغنم وما أصيب من الكلاب فهو مغنم إن أراده أحد لصيد أو ماشية أو زرع وإن لم يكن في الجيش أحد يريده لذلك لم يكن لهم حبسه لأن من اقتناه لغير هذا كان آثما ورأيت لصاحب الجيش أن يخرجه فيعطيه أهل الأخماس من الفقراء والمساكين ومن ذكر معهم إن أراده أحد منهم لزرع أو ماشية أو صيد فإن لم يرده قتله أو خلاه ولا يكون له بيعه وما أصاب من الخنازير فإن كانت تعدو إذا كبرت يقتلها كلها ولا تدخل مغنما بحال ولا تترك وهن عواد إذا قدر على قتلها فإن عجل به مسير خلاها ولم يكن ترك قتلها بأكثر من ترك قتال المشركين لو كانوا بإزائه .
في الأدوية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الطعام مباح أن يؤكل في بلاد العدو وكذلك الشراب وإنما ذهبنا إلى ما يكون مأكولا مغنيا من جوع وعطش ويكون قوتا في بعض أحواله فأما الأدوية كلها فليست من حساب الطعام المأذون وكذلك الزنجبيل وهو مريب وغير مريب إنما هو من حساب الأدوية وأما الألايا فطعام يؤكل فما كان من حساب الطعام فلصاحبه أكله لا يخرجه من بلاد العدو وما كان من حساب الدواء فليس له أخذه في بلاد العدو ولا غيرها .
[ ص: 281 ] قال الشافعي ) : وإذا أسلم الرجل الحربي وثنيا كان أو كتابيا وعنده أكثر من أربع نسوة نكحهن في عقدة أو عقد متفرقة أو دخل بهن كلهن أو دخل ببعضهن دون بعض أو فيهن أختان أو كلهن غير أخت للأخرى قيل له : أمسك أربعا أيتهن شئت ليس في الأربع أختان تجمع بينهما ولا ينظر في ذلك إلى نكاحه أية كانت قبل وبهذا مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا الثقة وأحسبه ابن علية عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه { أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا وفارق سائرهن } ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب { أن رجلا من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا وفارق سائرهن } ( قال الشافعي ) : أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحارث عن { نوفل بن معاوية الديلمي قال : أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها } ( قال الشافعي ) : فخالفنا بعض الناس في هذا فقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة فإن كان نكحهن في عقدة فارقهن كلهن وإن كان نكح أربعا منهن في عقد متفرقة فيهن أختان أمسك الأولى وفارق التي نكح بعدها وإن كان نكحهن في عقد متفرقة أمسك الأربع الأوائل وفارق اللواتي بعدهن وقال : انظر في هذا إلى كل ما لو ابتدأه في الإسلام جاز له فأجعله إذا ابتدأه في الشرك جائزا له وإذا كان إذا ابتدأه في الإسلام لم يجز له جعلته إذا ابتدأه في الشرك غير جائز له ( قال الشافعي ) : فقلت لبعض من يقول هذا القول لو لم يكن عليك حجة إلا أصل القول الذي ذهبت إليه كنت محجوجا به قال : ومن أين ؟ قلت : أرأيت أهل الأوثان لو ابتدأ رجل نكاحا في الإسلام لولي منهم وشهود منهم أيجوز نكاحه ؟ قال : لا قلت : أفرأيت أحسن حال نكاح كان لأهل الأوثان قط أليس أن ينكح الرجل بولي منهم وشهود منهم ؟ قال : بلى قلت : فكان يلزمك في أصل قولك أن يكون نكاحهن كلهن باطلا لأن أحسن شيء كان منه عندك لا يجوز في الإسلام مع أنهم قد كانوا ينكحون في العدة وبغير شهود قال : فقد أجاز المسلمون لهم نكاحهم قلنا اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت لم تتبع فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في نكاحهن حكما جمع أمورا فكيف خالفت بعضها ووافقت بعضها ؟ قال : فأين ما خالفت منها ؟ قلت : موجود على لسانك لو لم يكن فيه خبر غيره قال : وأين ؟ قلت : إذ زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا لهم عن العقد الفاسد في الشرك حتى أقامه مقام الصحيح في الإسلام فكيف لم تعفه لهم فتقول بما قلنا قال : وأين عفا لهم عن النكاح الفاسد قلت : نكاح أهل الأوثان كله قال : فقد علمت أنه فاسد لو ابتدئ في الإسلام ولكن اتبعت فيه الخبر قلنا : فإذا كان موجودا في الخبر أن العقد الفاسد في الشرك كالعقد في الإسلام كيف لم تقل فيه بقولنا تزعم أن العقود كلها فاسدة ولكنها ماضية فهي معفوة وما أدرك الإسلام من النساء وهو باق فهو غير معفو العدد فيه فنقول : أصل العقد كله فاسد معفو عنه وغير معفو عما زاد من العدد فأترك ما زاد على أربع والترك إليك وأمسك أربعا قال : فهل تجد على هذا دلالة غير الخبر مما تجامعك عليه ؟ قلت : نعم قال الله عز وجل { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } إلى " تظلمون " فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما [ ص: 282 ] قبضوا من الربا فلم يأمرهم برده وأبطل ما أدرك حكم الإسلام من الربا ما لم يقبضوه فأمرهم بتركه وردهم إلى رءوس أموالهم التي كانت حلالا لهم فجمع حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم في الربا إن عفا فات وأبطل ما أدرك الإسلام فكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح كانت العقدة فيه ثابتة فعفاها وأكثر من أربع نسوة مدركات في الإسلام فلم يعفهن وأنت لم تقل بأصل ما قلت ولا القياس على حكم الله ولا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قولك خارجا من هذا كله ومن المعقول . قال : أفرأيت لو تركت حديث نوفل بن معاوية وحديث ابن الديلمي اللذين فيهما البيان لقولك وخلاف قولنا واقتصرت على حديث الزهري أيكون فيه دلالة على قولك وخلاف قولنا ؟ قلنا : نعم ؟ قال : وأين ؟ قلت : إذا كانوا مبتدئين في الإسلام لا يعرفون بابتدائه حلالا ولا حراما من نكاح ولا غيره فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمسكوا أكثر من أربع دل المعقول على أنه لو كان أمرهم أن يمسكوا الأوائل كان ذلك فيما يعلمهم لأن كلا نكاح إلا أن يكون قليلا ثم هو أولى ثم أحرى مع أن حديث نوفل بن معاوية ثبت قاطعا لموضع الاحتجاج والشبهة .
الحربي يصدق امرأته .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فأصل نكاح الحربي كله فاسد سواء كان بشهود أو بغير شهود ولو تزوج الحربي حربية على حرام من خمر أو خنزير فقبضته ثم أسلما لم يكن لها عليه مهر ولو أسلما ولم تقبضه كان لها عليه مهر مثلها . ولو تزوجها على حر مسلم أو مكاتب لمسلم أو أم ولد لمسلم أو عبد لمسلم ثم أسلما وقد قبضت أو لم تقبض لم يكن لها سبيل على واحد منهم كان الحر حرا ومن بقي مملوكا لمالكه الأول والمكاتب مكاتب لمالكه ولها مهر مثلها في هذا كله ، والله سبحانه وتعالى الموفق .
كراهية نساء أهل الكتاب الحربيات
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أحل الله تبارك وتعالى نساء أهل الكتاب وأحل طعامهم فذهب بعض أهل التفسير إلى أن طعامهم ذبائحهم فكان هذا على الكتابيين محاربين كانوا أو ذمة لأنه قصد بهم قصد أهل الكتاب فنكاح نسائهم حلال لا يختلف في ذلك أهل الحرب وأهل الذمة كما لو كان عندنا مستأمن غير كتابي وكان عندنا ذمة مجوس فلم تحلل نساؤهم إنما رأينا الحلال والحرام فيهم على أن يكن كتابيات من أهل الكتاب المشهور من أهل التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى فيحللن ولو كن يحللن في الصلح والذمة ويحرمن من المحاربة حل المجوسيات والوثنيات إذا كن مستأمنات غير أنا نختار للمرء أن لا ينكح حربية خوفا على ولده أن يسترق ويكره له أن لو كانت مسلمة بين ظهراني أهل الحرب أن ينكحها خوفا على ولده أن يسترقوا أو يفتنوا فأما تحريم ذلك فليس بمحرم والله تعالى أعلم .
من أسلم على شيء غصبه أو لم يغصبه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : روى ابن أبي مليكة مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من [ ص: 283 ] أسلم على شيء فهو له } وكان معنى ذلك من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له . وذلك كل ما كان جائزا للمسلم من المشركين أسلم عليه مما أخذه من مال مشرك لا ذمة له فإن غصب بعضهم بعضا مالا أو استرق منهم حرا فلم يزل في يده موقوفا حتى أسلم عليه فهو له . وكذلك ما أصاب من أموالهم فأسلم عليها فهي له ، وهو إذا أسلم وقد مضى ذلك منه في الجاهلية كالمسلمين يوجفون على أهل دار الحرب فيكون لهم أن يسبوهم فيسترقوهم ويغنموا أموالهم فيتمولونها إلا أنه لا خمس عليهم من أجل أنه أخذه وهو مشرك فهو له كله ومن أخذ من المشركين من أحد من المسلمين حرا أو عبدا أو أم ولد أو مالا فأحرزه عليه ثم أسلم عليه فليس له منه شيء وكذلك لو أوجف المسلمون عليه في يدي من أخذه كان عليهم رد ذلك كله بلا قيمة قبل القسم وبعده لا يختلف ذلك والدلالة عليه من الكتاب وكذلك دلت السنة وكذلك يدل العقل والإجماع في موضع وإن تفرق في آخر لأن الله عز وجل أورث المسلمين أموالهم وديارهم فجعلها غنما لهم وخولا لإعزاز أهل دينه وإذلال من حاربه سوى أهل دينه . ولا يجوز أن يكون المسلمون إذا قدروا على أهل الحرب تخولوهم وتمولوا أموالهم ثم يكون أهل الحرب يحوزون على الإسلام شيئا فيكون لهم أن يتخولوه أبدا ، فإن قال قائل : فأين السنة التي دلت على ما ذكرت ؟ قيل : أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين { أن المشركين أسروا امرأة من الأنصار وأحرزوا ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فانفلتت الأنصارية من الإسار فركبت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأرادت نحرها حين وردت المدينة وقالت : إني نذرت لئن أنجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكروه له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم وأخذ ناقته } ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : فلو كان المشركون إذا أحرزوا شيئا كان لهم لا ينفي أن تكون الناقة إلا للأنصارية كلها لأنها أحرزتها عن المشركين أو يكون لها أربعة أخماسها وتكون مخموسة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير لها منها شيئا وكان يراها على أصل ملكه ولا أعلم أحدا يخالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا لرجل أو مالا له فأدركه قد أوجف المسلمون عليه قبل المقاسم أن يكون له بلا قيمة . ثم اختلفوا بعدما يقع في المقاسم فقال منهم قائل مثل ما قلت هو أحق به وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه مثل قيمته من خمس الخمس وهو سهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول يوافق الكتاب والسنة والإجماع . ثم قال غيرنا : يكون إذا وقع في المقاسم أحق به إن شاء بالقيمة وقال غيرهم : لا سبيل إليه إذا وقع في المقاسم وإجماعهم على أنه لمالكه بعد إحراز العدو له وإحراز المسلمين عن العدو له حجة عليهم في أنه هكذا ينبغي أن يكون بعد القسم ، وإذا كانوا لو أحرزه مسلمون متأولين أو غير متأولين فقدروا عليه بأي وجه ما كان ردوه على صاحبه كان المشركون ، أن لا يكون لهم عليهم سبيل أولى بهم وما يعدوا الحديث لو كان ثابتا أن يكون من أسلم على شيء فهو له فيكون عاما فيكون مال المسلم والمشرك سواء إذا أحرزه العدو فمن قال هذا لزمه أن يقول لو أسلموا على حر مسلم كان لهم أن يسترقوه أو يكون خاصا فيكون كما قلنا بالدلائل التي وصفنا ولو كان إحراز المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين يصير ذلك ملكا لهم لو أسلموا عليه ما جاز إذا ما أحرز المسلمون ما أحرز المشركون أن يأخذه مالكه من المسلمين بقيمة ولا بغير قيمة قبل القسم ولا بعده وكما لا يجوز فيما سوى ذلك من أموالهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا الثقة عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له أبق وفرسا له عار فأحرزه المشركون ثم أحرزه عليهم المسلمون فردا عليه بلا قيمة . فلو أحرز المشركون امرأة رجل أو أم ولده أو [ ص: 284 ] مدبرة أو جارية غير مدبرة فلم يصل إلى أخذها ووصل إلى وطئها لم يحرم عليه أن يطأ واحدة منهن لأنهن على أصل ملكه والاختيار له أن لا يطأ منهن واحدة خوف الولد أن يسترق وكراهية أن يشركه في بضعها غيره .
المسلم يدخل دار الحرب فيجد امرأته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل رجل دار الحرب بأمان فوجد امرأته أو امرأة غيره أو ماله أو مال غيره من المسلمين أو أهل الذمة مما غصبه المشركون كان له أن يخرج به من قبل أنه ليس بملك للعدو ولو أسلموا عليه لم يكن لهم فليس بخيانة كما لو قدر على مسلم غصب شيئا فأخذه بلا علم المسلم فأداه إلى صاحبه لم يكن خان إنما الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه ولكنه لو قدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئا قل أو كثر لأنه إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له من أموال المسلمين وأهل الذمة لأن المال ممنوع بوجوه أولها إسلام صاحبه والثاني مال من له ذمة والثالث مال من له أمان إلى مدة أمانه وهو كأهل الذمة فيما يمنع من ماله إلى تلك المدة .
الذمية تسلم تحت الذمي
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسلمت الذمية تحت الذمي حاملا كانت لها النفقة حتى تضع حملها فإن أرضعته فلها أجر الرضاع وهي كالمبتوتة المسلمة الحامل أو أولى بالنفقة منها وإذا كان بين المشركين ولد فأي الأبوين أسلم فكل من لم يبلغ من الولد تبع للمسلم يصلى عليه إذا مات ويورث من المسلم ويرثه المسلم وإن كان الأبوان مملوكين لمشرك فأسلم أحدهما تبع المسلم الولدان اللذان لم يبلغوا لأن حكمهم حكم الإسلام لا يجوز عندي إلا هذا القول ما كان الأولاد صغارا وكانوا تبعا لغيرهم لا يشرك دين الإسلام وغيره في دين إلا كان الإسلام أولى به أو قول ثان أنهم إذا ولدوا على الشرك كانوا عليه حتى يعربوا عن أنفسهم فلو أسلم أبوهم لم يكن حكم واحد منهم حكم مسلم ولست أقول هذا ولا أعلم أحدا يقول به من أهل العلم فأما أن يقال الولد للأب حظ الأم منه ولو اتبع الأم دون الأب كما يتبعها في العتق والرق كان أولى أن يغلط إليه من أن يقال هو للأب وإن كان الدين ليس من معنى الرق ولكنه من المعنى الذي وصفت من أن الإسلام إذا شارك غيره في الدين والملك كان الإسلام أولى والله تعالى أعلم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (185)
صــــــــــ 285 الى صـــــــــــ291
باب النصرانية تسلم بعدما يدخل بها زوجها
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى في النصرانية تكون عند النصراني فتسلم بعدما يدخل بها : لها المهر [ ص: 285 ] فإن كانت قبضته وإلا أخذته بعد إسلامها أسلم أو لم يسلم فإن لم يكن دخل بها حتى أسلمت قبضت منه مهرا أو لم تقبضه فسواء ولا يعدو أن يكون لها نصف المهر لأنه لو أسلم كان أحق بها أو لا يكون لها شيء لأن فسخ النكاح جاء من قبلها فإذا كان هذا فعليها رد شيء إن كانت أخذته له كما لو أخذت منه شيئا عوضا من شيء كالثمن للسلعة ففاتت السلعة كان عليها رد الثمن فأما مالها ما أخذت ولا تأخذ شيئا إن لم تكن أخذت فلا يشبه هذا من العلم شيئا . والله سبحانه وتعالى أعلم .
النصرانية تحت المسلم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت النصرانية عند المسلم فطهرت من الحيضة جبرت على الغسل منها فإن امتنعت أدبت حتى تفعل لأنها تمنعه الجماع في الوقت الذي يحل له وقد قال الله عز وجل { لا تقربوهن حتى يطهرن } فزعم بعض أهل التفسير أنه حتى يطهرن من الحيض قال الله تعالى { فإذا تطهرن } يعني بالماء { فأتوهن من حيث أمركم الله } فلما كان ممنوعا من أن يأتي زوجته إلا بأن تطهر من الحيضة وتطهر بالماء فيجتمع فيها المعنيان كان بينا أن نجبر النصرانية على الغسل من الحيضة لئلا يمنع الجماع فأما الغسل من الجنابة فهو مباح له أن يجامعها جنبا فتؤمر به كما تؤمر بالغسل من الوسخ والدخان وما غير ريحها ولا يبين لي أن تضرب عليه لو امتنعت منه لأنه غسل تنظيف لها .
نكاح نساء أهل الكتاب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أحل الله تبارك وتعالى حرائر المؤمنات واستثنى في إماء المؤمنات أن يحللهن بأن يجمع ناكحهن أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف العنت في ترك نكاحهن فزعمنا أنه لا يحل نكاح أمة مسلمة حتى يجمع ناكحها الشرطين اللذين أباح الله نكاحها بهما وذلك أن أصل ما نذهب إليه إذا كان الشيء مباحا بشرط أن يباح به فلا يباح إذا لم يكن الشرط كما قلنا في الميتة تباح للمضطر ولا تباح لغيره وفي المسح على الخفين يباح لمن لبسهما كامل الطهارة ما لم يحدث ولا يباح لغيره وفي صلاة الخوف يباح للخائف أن يخالف بها الصلوات من غير الخوف ولا تباح لغيره وقال الله تبارك وتعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } فأطلق التحريم تحريما بأمر وقع عليه اسم الشرك قال { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } والمحصنات منهن الحرائر فأطلقنا من استثنى الله إحلاله وهن الحرائر من أهل الكتاب والحرائر غير الإماء كما قلنا لا يحل نكاح مشركة غير كتابية وقال غيرنا كذلك كان يلزمه أن يقول وغير حرة حتى يجتمع فيها أن تكون حرة كتابية فإذا كان نكاح إماء المؤمنين ممنوعا إلا بشرطين كان فيه الدلالة على أنه لا يجوز نكاح غير إماء المؤمنين مع الدلالة الأولى فإماء أهل الكتاب محرمات من الوجهين في دلالة القرآن ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 286 ] إيلاء النصراني وظهاره
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا آلى النصراني من امرأته فتحاكما إلينا بعد الأربعة الأشهر حكمنا عليه حكمنا على المسلم في أن يفيء أو يطلق ونأمره إذا فاء بالكفارة ولا نجبره عليها لأنه لا يسقط عنه بالشرك من حق الله تعالى شيء وإن كان غير مقبول منه حتى يؤمن فإذا تظاهر من امرأته فرافعته ورضيا بالحكم فليس في الظهار طلاق فنحكم عليه وإنما فيه كفارة فنأمره بها ولا نجبره عليها كما قلنا في يمين الإيلاء .
في النصراني يقذف امرأته .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قذف النصراني امرأته فرافعته ورضيا بالحكم لاعنا بينهما وفرقنا ونفينا الولد كما نصنع بالمسلم ولو فعل وترافعا فأبى أن يلتعن عزرناه ولم نحده لأنه ليس على من قذف نصرانية حد وأقررناها معه لأنا لا نفرق بينهما إلا بالتعانه .
فيمن يقع على جارية من المغنم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا وقع الرجل من المسلمين قد شهد الحرب على جارية من الرقيق قبل أن يقسم فإن لم تحمل أخذ منه عقرها وردت إلى المغنم فإن كان من أهل الجهالة نهي وإن كان من أهل العلم عزر ولا حد من قبل الشبهة في أنه يملك منها شيئا وإن أحصى المغنم فعرف قدر ملكه منها مع جماعة أهل المغنم وقع عنه من المهر بحصته وإن حملت فهكذا وتقوم عليه وتكون أم ولده وإذا كان الزنا بعينه فلا مهر فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي والبغي هي التي تمكن من نفسها فتكون والذي زنى بها زانيين محدودين فإذا كانت مغصوبة فهي غير زانية محدودة فلها المهر وعلى الزاني بها الحد .
المسلمون يوجفون على العدو ، فيصيبون سبيا فيهم قرابة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أوجف المسلمون على العدو فكان فيهم ولد لمسلم مملوك للعدو أو كان فيهم ولد لمسلم لم يزل من أهل الحرب وقد شهد ابنه الحرب فصار له الحظ في أبيه أو ابنه منهم لم يعتق واحد منهما عليه حتى يقسموا فإذا صار أحدهما أو كلاهما في حظه عتق وإن لم يكن يعتق فإن قال قائل : فأنت تقول إذا ملك أباه أو ولده عتق عليه فإنما أقول ذلك إذا اجتلب هو في ملكه بأن يشتريه أو يتهبه أو يزعم أنه وهب له أو أوصى له به لم أعتقه عليه حتى يقبله وكان له رد الهبة والوصية فهو إذا أوجف عليه فله ترك حقه من الغنيمة ولا يعتق حتى يصير في ملكه بقسم أو شراء ولا يشبه هذا الجارية يطؤها وله فيها حق من قبل أنا ندرأ الحد بالشبهة ولا نثبت الملك بالشبهة . والله تعالى أعلم .
[ ص: 287 ] المرأة تسبى مع زوجها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء أهل الحرب من أهل الأوثان حكمين فأما أحدهما فاللائي سبين فاستؤمن بعد الحرية فقسمهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى من صرن إليه أن يطأ حائلا حتى تحيض أو حاملا حتى تضع وذلك في سبي أوطاس ودل ذلك على أن بالسباء نفسه انقطاع العصمة بين الزوجين وذلك أنه لا يأمر بوطء ذات زوج بعد حيضة إلا وذلك قطع العصمة وقد ذكر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن قول الله عز وجل { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسبي ولم يكن استيماؤهن بعد الحرية بأكثر من قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن وسواء أسرن مع أزواجهن أو قبل أزواجهن أو بعد أو كن في دار الإسلام أو دار الحرب لا تقع العصمة إلا ما كان بالسباء الذي كن به مستأميات بعد الحرية وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من هوازن فما علمناه سأل عن أزواج المسبيات أسبوا معهن أو قبلهن أو بعدهن أو لم يسبوا ولو كان في أزواجهن معنى يسأل عنهن إن شاء الله تعالى فأما قول من قال خلاهن النبي صلى الله عليه وسلم فرجعن إلى أزواجهن فإن كان المشركون استحلوا شيئا من نسائهم فلا حجة بالمشرك وإن كانوا أسلموا فلا يجوز أن يكن يرجعن إلى أزواجهن إلا بنكاح جديد من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباحهن لمالكيهن وهو لا يبيحهن والنكاح ثابت عليهن ولا يبيحهن إلا بعد انقطاع النكاح وإذا انقطع النكاح فلا بد من تجديد النكاح ، والله تعالى أعلم .
المرأة تسلم قبل زوجها والزوج قبل المرأة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللائي أسلمن ولم يسبين قبل أزواجهن وبعدهم سنة واحدة وذلك أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما بمر الظهران والنبي صلى الله عليه وسلم ظاهر عليه ومكة دار كفر وبها أزواجهما ورجع أبو سفيان أمام النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وهند بنت عتبة مشركة فأخذت بلحيته وقالت : اقتلوا هذا الشيخ الضال وأقامت على الشرك حتى أسلمت بعد الفتح بأيام فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على النكاح وذلك أن عدتها لم تنقض وصارت مكة دار الإسلام وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل وأقامتا بمكة مسلمتين في دار الإسلام وهرب زوجاهما مشركين ناحية اليمن إلى دار الشرك ثم رجعا فأسلم عكرمة بن أبي جهل ولم يسلم صفوان حتى شهد حنينا كافرا ثم أسلم فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحهما وذلك أن عدتهما لم تنقض وفي هذا حجة على من فرق بين المرأة تسلم قبل الرجل والرجل يسلم قبل المرأة وقد فرق بينهما بعض أهل ناحيتنا فزعم في المرأة تسلم قبل الرجل ما زعمنا وزعم في الرجل يسلم قبل المرأة خلاف ما زعمنا وأنها تبين منه إلا أن يتقارب إسلامه وهذا خلاف القرآن والسنة والعقل والقياس ولو جاز أن يفرق بينهما لكان ينبغي أن يقول في المرأة تسلم قبل الرجل قد انقطعت العصمة بينهما لأن المسلمة لا تحل لمشرك بحال والمرأة المشركة قد تحل للمسلم بحال وهي أن تكون كتابية فشدد في الذي ينبغي أن يهون فيه وهون في الذي ينبغي أن يشدد فيه لو كان ينبغي أن يفرق بينهما فإن قال رجل : ما السنة التي تدل على ما قلت دون ما قال ؟ فما وصفنا قبل هذا وإن قال فما الكتاب ؟ قيل قال [ ص: 288 ] الله عز وجل { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فلا يجوز في هذه الآية إلا أن يكون اختلاف الدينين يقطع العصمة ساعة اختلفا أو يكون يقطع العصمة بينهما اختلاف الدينين والثبوت على الاختلاف إلى مدة والمدة لا تجوز إلا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وصفنا وجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمة قبل زوجها والمسلم قبل امرأته فحكم فيهما حكما واحدا فكيف جاز أن يفرق بينهما ؟ وجمع الله عز وجل بينهما فقال { : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فإن قال قائل : فإنما ذهبنا إلى قول الله عز وجل { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فهي كالآية قبلها لا تعدو أن يكون الزوج ساعة يسلم قبل امرأته تنقطع العصمة بينهما لأنه مسلم وهي كافرة أو لا تكون العصمة تنقطع بينهما إلا إلى مدة فقد دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدة وقول من حكينا قوله لا قطع للعصمة بينهما إلا بالإسلام حين كان متأولا فكان وإن خالف قوله السنة قد ذهب إلى ما تأول ولا جعل لهما المدة التي دلت عليها السنة بل خرج من القولين وأحدث مدة لا يعرفها آدمي في الأرض فقال : إذا تقارب فإذا جاز له أن يقول إذا تقارب قال إنسان : التقارب بقدر النفس أو قدر الساعة أو قدر بعض اليوم أو قدر السنة ؟ لأن هذا كله قريب وإنما يحد مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أن يحد هذا بالرأي والغفلة فهذا ما لا يجوز مع الرأي واليقظة والله تعالى أعلم .
الحربي يخرج إلى دار الإسلام .
( قال الشافعي ) : وإذا أسلم الزوج قبل المرأة والمرأة في دار الحرب وخرج إلى دار الإسلام لم ينكح أختها حتى تنقضي عدة امرأته ولم تسلم فتبين منه فله نكاح أختها أو أربع سواها .
من قوتل من العرب والعجم ومن يجري عليه الرق .
( قال الشافعي ) وإذا قوتل أهل الحرب من العجم جرى السباء على ذراريهم ونسائهم ورجالهم لا اختلاف في ذلك وإذا قوتلوا وهم من العرب فقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وهوازن وقبائل من العرب وأجرى عليهم الرق حتى من عليهم بعد فاختلف أهل العلم بالمغازي فزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق بني هوازن قال لو كان تاما على أحد من العرب سبي تم على هؤلاء ولكنه إسار وفداء فمن أثبت هذا الحديث عم أن الرق لا يجري على عربي بحال وهذا قول الزهري وسعيد بن المسيب والشعبي ويروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ( قال والشافعي ) : أخبرنا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني عن عمر بن عبد العزيز قال : وأخبرنا سفيان عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : لا يسترق عربي ( قال الربيع ) : قال الشافعي : ولولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هذا هكذا ( قال الشافعي ) : أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال في المولى ينكح الأمة يسترق ولده وفي العربي ينكحها لا يسترق ولده وعليه قيمتهم ( قال الربيع ) : رأى الشافعي أن يأخذ منهم الجزية وولدهم رقيق ممن دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان ( قال [ ص: 289 ] الشافعي ) : رحمه الله تعالى ومن لم يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أن العرب والعجم سواء وأنه يجري عليهم الرق حيث جرى على العجم . والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) في الحربي يخرج إلى دار الإسلام مستأمنا وامرأته في دار الحرب على دينه : لا تنقطع بينهما العصمة إنما تنقطع بينهما العصمة باختلاف الدينين أما والدين واحد فلا تنقطع بينهما العصمة أرأيت لو أن مسلما أسر وامرأته أو دخل دار الحرب مستأمنا وامرأته أو أسلم هو وامرأته في دار الحرب فقدر على الخروج ولم تقدر امرأته أتنقطع العصمة بينهما وهما على دين واحد ؟ لا تنقطع العصمة إلا باختلاف الدينين .
( قال الشافعي ) : أي الزوجين أسلم فانقضت العدة قبل أن يسلم الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وهو فسخ بغير طلاق وإذا طلق النصراني الذمي امرأته النصرانية ثلاثا ثم أسلما فرق بينهما ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وكذلك لو كان حربيا من قبل أنا إذا أثبتنا له عقد النكاح فجعلنا حكمه فيه كحكم المسلم لزمنا أن نجعل حكمه حكم المسلم فيما يفسخ عقد النكاح وفسخ عقد النكاح التحريم بالطلاق .
المسلم يطلق النصرانية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا طلق المسلم امرأته النصرانية ثلاثا فنكحها نصراني أو عبد فأصابها حلت له إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها لأن كل واحد من هذين زوج وإنما قال الله عز وجل { حتى تنكح زوجا غيره } فقد نكحت زوجا غيره وإذا جاز لنا أن نزعم أن النصراني ينكح النصرانية فيحصنها حتى ترجمها لو زنت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا فقد زعمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه يحصنها فكيف يذهب علينا أن يكون لا يحلها وهو يحصنها ؟
وطء المجوسية إذا سبيت .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا سبي المجوسي وأهل الأوثان لم توطأ منهن امرأة بالغ حتى تسلم وإن سبي منهن صبيات فمن كان منهن مع أحد أبويه ولم يسلم فلا توطأ لأن دينها دين أبيها وأمها وإن أسلم أحد أبويها وهي صبية وطئت فإذا سبيت منفردة ليست مع أحد أبويها وطئت لأنا نحكم لها بحكم الإسلام ونجبرها عليه ما لم تكن بالغا مشركة أو صغيرة مع أحد أبويها مشركا فإذا حكمنا لهم بحكم الإسلام لم يكن لتحريم فرجها معنى . .
ذبيحة أهل الكتاب ونكاح نسائهم .
( قال الشافعي ) : من دان دين اليهود والنصارى من الصابئين والسامرة أكلت ذبيحته وحل نساؤه وقد روي عن عمر أنه كتب إليه فيهم أو في أحدهم فكتب بمثل ما قلنا فإذا كانوا يعرفون باليهودية أو النصرانية فقد علمنا أن النصارى فرق فلا يجوز إذا جمعت النصرانية بينهم أن تزعم أن بعضهم تحل ذبيحته ونساؤه وبعضهم تحرم إلا بخبر يلزم مثله ولم نعلم في هذا خبرا فمن جمعه اليهودية والنصرانية فحكمه حكم واحد وقال : لا تؤكل ذبيحة المجوسي وإن سمى الله عليها
[ ص: 290 ] الرجل تؤسر جاريته أو تغصب .
( قال الشافعي ) : وإذا اغتصبت جارية الرجل أم ولد كانت أو غير أم ولد وأحرزها المشركون أو غيرهم فصارت إليه لم يكن عليه استبراء في شيء من هذه الحالات لأنها لم تملك عليه كما لا يكون عليه استبراء لو غابت عنه فلم يدر لعلها فجرت أو فجر بها والاختيار له في هذا كله أن لا يقربها حتى يستبرئها .
( قال الشافعي ) : وإذا اشترى الرجل جارية من المغنم أو وقعت في سهمه أو من سوق المسلمين لم يقبلها ولم يباشرها ولم يتلذذ منها بشيء حتى يستبرئها .
الرجل يشتري الجارية وهي حائض .
( قال الشافعي ) : وإذا ملك الرجل جارية بشراء أو غيره وهي في أول حيضتها أو وسطها أو آخرها لم تكن هذه الحيضة استبراء كما لا تكون من العدة في قول من قال العدة الحيض ولا قول من قال العدة الطهر وعليه أن يستبرئها بحيضة أمامها طهر ويجزيها حيضة واحدة وإذا ارتابت المستبرأة لم توطأ حتى تذهب الريبة ولا وقت في ذلك إلا ذهاب الريبة وإن كانت مشتراة لم ترد بهذا وأريها النساء فإن قلن هذا حمل أو داء ردت .
عدة الأمة التي لا تحيض .
( قال الشافعي ) اختلف الناس في استبراء الأمة التي لا تحيض من صغر أو كبر فقال بعضهم : شهر قياسا على الحيضة وقال بعضهم : شهر ونصف وليس لهذا وجه وهو إما أن يكون شهرا وإما أن يكون ما ذهب إليه بعض أصحابنا من ثلاثة أشهر ( قال الشافعي ) : استبراء الأمة شهر إذا كانت ممن لا تحيض قياسا على حيضة لأن الله عز وجل أقام ثلاثة أشهر مقام ثلاثة قروء فلكل حيضة شهر إلا أن يكون مضى فيه أثر بخلافه يثبت مثله فالأثر أولى أن يتبع .
من ملك الأختين فأراد وطأهما .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ملك الرجل الأختين بأي وجه ما كان فله أن يطأ أيتهما شاء وإذا وطئ إحداهما لم يجز له وطء الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي وطئ بأي وجه ما حرم من نكاح أو عتاقة أو كتابة فإذا كان ذلك فوطئ الأخرى ثم عجزت المكاتبة أو طلقت ثبت على وطء التي وطئ بعدها ولم يكن له أن يطأ العاجزة ولا المطلقة فتكون في هذه الحال وأختها في الحالة الأولى .
وطء الأم بعد البنت من ملك اليمين
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولا يحل وطء الأم بعد البنت ولا البنت بعد الأم من ملك اليمين [ ص: 291 ] ولا يحل وطء المملوكات بشيء لا يحل من وطء الحرائر مثله إلا أنهن يخالفن الحرائر في معنيين فيكون للرجل أن يملك الأم وولدها ولا يكون له أن ينكح الأم وابنتها ويجمع بين الأختين من الملك ولا يجمع بينهما من النكاح ويطأ من الولائد ما شاء بالملك وفي وقت واحد ولا يكون له أن يجمع بين أكثر من أربع بالنكاح .
التفريق بين ذوي المحارم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ملك الرجل أهل البيت لم يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد سبعا أو ثمان سنين فإذا بلغ ذلك جاز أن يفرق بينهما فإن قال قائل : فمن أين وقت سبعا أو ثمان سنين ؟ قيل : روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير غلاما بين أبويه وعن عمر رضي الله عنه والغلام غير بالغ عندنا وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه خير غلاما بين أمه وعمه وكان في الحديث عن علي رضي الله تعالى عنه والغلام ابن سبع أو ثمان سنين ثم نظر إلى أخ له أصغر منه فقال : وهذا لو بلغ مبلغ هذا خيرناه فجعلنا هذا حدا لاستغناء الغلام والجارية وأنه أول مدة يكون لهما في أنفسهما قول وكذلك ولد الولد من كانوا فأما الأخوان فيفرق بينهما فإن قال قائل : فكيف فرقتم بين الأخوين ولم تفرقوا بين الولد وأمه ؟ قيل : السنة في الأم وولدها ووجدت حال الولد من الوالد مخالفا حال الأخ من أخيه ووجدتني أجبر الولد على نفقة الوالد والوالد على نفقة الولد في الحين الذي لا غنى لواحد منهما عن صاحبه ولم أجدني أجبر الأخ على نفقة أخيه .
الذمي يشتري العبد المسلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اشترى الذمي عبدا مسلما فالشراء جائز وأجبره على بيعه وإنما منعني من أن أجعل الشراء فيه باطلا أنه لو أسلم عنده جبرته على بيعه ولو أعتقه أو وهبه لمسلم أو تصدق به عليه أو مات ولا وارث له قبض عنه وجاز فيه العتق في حياته والصدقة والهبة ولا يكون هذا إلا لمن يكون ملكه ثابتا مدة من المدد وإن كنت لا أثبته على الأبد كما أثبت ملك المسلم وإذا كان للذمي مملوكان امرأة ورجل بينهما ولد فأيهما أسلم جبرت السيد على بيع المسلم منهما والولد الصغار لأنهم مسلمون بإسلام أي الأبوين أسلم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (186)
صــــــــــ 292 الى صـــــــــــ298
الحربي يدخل دار الإسلام بأمان .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان ومعه مملوكة أو مملوك فأسلما أو أسلم أحدهما أجبرته على بيعهما أو بيع المسلم منهما ودفعت إليه ثمنهما وليس له أمان يعطي به أن يملك مسلما وأمان الذمي المعاهد أكثر من أمانه وأنا أجبره على بيع من أسلم من مماليكه .
[ ص: 292 ] العبد الذي يكون بين المسلم والذمي فيسلم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا كان العبد الكافر بين مسلم وذمي وأسلم جبرت الكافر على بيع نصيبه فيه وجبرته على بيع كله أكثر من جبرته على بيع نصيبه وإذا حاصر المسلمون المشركين فاستأمن رجل من المشركين لجماعة بأعيانهم كان لهم الأمان ولم يكن الأمان لغيرهم وكذلك لو استأمن لعدد كان الأمان لأولئك العدد وليس لغيرهم وهكذا إن قال تؤمن لي مائة رجل وأخلي بينك وبين البقية كان الأمان في المائة الرجل إليه فمن سمى فهو آمن ومن لم يستثن فليس بآمن . وهكذا إن قال : تؤمن لي أهل الحصن على أن أدفع إليك مائة منهم فلا بأس والمائة رقيق كانوا من حربهم أو رقيقهم من قبل أني إذا قدرت عليهم كانوا جميعا رقيقا فلما كنت قادرا على بعضهم كانوا رقيقا وكان من أمنت غير رقيق وليس هذا بنقض للعهد ولا رجوع في صلح إنما هذا صلح على شرط فمن أدخله المستأمن في الأمان فهو داخل فيه ومن أخرجه منه ممن لم أعطه الأمان فهو خارج منه حكمه حكم مشرك يجري عليه الرق إذا قدر عليه .
الأسير يؤخذ عليه العهد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسر المسلم فأحلفه المشركون أن يثبت في بلادهم ولا يخرج منها على أن يخلوه فمتى قدر على الخروج منها فليخرج لأن يمينه يمين مكره ولا سبيل لهم على حبسه وليس بظالم لهم بخروجه من أيديهم ولعله ليس بواسع أن يقيم معهم إذا قدر على التنحي عنهم ولكنه ليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لأنهم إذا أمنوه فهم في أمان منه ولا نعرف شيئا يروى خلاف هذا ، ولو كان أعطاهم اليمين وهو مطلق لم يكن له الخروج إذا كان غير مكره إلا بأن يلزمه الحنث وكان له أن يخرج ويحنث لأنه حلف غير مكره وإنما ألغيا عنه الحنث في المسألة الأولى لأنه كان مكرها .
الأسير يأمنه العدو على أموالهم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه وليس له أن يغتالهم ولا يخونهم . وأما الهرب بنفسه فله الهرب وإن أدرك ليؤخذ فله أن يدافع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه ليؤخذ إحداث من الطالب غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه .
الأسير يرسله المشركون على أن يبعث إليهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إليهم إلى وقت [ ص: 293 ] وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغي أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام إذا أراد أن يعود أن يدعه والعودة وإذا كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق فإن كان أعطاهموه على شيء فأخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه إليهم بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عنه ما استنكره عليه .
المسلمون يدخلون دار الحرب بأمان فيرون قوما .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل جماعة من المسلمين دار الحرب بأمان فسبى أهل الحرب قوما من المسلمين لم يكن للمستأمنين قتال أهل الحرب عنهم حتى ينبذوا إليهم فإذا نبذوا إليهم فحذروهم وانقطع الأمان بينهم كان لهم قتالهم فأما ما كانوا في مدة الأمان فليس لهم قتالهم .
الرجل يدخل دار الحرب فتوهب له الجارية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الرجل دار الحرب بأمان فوهبت له جارية أو غلام أو متاع لمسلم قد أحرزه عليه أهل الحرب ثم خرج به إلى دار الإسلام فعرفه صاحبه وأثبت عليه بينة أو أقر له الذي هو في يديه بدعواه فعليه أن يدفعه إليه بلا عوض يأخذه منه ويجبره السلطان على دفعه .
الرجل يرهن الجارية ثم يسبيها العدو .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا رهن الرجل جارية بألف درهم وذلك قيمتها ثم سباها العدو ثم أخذها صاحبها الراهن بثمن أو غير ثمن فهي على الرهن كما كانت لا يخرجها السباء من الرهن ولو وجدت في يدي رجل من المسلمين أخرجت من يديه إلى ملك مالكها الذي سبيت عنه وكانت على الرهن وإذا سبى المشركون الحرة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد والعبد وأخذوا المال فكله سواء متى ظهر عليه المسلمون قبل المقاسم أو بعدها أخرج من يدي من هو في يديه وكانت الحرة حرة والمكاتبة مكاتبة والمدبرة مدبرة والأمة أمة والعبد عبدا وأم الولد أم ولد والمتاع على حاله لأن المشركين لا يملكون على المسلمين ولو ملكوه عليهم ملك بعضهم على بعض ملكوا الحرة والمكاتبة وأم الولد والمدبرة كما يسبي بعضهم بعضا ثم يسلمون فيقر المسبي خولا للسابي .
المدبرة تسبى فتوطأ ثم تلد ثم يقدر عليها صاحبها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا سبى المشركون المدبرة فوطئها رجل منهم فولدت أولادا ثم سبيت وأولادها ردت إلى مالكها الذي دبر وأولادها كما ترد المملوكة غير مدبرة ولا يبطل السباء تدبيرها ولا يبطله إلا أن يرجع فيه المدبر فإن مات المدبر قبل أن يحرزها المسلمون فهي حرة وأولادها في [ ص: 294 ] قول من أعتق ولد المدبرة بعتقها وولاؤها للذي دبرها وولاء ولدها الذين أعتقوا بعتقها فإن ولدت بعدهم أولادا فولاؤهم لموالي أبيهم وقال في المكاتبة كما قال في المدبرة إلا أن المكاتبة لا تعتق بموت سيدها إنما عتق بالأداء .
المكاتبة تسبى فتوطأ فتلد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ولدت المكاتبة أولادا في دار الحرب وهي مسبية ثم أدت فعتقت عتق ولدها بعتقها في قول يعتق ولد المكاتبة بعتق أمه وإن عجزت رقت ورق ولدها .
م ولد النصراني تسلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها وأخذ بنفقتها وأمرت أن تعمل له في موضعها ما يعمل مثلها لمثله فإن مات فهي حرة وإن أسلم خلي بينه وبينها ولا يجوز فيها ما ذهب إليه بعض الناس من أن تعتق وتسعى في قيمتها من قبل أنها إن كان الإسلام يعتقها فلا ينبغي أن يكون عليها سعاية وإن كان الإسلام لا يعتقها فما سبب عتقها وما سبب سعايتها ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : العتق لو كان من قبل سيدها وأعتق منها سهما من مائة سهم عتقت كلها ولم يكن العتق من قبل سيدها ولا من قبل شريك له ، فإن قال من قبل نفسها فهي لا تقدر على أن تعتق نفسها ، فإن قال منهم قائل : وهل ثبت الرق لكافر على مسلم ؟ قيل : أنت تثبته قال : وأين ؟ قلت : زعمت أن عبد الكافر إذا أسلم فأعتقه الكافر أو باعه أو وهبه أو تصدق به أجزت هذا كله فيه ولو كان الإسلام يزيل ملكه عنه ما جاز له من هذا شيء وأنت تزعم أن للكافر أن يشتري المؤمن ثم يكون عليه بيعه ويكون لمشتريه أن يرده على ملك الكافر بالعيب ثم تقول للكافر : بعه فإن زعمت أنك تجبره على بيعه ، قيل : فقل هذا في مدبره ومكاتبه ، فإن قلت : لا . قيل : فكذا قل في أم ولده ليس الإسلام بعتق لها ولا أجد السبيل إلى بيعها لما سبق فيها ولا يجوز قول من قال : أعتقها ولا سعاية عليها من قبل أنه لا يعتق الأمة لم تلد إذا أسلمت وهي لنصراني ولا العبد ويقول آمره ببيعهما والرجل لا يكون عهدة البيع عليه إلا فيما يملك وهو يجيز العتق والهبة والصدقة وهذا لا يجوز إلا لمالك . فإن قال : لا أجده يملك من أم الولد إلا الوطء فقد حرم عليه الوطء فهو يملك الرجل من أم ولده أن يأخذ مالها وكسبها والجناية عليها ويستعمها وتموت فيصير إليه ما حوت وهذا كله غير وطئها ولو كان إذا حرم عليه الفرج عتقت أم الولد كان لو زوج مالك أم ولده أو كاتبها انبغى أن يعتقها عليه من قبل أنه قد حيل بينه وبين فرجها وحول بين الرجل وبين الفرج بسبب لا يمنع شيئا غيره وقد قال قائل : تسعى في نصف قيمتها كأنه جعل نصفها حرا بالولد ونصفها مملوكا إلى أن يموت السيد . ولا أعرف للولد حصة من العتق متبعضة ولو كانت حرة كلها من قبل أن الولد من السيد وهو لو أعتق السيد منها سهما من ألف سهم جعلها حرة كلها [ ص: 295 ] فلا أعرف لما ذهب إليه وجها .
وإذا دخل الحربي بعبده أو أمته دار الإسلام مستأمنا فأسلما جبر على بيعهما ولم يترك يخرج بهما .
لأسير لا تنكح امرأته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امرأته إلا بعد تيقن وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه .
ما يجوز للأسير في ماله وما لا يجوز .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك فهو جائز لا نبطل على واحد منهم إلا ما نبطل على الصحيح المطلق فإن كان مريضا فهو كالمريض في حكمه وهكذا ما صنع الرجل في الحرب عند التقاء الصفين وقبل ذلك ما لم يجرح وهكذا ما صنع إذا قدم ليقتل فيما من قتله فيه بد وفيما يجد قاتله السبيل إلى تركه مثل القتل في القصاص الذي يكون لصاحبه عفوه ومثل قتل عصبة القاتل الذي قد تتركه وما إذا قدم ليرجم في الزنا فلا يجوز له في ماله إلا الثلث لأنه لا سبيل إلى تركه . والحامل يجوز ما صنعت في مالها ما لم يحدث لها مرض مع حملها أو يضربها الطلق فإن ذلك مرض مخوف ، فأما ما قبل ذلك فما صنعت فيه فهو جائز ، وهكذا الرجل في السفينة في الموضع المخوف من الغرق وغير المخوف لأن النجاة قد تكون في المخوف والهلاك قد يكون في غيره ولا وجه لقول من قال : نجوز عطية الحامل حتى تستكمل ستة أشهر ثم تكون كالمريض في عطيتها بعد الستة عندي ولا لما تأول من قول الله عز وجل { حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما } وليس في هذا دلالة على حد الإثقال متى هو ؟ أهو التاسع أو الثامن أو السابع أو السادس أو الخامس أو الرابع أو الثالث حتى يتبين ؟ ومن ادعى هذا بوقت لم يجز له إلا بخبر ولا يجوز أن يكون الإثقال المخوف إلا حين تجلس بين القوابل ، فإن قيل : هي بعد ستة مخافة لها قبل ستة فكذلك هي بعد شهر مخالفة لها قبل الشهر بعد الشهرين وفي كل يوم زادت فيه أن يكبر ولدها وتقرب من وضع حملها وليس إلا ما قلنا أو أن يقول رجل : الحمل كله مرض ولا يفرق بين أوله وآخره فإن قال هذا فهو معروف في الإثقال وغير الإثقال فالمرض الثقيل والمرض الخفيف عنده وعند الناس في العطية سواء ولا فرق في الحكم بين المريض المخوف عليه الدنف وبين المريض الخفيف المرض فيما أعطيا ووهبا وقد يقال لهذا ثقيل ولهذا خفيف وما أعلم الحامل بعد الشهر الأول إلا أثقل وأسوأ حالا وأكثر قيئا وامتناعا من الطعام وأشبه بالمريض منها بعد ستة أشهر وكيف تجوز عطيتها في الوقت الذي هي فيه قرب من المرض وترد عطيتها في الوقت الذي هي فيه أقرب إلى الصحة ؟ فإن قال : هذا وقت يكون فيه الولد تاما لو خرج فخروجه تاما أشبه لسلامة أمه من خروجه لو خرج سقطا والحكم إنما هو لأمه ليس له ، والله أعلم .
[ ص: 296 ] الحربي يدخل بأمان وله مال في دار الحرب ثم يسلم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا دخل الحربي بلاد الإسلام بأمان وخلف في دار الحرب أموالا وودائع في يد مسلم ويدي حربي ويدي وكيل له ثم أسلم فلا سبيل عليه ولا على ماله ولا على ولده الصغار ما كان له عقار أو غيره وهكذا لو أسلم في بلاد الحرب وخرج إلى دار الإسلام لا سبيل على مال مسلم حيث كان أسلم ابنا شعبة القرظيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة فأحرز لهما إسلامهما أنفسهما وأموالهما دورا كانت أو عقارا أو غيره ولا يجوز أن يكون مال المسلم مغنوما بحال فأما ولده الكبار وزوجته فحكمهم حكم أنفسهم يجري عليهم ما يجري على أهل الحرب من القتل والسباء وإن سبيت امرأته حاملا منه لم يكن إلى إرقاق ذي بطنها سبيل من قبل أنه إذا خرج فهو مسلم بإسلام أبيه ولا يجري السباء على مسلم .
الحربي يدخل دار الإسلام بأمان فأودع ماله ثم رجع
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فأودع وباع وترك مالا ثم رجع إلى دار الحرب فقتل بها فدينه وودائعه وما كان له من مال مغنوم عنه لا فرق بين الدين الوديعة وإذا قدم الحربي دار الإسلام بأمان فمات فالأمان لنفسه وماله ولا يجوز أن يؤخذ من ماله شيء وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا ولا يقبل إن لم تعرف ورثته شهادة أحد غير المسلمين ولا يجوز في هذه الحال ولا في غيرها شهادة أحد خالف دين الإسلام لقول الله تبارك وتعالى { ذوي عدل منكم } وقوله { ممن ترضون من الشهداء } وهذا مكتوب في كتاب الشهادات .
في الحربي يعتق عبده
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أعتق الحربي عبده في دار الحرب ثم خرجا إلينا ولم يحدث له قهرا في بلاد الحرب يستعبده به فأراد استعباده ببلاد الإسلام لم يكن له أن يستعبده مسلما كان العبد أو كافرا أو مسلما كان السيد أو كافرا ولو أحدث له قهرا ببلاد الحرب أو لحر مثله ولم يعتقه حتى خرج إلينا بأمان كان عبدا له قال : وإن كانت الأرض المفتتحة من أهل الشرك بلاد عنوة أو صلح تخلى منه أهله إلى المسلمين على شيء أخذوه منهم بأمان أو غيره فهي مملوكة كما يملك الفيء والغنيمة وإن تركها أهلها الذين كانت لهم ممن أوجف عليها أو غيرهم فوقفها السلطان على المسلمين فلا بأس أن يتكارى الرجل منها الأرض ليزرعها وعليه ما تكاراها به والعشر كما يكون عليه ما تكارى به أرض المسلم والعشر .
الصلح على الجزية .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا أعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أحدا من أهل [ ص: 297 ] الجزية على شيء إلا ما أصف صالح أهل أيلة على ثلثمائة دينار وكان عددهم ثلثمائة رجل وصالح نصرانيا بمكة يقال له موهب على دينار وصالح ذمة اليمن على دينار دينار وجعله على المحتلمين من أهل اليمن وأحسب كذلك جعله في كل موضع وإن لم يحك في الخبر كما حكي خبر اليمن ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صالحوا عليه وصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الشام على أربعة دنانير وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من ذمتهم على ثمانية وأربعين والوسط على أربعة وعشرين والذي دونه على اثني عشر درهما ولا بأس بما صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شيء مسمى بعينه وإن كان أضعاف هذا وإذا عقد لهم العقد على شيء مسمى لم يجز عندي أن يزاد على أحد منهم فيه بالغا يسره ما بلغ وإن صالحوا على ضيافة مع الجزية فلا بأس وكذلك لو صالحوا على مكيلة طعام كان ذلك كما يصالحون عليه من الذهب والورق ولا تكون الجزية إلا في كل سنة مرة ولو حاصرنا أهل مدينة من أهل الكتاب فعرضوا علينا أن يعطونا الجزية لم يكن لنا قتالهم إذا أعطوناها وأن يجري عليهم حكمنا وإن قالوا نعطيكموها ولا يجري علينا حكمكم لم لم يلزمنا أن نقبلها منهم لأن الله عز وجل قال { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } فلم أسمع مخالفا في أن الصغار أن يعلو حكم الإسلام على حكم الشرك ويجري عليهم ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر للإسلام وأهله وإن لم يجر عليهم الحكم كما يكون لنا ترك قتالهم ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية ويجري عليهم الحكم فاختلفنا نحن وهم في الجزية فقلنا : لا نقبل إلا كذا وقالوا : لا نعطيكم إلا كذا رأيت والله تعالى أعلم أن يلزمنا أن نقبل منهم دينارا دينارا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذه من نصراني بمكة مقهور ومن ذمة اليمن وهم مقهورون ولم يلزمنا أن نأخذ منهم أقل منه والله تعالى أعلم لأنا لم نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من الأئمة أخذ منهم أقل منه واثنا عشر درهما في زمان عمر رضي الله تعالى عنه كانت دينارا فإن كان أخذها فهي دينار وهي أقل ما أخذ ونزداد منهم ما لم نعقد لهم شيئا مما قدرنا عليه وإن كنت في العقد لهم أن يخفف عمن افتقر منهم إلى أن يجد كان ذلك جائزا وإن لم يكن في العقدة كان ذلك لازما لهم والبالغون منهم في ذلك سواء الزمن وغير الزمن فإن أعوز أحدهم بجزيته ( أهل الكتاب ) فهي دين عليه يؤخذ منه متى قدر عليها وإن غاب سنين ثم رجع أخذت منه لتلك السنين إذا كانت غيبته في بلاد الإسلام والحق لا يوضع عن شيخ ولا مقعد ولو حال عليه حول أو أحوال ولم تؤخذ منه ثم أسلم أخذت منه لأنها كانت لزمته في حال شركه فلا يضع الإسلام عنه دينا لزمه لأنه حق لجماعة المسلمين وجب عليه ليس للإمام تركه قبله كما لم يكن له تركه قبله في حال شركه .
فتح السواد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظنا مقرونا إلى علم وذلك أني وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها أنهم يقولون : السواد صلح ويقولون السواد عنوة ويقولون بعض السواد صلح وبعضه عنوة ويقولون : إن جرير بن عبد الله البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه ، أخبرنا الثقة عن ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال : كانت بجيلة ربع الناس فقسم لهم ربع [ ص: 298 ] السواد فاستغلوه ثلاث أو أربع سنين أنا شككت ثم قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومعي فلانة ابنة فلان امرأة منهم لا يحضرني ذكر اسمها فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على الناس ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وكان في حديثه " وعاضني من حقي فيه نيفا وثمانين دينارا " وكان في حديثه فقالت فلانة : قد شهد أبي القادسية وثبت سهمه ولا أسلمه حتى تعطيني كذا أو تعطيني كذا فأعطاها إياه قال وفي هذا الحديث دلالة إذ أعطى جريرا البجلي عوضا من سهمه والمرأة عوضا من سهم أبيها أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعله وقفا للمسلمين وهذا حلال للإمام لو افتتح اليوم أرضا عنوة فأحصى من افتتحها وطابوا نفسا عن حقوقهم منها أن يجعلها الإمام وقفا وحقوقهم منها إلا الأربعة الأخماس ويوفي أهل الخمس حقوقهم إلا أن يدع البالغون منهم حقوقهم فيكون ذلك لهم والحكم في الأرض كالحكم في المال وقد { سبى النبي صلى الله عليه وسلم هوازن وقسم الأربعة الأخماس بين المسلمين ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بأن يعطيهم ما أخذ منهم فخيرهم بين الأموال والسبي فقالوا : خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه وحق أهل بيته فسمع بذلك المهاجرون فتركوا له حقوقهم فسمع بذلك الأنصار فتركوا له حقوقهم ثم بقي قوم من المهاجرين الآخرين والفتحيين فأمر فعرف على كل عشرة واحدا ثم قال : ائتوني بطيب أنفس من بقي فمن كره فله علي كذا وكذا من الإبل إلى وقت كذا فجاؤه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن حابس وعتيبة بن بدر فإنهما أبيا ليعيرا هوازن فلم يكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى كانا هما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه وسلم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من طاب نفسا عن حقه } وهذا أولى الأمور بعمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى عندنا في السواد وفتوحه إن كانت عنوة فهو كما وصفت ظن عليه دلالة يقين وإنما منعنا أن نجعله بالدلالة أن الحديث الذي فيه تناقض لا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر رضي الله تعالى عنه لكبر قدره ولو تفوت عليه فيه ما انبغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان القسم ليس لمن قسم له ما كان لهم منه عوض ولكان عليهم أن تؤخذ منهم الغلة والله سبحانه وتعالى أعلم كيف كان ولم أجد فيه حديثا يثبت إنما أجدها متناقضة والذي هو أولى بعمر عندي الذي وصفت فكل بلد فتحت عنوة فأرضها ودارها كدنانيرها ودراهمها وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وبني قريظة فلمن أوجف عليها أربعة أخماس والخمس لأهله من الأرض والدنانير والدراهم فمن طاب نفسا عن حقه فجائز للإمام حلال نظرا للمسلمين أن يجعله وقفا على المسلمين تقسم غلته فيهم على أهل الخراج والصدقة وحيث يرى الإمام منهم ومن لم يطب عنه نفسا فهو أحق بحقه وأيما أرض فتحت صلحا على أن أرضها لأهلها ويؤدون عنها خراجا فليس لأحد أخذها من أيدي أهلها وعليهم فيها الخراج وما أخذ من خراجها فهو لأهل الفيء دون أهل الصدقات لأنه فيء من مال مشرك وإنما فرق بين هذا والمسألة الأولى أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الأرض فيه فليس بحرام أن يأخذه صاحب صدقة ولا صاحب فيء ولا غني ولا فقير لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه من غني وفقير وإذا كانت الأرض صلحا فإنها لأهلها ولا بأس أن يأخذها منهم المسلمون بكراء ويزرعونها كما نستأجر منهم إبلهم وبيوتهم ورقيقهم وما يجوز لهم إجارته منهم وما دفع إليهم أو إلى السلطان بوكالتهم فليس بصغار عليهم إنما هو دين عليه يؤديه والحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا ينبغي لمسلم أن يؤدي خراجا ولا [ ص: 299 ] لمشرك أن يدخل المسجد الحرام } إنما هو خراج الجزية ولو كان خراج الكراء ما حل له أن يتكارى من مسلم ولا كافر شيئا ولكنه خراج الجزية وخراج الأرض إنما هو كراء لا محرم عليه وإذا كان العبد النصراني فأعتقه وهو على النصرانية فعليه الجزية وإذا كان العبد النصراني لمسلم فأعتقه المسلم فعليه الجزية إنما نأخذ الجزية بالدين والنصراني ممن عليه الجزية ولا ينفعه أن يكون مولاه مسلما كما لا ينفعه أن يكون أبوه وأمه مسلمين .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (187)
صــــــــــ 299 الى صـــــــــــ313
في الذمي إذا اتجر في غير بلده .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا اتجر الذمي في بلاد الإسلام إلى أفق من الآفاق في السنة مرارا لم يؤخذ منه إلا مرة واحدة كما لا تؤخذ منه الجزية إلا مرة واحدة وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أنه أمر فيما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين أن يؤخذ منهم شيء وقته وأمر أن يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول ولولا أن عمر أخذه منهم ما أخذنا منهم فهو يشبه أن يكون أخذه إياه منهم على أصل صلح أنهم إذا اتجروا أخذ منهم ولم يبلغنا أنه أخذ من أحد في سنة مرتين ولا أكثر فلما كانت الجزية في كل سنة مرة كان ينبغي أن يكون هذا عندنا في كل سنة مرة إلا أن يكونوا صولحوا عند الفتح على أكثر من ذلك فيكون لنا أن نأخذ منهم ما صولحوا عليه ولسنا نعلمهم صولحوا على أكثر ويؤخذ منهم كما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعا له على ما أخذه لا نخالفه .
نصارى العرب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني وكان نصرانيا عربيا على الجزية وصالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم وصالح ذمة اليمن على الجزية وفيهم عرب وعجم واختلفت الأخبار عن عمر في نصارى العرب من تنوخ وبهراء وبني تغلب فروى عنه أنه صالحهم على أن تضاعف عليهم الصدقة ولا يكرهوا على غير دينهم ولا يصبغوا أولادهم في النصرانية وعلمنا أنه كان يأخذ جزيتهم نعما ثم روى أنه قال بعد ما نصارى العرب بأهل كتاب أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة أو ابنه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فأرى للإمام أن يأخذ منهم الجزية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من النصارى من العرب كما وصفت وأما ذبائحهم فلا أحب أكلها خبرا عن عمر وعن علي بن أبي طالب وقد نأخذ الجزية من المجوس ولا نأكل ذبائحهم فلو كان من حل لنا أخذ الجزية منه حل لنا أكل ذبيحته أكلنا ذبيحة المجوس ولا ننكر إذا كان في أهل الكتاب حكمان وكان أحد صنفيهم تحل ذبيحته ونساؤه والصنف الثاني من المجوس لا تحل لنا ذبيحته ولا نساؤه والجزية تحل منهما معا أن يكون هكذا في نصارى العرب فيحل أخذ الجزية منهم ولا تحل ذبائحهم والذي يروى من حديث ابن عباس [ ص: 300 ] رضي الله تعالى عنهما في إحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة أخبرنيه ابن الدراوردي وابن أبي يحيى عن ثور الديلمي عن عكرمة عن ابن عباس أنه سأل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولا حكئا هو إحلالها وتلا { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة وثور لم يلق ابن عباس والله أعلم .
الصدقة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل أن عمر رضي الله تعالى عنه صالح نصارى بني تغلب على أن لا يصبغوه أبناءهم ولا يكرهوا على غير دينهم وأن تضاعف عليهم الصدقة ( قال الشافعي ) : وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا : رامهم على الجزية فقالوا : نحن عرب ولا نؤدي ما تؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لا . هذا فرض على المسلمين فقالوا فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على أن ضعف عليهم الصدقة ( قال الشافعي ) : ولا أعلمه فرض على أحد من نصارى العرب ولا يهودها الذين صالح والذين صالح بناحية الشام والجزيرة إلا هذا الفرض فأرى إذا عقد لهم هذا أن يؤخذ منهم عليه وأرى للإمام في كل دهر إن امتنعوا أن يقتصر عليهم بما قبل منهم فإن قبلوا أخذه وإن امتنعوا جاهدهم عليه وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية على أهل اليمن دينارا على كل حالم ، والحالم المحتلم ، وكذلك يؤخذ منهم وفيهم عرب وصالح نصارى نجران على كسوة تؤخذ منهم وكذلك تؤخذ منهم وفي هذا دلالتان إحداهما أن تؤخذ الجزية على ما صالحوا عليه والأخرى أنه ليس لما صالحوا عليه وقت إلا ما تراضوا عليه كائنا ما كان وإذا ضعفت عليهم الصدقة فانظر إلى مواشيهم وأطعمتهم وذهبهم وورقهم وما أصابوا من معادن بلادهم وركازها كل ما أخذت فيه من مسلم خمسا فخذ منهم خمسين وعشرا فخذ منهم عشرين ونصف عشر فخذ منهم عشرا وربع عشر فخذ منهم نصف عشر وعددا من الماشية فخذ منهم ضعف ذلك العدد ثم هكذا صدقاتهم لا تختلف ولا تؤخذ منهم من أموالهم حتى يكون لأحدهم من النصف من المال ما لو كان لمسلم وجب فيه الزكاة فإذا كان ذلك ضعف عليهم الزكاة وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن النساء والصغار لأنه إذا قال : خذ من كل حالم دينارا فقد دل على أنه وضع عمن دون الحالم ودل على أنه لا يؤخذ من النساء ولا يؤخذ من نصارى بني تغلب وغيرهم ممن معهم من العرب لأنه لا يؤخذ ذلك منهم على الصدقة وإنما يؤخذ منهم على الجزية وإن نحي عنهم من اسمها ولا يكرهون على دين غير دينهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من أكيدر دومة وهو عربي وأخذها من عرب اليمن ونجران وأخذها الخلفاء بعده منهم وأخذها منهم على أن لا يأكلوا ذبائحهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب أخبرنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال : قال علي رضي الله تعالى عنه " لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم أو من دينهم إلا بشرب الخمر " [ شك الشافعي ] ( قال الشافعي ) : وإنما تركنا [ ص: 301 ] أن نجبرهم على الإسلام أو نضرب أعناقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من نصارى العرب وأن عثمان وعمر وعليا قد أقروهم وإن كان عمر قد قال هكذا وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نزل وجميع ما أخذ من ذمي عربي وغيره فمسلكه مسلك الفيء وقال : ما اتجر به نصارى العرب وأهل ذمتهم فإن كانوا يهودا فسواء تضاعف عليهم فيه الصدقة وما اتجر به نصارى بني إسرائيل الذين هم أهل الكتاب فقد روى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فيهم أنه أخذ منهم في بعض تجاراتهم العشر وفي بعضها نصف العشر وهذا عندنا من عمر أنه صالحهم عليه كما صالحهم على الجزية المسماة ولست أعرف الذين صالحهم على ذلك من الذين لم يصالحهم فعلى إمام المسلمين أن يفرق الكتب في الآفاق ويحكي لهم ما صنع عمر فإنه لا يدري من صنع به ذلك منهم دون غيره فإن رضوا به أخذه منهم وإن لم يرضوا به جدد بينه وبينهم صلحا فيه كما يجدد فيمن ابتدأ صلحه ممن دخل في الجزية اليوم وإن صالحوا على أن يؤدوا في كل سنة مرة من غير بلدانهم فكذلك وإن صالحوا أن نأخذ منهم كلما اختلفوا وإن اختلفوا في السنة مرارا فذلك وكذلك ينبغي لإمام المسلمين أن يجدد بينه وبينهم في الضيافة صلحا ( مع أهل الذمة ) فإنه روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه جعل عليهم ضيافة ثلاثة أيام وروي عنه أنه جعل ضيافة يوم وليلة فإذا جدد عليهم الصلح في الضيافة جدد بأمر بين أن يضيف الرجل الموسر كذا والوسط كذا ولا يضيف الفقير ولا الصبي ولا المرأة وإن كانا غنيين لأنه لا تؤخذ منهم الجزية والضيافة صنف منها وسمى أن يطعموهم خبز كذا بأدم كذا ويعلفوا دوابهم من التبن كذا ومن الشعير كذا حتى يعرف الرجل عدد ما عليه إذا نزل به ليس أن ينزل به العساكر فيكلف ضيافتهم ولا يحتملها وهي مجحفة به وكذلك يسمي أن ينزلهم من منازلهم الكنائس أو فضول منازلهم أو هما معا .
( قال الشافعي ) : حيثما زرع النصراني من نصارى العرب ضعف عليه الصدقة كما وصفت وحيثما زرع النصراني الإسرائيلي لم يكن عليه في زرعه شيء وإنما الخراج كراء الأرض كما لو تكارى أرضا من رجل فزرعها أدى الكراء والعشر والنصراني من نصارى العرب إذا زرع الخراج ضعفت عليه العشر وأخذت منه الخراج وإذا قدم المستأمن من أرض الحرب فكان على النصرانية أو المجوسية أو اليهودية فنكح وزرع فلا خراج عليه ويقال له : إن أردت المقام فصالحنا على أن تؤدي الجزية وجزيته على ما صالح عليه وإن أبى الصلح أخرج وإن غفل عنه سنة أو سنين فلا خراج عليه ولا يجب عليه الخراج إلا بصلحه ونمنعه الزرع إلا بأن يؤدي عنه ما صالح عليه وإن غفل حتى يصرمه لم يؤخذ منه شيء وإن كان المستأمن وثنيا لم يترك حتى يقيم في دار الإسلام سنة ولم تؤخذ منه جزية وإن غفل عنه حتى زرع سنة أو أكثر دفع إليه وأخرج وإن كانت المرأة مستأمنة فتزوجت في بلاد الإسلام ثم أرادت الرجوع إلى بلاد الحرب فذلك إلى زوجها إن شاء أن يدعها تركها وإن شاء أن يحبسها حبسناها له بسلطان الزوج على حبس امرأته لا يغير ذلك ومتى طلقها أو مات عنها فلها أن ترجع فإن كان لها منه ولد فليس لها أن تخرج أولاده إلى دار الحرب لأن ذمتهم ذمة أبيهم ولها أن تخرج بنفسها وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو ثم ظهر عليهم أو أغار العدو على بلاد الإسلام فسبوا عبيدا وظهر عليهم المسلمون فاقتسموا العبيد أو لم يقتسموا فسادتهم أحق بهم بلا قيمة ولا يكون العدو يملكون على مسلم شيئا إذا لم يملك المسلم بالغلبة فالمشرك الذي هو خول للمسلم إذا قدر عليه أولى أن لا يملك على مسلم ولا يعدو المشركون فيما غلبوا عليه أن يكونوا مالكين لهم كملكهم لأموالهم فإذا كان هذا هكذا ملكوا الحر وأم الولد والمكاتب وما سوى ذلك من الرقيق والأموال ثم لم يكن لسيد واحد من هؤلاء أن [ ص: 302 ] يأخذه قبل القسمة بلا قيمة ولا بعد القسمة بقيمة كما لا يكون له أن يأخذ سائر أموال العدو أو لا يكون ملك العدو ملكا فيكون كل امرئ على أصل ملكه ومن قال : لا يملك العدو الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبرة وهو يملك ما سواهن فهو يتحكم ثم يزعم أنهم يملكون ملكا محالا فيقول : يملكونه وإن ظهر عليهم المسلمون فأدركه سيده قبل القسم فهو له بلا شيء وإن كان بعد القسم فهو له إن شاء بالقيمة فهؤلاء ملكوه فإن قال قائل : فهل فيما ذكرت حجة لمن قاله ؟ قيل : لا إلا شيء يروى لا يثبت مثله عند أهل الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه فإن قال : فهل لك حجة بأنهم لا يملكون بحال ؟ قلنا : المعقول فيه ما وصفنا وإنما الحجة على من خالفنا ولنا فيه حجة بما لا ينبغي خلافه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة وهو يروى عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه { أن قوما أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت المرأة والناقة عندهم ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت لئن نجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال بئسما جزيتها إن نجاك الله عليها ثم تنحريها لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم } وقالا معا أو أحدهما في الحديث وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ( قال الشافعي ) : فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعدما أحرزها المشركون وأحرزتها الأنصارية على المشركين ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئا ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه وخمسه لأهل الخمس وفي قول غيرنا كان لها ما أحرزت لا خمس فيه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ماله وأخذ ماله بلا قيمة أخبرنا الثقة عن مخرمة بن بكير عن أبيه لا أحفظ عمن رواه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال فيما أحرز العدو من أموال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون مالكوه أحق به قبل القسم وبعده فإن اقتسم فلصاحبه أخذه من يدي من صار في سهمه وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس الخمس وهكذا حر إن اقتسم ثم قامت البينة على حريته .
في الأمان .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم } قال : فإذا أمن مسلم بالغ حر أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة فالأمان جائز وإذا أمن من دون البالغين والمعتوه قاتلوا أو لم يقاتلوا لم نجز أمانهم وكذلك إن أمن ذمي قاتل أو لم يقاتل لم نجز أمانه وإن أمن واحد من هؤلاء فخرجوا إلينا بأمان فعلينا ردهم إلى مأمنهم ولا نعرض لهم في مال ولا نفس من قبل أنهم ليسوا يفرقون بين من في عسكرنا ممن يجوز أمانه ولا يجوز وننبذ إليهم فنقاتلهم وإذا أشار إليهم المسلم بشيء يرونه أمانا فقال أمنتهم بالإشارة فهو أمان فإن قال : لم أؤمنهم بها فالقول قوله وإن مات قبل أن يقول شيئا فليسوا بآمنين إلا أن يجدد لهم الوالي أمانا وعلى الوالي إذا مات قبل أن يبين أو قال وهو حي لم أؤمنهم أن يردهم إلى مأمنهم وينبذ إليهم قال الله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } وقال الله عز وجل في غير [ ص: 303 ] أهل الكتاب : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فحقن الله دماء من لم يدن دين أهل الكتاب من المشركين بالإيمان لا غيره وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالإيمان أو إعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أعرف منهم خارجا من هذا من الرجال { وقتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن مائة وخمسين سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله } ولا أعرف في الرهبان خلاف أن يسلموا أو يؤدوا الجزية أو يقتلوا ورهبان الديارات والصوامع والمساكن سواء ولا أعرف ما يثبت عن أبي بكر رضي الله عنه خلاف هذا ولو كان يثبت لكان يشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم وأن لا يتشاغلوا بالمقام على صوامع هؤلاء كما يؤمرون أن لا يقيموا على الحصون وأن يسيحوا لأنها تشغلهم وأن يسيحوا لأن ذلك أنكى للعدو وليس أن قتال أهل الحصون محرم عليهم وذلك أن مباحا لهم أن يتركوا ولا يقتلوا كان التشاغل بقتال من يقاتلهم أولى بهم وكما يروى عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لا يرى بأسا بقطع الشجر المثمر لأنه قد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الشجر المثمر على بني النضير وأهل خيبر والطائف وحضره يترك وعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وعد بفتح الشام فأمرهم بترك قطعه لتبقى لهم منفعته إذ كان واسعا لهم ترك قطعه وتسبى نساء الديارات وصبيانهم وتؤخذ أموالهم ( قال الشافعي ) : ويقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية . .
المسلم أو الحربي يدفع إليه الحربي مالا وديعة .
( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وأموال أهل الحرب مالان : فمال يغصبون عليه ويتمول عليهم فسواء من غصبه عليهم من مسلم أو حربي منهم أو من غيرهم وإذا أسلموا معا أو بعضهم قبل بعض لم يكن على الغاصب لهم أن يرد عليهم من ذلك شيئا لأن أموالهم كانت مباحة غير ممنوعة بإسلامهم ولا ذمتهم ولا أمان لهم ولا لأموالهم من خاص ولا عام ، ومال له أمان وما كان من المال له أمان فليس للذي أمن صاحبه عليه أن يأخذه منه بحال وعليه أن يرده فلو أن رجلا من أهل الحرب أودع مسلما أو حربيا في دار الحرب أو في بلاد الإسلام وديعة وأبضع منه بضاعة فخرج المسلم من بلاد الحرب إلى بلاد الإسلام أو الحربي فأسلم كان عليهما معا أن يؤديا إلى الحربي ماله كما يكون علينا لو أمناه على ماله أن لا نعرض لماله الوديعة إذا أودعنا أو أبضع معنا فذلك أمان منه لنا ومثل أمانه على ماله أو أكثر وهكذا الدين .
في الأمة يسبيها العدو .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في الأمة للمسلم يسبيها العدو فيطؤها رجل منهم فتلد له أولادا ويولد لأولادها أولاد فيتناتجون ثم يظهر عليهم المسلمون فإنه يأخذها سيدها وأولادها الذين ولدتهم من [ ص: 304 ] الرجال والنساء وننظر إلى أولاد أولادها فنأخذ بني بناتها ولا نأخذ بني بنيها من قبل أن الرق إنما يكون بالأم لا بالأب كما ينكح الحر الأمة فيكون ولده رقيقا وكما ينكح العبد الحرة فيكون ولده كلهم أحرارا .
في العلج يدل على القلعة على أن له جارية سماها .
( قال الشافعي ) : رضي الله عنه في علج دل قوما من المسلمين على قلعة على أن يعطوه جارية سماها فلما انتهوا إلى القلعة صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله تلك الجارية فأرى أن يقال للدليل إن رضيت العوض عوضناك قيمتها وإن لم ترض العوض فقد أعطينا ما صالحناك عليه غيرك فإن رضي العوض أعطيه وتم الصلح وإن لم يرض العوض قيل لصاحب القلعة : قد صالحنا هذا على شيء صالحناك عليه بجهالة منا به فإن سلمت إليه عوضناك منه وإن لم تسلمه إليه نبذنا إليك وقاتلناك وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يظفر بها فلا سبيل إليها ويعطى قيمتها وإن ماتت عوض منها بالقيمة ولا يبين في الموت كما يبين إذا أسلمت
في الأسير يكره على الكفر .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في الأسير يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان : لا تبين منه امرأته وإن تكلم بالشرك ولا يحرم ميراثه من المسلمين ولا يحرمون ميراثهم منه إذا علم أنه إنما قال ذلك مكرها وعلمهم ذلك أن يقول قبل قوله أو مع قوله أو بعد قوله : إني إنما قلت ذلك مكرها ، وكذلك ما أكرهوا عليه من غير ضر أحد من أكل لحم الخنزير أو دخول كنيسة ففعل وسعه ذلك وأكره له أن يشرب الخمر لأنها تمنعه من الصلاة ومعرفة الله إذا سكر ولا يبين أن ذلك محرم عليه وإذا وضع عنه الشرك بالكره وضع عنه ما دونه مما لا يضر أحدا ولو أكرهوه على أن يقتل مسلما لم يكن له أن يقتله .
( قال الشافعي ) : رضي الله عنه في رجل أسر فتنصر وله امرأة فمر به قوم من المسلمين فأشرف عليهم وهو في الحصن فقال : إنما تنصرت بلساني وأنا أصلي إذا خلوت فهذا مكره ولا تبين منه امرأته .
النصراني يسلم في وسط السنة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أسلم الذمي قبل حلول وقت الجزية سقطت عنه وإن أسلم بعد حلولها فهي عليه .
( قال الشافعي ) : رضي الله عنه كل من خالف الإسلام من أهل الصوامع وغيرهم ممن دان دين أهل الكتاب فلا بد من السيف أو الجزية .
( قال الشافعي ) رحمه الله : كل شيء بيع وفيه فضة مثل السيف والمنطقة والقدح والخاتم والسرج فلا يباع حتى تخلع الفضة فتباع الفضة بالفضة ويباع السيف على حدة ويباع ما كان عليه من فضة بالذهب ولا يباع بالفضة . .
[ ص: 305 ] الزكاة في الحلية من السيف وغيره .
( قال الشافعي ) رضي الله عنه : الخاتم يكون للرجل من فضة والحلية للسيف لا زكاة عليه في واحد منهما في قول من رأى أن لا زكاة في الحلي وإن كانت الحلية لمصحف أو كان الخاتم لرجل من ذهب لم تسقط عنه الزكاة ولولا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم بخاتم فضة وأنه كان في سيفه حلية فضة ما جاز أن يترك الزكاة فيه من رأى أن لا زكاة في الحلي لأن الحلي للنساء لا للرجال .
العبد يأبق إلى أرض الحرب .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو كافرا كان أو مسلما سواء لأنه على ملك سيده وأنه لسيده قبل المقاسم وبعدها وإن كان مسلما فارتد فكذلك غير أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
في السبي .
( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وإذا سبي النساء والرجال والولدان ثم أخرجوا إلى دار الإسلام فلا بأس ببيع الرجال من أهل الحرب وأهل الصلح والمسلمين قد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى فرجعوا إلى مكة وهم كانوا عدوه وقاتلوه بعد فدائهم ومن عليهم وقاتلوه بعد المن عليهم وفدى رجلا برجلين فكذلك لا بأس ببيع السبي البوالغ من أهل الحرب والصلح ومن كان من الولدان مع أحد أبويه فلا بأس أن يباع من أهل الحرب والصلح ولا يصلى عليه إن مات قد باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي بني قريظة من أهل الحرب والصلح فبعث بهم أثلاثا ، ثلثا إلى نجد وثلثا إلى تهامة وهؤلاء مشركون أهل أوثان وثلثا إلى الشام وأولئك مشركون فيهم الوثني وغير الوثني وفيهم الولدان مع أمهاتهم ولم أعلم منهم أحدا كان خليا من أمه فإذا كان مولود خليا من أمه لم أر أن يباع إلا من مسلم وسواء كان السبي من أهل الكتاب أو من غير أهل الكتاب لأن بني قريظة كانوا أهل كتاب ومن وصفت أن النبي صلى الله عليه وسلم من عليهم كانوا من أهل الأوثان وقد من على بعض أهل الكتابين فلم يقتل ، وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام أو الجزية . قال : ويقتل الأسير بعد وضع الحرب أوزارها وقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد انقطاع الحرب بينه وبين من قتل في ذلك الأسر وكذلك يقتل كل مشرك بالغ إذا أبى الإسلام أو الجزية وإذا دعا الإمام الأسير إلى الإسلام فحسن وإن لم يدعه وقتله فلا بأس ، وإذا قتل الرجل الأسير قبل بلوغ الإمام وبعده في دار الحرب وبعد الخروج منها بغير أمر الإمام فقد أساء ولا عزم عليه من قبل أنه لما كان للإمام أن يرسله ويقتله ويفادي به كان حكمه غير حكم الأموال التي ليس للإمام إلا إعطاؤها من أوجف عليها ولكنه لو قتل طفلا أو امرأة عوقب وغرم أثمانهما ، ولو استهلك مالا غرم ثمنه ، وإذا سيق السبي فأبطئوا أوجفوا ولا محمل لهم بحال فإن شاءوا قتلوا الرجال وإن شاءوا تركوهم وكذلك إن خيفوا وليس لهم قتل النساء ولا الولدان بحال ولا قتل شيء من البهائم إلا ذبحا [ ص: 306 ] لمأكله لا غيره لا فرس ولا غيره ، فإن اتهم الإمام الذي يسوق السبي أحلفه ولا شيء عليه ، وإذا جنت الجارية من السبي جناية لم يكن للإمام أن يمنعها من المجني عليه ولا يفديها من مال الجيش وعليه أن يبيعها بالجناية فإن كان ثمنها أقل من الجناية أو مثلها دفعه إلى المجني عليه وإن كان أكثر فليست له الزيادة على أرش جنايته والزيادة لأهل العسكر ، وإن كان معها مولود صغير وولدت بعدما جنت وقبل تباع بيعت ومولودها وقسم الثمن عليهما فما أصابها كان للمجني عليه كما وصفت وما أصاب ولدها فلجماعة الجيش لأنه ليس للجاني قال : والبيع في أرض الحرب جائز فمن اشترى شيئا من المغنم ثم خرج فلقيه العدو فأخذوه منه فلا شيء له وكان ينبغي للوالي أن يبعث مع الناس من يحوطهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجزئ في الرقاب الواجبة المولود على الإسلام الصغير وولد الزنا والله أعلم .
يتبع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (188)
صــــــــــ 299 الى صـــــــــــ313
العدو يغلقون الحصون على النساء والأطفال والأسرى هل ترمى الحصون بالمنجنيق ؟ .
( قال الشافعي ) رضي الله تعالى عنه : إذا كان في حصن المشركين نساء وأطفال وأسرى مسلمون فلا بأس بأن ينصب المنجنيق على الحصن دون البيوت التي فيها الساكن إلا أن يلتحم المسلمون قريبا من الحصن فلا بأس أن ترمى بيوته وجدرانه فإذا كان في الحصن مقاتلة محصنون رميت البيوت والحصون ، وإذا تترسوا بالصبيان المسلمين أو غير المسلمين والمسلمون ملتحمون فلا بأس أن يعمدوا المقاتلة دون المسلمين والصبيان وإن كانوا غير ملتحمين أحببت له الكف عنهم حتى يمكنهم أن يقاتلوهم غير متترسين ، وهكذا إن أبرزوهم فقالوا : إن رميتمونا وقاتلتمونا قاتلناهم ، والنفط والنار مثل المنجنيق وكذلك الماء والدخان .
في قطع الشجر وحرق المنازل .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس بقطع الشجر المثمر وتخريب العامر وتحريقه من بلاد العدو وكذلك لا بأس بتحريق ما قدر لهم عليه من مال وطعام لا روح فيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وأهل خيبر وأهل الطائف وقطع فأنزل الله عز وجل في بني النضير { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها } الآية فأما ماله روح فإنه يألم مما أصابه فقتله محرم إلا بأن يذبح فيؤكل ولا يحل قتله لمغايظة العدو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عنها قيل : وما حقها يا رسول الله قال : يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به } ولا يحرق نحلا ولا يغرق لأنه له روح وإذا كان المسلمون أسرى أو مستأمنين في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم لو فعلوه في بلاد الإسلام إنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ، ولا تسقط دار الحرب .
[ ص: 307 ] عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة والحدود فرض عليهم كما هذه فرض عليهم ، قال : وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حدا لله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبدا لأنه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب والعلة أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه وإذا أصاب المسلم نفسه بجرح خطأ فلا يكون له عقل على نفسه ولا على عاقلته ولا يضمن المرء ما جنى على نفسه وقد يروى أن رجلا من المسلمين ضرب رجلا من المشركين في غزاة أظنها خيبر بسيف فرجع السيف عليه فأصابه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عقلا وإذا نصب القوم المنجنيق فرموا بها فرجع الحجر على أحدهم فقتله فديته على عواقل الذين رموا بالمنجنيق فإن كان ممن رمى به معهم رفعت حصته من الدية وذلك أن يكونوا عشرة هو عاشرهم فجناية العشر على نفسه مرفوعة عن نفسه وعاقلته ولا يضمن هو ولا عاقلته عما جنى على نفسه وعلى عواقلهم تسعة أعشار ديته وعلى الرامين الكفارة ولا يكون كفارة ولا عقل على من سددهم وأرشدهم وأمرهم حيث يرمون لأنه ليس بفاعل شيئا إنما تكون الكفارة والدية على الذين كان بفعلهم القتل وتحمل العاقلة كل شيء كان من الخطأ ولو كان درهما أو أقل منه إذا حملت الأكثر حملت الأقل وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم على العاقلة بدية الجنين وإذا دخل المسلم دار الحرب مستأمنا فأدان دينا من أهل الحرب ثم جاءه الحربي الذي أدانه مستأمنا قضيت عليه بدينه كما أقضي به للمسلم والذمي في دار الإسلام لأن الحكم جار على المسلم حيث كان لا نزيل الحق عنه بأن يكون بموضع من المواضع كما لا تزول عنه الصلاة أن يكون بدار الشرك فإن قال رجل : الصلاة فرض فكذلك أداء الدين فرض ولو كان المتداينان حربيين فاستأمنا ثم تطالبا ذلك الدين فإن رضيا حكمنا فليس علينا أن نقضي لهما بالدين حتى نعلم أنه من حلال فإذا علمنا أنه من حلال قضينا لهما به وكذلك لو أسلما فعلمنا أنه حلال قضينا لهما به إذا كان كل واحد منهما مقرا لصاحبه بالحق لا غاصب له عليه فإن كان غصبه عليه في دار الحرب لم أتبعه بشيء لأني أهدر عنهم ما تغاصبوا به فإن قال قائل : ما دل على أنك تقضي له به إذا لم يغصبه ؟ قيل له : أبى أهل الجاهلية في الجاهلية ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } وقال في سياق الآية { وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم } فلم يبطل عنهم رءوس أموالهم إذا لم يتقابضوا وقد كانوا مقرين بها ومستيقنين في الفضل فيها فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أصابوا من دم أو مال لأنه كان على وجه الغصب لا على وجه الإقرار به وإذا أحصن الذميان ثم زنيا ثم تحاكما إلينا رجمناهما وكذلك لو أسلما بعد إحصانهما ثم زنيا مسلمين رجمناهما إذا عددنا إحصانهما وهما مشركان إحصانا نرجمهما به فهو إحصان بعد إسلامهما ولا يكون إحصانا مرة وساقطا أخرى والحد على المسلم أوجب منه على الذمي وإذا أتيا جميعا فرضي أحدهما ولم يرض الآخر حكمنا على الراضي بحكمنا وأي رجل أصاب زوجة صحيحة النكاح حرة ذمية أو أمة مسلمة وهو حر بالغ فهو محصن وكذلك الحرة المسلمة يصيبها المسلم وكذلك الحرة الذمية يصيبها الزوج المسلم أو الذمي إنما الإحصان الجماع بالنكاح لا غيره فمتى وجدنا جماعا بنكاح صحيح فهو إحصان للحر منهما وإذا دخل الرجل دار الحرب فوجد في أيديهم أسرى رجالا ونساء من المسلمين [ ص: 308 ] فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب وأراد أن يرجع عليهم بما أعطى لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء لما ليس يباع من الأحرار فإن كانوا أمروه بشرائهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وكذلك قال بعض الناس ثم رجع فنقض قوله فزعم أن رجلا لو دخل بلاد الحرب وفي أيديهم عبد لرجل اشتراه بغير أمر الرجل ولا العبد كان له إلا أن يشاء سيد العبد أن يعطيه ثمنه وهذا خلاف قوله الأول إذا زعم أن المشتري غير مأمور متطوع لزمه أن يزعم أن هذا العبد لسيده ولا يرجع على سيده بشيء من ثمنه وهكذا نقول في العبد كما نقول في الحر لا يختلفان وإنما غلط فيه من قبل أنه يزعم أن المشركين يملكون على المسلمين وأنه اشتراه مالك من مالك ويدخل عليه في هذا الموضع أنه لا يكون عليه رده إلى سيده لأنه اشتراه مالك من مالك وكذلك لو كان الذمي اشتراه وإذا أسرت المسلمة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا ولدها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحق بالناكح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا دخل المستأمن بلاد الإسلام فقتله مسلم عمدا فلا قود عليه وعليه الكفارة في ماله وديته فإن كان يهوديا أو نصرانيا فثلث دية المسلم وإن كان مجوسيا أو وثنيا فهو كالمجوسي فثمانمائة درهم في ماله حالة فإن قتله خطأ فديته على عاقلته وعليه الكفارة في ماله أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن ثابت الحداد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف وفي المجوسي ثمانمائة درهم أخبرنا ابن عيينة عن صدقة بن يسار قال : أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية اليهودي والنصراني قال : قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف فإن كان مع هذا المستأمن المقتول مال رد إلى ورثته كما يرد مال المعاهد إلى ورثته إذا كان الدم ممنوعا بالإسلام والأمان فالمال ممنوع بذلك وإذا دخل المسلم أو الذمي دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم به شيئا فأما ما مع المسلمين فلا نعرض له ويرد على أهله من أهل دار الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وإذا استأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبد فأسلم فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال : هم أحرار لا سبيل عليهم ولم يردهم وإذا وجد الرجل من أهل الحرب على قارعة الطريق بغير سلاح وقال : جئت رسولا مبلغا قبل منه ولم نعرض له فإن ارتيب به أحلف فإذا حلف ترك وهكذا لو كان معه سلاح وكان منفردا ليس في جماعة يمتنع مثلها لأن حالهما جميعا يشبه ما ادعيا ومن ادعى شيئا يشبه ما قال لا يعرف بغيره كان القول قوله مع يمينه وإذا أتى الرجل من أهل الشرك بغير عقد عقد له المسلمون فأراد المقام معهم فبهذه الدار لا تصلح إلا لمؤمن أو معطي جزية فإن كان من أهل الكتاب قيل له : إن أردت المقام فأد الجزية وإن لم ترده فارجع إلى مأمنك فإن استنظر فأحب إلي أن لا ينظر إلا أربعة أشهر من قبل أن الله عز وجل جعل للمشركين أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر وأكثر ما يجعل له أن لا يبلغ به الحول لأن الجزية في الحول فلا يقيم في دار الإسلام مقام من يؤدي الجزية ولا يؤديها وإن كان من أهل الأوثان فلا تؤخذ منه الجزية بحال عربيا كان أو أعجميا ولا ينظرا إلا كإنظار هذا وذلك دون الحول [ ص: 309 ] وإذا دخل قوم من المشركين بتجارة ظاهرين فلا سبيل عليهم لأن حال هؤلاء حال من لم يزل يؤمن من التجار وإذا دخل الحربي دار الإسلام مشركا ثم أسلم قبل يؤخذ فلا سبيل عليه ولا على ماله ولو كان جماعة من أهل الحرب ففعلوا هذا كان هذا هكذا ولو قاتلوا ثم أسروا فأسلموا بعد الإسار فهم فيء وأموالهم ولا سبيل على دمائهم للإسلام فإذا كان هذا ببلاد الحرب فأسلم رجل في أي حال ما أسلم فيها قبل أن يؤسر أحرز له إسلامه دمه ولم يكن عليه رق وهكذا إن صلى فالصلاة من الإيمان أمسك عنه فإن زعم أنه مؤمن فقد أحرز ماله ونفسه وإن زعم أنه صلى صلاته وأنه على غير الإيمان كان فيئا إن شاء الإمام قتله وحكمه حكم أسرى المشركين .
الحربي إذا لجأ إلى الحرم .
( قال الشافعي ) رضي الله عنه : ولو أن قوما من أهل دار الحرب لجئوا إلى الحرم فكانوا ممتنعين فيه أخذوا كما يؤخذون في غير الحرم فنحكم فيهم من القتل وغيره كما نحكم فيمن كان في غير الحرم فإن قال قائل : وكيف زعمت أن الحرم لا يمنعهم وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة : هي حرام بحرمة الله لم تحلل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي إلا ساعة من نهار } وهل ساعتها هذه محرمة ؟ قيل : إنما معنى ذلك والله أعلم أنها لم تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها فإن قال : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : أمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قتل عاصم بن ثابت وخبيب وابن حسان بقتل أبي سفيان في داره بمكة غيلة إن قدر عليه . وهذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة فدل على أنها لا تمنع أحدا من شيء وجب عليه وأنها إنما يمنع أن ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها والله أعلم .
الحربي يدخل دار الإسلام بأمان ويشتري عبدا مسلما .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان فاشترى عبدا مسلما فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن يكون الشراء مفسوخا وأن يكون على ملك صاحب الأول أو يكون الشراء جائزا وعليه أن يبيعه فإن لم يظهر عليه حتى يهرب به إلى دار الحرب ثم أسلم عليه فهو له إن باعه أو وهبه فبيعه وهبته جائزة ولا يكون حرا بإدخاله إياه دار الحرب ولا يعتق بالإسلام إلا في موضع وهو أن يخرج من بلاد الحرب مسلما كما أعتق النبي صلى الله عليه وسلم من خرج من حصن ثقيف مسلما . فإن قال قائل : أفرأيت إن ذهبنا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعتقهم بالإسلام دون الخروج من بلاد الحرب قيل له : قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم عبد مسلم ثم جاءه سيده يطلبه فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم منه بعبدين ولو كان ذلك يعتقه لم يشتر منه حرا ولم يعتقه هو بعد ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها حرب .
[ ص: 310 ] عبد الحربي يسلم في بلاد الحرب
( قال الشافعي ) رضي الله عنه : ولو أسلم عبد الحربي في دار الحرب ولم يخرج منها حتى ظهر المسلمون عليها كان رقيقا محقون الدم بالإسلام .
الغلام يسلم .
( قال الشافعي ) رضي الله عنه : وإذا أسلم الغلام العاقل قبل أن يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة وهو الذمي ووصف الإسلام كان أحب إلي أن يبيعه وأن يباع عليه والقياس أن لا يباع عليه حتى يصف والإسلام بعد الحلم أو بعد استكمال خمس عشرة سنة فيكون في السن التي لو أسلم ثم ارتد بعدها قتل . وإنما قلت : أحب إلي أن يباع عليه قياسا على من أسلم من عبيده أجبره على بيعه وهو لم يصف الإسلام وإنما جعلته مسلما بحكم غيره فكأنه إذا وصف الإسلام وهو يعقله في مثل ذلك المعنى أو أكثر منه وإن كان قد يخالفه فيحتمل الأول أن يكون قياسا كان صحيحا وهذا قياس فيه شبهة .
في المرتد .
( قال الشافعي ) رحمة الله عليه : وإذا ارتد الرجل عن الإسلام ولحق بدار الحرب أو هرب فلم يدر أين هو أو خرس أو عته أوقفنا ماله فلم نقض فيه بشيء وإن لم يسلم قبل انقضاء عدة امرأته بانت منه وأوقفنا أمهات أولاده ومدبريه وجميع ماله وبعنا من رقيقه ما لا يرد عليه وما كان بيعه نظرا له ولم يحلل من ديونه المؤجلة شيء فإن رجع إلى الإسلام دفعنا إليه ماله كما كان بيده قبل ما صنع فإن مات قبل الإسلام فماله فيء يخمس فتكون أربعة أخماسه للمسلمين وخمسه لأهل الخمس . فإن زعم بعض ورثته أنه قد أسلم قبل أن يموت كلف البينة فإن جاء بها أعطي ماله ورثته من المسلمين وإن لم يأت بها وقد علمت منه الردة فماله فيء ، وإن قدم ليقتل فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وقتله بعض الولاة الذين لا يرون أن يستتاب بعض المرتدين فميراثه لورثته المسلمين وعلى قاتله الكفارة والدية ولولا الشبهة لكان عليه القود وقد خالفنا في هذا بعض الناس وقد كتبناه في كتاب المرتد وإذا عرضت الجماعة لقوم من مارة الطريق وكابروهم بالسلاح فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا ظفر بهم أقيمت عليهم أي هذه الحدود كان حدهم ولا يقطعون حتى يبلغ قدر ما أخذ كل واحد منهم ربع دينار فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم ما لله من هذه الحدود ولزمهم ما للناس من مال أو جرح أو نفس حتى يكونوا يأخذونه أو يدعونه فإن كانت منهم جماعة ردءا لهم حيث لا يسمعون الصوت أو يسمعونه عزروا ولم يصنع بهم شيء من هذه الحدود . ولا يحد ممن حضر المعركة إلا من فعل [ ص: 311 ] هذا لأن الحد إنما هو بالفعل لا بالحضور ولا التقوية . وسواء كان هذا الفعل في قرية أو صحراء ولو أعطاهم السلطان أمانا على ما أصابوا كان ما أعطاهم عليه الأمان من حقوق الناس باطلا ولزمه أن يأخذ لهم حقوقهم إلا أن يدعوها ولو فعلوا غير مرتدين عن الإسلام . ثم ارتدوا عن الإسلام بعد فعلهم ثم تابوا أقيمت عليهم تلك الحدود لأنهم فعلوها وهم ممن تلزمهم تلك الحدود ولو كانوا ارتدوا عن الإسلام قبل فعل هذا ثم فعلوه مرتدين ثم تابوا لم نقم عليهم شيئا من هذا لأنهم فعلوه وهم مشركون ممتنعون قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بيده ثم أسلم فلم يقد منه ولم يعقل لأنه فعل ذلك في حال الشرك ولا تباعة عليه في الحكم إلا أن يوجد مال رجل بعينه في يديه فيؤخذ منه ، ولو كانوا ارتدوا ثم فعلوا هذا ثم تابوا ثم فعلوا مثله أقيمت عليهم الحدود في الفعل الذي فعلوه وهم مسلمون ولم تقم عليهم في الفعل الذي فعلوه وهم مشركون ( قال ) وللشافعي قول آخر في موضع آخر إذا ارتد عن الإسلام ثم قتل مسلما ممتنعا وغير ممتنع قتل به وإن رجع إلى الإسلام لأن المعصية بالردة إن لم تزده شرا لم تزده خيرا فعليه القود ( قال الربيع ) : قياس قول الشافعي أنه إذا سرق العبد من المغنم فبلغت سرقته تمام سهم حر وأكثر فكان ربع دينار وأكثر أنه يقطع لأنه يزعم أنه لا يبلغ بالرضخ للعبد سهم رجل فإذا بلغ سهم رجل والذي بلغه بعد سهم رجل ربع دينار أو أكثر من السهم بربع قطع ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ارتد العبد عن الإسلام ولحق بدار الحرب ثم أمنه الإمام على أن لا يرده إلى سيده فأمانه باطل وعليه أن يدفعه إلى سيده فلو حال بينه وبين سيده بعد وصوله إليه فمات في يديه ضمن لسيده قيمته وكان كالغاصب وإن لم يمت كان لسيده عليه أجرته في المدة التي حبسه عنه فيها ، وإذا ضرب الرجل بالسيف ضربة يكون في مثلها قصاص اقتص منه وإن لم يكن فيها قصاص فعليه الأرش ، ولا تقطع يد أحد إلا السارق وقد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت بالسيف ضربا شديدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صفوان وعفا حسان بعد أن برأ فلم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان وهذا يدل أن لا عقوبة على من كان عليه قصاص فعفي عنه في دم ولا جرح وإلى الوالي قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولي المقتول ، وقد قال بعض أصحابنا ذلك قال : ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة واحتج لهم بعض من يذهب مذاهبهم بأمر المحدر بن زياد ولو كان حديثه مما نثبته قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتا وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول من قبل أن الله جل وعلا يقول { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال عز وجل { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } فبين في حكم الله عز وجل أنه جعل العفو أو القتل إلى ولي الدم دون السلطان إلا في المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك حكما مطلقا لم يذكر فيه أولياء الدم . وإذا كان ممن قطع الطريق من أخذ المال ولم يقتل وكان أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى والحكم الأولى في يده اليمنى ورجله اليسرى ما بقي منهما شيء لا يتحول إلى غيرهما فإذا لم يبق منهما شيء يكون فيه حكم تحول الحكم إلى الطرفين الآخرين فكان فيهما ولا نقطع قطاع الطريق إلا فيما تقطع فيه السراق وذلك ربع دينار يأخذه كل واحد منهم فصاعدا أو قيمته وقطع الطريق بالعصا والرمي بالحجارة مثله بالسلاح من الحديد وإذا عرض اللصوص لقوم فلا حد إلا في [ ص: 312 ] فعل وإن اختلفت أفعالهم فحدودهم بقدر أفعالهم من قتل منهم وأخذ المال قتل وصلب ومن قتل منهم ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ومن أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف ومن كثر جماعتهم ولم يفعل شيئا من هذا قاسمهم ما أصابوا أو لم يقاسمهم عزر وحبس وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطريق عفو لأن الله جل وعز حدهم بالقتل أو القتل والصلب أو القطع ولم يذكر الأولياء كما ذكرهم في القصاص في الآيتين فقال عز وجل { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } وقال في الخطأ { فدية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } وذكر القصاص في القتلى ثم قال عز وجل { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } فذكر في الخطأ والعمد أهل الدم ولم يذكرهم في المحاربة فدل على أن حكم قتل المحارب مخالف لحكم قتل غيره والله أعلم .
( قال الشافعي ) : كل ما استهلك المحارب أو السارق من أموال الناس فوجد بعينه أخذ وإن لم يوجد بعينه فهو دين عليه يتبع به قال : وإن تاب المحاربون من قبل أن نقدر عليهم سقط عنهم ما لله عز وجل من الحد ولزمهم ما للناس من حق فمن قتل منهم دفع إلى أولياء المقتول فإن شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية حالا من مال القاتل ومن جرح منهم جرحا فيه قصاص فالجروح بين خيرتين إن أحب فله القصاص وإن أحب فله عقل الجروح فإن كان فيهم عبد فأصاب دما عمدا فولي الدم بالخيار بين أن يقتله أو يباع له فتؤدى إليه دية قتله إن كان حرا وإن كان عبدا فقيمة قتيله فإن فضل من ثمنه شيء رد إلى مالكه فإن عجز عن الدية لم يضمن مالكه شيئا وإن كان كفافا للدية فهو لولي القتيل إلا أن يشاء مالك العبد إذا عفا له عن القصاص أن يتطوع بدية الذي قتله عبده أو قيمته وإذا كانت في المحاربين امرأة فحكمها حكم الرجال لأني وجدت أحكام الله عز وجل على الرجال والنساء في الحدود واحدة قال الله تبارك وتعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وقال { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ولم يختلف المسلمون في أن تقتل المرأة إذا قتلت وإذا أحدث المسلم حدثا في دار الإسلام فكان مقيما بها ممتنعا أو مستخفيا أو لحق بدار الحرب فسأل الأمان على إحداثه فإن كان فيها حقوق للمسلمين لم ينبغ للإمام أن يؤمنه عليها ولو أمنه عليها فجاء طالبها وجب عليه أن يأخذه بها وإن كان ارتد عن الإسلام فأحدث بعد الردة ثم استأمن أو جاء مؤمنا سقط عنه جميع ما أحدث في الردة والامتناع قد ارتد طليحة عن الإسلام وثنيا وقتل ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد منهما ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما وإنما أمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام فقال { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } ولم أعلم بذلك في أحد من أهل الإسلام فإن قال قائل : فلم لا تجعل ذلك في أهل الإسلام الممتنعين كما تجعله في المشركين الممتنعين ؟ قيل : لما وصفنا من سقوط ما أصاب المشرك في شركه وامتناعه من دم أو مال عنه وثبوت ما أصاب المسلم في امتناعه مع إسلامه فإن الحدود إنما هي على المؤمنين لا على المشركين ووجدت الله عز وجل حد المحاربين وهم ممتنعون كما حد غيرهم وزادهم في الحد بزيادة ذنبهم ولم يسقط عنهم بعظم الذنب شيئا كما أسقط عن المشركين وإذا أبق العبد من سيده ولحق بدار الحرب ثم استأمن الإمام على أن لا يرده على سيده فعليه أن يرده على سيده وكذلك لو قال على أنك حر كان أن يرده إلى سيده وأمان الإمام في حقوق الناس باطل وإذا قطع الرجل الطريق على رجلين أحدهما أبوه أو ابنه وأخذ المال فإن كان ما أخذ من حصة الذي ليس بأبيه يبلغ ربع دينار فصاعدا قطع كان مالهما مختلطا أو لم يكن لأن أحدهما لا يملك بمخالطته مال غيره إلا مال نفسه فإن استيقنا أن قد وصل إليه ربع دينار من غير مال أبيه أو ابنه قطعناه وإذا قطع أهل الذمة . [ ص: 313 ] على المسلمين
حدوا حدود المسلمين وإذا قطع المسلمون على أهل الذمة حدوا حدودهم لو قطعوا على المسلمين إلا أني أتوقف في أن أقتلهم إن قتلوا أو أضمنهم الدية وإذا سرق الرجل من المغنم وقد حضر القتال - عبدا كان أو حرا - لم يقطع لأن لكل واحد منهما فيه نصيب الحر بسهمه والعبد بما يرضخ له ويضمن وكذلك كل من سرق من بيت المال وكذلك كل من سرق من زكاة الفطر وهو من أهل الحاجة ومن سرق خمرا من كتابي وغيره فلا غرم عليه ولا قطع وكذلك إن سرق ميتة من مجوسي فلا قطع ولا غرم لا يكون القطع والغرم إلا فيما يحل ثمنه فإذا بلغت قيمة الظرف ربع دينار قطعته من قبل أنه سارق لشيئين وعاء يحل بيعه والانتفاع به إذا غسل وخمر قد سقط القطع فيها كما يكون عليه القطع لو سرق شاتين : إحداهما ذكية والأخرى ميتة وكانت قيمة الذكية ربع دينار لم يسقط عنه القطع أن يكون معها ميتة والميتة كلا شيء وكأنه منفرد بالذكية لأنه سارق لهما ، والله أعلم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (189)
صــــــــــ 3 الى صـــــــــــ10
بسم الله الرحمن الرحيم
[ ص: 3 ] كتاب النكاح ما يحرم الجمع بينه
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } قال : فلا يحل الجمع بين الأختين بحال من نكاح ولا ملك يمين لأن الله تبارك وتعالى أنزله مطلقا فلا يحرم من الحرائر شيء إلا حرم من الإماء بالملك مثله إلا العدد فإن الله تبارك وتعالى انتهى بالحرائر إلى أربع وأطلق الإماء فقال عز ذكره { أو ما ملكت أيمانكم } لم ينته بذلك إلى عدد ( أخبرنا ) ابن عيينة عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي الأخضر عن عمارة أنه كره من الإماء ما كره من الحرائر إلا العدد أخبرنا سفيان عن هشام بن حسان وأيوب عن ابن سيرين قال : قال ابن مسعود : يكره من الإماء ما يكره من الحرائر إلا العدد .
( قال الشافعي ) وهذا من قول العلماء إن شاء الله تعالى في معنى القرآن وبه نأخذ ، قال : والعدد ليس من النسب ولا الرضاع بسبيل ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما ؟ فقال عثمان : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، وأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك ، قال فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا . قال مالك قال ابن شهاب : أراه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، قال مالك : وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل توطأ إحداهما بعد الأخرى ؟ فقال عمر : ما أحب أن أجيزهما جميعا ونهاه . أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه قال : سئل عمر عن الأم وابنتها من ملك اليمين فقال : ما أحب أن أجيزهما جميعا فقال عبيد الله قال أبي فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو فيه . أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت ابن أبي مليكة يخبر أن معاذ بن عبيد الله بن معمر جاء إلى عائشة فقال لها : إن لي سرية قد أصبتها وأنها قد بلغت لها ابنة جارية لي أفأستسر ابنتها ؟ فقالت لا فقال : فإني والله لا أدعها إلا أن تقولي لي حرمها الله فقالت لا يفعله أحد من أهلي ولا أحد أطاعني .
( قال الشافعي ) فإذا كان عند الرجل امرأة فطلقها فكان لا يملك رجعتها فله أن ينكح أختها لأنه حينئذ غير جامع بين الأختين ، وإذا حرم الله تعالى الجمع بينهما ففي ذلك دلالة على أنه لم يحرم نكاح إحداهما بعد الأخرى وهذه منكوحة بعد الأخرى ولو كان لرجل جارية يطؤها فأراد وطء أختها لم يجز له وطء التي أراد أن يطأ حتى يحرم عليه فرج التي كان يطأ بنكاح أو كتابة أو خروج من ملكه ، فإذا [ ص: 4 ] فعل بعض هذا ثم وطئ الأخت ثم عجزت المكاتبة أو ردت المنكوحة كانت التي أبيح له فرجها أولا ثم حرمت عليه غير حلال له حتى يحرم فرج التي وطئ بعدها كما حرم فرجها قبل أن يطأ أختها ثم هكذا أبدا ، وسواء ولدت له التي وطئ أولا وآخرا أو لم تلد لأنه في كلتا الحالتين إنما يطؤها بملك اليمين .
وإذا اجتمع النكاح وملك اليمين في أختين فالنكاح ثابت لا يفسده ملك اليمين كان النكاح قبل أو بعد
فلو كانت لرجل جارية يطؤها فولدت له أو لم تلد حتى ينكح أختها كان النكاح ثابتا وحرم عليه فرج الأخت بالوطء ما كانت أختها زوجة له ، وأحب إلي لو حرم فرج أختها المملوكة حين يعقد نكاح أختها بالنكاح أو قبله بكتابة أو عتق أو أن يزوجها وإن لم يفعل لم أجبره على ذلك ولا على بيعها ونهيته عن وطئها كما لا أجبره على بيع جارية له وطئ ابنتها وأنهاه عن وطئها .
ولو كانت عنده أمة زوجة فتزوج أختها حرة كان نكاح الآخرة مفسوخا ( قال الشافعي ) فإن قال قائل : ما الفرق بين الوطء بالملك والنكاح ؟ قيل له النكاح يثبت للرجل حقا على المرأة وللمرأة حقا على الرجل وملك عقدة النكاح يقوم في تحريم الجمع بين الأختين مقام الوطء في الأمتين .
فلو ملك رجل عقدة نكاح أختين في عقدة أفسدنا نكاحهما ولو تزوجهما لا يدري أيتهما أول أفسدنا نكاحهما ولو ملك امرأة وأمهاتها وأولادها في صفقة بيع لم نفسد البيع ولا يحرم الجمع في البيع إنما يحرم جمع الوطء في الإماء ، فأما جمع عقدة الملك فلا يحرم .
ولو وطئ أمة ثم باعها من ساعته أو أعتقها أو كاتبها أو باع بعضها كان له أن يطأ أختها مكانه وليس له في المرأة أن ينكح أختها وهي زوجة له ولا أن يملك المرأة غيره ولا أن يحرمها عليه بغير طلاق ، وولد المرأة يلزمه بالعقد وإن لم يقر بوطء إلا أن يلاعن ، وولد الأمة لا يلزم بغير إقرار بوطء ولا يجوز أن تكون المرأة زوجة له ويحل فرجها لغيره والأمة تكون مملوكة له وفرجها حلال لغيره إذا زوجها وحرام عليه وهو مالك رقبتها وليس هكذا المرأة ، المرأة يحل عقدها جماعها ولا يحرم جماعها والعقد ثابت عليها إلا بعلة صوم أو إحرام أو ما أشبهه مما إذا ذهب حل فرجها .
قال : ولو أن رجلا له امرأة من أهل الشرك فأسلم الزوج واشترى أخت امرأته فوطئها ثم أسلمت امرأته في العدة حرم عليه فرج جاريته التي اشترى ولم تبع عليه وكانت امرأته امرأته بحالها ، وكذلك لو كانت هي المسلمة قبله واشترى أختها أو كانت له فوطئها ثم أسلم وهي في العدة .
قال : ولو كانت عنده جارية فوطئها فلم يحرم عليه فرجها حتى وطئ أختها اجتنبت التي وطئ آخرا بوطء الأولى وأحب إلي لو اجتنب الأولى حتى يستبرئ الآخرة وإن لم يفعل فلا شيء عليه إن شاء الله تعالى قال : وسواء في هذا ولدت التي وطئت أولا أو آخرا أو هما أم لم تلد واحدة منهما ، ولو حرم فرج التي وطئ أولا بعد وطء الآخرة أبحت له وطء الآخرة ، ثم لو حل له فرج التي زوج فحرم فرجها عليه بأن يطلقها زوجها أو تكون مكاتبة فتعجز لم تحل له هي وكانت التي وطئ حلالا له حتى يحرم عليه فرجها فتحل له الأولى ، ثم هكذا أبدا متى حل له فرج واحدة فوطئها حرم عليه وطء الأخرى حتى يحرم عليه فرج التي حلت له ثم يحل له فرج التي حرمت عليه فيكون تحريم فرجها كطلاق الرجل الزوجة الذي لا يملك فيه الرجعة ثم يباح له نكاح أختها ، فإذا نكحها لم يحل له نكاح التي طلقها حتى تبين هذه منه إلا أنهما يختلفان في أنه يملك رقبة أختين وأخوات وأمهات ولا يملك عقد أختين بنكاح .
[ ص: 5 ] من يحل الجمع بينه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة الرجل وابنته لأنه لا نسب بينهما يحرم به الجمع بينهما له ولا رضاع وإنما يحرم الجمع في بعض ذوات الأنساب بمن جمعهن إليه وقام الرضاع مقام النسب .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أن عبد الله بن صفوان جمع بين امرأة رجل من ثقيف وابنته .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع الحسن بن محمد يقول جمع ابن عمر لي بين ابنتي عم له فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن .
( قال الشافعي ) ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة ويزوج ابنتها ابنه لأن الرجل غير ابنه قد يحرم على الرجل ما لا يحرم على ابنه ، وكذلك يزوجه أخت امرأته .
الجمع بين المرأة وعمتها
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها } ( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ وهو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي هريرة وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر ، وفي هذا حجة على من رد الحديث وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى إلا أن العامة إنما تبعت في تحريم أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قول الفقهاء ، ولم نعلم فقيها سئل لم حرم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها إلا قال بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أثبت بحديث منفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فحرمه بما حرمه به النبي صلى الله عليه وسلم ولا علم له أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله إلا من حديث أبي هريرة وجب عليه إذا روى أبو هريرة أو غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثا آخر لا يخالفه أحد بحديث مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم به ما حرم النبي صلى الله عليه وسلم ويحل به ما أحل النبي صلى الله عليه وسلم وقد فعلنا هذا في حديث التغليس وغير حديث وفعله غيرنا في غير حديث ، ثم يتحكم كثير ممن جامعنا على تثبيت الحديث فيثبته مرة ويرده أخرى وأقل ما علمنا بهذا أن يكون مخطئا في التثبيت أو في الرد لأنها طريق واحدة فلا يجوز تثبيتها مرة وردها أخرى وحجته على من قال لا أقبل إلا الإجماع لأنه لا يعد إجماعا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وليس يسأل أحد من أهل العلم علمته إلا قال إنما نثبته من الحديث وهو يرد مثل هذا الحديث وأقوى منه مرارا ، قال وليس في الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها مما أحل وحرم في الكتاب معنى ، إلا أنا إذا قبلنا تحريم الجمع بينهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى قبلناه بما فرض من طاعته .
فإن قال قائل : قد ذكر الله عز وجل من حرم من النساء وأحل ما وراءهن ؟ قيل القرآن عربي اللسان منه محتمل واسع ذكر الله من حرم بكل حال في الأصل ومن حرم بكل حال إذا فعل الناكح أو غيره فيه شيئا مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت ومثل امرأة ابنه وأبيه إذا نكحها أبوه حرمت عليه بكل حال ، وكانوا يجمعون بين الأختين فحرمه وليس في تحريمه الجمع بين الأختين إباحة أن يجمع بين ما عدا الأختين إذا كان ما عدا الأختين مخالفا لهما كان أصلا في نفسه .
[ ص: 6 ] وقد يذكر الله عز وجل الشيء في كتابه فيحرمه ويحرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم غيره ، مثل قوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ليس فيه إباحة أكثر من أربع لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة وأسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن } فأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع حظر لما وراء أربع وإن لم يكن ذلك نصا في القرآن ، وحرم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره بالقرآن وامرأة الملاعن بالسنة وما سواهن مما سميت كفاية لما استثنى منه .
قال : والقول في الجمع بين المرأة وعمتها وعماتها من قبل آبائها وخالتها وخالاتها من قبل أمهاتها وإن بعدن كالقول في الأخوات سواء إن نكح واحدة ثم نكح أخرى بعدها ثبت نكاح الأولى وسقط نكاح الآخرة وإن نكحهما في عقدة معا انفسخ نكاحهما وإن نكح العمة قبل بنت الأخ أو ابنة الأخ قبل العمة فسواء هو جامع بينهما فيسقط نكاح الآخرة ويثبت نكاح الأولى وكذلك الخالة وسواء دخل بالأولى منهما دون الآخرة أو بالآخرة دون الأولى أو لم يدخل وهكذا يحرم الجمع بينهما بالوطء بملك اليمين والرضاع ، وملك اليمين في الوطء والنكاح سواء وما لم يكن للرجل أن يجمع بينه وبين الأختين أو المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها فنكح اثنتين منهن في عقدة فالعقدة منفسخة كلها ، وإذا نكح إحداهما قبل الأخرى فنكاح الأولى ثابت ونكاح الآخرة مفسوخ ولا يصنع الدخول شيئا إنما يصنعه العقدة ، وما نهى الله عن الجمع بينه من الأخوات وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على أن كل واحدة منهما تحل بعد الأخرى فلا بأس أن ينكح الأخت فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وانقضت عدتها أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهي في عدتها أن ينكح الأخرى وهكذا العمة والخالة وكل ما نهي عن الجمع بينه .
نكاح نساء أهل الكتاب وتحريم إمائهم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } إلى { ولا هم يحلون لهن } ( قال الشافعي ) فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أنها نزلت في مهاجرة من أهل مكة فسماها بعضهم ابنة عقبة بن أبي معيط وأهل مكة أهل أوثان وأن قول الله عز وجل { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } نزلت فيمن هاجر من أهل مكة مؤمنا وإنما نزلت في الهدنة وقال : قال الله عز وجل { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } إلى قوله { ولو أعجبتكم } وقد قيل في هذه الآية إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان فحرم نكاح نسائهم كما حرم أن تنكح رجالهم المؤمنات قال فإن كان هذا هكذا فهذه الآيات ثابتة ليس فيها منسوخ قال وقد قيل هذه الآية في جميع المشركين ثم نزلت الرخصة بعدها في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب قال الله تبارك وتعالى { أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات } إلى قوله " أجورهن " .
وقال فأيهما كان فقد أبيح فيه نكاح حرائر أهل الكتاب . وفي إباحة الله تعالى نكاح حرائرهم دلالة عندي والله تعالى أعلم على تحريم إمائهم لأن معلوما في اللسان إذا قصد قصد صفة من شيء بإباحة أو تحريم كان ذلك دليلا على أن ما [ ص: 7 ] قد خرج من تلك الصفة مخالف للمقصود قصده كما { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع } فدل ذلك على إباحة غير ذوات الأنياب من السباع وإن كانت الآية نزلت في تحريم نساء المؤمنين على المشركين وفي مشركي أهل الأوثان فالمسلمات محرمات على المشركين منهم بالقرآن على كل حال وعلى مشركي أهل الكتاب لقطع الولاية بين المشركين والمسلمين وما لم يختلف الناس فيه علمته قال والمحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب الحرائر وقال الله عز وجل { ومن لم يستطع منكم طولا } إلى قوله { من فتياتكم المؤمنات ذلك لمن خشي العنت منكم } وفي إباحة الله الإماء المؤمنات على ما شرط لمن لم يجد طولا وخاف العنت دلالة والله تعالى أعلم على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب .
وعلى أن الإماء المؤمنات لا يحللن إلا لمن جمع الأمرين مع إيمانهن لأن كل ما أباح بشرط لم يحلل إلا بذلك الشرط كما أباح التيمم في السفر والإعواز في الماء فلم يحلل إلا بأن يجمعهما المتيمم وليس إماء أهل الكتاب مؤمنات فيحللن بما حل به الإماء المؤمنات من الشرطين مع الإيمان .
تفريع تحريم المسلمات على المشركين
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا أسلمت المرأة أو ولدت على الإسلام أو أسلم أحد أبويها وهي صبية لم تبلغ حرم على كل مشرك كتابي ووثني نكاحها بكل حال ، ولو كان أبواها مشركين فوصفت الإسلام وهي تعقل صفته منعتها من أن ينكحها مشرك فإن وصفته وهي لا تعقل صفته كان أحب إلي أن يمنع أن ينكحها مشرك ولا يبين لي فسخ نكاحها ولو نكحها في هذه الحالة والله أعلم .
باب نكاح حرائر أهل الكتاب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم لأن الله تعالى أحلهن بغير استثناء وأحب إلي لو لم ينكحهن مسلم أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن وقال فقال لا يرثن مسلما ولا يرثونهن ونساؤهن لنا حل ونساؤنا حرام عليهم .
( قال الشافعي ) وأهل الكتاب الذين يحل نكاح حرائرهم أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى دون المجوس قال والصابئون والسامرة من اليهود والنصارى الذين يحل نساؤهم وذبائحهم إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون فيحرم نكاح نسائهم كما يحرم نكاح المجوسيات وإن كانوا يجامعونهم على أصل الكتاب ويتأولون فيختلفون فلا يحرم ذلك نساءهم وهم منهم يحل نساؤهم بما يحل به نساء غيرهم ممن لم يلزمه اسم صابئ ولا سامري قال ولا يحل نكاح حرائر من دان من العرب دين اليهودية والنصرانية لأن أصل دينهم كان الحنيفية ثم ضلوا بعبادة الأوثان وإنما انتقلوا إلى دين أهل الكتاب بعده لا بأنهم كانوا الذين دانوا بالتوراة والإنجيل فضلوا عنها وأحدثوا فيها إنما ضلوا عن الحنيفية ولم يكونوا كذلك لا تحل ذبائحهم وكذلك كل أعجمي كان أصل دين من مضى من آبائه عبادة الأوثان ولم يكن من أهل الكتابين المشهورين التوراة والإنجيل فدان دينهم لم يحل نكاح نسائهم فإن قال قائل فهل في هذا من [ ص: 8 ] أمر متقدم ؟ قيل نعم أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي أن يسأل الحسن لم أقر المسلمون بيوت النيران وعبادة الأوثان ونكاح الأمهات والأخوات ؟ فسأله فقال الحسن لأن العلاء بن الحضرمي لما قدم البحرين أقرهم على ذلك .
( قال الشافعي ) فهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين أحد لقيته أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الحارثي مولى عمر أو عبد الله بن سعد عن عمر أنه قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما يحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين قال سألت عبيدة عن ذبائح نصارى بني تغلب فقال لا تأكل ذبائحهم فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم إلا بشرب الخمر ( قال الشافعي ) وهكذا أحفظه ولا أحسبه وغيره إلا وقد بلغ به علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بهذا الإسناد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء : ليس نصارى العرب بأهل كتاب إنما أهل الكتاب بنو إسرائيل والذين جاءتهم التوراة والإنجيل فأما من دخل فيهم من الناس فليسوا منهم .
( قال الشافعي ) وتنكح المسلمة على الكتابية والكتابية على المسلمة وتنكح أربع كتابيات كما تنكح أربع مسلمات والكتابية في جميع نكاحها وأحكامها التي تحل بها وتحرم كالمسلمة لا تخالفها في شيء وفيما يلزم الزوج لها ولا تنكح الكتابية إلا بشاهدين عدلين مسلمين وبولي من أهل دينها كولي المسلمة جاز في دينهم غير ذلك أو لم يجز ولست أنظر فيه إلا إلى حكم الإسلام ولو زوجت نكاحا صحيحا في الإسلام وهو عندهم نكاح فاسد كان نكاحها صحيحا ولا يرد نكاح المسلمة من شيء إلا رد نكاح الكتابية من مثله ولا يجوز نكاح المسلمة بشيء إلا جاز نكاح الكتابية بمثله ولا يكون ولي الذمية مسلما وإن كان أباها لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وولي عقدة نكاحها ابن سعيد بن العاص وكان مسلما وأبو سفيان حي فدل ذلك على أن لا ولاية بين أهل القرابة إذا اختلف الدينان وإن كان أبا وأن الولاية بالقرابة واجتماع الدينين قال ويقسم للكتابية مثل قسمته للمسلمة لا اختلاف بينهما ولها عليه ما للمسلمة وله عليها ما له على المسلمة إلا أنهما لا يتوارثان باختلاف الدينين فإن طلقها أو آلى منها أو ظاهر أو قذفها لزمه في ذلك كله ما يلزمه في المسلمة إلا أنه لا حد على من قذف كتابية ويعزر .
وإذا طلقها فله عليها الرجعة في العدة ، وعدتها عدة المسلمة ، وإن طلقها ثلاثا فنكحت قبل مضي العدة وأصيبت لم تحلل له وإن نكحت نكاحا صحيحا بعد مضي العدة ذميا فأصابها ثم طلقت أو مات عنها وكملت عدتها حلت للزوج الأول يحلها للزوج كل زوج أصابها يثبت نكاحه وعليها العدة والإحداد كما يكون على المسلمة وإذا ماتت فإن شاء شهدها وغسلها ودخل قبرها ولا يصلي عليها وأكره لها أن تغسله لو كان هو الميت فإن غسلته أجزأ غسلها إياه إن شاء الله تعالى قال وله جبرها على الغسل من الحيضة ولا يكون له إصابتها إذا طهرت من الحيض حتى تغتسل لأن الله عز وجل يقول { حتى يطهرن } فقال بعض أهل العلم بالقرآن حتى ترى الطهر قال { فإذا تطهرن } يعني بالماء إلا أن تكون في سفر لا تجد الماء فتتيمم فإذا صارت ممن تحل لها الصلاة بالطهر حلت له ( قال الشافعي ) وله عندي والله تعالى أعلم أن يجبرها على الغسل من الجنابة وعلى النظافة بالاستحداد وأخذ الأظفار والتنظف بالماء من غير جنابة ما لم يكن ذلك وهي مريضة يضر بها الماء أو في برد شديد يضر بها الماء وله منعها من الكنيسة والخروج إلى [ ص: 9 ] الأعياد وغير ذلك مما تريد الخروج إليه إذا كان له منع المسلمة إتيان المسجد وهو حق كان له في النصرانية منع إتيان الكنيسة لأنه باطل وله منعها شرب الخمر لأنه يذهب عقلها ومنعها أكل لحم الخنزير إذا كان يتقذر به ومنعها أكل ما حل إذا تأذى بريحه من ثوم وبصل إذا لم تكن بها ضرورة إلى أكله وإن قدر ذلك من حلال لا يوجد ريحه لم يكن له منعها إياه وكذلك لا يكون له منعها لبس ما شاءت من الثياب ما لم تلبس جلد ميتة أو ثوبا منتنا يؤذيه ريحهما فيمنعها منهما .
قال وإذا نكح المسلم الكتابية فارتدت إلى مجوسية أو دين غير دين أهل الكتاب فإن رجعت إلى الإسلام أو إلى دين أهل الكتاب قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن لم ترجع حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينها وبين الزوج ولا نفقة لها في العدة لأنها مانعة له نفسها بالردة .
قال ولا يقتل بالردة من انتقل من كفر إلى كفر إنما يقتل من خرج من دين الإسلام إلى الشرك فأما من خرج من باطل إلى باطل فلا يقتل وينفى من بلاد الإسلام إلا أن يسلم أو يعود إلى أحد الأديان التي يؤخذ من أهلها الجزية يهودية أو نصرانية أو مجوسية فيقر في بلاد الإسلام . قال ولو ارتدت من يهودية إلى نصرانية أو نصرانية إلى يهودية لم تحرم عليه لأنه كان يصلح له أن يبتدئ نكاحها لو كانت من أهل الدين الذي خرجت إليه ( قال الربيع ) الذي أحفظ من قول الشافعي أنه قال إذا كان نصرانيا فخرج إلى دين اليهودية أنه يقال له ليس لك أن تحدث دينا لم تكن عليه قبل نزول القرآن فإن أسلمت أو رجعت إلى دينك الذي كنا نأخذ منك عليه الجزية تركناك وإلا أخرجناك من بلاد الإسلام ونبذنا إليك ومتى قدرنا عليك قتلناك وهذا القول أحب إلى الربيع .
( قال الشافعي ) ولا يجوز نكاح أمة كتابية لمسلم عبد ولا حر بحال لما وصفت من نص القرآن ودلالته قال وأي صنف من المشركين حل نكاح حرائرهم حل وطء إمائهم بالملك وأي صنف حرم نكاح حرائرهم حرم وطء إمائهم بالملك ويحل وطء الأمة الكتابية بالملك كما تحل حرائرهم بالنكاح ولا يحل وطء أمة مشركة غير كتابية بالملك كما لا يحل نكاح نسائهم ولو كان أصل نسب أمة من غير أهل الكتاب ثم دانت دين أهل الكتاب لم يحل وطؤها كما لا يحل نكاح الحرائر منهم ولا يحل نكاح أمة كتابية لمسلم بحال لأنها داخلة في معنى من حرم من المشركات وغير حلال منصوصة بالإحلال كما نص حرائر أهل الكتاب في النكاح وأن الله تبارك وتعالى إنما أحل نكاح إماء أهل الإسلام بمعنيين سواء أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت والشرطان في إماء المسلمين دليل على أن نكاحهن أحل بمعنى دون معنى وفي ذلك دليل على تحريم من خالفهن من إماء المشركين والله تعالى أعلم لأن الإسلام شرط ثالث والأمة المشركة خارجة منه فلو نكح رجل أمة كتابية كان النكاح فاسدا يفسخ عليه قبل الوطء وبعده وإن لم يكن وطئ فلا صداق لها وإن كان وطئ فلها مهر مثلها ويلحق الولد بالناكح وهو مسلم ويباع على مالكه إن كان كتابيا وإن كان مسلما لم يبع عليه . ولو وطئ أمة غير كتابية منع أن يعود لها حبلت أو لم تحبل وإن حبلت فولدت فهي أم ولد له ولا يحل له وطؤها لدينها كما يكون أمة له ولا يحل له وطؤها لدينها فإذا مات عتقت بموته وليس له بيعها وليس له أن يزوجها وهي كارهة ويستخدمها فيما تطيق كما يستخدم أمة غيرها ، وإن كانت لها أخت حرة مسلمة حل له نكاحها وهكذا إن كانت لها أخت لأمها حرة كتابية أبوها كتابي فاشتراها حل له وطؤها بملك اليمين ولم يكن هذا جمعا بين الأختين لأن وطء الأولى التي هي غير كتابية غير جائز له وإنما الجمع أن يجمع بين من يحل وطؤه على الانفراد .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (190)
صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ17
وإن كانت لها أخت من أبيها تدين بدين أهل الكتاب لم تحل له بالملك لأن نسبها إلى أبيها وأبوها غير كتابي إنما أنظر فيما يحل من المشركات إلى نسب الأب وليس هذا كالمرأة يسلم أحد أبويها وهي صغيرة لأن [ ص: 10 ] الإسلام لا يشركه شرك والشرك يشرك الشرك ، والنسب إلى الأب وكذلك الدين له ما لم تبلغ الجارية ولو أن أختها بلغت ودانت دين أهل الكتاب وأبوها وثني أو مجوسي لم يحل وطؤها بملك اليمين كما لا يحل وطء وثنية انتقلت إلى دين أهل الكتاب لأن أصل دينها غير دين أهل الكتاب .
ولو نكح أمة كتابية ولها أخت حرة كتابية أو مسلمة ثم نكح أختها الحرة قبل أن يفرق بينه وبين الأمة الكتابية كان نكاح الحرة المسلمة أو الكتابية جائزا لأنه حلال لا يفسده الأمة الكتابية التي هي أخت المنكوحة بعدها لأن نكاح الأولى غير نكاح ولو وطئها كان كذلك لأن الوطء في نكاح مفسوخ حكمه أنه لا يحرم شيئا لأنها ليست بزوجة ولا ملك يمين فيحرم الجمع بينها وبين أختها .
قال ولو تزوج امرأة على أنها مسلمة فإذا هي كافرة يفسخ نكاحها ولو تزوج امرأة على أنها كتابية فإذا هي مسلمة لم يكن له فسخ النكاح لأنها خير من كتابية ولو تزوج امرأة ولم يخبر أنها مسلمة ولا كتابية فإذا هي كتابية وقال إنما نكحتها على أنها مسلمة فالقول قوله وله الخيار وعليه اليمين ما نكحها وهو يعلمها كتابية .
ما جاء في منع إماء المسلمين
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } إلى قوله { ذلك لمن خشي العنت } الآية ( قال الشافعي ) ففي هذه الآية والله تعالى أعلم دلالة على أن المخاطبين بهذا الأحرار دون المماليك فأما المملوك فلا بأس أن ينكح الأمة لأنه غير واجد طولا لحرة ولا أمة فإن قال قائل ما دل على أن هذا على الأحرار ولهم دون المماليك ؟ قيل الواجدون للطول المالكون للمال والمملوك لا يملك مالا بحال ويشبه أن لا يخاطب بأن يقال إن لم يجد مالا من يعلم أنه لا يملك مالا بحال إنما يملك أبدا لغيره . قال ولا يحل نكاح الأمة إلا كما وصفت في أصل نكاحهن إلا بأن لا يجد الرجل الحر بصداق أمة طولا لحرة وبأن يخاف العنت والعنت الزنا فإذا اجتمع أن لا يجد طولا لحرة وأن يخاف الزنا حل له نكاح الأمة وإن انفرد فيه أحدهما لم يحلل له وذلك أن يكون لا يجد طولا لحرة وهو لا يخاف العنت أو يخاف العنت وهو يجد طولا لحرة إنما رخص له في خوف العنت على الضرورة ألا ترى أنه لو عشق امرأة وثنية يخاف أن يزني بها لم يكن له أن ينكحها ؟ ولو كان عنده أربع نسوة فعشق خامسة لم يحل له نكاحها إذا تم الأربع عنده أو كانت له امرأة فعشق أختها لم يحلل له أن ينكحها ما كانت عنده أختها وكذلك ما حرم عليه من النكاح من أي الوجوه حرم لم أرخص له في نكاح ما يحرم عليه خوف العنت لأنه لا ضرورة عليه يحل له بها النكاح ولا ضرورة في موضع لذة يحل بها المحرم إنما الضرورة في الأبدان التي تحيا من الموت وتمنع من ألم العذاب عليها وأما اللذات فلا يعطاها أحد بغير ما تحل به فإن قال قائل فهل قال هذا غيرك ؟ قيل الكتاب كاف إن شاء الله تعالى فيه من قول غيري وقد قاله غيري أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال لا يحل نكاح الحر الأمة وهو يجد بصداقها حرة قلت يخاف الزنا قال ما علمته يحل أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال سأل عطاء أبا الشعثاء وأنا أسمع عن نكاح الأمة ما تقول فيه ؟ أجائز هو ؟ فقال لا يصلح اليوم نكاح الإماء ( قال [ ص: 11 ] الشافعي ) والطول هو الصداق ولست أعلم أحدا من الناس يجد ما يحل له به أمة إلا وهو يجد به حرة فإن كان هذا هكذا لم يحل نكاح الأمة لحر وإن لم يكن هذا هكذا فجمع رجل حر الأمرين حل له نكاح الأمة وإذا ملك الرجل عقدة الأمة بنكاح صحيح ثم أيسر قبل الدخول أو بعده فسواء والاختيار له في فراقها ولا يلزمه فراقها بحال أبدا بلغ يسره ما شاء أن يبلغ لأن أصل العقد كان صحيحا يوم وقع فلا يحرم بحادث بعده ولا يكون له أن ينكح أمة على أمة وذلك أنه إذا كانت عنده أمة فهو في غير معنى ضرورة وكذلك لا ينكح أمة على حرة فإن نكح أمة على أمة أو حرة فالنكاح مفسوخ .
قال ولو ابتدأ نكاح أمتين معا كان نكاحهما مفسوخا بلا طلاق ويبتدئ نكاح أيتهما شاء إذا كان ممن له نكاح الإماء كما يكون هكذا في الأختين يعقد عليهما معا والمرأة وعمتها وإن نكح الأمة في الحال التي قلت لا يجوز له فالنكاح مفسوخ ولا صداق لها إلا بأن يصيبها فيكون لها الصداق بما استحل من فرجها ولا تحلها إصابته إذا كان نكاحه فاسدا لزوج غيره لو طلقها ثلاثا ولو نكحها وهو يجد طولا فلم يفسخ نكاحها حتى لا يجده فسخ نكاحها لأن أصله كان فاسدا ويبتدئ نكاحها إن شاء ولو نكحها ولا زوجة له فقال نكحتها ولا أجد طولا لحرة فولدت له أو لم تلد إذا قال نكحتها ولا أجد طولا لحرة كان القول قوله ولو وجد موسرا لأنه قد يعسر ثم يوسر إلا أن تقوم بينة بأنه حين عقد عقدة نكاحها كان واجدا لأن ينكح حرة فيفسخ نكاحه قبل الدخول وبعده وإن نكح أمة ثم قال نكحتها وأنا أجد طولا لحرة أو لا أخاف العنت .
فإن صدقه مولاها فالنكاح مفسوخ ولا مهر عليه إن لم يكن أصابها فإن أصابها فعليه مهر مثلها ، وإن كذبه فالنكاح مفسوخ بإقراره بأنه كان مفسوخا ولا يصدق على المهر فإن لم يكن دخل بها فلها نصف ما سمى لها وإن راجعها بعد جعلتها في الحكم تطليقة وفيما بينه وبين الله فسخا بلا طلاق وقد قال غيرنا يصدق ولا شيء عليه إن لم يصبها .
قال وإن نكح أمة نكاحا صحيحا ثم أيسر فله أن ينكح عليها حرة وحرائر حتى يكمل أربعا ولا يكون نكاح الحرة ولا الحرائر عليها طلاقا لها ولا لهن ، ولا لواحدة منهن خيار ، كن علمن أن تحته أمة أو لم يعلمن ، لأن عقد نكاحها كان حلالا فلم يحرم بأن يوسر فإن قال قائل فقد تحرم الميتة وتحلها الضرورة فإذا وجد صاحبها عنها غنى حرمتها عليه قيل إن الميتة محرمة بكل حال وعلى كل أحد بكل وجه مالكها وغير مالكها ، وغير حلال الثمن إلا أن أكلها يحل في الضرورة والأمة حلال بالملك وحلال بنكاح العبد وحلال النكاح للحر بمعنى دون معنى ولا تشبه الميتة المحرمة بكل حال إلا في حال الموت ولا يشبه المأكول الجماع وكل الفروج ممنوعة من كل أحد بكل حال إلا بما أحل به من نكاح أو ملك فإذا حل لم يحرم إلا بإحداث شيء يحرم به ليس الغنى منه ولا يجوز أن يكون الفرج حلالا في حال حراما بعده بيسير وإنما حرمنا نكاح المتعة مع الاتباع لئلا يكون الفرج حلالا في حال حراما في آخر .
الفرج لا يحل إلا بأن يحل على الأبد ما لم يحدث فيه شيء يحرمه ليس الغنى عنه مما يحرمه فإن قال قائل فالتيمم يحل في حال الإعواز والسفر فإذا وجد الماء قبل أن يصلي بالتيمم بطل التيمم ؟ .
قلت التيمم ليس بالفرض المؤدي فرض الصلاة والصلاة لا تؤدى إلا بنفسها وعلى المصلي أن يصلي بطهور ماء وإذا لم يجده تيمم وصلى فإن وجد الماء بعد التيمم وقبل الصلاة توضأ لأنه لم يدخل في الفرض ولم يؤده ، وإذا صلى أو دخل في الصلاة ثم وجد الماء لم تنقض صلاته ولم يعد لها وتوضأ لصلاة بعدها وهكذا الناكح الأمة لو أراد نكاحها وأجيب إليه وجلس له فلم ينكحها ثم أيسر قبل أن يعقد نكاحها لم يكن له نكاحها وإن عقد نكاحها ثم أيسر لم تحرم عليه كما كان المصلي إذا دخل بالتيمم ثم وجد الماء لم تحرم الصلاة عليه بل نكاح الأمة في أكثر من حال الداخل في [ ص: 12 ] الصلاة الداخل في الصلاة لم يكملها والناكح الأمة قد أكمل جميع نكاحها وإكمال نكاحها يحلها له على الأبد كما وصفت قال ويقسم للحرة يومين وللأمة يوما وكذلك كل حرة معه مسلمة وكتابية يوفيهن القسم سواء على يومين لكل واحدة ويوما للأمة فإن شاء جعل ذلك يومين يومين وإن شاء يوما يوما ثم دار على الحرائر يومين يومين ثم أتى الأمة يوما فإن عتقت في ذلك اليوم فدار إلى الحرة أو إلى الحرائر قسم بينهن وبينها يوما يوما بدأ في ذلك بالأمة قبل الحرائر أو بالحرائر قبل الأمة لأنه لم يقسم لهن يومين يومين حتى صارت الأمة من الحرائر التي لها ما لهن معا وإنما يلزم الزوج أن يقسم للأمة ما خلى المولى بينه وبينها في يومها وليلتها فإذا فعل فعليه القسم لها وللمولى إخراجها في غير يومها وليلتها وإن أخرجها المولى في يومها وليلتها فقد أبطل حقها ويقسم لغيرها قسم من لا امرأة عنده وهكذا الحرة تخرج بغير إذن زوجها يبطل حقها في الأيام التي خرجت فيها وكل زوجة لم تكمل فيها الحرية فقسمها قسم الأمة وذلك أم الولد تنكح والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها وليس للمكاتبة الامتناع من زوجها في يومها وليلتها ولا لزوجها منعها للطلب بالكتابة .
ولو حللت الأمة زوجها من يومها وليلتها ولم يحلله السيد حل له ولو حلله السيد ولم تحلله لم يحل له لأنه حق لها دون السيد ، ولو وضع السيد نفقتها عنه حل له لأنه مال له دونها وعلى سيدها أن ينفق عليها إذا وضع نفقتها عن الزوج ولو وضعت هي نفقتها عن الزوج لم يحل له إلا بإذن السيد لأنه مال السيد . .
نكاح المحدثين
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } إلى { المؤمنين } ( قال الشافعي ) اختلف في تفسير هذه الآية فقيل نزلت في بغايا كانت لهن رايات وكن غير محصنات فأراد بعض المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية بتحريم أن ينكحن إلا من أعلن بمثل ما أعلن به أو مشركا وقيل كن زواني مشركات فنزلت لا ينكحهن إلا زان مثلهن مشرك أو مشركة وإن لم يكن زانيا " وحرم ذلك على المؤمنين " وقيل غير هذا وقيل هي عامة ولكنها نسخت أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب في قوله { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } قال هي منسوخة نسختها { وأنكحوا الأيامى منكم } فهي من أيامى المسلمين .
( قال الشافعي ) فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في زانية وزان من المسلمين لم نعلمه حرم على واحد منهما أن ينكح غير زانية ولا زان ولا حرم واحدا منهما على زوجه فقد أتاه ماعز بن مالك وأقر عنده بالزنا مرارا لم يأمره في واحدة منها أن يجتنب زوجة له إن كانت ولا زوجته أن تجتنبه ولو كان الزنا يحرمه على زوجته أشبه أن يقول له إن كانت لك زوجة حرمت عليك أو لم تكن لم يكن لك أن تنكح ولم نعلمه أمره بذلك ولا أن لا ينكح ولا غيره أن لا ينكحه إلا زانية وقد ذكر له رجل أن امرأة زنت وزوجها حاضر فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمنا زوجها باجتنابها وأمر أنيسا أن يغدو عليها فإن اعترفت رجمها وقد جلد ابن الأعرابي في الزنا مائة وغربه عاما ولم ينهه علمنا أن ينكح ولا أحدا أن ينكحه إلا زانية وقد رفع الرجل الذي قذف امرأته إليه أمر امرأته وقذفها برجل وانتفى من حملها فلم يأمره باجتنابها حتى لاعن بينهما وقد روي عنه { أن رجلا شكا إليه أن امرأته لا تدفع يد لامس فأمره أن يفارقها فقال له إني أحبها فأمره أن يستمتع بها } أخبرنا سفيان بن عيينة عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال { أتى رجل إلى رسول الله [ ص: 13 ] صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي امرأة لا ترد يد لامس فقال النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها قال إني أحبها قال فأمسكها إذا } وقد حرم الله المشركات من أهل الأوثان على المؤمنين الزناة وغير الزناة أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه أن رجلا تزوج امرأة ولها ابنة من غيره وله ابن من غيرها ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حمل فلما قدم عمر مكة رفع ذلك إليه فسألها فاعترفا فجلدهما عمر الحد وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام .
( قال الشافعي ) فالاختيار للرجل أن لا ينكح زانية وللمرأة أن لا تنكح زانيا فإن فعلا فليس ذلك بحرام على واحد منهما ليست معصية واحد منهما في نفسه تحرم عليه الحلال إذا أتاه قال وكذلك لو نكح امرأة لم يعلم أنها زنت فعلم قبل دخولها عليه أنها زنت قبل نكاحه أو بعده لم تحرم عليه ولم يكن له أخذ صداقه منها ولا فسخ نكاحها وكان له إن شاء أن يمسك وإن شاء أن يطلق وكذلك إن كان هو الذي وجدته قد زنى قبل أن ينكحها أو بعدما نكحها قبل الدخول أو بعده فلا خيار لها في فراقه وهي زوجته بحالها ولا تحرم عليه وسواء حد الزاني منهما أو لم يحد أو قامت عليه بينة أو اعترف لا يحرم زنا واحد منهما ولا زناهما ولا معصية من المعاصي الحلال إلا أن يختلف ديناهما بشرك وإيمان .
لا نكاح إلا بولي
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } إلى { بالمعروف } وقال عز وجل { الرجال قوامون على النساء } الآية وقال في الإماء { فانكحوهن بإذن أهلهن } ( قال الشافعي ) زعم بعض أهل العلم بالقرآن أن معقل بن يسار كان زوج أختا له ابن عم له فطلقها ثم أراد الزوج وأرادت نكاحه بعد مضي عدتها فأبى معقل وقال زوجتك وآثرتك على غيرك فطلقتها لا أزوجكها أبدا فنزل { وإذا طلقتم } يعني الأزواج النساء { فبلغن أجلهن } يعني فانقضى أجلهن يعني عدتهن { فلا تعضلوهن } يعني أولياءهن { أن ينكحن أزواجهن } إن طلقوهن ولم يبتوا طلاقهن وما أشبه معنى ما قالوا من هذا بما قالوا ولا أعلم الآية تحتمل غيره لأنه إنما يؤمر بأن لا يعضل المرأة من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به نكاحها من الأولياء والزوج إذا طلقها فانقضت عدتها فليس بسبيل منها فيعضلها وإن لم تنقض عدتها فقد يحرم عليها أن تنكح غيره وهو لا يعضلها عن نفسه وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف .
( قال الشافعي ) وجاءت السنة بمثل معنى كتاب الله عز وجل أخبرنا مسلم وسعيد وعبد المجيد عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها } .
وقال بعضهم في الحديث فإن اشتجروا وقال غيره منهم فإن اختلفوا فالسلطان ولي من لا ولي له أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد قال جمعت الطريق ركبا فيهم امرأة ثيب فولت رجلا منهم أمرها فزوجها رجلا فجلد عمر بن الخطاب الناكح ورد نكاحها أخبرنا ابن عيينة عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد بن عمير أن عمر رضي الله عنه رد نكاح امرأة نكحت بغير ولي أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال قال عمرو بن دينار نكحت امرأة من [ ص: 14 ] بني بكر بن كنانة يقال لها بنت أبي ثمامة عمر بن عبد الله بن مضرس فكتب علقمة بن علقمة العتواري إلى عمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة إني وليها وإنها نكحت بغير أمري فرده عمر وقد أصابها ( قال الشافعي ) فأي امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { فنكاحها باطل } .
وإن أصابها فلها صداق مثلها بما أصاب منها بما قضى لها به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن الصداق يجب في كل نكاح فاسد بالمسيس وأن لا يرجع به الزوج على من غره لأنه إذا كان لها وقد غرته من نفسها لم يكن له أن يرجع به عليها وهو لها وهو لو كان يرجع به فكانت الغارة له من نفسها بطل عنها ولا يرجع زوج أبدا بصداق على من غره امرأة كانت أو غير امرأة إذا أصابها قال وفي هذا دليل على أن على السلطان إذا اشتجروا أن ينظر فإن كان الولي عاضلا أمره بالتزويج فإن زوج فحق أداه وإن لم يزوج فحق منعه وعلى السلطان أن يزوج أو يوكل وليا غيره فيزوج والولي عاص بالعضل لقول الله عز وجل { فلا تعضلوهن } وإن ذكر شيئا نظر فيه السلطان فإن رآها تدعو إلى كفاءة لم يكن له منعها وإن دعاها الولي إلى خير منه وإن دعت إلى غير كفاءة لم يكن له تزويجها والولي لا يرضى به وإنما العضل أن تدعو إلى مثلها أو فوقها فيمتنع الولي . .
اجتماع الولاة وافتراقهم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا ولاية لأحد مع أب فإذا مات فالجد أبو الأب فإذا مات فالجد أبو الجد لأن كلهم أب وكذلك الآباء وذلك أن المزوجة من الآباء وليست من الإخوة والولاية غير المواريث ولا ولاية لأحد من الأجداد دونه أب أقرب إلى المزوجة منه فإذا لم يكن آباء فلا ولاية لأحد مع الإخوة وإذا اجتمع الإخوة فبنو الأب والأم أولى من بني الأب فإذا لم يكن بنو أم وأب فبنو الأب أولى من غيرهم ولا ولاية لبني الأم ولا لجد أبي أم إن لم يكن عصبة لأن الولاية للعصبة فإن كانوا بني عم ولا أقرب منهم كانت لهم الولاية بأنهم عصبة وإن كان معهم مثلهم من العصبة كانوا أولى لأنهم أقرب بأم وإذا لم يكن إخوة لأب وأم ولا أب وكان بنو أخ وأم وبنو أخ لأب فبنو الأخ للأب والأم أولى من بني الأخ للأب وإن كان بنو أخ لأب وبنو أخ لأم فبنو الأخ للأب أولى ولا ولاية لبني الأخ للأم بحال إلا أن يكونوا عصبة قال وإذا تسفل بنو الأخ فأنسبهم إلى المزوجة فأيهم كان أقعد بها وإن كان ابن أب فهو أولى لأن قرابة الأقعد أقرب من قرابة أم غير ولدها أقعد منه وإذا استووا فكان فيهم ابن أب وأم فهو أولى بقربه مع المساواة قال وإن حرم النسب بقرابة الأم كان بنو بني الأخ وإن تسفلوا وبنو عم دنية فبنو بني الأخ وإن تسفلوا أولى لأنهم يجمعهم وإياها أب قبل بني العم وهكذا إن كان بنو أخ وعمومة فبنو الأخ أولى وإن تسفلوا لأن العمومة غير آباء فيكونون أولى لأن المزوجة من الأب فإذا انتهت الأبوة فأقرب الناس بالمزوجة أولاهم بها وبنو أخيها أقرب بها من عمومتها لأنه يجمعهم وإياها أب دون الأب الذي يجمعها بالعمومة .
وإذا لم يكن بنو الأخ وكانوا بني عم فكان فيهم بنو عم لأب وأم وبنو عم لأب فاستووا فبنو العم للأب والأم أولى وإن كان بنو العم للأب أقعد فهم أولى ، وإذا لم يكن لها قرابة من قبل الأب وكان لها أوصياء لم يكن الأوصياء ولاة نكاح ولا ولاة ميراث وهكذا إن كان لها قرابة من قبل أمها أو بني أخواتها لا ولاية للقرابة في النكاح إلا من قبل الأب .
وإن كان [ ص: 15 ] للمزوجة ولد أو ولد ولد فلا ولاية لهم فيها بحال إلا أن يكونوا عصبة فتكون لهم الولاية بالعصبة ألا ترى أنهم لا يعقلون عنها ولا ينتسبون من قبيلها إنما قبيلها نسبها من قبل أبيها أو لا ترى أن بني الأم لا يكونون ولاة نكاح فإذا كانت الولاية لا تكون بالأم إذا انفردت فهكذا ولدها لا يكونون ولاة لها وإذا كان ولدها عصبة وكان مع ولدها عصبة أقرب منهم هم أولى منهم فالعصبة أولى وإن تساوى العصبة في قرابتهم بها من قبل الأب فهم أولى كما يكون بنو الأم والأب أولى من بني الأب وإن استووا فالولد أولى . .
ولاية المولى
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون الرجل وليا بولاء وللمزوجة نسب من قبل أبيها يعرف ولا للأخوال ولاية بحال أبدا إلا أن يكونوا عصبة فإذا لم يكن للمرأة عصبة ولها موال فمواليها أولياؤها ولا ولاء إلا لمعتق ثم أقرب الناس بمعتقها وليها كما يكون أقرب الناس به ولي ولد المعتق لها قال واجتماع الولاة من أهل الولاء في ولاية المزوجة كاجتماعهم في النسب ( قال الشافعي ) ولا يختلفون في ذلك ( قال الشافعي ) ولو زوجها مولى نعمة ولا يعلم لها قريبا من قبل أبيها ثم علم كان النكاح مفسوخا ، لأنه غير ولي كما لو زوجها ولي قرابة يعلم أقرب منه كان النكاح مفسوخا . .
مغيب بعض الولاة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا ولاية لأحد بنسب ولا ولاء وأولى منه حي غائبا كان أو حاضرا بعيد الغيبة منقطعها مؤيسا منه مفقودا أو غير مفقود وقريبها مرجو الإياب غائبا وإذا كان الولي حاضرا فامتنع من التزويج فلا يزوجها الولي الذي يليه في القرابة ولا يزوجها إلا السلطان الذي يجوز حكمه فإذا رفع ذلك إلى السلطان فحق عليه أن يسأل عن الولي فإن كان غائبا سأل عن الخاطب فإن رضي به أحضر أقرب الولاة بها وأهل المحرم من أهلها وقال هل تنقمون شيئا ؟ فإن ذكروه نظر فيه فإن كان كفئا ورضيته أمرهم بتزويجه فإن لم يفعلوا زوجه وإن لم يأمرهم وزوجه فجائز وإن كان الولي حاضرا فامتنع من أن يزوجها من رضيت صنع ذلك به وإن كان الولي الذي لا أقرب منه حاضرا فوكل قام وكيله مقامه وجاز تزويجه كما يجوز إذا وكله بتزويج رجل بعينه فزوجه أو وكله أن يزوج من رأى فزوجه كفئا ترضى المرأة به بعينه فإن زوج غير كفء لم يجز وكان هذا منه تعديا مردودا ، كما يرد تعدي الوكلاء . .
من لا يكون وليا من ذي القرابة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون الرجل وليا لامرأة بنتا كانت أو أختا أو بنت عم أو امرأة هو أقرب الناس إليها نسبا أو ولاء حتى يكون الولي حرا مسلما رشيدا يعقل موضع الحظ وتكون المرأة مسلمة ولا يكون المسلم وليا لكافرة وإن كانت بنته ولا ولاية له على كافرة إلا أمته فإن ما صار لها [ ص: 16 ] بالنكاح ملك له . قال ولا يكون الكافر وليا لمسلمة وإن كانت بنته ، قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأبو سفيان حي لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم لا أعلم مسلما أقرب بها منه ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية لأن الله تبارك وتعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين والمواريث والعقل وغير ذلك قال : فيجوز تزويج الحاكم المسلم الكافرة لأنه بحكم لا ولاية إذا حاكمت إليه ولا يكون إذا كان بالغا مسلما وليا إن كان سفيها موليا عليه أو غير عالم بموضع الحظ لنفسه ومن زوجه إذا كان هذا لا يكون وليا لنفسه يزوجها كان أن يكون وليا لغيره أبعد .
وإن لم يكن هذا وليا للسفه أو ضعف العقل فكذلك المعتوه والمجنون الذي لا يفيق بل هما أبعد من أن يكونا وليين : قال ومن خرج من الولاية بأحد هذه المعاني حتى لا يكون وليا بحال فالولي أقرب الناس به ممن يفارق هذه الحال وهذا كمن لم يكن وكمن مات ولا ولاية له ما كان بهذه الحال ، فإذا صلحت حاله صار وليا ، لأن الحال التي منع بها الولاية قد ذهبت . .
الأكفاء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لا أعلم في أن للولاة أمرا مع المرأة في نفسها شيئا جعل لهم أبين من أن لا تزوج إلا كفؤا ، فإن قيل يحتمل أن يكون لئلا يزوج إلا نكاحا صحيحا . قيل قد يحتمل ذلك أيضا ولكنه لما كان الولاة لو زوجوها غير نكاح صحيح لم يجز كان هذا ضعيفا لا يشبه أن يكون له جعل للولاة معها أمر فأما الصداق فهي أولى به من الولاة ولو وهبته جاز ولا معنى له أولى به من أن لا يزوج إلا كفؤا بل لا أحسبه يحتمل أن يكون جعل لهم أمر مع المرأة في نفسها إلا لئلا تنكح إلا كفؤا ( قال الشافعي ) إذا اجتمع الولاة فكانوا شرعا فأيهم صلح أن يكون وليا بحال فهو كأفضلهم وسواء المسن منهم والكهل والشاب والفاضل والذي دونه إذا صلح أن يكون وليا فأيهم زوجها بإذنها كفؤا جاز وإن سخط ذلك من بقي من الولاة وأيهم زوج بإذنها غير كفؤ فلا يثبت النكاح إلا باجتماعهم عليه : وكذلك لو اجتمعت جماعتهم على تزويج غير كفء وانفرد أحدهم كان النكاح مردودا بكل حال حتى تجتمع الولاة معا على إنكاحه قبل إنكاحه فيكون حقا لهم تركوه .
وإن كان الولي أقرب ممن دونه فزوج غير كفء بإذنها فليس لمن بقي من الأولياء الذي هو أولى منهم رده لأنه لا ولاية لهم معه قال : وليس نكاح غير الكفء محرما فأرده بكل حال إنما هو نقص على المزوجة والولاة فإذا رضيت المزوجة ومن له الأمر معها بالنقص لم أرده .
قال : وإذا زوج الولي الواحد كفؤا بأمر المرأة المالك لأمرها بأقل من مهر مثلها لم يكن لمن بقي من الولاة رد النكاح ولا أن يقوموا عليه حتى يكملوا لها مهر مثلها لأنه ليس في نقص المهر نقص نسب إنما هو نقص المال ونقص المال ليس عليها ولا عليهم فيه نقص حسب وهي أولى بالمال منهم وإذا رضي الولي الذي لا أقرب منه بإنكاح رجل غير كفء فأنكحه بإذن المرأة والولاة الذين هم شرع ثم أراد الولي المزوج والولاة رده لم يكن لهم بعد رضاهم وتزويجهم إياه برضا المرأة ، وإن كانوا زوجوها بأمرها بأقل من صداق مثلها وكانت لا يجوز أمرها في مالها فلها تمام صداق مثلها لأن النكاح لا يرد فهو كالبيوع المستهلكة كما لو باعت وهي محجورة بيعا فاستهلك وقد غبنت فيه لزم مشتريه قيمته ، قال وإذا كانت المرأة محجورا عليها مالها فسواء من حابى في صداقها أب أو غيره لا [ ص: 17 ] تجوز المحاباة ويلحق بصداق مثلها ولا يرد النكاح دخلت أو لم تدخل وإن طلقت قبل ذلك أخذ لها نصف صداق مثلها . .
ما جاء في تشاح الولاة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الولاة شرعا فأراد بعضهم أن يلي التزويج دون بعض فذلك إلى المرأة تولي أيهم شاءت فإن قالت قد أذنت في فلان فأي ولاتي أنكحنيه فنكاحه جائز فأيهم أنكحها فنكاحه جائز فإن ابتدره اثنان فزوجاها فنكاحها جائز وإن تمانعوا أقرع بينهم السلطان فأيهم خرج سهمه أمره بالتزويج وإن لم يترافعوا إلى السلطان عدل بينهم أمرهم فأيهم خرج سهمه زوج وإن تركوا الإقراع أو تركه السلطان لم أحبه لهم وأيهم زوج بإذنها جاز . .
إنكاح الوليين والوكالة في النكاح
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا ابن علية عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا أنكح الوليان فالأول أحق } قال وبين في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول أحق أن الحق لا يكون باطلا وأن نكاح الآخر باطل وأن الباطل لا يكون حقا بأن يكون الآخر دخل ولم يدخل الأول ولا يزيد الأول حقا لو كان هو الداخل قبل الآخر هو أحق بكل حال قال : وفيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة ولأنه لا يكون نكاح وليين متكافئا حتى يكون للأول منهما إلا بوكالة منها مع { توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان } .
( قال الشافعي ) فأما إذا أذنت المرأة لولييها أن يزوجاها من رأيا وأمرها أحدهما في رجل فقالت زوجه وأمرها آخر في رجل فقالت زوجه فزوجاها معا رجلين مختلفين كفؤين . فأيهما زوج أولا فالأول الزوج الذي نكاحه ثابت وطلاقه وما بينه وبينها مما بين الزوجين لازم ونكاح الذي بعده ساقط دخل بها الآخر أو لم يدخل أو الأول أو لم يدخل لا يحق الدخول لأحد شيئا إنما يحقه أصل العقدة فإن أصابها آخرهما نكاحا فلها مهر مثلها إذا لم يصح عقدة النكاح لم تصح بشيء بعدها إلا بتجديد نكاح صحيح ، وإذا جاز للمرأة أن توكل وليين جاز للولي الذي لا أمر للمرأة معه أن يوكل وهذا للأب خاصة في البكر ولم يجز لولي غيره للمرأة معهم أمر أن يوكل أب في ثيب ولا ولي غير أب إلا بأن تأذن له أن يوكل بتزويجها فيجوز بإذنها . فلو أن رجلا خرج ووكل رجلا بتزويج ابنته البكر فزوجها الوكيل وهو فأيهما أنكح أولا فالنكاح نكاحه جائز والآخر باطل الوكيل أو الأب ، وإن دخل بها الآخر فلها المهر وعليها العدة والولد لاحق ولا ميراث لها منه ولو مات قبل أن يفرق بينهما ، ولا له منها لو ماتت ولزوجها الأول منها الميراث وعليه لها الصداق يحاسب به من ميراثه . وهكذا لو أذنت لوليين فزوجاها معا أو لولي أن يوكل فوكل وكيلا أو لوليين كذلك فوكلا وكيلين أي هذا كان فالتزويج الأول أحق ولو زوجها الوليان والوكلاء ثلاثة أو أربعة فالنكاح للأول إذا علم ببينة تقوم على وقت من الأوقات أنه فعل ذلك قبل صاحبه . .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (191)
صــــــــــ 18 الى صـــــــــــ 25
قال ولو زوجها ولياها رجلين فشهد الشهود على يوم واحد ولم يثبتوا الساعة أو أثبتوها فلم يكن في إثباتهم دلالة على أي النكاحين كان أولا فالنكاح مفسوخ [ ص: 18 ] ولا شيء لها من واحد من الزوجين ولو دخل بها أحدهما على هذا فأصابها كان لها منه مهر مثلها وعليها العدة ويفرق بينهما وسواء كان الزوجان في هذا لا يعرفان أي النكاح كان قبل أو يتداعيان فيقول كل واحد منهما كان نكاحي قبل وهما يقران أنها لا تعلم أي نكاحهما كان أولا ويقران بأمر يدل على أنها لا تعلم ذلك ، مثل أن تكون غائبة عن النكاح ببلد غير البلد الذي تزوجت به أو ما أشبه هذا . ولو ادعيا عليها أنها تعلم أي نكاحهما أول وادعى كل واحد منهما أن نكاحه كان أولا كان القول قولها مع يمينها للذي زعمت أن نكاحه آخرا ، وإن قالت لا أعلم أيهما كان أولا وادعيا علمها أحلفت ما تعلم وما يلزمها نكاح واحد منهما . قال ولو كانت خرساء أو معتوهة أو صبية أو خرست بعد التزويج لم يكن عليها يمين وفسخ النكاح ، ولو زوجها أبوها ووكيل له في هذه الحال فقال الأب : إنكاحي أولا أو إنكاح وكيلي أولا كان أو قال ذلك الوكيل لم يكن إقرار واحد منهما يلزمها ولا يلزم الزوجين ولا واحدا منهما ولو كانت عاقلة بالغة فأقرت لأحدهما أن نكاحه كان أولا لزمها النكاح الذي أقرت أنه كان أولا ولم تحلف للآخر لأنها لو أقرت له بأن نكاحه أولا ثم لم يكن زوجها .
وقد لزمها أن تكون زوجة الآخر ولو كان وليها الذي هو أقرب إليها من وليها الذي يليه زوجها بإذنها ووليها الذي هو أبعد منه بإذنها فإنكاح الولي الذي دونه من هو أقرب منه باطل ولو كان على الانفراد .
وإذا كان هذا هكذا فنكاح الولي الأقرب جائز كان قبل نكاح الولي الأبعد أو بعد ، أو دخل الذي زوجه الولي الأبعد الذي لا ولاية له مع من هو أقرب .
ولو دخل بها الزوجان معا أثبت نكاح الذي زوجه الولي وآمر باجتنابها حتى تكمل عدتها من الزوج غيره ، ثم خلي بينها وبينه وكان لها على الزوج المهر الذي سمى وعلى الناكح النكاح الفاسد مهر مثلها كان أقل أو أكثر مما سمى لها ، ولو اشتملت على حمل وقفا عنها وهي في وقفهما عنها زوجة الذي زوجه الولي إن مات ورثته وإن ماتت ورثها ، ومتى جاءت بولد أريه القافة فبأيهما ألحقاه لحق وإن لم يلحقاه بواحد منهما أو ألحقاه بهما أو لم يكن قافة وقف حتى يبلغ فينتسب إلى أيهما شاء ، قال وإن انتفيا منه ولم تره القافة لاعناها معا ونفي عنهما معا فإن أقر به أحدهما نسبته إليه فإن أقر به الآخر وقفته حتى تراه القافة وكان كالمسألة على الابتداء وإن مات الآخر بعدما أقر به الأول ولم يعترف به فهو من الأول ولو زوجها وليان أحدهما قبل الآخر بإذنها فدخل بها صاحب التزويج الآخر فلها مهر مثلها وتنزع منه وهي زوجة الأول ويمسك عنها حتى تنقضي عدتها من الداخل بها .
ما جاء في نكاح الآباء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه { عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت نكحني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست أو سبع وبنى بي وأنا ابنة تسع } الشك من الشافعي ( قال الشافعي ) فلما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجهاد يكون على ابن خمس عشرة سنة وأخذ المسلمون بذلك في الحدود وحكم الله بذلك في اليتامى فقال { حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا } ولم يكن له الأمر في نفسه إلا ابن خمس عشرة سنة أو ابنة خمس عشرة إلا أن يبلغ الحلم أو الجارية المحيض قبل ذلك فيكون لهما أمر في أنفسهما دل إنكاح أبي بكر عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ابنة ست وبناؤه بها ابنة تسع على أن الأب أحق بالبكر من نفسها ولو [ ص: 19 ] كانت إذا بلغت بكرا كانت أحق بنفسها منه أشبه أن لا يجوز له عليها حتى تبلغ فيكون ذلك بإذنها أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني زيد بن جارية { عن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها وهي ثيب وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها } ( قال الشافعي ) فأي ولي امرأة ثيب أو بكر زوجها بغير إذنها فالنكاح باطل إلا الآباء في الأبكار والسادة في المماليك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء بنت خدام حين زوجها أبوها كارهة ولم يقل إلا أن تشائي أن تبري أباك فتجيزي إنكاحه لو كانت إجازته إنكاحها تجيزه أشبه أن يأمرها أن تجيز إنكاح أبيها ولا يرد بقوته عليها .
( قال الشافعي ) ويشبه في دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرق بين البكر والثيب فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها وجعل البكر تستأذن في نفسها أن الولي الذي عنى والله تعالى أعلم الأب خاصة فجعل الأيم أحق بنفسها منه فدل ذلك على أن أمره أن تستأذن البكر في نفسها أمر اختيار لا فرض لأنها لو كانت إذا كرهت لم يكن له تزويجها كانت كالثيب وكان يشبه أن يكون الكلام فيها أن كل امرأة أحق بنفسها من وليها وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمت ولم أعلم أهل العلم اختلفوا في أنه ليس لأحد من الأولياء غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا إلا بإذنها فإذا كانوا لم يفرقوا بين البكر والثيب البالغين لم يجز إلا ما وصفت في الفرق بين البكر والثيب في الأب الولي وغير الولي ولو كان لا يجوز للأب إنكاح البكر إلا بإذنها في نفسها ما كان له أن يزوجها صغيرة لأنه لا أمر لها في نفسها في حالها تلك وما كان بين الأب وسائر الولاة فرق في البكر كما لا يكون بينهم فرق في الثيب فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستأمر البكر في نفسها ؟ قيل يشبه أمره أن يكون على استطابة نفسها وأن يكون بها داء لا يعلمه غيرها فتذكره إذا استؤمرت أو تكره الخاطب لعلة فيكون استئمارها أحسن في الاحتياط وأطيب لنفسها وأجمل في الأخلاق وكذلك نأمر أباها ونأمره أيضا أن يكون المؤامر لها فيه أقرب نساء أهلها وأن يكون تفضي إليها بذات نفسها أما كانت أو غير أم ولا يعجل في إنكاحها إلا بعد إخبارها بزوج بعينه ثم يكره لأبيها أن يزوجها إن علم منها كراهة لمن يزوجها وإن فعل فزوجها من كرهت جاز ذلك عليها وإذا كان يجوز تزويجه عليها من كرهت فكذلك لو زوجها بغير استئمارها فإن قال قائل وما يدل على أنه قد يؤمر بمشاورة البكر ولا أمر لها مع أبيها الذي أمر بمشاورتها ؟ قيل قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { وشاورهم في الأمر } ولم يجعل الله لهم معه أمرا إنما فرض عليهم طاعته ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستدلال بأن يأتي من بعض المشاورين بالخير قد غاب عن المستشير وما أشبه هذا .
قال والجد أبو الأب وأبوه وأبو أبيه يقومون مقام الأب في تزويج البكر وولاية الثيب ما لم يكن دون واحد منهم أب أقرب منه ولو زوجت البكر أزواجا ماتوا عنها أو فارقوها وأخذت مهورا ومواريث دخل بها أزواجها أو لم يدخلوا إلا أنها لم تجامع زوجت تزويج البكر لأنه لا يفارقها اسم بكر إلا بأن تكون ثيبا وسواء بلغت سنا وخرجت الأسواق وسافرت وكانت قيم أهلها أو لم يكن من هذا شيء لأنها بكر في هذه الأحوال كلها .
( قال ) وإذا جومعت بنكاح صحيح أو فاسد أو زنا صغيرة كانت بالغا أو غير [ ص: 20 ] بالغ كانت ثيبا لا يكون للأب تزويجها إلا بإذنها ولا يكون له تزويجها إذا كانت ثيبا وإن كانت لم تبلغ إنما يزوج الصغيرة إذا كانت بكرا لأنه لا أمر لها في نفسها إذا كانت صغيرة ولا بالغا مع أبيها قال وليس لأحد غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا صغيرة لا بإذنها ولا بغير إذنها ولا يزوج واحدة منهما حتى تبلغ فتأذن في نفسها . وإن زوجها أحد غير الآباء صغيرة فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان ولا يقع عليها طلاق وحكمه حكم النكاح الفاسد في جميع أمره لا يقع به طلاق ولا ميراث والآباء وغيرهم من الأولياء في الثيب سواء لا يزوج أحد الثيب إلا بإذنها ، وإذنها الكلام ، وإذن البكر الصمت . وإذا زوج الأب الثيب بغير علمها فالنكاح مفسوخ رضيت بعد أو لم ترض وكذلك سائر الأولياء في البكر والثيب . .
الأب ينكح ابنته البكر غير الكفء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يجوز أمر الأب على البكر في النكاح إذا كان النكاح حظا لها أو غير نقص عليها ولا يجوز إذا كان نقصا لها أو ضررا عليها كما يجوز شراؤه وبيعه عليها بلا ضرر عليها في البيع والشراء من غير ما لا يتغابن أهل البصر به ، وكذلك ابنه الصغير .
قال ولو زوج رجل ابنته عبدا له أو لغيره لم يجز النكاح لأن العبد غير كفء لم يجز وفي ذلك عليها نقص بضرورة ولو زوجها غير كفء لم يجز لأن في ذلك عليها نقصا ، ولو زوجها كفؤا أجذم أو أبرص أو مجنونا أو خصيا مجبوبا أو غير مجبوب لم يجز عليها لأنها لو كانت بالغا كان لها الخيار إذا علمت هي بداء من هذه الأدواء ، ولو زوجها كفؤا صحيحا ثم عرض له داء من هذه الأدواء لم يكن له أن يفرق بينه وبينها حتى تبلغ فإذا بلغت فلها الخيار .
( قال ) ولو عقد النكاح عليها لرجل به بعض الأدواء ثم ذهب عنه قبل أن تبلغ أو عند بلوغها فاختارت المقام معه لم يكن لها ذلك لأن أصل العقد مفسوخا .
( قال ) لو زوج ابنه صغيرا أو مخبولا أمة كان النكاح مفسوخا لأن الصغير لا يخاف العنت والمخبول لا يعرب عن نفسه بأنه يخاف العنت وإن كان كل واحد منهما لا يجد طولا ولو زوجه جذماء أو برصاء أو مجنونة أو رتقاء لم يجز عليه النكاح ، وكذلك لو كان زوجه امرأة في نكاحها ضرر عليه أو ليس له فيها وطر ، مثل عجوز فانية أو عمياء أو قطعاء أو ما أشبه هذا .
المرأة لا يكون لها الولي
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } فبين فيه أن الولي رجل لا امرأة فلا تكون المرأة وليا أبدا لغيرها وإذا لم تكن وليا لنفسها كانت أبعد من أن تكون وليا لغيرها ولا تعقد عقد نكاح . أخبرنا الثقة عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال : كانت عائشة تخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلي عقدة النكاح ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال لا تنكح المرأة المرأة فإن البغي إنما تنكح نفسها .
( قال الشافعي ) وإذا أرادت المرأة أن تزوج جاريتها لم يجز أن تزوجها هي ولا وكيلها إن لم يكن وليا [ ص: 21 ] للمرأة إذا لم تكن هي وليا لجاريتها لم يكن أحد بسببها وليا إذا لم يكن من الولاة كما لا يكون للمرأة أن توكل نفسها من يزوجها إلا وليا ويزوجها ولي المرأة السيدة الذي كان يزوجها هي أو السلطان إذا أذنت سيدتها بتزويجها كما يزوجونها هي إذا أذنت بتزويجها ولا يجوز لولي المرأة أن يولي امرأة تزوجها إذا لم تكن وليا في نفسها لم تكن وليا بوكالة ولا يزوج جاريتها إلا بإذنها ويجوز وكالة الرجل الرجل في النكاح إلا أنه لا يوكل امرأة لما وصفت ولا كافرا بتزويج مسلمة لأن واحدا من هذين لا يكون وليا بحال وكذلك لا يوكل عبدا ولا من لم تكمل فيه الحرية وكذلك لا يوكل محجورا عليه ولا مغلوبا على عقله لأن هؤلاء لا يكونون ولاة بحال .
ما جاء في الأوصياء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ذكر الله تعالى الأولياء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } ولم يختلف أحد أن الولاة هم العصبة ، وأن الأخوال لا يكونون ولاة ، إن لم يكونوا عصبة فبين في قولهم أن لا ولاية لوصي إن لم يكن من العصبة لأن الولاية يشبه أن تكون جعلت للعصبة للعار عليهم والوصي ممن لا عار عليه فيما أصاب غيره من عار وسواء وصى الأب بالأبكار والثيبات ووصى غيره فلا ولاية لوصي في النكاح بحال وذلك أنه ليس بوكيل الولي ولا بولي والخال أولى أن يكون عليه عار من الوصي وهو لا ولاية له إذا لم يكن له نسب من قبل الأب وهذا قول أكثر من لقيت من أهل الآثار والقياس ، وقد قال قائل يجوز نكاح وصي الأب على البكر خاصة دون الأولياء ولا يكون له أن ينكح البكر بغير إذنها وللأب أن ينكحها بغير إذنها ولا يجوز إنكاحه الثيب بأمرها وأمرها إلى الولاة ويقول ولا يجوز إنكاح وصي ولي غير وصي الأب ( قال الشافعي ) وهو يزعم أن الميت إذا مات انقطعت وكالته فإن كان الوصي وكيلا عنده ****ل الحي فوكيل الأب والأخ ولي الأولياء ، البكر والثيب يجوز إنكاحهم عندنا وعنده بوكالة من وكلهم ما جاز لمن وكلهم بالنكاح ويقيمهم مقام من وكله وهو لا يجيز لوصي الأب ما يجيز للأب ويقول ليس بوكيل ولا أب فيقال فولي قرابة فيقول : لا فيقال ما هو ؟ فيقول وصي ولي فيقول يقوم مقامه ولا يدري ما يقول ويقال فما لغير الأب فيقول الوصي ليس بولي ولا وكيل فيجوز نكاحه وليس من النكاح بسبيل فيقول قولا متناقضا يخالف معنى القرآن والسنة والآثار . .
إنكاح الصغار والمجانين
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أحد غير الآباء وإن زوجها فالتزويج مفسوخ والأجداد آباء إذا لم يكن أب يقومون مقام الآباء في ذلك ، ولا يزوج المغلوبة على عقلها أحد غير الآباء فإن لم يكن آباء رفعت إلى السلطان وعليه أن يعلم الزوج ما اشتهر عنده أنها مغلوبة على عقلها ، فإن يقدم على ذلك زوجها إياه وإنما منعت الولاة غير الآباء تزويج المغلوبة على عقلها أنه [ ص: 22 ] لا يجوز لولي غير الآباء أن يزوج امرأة إلا برضاها فلما كانت ممن لا رضا لها لم يكن النكاح لهم تاما وإنما أجزت للسلطان أن ينكحها لأنها قد بلغت أو أن الحاجة إلى النكاح وأن في النكاح لها عفافا وغناء وربما كان لها فيه شفاء وكان إنكاحه إياها كالحكم لها وعليها ، وإن أفاقت فلا خيار لها ولا يجوز أن يزوجها إلا كفؤا ، وإذا أنكحها فنكاحه ثابت وترث وتورث ، وإن غلب على عقلها من مرض أو برسام أو غيره لم يكن له أن ينكحها حتى يتأنى بها فإن أفاقت أنكحها الولي من كان بإذنها ، وإن لم تفق حتى طال ذلك ويؤيس من إفاقتها زوجها الأب أو السلطان وإن كان بها مع ذهاب العقل جنون أو جذام أو برص أعلم ذلك الزوج قبل أن يزوجها وإن كان بها ضنى يرى أهل الخبرة بها أنها لا تريد النكاح معه لم أر له أن يزوجها وإن زوجها لم أرد تزويجه لأن التزويج ازدياد لها لا مؤنة عليها فيه ، وسواء إذا كانت مغلوبة على عقلها بكرا كانت أو ثيبا لا يزوجها إلا أب أو سلطان بلا أمرها لأنه لا أمر لها . .
نكاح الصغار والمغلوبين على عقولهم من الرجال
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في الكبير المغلوب على عقله : لأبيه أن يزوجه لأنه لا أمر له في نفسه وإن كان يجن ويفيق فليس له أن يزوجه حتى يأذن له وهو مفيق في أن يزوج فإذا أذن فيه زوجه ولا أرد إنكاحه إياه وليس لأحد غير الآباء أن يزوجوا المغلوب على عقله لأنه لا أمر له في نفسه ويرفع إلى الحاكم فيسأل عنه فإن كان يحتاج إلى التزويج ذكر للمزوجة فإن رضيت زوجه وإن لم يكن يحتاج إلى التزويج فيما يرى بزمانة أو غيرها لم يكن للحاكم أن يزوجه ولا لأبيه أن يكون تزويجه ليخدم فيجوز تزويجه لذلك ، وللآباء ما للأب في المغلوب على عقله وفي الصغيرة والمرأة البكر وللآباء تزويج الابن الصغير ولا خيار له إذا بلغ وليس ذلك لسلطان ولا ولي وإن زوجه سلطان أو ولي غير الآباء فالنكاح مفسوخ لأنا إنما نجيز عليه أمر الأب لأنه يقوم مقامه في النظر له ما لم يكن له في نفسه أمر ولا يكون له خيار إذا بلغ فأما غير الأب فليس ذلك له ولو كان الصبي مجبوبا أو مخبولا فزوجه أبوه كان نكاحه مردودا لأنه لا يحتاج إلى النكاح قال وإذا زوج المغلوب على عقله فليس لأبيه ولا للسلطان أن يخالع بينه وبين امرأته ولا أن يطلقها عليه ، ولا يزوج واحد منهما إلا بالغا وبعد ما يستدل على حاجته إلى النكاح ولو طلقها لم يكن طلاقه طلاقا ، وكذلك لو آلى منها أو تظاهر لم يكن عليه إيلاء ولا ظهار لأن القلم مرفوع عنه ، وكذلك لو قذفها وانتفى ولدها لم يكن له أن يلاعن ويلزمه الولد ولو قالت هو عنين لا يأتيني لم تضرب له أجلا وذلك أنها إن كانت ثيبا فقد يأتيها وتجحد وهو لو كان صحيحا جعل القول قوله مع يمينه وإن كانت بكرا فقد تمتنع من أن ينالها فلا يعقل أن يدفع عن نفسه بالقول أنها تمتنع ويمتنع ويؤمر إشارة بإصابتها ولو ارتد لم تحرم عليه لأن القلم مرفوع عنه ولو ارتدت هي فلم تعد إلى الإسلام حتى تنقضي العدة بانت منه وهكذا إذا نكحت المغلوبة على عقلها لم يكن لأبيها ولا لولي غيره أن يخالع عنها بدرهم من مالها ولا يبرئ زوجها من نفقتها ولا شيء وجب لها عليه فإن هربت أو امتنعت منه لم يكن لها عليه نفقة ما دامت هاربة أو ممتنعة وإن آلى منها وطلب وليها وقفه قيل له اتق الله وفئ أو طلق ولا يجبر على طلاق كما لا يجبر لو طلبته هي ، وكذلك إن كان عنينا لم يؤجل لها من قبل أن هذا شيء إن كانت صحيحة كان لها طلبه لتعطاه أو يفارق وإن تركته لم يحمل فيه الزوج على الفراق [ ص: 23 ] لأن الفراق إنما يكون برضاها وامتناعه من الفيء فلا يكون لأحد طلب أن يفارق بحكم يلزم زوجها غيرها وهي ممن لا طلب له ولو طلبت لم يكن ذلك على الزوج وهكذا الصبية التي لا تعقل في كل ما وصفت .
قال : ولو قذف المجنونة وانتفى من ولدها قيل له إن أردت أن تنفي الولد باللعان فالتعن فإذا التعن وقعت الفرقة بينهما ولا يكون له أن ينكحها أبدا ولا يرد عليه وينفى عنه الولد وإن أكذب نفسه ألحق به الولد ولا يعزر ولم ينكحها أبدا فإن أبى أن يلتعن فهي امرأته والولد ولده ولا يعزر لها ، قال وأي ولد ولدته ما كانت في ملكه لزمه إلا أن ينفيه بلعان ، وإن وجد معها ولد فقال لم تلده ولا قافة وريئت تدر عليه وترضعه وتحنوا عليه حنو الأم لم تكن أمه إلا بأن يشهد أربع نسوة أنها ولدته أو يقر هو بأنها ولدته فيلحقه ، وإن كانت قافة فألحقوه بها فهو ولده إلا أن ينفيه بلعان ، وليس للأب في الصبية والمغلوبة على عقلها أن يزوجها عبدا ولا غير كفء لها ، وأنظر كل امرأة كانت بالغا ثيبا فدعت إليه كان لأبيها ووليها منعها منه وليس للأب عليها إدخالها فيه ولا للأب ولا للسلطان في واحد منهما أن يزوجها مجبوبا وكذلك ليس له أن يكره أمته على واحد من هؤلاء بنكاح وله أن يهبها لكل واحد من هؤلاء ويبيعها منه ولا لولي الصبي أن يزوجه مجنونة ولا جذماء ولا برصاء ولا مغلوبة على عقلها ولا امرأة لا تطيق جماعا بحال ولا أمة وإن كان لا يجد طولا لحرة لأنه ممن لا يخاف العنت . .
النكاح بالشهود
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا نكاح للأب في ثيب ولا لولي غير الأب في بكر ولا ثيب غير مغلوبة على عقلها حتى يجمع النكاح أربعا أن ترضى المرأة المزوجة وهي بالغ والبلوغ أن تحيض أو تستكمل خمس عشرة سنة ويرضى الزوج البالغ وينكح المرأة ولي لا أولى منه أو السلطان ويشهد على عقد النكاح شاهدان عدلان فإن نقص النكاح واحدا من هذا كان فاسدا ، قال ولأبي البكر أن يزوجها صغيرة وكبيرة بغير أمرها وأحب إلي إن كانت بالغا أن يستأمرها وذلك لسيد الأمة في أمته وليس ذلك لسيد العبد في عبده ولا لأحد من الأولياء غير الآباء في البكر وهكذا لأبي المجنونة البالغ أن يزوجها تزويج الصغيرة البكر بكرا كانت أو ثيبا وليس ذلك لغير الآباء إلا السلطان .
النكاح بالشهود أيضا
أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد وأحسب مسلم بن خالد قد سمعه من ابن خيثم أخبرنا مالك عن أبي الزبير قال أتي عمر بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت قال ولو شهد النكاح من لا تجوز شهادته وإن كثروا من أحرار المسلمين أو شهادة عبيد مسلمين أو أهل ذمة لم يجز النكاح حتى ينعقد بشاهدين عدلين قال : وإذا كانا الشاهدان لا يردان من جهة التعديل ولا الحرية ولا البلوغ ولا علة في أنفسهما خاصة جاز النكاح ، قال وإذا كانا عدلين عدوين للمرأة أو للرجل فتصادق الزوجان على النكاح جازت الشهادة لأنها شهادة عدلين وإن تجاحدا لم يجز النكاح لأني لا أجيز شهادتهما على عدويهما وأحلفت [ ص: 24 ] الجاحد منهما فإن حلف برئ وإن نكل رددت اليمين على صاحبه فإن حلف أثبت له النكاح وإن لم يحلف لم أثبت له نكاحا .
وإن رئي رجل يدخل على امرأة فقالت زوجي وقال زوجتي نكحتها بشاهدين عدلين ثبت النكاح وإن لم نعلم الشاهدين : قال ولو عقد النكاح بغير شهود ثم أشهد بعد ذلك على حياله وأشهدت ووليها على حيالهما لم يجز النكاح ولا نجيز نكاحا إلا نكاحا عقد بحضرة شاهدين عدلين وما وصفت معه ولا يكون أن يتكلم بالنكاح غير جائز لم يجز إلا بتجديد نكاح غيره ولو كان الشاهدان عدلين حين حضرا النكاح ثم ساءت حالهما حتى ردت شهادتهما فتصادقا أن النكاح قد كان والشاهدان عدلان أو قامت بذلك بينة جاز وإن قالا كان النكاح وهما بحالهما لم يجز وقال إنما أنظر في عقدة النكاح ولا أنظر أين يقومان هذا يخالف الشهادة على الحق غير النكاح في هذا الموضع الشهادة على الحق يوم يقع الحكم ولا ينظر إلى حال الشاهدين قبل والشهادة على النكاح يوم يقع العقد قال : ولو جهلا حال الشاهدين وتصادقا على النكاح بشاهدين جاز النكاح وكانا على العدل حتى أعرف الجرح يوم وقع النكاح وإذا وقع النكاح ثم أمره الزوجان بكتمان النكاح والشاهدين فالنكاح جائز وأكره لهما السر لئلا يرتاب بهما . .
ما جاء في النكاح إلى أجل ونكاح من لم يولد
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل للمرأة قد زوجتك حمل امرأتي وقبلت ذلك المرأة أو أول ولد تلده امرأتي وقبلت ذلك المرأة أو قال ذلك الرجل للرجل في حبل امرأته قد زوجتك أول جارية تلدها امرأتي وقبل الرجل فلا يكون شيء من هذا نكاحا أبدا ولا نكاح لمن لم يولد : ألا ترى أنها قد لا تلد جارية وقد لا تلد غلاما أبدا فإذا كان الكلام منعقدا على غير شيء لم يجز ولا يجوز النكاح إلا على عين بعينها ولو قال الرجل : إذا كان غدا فقد زوجتك ابنتي وقبل ذلك الرجل أو قال رجل لرجل إذا كان غدا فقد زوجت ابني ابنتك وقبل أبو الجارية والغلام والجارية صغيران لم يجز له لأنه قد يكون غدا وقد مات ابنه أو ابنته أو هما ، وإذا انعقد النكاح وانعقاده الكلام به فكان في وقت لا يحل له فيه الجماع ولا يتوارث الزوجان لم يجز وكان ذلك في معنى المتعة التي تكون زوجة في أيام وغير زوجة في أيام وفي أكثر من معنى المتعة ، لأنه قد جاءت مدة بعد العقد لم يوجب فيها النكاح ولا يكون هذا نكاحا عندنا ولا عند من أجاز نكاح المتعة هذا أفسد من نكاح المتعة . .
ما يجب به عقد النكاح
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا خطب الرجل على نفسه فقال زوجتي فلانة أو وكيل الرجل على من وكله فقال ذلك أو أبو الصبي المولى عليه المرأة إلى وليها بعدما أذنت في إنكاح الخاطب أو المخطوب عليه فقال الولي قد زوجتك فلانة التي سمى فقد لزم النكاح ولا احتياج إلى أن يقول الزوج أو من ولي عقد نكاحه بوكالته قد قبلت إذا بدأ فخطب فأجيب بالنكاح . قال ولو احتجت إلى هذا لم أجز نكاحا أبدا إلا بأن يولي الرجل وتولي المرأة رجلا واحدا فيزوجهما ، وذلك أني إذا احتجت إلى أن يقول الخاطب وقد بدأ بالخطبة إذا زوج قد قبلت لأني لا أدري ما بدا للخاطب احتجت إلى أن يقول [ ص: 25 ] ولي المرأة قد أجزت لأني لا أدري ما بدا له إن كان إذا زوج لم يثبت النكاح إلا بإحداث المنكح قبولا للنكاح ثم احتجت إلى أن أرد القول على الزوج ثم هكذا على ولي المرأة فلا يجوز بهذا المعنى نكاح أبدا ، ولا يجوز إلا بما وصفت من أن يلي عليهما واحد بوكالتهما . ولكن لو بدأ ولي المرأة فقال لرجل قد زوجتك ابنتي لم يكن نكاحا حتى يقول الرجل قد قبلت لأن هذا ابتداء كلام ليس جواب مخاطبة وإن خطب الرجل المرأة فلم يجبه الأب حتى يقول الخاطب قد رجعت في الخطبة فزوجه الأب بعد رجوعه كان النكاح مفسوخا لأنه زوج غير خاطب إلا أن يقول بعد تزويج الأب قد قبلت ، ولو خطب رجل إلى رجل فلم يجبه الرجل حتى غلب على عقله ثم زوجه لم يكن هذا نكاحا لأنه عقدة من قد بطل كلامه ومن لا يجوز أن يكون وليا وهكذا لو كان الخاطب المغلوب على عقله بعد أن يخطب وقبل أن يزوج ولكن لو عقد عليه ثم غلب على عقله كان النكاح جائزا إذا عقد ومعه عقله ولو كان هذا في امرأة أذنت في أن تنكح فلم تنكح حتى غلبت على عقلها ثم أنكحت بعد الغلبة على عقلها كان النكاح مفسوخا لأنه لم يلزمها شيء من النكاح حتى غلب على عقلها فبطل إذنها وهذا كما قلنا في المسألة قبلها ، قال ولو زوجت قبل أن تغلب على عقلها ثم غلبت بعد التزويج على عقلها لزمها النكاح .
ولو قال الرجل لأبي المرأة أتزوجني فلانة ؟ فقال قد زوجتكها لم يثبت النكاح حتى يقبل المزوج لأن هذا ليس خطبة وهذا استفهام ، وإذا خطبها على نفسه ولم يسم صداقا فزوجه فالنكاح ثابت ، ولها مهر مثلها . ولو سمى صداقا فزوجه بإذنها كان الصداق له ولها لازما . .
ما يحرم من النساء بالقرابة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم } الآية ( قال الشافعي ) والأمهات أم الرجل الوالدة وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لأنهن يلزمهن اسم الأمهات والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه وبناتهن وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات كما لزم الجدات اسم الأمهات وإن علون وتباعدن منه وكذلك ولد الولد وإن سفلوا والأخوات من ولد أبيه لصلبه أو أمه نفسها وعماته من ولد جده الأدنى أو الأقصى ومن فوقهما من أجداده وخالاته من والدته أم أمه وأمها ومن فوقهما من جداته من قبلها وبنات الأخ كل ما ولد الأخ لأبيه أو لأمه أو لهما من ولد ولدته والدته فكلهم بنو أخيه وإن تسفلوا وهكذا بنات الأخت ( قال الشافعي ) وحرم الله تعالى الأخت من الرضاعة فاحتمل تحريمها معنيين أحدهما إذ ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما في التحريم مقام الأم والأخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن والآخر أن يحرم من الرضاع الأم والأخت ولا يحرم سواهما ( قال الشافعي ) فإن قال قائل فأين دلالة السنة بأن الرضاعة تقوم مقام النسب ؟ قيل له إن شاء الله تعالى : أخبرنا مالك بن أنس بن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة }
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (192)
صــــــــــ 26 الى صـــــــــــ 33
أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر { عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها [ ص: 26 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه فلانا لعم حفصة من الرضاعة فقلت يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة أيدخل علي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة } أخبرنا ابن عيينة قال سمعت ابن جدعان قال سمعت ابن المسيب يحدث { عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله هل لك في ابنة عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش فقال أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله تعالى حرم من الرضاعة ما حرم من النسب } ؟ أخبر الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة ؟ مثل حديث سفيان في بنت حمزة ( قال الشافعي ) وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم كما يحرم ولادة الأب يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية فقيل له هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال لا ، اللقاح واحد أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن لبن الفحل أيحرم ؟ فقال نعم فقلت له أبلغك من ثبت ؟ فقال نعم قال ابن جريج قال عطاء { وأخواتكم من الرضاعة } فهي أختك من أبيك ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أنه سمع أبا الشعثاء يرى لبن الفحل يحرم ، وقال ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال لبن الفحل يحرم .
( قال الشافعي ) وإذا تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها قبل أن يدخل بها لم أر له أن ينكح أمها لأن الأم مبهمة التحريم في كتاب الله عز وجل ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب ( قال الشافعي ) وهذا قول الأكثر من المفتين وقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ، قال سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ففارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها ؟ فقال زيد بن ثابت لا الأم مبهمة ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب ( قال الشافعي ) وهكذا أمهاتها وإن بعدن وجداتها لأنهن من أمهات نسائه .
( قال الشافعي ) وإذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فكل بنت لها وإن سفلن حلال لقول الله عز وجل { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } فلو نكح امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ثم نكح ابنتها حرمت عليه أم امرأته وإن لم يدخل بامرأته لأنها صارت من أمهات نسائه وقد كانت قبل من نسائه غير أنه لم يدخل بها ولو كان دخل بالأم لم تحل له البنت ولا أحد ممن ولدته البنت أبدا لأنهن ربائبه من امرأته التي دخل بها قال الله عز وجل { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } فأي امرأة نكحها رجل حرمت على أبيه دخل بها الابن أو لم يدخل وكذلك تحرم على جميع آبائه من قبل أبيه وأمه لأن الأبوة تجمعهم معا وكذلك كل من نكح ولد ولده من قبل النساء والرجال وإن سفلوا لأن الأبوة تجمعهم معا قال الله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } فأي امرأة نكحها رجل حرمت على ولده دخل بها الأب أو لم يدخل بها وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء وإن سفلوا لأن الأبوة تجمعهم معا .
( قال الشافعي ) وكل امرأة أب أو ابن حرمتها على ابنه أو أبيه بنسب فكذلك أحرمها إذا كانت امرأة أب أو ابن من الرضاع فإن قال قائل إنما قال الله تبارك وتعالى { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } فكيف حرمت حليلة الابن من الرضاعة ؟ قيل بما وصفت من جمع الله بين الأم والأخت من الرضاعة والأم والأخت من النسب في [ ص: 27 ] التحريم ثم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } فإن قال فهل تعلم فيم أنزلت { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } قيل الله تعالى أعلم فيم أنزلها فأما معنى ما سمعت متفرقا فجمعته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد نكاح ابنة جحش فكانت عند زيد بن حارثة فكان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه فأمر الله تعالى في ذكره أن يدعى الأدعياء لآبائهم { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين } وقال { وما جعل أدعياءكم أبناءكم } إلى قوله مواليكم وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج } الآية ( قال الشافعي ) فأشبه والله تعالى أعلم أن يكون قوله { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } دون أدعيائكم الذين تسمونهم أبناءكم ولا يكون الرضاع من هذا في شيء وحرمنا من الرضاع بما حرم الله قياسا عليه وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة } .
( قال الشافعي ) في قول الله عز وجل { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } وفي قوله { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } كان أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه وكان الرجل يجمع بين الأختين فنهى الله عز وجل عن أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه ليس أنه أقر في أيديهم ما كانوا قد جمعوا بينه قبل الإسلام كما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح الجاهلية الذي لا يحل في الإسلام بحال .
( قال الشافعي ) وما حرمنا على الآباء من نساء الأبناء وعلى الأبناء من نساء الآباء وعلى الرجل من أمهات نسائه وبنات نسائه اللاتي دخل بهن بالنكاح فأصيب فأما بالزنا فلا حكم للزنا يحرم حلالا فلو زنى رجل بامرأة لم تحرم عليه ولا على ابنه ولا على أبيه وكذلك لو زنى بأم امرأته أو بنت امرأته لم تحرم عليه امرأته وكذلك لو كانت تحته امرأة فزنى بأختها لم يجتنب امرأته ولم يكن جامعا بين الأختين وإن كانت الإصابة بنكاح فاسد احتمل أن يحرم من قبل أنه يثبت فيه النسب ويؤخذ فيه المهر ويدرأ فيه الحد وتكون فيه العدة وهذا حكم الحلال وأحب إلي أن يحرم به من غير أن يكون واضحا فلو نكح رجل امرأة نكاحا فاسدا فأصابها لم يحل له - عندي - أن ينكح أمها ولا ابنتها .
ولا ينكحها أبوه ولا ابنه وإن لم يصب الناكح نكاحا فاسدا لم يحرم عليه النكاح الفاسد بلا إصابة فيه شيئا من قبل أن حكمه لا يكون فيه صداق ولا يلحق فيه طلاق ولا شيء مما بين الزوجين .
( قال الشافعي ) وقد قال غيرنا لا يحرم النكاح الفاسد وإن كان فيه الإصابة كما لا يحرم الزنا لأنها ليست من الأزواج ألا ترى أن الطلاق لا يلحقها ولا ما بين الزوجين ، وقد قال غيرنا وغيره : كل ما حرمه الحلال فالحرام أشد له تحريما .
( قال الشافعي ) وقد وصفنا في كتاب الاختلاف ، ذكر هذا وغيره . وجماعة أن الله عز وجل إنما أثبت الحرمة بالنسب والصهر وجعل ذلك نعمة من نعمه على خلقه فمن حرم من النساء على الرجال فيحرمه الرجال عليهن ولهن على الرجال من الصهر كحرمة النسب وذلك أنه رضي النكاح وأمر به وندب إليه فلا يجوز أن تكون الحرمة التي أنعم الله تعالى بها على أن من أبى شيئا دعاه الله تعالى إليه كالزاني العاصي لله الذي حده الله وأوجب له النار إلا أن يعفوا عنه وذلك أن التحريم بالنكاح إنما هو نعمة لا نقمة فالنعمة التي تثبت بالحلال لا تثبت بالحرام الذي جعل الله فيه النقمة عاجلا وآجلا وهكذا لو زنى رجل بأخت امرأته لم يكن هذا جمعا بينهما ولم يحرم عليه أن ينكح أختها التي زنى بها مكانها .
( قال الشافعي ) وإذا حرم من الرضاع ما حرم من النسب لم يحل له أن ينكح من بنات الأم التي أرضعته وإن سفلن وبنات [ ص: 28 ] بنيها وبناتها وكل من ولدته من قبل ولد ذكر أو أنثى امرأة وكذلك أمهاتها وكل من ولد لها لأنهن بمنزلة أمهاته وأخواته وكذلك أخواتها لأنهن خالاته وكذلك عماتها وخالاتها لأنهن عمات أمه وخالات أمه وكذلك ولد الرجل الذي أرضعته لبنه وأمهاته وأخواته وخالاته وعماته وكذلك من أرضعته بلبن الرجل الذي أرضعته من الأم التي أرضعته أو غيرها وكذلك من أرضع بلبن ولد المرأة التي أرضعته من أبيه الذي أرضعه بلبنه أو زوج غيره .
( قال الشافعي ) وإذا أرضعت المرأة مولودا فلا بأس أن يتزوج المرأة المرضع أبوه ويتزوج ابنتها وأمها لأنها لم ترضعه هو كذلك إن لم يتزوجها الأب فلا بأس أن يتزوجها أخو المرضع الذي لم ترضعه هو لأنه ليس ابنها ، وكذلك يتزوج ولدها ولا بأس أن يتزوج الغلام المرضع ابنة عمه وابنة خاله من الرضاع كما لا يكون بذلك بأس من النسب ولا يجمع الرجل بين الأختين من الرضاعة بنكاح ولا وطء ملك وكذلك المرأة وعمتها من الرضاعة يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وذوات المحرم من الرضاعة مما يحرم من نكاحهن ويسافر بهن كذوات المحرم من النسب وسواء رضاعة الحرة والأمة والذمية كلهن أمهات وكلهن يحرمن كما تحرم الحرة لا فرق بينهن وسواء وطئت الأمة بملك أو نكاح كل ذلك يحرم ولا بأس أن يتزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها من الرضاع والنسب .
( قال الشافعي ) ولو شرب غلام وجارية لبن بهيمة من شاة أو بقرة أو ناقة لم يكن هذا رضاعا إنما هذا كالطعام والشراب ولا يكون محرما بين من شربه إنما يحرم لبن الآدميات لا البهائم وقال الله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وقال في الرضاعة { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقال عز ذكره { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } ( قال الشافعي ) فأخبر الله عز وجل أن كمال الرضاع حولان وجعل على الرجل يرضع له ابنه أجر المرضع والأجر على الرضاع لا يكون إلا على ما له مدة معلومة .
( قال الشافعي ) والرضاع اسم جامع يقع على المصة وأكثر منها إلى كمال رضاع الحولين ويقع على كل رضاع وإن كان بعد الحولين ( قال الشافعي ) فلما كان هكذا وجب على أهل العلم طلب الدلالة هل يحرم الرضاع بأقل ما يقع عليه اسم الرضاع أو معنى من الرضاع دون غيره ؟ ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة { عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان فيما أنزل الله تعالى في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن } أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها كانت تقول نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صيرن إلى خمس يحرمن فكان لا يدخل على عائشة إلا من استكمل خمس رضعات . أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج أظنه عن أبي هريرة قال { لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء } أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تحرم المصة والمصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان } أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالما خمس رضعات تحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا } . أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أني لم يتم لي عشر رضعات .
( قال الشافعي ) أمرت به [ ص: 29 ] عائشة أن يرضع عشرا لأنها أكثر الرضاع ولم يتم له خمس فلم يدخل عليها ولعل سالما أن يكون ذهب عليه قول عائشة في العشر الرضعات فنسخن بخمس معلومات فحدث عنها بما علم من أنه أرضع ثلاثا فلم يكن يدخل عليها وعلم أن ما أمرت أن يرضع عشرا فرأى أنه إنما يحل الدخول عليها عشر وإنما أخذنا بخمس رضعات عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية عائشة أنهن يحرمن وأنهن من القرآن ( قال الشافعي ) ولا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات ، وذلك أن يرضع المولود ثم يقطع الرضاع ثم يرضع ، ثم يقطع الرضاع فإذا رضع في واحدة منهن ما يعلم أنه قد وصل إلى جوفه ما قل منه وكثر فهي رضعة ، وإذا قطع الرضاع ثم عاد لمثلها أو أكثر فهي رضعة .
( قال الشافعي ) وإن التقم المرضع الثدي ثم لها بشيء قليلا ثم عاد كانت رضعة واحدة ولا يكون القطع إلا ما انفصل انفصالا بينا كما يكون الحالف لا يأكل بالنهار إلا مرة فيكون يأكل ويتنفس بعد الازدراد إلى أن يأكل فيكون ذلك مرة وإن طال ( قال الشافعي ) ولو قطع ذلك قطعا بينا بعد قليل أو كثير من الطعام ثم أكل كان حانثا وكان هذا أكلتين .
( قال الشافعي ) ولو أخذ ثديها الواحد فأنفد ما فيه ثم تحول إلى الآخر مكانه فأنفد ما فيه كانت هذه رضعة واحدة لأن الرضاع قد يكون بقية النفس والإرسال والعودة كما يكون الطعام والشراب بقية النفس وهو طعام واحد ولا ينظر في هذا إلى قليل رضاعه ولا كثيره إذا وصل إلى جوفه منه شيء فهو رضعة وما لم يتم خمسا لم يحرم بهن ( قال الشافعي ) والوجور كالرضاع وكذلك السعوط لأن الرأس جوف ( قال الشافعي ) فإن قال قائل : فلم لم تحرم برضعة واحدة وقد قال بعض من مضى أنها تحرم ؟ قيل بما حكينا أن عائشة تحكي أن الكتاب يحرم عشر رضعات ثم نسخن بخمس وبما حكينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان } وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرضع سالم خمس رضعات يحرم بهن فدل ما حكت عائشة في الكتاب وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرضاع لا يحرم به على أقل اسم الرضاع ولم يكن في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة وقد قال بعض من مضى بما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة والكفاية فيما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة فإن قال قائل فما يشبه هذا ؟ قيل قول الله عز وجل { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } فسن النبي صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار وفي السرقة من الحرز وقال تعالى { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فرجم النبي صلى الله عليه وسلم الزانيين الثيبين ولم يجلدهما فاستدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المراد بالقطع من السارقين والمائة من الزناة بعض الزناة دون بعض وبعض السارقين دون بعض لا من لزمه اسم سرقة وزنا فهكذا استدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض لا من لزمه اسم رضاع . .
رضاعة الكبير
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد كان شهد بدرا وكان قد تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 30 ] زيد بن حارثة فأنكح أبو حذيفة سالما وهو يرى أنه ابنه فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي يومئذ من المهاجرات الأول وهي يومئذ من أفضل أيامى قريش { فلما أنزل الله عز وجل في زيد بن حارثة ما أنزل فقال { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } رد كل واحد من أولئك من تبنى إلى أبيه ، فإن لم يعلم أباه رده إلى المولى فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت عائشة بذلك فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال والنساء وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد } فعلى هذا من الخبر كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير ( قال الشافعي ) وهذا والله تعالى أعلم في سالم مولى أبي حذيفة خاصة ( قال الشافعي ) فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ( قال الشافعي ) فذكرت حديث سالم الذي يقال له مولى أبي حذيفة عن أم سلمة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضعه خمس رضعات يحرم بهن } ، قالت أم سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون إلا مخرجا من حكم العام وإذا كان مخرجا من حكم العام فالخاص غير العام ولا يجوز في العام إلا أن يكون رضاع الكبير لا يحرم ولا بد إذا اختلف الرضاع في الصغير والكبير من طلب الدلالة على الوقت الذي إذا صار إليه المرضع فأرضع لم يحرم .
( قال ) والدلالة على الفرق بين الصغير والكبير موجودة في كتاب الله عز وجل . قال الله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } فجعل الله عز وجل تمام الرضاع حولين كاملين . وقال { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما } يعني والله تعالى أعلم قبل الحولين فدل على أن إرخاصه عز وجل في فصال الحولين على أن ذلك إنما يكون باجتماعهما على فصاله قبل الحولين وذلك لا يكون والله تعالى أعلم إلا بالنظر للمولود من والديه أن يكونا يريان أن فصاله قبل الحولين خير له من إتمام الرضاع له لعلة تكون به أو بمرضعته وأنه لا يقبل رضاع غيرها أو ما أشبه هذا . وما جعل الله تعالى له غاية بالحكم بعد مضي الغاية فيه غيره قبل مضيها . فإن قال قائل وما ذلك ؟ قيل قال الله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } الآية فكان لهم أن يقصروا مسافرين وكان في شرط القصر لهم بحال موصوفة دليل على أن حكمهم في غير تلك الصفة غير القصر . وقال تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فكن إذا مضت الثلاثة الأقراء فحكمهن بعد مضيها غير حكمهن فيها ( قال الشافعي ) فإن قال قائل فقد قال عروة قال غير عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما نرى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا رخصة في سالم . قيل : فقول عروة عن جماعة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة لا يخالف قول زينب عن أمها أن ذلك رخصة مع قول أم سلمة في الحديث هو خاصة وزيادة قول غيرها ما نراه إلا رخصة مع ما وصفت من دلالة القرآن وإني قد حفظت عن عدة ممن لقيت من أهل العلم أن رضاع سالم خاص . فإن قال [ ص: 31 ] قائل : فهل في هذا خبر عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما قلت في رضاع الكبير ؟ قيل نعم : أخبرنا مالك عن أنس عن عبد الله بن دينار قال جاء رجل إلى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال كانت لي وليدة فكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك فقد والله أرضعتها . فقال عمر بن الخطاب أوجعها وائت جاريتك فإنما الرضاع رضاع الصغير . أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول لا رضاع إلا لمن أرضع في الصغر أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا موسى قال رضاعة الكبير ما أراها إلا تحرم فقال ابن مسعود انظر ما يفتي به الرجل فقال أبو موسى فما تقول أنت ؟ فقال لا رضاعة إلا ما كان في الحولين فقال أبو موسى لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم .
( قال الشافعي ) فجماع فرق ما بين الصغير والكبير أن يكون الرضاع في الحولين فإذا أرضع المولود في الحولين خمس رضعات كما وصفت فقد كمل رضاعه الذي يحرم .
( قال الشافعي ) وسواء أرضع المولود أقل من حولين ثم قطع رضاعه ثم أرضع قبل الحولين أو كان رضاعه متتابعا حتى أرضعته امرأة أخرى في الحولين خمس رضعات ولو توبع رضاعه فلم يفصل ثلاثة أحوال أو حولين أو ستة أشهر أو أقل أو أكثر فأرضع بعد الحولين لم يحرم الرضاع شيئا وكان بمنزلة الطعام والشراب ، ولو أرضع في الحولين أربع رضعات وبعد الحولين الخامسة وأكثر لم يحرم ولا يحرم من الرضاع إلا ما تم خمس رضعات في الحولين ، وسواء فيما يحرم الرضاع والوجور ، وإن خلط للمولود لبن في طعام فيطعمه كان اللبن الأغلب أو الطعام إذا وصل اللبن إلى جوفه وسواء شيب له اللبن بماء كثير أو قليل إذا وصل إلى جوفه فهو كله كالرضاع ولو جبن له اللبن فأطعم جبنا كان كالرضاع ، وكذلك لو استسعطه لأن الرأس جوف ولو حقنه كان في الحقنة قولان : أحدهما أنه جوف وذلك أنها تفطر الصائم لو احتقن ، والآخر أن ما وصل إلى الدماغ كما وصل إلى المعدة لأنه يغتذى من المعدة وليست كذلك الحقنة .
( قال الشافعي ) ولو أن صبيا أطعم لبن امرأة في طعام مرة وأوجره أخرى وأسعطه أخرى ، وأرضع أخرى ، ثم أوجره وأطعم حتى يتم له خمس مرات كان هذا الرضاع الذي يحرم كل واحد من هذا يقوم مقام صاحبه وسواء لو كان من صنف هذا خمس مرارا أو كان هذا من أصناف شتى ، وإذا لم تتم له الخامسة إلا بعد استكمال سنتين لم يحرم ، وإن تمت له الخامسة حين يرضع الخامسة فيصل اللبن إلى جوفه أو ما وصفت أنه يقوم مقام الرضاع مع مضي سنتين قبل كمالها فقد حرم وإن كان ذلك قبل كمالها بطرفة عين أو مع كمالها إذا لم يتقدم كمالها . .
في لبن المرأة والرجل
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : واللبن إذا كان من حمل ولا أحسبه يكون إلا من حمل فاللبن للرجل والمرأة كما يكون الولد للرجل والمرأة فانظر إلى المرأة ذات اللبن ، فإن كان لبنها نزل بولد من رجل نسب ذلك الولد إلى والد لأن حمله من الرجل فإن رضع به مولود فالمولود أو المرضع بذلك اللبن ابن الرجل الذي الابن ابنه من النسب كما يثبت للمرأة وكما يثبت الولد منه ومنها ، وإن كان اللبن الذي أرضعت به المولود لبن ولد لا يثبت نسبه من الرجل الذي الحمل منه فأسقط اللبن فلا يكون المرضع [ ص: 32 ] ابن الذي الحمل منه إذا سقط النسب الذي هو أكبر منه سقط اللبن الذي أقيم مقام النسب في التحريم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } وبحكاية عائشة تحريمه في القرآن .
( قال الشافعي ) فإن ولدت امرأة حملت من الزنا اعترف الذي زنا بها أو لم يعترف فأرضعت مولودا فهو ابنها ولا يكون ابن الذي زنى بها وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما أكرهه للمولود من زنا وإن نكح من بناته أحدا لم أفسخه لأنه ليس بابنه في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل : فهل من حجة فيما وصفت ؟ قيل نعم : { قضى النبي صلى الله عليه وسلم بابن أمة زمعة لزمعة وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى منه من شبهه بعتبة فلم يرها } وقد قضى أنه أخوها حتى لقيت الله عز وجل لأن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخا لها وكذلك ترك رؤية المولود من نكاح أخته مباح وإنما منعني من فسخه أنه ليس بابنه إذا كان من زنا .
( قال الشافعي ) ولو أن بكرا لم تمسس بنكاح ولا غيره أو ثيبا ولم يعلم لواحدة منهما حمل نزل لهما لبن فحلب فخرج لبن فأرضعتا به مولودا خمس رضعات كان ابن كل واحدة منهما ولا أب له وكان في غير معنى ولد الزنا وإن كانت له أم ولا أب له لأن لبنه الذي أرضع به لم ينزل من جماع .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة أرضعت ولا يعرف لها زوج ثم جاء رجل فادعى أنه كان نكحها صحيحا وأقر بولدها وأقرت له بالنكاح فهو ابنها كما يكون الولد .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة نكحت نكاحا فاسدا فولدت من ذلك النكاح ولدا وكان النكاح بغير ولي أو بغير شهود عدول أو أي نكاح فاسد ما كان ما خلا أن تنكح في عدتها من زوج يلحق به النسب أو حملت فنزل لها لبن فأرضعت به مولودا كان ابن الرجل الناكح نكاحا فاسدا والمرأة المرضع كما يكون الحمل ابن الناكح نكاحا صحيحا .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة نكحت في عدتها - من وفاة زوج صحيح أو فاسد أو طلاقه - رجلا ودخل بها في عدتها فأصابها فجاءت بحمل فنزل لها لبن أو ولدت فأرضعت بذلك اللبن مولودا كان ابنها وكان أشبه عندي والله تعالى أعلم أن يكون موقوفا في الرجلين معا حتى يرى ابنها القافة فأي الرجلين ألحقته القافة لحق الولد وكان المرضع ابن الذي يلحق به الولد وسقطت عنه أبوة الذي سقط عنه نسب الولد .
( قال الشافعي ) ولو كان حمل المرأة سقطا لم يبن خلقه أو ولدت ولدا فمات قبل أن يراه القافة فأرضعت مولودا لم يكن المولود المرضع ابن واحد منهما دون الآخر في الحكم كما لا يكون المولود ابن واحد منهما دون الآخر في الحكم ، والورع أن لا ينكح ابنة واحد منهما وأن لا يرى واحد منهما بناته حسرا ولا المرضعة إن كانت جارية ولا يكون مع هذا محرما لهن يخلو أو يسافر بهن ولو كان المولود عاش حتى تراه القافة فقالوا هو ابنهما معا فأمر المولود موقوف فينتسب إلى أيهما شاء فإذا انتسب إلى أحدهما انقطع عنه أبوة الذي ترك الانتساب إليه ، ولا يكون له أن يترك الانتساب إلى أحدهما دون الآخر يجبر أن ينتسب إلى أحدهما ، وإن مات قبل أن ينتسب أو بلغ معتوها لم يلحق بواحد منهما حتى يموت وله ولد فيقوم ولده مقامه في أن ينتسبوا إلى أحدهما أو لا يكون له ولد فيكون ميراثه موقوفا ( قال الشافعي ) وهذا موضع فيه قولان : أحدهما أن المرضع مخالف للابن لأنه يثبت للابن على الأب وللأب على الابن حقوق الميراث والعقل والولاية للدم ونكاح البنات وغير ذلك من أحكام البنين ولا يثبت للمرضع على ابنه الذي أرضعه ولا لابنه الذي أرضعه عليه من ذلك شيء ، ولعل العلة في الامتناع من أن يكون ابنهما معا لهذا السبب ، فمن ذهب هذا المذهب جعل المرضع ابنهما معا ولم يجعل له الخيار في أن يكون ابن أحدهما دون الآخر وقال ذلك في المسائل قبله التي في معناها . والقول الثاني : أن يكون الخيار للولد فأيهما اختار الولد أن يكون أباه فهو أبوه وأبو [ ص: 33 ] المرضع ولا يكون للمرضع أن يختار غير الذي اختار المولود لأن الرضاع تبع للنسب فإن مات المولود ولم يختر كان للمرضع أن يختار أحدهما فيكون أباه وينقطع عنه أبوة الآخر والورع أن لا ينكح بنات الآخر ولا يكون لهن محرما يراهن بانقطاع أبوته عنه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (193)
صــــــــــ 34 الى صـــــــــــ 41
( قال الشافعي ) وإذا أرضعت المرأة رجلا بلبن ولد فانتفى أبو المولود منه فلاعنها فنفي عنه نسبه لم يكن أبا للمرضع فإن رجع الأب ينسبه إليه ضرب الحد ولحق به الولد ورجع إليه أن يكون أبا المرضع من الرضاعة .
( قال الشافعي ) ولو أن امرأة طلقها زوجها وقد دخل بها أو مات عنها وهي ترضع وكانت تحيض في رضاعها ذلك ثلاث حيض ولبنها دائم أرضعت مولودا فالمولود ابنها وابن الزوج الذي طلق أو مات واللبن منه لأنه لم يحدث لها زوج غيره .
( قال الشافعي ) ولو تزوجت زوجا بعد انقطاع لبنها أو قبله ثم انقطع لبنها وأصابها الزوج فثاب لبنها ولم يظهر بها حمل فاللبن من الزوج الأول ومن أرضعت فهو ابنها وابن الزوج الأول ولا يكون ابن الآخر ( قال الشافعي ) ولو أحبلها الزوج الآخر بعد انقطاع لبنها من الزوج الأول فثاب لبنها سئل النساء عن الوقت الذي يثوب فيه اللبن ويبين الحمل فإن قلن الحمل لو كان من امرأة بكر أو ثيب ولم تلد قط أو امرأة قد ولدت لم يأت لها لبن في هذا الوقت إنما يأتي لبنها في الثامن من شهورها أو التاسع فاللبن للأول فإن دام فهو ابن للأول ما بينه وبين أن يبلغ الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الآخر ( قال الشافعي ) وإذا ثاب لها اللبن في الوقت الذي يكون لها فيه لبن من حملها الآخر كان اللبن من الأول بكل حال لأني على علم من لبن الأول وفي شك من أن يكون خلطه لبن الآخر فلا أحرم بالشك شيئا وأحب له أن يتوقى في بنات الزوج الآخر في هذا الوقت .
( قال الشافعي ) ولو شك رجل أن تكون امرأة أرضعته خمس رضعات قلت : الورع أن يكف عن رؤيتها حاسرا ولا يكون محرما لها بالشك ، ولو نكحها أو أحدا من بناتها لم أفسخ النكاح لأني على غير يقين من أنها أم ( قال الشافعي ) ولو كان لبنها انقطع فلم يثب حتى كان هذا الحمل الآخر في وقت يمكن أن يثوب فيه اللبن من الآخر ففيها قولان . أحدهما أن اللبن بكل حال من الأول وإن ثاب بتحريك نطفة الآخر فهو كما يثوب بأن ترحم المولود فتدر عليه وتشرب الدواء أو تأكل الطعام الذي يزيد في اللبن فتدر عليه . والقول الثاني أنه إذا انقطع انقطاعا بينا ثم ثاب فهو من الآخر وإن كان لا يثوب بحال من الآخر لبن ترضع به حتى تلد أمه فهو من الأول في جميع هذه الأقاويل وإن كان لا يثوب شيء ترضع به وإن قل فهو منهما معا فمن لم يفرق بين اللبن والولد قال هو للأول أبدا لأنه لم يحدث ولدا ولم يكن ابن لآخر إذا كان ابن الأول من الرضاعة ومن فرق بينهما قال هو منهما معا .
( قال الشافعي ) وإن طلقت امرأة فلم ينقطع لبنها وكانت تحيض وهي ترضع فحاضت ثلاث حيض ونكحت زوجا فدخل بها فأصابها فحملت فلم ينقطع اللبن حتى ولدت فالولاد قطع اللبن الأول ومن أرضعته فهو ابنها وابن الزوج الآخر لا يحل له أحد ولدته ولا ولده الزوج الآخر لأنه أبوه ويحل له ولد الأول من غير المرأة التي أرضعته لأنه ليس بأبيه .
( قال الشافعي ) ولو أرضعت امرأة صبيا أربع رضعات ثم حلب منها لبن ثم ماتت فأوجره الصبي بعد موتها كان ابنها كما يكون ابنها لو أرضعته خمسا في الحياة .
( قال الشافعي ) ولو رضعها الخامسة بعد موتها أو حلب له منها لبن بعد موتها فأوجره لم يحرم لأنه لا يكون للميت فعل له حكم بحال ولو كانت نائمة فحلبت فأوجره صبي حرم لأن لبن الحية يحل ولا يحل لبن الميتة وأن الحية النائمة يكون لها جناية بأن تنقلب على إنسان أو تسقط عليه فتقتله فيكون فيه العقل ولو تعقل إنسان بميتة أو سقطت عليه فقتلته لم يكن له عقل لأنها لا جناية لها ( قال الشافعي ) ولو كانت لم تكمل خمس رضعات فحلب لها لبن كثير فقطع ذلك اللبن [ ص: 34 ] فأوجره صبي مرتين أو ثلاثا حتى يتم خمس رضعات لم يحرم لأنه لبن واحد ولا يكون إلا رضعة واحدة وليس كاللبن يحدث في الثدي كلما خرج منه شيء حدث غيره فيفرق فيه الرضاع حتى يكون خمسا ( قال الربيع ) وفي قول آخر أنه إذا حلب منها لبن فأرضع به الصبي مرة بعد مرة فكل مرة تحسب رضعة إذا كان بين كل رضعتين قطع بين فهو مثل الغذاء إذا تغذى به ثم قطع الغذاء البين وإن كان ثم عاد له كان أكلتين وإن كان الطعام واحدا ، وكذلك إذا قطع عن الصبي الرضاع القطع البين وإن كان اللبن واحدا .
( قال الشافعي ) ولو تزوج رجل صبية ثم أرضعتها أمه التي ولدته أو أمه من الرضاعة أو ابنته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه من نسب أو رضاع بلبن ابنه حرمت عليه الصبية أبدا وكان لها عليه نصف المهر ورجع على التي أرضعتها بنصف صداق مثلها تعمدت إفساد النكاح أو لم تتعمده لأن كل من أفسد شيئا ضمن قيمة ما أفسد تعمد الفساد أو لم يتعمده وقيمته نصف صداق مثلها لأن ذلك قيمة ما أفسدت منها مما يلزم زوجها كان أكثر من نصف ما أصدقها أو أقل إن كان أصدقها شيئا أو لم يسم لها صداقا لأن ذلك أقل ما كان وجب لها عليه بكل حال إذا لم يكن هو طلقها قبل أن يسمي لها شيئا ( قال الشافعي ) وإنما منعني أن ألزمه مهرها كله أن الفرقة إذا وقعت بإرضاعها ففساد نكاحها غير جناية إلا بمعنى إفساد النكاح وإفساد النكاح كان بالرضاع الذي كان قبل نكاحه جائزا لها وبعد نكاحه إلا بمعنى أن يكون فسادا عليه فلما كان فسادا عليه ألزمتها ما كان لازما للزوج في أصل النكاح وذلك نصف مهر مثلها وإنما منعني أن ألزمها نصف المهر الذي لزمه بتسميته أنه شيء حابى به في ماله وإنما يغرم له إذا أفسد عليه ثمن ما استهلك عليه مما لزمه ولا أزيد عليها في ذلك شيئا على ما لزمه كما لو اشترى سلعة بمائة استهلكها وقيمتها خمسون لم يغرم مائة . وإنما منعني أن أغرمها الأقل من نصف مهر مثلها أو ما سمى لها أن أباها لو حاباه في صداقها كان عليه نصف مهر مثلها فلم أغرمها إلا ما يلزمه أو أقل منه إن كان قيمة نصف مهر مثلها أقل مما أصدقها وإنما منعني من أن أسقط عنها الغرم وإن كان لم يفرض لها صداقا أنه كان حقا لها عليه مثل نصف مهر مثلها إن طلقها ولأني لا أجيز لأبيها المحاباة في صداقها فإنما أغرمتها ما لزمه بكل حال وأبطلت عنها محاباته كهبته وإنما يكون للمرأة المتعة إذا طلقت ولم يسم لها إذا كانت تملك مالها كما يكون العفو لها فأما الصبية فلا تملك مالها ولا يكون لأبيها المحاباة في مالها .
( قال الشافعي ) ولو تزوج امرأة فلم يصبها حتى تزوج عليها صبية ترضع فأرضعتها حرمت عليه المرأة الأم بكل حال لأنها من أمهات نسائه ولا نصف مهر ولا متعة لها لأنها أفسدت نكاح نفسها ويفسد نكاح الصبية بلا طلاق لأنها صارت في ملكه وأمها معها ولأن التي أرضعتها لم تصر أمها وهذه ابنتها إلا في وقت فكانتا في هذا الموضع كمن ابتدأ نكاح امرأة وابنتها فلها نصف المهر بفساد النكاح فيرجع على امرأته التي أرضعتها بنصف مهر مثلها .
( قال الشافعي ) ولو كان نكح صبيتين فأرضعتهما امرأته الرضعة الخامسة جميعا معا فسد نكاح الأم كما وصفت ونكاح الصبيتين معا ولكل واحدة منهما نصف المهر الذي سمى لها ويرجع على امرأته بمثل نصف مهر كل واحدة منهما ، فإن لم يكن سمى لها مهرا كان لكل واحدة منهما نصف مهر مثلها وتحل له كل واحدة منهما على الانفراد لأنهما ابنتا امرأة لم يدخل بها ، ولو كانت له ثلاث زوجات صبايا فأرضعت اثنتين الرضعة الخامسة معا ثم أزالت الواحدة فأرضعت الثالثة لم تحرم الثالثة وحرمت الاثنتان اللتان أرضعتا الخامسة معا لأن الثالثة لم ترضع إلا بعدما حرمت هاتان وحرمت الأم عليه فكانت الثالثة غير أخت للمرأتين إلا بعد ما حرمتا عليه وغير مرضعة الرضعة الخامسة من الأم إلا بعدما بانت الأم منه ولو أرضعت إحداهن الرضعة الخامسة . ثم [ ص: 35 ] أرضعت الأخريين الرضعة الخامسة حرمت عليه الأم ساعة أرضعت الأولى الرضعة الخامسة لأنها صارت من أمهات نسائه والمرضعتان الرضعة الخامسة معا للأم ولم تكن أما إلا والابنة معقود عليها نكاح الرجل في وقت واحد والاثنتان أختان فينفسخ نكاحهما معا وحرمت الاثنتان بعد حين صارتا أختين معا ويخطب كل واحدة منهما على الانفراد وإن أرضعت الأخريين بعد متفرقين لم تحرما عليه معا لأنها لم ترضع واحدة منهما إلا بعدما بانت منه هي والأولى ولكن ثبتت عقدة التي أرضعتها بعد ما بانت الأولى ويسقط نكاح التي أرضعت بعدها لأنها أخت امرأته فكانت كامرأة نكحت على أختها ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنها إذا أرضعت الرابعة خمس رضعات فقد أكملت الثالثة والرابعة خمس رضعات وبهن حرمت الرابعة فكأنه جامع بين الأختين من الرضاعة فينفسخن معا ويتزوج من شاء منهن ( قال الشافعي ) ولو أرضعت واحدة خمس رضعات ثم أرضعت الأخريين خمسا معا حرمت عليه الأم بكل حال وانفسخ عليه نكاح البنت الأولى مع الأم وحرمت الأخريان لأنهما صارتا أختين في وقت معا .
( قال الشافعي ) ولو كن ثلاثا صغارا وواحدة لم يدخل بها ولها بنات مراضع فأرضعت البنات الصغار واحدة بعد أخرى فسد نكاح الأم ولم يحل بحال ولها نصف المهر ويرجع الزوج على التي أكملت أولا خمس رضعات لأي نسائه أكملت بنصف مهر مثلها ونصف مهر مثل أمها فإن كن أكملن إرضاعهن معا انفسخ نكاحهن معا ويرجع على كل واحدة منهن بنصف مهر التي أرضعت ( قال الشافعي ) ولو كانت واحدة فأكملت رضاعها خمسا قبل تبين فسخ نكاح التي أكملت رضاعها أولا ولا ينفسخ نكاح التي أكملت رضاعها بعدها لأنها لم ترضع حتى بانت أمها وأختها منه ثم يفسخ نكاح التي أكملت رضاعها بعدها ، لأنها صارت أخت امرأة له ثابتة النكاح فكانت كالأخت المنكوحة على أختها ( قال الشافعي ) وكذلك بناتها من الرضاعة وبنات بناتها كلهن يحرم من رضاعهن كما يحرم من رضاعها ( قال الشافعي ) ولو كان دخل بامرأته وكانت أرضعتهن أو أرضعهن ولدها كان لها المهر بالمسيس وحرمت عليه التي أرضعتها وأرضعها ولدها وسواء كانت أرضعت الاثنين معا أو أرضعتهن ثلاثتهن معا أو متفرقات يفسد نكاحهن على الأبد لأنهن بنات امرأة فدخل بها وكذلك كل من أرضعته تلك المرأة وولدها ( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها ولم يدخل بامرأته فأرضعتهن أم امرأته أو جدتها أو أختها أو بنت أختها كان القول كالقول في بناتها إذا أرضعتهن ولم ترضع هي يفسد نكاحها ويكون لها نصف مهر مثلها إذا لم يكن دخل بها ويرجع به على التي أكملت أولا من نسائه خمس رضعات لأنها صيرتها أم امرأته فيفسد نكاح التي أرضعت أولا وامرأته الكبيرة معا ويرجع بنصف مهر مثل التي فسد نكاحها وإن أرضعن معا فسد نكاحهن كلهن ويرجع بأنصاف مهورهن ولا تخالف المسألة قبلها إلا في خصلة أن زوجاته الصغار لا يحرمن عليه في كل حال وله أن يبتدئ نكاح أيتهن شاء على الانفراد لأن الذي حرمن به أو حرم منهن إنما كن أخوات امرأته من الرضاعة أو بنات أختها أو أختها فحرم أن يجمع بينهن ولا يحرمن على الانفراد ( قال الشافعي ) ولو كان دخل بها حرم نكاح من أرضعته أمهاتها بكل حال ولم يحرم نكاح من أرضعته أخواتها وبنات أختها بكل حال وكان له أن يتزوج اللاتي أرضعته أخواتها إن شاء على الانفراد ويفسخ نكاح الأولى منهن وامرأته معا ولا يفسد نكاح اللاتي بعدها لأنهن أرضعن بعدما بانت امرأته فلم يكن جامعا بينهن وبين عمة لهن ولا خالة إلا أن ترضع منهن امرأة واحدة أو اثنتين معا فيفسد نكاحهما بأنهما أختان .
( قال الشافعي ) وإذا أرضعت أجنبية امرأته الصغيرة لم يفسد نكاح امرأته وحرمت الأجنبية عليه أبدا لأنها من أمهات نسائه [ ص: 36 ] وحرم عليه أن يجمع بين أحد من بناتها بنسب أو رضاع وبين امرأته التي أرضعت .
( قال الشافعي ) وإذا تزوج الرجل صبية ثم تزوج عليها عمتها وأصاب العمة فرقت بينهما ولها مهر مثلها فإن أرضعت أم العمة الصبية لم أفرق بينه وبين الصبية والعمة ذات محرم لها قبل النكاح وبعده وإنما يحرم أن يجمع بينهما فأما إحداهما بعد الأخرى فلا يحرم والله أعلم . .
باب الشهادة والإقرار بالرضاع
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لم أعلم أحدا ممن ينسبه العامة إلى العلم مخالفا في أن شهادة النساء تجوز فيما لا يحل للرجال غير ذوي المحارم أن يتعمدوا أن يروه لغير شهادة وقالوا ذلك في ولادة المرأة وعيبها الذي تحت ثيابها والرضاعة عندي مثله لا يحل لغير محرم أو زوج أن يعمد أن ينظر إلى ثديها ولا يمكنه أن يشهد على رضاعها بغير رؤية ثديها لأنه لو رأى صبيا يرضع وثديها مغطى أمكن أن يكون يرضع من وطب عمل كخلقة الثدي وله طرف كطرف الثدي ثم أدخل في كمها فتجوز شهادة النساء في الرضاع كما تجوز شهادتهن في الولادة ، ولو رأى ذلك رجلان عدلان أو رجل وامرأتان جازت شهادتهم في ذلك ولا تجوز شهادة النساء في الموضع الذي ينفردن فيه إلا بأن يكن حرائر عدولا بوالغ ويكن أربعا لأن الله عز وجل إذا أجاز شهادتهن في الدين جعل امرأتين تقومان مقام رجل بعينه ، وقول أكثر من لقيت من أهل الفتيا إن شهادة الرجلين تامة في كل شيء ما عدا الزنا فامرأتان أبدا تقومان مقام رجل إذا جازتا .
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال لا يجوز من النساء أقل من أربع .
( قال الشافعي ) فإذا شهد أربع نسوة أن امرأة أرضعت امرأة خمس رضعات وأرضعت زوجها خمسا أو أقر زوجها بأنها أرضعته خمسا فرق بينه وبين امرأته ، فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها فلا نصف مهر لها ولا متعة .
( قال الشافعي ) وكذلك إن كان في النسوة أخوات المرأة وعماتها وخالاتها لأنها لا يرد لها إلا شهادة ولد أو والد .
( قال الشافعي ) وإن كانت المرأة تنكر الرضاع فكانت فيهن ابنتها وأمها جزن عليها أنكره الزوج أو ادعاه وإن كانت المرأة تنكر الرضاع والزوج ينكر أو لا ينكر فلا يجوز فيه أمها ولا أمهاتها ولا ابنتها ولا بناتها وسواء هذا قبل عقدة النكاح وبعد عقدته قبل الدخول وبعده لا يختلف لا يفرق فيه بين المرأة والزوج إلا بشهادة أربع ممن تجوز شهادته عليه ليس فيهن عدو للمشهود عليه أو غير عدل .
( قال الشافعي ) ويجوز في ذلك شهادة التي أرضعت لأنه ليس لها في ذلك ولا عليها شيء ترد به شهادتها وكذلك تجوز شهادة ولدها وأمهاتها ويوقفن حتى يشهدن أن قد أرضع المولود خمس رضعات تخلص كلهن إلى جوفه أو يخلص من كل واحدة منهن شيء إلى جوفه وتسعهن الشهادة على هذه لأنه لا يستدرك في الشهادة فيه أبدا أكثر من رؤيتهن الرضاع وعلمهن وصوله بما يرين من ظاهر الرضاع .
( قال الشافعي ) وإذا أرضع الصبي ثم قاء فهو كرضاعه واستمساكه .
( قال الشافعي ) وإذا لم تكمل في الرضاع شهادة أربع نسوة أحببت له فراقها إن كان [ ص: 37 ] نكحها وترك نكاحها ، إن لم يكن نكحها للورع فإنه إن يدع ما له نكاحه خير من أن ينكح ما يحرم عليه .
( قال الشافعي ) ولو نكحها لم أفرق بينهما إلا بما أقطع به الشهادة على الرضاع ، فإن قال قائل فهل في هذا من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قيل : نعم أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة { أن عقبة بن الحارث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبي أهاب فقالت أمة سوداء قد أرضعتكما قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما } .
( قال الشافعي ) إعراضه عليه الصلاة والسلام يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه ، وقوله " وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما ؟ " يشبه أن يكون كره له أن يقيم معها وقد قيل إنها أخته من الرضاعة وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعا لا حكما . .
الإقرار بالرضاع
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أقر رجل أن امرأة أمه من الرضاعة أو ابنته من الرضاعة ولم ينكح واحدة منهما وقد ولدت المرأة التي يزعم أنها أمه أو كان لها لبن يعرف للمرضع مثله وكان لها سن يحتمل أن يرضع مثلها مثله لو ولد له وكانت له سن تحتمل أن ترضع امرأته أو أمته أو أمته التي ولدت منه مثل الذي أقر أنها ابنته لم تحلل له واحدة منهما أبدا في الحكم ولا من بناتهما ، ولو قال مكانه غلطت أو وهمت لم يقبل منه لأنه قد أقر أنهما ذواتا محرم منه قبل يلزمه لهما أو يلزمهما له شيء . وكذلك لو كانت هي المقرة بذلك وهو يكذبها ثم قالت غلطت لأنها أقرت به في حال لا يدفع بها عن نفسه ولا يجر إليها ولا تلزمه ولا نفسها بإقرار شيئا .
( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها غير أن لم تلد التي أقر أنها أرضعته أو ولدت وهي أصغر مولودا منه فكان مثلها لا يرضع لمثله بحال أو كانت التي ذكر أنها ابنته من الرضاعة مثله في السن أو أكبر منه أو قريبا منه لا يحتمل مثله أن تكون ابنته من الرضاعة كان قوله وقولها في هذه الأحوال باطلا ولم يحرم عليه أن ينكح واحدة منهما ولا ولدا لهما إنما تقبل دعواه ويلزمه إقراره فيما يمكن مثله وسواء في ذلك كذبته المرأة أو صدقته أو كانت المدعية دونه : ألا ترى أنه لو قال لرجل أكبر منه هذا ابني وصدقه الرجل لم يكن ابنه أبدا . وكذلك لو قال رجل هو أصغر منه هذا أبي وصدقه الرجل ولا نسب لواحد منهما يعرف لم يكن أباه إنما أقبل من هذا ما يمكن أن يكون مثله ولو كانت المسألة في دعواها بحالها فقال هذه أختي من الرضاعة أو قالت هذا أخي من الرضاعة قبل أن يتزوجها وكذبته أو صدقته أو كذبها في الدعوى أو صدقها كان سواء كله ولا يحل لواحد منهما أن ينكح الآخر ولا واحدا من ولده في الحكم ويحل فيما بينه وبين الله تعالى إن علما أنهما كاذبان أن يتناكحا أو ولدهما ولو أقر أنها أخته من الرضاعة من امرأة لم يسمها قبلت ذلك منه ولم أنظر إلى سنه وسنها لأنه قد يكون أكبر منها وتعيش التي أرضعته حتى ترضعها بلبن ولد غير الولد الذي أرضعته به وكذلك إن كانت أكبر منه .
( قال الشافعي ) وإن سمى امرأة أرضعته فقال أرضعتني وإياها فلانة فكان لا يمكن بحال أن ترضعه أو لا يمكن بحال أن ترضعها لما وصفت من تفاوت السنين أو موت التي زعم أنها أرضعتهما قبل أن يولد أحدهما كان إقراره باطلا كالقول في المسائل قبل هذا إنما ألزمه إقراره وإقرارها فيما يمكن مثله ولا ألزمهما فيما لا يمكن مثله إذا كان إقرارهما لا يلزم واحدا منهما لصاحبه شيئا .
( قال الشافعي ) ولو كان ملك عقدة نكاحها ولم يدخل بها حتى أقر أنها ابنته أو أخته أو أمه وذلك يمكن فيها وفيه سألتها فإن صدقته [ ص: 38 ] فرقت بينهما ولم أجعل لها مهرا ولا متعة وإن كذبته أو كانت صبية فأكذبه أبوها أو أقر بدعواه فسواء لأنه ليس له أن يبطل حقها وفرق بينهما بكل حال وأجعل لها عليه نصف المهر الذي سمى لها لأنه إنما أقر بأنها محرم منه بعدما لزمه لها المهر إن دخل ونصفه إن طلق قبل أن يدخل فأقبل إقراره فيما يفسده على نفسه وأرده فيما يطرح به حقها الذي يلزمه ( قال الشافعي ) وإن أراد إحلافها وكانت بالغة أحلفتها له ما هي أخته من الرضاعة فإن حلفت كان لها نصف المهر وإن نكلت حلف على أنها أخته من الرضاعة وسقط عنه نصف المهر وإن نكل لزمه نصف المهر .
( قال الشافعي ) وإن كانت صبية أو معتوهة فلا يمين عليها وآخذه لها بنصف المهر الذي سمى لها فإذا كبرت الصبية أحلفتها له إن شاء ( قال الشافعي ) ولو كان لم يفرض لها وكانت صبية أو محجورا عليها كان لها نصف صداق مثلها لأنه ليس لوليها أن يزوجها بغير صداق وإن كانت بالغة غير محجور عليها فزوجت برضاها بلا مهر فلا مهر لها ولها المتعة ( قال الشافعي ) ولو كانت هي المدعية لذلك أفتيته بأن يتقي الله عز وجل ويدع نكاحها بتطليقة يوقعها عليها لتحل بها لغيره إن كانت كاذبة ولا يضره إن كانت صادقة ولا أجبره في الحكم على أن يطلقها لأنه قد لزمها نكاحه فلا أصدقها على إفساده وأحلفه لها على دعواها ما هي أخته من الرضاعة فإن حلف أثبت النكاح وإن نكل أحلفتها فإن حلفت فسخت النكاح ولا شيء لها وإن لم تحلف فهي امرأته بحالها .
( قال الشافعي ) وهذا إذا لم يقم واحد منهما أربع نسوة ولا رجلين ولا رجلا وامرأتين على ما ادعى فإن أقاما على ذلك من تجوز شهادته فلا أيمان بينهما والنكاح مفسوخ إذا شهد النسوة على رضاع أو الرجال فإن شهد على إقرار الرجل أو المرأة بالرضاع أربع نسوة لم تجز شهادتين لأن هذا مما يشهد عليه الرجال وإنما تجوز شهادة النساء منفردات فيما لا ينبغي للرجال أن يعمدوا النظر إليه لغير الشهادة ( قال الشافعي ) وإن كان هذا بعد إصابته إياها وكان هو المقر فإن كذبته فلها المهر الذي سمى لها وإن صدقته فلها مهر مثلها كان أكثر أو أقل من المهر الذي سمى لها وإن كانت هي المدعية أنها أخته لم تصدق إلا أن يصدقها فيكون لها مهر مثلها . .
الرجل يرضع من ثديه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا أحسبه ينزل للرجل لبن فإن نزل له لبن فأرضع به مولودة كرهت له نكاحها ولولده فإن نكحها لم أفسخه لأن الله تعالى ذكر رضاع الوالدات والوالدات إناث والوالدون غير الوالدات وذكر الوالد بأن عليه مؤنة الرضاع فقال عز وجل { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } .
( قال الشافعي ) فلم يجز أن يكون حكم الآباء حكم الأمهات ولا حكم الأمهات حكم الآباء وقد فرق الله عز وجل بين أحكامهم . .
رضاع الخنثى
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أصل ما ذهب إليه في الخنثى أنه إذا كان الأغلب عليه أنه رجل نكح امرأة ولم ينزل فنكحه رجل فإذا نزل له لبن فأرضع به صبيا لم يكن رضاعا يحرم وهو مثل لبن الرجل لأني قد حكمت له أنه رجل وإذا كان الأغلب عليه أنه امرأة فنزل له لبن من نكاح وغير [ ص: 39 ] نكاح فأرضع به صبيا حرم كما تحرم المرأة إذا أرضعت .
( قال الشافعي ) فإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فأيهما نكح به لم أجز له غيره ولم أجعله ينكح بالآخر . .
باب التعريض بالخطبة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله عز وجل { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم } الآية ( قال الشافعي ) وبلوغ الكتاب أجله - والله تعالى أعلم - انقضاء العدة قال فبين في كتاب الله تعالى أن الله فرق في الحكم بين خلقه بين أسباب الأمور وعقد الأمور وبين إذ فرق الله تعالى ذكره بينهما أن ليس لأحد الجمع بينهما وأن لا يفسد أمر بفساد السبب إذا كان عقد الأمر صحيحا ولا بالنية في الأمر ولا تفسد الأمور إلا بفساد إن كان في عقدها لا بغيره ألا ترى أن الله حرم أن يعقد النكاح حتى تنقضي العدة ولم يحرم التعريض بالخطبة في العدة ولا أن يذكرها وينوي نكاحها بالخطبة لها ، والذكر لها والنية في نكاحها سبب النكاح وبهذا أجزنا الأمور بعقدها إن كان جائزا ورددناها به إن كان مردودا ولم نستعمل أسباب الأمور في الأحكام بحال فأجزنا أن ينكح الرجل المرأة لا ينوي حبسها إلا يوما ولا تنوي هي إلا هو وكذلك لو تواطآ على ذلك إذا لم يكن في شرط النكاح وكذلك قلنا في الطلاق إذا قال لها : اعتدي لم يكن طلاقا إلا بنية طلاق كان ذلك من قبل غضب أو بعده وإذ أذن الله عز وجل في التعريض بالخطبة في العدة فبين أنه حظر التصريح فيها وخالف بين حكم التعريض والتصريح وبذلك قلنا لا نجعل التعريض أبدا يقوم مقام التصريح في شيء من الحكم إلا أن يريد المعرض التصريح وجعلناه فيما يشبه الطلاق من النية وغيره فقلنا لا يكون طلاقا إلا بإرادته وقلنا لا نجد أحدا في تعريض إلا بإرادة التصريح بالقذف .
( قال الشافعي ) قول الله تبارك وتعالى { ولكن لا تواعدوهن سرا } يعني والله تعالى أعلم جماعا { إلا أن تقولوا قولا معروفا } قولا حسنا لا فحش فيه ( قال الشافعي ) وذلك أن يقول : رضيتك إن عندي لجماعا حسنا يرضي من جومعه فكان هذا وإن كان تعريضا منهيا عنه لقبحه وما عرض به مما سوى هذا مما يفهم المرأة به أنه يريد نكاحها فجائز له وكذلك التعريض بالإجابة له جائز لها لا يحظر عليها من التعريض شيء يباح له ولا عليه شيء يباح لها وإن صرح لها بالخطبة وصرحت له بالإجابة أو لم تصرح ولم يعقد النكاح في الحالين حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لهما معا مكروه ولا يفسد النكاح بالسبب غير المباح من التصريح لأن النكاح حادث بعد الخطبة ليس بالخطبة ألا ترى أن امرأة مستخفة لو قالت لا أنكح رجلا حتى أراه متجردا أو حتى أخبره بالفاحشة فأرضاه في الحالين فتجرد لها أو أتى منها محرما ثم نكحته بعدما كان النكاح جائزا وما فعلاه قبله محرما لم يفسد النكاح بسبب المحرم لأن النكاح حادث بعد سببه والنكاح غير سببه ، وهذا مما وصفت من أن الأشياء إنما تحل وتحرم بعقدها لا بأسبابها ، قال والتعريض الذي أباح الله ما عدا التصريح من قول . وذلك أن يقول رب متطلع إليك وراغب فيك وحريص عليك وإنك لبحيث تحبين وما عليك أيمة وإني عليك لحريص وفيك راغب .
وما كان في هذا المعنى مما خالف التصريح أن يقول تزوجيني إذا حللت أو أنا أتزوجك إذا حللت وما أشبه هذا مما جاوز به التعريض وكان بيانا أنه خطبة لا أنه يحتمل غير الخطبة .
قال والعدة [ ص: 40 ] التي أذن الله بالتعريض بالخطبة فيها العدة من وفاة الزوج وإذا كانت الوفاة فلا زوج يرجى نكاحه بحال . ولا أحب أن يعرض الرجل للمرأة في العدة من الطلاق الذي لا يملك فيه المطلق الرجعة احتياطا . ولا يبين أن لا يجوز ذلك لأنه غير مالك أمرها في عدتها كما هو غير مالكها إذا حلت من عدتها فأما المرأة يملك زوجها رجعتها فلا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة في العدة لأنها في كثير من معاني الأزواج وقد يخاف إذا عرض لها من ترغب فيه بالخطبة أن تدعي بأن عدتها حلت وإن لم تحل وما قلت فيه لا يجوز التعريض بالخطبة أو لا يجوز التصريح بالخطبة فحلت العدة ثم نكحت المرأة فالنكاح ثابت بما وصفت . .
الكلام الذي ينعقد به النكاح وما لا ينعقد
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } وقال تعالى { وخلق منها زوجها } وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وقال { والذين يرمون أزواجهم } وقال { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقال { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } وقال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } وقال { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ( قال الشافعي ) فسمى الله تبارك وتعالى النكاح اسمين النكاح والتزويج وقال عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي } الآية فأبان جل ثناؤه أن الهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين والهبة - والله تعالى أعلم - تجمع أن ينعقد له عليها عقدة النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلا باسم النكاح أو التزويج ولا يقع بكلام غيرهما وإن كانت معه نية التزويج وأنه مخالف للطلاق الذي يقع بما يشبه الطلاق من الكلام مع نية الطلاق وذلك أن المرأة قبل أن تزوج محرمة الفرج فلا تحل إلا بما سمى الله عز وجل أنها تحل به لا بغيره وأن المرأة المنكوحة تحرم بما حرمها به زوجها مما ذكر الله تبارك اسمه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وقد دلت سنة النبي صلى الله عليه وسلم على أن الطلاق يقع بما يشبه الطلاق إذا أراد به الزوج الطلاق ولم يجز في الكتاب ولا السنة إحلال نكاح إلا باسم نكاح أو تزويج فإذا قال سيد الأمة وأبو البكر أو الثيب أو وليها للرجل قد وهبتها لك أو أحللتها لك أو تصدقت بها عليك أو أبحت لك فرجها أو ملكتك فرجها أو صيرتها من نسائك أو صيرتها امرأتك أو أعمرتكها أو أجرتكها حياتك أو ملكتك بضعها أو ما أشبه هذا أو قالته المرأة مع الولي وقبله المخاطب به نفسه أو قال قد تزوجتها فلا نكاح بينهما ولا نكاح أبدا إلا بأن يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها ويقول الزوج قد قبلت نكاحها أو قبلت تزويجها أو يقول الخاطب زوجنيها أو أنكحنيها فيقول الولي قد زوجتكها أو أنكحتكها ويسميانها معا باسمها ونسبها ولو قال جئتك خاطبا لفلانة فقال قد زوجتكها لم يكن نكاحا حتى يقول قد قبلت تزويجها ولو قال جئتك خاطبا لفلانة فزوجنيها فقال قد زوجتكها ثبت النكاح ولم أحتج إلى أن يقول قد قبلت تزويجها ولا نكاحها وهكذا لو قال الولي قد زوجتك فلانة فقال الزوج قد قبلت ولم يقل تزويجها لم يكن نكاحا حتى يقول قد قبلت تزويجها ولو قال الخاطب زوجني فلانة فقال الولي قد فعلت أو قد أجبتك إلى ما طلبت أو ملكتك ما طلبت لم يكن نكاحا حتى يقول قد زوجتكها أو أنكحتكها فإن قال زوجني فلانة فقال قد ملكتك نكاحها أو ملكتك بضعها أو ملكتك أمرها أو جعلت بيدك أمرها لم يكن نكاحا حتى يتكلم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (194)
صــــــــــ 41 الى صـــــــــــ 47
[ ص: 41 ] بزوجتكها أو أنكحتكها ويتكلم الخاطب بأنكحنيها أو زوجنيها فإذا اجتمع هذا انعقد النكاح وهكذا يكون نكاح الصغار والإماء لا ينعقد عليهن النكاح من قول ولاتهن إلا بما ينعقد به على البالغين ولهم إذا تكلما جميعا بإيجاب النكاح مطلقا جاز وإن كان في عقدة النكاح مثنوية لم يجز ولا يجوز في النكاح خيار بحال وذلك أن يقول قد زوجتكها إن رضي فلان أو زوجتكها على أنك بالخيار في مجلسك أو في يومك أو أكثر من يوم أو على أنها بالخيار أو زوجتكها إن أتيت بكذا أو فعلت كذا ففعله فلا يكون شيء من هذا تزويجا ولا ما أشبهه حتى يزوجه تزويجا صحيحا مطلقا لا مثنوية فيه .
ما يجوز وما لا يجوز في النكاح
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا يكون التزويج إلا لامرأة بعينها ورجل بعينه وينعقد النكاح من ساعته لا يتأخر بشرط ولا غيره ويكون مطلقا فلو أن رجلا له ابنتان خطب إليه رجل فقال زوجني ابنتك فقال قد زوجتكها فتصادق الأب والبنت والزوج على أنهما لا يعرفان البنت التي زوجه إياها وقال الأب للزوج أيتهما شئت فهي التي زوجتك أو قال الزوج للأب أيتهما شئت فهي التي زوجتني لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجني أي ابنتيك شئت فزوجه على هذا لم يكن هذا نكاحا وهكذا لو قال زوج ابني وله ابنان فزوجه لم يكن هذا نكاحا ولو قال زوجني ابنتك فلانة غدا أو إذا جئتك أو إذا دخلت الدار أو إذا فعلت أو فعلت كذا فقال قد زوجتكها على ما شرطت ففعل ما شرط لم يكن نكاحا إذا تكلما بالنكاح معا فلم يكن منعقدا مكانه لم ينعقد بعد مدة ولا شرط . ولو قال زوجني حبل امرأتك فزوجه إياه فكان جارية لم يكن نكاحا وهكذا لو قال زوجني ما ولدت امرأتك فكانت في البلد معهما أو غائبة عنهما فتصادقا على أنهما حين انعقدت عقدة النكاح لا يعلمان أولدت امرأته جارية أو غلاما قال وهكذا لو تصادقا أنهما قد علما أنها قد ولدت جاريتين ولم يسم أيتهما زوج بعينها ومتى تكلما بنكاح امرأة بعينها جاز النكاح وذلك أن يزوجه ابنته فلانة وليست له ابنة يقال لها فلانة إلا واحدة وأحب إلي أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه سوى الخطبة حمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى ثم يخطب وأحب إلي للخاطب أن يفعل ذلك ثم يزوج ويزيد الخاطب " أنكحتك على ما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وإن لم يزد على عقدة النكاح جاز النكاح . أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة أن ابن عمر كان إذا أنكح قال " أنكحتك على ما أمر الله تعالى على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " . .
نهي الرجل على أن يخطب على خطبة أخيه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال أخبرني ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يخطب أحدكم على [ ص: 42 ] خطبة أخيه } .
( قال الشافعي ) أخبرنا محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب عن مسلم الخياط عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك } ( قال الشافعي ) فكان الظاهر من هذه الأحاديث أن من خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يأذن الخاطب أو يدع الخطبة وكانت محتملة لأن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال دون حال فوجدنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنها في حال دون حال .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها فبتها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت أم مكتوم وقال فإذا حللت فآذنيني فلما حللت أخبرته أن أبا جهم ومعاوية خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه . وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة فكرهته فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله تعالى فيه خيرا واغتبطت به } ( قال الشافعي ) فكما بينا أن الحال التي خطب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة على أسامة غير الحال التي نهى عن الخطبة ولم يكن للمخطوبة حالان مختلفي الحكم إلا بأن تأذن المخطوبة بإنكاح رجل بعينه فيكون للولي أن يزوجها جاز النكاح عليها ولا يكون لأحد أن يخطبها في هذه الحال حتى يأذن الخاطب أو يترك خطبتها وهذا بين في حديث ابن أبي ذئب . وقد أعلمت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا جهم ومعاوية خطباها ولا أشك - إن شاء الله تعالى - أن خطبة أحدهما بعد خطبة الآخر فلم ينههما ولا واحدا منهما ولم نعلمه أنها أذنت في واحد منهما فخطبها على أسامة ولم يكن ليخطبها في الحال التي نهى فيها عن الخطبة ولم أعلمه نهى معاوية ولا أبا جهم عما صنعا والأغلب أن أحدهما خطبها بعد الآخر فإذا أذنت المخطوبة في إنكاح رجل بعينه لم يجز خطبتها في تلك الحال وإذن الثيب الكلام والبكر الصمت وإن أذنت بكلام فهو إذن أكثر من الصمت قال وإذا قالت المرأة لوليها زوجني من رأيت فلا بأس أن تخطب في هذه الحال لأنها لم تأذن في أحد بعينه فإذا أومرت في رجل فأذنت فيه لم يجز أن تخطب وإذا وعد الولي رجلا أن يزوجه بعد رضا المرأة لم يجز أن تخطب في هذه الحال فإن وعده ولم ترض المرأة فلا بأس أن تخطب إذا كانت المرأة ممن لا يجوز أن تزوج إلا بأمرها وأمر البكر إلى أبيها والأمة إلى سيدها فإذا وعد أبو البكر أو سيد الأمة رجلا أن يزوجه فلا يجوز لأحد أن يخطبها ومن قلت له لا يجوز له أن يخطبها فإنما أقوله إذا علم أنها خطبت وأذنت وإذا خطب الرجل في الحال التي نهى أن يخطب فيها عالما فهي معصية يستغفر الله تعالى منها وإن تزوجته بتلك الخطبة فالنكاح ثابت لأن النكاح حادث بعد الخطبة وهو مما وصفت من أن الفساد إنما يكون بالعقد لا بشيء تقدمه وإن كان سببا له لأن الأسباب غير الحوادث بعدها . .
نكاح العنين والخصي والمجبوب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولم أحفظ عن مفت لقيته خلافا في أن تؤجل امرأة العنين سنة فإن أصابها وإلا خيرت في المقام معه أو فراقه ومن قال هذا قال إذا نكح الرجل المرأة فكان يصيب غيرها ولا يصيبها فلم ترتفع إلى السلطان فهما على النكاح وإذا ارتفعت إلى السلطان فسألت فرقته أجله [ ص: 43 ] السلطان من يوم يرتفعان إليه سنة فإن أصابها مرة واحدة فهي امرأته وإن لم يصبها خيرها السلطان فإن شاءت فرقته فسخ نكاحها والفرقة فسخ بلا طلاق لأنه يجعل فسخ العقدة إليها دونه وإن شاءت المقام معه أقامت معه ثم لم يكن لها أن يخيرها بعد مقامها معه .
وذلك أن اختيارها المقام معه ترك لحقها في فرقته في مثل الحال التي تطلبها فيها وإن اختارت المقام معه بعد حكم السلطان بتأجيله وتخييرها بعد السنة ثم فارقها ومضت عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا فسألت أن يؤجل لها أجل وإن علمت قبل أن تنكحه أنه عنين ثم رضيت نكاحه أو علمته بعد نكاحه ثم رضيت المقام معه ثم سألت أن يؤجل لها أجل ولا يقطع خيارها في فراقه إلا الأجل واختيارها المقام معه بعد الأجل لأنه لا يعلم أحد من نفسه أنه عنين حتى يختبر لأن الرجل قد يجامع ثم ينقطع الجماع عنه ثم يجامع وإنما قطعت خيارها أنها تركته بعد إذ كان لها لا شيء دونه قال ولو نكحها فأجل ثم خيرت فاختارت المقام معه ثم طلقها ثم راجعها في العدة ثم سألت أن يؤجل لم يكن لها ذلك لأنها عنده بالعقد الذي اختارت المقام معه فيه بعد الحكم .
( قال الربيع ) يريد إن كان ينزل فيها ماءه فله الرجعة وعليها العدة وإن لم يغيب الحشفة ( قال الشافعي ) ولو تركها حتى تنقضي عدتها ثم نكحها نكاحا جديدا ثم سألت أن يؤجل أجل لأن هذا عقد غير العقد الذي تركت حقها فيه بعد الحكم قال وإذا أصابها مرة في عقد نكاح ثم سألت أن يؤجل لم يؤجل أبدا لأنه قد أصابها في عقد النكاح وليس كالذي يصيب غيرها ولا يصيبها لأن أداءه إلى غيرها حقا ليس بأداء إليها ولو أجل العنين فاختلفا في الإصابة فقال أصبتها وقالت لم يصبني .
فإن كانت ثيبا فالقول قوله لأنها تريد فسخ نكاحه وعليه اليمين فإن حلف فهي امرأته وإن نكل لم يفرق بينهما حتى تحلف ما أصابها فإن حلفت خيرت وإن لم تحلف فهي امرأته ولو كانت بكرا أريها أربع نسوة عدول فإن قلن هي بكر فذلك دليل على صدقها أنه لم يصبها وإن شاء الزوج حلفت هي ما أصابها ثم فرق بينهما فإن لم تحلف حلف هو لقد أصابها ثم أقام معها ولم تخير هي وذلك أن العذرة قد تعود فيما زعم أهل الخبرة بها إذا لم يبالغ في الإصابة وأقل ما يخرجه من أن يؤجل أن يغيب الحشفة في الفرج وذلك يحصنها ويحللها للزوج لو طلقها ثلاثا ولو أصابها في دبرها فبلغ ما بلغ لم يخرجه ذلك من أن يؤجل أجل العنين لأن تلك غير الإصابة المعروفة حيث تحل ولو أصابها حائضا أو محرمة أو صائمة أو هو محرم أو صائم كان مسيئا فيه ولم يؤجل ولو أجل فجب ذكره
أو نكحها مجبوب الذكر خيرت حين تعلم إن شاءت المقام معه وإن شاءت فارقته ولو أجل خصي ولم يجب ذكره أو نكحها خصي غير مجبوب الذكر لم تخير حتى يؤجل أجل العنين فإن أصابها فهي امرأته وإلا صنع فيه ما صنع في العنين .
ولو نكحها وهو يقول أنا عقيم أو لا يقوله حتى ملك عقدتها ثم أقر به لم يكن لها خيار وذلك أنه لا يعلم أنه عقيم أبدا حتى يموت لأن ولد الرجل يبطئ شابا ويولد له شيخا وليس لها في الولد تخيير إنما التخيير في فقد الجماع لا الولد ألا ترى أنا لا نؤجل الخصي إذا أصاب والأغلب أنه لا يولد له ولو كان خصيا قطع بعض ذكره وبقي له منه ما يقع موقع ذكر الرجل فلم يصبها أجل أجل العنين ولم تخير قبل أجل العنين لأن هذا يجامع وإذا كان الخنثى يبول من حيث يبول الرجل فنكح على أنه رجل فالنكاح جائز ولا خيار للمرأة ويؤجل إن شاءت أجل العنين وإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فإن نكح بأحدهما لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث على ما حكمنا له بأن ينكح عليه ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنا لا نورثه إلا ميراث امرأة وإن تزوج على أنه رجل لأنه ليس باختياره أن يكون رجلا أعطيه المال بقوله .
( قال الشافعي ) وليس للمرأة إن استمتع بها زوجها إذا قالت لم يصبني إلا نصف المهر ولا عليها [ ص: 44 ] عدة لأنها مفارقة قبل أن تصاب .
( قال الشافعي ) وإذا نكح الرجل الخنثى على أنها امرأة وهي تبول من حيث تبول المرأة أو مشكلة ولم تنكح بأنها رجل فالنكاح جائز ولا خيار له وإذا نكح الخنثى على أنه رجل وهو يبول من حيث تبول المرأة أو على أنه امرأة وهو يبول من حيث يبول الرجل فالنكاح مفسوخ لا يجوز أن ينكح إلا من حيث يبول أو بأن يكون مشكلا فإذا كان مشكلا فله أن ينكح بأيهما شاء فإذا نكح بواحد لم يكن له أن ينكح بالآخر ويرث ويورث من حيث يبول . .
ما يحب من إنكاح العبيد
قال الله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } ( قال الشافعي ) ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فدلت أحكام الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا ملك للأولياء آباء كانوا أو غيرهم على أياماهم وأياماهم الثيبات قال الله تعالى ذكره { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } وقال في المعتدات { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } الآية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها } مع ما سوى ذلك ودل الكتاب والسنة على أن المماليك لمن ملكهم وأنهم لا يملكون من أنفسهم شيئا ولم أعلم دليلا على إيجاب إنكاح صالحي العبيد والإماء كما وجدت الدلالة على إنكاح الحر إلا مطلقا فأحب إلي أن ينكح من بلغ من العبيد والإماء ثم صالحوهم خاصة ولا يتبين لي أن يجبر أحد عليه لأن الآية محتملة أن يكون أريد به الدلالة لا الإيجاب . .
نكاح العدد ونكاح العبيد
قال الله تبارك وتعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } إلى قوله { أن لا تعولوا } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكما بينا في الآية والله تعالى أعلم أن المخاطبين بها الأحرار لقوله تعالى { فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } لأنه لا يملك إلا الأحرار وقوله { ذلك أدنى أن لا تعولوا } فإنما يعول من له المال ولا مال للعبيد ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة وكان ثقة عن سليمان بن يسار ، عن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ينكح العبد امرأتين .
( قال الشافعي ) وهذا قول الأكثر من المفتين بالبلدان ولا يزيد العبد على امرأتين وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه ومكاتب ومدبر ومعتق إلى أجل والعبد فيما زاد على اثنتين من النساء مثل الحر فيما زاد على أربع لا يختلفان فإذا جاوز الحر أربعا فقلت ينفسخ نكاح الأواخر منهن الزوائد على أربع فكذلك ينفسخ نكاح ما زاد العبد فيه على اثنتين وكل ما خفي أنه أول فما زاد الحر فيه على أربع فأبطلت النكاح أو جمعت العقدة فيه أكثر من أربع ففسخت نكاحهن كلهن ، فكذلك أصنع في العبيد فيما خفي ، وجمعت العقدة فيه أكثر من اثنتين فعلى هذا الباب كله قياسه ولا أعلم بين أحد لقيته ولا حكي لي عنه من أهل العلم اختلافا في أن لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه وسواء كان مالكه ذكرا أو أنثى إذا أذن له مالكه جاز نكاحه ولا أحتاج إلى أن يعقد مالكه عقدة نكاح ولكنه يعقدها إن شاء لنفسه إذا أذن له وإنما يجوز [ ص: 45 ] نكاح العبد بإذن مالكه إذا كان مالكه بالغا غير محجور عليه فأما إذا كان محجورا عليه فلا يجوز للعبد أن ينكح بحال ولا يجوز لوليه أن يزوجه في قول من قال إن إنكاحه دلالة لا فرض ومن قال إن إنكاحه فرض فعلى وليه أن يزوجه .
وإذا كان العبد بين اثنين فأذن له أحدهما بالتزويج فتزوج فالنكاح مفسوخ ولا يجوز نكاحه حتى يجتمعا على الإذن له به وليس للسيد أن يكره عبده على النكاح فإن فعل فالنكاح مفسوخ .
وكذلك إن زوج عبده بغير إذنه ثم رضي العبد فالنكاح مفسوخ وله أن يزوج أمته بغير إذنها بكرا كانت أو ثيبا وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح حرة فنكح أمة أو أمة فنكح حرة أو امرأة بعينها فنكح غيرها أو امرأة من أهل بلد فنكح امرأة من غير أهل ذلك البلد فالنكاح مفسوخ وإن قال له انكح من شئت فنكح حرة أو أمة نكاحا صحيحا فالنكاح جائز والعبد إذا أذن له سيده يخطب على نفسه وليس كالمرأة وكذلك المحجور عليه إذا أذن له وليه يخطب على نفسه ولو أذن له في أن ينكح امرأة أو قال من شئت فنكح التي أذن له بها أو نكح امرأة مع قوله انكح من شئت وأصدقها أكثر من مهر مثلها كان النكاح ثابتا ولها مهر مثلها لا يزاد عليه ولا يكون لها فسخ النكاح لأن النكاح لا يفسد من قبل صداق بحال ويتبع العبد بالفضل عن مهر مثلها إذا عتق ولا سبيل لها عليه في حالة رقه لأن ماله لمالكه ولو كاتب لم يكن عليه سبيل في حال كتابته لأنه ليس بتام الملك على ماله وأن ماله موقوف حتى يعجز فيرجع إلى سيده أو يعتق فيكون له فإذا عتق كان لها أن تأخذ منه الفضل عن مهر مثلها حتى تستوفي ما سمى لها ولو كان هذا في حر محجور عليه لم يكن لها اتباعه لأن ردنا أمر المملوك لأن المال لغيره وأمر المحجور للحجر والمال له .
( قال الشافعي ) ولو أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة ولم يسمها ولا بلدها فنكح امرأة من غير أهل بلده ثبت النكاح ولم يكن للسيد فسخه وكان له منعه الخروج إلى ذلك البلد وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة فالصداق فيما اكتسب العبد ليس للسيد منعه من أن يكتسب فيعطيها الصداق دونه وكذلك النفقة إذا وجبت نفقة الزوجة وإن كان العبد الذي أذن له سيده بالنكاح مأذونا له في التجارة فله أن يعطي الصداق مما في يديه من المال وإن كان غير مأذون له بالتجارة فلسيده أن يأخذ شيئا إن كان في يديه لأنه مال السيد وعليه أن يدعه يكتسب المهر لأن إذنه له بالنكاح إذن باكتساب المهر ودفعه ، وإذا أذن له بالنكاح فله أن يسافر به ويرسله حيث شاء وليس له إذا كان معه بالمصر أن يمنعه امرأته في الحين الذي لا خدمة له عليه فيه وله أن يمنعه إياها في الحين الذي له عليه فيه الخدمة وليس في عنق العبد ولا مال السيد من الصداق ولا النفقة شيء إلا أن يضمنه فيلزمه بالضمان كما يلزم بالضمان على الأجنبيين .
وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج امرأة حرة بألف فتزوجها بألف وضمن السيد لها الألف فالضمان لازم ولها أن تأخذ السيد بضمانه ولا براءة للعبد منها حتى تستوفيها فإذا باعها السيد زوجها بأمر الزوج أو غير أمره بتلك الألف بعينها قبل أن يدخل بها فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع وتلك الألف يقعان معا لا يتقدم أحدهما صاحبه فلما كانت لا تملك العبد أبدا بتلك الألف بعينها لأنها تبطل عنها بأن نكاحها لو ملكت زوجها ينفسخ كان شراؤها له فاسدا فالألف بحالها والعبد عبده وهما على النكاح .
( قال الربيع ) وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج بألف درهم فتزوج وضمن السيد الألف ثم طلبت المرأة الألف من السيد قبل أن يدخل بها الزوج فباعها زوجها بالألف التي هي صداقها فالبيع باطل والنكاح بحاله من قبل أنها إذا ملكت زوجها انفسخ نكاحها فإذا انفسخ بطل أن يكون لها صداق وإذا لم يكن لها صداق كان العبد مشترى بلا ثمن فكان البيع باطلا وكان النكاح بحاله ( قال الربيع ) وهو قول الشافعي النكاح بحاله . [ ص: 46 ]
( قال الشافعي ) وسواء كان البيع بإذن العبد أو غير إذنه لأنها لا تملكه أبدا بتلك الألف ولا بشيء منها لأنها تبطل كلها إذا ملكته ولو طلقها العبد قبل أن يدخل بها كان لها نصف الألف ولو كانت المسألة بحالها فباعها إياه بلا أمر العبد بألف أو أقل أو أكثر كان البيع جائزا وكان العبد لها وعليها الثمن الذي باعها إياه به وكان النكاح منفسخا من قبلها وقبل السيد الذي ليس له طلاقها ، ولو كان باعها إياه بيعا فاسدا كانا على النكاح .
ولو كانت امرأة العبد أمة فاشترت زوجها بإذن سيدها أو اشتراها زوجها بإذن سيده كانا على النكاح وكذلك إن وهبت له أو وهب لها أو ملكها أو ملكته بأي وجه ما كان الملك كانا على النكاح لأن ما ملك كل واحد منهما ملك لسيده لا له ، ولو كان بعض الزوج حرا فاشترى امرأته بإذن الذي له فيه الرق فسد النكاح لأنه يملك منها بقدر ما يملك من نفسه .
وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح من شاء وما شاء من عدد النساء فله أن ينكح حرتين مسلمتين أو كتابيتين أو ذميتين وينكح الحرة على الأمة والأمة على الحرة ويعقد نكاح أمة وحرة معا وليس له أن ينكح أمة كتابية ولا تحل الأمة الكتابية لمسلم إلا أن يطأها بملك اليمين .
وإذا قال الرجل لعبده قد زوجتك فلا يجوز عليه النكاح إلا أن يأذن له العبد ، وإذا أذن له أن ينكح أو سأله العبد أن ينكحه فقال المولى : قد زوجتك فلانة بأمرك وادعت ذلك ، وقال العبد : لم تزوجنيها فالقول قول العبد مع يمينه وعلى المرأة البينة . .
العبد يغر من نفسه والأمة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا خطب العبد امرأة وأعلمها أنه حر فتزوجته ثم علمت أنه عبد فلها ولأوليائها الخيار في المقام معه أو فراقه فإن اختارت فراقه قبل الدخول فلا مهر لها ولا متعة وهو فسخ بغير طلاق وإن اختارته بعد الدخول فلها مهر مثلها وإن خطبها ولم يذكر شيئا فظنته حرا فلا خيار لها ، وإذا نكح الرجل الأمة وهو يراها حرة فولده مماليك وإن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن غرته بنفسها وقالت أنا حرة فولده أحرار وسواء كان المغرور حرا أو عبدا أو مكاتبا لأنه لم ينكح إلا على أن ولده أحرار وإن غره بها غيرها فولدت أولادا ثم علم أنها مملوكة فالأولاد أحرار ولسيدها أخذ مهر مثلها من زوجها ولا يرجع به الزوج على الغار ولا عليها ويأخذ منه قيمة أولادها يوم سقطوا ويرجع بهم الزوج على الغار في ذمته ، وإن كانت هي الغارة له رجع عليها بما أخذ منه من قيمة أولادها إذا عتقت ولا يرجع به ما كانت مملوكة وإن ألزم قيمتهم ثم لم يؤخذ منه شيء لم يرجع بشيء لم يؤخذ منه . .
تسري العبد
قال الله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } إلى قوله { غير ملومين } فدل كتاب الله عز وجل على أن ما أباحه من الفروج فإنما أباحه من أحد الوجهين النكاح أو ما ملكت اليمين .
وقال الله تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع } قال فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يكون مالكا مالا بحال وأن ما نسب إلى ملكه إنما هو [ ص: 47 ] إضافة اسم ملك إليه لا حقيقة كما يقال للمعلم غلمانك وللراعي غنمك وللقيم على الدار دارك إذا كان يقوم بأمرها فلا يحل - والله تعالى أعلم - للعبد أن يتسرى أذن له سيده أو لم يأذن له لأن الله تعالى إنما أحل التسري للمالكين والعبد لا يكون مالكا بحال ، وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه أو مكاتب أو مدبر ولا يحل له أن يطأ بملك يمين بحال حتى يعتق ، والنكاح يحال له بإذن مالكه وإن تسرى العبد فلسيده نزع السرية منه وتزويجه إياها إن شاء .
ولو عتق عبد تسرى أمة أو مكاتب وقد ولدت له لم تكن له أم ولد حتى يصيبها بعد الحرية وتلد ، ولو تسرى عبد قد عتق بعضه أمة ملكه إياها سيده فولدت له ثم عتق فهي أم ولد له لأنه كان مالكا ، وإن أراد سيده أخذ منه من قيمة المملوكة بقدر ما له فيه من الرق كأنه كان وهبها له قبل أن يعتق وهو يملك نصفه فالنصف له بالحرية وللسيد أن يرجع في النصف الثاني لأن ملك ما يملك منه لسيده .
قال : وإذا وطئ عبد أو من لم تكمل فيه الحرية أو مكاتب جارية بملك اليمين لحق به الولد ودرئ عنه الحد بالشبهة فإن عتق وملكها كان له بيعها ولا تكون له أم ولد يمنعه بيعها من لم يبع أم الولد إلا بأن يصيبها بعدما يصير حرا مالكا ، فإن قيل قد روي عن ابن عمر تسرى العبد قيل نعم وخلافه قال ابن عمر لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء صنع بها ما شاء ، فإن قيل فقد روي عن ابن عباس ؟ قلت ابن عباس إنما قال ذلك لعبد طلق امرأته قال ليس لك طلاق وأمره أن يمسكها فأبى فقال فهي لك فاستحلها بملك اليمين يريد أنها له حلال بالنكاح ولا طلاق لك والحجة فيه ما وصفت لك من دلالة الكتاب والسنة وأنت تزعم أن من طلق من العبيد لزمه الطلاق ولم تحل له امرأته بعد طلقتين أو ثلاث .
فسخ نكاح الزوجين يسلم أحدهما
قال الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } إلى قوله { ولا هم يحلون لهن } وقال تبارك وتعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ( قال الشافعي ) نزلت في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة وهم أهل أوثان وعن قول الله عز وجل { فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات } فاعرضوا عليهن الإيمان فإن قبلن وأقررن به فقد علمتموهن مؤمنات . وكذلك علم بني آدم الظاهر : وقال تبارك وتعالى { الله أعلم بإيمانهن } يعني بسرائرهن في إيمانهن ، وهذا يدل على أن لم يعط أحد من بني آدم أن يحكم على غير ظاهر ومعنى الآيتين واحد فإذا كان الزوجان وثنيين فأيهما أسلم أولا فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف عن الإسلام منهما لقوله تعالى { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فاحتملت العقدة أن تكون منفسخة إذا كان الجماع ممنوعا بعد إسلام أحدهما فإنه لا يصلح لواحد منهما إذا كان أحدهما مسلما والآخر مشركا أن يبتدئ النكاح ، واحتملت العقدة أن لا تنفسخ إلا أن يثبت المتخلف عن الإسلام منهما على التخلف عنه مدة من المدد فيفسخ النكاح إذا جاءت تلك المدة قبل أن يسلم ولم يكن يجوز أن يقال لا تنقطع العصمة بين الزوجين حتى يأتي على المتخلف منهما عن الإسلام مدة قبل أن يسلم إلا بخبر لازم ( قال الشافعي ) وأخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد قبلهم { أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر عليها فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار الإسلام ، وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة . ومكة يومئذ دار الحرب .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (195)
صــــــــــ 48 الى صـــــــــــ 54
ثم قدم عليها يدعوها [ ص: 48 ] إلى الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال فأقامت أياما قبل أن تسلم ثم أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وثبتا على النكاح } ( قال الشافعي ) وأخبرنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة فأسلم أكثر أهلها وصارت دار الإسلام وأسلمت امرأة عكرمة بن أبي جهل وامرأة صفوان بن أمية وهرب زوجاهما ناحية البحر من طريق اليمن كافرين إلى بلد كفر ثم جاءا فأسلما بعد مدة وشهد صفوان حنينا كافرا فاستقرا على النكاح وكان ذلك كله ونساؤهن مدخول بهن لم تنقض عددهن } ولم أعلم مخالفا في أن المتخلف عن الإسلام منهما إذا انقضت عدة المرأة قبل أن يسلم انقطعت العصمة بينهما وسواء خرج المسلم منهما من دار الحرب وأقام المتخلف فيها أو خرج المتخلف عن الإسلام أو خرجا معا أو أقاما معا لا تصنع الدار في التحريم والتحليل شيئا إنما يصنعه اختلاف الدينين .
تفريع إسلام أحد الزوجين قبل الآخر في العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا كان الزوجان مشركين وثنيين أو مجوسيين عربيين أو أعجميين من غير بني إسرائيل ودانا دين اليهود والنصارى أو أي دين دانا من الشرك إذا لم يكونا من بني إسرائيل أو يدينان دين اليهود والنصارى فأسلم أحد الزوجين قبل الآخر وقد دخل الزوج بالمرأة فلا يحل للزوج الوطء والنكاح موقوف على العدة فإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما قبل انقضاء العدة فالنكاح ثابت وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فالعصمة منقطعة بينهما وانقطاعها فسخ بلا طلاق وتنكح المرأة من ساعتها من شاءت ويتزوج أختها وأربعا سواها وعدتها عدة المطلقة فإن نكحت المرأة قبل أن تنقضي العدة فالنكاح مفسوخ فإن أصابها الزوج الذي نكحته فلها مهر مثلها وإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ويجتنبها حتى تنقضي عدتها من النكاح الفاسد وسواء كانت هي المسلمة قبل الزوج أو الزوج قبلها فإن كان الزوج المسلم منهما لم يكن له أن ينكح أخت المرأة في العدة فإن فعل فالنكاح مفسوخ وكذلك لا ينكح أربعا سواها وإن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن الإسلام فنكح أختها أو أربعا سواها ثم أسلم وأسلمن قبل انقضاء عدتها أمسك أربعا أيهن شاء وفارق سائرهن قال والنصرانيان واليهوديان في هذا كالوثنيين إذا أسلمت المرأة قبل الرجل ( قال الشافعي ) فإن أسلم الرجل قبل المرأة فهما على النكاح لأنه يجوز للمسلم أن يبتدئ نكاح يهودية ونصرانية قال : والأزواج في هذا الأحرار والمماليك سواء وإن كان أحد من بني إسرائيل مشركا يدين بغير دين اليهود والنصارى فهو كمن وصفنا من أهل الأوثان .
الإصابة والطلاق والموت والخرس
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا دخل الوثني بامرأته ثم أسلم أحدهما ثم مات أحد الزوجين لم يتوارثا فإن كان الزوج الميت أكملت عدتها من انقطاع العصمة عدة الطلاق ولم تعتد عدة وفاة ، وإن خرس المتخلف عن الإسلام منهما أو عته حتى تنقضي عدة المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما ، ولو وصف الإسلام وهو لا يعقله فقد انقطعت العصمة بينهما . لا تثبت العصمة إلا بأن يسلم وهو يعقل [ ص: 49 ] الإسلام ، وكذلك لو كان المتخلف منهما عن الإسلام صبيا لم يبلغ فوصف الإسلام كانت العصمة بينهما منقطعة . ولو وصفه سكران كانا على النكاح لأني ألزم السكران إسلامه وأقتله إن لم يثبت عليه ولا ألزم ذلك المغلوب على عقله بغير السكر ولا ألزمه الصبي ولا أقتله إن لم يثبت عليه . ولو كان الزوج هو المسلم والمرأة هي المتخلفة وهي مغلوبة على عقلها أو غير بالغ فوصفت الإسلام قطعت العصمة بينهما . ولو أسلمت بالغة غير مغلوبة على عقلها إلا من سكر خمر أو نبيذ مسكر أثبت النكاح لأني أجبرها على الإسلام وأقتلها إن لم تفعل ، ولو شربت دواء فيه بعض السموم فأذهب عقلها فارتدت أو فعل هو فارتد أو كان أحدهما مشركا فأسلم ثم أفاق فأقام على أصل دينه لم أجعل لردتهما وإسلامهما في أوان ذهاب عقلهما حكما وهما كما كانا أولا على أي دين كانا حتى يحدثا غيره وهما يعقلان .
أجل الطلاق في العدة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسلم أحد الزوجين فوقفنا النكاح على العدة فطلق الزوج المرأة فالطلاق موقوف . فإن أسلم المتخلف عن الإسلام منهما في العدة وقع الطلاق وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فالطلاق ساقط لأنا قد علمنا أنه لم يسلم المتخلف منهما حتى انقطعت العصمة وأنه طلق غير زوجة قال : وهكذا لو آلى منهما أو تظاهر وقف فلزمه إن أسلم المتخلف منهما في العدة وسقط إن انقطعت العصمة : وإذا أسلم أحد الزوجين فخالعته كان الخلع موقوفا فإن أسلم المتخلف منهما فالخلع جائز ، وإن لم يسلم حتى تنقطع العصمة فالخلع باطل وما أخذ فيه مردود وكذلك لو خيرها فاختارت طلاقا أو جعل أمرها بيد رجل فطلقها كان موقوفا كما وصفت ، ولو أبرأته من صداق بلا طلاق أو وهب لها شيئا جازت براءتها وهبته كما يجوز للأزواج والمطلقات ومن الأزواج والمطلقات .
الإصابة في العدة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أسلم الرجل ولم تسلم امرأته في العدة فأصابها كانت الإصابة محرمة عليه لاختلاف الدينين ويمنع منها حتى تسلم أو تبين : فإن أسلمت في العدة لم يكن لها مهر لأنا علمنا أنه أصابها وهي امرأته وإن كان جماعهما محرما كما يكون محرما عليه بحيضها وإحرامها وغير ذلك فيصيبها فلا يكون لها عليه صداق : وإن لم تسلم حتى تنقضي عدتها من يوم أسلم فقد انقطعت عصمتها منه ولها عليه مهر مثلها وتكمل عدتها من يوم كانت الإصابة تعتد فيها بما مضى من عدتها يوم أسلم وهكذا لو كانت هي المسلمة وهو الثابت على الكفر إذا حاكمت إلينا .
النفقة في العدة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أسلمت المرأة قبل الزوج ثم أسلم الزوج وهي في العدة فهما [ ص: 50 ] على النكاح وإن أسلم الزوج بعد العدة انقطعت العصمة بينهما ولها عليه النفقة في العدة في الوجهين جميعا لأنها كانت محبوسة عليه وكان له متى شاء أن يسلم فيكونان على النكاح ولو كان الزوج هو المسلم وهي المتخلفة عن الإسلام ثم أسلمت في العدة أو لم تسلم حتى تنقضي لم يكن لها نفقة في أيام كفرها لأنها هي المانعة لنفسها منه ولو كان الزوج دفع إليها النفقة في العدة ثم لم تسلم فأراد الرجوع عليها بها لم يكن ذلك له لأنه تطوع لها بشيء ودفعه إليها ولو كان إنما دفعه إليها على أن تسلم فأسلمت أو لم تسلم كان له الرجوع به ولا جعل لأحد على الإسلام إلا أن يشاء الجاعل أن يسلمه لها متطوعا ولو اختلفا في الإسلام فقالت أسلمت يوم أسلمت أنت ولم تعطني نفقة ، وقال بل أسلمت اليوم فالقول قوله مع يمينه ولا نفقة عليه إلا أن تأتي ببينة على ما قالت فتؤخذ لها نفقتها منه من يوم قامت البينة أنها أسلمت .
الزوج لا يدخل بامرأته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الزوجان وثنيين ولم يصب الزوج امرأته وإن خلا بها وقفتهما فإن أسلم الرجل قبل المرأة فقد انقطعت العصمة بينهما ولها نصف المهر إن كان فرض لها صداقا حلالا وإن كان فرض صداقا حراما فنصف مهر مثلها وإن لم يكن فرض المتعة لأن فسخ النكاح كان من قبله فإن أسلمت المرأة قبله فقد انقطعت العصمة ولا شيء لها من صداق ولا متعة لأن فسخ النكاح من قبلها ولو أسلما جميعا معا فهما على النكاح وإن جاءا مسلمين معا وقد علمنا أن أحدهما أسلم أولا ولا ندري أيهما هو فالعصمة منقطعة ولا نصف مهر حتى نعلم أن الزوج أسلم أولا ولو ادعت المرأة أن الزوج أسلم أولا وقال هو بل أسلمت أولا فالقول قولها مع يمينها وعلى الزوج البينة لأن العقد ثابت فلا يبطل نصف المهر إلا بأن تسلم قبله ولو جاءنا مسلمين فقال الزوج أسلمنا معا وقالت المرأة أسلم أحدنا قبل الآخر كان القول قول الزوج مع يمينه ولا تصدق المرأة على فسخ النكاح ( قال الشافعي ) وفيها قول آخر أن النكاح منفسخ حتى يتصادقا أو تقوم بينة على أن إسلامهما كان معا لأن الإسلام فسخ العقدة إلا أن يكون معهما فأيهما ادعى فسخها كان القول قوله مع يمينه ولو كانت المرأة التي قالت أسلمنا معا وقال الزوج بل أسلم أحدنا قبل الآخر انفسخ النكاح بإقراره بأنه منفسخ ولم يصدق هو على المهر وأغرم لها نصف المهر بعد أن تحلف بالله أن إسلامهما لمعا ولو شهد على إسلام المرأة ثم جاء الزوج فقال قد أسلمت معها كلف البينة فإن جاء بها كانت امرأته وإن لم يأت بها فقد علمنا إسلامها قبل أن نعلم إسلامه فتحلف له ما أسلم إلا قبلها أو بعدها وتنقطع العصمة بينهما وأيهما كلفناه البينة على أن إسلامهما كان معا أو على وقت إسلامه ليدل على أن إسلامهما كان معا لم تقبل بينته حتى يقطعوا على أنهما أسلما جميعا معا فإن شهدوا لأحدهما دون الآخر فشهدوا أنه أسلم يوم كذا من شهر كذا حين غابت الشمس لم يتقدم ذلك ولم يتأخر أو طلعت الشمس لم يتقدم ذلك ولم يتأخر وعلم أن إسلام الآخر كان في ذلك الوقت أثبتنا النكاح وإن قالوا مع مغيب الشمس أو زوالها أو طلوع الشمس لم يثبت النكاح لأنه يمكن أن يقع هذا على وقتين أحدهما قبل الآخر .
[ ص: 51 ] اختلاف الزوجين
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن رجلا دخل بامرأته وأصابها ثم أتيانا معا مسلمين فقالت المرأة كنا مشركين فأسلمت قبله أو أسلم قبلي وانقضت عدتي قبل أن يسلم المتأخر منا وقال الزوج ما كنا قط إلا مسلمين أو قال كنا مشركين فأسلمنا معا ، أو أسلم أحدنا قبل الآخر ولم تنقض عدة المرأة حتى أسلم المتخلف عن الإسلام منا فإن قامت بينة أخذت بها وإن لم تقم بينة فالقول قول الزوج ولا تصدق المرأة على إفساد النكاح لأنهما يتصادقان على عقده وتدعي المرأة فسخه ولو كان الرجل هو المدعي فسخه لزمه فسخه بإقراره ولم يصدق على نصف الصداق لو كان لم يدخل بها وتحلف وتأخذه منه ولو أن امرأة ورجلا كافرين أتيانا مسلمين فتصادقا على النكاح في الكفر وهي ممن تحل له بحال كانت زوجته ولو تناكرا لم تكن زوجته إلا ببينة تقوم على نكاح أو إقرار من كل واحد منهما بالناكح أو إقرار من المنكر منهما للنكاح ثم تكون زوجته .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا تناكح الزوجان المشركان بصداق يجوز لمسلم أن ينكح به ودخل بها الزوج ثم انقطعت العصمة بينهما وأسلما فالمهر للمرأة ما كان فإن كانت قبضته فقد استوفت وإن لم تكن قبضته أخذته من الزوج وإن تناكرا فيه فقال الزوج قد قبضته وقالت المرأة لم أقبضه فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة وهكذا لو لم يكن النكاح انفسخ أو أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر وإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها وإن كان الصداق محرما مثل الخمر وما أشبهه فلم تقبضه فلها مهر مثلها وإن قبضته بعدما أسلم أحد الزوجين فلها مهر مثلها وليس لمسلم أن يعطي خمرا ولا لمسلم أن يأخذه وإن قبضته وهما مشركان فقد مضى وليس لها غيره لأن الله عز وجل يقول { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } فأبطل ما أدرك الإسلام ولم يأمرهم برد ما كان قبله من الربا فإن كان أرطال خمر فأخذت نصفه في الشرك وبقي نصفه أخذت منه نصف صداق مثلها وكذلك إن كان الباقي منه الثلث أو الثلثين أو أقل أو أكثر رجعت بعده بما يبقى منه من صداق مثلها ولم يكن لواحد منهما أخذ الخمر في الإسلام إذا كان المسلم يعطيه مشركا أو المشرك يعطيه مسلما وإن أخذه أحدهما في الإسلام أهراقه ولم يرده على الذي أخذه منه بحال إلا أن يعود خلا من غير صنعة آدمي فيرد الخل إلى دافعه لأن عين ماله صارت خلا وترجع بمهر مثلها ولو صارت خلا من صنعة آدمي أهراقها ولم يكن لها الاستمتاع بها ولا ردها وترجع بما بقي من الصداق وإن كان الزوجان مسلمين في أي دار كانا في دار الإسلام أو دار الحرب فارتد أحدهما فالقول فيه كالقول في الزوجين الوثنيين يسلم أحدهما لا يختلف في حرف من فسخ النكاح وغيره من التحريم لأنه في مثل معنى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزوجين الحربيين يسلم أحدهما قبل الآخر أنه يثبت النكاح إذا أسلم آخرهما إسلاما قبل مضي العدة فوجدت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إثبات عقد النكاح في الشرك وعقد نكاح الإسلام ثابت ووجدت في حكم الله تبارك وتعالى تحريم المسلمات على المشركين وتحريم المشركات من أهل الأوثان على المسلمين
[ ص: 52 ] ووجدت أحد الزوجين إذا ارتد حرم الجماع أيهما كان المسلم المرأة أولا أو الزوج فلا يحل وطء كافرة لمسلم أو الزوجة فلا يحل وطء مسلمة لكافر فكان في جميع معاني حكم النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالفه حرفا واحدا في التحريم والتحليل فإن ارتد الزوج بعد الوطء حيل بينه وبين الزوجة فإن انقضت عدتها قبل أن يرجع الزوج إلى الإسلام انفسخ النكاح وإن ارتدت المرأة أو ارتدا جميعا أو أحدهما بعد الآخر فهكذا أنظر أبدا إلى العدة فإن انقضت قبل أن يصيرا مسلمين فسختها وإذا أسلما قبل أن تنقضي العدة فهي ثابتة ( قال الشافعي ) في المسلمين يرتد أحدهما والحربيين يسلم أحدهما ثم يخرس المرتد منهما قبل أن يسلم أو يغلب على عقله إذا مضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن الإسلام منهما انقطعت العصمة والعقدة فإذا لم تثبت إلا بأن يكونا مسلمين قبل انقضاء العدة فقد انقضت العدة قبل أن يكونا مسلمين ولو خرس المرتد منهما وقد أصابها الزوج قبل الردة ولم يذهب عقله فأشار بالإسلام إشارة تعرف وصلى قبل انقضاء العدة أثبتنا النكاح فإن كان هو الزوج فنطق فقال كانت إشارتي بغير إسلام وصلاتي بغير إيمان إنما كانت لمعنى يذكره جعلنا عليه الصداق وفرقنا بينهما إن كانت العدة مضت وإن لم تكن مضت حلنا بينه وبينها حتى تنقضي العدة الأولى وإن كان أصابها بعد الردة جعلنا صداقا آخر وتستقبل العدة من الجماع الآخر وتكمل عدتها من الأول وتعتد بها في الآخر وإن كان أسلم في العدة الآخرة لم يكن له أن يثبت النكاح فيها لأنها إنما تعتد من نكاح فاسد ولو أسلم في بقية العدة الأولى ثبت النكاح ( قال الشافعي ) وإذا كانت الزوجة المرتدة فأشارت بالإسلام إشارة تعرف وصلت فخلي بينها وبين زوجها فأصابها فقالت كانت إشارتي بغير الإسلام وصلاتي في غير الإسلام لم تصدق على فسخ النكاح وجعلت الآن مرتدة تستتاب وإلا تقتل فإن رجعت في عدتها إلى الإسلام ثبتا على النكاح ( قال الشافعي ) وإن كان الزوج المرتد فهرب واعتدت المرأة فجاء مسلما وزعم أن إسلامه كان قبل إتيانه بشهر وذلك الوقت قبل مضي عدة زوجته وقد انقضت عدتها فأنكرت إسلامه إلا في وقت خرجت فيه من العدة فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة وإذا انفسخت العقدة بين الكافرين يسلم أحدهما أو المسلمين يرتد أحدهما بانقضاء العدة تزوجت المرأة مكانها وتزوج الرجل أختها وأربعا سواها .
الفسخ بين الزوجين بالكفر ولا يكون إلا بعد انقضاء العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن نصرانيين أو يهوديين من بني إسرائيل كانا زوجين فأسلم الزوج كان النكاح كما هو لأن اليهودية والنصرانية حلال للمسلم لا يحرم عليه ابتداء نكاحها ولو كانت المرأة المسلمة كانت المسألة فيها كالمسألة في الوثنيين تسلم المرأة فيحال بين زوج هذه وبينها فإن أسلم وهي في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة انقطعت العصمة بينهما وإن لم يكن دخل بها انقطعت العصمة بسبقها إياه إلى الإسلام لأنها لا عدة عليها ولو أن مسلما تحته يهودية أو نصرانية فارتدت فتمجست أو تزندقت فصارت في حال من لا تحل له كانت في فسخ النكاح كالمسلمة ترتد إن
[ ص: 53 ] عادت إلى الدين الذي خرجت منه من اليهودية أو النصرانية قبل مضي العدة حلت له وإن لم تعد حتى تنقضي العدة فقد انقطعت العصمة بينهما فأما من دان دين اليهود والنصارى من العرب والعجم غير بني إسرائيل في فسخ النكاح وما يحرم منه ويحل فكأهل الأوثان وعدة الحرة سواء مسلمة كانت أو كتابية أو وثنية تحت وثني أسلم ولم يسلم إذا حكمنا عليه وعدة كل أمة سواء مسلمة أو كتابية ولا يحل نكاح أمة من أهل الكتاب لمسلم أو أمة حربية لحر حربي كل من حكمنا عليه فإنما نحكم عليه حكم الإسلام ولو كان الزوجان حربيين كتابيين فأسلم الزوج كانا على النكاح وأكره نكاح أهل الحرب ولو نكح وهو مسلم حربية كتابية لم أفسخه وإنما كرهته لأني أخاف عليه هو أن يفتنه أهل الحرب على دينه أو يظلموه وأخاف على ولده أن يسترق أو يفتن عن دينه فأما أن تكون الدار تحرم شيئا أو تحله فلا ولو حرم عليه وحل بالدار لزمه أن يحرم عليه نكاح مسلمة مقيمة في دار الحرب وهذا لا يحرم عليه الدار لا تحل شيئا من النكاح ولا تحرمه إنما يحله ويحرمه الدين لا الدار .
الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة
قال الله تبارك وتعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن ابن شهاب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن } أخبرني الثقة ابن علية أو غيره عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه { أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا وفارق أو دع سائرهن } أخبرني من سمع محمد بن عبد الرحمن يخبر عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن نوفل بن معاوية ( قال الشافعي ) فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن انتهاء الله عز وجل في العدد بالنكاح إلى أربع تحريم أن يجمع رجل بنكاح بين أكثر من أربع ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الخيار فيما زاد على أربع إلى الزوج فيختار إن شاء الأقدم نكاحا أو الأحدث وأي الأختين شاء كان العقد واحدا أو في عقود متفرقة لأنه عفا لهم عن سالف العقد ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل غيلان عن أيهن نكح أولا ثم جعل له حين أسلم وأسلمن أن يمسك أربعا ولم يقل الأوائل أو لا ترى أن نوفل بن معاوية يخبر أنه طلق أقدمهن صحبة ويروى { عن الديلمي أو ابن الديلمي أنه أسلم وعنده أختان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك أيتهما شاء ويطلق الأخرى } فدل ما وصفت على أنه يجوز كل عقد نكاح في الجاهلية كان عندهم نكاحا إذا كان يجوز مبتدؤه في الإسلام بحال وأن في العقد شيئين أحدهما العقد الفائت في الجاهلية والآخر المرأة التي تبقى بالعقد فالفائت لا يرد إذا كان الباقي بالفائت يصلح بحال وكان ذلك كحكم الله تعالى في الربا قال الله تعالى { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } ولم يجز أن يقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك الأوائل لأن عقدهن صحيح وذلك أنه ليس من عقد الجاهلية صحيح لمسلم لأنه بشهادة أهل الشرك ولكنه كما وصفت معفو لهم عنه كما عفي عما مضى من الربا فسواء ما كان عندهم لا يختلف فكان في أمر الله عز وجل برد ما بقي من الربا دليل على أن ما قبض منه في الجاهلية لا يرد لأنه تم في الجاهلية وأن ما عقد ولم يتم بالقبض حتى جاء الإسلام يرد فكذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمام العقد عندهم وإن كان لا يصلح أن يعقد مثله في الإسلام بحال فإذا
[ ص: 54 ] كان يصلح أن يعقد نكاح المنكوحة في الإسلام بحال تمت وأمر أن يمسك بالعقد في الجاهلية وإذا كان لا يصلح أن يبتدأ في الإسلام بحال كان الاستمتاع بها لأنها عين قائمة لا يجوز كما لا يجوز أخذ الربا في الإسلام لأنه عين قائمة لم تفت .
نكاح المشرك
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فأي مشرك عقد في الشرك نكاحا بأي وجه ما كان العقد وأي امرأة كانت المنكوحة فأسلم متأخر الإسلام من الزوجين والمرأة في عدتها حتى لا تكون العدة منقضية إلا وهما مسلمان فإن كان يصلح للزوج ابتداء نكاحها ساعة اجتمع إسلامهما بحال فالنكاح ثابت ولا يكون للزوج فسخه إلا بإحداث طلاق وإن كان لا يصلح للزوج ابتداء نكاحها حين يجتمع إسلامهما بحال فالنكاح في الشرك منفسخ فلو جاءت عليها بعد اجتماع إسلامهما مدة يحل بها ابتداء نكاحها لم يحل نكاح الشرك ويحل بابتداء نكاح غيره في الإسلام إلا ما ذكرنا أنه يزيد على أربع من النساء فإن ذلك معنى غير هذا ولا ينظر إلى عقده في الشرك بولي أو غير ولي أو شهود أو غير شهود وبأي حال كان يفسد فيها في الإسلام أو نكاح محرم أو غيره مما عقد إلى غير مدة تنقطع بغير الموت وسواء في هذا نكاح الحربي والذمي والموادع وكذلك هم سواء في المهور والطلاق والظهار والإيلاء ويختلف المعاهد وغيره في أشياء نبينها إن شاء الله تعالى .
تفريع نكاح أهل الشرك
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا نكح الرجل المرأة في عدتها في دار الحرب مشركين فأنظر إذا اجتمع إسلامهما فإن كانت خارجة من العدة فالنكاح ثابت لأنه يصلح له حينئذ ابتداء نكاحها وإن كانت في شيء من العدة فالنكاح مفسوخ وليس لها أن تنكحه ولا غيره حتى تكمل العدة لأنه ليس له حينئذ أن يبتدئ نكاحها فإن كان أصابها في العدة أكملت العدة منه وتدخل فيها العدة من الذي قبله لأنهما لو لم يجتمع إسلامهما إلا بعد مضي عدتها من الأول أثبت النكاح ولم أرده بالعدة كما أرده في الإسلام بالعدة مكانه وبعد مدة طويلة ولو اجتمع إسلام الأزواج وعنده أربع إماء فإن كان موسرا فنكاحهن كلهن منفسخ وكذلك إن كان معسرا لا يخاف العنت فإن كان معسرا لا يجد ما ينكح به حرة ويخاف العنت أمسك أيتهن شاء وانفسخ نكاح البواقي وإن أسلم بعضهن بعده فسواء ينتظر إسلام البواقي فمن اجتمع إسلامه وإسلام الزوج قبل مضي عدة المسلمة كان له الخيار فيه
ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها فإن كان دخل بواحدة منهما فنكاحهما عليه محرم على الأبد إن كان دخل بالأم فالبنت ربيبته من امرأة قد دخل بها وإن كان دخل بالبنت فالأم أم امرأة قد دخل بها فإن لم يكن دخل بواحدة منهن كان له أن يمسك البنت إن شاء ولم يكن له أن يمسك الأم أولا كانت أو آخرا إذا ثبت له العقدان في الشرك إذا جاز أحدهما في الإسلام بحال جاز نكاح البنت بعد الأم إذا لم يدخل بالأم ولا يجوز نكاح الأم وإن لم يدخل بالبنت لأنها مبهمة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (196)
صــــــــــ 55 الى صـــــــــــ 61
ولو أسلم رجل وعنده أم وابنتها قد وطئهما [ ص: 55 ] بملك اليمين
حرم عليه وطؤهما إلى الأبد . ولو كان وطئ الأم حرم عليه وطء البنت ، ولو كان وطئ البنت حرم عليه وطء الأم ويمسكهن في ملكه وإن حرمت عليه فروجهن أو فرج من حرم فرجه منهن .
ولو أسلم وعنده امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها قد دخل بهما أو لم يدخل أو دخل بإحداهما ولم يدخل بالأخرى كان ذلك كله سواء ويمسك أيتهما شاء ويفارق الأخرى ولا يكره من هاتين إلا ما يكره من الجمع بين الأختين وكل واحدة منهما حلال على الانفراد بعد صاحبتها وهكذا الأختان إذا أسلم وهما عنده لا يخالفان المرأة وعمتها والمرأة وخالتها
( قال الشافعي ) ولو أسلم وعنده أمة وحرة أو إماء وحرة فاجتمع إسلامهن في العدة فنكاح الإماء مفسوخ والحرة ثابت معسرا يخاف العنت كان أو غير معسر ولا بخائف للعنت لأن عنده حرة فلا يكون له ابتداء نكاح أمة بحال ولو كانت المسألة بحالها فطلق الحرة قبل أن تسلم أو بعدما أسلمت وقد أسلم أو لم يسلم ثلاثا وكان معسرا يخاف العنت ثم اجتمع إسلامه وإسلام الإماء وقف نكاحهن فإن اجتمع إسلامه وإسلام الحرة في عدتها فنكاح الإماء مفسوخ والحرة طالق ثلاثا لأنا قد علمنا أنها زوجة ولها المهر الذي سمي لها إن كان دخل بها ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن لم يجتمع إسلامهما حتى تنقضي عدتها فنكاح الحرة مفسوخ بغير طلاق والطلاق غير واقع عليها لأنا قد علمنا إذا مضت العدة قبل أن يجتمع إسلامهما أنه طلق غير زوجة ويختار من الإماء واحدة إذا كان له أن يبتدئ نكاح أمة فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن وهو ممن ليس له أن يبتدئ نكاح أمة انفسخ نكاحهن معا
ولو كان عنده إماء أو أمة فأسلم وهو ممن له أن يبتدئ نكاح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام الأمة في حال يكون له فيها ابتداء نكاح أمة كان له أن يمسك من الإماء اللاتي اجتمع إسلامهن وإسلامه وله نكاح أمة ، وإن أسلم بعضهن قبل بعض وأيسر بعد عسر بحرة لم يحرم عليه إمساك واحدة منهن لأني أنظر إلى حاله حين اجتمع إسلامه وإسلامهن ، وإن اختلف وقت إسلامهن فأيهن كان إسلامه وهو يحل له ابتداء نكاحه كان له أن يمسك واحدة من الإماء ولم يجز له أن يمسك واحدة من اللاتي أسلمن وهو لا يحل له إمساك واحدة منهن ، وإذا كانت عنده أمة وحرائر أو حرائر وإماء وهو ممن له أن ينكح أمة فاجتمع إسلامه وإسلام أمة أو أكثر من الإماء وقف عنهن ، فإن أسلمت حرة في عدتها فقد انفسخ نكاح الإماء كلهن اللاتي أسلمن وتخلفن وإن لم تسلم واحدة من الحرائر حتى تنقضي عددهن اختار من الإماء واحدة إن كن أكثر من واحدة وثبتت عنده واحدة إن لم يكن غيرها ولو اجتمع إسلامه وإسلام أمة أو إماء فعتقن بعد اجتماع إسلامه وإسلام حرة وقفناهن فإن أسلمت الحرة في العدة فنكاحهن منفسخ وإن لم يجتمع إسلامه وإسلام حرة في عدة اختار من الإماء واحدة إذا كان ممن يحل له نكاح الإماء لأني إنما أنظر إلى يوم يجتمع إسلامه وإسلامها فإن كان يجوز له في ذلك الوقت ابتداء نكاحها جعلت له إمساكها إن شاء وإن كان ممن لا يجوز له ابتداء نكاحها لم أثبت نكاحها معه بالعقد الأول بمدة تأتي بعدها ولو عتقن قبل أن يسلمن كن كمن ابتدأ نكاحه وهن حرائر وكذلك لو أسلمن هن وهو كافر فلم يجتمع إسلامه وإسلامهن حتى يعتقن كان كمن ابتدأ نكاحه وهن حرائر
ولو كان عند عبد أربع إماء فأسلم وأسلمن قيل له أمسك اثنتين وفارق سائرهن ، ولو كان عنده حرائر فاجتمع إسلامه وإسلامهن ولم ترد واحدة منهن فراقه قيل له أمسك اثنتين وفارق سائرهن ، وكذلك إن كن إماء وحرائر مسلمات أو كتابيات ولو كن إماء فعتقن قبل إسلامه فاخترن فراقه كان ذلك لهن لأنه يكون لهن بعد إسلامه وعددهن عدد حرائر فيحصين من يوم اخترن فراقه فإذا اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر ومن يوم اخترن فراقه وإن لم يجتمع [ ص: 56 ] إسلامه وإسلامهن في العدة فعددهن عدد حرائر من يوم أسلم متقدم الإسلام منهما لأن الفسخ كان من يومئذ إذا لم يجتمع إسلامهما في العدة وعددهن عدد حرائر بكل حال لأن العدة لم تنقض حتى صرن حرائر وإن لم يكن اخترن فراقه ولا المقام معه خيرن إذا اجتمع إسلامه وإسلامهن معا . وإن تقدم إسلامهن قبل إسلامه فاخترن المقام معه ثم أسلم خيرن حين يسلم وكان لهن أن يفارقنه وذلك أنهن اخترن المقام معه ولا خيار لهن إنما يكون لهن الخيار إذا اجتمع إسلامهن وإسلامه ولو اجتمع إسلامه وإسلامهن وهن إماء ثم عتقن من ساعتهن ثم اخترن فراقه لم يكن ذلك لهن إذا أتى عليهن أقل أوقات الدنيا وإسلامهن وإسلامه مجتمع . ولو اجتمع إسلامهن وإسلامه وعتقهن وعتقه معا لم يكن لهن خيار ، وكذلك لو اجتمع إسلامهن وإسلامه فعتقن فلم يخترن حتى يعتق الزوج لم يكن لهن خيار .
ولو كان عند عبد أربع حرائر فاجتمع إسلامه وإسلام الأربع معا كأنهن أسلمن معه في كلمة واحدة أو متفرقات ثم عتقن قيل له اختر اثنتين وفارق اثنتين ، وسواء أعتق في العدة أو بعد ما تنقضي عددهن لأنه كان يوم اجتمع إسلامه وإسلامهن مملوكا ليس له أن يجاوز اثنتين : قال وكذلك لو اجتمع إسلامه وإسلام اثنتين في العدة ثم عتق ثم أسلمت الاثنتان الباقيتان في العدة لم يكن له أن يمسك إلا اثنتين ، أي الاثنتين شاء ، اللتين أسلمتا أولا أو آخرا لأنه عقد في العبودية وإنما يثبت له عقد العبودية مع اجتماع إسلامه وإسلام أزواجه قبل مضي العدة فلا يثبت له بعقد العبودية إلا اثنتان ، وإذا اختار اثنتين فهو ترك للاثنتين اللتين اختار غيرهما وله أن ينكحهما مكانه إن شاءتا وذلك أن هذا ابتداء نكاح بعد إذ صار حرا فله في الحرية الجمع بين أربع
وإذا نكح المملوك المملوكة في الشرك ثم أعتق فملكها أو بعضها أو أعتقت فملكته أو بعضه ثم اجتمع إسلامهما معا في العدة وقد أقام في الكفر على النكاح فلا نكاح بينهما
وإذا تزوج الرجل في الشرك فأصاب امرأته ثم أسلم الزوج قبل المرأة أو المرأة قبل الزوج فسواء والنكاح موقوف على العدة فإذا أسلم المتأخر الإسلام منهما قبل أن تنقضي عدة المرأة والنكاح مما يصلح ابتداؤه في الإسلام ولم يكن فيهن من لا يصلح الجمع بينه فالنكاح ثابت ، وهكذا إن كن حرائر ما بين واحدة إلى أربع ولا يقال للزوج اختر وهن أزواجه فإن شاء أمسك وإن شاء طلق وإن مات ورثنه وإن متن ورثهن فإن قال قد فسخت نكاحهن أو نكاح واحدة منهن وقف ، فإن قال أردت إيقاع طلاق وقع عليه الطلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق ، وإن قال عنيت أن نكاحهن كان فاسدا لم يكن طلاقا ويحلف ما كانت إرادته إحداث طلاق وإن كانت عنده أكثر من أربع فأسلم وأسلمت واحدة في العدة فقال قد اخترت حبسها ثم أسلمت أخرى فقال قد اخترت حبسها حتى يقول ذلك في أربع كان ذلك له وثبت نكاحهن باختياره لهن وكان نكاح الزوائد على الأربع منفسخا ولو قال كلما أسلمت واحدة قد اخترت فسخ نكاحها وقف فسخه فإن أسلمن معا أو لم يقل من هذا شيئا حتى أسلمن معا أو بعضهن قبل بعض غير أن كل واحدة منهن أسلمت قبل أن تنقضي عدتها خير فقيل أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق سائرهن لأن اختيارك فسخ لمن فسخت ولم يكن لك فسخهن إلا بأن تريد طلاقا ولا عليك فسخ نكاحهن فإذا أمسك أربعا فقد انفسخ نكاح من زاد عليهن بلا طلاق لأنه يجبر على أن يفارق ما زاد على أربع فلا يكون طلاقا ما جبر عليه وإنما أثبتنا له العقد باختياره فإن السنة جعلت له الخيار في إمساك أيتهن شاء فاتبعنا السنة قال والاختيار أن يقول قد أمسكت فلانة أو قد أمسكت بعقد فلانة أو قد أثبت عقد فلانة أو ما أشبه هذا فإذا قال هذا في أربع انفسخ عقد من زاد عليهن ، ولو قال رجعت فيمن اخترت إمساكه منهن واخترت البواقي كان البواقي براء منه لا سبيل له [ ص: 57 ] عليهن إلا بنكاح جديد ووقفناه عند قوله : رجعت فيمن اخترت فإن قال أردت به طلاقا فهو طلاق وهو ما أراد من عدد الطلاق وإن قال لم أرد به طلاقا أردت أني رأيت الخيار لي أو غير ذلك حلف ما أراد به طلاقا ولم يكن طلاقا ( قال الشافعي ) وعلى اللاتي فسخ نكاحهن باختيار غيرهن عدة مستقبلة من يوم انفسخ نكاحهن لأنهن مدخول بهن انفسخ نكاحهن ، وإن قال ما أردت بقولي قد أثبت عقد فلانة واللاتي قال ذلك لهن معا أو اخترت فلانة أو ما قاله مما يشبه هذا الكلام إثبات عقدهن دون البواقي انفسخ عقد البواقي في الحكم ولم يدن فيه ويثبت عقد اللواتي أظهر اختيارهن ووسعه إصابتهن لأن نكاحهن ثابت لا يزول إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه إنما يفسخه اختيار غيرهن وهو لم يختر غيرهن ، وأحب إلي أن يحدث لهن اختيارا فيكون ذلك فسخا للبواقي اللاتي فسخ عقدهن في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل فيسعه حبس اللاتي فسخناهن عليه بأن يحدث لهن اختيارا أو يفسخ فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى نكاح اللاتي حكمنا له بهن ( قال الشافعي ) والحكم كما وصفت فلو اختار أربعا ثم قال لم أرد اختيارهن وقد اخترت الأربع البواقي ألزمناه الأربع اللاتي اختار أولا وجعلنا اختياره الآخر باطلا كما لو نكح امرأة فقال ما أردت بنكاحها عقد نكاح ألزمناه إياه لأنه الظاهر من قوله وهو أبين أنه له حلال من المرأة يبتدئ نكاحها لأن نكاحهن ثابت إلا بأن يفسخه وهو لم يفسخه
قال ولو أسلم وثمان نسوة له فقال قد فسخت عقد أربع بأعيانهن ثبت عقد اللاتي لم يفسخ عقدهن ، ولم أحتج إلى أن يقول قد أثبت عقد البواقي ولا اخترت البواقي كما لا أحتاج إذا كن أربعا فأسلم وأسلمن إلى أن يقول قد أثبت عقدهن وهن ثوابت بالعقد الأول واجتماع إسلام الزوجين في العدة .
قال وإذا أسلم وعنده أربع منهن أختان وامرأة وعمتها قيل له أمسك أي الأختين شئت وإحدى المرأتين بنت الأخ أو العمة وفارق اثنتين ( قال الشافعي ) وإن كان معه أربع نسوة سواهن قيل له أمسك أربعا ليس لك أن يكون فيهن أختان معا أو المرأة وعمتها معا
قال ولو أسلم وعنده حرائر يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل كن كالحرائر المسلمات لأنه يصلح له أن يبتدئ نكاحهن كلهن ، ولو كن يهوديات أو نصرانيات من غير بني إسرائيل من العرب أو العجم انفسخ نكاحهن كلهن وكن كالمشركات الوثنيات إلا أن يسلمن في العدة ولو كن منبني إسرائيل يدن غير دين اليهود والنصارى من عبادة وثن أو حجر أو مجوسية لم يكن له إمساك واحدة منهن لأنه لا يكون له ابتداء نكاحهن قال وكذلك لو كن إماء يهوديات أو نصرانيات من بني إسرائيل انفسخ نكاحهن لأنه لا يصلح له أن يبتدئ نكاحهن في الإسلام
( قال الشافعي ) ولو أسلم رجل وعنده أكثر من أربع نسوة قد أصاب منهن أربعا ولم يصب أربعا وأسلمن قبله أو بعده غير أن إسلام اللاتي لم يدخل بهن كلهن كان قبله أو بعده فالعصمة بينه وبين اللاتي لم يدخل بهن منقطعة ونكاح اللاتي دخل بهن ثابت وهو كرجل أسلم وعنده أربع نسوة ليس عنده غيرهن ( قال الشافعي ) ولو كانت المسألة بحالها فأسلمن قبله أو أسلم قبلهن ثم أصاب واحدة من اللاتي لم يدخل بهن كانت إصابته إياها محرمة وعليه لها مهر مثلها للشبهة وذلك أنها بعد انقطاع العصمة بينهما ولم يكن له أن يمسكها وكان له أن يبتدئ نكاحها إذا لم يكن عنده أربع سواها ولا من يحرم أن يجمع بينها وبينه ولها عليه صداق مثلها بالإصابة وعليها العدة والولد لاحق إن كان ولد ولا حد على واحد منهما للشبهة .
[ ص: 58 ] ترك الاختيار والفدية فيه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أسلم الرجل وعنده أربع نسوة أو أكثر فأسلم بعضهن فسأل أن يخير فيهن وفي البواقي لم نقفه في التخيير حتى يسلم البواقي في عددهن أو تنقضي عددهن قبل أن يسلمن ثم يخير إذا اجتمع إسلامه وإسلام أكثر من أربع فيهن وله أن يختار إمساك أربع من اللاتي أسلمن فيكون ذلك فسخا لنكاح البواقي المتخلفات عن الإسلام أسلمن أو لم يسلمن ، وكذلك لو اختار واحدة أو اثنتين ينتظر من بقي ويكون له الخيار فيمن بقي حتى يكمل أربعا ، وإن كن ثمانيا فأسلم أربع فقال قد اخترت فسخ نكاحهن وحبس البواقي غيرهن وقفت الفسخ فإن أسلم الأربع البواقي في عددهن فعقد الأوائل منفسخ بالفسخ المتقدم وإن مضت عددهن قبل أن يسلمن فهي كالمسألة قبلها فإن كان أراد به إيقاع طلاق فهو طلاق وإن لم يرد به إيقاع طلاق حلف وكن نساءه
[ ص: 59 ] من ينفسخ نكاحه من قبل العقد ومن لا ينفسخ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أسلم وعنده امرأة عقد نكاحها غير مطلق وأسلمت لم يكن له أن يثبت على نكاحها لأنها لم يعقد عليها عقد نكاح وذلك أن يكون نكاحها متعة والناكح متعة لم يملك أمرا لامرأة على الأبد إنما ملكها مدة دون مدة أو نكحها على أنها بالخيار أو أن رجلا أو امرأة غيرها بالخيار أو أنه هو بالخيار لأن هذا كله في معنى أنه لم يملك أمرها بالعقد مطلقا ولو أبطلت الناكحة متعة شرطها على الزوج قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما لم تكن امرأته لأنه لم يعقد لها على الأبد ولم يكن شرطه عليها في العقد ولو اجتمعت هي وهو فأبطلا الشرط قبل أن يسلم واحد منهما ثم أسلما معا فالنكاح مفسوخ إلا أن يبتدئا نكاحا في الشرك غيره قال وهكذا كل ما ذكرت معه من شرط الخيار له أو لها أو لهما معا أو لغيرهما منفردا أو معهما لم يكن النكاح مطلقا إذا أبطلاه وإذا لم يبطلاه لم يثبت ولا يخالف نكاح المتعة في شيء ولو أن رجلا نكح امرأة في الشرك بغير شهود أو بغير ولي محرم لها فأسلما أو أي نكاح أفسدناه في الإسلام بحال غير ما وصفت من النكاح الذي لا نملكه فيه أمرها على الأبد وكان ذلك عندهم نكاحا جائزا وإن كانوا ينكحون أجوز منه ثم اجتمع إسلامهما في العدة ثبتا على النكاح ولو أن رجلا غلب على امرأة بأي غلبة كانت أو طاوعته فأصابها وأقام معها أو ولدت منه أو لم تلد منه ولم يكن ذلك نكاحا عندهم ثم أسلما في العدة لم يكن ذلك نكاحا عندهم وفرق بينهما عندهم ولا مهر لها عليه إلا أن يصيبها بعدما يسلم على وجه شبهة فلها عليه مهر مثلها لأني لا أقضي لها عليه بشيء فائت في الشرك لم يلزمه إياه نكاحها إذا لم يكن عندهم أو عنده إذا لم يكونا معاهدين يجري عليهما الحكم وهذا كله إذا نكح مشركة وهو مشرك ( قال الشافعي ) فإن كان مسلما فنكح مشركة وثنية أو مشركا فنكح مسلمة فأصابها ثم اجتمع إسلامهما في العدة فالنكاح ينفسخ بكل حال لأن العقد محرم باختلاف الدينين ولا يثبت إلا بنكاح مستقبل . ولو كان طلقها في الشرك في المسألتين معا لم يلزمها الطلاق
( قال الشافعي ) وإذا أسلم الرجل من أهل الحرب وامرأته كافرة ثم ارتد عن الإسلام قبل أن تسلم امرأته فإن أسلمت امرأته قبل أن تنقضي عدتها وعاد إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها حتى يكونا في العدة مسلمين معا فهما على النكاح . وإن أسلم قبلها ثم ارتد ثم أسلم ولم تنقض العدة ثم أسلمت في العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد انفسخ النكاح ، ولو أسلمت وهو مرتد فمضت عدتها وهو على ردته انفسخ ولو عاد بعد انقضاء عدتها إلى الإسلام فقد انفسخ نكاحها وانقضت عدتها وتنكح من شاءت والعدة من يوم أسلم وهكذا إن كانت هي المسلمة أو لا فارتدت لا يختلفان وسواء أقام المرتد منهما في دار الإسلام أو لحق بدار الشرك أو عرض عليه الإسلام أو لم يعرض إذا أسلم المرتد عن الإسلام قبل انقضاء عدة المرأة فهما على النكاح ، قال وتصدق المرأة المرتدة على انقضاء عدتها في كل ما أمكن مثله كما تصدق المسلمة عليها في كل ما أمكن كانت هي المرتدة أو الزوج فإن كان الزوج لم يصبها فارتد أو ارتدت انفسخ النكاح بينهما بردة أيهما كان لأنه لا عدة فإن كان هو المرتد فلها نصف الصداق لأن فساد النكاح كان من قبله ، ولو كانت هي المرتدة فلا [ ص: 60 ] صداق لها لأن فساد النكاح كان من قبلها وسواء في هذا كل زوجين
( قال الشافعي ) وردة السكران من الخمر والنبيذ المسكر في فسخ نكاح امرأته كردة المصحي وردة المغلوب على عقله من غير المسكر لا تفسخ نكاحا .
طلاق المشرك
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد نكاح الشرك وأقر أهله عليه في الإسلام لم يجز - والله تعالى أعلم - إلا أن يثبت طلاق الشرك لأن الطلاق يثبت بثبوت النكاح ويسقط بسقوطه فلو أن زوجين أسلما وقد طلق الزوج امرأته في الشرك ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وإن أصابها بعد الطلاق ثلاثا في الشرك لم يكن لها صداق لأنا نبطل عنه ما استهلكه لها في الشرك ( قال الشافعي ) ولو أسلم ثم أصابها بعد طلاق ثلاث كانت عليها العدة ولحق الولد وفرق بينهما ولها مهر مثلها ( قال الربيع ) إذا كان يعذر بالجهالة ( قال الشافعي ) وإن طلقها واحدة أو اثنتين ثم أسلما حسب عليه ما طلقها في الشرك وبنى عليها في الإسلام ، ولو طلقها ثلاثا في الشرك ثم نكحت زوجا غيره فإن أصابها ثم طلقها أو مات عنها ثم نكحها زوجها الذي طلقها كانت عنده على ثلاث كما تكون في الإسلام إذا كان النكاح صحيحا عندهم نثبته في الإسلام وذلك أن لا تنكح محرما ولا متعة ولا في معناها . قال ولو آلى منها في الشرك ثم أسلما قبل مضي الأربعة الأشهر فإذا استكمل أربعة أشهر من إيلائه وقف كما يوقف من آلى في الإسلام ( قال الشافعي ) ولو مضت الأربعة الأشهر قبل أن يسلما ثم أسلما ثم طلبت أن يوقف وقف مكانه لأن أجل الإيلاء قد مضى ولو تظاهر منها في الشرك ثم أسلما وقد أصابها قبل الإسلام أو بعده أو لم يصبها أمرته باجتنابها حتى يكفر كفارة الظهار ، قال ولو قذفها في الشرك ثم أسلما ثم ترافعا قلت له التعن ولا أجبره على اللعان ولا أحده إن لم يلتعن ولا أعزره فإن التعن فرقت بينهما مكاني ولم آمرها بالالتعان لأنه لا حد عليها لو أقرت بالزنا في الشرك وليس لها معنى في الفرقة إنما الفرقة بالتعانه وإن لم يلتعن فسواء أكذب نفسه أو لم يكذبها لم أجبره عليه ولم أحده ولم أعزره لأنه قذفها في الشرك حيث لا حد عليه ولا تعزير ، ولو قال لها في الشرك أنت طالق إن دخلت الدار ثم دخلتها في الشرك أو الإسلام طلقت ويلزمه ما قال في الشرك كما يلزمه ما قال في الإسلام لا يختلف ذلك .
ولو تزوج امرأة في الشرك بصداق فلم يدفعه إليها أو بلا صداق فأصابها في الحالين ثم ماتت قبل أن يسلم ثم أسلم زوجها وطلب ورثتها صداقها الذي سمي لها أو صداق مثلها لم يكن لهم منه شيء لأني لا أقضي لبعضهم على بعض بما فات في الشرك والحرب .
نكاح أهل الذمة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وعقد نكاح أهل الذمة فيما بينهم ما لم يترافعوا إلينا كنكاح أهل الحرب ما استجازوه نكاحا ثم أسلموا لم نفسخه بينهم إذا جاز ابتداؤه في الإسلام بحال ، وسواء كان بولي أو غير ولي وشهود أو غير شهود ، وكل نكاح عندهم جائز أجزته إذا صلح ابتداؤه في الإسلام [ ص: 61 ] بحال قال وهكذا إن نكحها في العدة وذلك جائز عندهم ثم لم يسلما حتى تمضي العدة وإن أسلما في العدة فسخت نكاحهما لأنه لا يصلح ابتداء هذا في الإسلام بحال وإن نكح محرما له أو امرأة أبيه ثم أسلما فسخته لأنه لا يصلح ابتداؤه في الإسلام بحال وكذلك إن نكح امرأة طلقها ثلاثا قبل أن تتزوج زوجا غيره يصيبها ، وإذا أسلم أحدهم وعنده أكثر من أربع نسوة قيل له أمسك أي الأربع شئت وفارق سائرهن ( قال الشافعي ) وكذلك مهورهن فإذا أمهرها خمرا أو خنزيرا أو شيئا مما يتمول عندهم ميتة أو غيرها مما له ثمن فيهم فدفعه إليها ثم أسلم فطلبت الصداق لم يكن لها غير ما قبضت إذا عفيت العقدة التي يفسد بها النكاح فالصداق الذي لا يفسد به النكاح أولى أن يعفى فإذا لم تقبض من ذلك شيئا ثم أسلما فإن كان الصداق مما يحل في الإسلام فهو لها لا تزاد عليه وإن كان مما لا يحل فلها مهر مثلها ، وإن كانت قبضته وهو مما لا يحل ثم طلقها قبل الدخول أو بعد إسلامهما لم يرجع عليها بشيء وهكذا إن كانت هي المسلمة وهو المتخلف عن الإسلام لا يأخذ مسلم حراما ولا يعطيه . قال وإن كانت لم تقبضه ثم أسلما وطلقها رجعت عليه بنصف مهر مثلها . وإذا أسلم هو وهي كتابية فهما على النكاح .
وإذا تناكح المشركون ثم أسلموا لم أفسخ نكاح واحد منهم
وإن نكح يهودي نصرانية أو نصراني مجوسية أو مجوسي يهودية أو نصرانية أو وثني كتابية أو كتابي وثنية لم أفسخ منه شيئا إذا أسلموا ( قال الشافعي ) وكذلك لو كان بعضهم أفضل من بعض نسبا فتناكحوا في الشرك نكاحا صحيحا عندهم ثم أسلموا لم أفسخه بتفاضل النسب ما كان التفاضل إذا عفي لهم عما يفسد العقدة في الإسلام فهذا أقل من فسادها .
وإذا كانت نصرانية تحت وثني أو وثنية تحت نصراني فلا ينكح الولد ولا تؤكل ذبيحة الولد ولا ينكحها مسلم لأنها غير كتابية خالصة ولا تسبى لذمة أحد أبويها ولو تحاكم أهل الكتاب إلينا قبل أن يسلموا وجب علينا الحكم بينهم كان الزوج الجائي إلينا أو الزوجة فإن كان النكاح لم يمض لم نزوجهم إلا بشهود مسلمين وصداق حلال وولي جائز الأمر أب أو أخ لا أقرب منه وعلى دين المزوجة وإذا اختلف دين الولي والمزوجة لم يكن لها وليا إن كان مسلما وهي مشركة لم يكن لها وليا ويزوجها أقرب الناس بها من أهل دينها فإن لم يكن لها قريب زوجها الحاكم لأن تزويجه حكم عليها ثم نصنع في ولاتهم ما نصنع في ولاة المسلمات وإن تحاكموا بعد النكاح فإن كان يجوز ابتداء نكاح المرأة حين تحاكمهم إلينا بحال أجزناه لأن عقده قد مضى في الشرك وقبل تحاكمهم إلينا وإن كان لا يجوز بحال فسخناه وإن كان المهر محرما وقد دفعه بعد النكاح لم يجعل لها عليه غيره وإن لم يدفعه جعلنا لها مهر مثلها لازما له قال ولو طلبت أن تنكح غير كفء وأبى ذلك ولاتها منعت نكاحه وإن نكحته قبل التحاكم إلينا لم نرده إذا كان مثل ذلك عندهم نكاحا لمضي العقد ( قال الشافعي ) وإذا تحاكموا إلينا وقد طلقها ثلاثا أو واحدة أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها حكمنا عليه حكمنا على المسلم عنده المسلمة وألزمناه ما نلزم المسلم ولا يجزيه في كفارة الظهار إلا رقبة مؤمنة وإن أطعم لم يجزه إلا إطعام المؤمنين ولا يجزيه الصوم بحال لأن الصوم لا يكتب له ولا ينفع غيره ولا حد على من قذف مشركة وإن لم يلتعن ويعزر ولو تحاكموا إلينا وقد طلقها ثلاثا ثم أمسكها فأصابها فإن كان ذلك جائزا عندهم جعلنا لها مهر مثلها بالإصابة وإن كان ذلك غير جائز عندهم فاستكرهها جعلنا لها مهر مثلها بالإصابة وإن كان [ ص: 62 ] عندهم زنا ولم يستكرها لم نجعل لها مهر مثلها وفرقنا بينهما في جميع الأحوال
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (197)
صــــــــــ 62 الى صـــــــــــ 68
( قال الشافعي ) وإذا زوج الذمي ابنه الصغير أو ابنته الصغيرة فهما على النكاح يجوز لهم من ذلك ما يجوز لأهل الإسلام
( قال الشافعي ) وإذا تزوجت المسلمة ذميا فالنكاح مفسوخ ويؤدبان ولا يبلغ بهما حد وإن أصابها فلها مهر مثلها وإذا تزوج المسلم كافرة غير كتابية كان النكاح مفسوخا ويؤدب المسلم إلا أن يكون ممن يعذر بجهالة وإن نكح كتابية من أهل الحرب كرهت ذلك له والنكاح جائز .
نكاح المرتد
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ارتد المسلم فنكح مسلمة أو مرتدة أو مشركة أو وثنية فالنكاح باطل أسلما أو أحدهما أو لم يسلما ولا أحدهما فإن أصابها فلها مهر مثلها والولد لا حق ولا حد وإن كان لم يصبها فلا مهر ولا نصف ولا متعة وإذا أصابها فلها مهر مثلها ولا يحصنها ذلك ولا تحل به لزوج لو طلقها ثلاثا لأن النكاح فاسد وإنما أفسدته لأنه مشرك لا يحل له نكاح مسلمة أو مشرك ولا يترك على دينه بحال ليس كالذمي الآمن على ذمة للجزية يؤديها ويترك على حكمه ما لم يتحاكم إلينا ولا مشرك حربي يحل تركه على دينه والمن عليه بعدما يقدر عليه وهو مشرك عليه أن يقتل وليس لأحد المن عليه ولا ترك قتله ولا أخذ ماله ( قال الشافعي ) ولا يجوز نكاح المرتدة وإن نكحت فأصيبت فلها مهر مثلها ونكاحها مفسوخ والعلة في فسخ نكاحها العلة في فسخ نكاح المرتد .
كتاب الصداق
أخبرنا الربيع بن سلمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي المطلبي قال : قال الله عز وجل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقال عز وجل { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف } وقال { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } وقال { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } وقال عز ذكره { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } وقال { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وقال { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } ( قال الشافعي ) فأمر الله الأزواج بأن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والأجر هو الصداق والصداق هو الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدد أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه المرء نفسه فلا يكون له حبس شيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله تعالى له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله تبارك وتعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم أبدا إلا بأن يلزمه المرء نفسه ويدخل بالمرأة وإن لم يسم مهرا فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاه يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب أو سنة أو إجماع واستدللنا بقول الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } [ ص: 63 ] أن عقد النكاح يصح بغير فريضة صداق وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من عقد نكاحه وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت فهذا دليل على الخلاف بين النكاح والبيوع والبيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير مهر استدللنا على أن العقد يصح بالكلام به وأن الصداق لا يفسد عقده أبدا فإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام فثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت وعلى أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية لقول الله عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } يريد - والله تعالى أعلم - النكاح والمسيس بغير مهر ودل قول الله عز وجل { وآتيتم إحداهن قنطارا } على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهي عن القنطار وهو كثير وتركه حد القليل ودلت عليه السنة والقياس على الإجماع فيه فأقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس وما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { أدوا العلائق قيل : وما العلائق يا رسول الله ؟ قال ما تراضى به الأهلون } .
( قال الشافعي ) ولا يقع اسم علق إلا على شيء مما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال ولا علق إلا على ما له قيمة يتبايع بها ويكون إذا استهلكها ` مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما يشبه ذلك والثاني كل منفعة ملكت وحل ثمنها ، مثل كراء الدار وما في معناها مما تحل أجرته .
( قال الشافعي ) والقصد في الصداق أحب إلينا وأستحب أن لا يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلبا للبركة في موافقة كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي { عن أبي سلمة قال سألت عائشة كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش ؟ قلت لا قالت نصف أوقية } أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أسهم الناس المنازل فطار سهم عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال له سعد تعال حتى أقاسمك مالي وأنزل لك عن أي امرأتي شئت وأكفيك العمل فقال له عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فخرج إليه فأصاب شيئا فخطب امرأة فتزوجها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على كم تزوجتها يا عبد الرحمن ؟ قال على نواة من ذهب فقال أولم ولو بشاة } .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك قال حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك { أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كم سقت إليها ؟ قال زنة نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة } ( قال الشافعي ) فكان بينا في كتاب الله عز وجل أن على الناكح الواطئ صداقا لما ذكرت ففرض الله في الإماء أن ينكحن بإذن أهلهن ويؤتين أجورهن والأجر الصداق وبقوله { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } وقال عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } الآية ( قال الشافعي ) خالصة بهبة ولا مهر فاعلم أنها للنبي صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين قال فأي نكاح وقع بلا مهر فهو ثابت ومتى قامت المرأة بمهرها فلها أن يفرض لها مهر مثلها وكذلك إن دخل بها الزوج ولم يفرض لها فلها مهر مثلها ولا يخرج الزوج من أن [ ص: 64 ] ينكحها بلا مهر ثم يطلق قبل الدخول فيكون لها المتعة وذلك الموضع الذي أخرج الله تعالى به الزوج من نصف المهر المسمى إذا طلق قبل أن يدخل بها وسواء في ذلك كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية وأمة مسلمة ومدبرة ومكاتبة وكل من لم يكمل فيه العتق قال الله عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فجعل الله تعالى الفرض في ذلك إلى الأزواج فدل على أنه برضا الزوجة لأن الفرض على الزوج للمرأة ولا يلزم الزوج والمرأة إلا باجتماعهما ولم يحدد فيه شيء فدل كتاب الله عز وجل على أن الصداق ما تراضى به المتناكحان كما يكون البيع ما تراضى به المتبايعان وكذلك دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجز في كل صداق مسمى إلا أن يكون ثمنا من الأثمان .
( قال الشافعي ) وكل ما جاز أن يكون مبيعا أو مستأجرا بثمن جاز أن يكون صداقا وما لم يجز فيهما لم يجز في الصداق فلا يجوز الصداق إلا معلوما ومن عين يحل بيعها نقدا أو إلى أجل وسواء قل ذلك أو كثر فيجوز أن ينكح الرجل المرأة على الدرهم وعلى أقل من الدرهم وعلى الشيء يراه بأقل من قيمة الدرهم وأقل ما له ثمن إذا رضيت المرأة المنكوحة وكانت ممن يجوز أمرها في مالها ( قال الشافعي ) يجوز أن تنكحه على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا أو يخدمها شهرا أو يعمل لها عملا ما كان أو يعلمها قرآنا مسمى أو يعلم لها عبدا وما أشبه هذا ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل ، فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس لها شيئا فقال ما أجد شيئا فقال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال ما أجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن } ( قال الشافعي ) وخاتم الحديد لا يسوى قريبا من الدراهم ولكن له ثمن يتبايع به ( قال الشافعي ) وبلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أدوا العلائق فقالوا وما العلائق ؟ قال ما تراضى به الأهلون } وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من استحل بدرهم فقد استحل } .
( قال الشافعي ) وبلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز نكاحا على نعلين } وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال في ثلاث قبضات من زبيب مهر ، أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال تسرى رجل بجارية فقال رجل هبها لي فذكر ذلك لسعيد بن المسيب فقال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا فما فوقه جوز ، أخبرنا إبراهيم بن محمد قال سألت ربيعة عما يجوز في النكاح فقال درهم فقلت فأقل ؟ قال ونصف قلت فأقل ؟ قال نعم وحبة حنطة أو قبضة حنطة .
في الصداق بعينه يتلف قبل دفعه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا تزوجها على شيء مسمى فذلك لازم له إن مات أو ماتت قبل أن يدخل بها أو دخل بها إن كان نقدا فالنقد وإن كان دينا فالدين أو كيلا موصوفا فالكيل أو عرضا موصوفا فالعرض ، وإن كان عرضا بعينه مثل عبد أو أمة أو بعير أو بقرة فهلك ذلك في يديه [ ص: 65 ] قبل أن يدفعه ثم طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف قيمته يوم وقع عليه النكاح وذلك يوم ملكته ما لم يحدث لها منعا فإن طلبته فمنعها منه فهو غاصب ولها قيمته أكثر ما كانت قيمته " .
قال الربيع " وللشافعي قول آخر أنه إذا أصدقها شيئا فتلف قبل أن تقبضه كان لها صداق مثلها كما لو اشترت منه شيئا فتلف قبل أن تقبضه رجعت بالثمن الذي أعطته وهكذا ترجع ببضعها وهو ثمن الشيء الذي أصدقها إياه وهو صداق المثل ( قال الربيع ) وهذا آخر قول الشافعي قال فإن نكحته على خياطة ثوب بعينه فهلك فلها عليه مثل أجر خياطة ذلك الثوب وتقوم خياطته يوم نكحها فيكون عليه مثل أجره ( قال الربيع ) رجع الشافعي عن هذا القول وقال لها صداق مثلها ( قال الربيع ) ( قال الشافعي ) وإذا أصدقها شيئا فلم يدفعه إليها حتى تلف في يده فإن دخل بها فلها صداق مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف صداق مثلها وإنما ترجع في الشيء الذي ملكته ببضعها فترجع بثمن البضع كما لو اشترت شيئا بدرهم فتلف الشيء رجعت بالذي أعطته لأنه لم يعطها العوض من ثمن الدرهم فكذلك ترجع بما أعطت وهو البضع . وهو صداق المثل وهو آخر قول الشافعي قال وإن نكحته على شيء لا يصلح عليه الجعل ، مثل أن تقول نكحتك على أن تأتيني بعبدي الآبق أو جملي الشارد فلا يجوز الشرط والنكاح ثابت ولها مهر مثلها لأن إتيانه بالضالة ليس بإجارة تلزمه ولا شيء له غاية تعرف وتمليكها إياه بضعها فهو مثل أن تعطيه دينارا على أن يفعل أحد هذين فإذا جاءها لما جعلت له عليه فله الدينار وإن لم يأتها به فلا دينار له ولا يملك الدينار إلا بأن يأتيها بما جعلت له عليه وهي هناك ملكته بضعها قبل أن يأتيها بما جعلت له قال وما جعلت لها فيه عليه الصداق إذا مات أو ماتت قبل إصابتها أو بعد إصابتها صداق مثلها فطلقها فيه قبل أن يدخل بها فلها نصف المسمى الذي جعل لها ونصف العين التي أصدقها إن كان قائما وإن فات فنصف صداق مثلها وذلك مثل أن يتزوجها على خياطة ثوب فيهلك فيكون لها نصف صداق مثلها لأن بضعها الثمن وإن انتقصت الإجارة بهلاكه كان لها نصف الذي كان ثمنا للإجارة كما يكون في البيوع قال وإذا أوفاها ما أصدقها فأعطاها ذلك دنانير أو دراهم ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصفه وإن هلك فنصف مثله ، وكذلك الطعام المكيل والموزون فإن لم يوجد له مثل فمثل نصف قيمته .
فيمن دفع الصداق ثم طلق قبل الدخول
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أصدق الرجل المرأة دنانير أو دراهم فدفعها إليها ثم طلقها قبل أن يدخل بها والدنانير والدراهم قائمة بأعيانها لم تغير وهما يتصادقان على أنها هي بأعيانها رجع عليها بنصفها وهكذا إن كانت تبرا من فضة أو ذهب فإن تغير شيء من ذلك في يدها إما بأن تدفن الورق فيبلى فينقص أو تدخل الذهب النار فينقص أو تصوغ الذهب والورق فتزيد قيمته أو تنقص في النار فكل هذا سواء ويرجع عليها بمثل نصفه يوم دفعه إليها لأنها ملكته بالعقدة وضمنته بالدفع فلها زيادته وعليها نقصانه فإن قال الزوج في النقصان أنا آخذه ناقصا فليس لها دفعه عنه إلا في وجه واحد إن كان نقصانه في الوزن وزاد في العين فليس له أخذه في الزيادة في العين وإنما زيادته في مالها أو تشاء [ ص: 66 ] هي في الزيادة أن تدفعه إليه زائدا غير متغير عن حاله فليس له إلا ذلك قال ولو كان أصدقها حليا مصوغا أو إناء من فضة أو ذهب فانكسر كان كما وصفت لها وعليها أن ترد عليه نصف قيمته يوم دفعه مصوغا ولو كان إناءين فانكسر أحدهما وبقي الآخر صحيحا كان فيها قولان أحدهما أن له أن يرجع بنصف قيمتهما إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها في الإناء الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك والآخر أنه شريك في الباقي ويضمنها نصف قيمة المستهلك لا شيء له غير ذلك وهذا أصح القولين .
ولو زادت هي فيهما صناعة أو شيئا أدخلته كان عليها أن تعطيه نصف قيمتهما يوم دفعهما إليها وإن كان الإناءان من فضة فانكسرا ثم طلقها رجع عليها بنصف قيمتهما مصوغين من الذهب وإن كانا من ذهب رجع عليها بنصف قيمتهما مصوغين من فضة لأنه لا يصلح له أن يأخذ ورقا بورق أكثر وزنا منها ولا يتفرقان حتى يتقابضا قال ولو كان الصداق فلوسا أو إناء من نحاس أو حديد أو رصاص لا يختلف هذا إلا في أن قيمة هذا كله على الأغلب من نقد البلد دنانير إن كان أو دراهم ويفارق الرجل فيه صاحبه قبل أن يقبض قيمتها لأنه لا يشبه الصرف ولا ما فيه الربا في النسيئة وكذلك لو أصدقها خشبة فلم تغير حتى طلقها كان شريكا لها بنصفها ولو تغيرت ببلاء أو عفن أو نقص ما كان النقص كان عليها أن تعطيه نصف قيمتها صحيحة إلا أن يشاء هو أن يكون شريكا لها بنصف جميع ما نقص من ذلك كله فلا يكون لها دفعه عن ذلك ناقصا والقول في الخشبة ، والخشبة معها كالقول في الإناء الذهب والآنية إذا هلك بعض وبقي بعض وكذلك إذا زادت قيمتها بأن تعمل أبوابا أو توابيت أو غير ذلك كانت لها ورجع عليها بنصف قيمتها يوم دفعها وإذا أرادت أن تدفع إليه نصفها أبوابا وتجعله شريكا في نصفها توابيت لم يكن ذلك عليه إلا أن يتطوع وإن كانت التوابيت والأبواب أكثر قيمة من الخشب لأن الخشب يصلح لما لا تصلح له التوابيت والأبواب وليس عليه أن يحول حقه في غيره وإن كان أكثر ثمنا منه ولا يشبه في هذا الدنانير والدراهم التي هي قائمة بأعيانها لا يصلح منها شيء لما لا يصلح له غيرها وهكذا لو أصدقها ثيابا فبليت رجع عليها بنصف قيمتها إلا أن يشاء أن يكون شريكا لها بالنصف بالية فلا يكون لها دفعه عنه لأن ماله ناقص ولو أصدقها ثيابا فقطعتها أو صبغتها فزادت في التقطيع أو الصبغ أو نقصها كان سواء ويرجع بنصف قيمتها ولو أراد أن يكون شريكا لها في الثياب المقطعة أو المصبوغة ناقصة أو أرادت أن يكون شريكا لها في الثياب زائدة لم يجبر واحد منهما على ذلك إلا أن يكون يشاء لأن الثياب غير المتقطعة وغير المصبوغة تصلح وتراد لما لا تصلح له المصبوغة ولا تراد فقد تغيرت عن حالها التي أعطاها إياها وكذا لو أصدقها غزلا فنسجته رجع عليها بمثل نصف الغزل إن كان له مثل وإن لم يكن له مثل رجع بمثل نصف قيمته يوم دفعه .
وكل ما قلت يرجع بمثل نصف قيمته فإنما هو يوم يدفعه لا ينظر إلى نقصانه بعد ولا زيادته لأنها كانت مالكة له يوم وقع العقد وضامنة يوم وقع القبض إن طلقها فنصفه قائما أو قيمة نصفه مستهلكا ( قال الشافعي ) ولو أصدقها آجرا فبنت به أو خشبا فأدخلته في بنيان أو حجارة فأدخلتها في بنيان وهي قائمة بأعيانها فهي لها ويرجع عليها بنصف قيمتها يوم دفعها إليها لأنها بنت ما تملك وإنما صار له النصف بالطلاق وقد استعملت هذا وهي تملكه فلا يخرج من موضعه إلا أن تشاء هي وإن خرج بحاله كان شريكا فيه وإن خرج ناقصا لم يجبر على أخذه إلا أن يشاء وله نصف قيمته ، وإذا نكح الرجل المرأة على أن يخدم فلانا شهرا فخدمه نصف شهر ثم مات كان لها في ماله نصف مهر مثلها ولو نكحته على أن يحملها على بعير بعينه إلى بلد فحملها إلى نصف الطريق ثم مات البعير كان لها في ماله نصف مهر مثلها ونصف مهر مثلها كالثمن يستوجبه به ألا [ ص: 67 ] ترى أنها لو تكارت معه بعيره بعشرة فمات البعير في نصف الطريق رجعت بخمسة .
صداق ما يزيد ببدنه
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أصدقها أمة وعبدا صغيرين ودفعهما إليها فكبرا أو غير عالمين ولا عاملين فعلما أو عملا أو أعميين فأبصرا أو أبرصين فبرئا أو مضرورين أي ضرر كان فذهب ضررهما أو صحيحين فمرضا أو شابين فكبرا أو اعورا أو نقصا في أبدانهما والنقص والزيادة إنما هي ما كان قائما في البدن لا في السوق بغير ما في البدن ثم طلقها قبل أن يدخل بها كانا لها وكان عليها أن تعطيه أنصاف قيمتهما يوم قبضتهما إلا أن تشاء أن تدفعهما إليه زائدين فلا يكون له إلا ذلك إلا أن تكون الزيادة غيرتهما بأن يكونا صغيرين فكبرا كبرا بعيدا من الصغر فالصغير يصلح لما لا يصلح له الكبير فيكون له نصف القيمة وإن كانا ناقصين دفعت إليه أنصاف قيمتهما إلا أن يشاء أن يأخذهما ناقصين فليس لها منعه إياهما لأنها إنما لها منعه الزيادة فأما النقص عما دفع إليها فليس لها ولها إن كانا صغيرين فكبرا أن تمنعه إياهما وإن كانا ناقصين لأن الصغير غير الكبير وأنه يصلح كل واحد منهما لما يصلح له الآخر ( قال الشافعي ) ولو كانا بحالهما إلا أنهما اعورا لم يكن لها منعه أن يأخذهما أعورين لأن ذلك ليس بتحول من صغر ولا كبر الكبير بحاله والصحيح خير من الأعور ، وهذا كله ما لم يقض له القاضي بأن يرجع بنصف العبد فإذا قضى له بأن يرجع بنصف العبد فمنعته فهي ضامنة لما أصاب العبد في يديها إن مات ضمنت نصف قيمته أو اعور أخذ نصفه وضمنها نصف العور فعلى هذا الباب كله وقياسه .
( قال الشافعي ) والنخل والشجر الذي يزيد وينقص في هذا كله كالعبيد والإماء لا تخالفها في شيء ولو كان الصداق أمة فدفعها إليها فولدت أو ماشية فنتجت في يديها ثم طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله وولد الأمة إن كانت الأمة والماشية زائدة أو ناقصة فهي لها ويرجع عليها بنصف قيمة الأمة والماشية يوم دفعها إليها إلا أن يشاء أن يأخذ نصف الأمهات التي دفعها إليها ناقصة فيكون ذلك له إلا أن يكون نقصها مع تغير من صغر إلى كبر فيكون نصفها بالعيب أو تغير البدن وإن كان نقصا من وجه بلوغ سن كبر زائد فيه من وجه غيره ولا يكون له أخذ الزيادة وإنما زادت في مالها لها وإن كان دفعها كبارا فكان نقصها من كبر أو هرم كان ذلك له لأن الهرم نقص كله لا زيادة ولا يجبر على أخذ الناقص إلا أن يشاءه . وهكذا الأمة إذا ولدت فنقصتها الولادة فاختار أخذ نصفها ناقصة لا يختلفان في شيء إلا أن أولاد الأمة إن كانوا معها صغارا رجع بنصف قيمتها لئلا يفرق بينها وبين ولدها في اليوم الذي يستخدمها فيه لأني لا أجبره في يومه على أن ترضع مملوك غيره ولا تحضنه فتشتغل به عن خدمته ولا أمنع المولود الرضاع فأضر به فلذلك لم أجعل له إلا نصف قيمتها ، وإن كانوا كبارا كان له أن يرجع بنصف الأم ولا يجبر على ذلك لأنها والدا على غير حالها قبل أن تلد وإن زادت بعد الولادة لم تجبر المرأة على أن تعطيه نصفها وتعطيه نصف قيمتها ، وإذا أعطته نصفها متطوعة أو كانت غير زائدة فرق بينها وبين ولدها في اليوم الذي يستخدمها فيه ، فإذا صار إليه نصفها فما ولدت بعد من ولد فبينه وبينها .
( قال الشافعي ) وهكذا إن كانت الجارية والماشية والعبيد الذين أصدقها أغلوا لها غلة أو كان الصداق نخلا فأثمر لها فما أصابته من ثمره كان لها كله دونه لأنه في ملكها ، ولو كانت الجارية حبلى أو [ ص: 68 ] الماشية مخاضا ثم طلقها كان له نصف قيمتها يوم دفعها لأنه حادث في ملكها ولا أجبره أيضا إن أرادت المرأة على أخذ الجارية حبلى أو الماشية مخاضا من قبل الخوف على الحبل وأن غير المخاض يصلح لما يصلح له المخاض ولا نجبرها إن أراد على أن تعطيه جارية حبلى وماشية مخاضا وهي أزيد منها غير حبلى ولا ماخض في حال والجارية أنقص في حال وأزيد في أخرى ، قال : ولو كان الصداق نخلا فدفعها إليها لا تمر فيها فأثمرت فالثمرة كلها لها كما يكون لها نتاج الماشية وغلة الرقيق وولد الأمة ، فإن طلقها قبل أن يدخل بها والنخل زائدة رجع بنصف قيمة النخل يوم دفعها إليها إلا أن تشاء أن تعطيه نصفها زائدة بالحال التي أخذتها به في الشباب لا يكون لها إلا نصفها وإن كانت زائدة وقد ذبلت وذهب شبابها لم يكن ذلك عليه لأنها وإن زادت يومها ذلك بثمرتها فهي متغيرة إلى النقص في شبابها فلا يجبر على ذلك إلا أن يشاء وإنما يجبر على ذلك إذا دفعتها مثل حالها حين قبضتها في الشباب أو أحسن ولم تكن ناقصة من قبل الترقيل للنقص فيه ، وإن طلقها ولم يتغير شبابها أو قد نقصت وهي مطلعة فأراد أخذ نصفها بالطلع لم يكن ذلك له وكانت مطلعة كالجارية الحبلى والماشية الماخض لا يكون له أخذها لزيادة الحبل والماخض مخالفة لها في أن الإطلاع لا يكون مغيرا للنخل عن حال أبدا إلا بالزيادة ولا تصلح النخل غير المطلعة لشيء لا تصلح له مطلعة فإن شاءت أن تدفع إليه نصفها مطلعة فليس له إلا ذلك لما وصفت من خلاف النخيل للنتاج والحمل في أن ليس في الطلع إلا زائد وليس مغيرا قال وإن كان النخل قد أثمر وبدا صلاحه فهكذا وكذلك كل شجر أصدقها إياه فأثمر لا يختلف يكون لها وله نصف قيمته إلا أن تشاء هي أن تسلم له نصفه ونصف الثمرة فلا يكون له إلا ذلك إن لم يتغير الشجر بأن يرقل ويصير فحاما فإذا صار فحاما أو نقص بعيب دخله لم يكن عليه أن يأخذه بتلك الحال .
ولو شاءت هي إذا طلقها والشجر مثمر أن تقول أقطع الثمرة ويأخذ نصف الشجر كان لها إذا لم يكن في قطع الثمرة فساد للشجر فيما يستقبل فإن كان فيها فساد لها فيما يستقبل فليس عليه أن يأخذها معيبة إلا أن يشاء ، ولو شاءت أن تترك الشجرة حتى تستجنيها وتجدها ثم تدفع إليه نصف الشجر لم يكن ذلك عليه لأن الشجر قد يهلك إلى ذلك ولا يكون عليه أن يكون حقه حالا فيؤخره إلا أن يشاء ويأخذها بنصف قيمتها في هذه الأحوال كلها إذا لم يتراضيا بغير ذلك ، ولو شاء أن يؤخرها حتى تجد الثمرة ثم يأخذ نصف الشجر والنخل لم يكن ذلك عليها من وجهين . أحدهما : أن الشجر والنخل يزيد إلى الجداد ، والآخر أنه لما طلقها وفيها الزيادة وكان محولا دونها كانت مالكة لها دونه وكان حقه قد تحول في قيمته فليس عليها أن يحول إلى غير ما وقع له عند الطلاق ولا حق له فيه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (198)
صــــــــــ 69 الى صـــــــــــ 75
صداق الشيء بعينه لا يدفع حتى يزيد أو ينقص ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) ولو أصدقها أمة أو ماشية فلم يدفعها إليها حتى تناتجت في يديه ثم طلقها قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله دونه لأنه نتج في ملكها ونظر إلى الماشية فإن كانت بحالها يوم أصدقها إياها وأزيد فهي لها ويرجع عليها بنصف الماشية دون النتاج ، وإن كانت ناقصة عن حالها يوم أصدقها إياها كان لها الخيار فإن شاءت أخذت منه أنصاف قيمتها يوم أصدقها إياها وإن [ ص: 69 ] شاءت أخذت أنصافها ناقصة ، وهكذا لو كانت أمة فولدت أو عبيدا فأغلوا ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر أنها إن شاءت أخذت نصفها ناقصة وإن شاءت رجعت بنصف مهر مثلها وهو أصح قوليه وآخر قوليه ( قال الشافعي ) وإن كان النتاج أو ولد الجارية هلك في يديه أو نقص وقد سألته دفعه فمنعها منه فهو ضامن لقيمته في أكثر ما كانت قيمة قط وضامن لنقصه ويدفعه كضمان الغاصب لأنه كان عليه أن يدفعه فمنعه ولم يدفعه ( قال الشافعي ) ولو عرض عليها أن يدفع إليها الأمة فأقرتها في يديه قبل أن تقبضها منه أو لم يمنعها دفعها ولم تسأله إياها كان فيها قولان أحدهما أنه لا يضمن الجارية إن نقصت وتكون بالخيار في أن تأخذها ناقصة أو تدعها فإن ماتت رجعت بمهر مثلها والآخر أن يكون كالغاصب ولكنه لا يأثم إثم الغاصب لأنه ضامن له ولا يخرجه من الضمان إلا أن يدفعه إليها أو إلى وكيل لها بإذنها فإن دفعه إليها أو إلى وكيل لها بإذنها ثم ردته إليه بعد فهو عنده أمانة لا يضمن شيئا منه بحال .
( قال الشافعي ) وإذا لم يدفعه إليها فترده إليه فما أنفق عليه لم يرجع به وهو متطوع به ومتى جنى عليه في يديه إنسان فأخذ له أرشا فلها الخيار إن أحبت فلها الأرش لأنه ملك بمالها وإن أحبت تركته عليه لأنه ناقص عما ملكته عليه وإن كان منعها منه فأحبت ضمنت الزوج ما نقص في يديه قال وما باع الزوج منه أو من نتاج الماشية فوجد بعينه فالبيع مردود وإن فات فلها عليه قيمته لأنه كان مضمونا عليه ولا يكون له أن يأخذ الثمن الذي باع به لأنه متعد فيه وأن الشيء بعينه لو وجد كان البيع فيه مردودا ولو أرادت إجازة البيع فيه إن كان قائما لم يجز البيع ولا يحل له هو أن يملكه لأنه ما لم يكن له فلا يخرجه منه إلا رده على صاحبه الذي باعه أو أن يهبه له صاحبه الذي ابتاعه منه .
( قال الشافعي ) وإذا لقي صاحبه وقد فاتت السلعة في يديه فالمشتري ضامن لقيمتها يقاصه بها من الثمن الذي تبايعا به ويترادان الفضل عند أيهما كأن كان ثمنها مائة دينار وقيمتها ثمانون فيرجع المشتري على البائع بعشرين وكذلك لو كان ثمنها ثمانين وقيمتها مائة رجع البائع على المشتري الذي هلكت في يديه بعشرين قال وإنما فرقت بين ثمن ما باع من مالها وبين أرش ما أخذ فيما جنى على مالها من قبل أنها هي لم يكن لها فيما جنى على مالها إلا الأرش أو تركه ولها فيما بيع من مالها أن ترده بعينه وإن فات فلها عليه قيمته ولا يكون لها أن تملك ثمنه إن كان أكثر من ثمنه لأنه لم يكن لها إجازة بيعه ، والفضل عن ثمنه لمبتاعه البيع الذي لا يجوز لأنه ضامن له بالقيمة قال ولو أصدقها نخلا أو شجرا فلم يدفعه إليها حتى أثمرت في يديه فجعل الثمر في قوارير جعل عليه صقرا من صقر نخلها أو جعله في قرب كان لها أخذ الثمر بالصقر وأخذه محشوا وله نزعه من القوارير والقرب لأنها له إن كان نزعه لا يضر بالثمر فإن كان إذا نزع من القرب فسد ولم يكن سقي بشيء عمل به كان لها أن تأخذه وتنزع عنه قربه وتأخذ منه ما نقصه لأنه أفسده إلا أن يتطوع بتركها وهكذا كل ثمرة رببها أو حشاها على ما وصفت وإن كان ربب الثمرة برب من عنده كان لها أن تأخذ الثمرة وتنزع عنها الرب إن كان ذلك لا يضر بها ولا ينقصها شيئا وإن كان ينقصها شيئا نزعت عنها الرب وأخذت قيمة ما نقصها بالغة ما بلغت وأجرة نزعها من الرب لأنه المتعدي فيه .
( قال الشافعي ) وكل ما أصيبت به الثمرة في يديه من حريق أو جراد أو غيره فهو ضامن له إن كان له مثل [ ص: 70 ] فمثله وإن لم يكن له مثل فمثل قيمته وإن بقي منه شيء فقيمة ما نقصه وهو كالغاصب فيما لا يضمن لا يخالف حاله في شيء إلا في شيء واحد يعذر فيه بالشبهة إن كان ممن يجهل أو تأول فأخطأ ذلك ولو كان أصدقها جارية فأصابها فولدت له ثم طلقها قبل الدخول وقال كنت أراها لا تملك إلا نصفها حتى تدخل فأصبتها وأنا أرى أن لي نصفها قوم الولد عليه يوم يسقط ويلحق به نسبه وكان لها مهر مثل الجارية وإن شاءت أن تسترق الجارية فهي لها وإن شاءت أخذت قيمتها أكثر مما كانت قيمتها يوم أصدقها أو يوم أحبلها وكانت الجارية له ولا تكون أم ولد بذلك الولد ولا تكون أم ولد له إلا بوطء صحيح وإنما جعلت لها الخيار لأن الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها إياها قبل أن تلد ( قال الشافعي ) ولو أصدقها أرضا فدفعها إليها فزرعتها أو أزرعتها أو وضعت فيها حبابا ثم طلقها قبل أن يدخل بها وفيها زرع قائم رجع عليها بنصف قيمة الأرض لا أجعل حقه في الأرض مستأخرا وهو حال ولا أجعل عليه أن ينتظر الأرض حتى تفرغ ثم يأخذ نصفها لأنها إن كانت مشغولة في ملكها فصار حقه في قيمة لم يتحول في غيرها إلا أن يجتمعا على ذلك جميعا فيجوز ما اجتمعا عليه فيه وكذلك إن كانت حرثتها ولم تزرعها ولو كانت غرستها أو بنت فيها كان له قيمتها يوم دفعها إليها .
( قال الشافعي ) ولو كانت زرعتها وحصدتها ثم طلقها وهي محصودة فله نصف هذه الأرض إلا أن يكون الزرع فيها زائدا لها فلا يكون له أن يأخذها زائدة إلا أن تشاء هي فلا يكون له غيرها وإن كان الزرع نقصها فله نصف قيمتها ولا يكون عليه أن يأخذها ناقصة إلا أن يشاء هو أخذها فإذا شاء هو أخذها وهي ناقصة لم يكن لها منعه من نصفها .
المهر والبيع
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو نكحها بألف على أن تعطيه عبدا يسوى ألفا فدفعت إليه ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها ففيها قولان أحدهما أن المهر المسمى كالبيع فلا يختلف في هذا الموضع ومن قال هذا قال لأنه يجوز في شرطه مسمى ما يجوز في البيع ويرد فيه ما يرد في البيع فبهذا أجزنا أن يكون مع النكاح مبيع غيره ولم نرده لأنه يملك كله فإن انتقض الملك في الصداق بالطلاق فقد ينتقض في البيع بالشفعة ثم لا نمنع ما فيه الشفعة أن يكون كالبيوع فيما سوى هذا قال وهذا جائز لا نفسخ صداقها ولا نرده إلى صداق مثلها وهو على ما تراضيا عليه والثاني أنه لا يكون مع الصداق بيع وإذا وقع مثل هذا أثبتنا النكاح وكان لها صداق مثلها ورد البيع إن كان قائما .
وإذا كان مستهلكا فقيمته وبه يقول الشافعي قال وأصل معرفة هذا أن تعرف قيمة العبد الذي ملكته هي زوجها مع تمليكها إياه عقد نكاحها فإن كان قيمة العبد ألفا وصداق مثلها ألفا فأقسم المهر وهو ألف على قيمة العبد وعلى صداق مثلها فيكون العبد مبيعا بخمسمائة ويكون صداقها خمسمائة فينفذ العبد مبيعا بخمسمائة فإن قبض العبد ودفع إليها الألف ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وذلك نصف ما أصدقها ولو مات العبد في يدها قبل يقبضه انتقض فيه البيع ورجع عليها بقيمة خمسمائة وكان الباقي صداقها فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها من الصداق بمائتين وخمسين وإن لم يكن دفع الصداق دفع إليها مائتين وخمسين ولو لم يمت العبد ولكنه دخله العيب كان له الخيار في أخذه معيبا بجميع الثمن أو نقض البيع فيه .
قال ولو كان أصدقها عبدا بعينه على أن زادته [ ص: 71 ] ألف درهم كانت كالمسألة الأولى ينظر فإن كانت قيمة العبد ألفا ومهر مثلها ألفا وزيادتها إياه ألفا فلها نصف العبد بالصداق ونصفه الآخر بالألف فإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها ربع العبد وكان لها ثلاثة أرباعه نصفه بالألف وربعه بنصف المهر قال ومن أجاز هذا قال إنما منعني أن أنقض البيع كله إذا انتقض بعضه بالطلاق أني جعلت ما أعطاها مقسوما على الصداق والبيع فما أصاب الصداق ونصف الصداق كالمستهلك لأن النكاح لا يرد كما ترد البيوع فلم يكن لي أن أرد البيع كله وبعضه مستهلك إنما أرد البيع كله إذا كان المبيع قائما بعينه فإذا ذهب بعضه لم أرد الباقي منه بحال فأكون قد نقضت البيعة ورددت بعضها دون بعض .
قال ولو تزوجها بعبد بعينه وألف درهم على أن تعطيه عبدا بعينه ومائة دينار وتقابضا قبل أن يتفرقا كان النكاح جائزا وينظر إلى قيمة العبد الذي تزوجها عليه مع الألف فإن كان ألفا فالصداق ألفان فيقسم الألفان على مهر مثلها والعبد الذي أعطته والمائة الدينار فإن كان صداق مثلها ألفا وقيمة العبد الذي أعطته ألفا وقيمة المائة الدينار ألفين فالعبد الذي أعطته مبيع بخمسمائة والمائة الدينار مبيعة بألف وصداقها خمسمائة لأن ذلك كله في العبد الذي أصدقها والدراهم الألف يملك بكل شيء فما أعطته من عقدتها والعبد والمائة الدينار بقدر قيمته من العبد والألف فإن طلقها قبل أن يدخل بها سلمت له المائة والعبد ورجع عليها بمائتين وخمسين في كل ما أعطاها من العبد بحصته ومن الألف بحصتها ، فيكون له من الألف التي أعطاها مائة وخمسة وعشرين ، ومن العبد قيمة مائة وخمسة وعشرين وذلك ثمنه ، وإن كانا لم يتقابضا قبل أن يتفرقا فسد الصداق لأن فيه صرفا مستأخرا وما كان فيه صرف لم يصلح أن يتفرقا حتى يتقابضا ولها صداق مثلها ، قال : ولو أصدقها ألفا على أن ردت إليه ألفا أو خمسمائة كان النكاح ثابتا والصداق باطلا ولها مهر مثلها لا تجوز الدراهم بالدراهم إلا معلومة ومثلا بمثل ، وأقل ما في هذا أن الخمسمائة وقعت من الألف بما لا يعرف عند عقد البيع ألا ترى أن مهر مثلها يكون ألفا فتكون الخمسمائة بثلث الألف ويكون مائة فتكون الخمسمائة بتسعمائة ، ولو كان مهر مثلها خمسمائة لم يجز من قبل أن الصفقة وقعت ولا يدرى كم حصة الدراهم التي أعطته من الدراهم التي أعطاها ولا يصلح فيهما حتى يفرق فيه عقد الصرف من عقد البيع فتكون الدراهم بدراهم مثلها وزنا بوزن ويكون الصداق معلوما غيرها .
قال وإذا كانت الدنانير بدراهم فكانت نقدا يتقابضان قبل أن يتفرقا فلا بأس بذلك لأنه لا بأس بالفضل في بعضها على بعض يدا بيد ، قال : ولو تزوجها على ثياب تسوى ألفا على أن زادته ألفا وكان صداق مثلها ألفا فكان نصف الثياب بيعا لها بالألف ونصفها صداقها فإن طلقها قبل الدخول فلها ثلاثة أرباع الثياب نصفها بالبيع ونصف النصف بنصف المهر ( قال الربيع ) هذا كله متروك لأن الشافعي رجع عنه إلى قول آخر .
قال : ولو طلقها قبل الدخول ولم يكن دفع الثياب إليها حتى هلكت في يديه ورد عليها الألف التي قبض منها إن كان قبضها وإن لم يكن قبضها لم يدفع إلي منها شيء لأنه قد هلك ما اشترت منه قبل قبضه فلا يلزمها ثمنه وأعطاها نصف مهر مثلها من قيمة الثياب وذلك ربع قيمة الثياب مائتان وخمسون درهما فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه . قال : ولو تزوجها على أبيها وأبوها يسوى ألفا أو على ابنها وابنها يسوى ألفا على أن زادته ألفا ومهر مثلها ألف فدفع إليها أباها أو لم يدفعه فسواء والنكاح ثابت والمهر جائز وأبوها ساعة ملكته حر لأن ملكها إياه ساعة ملك عقدة نكاحها وكذلك ابنها إن كان هو [ ص: 72 ] الصداق ويلزمها أن تعطيه الألف التي زادته فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بمائتين وخمسين وذلك نصف صداقها لأن أباها كان بيع بخمسمائة فسلم لها حين عتق فصار صداقها خمسمائة فرجع عليها بنصفها وهو مائتان وخمسون .
فإن قال قائل : فأراك أنزلت صدقات النكاح منزلة البيوع وأنت تقول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا فيكون المرأة والرجل بالخيار في الصداق ما لم يتفرقا ، قيل لا ، فإن قال قائل : فما فرق بينهما ؟ قيل إنا لما جعلنا - ولم يخالفنا أحد علمناه - النكاح كالبيوع المستهلكة فقلنا إذا كان الصداق مجهولا فللمرأة مهر مثلها ولا يرد النكاح كما قلنا في البيع بالشيء المجهول يهلك في يدي المشتري وفي البيع المعلوم فيه الخيار لصاحبه فيه قيمته حكمنا في النكاح إذا كان حكمه لا يرد عقده أنه كبيع قد استهلك في يد مشتريه ، ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل عبدا على أنه بالخيار يومه أو ساعته فمات قبل مضي وقت الخيار لزمه بالثمن لأنه ليس ثم عين ترد والنكاح ليس بعين ولا يكون للمتناكحين خيار لما وصفت .
قال : ولو تزوج الرجل المرأة فأصدقها ألفا وردت عليه خمسمائة درهم فالنكاح ثابت والصداق باطل ولها مهر مثلها تقابضا قبل أن يتفرقا أو لم يتقابضا لأن حصة الخمسمائة درهم من الألف مجهولة لأنها مقسومة على ألف وصداق مثلها . وهكذا لو تزوجها بألف على إن ردت عليه ألفا كان الصداق باطلا وهي مثل المسألة قبلها وزيادة أنها لو كانت ألفا بألف وزيادة كان الربا في الزيادة أو النكاح بلا حصة من المهر فيكون لها صداق مثلها ويبطل البيع في الألف .
وهكذا لو نكحها بمائة إردب حنطة على أن ردت عليه مائة إردب حنطة أو أقل أو أكثر . وهكذا كل شيء أصدقها إياه وردت عليه شيئا منه مما في الفضل في بعضه على بعض الربا لم يجز فلا يجوز من هذا شيء حتى يسمي حصة مهرها مما أصدقها وحصة ما أخذ منها ، فإذا أصدقها ألفا على أن حصة مهرها خمسمائة وردت عليه خمسمائة بخمسمائة وكان هذا فيما في بعضه على بعض الربا ففيها قولان أحدهما : أن هذا جائز . ومن قال هذا القول قال لو أصدق امرأتين ألفا كان النكاح ثابتا وقسمت الألف بينهما على مهور مثلهما فكان لكل واحدة منهما فيها بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما ألفا ومهر الأخرى ألفين فيكون لصاحبة الألف ثلث الألف ولصاحبة الألفين ثلثا الألف ، ولو أصدقها أباها عتق ساعة عقد عليها عقد النكاح ولم يحتج إلى أن يتفرقا كما يحتاج إليه في البيع ويتم تملكها الصداق بالعقد ، وإن كان به عيب ينقصه عشر قيمته رجعت عليه بعشر مهر مثلها ، ولو طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها يوم قبضته منه .
وكذا لو مات أبوها رجع بنصف قيمته يوم قبضته منه ولا يرد عتقه ، وكذلك لو أفلست أو أصدقها أباها وهي مفلسة ثم طلقها لم يكن له نصفه ولا للغرماء منه شيء لأنه يعتق ساعة يتم ملكه بالعقد ، ولو أصدقها أباها وهي محجورة كان النكاح ثابتا وصداق أبيها باطلا لأنه لا يثبت لها عليه ملك وكان لها عليه مهر مثلها .
وكذلك لو كانت محجورة فأمهرها أمها بأمر أبيها وهو وليها أو ولي لها غيره لأنه ليس لأبيها ولا لولي غيره أن يعتق عنها ولا يشتري لها ما يعتق عليها من ولد ولا والد ، قال ولو كانت غير محجورة فأصدقها أباها وقيمته ألف أو ألفان ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمة أبيها وهي خمسمائة وخمسمائة نصف الألف ، ولو أصدقها أباها وهو يسوى ألفا على أن تعطيه أباه وهو يسوى ألفا وصداق مثلها ألف فأبوه بيع له بصداق مثلها وبأبيها ونصف أبيها لها [ ص: 73 ] بالصداق ونصفه بأبيه فيعتق أبواهما معا ، وإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بربع قيمة أبيها وذلك مائتان وخمسون وهو نصف حصة صداق مثلها ، قال ولو أصدقها عبدا يسوى ألفا وصداق مثلها ألف على أن زادته عبدا يسوى ألفا فوجد بالعبد الذي أعطته عيبا كان فيها قولان .
أحدهما : يرده بنصف عبده الذي أعطاها لأنه مبيع بنصفه وكان لها نصف العبد الذي أعطاها فإن طلقها رجع عليها بربع العبد الذي أصدقها وهو نصف صداقه إياها وكان لها ربعه لأنه نصف صداقها . والقول الثاني : أنه إذا جاز أن يكون بيعا أو نكاحا أو بيعا أو إجارة لم يجز لو انتقص الملك في العبد الذي أصدقها بعيب يرد به أو بأن يستحق أو بأن يطلقها فيكون له بعضه إلا أن تنتقض الصفقة كلها فترد عليه ما أخذت منه ويرد عليها ما أخذ منها ويكون لها مهر مثلها ، كما لو اشترى رجل عبدين فاستحق أحدهما انتقض البيع في الثاني أو وجد بأحدهما عيبا فأبى إلا أن يرد انتقض البيع في الثاني إذا لم يرد أن يحبس العبد على العيب .
والقول الثاني أنه لا يجوز أن يعقد الرجل نكاحا بصداق على أن تعطيه المرأة شيئا قل ولا كثر من بيع ولا كراء ولا إجارة ولا براءة من شيء كان لها عليه من قبل أنه إذا أصدقها ألفين ومهر مثلها ألف فأعطته عبدا يسوى ألفا ثم طلقها قبل أن يدخل بها انتقض نصف حصة مهر مثلها وثبت نصفها ، فإن جعلت البيع منها نقضت نصفه ولم أجد شيئا جمعته صفقة ينتقض إلا معا ولا يجوز إلا معا فإن جعلته ينتقض كله فقد انتقض بغير عيب ولا انتقاض لنصف حصة عقدة النكاح فدخله ما وصفت أولى من أن ينتقض بعض الصفقة دون بعض .
وإن لم أجعله ينتقض بحال فقد أجزت بيعا معه بغير ملك قد انتقض بعضه ووقع البيع عليه بحصة من الثمن غير معلومة لأن مهر مثلها ليس بمعلوم حتى يسأل عنه ويعتبر بغيرها . فإن قال قائل : قد تجمع الصفقة بيع عبدين معا ؟ قيل نعم : يرقان فيسترقان معا وتنتقض الصفقة في أحدهما فتنتقض في الآخر حين لم يتم البيع وليس هكذا النكاح ( قال الربيع ) وبهذا يأخذ الشافعي وبه أخذنا . قال ومن قال هذا القول لم يجز أن ينكح الرجل امرأتين بألف ولا يبين كم لكل واحدة منهما من الألف ، وأثبت النكاح في كل ما وصفت وأجعل لكل منكوحة على هذا صداق مثلها إن مات أو دخل بها ونصف صداق مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها .
وكذلك لا يجوز أن ينكح الرجل المرأة بألف على أن تبرئه من شيء كان لها عليه قبل النكاح ولا ينكحها بالألف على أن تعمل له عملا ولا ينكحها بالألف على أن يعمل لها عملا لأن هذا نكاح وإجارة لا تعرف حصة النكاح من حصة الإجارة ونكاح وبراءة لا تعرف حصة النكاح من حصة البراءة . فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه ( قال الربيع ) وبه يقول الشافعي ( قال الشافعي ) وإذا أصدقت المرأة العبد أو الأمة فكاتبتهما أو أعتقتهما أو وهبتهما أو باعتهما أو دبرتهما أو خرجا من ملكها ثم طلقت قبل أن يدخل بها لم ترد من ذلك شيئا إذا طلقها الزوج قبل أن يدخل بها ويرجع عليها بنصف قيمة أي ذلك أصدقها يوم دفعه إليها ، ولو دبرت العبد أو الأمة فرجعت في التدبير ثم طلقها والعبد بحاله رجع في نصفه .
وإن طلقها قبل أن ترجع في التدبير لم يجبر على أخذه وإن نقضت التدبير لأن نصف المهر صار له والعبد أو الجارية محول دونه بالتدبير لا يجبر مالكه على نقض التدبير فلما لم يكن يجبر عليه كان حقه مكانه في نصف قيمته فلا يتحول إلى عبد قد كان في ثمن بمشيئتها إذا لم تكن مشيئته في أن يأخذ العبد أو الأمة ويقال له انقض التدبير .
[ ص: 74 ] التفويض
أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي رحمه الله تعالى : التفويض الذي إذا عقد الزوج النكاح به عرف أنه تفويض في النكاح أن يتزوج الرجل المرأة الثيب المالكة لأمرها برضاها ولا يسمي مهرا أو يقول لها أتزوجك على غير مهر فالنكاح في هذا ثابت فإن أصابها فلها مهر مثلها وإن لم يصبها حتى طلقها فلا متعة ولا نصف مهر لها وكذلك أن يقول أتزوجك ولك علي مائة دينار مهر فيكون هذا تفويضا وأكثر من التفويض ولا يلزمه المائة فإن أخذتها منه كان عليها ردها بكل حال وإن مات قبل أن يسمي لها مهرا أو ماتت فسواء وقد روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بروع بنت واشق ونكحت بغير مهر فمات زوجها فقضى لها بمهر نسائها وقضى لها بالميراث } فإن كان ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أولى الأمور بنا ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم وإن كثروا ولا في قياس فلا شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له وإن كان لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت ولم أحفظه بعد من وجه يثبت مثله وهو مرة يقال عن معقل بن يسار ومرة عن معقل بن سنان ومرة عن بعض أشجع لا يسمى وإن لم يثبت فإذا مات أو ماتت فلا مهر لها وله منها الميراث إن ماتت ولها منه الميراث إن مات ولا متعة لها في الموت لأنها غير مطلقة وإنما جعلت المتعة للمطلقة .
قال وإن كان عقد عليها عقدة النكاح بمهر مسمى أوبغير مهر فسمى لها مهرا فرضيته أو رفعته إلى السلطان ففرض لها مهرا فهو لها ولها الميراث ( قال الشافعي ) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يسأل عن المرأة يموت عنها زوجها وقد فرض صداقها قال لها الصداق والميراث أخبرنا مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها ابنة زيد بن الخطاب وكانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها فقال لها ابن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمنعكموه ولم نظلمها فأبت أن تقبل ذلك فجعلوا بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب قال سألت عبد خير عن رجل فوض إليه فمات ولم يفرض فقال ليس لها إلا الميراث ولا نشك أنه قول علي .
( قال الشافعي ) قال سفيان لا أدري لا نشك أنه من قول علي أم من قول عطاء أم من قول عبد خير ( قال الشافعي ) وفي النكاح وجه آخر قد يدخل في اسم التفويض وليس بالتفويض المعروف نفسه وهو مخالف للباب قبله وذلك أن تقول المرأة للرجل أتزوجك على أن تفرض لي ما شئت أو ما شئت أنا أو ما حكمت أنت أو ما حكمت أنا أو ما شاء فلان أو ما رضي أو ما حكم فلان لرجل آخر فهذا كله وقع بشرط صداق ولكنه شرط مجهول فهو كالصداق الفاسد ، مثل الثمرة التي لم يبد صلاحها على أن تترك إلى أن تبلغ .
ومثل الميتة والخمر وما أشبهه مما لا يحل ملكه ولا يحل بيعه في حاله تلك أو على الأبد فلها في هذا كله مهر مثلها وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف مهر مثلها ولا متعة لها في قول من ذهب إلى أن لا متعة للتي فرض لها إذا طلقت قبل أن تمس ولها المتعة في قول من قال المتعة لكل مطلقة .
( قال الشافعي ) وإذا كان الصداق تسمية بوجه لا يجوز إلى أجل أو غير أجل ، أو يذكر فيه شيء فهو صداق فاسد لها فيه مهر مثلها ونصفه إن طلقت قبل الدخول ولو أصدقها بيتا أو خادما لم يصفه ولم تعرفه بعينه كان لها صداق مثلها لا يكون الصداق لازما إلا بما تلزم به البيوع ألا ترى لو أن رجلا باع بيتا غير موصوف أو خادما غير موصوف . ولا يرى واحدا منهما ولا يعرفه بعينه لم يجز وهكذا لو قال [ ص: 75 ] أصدقتك خادما بأربعين دينارا لم يجز لأن الخادم بأربعين دينارا قد يكون صبيا وكبيرا وأسود وأحمر فلا يجوز في الصداق إلا ما جاز في البيوع .
ولو قال أصدقتك خادما خماسيا من جنس كذا أو صفة كذا جاز كما يجوز في البيوع قال ولو أصدقها دارا لا يملكها أو عبدا لا يملكه أو حرا فقال هذا عبدي أصدقتكه فنكحته على هذا ثم علم أن الدار والعبد لم يكونا في ملكه يوم عقد عليها فعقدة النكاح جائزة ولها مهر مثلها ولا يكون لها قيمة العبد ولا الدار ولو ملكهما بعد فأعطاها إياهما لم يكونا لها إلا بتجديد بيع فيهما لأن العقدة انعقدت وهو لا يملكهما كما لو انعقدت عليهما عقدة بيع لم يجز البيع ولو ملكهما بعد البيع أو سلمهما مالكهما للبائع بذلك الثمن لم يجز حتى يحدث فيهما بيعا وإنما جعلت لها مهر مثلها لأن النكاح لا يرد كما لا ترد البيوع الفائتة النكاح كالبيوع الفائتة قال وسيد الأمة في تزويج الرجل بغير مهر مثل المرأة البالغ في نفسها إذا زوجها بغير أن يسمي مهرا أو زوجها على أن لا مهر لها فطلقها الزوج قبل المسيس فلها المتعة وليس لها نصف المهر فإن مسها فلها مهر مثلها وإذا زوج الأمة سيدها وأذنت الحرة في نفسها بلا مهر ثم أرادت الحرة وأراد سيد الأمة أن يفرض الزوج لها مهرا فرض لها المهر .
وإن قامت عليه قبل أن يطلقها فطلبته فطلقها قبل أن يفرض لها أو يحكم عليه الحاكم بمهر مثلها فليس لها إلا المتاع لا يجب لها نصف المهر إلا أن يفرض الحاكم أو بأن يفرضه هو لها بعد علمها صداق مثلها فترضى كما وقع عليه العقد فيلزمهما جميعا .
( قال الشافعي ) وإن نكحها بغير مهر ففرض لها مهرا فلم ترضه حتى فارقها كانت لها المتعة ولم يكن لها مما فرض لها شيء حتى يجتمعا على الرضا فإذا اجتمعا على الرضا به لزم كل واحد منهما ولم يكن لواحد منهما نقض شيء منه كما لا يكون لواحد منهما نقض ما وقعت عليه العقدة من المهر إلا باجتماعهما على نقضها أو يطلق قبل المسيس فينتقض نصف المهر ولا يلزمها ما فرض لها بحال حتى يعلما كم مهر مثلها لأن لها مهر مثلها بالعقد ما لم ينتقض بطلاق فإذا فرض وهما لا يعلمان مهر مثلها كان هو كالمشتري وهي كالبائع ما لم يعلم أو يعلم أحدهما ( قال الشافعي ) وليس أبو الجارية الصغيرة ولا الكبيرة البكر كسيد الأمة في أن يضع من مهرها ولا يزوجها بغير مهر فإن قيل فما فرق بينهما فهو يزوجهما معا بلا رضاهما ؟ قيل ما يملك من الجارية من المهر فلنفسه يملكه لا لها فأمره يجوز في ملك نفسه وما ملك لابنته من مهرها فلها يملكه لا لنفسه ومهرها مال من مالها فكما لا يجوز له أن يهب مالها فكذلك لا يجوز له أن يهب صداقها ولا يزوجها بغير صداق كما لا يجوز له إتلاف ما سواه من مالها .
وإذا زوجها أبوها ولم يسم لها مهرا أو قال لزوجها أزوجكها على أن لا مهر عليك فالنكاح ثابت لها ولها على الزوج مهر مثلها لا يرجع به على الأب فإن ضمن له الأب البراءة من مهرها وسماه فللزوجة على الزوج صداقها في ماله عاش أو مات أو عاشت أو ماتت وإن طلقها فلها عليه نصف مهر مثلها ولا يرجع به الزوج على الأب لأنه لم يضمن له في ماله شيئا فيلزمه ضمانه إنما ضمن له أن يبطل عنه حقا لغيره فإن قال قائل وكيف جعلت عليه مهر مثل الصبية إنما زوجه إياها أبوها وهو لم يرض بالنكاح إلا بغير مهر ؟ قيل له أرأيت إن كانت المرأة الثيب المالك لأمرها التي لو وهبت مالها جاز تنكح الرجل على أن لا مهر لها ثم تسأل المهر فأفرض لها مهر مثلها ولا أبطل النكاح كما أبطل البيع ولا أجعل للزوج الخيار بأن طلبت الصداق وقد نكحت بلا صداق وكيف ينبغي أن أقول في الصبية ؟ .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (199)
صــــــــــ 76 الى صـــــــــــ 82
فإن قال هكذا لأنهما منكوحتان وأكثر ما في الصبية أن يجوز أمر أبيها عليها في مهرها كما يجوز أمر الكبيرة في نفسها في مهرها فإذا لم يبرأ زوج الكبيرة من المهر بأن لم يرض أن ينكحها إلا بلا مهر ونكحته على ذلك فلزمه المهر ولم نفسخ النكاح ولم نجعل له الخيار ولو أصابها كان لها المهر كله فهكذا الصبية فإن قال نعم ولكن لم جعلت على زوج الصبية يطلقها نصف [ ص: 76 ] مهر مثلها وأنت لا تجعل على زوج الكبيرة إذا نكحها بلا مهر فطلقها قبل أن تطلب الفرض أو يفرض أو تصاب إلا المتعة ؟ قيل له إن شاء الله تعالى لما وصفت من أن النكاح ثابت بمهر إلا على من أجاز أمره من النساء في ماله فيرضى أن لا يكون له فهو مطلق قبل أن يفرض لها مهرا فكان لهن المتعة لأنهن عفون عن المهر حتى طلقن كما لو عفون عنه وقد فرض جاز عفوهن لقول الله عز وجل { إلا أن يعفون } والصغيرة لم تعف عن مهر ولو عفت لم يجز عفوها وإنما عفا عنها أبوها الذي لا عفو له في مالها فألزمنا الزوج نصف مهر مثلها بالطلاق وفرقنا بينهما لافتراق حالهما في مالهما ، ولأن الزوج لم يرض بصداق إلا أن يبرأ منه فكان كمن سمى صداقا فاسدا ولو كان سمى لها صداقا فعفاه الأب كان لها الصداق الذي سمى وعفو الأب بعد وجوب الصداق باطل وهكذا المحجورة إذا زوجت بلا مهر لا تخالف الصبية في شيء .
أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا زوج ابنته على أربعة آلاف وترك لزوجها ألفا فجاءت المرأة وزوجها وأبوها ثلاثتهم يختصمون إلى شريح فقال شريح : تجوز صدقتك ومعروفك وهي أحق بثمن رقبتها ( قال الشافعي ) وسواء في هذا البكر والثيب لأن ذلك ملك للبنت دون الأب ولا حق للأب فيه وقول شريح " تجوز صدقتك ومعروفك قد أحسنت وإحسانك حسن ولكنك أحسنت فيما لا يجوز لك فهي أحق بثمن رقبتها " يعني صداقها .
المهر الفاسد
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في عقد النكاح شيئان أحدهما العقدة والآخر المهر الذي يجب بالعقد فلا يفسد العقد إلا بما وصفنا العقد يفسد به من أن يعقد منهيا عنه وليس المهر من إفساد العقد ولا إصلاحه بسبيل ألا ترى أن عقد النكاح بغير مهر مسمى صحيح فإذا كان العقد منهيا عنه لم يصح أن يكون عقد بمهر صحيح أو لا ترى أن عقد النكاح يكون بلا مهر فيثبت النكاح ولا يفسد بأن لم يكن مهر ويكون للمرأة إذا وطئت مهر مثلها .
( قال الشافعي ) وهذا الموضع الذي يخالف فيه النكاح البيع لأن البيع إذا وقع بغير ثمن لم يجب وذلك أن يقول قد بعتك بحكمك فلا يكون بيعا وهذا في النكاح صحيح فإن قال قائل من أين أجزت هذا في النكاح ورددته في البيوع وأنت تحكم في عامة النكاح أحكام البيوع ؟ قيل قال الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء } إلى { ومتعوهن } وقال تبارك وتعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فأعلم الله تعالى في المفروض لها أن الطلاق يقع عليها كما أعلم في التي لم يفرض لها أن الطلاق يقع عليها والطلاق لا يقع إلا على زوجة والزوجة لا تكون إلا ونكاحها ثابت قال ولم أعلم مخالفا مضى ولا أدركته في أن النكاح يثبت وإن لم يسم مهرا وأن لها إن طلقت وقد نكحت ولم يسم مهرا المتعة وإن أصيبت فلها مهر مثلها فلما كان هذا كما وصفت لم يجز أبدا أن يفسد النكاح من جهة المهر بحال أبدا فإذا نكحها بمهر مجهول أو مهر حرام البيع في حاله التي نكحها فيها أو حرام بكل حال قال فذلك كله سواء وعقد النكاح ثابت والمهر باطل فلها مهر مثلها إن طلقها قبل أن يدخل بها لأنها سمت مهرا وإن لم يجز بأنه معلوم حلال ولم يحل لأنها لم ترد نكاحه بلا مهر .
وذلك مثل أن ينكح بثمرة لم يبد صلاحها على أن يدعها إلى أن تبلغ فيكون لها مهر مثلها وتكون الثمرة لصاحبها لأن بيعها في هذه الحال لا يحل على هذا الشرط ولو نكحت بها على أن تقطعها حينئذ كان النكاح جائزا فإن تركها حتى يبدو صلاحها فهي لها [ ص: 77 ] وهو متطوع ومتى قام عليها بقطعها فعليها أن تقطعها في أي حال قام عليها فيها قال ولو نكحها بخمر أو خنزير فالنكاح ثابت والمهر باطل ولها مهر مثلها وكذلك إن نكحته بحكمها أو حكمه فلها مهر مثلها وإن حكمت حكما أو حكمه فرضيا به فلهما ما تراضيا عليه وإنما يكون لهما ما تراضيا عليه بعدما يعرفان مهر مثلها ولا يجوز ما تراضيا عليه أبدا إلا بعدما يعرفان مهر مثلها .
ولو فرض لها فتراضيا على غيره أو لم يفرض لها فتراضيا فكما يكون ذلك لهما لو ابتدأ بالفرض لها ولا أقول لها أبدا احكمي ولكن أقول لها مهر مثلها إلا أن تشاء أن تتراضيا فلا أعرض لكما فيما تراضيتم عليه أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن الأشعث بن قيس صحب رجلا فرأى امرأته فأعجبته قال فتوفي في الطريق فخطبها الأشعث بن قيس فأبت أن تتزوجه إلا على حكمها فتزوجها على حكمها ثم طلقها قبل أن تحكم فقال احكمي فقالت أحكم فلانا وفلانا رقيقين كانوا لأبيه من بلاده فقال احكمي غير هؤلاء فأتى عمر فقال يا أمير المؤمنين عجزت ثلاث مرات فقال ما هن ؟ قال عشقت امرأة قال هذا ما لا تملك قال ثم تزوجتها على حكمها ثم طلقتها قبل أن تحكم قال عمر امرأة من المسلمين ؟ .
( قال الشافعي ) يعني عمر لها مهر امرأة من المسلمين ويعني من نسائها والله تعالى أعلم وما قلت أن لها مهر امرأة من نسائها ما لا أعلم فيه اختلافا ويشبه أن يكون الذي أراد عمر والله تعالى أعلم .
ومتى قلت لها مهر نسائها فإنما أعني أخواتها وعماتها وبنات أعمامها نساء عصبتها وليس أمها من نسائها وأعني مهر نساء بلدها لأن مهور البلدان تختلف وأعني مهر من هو في مثل شبابها وعقلها وأدبها لأن المهور تختلف بالشباب والهيئة والعقل وأعني مهر من هو في مثل يسرها لأن المهور تختلف باليسر وأعني مهر من هو في جمالها لأن المهور تختلف بالجمال وأعني مهر من هو في صراحتها لأن المهور تختلف بالصراحة والهجنة وبكرا كانت أو ثيبا لأن المهور تختلف في الأبكار والثيب قال وإن كان من نسائها من تنكح بنقد أو دين أو بعرض أو بنقد وعرض جعلت صداقها نقدا كله لأن الحكم بالقيمة لا يكون بدين لأنه لا يعرف قدر النقد من الدين وإن الدين إنما يكون برضا من يكون له الدين فإن كانت لا نساء لها فمهر أقرب النساء منها شبها بها فيما وصفت بالنسب فإن المهور تختلف بالنسب ولو كان نساؤها ينكحن إذا نكحن في عشائرهن خففن المهر وإذا نكحن في الغرباء كانت مهورهن أكثر فرضت عليه المهر إن كان من عشيرتها كمهور نسائها في عشيرتها وإن كان غريبا كمهور الغرباء .
الاختلاف في المهر
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا اختلف الرجل والمرأة في المهر قبل الدخول أو بعده وقبل الطلاق أو بعده فقال نكحتك على ألف وقالت بل نكحتني على ألفين أو قال نكحتك على عبد وقالت بل نكحتني على دار بعينها ولا بينة بينهما تحالفا .
وأبدأ بالرجل في اليمين فإن حلف حلفت المرأة فإن حلفت جعلت لها مهر مثلها فإن دخل بها فلها مهر مثلها كاملا وإن كان طلقها ولم يدخل بها فلها نصف مهر مثلها وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر أو سيد الأمة وهكذا إن اختلف ورثة المرأة وورثة الزوج بعد موتهما أو ورثة أحدهما والآخر بعد موته قال ولو اختلف في دفعه فقال قد دفعت إليك صداقك وقالت ما دفعت إلي شيئا أو اختلف أبو البكر الذي يلي مالها أو سيد الأمة فقال الزوج قد [ ص: 78 ] دفعت إليك صداق ابنتك قال الأب لم تدفعه فالقول قول المرأة وقول أبي البكر وسيد الأمة مع أيمانهم وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها أو ماتت المرأة أو الرجل أو كانا حيين لورثتهما في ذلك ما لهما في حياتهما وسواء عرف الصداق أو لم يعرف إن عرف فلها الصداق الذي يتصادقان عليه أو تقوم به بينة فإن لم يعرف ولم يتصادقا ولا بينة تقوم تحالفا إن كانا حيين وورثتهما على العلم إن كانا ميتين وكان لها ميتين وكان لها صداق مثلها لأن الصداق حق من الحقوق فلا يزول إلا بإقرار الذي له الحق أو الذي إليه الحق من ولي البكر الصبية وسيد الأمة بما يبرئ الزوج منه .
قال ولو اختلفا فيه فأقامت المرأة البينة بأنه أصدقها ألفين وأقام الزوج البينة أنه أصدقها ألفا لم تكن واحدة من البينتين أولى من الأخرى لأن بينة المرأة تشهد بألفين وبينة الرجل تشهد له بألف قد ملك بها العقد فلا يجوز - والله تعالى أعلم - عندي فيها إلا أن يتحالفا ويكون لها مهر مثلها فيكون هذا كتصادقهما على المبيع الهالك واختلافهما في الثمن أو القرعة فأيهما خرج سهمه حلف لقد شهد شهوده بحق وأخذ بيمينه ( قال الشافعي ) بعض الشهادة متضادة ولها صداق مثلها كان أكثر من ألفين أو أقل من ألف وبه يأخذ الشافعي قال ولو تصادقا على الصداق أنه ألف فقال دفعت إليها خمسمائة من صداقها فأقرت بذلك أو قامت عليها بها بينة وقالت أعطيتنيها هدية وقال بل صداق فالقول قوله مع يمينه وهكذا لو دفع إليها عبدا فقال قد أخذتيه مني بيعا بصداقك وقالت بل أخذته منك هبة فالقول قوله مع يمينه ويحلف على البيع وترد العبد إن كان حيا أو قيمته إن كان ميتا ولو تصادقا أن الصداق ألف فدفع إليها ألفين فقال ألف صداق وألف وديعة وقالت ألف صداق وألف هدية فالقول قوله مع يمينه وله عندها ألف وديعة وإذا أقرت أن قد قبضت منه شيئا فقد أقرت بمال له وادعت ملكه بغير ما قال فالقول قوله في ماله قال .
وإذا نكح الصغيرة أو الكبيرة البكر التي يلي أبوهما بضعهما ومالهما فدفع إلى أبيهما صداقهما فهو براءة له من الصداق وهكذا الثيب التي يلي أبوها مالها وهكذا إذا دفع صداقها إلى من يلي مالها من غير الآباء فهو براءة له من الصداق وإذا دفع ذلك إلى الأب لابنته الثيب التي تلي نفسها أو البكر الرشيدة البالغ التي تلي مالها دون أبيها أو إلى أحد من الأولياء لا يلي المال فلا براءة له من صداقها والصداق لازم بحاله ويتبع من دفعه إليه بالصداق بما دفع إليه وإذا وكلت المرأة التي تلي مالها رجلا من كان يدفع صداقها إليه فدفعه إليه الزوج فهو بريء منه .
الشرط في النكاح
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا عقد الرجل النكاح على البكر أو الثيب التي تلي مال نفسها أو لا تليه فإذنها في النكاح غير إذنها في الصداق فلو نكحها بألف على أن لأبيها ألفا .
فالنكاح ثابت ولها مهر مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين من قبل أنه نكاح جائز عقد فيه صداق فاسد وجب في أصل العقد ليس من العقد ولا يجب بالعقد ما لم يجعله الزوج للمرأة فيكون صداقا لها فإذا أعطاه الأب فإنما أعطاه بحق غيره فلا يكون له أن يأخذ بحق غيره وليس بهبة ولو كان هبة لم تجز إلا مقبوضة .
وليس للمرأة إلا مهر مثلها ولو كانت البنت ثيبا أو بكرا بالغا فرضيت قبل النكاح أن ينكحها بألفين على أن يعطي أباها أو أخاها منهما ألفا كان النكاح جائزا وكان هذا توكيلا منها لأبيها بالألف التي أمرت بدفعها إليه وكانت الألفان لها ولها الخيار في أن تعطيها أباها وأخاها هبة لهما أو منعها لهما لأنها هبة لم [ ص: 79 ] تقبض أو وكالة بقبض ألف فيكون لها الرجعة في الوكالة وإنما فرقت بين البكر والثيب إذا كانتا يليان أموالهما أو لا يليانها أن التي تلي مالها منهما يجوز لها ما صنعت في مالها من توكيل وهبة ألا ترى أن رجلا لو باع من رجل عبدا بألف على أن يعطيه خمسمائة وآخر خمسمائة كان جائزا وكانت الخمسمائة إحالة منه للآخر بها أو وكالة والبكر الصغيرة والثيب التي لا تلي مالها لا يجوز لها في مالها ما صنعت قال ولو انعقدت عقدة النكاح بأمر التي تلي أمرها بمهر رضيته ثم شرط لها بعد عقدة النكاح شيئا كان له الرجوع فيه .
وكان الوفاء به أحسن لو رضيت ولو كان هذا في التي لا تلي مالها كان هكذا إلا أنه إن كان نقص التي لا تلي مالها شيئا من مهر مثلها بلغ بها مهر مثلها ولو حابى أبو التي لا تلي مالها في مهرها أو وضع منه كان على زوجها أن يلحقها بمهر مثلها ولا يرجع به على الأب وكان وضع الأب من مهرها باطلا كما يكون هبته مالها سوى المهر باطلا وهكذا سائر الأولياء .
وهكذا لو كانت تلي مالها فكان ما صنع بغير أمرها ولو نكح بكرا أو ثيبا بأمرها على ألف على أن لها أن تخرج متى شاءت من منزله وعلى أن لا تخرج من بلدها وعلى أن لا ينكح عليها ولا يتسرى عليها أو أي شرط ما شرطته عليه مما كان له إذا انعقد النكاح أن يفعله ويمنعها منه فالنكاح جائز والشرط باطل وإن كان انتقصها بالشرط شيئا من مهر مثلها فلها مهر مثلها وإن كان لم ينقصها من مهر مثلها بالشرط أو كان قد زادها عليه وزادها على الشرط أبطلت الشرط ولم أجعل لها الزيادة على مهر مثلها ولم يزدها على مهر مثلها لفساد عقد المهر بالشرط الذي دخل معه ألا ترى لو أن رجلا اشترى عبدا بمائة دينار وزق خمر فرضي رب العبد أن يأخذ المائة ويبطل الزق الخمر لم يكن ذلك له لأن الثمن انعقد على ما يجوز وعلى ما لا يجوز فبطل ما لا يجوز .
وما يجوز وكان له قيمة العبد إن مات في يدي المشتري ولو أصدقها ألفا على أن لا ينفق عليها أو على أن لا يقسم لها أو على أنه في حل مما صنع بها كان الشرط باطلا وكان له إن كان صداق مثلها أقل من الألف أن يرجع عليها حتى يصيرها إلى صداق مثلها لأنها شرطت له ما ليس له فزادها مما طرح عن نفسه من حقها فأبطلت حصة الزيادة من مهرها ورددتها إلى مهر مثلها فإن قال قائل فلم لا تجيز عليه ما شرط لها وعليها ما شرطت له ؟ قيل رددت شرطهما إذا أبطلا به ما جعل الله لكل واحد ثم ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولو كان مائة شرط ، قضاء الله أحق وشرطه أوثق فإنما الولاء لمن أعتق } فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله جل ثناؤه إذا كان في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه فإن قال قائل ما الشرط للرجل على المرأة والمرأة على الرجل مما إبطاله بالشرط خلاف لكتاب الله أو السنة أو أمر اجتمع الناس عليه ؟ قيل له إن شاء الله تعالى أحل الله عز وجل للرجل أن ينكح أربعا وما ملكت يمينه فإذا شرطت عليه أن لا ينكح ولا يتسرى حظرت عليه ما وسع الله تعالى عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل للمرأة أن تصوم يوما تطوعا وزوجها شاهد إلا بإذنه } .
فجعل له منعها ما يقربها إلى الله إذا لم يكن فرضا عليها لعظيم حقه عليها وأوجب الله عز وجل له الفضيلة عليها ولم يختلف أحد علمته في أن له أن يخرجها من بلد إلى بلد ويمنعها من الخروج فإذا شرطت عليه أن لا يمنعها من الخروج ولا يخرجها شرطت عليه إبطال ماله عليها قال الله تبارك وتعالى { فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا } فدل كتاب الله تعالى على أن على الرجل أن يعول امرأته دلت عليه السنة فإذا شرط عليها أن لا ينفق عليها أبطل ما جعل لها وأمر بعشرتها بالمعروف ولم يبح له ضربها إلا بحال فإذا [ ص: 80 ] شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء وأن لا شيء عليه فيما نال منها فقد شرط أن له أن يأتي منها ما ليس له فبهذا أبطلنا هذه الشروط وما في معناها وجعلنا لها مهر مثلها فإن قال قائل فقد يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج } فهكذا نقول في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه إنما يوفى من الشروط ما يبين أنه جائز ولم تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه غير جائز وقد يروى عنه عليه الصلاة والسلام { المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا } ومفسر حديثه يدل على جملته .
ما جاء في عفو المهر
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة } الآية ( قال الشافعي ) فجعل الله تعالى للمرأة فيما أوجب لها من نصف المهر أن تعفو وجعل للذي يلي عقدة النكاح أن يعفو وذلك أن يتم لها الصداق فيدفعه إن لم يكن دفعه كاملا ولا يرجع بنصفه إن كان دفعه وبين عندي في الآية أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج وذلك إنه إنما يعفوه من له ما يعفوه فلما ذكر الله جل وعز عفوها مما ملكت من نصف المهر أشبه أن يكون ذكر عفوه لما له من جنس نصف المهر والله تعالى أعلم وحض الله تعالى على العفو والفضل فقال عز وجل { وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم } وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال " الذي بيده عقدة النكاح الزوج " .
( قال الشافعي ) وأخبرنا ابن أبي فديك أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن جعفر بن المسور عن واصل بن أبي سعيد عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه تزوج امرأة ولم يدخل بها حتى طلقها فأرسل إليها بالصداق تاما فقيل له في ذلك فقال أنا أولى بالعفو أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن جبير أنه قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه عن ابن المسيب أنه قال " هو الزوج " ( قال الشافعي ) والمخاطبون بأن يعفوا ، فيجوز عفوهم والله تعالى أعلم الأحرار وذلك أن العبيد لا يملكون شيئا فلو كانت أمة عند حر فعفت له عن بعض المهر أو المهر لم يجز عفوها وذلك أنها لا تملك شيئا إنما يملك مولاها ما ملك بسببها ولو عفاه المولى جاز وكذلك العبد إن عفا المهر كله وله أن يرجع بنصفه لم يجز عفوه .
وإذا عفاه مولاه جاز عفوه لأن مولاه المالك للمال ( قال الشافعي ) فأما أبو البكر يعفو عن نصف المهر فلا يجوز ذلك له من قبل أنه عفا عما لا يملك وما يملكه تملكه ابنته ألا ترى أنه لو وهب مالا لبنته غير الصداق لم تجز هبته فكذلك إذا وهب الصداق لم تجز هبته لأنه مال من مالها وكذلك أبو الزوج لو كان الزوج محجورا عليه فعفا عن نصف المهر الذي له أن يرجع به لم يجز عفو أبيه لأنه مال من ماله يهبه وليس له هبة ماله قال ولا يجوز العفو إلا لبالغ حر رشيد يلي مال نفسه فإن كان الزوج بالغا حرا محجورا عليه فدفع الصداق ثم طلقها قبل المسيس فعفا نصف المهر الذي له أن يرجع كان عفوه باطلا كما تكون هبة ماله سوى الصداق .
وكذلك لو كانت المرأة بكرا لا يجوز لها هبة مالها ولا لأوليائها هبة أموالها ولو كانت بكرا بالغة رشيدة غير محجور عليها فعفت جاز عفوها إنما ينظر في هذا إلى من يجوز أمره في ماله وأجيز عفوه وأرد عفو من لا يجوز أمره في ماله والعفو هبة كما وصفت وهو إبراء فإذا لم تقبض المرأة شيئا من صداقها فعفته جاز [ ص: 81 ] عفوها لأنه قابض لما عليه فيبرأ منه ولو قبضت الصداق أو نصفه فقالت قد عفوت لك عما أصدقتني فإن ردته إليه جاز العفو وإن لم ترده حتى ترجع فيه كان لها الرجوع لأنه غير قابض ما وهبته له ولا معنى لبراءتها إياه من شيء ليس لها عليه ولو كانت على التمام على عفوه فهلك في يدها لم يكن عليها غرمه إلا أن تشاء ولو ماتت قبل أن تدفعه إليه لم يكن على ورثتها أن يعطوه إياه وكان مالا من مالها يرثونه قال وما كان في يد كل واحد منهما فعفا الذي هو له كان عفوه جائزا وما لم يكن له في يده فعفا له الذي هو له فهو بالخيار في إتمامه والرجعة فيه وحبسه وإتمامه ودفعه أحب إلي من حبسه وكل عطية لا تجب على أحد فهي بفضل وكلها محمود مرغوب فيه والفضل في المهر لأنه منصوص حض الله تعالى عليه قال وإذا نكح الرجل المرأة بصداق فوهبته له قبل القبض أو بعده أو قبل الطلاق أو بعده فذلك كله سواء والهبة جائزة .
وإن كانت الهبة قبل الطلاق ثم طلقها فأراد أن يرجع عليها بنصف الصداق فلا يجوز فيها إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون العفو إبراء له مما لها عليها فلا يرجع عليها بشيء قد ملكه عليها ومن قال هذا قال لم يجب عليها شيء إلا من قبل ما كان لها عليه بإبرائه منه قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه والثاني أن له أن يرجع عليها بنصفه كان عفوها قبل القبض أو بعد القبض والدفع إليه وذلك أنه قد ملكه عليها بغير الوجه الذي وجب لها عليه .
وإذا نكح الرجل المرأة التي يجوز أمرها في مالها بصداق غير مسمى أو بصداق فاسد فأبرأته من الصداق قبل أن تقبضه فالبراءة باطلة من قبل أنها أبرأته مما لا تعلم كم وجب لها منه ولو سمى لها مهرا جائزا فرضيته ثم أبرأته منه فالبراءة جائزة من قبل أنها أبرأته مما عرفت ولو سمى لها مهرا فاسدا فقبضته أو لم تقبضه فأبرأته منه أو ردته عليه إن كانت قبضته كانت البراءة باطلة وترده بكل حال ولها صداق مثلها فإذا علمته فأبرأته منه كانت براءتها جائزة ألا ترى أن رجلا لو قال لرجل قد صار لك في يدي مال من وجه فقال أنت منه بريء لم يبرأ حتى يعلم المالك المال لأنه قد يبرئه منه على أنه درهم ولا يبرئه لو كان أكثر قال : ولو كان المهر صحيحا معلوما ولم تقبضه حتى طلقها فأبرأته من نصف المهر الذي وجب لها عليه كانت البراءة جائزة ولم يكن لها أن ترجع بشيء بعد البراءة ولو كانت لم تقبضه ولكنها أحالت عليه ثم أبرأته كانت البراءة باطلة لأنها أبرأته مما ليس لها وما ملكه لغيرها ولو كانت أحالت عليه بأقل من نصف المهر ثم أبرأته من نصف المهر جازت البراءة مما بقي عليه ولم تجز مما أحالت به عليه لأنه قد خرج منها إلى غيرها فأبرأته مما ليس لها عليه ولا تملكه فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه .
صداق الشيء بعينه فيوجد معيبا
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا أصدق الرجل المرأة عبدا بعينه فوجدت به عيبا صغيرا أو كبيرا يرد من مثله كالبيوع كان لها رده بذلك العيب وكذلك لو أصدقها إياه سالما فلم يدفعه إليها حتى حدث به عيب وكذلك كل ما أصدقها إياه فوجدت به عيبا أو حدث به في يد الزوج قبل قبضها إياه عيب كان لها رده بالعيب وأخذه معيبا إن شاءت فإن أخذته معيبا فلا شيء لها في العيب وإن ردته رجعت عليه بمهر مثلها لأنها إنما باعته بضعها بعبد فلما انتقض البيع فيه باختيارها الرد كان لها مهر مثلها كما يكون لها لو اشترته منه بثمن الرجوع بالثمن الذي قبض منها وهكذا لو أصدقها إياه ولم تره فاختارت [ ص: 82 ] عند رؤيته رده كان الجواب فيها هكذا لا يختلفان قال وإن أصدقها عبدا لا يملكه أو مكاتبا أو حرا على أنه عبد له أو دارا ثم ملك الدار والعبد فلها في هذا كله مهر مثلها قال وكذلك المكاتب لا يباع والحر لا ثمن له فلم يملك واحدا من هذين بحال والعبد لا يملكه والدار وقع النكاح ولا سبيل له عليه ولو سلمه سيده أو سلم الدار لم يكن لها كما لو باعها عبدا أو دارا لا يملكها ثم سلمها مالكها لم يجز البيع ولو أصدقها عبدا بصفة جاز الصداق وجبرتها إذا جاءها بأقل ما تقع عليه الصفة على قبضه منه قال وهكذا لو أصدقها حنطة أو زبيبا أو خلا بصفة أو إلى أجل كان جائزا وكان عليها إذا جاءها بأقل ما يقع عليه اسم الصفة أن تقبله .
ولو قال أصدقتك ملء هذه الجرة خلا والخل غير حاضر لم يجز وكان لها مهر مثلها كما لو اشترى ملء هذه الجرة خلا والخل غائب لم يجز من قبل أن الجرة قد تنكسر فلا يدرى كم قدر الخل وإنما يجوز بيع العين ترى أو الغائب المكيل أو الموزون بكيل أوميزان يدرك علمه فيجبر عليه المتبايعان قال ولو أصدقها جرارا فقال هذه مملوءة خلا فنكحته على الجرار بما فيها أو على ما في الجرة فإذا فيها خل كان لها الخيار إذا رأته وافيا أو ناقصا لأنها لم تره فإن اختارته فهو لها إن ثبت حديث خيار الرؤية ، وإن اختارت رده فلها عليه مهر مثلها ولو وجدته خمرا رجعت عليه بمهر مثلها لأنه لا يكون لها أن تملك الخمر وهذا بيع عين لا تحل كما لو أصدقها خمرا كان لها مهر مثلها قال ولو أصدقها دارا لم ترها على أنها بالخيار فيما أصدقها إن شاءت أخذته وإن شاءت ردته أو شرط الخيار لنفسه كان النكاح جائزا لأن الخيار إنما هو في الصداق لا في النكاح وكان لها مهر مثلها ولم يكن لها أن تملك العبد ولا الدار .
ولو اصطلحا بعد على العبد والدار لم يجز الصلح حتى يعلم كم مهر مثلها فتأخذه به أو ترضى أن يفرض لها مهرا فتأخذ بالفرض لا قيمة مهر مثلها الذي لا تعرفه لأنه لا يجوز البيع إلا بثمن يعرفه البائع والمشتري معا لا أحدهما دون الآخر ولا يشبه هذا أن تنكحه بعبد نكاحا صحيحا فيهلك العبد لأن العقد وقع وليس لها مهر مثلها فيكون العبد مبيعا به مجهولا وإنما وقع بالعبد وليس لها غيره إذا صح ملكه قال ولوأصدقها عبدا فقبضته فوجدت به عيبا وحدث به عندها عيب لم يكن لها رده إلا أن يشاء الزوج أن يأخذه بالعيب الذي حدث به عندها ولا يكون له في العيب الحادث عندها شيء ولها أن ترجع عليه بما نقصه العيب وكذلك لو أعتقته أو كاتبته رجعت عليه بما نقصه العيب .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (200)
صــــــــــ 82 الى صـــــــــــ 89
كتاب الشغار
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار } والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق ( قال الشافعي ) لا أدري تفسير الشغار في الحديث أو من ابن عمر أو نافع أو مالك وهكذا كما قال الشغار فكل من زوج رجلا امرأة يلي أمرها بولاية نفس الأب البكر أو الأب وغيره من الأولياء لامرأة على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فهو الشغار أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { إن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 83 ] نهى عن الشغار } ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا شغار في الإسلام } ( قال الشافعي ) فإذا أنكح الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن ينكحه ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم لواحدة منهما صداق فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل النكاح وهو مفسوخ وإن أصاب كل واحد منهما فلكل واحدة منهما مهر مثلها وعليها العدة وهو كالنكاح الفاسد في جميع أحكامه لا يختلفان ( قال الشافعي ) وإذا زوج الرجل ابنته الرجل أو المرأة يلي أمرها على أن يزوجه الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها على أن صداق إحداهما كذا لشيء يسميه وصداق الأخرى كذا لشيء يسميه أقل أو أكثر أو على أن يسمي لإحداهما صداقا ولم يسم للأخرى صداقا أو قال لا صداق لها فليس هذا بالشغار المنهي عنه والنكاح ثابت والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إذا دخل بها أو ماتت أو مات عنها ونصف مهر مثلها إن طلقت قبل أن يدخل بها .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل فإن عطاء وغيره يقولون يثبت النكاح ويؤخذ لكل واحدة منهما مهر مثلها فلم لم تقله وأنت تقول يثبت النكاح بغير مهر ويثبت بالمهر الفاسد وتأخذ مهر مثلها ؟ فأكثر ما في الشغار أن يكون المهر فيه فاسدا أو يكون بغير مهر ؟ قيل له أبان الله عز وجل أن النساء محرمات إلا بما أحل الله من نكاح أو ملك يمين فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل كيف النكاح الذي يحل فمن عقد نكاحا كما أمره الله تعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم أو عقد نكاحا لم يحرمه الله سبحانه وتعالى ولم ينه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فالنكاح ثابت ، ومن نكح كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فهو عاص بالنكاح إلا أنه غير مؤاخذ إن شاء الله تعالى بالمعصية إن أتاها على جهالة فلا يحل المحرم من النساء بالمحرم من النكاح والشغار محرم بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وهكذا كل ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من نكاح لم يحل به المحرم وبهذا قلنا في المتعة ونكاح المحرم وما نهى عنه من نكاح ولهذا قلنا في البيع الفاسد لا يحل به فرج الأمة فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النكاح في حال فعقد على نهيه كان مفسوخا لأن العقد لهما كان بالنهي ولا يحل العقد المنهي عنه محرما .
( قال الشافعي ) ويقال له إنما أجزنا النكاح بغير مهر لقول الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } الآية فلما أثبت الله عز وجل الطلاق دل ذلك على أن النكاح ثابت لأن الطلاق لا يقع إلا من نكاح ثابت فأجزنا النكاح بلا مهر ولما أجازه الله سبحانه وتعالى بلا مهر كان عقد النكاح على شيئين أحدهما نكاح والآخر ما يملك بالنكاح من المهر فلما جاز النكاح بلا ملك مهر فخالف البيوع وكان فيه مهر مثل المرأة إذا دخل بها وكان كالبيوع الفاسدة المستهلكة يكون فيها قيمتها كان المهر إذا كان فاسدا لا يفسد النكاح ولم يكن في النكاح بلا مهر ولا في النكاح بالمهر الفاسد نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرمه بنهيه كما كان في الشغار فأجزنا ما أجاز الله عز وجل وما كان في معناه إذا لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه عن شيء علمناه ورددنا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هذا الواجب علينا الذي ليس لنا ولا لأحد أن يعقل عن الله جل وعلا شيئا علمنا غيره .
أخبرنا الربيع : قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن رجلا نكح امرأة على حكمها ثم طلقها فاحتكمت رقيقا من بلاده فأبى فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال امرأة من المسلمين .
( قال الشافعي ) أحسبه قال يعني مهر امرأة من المسلمين .
[ ص: 84 ] نكاح المحرم
أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبد الله أراد أن يزوج طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير فأرسل إلى أبان بن عثمان ليحضر ذلك وهما محرمان فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب } وأخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( قال الشافعي ) وأخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج } .
أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم وهو ابن أخت ميمونة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حلال } . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سلمة الأموي عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب : قال وهم الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم ما نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال : أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المزني أنه أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نكاحه . أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ، قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره .
( قال الشافعي ) لا يلي محرم عقدة نكاح لنفسه ولا لغيره فإن تزوج المحرم في إحرامه وكان هو الخاطب لنفسه أو خطب عليه حلال بأمره فسواء لأنه هو الناكح ونكاحه مفسوخ . وهكذا المحرمة لا يزوجها حرام ولا حلال لأنها هي المتزوجة ، وكذلك لو زوج المحرم امرأة حلالا أو وليها حلال فوكل وليها حراما فزوجها كان النكاح مفسوخا لأن المحرم عقد النكاح قال : ولا بأس أن يشهد المحرمون على عقد النكاح لأن الشاهد ليس بناكح ولا منكح ولو توقى رجل أن يخطب امرأة محرمة كان أحب إلي ولا أعلمه يضيق عليه خطبتها في إحرامها لأنها ليست بمعتدة ولا في معناها ومتى خرجت من إحرامها جاز لها أن تنكح وقد تكون معتمرة فيكون لها الخروج من إحرامها بأن تعجل الطواف وحاجة فيكون لها ذلك بأن تعجل الزيارة يوم النحر فتطوف . والمعتدة ليس لها أن تقدم الخروج من عدتها ساعة .
( قال الشافعي ) فأي نكاح عقده محرم لنفسه أو محرم لغيره فالنكاح مفسوخ فإذا دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها إلا ما سمى لها ويفرق بينهما وله أن يخطبها إذا حلت من إحرامها في عدتها منه ولو توقى كان ذلك أحب إلي لأنها وإن كانت تعتد من مائه فإنها تعتد من ماء فاسد . قال وليس لغيره أن يخطبها حتى تنقضي عدتها منه فإن نكحها هو فهي عنده على ثلاث تطليقات لأن الفسخ ليس بطلاق ، وإن خطب المحرم على رجل وولي عقدة نكاحه حلال فالناكح جائز إنما أجزنا النكاح بالعقد وأكره للمحرم أن يخطب على غيره كما أكره له أن يخطب على نفسه ولا تفسد معصيته بالخطبة إنكاح الحلال وإنكاحه طاعة فإن كانت معتمرة أو كان معتمرا لم ينكح واحد منهما حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويأخذ من شعره فإن نكح قبل ذلك فنكاحه مفسوخ فإن كانت أو كانا حاجين لم ينكح واحد منهما حتى يرمي ويحلق ويطوف يوم النحر أو بعده فأيهما نكح قبل هذا فنكاحه مفسوخ وذلك أن عقد النكاح كالجماع فمتى لم يحل للمحرم الجماع [ ص: 85 ] من الإحرام لم يحل له عقد النكاح وإذا كان الناكح في إحرام فاسد لم يجز له النكاح فيه كما لا يجوز له في الإحرام الصحيح وإن كان الناكح محصرا بعد ولم ينكح حتى يحل وذلك أن يحلق وينحر فإن كان محصرا بمرض لم ينكح حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة وأصل هذا أن ينظر إلى عقد النكاح فإن كان قد حل للمحرم منهما الجماع فأجيزه ، وإن كان الجماع لم يحل للمحرم منهما لحرمة الإحرام فأبطله .
( قال الشافعي ) ويراجع المحرم امرأته وتراجع المحرمة زوجها لأن الرجعة ليست بابتداء نكاح إنما هي إصلاح شيء أفسد من نكاح كان صحيحا إلى الزوج إصلاحه دون المرأة والولاة وليس فيه مهر ولا عوض ولا يقال للمراجع ناكحا .
( قال الشافعي ) ويشتري المحرم الجارية للجماع والخدمة لأن الشراء ليس كالنكاح المنهي عنه كما يشتري المرأة وولدها وأمها وأخواتها ولا ينكح هؤلاء معا لأن الشراء ملك فإن كان يحل به الجماع بحال فليس حكمه حكم النكاح فننهاه عن الشراء لأنه في معنى النكاح ( قال الشافعي ) ولو وكل رجل قبل أن يحرم رجلا أن يزوجه امرأة ثم أحرم فزوجه وهو ببلده أو غائب عنه يعلم بإحرامه أو لا يعلم فالنكاح مفسوخ إذا عقده والمعقود له محرم ، قال ولو عقد وهو غائب في وقت فقال لم أكن في ذلك الوقت محرما كان القول قوله مع يمينه إلا أن تقوم عليه بينة بإحرامه في ذلك الوقت فيفسخ النكاح ، ولو زوجه في وقت فقال الزوج لا أدري كنت في ذلك الوقت محرما أو حلالا أو لم أعلم متى كان النكاح كان الورع أن يدع النكاح ويعطي نصف الصداق إن كان سمى والمتعة إن لم يكن سمى ويفرق في ذلك بتطليقة ويقول إن لم أكن كنت محرما فقد أوقعت عليها تطليقة ولا يلزمه في الحكم من هذا شيء لأنه على إحلال النكاح حتى يعلم فسخه وهذا كله إذا صدقته المرأة بما يقول في أن النكاح كان وهو محرم فإن كذبته ألزمته لها نصف الصداق إن لم يكن دخل بها إلا أن يقيم بينة بأنه كان محرما حين تزوج وفسخت النكاح عليه بإقراره أن نكاحه كان فاسدا .
وإن قالت لا أعرف أصدق أم كذب قلنا نحن نفسخ النكاح بإقراره وإن قلت كذب أخذنا لك نصف المهر لأنك لا تدرين ثم تدرين وإن لم تقولي هذا لم نأخذ لك شيئا ولا نأخذ لمن لا يدعي شيئا . وإن قالت المرأة أنكحت وأنا محرمة فصدقها أو أقامت بينة فالنكاح مفسوخ وإن لم يصدقها فالقول قوله والنكاح ثابت وعليه اليمين وإن نكح أمة فقال سيدها أنكحتها وهي محرمة وقالت ذلك الأمة أو لم تقله فإن صدقه الزوج فلا مهر لها وإن كذبه وكذبها فالنكاح ثابت إذا حلف الزوج .
نكاح المحلل ونكاح المتعة
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية } ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة } .
( قال الشافعي ) وجماع نكاح المتعة المنهي عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد وذلك أن يقول الرجل للمرأة نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد أو نكحتك حتى أصيبك فتحلين لزوج فارقك ثلاثا أو ما أشبه هذا مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد أو [ ص: 86 ] يحدث لها فرقة ، ونكاح المحلل الذي يروى أن رسوله صلى الله عليه وسلم لعنه عندنا - والله تعالى أعلم - ضرب من نكاح المتعة لأنه غير مطلق إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الإصابة فقد يستأخر ذلك أو يتقدم ، وأصل ذلك أنه عقد عليها النكاح إلى أن يصيبها فإذا أصابها فلا نكاح له عليها ، مثل أنكحك عشرا ففي عقد أنكحك عشرا أن لا نكاح بيني وبينك بعد عشر كما في عقد أنكحك لأحللك أني إذا أصبتك فلا نكاح بيني وبينك بعد أن أصبتك كما يقال أتكارى منك هذا المنزل عشرا أو أستأجر هذا العبد شهرا ، وفي عقد شهر أنه إذا مضى فلا كراء ولا إجارة لي عليك ، وكما يقال أتكارى هذا المنزل مقامي في البلد ، وفي هذا العقد أنه إذا خرج من هذا البلد فلا كراء له ، وهذا يفسد في الكراء فإذا عقد النكاح على واحد مما وصفت فهو داخل في نكاح المتعة ، وكذلك كل نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول فالنكاح مفسوخ لا ميراث بين الزوجين وليس بين الزوجين شيء من أحكام الأزواج طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان إلا بولد ، وإن كان لم يصبها فلا مهر لها وإن كان أصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وعليها العدة ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا ، وإن نكحها بعد هذا نكاحا صحيحا فهي عنده على ثلاث .
( قال الشافعي ) وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح امرأة ونيته ونيتها أن لا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أو اثنين أو ثلاثة كانت على هذا نيته دون نيتها أو نيتها دون نيته أو نيتهما معا ونية الولي غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح شيئا لأن النية حديث نفس وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم وقد ينوي الشيء ولا يفعله وينويه ويفعله فيكون الفعل حادثا غير النية ، وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها أو نية أحدهما دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ما يصيبها فيحللها لزوجها ثبت النكاح وسواء نوى ذلك الولي معهما أو نوى غيره أو لم ينوه ولا غيره والوالي والولي في هذا لا معنى له أن يفسد شيئا ما لم يقع النكاح بشرط يفسده ( قال الشافعي ) ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما أو إلا مقامه بالبلد أو إلا قدر ما يصيبها كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء وأكره له المراوضة على هذا ونظرت إلى العقد فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين وإن انعقد على ذلك الشرط فسد وكان كنكاح المتعة ، وأي نكاح كان صحيحا وكانت فيه الإصابة أحصنت الرجل والمرأة إذا كانت حرة وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا وأوجبت المهر كله وأقل ما يكون من الإصابة حتى تكون هذه الأحكام أن تغيب الحشفة في القبل نفسه .
( قال الشافعي ) وأي نكاح كان فاسدا لم يحصن الرجل ولا المرأة ولم يحللها لزوجها فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل : فهل فيما ذكرت من أن الرجل ينكح ينوي التحليل مراوضة أو غير مراوضة فإذا لم ينعقد النكاح على شرط كان النكاح ثابتا خبر عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من دونهم ؟ قيل فيما ذكرنا من النهي عن المتعة وأن المتعة هي النكاح إلى أجل كفاية وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن سيف بن سليمان عن مجاهد قال طلق رجل من قريش امرأة له فبتها فمر بشيخ وابن له من الأعراب في السوق قدما بتجارة لهما فقال للفتى هل فيك من خير ؟ ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها ثم مضى عنه ثم كر عليه فكمثلها . قال نعم : قال فأرني يدك فانطلق به فأخبره الخبر وأمره بنكاحها فنكحها فبات معها فلما أصبح استأذن فأذن له فإذا هو قد ولاها الدبر فقالت : والله لئن طلقني لا أنكحك أبدا فذكر ذلك لعمر فدعاه فقال لو نكحتها لفعلت بك كذا وكذا وتوعده ودعا زوجها فقال الزمها . أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد عن عمر مثله [ ص: 87 ] أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرت عن ابن سيرين أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد فجاءته امرأة فقالت له هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة فتصبح فتفارقها ؟ فقال نعم وكان ذلك فقالت له امرأته إنك إذا أصبحت فإنهم سيقولون لك فارقها فلا تفعل فإني مقيمة لك ما ترى واذهب إلى عمر فلما أصبحت أتوه وأتوها فقالت كلموه فأنتم جئتم به فكلموه فأبى وانطلق إلى عمر فقال : الزم امرأتك فإن رابوك بريب فائتني وأرسل إلى المرأة التي مشت بذلك فنكل بها . ثم كان يغدو إلى عمر . ويروح في حلة فيقول الحمد لله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح .
( قال الشافعي ) وقد سمعت هذا الحديث مسندا متصلا عن ابن سيرين يوصله عن عمر بمثل هذا المعنى .
باب الخيار في النكاح
وإذا نكح الرجل المرأة على أنه بالخيار في نكاحها يوما أو أقل أو أكثر أو على أنه بالخيار ولم يذكر مدة ينتهي إليها إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده أو قال على أني بالخيار يعني من كان له الخيار أنه إن شاء أجاز النكاح وإن شاء رده فالنكاح فاسد ، وكذلك إن كان الخيار للمرأة دونه أو لهما معا أو شرطاه أو أحدهما لغيرهما فالنكاح باطل في هذا كله فإن لم يدخل بها فهو مفسوخ وإن أصابها فلها مهر مثلها بما أصاب منها ولا نكاح بينهما ويخطبها مع الخطاب وهي تعتد من مائه ولو تركها حتى تستبرئ كان أحب إلي ( قال الشافعي ) وإنما أبطلته بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة فلما كان نكاح المتعة مفسوخا لم يكن للنهي عنه معنى أكثر من أن النكاح إنما يجوز على إحلال المنكوحة مطلقا لا إلى غاية وذلك أنها إذا كانت إلى غاية فقد أباحت نفسها بحال ومنعتها في أخرى فلم يجز أن يكون النكاح إلا مطلقا من قبلها كان الشرط أن تكون منكوحة إلى غاية أو قبله أو قبلهما معا ، ولما كان النكاح بالخيار في أكثر من المعنى الذي له فيما نرى فسدت المتعة في أنه لم ينعقد والجماع حلال فيه على ما وصفت من الأبد ولا بحال حتى يحدث له اختيارا حادثا فتكون العقدة انعقدت على النكاح والجماع لا يحل فيها بكل حال فالنكاح في العقدة غير ثابت لم يثبت النكاح بشيء حدث بعدها ليس هو هي فيكون متقدم النكاح غير ثابت في حال وثابتا في أخرى وهذا أقبح من نكاح المتعة لأن نكاح المتعة وقع على ثابت أولا إلى مدة وغير ثابت إذا انقطعت المدة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولم أعلم مخالفا في جملة أن النكاح لا يجوز على الخيار كما تجوز البيوع ، فإذا كان الخيار فيه لا يجوز لزم من أعطى هذه الجملة - والله تعالى أعلم - أن لا يجيز النكاح إذا كان بشرط الخيار .
ما يدخل في نكاح الخيار
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت المرأة الحرة مالكة لأمرها فزوجها وليها رجلا بغير علمها فأجازت النكاح أو ردته فهو غير جائز ولا يجوز نكاح المرأة بحال أبدا حتى تأذن في أن تنكح قبل أن تنكح ، فإذا أذنت في ذلك في رجل بعينه فزوجها ولي جاز .
( قال الشافعي ) وكذلك إذا أذنت للولي أن يزوجها من رأى فزوجها كفئا فالنكاح جائز وهكذا الزوج يزوجه الرجل بغير إذنه [ ص: 88 ] فالنكاح باطل أجازه الرجل أو رده وأصل معرفة هذا أن ينظر إلى كل عقد نكاح كان الجماع فيه والنظر إلى المرأة مجردة محرما إلى مدة تأتي بعده فالنكاح فيه مفسوخ وهو في معنى ما وصفت قبل من نكاح الخيار ونكاح المتعة ولا يجوز إنكاح الصبي ولا الصبية ولا البكر غير الصبية إلا بعد تقدم رضاها أو البكر البالغ لولي غير الآباء خاصة بما وصفنا قبله من دلالة السنة في إنكاح الأب ولو أن امرأة حرة أذنت لوليها أن يزوجها برجل فزوجها رجل غير وليها ذلك الرجل وأجاز الولي نكاحها لم يجز لأنها كان لها وللولي أن يرد نكاحه لعلة أن المزوج غير المأذون له بالتزوج فلم يجز النكاح وهكذا المرأة تنكح بغير إذن وليها فيجيز وليها النكاح أو العبد ينكح بغير إذن سيده فيجيز سيده النكاح أو الأمة تنكح بغير إذن سيدها فيجيز سيدها النكاح فهذا كله نكاح مفسوخ لا يجوز بإجازة من أجازه لأنه انعقد منهيا عنه وهكذا الحر البالغ المحجور عليه ينكح بغير إذن وليه ووليه ولي ماله لا ولاية على البالغ في النكاح في النسب إنما الولي عليه ولي ماله كما يقع عليه في الشراء والبيع ولا يشبه المرأة التي وليها ولي نسبها للعار عليها والرجل لا عار عليه في النكاح فإذا أذن وليه بعد النكاح فالنكاح مفسوخ وكل نكاح مفسوخ قبل الجماع فهو مفسوخ بعد الجماع .
( قال الشافعي ) وإذا زوج الولي رجلا غائبا بخطبة غيره وقال الخاطب لم يرسلني ولم يوكلني فالنكاح باطل وإذا قال الرجل قد أرسلني فلان فزوجه الولي أو كتب الخاطب كتابا فزوجه الولي وجاءه بعلم التزويج فإن مات الزوج قبل أن يقر بالرسالة أو الكتاب لم ترثه المرأة وإن لم يمت فقال لم أرسل ولم أكتب فالقول قوله مع يمينه فإن قامت عليه بينة برسالة بخطبتها أو كتاب بخطبتها ثبت عليه النكاح وهكذا لو مات ولم يقر بالنكاح أو جحده فقامت عليه بينة ثبت عليه النكاح وكان لها عليه المهر الذي سمى لها ولها منه الميراث فإن قال الرجل قد وكلني فلان أزوجه فزوجته فأنكر المزوج فالقول قوله مع يمينه إن لم يكن عليه بينة ولا صداق ولا نصف على المزوج المدعي الوكالة إلا أن يضمن الصداق فيكون عليه نصفه بالضمان فإن الزوج لم يمسس وليس هذا كالرجل يشتري للرجل الشيء فينكر المشترى له الوكالة فيكون الشراء للمشتري وعليه الثمن هذا لا يكون له النكاح وإن ولى عقده لغيره والله تعالى الموفق .
باب ما يكون خيارا قبل الصداق
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا وكل الرجل أن يزوجه امرأة بصداق فزادها عليه أو أصدق عنه غير الذي يأمره أو أمرت المرأة الولي أن يزوجها بصداق فنقص من صداقها أو زوجها بعرض فلا خيار في واحد من هذين للمرأة ولا للرجل ولا يرد النكاح من قبل تعدي الوكيل في الصداق وللمرأة على الزوج في كل حال من هذه الأحوال مهر مثلها وإن كان وكيل الرجل ضمن للمرأة ما زادها فعلى الوكيل الزيادة على مهر مثلها وإن كان ضمن الصداق كله أخذت المرأة الوكيل بجميع الصداق الذي ضمن ورجع على الزوج بصداق مثلها ولم يرجع عليه بما ضمن عنه مما زاد على صداق مثلها لأنه متطوع بالزيادة على صداق مثلها وإن كان ما سمى مثل صداق مثلها رجع به عليه ولو كان الوكيل لم يضمن لها شيئا لم يضمن الوكيل شيئا وليس هذا كالبيوع التي يشتري الرجل منها الشيء للرجل فيزيد في ثمنه فلا يلزم الآمر إلا أن يشاء ( قال الربيع ) إلا أن يشاء أن يحدث شراء من المشتري لأن العقد كان صحيحا ( قال الشافعي ) ويلزم المشتري لأنه ولي صفقة البيع وأنه يجوز أن يملك [ ص: 89 ] ما اشترى بذلك العقد وإن سماه لغيره وهو لا يجوز له أن يملك امرأة بعقد عقده لغيره ولا يكون للزوج ولا للمرأة خيار من قبل أنه لا يجوز أن يكون في النكاح خيار من هذا الوجه ويثبت النكاح فيكون لها صداق مثلها فإن قال قائل فكيف يجعل لها صداق مثلها ولم يرض الزوج أن يتزوجها إلا بصداق مسمى هو أقل من صداق مثلها ؟ قيل له إن شاء الله تعالى أرأيت إذا لم يرض الزوج أن يتزوج إلا بلا مهر فلم أرد النكاح ولم أجعل فيه خيارا للزوجين ولا لواحد منهما وأثبت النكاح وأخذت منه مهر مثلها من قبل أن عقدة النكاح لا تفسخ بصداق وأنه كالبيوع الفاسدة المستهلكة التي فيها قيمتها فأعطاها الزوج صداقها وولي عقدة النكاح غيره فزادها عليه فأبلغتها صداق مثلها فما أخذت منه من إبلاغها صداق مثلها وإن لم يبلغه أقل من أخذي منه مبتدأ صداق مثلها فهو لم يبذله ولم ينكح عليه وهكذا لو وكل رجل رجلا يزوجه امرأة بعينها ولم يسم لها صداقا فأصدقها أكثر من صداق مثلها ولم يضمنه الوكيل فلها صداق مثلها لا يجعل على الزوج ما جاوزه إذا لم يسمه ولا تنقص المرأة منه .
ولو وكله بأن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بخمسين كان النكاح جائزا وكانت لها الخمسون لأنها رضيت بها ولو وكل أن يزوجه إياها بمائة فزوجه إياها بعبد أو دراهم أو طعام أو غيره كان لها صداق مثلها إلا أن يصدقه الزوج أنه أمره أن يعمل برأيه أن يزوجه بما زوجه به ، وهكذا المرأة لو أذنت لوليها أن يزوجها فتعدى في صداقها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (201)
صــــــــــ 90 الى صـــــــــــ 97
الخيار من قبل النسب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن عبدا انتسب لامرأة حرة حرا فنكحته وقد أذن له سيده ثم علمت أنه عبد أو انتسب لها إلى نسب فوجدته من غير ذلك النسب ومن نسب دونه ونسبها فوق نسبه كان فيها قولان . أحدهما أن لها الخيار لأنه منكوح بعينه وغار بشيء وجد دونه ، والثاني أن النكاح مفسوخ كما ينفسخ لو أذنت في رجل بعينه فزوجت غيره كأنها أذنت في عبد الله بن محمد الفلاني فزوجت عبد الله بن محمد من غير بني فلان فكان الذي زوجته غير من أذنت بتزويجه فإن قال قائل فلم تجعل لها الخيار في الرجل يغرها بنسبه وقد نكحته بعينه ولم تجعله لها من جهة الصداق ؟ قيل الصداق مال من مالها هي أملك به لا عار عليها ولا على من هي فيه منه في نقصه ولا ولاية لأوليائها في مالها وهذا كان لأوليائها على الابتداء إذا أذنت فيه أن يمنعوها منه بنقص في النسب ولم يكن لهم على الابتداء يمنعونها كفئا تترك له من صداقها ، فإن قال قائل فكيف لم تجعل نكاح الذي غرها مفسوخا بكل حال ؟ قيل له لأنه قد كان لأوليائها على الابتداء أن يزوجوها إياه . وليس معنى النكاح إذا أراد الولاة منعه بأن الناكح غير كفء بأن النكاح محرم وللأولياء أن يزوجوها غير كفء إذا رضيت ورضوا وإنما رددناه بالنقص على المزوجة كما يجعل الخيار في رد البيع بالعنب وليس بمحرم أن يتم إن شاء الذي جعل له الخيار : فإن قال فقد جعلت خيارا في الكفاءة .
قيل من جهة أن الله عز وجل جعل للأولياء في بضع المرأة أمرا وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاح المرأة بغير إذن وليها مردودا فكانت دلالة أن لا يتم نكاحها إلا بولي وكانت إذا فعلت ذلك مفوتة في شيء لها فيه شريك ومن يفوت في شيء له فيه شريك لم يجز ذلك على شركته فإذا كان الشريك في بضع لم يتم إلا باجتماع الشريكين لأنه لا يتبعض ولم يكن للولاة معها معنى إلا بما وصفنا والله تعالى أعلم إلا أن تنكح من [ ص: 90 ] ينقص نسبه عن نسبها ولم يجعل الله للولاة أمرا في مالها ، ولو أن المرأة غرت الرجل بأنها حرة فإذا هي أمة وأذن لها سيدها كان له فسخ النكاح إن شاء ، ولو غرته بنسب فوجدها دونه ففيها قولان أحدهما أن له عليها في الغرور بالنسب ما لها عليه من رد النكاح وإذا رد النكاح قبل أن يصيبها فلا مهر ولا متعة وإذا رده بعد الإصابة فلها مهر مثلها لا ما سمى لها ولا نفقة في العدة حاملا كانت أو غير حامل ولا ميراث بينهما إذا فسخ ، والثاني لا خيار له إذا كانت حرة لأن بيده الطلاق ولا يلزمه من العار ما يلزمها وله الخيار بكل حال إن كانت أمة .
( قال الربيع ) وإن كانت أمة غر بها كان له الخيار إن كان يخاف العنت وكان لا يجد طولا لحرة وإن كان يجد طولا لحرة أو كان لا يخاف العنت فالنكاح مفسوخ بكل حال وهو قول الشافعي ( قال الشافعي ) ولو غرها بنسب فوجد دونه وهو بالنسب الدون كفء لها ففيها قولان : أحدهما ليس لها ولا لوليها خيار من قبل الكفاءة لها وإنما جعل لها الخيار ولوليها من قبل التقصير عن الكفاءة فإذا لم يكن تقصير فلا خيار وهذا أشبه القولين وبه أقول ، والآخر أن النكاح مفسوخ لأنها مثل المرأة تأذن في الرجل فتزوج غيره .
ومن قال هذا القول الآخر قاله في المرأة تغر بنسب فتوجد على غيره قال ولو غرت بنسب أو غر به فوجد خيرا منه . وإنما منعني من هذا أن الغرور لم يكن فيه ببدنه ولا فيها ببدنها وهما المزوجان وإنما كان الغرور فيمن فوقه فلم تكن أذنت في غيره ولا أذن في غيرها ولكنه كان ثم غرور نسب فيه حق للعقدة وكان غير فاسد أن يجوز على الابتداء ( قال الشافعي ) فإن قال : فهل تجد دلالة غير ما ذكرت من الاستدلال من أن معنى الأولياء إنما هو لمعنى النسب في هذا المعنى أو ما يشبه في كتاب أو سنة حتى يجوز أن تجعل في النكاح خيارا والخيار إنما يكون إلى المخير إثباته وفسخه ؟ قيل نعم عتقت بريرة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ففارقت زوجها وقد كان لها الثبوت عنده لأنه لا يخيرها إلا ولها أن تثبت إن شاءت وتفارق إن شاءت .
وقد كان العقد على بريرة صحيحا وكان الجماع فيه حلالا وكان لها فسخ العقد فلم يكن لفسخها معنى - والله تعالى أعلم - إلا أنها صارت حرة فصار العبد لها غير كفء والتي كانت كفيئة في حال ثم انتقلت إلى أن تكون غير كفء للعبد لتقصيره عنها أدنى حالا من التي لم تكن قط كفيئة لمن غرها فنكحته على الكفاءة فوجد على غيرها .
في العيب بالمنكوحة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو تزوج الرجل امرأة على أنها جميلة شابة موسرة تامة بكر فوجدها عجوزا قبيحة معدمة قطعاء ثيبا أو عمياء أو بها ضر ما كان الضر غير الأربع التي سمينا فيها الخيار فلا خيار له . وقد ظلم من شرط هذا نفسه . وسواء في ذلك الحرة والأمة إذا كانتا متزوجتين ، وليس النكاح كالبيع فلا خيار في النكاح من عيب يخص المرأة في بدنها ولا خيار في النكاح عندنا إلا من أربع أن يكون حلق فرجها عظما لا يوصل إلى جماعها بحال وهذا مانع للجماع الذي له عامة ما نكحها .
فإن كانت رتقاء فكان يقدر على جماعها بحال فلا خيار له لو عالجت نفسها حتى تصير إلى أن يوصل إليها فلا خيار للزوج وإن لم تعالج نفسها فله الخيار إذا لم يصل إلى الجماع بحال . وإن سأل أن يشقها هو بحديدة أو ما شابهها ويجبرها على ذلك لم أجعل له أن يفعل وجعلت له الخيار وإن فعلته هي فوصل إلى جماعها قبل أن أخيره لم أجعل له خيارا ، ولا يلزمها الخيار إلا عند حاكم إلا أن يتراضيا هما بشيء يجوز فأجيز تراضيهما ، ولو تزوجها فوجدها مفضاة لم أجعل له خيارا لأنه يقدر على الجماع ، [ ص: 91 ] وكذلك لو كان بها قرن يقدر معه على الجماع لم أجعل له خيارا ولكن لو كان القرن مانعا للجماع كان كالرتق أو تكون جذماء أو برصاء أو مجنونة ولا خيار في الجذام حتى يكون بينا فأما الزعر في الحاجب ، أو علامات ترى أنها تكون جذماء ولا تكون فلا خيار فيه بينهما لأنه قد لا يكون وله الخيار في البرص لأنه ظاهر وسواء قليل البرص وكثيره فإن كان بياضا فقالت ليس هذا برصا وقال هو برص أريه أهل العلم به فإن قالوا هو برص فله الخيار وإن قالوا هو مرار لا برص فلا خيار له فإن شاء أمسك وإن شاء طلق ( قال الشافعي ) والجنون ضربان خنق وله الخيار بقليله وكثيره وضرب غلبة على عقله من غير حادث مرض فله الخيار في الحالين معا وهذا أكثر من الذي يخنق ويفيق .
( قال الشافعي ) فأما الغلبة على العقل بالمرض فلا خيار لها فيه ما كان مريضا فإذا أفاق من المرض وثبتت الغلبة على العقل فلها الخيار فإن قال قائل ما الحجة في أن جعلت للزوج الخيار في أربع دون سائر العيوب ؟ فالحجة عن غير واحد في الرتقاء ما قلت ، وإنه إذا يوصل إلى الجماع بحال فالمرأة في غير معاني النساء فإن قال فقد قال أبو الشعثاء لا ترد من قرن فقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح إلا أن يسمى فإن سمي جاز الجنون والجذام والبرص والقرن ( قال الشافعي ) فإن قال قائل فنقول بهذا ؟ قيل إن كان القرن مانعا للجماع بكل حال كما وصفت كان كالرتق وبه أقول ، وإن كان غير مانع للجماع فإنما هو عيب ينقصها فلا أجعل له خيارا ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها وذلك لزوجها غرم على وليها .
( قال الشافعي ) فإذا علم قبل المسيس فله الخيار فإن اختار فراقها فلا مهر لها ولا نصف ولا متعة وإن اختار حبسها بعد علمه أو نكحها وهو يعلمه فلا خيار له وإن اختار الحبس بعد المسيس فصدقته أنه لم يعلم خيرته فإن اختار فراقها فلها مهر مثلها بالمسيس ولا نفقة عليه في عدتها ولا سكنى إلا أن يشاء ولا يرجع بالمهر عليها ولا على وليها فإن قال قائل فقد قيل يرجع بالمهر على وليها .
( قال الشافعي ) إنما تركت أن أرده بالمهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وإن أصابها فلها الصداق بما استحل من فرجها } فإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصداق للمرأة بالمسيس في النكاح الفاسد بكل حال ولم يرده به عليها وهي التي غرته لا غيرها لأن غيرها لو زوجه إياها لم يتم النكاح إلا بها إلا في البكر للأب فإذا كان في النكاح الفاسد الذي عقد لها لم يرجع به عليها وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم لها كان في النكاح الصحيح الذي للزوج فيه الخيار أولى أن يكون للمرأة فإذا كان للمرأة لم يجز أن تكون هي الآخذة له ويغرمه وليها لأن أكثر أمره أن يكون غر بها وهي غرت بنفسها فهي كانت أحق أن يرجع به عليها ولو رجع به عليها لم تعطه أولا .
( قال الشافعي ) وقضى عمر بن الخطاب في التي نكحت في عدتها إن أصيبت فلها المهر فإذا جعل لها المهر فهو لو رده به عليها لم يقض لها به ولم يرده على وليها بمهره إنما فسد النكاح من قبل العقد لأنه لو كان بغير ولي أفسده وإن لم يكن في عدة قال وما جعلت له فيه الخيار إذا عقدت عقدة النكاح وهو بها جعلت له الخيار إذا حدث بها عقدة النكاح لأن ذلك المعنى قائم فيها وإني لم أجعل له الخيار بأن النكاح فاسد ولكني جعلت له بحقه فيه وحق الولد . قال وما جعلت له فيه الخيار إذا كان بها جعلت لها فيه الخيار إذا كان به أو حدث به فإن اختارت فراقه قبل المسيس لم يكن له أن يمسها ولم يكن من المهر شيء ولا متعة وإن لم تعلم حتى أصابها فاختارت فراقه فلها المهر ولها فراقه والذي يكون به مثل [ ص: 92 ] الرتق أن يكون مجبوبا فأخيرها مكانها فإن كانت بخصلة واحدة مما لها فيه الخيار فلم تختر فراقه وثبتت معه عليها فحدث به أخرى فلها منه الخيار وكذلك إن علمت باثنين أو ثلاث فاختارت المقام معه جعلت لها فيما سواها الخيار وهكذا هو فيما كان بها وإن علمت به فتركته وهي تعلم الخيار لها فذلك كالرضا بالمقام معه ولا خيار لها وإن علم شيئا بها فأصابها فلها الصداق الذي سمى لها ولا خيار له إن شاء طلق وإن شاء أمسك فإن قال قائل فهل فيه من علة جعلت لها الخيار غير الأثر ؟ قيل نعم الجذام والبرص فيما يزعم أهل العلم بالطب والتجارب تعدى الزوج كثيرا وهو داء مانع للجماع لا تكاد نفس أحد أن تطيب بأن يجامع من هو به ولا نفس امرأة أن يجامعها من هو به فأما الولد فبين والله تعالى أعلم أنه إذا ولده أجذم أو أبرص أو جذماء أو برصاء قلما يسلم وإن سلم أدرك نسله ونسأل الله العافية فأما الجنون والخبل فتطرح الحدود عن المجنون والمخبول منهما ولا يكون منه تأدية حق لزوج ولا زوجة بعقل ولا امتناع من محرم بعقل ولا طاعة لزوج بعقل وقد يقتل أيهما كان به زوجه وولده ويتعطل الحكم عليه في كثير ما يجب لكل واحد منهما على صاحبه حتى يطلقها فلا يلزمه الطلاق ويرد خلعه فلا يجوز خلعه وهي لو دعت إلى مجنون في الابتداء كان للولاة منعها منه كما يكون لهم منعها من غير الكفء وإذا جعل لها الخيار بأن يكون مجبوبا أو له بأن تكون رتقاء كان الخبل والجنون أولى بجماع ما وصفت أن يكون لها وله الخيار وأولى أن يكون لها فيه الخيار من أن لا يأتيها فيؤجل فإن لم يأتها خيرت .
( قال الشافعي ) فإن قال فهل من حكم الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع فيه الخيار أو الفرقة بغير طلاق ولا اختلاف دينين ؟ قيل نعم جعل الله للمولي تربص أربعة أشهر أوجب عليه بمضيها أن يفيء أو يطلق وذلك أنه امتنع من الجماع بيمين لو كانت على غير مأتم كانت طاعة الله أن لا يحنث فلما كانت على معصية أرخص له في الحنث وفرض الكفارة في الإيمان في غير ذكر المولي فكانت عليه الكفارة بالحنث فإن لم يحنث أوجبت عليه الطلاق والعلم يحيط أن الضرر بمعاشرة الأجذم والأبرص والمجنون والمخبول أكثر منه بمعاشرة المولي ما لم يحنث وإن كان قد يفترقان في غير هذا المعنى فكل موضع من النكاح لم أفسخه بحال فعقده غير محرم وإنما جعلنا الخيار فيه بالعلة التي فيه فالجماع فيه مباح وأي الزوجين كان له الخيار فمات أو مات الآخر قبل الخيار توارثا ويقع الطلاق ما لم يختر له ، الخيار فسخ العقدة فإذا اختارها لم يقع طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا لعان ولا ميراث .
الأمة تغر بنفسها
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أذن الرجل لأمته في نكاح رجل ووكل رجلا بتزويجها فخطبها الرجل إلى نفسها فذكرت أنها حرة ولم يذكر ذلك الذي زوجها أو ذكر الذي زوجها ولم تذكره أو ذكراه معا فتزوجها على أنها حرة فعلم بعد عقد النكاح وقبل الدخول أو بعده أنها أمة فله الخيار في المقام معها أو فراقها إن كان ممن يحل له نكاحها بأن لا يجد طولا لحرة ويخاف العنت فإن اختار فراقها قبل الدخول فلا نصف مهر ولا متعة وإن لم يعلم حتى أصابها فلها مهر مثلها كان أقل مما سمى لها أو أكثر إن اختار فراقها والفراق فسخ بغير طلاق ألا ترى أن لو جعله تطليقة لزمه أن يكون لها نصف المهر الذي فرض لها قبل الدخول وكله بعد الدخول لأن الله عز وجل أوجب للمطلقة قبل الدخول نصف المهر ولا يرجع بمهرها عليها ولا على الذي غره من نكاحها بحال لأن الإصابة توجب المهر إذا درئ فيها الحد [ ص: 93 ] وهذه إصابة الحد فيها ساقط وإصابة نكاح لا زنا ( قال الشافعي ) فإن أحب المقام معها كان ذلك له وإن اختار فراقها وقد ولدت أولادا فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم يسقطون من بطون أمهاتهم وذلك أول ما كان حكمهم حكم أنفسهم لسيد الأمة ويرجع بجميع ما أخذ منه من قيمة أولاده على الذي غره إن كان غره الذي زوجه رجع به عليه وإن كانت غرته هي رجع به عليها إذا عتقت ولا يرجع عليها إذا كانت مملوكة وهكذا إذا كانت مدبرة أو أم ولد أو معتقة إلى أجل لم يرجع عليها في حال رقها ويرجع عليها إذا عتقت إذا كانت هي التي غرته ( قال الشافعي ) وإن كانت مكاتبة فمثل هذا في جميع المسائل إلا أن له أن يرجع عليها وهي مكاتبة بقيمة أولادها لأن الجناية والدين في الكتابة يلزمها فإن أدته فذاك وإن لم تؤده وعجزت فردت رقيقا لم يلزمها في حال رقها حتى تعتق فيلزمها إذا عتقت وإن كان ممن يجد طولا لحرة فالنكاح مفسوخ بكل حال لا خيار فيه في إثباته فإن لم يصبها فلا مهر ولا نصف مهر ولا متعة وإن أصابها فلها مهر مثلها وإن ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا فلأبيه فيه ما في جنين الحرة جنينا ميتا .
كتاب النفقات أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال عز وجل { الرجال قوامون على النساء } وقال تقدست أسماؤه { وعاشروهن بالمعروف } وقال عز وجل { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } ( قال الشافعي ) هذا جملة ما ذكر الله عز وجل من الفرائض بين الزوجين وقد كتبنا ما حضرنا مما فرض الله عز وجل للمرأة على الزوج وللزوج على المرأة مما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) وفرض الله عز وجل أن يؤدي كل ما عليه بالمعروف وجماع المعروف إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه ولا تأديته بإظهار الكراهية لتأديته وأيهما ترك فظلم لأن مطل الغني ظلم ومطله تأخيره الحق .
( قال الشافعي ) في قوله تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } والله أعلم : أي فما لهن مثل ما عليهن من أن يؤدى إليهن بالمعروف .
وجوب نفقة المرأة
قال الله عز وجل { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا } قرأ إلى { أن لا تعولوا } وقال عز وجل { والوالدات يرضعن أولادهن } قرأ إلى { بالمعروف } وقال عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم { أن هندا قالت يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما يدخل بيتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها حدثته { أن هندا أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 94 ] فقالت يا رسول الله : إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال أنفقه على نفسك قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم } قال سعيد بن أبي سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا يقول ولدك أنفق علي إلى من تكلني ؟ وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني .
( قال الشافعي ) في قول الله عز وجل { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقوله عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } بيان أن على الأب أن يقوم بالمؤنة التي في صلاح صغار ولده من رضاع ونفقة وكسوة وخدمة قال وفي قول الله تبارك وتعالى في النساء { ذلك أدنى أن لا تعولوا } بيان أن على الزوج ما لا غنى بامرأته عنه من نفقة وكسوة وسكنى قال وخدمة في الحال التي لا تقدر على أن تنحرف لما لا صلاح لبدنها إلا به من الزمانة والمرض فكل هذا لازم للزوج قال ويحتمل أن يكون عليه لخادمها نفقة إذا كانت ممن يعرف أنها لا تخدم نفسها وهو مذهب غير واحد من أهل العلم فيفرض على الرجل نفقة خادم واحد للمرأة التي الأغلب أن مثلها لا تخدم نفسها وليس عليه نفقة أكثر من خادم واحد فإذا لم يكن لها خادم فلا أعلمه يجبر على أن يعطيها خادما ولكن يجبر على من يصنع لها من طعامها ما لا تصنعه هي ويدخل عليها ما لا تخرج لإدخاله من الماء ومن مصلحتها لا يجاوز به ذلك .
( قال الشافعي ) وينفق على ولده حتى يبلغوا المحيض والحلم ثم لا نفقة لهم عليه إلا أن يتطوع إلا أن يكونوا زمنى فينفق عليهم قياسا على النفقة عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم في الصغر وسواء في ذلك الذكر والأنثى وإنما ينفق عليهم ما لم تكن لهم أموال فإذا كانت لهم أموال فنفقتهم في أموالهم قال وسواء في ذلك ولده وولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم قال وإذا زمن الأب والأم ولم يكن لهما مال ينفقان منه على أنفسهما أنفق عليهما الولد لأنهما قد جمعا الحاجة والزمانة التي لا ينحرفان معها والتي في مثل حال الصغر أو أكثر ومن نفقتهم الخدمة كما وصفت والأجداد وإن بعدوا آباء إذا لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم أنفق عليهم ولد الولد ( قال الشافعي ) وينفق إذا كانوا كما وصفت على ولده بأنهم منه وينفق عليه ولده بذلك المعنى لا بالاستمتاع منهم بما يستمتع به الرجل من امرأته قال وينفق على امرأته غنية كانت أو فقيرة بحبسها على نفسه للاستمتاع بها وغير ذلك ومنعها من ذلك من غيره قال ولا شك إذا كانت امرأة الرجل قد بلغت من السن ما يجامع مثلها فامتنع من الدخول عليها ولم تمتنع من الدخول عليه ولا منه بعد الدخول عليه فعليه نفقتها ما كانت زوجة له مريضة وصحيحة وغائبا عنها وحاضرا لها وإن طلقها وكان يملك الرجعة فعليه نفقتها في العدة لأنه لا يمنعه من أن تصير حلالا له يستمتع بها إلا نفسه إذا أشهد شاهدين أنه راجعها فهي زوجته وإذا لم يفعل فهو منع نفسه من رجعتها ولا ينفق عليها إذا لم يكن يملك الرجعة لأنها أحق بنفسها منه ولا تحل له إلا بنكاح جديد .
قال وإذا نكح الصغيرة التي لا يجامع مثلها وهو صغير أو كبير فقد قيل ليس عليه نفقتها لأنه لا يستمتع بها وأكثر ما ينكح له الاستمتاع بها وهذا قول عدد من علماء أهل زماننا لا نفقة لها لأن الحبس من قبلها ولو قال قائل ينفق عليها لأنها [ ص: 95 ] ممنوعة به من غيره كان مذهبا قال وإذا كانت هي البالغة ، وهو الصغير فقد قيل عليه النفقة لأن الحبس جاء من قبله ومثلها يستمتع به وقيل إذا علمته صغيرا ونكحته فلا نفقة لها لأن معلوما أن مثله لا يستمتع بامرأته قال ولا تجب النفقة لامرأة حتى تدخل على زوجها أو تخلي بينه وبين الدخول عليها فيكون الزوج يترك ذلك فإذا كانت هي الممتنعة من الدخول عليه فلا نفقة لها لأنها مانعة له نفسها وكذلك إن هربت منه أو منعته الدخول عليها بعد الدخول عليه لم يكن لها نفقة ما كانت ممتنعة منه .
( قال الشافعي ) وإذا نكحها ثم خلت بينه وبين الدخول عليها فلم يدخل فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله .
( قال الشافعي ) وإذا نكحها ثم غاب عنها فسألت النفقة فإن كانت خلت بينه وبين نفسها فغاب ولم يدخل عليها فعليه النفقة وإن لم تكن قد خلت بينه وبين نفسها ولا منعته فهي غير مخلية حتى تخلي ولا نفقة عليه وتكتب إليه ويؤجل فإن قدم وإلا أنفق إذا أتى عليه قدر ما يأتيه الكتاب ويقدم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب قدر النفقة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى } الآية ( قال الشافعي ) ففي هذا دلالة على أن على المرء أن يعول امرأته وبمثل هذا جاءت السنة كما ذكرت في الباب قبل هذا من الكتاب والسنة قال والنفقة نفقتان نفقة الموسر ونفقة المقتر عليه رزقه وهو الفقير قال الله عز وجل { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه } الآية قال وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته المعروف ببلدهما قال فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون إلا مخدومة عالها وخادما لها واحدا لا يزيد عليه وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه وذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون حنطة كان أو شعيرا أو ذرة أو أرزا أو سلتا ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت من ثلاثين مدا في الشهر ولخادمها شبيه به ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها ولا يكون ذلك لخادمها لأنه ليس بالمعروف لها .
( قال الشافعي ) وإن كانت ببلد يقتاتون فيه أصنافا من الحبوب كان لها الأغلب من قوت مثلها في ذلك البلد وقد قيل لها في الشهر أربعة أرطال لحم في كل جمعة رطل وذلك المعروف لها ، وفرض لها من الكسوة ما يكسي مثلها ببلدها عند المقتر وذلك من القطن الكوفي والبصري وما أشبههما ولخادمها كرباس وتبان وما أشبهه وفرض لها في البلاد الباردة أقل ما يكفي في البرد من جبة محشوة وقطيفة أو لحاف وسراويل وقميص وخمار أو مقنعة ولخادمها جبة صوف وكساء تلتحفه يدفئ مثلها وقميص ومقنعة وخف وما لا غنى بها عنه وفرض لها للصيف قميصا وملحفة ومقنعة قال وتكفيها القطيفة سنتين والجبة المحشوة كما يكفي مثلها السنتين ونحو ذلك .
( قال الشافعي ) وإن كانت رغيبة لا يجزيها هذا أو زهيدة يكفيها أقل من هذا دفعت هذه المكيلة إليها وتزيدت إن كانت رغيبة من ثمن أدم أو لحم أو عسل وما شاءت في الحب وإن كانت زهيدة تزيدت فيما لا يقوتها منه من الطعام ومن فضل المكيلة قال وإن كان زوجها موسعا عليه فرض لها مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وفرض لها من الأدم واللحم ضعف ما وصفته لامرأة المقتر وكذلك في الدهن والعسل وفرض لها من الكسوة وسط البغدادي والهروي ولين البصرة وما أشبهه وكذلك يحشى لها للشتاء إن كانت ببلاد يحتاج أهلها إلى الحشو [ ص: 96 ] وتعطى قطيفة وسطا لا تزاد وإن كانت رغيبة فعلى ما وصفت وتنقص إن كانت زهيدة حتى تعطى مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم لأن لها سعة في الأدم والفرض تزيد بها ما أحبت ( قال الشافعي ) وأفرض عليه في هذا كله مكيلة طعام لا دراهم فإن شاءت هي أن تبيعه فتصرفه فيما شاءت صرفته وأفرض لها نفقة خادم واحد لا أزيد عليه وأجعله مدا وثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك سعة لمثلها وأفرض لها عليه في الكسوة الكرباس وغليظ البصري والواسطي وما أشبهه لا أجاوزه بموسع من كان ومن كانت امرأته وأجعل عليه لامرأته فراشا ووسادة من غليظ متاع البصرة وما أشبهه وللخادمة الفروة ووسادة وما أشبهه من عباءة أو كساء غليظ فإن بلي أخلفه وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفعه إلى الذي أصاب أهله في شهر رمضان بعرق فيه خمسة عشر أو عشرون صاعا لستين مسكينا فكان ذلك مدا مدا لكل مسكين والعرق خمسة عشرة صاعا على ذلك يعمل ليكون أربعة أعراق وسقا ولكن الذي حدثه أدخل الشك في الحديث خمسة عشر أو عشرين صاعا قال وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لأن أكثر ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الكفارة للأذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا لأن معلوما أن الأغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان ، قال والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع ولا بالمقتر ما بينهما مد ونصف للمرأة ومد للخادم .
( قال الشافعي ) وإذا دخل الرجل بامرأته ثم غاب عنها أي غيبة كانت فطلبت أن ينفق عليها أحلفت ما دفع إليها نفقة وفرض لها في ماله نفقتها وإن لم يكن له نقد بيع لها من عرض ماله وأنفق عليها ما وصفت من نفقة موسع أو مقتر أي الحالين كانت حاله قال فإن قدم فأقام عليها بينة أو أقرت بأن قد قبضت منه أو من أحد عنه نفقة وأخذت غيرها رجع عليها بمثل الذي قبضت .
قال وإن غاب عنها زمانا فتركت طلب النفقة بغير إبراء له منها ثم طلبتها فرض لها من يوم غاب عنها قال وكذلك إن كان حاضرا فلم ينفق عليها فطلبت فيما مضى فعليه نفقتها .
قال وإن اختلفا فقال قد دفعت إليها نفقتها وقالت لم يدفع إلي شيئا فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة بدفعه إليها أو إقرارها به والنفقة كالحقوق لا يبرئه منها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها بقبضها .
قال وإن دفع إليها نفقة سنة ثم طلقها ثلاثا رجع عليها بما بقي من نفقة السنة من يوم وقع الطلاق قال وإن طلق واحدة أو اثنتين يملك الرجعة فيهما رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد انقضاء العدة وإن كانت حاملا فطلقها ثلاثا أو واحدة رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد وضع الحمل قال وإن تركها سنة لا ينفق عليها وأبرأته من نفقة تلك السنة وسنة مستقبلة بريء من نفقة السنة الماضية لأنها قد وجبت لها ولم يبرأ من نفقة السنة المستقبلة لأنها أبرأته قبل أن تجب لها وكان لها أن تأخذه بها وما أوجبت عليه من نفقتها فماتت فهو لورثتها وإذا مات ضربت مع الغرماء في ماله كحقوق الناس عليه والله تعالى أعلم .
باب في الحال التي تجب فيها النفقة ولا تجب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ملك الرجل عقدة المرأة يجامع مثلها وإن لم تكن بالغا فخلت بينه وبين الدخول عليها أو خلى أهلها فيما بينه وبين ذلك إن كانت بكرا ولم تمتنع هي من الدخول عليه وجب عليه نفقتها كما تجب عليه إذا دخل بها لأن الحبس من قبله قال وكذلك إن كان صغيرا تزوج بالغا فعليه نفقتها لأن الحبس من قبله .
( قال الشافعي ) ولو كان الزوجان بالغين فامتنعت [ ص: 97 ] المرأة من الدخول أو أهلها لعلة أو إصلاح أمرها لم تجب على زوجها نفقتها حتى لا يكون الامتناع من الدخول إلا منه .
( قال الشافعي ) ولو امتنعت من الدخول عليه فغاب عنها لم يكن عليه نفقتها حتى يحضر فلا تمنع من الدخول عليه وإن طالت غيبته إلا أن يبعث إليه أهلها أن اقدم فادخل فيؤجل بقدر ما يسير بعد بلوغ رسالتها إليه أو تسير هي إليه ويوسع في ذلك عليه لقضاء حاجته وما أشبه ذلك فإن تأخر بعد ذلك وجب عليه نفقتها لأن الحبس جاء من قبله .
قال ولو دخلت عليه فمرضت مرضا لا يقدر على إتيانها معه كانت عليه نفقتها وكذلك إن كان يقدر على إتيانها إذا لم تمتنع من أن يأتيها إن شاء وكذلك لو كانت لم تدخل عليه وخلت بينه وبين نفسها كانت عليه نفقتها وهذا مخالف للصغر هذا إنما يكون الامتناع فيه من الإتيان منه لأنه يعافها بلا امتناع منها لأنها تحتمل أن تؤتى قال ولو أصابها في الفرج شيء يضر به الجماع ضررا شديدا منع من جماعها إن شاءت وأخذ بنفقتها إلا أن يشاء أن يطلقها وكذلك لو أرتقت فلم يقدر على أن يأتيها أبدا بعد ما أصابها أخذ بنفقتها من قبل أن هذا عارض لها لا منع منها لنفسها وقد جومعت وكانت ممن يجامع مثلها .
قال ولو أذن لها فأحرمت أو اعتكفت أو لزمها صوم بنذر أو كفارة كانت عليه نفقتها في حالاتها تلك كلها .
قال وإذا دخلت عليه أو لم تدخل عليه فهربت أو امتنعت أو كانت أمة فمنعها أهلها فلا نفقة لها حتى تخلي بينه وبين نفسها .
( قال الشافعي ) ولو ادعت عليه أنه طلقها ثلاثا وأنكر فامتنعت منه لم يكن لها نفقة حتى تعود إلى غير الامتناع منه .
قال ولو أقر أنه طلق إحدى نسائه ثلاثا ولم يبين أخذ بنفقتهن كلهن حتى يبين لأنهن محبوسات به والامتناع كان منه لا منهن .
( قال الشافعي ) وكل زوجة لحر مسلم حرة مسلمة أو ذمية فسواء في النفقة والخدمة على قدر سعة ماله وضيقه وكذلك إن كانت امرأته أمة فخلى بينه وبينها إلا أنه ليس عليه إن كان موسعا أن ينفق للأمة على خادم لأن المعروف للأمة أنها خادم كانت في الفراهة وكثرة الثمن ما كانت .
( قال الشافعي ) ويلزم الزوج نفقة ولده على ما ذكرت من قدر نفقة امرأته وكسوته ما كان عليه أن ينفق عليه فإن كانوا مماليك فليس عليه نفقتهم وإذا عتقوا فعليه نفقتهم وينفق على ولده وولد ولده وآبائه كما وصفت ولا ينفق على أحد أقربائه غيرهم لا أخ ولا عم ولا خالة ولا على عمة ولا على ابن من رضاعة ولا على أب منها قال وكل زوج حر مسلم وذمي ووثني عنده حرة من النساء في هذا كله سواء لا يختلفون .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (202)
صــــــــــ 98 الى صـــــــــــ 105
باب نفقة العبد على امرأته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا تزوج العبد بإذن سيده حرة أو كتابية أو أمة فعليه نفقاتهن كلهن كنفقة المقتر لا يخالفه ولا يفرض عليه أكثر منها لأنه ليس عبد إلا وهو مقتر لأن ما بيديه وإن اتسع ملك لسيده قال وليس على العبد أن ينفق على ولده أحرارا كانوا أو مماليك قال والمكاتب والمدبر وكل من لم تكمل فيه الحرية في هذا كله كالمملوك وإن كانت للمكاتب أم ولد وطئها في المكاتبة بالملك فولدت له أنفق على ولده فإن عجز فليس عليه نفقتهم لأنهم مماليك لسيده قال وينفق العبد على امرأته إذا طلقها طلاقا يملك الرجعة في العدة وإذا لم يملك رجعتها لم ينفق عليها إلا أن تكون حاملا فينفق عليها لأن نفقة الحوامل فرض في كتاب الله تعالى ولست أعرفها إلا لمكان الولد فإذا أنفق عليها وهي مطلقة لا يملك رجعتها وهو يراها حاملا ثم بان أن ليس بها حمل رجع عليها بالنفقة من يوم طلقها وأنفق عليها إن أراد ذلك وسواء أنفق عليها بأمر قاض أو غير أمر قاض لأنه كان يلزمه في الظاهر على معنى أنها حامل وإذا بان بأنها ليست بحامل رجع عليها به . والله تعالى الموفق .
[ ص: 98 ] باب الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : دل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن على الرجل أن يعول امرأته ( قال الشافعي ) فلما كان من حقها عليه أن يعولها ومن حقه أن يستمتع منها ويكون لكل على كل ما للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج احتمل أن لا يكون للرجل أن يمسك المرأة يستمتع بها ويمنعها غيره تستغني به ويمنعها أن تضطرب في البلد وهو لا يجد ما يعولها به فاحتمل إذا لم يجد ما ينفق عليها أن تخير المرأة بين المقام معه وفراقه فإن اختارت فراقه فهي فرقة بلا طلاق لأنها ليست شيئا أوقعه الزوج ولا جعل إلى أحد إيقاعه . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا .
( قال الشافعي ) وهذا يشبه ما وصفت قبله وإليه يذهب أكثر أصحابنا وأحسب عمر - والله تعالى أعلم - لم يجد بحضرته لهم أموالا يأخذ منها نفقة نسائهم فكتب إلى أمراء الأجناد أن يأخذوهم بالنفقة إن وجدوها والطلاق إن لم يجدوها وإن طلقوا فوجد لهم أموال أخذوهم بالبعثة بنفقة ما حبسوا .
قال وإذا وجد نفقة امرأته يوما بيوم لم يفرق بينهما وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث ولا يمنع المرأة في الثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل فإن لم يجد نفقتها خيرت كما وصفت في هذا القول فإن كان يجد نفقتها بعد ثلاث يوما ويعوز يوما خيرت إذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيرت في هذا القول فإذا بلغ هذا ووجد نفقتها ولم يجد نفقة خادمها لم تخير لأنها تماسك بنفقتها وكانت نفقة خادمها دينا عليه متى أيسر أخذته به قال وإذا فرق بينهما ثم أيسر لم ترد عليه ولا يملك رجعتها في العدة إلا أن تشاء هي بنكاح جديد قال ومن قال هذا فيمن لا يجد ما ينفق على امرأته فلم يجد صداقها لزمه عندي إذا لم يجد صداقها أن يخيرها وإن وجد نفقتها بعد ثلاث ليال وما أشبهها لأن صداقها شبيه بنفقتها .
( قال الشافعي ) وإن نكحته وهي تعرف عسرته فحكمها وحكمه في عسرته كحكم المرأة تنكح الرجل موسرا فيعسر لأنه قد يوسر بعد العسر ويعسر بعد اليسر وقد تعلمه معسرا وهي ترى له حرفة تغنيها أو لا تغنيه وتغنيها أو من يتطوع فيعطيه ما يغنيها .
( قال الشافعي ) وإذا أعسر بنفقة المرأة فأجل ثلاثا ثم خيرت فاختارت المقام معه فمتى شاءت أجل أيضا ثم كان لها فراقه لأن اختيارها المقام معه عفو عما مضى فعفوها فيه جائز وعفوها غير جائز عما استقبل فلا يجوز عفوها عما لم يجب لها وهي كالمرأة تنكح الرجل تراه معسرا لأنها قد تعفو ذلك ثم يوسر بعد عسرته فينفق عليها .
قال وإذا أعسر بالصداق ولم يعسر بالنفقة فخيرت فاختارت المقام معه لم يكن لها فراقه لأنه لا ضرر على بدنها ما أنفق عليها في استئجار صداقها وقد عفت فرقته كما يخير صاحب المفلس في عين ماله وذمة صاحبه فيختار ذمة صاحبه فلا يكون له أن يأخذ بعد عين ماله ، وصداقها دين عليه إلا أن يعفو .
( قال الشافعي ) وإذا نكحها فأعسر بالصداق فلها أن لا تدخل عليه حتى يعطيها الصداق ولها النفقة إن قالت إذا جئت بالصداق خليت بيني وبينك .
( قال الشافعي ) وإن دخلت فأعسر بالصداق لم يكن لها أن تخير لأنها قد رضيت بالدخول بلا صداق ولا يمتنع منه ما كان ينفق عليه ودخولها عليه بلا صداق رضا بذمته كما يكون رضا الرجل من عين ماله يجده بذمة غريمه أو تفوت عند غريمه فلا يكون له إلا ذمة غريمه .
قال وسواء في العسرة بالصداق والنفقة كل زوج وزوجة ، الحر تحته الأمة والعبد تحته الحرة [ ص: 99 ] والأمة كلهم سواء والخيار للأمة تحت الحر في العسرة بالنفقة فإن شاء سيدها أن يتطوع عن الزوج بالنفقة فلا خيار للأمة لأنه واجد للنفقة وإذا امتنع فالخيار للأمة لا لسيدها قال وكذلك الخيار للحرة لا لوليها فإن كانت الأمة أو الحرة مغلوبة على عقلها أو صبية لم تبلغ لم يكن لولي واحدة منهما أن يفرق بينها وبين زوجها بعسره بصداق ولا نفقة .
وإذا أعسر زوج الأمة بالصداق فالصداق لسيد الأمة والخيار لسيد الأمة لا للأمة فإن اختارت الأمة فراقه واختار السيد أن لا تفارقه لم يكن عليه أن يفرق بينهما لأن ذلك لسيدها ولا ضرر فيه عليها والمسلم تحته الكتابية والكتابي تحته الكتابية إذا طلبت المرأة حقها قبله في نفقة وصداق كما وصفت من مثله للأزواج الحرائر ( قال الشافعي ) وقد قيل لا خيار للمرأة في عسرة الزوج بالنفقة وتخلى تطلب على نفسها ولا خيار في عسره بالصداق ولها الامتناع منه ما لم تدخل عليه فإذا دخلت عليه لم يكن لها الامتناع منه وهي غريم من الغرماء قال وعلى السيد نفقات أمهات أولاده ومدبره ورقيقه كلهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وكافرهم وليس عليه نفقة مكاتبيه حتى يعجزوا فإذا عجزوا فعليه نفقتهم .
باب أي الوالدين أحق بالولد
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن أبي ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمي عن عمارة الجرمي قال خيرني علي بين أمي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني وهذا أيضا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرته أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يونس بن عبد الله عن عمارة قال خيرني علي رضي الله تعالى عنه بين أمي وعمي وقال لأخ لي أصغر مني : وهذا لو بلغ كبلغ هذا خيرته قال إبراهيم وفي الحديث " وكنت ابن سبع أو ثمان سنين " ( قال الشافعي ) فإذا افترق الأبوان وهما في قرية واحدة فالأم أحق بولدها ما لم تتزوج وما كانوا صغارا فإذا بلغ أحدهم سبعا أو ثمان سنين وهو يعقل خير بين أبيه وأمه وكان عند أيهما اختار ، فإن اختار أمه فعلى أبيه نفقته ولا يمنع من تأديبه ، قال وسواء في ذلك الذكر والأنثى ويخرج الغلام إلى الكتاب والصناعة إن كان من أهلها ويأوي عند أمه وعلى أبيه نفقته وإن اختار أباه لم يكن لأبيه منعه من أن يأتي أمه وتأتيه في الأيام وإن كانت جارية لم تمنع أمها من أن تأتيها ولا أعلم على أبيها إخراجها إليها إلا من مرض فيؤمر بإخراجها عائدة ، قال وإن ماتت البنت لم تمنع الأم من أن تليها حتى تدفن ولا تمنع في مرضها من أن تلي تمريضها في منزل أبيها قال وإن كان الولد مخبولا فهو كالصغير وكذلك إن كان غير مخبول ثم خبل فهو كالصغير الأم أحق به ولا يخير أبدا قال وإنما أخير الولد بين أبيه وأمه إذا كانا معا ثقة للولد فإن كان أحدهما ثقة والآخر غير ثقة فالثقة أولاهما به بغير تخيير .
قال وإذا خير الولد فاختار أن يكون عند أحد الأبوين ثم عاد فاختار الآخر حول إلى الذي اختار بعد اختياره الأول قال وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها صغيرا كان أو كبيرا ولو اختارها ما كانت ناكحا فإذا طلقت طلاقا يملك فيه الزوج الرجعة أو لا يملكها رجعت على حقها فيهم فإذا راجعها أو نكحته أو غيره دخل بها أو لم يدخل بها أو غاب عن بلدها أو حضر فلا حق لها فيهم حتى تطلق وكلما طلقت عادت على حقها فيهم لأنها تمنعه بوجه فإذا ذهب [ ص: 100 ] فهي كما كانت قبل أن تكون وأن في ذلك حقا للولد .
( قال الشافعي ) وإذا تزوجت المرأة ولها أم لا زوج لها فالأم تقوم مقام ابنتها في الولد لا تخالفها في شيء وإن كان لها زوج لم يكن لها فيهم حق إلا أن يكون زوجها جد الولد فلا تمنع حقا فيهم عند والد قال وإذا آمت الأم من الزوج كانت أحق بهم من الجدة .
( قال الشافعي ) وإذا اجتمع القرابة من النساء فتنازعن الولد فالأم أولى ثم أمها ثم أم أمها ثم أمهات أمها وإن بعدن ثم الجدة أم الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الجدة أم الجد أبي الأب ثم أمها ثم أمهاتها ثم الأخت للأب والأم ثم الأخت للأب ثم الأخت للأم ثم الخالة ثم العمة . قال : ولا ولاية لأم أبي الأم لأن قرابتها بأب لا بأم فقرابة الصبي من النساء أولى . قال ولا حق لأحد مع الأب غير الأم وأمهاتها فأما أخواته وغيرهن فإنما يكون حقهن بالأب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به والجد أبو الأب يقوم مقام الأب إذا لم يكن أب أو كان غائبا أو غير رشيد قال وكذلك أبو أب الأب قال وكذلك العم وابن العم وابن عم الأب والعصبة يقومون مقام الأب إذا لم يكن أحد أقرب منهم مع الأم وغيرها من أمهاتها .
قال وإذا أراد الرجل أن ينتقل عن البلد الذي نكح به المرأة كانت بلده وبلدها أو بلد أحدهما دون الآخر أو لم تكن فسواء والأب أحق بالولد مرضعا كان أو كبيرا أو كيف ما كان وكذلك قرابة الأب وإن بعدت والعصبة إذا افترقت الدار أولى فإن صارت الأم أو الجدات معهم في الدار التي يتحول بهم إليها أو رجع هو بهم إلى بلدها كانت على حقها فيهم .
( قال الشافعي ) وكل ما وصفت إذا كانت الزوجة حرة أو من ينازع في الولد بقرابتها حرا فأما إذا كانت الزوجة أو من ينازع بقرابتها مماليك فلا حق للمملوك في الولد الحر ، والأب الحر أحق بهم إذا كانوا أحرارا قال وكذلك إن نكحت أمهم وهي حرة أو لم تنكح وهي غير ثقة ولها أم مملوكة فلا حق للمملوكة بقرابة أم قال وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية قال ومتى عتقت كانت على حقها في الولد قال وإذا كان ولد الحر مماليك فمالكهم أحق بهم منه قال وإذا كان الولد من حرة وأبوه مملوك فأمهم أحق بهم ولا يخيرون في وقت الخيار قال وليس على الأب إذا لم تكمل فيه الحرية نفقة ولده من زوجة له إن كانوا مماليك فنفقتهم على سيدهم وكذلك لو كان أبوهم حرا وهم مماليك فإذا عتقوا فنفقتهم على أبيهم الحر ولا نفقة على الأب الذي لم تكمل فيه الحرية عتقوا أو كانوا أحرارا من الأصل بأن أمهم حرة لأنه غير وارث لهم ولا ذو مال ينفق عليهم منه ولا يستمتع منهم بما يستمتع به من أمهم إذا كانت زوجة ولا حق له في كينونة الولد عنده .
قال وإذا كان من ينازع في الولد أم أو قرابة غير ثقة فلا حق له في الولد وهي كمن لم يكن في هذه الحال وأقرب الناس به أحق بالمنازعة كأن أمه كانت غير ثقة وأمها ثقة فالحق لأمها ما كانت البنت غير ثقة ولو صلح حال البنت رجعت على حقها في الولد كما تنكح فلا يكون لها فيهم حق وتئيم فترجع على حقها فيهم وهكذا إن كان الأب غير ثقة كان أبوه يقوم مقامه وأخوه وذو قرابته فإذا صلحت حاله رجع إلى حقه في الولد فعلى هذا الباب كله وقياسه .
باب إتيان النساء حيضا
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { ويسألونك عن المحيض } الآية . قال فزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن قول الله عز وجل { حتى يطهرن } حتى يرين الطهر { فإذا تطهرن } بالماء { فأتوهن من حيث أمركم الله } أن تجتنبوهن قال وما أشبه ما قال والله تعالى أعلم بما قال ويشبه أن [ ص: 101 ] يكون تحريم الله عز وجل إتيان النساء في المحيض لأذى المحيض وإباحته إتيانهن إذا طهرن وتطهرن بالماء من الحيض على أن الإتيان المباح في الفرج نفسه كالدلالة على أن إتيان النساء في أدبارهن محرم قال وفيه دلالة على أنه إنما حرم إتيان النساء في دم الحيض الذي تؤمر فيه المرأة بالكف عن الصلاة والصوم ولم يحرم في دم الاستحاضة لأنها قد جعلت في دم الاستحاضة في حكم الطاهر يجب عليها الغسل من دم الحيض ودم الاستحاضة قائم والصلاة والصيام عليها فإذا كانت المرأة حائضا لم يحل لزوجها أن يصيبها ولا إذا طهرت حتى تطهر بالماء ، ثم يحل له أن يصيبها قال : وإن كانت على سفر ولم تجد ماء فإذا تيممت حل له أن يصيبها ولا يحل له إصابتها في الحضر بالتيمم إلا أن يكون بها قرح يمنعها الغسل فتغسل فرجها وما لا قرح فيه من جسدها بالماء ثم تتيمم ثم يحل له إصابتها إذا حلت لها الصلاة ويصيبها في دم الاستحاضة إن شاء وحكمه حكم الطهارة قال وبين في الآية إنما نهى عن إتيان النساء في المحيض ومعروف أن الإتيان في الفرج لأن التلذذ بغير الفرج في شيء من الجسد ليس إتيانا ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن للزوج مباشرة الحائض إذا شدت عليها إزارها والتلذذ بما فوق الإزار مفضيا إليها بجسده وفرجه فذلك لزوج الحائض وليس له التلذذ بما تحت الإزار منها .
باب إتيان النساء في أدبارهن
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم } الآية ( قال الشافعي ) وبين أن موضع الحرث موضع الولد وأن الله تعالى أباح الإتيان فيه إلا في وقت الحيض و { أنى شئتم } من أين شئتم ( قال الشافعي ) وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم إتيان في غيره فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة أو ابن فلان بن أحيحة بن فلان الأنصاري قال قال محمد بن علي وكان ثقة عن خزيمة بن ثابت { أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حلال ثم دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن } .
( قال الشافعي ) فأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الأليتين وجميع الجسد فلا بأس به إن شاء الله تعالى قال وسواء هو من الأمة أو الحرة فإذا أصابها فيما هناك لم يحللها لزوج إن طلقها ثلاثا ولم يحصنها ولا ينبغي لها تركه وإن ذهبت إلى الإمام نهاه فإن أقر بالعودة له أدبه دون الحد ولا غرم عليه فيه لها لأنها زوجة ولو كان في زنا حد فيه - إن فعله - حد الزنا وأغرم - إن كان غاصبا لها - مهر مثلها قال ومن فعله وجب عليه الغسل وأفسد حجه .
باب الاستمناء قال الله عز وجل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم } قرأ إلى { العادون } ( قال الشافعي ) فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى [ ص: 102 ] الأزواج وما ملكت الأيمان وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم ثم أكدها فقال عز وجل { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء والله تعالى أعلم وقال في قول الله تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } معناها والله أعلم ليصبروا حتى يغنيهم الله تعالى وهو كقوله في مال اليتيم { ومن كان غنيا فليستعفف } ليكف عن أكله بسلف أو غيره قال وكان في قول الله عز وجل { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } بيان أن المخاطبين بها الرجال لا النساء فدل على أنه لا يحل للمرأة أن تكون متسرية بما ملكت يمينها لأنها متسراة أو منكوحة لا ناكحة إلا بمعنى أنها منكوحة ودلالة على تحريم إتيان البهائم لأن المخاطبة بإحلال الفرج في الآدميات المفروض عليهن العدة ولهن الميراث منهم وغير ذلك من فرائض الزوجين .
الاختلاف في الدخول
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا ملك الرجل عقدة المرأة فأراد الدخول بها فإن كان مهرها حالا أو بعضه لم تجبر على الدخول عليه حتى يدفع الحال منه إليها وإن كان دينا كله أجبرت على الدخول عليه متى شاء لا وقت لها في ذلك أكثر من يوم لتصلح أمرها ونحوه لا يجاوز بها ثلاثا إذا كانت بالغا ويجامع مثلها وسواء في هذا المملوكة والحرة وليس لولي الحرة ولا لسيد الأمة منعه إياها إذا دفع صداقها إن كان حالا أو ما كان حالا منه قال ولا يؤجل الرجل في الصداق إلا ما يؤجل في دين الناس ويباع عليه في ماله كما يباع عليه في الدين ويحبس فيه كما يحبس في الديون لا افتراق في ذلك قال وهذا كله إذا كانت الزوجة بالغا أو مقاربة البلوغ أو جسيمة يحتمل مثلها أن يجامع فإذا كانت لا تحتمل أن تجامع فلأهلها منعها الدخول حتى تحتمل الجماع وليس على الزوج دفع صداقها ولا شيء منه ولا نفقتها حتى تكون في الحال التي يجامع مثلها ويخلى بينه وبينها قال ومتى كانت بالغا فقال لا أدفع الصداق حتى تدخلوها وقالوا لا ندفعها حتى تدفع الصداق فأيهما تطوع أجبرت الآخر على ما عليه فإن تطوع الزوج بدفع الصداق أجبرت أهلها على إدخالها وإن تطوع أهلها بإدخالها أجبرت الزوج على دفع الصداق قال وإن امتنعوا معا أجبرت أهلها على وقت يدخلونها فيه وأخذت الصداق من زوجها فإن دخلت دفعته إليها وجعلت لها النفقة إذا قالوا ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا ( قال الشافعي ) وإن كانت بالغا مضنوا أجبرت على الدخول وكل امرأة تحتمل أن تجامع قال فإن كانت مع هذا مضناة من مرض لا يجامع مثلها أمهلت حتى تصير إلى الحال التي يجامع مثلها ثم تجبر على الدخول ومتى أمهلتها بالدخول لم أجبره على دفع الصداق قال وإذا دخلت عليه فأصابها فأفضاها ثم لم يلتئم ذلك فعليه ديتها كاملة وهي امرأته بحالها ولها المهر تاما ولها أن تمتنع من أن يصيبها في الفرج حتى تبرأ البرء الذي إذا عاد لإصابتها لم ينكأها ولم يزد في جرحها ثم عليها إن برئت أن تخلي بينه وبين نفسها والقول في ذلك قولها ما زعمت أن العلة قائمة فإن تطاول ذلك فكان النساء يدركن علمه فإن قلن إنها قد برئت وإن الإصابة لا تضرها أجبرت على التخلية بينه وبين إصابتها قال وإن صارت إلى حال لا يجامع من صار إليها أخذت صداقها وديتها وقيل هي امرأتك فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك واجتنبها إذا كان مثلها لا يجامع .
[ ص: 103 ] اختلاف الزوجين في متاع البيت
أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت الذي هما فيه ساكنان وقد افترقا أو لم يفترقا أو ماتا أو مات أحدهما فاختلف ورثتهما أو ورثة أحدهما بعد موته فذلك كله سواء والمتاع إذا كانا ساكني البيت في أيديهما معا فالظاهر أنه في أيديهما كما تكون الدار في أيديهما أو في يد رجلين فيحلف كل واحد منهما لصاحبه على دعواه فإن حلفا جميعا فالمتاع بينهما نصفان لأن الرجل قد يملك متاع النساء بالشراء والميراث وغير ذلك والمرأة قد تملك متاع الرجال بالشراء والميراث وغير ذلك فلما كان هذا ممكنا وكان المتاع في أيديهما لم يجز أن يحكم فيه إلا بهذا لكينونة الشيء في أيديهما وقد استحل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فاطمة ببدن من حديد . وهذا من متاع الرجال وقد كانت فاطمة في تلك الحال مالكة للبدن دون علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وقد رأيت امرأة بيني وبينها ضبة سيف استفادته من ميراث أبيها بمال عظيم ودرع ومصحف فكان لها دون إخوتها ورأيت من ورث أمه وأخته فاستحيا من بيع متاعهما فصار مالكا لمتاع النساء فإذا كان هذا موجودا فلا يجوز فيه غير ما وصفت ولو أنا كنا إنما نقضي بالظنون بقدر ما يرى الرجل والمرأة مالكين فوجدنا متاعا في يدي رجلين يتداعيانه فكان في المتاع ياقوت ولؤلؤ وعلية من علية المتاع وأحد الرجلين ممن يملك مثل ذلك المتاع والآخر ليس الأغلب من مثله أنه يملك مثل ذلك المتاع جعلنا علية المتاع للموسر الذي هو أولاهما في الظاهر بملك مثله وجعلنا سفلة المتاع إن كان في يدي موسر ومعسر للمعسر دون الموسر فخالفنا ما اجتمع عليه الناس في غير هذا من أن الدار إذا كانت في يدي رجلين فتداعياها جعلت بينهما نصفين ولم ينظر إلى أشبههما أن يكون له ملك تلك الدار فنعطيه إياها وهذا العدل إن شاء الله تعالى والإجماع وهكذا ينبغي أن يكون متاع البيت وغيره مما يكون في يدي اثنين لا يختلف الحكم فيه أنه لا يجوز أن يخالف بالقياس الأصل إلا أن يفرق بين ذلك سنة أو إجماع ويقال لمن يقول اجعل متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال أرأيت دباغا وعطارا كانا في حانوت فيه عطر ودباغ كل واحد منهما يدعي العطر والدباغ أيلزمك أن تعطي العطار العطر والدباغ الدباغ ؟ فإن قلت إني أقسمه بينهما قيل لك فلم لا تقسم المتاع الذي يشبه النساء بين الرجل والمرأة والمتاع الذي يشبه الرجال بين الرجل والمرأة مثل الدباغ والعطار ؟
الاستبراء
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) أصل الاستبراء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عام سبي أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو توطأ حائل حتى تحيض } وفي هذا دلالات منها أن من ملك أمة لم يطأها إلا باستبراء كانت عند ثقة أو غير ثقة أو توطأ أو لا توطأ من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن منهن واحدة ولا نشك أن فيهن أبكارا وحرائر كن قبل أن يستأمين وإماء وضيعات وشريفات وكان الأمر فيهن كلهن والنهي واحد وفي مثل معنى هذا أن كل ملك استحدثه المالك لم يجز [ ص: 104 ] فيه الوطء إلا بعد الاستبراء لأن الفرج كان ممنوعا قبل الملك فإذا صار مباحا بالملك كان على المالك فيه أن يستبرئه وفي هذا المعنى على كل ملك تحول لأن المالك الثاني مثل المالك الأول وقد كان الفرج ممنوعا منه بأنه كان مباحا لغيره وإنما حدث له وكان حلالا له بعد ما ملكه فلو ابتاع رجل من رجل جارية وقبضها منه وتفرقا بعد البيع ثم اشتراها منه البائع أو استقاله منها وهو يعلم أن الرجل لم يصل إليها أو كانت مشتريتها امرأة ثقة أم له أو بنت لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها من قبل أن الفرج قد كان حرم عليه ثم حل له بعد الملك الثاني ومتى حل له أن يطأها قدم بين يدي الوطء استبراء لا بد وكذلك لو كانت بكرا أو عند امرأة محصنة لأن السنة تدل على أن الاستبراء إنما هو من حين يحل الفرج بالملك والاستبراء أن تمكث عند المشتري طاهرا ما كان المكث قل أو كثر ثم تحيض فتستكمل فإذا طهرت منها فهو استبراؤها ويكون الاستبراء إذا حاضت الحيض الذي تعرفه فإن حاضت على خلاف ما تعرف في الزيادة في الحيض فهو استبراء لأنها قد جاءت بما تعرف وزادت عليه وإن حاضت أقل من أيام حيضها أو بدم أرق أو أقل من دمها أو وجدت شيئا تنكره في بطن أو دلالة ما يستدل به على الحمل أمسكت وأمسك عن إصابتها حتى يستدل على أن تلك الريبة لم تكن حملا إما بذهاب ذلك الذي تجد وحيضة بعده مثل الحيض الذي كانت تعرف وإما بزمان يمر عليها يعرف أهل العلم من النساء أنها لو كانت حاملا كانت تلد في مثل ذلك الزمان فإذا أتى ذلك عليها استدل على أن تلك الريبة من مرض لا من حمل وحل وطؤها فإن قال قائل قد { قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحائل : حتى تحيض } وهذه الحائل قد حاضت ؟ قيل فمعقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد الاستبراء بالحيض والاستبراء بوضع الحمل أو الحيض إنما يكون استبراء ما لم يكن معه ريبة فإذا كانت معه ريبة بحمل فاستبراء بوضع الحمل لأن الله تعالى فرض العدة ثلاث حيض وثلاثة أشهر وأربعة أشهر وعشرا وقال تبارك وتعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } فدلت السنة على أن وضع الحمل غاية الاستبراء وأنه مسقط لجميع العدد ولم أعلم أحدا خالف في أن المطلقة لو حاضت ثلاث حيض وذكرت أنها حامل لم تحل بها ولا تحل إلا بوضع الحمل أو البراءة أن يكون ذلك حملا وهكذا والله تعالى أعلم المرتابة في الاستبراء لأنها في مثل هذا المعنى .
ولو حاضت حيضة وهي غير مرتابة ثم حدثت لها ريبة ثانية بعد طهرها وقبل مسيس سيدها أمسك عن إصابتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة ثم أصابها إذا برئت منها وإذا ملكت الأمة بميراث أو هبة أو صدقة أو بيع أو أي وجه ما كان من وجوه الملك لم توطأ حتى تستبرأ لما وصفت وإذا كانت تستبرأ لم يجز لمالكها أن يتلذذ منها بمباشرة ولا قبلة ولا جس ولا تجريد ولا بنظر شهوة من قبل أنه قد يظهر بها حمل من بائعها فيكون قد نظر متلذذا أو تلذذ بأكثر من النظر من أم ولد غيره وذلك محظور عليه .
ومتى اشتراها فقبضها ثم وضعت حملها برئت وحل له وطؤها ولا يحل له الوطء إلا بوضع جميع حملها إذا كان حملها من غير سيدها وغير زوج إلا زوجا قد طلق أو مات وكذلك لو قبضها فأقامت ساعة ثم حاضت وطهرت حل له الوطء .
ولو اشتراها فلم يقبضها ولم يتفرقا حتى وضعت في يدي البائع ثم قبضها لم يكن له وطؤها حتى تطهر من نفاسها ثم تحيض في يديه حيضة مستقبلة من قبل أن البيع إنما تم له حين لم يكن للبائع فيه خيار بأن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه .
ولو اشتراها وشرط عليه البائع أنه بالخيار عليه ثلاثا وقبضها المشتري فحاضت قبل أن يسلم البائع البيع ويبطل شرطه في الخيار أو تمضي ثلاث الخيار لم يطأها بهذه الحيضة حتى تطهر منها ثم تحيض حيضة أخرى .
ولو اشتراها وقبضها وشرط لنفسه الخيار ثلاثا ثم حاضت قبل الثلاث [ ص: 105 ] ثم اختار البيع كانت تلك الحيضة استبراء لأنه تام الملك فيها قابض لها لو أعتقها أو كاتبها أو وهبها كان ذلك جائزا ولو أراد البائع ذلك فيها لم يكن له لأن البيع فيها تام .
ولو بيع جارية معيبة دلس له فيها بعيب وظهر على العيب بعد الاستبراء فاختار أن يمسكها أجزأه ذلك الاستبراء من قبل أن الملك له تام إلا أن له الخيار بالعيب إن شاء رد وإن شاء أمسك وإن ماتت في هذه الحال ماتت منه .
وللرجل إذا اشترى الجارية أي جارية ما كانت أن لا يدفع عنها وأن يقبضه إياها بائعها وليس لبائعها منعه إياها ليستبرئها عند نفسه ولا عند غيره ولا مواضعته إياها على يدي أحد ليستبرئها بحال ولا للمشتري أن يحبس عنه ثمنها حتى يستبرئها هو ولا غيره ولا يضعها على يدي غيره فيستبرئها وسواء كان البائع في ذلك غريبا يخرج من ساعته أو مقيما أو معدما أو مليئا أو صالحا أو رجل سوء وليس للمشتري أن يأخذه بحميل بعهدة ولا بوجه ولا ثمن وماله حيث وضعه وإنما التحفظ قبل الشراء فإذا جاز الشراء ألزمناه ما ألزم نفسه من الحق ألا ترى أنه لو اشترى منه عبدا أو أمة أو شيئا وهو غريب أو أهل فقال أخاف أن يكون مسروقا أو أخاف أن يكون واحد من العبدين حرا كان ينبغي للحاكم أن يجبره على أن يدفع إليه الثمن لأنه ماله حيث وضعه .
ولو أعطيناه أن يأخذ له كفيلا أو يحبس له البائع عن سفره أعطيناه ذلك في خوف أن يكون مسروقا أو معيبا عيبا خافيا من سرقة أو إباق ثم لم نجعل لهذا غاية أبدا لأنه قد لا يعلم ذلك في القريب ويعلم في البعيد وبيوع المسلمين الجائزة بينهم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلزم البائع والمشتري إذا سلم هذا سلعته أن يكون قابضا لثمنها وأن لا يكون الثمن الذي هو إلى غير أجل ولا السلعة محبوسين إذا سلم البائع إلى المشتري ساعة من نهار ولا يكون المشتري من جارية ولا غيرها محبوسا عن مالكها ولو جاز إذا اشترى رجل جارية أن توضع على يدي من يستبرئها كان في هذا خلاف بيوع المسلمين والسنة وظلم البائع والمشتري من قبل أنها لا تعدو أن تكون في ملك البائع بالملك الأول أو في ملك المشتري بالشراء الحادث فلا يجبر واحد منهما على إخراج ملكه إلى غيره ولو كان الثمن لا يجب على المشتري للبائع إلا بأن تحيض الجارية حيضة وتطهر منها كان هذا فاسدا من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المسلمين بعده نهوا أن تكون الأثمان المستأخرة إلا إلى أجل معلوم وهذا إلى أجل غير معلوم لأن الحيضة قد تكون بعد صفقة البيع في خمس وفي شهر وأكثر وأقل وكان فاسدا مع فساده من الثمن من السلعة أيضا أن تكون السلعة لا مشتراة إلى أجل معلوم بصفة فتكون توجد في تلك المدة ويؤخذ بها بائعها ولا مشتراة بغير تسلط مشتريها على قبضها حتى يستبرئها وهذا لا بيع أجل بصفة ولا عين بعينه يقبض وخارج من بيوع المسلمين فلو أن رجلين تبايعا جارية وتشارطا في عقد البيع أن لا يقبضها المشتري حتى تستبرأ كان البيع فاسدا .
ولا يجوز بحال من قبل ما وصفت ولو اشتراها بغير شرط كان البيع جائزا وكان للمشتري قبضها واستبراؤها عند نفسه أو عند من شاء .
وإذا قبضها فماتت قبل أن تستبرأ فإن ماتت عنده بعد ما ظهر بها حمل وتصادقا على ذلك كانت من المشتري ويرجع المشتري على البائع من الثمن بقدر ما بين قيمتها حاملا وغير حامل .
ولو اشتراها بغير شرط فتراضيا أن يتواضعاها على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت عند المستبرئ فإن كان المشتري قبضها ثم رضي بعد قبضها بمواضعتها فهي من ماله وإنما هي جارية قد قبضها ثم أودعها غيره فموتها في يدي غيره إذا كان هو وضعها كموتها في يديه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (203)
صــــــــــ 106 الى صـــــــــــ 113
ولو كان اشتراها فلم يقبضها حتى تواضعاها برضا منهما على يدي من يستبرئها فماتت أو عميت ماتت من مال البائع لأن كل من باع شيئا بعينه فهو مضمون عليه حتى يقبضه منه مشتريه وإذا عميت قيل للمشتري أنت بالخيار إن شئت فخذها معيبة بجميع الثمن لا يوضع عنك [ ص: 106 ] للعيب شيء كما لو عميت في يدي البائع بعد صفقة البيع وقبل قبضها كنت بالخيار في تركها أو أخذها وإن شئت فاتركها بالعيب وكل ما زعمنا أن البيع فيه جائز فعلى المشتري متى طلب البائع منه الثمن وسلم إليه السلعة أن يأخذ منه إلا أن يكون الثمن إلى أجل معلوم فيكون إلى أجله وإذا اشترى الرجل من الرجل الجارية أو ما اشترى من السلع فلم يشترط المشتري الثمن إلى أجل وقال البائع لا أسلم إليك السلعة حتى تدفع إلي الثمن وقال المشتري لا أدفع إليك الثمن حتى تسلم إلي السلعة فإن بعض المشرقيين قال يجبر القاضي كل واحد منهما البائع على أن يحضر السلعة والمشتري على أن يحضر الثمن ثم يسلم السلعة إلى المشتري والثمن إلى البائع لا يبالي بأيهما بدأ إذا كان ذلك حاضرا وقال غيره منهم لا أجبر واحدا منهما على إحضار شيء ولكن أقول أيكما شاء أن أقضي له بحقه على صاحبه فليدفع إلي ما عليه من قبل أنه لا يجب على واحد منكما دفع ما عليه إلا بقبض ماله وقال آخرون أنصب لهما عدلا فأجبر كل واحد منهما على الدفع إلى العدل فإذا صار الثمن والسلعة في يديه أمرناه أن يدفع الثمن إلى البائع والسلعة إلى المشتري .
( قال الشافعي ) ولا يجوز فيها إلا القول الثاني من أن لا يجبر واحد منهما أو قول آخر وهو أن يجبر البائع على دفع السلعة إلى المشتري بحضرته ثم ينظر فإن كان له مال أجبره على دفعه من ساعته وإن غاب ماله وقفت السلعة وأشهد على أنه وقفها للمشتري فإن وجد له مالا دفعه إلى البائع وأشهد على إطلاق الوقف عن الجارية ودفع المال إلى البائع وإن لم يكن له مال فالسلعة عين مال البائع وجده عند مفلس فهو أحق به إن شاء أخذه وإنما أشهدنا على الوقف لأنه إن أحدث بعد إشهادنا على وقف ماله في ماله شيئا لم يجز وإنما منعنا من القول الذي حكينا أنه لا يجوز عندنا غيره أو هذا القول وأخذنا بهذا القول دونه لأنه لا يجوز للحاكم عندنا أن يكون رجل يقر بأن هذه الجارية قد خرجت من ملكه ببيع إلى مالك ثم يكون له حبسها وكيف يجوز أن يكون له حبسها وقد أعلمنا أن ملكها لغيره ولا يجوز أن يكون رجل قد أوجب على نفسه ثمنا وماله حاضر ولا نأخذه منه ولا يجوز لرب الجارية أن يطأها ولا يبيعها ولا يعتقها وقد باعها من غيره ولا يجوز للسلطان أن يدع الناس يتدافعون وهو يقدر على أخذها منهم .
وإذا كانت لرجل أمة فزوجها أو اشتراها ذات زوج فطلقها الزوج أو مات عنها فانقضت عدتها فأراد سيدها إصابتها بانقضاء العدة لم أر ذلك له حتى يستبرئها بحيضة بعد ما حل فرجها له لأن الفرج كان حلالا لغيره ممنوعا منه والاستبراء بسبب غيره لا بسببه ألا ترى أن رجلا لو أراد بيع أمته فاستبرأها عند أم رجل أو بنته بحيضة أو حيض ثم باعها من رجل لم يكن له أن يصيبها حتى يستبرئها بعدما أبيح له فرجها ولو كانت لرجل أمة فكاتبها فعجزت لم يكن له وطؤها حتى يستبرئها لأنها كانت ممنوعة الفرج منه وإنما أبيح له فرجها بعد العجز فهي تجامع في هذا المعنى كالمتزوجة وتفارقها في أن فرجها لم يكن مباحا لغيره والاحتياط تركها .
ولو كانت له أمة فحاضت فأذن لها بأن تصوم فصامت أو تحج فحجت واجبا عليها فكانت ممنوعة الفرج في نهار الصوم ومدة الإحرام والحيض ثم خرجت من الإحرام والصوم والحيض لم يكن عليه أن يستبرئها وذلك أنه إنما حيل بينه وبين فرجها بعارض فيها كما يكون العارض فيه من الصوم والإحرام لا أنه حيل بينه وبين الفرج كما حيل بينه وبينها متزوجة ومكاتبة فكان لا يحل له أن يلمسها ولا يقبلها ولا ينظر إليها بشهوة فحالها هذه مخالفة لحالها الأولى وتجتمع المستبرأة والمعتدة وتختلفان فأما ما تجتمعان فيه فإن في الاستبراء والعدة معنى وتعبدا فأما المعنى فإن المرأة إذا وضعت حملها كانت براءة في الحرة والأمة وانقضاء العدة وأما التعبد فقد تعلم براءتها بأن تكون صبية لم يدخل بها ، ومدخول بها فتحيض حيضة فتعتد عدة الوفاة كما تعتدها البالغة المدخول بها ولا تبرئها حيضة واحدة [ ص: 107 ] فلو لم تكن العدة إلا للبراءة كانت الصغيرة في هاتين الحالتين بريئة وكذلك الأمة البالغ وغير البالغ تشترى من المرأة الصالحة المحصنة لها ومن الرجل الصالح الكبير قد حرم عليه فرجها برضاع فلا يكون لمن اشتراها أن يطأها حتى يستبرئها .
ولو كان رجل مودع أمة يستبرئها بحيضة عنده قد حاضت في يدي نسائه حيضا كثيرا ثم ملكها ولم تفارق تحصينه بشراء أو هبة أو ميراث أو أي ملك ما كان لم يكن له أن يطأها حتى يستبرئها وأحب للرجل الذي يطأ أمة أن لا يرسلها وأن يحصنها وإن فعل لم يحرمها ذلك عليه وكانت فيما يحل له منها مثل المحصنة ، ألا ترى أن عمر رضي الله عنه يقول ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يرسلونهن فيخبر أنه تلحق الأولاد بهم وإن أرسلوهن ولا يحرم عليهم الوطء مع الإرسال .
ولو ابتاع رجل جارية فاستبرأها ثم جاء رجل آخر فادعى أنها له وجاء عليها بشاهد فوقف المشتري عنها ثم أبطل الحاكم الشاهد لم يكن على المشتري أن يستبرئها بعد ما فسخ عنه وقفها لأنها كانت على الملك الأول لم تستحق ولو استحقها ثم اشتراها الأول وهي في بيته لم تخرج منه لم يطأها حتى يستبرئها لأنه قد ملكها عليه غيره .
ولو كانت جارية بين رجلين فاستخلصها أحدهما وكانت في بيته لم يطأها من حين حل له فرجها حتى يستبرئها ولا تكون البراءة إلا بأن يملكها طاهرا ثم تحيض بعد أن تكون طاهرا في ملكه ولو اشتراها ساعة دخلت في الدم لم يكن هذا براءة وأول الدم وآخره سواء كما يكون هذا في العدة في قول من قال الأقراء عين الحيض .
ولو طلق الرجل امرأته أول ما دخلت في الدم لم يعتد بتلك الحيضة ولا يعتد بحيضة إلا حيضة تقدمها طهر . فإن قال قائل لم زعمت أن الاستبراء طهر ثم حيضة وزعمت في العدة أن الأقراء الأطهار ؟ قلنا له بتفريق الكتاب ثم السنة بينهما فلما قال الله عز وجل { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ودل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الأقراء الأطهار { لقوله في ابن عمر يطلقها طاهرا من غير جماع فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء } فأمرناها أن تأتي بثلاثة أطهار فكان الحيض فيها فاصلا بينهما حتى يسمى كل طهر منها غير الطهر الآخر لأنه لو لم يكن بينهما حيض كان طهرا واحدا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإماء أن يستبرئن بحيضة فكانت الحيضة الأولى أمامها طهر كما لا يعد الطهر إلا وأمامه حيض وكان قول النبي صلى الله عليه وسلم { يستبرئن بحيضة } يقصد قصد الحيض بالبراءة فأمرناها أن تأتي بحيض كما أمرناها إذا قصد الأطهار أن تأتي بطهر كامل .
النفقة على الأقارب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير } وقال تبارك وتعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } إلى قوله { بعد عسر يسرا } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها { أن هندا قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما أدخل علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 108 ] خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } ( قال الشافعي ) أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها حدثته أن هندا أم معاوية جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت " إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء ؟ " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ( قال الشافعي ) في كتاب الله عز وجل ثم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان أن الإجارة جائزة على ما يعرف الناس إذ قال الله عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } والرضاع يختلف فيكون صبي أكثر رضاعا من صبي وتكون امرأة أكثر لبنا من امرأة ويختلف لبنها فيقل ويكثر فتجوز الإجارة على هذا لأنه لا يوجد فيه أقرب مما يحيط العلم به من هذا فتجوز الإجارات على خدمة العبد قياسا على هذا وتجوز في غيره مما يعرف الناس قياسا على هذا ( قال الشافعي ) وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه كانت أمه متزوجة أو مطلقة وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الأم وارثة وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها ( قال الشافعي ) قال ابن عباس في قول الله عز وجل { وعلى الوارث مثل ذلك } من أن لا تضار والدة بولدها لا أن عليها الرضاع .
( قال الشافعي ) وإذا وجب على الأب نفقة ولده في الحال التي لا يغني نفسه فيها فكان ذلك عندنا لأنه منه لا يجوز أن يضيع شيئا منه وكذلك إن كبر الولد زمنا لا يغني نفسه ولا عياله ولا حرفة له أنفق عليه الوالد وكذلك ولد الولد لأنهم ولد ويؤخذ بذلك الأجداد لأنهم آباء وكانت نفقة الوالد على الولد إذا صار الوالد في الحال التي لا يقدر على أن يغني فيها نفسه أوجب لأن الولد من الوالد وحق الوالد على الولد أعظم وكذلك الجد وأبو الجد وآباؤه فوقه وإن بعدوا لأنهم آباء قال وإذا كانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم على ولدها لصغرهم بأمر زوجها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف فمثلها الرجل يكون له على الرجل الحق بأي وجه ما كان فيمنعه إياه فله أن يأخذ من ماله حيث وجده سرا وعلانية وكذلك حق ولده الصغار وحق من هو قيم بماله ممن توكله أو كفله قال وإن وجد الذي له الحق ماله بعينه كان له أخذه وإن لم يجده كان له أخذ مثله إن كان له مثل إن كان طعاما فطعام مثله وإن كان دراهم فدراهم مثلها وإن كان لا مثل له كانت له قيمة مثله دنانير أو دراهم كأن غصبه عبدا فلم يجده فله قيمته دنانير أو دراهم فإن لم يجد للذي غصبه دنانير ولا دراهم ووجد له عرضا كان له أن يبيع عرضه الذي وجد فيستوفي قيمة حقه ويرد إليه فضله إن كان فيما باع له وإن كان ببلد الأغلب به الدنانير باعه بدنانير وإن كان الأغلب به الدراهم باعه بالدراهم قال وإن غصبه ثوبا فلبسه حتى نقص ثمنه ، أو عبدا فاستخدمه حتى كسر ، أو أعور عنده أخذ ثوبه وعبده وأخذ من ماله قيمة ما نقص ثوبه وعبده على ما وصفنا .
نفقة المماليك ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق } ( قال الشافعي ) على مالك المملوك الذكر والأنثى البالغين إذا حبسهما في عمل له أن ينفق عليهما ويكسوهما بالمعروف وذلك نفقة رقيق بلدهما الشبع لأوساط [ ص: 109 ] الناس الذي تقوم به أبدانهم من أي الطعام كان حنطة أو شعيرا أو ذرة أو تمرا وكسوتهم كذلك مما يعرف أهل ذلك البلد أنه معروف صوف أو قطن أو كتان أي ذلك كان الأغلب بذلك البلد وكان لا يسمي ضيقا بموضعه ( قال الشافعي ) والجواري إذا كانت لهن فراهة وجمال فالمعروف أنهن يكسين أحسن من كسوة اللاتي دونهن ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن أبي خداش عن عتبة بن أبي لهب أنه سمع ابن عباس يقول في المملوكين " أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون " .
( قال الشافعي ) هذا كلام مجمل يجوز أن يكون على الجواب فسأل السائل عن مماليكه وهو إنما يأكل تمرا أو شعيرا أو أدنى ما يقدر عليه من الطعام ويلبس صوفا أو أدنى ما يقدر عليه من اللباس فقال " أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون " وكان أكثر حال الناس فيما مضى ضيقة وكان كثير ممن اتسعت حاله مقتصدا فهذا يستقيم قال والسائلون عرب ولبوس عامتهم وطعامهم خشن ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارب فأما من لم تكن حاله هكذا وخالف معاش السلف والعرب وأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقه كان أكرم وأحسن فإن لم يفعل فله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقته وكسوته بالمعروف والمعروف عندنا المعروف لمثله في بلده الذي به يكون ولو أن رجلا كان لبسه الوشي والخز والمروي والقصب وطعمته النقي وألوان لحم الدجاج والطير لم يكن عليه أن يطعم مماليكه ويكسوهم مثل ذلك فإن هذا ليس بالمعروف للمماليك ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه معه فإن أبى فليروغ له لقمة فليناوله إياها أو يعطه إياها أو كلمة هذا معناها } ( قال الشافعي ) فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فليروغ له لقمة } كان هذا عندنا والله تعالى أعلم على وجهين : أحدهما وهو أولاهما بمعناها - والله تعالى أعلم - أن إجلاسه معه أفضل وإن لم يفعل فليس بواجب عليه أن يجلسه معه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وإلا فليروغ له لقمة } لأن إجلاسه لو كان واجبا عليه لم يجعل له أن يروغ له لقمة دون أن يجلسه معه أو يكون بالخيار بين أن يناوله أو يجلسه وقد يحتمل أن يكون أمر اختيار غير الحتم وتكون له نفقته بالمعروف كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحب له أكثر منها .
( قال الشافعي ) وهذا يدلك على ما وصفنا من تباين طعام المملوك وطعام سيده إذا أراد سيده طيب الطعام لا أدنى ما يكفيه فلو كان ممن يريد أدنى ما يكفيه أطعمه من طعامه قال والكسوة هكذا قال والمملوك الذي يلي طعام الرجل يخالف عندنا المملوك الذي لا يلي طعامه وينبغي لمالك المملوك الذي يلي طعامه أن يكون أقل ما يصنع به أن يناوله لقمة يأكلها مما يقرب إليه فإن المعروف لا يكون يرى طعاما قد ولي الغناء فيه ثم لا ينال منه شيئا يرد به شهوته وأقل ما ترد به شهوته لقمة فإن قال قائل كيف يكون هذا للمملوك الذي يلي الطعام دون غيره ؟ قيل لاختلاف حالهما لأن هذا ولي الطعام ورآه وغيره من المماليك لم يله ولم يره والسنة التي خصت هذا من المماليك دون غيره ( قال الشافعي ) وفي كتاب الله عز وجل ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا قال الله تبارك وتعالى { وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } الآية فأمر الله عز وجل أن يرزق من القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولم يكن في الأمر في الآية أن يرزق من القسمة من مثلهم في القرابة واليتم والمسكنة ممن لم يحضر ولهذا أشباه وهي أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لم يقصد قصدك ولو كان محتاجا إلا أن تتطوع وقال لي بعض أصحابنا قسمة الميراث وقال بعضهم قسمة الميراث وغيره من الغنائم فهذا أوسع وأحب إلي أن يعطوا ما طاب به نفس المعطي ولا يوقت ولا يحرمون .
( قال [ ص: 110 ] الشافعي ) ومعنى لا يكلف من العمل إلا ما يطيق يعني به والله تعالى أعلم إلا ما يطيق الدوام عليه ليس ما يطيقه يوما أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك ثم يعجز فيما بقي عليه وذلك أن العبد الجلد والأمة الجلدة قد يقويان على أن يمشيا ليلة حتى يصبحا وعامة يوم ، ثم يعجزان عن ذلك ويقويان على أن يعملا يوما وليلة ولا ينامان فيهما ثم يعجزان عن ذلك فيما يستقبلان والذي يلزم المملوك لسيده ما وصفنا من العمل الذي يقدر على الدوام عليه إن كان مسافرا فيمشي العقبة وركوب الأخرى والنوم إن قدر راكبا نام أكثر من ذلك وإن كان لا يقدر على النوم راكبا نام أكثر من ذلك في المنزل وإن كان عمله بالليل تركناه بالنهار للراحة وإن كان عمله بالنهار تركناه بالليل للراحة وإن كان في الشتاء عمل في السحر ومن أول الليل وإن كان في صيف يعمل ترك في القائلة . ووجه هذا كله في المملوك والمملوكة ما لا يضر بأبدانهما الضرر البين وما يعرف الناس أنهما يطيقان المداومة عليه ( قال الشافعي ) ومتى مرض واحد منهما فعليه نفقته في المرض ليس له استعماله إن كان لا يطيق العمل وإن عمي أو زمن أنفق عليه مولاه أيضا إلا أن يشاء يعتقه فإذا أعتقه فلا نفقة له عليه .
( قال الشافعي ) وأم الولد مملوكة يلزمه نفقتها وتخدمه وتعمل له ما تحسن وتطيق بالمعروف في منزله والمدبرة والمملوكة تعمل له في منزله أو خارجا عنه كما وصفنا من المملوكة غير المدبرة وينفق عليهن كلهن بالمعروف والمعروف ما وصفت وأي مملوك صار إلى أن لا يطيق العمل لم يكلفه وأنفق عليه ورضاع المملوك الصغير يلزم مولاه والمكاتب والمكاتبة مخالفان لمن سواهما لا يلزم مولاهما نفقة في مرض ولا غيره فإن مرضا وعجزا عن نفقة أنفسهما قيل لهما لكما شرطا كما في الكتابة فأنفقا على أنفسكما فإن زعمتما أنكما عاجزان عن تأدية الكتابة أبطلنا كتابتكما ورددناكما رقيقا كما نبطلها إذا عجزتما عن تأدية أرش جنايتكما قال وإذا كان لهما إذا هما عجزا أن يقولا لا نجد فيردان رقيقين كان لهما في المرض ما وصفت إن شاء الله تعالى لأن هذا دلالة على أن فسخ الكتابة إليهما دون من كاتبهما قال ولو كانا اثنين فعجز أحدهما أو مرض فقال قد عجزت بطلت كتابته وأنفق عليه وكان الذي لم يعجز عن الكتابة مكاتبا ويرفع عنه حصة العاجز من الكتابة .
( قال الشافعي ) وينفق الرجل على مماليكه الصغار وإن لم ينفعوه يجبر على ذلك قال ولو زوج رجل أم ولده فولدت أولادا أنفق عليهم كما ينفق على رقيقه حتى يعتقوا بعتق أمهم ، قال وإذا ضرب السيد على عبده خراجا فقال العبد لا أطيقه . قيل له أجره ممن شئت واجعل له نفقته وكسوته ولا يكلف خراجا وإن كانت أمة فكذلك غير أنه لا ينبغي أن يأخذ منها خراجا إلا أن تكون في عمل وأحب أن يمنعه الإمام من أخذ الخراج من الأمة إذا لم تكن في عمل وأحب كذلك يمنعه الخراج من العبد إن لم يكن يطيق الكسب صغيرا كان أو كبيرا ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان رضي الله تعالى عنه يقول في خطبته : " ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها " .
( قال الشافعي ) وإن كانت لرجل دابة في المصر أو شاة أو بعير علفه ما يقيمه فإن امتنع من ذلك أخذه السلطان بعلفه أو ببيعه فإن كانت ببادية فاتخذت الغنم أو الإبل أو البقر على المرعى فخلاها والرعي ولم يحبسها فأجدبت الأرض فأحب إلي لو علفها أو ذبحها أو باعها ولا يحبسها فتموت هزالا إن لم يكن في الأرض متعلق ويجبر عندي على بيعها أو ذبحها أو علفها فإن كان في الأرض متعلق لم يجبر عندي على بيعها ولا ذبحها ولا علفها لأنها على ما في الأرض تتخذ وليست كالدواب التي لا ترعى والأرض مخصبة إلا رعيا ضعيفا ولا تقوم للجدب قيام الرواعي ( قال الشافعي ) ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلا عما يقيم أولادهن ، ولا يحلبها ويتركهن يمتن [ ص: 111 ] هزالا . قال وليس له أن يسترضع أمة فيمنع ولدها إلا يكون فيه فضل عن ريه أو يكون ولدها يغتذي بالطعام فيقيم بدنه فلا بأس أن يؤثر ولده باللبن إن اختاره على الطعام قال وفي كتاب الطلاق والنكاح نفقة المطلقة والزوجة وغير ذلك من النفقات مما يلزم .
الحجة على من خالفنا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقال بعض الناس قولنا فيمن كان له على رجل حق فلم يعطه إياه فإن له أن يأخذ منه حقه سرا ومكابرة إن غصبه دنانير أو دراهم أو ما يكال أو يوزن فوجد مثله أخذه فإن لم يجد مثله لم يكن له أن يبيع من عرضه شيئا فيستوفي حقه وذلك أن صاحب السلعة الذي وجب عليه الحق لم يرض بأن يبيع ماله فلا ينبغي لهذا أن يكون أمين نفسه ( قال الشافعي ) أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال هو إذا غصبه دراهم فاستهلكها فأمرته أن يأخذ دراهم غيرها وإنما جعلت هذه الدراهم بدلا من تلك القيمة لأنه لو غصبه سودا لم تأمره أن يأخذ وضحا لأن الوضح أكثر قيمة من السود فقد جعلت له البدل بالقيمة والقيمة بيع فإن قال هذه دراهم مثل القيمة قلنا وما مثل ؟ قال لا يجوز الفضل في بعضها على بعض قلنا فإن كنت من هذا الوجه أجزته فقل له يأخذ مكان السود وضحا وهي لا يحل الفضل في بعضها على بعض قال لا لأنها وإن لم يحل الفضل في بعضها على بعض فهي أكثر قيمة من الدنانير قلنا فحجتك لأن الفضل في بعضها على بعض لا يحل كانت خطأ لأنه إنما صرت إلى أن تعطيه دراهم بقيمة ما أخذ من الدراهم وهذا بيع فكيف لم تجز أن يأخذ دنانير بقيمة الدراهم وإنما إلى القيمة ذهبت وكيف لم تجز له أن يبيع من عرضه فيأخذ مثل دراهمه والعرض يحل بالدراهم وفيه تغابن فما حجتك على أحد إن عارضك بمثل هذا القول ؟ فقال لا يجوز له أن يأخذ إلا ما أخذ منه لأنك تعلم أنه إذا أخذ غير ما أخذ منه فإنما يأخذ بدلا والبدل بقيمة ولا يجوز له أن يكون أمين نفسه في مال غيره وأنت تقول في أكثر العلم لا يكون أمين نفسه ( قال الشافعي ) فقال فما تقول أنت ؟ قلت أقول : إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إجماع أكثر من حفظت عنه من أهل العلم قبلنا يدل على أن كل من كان له حق على أحد منعه إياه فله أخذه منه وقد يحتمل أن يكون ما أدخل أبو سفيان على هند مما أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف منه ذهبا وفضة لا طعاما ويحتمل لو كان طعاما أن يكون أرفع مما يفرض لها وبين أن لها أن تأخذ بالمعروف مثل ما كان فارضا لها لا أرفع ولا أكثر منه ويحتمل لو كان مثل ما يفرض لها ليس أكثر منه أن تكون إنما أخذته بدلا مما يفرض لها مثله لأنه قد كان لأبي سفيان حبس ذلك الطعام عنها وإعطاؤها غيره لأن حقها ليس في طعام بعينه إنما هو طعام نصفه كطعام الناس وأدم كأدم الناس لا في أرفع الطعام بعينه ولا الآدم ولا في شرهما وهي إذا أخذت من هذا فإنما تأخذ بدلا مما يجب لها ولولدها والبدل هو القيمة والقيمة تقوم مقام البيع وهي إذا أخذت لنفسها وولدها فقد جعلها أمين نفسها وولدها وأباح لها أخذ حقها وحقهم سرا من أبي سفيان وهو مالك المال ( قال الشافعي ) فقلت له أما في هذا ما دلك على أن للمرء أن يأخذ لنفسه مثل ما كان على الذي عليه الحق أن يعطيه ومثل ما كان على السلطان إذا ثبت الحق عنده أن يأخذه به قال وأين ؟ قلت له أرأيت السلطان لو لم يجد للمغتصب سلعته بعينها أليس يقضي على الغاصب بأن يعطيه قيمتها ؟ قال بلى قلت إن لم يعطه سلعته بعينها باع السلطان عليه في ماله [ ص: 112 ] حتى يعطي المغصوب قيمة سلعته ؟ قال بلى فقيل له إذا كانت السنة تبيح لمن له الحق أن يأخذ حقه دون السلطان كما كان للسلطان أن يأخذه لو ثبت عنده فكيف لا يكون للمرء إذا لم يجد حقه أن يبيع في مال من له عليه الحق حتى يأخذ حقه ؟ قال للسلطان أن يبيع وليس لهذا أن يبيع قلنا ومن قال ليس له أن يبيع ؟ أرأيت إذا قيل لك ولا له أن يأخذ مال غيره إلا بإذن السلطان ما حجتك ؟ أو رأيت السلطان لو باع لرجل من مال رجل والرجل يعلم أن لا حق له على المبيع عليه أيحل له أن يأخذ ما باع له السلطان ؟ قال لا قلنا فنراك إنما تجعل أن يأخذ بعلمه لا بالسلطان وما للسلطان في هذا معنى أكثر من أن يكون كالمفتي يخبر بالحق لبعض الناس على بعض ويجبر من امتنع من الحق على تأديته وما يحل السلطان شيئا ولا يحرمه ما الحلال وما الحرام إلا على ما يعلم الناس فيما بينهم قال أجل قلنا فلم جمعت بين الرجل يكون له الحق فيأخذ حقه دون السلطان ويكره الذي عليه الحق وجعلته أمين نفسه فيه وفرقت بينه وبين السلطان في البيع من مال الذي عليه الحق أقلت هذا خبرا أم قياسا ؟ قال قال أصحابنا يقبح أن يبيع مال غيره قلت ليس في هذا شيء لو قبح إلا وقد شركت فيه بأنك تجعله يأخذ مثل عين ماله وذلك قيمته والقيمة بيع وتخالف معنى السنة في هذا الموضع وتجامعها في موضع غيره قال هكذا أصحابنا قلت فترضى من غيرك بمثل هذا فيقول لك من خالفك هكذا قال أصحابنا ؟ قال ليس له في هذا حجة قلنا ولا لك أيضا فيه حجة فقال إنه يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك } فما معنى هذا ؟ قلنا ليس هذا بثابت عند أهل الحديث منكم ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة علينا ولو كانت كانت عليك معنا قال وكيف ؟ قلت قال الله عز وجل { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } فتأدية الأمانة فرض والخيانة محرمة وليس من أخذ حقه بخائن قال أفلا تراه إذا غصب دنانير فباع ثيابا بدنانير فقد خان لأن الثياب غير الدنانير ؟ قلت إن الحقوق تؤخذ بوجوه منها أن يوجد الشيء المغصوب بعينه فيؤخذ فإن لم يكن فمثله فإن لم يكن بيع على الغاصب فأخذ منه مثل ما غصب بقيمته ولو كان إذا خان دنانير فبيعت عليه جارية بدنانير فدفعت إلى المغصوب كان ذلك خيانة لم يحل للسلطان أن يجوز ولا يكاثر على ما يعلم أنه لا يحل له وكان على السلطان إن وجد له دنانيره بعينها أعطاه إياها وإلا لم يعطه دنانير غيرها لأنها ليست بالذي غصب ولا يبيع له جارية فيعطيه قيمتها وصاحب الجارية لا يرضى قال أفرأيت لو كان ثابتا ما معناه ؟ قلنا إذا دلت السنة واجتماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقه لنفسه سرا من الذي هو عليه فقد دل ذلك أن ليس بخيانة ، الخيانة أخذ ما لا يحل أخذه فلو خانني درهما قلت قد استحل خيانتي لم يكن لي أن آخذ منه عشرة دراهم مكافأة بخيانته لي وكان لي أن آخذ درهما ولا أكون بهذا خائنا ولا ظالما كما كنت خائنا ظالما بأخذ تسعة مع درهم لأنه لم يخنها ( قال الشافعي ) ولا تعدو الخيانة المحرمة أن تكون كما وصفنا من أن يأخذ من مال الرجل بغير حق وهي كذلك إن شاء الله تعالى والسنة دليل عليها أو تكون لو كان له حق لم يكن له أن يأخذه بغير أمره وهذا خلاف السنة فإن كان هذا هكذا فقد أمروا رجلا أن يأخذ حقه والبدل من حقه بغير أمر من أخذ منه سرا ومكابرة ( قال الشافعي ) وخالفنا أيضا في النفقة فقال إذا مات الأب أنفق على الصغير كل ذي رحم يحرم عليه نكاحه من رجل أو امرأة قلت له فما حجتك في هذا ؟ قال قول الله تبارك وتعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن } إلى قوله { وعلى الوارث مثل ذلك } ( قال الشافعي ) قلت له أكان على الوارث مثل ذلك عندك على جميع ما فرض الله تبارك وتعالى على الأب ، والوارث يقوم في [ ص: 113 ] ذلك مقام الأب ؟ قال نعم فقلت أوجدت الأب ينفق ويسترضع المولود وأمه وارث لا شيء عليها من ذلك ؟ قال نعم قلت أفيكون وارث غير أمه يقوم مقام أبيه فينفق على أمه إذا أرضعته وعلى الصبي ؟ قال لا ولكن الأم تنفق عليه مع الوارث قلنا فأول ما تأولت تركت قال فإن أقول على الوارث مثل ذلك بعد موت الأب هي في الآية ذلك بعد موت الأب قال لا يكون له وارث وأبوه حي قلنا بلى أمه وقد يكون زمنا مولودا فيرثه ولده لو مات ويكون على أبيه عندك نفقته فقد خرجت مما تأولت ( قال الشافعي ) فقلت لبعض من يقول هذا القول أرأيت يتيما له أخ فقير وجد أبو أم غني على من نفقته ؟ قال على جده قلنا ولمن ميراثه ؟ قال لأخيه قلنا أرأيت يتيما له خال وابن عم غنيان لو مات اليتيم لمن ميراثه ؟ قال لابن عمه فقلت فقبل أن يموت على من نفقته ؟ قال على خاله فقلت لبعضهم أرأيت يتيما له أخ لأبيه وأمه وهو فقير وله ابن أخ غني لمن ميراثه ؟ قال للأخ فقلت فعلى من نفقته ؟ قال على ابن أخيه قلت فقد جعلت النفقة على غير وارث وكل ما لزم أحدا لم يتحول عنه لفقر ولا غيره فإن كانت الآية على ما وصفت فقد خالفتها فأبرأت الوارث من النفقة وجعلتها على غير الوارث قال إنما جعلتها على ذي الرحم المحرم إن كان وارثا قلنا وقد تجعلها على الخال وهو غير وارث فتخالف الآية فيه خلافا بينا أو تجد في الآية أنه إنما عنى بها الرحم المحرم أو تجد أحدا من السلف فسرها كذلك ؟ قال هي هكذا عندنا قلت أفرأيت إن عارضك أحد بمثل حجتك فقال إذا جاز أن تجعلها على بعض الوارثين دون بعض قلت أجبره على نفقة ذي الرحم غير المحرم لأن أجبره على نفقة الجارية وهو يحل له نكاحها فيكون يوما فيها له منفعة وسرور وعلى نفقة الغلام وهو يحل له أن ينكح إليه أو ينكح المرأة التي ينفق عليها فيكون له في ذلك منفعة وسرور أجوز من أن أجبره على نفقة من يحرم عليه نكاحه لأنه لا يستمتع أحدهما بالآخر بما يستمتع به الرجال من النساء والنساء من الرجال ما حجتك عليه ؟ ما أعلم أحدا لو قال هذا إلا أحسن قولا منك قال لأن الذي يحرم نكاحه أقرب قلنا قد يحرم نكاح من لا قرابة له قال وأين ؟ قلنا أم امرأتك وامرأة أبيك وامرأة تلاعنها وامرأتك تبت طلاقها وكل من بينك وبينه رضاع قال ليس هؤلاء وارثا قلنا أو ليس قد فرضت النفقة على غير الوارث ؟ فإن قال قائل فإنا قد روينا من حديثكم أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أجبر عصبة غلام على رضاعه الرجال دون النساء قلنا أفتأخذ بهذا ؟ قال نعم قلت أفتخص العصبة وهم الأعمام وبنو الأعمام والقرابة من قبل الأب ؟ قال لا إلا أن يكونوا ذوي رحم محرم قلنا فالحجة عليك في هذا كالحجة عليك فيما احتججت به من القرآن وقد خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون له عصبة وورثة ولا تجعل عليهم النفقة وهم العصبة الورثة وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعا ( قال الشافعي ) فقال لي قائل قد خالفتم هذا أيضا قلنا أما الأثر عن عمر فنحن أعلم به منك ليس تعرفه ولو كان ثابتا لم يخالفه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فكان يقول { وعلى الوارث مثل ذلك } على الوارث أن { لا تضار والدة بولدها } وابن عباس رضي الله تعالى عنهما أعلم بمعنى كتاب الله عز وجل منا والآية محتملة على ما قال ابن عباس وذلك أن في فرضها على الوارث والأم حية دلالة على أن النفقة ليست على الميراث لأنها لو كانت على الميراث كان على الأب ثلثاها وسقط عنه ثلثها لأنه حظ الأم ولو استرضع المولود غير الأم كان على الأب ثلثا الرضاع وعلى الأم ثلثه وإن كانت الأم خرجت من هذا المعنى أو جعلت فيه كالمستأجرة غيرها فكان ينبغي لو مات الأب أن [ ص: 114 ] يقوم الوارث مقام الأب فينفق على الأم إذا أرضعته فلا يكون على الأم من رضاعه شيء لو استرضعته أخرى وقد فرض الله عز وجل نفقة المطلقات ذوات الأحمال وجاءت السنة من ذلك بنفقة وغرامات تلزم الناس ليس فيها أن يلزم الوارث نفقة الصبي وكل امرئ مالك لماله وإنما لزمه فيه ما لزمه في كتاب أو سنة أو أثر أو أمر مجمع عليه فأما أن نلزمه في ماله ما ليس في واحد من هذا فلا يجوز لنا فإن كان التأويل كما وصفنا فنحن لم نخالف منه حرفا وإن كان كما وصفت فقد خالفته خلافا بينا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (204)
صــــــــــ 114 الى صـــــــــــ 121
يقوم الوارث مقام الأب فينفق على الأم إذا أرضعته فلا يكون على الأم من رضاعه شيء لو استرضعته أخرى وقد فرض الله عز وجل نفقة المطلقات ذوات الأحمال وجاءت السنة من ذلك بنفقة وغرامات تلزم الناس ليس فيها أن يلزم الوارث نفقة الصبي وكل امرئ مالك لماله وإنما لزمه فيه ما لزمه في كتاب أو سنة أو أثر أو أمر مجمع عليه فأما أن نلزمه في ماله ما ليس في واحد من هذا فلا يجوز لنا فإن كان التأويل كما وصفنا فنحن لم نخالف منه حرفا وإن كان كما وصفت فقد خالفته خلافا بينا .
جماع عشرة النساء
أخبرنا أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك بدمشق بقراءتي عليه قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } الآية وقال عز وجل { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال عز وجل { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } وقال جل وعلا { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } فجعل الله للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج حقوقا بينها في كتابه وعلى لسان نبيه مفسرة ومجملة ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وقد وضعنا بعض ما حضرنا منها في مواضعه ، والله نسأل الرشد والتوفيق وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة وترك ميل ظاهر فإنه يقول جل وعز { فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } وجماع المعروف إتيان ذلك بما يحسن لك ثوابه وكف المكروه .
النفقة على النساء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } إلى { تعولوا } وقول الله { ذلك أدنى أن لا تعولوا } يدل - والله أعلم - أن على الرجل نفقة امرأته ، وقوله { أن لا تعولوا } أن لا يكثر من تعولون إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها وقال الله عز وجل { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله { إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذ ما يكفيك وولدك بالمعروف } أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال أنفقه على نفسك قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم } قال سعيد ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يقول ولدك أنفق [ ص: 115 ] علي إلى من تكلني ؟ وتقول زوجتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني .
( قال الشافعي ) فبهذا نأخذ قلنا على الزوج نفقة امرأته وولده الصغار بالمعروف والمعروف نفقة مثلها ببلدها الذي هي فيه برا كان أو شعيرا أو ذرة لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته مثلها ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك لقول الله عز وجل { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } فلما فرض عليهم نفقة أزواجهم كانت الدلالة كما وصفت في القرآن وأبان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فإن فرض الله عليهم نفقة أزواجهم فعجزوا عنها لم يجبرن على المقام معهم مع العجز عما لا غنى بهن عنه من النفقة والكسوة قال وبالاستدلال قلنا إذا عجز الرجل عن نفقة امرأته فرق بينهما وقلنا يجب على الرجل نفقة امرأته إذا ملك عقدة نكاحها وخلت بينه وبين الدخول عليها فأخر ذلك هو ونفقتها مطلقة طلاقا يملك الرجعة حتى تنقضي عدتها وإن كان مثلها لا يخدم نفسها وجبت عليه نفقة خادم لها وإذا دخل بها فغاب عنها قضى لها بنفقتها في ماله فإن لم ترفع ذلك إلى السلطان حتى يقدم وتصادقا على أنه لم ينفق عليها في غيبته حكم السلطان عليه بنفقتها في الشهور التي مضت وكذلك إن كانت زوجته حرة ذمية وإن كانت عليه ديون ضربت زوجته مع الغرماء بالنفقة الماضية المدة التي حبسها لأنه حق لها .
الخلاف في نفقة المرأة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال بعض الناس ليس على الرجل نفقة امرأته حتى يدخل بها وإذا غاب عنها وجب على السلطان إن طلبت نفقتها أن يعطيها من ماله وإن لم يجد له مالا فرض عليه لها نفقة وكانت دينا عليه وإن لم تطلب ذلك حتى يمضي لها زمان ثم طلبته فرض لها من يوم طلبته ولم يجعل لها نفقة في المدة التي لم تطلب فيها النفقة وإن عجز عن نفقتها لم يفرق بينهما وعليه نفقتها إذا طلقها ملك رجعتها أو لم يملكها ( قال الشافعي ) وقال لي كيف قلت في الرجل يعجز عن نفقة امرأته يفرق بينهما ؟ قلت لما كان من فرض الله على الزوج نفقة المرأة ومضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار والاستدلال بالسنة لم يكن له والله أعلم حبسها على نفسه يستمتع بها ومنعها عن غيره تستغني به وهو مانع لها فرضا عليه عاجزا عن تأديته وكان حبس النفقة والكسوة يأتي على نفسها فتموت جوعا وعطشا وعريا قال فأين الدلالة على التفريق بينهما ؟ قلت قال أبو هريرة : { إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزوج بالنفقة على أهله } وقال أبو هريرة تقول امرأتك أنفق علي أو طلقني ويقول خادمك أنفق علي أو بعني ( قال الشافعي ) قال فهذا بيان أن عليه طلاقها قلت أما بنص فلا وأما بالاستدلال فهو يشبه والله أعلم وقلت له تقول في خادم له لا عمل فيها بزمانة عجز عن نفقتها ؟ قال نبيعها عليه قلت فإذا صنعت هذا في ملكه كيف لا تصنعه في امرأته التي ليست بملك له ؟ قال فهل من شيء أبين من هذا ؟ قلت أخبرنا سفيان عن أبي الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته . قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت سنة ؟ قال سعيد سنة والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا فقال أرأيت إن لم يكن في الكتاب ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منصوصا التفريق بينهما هل بينه وبين ما منعها من حقوقها التي لا تفرق [ ص: 116 ] بينها وبينه إذا منعها فرق مثل نشوز الرجل ومثل تركه القسم لها من غير إيلاء ؟ فقلت له نعم ليس في فقد الجماع أكثر من فقد لذة وولدة وذلك لا يتلف نفسها وترك النفقة والكسوة يأتيان على إتلاف نفسها وقد وجدت الله عز وجل أباح في الضرورة من المأكول ما حرم من الميتة والدم وغيرهما منعا للنفس من التلف ووضع الكفر عن المستكره للضرورة التي تدفع عن نفسه ولا أجده أباح للمرأة ولا للرجل في الشهوة للجماع شيئا مما حرم الله عليهما وأنت تزعم أن الرجل إذا عجز عن إصابة امرأته وإن كان يصيب غيرها أجل سنة ثم يفرق بينهما إن شاءت قال هذا رواية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت فإن كانت الحجة فيه الرواية عن عمر فإن قضاء عمر بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها أثبت عنه فكيف رددت إحدى قضايا عمر في التفريق بينهما ولم يخالفه فيه أحد علمته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلت قضاءه في العنين وأنت تزعم أن عليا رضي الله عنه يخالفه ؟ فقال قبلته لأن الجماع من حقوق العقدة قلت له أفكما يجامع الناس أو جماع مرة واحدة ؟ قال كما يجامع الناس قلت فأنت إذا جامع مرة واحدة لم تفرق بينهما قال من أجل أنه ليس بعنين قلت فكيف يجامع غيرها ولا يكون عنينا وتؤجله سنة ؟ قال إن أداء الحق إلى غيرها غير مخرج له من حقها قلت فإذا كنت تفرق بينهما بأن حقا عليه جماعها ورضيت منه في عمره أن يجامع مرة واحدة فحقها عليه في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والآثار في نفقتها واجب قال نعم قلت فلم أقررتها معه بفقد حقين في النفقة والكسوة وفقدهما يأتي على إتلافها لأن الجوع والعطش في أيام يسيرة يقتلانها والعري يقتلها في الحر والبرد وأنت تقول لو أنفق عليها دهره ثم ترك يوما أخذته بنفقتها لأنه يجب لها في كل يوم نفقة وفرقت بينهما بفقد الجماع الذي تخرجه منه في عمرها بجماع مرة واحدة فقد فرقت بينهما بأصغر الضررين وأقررتها معه على أعظم الضررين ثم زعمت أنها متى طلبت نفقتها من ماله غائبا كان أو حاضرا فرضتها عليه وجعلتها دينا في ذمته كحقوق الناس وإن كفت عن طلب نفقتها أو هرب فلم تجده ولا مال له ثم جاء لم تأخذه بنفقتها فيما مضى ، هل رأيت مالا قط يلزم الوالي أخذه لصاحبه حاضرا أو غائبا فيترك من هو له طلبه أو يطلبه فيهرب صاحبه فيبطل عنه ؟ ( قال ) فيفحش عندي أن يكون الله أحل لرجل فرجا فأحرمه عليه بلا إحداث طلاق منه قلت له أفرأيت أحد الزوجين يرتد أهو قول الزوج أنت طالق فأنت تفرق بينهما ؟ أرأيت الأمة تعتق أهو قول الزوج أنت طالق ؟ فأنت تفرق بينهما إن شاءت الأمة أو رأيت المولى أهو طلق ؟ أرأيت الرجل يعجز عن إصابة امرأته أهو طلق فأنت تفرق في هذا كله قال أما المولى فاستدللنا بالكتاب وأما ما سواه بالسنة والأثر عن عمر قلت فحجتك بأنه يقبح أن يفرق بغير طلاق يحدثه الزوج لا حجة لك عليه وغير حجة على غيرك ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلت له فكيف زعمت أنه لا يجب على الرجل نفقة امرأته إلا بالدخول وإن خلت بينه وبين نفسها ؟ قال لأنه لم يستمتع منها بجماع قلت أفرأيت إذا غاب أو مرض أيستمتع منها بجماع ؟ قال لا ولكنها محبوسة عليه قلت أفتجدها مملكة محبوسة عليه ؟ قال نعم قلت ويجب بينهما الميراث ؟ قال نعم قلت وإن كانت النفقة للحبس فهي محبوسة وإن كانت للجماع فالمريض والغائب لا يجامعان في حالهما تلك فأسقط لذلك النفقة . قال إذا كان مثلها يجامع وخلت بينه وبين نفسها وجبت لها النفقة قلت له لم أوجبت لها النفقة في العدة وقد طلقت ثلاثا وهي غير حامل فخالفت الاستدلال بالكتاب ونص السنة ؟ قال وأين الدلالة بالكتاب ؟ فقلت له قال الله عز وجل في المطلقات { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فاستدللنا على أن لا فرض في الكتاب لمطلقة مالكة لأمرها غير حامل قال فإنه قد ذكر [ ص: 117 ] المطلقات مرسلات لم يخصص واحدة دون الأخرى وإن كان كما تقول ففيه دلالة على أن لا نفقة لمطلقة وإن كان زوجها يملك الرجعة وما مبتدأ السورة إلا على المطلقة للعدة قلت له : قد يطلق للعدة ثلاثا قال فلو كان كما تقول ما كانت الدلالة على أنه أراد بمنع النفقة المبتوتة دون التي له رجعة عليها قلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبت أن الممنوعة من النفقة المبتوتة بجميع الطلاق دون التي لزوجها عليها الرجعة ولو لم تدل السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فكانت الآية تأمر بنفقة الحامل وقد ذكر المطلقات فيها دلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون المطلقات سواها فلم يجز أن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات فينفق عليها بالإجماع دون غيرها قال فلم لا تكون المبتوتة قياسا عليها ؟ قلت أرأيت التي يملك زوجها رجعتها في عدتها أليس يملك عليها أمرها إن شاء ويقع عليها إيلاؤه وظهاره ولعانه ويتوارثان قال بلى قلت أفهذه في معاني الأزواج في أكثر أمرها ؟ قال نعم قلت أفتجد كذلك المبتوتة بجميع طلاقها ؟ قال لا قلت فكيف تقيس مطلقة بالتي تخالفها ؟ وقلت له أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ثم قال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا فاغتبطت به } قال فإنكم تركتم من حديث فاطمة شيئا قالت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا سكنى لك ولا نفقة " فقلت له ما تركنا من حديث فاطمة حرفا قال إنما حدثنا عنها أنها قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا سكنى لك ولا نفقة } فقلت لكنا لم نحدث هذا عنها ولو كان ما حدثتم عنها كما حدثتم كان على ما قلنا وعلى خلاف ما قلتم قال وكيف ؟ قلت أما حديثنا فصحيح على وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا نفقة لك عليهم } وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ولو كان في حديثها إحلاله لها أن تعتد حيث شاءت لم يحظر عليها أن تعتد حيث شاءت قال كيف أخرجها من بيت زوجها وأمرها أن تعتد في غيره ؟ قلت لعلة لم تذكرها فاطمة في الحديث كأنها استحيت من ذكرها وقد ذكرها غيرها قال وما هي ؟ قلت كان في لسانها ذرب فاستطالت على أحمائها استطالة تفاحشت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم فقال هل من دليل على ما قلت قلت نعم من الكتاب والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم بها قال فاذكرها قلت قال الله تبارك وتعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } الآية وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن عباس في قوله تعالى { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قال أن تبذو على أهل زوجها فإن بذت فقد حل إخراجها قال هذا تأويل قد يحتمل ما قال ابن عباس ويحتمل غيره أن تكون الفاحشة خروجها وأن تكون الفاحشة أن تخرج للحد قال فقلت له فإذا احتملت الآية ما وصفت فأي المعاني أولى بها ؟ قال معنى ما وافقته السنة فقلت فقد ذكرت لك السنة في فاطمة فأوجدتك ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم . .
[ ص: 118 ] القسم للنساء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال تبارك وتعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا } الآية فقال بعض أهل العلم بالتفسير لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء بما في القلوب فإن الله عز وجل وعلا تجاوز للعباد عما في القلوب فلا تميلوا تتبعوا أهواءكم كل الميل بالفعل مع الهوى وهذا يشبه ما قال والله أعلم ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عليه عوام علماء المسلمين على أن على الرجل أن يقسم لنسائه بعدد الأيام والليالي وأن عليه أن يعدل في ذلك لا أنه مرخص له أن يجوز فيه فدل ذلك على أنه إنما أريد به ما في القلوب مما قد تجاوز الله للعباد عنه فما هو أعظم من الميل على النساء والله أعلم والحرائر المسلمات والذميات إذا اجتمعن عند الرجل في القسم سواء والقسم هو الليل يبيت عند كل واحدة منهن ليلتها ونحب لو أوى عندها نهاره فإن كانت عنده أمة مع حرة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة قال وإن هربت منه حرة أو أغلقت دونه أمة أو حبس الأمة أهلها سقط حقها من القسم حتى تعود الحرة إلى طاعة الله في الرجوع عن الهرب والأمة لأن امتناعهما مما يجب عليهما في هذه الحال قطع حق أنفسهما ويبيت عند المريضة التي لا جماع فيها والحائض والنفساء لأن مبيته سكن إلف وإن لم يكن جماع أو أمر تحبه المرأة وترى الغضاضة عليها في تركه .
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض عن تسع نسوة وكان يقسم منهن لثمان } ( قال الشافعي ) رحمه الله : التاسعة التي لم يكن يقسم لها سودة وهبت يومها لعائشة . أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة .
الحال التي يختلف فيها حال النساء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا نكح الرجل امرأة فبنى بها فحالها غير حال من عنده فإن كانت بكرا كان له أن يقيم عندها سبعة أيام وإن كانت ثيبا كان له أن يقيم عندها ثلاثة أيام ولياليهن ثم يبتدئ القسمة لنسائه فتكون واحدة منهن بعد مضي أيامها ليس له أن يفضلها عليهن . أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي بكر بن عبد الرحمن { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة فأصبحت عنده قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت قالت ثلث } أخبرنا ابن أبي الرواد عن ابن جريج عن أبي بكر بن عبد الرحمن { عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها فساق نكاحها وبناءه بها وقوله لها إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن } أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال للبكر سبع وللثيب ثلاث .
( قال الشافعي ) رحمه الله : وبهذا نأخذ وإن قسم أياما لكل امرأة بعد مضي سبع البكر وثلاث الثيب فجائز إذا أوفى كل واحدة منهن عدد الأيام التي أقام عند غيرها .
[ ص: 119 ] الخلاف في القسم للبكر وللثيب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في القسم للبكر والثيب وقال يقسم لهما إذا دخلا كما يقسم لغيرهما لا يقام عند واحدة منهما شيء إلا أقيم عند الأخرى مثله فقلت له قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم } أفتجد السبيل إلى علم ما فرض الله جملة أنها أثبت وأقوم في الحجة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال لا فذكرت له حديث أم سلمة قال فهي بيني وبينك أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت ؟ } قلت نعم قال فلم يعطها في السبع شيئا إلا أعلمها أنه يعطي غيرها مثله فقلت له : إنها كانت ثيبا فلم يكن لها إلا ثلاث فقال لها إن أردت حق البكر وهو أعلى حقوق النساء وأشرفه عندهن بعفوك حقك إذا لم تكوني بكرا فيكون لك سبع فعلت وإن لم تريدي عفوه وأردت حقك فهو ثلاث قال فهل له وجه غيره ؟ قلت لا إنما يخبر من له حق يشركه فيه غيره من أن ينزل من حقه فقلت له يلزمك أن تقول مثل ما قلنا لأنك زعمت أنك لا تخالف الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يخالفه مثله ولا نعلم مخالفا له والسنة ألزم لك من قوله فتركتها وقوله .
قسم النساء إذا حضر السفر
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } وبهذا أقول إذا حضر سفر المرء وله نسوة فأراد إخراج واحدة للتخفيف من مؤنة الجميع والاستغناء بها فحقهن في الخروج معه سواء فيقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها للخروج خرج بها فإذا حضر قسم بينها وبينهن ولم يحسب عليها الأيام التي غاب بها ( قال الشافعي ) رحمه الله وقد ذكر الله جل وعز القرعة في كتابه في موضعين فكان ذكرها موافقا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى { وإن يونس لمن المرسلين } إلى { المدحضين } وقال { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } الآية ( قال الشافعي ) رحمه الله وقف الفلك بالذين ركب معهم يونس فقالوا إنما وقف لراكب فيه لا نعرفه فيقرع فأيكم خرج سهمه ألقي فخرج سهم يونس فألقي فالتقمه الحوت كما قال الله تبارك وتعالى ثم تداركه بعفوه جل وعز فأما مريم فلا يعدو الملقون لأقلامهم يقترعون عليها أن يكونوا سواء في كفالتها لأنه إنما يقارع من يدلي بحق فيما يقارع ولا يعدون إذا كان أرفق بها وأجمل في أمرها أن تكون عند واحد لا يتداولها كلهم مدة مدة ويكونوا يقسموا كفالتها فهذا أشبه معناها عندنا والله أعلم فاقترعوا أيهم يتولى كفالتها دون صاحبه أو تكون يدافعوها لئلا يلزم كفالتها واحدا دون أصحابه وأيهما كان فقد اقترعوا لينفرد بكفالتها ويخلو منها من بقي .
( قال الشافعي ) رحمه الله فلما كان المعروف لنساء الرافق بالنساء أن يخرج بواحدة منهن فهن في مثل هذا المعنى ذوات الحق كلهن فإذا خرج سهم واحدة كان السفر لها دونهن وكان هذا في معنى القرعة في مريم وقرعة يونس حين استوت الحقوق أقرع لتنفرد واحدة دون الجميع .
[ ص: 120 ] الخلاف في القسم في السفر ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فخالفنا بعض الناس في السفر وقال : هو والحضر سواء وإذا أقرع فخرج واحدة ثم قدم قسم لكل واحدة منهن من عدد الأيام بمثل ما غاب بالتي خرج بها فقلت له أيكون للمرء أن يخرج بامرأة بلا قرعة ويفعل ذلك في الحضر فيقيم معها أياما ثم يقسم للنسوة سواها بعدد تلك الأيام ؟ قال نعم قلت له فما معنى القرعة إذا أوفى كل واحدة منهن مثل عدد الأيام التي غاب بالتي خرجت قرعتها وكان له إخراجها بغير قرعة أنت رجل خالفت الحديث فأردت التشبيه على من سمعك بخلافه فلم يخف خلافك علينا ولا أراه يخفى على عالم ؟ قال فرق بين السفر والحضر قلت فرق الله بينهما في قصر الصلاة في السفر ووضع الصوم فيه إلى أن يقضي وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع في السفر فصلى حيث توجهت به راحلته راكبا وجمع فيه بين الصلاة ورخص الله فيه في التيمم بدلا من الماء أفرأيت لو عارضك معارض في القبلة فقال قد أمر الله تبارك وتعالى بالتوجه إلى البيت والنافلة والفرض في ذلك سواء عندك بالأرض مسافرا كان صاحبها أو مقيما فكيف قلت للراكب صل إن شئت إلى غير القبلة ؟ قال أقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير القبلة قلت فنقول لك فلا قول ولا قياس مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت ولا فرق بينه وبين مثله قال لا وهذا لا يكون إلا من جاهل قلنا فكيف كان هذا منك في القرعة في السفر ؟ قال إني قلت لعله قسم ؟ قلت فإن قال لك قائل فلعل الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى قبل المشرق في السفر قاله في سفر إذا استقبل فيه المشرق فكانت قبلته قال لا تخفى عليه القبلة وهو لا يقول صلى نحو المشرق إلا وهو خلاف القبلة قلت فهو إذا أقرع لم يقسم بعدد الأيام التي غاب بالتي خرجت قرعتها .
نشوز الرجل على امرأته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الرجال قوامون على النساء } إلى قوله { سبيلا } ( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله عز وجل { واللاتي تخافون نشوزهن } يحتمل إذا رأى الدلالات في إيغال المرأة وإقبالها على النشوز فكان للخوف موضع أن يعظها فإن أبدت نشوزا هجرها فإن أقامت عليه ضربها وذلك أن العظة مباحة قبل الفعل المكروه إذا رئيت أسبابه وأن لا مؤنة فيها عليها تضربها وأن العظة غير محرمة من المرء لأخيه فكيف لامرأته ؟ والهجرة لا تكون إلا بما يحل به الهجرة لأن الهجرة محرمة في غير هذا الموضع فوق ثلاث والضرب لا يكون إلا ببيان الفعل فالآية في العظة والهجرة والضرب على بيان الفعل تدل على أن حالات المرأة في اختلاف ما تعاتب فيه وتعاقب من العظة والهجرة والضرب مختلفة فإذا اختلفت فلا يشبه معناها إلا ما وصفت ( قال الشافعي ) رحمة الله عليه وقد يحتمل قوله { تخافون نشوزهن } إذا نشزن فخفتم لحاجتهن في النشوز أن يكون لكم جمع العظة والهجرة والضرب ( قال ) وإذا رجعت الناشز عن النشوز لم يكن لزوجها هجرتها ولا ضربها لأنه إنما أبيحا له بالنشوز فإذا زايلته فقد زايلت المعنى الذي أبيحا له به ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإنما قلنا لا يقسم للمرأة الممتنعة من زوجها المتغيبة عنه بإذن الله لزوجها بهجرتها في المضجع [ ص: 121 ] وهجرتها فيه اجتنابها بها لم تحرم والله أعلم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تضربوا إماء الله قال فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد أطاف الليلة بآل محمد نساء كثير أو قال سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم } ( قال الشافعي ) رحمه الله فجعل لهم الضرب وجعل لهم العفو وأخبر أن الخيار ترك الضرب إذا لم يكن لله عليها حد على الوالي أخذه وأجاز العفو عنها في غير حد في الخير الذي تركت حظها وعصت ربها ( قال الشافعي ) رحمه الله وقول الله تبارك وتعالى { وللرجال عليهن درجة } هما مما وصف الله وذكرنا من أن له عليها في بعض الأمور ما ليس لها عليه ولها في بعض الأمور عليه ما ليس له عليها من حمل مؤنتها وما أشبه ذلك .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (205)
صــــــــــ 122 الى صـــــــــــ 129
ما لا يحل أن يؤخذ من المرأة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى ذكره { وعاشروهن بالمعروف } إلى قوله { ميثاقا غليظا } ففرض الله عشرتها بالمعروف وقال عز وجل { فإن كرهتموهن } فدل على أنه أباح حبسها مكروهة واكتفى بالشرط في عشرتها بالمعروف لا أنه أباح أن يعاشرها مكروهة بغير المعروف ثم قال { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } الآية فاعلم أنه إذا كان الأخذ من الزوج من غير أمر من المرأة في نفسها ولا عشرتها ولم تطب نفسا بترك حقها في القسم لها وماله فليس له منعها حقها ولا حبسها إلا بمعروف وأول المعروف تأدية الحق وليس له أخذ مالها بلا طيب نفسها لأن الله تبارك وتعالى إنما أذن بتخليتها على ترك حقها إذا تركته طيبة النفس به وأذن بأخذ مالها محبوسة ومفارقة بطيب نفسها فقال { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } إلى قوله { مريئا } وقال { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } الآية وهذا إذن بحبسها عليه إذا طابت بها نفسها كما وصفت قول الله تعالى { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } حظر لأخذه إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء وهو الدخول فيأخذ نصفه بما جعل له وأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال وليس بحظر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قبلها وذلك أنه إنما حظر أخذه إذا كان من قبل الرجل فأما إذا كان من قبلها وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول الله تبارك وتعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } والحال التي أذن به فيها مخالفة الحال التي حرمه فيها فإن أخذ منها شيئا على طلاقها فأقر أنه أخذ بالإضرار بها مضى عليه الطلاق ورد ما أخذ منها وكان له عليها الرجعة إلا أن يكون طلقها ثلاثا .
الوجه الذي يحل به للرجل أن يأخذ من امرأته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان } إلى قوله { فيما افتدت به } [ ص: 122 ] قال الشافعي ) رحمه الله : فنهى الله تعالى الزوج كما نهاه في الآي قبل هذه الآية أن يأخذ مما آتى المرأة شيئا { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وأباح لهما إذا انتقلت عن حد اللاتي حرم أموالهن على أزواجهن لخوف أن لا يقيما حدود الله أن يأخذ منها ما افتدت به لم يحدد في ذلك أن لا يأخذ إلا ما أعطاها ولا غيره وذلك أنه يصير حينئذ كالبيع والبيع إنما يحل ما تراضى به المتبايعان لأحد في ذلك بل في كتاب الله عز وجل دلالة على إباحة ما كثر منه وقل لقوله { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد { عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها } أخبرنا الربيع قال الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن حبيبة أنها جاءت تشكو شيئا ببدنها في الغلس ثم ساق الحديث بمعنى حديث مالك وقول الله تبارك وتعالى { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } يحتمل أن يكون الابتداء بما يخرجهما إلى خوف أن لا يقيما حدود الله من المرأة بالامتناع من تأدية حق الزوج والكراهية له أو عارض منها في حب الخروج منه من غير بأس منه ويحتمل أن يكون من الزوج فلما وجدنا حكم الله بتحريم أن يأخذ الزوج من المرأة شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج استدللنا أن الحال التي أباح بها للزوج الأخذ من المرأة الحال المخالفة الحال التي حرم بها الأخذ ، تلك الحال هي أن تكون المرأة المبتدئة المانعة لأكثر ما يجب عليها من حق الزوج ولم يكن له الأخذ أيضا منها حتى يجمع أن تطلب الفدية منه لقوله عز وجل { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وافتداؤها منه شيء تعطيه من نفسها لأن الله عز وجل يقول { وإن خفتم شقاق بينهما } الآية فكانت هذه الحال التي تخالف هذه الحال وهي التي لم تبذل فيها المرأة المهر والحال التي يتداعيان فيها الإساءة لا تقر المرأة أنها منها ( قال الشافعي ) وقول الله تبارك وتعالى { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } كما وصفت من أن يكون لهما فعل تبدأ به المرأة يخاف عليهما فيه أن لا يقيما حدود الله لا أن خوفا منهما بلا سبب فعل .
( قال الشافعي ) وإذا ابتدأت المرأة بترك تأدية حق الله تعالى ثم نال منها الزوج ماله من أدب لم يحرم عليه أن يأخذ الفدية وذلك أن حبيبة جاءت تشكو شيئا ببدنها نالها به ثابت ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفتدي وأذن لثابت في الأخذ منها وذلك أن الكراهة من حبيبة كانت لثابت وأنها تطوعت بالفداء ( قال الشافعي ) وعدتها إذا كان دخل بها عدة مطلقة وكذلك كل ناكح كان يعد فسخا أو طلاقا صحيحا كان أو فاسدا فالعدة أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد فقال يتزوجها إن شاء لأن الله عز وجل يقول { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى قوله { أن يتراجعا } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كل شيء أجازه المال [ ص: 123 ] فليس بطلاق أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن جهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت .
( قال الشافعي ) ولا أعرف جهمان ولا أم بكرة بشيء يثبت به خبرهما ولا يرده ، وبقول عثمان نأخذ وهي تطليقة وذلك أني رجعت الطلاق من قبل الزوج ومن ذهب مذهب ابن عباس كان شبيها أن يقول قول الله تبارك وتعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } يدل على أن الفدية هي فسخ ما كان له عليها وفسخ ما كان عليها لا يكون إلا بفسخ العقد وكل أمر نسب فيه الفرقة إلى انفساخ العقد لم يكن طلاقا إنما الطلاق ما أحدث والعقدة قائمة بعينها وأحسب من قال هذا منهم إنما أرادوا أن الخلع يكون فسخا إن لم يسم طلاقا وليس هكذا حكم طلاق غيره فهو يفارق الطلاق بأنه مأذون به لغير العدة وفي غير شيء ( قال الشافعي ) ومن ذهب المذهب الذي روي عن عثمان أشبه أن يقول العقد كان صحيحا فلا يجوز فسخه وإنما يجوز إحداث طلاق فيه فإذا أحدث فيه فرقة عدت طلاقا وحسبت أقل الطلاق إلا أن يسمى أكثر منها وإنما كان لا رجعة له بأنه أخذ عوضا والعوض هو ثمن فلا يجوز أن يملك الثمن ويملك المرأة ومن ملك ثمنا لشيء خرج منه لم يكن له الرجعة فيما ملكه غيره ومن قال : هذا معارض بقول ابن عباس قال أو لست أجد العقد الصحيح ينفسخ في ردة أحد الزوجين . وفي الأمة تعتق وفي امرأة العنين تختار فراقه وعند بعض المدنيين في المرأة يوجد بها جنون أو جذام أو برص والرجل يوجد به أحد ذلك فيكونان بالخيار في المقام أو الفرقة وإنما الفرقة فسخ لا إحداث طلاق فإذا أذن الله تبارك وتعالى بالفدية وأذن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فاسخة .
( قال الشافعي ) إن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لزمه ما طلق ولا رجعة له في واحدة ولا اثنتين للثمن الذي أخذه منها .
( قال الشافعي ) وإذا اختلعت منه ثم طلقها في العدة لم يلزمها طلاق وذلك أنها غير زوجة ( قال الشافعي ) فإذا كان في حكم الله أن لا يؤخذ من المرأة في الخلع إلا بطيب نفسها ولا يؤخذ من أمة خلع بإذن سيدها لأنها ليست تملك شيئا ولا يؤخذ من محجور عليها من الحرائر إنما يؤخذ مال امرأة جائزة الأمر في مالها بالبلوغ والرشد والحرية .
الخلاف في طلاق المختلعة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في المختلعة فقال إذا طلقت في العدة لحقها الطلاق فسألته هل يروي في قوله خبرا ؟ فذكر حديثا لا تقوم بمثله حجة عندنا ولا عنده فقلت هذا عندنا وعندك غير ثابت قال فقد قال بعض التابعين عندك لا يقوم به حجة لو لم يخالفهم غيرهم قال فما حجتك في أن الطلاق لا يلزمها ؟ قلت حجتي فيه من القرآن والأثر والإجماع على ما يدل على أن الطلاق لا يلزمها قال وأين الحجة من القرآن ؟ قلت قال الله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى [ ص: 124 ] آخر الآيتين وقال الله تبارك وتعالى { للذين يؤلون من نسائهم } الآية وقال { والذين يظاهرون منكم من نسائهم } الآية وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وقال عز وجل { ولهن الربع مما تركتم } أفرأيت لو قذفها أيلاعنها ؟ أو آلى منها أيلزمه الإيلاء ؟ أو تظاهر منها أيلزمه الظهار أو ماتت أيرثها أو مات أترثه ؟ قال لا قلت ألا إن أحكام الله تبارك وتعالى هذه الخمسة تدل على أنها ليست بزوجة ؟ قال نعم قلت وحكم الله أنه إنما تطلق الزوجة لأن الله تبارك وتعالى قال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } قال نعم فقلت له كتاب الله إذا كان كما زعمنا وزعمت يدل على أنها ليست بزوجة وهي خلاف قولكم أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها قالا لا يلزمها طلاق لأنه طلق ما لا يملك وأنت تزعم أنك لا تخالف واحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى قول مثله فخالفت ابن عباس وابن الزبير معا وآيات من كتاب الله تعالى ما أدري لعل أحدا لو قال مثل قولك هذا لقلت له ما يحل لك أن تتكلم في العلم وأنت تجهل أحكام الله ثم قلت فيها قولا لو تخاطأت فقلته كنت قد أحسنت الخطأ وأنت تنسب نفسك إلى النظر قال وما هذا القول ؟ قلت زعمت أنه إن قال للمختلعة أنت بتة وبرية وخلية ينوي الطلاق لم يلزمها الطلاق وهذا يلزم الزوجة وأنه إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يلزمها ما يلزم الزوجة وأنه إن قال كل امرأة له طالق ولا ينويها ولا غيرها طلق نساؤه ولم تطلق هي لأنها ليست بامرأة له ثم قلت وإن قال لها أنت طالق طلقت فكيف يطلق غير امرأته .
الشقاق بين الزوجين
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { وإن خفتم شقاق بينهما } الآية قال الله أعلم بمعنى ما أراد من خوف الشقاق الذي إذا بلغاه أمره أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها والذي يشبه ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالهما الآية وذلك أني وجدت الله عز وجل أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأذن في نشوز المرأة بالضرب وأذن في خوفهما أن لا يقيما حدود الله بالخلع ودلت السنة أن ذلك برضا من المرأة وحظر أن يأخذ لرجل مما أعطى شيئا إذا أراد استبدال زوج مكان زوج فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينه بالحكمين دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما وكان يعرفهما بإبانة الأزواج أن يشتبه حالهما في الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية أو تكون الفدية لا تجوز من قبل مجاوزة الرجل ماله من أدب المرأة وتباين حالهما في الشقاق والتباين هو ما يصيران فيه من القول والفعل إلى ما لا يحل لهما ولا يحسن ويمتنعان كل واحد منهما من الرجعة ويتماديان فيما ليس لهما ولا يعطيان حقا ولا يتطوعان ولا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما فإذا كان هذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها ولا يبعث الحكمان إلا مأمونين وبرضا الزوجين ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا الثقفي عن أيوب عن محمد بن سريرة عن عبيدة عن علي في هذه الآية { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من [ ص: 125 ] أهلها } ثم قال للحكمين هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به قال فقول علي رضي الله عنه يدل على ما وصفت من أن ليس للحاكم أن يبعث حكمين دون رضا المرأة والرجل بحكمهما وعلى أن الحكمين إنما هما وكيلان للرجل والمرأة بالنظر بينهما في الجمع والفرقة فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قلنا لو كان الحكم إلى علي رضي الله عنه دون الرجل والمرأة بعث هو حكمين ولم يقل ابعثوا حكمين فإن قال قائل فقد يحتمل أن يقول ابعثوا حكمين فيجوز حكمهما بتسمية الله إياهما حكمين ، كما يجوز حكم الحاكم الذي يصيره الإمام فمن سماه الله تبارك وتعالى حاكما أكثر معنى أو يكونا كالشاهدين إذا رفعا شيئا إلى الإمام أنفذه عليهما أو يقول ابعثوا حكمين أي دلوني منكم على حكمين صالحين كما تدلوني على تعديل الشهود قلنا الظاهر ما وصفنا والذي يمنعنا من أن نحيله عنه مع ظهوره أن قول علي رضي الله عنه للزوج كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به يدل على أنه ليس للحكمين أن يحكما إلا بأن يفوض الزوجان ذلك إليهما وذلك أن المرأة فوضت وامتنع الزوج من تفويض الطلاق فقال علي رضي الله عنه كذبت حتى تقر بمثل الذي أقرت به يذهب إلى أنه إن لم يقر لم يلزمه الطلاق وإن رأياه ولو كان يلزمه طلاق بأمر الحاكم أو تفويض المرأة لقال له لا أبالي أقررت أم سكت وأمر الحكمين أن يحكما بما رأيا . أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه سمعه يقول تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت أصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة ؟ فيسكت حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك كله فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما . وهذا يشبه ما روي عن علي رضي الله عنه ألا ترى أن الحكمين ذهبا وابن عباس يقول أفرق بينهما ومعاوية يقول لا أفرق بينهما فلما وجداهما قد اصطلحا رجعا وذلك أن اصطلاحهما يدل على أنهما لو جاءهما فسخا وكالتهما فرجعا ولم تعد المرأة ولا الرجل إلى الشقاق علمناه ( قال الشافعي ) رحمة الله عليه ولو عاد الشقاق عادا للحكمين ولم تكن الأولى أولى من الثانية فإن شأنهما بعد مرة ومرتين وأكثر واحد في الحكمين . وإذا كان الخبر يدل على أن معنى الآية أن يجوز على الزوجين وكالة الحكمين في الفرقة والاجتماع بالتفويض إليهما دل ذلك على جواز الوكالات وكانت هذه الآية للوكالات أصلا والله أعلم .
ودل ذلك على أن للإمام أن يولي الحكم دونه من ليس يليه إلا بتوليته إياه وأن يولوا الحكم في بعض الأمور دون بعض لأن هذا حكم خاص ( قال ) ولو فوضنا مع الخلع والفرقة إلى الحكمين الأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان على الحكمين الاجتهاد إن رأيا الجمع في الأخذ لأحدهما من صاحبه فيما يريانه صلاحا لهما إذا كان الأغلب عندهما بعد معرفة أخلاقهما ومذاهبهما أن ذلك أصلح لأمرهما والأخذ من مال أحدهما لصاحبه وكان تفويض ذلك إليهما مثل الفرقة أو أولى من الفرقة بينهما فإذا جازت توليتهما لهما الفرقة جاز الأخذ بتوليتهما وعلى السلطان إن لم يرضيا بحكمين عندي أن لا يجيزهما على حكمين وأن يحكم عليهما فيأخذ لكل واحد منهما من صاحبه من نفقة وقسم ويجبر المرأة على ما عليها وكل واحد منهما على ما يلزمه وله أن يعاقب أيهما رأى إن امتنع بقدر ما يستوجب ولو قال قائل يجبرهما السلطان على الحكمين كان مذهبا .
[ ص: 126 ] حبس المرأة لميراثها
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } إلى { كثيرا } ( قال الشافعي ) رحمه الله يقال والله أعلم نزلت في الرجل يكره المرأة فيمنعها كراهية لها حق الله في عشرتها بالمعروف ويحبسها مانعا لحقها ليرثها من غير طيب نفس منها بإمساكه إياها على المنع فحرم الله تعالى ذلك على هذا المعنى وحرم على الأزواج أن يعضلوا النساء ليذهبوا ببعض ما أوتين واستثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وإذا أتين بفاحشة مبينة وهي الزنا فأعطين ببعض ما أوتين ليفارقن حل ذلك إن شاء الله تعالى ولم تكن معصيتهن الزوج فيما يجب له بغير فاحشة أولى أن نحل ما أعطين من أن يعصين الله والزوج بالزنا وأمر الله في اللاتي يكرههن أزواجهن ولم يأتين بفاحشة أن يعاشرن بالمعروف وذلك بتأدية الحق وإجمال العشرة . وقال { فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا } الآية ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأباح عشرتهن على الكراهية بالمعروف وأخبر أن الله عز وجل قد يجعل في الكره خيرا كثيرا والخير الكثير الأجر في الصبر وتأدية الحق إلى سن يكره أو التطول عليه وقد يغتبط وهو كاره لها بأخلاقها ودينها وكفاءتها وبذلها وميراث إن كان لها وتصرف حالاته إلى الكراهية لها بعد الغبطة بها .
الفرقة بين الأزواج بالطلاق والفسخ
أخبرنا الربيع : قال أخبرنا الشافعي قال الفرقة بين الزوجين وجوه يجمعها اسم الفرقة ويفترق بها أسماء دون اسم الفرقة فمنها الطلاق ، والطلاق ما ابتدأه الزوج فأوقعه على امرأته بطلاق صريح أو كلام يشبه الطلاق يريد به الطلاق ، وكذلك ما جعل إلى امرأته من أمرها فطلقت نفسها أو إلى غيرها فطلقها فهو كطلاقه لأنه بأمره وقع وهذا كله إذا كان الطلاق فيه من الزوج أو ممن جعله إليه الزوج واحدة أو اثنتين فالزوج يملك فيه رجعة المطلقة ما كانت في عدة منه .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكذلك إن آلى من امرأته فطلق أو قال لامرأته أنت طالق ألبتة فحلف ما أراد إلا واحدة أو أنت خلية أو بائن أو برية فحلف ما أراد إلا واحدة فهي واحدة يملك الرجعة لا يكون من هذا شيء بائن أبدا إن كانت الزوجة مدخولا بها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال لي بعض الناس ما الحجة فيما قلت ؟ قلت الكتاب والسنة والآثار والقياس قال : فأوجدني ما ذكرته قلت قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } الآية وقال تعالى ذكره { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } إلى قوله { إصلاحا } وقلت أما يتبين لك في هاتين الآيتين أن الله تبارك وتعالى جعل لكل مطلق لم يأت على جميع الطلاق الرجعة في العدة ولم يخصص مطلقا دون مطلق ولا مطلقة دون مطلقة . وأن الله تبارك وتعالى إذا قال { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فإنما أمر بالإمساك من له أن يمسك وبالتسريح من له أن يسرح قال : فما التسريح ها هنا قلت ترك الحبس بالرجعة في العدة تسريح بمتقدم الطلاق وقلت له : إن هذا في غير هاتين الآيتين أيضا كهو في هاتين الآيتين قال فاذكره ؟ قلت قال الله عز وجل { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } إلى قوله { لتعتدوا } قال فما معنى قوله { فبلغن أجلهن ؟ } قلت يعني والله أعلم قاربن بلوغ أجلهن ، قال وما الدليل على ذلك ؟ [ ص: 127 ] قلت : الآية دليل عليه لقول الله عز وجل { فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } فلا يؤمر بالإمساك والسراح إلا من هذا إليه ثم شرط عليهم في الإمساك أن يكون بمعروف وهذه كالآية قبلها في قوله { فبلغن أجلهن } قال وتقول هذا العرب ؟ قلت نعم تقول للرجل إذا قارب البلد يريده أو الأمر يريده قد بلغته وتقوله إذا بلغه . وقلت له قال الله تبارك وتعالى { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم } قال فلم قلت : إنها تكون للأزواج الرجعة في العدة قبل التطليقة الثالثة ؟ فقلت له لما بين الله عز وجل في كتابه { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } إلى { أن يتراجعا } قال فلم قلت في قول الله تعالى في المطلقات { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } إذا قاربن بلوغ أجلهن ؟ وقلت في قول الله عز وجل في المتوفى عنها زوجها { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } هذا إذا قضين أجلهن والكلام فيهما واحد ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له { بلغن أجلهن } يحتمل قاربن البلوغ وبلغن فرغن مما عليهن فكان سباق الكلام في الآيتين دليلا على فرق بينهما لقول الله تبارك وتعالى في الطلاق { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وقال { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } فلا يؤمر بالإمساك إلا من يجوز له الإمساك في العدة فيمن ليس لهن أن يفعلن في أنفسهن ما شئن في العدة حتى تنقضي العدة وهو كلام عربي هذا من أبينه وأقله خفاء لأن الآيتين تدلان على افتراقهما بسياق الكلام فيهما . ومثل قول الله تعالى ذكره في المتوفى في قوله تعالى { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } حتى تنقضي عدتها فيحل نكاحها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال وما السنة فيه ؟ قلت أخبرني عمي محمد بن علي عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد { أن ركامة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية ألبتة ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لركانة والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان قال : فما الأثر فيه ؟ قلت : أو يحتاج مع حكم الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى غيرهما ؟ فقال إن كان عندك أثر فلا عليك أن تذكره قلت أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته ألبتة ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك ؟ قال قد فعلته قال فقرأ { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } ما حملك على ذلك ؟ قلت قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة لا تبت .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (206)
صــــــــــ 130 الى صـــــــــــ 135
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتومة مثل قوله للمطلب . أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا الثقة عن الليث بن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني زريق طلق امرأته ألبتة فقال له عمر : احلف فقال أتراني يا أمير المؤمنين أقع في الحرام والنساء كثير ؟ فقال له احلف فحلف ( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء ألبتة فقال يدين فإن كان أراد ثلاثا فهي ثلاث وإن أراد واحدة فهي واحدة ( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج [ ص: 128 ] عن عطاء أن شريحا دعاه بعض أمرائهم فسأله عن رجل قال لامرأته أنت طالق ألبتة فاستعفاه شريح فأبى أن يعفيه فقال أما الطلاق فسنة ، وأما البتة فبدعة ، فأما السنة فالطلاق فأمضوها وأما البدعة فالبتة فقلدوه إياها ودينوه فيها ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو خلوت مني وقوله : أنت بريئة أو برئت مني أو يقول أنت بائنة أو بنت مني قال سواء قال عطاء أما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك وهو الطلاق قال ابن جريج قال عطاء أما قوله أنت بريئة أو بائنة ؟ فذلك ما أحدثوا فيدين فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا ( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله أنت بريئة أو أنت بائنة أو خلية أو برئت مني أو بنت مني قال يدين ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله أنت علي حرام ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال فما الوجوه التي ذكرت التي تكون بها الفرقة بين الزوجين ؟ فقلت له كل ما حكم فيه بالفرقة وإن لم ينطق بها الزوج ولم يردها وما لو أراد الزوج أن لا توقع عليه الفرقة أوقعت فهذه فرقة لا تسمى طلاقا لأن الطلاق ليس من الزوج وهو لم يقله ولم يرضه بل يريد رده ولا يرد قال : ومثل ماذا ؟ قلت مثل الأمة تعتق عند العبد فتختار فراقه ومثل المرأة تكون عند العنين فيؤجل سنة فلا يمس فتختار فراقه فهاتان الفرقتان وإن كانتا صيرتا للمرأتين بعلة العبودية في الزوج والعجز فيه وليس أن الزوج طلق ، ومثل ذلك أن تزوج المرأة الرجل فينتسب حرا فيوجد عبدا فتخير فتفارقه ويتزوجها الرجل فتجده أجذم أو مجنونا أو أبرص فتختار فراقه قال : أفتعد شيئا من هذا طلاقا ؟ قلت لا هذا فسخ عقد النكاح لا إحداث طلاق فيها . ومثل الزوجين يسلم أحدهما ولا يسلم الآخر حتى تنقضي العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال وما يشبه هذا ؟ قلت العبد يبتاعه فيظهر منه على عيب فيكون له رده بالعيب ورده فسخ العقد الأول وليس استئناف بيع فيه ولا يجوز أن يستأنف بيعا بغير رضا المردود عليه وهذا كله فرقة من المرأة وفرقة المرأة بغير تمليك الزوج إياها لا تكون إلا فسخ عقدة النكاح لأن الطلاق الذي جعله الله تعالى ثلاثا لا تحل النساء بعده إلا بزوج وهو إلى الرجال لا إلى النساء قال فهل من شيء فرقه غير هذا ؟ قلت نعم كل ما عقد فاسدا من نكاح ، مثل نكاح بغير ولي ونكاح العبد بغير إذن سيده ونكاح الأمة بغير إذن سيدها فكل ما وقع من النكاح كله ليس بتام يحل فيه الجماع بالعقد ويقع الميراث بين الزوجين ولا يكون لأحد فسخه زوج ولا زوجة ولا ولي فكل ما كان هكذا فالنكاح فيه فاسد يفرق العقدة ولم تعد الفرقة طلاقا ولكنه فسخ العقد ، قال فهل من تفرقة غير هذا ؟ قلت نعم ردة أحد الزوجين أو إسلام أحدهما والآخر مقيم على الكفر وقد حرم الله على الكافرين أن يغشوا المؤمنات وعلى المؤمنين غشيان الكوافر سوى أهل الكتاب وليس واحد منهما فراقا من الزوج هذا فسخ كله قال فهل من وجه من الفرقة غير هذا ؟ قلت نعم الخلع قال فما الخلع عندك ؟ فذكرت له الاختلاف فيه ، قال فإن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أفيملك الرجعة ؟ قلت : لا قال ولم والطلاق منه لو أراد لم يوقعه ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له يقول الله عز وجل { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } والفدية ممن ملك عليه أمره لا تكون إلا بإزالة الملك عنه وغير جائز أن يأذن الله تعالى لها بالفدية وله أن يأخذها ثم يملك عليها أمرها بغير رضا منها ألا ترى أن كل من أخذ شيئا على شيء يخرجه من يديه لم يكن له سبيل على ما أخرج من يديه لما أخذ عليه من العوض وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس أن يأخذ من امرأته حين جاءته ولم يقل له لا تأخذ منها إلا في قبل عدتها كما أمر [ ص: 129 ] المطلق غيره ولم يسم له طلاقا يطلقها إياه ورأى رضاه بالأخذ منها فرقة ، والخلع اسم مفارق للطلاق وليس المختلع بمبتدئ طلاقا إلا بجعل والمطلقون غيره لم يستعجلوا ، وقلت له الذي ذهب إليه من قول الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف } الآية إنما هو على من عليه العدة لقول الله عز وجل { طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } إلى قوله { جميلا } أفرأيت إن عارضك معارض في المطلقة واحدة قبل أن يدخل بها ؟ فقال إن الله قال { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وهذه مطلقة واحدة فيمسكها ما الحجة عليه ؟ قال قول الله تعالى { فبلغن أجلهن فأمسكوهن } وقوله في العدة { أحق بردهن في ذلك } فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله علمت أن الله تبارك وتعالى إنما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات وكان المفسر من القرآن يدل على معنى المجمل ويفترق بافتراق حال المطلقات ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقلت له فما منعك من هذه الحجة في المختلعة وقد فرق الله تبارك وتعالى بينهما بأن جعلها مفتدية وبأن هذا طلاق بمال يؤخذ وبأن المسلمين لم يختلفوا في أن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق واحدة ملك الرجعة وإن قال لها أنت طالق واحدة على شيء يأخذه لم يملك الرجعة ؟ قال هذا هكذا لأنه إذا تكلم بكلمة واحدة فلا يجوز أن أجعل ما أخذ عليه مالا كمن لم يأخذ المال .
والحجة فيه ما ذكرت من أن من ملك شيئا بشيء يخرج منه لم يكن له على ما خرج منه سبيل كما لا يكون على ما في يديه مما أخرجه إليه مالكه لمالكه الذي أخرجه إليه سبيل ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال فأوجدني اللفظ الذي يكون فراقا في الحكم لا تدينه فيه ، قلت له : هو قول الرجل أنت طالق أو قد طلقتك أو أنت سراح أو قد سرحتك أو قد فارقتك ، قال فمن أين قد فرقت بين هؤلاء الكلمات في الحكم وبين ما سواهن وأنت تدينه فيما بينه وبين الله فيهن كما تدينه في غيرهن ؟ قلت : هؤلاء الكلمات التي سمى الله تبارك وتعالى بهن الطلاق فقال { إذا طلقتم النساء } وقال { فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وقال عز وجل { فمتعوهن وسرحوهن } الآية فهؤلاء الأصول وما أشبههن مما لم يسم طلاقا في كتاب ولا سنة ولا أثر إلا بنيته فإن نوى صاحبه طلاقا مع قول يشبه الطلاق كان طلاقا وإن لم ينوه لم يكن طلاقا .
الخلاف في الطلاق
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال : إنا نوافقك في معنى ونخالفك في معنى ، فقلت فاذكر المواضع التي تخالفنا فيها ، قال تزعم أن من قال لامرأته أنت طالق فهو يملك الرجعة إلا أن يأخذ جعلا على قوله أنت طالق ، قلت هذا قولنا وقول العامة ، قال وتقول إن قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائنة أو كلمة غير تصريح الطلاق فلم يرد بها طلاقا فليس بطلاق قلت وهذا قولي ، قال وتزعم أنه إن أراد بهذا الذي ليس بصريح الطلاق الطلاق وأراد واحدة كانت واحدة بائنة وكذلك إن قال واحدة شديدة أو غليظة إذا شدد الطلاق بشيء فقلت له : أفقلت هذا خبرا أو قياسا ؟ فقال قلت بعضه خبرا وقست ما بقي منه على الخبر بها ( قال الشافعي ) رحمه الله قلت ما الذي قلته خبرا وقست [ ص: 130 ] ما بقي منه على الخبر ؟ قال : روينا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال في الرجل يخير امرأته أو يملكها إن اختارته فتطليقة يملك فيها الرجعة وإن اختارت نفسها فتطليقة بائنة قلت أرويت عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جعل ألبتة ثلاثا ؟ قال نعم ، قلت : أنت تخالف ما رويت عن علي قال وأين ؟ قلت أنت تقول إذا اختارت المرأة المملكة أو التي جعل أمرها بيدها زوجها فلا شيء قال نعم فقلت قد رويت عنه حكما واحدا خالفت بعضه ورويت عنه أيضا أنه فرق بين البتة والتخيير والتمليك فقلت في البتة نيته فإن أراد واحدة فواحدة بائن وهو يجعلها ثلاثا ، فكيف زعمت أنك جعلت ألبتة قياسا على التخيير والتمليك وهما عندك طلاق لم يغلظ والبتة طلاق قد غلظ ؟ فكيف قست أحدهما بالآخر وعلي رضي الله تعالى عنه يفرق بينهما وهو الذي عليه أصلك زعمت اعتمدت ؟ قال فإنى إنما قلت في البتة بحديث ركانة فقلت له أليس جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبتة في حديث ركانة واحدة يملك الرجعة وأنت تجعلها بائنا ؟ فقال قال شريح نقفه عند بدعته فقلت ونحن قد وقفناه عند بدعته فلما أراد واحدة جعلناها تملك الرجعة كما جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وأنت رويت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في البتة واحدة ويملك الرجعة أو ثلاثا فخرجت من قولهم معا بتوهم في قول شريح وشريح رجل من التابعين ليس لك عند نفسك ولا لغيرك أن يقلده ولا له عندك أن يقول مع أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قال في البتة ثلاثا فإنه يذهب إلى الذي يغلب على القلب أنه إذا نطق بالطلاق ثم قال ألبتة فإنما أراد الإبتات والذي ليست بعده رجعة وهو ثلاث ومن قال ألبتة واحدة إذا لم يرد أكثر منها ذهب فيما نرى والله تعالى أعلم إلى أن ألبتة كلمة تحتمل أكثر الطلاق ، وأن يقول ألبتة يقينا كما تقول لا آتيك ألبتة وأذهب ألبتة وتحتمل صفة الطلاق فلما احتملت معاني لم نستعمل عليه معنى يحتمل غيره ولم تفرق بينه وبين أهله بالتوهم وجعلنا ما احتمل المعاني يقابله وقولك كله خارج من هذا مفارق له قال فإنا قد روينا عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لا يكون طلاق بائن إلا خلع أو إيلاء فقلنا قد خالفته فجعلت كثيرا من الطلاق بائنا سوى الخلع والإيلاء وقلت له أرأيت لو أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قولك في البتة وروينا عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يخالفه أفي رجل أو رجال من أصحابه حجة معه ؟ قال لا قلنا فقد خالفت ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البتة وخالفت أصحابه فلم تقل بقول واحد منهم فيها وقلت له أو يختلف عندك قول الرجل لامرأته أنت طالق ألبتة وخلية وبرية وبائن وما شدد به الطلاق أو كنى عنه وهو يريد الطلاق ؟ فقال لا كل هذا واحد قلت فإن كان كل واحد من هذا عندك في معنى واحد فقد خالفت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في معناه ثم قلت فيه قولا متناقضا قال وأين ؟ قلت زعمت أنه إن قال لامرأته أنت طالق واحدة غليظة أو شديدة كانت بائنا وإن قال لها أنت طالق واحدة طويلة كان يملك الرجعة وكلتا الكلمتين صفة التطليقة وتشديد لها فكيف كان يملك في إحداهما الرجعة ولا يملكها في الأخرى ؟ أرأيت لو قال لك قائل إذا قال طويلة فهي بائن لأن الطويلة ما كان لها منع الرجعة حتى يطول ذلك وغليظة وشديدة ليست كذلك فهو يملك الرجعة أما كان أقرب بما فرق إلى الصواب منك ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وقلت له لقد خالفت في هذا القول معاني الآثار مع فراقك معنى القرآن والسنة والآثار والقياس قال فمن أصحابك من يقول لا [ ص: 131 ] أثق به في الطلاق قلت أولئك خالفونا وإياك فإن قلت بقولهم حاججناك وإن خالفتهم فلا تحتج بقول من لا تقول بقوله .
انفساخ النكاح بين الأمة وزوجها العبد إذا عتقت " أخبرنا الربيع " قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كانت في بريرة ثلاث سنن وكان في إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق أن لها الخيار ما لم يمسها فإذا مسها فلا خيار لها أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي بن كعب يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت : إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا .
( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا نأخذ في تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة حين عتقت في المقام مع زوجها أو فراقه دلائل منها أن الأمة إذا عتقت عند عبد كان لها الخيار في المقام معه أو فراقه وإذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار للأمة دون زوجها فإنما جعل لها الخيار في فسخ العقدة التي عقدت عليها وإذا كانت العقدة تنفسخ فليس الفسخ بطلاق إنما جعل الله الطلاق المعدود على الرجال ما طلقوهم فأما ما فسخ عليهم فذلك لا يحتسب عليهم والله تعالى أعلم لأنه ليس بقولهم ولا بفعلهم كان .
( قال ) وفي الحديث دلالة على أن الملك يزول عن الأمة المزوجة وعقد النكاح ثابت عليها إلا أن تفسخه حرية أو اختيار في العبد خاصة وهذا يرد على من قال بيع الأمة طلاقها لأنه إذا لم يكن خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إياه بالعتق يخرجها من نكاح الزوج كان خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إلى رق كرقه أولى أن لا يخرجها ولا يكون لها خيار إذا خرجت إلى الرق وبريرة قد خرجت من رق مالكها إلى ملك عائشة ومن ملك عائشة إلى العتق فجمعت الخروجين من الرق إلى الرق ومن الرق إلى العتق ثم خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهما قال ولا يكون لها الخيار إلا بأن تكون عند عبد فأما عند حر ، فلا .
الخلاف في خيار الأمة
( قال الشافعي ) فخالفنا بعض الناس في خيار الأمة فقال تخير تحت العبد وقالوا روينا عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا قال فقلت له رواه عروة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان عبدا وهما أعلم بحديث عائشة من رويت هذا عنه قال فهل تروون عن غير عائشة أنه كان عبدا ؟ فقلت هي المعتقة وهي أعلم به من غيرها وقد روي من وجهين قد ثبت أنت ما هو أضعف منهما ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما قال فاذكرهما قلت أخبرنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر عنده زوج بريرة فقال كان ذلك مغيث عبد بني فلان كأني أنظر إليه يتبعها في الطريق وهو يبكي أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن زوج بريرة [ ص: 132 ] كان عبدا قال فقال فلم تخير تحت العبد ولا تخير تحت الحر ؟ فقلت له لاختلاف حالة العبد والحر قال وما اختلافهما ؟ قلت له الاختلاف الذي لم أر أحدا يسأل عنه قال وما ذاك ؟ قلت إذا صارت حرة لم يكن العبد لها كفؤا لنقصه عنها ألا ترى أنه لا يكون وليا لبنته يزوجها ألا ترى أنه يوجب بالنكاح على الناكح أشياء لا يقدر العبد على كمالها ويتطوع الزوج الحر على المرأة بأشياء لا يقدر العبد على كمالها ؟ ومنها أن المرأة ترث زوجها ويرثها والعبد لا يرث ولا يورث ومنها أن نفقة ولد الحر عليه من الحرة ومنها أن عليه أن يعدل لامرأته وسيد العبد قد يحول بينه وبين العدل عليها ومنها أشياء يتطوع لها بها من المقام معها جل نهاره ولسيد العبد منعه من ذلك مع أشباه لهذا كثيرة يخالف فيها الحر العبد ( قال الشافعي ) رحمه الله فقال إنا إنما ذهبنا في هذا إلى أن خيار الأمة تحت الحر والعبد أنها نكحت وهي غير مالكة لأمرها ولما ملكت أمرها كان لها الخيار في نفسها فقلت له أرأيت الصبية يزوجها أبوها فتبلغ قبل الدخول أو بعده أيكون لها الخيار إذا بلغت ؟ قال لا قلت فإذا زعمت أنك إنما خيرتها لأن العقدة كانت وهي لا خيار لها فإذا صار الخيار لها اختارت لزمك هذا في الصبية يزوجها أبوها قال فإن افترق بينها وبين الصبية ؟ قلت أو يفترقان ؟ قال نعم قلت فكيف تقيسها عليها والصبية وارثة موروثة وهذه غير وارثة ولا موروثة بالنكاح ثم تقيسها عليها في الخيار التي فارقتها فيه ؟ قال إنهما وإن افترقا في بعض أمرهما فهما يجتمعان في بعضه قلت وأين ؟ قال الصبية لم تكن يوم تزوجت ممن لها خيار للحداثة قلت وكذلك الأمة للرق قال فلو كانت حرة كان لها الخيار ؟ قلت وكذلك لو كانت الصبية بالغة قال فهي لا تشبهها قلت فكيف تشبهها بها وأنت تقول إذا بلغت الصبية لم يزوجها أبوها إلا برضاها وهو يزوج أمته بغير رضاها ؟ قال فأشبهها بالمرأة تزوج وهي لا تعلم أن لها الخيار إذا علمت قلت هذا خطأ في المرأة هذه لا نكاح لها ولو كان ما قلت كما قلت كنت قد قستها على ما يخالفها قال وأين مخالفها ؟ قلت أرأيت المرأة تنكح ولا تعلم ثم تموت قبل أن تعلم أيرثها زوجها أو يموت أترثه ؟ قال لا قلت ولا يحل له جماعها قبل أن تعلم ؟ قال لا قلت أفتجد الأمة يزوجها سيدها هل يحل سيدها جماعها ؟ قال نعم قلت وكذلك بعد ما تعتق ما لم تختر فسخ النكاح قال نعم قلت ولو عتقت فماتت ورثها زوجها ؟ قال نعم قلت ولو مات ورثته ؟ قال نعم قلت أفتراها تشبه واحدة من الاثنتين اللتين شبهتهما بها ؟ قال فما حجتك في الفرق بين العبد والحر ؟ قلت ما وصفت لك فإن أصل النكاح كان حلالا جائزا فلم يحرم النكاح بتحول حال المرأة إلى أحسن ولا أسوأ من حالها الأول إلا بخبر لا يسع خلافه فلما جاءت السنة بتخيير بريرة وهي عند عبد قلنا به اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ألزمنا الله اتباعه حيث قال وقلنا الحر خلاف العبد لما وصفنا وأن الأمة إذا خرجت إلى الحرية لم تكن أحسن حالا منه ، أكثر ما فيها أن تساويه وهو إذا كان مملوكا فعتقت خرجت من مساواته قال وكيف لم تجعلوا الحر قياسا على العبد ؟ فقلت وكيف نقيس بالشيء خلافه ؟ قال : إنهما يجتمعان في معنى أنهما زوجان قلت ويفترقان في أن حالهما مختلفة قال فلم لا تجمع بينهما حيث يجتمعان ؟ قال قلت افتراقهما أكثر من اجتماعهما والذي هو أولى بي إذا كان الأكثر من أمرهما الافتراق أن يفرق بينهما ونحن نسألك قال سل قلت ما تقول في الأمة إذا أعتقت تخير ؟ قال نعم قلت فإن بيعت تخير ؟ قال لا قلت ولم وقد زال رق الذي زوجها فصار في حاله هذه لو ابتدأ نكاحها لم يجز كما لو أنكحها حرة بغير إذنها لم يجز ؟ قال هما وإن اجتمعا في أن ملك المنكح زائل عن المنكحة فحال الأمة المنكحة مختلفة في أنها انتقلت من رق إلى رق وهي في العتاقة انتقلت من رق إلى حرية . قلت ففرقت بينهما إذا افترقا في معنى وإن اجتمعا في آخر ؟ قال نعم قلت فتفريقي بين الخيار في عبد وحر [ ص: 133 ] أكثر مما وصفت وأصل الحجة فيه ما وصفت من أن النكاح كان حلالا وما كان حلالا لم يجز تحريمه ولا فسخه إلا بسنة ثابتة أو أمر أجمع الناس عليه فلما كانت السنة في تخيير الأمة إذا عتقت عند عبد لم نعد ما روينا من السنة ولم يحرم النكاح إلا في مثل ذلك المعنى وإنما جعل للأمة الخيار في التفريق والمقام ، والمقام لا يكون إلا والنكاح حلال إلا أن الخيار إنما يكون عندنا - والله تعالى أعلم - لنقص العبد عن الحرية والعلل التي فيه التي قد يمنع فيها ما يحب وتحب امرأته .
اللعان
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } الآية وقال تعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى { أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين } فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن دل ذلك على أن الله إنما أراد بقوله { والذين يرمون المحصنات } الآية القذفة غير الأزواج وكان القاذف الحر الذمي والعبد المسلم والذمي إذا قذفوا الحرة المسلمة جلدوا الحد معا فجلدوا الحر حد الحر والعبد حد العبد وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم من أن يحد حده إن لم يخرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة لأن الآية عامة على المقذوفة كانت الآية في اللعان كذلك والله تعالى أعلم عامة على الأزواج القذفة فكان كل زوج قاذف يلاعن أو يحد إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن لأن على من قذفها - إذا لم يكن لها حد - تعزيرا وعليها حد إذا لم تلتعن بكل حال لأنه لا افتراق بين عموم الآيتين معا وكما جعل الله الطلاق إلى الأزواج قال { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقال عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } فكان هذا عاما للأزواج والنساء لا يخرج منه زوج مسلم حر ولا عبد ولا ذمي حر ولا عبد فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة ( وقال ) فيما حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لاعن بين أخوي بني العجلان ولم يتكلف أحد حكاية حكم النبي صلى الله عليه وسلم في اللعان أن يقول قال للزوج قل كذا ولا للمرأة قولي كذا إنما تكلفوا حكاية جملة اللعان دليل على أن الله عز وجل إنما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بما حكم الله عز وجل في القرآن وقد حكى من حضر اللعان في اللعان ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه ( قال ) فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين وقال للزوج قل " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا " ثم ردها عليه حتى يأتي بها أربع مرات فإذا فرغ من الرابعة وقفه وذكره وقال " اتق الله تعالى أن تبوء بلعنة الله فإن قولك " إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا " موجبة يوجب عليك اللعنة إن كنت كاذبا فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان وينبغي أن يقول للزوجة فتقول أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا حتى تقولها أربعا فإذا أكملت أربعا وقفها وذكرها وقال " اتقي الله واحذري أن تبوئي بغضب الله فإن قولك : علي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا " يوجب عليك غضب الله إن كنت كاذبة فإن مضت فقد فرغت مما عليها وسقط الحد عنهما وهذا الحكم عليهما [ ص: 134 ] والله ولي أمرهما فيما غاب عما قالا .
فإن لاعنها بإنكار ولد أو حبل قال أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن ولدها هذا أو حبلها هذا إن كان حبلا لمن زنا ما هو مني ثم يقولها في كل شهادة وفي قوله وعلي لعنة الله حتى تدخل مع حلفه على صدقه على الزنا لأنه قد رماها بشيئين بزنا وحمل أو ولد ينفيه فلما ذكر الله عز وجل الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من أوجب عليه لأنه متجرئ على النفي وعلى الشهادة بالله تعالى باطلا ثم يزيد فيجترئ على أن يلتعن وعلى أن يدعو بلعنة الله فينبغي للوالي إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يفقههما نظرا لهما استدلالا بالكتاب والسنة .
أخبرنا ابن عيينة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلا أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال إنها موجبة } أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره { أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فجاء عويمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها فقال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال مالك وقال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين ( قال الشافعي ) رحمه الله سمعت إبراهيم بن سعد بن إبراهيم يحدث عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره قال { جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال : يا عاصم بن عدي سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل فلقيه عويمر فقال ما صنعت ؟ قال صنعت أنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عويمر والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل الله عليه فيهما فدعاهما فلاعن بينهما فقال عويمر لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال ابن شهاب فصارت سنة في المتلاعنين ثم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا } قال فجاءت به على النعت المكروه ( قال الشافعي ) رحمه الله الوحرة دابة تشبه الوزغ أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن جاءت به أشقر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج فهو للذي يتهمه } فجاءت به أديعج أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين مثل معنى حديث مالك وإبراهيم فلما انتهى إلى فراقها
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (207)
صــــــــــ 135 الى صـــــــــــ 142
[ ص: 135 ] قال في الحديث ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها فمضت سنة المتلاعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أحسبه إلا كذب عليها وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها } فجاءت به على الأمر المكروه . أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أخي بني ساعدة { أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فأنزل الله عز وجل في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى فيك وفي امرأتك } فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت السنة بعد فيهما أن يفرق بين المتلاعنين قال فكانت حاملا فأنكره فكان ابنها يدعى إلى أمه ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في حديث ابن أبي ذئب دليل على أن سهل بن سعد قال فكانت سنة المتلاعنين وفي حديث مالك وإبراهيم كأنه قول ابن شهاب وقد يكون هذا غير مختلف يقوله مرة ابن شهاب ولا يذكر سهلا ويقوله أخرى ويذكر سهلا ووافق ابن أبي ذئب إبراهيم بن سعد فيما زاد في آخر الحديث على حديث مالك وقد حدثنا سفيان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال شهدت المتلاعنين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة ثم ساق الحديث ولم يتقنه إتقان هؤلاء أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن يحيى بن سعيد حدثه عن القاسم بن محمد عن ابن عباس { أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : والله ما لي عهد بأهلي منذ عفار النخل وعفارها أنها إذا كانت تؤبر تعفر أربعين يوما ولا تسقى إلا بعد الإبار قال فوجدت مع امرأتي رجلا قال وكان زوجها مصفرا حمش الساقين سبط الشعر والذي رميت به خدلا إلى السواد جعدا قططا مستها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بين ثم لاعن بينهما فجاءت برجل يشبه الذي رميت به } أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال شهدت ابن عباس رضي الله عنهما يحدث بحديث المتلاعنين قال فقال له رجل أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمتها ؟ " فقال ابن عباس لا ، تلك امرأة كانت قد أعلنت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث عن محمد بن كعب القرظي قال المقبري وحدثني أبو هريرة رضي الله عنه " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لما نزلت آية المتلاعنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه به على رءوس الأولين والآخرين } وسمعت ابن عيينة يقول أخبرنا عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه } ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال " سمعت ابن عمر يقول { فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان قال هكذا بأصبعه المسبحة والوسطى فقرنهما الوسطى والتي تليها يعني المسبحة قال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب . }
( أخبرنا ) مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رجلا لاعن امرأته [ ص: 136 ] في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة } ( قال الشافعي ) ففي حكم اللعان في كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل واضحة ينبغي لأهل العلم أن ينتدبوا بمعرفته ثم يتحروا أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيره على أمثاله فهو دون الفرض وتنتفي عنهم الشبه التي عارض بها من جهل لسان العرب وبعض السنن وغبي عن موضع الحجة منها { أن عويمرا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل وجد مع امرأته رجلا فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل } . وذلك أن عويمرا لم يخبره أن هذه المسألة كانت ، وقد أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يكن فحرم من أجل مسألته } وأخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه قال الله عز وجل { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } إلى قوله { بها كافرين } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : كانت المسائل فيها فيما لم ينزل إذا كان الوحي ينزل بمكروه لما ذكرت من قول الله تبارك وتعالى ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره فيما في معناه وفي معناه كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرم فإن حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حرم أبدا إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه أو ينسخ على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سنة لسنة .
وفيه دلائل على أن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بإذن الله تعالى إلى يوم القيامة بما وصفت وغيره من افتراض الله تعالى طاعته في غير آية من كتابه وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم مما قد وصفته في غير هذا الموضع ، وفيه دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وردت عليه هذه المسألة وكانت حكما وقف عن جوابها حتى أتاه من الله عز وجل الحكم فيها { فقال لعويمر قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك } فلاعن بينهما كما أمر الله تعالى في اللعان ثم فرق بينهما وألحق الولد بالمرأة ونفاه عن الأب وقال له { لا سبيل لك عليها } ولم يردد الصداق على الزوج فكانت هذه أحكاما وجبت باللعان ليست باللعان بعينه فالقول فيها واحد من قولين ، أحدهما أني سمعت ممن أرضى دينه وعقله وعلمه يقول إنه لم يقض فيها ولا غيرها إلا بأمر الله تبارك وتعالى قال : فأمر الله إياه وجهان أحدهما وحي ينزله فيتلى على الناس والثاني رسالة تأتيه عن الله تعالى بأن افعل كذا فيفعله ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله تبارك وتعالى { وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم } فيذهب إلى أن الكتاب هو ما يتلى عن الله تعالى والحكمة هي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل لأزواجه صلى الله عليه وسلم { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } ولعل من حجته أن يقول { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز ذكره أما إن الغنم والخادم رد عليك وإن امرأته ترجم إذا اعترفت } وجلد ابن الرجل مائة وغربه عاما ، ولعله يذهب إلى أنه إذا انتظر الوحي في قضية لم ينزل عليه فيها انتظره كذلك في كل قضية وإذا كانت قضية أنزل عليه كما أنزل في حد الزاني وقضاها على ما أنزل عليه وإذا ما أنزلت [ ص: 137 ] عليه جملة في تبيين عن الله يمضي معنى ما أراد بمعرفة الوحي المتلو والرسالة إليه التي تكون بها سنته لما يحدث في ذلك المعنى بعينه ( وقال غيره ) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهان : أحدهما ما تبين مما في كتاب الله المبين عن معنى ما أراد الله بحمله خاصا وعاما ، والآخر ما ألهمه الله من الحكمة وإلهام الأنبياء وحي ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول قال الله عز وجل فيما يحكى عن إبراهيم { إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر } فقال غير واحد من أهل التفسير رؤيا الأنبياء وحي لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه { يا أبت افعل ما تؤمر } ومعرفته أن رؤياه أمر أمر به وقال الله تبارك وتعالى لنبيه { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } إلى قوله { في القرآن } ( وقال غيرهم ) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي وبيان عن وحي وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من حكمته وخصه به من نبوته وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه ( قال ) وليس تعدو السنن كلها واحدا من هذه المعاني التي وصفت باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم وأيها كان فقد ألزم الله تعالى خلقه وفرض عليهم اتباع رسوله فيه ، وفي انتظار رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي في المتلاعنين حتى جاءه فلاعن ثم سن الفرقة وسن نفي الولد ولم يرد الصداق على الزوج وقد طلبه دلالة على أن سنته لا تعدو واحدا من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم بأنها تبين عن كتاب الله إما برسالة من الله أو إلهام له وإما بأمر جعله الله إليه لموضعه الذي وضعه من دينه وبيان الأمور منها أن الله تعالى أمره أن يحكم على الظاهر ولا يقيم حدا بين اثنين إلا به لأن الظاهر يشبه الاعتراف من المقام عليه الحد أو بينة ولا يستعمل على أحد في حد ولا حق وجب عليه دلالة على كذبه ولا يعطي أحدا بدلالة على صدقه حتى تكون الدلالة من الظاهر في العام لا من الخاص فإذا كان هذا هكذا في أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من بعده من الولاة أولى أن لا يستعمل دلالة ولا يقضي إلا بظاهر أبدا فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قلنا { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين إن أحدكما كاذب } فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا أن أخرجهما من الحد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن جاءت به أحيمر فلا أراه إلا قد كذب عليها وإن جاءت به أدعج فلا أراه إلا قد صدق } فجاءت به على النعت المكروه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } فأخبر أن صدق الزوج على الملتعنة بدلالة على صدقه وكذبه بصفتين فجاءت دلالة على صدقه فلم يستعمل عليها الدلالة وأنفذ عليها ظاهر حكم الله تعالى من ادراء الحد وإعطائها الصداق مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } وفي مثل معنى هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله { إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار } فأخبر أنه يقضي على الظاهر من كلام الخصمين وإنما يحل لهما ويحرم عليهما فيما بينهما وبين الله على ما يعلمان ، ومن مثل هذا المعنى من كتاب الله قول الله عز وجل { إذا جاءك المنافقون } إلى قوله { الكاذبون } فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم بما أظهروا من الإسلام وأقرهم على المناكحة والموارثة وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } وهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة والحكم بالظاهر [ ص: 138 ] من القول أو البينة أو الاعتراف أو الحجة ودل أن عليهم أن ينتهوا إلى ما انتهى بهم إليه كما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين إلى ما انتهى به إليه ولم يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الله وأمضاه على الملاعنة بما ظهر له من صدق زوجها عليها بالاستدلال بالولد أن يحدها حد الزانية فمن بعده من الحكام أولى أن لا يحدث في شيء لله فيه حكم ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم غير ما حكما به بعينه أو ما كان في معناه وواجب على الحكام والمفتين أن لا يقولوا إلا من وجه لزم من كتاب الله أو سنة أو إجماع فإن لم يكن في واحد من هذه المنازل اجتهدوا عليه حتى يقولوا مثل معناه ولا يكون لهم والله أعلم أن يحدثوا حكما ليس في واحد من هذا ولا في مثل معناه ولما حكم الله على الزوج يرمي المرأة باللعان ولم يستثن إن سمى من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلاني امرأته برجل بعينه فالتعن ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرمي بالمرأة والتعن العجلاني استدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن للرجل الذي رماه بامرأته عليه حد ولو كان أخذه له رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى المرمي فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا للإمام إذا رمى رجل رجلا بزنا أو حدا أن يبعث إليه ويسأله عن ذلك لأن الله عز وجل يقول { ولا تجسسوا } ( قال ) وإن شبه على أحد { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال إن اعترفت فارجمها } فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن أقرت حدث وسقط الحد عمن قذفها وإن أنكرت حد قاذفها وكذلك لو كان قاذفها زوجها لزمه الحد إن لم تقر وسقط عنه إن أقرت ولزمها فلا يجوز والله أعلم أن يحد رجل لامرأة ولعلها تقر بما قال ولا يترك الإمام الحد لها وقد سمع قذفها حتى تكون تتركه فلما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه يطلب حده لم يؤخذ له الحد في القذف الذي يطلبه المقذوف بعينه لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سأل المقذوفة والله أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ، ولم يلتعن الزوج .
ولو أقرت بالزنا لم تحد زوجها ولم يلتعن وجلدت أو رجمت وإن رجعت لم تحد لأن لها فيما أقرت به من حد الله عز وجل الرجوع ولم يحد زوجها لأنها مقرة بالزنا ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمرا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله عز وجل في الزانيين { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } وقال سهل بن سعد في حديثه فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي ذئب وابن جريج في حديث سهل وكانت سنة المتلاعنين .
وقال ابن شهاب في حديث مالك وإبراهيم بن سعد فكانت سنة المتلاعنين فاحتمل معنيين أحدهما أنه إن كان طلقها قبل الحكم فكان ذلك إليه لم يكن اللعان فرقة حتى يجددها الزوج ولم يجبر الزوج عليها ، وقد روي عن سعيد بن المسيب مثل معنى هذا القول ولو كان هذا هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيب على المطلق ثلاثا أن يطلقها لأنه لو لم يكن له أن يطلقها إلا واحدة قال لا تفعل مثل هذا والله أعلم فسأل وإذ لم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن الطلاق ثلاثا بين يديه فلو كان طلاقه إياها كصمته عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان اللعان فرقة فجهله المطلق ثلاثا أشبه والله أعلم أن يعلمه أنه ليس له أن يطلق ثلاثا في الموضع الذي ليس له فيه الطلاق ويحتمل طلاقه ثلاثا أن يكون بما وجد في نفسه بعلمه بصدقه وكذبها وجراءتها على اليمين طلقها ثلاثا جاهلا بأن اللعان فرقة فكان [ ص: 139 ] كمن طلق من طلق عليه بغير طلاقه وكمن شرط العهدة في البيع والضمان والسلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط فإن قال قائل ما دل على أن هذا المعنى أولى المعاني به ؟ قيل قال سهل بن سعد وابن شهاب ففارقها حاملا فكانت تلك سنة المتلاعنين فمعنى قولهما الفرقة لا أن سنة المتلاعنين أنه لا تقع فرقة إلا بطلاقه ولو كان ذلك كذلك لم يكن عليه أن يطلق وزاد ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرق بين المتلاعنين } وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم .
فإن قال قائل هذان حديثان مختلفان فليسا عندي مختلفين وقد يكون ابن عمر شهد متلاعنين غير المتلاعنين اللذين شهدهما سهل وأخبر عما شهد وأخبر سهل عما شهد فيكون اللعان إذا كان فرقة بطلاق الزوج وسكوته سواء أو يكون ابن عمر شهد المتلاعنين اللذين شهد سهل فسمع النبي صلى الله عليه وسلم حكم أن اللعان فرقة فحكى أنه فرق بين المتلاعنين سمع الزوج طلق أو لم يسمعه وذهب على سهل حفظه أو لم يذكره في حديثه وليس هذا اختلافا هذا حكاية لمعنى بلفظين مختلفين أو مجتمعي المعنى مختلفي اللفظ أو حفظ بعض ما لم يحفظ من حضر معه ولما { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب } دل على ما وصفت في أول المسألة من أنه يحكم على ما ظهر له والله ولي ما غاب عنه ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا سبيل لك عليها } استدللنا على أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا إذ لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تكذب نفسك أو تفعل كذا أو يكون كذا كما قال الله تبارك وتعالى في المطلق الثالثة { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } واستدللنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد وقد قال عليه الصلاة والسلام { الولد للفراش } ولا يجوز أن ينفي الولد والفراش ثابت .
فإن قال قائل فيزول الفراش عند النفي ويرجع إذا أقر به قيل له لما { سأل زوج المرأة الصداق الذي أعطاها قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه } دل ذلك على أن ليس له الرجوع بالصداق الذي قد لزمه بالعقد والمسيس مع العقد وكانت الفرقة من قبله جاءت فإن قال قائل على أن الفرقة جاءت من قبله وقد رماها بالزنا قيل له قد كان يحل له المقام معها وإن زنت وقد يمكن أن يكون كذب عليها فالفرقة به كانت لأنه لم يحكم عليه بها إلا بقذفه والتعانه وإن كانت هي لها سببا كما يكون سببا للخلع فيكون من قبله من قبل أنه لو شاء لم يقبل الخلع والملاعن ليس بمغرور من نكاح فاسد ولا بحرام وما أشبهه يرجع بالمهر على من غره ولما قال ابن جريج في حديث سهل الذي حكى فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين أنها كانت حاملا فأنكر حملها فكان ولدها ينسب إلى أمه دل ذلك على معان منها قد شبه على بعض من ينسب إلى العلم فيها أنه رماها بالزنا ورميه إياها بالزنا يوجب عليه الحد أو اللعان ومنها أنه أنكر حملها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بالرمي بالزنا وجعل الحمل إن كان منفيا عنه إذ زعم أنه من الزنا وقال إن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه فجاءت به على ذلك النعت .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فلو أن رجلا قال لامرأته وهي ترى أنها حبلى ما هذا الحمل مني قيل له أردت أنها زنت ؟ فإن قال لا وليست بزانية ولكني لم أصبها قيل له فقد يحتمل أن يخطئ هذا الحبل فتكون صادقا وتكون غير زانية فلا حد ولا لعان حتى تضع فإذا استيقنا أنه حبل قلنا ما أردت ؟ فإن قال كما قال أول مرة قلنا قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحبل منك فتكون أنت صادقا في الظاهر بأنك لم تصبها وهي [ ص: 140 ] صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت ونفيت الولد أو حددت ولا يلاعن بحمل لا قذف معه لأنه قد يكون حملا وقد ذهب بعض من نظر في العلم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلاعن بالحمل وإنما لاعن بالقذف ونفى الولد إذا كان من الحمل الذي به القذف ولما نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد عن العجلاني بعدما وضعته أمه وبعد تفريقه بين المتلاعنين استدللنا هذا الحكم وحكم أن الولد للفراش على أن الولد لا ينفى إلا بلعان وعلى أنه كان للزوج نفيه وامرأته عنده وإذا لاعنها كان له نفي ولدها إن جاءت به بعد ما يطلقها ثلاثا لأنه بسبب النكاح المتقدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاه يوم نفاه وليست له بزوجة ولكنه من زوجة كانت وبإنكار متقدم له ( قال ) وسواء قال رأيت فلانا يزني بها أو لم يسمه فإذا قذفها بالزنا وادعى الرؤية للزنا أو لم يدعها أو قبل استبرائها قبل أن تحمل حتى علمت أن الحمل ليس مني أو لم يقله يلاعنها في هذه الحالات كلها وينفي عنه الولد إذا أنكره فيها كلها إلا في خصلة واحدة ، وهي في أن يذكر أنها زنت في وقت من الأوقات لم يرها تزني قبله ببلد لأقل من ستة أشهر من ذلك الوقت فيعلم أنه ابنه وأنه لم يدع زنا يمكن أن يكون هذا الحبل منه إنما ينفى عنه إذا ادعى ما يمكن أن يكون من غيره بوجه من الوجوه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء : الرجل يقذف امرأته وهو يقر بأنه قد أصابها في الطهر الذي رأى عليها فيه ما رأى أو قبل أن يرى عليها ما رأى أي قال يلاعنها والولد لها . ( قال ابن جريج ) قلت لعطاء أرأيت إن نفاه بعد أن تضعه ؟ قال يلاعنها والولد لها
( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا كله نقول وهو معنى الكتاب والسنة إلا أن يقر بحملها فلا يكون له نفيه بعد الإقرار به أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يقذف امرأته قبل أن تهدى إليه قال يلاعنها والولد لها ( قال ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال يلاعنها والولد لها إذا قذفها قبل أن تهدى إليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج في الرجل يقول لامرأته يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها قال يلاعنها وبهذا كله نأخذ وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم إلى أنه ينفي الولد إذا قال قد استبرأتها فكأنه إنما ذهب إلى نفي الولد عن العجلاني إذ قال لم أقربها منذ كذا وكذا ولسنا نقول بهذا نحن ننفي الولد عنه بكل حال إذا أنكره فيما يمكن أن يكون من غيره فإن قال قائل آخذ بالحديث على ما جاء قيل له فالحديث على أن العجلاني سمى الذي رأى بعينه يزني بها وذكر أنه لم يصب هو امرأته منذ أشهر صلى الله عليه وسلم وذكر صلى الله عليه وسلم العلامة التي تثبت صدق الزوج في الولد أفرأيت إن قذف الرجل امرأته ولم يسم من أصابها ولم يدع رؤيته ؟ فإن قال يلاعنها قيل له أفرأيت إن أنكر الحمل ولم ير الحاكم فيه علامة بصدق الزوج أينفيه ؟ فإن قال نعم قيل فقد لاعنت قبل ادعاء رؤيته وإنما لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بادعاء رؤية الزوج ونفيت بغير دلالة على صدق الزوج وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم صدق الزوج في شبه الولد .
فإن قال : فما حجتنا وحجتك في هذا ؟ قلت مثل حجتنا إذا فارق الرجل امرأته قلنا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سنة المتلاعنين الفرقة ولم يقل حين فرق إنها ثلاث . فإن قال وما الدليل على ما وصفت من أن ينفى الولد وإن لم يدع الزوج الاستبراء ، ويلاعن وإن لم يدع الزوج الرؤية ؟ قيل مثل الدليل على كيف لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يحك عنه فعلمنا أنه لم يعد ما أمره الله به .
فإن قال قائل : فأوجدنا ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات { ثم لم يأتوا [ ص: 141 ] بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فكانت الآية عامة على رامي المحصنة فكان سواء قال الرامي لها رأيتها تزني أو رماها ولم يقل رأيتها تزني فإنه يلزمه اسم الرامي قال الله تبارك وتعالى { والذين يرمون أزواجهم } إلى { فشهادة أحدهم } الآية فكان الزوج راميا قال رأيت أو علمت بغير رؤية فلما قبل منه ما لم يقل فيه ممن القذف رأيت يلاعن به بأنه داخل في جملة القذفة غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله إن هذا الحمل ليس مني وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لاختلاف بين ذلك .
( قال ) وقد يكون استبرأها وقد علقت من الوطء قبل الاستبراء ألا ترى أنه لو قال وقالت قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها تسع حيض ثم جاءت بعد بولد لزمه وإن الولد يلزمه بالفراش وأن الاستبراء لا معنى له ما كان الفراش قائما فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان وحمل قد تقدمه فأمكن أن يكون قد أصابها والحمل من غيره وأمكن أن يكون كاذبا في جميع دعواه للزنا ونفي الولد وقد أخرجه الله من الحد باللعان ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه الولد استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله ولما كنا إذا أكذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد استدللنا على أن نفي الولد بقوله ولو كان نفي الولد لا يكون إلا بالاستبراء فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يلحقه نفسه لأنه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء والاستبراء غير قوله فلما قال الله - تبارك وتعالى - بعد ما وصف من لعان الزوج { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } الآية استدللنا على أن الله عز وجل أوجب عليها العذاب والعذاب الحد لا تحتمل الآية معنى غيره والله أعلم . فقلنا له حاله قبل التعانه مثل حاله بعد التعانه لأنه كان محدودا بقذفه إن لم يخرج منه باللعان فكذلك أنت محدودة بقذفه والتعانه بحكم الله أنك تدرئين الحد به فإن لم تلتعني حددت حدك كان حدك رجما أو جلدا لا اختلاف في ذلك بينك وبينه .
( قال ) ولا يلاعن ولا يحد إلا بقذف مصرح ولو قال لم أجدك عذراء من جماع وكانت العذرة تذهب من غير جماع ومن جماع فإذا قال هذا وقف فإن أراد الزنا حد أو لاعن وإن لم يرد حلف ولا حد ولا لعان ( أخبرنا ) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء في الرجل يقول لامرأته لم أجدك عذراء ولا أقول ذلك من زنا فلا يحد .
( قال الشافعي ) رحمه الله : وإن قذفها ولم يكمل اللعان حتى رجع حد وهي امرأته أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يقذف امرأته ثم ينزع عن الذي قال قبل أن يلاعنها ؟ قال هي امرأته ويحد .
( قال الشافعي ) رحمه الله وإن طلق امرأته طلاقا لا يملك الرجعة أو خالعها ثم قذفها بغير ولد حد ولا لعان لأنها ليست زوجة وهي أجنبية إذا لم يكن ولد ينفيه عنه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال إذا خالع الرجل امرأته ثم قذفها حد وإن كان ولد ينفيه لاعنها بنفي الولد من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى الولد بعد الفرقة لأنه كان قبلها .
فإن قذفها فمات قبل أن يلاعنها ورثته لأنهما على النكاح حتى يلتعن هو وإن قذفها بعد طلاق يملك الرجعة في العدة لاعنها وإن انقضت العدة فهي مثل المبتوتة التي لا رجعة له عليها ومن أقر بولد امرأته لم يكن له نفيه وإن قذفها بعد ما يقر أنه منه جلد الحد وهو ولده وإن قال هذا الحمل مني وقد زنت قبله أو بعده فهو منه ويلاعنها لأنها قد تزني قبل الحمل منه وبعده وليس له نفي ولده بعد إقراره به مرة فأكثر بأن لا يراه يشبهه وغير ذلك من الدلالات إذا أقر بأنه ولد على فراشه فليس له إنكاره بحال أبدا إلا أن ينكره قبل إقراره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة { أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل ؟ قال نعم : قال : وما ألوانها ؟ قال حمر قال هل فيها من [ ص: 142 ] أورق ؟ قال نعم : قال أنى ترى ذلك ؟ قال عرقا نزعه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ولعل هذا عرق نزعه } أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن أعرابيا من بني فزارة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل ؟ قال نعم : قال فما ألوانها ؟ قال حمر : قال هل فيها أورق ؟ قال إن فيها لورقا قال فأنى أتاها ذلك ؟ قال لعله نزعه عرق قال النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لعله نزعه عرق } .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (208)
صــــــــــ 143 الى صـــــــــــ 149
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وبهذا نأخذ وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه ذكر أن امرأته ولدت غلاما أسود وهو لا يذكره إلا منكرا له وجواب النبي صلى الله عليه وسلم له وضربه له المثل بالإبل يدل على ما وصفت من إنكاره وتهمته المرأة فلما كان قول الفزاري تهمة الأغلب منها عند من سمعها أنه أراد قذفها أن جاءت بولد أسود فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يره قذفا يحكم عليه فيه باللعان أو الحد إذا كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب والمسألة عن ذلك لا قذف امرأته استدللنا على أنه لا حد في التعريض وإن غلب على السامع أن المعرض أراد القذف إن كان له وجه يحتمله ولا حد إلا في القذف الصريح وقد قال الله تبارك وتعالى في المعتدة { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } إلى { ولكن لا تواعدوهن سرا } فأحل التعريض بالخطبة وفي إحلاله إياها تحريم وقد قال الله تبارك وتعالى في الآية { لا تواعدوهن سرا } والسر الجماع واجتماعهما على العدة بتصريح العقدة بعد انقضاء العدة وهو تصريح باسم نهى عنه وهذا قول الأكثر من أهل مكة وغيرهم من أهل البلدان في التعريض وأهل المدينة فيه مختلفون فمنهم من قال بقولنا ومنهم من حد في التعريض ، وهذه الدلالة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الفزاري موضوعة بالآثار فيها والحجج في كتاب الحدود وهو أملك بها من هذا الموضع وإن كان الفزاري أقر بحمل امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدليل على ما قلنا بأنه ليس له أن ينفيه بعد إقراره ( وقال ) السر الجماع قال امرؤ القيس :
ألا زعمت بسباسة القوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي كذبت لقد أصبى على المرء عرسه
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
وقال جرير يرثي امرأته :
كانت إذا هجر الخليل فراشها خزن الحديث وعفت الأسرار
الخلاف في اللعان
( قال الشافعي ) رحمه الله : خالفنا بعض الناس في جملة اللعان وفي بعض فروعه فحكيت ما في جملته لأنه موجود في الكتاب والسنة وتركت ما في فروعه لأن فروعه في كتاب اللعان وهو موضوع فيه وإنما كتبنا في كتابنا { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } كما قلنا في قول الله عز وجل وأن حكم الكتاب والسنة فيه فقال بعض من خالفنا لا يلاعن بين الزوجين أبدا حتى يكونا حرين مسلمين ليسا بمحدودين في قذف ولا واحد منهما فقلت له ذكر الله عز وجل اللعان بين الأزواج لم يخص واحدا منهم دون غيره ، وما كان عاما في كتاب الله تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على العموم كما قلنا في قول الله عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } [ ص: 143 ] فزعمنا نحن وأنتم أنها على الأزواج عامة كانوا مماليك أو أحرارا عندهم مملوكة أو حرة أو ذمية فكيف زعمتم أن اللعان على بعض الأزواج دون بعض ؟ .
قالوا روينا في ذلك حديثا فاتبعناه ، قلنا : وما الحديث ؟ قالوا روى عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أربع لا لعان بينهن وبين أزواجهن اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت العبد والأمة عند الحر والنصرانية عند النصراني } قلنا له رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط ، وعمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو منقطع ، واللذان روياه يقول أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يقفه على عبد الله بن عمرو موقوفا مجهولا فهو لا يثبت عن عمرو بن شعيب ولا عبد الله بن عمرو ولا يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم إلا رجل غلط وفيه أن عمرو بن شعيب قد روى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحكاما توافق أقاويلنا وتخالف أقاويلكم يرويها عنه الثقات فنسندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرددتموها علينا ورددتم روايته ونسبتموه إلى الغلط فأنتم محجوجون إن كان ممن ثبت حديثه بأحاديثه التي بها وافقناها وخالفتموها في نحو من ثلاثين حكما عن النبي صلى الله عليه وسلم خالفتم أكثرها فأنتم غير منصفين إن احتججتم بروايته وهو ممن لا نثبت روايته ثم احتججتم منها بما لو كان ثابتا عنه وهو ممن يثبت حديثه لم يثبت لأنه منقطع بينه وبين عبد الله بن عمرو وقلت لهم لو كان كما أردتم كنتم محجوجين به قال وكيف ؟ قلت أليس ذكر الله عز وجل الأزواج والزوجات في اللعان عاما ؟ .
قال بلى قلت ثم زعمت أن حديثا جاء أخرج من الجملة العامة أزواجا وزوجات مسمين ؟ قال نعم قلت أو كان ينبغي أن يخرج من جملة القرآن زوجا أو زوجة بالحديث إلا من أخرج الحديث خاصة كما ذكر الله عز وجل الوضوء فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين فلم يخرج من الوضوء إلا الخفين خاصة ولم يجعل غيرهما من القفازين والبرقع والعمامة قياسا عليهما ؟ قال هكذا هو قلت فكيف قلت في حديثك أليس اليهودية والنصرانية عند المسلم والنصرانية عند النصراني والحرة تحت العبد والأمة تحت الحر لا يلاعنون ؟ قال هو هكذا قلت فكان ينبغي أن تقولا لا لعان بين هؤلاء وما كان من زوج سواهن لاعن .
قال وما بقي بعدهن ؟ قلت الحرة تحت الحر المحدودين أو أحدهما في القذف والأمة تحت الحر أليس قد زعمت أن هذين لا يلاعنان ؟ قال فإني قد أخذت طرح اللعان عمن طرحته عنه من معنيين أحدهما الكتاب والآخر السنة قلت أوعندك في السنة شيء غير ما ذكرت وذكرنا من الحديث الذي رويت عن عمرو بن شعيب ؟ قال لا قلت : فقد طرحت اللعان عمن نطق القرآن به وحديث عمرو إن كان ثابتا أنه لا يلاعن لأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت ففي قوله { أربع لا لعان بينهن } ما دل على أن من سواهن من الأزواج يلاعن والقرآن يدل على أن الأزواج يلاعنون لا يخص زوجا دون زوج قال فمن أخرجت من الأزواج من اللعان بغير حديث عمرو بن شعيب فإنما أخرجته استدلالا بالقرآن قلت وأين ما استدللت به من القرآن ؟ قال قال الله عز وجل { ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم } فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له لأن شرط الله عز وجل في الشهود العدول وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول فقلت له قولك هذا خطأ عند أهل العلم وعلى لسانك وجهل بلسان العرب قال فما دل على ما قلت ؟ قلت الشهادة ها هنا يمين قال وما دلك على ذلك ؟ قلت أرأيت العدل أيشهد لنفسه ؟ قال لا قلت ولو شهد أليس شهادته مرة في أمر واحد كشهادته أربعا ؟ قال بلى قلت ولو شهد لم يكن عليه أن يلتعن ؟ قال بلى قلت ولو كانت شهادته في اللعان واللعان شهادة حتى تكون كل شهادة له تقوم مقام شاهد ألم يكف الأربع دون الخامسة وتحد امرأته ؟ قال بلى قلت ولو كان شهادة [ ص: 144 ] أيجيز المسلمون في الحدود شهادة النساء ؟ قال لا قلت ولو أجازوا شهادتهن انبغى أن تشهد المرأة ثمان مرات وتلتعن مرتين ؟ قال بلى قلت أفتراها في معاني الشهادات ؟ قال لا ولكن الله عز وجل لما سماها شهادة رأيتها شهادة قلت هي شهادة يمين يدفع بها كل واحد من الزوجين عن نفسه ويجب بها أحكام لا في معاني الشهادات التي لا يجوز فيها إلا العدول ولا يجوز في الحدود منها النساء ولا يجوز أن يكون فيها المرء شاهدا لنفسه قال ما هي من الشهادة التي يؤخذ بها لبعض الناس من بعض فإن تمسكت بأنها اسم شهادة ولا يجوز فيها إلا العدول قال قلت يدخل عليك ما وصفت وأكثر منه ثم يدخل عليك تناقض قولك قال : فأوجدني تناقضه قلت كله متناقض قال فأوجدني قلت إن سلكت بمن يلاعن من تجوز شهادته دون من لا تجوز شهادته فقد لاعنت بين من لا تجوز شهادته وأبطلت اللعان بين من تجوز شهادته قال وأين ؟ قلت لاعنت بين الأعميين النخعين غير العدلين وفيهما علل مجموعة منها أنهما لا يريان الزنا فإنهما غير عدلين ولو كانا عدلين كانا ممن لا تجوز شهادته عندك أبدا وبين الفساق والمجان والسراق والقتلة وقطاع الطريق وأهل المعاصي ما لم يكونوا محدودين في قذف قال إنما منعت المحدود في القذف من اللعان لأن شهادته لا تجوز أبدا قلت وقولك لا تجوز أبدا خطأ ولو كانت كما قلت وكنت لا تلاعن بين من لا تجوز شهادته أبدا لكنت قد تركت قولك لأن الأعميين النخعين لا تجوز شهادتهما عندك أبدا وقد لاعنت بينهما فقال من حضره أما هذا فيلزمه وإلا ترك أصل قوله فيها وغيره قال أما الفساق الذين لا تجوز شهادتهم فهم إذا تابوا قبلت شهادتهم قلت أرأيت الحال الذي لاعنت بينهم فيها أهم ممن تجوز شهادتهم في تلك الحال ؟ قال لا ولكنهما إن تابا قبلت شهادتهما قلت والعبد إن عتق قبلت شهادته من يومه إذا كان معروفا بالعدل والفاسق لا تقبل إلا بعد الاختبار فكيف لاعنت بين الذي هو أبعد من أن تقبل شهادته إذا انتقلت حاله وامتنعت من أن تلاعن من هو أقرب من أن تجوز شهادته إذا انتقلت حاله ؟ قال فإن قلت إن حال العبد تنتقل بغيره وحال الفاسق تنتقل بنفسه ؟ قلت له أولست تسوي بينهما إذا صار إلى الحرية والعدل ؟ قال بلى قلت فكيف تفرق بينهما في أمر تساوي بينهما فيه ؟ وقلت له ويدخل عليك ما أدخلت على نفسك في النصراني يسلم لأنه تنتقل حاله بنقل نفسه فينبغي أن تجيز شهادته لأنه إذا أسلم قبلت قال ما أفعل وكذلك المكاتب عبده ما يؤدي إن أدى عتق أفرأيت إن قذف قبل الأداء ؟ قال لا يلاعن قلت وأنت لو كنت إنما تلاعن بين من تجوز شهادته لاعنت بين الذميين لأنهما ممن تجوز شهادتهما عندك قال وإنما تركت اللعان بينهما للحديث قلت فلو كان الحديث ثابتا أما يدلك على أنك أخطأت إذا قبلت شهادة النصارى إذ قلت لا يلاعن إلا بين من تجوز شهادته ؟ فقال بعض من حضره فأنا أكلمك على معنى غير هذا قلت فقل قال فإني إنما ألاعن بين الزوجين إذا كانت الزوجة المقذوفة ممن يحد لها حين قذفها من قبل أني وجدت الله عز وجل حكم في قذف المحصنات بالحد ودرأ عن الزوج بالتعانه فإذا كانت المقذوفة ممن لا حد لها التعن الزوج وخرج من الحد وإلا فلا قلت فما تقول في عبد تحته حرة مسلمة فقذفها ؟ قال يحد قلت فإن كان الزوج حرا فقذفها ؟ قال يلاعن قلت له فقد تركت أصل قولك قال بعض من حضره أما في هذا فنعم ولكنه لا يقول به قلت فلم يزعم أنه يقول به قلت لبعض من حكيت قوله : لا أراك لاعنت بين الزوجين على الحرية لأنك لو لاعنت على الحرية لاعنت بين الذميين ولا على الحرية والإسلام لأنك لو فعلت لاعنت [ ص: 145 ] بين المحدودين الحرين المسلمين ولا أراك لاعنت بينهما على العدل لأنك لو لاعنت بينهما على العدل لم تلاعن بين الفاسقين ولا أراك لاعنت بينهما على ما وصف صاحبك من أن المقذوفة إذا كانت حرة مسلمة فعلى قاذفها الحد وأنت لا تلاعن بينها وبين زوجها الحر المحدود في القذف ولا زوجها العبد وما لاعنت بينهما بعموم الآية ولا بالحديث مع الآية ولا منفردا ولا قلت فيها قولا مستقيما على أصل ما ادعيت ثابتا كان أو غير ثابت قال فلم لا تأخذ أنت بحديث عمرو بن شعيب ؟ قلت له لا نعرفه عن عمرو إنما رواه عنه رجل لا يثبت حديثه ولو كان من حديثه كان منقطعا عن عبد الله بن عمرو ونحن لا نقبل الحديث المنقطع عمن هو أحفظ من عمرو إذا كان منقطعا وقلنا بظاهر الآية وعمومها لم يفرق بين زوج فيها ولا زوجة إذ ذكرها الله عز وجل عامة فقال لي كيف ؟ قلت إذا التعن ، الزوج فأبت المرأة أن تلتعن حدت حدها رجما كان أو جلدا فقلت له بحكم الله عز وجل ، قال فاذكره ، قلت قول الله تبارك وتعالى ، من بعد ذكره التعان الزوج { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } الآية ، فكان بينا غير مشكل ، والله أعلم في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان قال : فهل توضح هذا بغيره ؟ قلت ما فيه إشكال ينبغي لمن قرأ كتاب الله عز وجل وعرف من أحكامه ولسان العرب أن يبتغي معه غيره قال : فإن كنت تعلم معنى توضحه غيره فقله قلت أرأيت الزوج إذا قذف امرأته ما عليه ؟ قال عليه الحد إلا أن يخرج منها بالالتعان قلت أوليس قد يحكم في القذفة بالحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء ؟ قال بلى قلت وقال في الزوج { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية قال نعم قلت أفتجد في التنزيل سقوط الحد عنه ؟ قال أما نصا فلا وأما استدلالا فنعم لأنه إذا ذكر غير الزوج يخرج من الحد بأربعة شهداء ؟ ثم قال في الزوج يشهد أربعا استدلالا على أنه إنما يوجب عليه الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يشهد لم يخرج من معنى القذفة أرأيت لو قال قائل إنما شهادته للفرقة ونفي الولد دون الحد فإذا خالف الله بين الزوج في القذف وغيره ، ولم أحد الزوج في القذف لأن الآية تحتمل ما قلت ولا أجد فيها دلالة على حده .
قال ليس ذلك له وكل شيء إلا وهو يحتمل قلت : وأظهر معانيه أن يفرق بينه وبين القاذف غيره إذا شهد وقلت ويجمع بينه وبين القاذف غيره إذا لم يشهد ؟ قال : نعم قلت وتعلم أن شهادة الزوج وإن لم يذكر في القرآن أنها تسقط الحد لا تكون إلا لمعنى أن يخرج بها من الحد وكذلك كل من أحلفته ليخرج عن شيء ؟ قال نعم ، قلت أفتجد الشهادة للزوج إذا كانت أخرجته وأوجبت على المرأة اللعان وفيها هذه العلل التي وصفت ؟ قال نعم قلت فشهادة المرأة أخرجتها من الحد ، قال هي تخرجها من الحد ، قلت ولا معنى لها في الشهادة إلا الخروج من الحد ؟ قال نعم قلت فإذا كانت تخرجها من الحد كيف لم تكن محدودة إن لم تشهد فتخرج بالشهادة منه كما قلت في الزوج إذا لم يشهد حد وكيف اختلف حالاهما عندك فيها فقلت في الزوج ما وصفت من أنه محدود إن لم يشهد وفي المرأة ليست بمحدودة والآية تحتمل في الزوج معاني غير الحد وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا .
وفي التنزيل أن المرأة تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك .
فليس في شهادة المرأة معنى غير درء الحد لأن الحد عليها في الكتاب والمعقول والقياس أثبت فتركها الشهادة كالإقرار منها بما قال الزوج فما علمتك إلا فرقت بين حد المرأة والرجل فأسقطت حد المرأة وهو أبينهما في الكتاب وأثبت حد الرجل وقلت له [ ص: 146 ] أرأيت لو قالت لك المرأة المقذوفة إن كانت شهادته علي بالزنا شهادة تلزمني فحدني وإن كانت لا تلزمني فلا تحلفني وحده لي .
وكذلك تصنع في أربعة لو شهدوا علي وكانوا عدولا حددتني وإن لم يثبتوا الشهادة حددتهم أو عبيدا أو مشركين حددتهم قال أقول حكمك وحكم الزوج خارج من حكم الشهود عليك غير الزوج ، قلت فقالت لك فإن كانت شهادة لا توجب علي حدا فامتنعت من أن أشهد لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق ؟ قال أقول حبستك لتحلفي قالت وليميني معنى ؟ قال نعم تخرجين بها من الحد ؟ قالت فإن لم أفعل فالحبس هو الحد ؟ قال ليس به قلت فقالت فلم تحبسني لغير المعنى الذي يجب علي من الحد ؟ قال للحد حبستك قالت فتقيمه علي فأقمه قال لا قلت فإن قالت فالحبس ظلم لا أنت أخذت مني حدا ولا منعت عني حبسا فمن أين وجدت علي الحبس أتجده في كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه أهل العلم أو قياس ؟ قال أما كتاب أو سنة أو إجماع فلا وأما قياس فنعم قلت أوجدنا القياس قال إني أقول في الرجل يدعى عليه الدم يحلف ويبرأ فإن لم يفعل لم أقتله وحبسته .
( قال الشافعي ) رحمه الله فقلت له أويقبل منك القياس على غير كتاب ولا سنة ولا أمر مجمع عليه ولا أثر ؟ قال لا قلت فمن قال لك من ادعي عليه دم حبس حتى يحلف فيبرأ أم يقر فيقتل ؟ قال أستحسنه ، قلت له أفعلى الناس أن يقبلوا منك ما استحسنت إن خالفت القياس ؟ فإن كان ذلك عليهم قبلوا من غيرك مثل ما قبلوا منك لأن أجهل الناس لو اعترض فسأل عن شيء فخرص فيه فقال لم يعد قوله أن يكون خيرا لازما من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا أو خارجا منه فيكون استحسنه كما استحسنته أنت قال ما ذلك لأحد قلت فقد قلته في هذا الموضع وغيره وخالفت فيه الكتاب وقياس قولك قال وأين خالفت قياس قولي ؟ قلت ما تقول فيمن ادعى على رجل درهما فأكثر إلى أي غاية شاء من الدعوى أو غصب دار أو عبد أو غيره ؟ قال يحلف فإن حلف برئ وإن نكل لزمه ما نكل عنه وكذلك لو ادعى عليه جرحا في موضحة عمدا فصاعدا من الجراح دون النفس إن حلف برئ وإن نكل اقتص منه قال نعم قلت فكل من جعلت عليه اليمين فيما دون النفس إن حلف برئ وإن نكل قام النكول في الحكم مقام الإقرار فأعطيت به القود والمال ؟ قال نعم ، قلت ولم لم يكن هذا في النفس هكذا ؟ قال لي استعظاما للنفس قلت فأنت تقطع اليدين والرجلين وتفقأ العينين وتشق الرأس قصاصا وهذا يكون منه التلف بالنكول وتزعم أنه يقوم مقام الإقرار فلا تأخذ به النفس قال أما في القياس فيلزمنا أن نأخذ به النفس وقد تفرق فيه صاحباي فقال أحدهما أحبسه كما قلت وقال الآخر لا أحبسه وآخذ منه دية وحبسه ظلم قلت وأخذ الدية منه في أصل قول صاحبك ظلم لأن الدية عنده لا تؤخذ في العمد إلا بصلح وهذا لم يصالح فإن كان صاحباك أخطآ في دعوى القتل فأقررت عليهما معا بترك القياس فتقيس على أصل خطأ ثم تقيس عليه ما لا يشبهه ما قد حكم الله عز وجل فيه نصا يدرأ به العذاب والدرء لا يكون إلا لما قد وجب .
وإن قلت العذاب السجن فذاك أخطأ لك أما السجن حد هو ؟ فإن كان حدا فكم تحبسها ؟ أمائة يوم أو إلى أن تموت إن كانت ثيبا ؟ قال ما السجن بحد وما السجن إلا لتبيين الحد قلت وقد قال الله تبارك وتعالى في الزانيين { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } أفتراه عنى بعذابهما الحد أو الحبس ؟ قال بل الحد وليس السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب قلت والسفر اسم عذاب والدهق والتعليق وغيره مما يعذب به [ ص: 147 ] الناس عذابا فإن قال لك قائل أعذبها إن لم تحلف ببعض هذا ؟ قال ليس له وإنما العذاب الحد ، قلت أجل وأجدك تروحت إلى ما لا حجة فيه ولو كانت لك بهذه حجة كانت عليك لغيرك بمثلها وأبين فيها .
أخبرنا الشافعي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فبعث إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليه نفقة } .
( قال الشافعي ) رحمه الله وابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته ألبتة وعلم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط نفقتها لأنه لا رجعة له عليها وألبتة التي لا رجعة له عليها ثلاث ولم يعب النبي صلى الله عليه وسلم طلاق الثلاث وحكم فيما سواها من الطلاق بالنفقة والسكنى فإن قال قائل ما دل على أن ألبتة ثلاث ؟ فهي لو لم يكن سمى ابن عمر رضي الله عنهما ثلاثا ألبتة أو نوى بألبتة ثلاثا كانت واحدة يملك الرجعة وعليه نفقتها ، ومن زعم أن ألبتة ثلاث بلا نية المطلق ولا تسمية ثلاث قال إن النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يعب الطلاق الذي هو ثلاث دليل على أن الطلاق بيد الزوج ما أبقى منه أبقى لنفسه وما أخرج منه من يده لزمه غير محرم عليه كما لا يحرم عليه أن يعتق رقبة ولا يخرج من ماله صدقة وقد يقال له لو أبقيت ما تستغني به عن الناس كان خيرا لك فإن قال قائل ما دل على أن أبا عمرو لا يعود أن يكون سمى ثلاثا أو نوى بألبتة ثلاثا ؟ قلنا الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد { أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية ألبتة ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني طلقت امرأتي سهيمة ألبتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لركانة والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم } فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره { أنه تلاعن عويمر وامرأته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مع الناس ، فلما فرغا من ملاعنتهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، قال مالك : قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين ( قال الشافعي ) رحمه الله : فقد طلق عويمر ثلاثا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك محرما لنهاه عنه .
وقال إن الطلاق وإن لزمك فأنت عاص بأن تجمع ثلاثا فافعل كذا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين طلق امرأته حائضا أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك فلا يقر النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق لا يفعله أحد بين يديه إلا نهاه عنه لأنه العلم بين الحق والباطل لا باطل بين يديه إلا يغيره ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته ألبتة . ثم أتى عمر فذكر ذلك له فقال ما حملك على ذلك ؟ قال قد فعلته ، فتلا : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به [ ص: 148 ] لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } ما حملك على ذلك ؟ قال قد فعلته قال أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت
( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال : قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتومة مثل ما قال للمطلب ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان أن رجلا من بني زريق طلق امرأته ألبتة قال عمر رضي الله عنه ما أردت بذلك قال أتراني أقيم على حرام والنساء كثير فأحلفه فحلف قال ( قال الشافعي ) رحمه الله أراه قال فردها عليه قال وهذا الخبر في الحديث في ؟ الزرقي يدل على أن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمطلب ما أردت بذلك يريد أو واحدة أو ثلاثا فلما أخبره أنه لم يرد به زيادة في عدد الطلاق وأنه قال بلا نية زيادة ألزمه واحدة وهي أقل الطلاق ، وقوله { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به } لو طلق فلم يذكر ألبتة إذ كانت كلمة محدثة ليست في أصل الطلاق تحتمل صفة الطلاق وزيادة في عدده ومعنى غير ذلك فنهاه عن المشكل من القول ولم ينهه عن الطلاق ولم يعبه ولم يقل له لو أردت ثلاثا كان مكروها عليك وهو لا يحلفه على ما أراد إلا ولو أراد أكثر من واحدة ألزمه ذلك أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن طلق امرأته ألبتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء عدتها ( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن امرأة عبد الرحمن نشدته الطلاق فقال إذا حضت ثم طهرت فآذنيني فطهرت وهو مريض فآذنته فطلقها ثلاثا .
( قال الشافعي ) رحمه الله وألبتة في حديث مالك بيان هذا الحديث ثلاثا لما وصفنا من أن يقول طالق ألبتة ينوي ثلاثا وقد بينه ابن سيرين فقطع موضع الشك فيه أخبرنا ( الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن بكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم عن ذلك فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل .
( قال الشافعي ) رحمه الله وما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة عليه أن يطلق ثلاثا ولو كان ذلك معيبا لقالا له لزمك الطلاق وبئسما صنعت ثم سمى حين راجعه فما زاده ابن عباس على الذي هو عليه أن قال له إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ولم يقل بئسما صنعت ولا خرجت في إرساله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يستفتي عبد الله بن عمرو عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمر إنما أنت قاص الواحدة تبينها وثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره .
ولم يقل له عبد الله بئسما صنعت حين طلقت ثلاثا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن بكيرا أخبره عن النعمان بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان ؟ فقال ابن الزبير إن هذا الأمر ما لنا فيه قول اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فسلهما ثم ائتنا فأخبرنا فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة فقال أبو هريرة رضي الله عنه الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره [ ص: 149 ] وقال ابن عباس مثل ذلك ولم يعيبا عليه الثلاث ولا عائشة .
( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن عروة ، أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي يومئذ أمة فعتقت فقالت فأرسلت إلى حفصة فدعتني يومئذ فقالت إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت ففارقته ثلاثا فلم تقل لها حفصة لا يجوز لك أن تطلقي ثلاثا ولو كان ذلك معيبا على الرجل إذا لكان ذلك معيبا عليها إذ كان بيدها فيه ما بيده .
( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن جهمان عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت فعثمان رضي الله عنه يخبره أنه إن سمى أكثر من واحدة كان ما سمى ولا يقول له لا ينبغي لك أن تسمي أكثر من واحدة بل في هذا القول دلالة على أنه جائز له أن يسمي أكثر من واحدة ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال ألبتة ما يقول الناس فيها فقال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال عمر لو كان الطلاق ألفا ما أبقت ألبتة منه شيئا من قال ألبتة فقد رمى الغاية القصوى ( قال الشافعي ) ولم يحك عن واحدة منهم على اختلافهم في ألبتة أنه عاب ألبتة ولا عاب ثلاثا .
( قال الشافعي ) قال مالك في المخيرة إن خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا في واحدة فليس له في ذلك قول وهذا أحسن ما سمعت .
( قال الشافعي ) فإذا كان مالك يزعم أن من مضى من سلف هذه الأمة قد خيروا وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم والخيار إذا اختارت المرأة نفسها يكون ثلاثا كان ينبغي أن يزعم أن الخيار لا يحل لأنها إذا اختارت كان ثلاثا وإذا زعم أن الخيار يحل وهي إذا اختارت نفسها طلقت ثلاثا فقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز طلاق ثلاث وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) فإن قال أنت طالق ألبتة ينوي ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة فواحدة وإن قال أنت طالق ينوي بها ثلاثا فهي ثلاث ( قال الشافعي ) أحب أن يكون الخيار في طهر لم يمسها فيه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (209)
صــــــــــ 150 الى صـــــــــــ 162
( قال الشافعي ) أحب أن لا يملك الرجل امرأته ولا يرها ولا يخالعها ولا يجعل إليها طلاقا بخلع ولا غيره ولا يوقع عليها طلاقا إلا طاهرا قبل جماع قياسا على المطلقة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تطلق طاهرا وقال الله عز وجل { فطلقوهن لعدتهن } فإذا كان هذا طلاقا يوقعه الرجل أو توقعه المرأة بأمر الرجل فهو كإيقاعه فلا أحب أن يكون إلا وهي طاهر من غير جماع .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس رضي الله عنه تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين .
( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء ومجاهدا قالا إن رجلا أتى ابن عباس فقال طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين .
( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن أن ابن جريج عن عطاء وحده عن ابن عباس أنه قال وسبعا وتسعين عدوانا اتخذت بها آيات الله هزوا فعاب عليه ابن عباس كل ما زاد على عدد الطلاق الذي لم يجعله الله إليه ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثا ولا يجوز له ما لم يكن إليه .
[ ص: 150 ] ما جاء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه ( قال الشافعي ) رحمه الله إن الله تبارك وتعالى لما خص به رسوله من وحيه وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه بالفرض على خلقه بطاعته في غير آية من كتابه فقال من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وقال لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وقال لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي .
( قال الشافعي ) رحمه الله : افترض الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه وكرامة وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبينا لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له وهي موضوعة في مواضعها .
( قال الشافعي ) فمن ذلك من ملك زوجة سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عليه أن يخبرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخير نساءه فقال قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله أجرا عظيما فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترنه فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقا ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه .
( قال الشافعي ) رحمه الله وكان تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله كما أمره الله عز وجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه وأحدث لهن طلاقا لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عز وجل { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } أحدث لكن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا فأما { قول عائشة رضي الله عنها قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه } أفكان ذلك طلاقا ؟ فتعني والله أعلم لم يوجب ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحدث لنا طلاقا ( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا فرض الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن فاخترن الله ورسوله فلم يطلق واحدة منهن فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق فلا طلاق عليه .
( قال الشافعي ) رحمه الله وكذلك كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق { أن عائشة قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } فكان ذلك طلاقا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بمثل معنى هذا الحديث .
( قال الشافعي ) فأنزل الله تبارك وتعالى لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ( قال الشافعي ) قال بعض أهل العلم أنزلت عليه { لا يحل لك } بعد تخييره أزواجه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة أنها قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء أخبرنا الربيع قال قال الشافعي كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول الله تبارك وتعالى { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } .
( قال الشافعي ) وأحسب قول عائشة أحل له النساء لقول الله تبارك وتعالى [ ص: 151 ] { إنا أحللنا لك أزواجك } - إلى قوله : { خالصة لك من دون المؤمنين } .
( قال الشافعي ) فذكر الله عز وجل ما أحل له فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن وذكر بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي قال فدل ذلك على معنيين أحدهما أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له وذلك أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم من بنات عمه ولا بنات عماته ولا بنات خاله ولا بنات خالاته امرأة وكان عنده عدد نسوة وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره ومن لم يأتهب بغير مهر ما حظره على غيره .
( قال الشافعي ) رحمه الله ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك فقال { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } إلى " عليك " .
( قال الشافعي ) فمن اتهب منهن فهي زوجة لا تحل لأحد بعده ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة وهي تحل له ولغيره أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي ، قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقامت قياما طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فذكر أنه زوجه إياها } .
( قال الشافعي ) رحمه الله وكان مما خص الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم قوله { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } وقال { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا } فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين ليس هكذا نساء أحد غيره وقال عز وجل { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن } فأثابهن به صلى الله عليه وسلم من نساء العالمين .
( قال الشافعي ) رحمه الله وقوله { وأزواجه أمهاتهم } مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه وفي فعله فقوله { أمهاتهم } يعني في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم ( قال الشافعي ) رحمه الله : فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ فالدليل عليه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنته وهو أبو المؤمنين وهي بنت خديجة أم المؤمنين زوجها عليا رضي الله عنه وزوج رقية وأم كلثوم عثمان وهو بالمدينة } وأن زينب بنت أم سلمة تزوجت ، وأن الزبير بن العوام تزوج بنت أبي بكر وأن طلحة تزوج ابنته الأخرى وهما أختا أم المؤمنين وعبد الرحمن بن عوف تزوج ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب ولا يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن .
( قال الشافعي ) رحمه الله وقد ينزل القرآن في النازلة ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه كالعامة في الظاهر وهي يراد بها الخاص والمعنى دون ما سواه ( قال الشافعي ) رحمه الله والعرب تقول للمرأة ترب أمرهم أمنا وأم العيال وتقول ذلك للرجل يتولى أن يقوتهم أم العيال بمعنى أنه وضع نفسه موضع الأم التي ترب أمر العيال وقال تأبط شرا وهو يذكر غزاة غزاها ورجل من أصحابه ولي قوتهم : [ ص: 152 ]
وأم عيال قد شهدت تقوتهم إذا احترتهم أقفرت وأقلت تخالف علينا الجوع إن هي أكثرت
ونحن جياع أي أول تألت وما إن بها ضن بما في وعائها
ولكنها من خشية الجوع أبقت
قلت : الرجل يسمى أما وقد تقول العرب للناقة والبقرة والشاة والأرض هذه أم عيالنا على معنى التي تقوت عيالنا .
( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } يعني أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات ليس اللائي يحدثن رضاعا للمولود فيكن به أمهات وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن أو يحدثنه أو حرمه النبي صلى الله عليه وسلم والأم تحرم نفسها وترث وتورث فيحرم بها غيرها فأراد بها الأم في جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها والله أعلم .
( قال الشافعي ) رحمه الله في هذا دلالة على أشباه له من القرآن جهلها من قصر علمه باللسان والفقه فأما ما سوى ما وصفنا من أن للنبي صلى الله عليه وسلم من عدد النساء أكثر مما للناس ومن اتهب بغير مهر ومن أن أزواجه أمهاتهم لا يحللن لأحد بعده وما في مثل معناه من الحكم بين الأزواج فيما يحل منهن ويحرم بالحادث ولا يعلم حال الناس يخالف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فمن ذلك أنه كان يقسم لنسائه فإذا أراد سفرا أقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وهذا لكل من له أزواج من الناس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني محمد بن علي أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } .
( قال الشافعي ) رحمه الله ومن ذلك { أنه أراد فراق سودة فقالت لا تفارقني ودعني حتى يحشرني الله في أزواجك وأنا أهب ليلتي ويومي لأختي عائشة } ( قال ) وقد فعلت ابنة محمد بن مسلمة شبيها بهذا حين أراد زوجها طلاقها ونزل فيها ذكر ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب في ذلك { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } إلى " صلحا " ( قال الشافعي ) وهذا موضوع في موضعه بحججه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة { عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت قلت يا رسول الله هل لك في أختي بنت أبي سفيان ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفعل ماذا ؟ قالت تنكحها قال أختك قالت نعم قال أوتحبين ذلك ؟ قالت نعم لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي قال فإنها لا تحل لي فقلت والله لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبي سلمة قال ابنة أم سلمة ؟ قالت نعم قال فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وإياها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن } .
( قال الشافعي ) رحمه الله وكل ما وصفت لك مما فرض الله على النبي صلى الله عليه وسلم وجعل له دون الناس وبينه في كتاب الله أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا لم يختلفوا فيه .
[ ص: 153 ] ما جاء في أمر النكاح قال الله تبارك وتعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } إلى قوله { يغنهم الله من فضله } ( قال الشافعي ) رحمه الله والأمر في الكتاب والسنة ، وكلام الناس يحتمل معاني أحدها أن يكون الله عز وجل حرم شيئا ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم كقول الله عز وجل { وإذا حللتم فاصطادوا } وكقوله { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } الآية .
( قال الشافعي ) رحمه الله وذلك أنه حرم الصيد على المحرم ونهى عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } إلى " مريئا " وقوله { فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا } ( قال الشافعي ) وأشباه لهذا كثير في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليس أن حتما أن يصطادوا إذا حلوا ولا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها ( قال ) ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح لقوله عز وجل { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف كقول النبي صلى الله عليه وسلم { سافروا تصحوا وترزقوا } فإنما هذا دلالة لا حتم أن يسافر لطلب صحة ورزق .
( قال الشافعي ) ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتما وفي كل الحتم من الرشد فيجتمع الحتم والرشد وقال بعض أهل العلم الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد حتى توجد الدلالة من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أنه إنما أريد بالأمر الحتم فيكون فرضا لا يحل تركه كقول الله عز وجل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فدل على أنهما حتم وكقوله { خذ من أموالهم صدقة } وقوله { وأتموا الحج والعمرة لله } وقوله { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } فذكر الحج والعمرة معا في الأمر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل العلم العمرة على الحتم وإن كنا نحب أن لا يدعها مسلم وأشباه هذا في كتاب الله عز وجل كثير ( قال الشافعي ) وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأن النهي عنه على غير التحريم وأنه إنما أريد به الإرشاد أو تنزها أو أدبا للمنهي عنه وما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا ( قال الشافعي ) رحمه الله ومن قال الأمر على غير الحتم حتى تأتي دلالة على أنه حتم انبغى أن تكون الدلالة على ما وصفت من الفرق بين الأمر والنهي وما وصفنا في مبتدأ كتاب الله القرآن والسنة وأشباه لذلك سكتنا عنه اكتفاء بما ذكرنا عما لم نذكر أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما أمرتكم به من أمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( قال الشافعي ) رحمه الله وقد يحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين إلا بدلالة أنهما غير لازمين ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم " فائتوا منه ما استطعتم " أن يقول عليهم إتيان الأمر فيما استطعتم لأن الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل استطاعة شيء لأنه شيء متكلف وأما النهي فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع لأنه ليس بتكلف شيء [ ص: 154 ] يحدث إنما هو شيء يكف عنه ( قال الشافعي ) رحمه الله وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معا
( قال ) فحتم لازم لأولياء الأيامى والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعوا إلى رضا من الأزواج أن يزوجوهن لقول الله تعالى { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } ( قال الشافعي ) رحمه الله فإن شبه على أحد أن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج ففي الآية دلالة على أنه إنما نهى عن العضل الأولياء لأن الزوج إذا طلق فبلغت المرأة الأجل فهو أبعد الناس منها فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يعضلها في بعضها ؟ فإن قال قائل قد تحتمل إذا قاربن بلوغ أجلهن لأن الله عز وجل يقول للأزواج { إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى وأنها لا تحتمله لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها أو لم تبلغه فقد حظر الله تعالى عليها أن تنكح لقول الله عز وجل { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } فلا يأمر بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه إنما يأمر بأن لا يمتنع مما أباح لها من هو بسبب من منعها .
( قال الشافعي ) رحمه الله وقد حفظ بعض أهل العلم أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها وانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال زوجتك دون غيرك أختي ثم طلقتها لا أنكحك أبدا فنزلت { إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن } إلى " أزواجهن " قال وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضا الولي مع الزوج والزوجة وهذا موضوع في ذكر الأولياء والسنة تدل على ما يدل عليه القرآن من أن على ولي الحرة أن ينكحها ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } وقال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له } ( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا كانت أحق بنفسها وكان النكاح يتم به لم يكن له منعها النكاح وقول النبي صلى الله عليه وسلم { فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له } يدل على أن السلطان ينكح المرأة لا ولي لها والمرأة لها ولي يمتنع من إنكاحها إذا أخرج الولي نفسه من الولاية بمعصيته بالعضل وهذان الحديثان مثبتان في كتاب الأولياء .
( قال الشافعي ) رحمه الله والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الأيامى الذين على الأولياء أن ينكحوهن إذا كان مولى بالغا يحتاج إلى النكاح ويقدر بالمال فعلى وليه إنكاحه فلو كانت الآية والسنة في المرأة خاصة لزم ذلك عندي الرجل لأن معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف لما خلق فيها من الشهوة وخوف الفتنة وذلك في الرجل مذكور في الكتاب لقول الله عز وجل { زين للناس حب الشهوات من النساء }
( قال الشافعي ) رحمه الله إذا كان الرجل ولي نفسه والمرأة أحببت لكل واحد منهما النكاح إذا كان ممن تتوق نفسه إليه لأن الله عز وجل أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع قال { وجعل منها زوجها ليسكن إليها } وقال الله عز وجل { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } وقيل إن الحفدة الأصهار وقال عز وجل { فجعله نسبا وصهرا } فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط } وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أحب فطرتي فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح } وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار } ويقال إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده ( قال ) وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه [ ص: 155 ] الآية { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أن ابن عمر أراد أن لا ينكح فقالت له حفصة تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك دعوا لك
( قال الشافعي ) رحمه الله ومن لم تتق نفسه ولم يحتج إلى النكاح من الرجال والنساء بأن لم تخلق فيه الشهوة التي جعلت في أكثر الخلق فإن الله عز وجل يقول { زين للناس حب الشهوات من النساء } أو بعارض أذهب الشهوة من كبر أو غيره فلا أرى بأسا أن يدع النكاح بل أحب ذلك وأن يتخلى لعبادة الله وقد ذكر الله عز وجل القواعد من النساء فلم ينههن عن القعود ولم يندبهن إلى نكاح فقال { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة } الآية وذكر عبدا أكرمه قال { وسيدا وحصورا } والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبه إلى نكاح فدل ذلك والله أعلم على أن المندوب إليه من يحتاج إليه ممن يكون محصنا له عن المحارم والمعاني التي في النكاح فإن الله عز وجل يقول : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غر المرأة ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سنة أجلها من يوم يضرب له السلطان ( قال الشافعي ) أحب النكاح للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤهن ساداتهن احتياطا للعفاف وطلب فضل وغنى فإن كان إنكاحهن واجبا كان قد أدى فرضا وإن لم يكن واجبا كان مأجورا إذا احتسب نيته على التماس الفضل بالاحتياط والتطوع ( قال الشافعي ) ولا أوجبه إيجاب نكاح الأحرار لأني وجدت الدلالة في نكاح الأحرار ولا أجدها في نكاح المماليك .
ما جاء في عدد ما يحل من الحرائر والإماء وما تحل به الفروج أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقال عز وجل { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } فأطلق الله عز وجل ما ملكت الأيمان فلم يحد فيهن حدا ينتهي إليه فللرجل أن يتسرى كم شاء ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا وانتهى ما أحل الله بالنكاح إلى أربع ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله عز وجل على أن انتهاءه إلى أربع تحريما منه لأن يجمع أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع لا أنه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولأنه أباح الأربع وحرم الجمع بين أكثر منهن فقال لغيلان بن سلمة ونوفل بن معاوية وغيرهما وأسلموا وعندهم أكثر من أربع { أمسك أربعا وفارق سائرهن } وقال عز وجل { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك .
وقوله { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } دليل على أمرين : أحدهما أنه أحل النكاح وما ملكت اليمين .
والثاني يشبه أن يكون إنما أباح الفعل للتلذذ وغيره بالفرج في زوجة أو ما ملكت يمين من الآدميين ومن الدلالة على ذلك قول الله تبارك وتعالى فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت اليمين من البهائم فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراما من قبل أنه ليس من [ ص: 156 ] الوجهين اللذين أبيحا للفرج ( قال الشافعي ) فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول الله تعالى { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم ، وهو يشبه أن يكون في مثل معنى قول الله عز وجل في مال اليتيم { ومن كان غنيا فليستعفف } وإنما أراد بالاستعفاف أن لا يأكل منه شيئا .
فإن ذهب ذاهب إلى أن للمرأة ملك يمين فقال فلم لا تتسرى عبدها كما يتسرى الرجل أمته ؟ قلنا إن الرجل هو الناكح المتسري والمرأة المنكوحة المتسراة فلا يجوز أن يقاس بالشيء خلافه فإن قيل كيف يخالفه ؟ قلنا إذا كان الرجل يطلق المرأة فتحرم عليه وليس لها أن تطلقه ، ويطلقها واحدة فيكون له أن يراجعها في العدة وإن كرهت دل على أن منعها له وأنه القيم عليها وأنها لا تكون قيمة عليه ومخالفة له فلم يجز أن يقال لها أن تتسرى عبدا لأنها المتسراة والمنكوحة لا المتسرية ولا الناكحة
( قال الشافعي ) ولما أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن يجمع بين أربع زوجات قلنا حكم الله عز وجل يدل على أن من طلق أربع نسوة له طلاقا لا يملك رجعة أو يملك الرجعة فليس واحدة منهن في عدتها منه حل له أن ينكح مكانهن أربعا لأنه لا زوجة له ولا عدة عليه ، وكذلك ينكح أخت إحداهن ( قال الشافعي ) ولما قال الله عز وجل { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } كان في هذه الآية دليل والله أعلم على أنه إنما خاطب بها الأحرار دون المماليك لأنهم الناكحون بأنفسهم لا المنكحهم غيرهم والمالكون لا الذين يملك عليهم غيرهم وهذا ظاهر معنى الآية وإن احتملت أن تكون على كل ناكح وإن كان مملوكا أو مالكا وهذا وإن كان مملوكا فهو موضوع في نكاح العبد وتسريه الخلاف في هذا الباب .
يتبع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (210)
صــــــــــ 150 الى صـــــــــــ 162
( قال الشافعي ) فقال بعض الناس إذا طلق الرجل أربع نسوة له ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة أو لا رجعة له على واحدة منهن فلا ينكح حتى تنقضي عدتهن ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع ولو طلق واحدة ثلاثا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها ( قال الشافعي ) قلت لبعض من يقول هذا القول هل لمطلق نسائه ثلاثة زوجة ؟ قال لا قلت فقد أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن ينكح أربعا وحرم الجمع بين الأختين ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثا وقد حكم الله بين الزوجين أحكاما فقال { للذين يؤلون من نسائهم تربص } وقال { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } وقال { والذين يرمون أزواجهم } وقال { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وقال { ولهن الربع مما تركتم } أفرأيت المطلق ثلاثا إن آلى منها في العدة أيلزمه إيلاء ؟ قال : لا قلت فإن تظاهر أيلزمه الظهار ؟ قال لا : قلت فإن قذف أيلزمه اللعان أو مات أترثه أو ماتت أيرثها ؟ قال : لا قلت فهذه الأحكام التي حكم الله عز وجل بها بين الزوجين تدل على أن الزوجة المطلقة ثلاثا ليست بزوجة وإن كانت تعتد ؟ قال نعم قلت له فهذه سبعة أحكام لله خالفتها وحرمت عليه أن ينكح أربعا وقد أباحهن الله تعالى له وأن ينكح أخت امرأته وهو إذا نكحها لم يجمع بينهما وهي في عدد من أباح الله له ، فأنت تريد زعمت إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول تخالف القرآن وهي لا تخالفه وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تخالف أنت سبع آيات من القرآن لا تدعي فيها خبرا [ ص: 157 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خبرا صحيحا عن أحد من أصحابه قال قد قاله بعض التابعين ، قلت : فإن من سميت من التابعين وأكثر منهم إذا قالوا شيئا ليس فيه كتاب ولا سنة لم يقبل قولهم لأن القول الذي يقبل ما كان في كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو حديث صحيح عن أحد من أصحابه أو إجماع فمن كان عندك هكذا يترك قوله لا يخالف به غيره أتجعله حجة على كتاب الله عز وجل ؟ ومن قال قولك في أن لا ينكح ما دام الأربع في العدة وجعلها في معاني الأزواج لزمه أن يقول يلحقها الإيلاء والظهار واللعان ويتوارثان قال فما أقوله ؟ قلت فلم لا تكون في حكم الزوجة عندك في معنى واحد دون المعاني فقال أقال قولك غيرك ؟ قلت نعم : القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعروة وأكثر أهل دار السنة وأهل حرم الله عز وجل ما يحتاج فيه إلى أن يحكي قول أحد لثبوت الحجة فيها بأحكام الله تعالى المنصوصة التي لا يحتاج إلى تفسيرها لأنه لا يحتمل غير ظاهرها ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم وعروة بن الزبير أنهما كانا يقولان في الرجل عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن ألبتة أنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تمضي عدتها .
( قال الشافعي ) فقال فإني إنما قلت هذا لئلا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع ولئلا يجتمع في أختين ( قال الشافعي ) فقلت له : فإنما كان للعالمين ذوي العقول من أهل العلم أن يقولوا من خبر أو قياس عليه ، ولا يكون لهم أن يخرجوا منهما عندنا وعندك .
ولو كان لهم أن يخرجوا منهما كان لغيرهم أن يقول معهم ؟ قال أجل .
قلت : أفقلت قولك هذا بخبر لازم أو قياس فهو خلاف هذا كله وليس لك خلاف واحد منهم في أصل ما تقول ، قال يتفاحش أن يجتمع ماؤه في أكثر من أربع أو في أختين : قلت المتفاحش أن تحرم عليه ما أحل الله تعالى له وإحدى الأختين مما أحل الله عز وجل له وقلت له : لو كان في قولك لا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع حجة فكنت إنما حرمت عليه أن ينكح حتى تنقضي عدة الأربع للماء كنت محجوجا بقولك قال : وأين ؟ قلت أرأيت إذا نكح أربعا فأغلق عليهن ، أو أرخى الأستار ولم يمس واحدة منهن أعليهن العدة ؟ قال نعم قلت أفينكح أربعا سواهن قبل أن تنقضي عدتهن ؟ قال لا قلت أفرأيت لو دخل بهن فأصابهن ثم غاب عنهن سنين ثم طلقهن ولا عهد له بواحدة منهن قبل الطلاق بثلاثين سنة أينكح في عدتهن ؟ قال : لا قلت أفرأيت لو كان يعزل عنهن ثم طلقهن أينكح في عدتهن ؟ قال لا قلت له أرأيت لو كان قولك إنما حرمت عليه أن ينكح في عدتهن للماء كما وصفت أتبيح له أن ينكح في عدة من سميت وفي عدة المرأة تلد فيطلقها ساعة تضع قبل أن يمسها وفي المرأة يطلقها حائضا أتبيح له أن ينكح بما لزمك في هذه المواضع وقلت أعزل عمن نكحت ولا تصب ماءك حتى تنقضي عدة نسائك اللاتي طلقت ؟ قال أفأقفه عن إصابة امرأته ؟ فقلت يلزمك ذلك في قولك قال ومن أين يلزمني أفتجدني أقول مثله ؟ قلت نعم أنت تزعم أنه لو نكح امرأة فأخطأها إلى غيرها فأصابها فرق بينهما وكانت امرأة الأول واعتزلها زوجها حتى تنقضي عدتها وتزعم أن له أن ينكح المحرمة والحائض ولا يصيب واحدة منهما وتقول له أن ينكح الحبلى من زنا ولا يصيبها فقلت له وما الماء من النكاح ؟ أرأيت لو أصابهن وفيهن ماؤه ثم أراد العود لإصابتهن أما ذلك مما يحل له ؟ قال : بلى قلت كما يباح له لو لم يصبهن قبل ذلك ؟ قال نعم ، فقلت فإذا طلقهن وفيهن ماؤه ثلاثا أيكون له أن يعيد فيهن ماء آخر وإنما أقر فيهن ماءه قبل ذلك بساعة قال لا وقد انتقل حكمه .
قلت : [ ص: 158 ] فالماء ههنا وغير الماء سواء فيما يحل له ويحرم عليه ؟ قال نعم .
قلت : فكيف لا يكون هكذا في مثل هذا المعنى ومعه كتاب الله عز وجل وقلت أرأيت المرأة إذا أصيبت ليلا في شهر رمضان ثم أصبح الزوجان جنبين أيفسد صومهما أو صوم المرأة كينونة الماء فيها ؟ قال لا ، قلت له فكذلك لو أصابها ثم أحرما جنبين وفيها الماء ثم حج بها وفيها الماء ؟ قال نعم .
قلت وليس له أن يصيبها نهارا ولا محرما حين تحولت حاله ولا يصنع الماء في أن يحلها له ولا يفسد عليه حجا ولا صوما إذا كان مباحا ثم انتقلت حالهما إلى حالة حظرت إصابتها فيه شيئا ؟ قال نعم فقلت له : فالماء كان فيهن وهن أزواج يحل ذلك فيهن ثم طلقهن ثلاثا فانتقل حكمه وحكمهن إلى أن كان غير ذي زوجة وكن أبعد الناس منه غير ذوات المحارم ولا يحللن له إلا بانقضاء عدة ونكاح غيره وطلاقه أو موته والعدة منه والنساء سواهن يحللن له من ساعته فحرمت عليه أبعد النساء من أن تكون زوجا له إلا بما يحل له وزعمت أن الرجل يعتد وقد خالفت الله بين حكم الرجل والمرأة فجعل إليه أن يطلق وأن ينفق وزعمت أن ليس له ما جعل الله تعالى إليه ولا عليه ما فرضت السنة عليه من النفقة وأن عليه كل ما جعل له وعليه ثم جعل الله عليها أن تعتد فأدخلته معها فيما جعل عليها دونه فخالفت أيضا حكم الله فألزمتها الرجل وإنما جعلها الله على المرأة فكانت هي المعتدة والزوج المطلق أو الميت فتلزمها العدة بقوله أو موته ثم قلت في عدته قولا متناقضا قال وما قلت ؟ قلت إذا جعلت عليه العدة كما جعلتها عليها أفيحد كما تحد ويجتنب من الطيب كما تجتنب من الصبغ والحلي مثلها ؟ قال لا .
قلت ويعتد من وفاتها كما تعتد من وفاته فلا ينكح أختها ولا أربعا سواها حتى تأتي عليه أربعة أشهر وعشر ؟ قال لا قلت وله أن ينكح قبل دفنها أختها إن شاء وأربعا سواها ؟ قال : نعم قلت له هذا في قولك يعتد مرة ويسقط عنه في عدته اجتناب ما تجتنب المعتدة ولا يعتد أخرى أفيقبل من أحد من الناس مثل هذا القول المتناقض ؟ وما حجتك على جاهل لو قال لا تعتد من طلاق ولكن تجتنب الطيب وتعتد من الوفاة هل هو إلا أن يكون عليه ما عليها من العدة فيكون مثلها في كل حال أم لا يكون فلا يعتد بحال ؟
ما جاء في نكاح المحدودين قال الله تبارك وتعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } ( قال الشافعي ) فاختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا والذي يشبهه عندنا والله أعلم ما قال ابن المسيب ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال هي منسوخة نسختها { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } فهي من أيامى المسلمين فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله وعليه دلائل من الكتاب والسنة ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي يزيد عن بعض أهل العلم أنه قال في هذه الآية إنها حكم بينهما ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد أن هذه الآية نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية كانت على منازلهم رايات ( قال الشافعي ) رحمه الله : وروي من وجه آخر غير هذا عن عكرمة أنه قال لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك قال أبو عبد الله يذهب إلى قوله ينكح أي يصيب فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية فحرمن على الناس إلا من كان منهم زانيا أو مشركا فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المشركين وغير زناتهم [ ص: 159 ] وإن كن أسلمن فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين لقول الله تعالى { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } .
( قال الشافعي ) والاختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم الوثنيات عفائف كن أو زواني على من آمن زانيا كان أو عفيفا ولا في أن المسلمة الزانية محرمة على المشرك بكل حال ( قال الشافعي ) وليس فيما روي عن عكرمة " لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة " تبيين شيء إذا زنى فطاوعته مسلما كان أو مشركا أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه ( قال الشافعي ) ومن قال هذا حكم بينهما فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب الله عز وجل الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخا ، وذلك قول الله عز وجل : { فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقوله عز وجل { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } فقد قيل إن هاتين الآيتين في مشركات أهل الأوثان وقد قيل في المشركات عامة ثم رخص منهن في حرائر أهل الكتاب ، ولم يختلف الناس فيما علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثني ولا كتابي ، وأن المشركة الزانية لا تحل لمسلم زان ولا غيره فإجماعهم على هذا المعنى في كتاب الله حجة على من قال هو حكم بينهما لأن في قوله إن الزانية المسلمة ينكحها الزاني أو المشرك وقد اعترف ماعز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد { حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا في الزنا فجلده وجلد امرأة } فلا نعلمه قال للزوج : هل لك زوجة فتحرم عليك إذا زنيت ولا يزوج هذا الزاني ولا الزانية إلا زانية أو زانيا بل يروى عنه صلى الله عليه وسلم { أن رجلا شكا من امرأته فجورا فقال طلقها فقال إني أحبها فقال استمتع بها } وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل أراد أن ينكح امرأة أحدثت وتذكر حدثها فقال عمر " انكحها نكاح العفيفة المسلمة " .
ما جاء فيما يحرم من نكاح القرابة والرضاع وغيره ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله جل وعز { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم } إلى قوله { إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما } .
( قال الشافعي ) فالأمهات أم الرجل وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدت الجدات لأنه يلزمهن اسم الأمهات ، والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه وبناته وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات والأخوات من ولد أبوه لصلبه أو أمه بعينها ، وعماته من ولد جده وجدته ومن فوقهما من أجداده وجداته وخالاته من ولدته جدته أم أمه ومن فوقها من جداته من قبلها وبنات الأخ كل من ولد الأخ لأبيه أو لأمه أو لهما ومن ولد ولده وأولاده بني أخيه وإن سفلوا وهكذا بنات الأخت وحرم الله الأم والأخت من الرضاعة فتحريمهما يحتمل معنيين أحدهما إذا ذكر الله تحريمهما ولم يذكر في الرضاع تحريم غيرهما لأن الرضاعة أضعف سببا من النسب فإذا كان النسب الذي هو أقوى سببا قد يحرم به ذوات نسب ذكرن ويحل ذوات نسب غيرهن إن سكت عنهن أولى أن يكون الرضاع هكذا ولا يحرم به إلا الأم والأخت وقد تحرم على الرجل أم امرأته وإن لم يدخل [ ص: 160 ] بامرأته ولا تحرم عليه ابنتها إذا لم يدخل بواحدة منهما .
والمعنى الثاني إذا حرم الله الأم والأخت من الرضاعة كما حرم الله الوالدة والأخت التي ولدها أحد الوالدين أو هما ولم يحرمهما بقرابة غيرهما ولا بحرمة غيرهما كما حرم ابنة امرأته بحرمة امرأته وامرأة الابن بحرمة الابن وامرأة الأب بحرمة الأب فاجتمعت الأم من الرضاعة إذ حرمت بحرمة نفسها والأخت من الرضاعة إذ حرمت نصا وكانت ابنة الأم أن تكون من سواها من قرابتها تحرم كما تحرم بقرابة الأم الوالدة والأخت للأب أو الأم أو لهما فلما احتملت الآية المعنيين كان علينا أن نطلب الدلالة على أولى المعنيين فنقول به فوجدنا الدلالة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا المعنى أولاهما فقلنا يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة } ( قال الشافعي ) إذا حرم من الرضاع ما حرم من الولادة حرم لبن الفحل ( قال الشافعي ) لو تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها ولم يدخل بها فلا أرى له أن ينكح أمها لأن الله عز وجل .
قال { وأمهات نسائكم } ولم يشترط فيهن كما شرط في الربائب وهو قول الأكثر ممن لقيت من المفتين وكذلك جداتها وإن بعدن لأنهن أمهات امرأته وإذا تزوج الرجل فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فكل بنت لها وإن سفلت حلال لقول الله عز وجل { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } فإن دخل بالأم لم تحل له الابنة ولا ولدها وإن تسفل كل من ولدته قال الله عز وجل { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } فأي امرأة نكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن للأب أن ينكحها أبدا ، ومثل الأب في ذلك آباؤه كلهم من قبل أبيه وأمه فكذلك كل من نكح ولد ولده الذكور والإناث وإن سفلوا لأنهم بنوه قال الله عز وجل { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ( قال الشافعي ) وكذلك امرأة ابنه الذي أرضع تحرم هذه بالكتاب وهذه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة } وليس هو خلافا للكتاب لأنه إذا حرم حلائل الأبناء من الأصلاب فلم يقل غير أبنائهم من أصلابهم وكذلك الرضاع في هذا الموضع يقوم مقام النسب فأي امرأة ينكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن لولده ولا لولد ولده الذكور والإناث وإن سفلوا أن ينكحها أبدا لأنها امرأة أب لأن الأجداد آباء في الحكم وفي أمهات النساء لأنه لم يستثن فيهما ولا في أمهات النساء وكذلك أبو المرضع له .
والله تعالى أعلم .
ما يحرم الجمع بينه من النساء في قول الله عز وجل { وأن تجمعوا بين الأختين } ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } .
( قال الشافعي ) ولا يجمع بين أختين أبدا بنكاح ولا وطء ملك وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع حرم من الإماء مثله إلا العدد والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها فنكاح الآخرة باطل ونكاح الأولى ثابت وسواء دخل بها أو لم يدخل بها ويفرق بينه وبين الآخرة وإذا كانت عنده أمة يطؤها لم يكن له وطء الأخت إلا بأن يحرم عليه فرج التي كان يطأ بأن يبيعها أو يزوجها أو يكاتبها أو يعتقها [ ص: 161 ] أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها } .
( قال الشافعي ) فأيتهما نكح أولا ثم نكح عليها أخرى فسد نكاح الآخرة ولو نكحهما في عقدة كانت العقدة مفسوخة وينكح أيتهما شاء بعد وليس في أن " لا يجمع بين المرأة وعمتها خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله ذكر من تحرم بكل حال من النساء ومن يحرم بكل حال إذا فعل في غيره شيء مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت بكل حال وكانوا يجمعون بين الأختين فنهوا عن ذلك وليس في نهيه عنه إباحة ما سوى جمعا بين غير الأختين لأنه قد يذكر الشيء في الكتاب فيحرمه ويحرم على لسان نبيه غيره كما ذكر المرأة المطلقة ثلاثا فقال { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } فبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصيبها وإلا لم تحل له مع كثير بينه الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ( قال ) وكذلك ليس في قوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } إباحة غيره مما حرم في غير هذه الآية على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ألا ترى أنه يقول { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن } فبينت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انتهاء الله إلى أربع حظر أن يجمع بين أكثر منهن فلو نكح رجل خامسة على أربع كان نكاحها مفسوخا ويحرم من غير جهة الجمع كما حرم نساء ، منهن المطلقة ثلاثا ومنهن الملاعنة ويحرم إصابة المرأة بالحيض والإحرام فكل هذا متفرق في مواضعه
وما حرم على الرجل من أم امرأته أو بنتها أو امرأة أبيه أو امرأة ابنه بالنكاح فأصيبت من غير ذلك بالزنا لم تحرم لأن حكم النكاح مخالف حكم الزنا
وقال الله عز وجل { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } والمحصنات اسم جامع فجماعه أن الإحصان المنع والمنع يكون بأسباب مختلفة منها المنع بالحبس والمنع يقع على الحرائر بالحرية ويقع على المسلمات بالإسلام ويقع على العفائف بالعفاف ويقع على ذوات الأزواج بمنع الأزواج فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحرم إصابة واحدة منهما بنكاح ولا ملك ولأني لم أعلمهم اختلفوا في أن العفائف وغير العفائف فيما يحل منهن بالنكاح والوطء بالملك سواء على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية ، والآية تدل على أنه لم يرد بالإحصان ههنا الحرائر أنه إنما قصد بالآية قصد ذوات الأزواج ثم دل الكتاب وإجماع أهل العلم أن ذوات الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت أو فرقة طلاق أو فسخ نكاح إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع لأن المماليك غير السبايا لما وصفنا من هذا ومن أن السنة دلت أن المملوكة غير السبية إذا بيعت أو أعتقت { لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة حين أعتقت في المقام مع زوجها أو فراقه } ولو كان زوال الملك الذي فيه العقدة يزيل عقدة النكاح كان الملك إذا زال بعتق أولى أن يزول العقد منه إذا زال ببيع ولو زال بالعتق لم يخير بريرة وقد زال ملك بريرة بأن بيعت فأعتقت فكان زواله بمعنيين ولم يكن ذلك فرقة لأنها لو كانت فرقة لم يقل لك الخيار فيما لا عقد له عليك أن تقيمي معه أو تفارقيه ( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها { أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم } ( قال ) فإذا لم يحل فرج ذات الزوج بزوال الملك في العتق والبيع فهي إذا لم تبع لم تحل بملك يمين حتى يطلقها زوجها وتخالف السبية في معنى آخر وذلك أنها إن بيعت أو وهبت فلم يغير حالها من الرق وإن عتقت تغير بأحسن من [ ص: 162 ] حالها الأول والسبية تكون حرة الأصل فإذا سبيت سقطت الحرية واستوهبت فوطئت بالملك فليس انتقالها من الحرية بسبائها بأولى من فسخ نكاح زوجها عنها وما صارت به في الرق بعد أكثر من فرقة زوجها .
الخلاف في السبايا أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله عز وجل { إلا ما ملكت أيمانكم } فقال هذا كما قلت ولم يزل يقول به ولا يفسره هذا التفسير الواضح غير أنا نخالفك منه في شيء قلت وما هو ؟ قال : نقول في المرأة يسبيها المسلمون قبل زوجها تستبرأ بحيضة ، وتصاب ذات زوج كانت أو غير ذات زوج قال : ولكن إن سبيت وزوجها معها ، فهما على النكاح ( قال الشافعي ) فقلت له { سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق ، ونساء هوازن بحنين ، وأوطاس } ، وغيره فكانت سنته فيهم ، أن لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض ، وأمر أن يستبرئان بحيضة حيضة ، وقد أسر رجالا من بني المصطلق وهوازن فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا غيرها ، فاستدللنا على أن السباء قطع للعصمة ، والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا سبي معها لم يقطع عصمتها لو لم يسب معها ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة إذ لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذات زوج ولا غيرها ، وقد علم أن فيهن ذوات أزواج بالحمل وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل وقد أسر من أزواجهن معهن أن السباء قطع للعصمة .
( قال الشافعي ) رحمه الله فقال إني لم أقل هذا بخبر ولكني قلته قياسا فقلت فعلى ماذا قسته ؟ قال قسته على المرأة تأتي مسلمة مع زوجها فيكونان على النكاح ولو أسلمت قبله وخرجت من دار الحرب انفسخ النكاح فقلت له والذي قست عليه أيضا خلاف السنة فتخطئ خلافها وتخطئ القياس قال وأين أخطأت القياس ؟ قلت أجعلت إسلام المرأة مثل سبيها ؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا أسلمت ثبتت على الحرية فازدادت خيرا بالإسلام ؟ قال نعم قلت أفتجدها إذا سبيت رقت وقد كانت حرة ؟ قال نعم قلت أفتجد حالها واحدة ؟ قال أما في الرق فلا ولكن في الفرج فقلت لا فلا يستويان في قولك في الفرج قال وأين يختلفان ؟ قلت أرأيت إذا سبيت الحرة في دار الحرب فاستؤمنت وهرب زوجها وحاضت حيضة واحدة أتوطأ ؟ قال أكره ذلك فإن فعل فلا بأس قلت وهي لا توطأ إلا والعصمة منقطعة بينها وبين زوجها ؟ قال نعم ، قلت وحيضة استبراء كما لو لم يكن لها زوج قال وتريد ماذا ؟ قلت أريد إن قلت تعتد من زوج اعتدت عندك حيضتين إن ألزمتها العدة بأنها أمة وإن ألزمتها بالحرية فحيض قال ليست بعدة ، قلت أفتبين لك أن حالها في النساء إذا صارت سبيا بعد الحرية فيما يحل به من فرجها سواء كانت ذات زوج أو غير ذات زوج ؟ قال إنها الآن تشبه ما قلت ، قلت له فالحرة تسلم قبل زوجها بدار الحرب ؟ قال فهما على النكاح الأول حتى تحيض ثلاث حيض فإن أسلم قبل أن تحيض ثلاث حيض كانا على النكاح الأول ، قلت فلم خالفت بينهما في الأصل والفرع ؟ قال : ما وجدت من ذلك بدا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (211)
صــــــــــ 163 الى صـــــــــــ 169
قلت له : فلرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في الحرائر يسلمن وأخرى في الحرائر يسبين فيسترقين والأخرى في الإماء لا يسبين فكيف جاز أن تصرف سنة إلى سنة وهما عند أهل العلم سنتان مختلفتان باختلاف حالات النساء فيهما ؟ وقلت له فالحرة تسلم قبل زوجها أو زوجها قبلها أيهما أسلم قبل [ ص: 163 ] الآخر ثم أسلم الآخر قبل انقضاء عدة المرأة فالنكاح الأول ثابت فإن انقضت العدة قبل إسلام الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وسواء في ذلك كان إسلام المرأة قبل الرجل أو الرجل قبل المرأة إذا افترقت دارهما أو لم تفترق ولا تصنع الدار فيما يحرم من الزوجين بالإسلام شيئا سواء خرج المسلم منهما إلى دار الإسلام أو صارت داره دار الإسلام أو كان مقيما بدار الكفر لا تغير الدار من الحكم بينهما شيئا .
( قال الشافعي ) رحمه الله فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل له : أسلم أبو سفيان بن حرب بمر الظهران وهي دار خزاعة وخزاعة مسلمون قبل الفتح في دار الإسلام فرجع إلى مكة وهند بنت عتبة مقيمة على غير الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال ثم أسلمت هند بعد إسلام أبي سفيان بأيام كثيرة وقد كانت كافرة مقيمة بدار ليست بدار الإسلام يومئذ وزوجها مسلم في دار الإسلام وهي في دار الحرب ثم صارت مكة دار الإسلام وأبو سفيان بها مسلم وهند كافرة ثم أسلمت قبل انقضاء العدة فاستقرا على النكاح لأن عدتها لم تنقض حتى أسلمت وكان كذلك حكيم بن حزام وإسلامه ، وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل بمكة فصارت دارهما دار الإسلام وظهر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهرب عكرمة إلى اليمن وهي دار حرب وصفوان يريد اليمن وهي دار حرب ثم رجع صفوان إلى مكة وهي دار إسلام وشهد حنينا وهو كافر ثم أسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول ورجع عكرمة وأسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول وذلك أن عدتهما لم تنقض فقلت له ما وصفت لك من أمر أبي سفيان وحكيم بن حزام وأزواجهما ، وأمر صفوان وعكرمة وأزواجهما أمر معروف عند أهل العلم بالمغازي فهل ترى ما احتججت به من أن الدار لا تغير من الحكم شيئا إذا دلت السنة على خلاف ما قلت وقد حفظ أهل المغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فأسلم فاستقرا على النكاح ونحن وأنت نقول إذا كانا في دار حرب فأيهما أسلم قبل الآخر لم يحل الجماع وكذلك لو كانا في دار الإسلام .
وإنما يمنع أحدهما من الآخر في الوطء بالدين لأنهما لو كانا مسلمين في دار حرب حل الوطء فقال إن من أصحابك من يفرق بين المرأة والرجل وأنا أقوم بحجته فقلت له القيام بقول تدين به ألزم لك فإن كنت عجزت عنه فلعلك لا تقوى على غيره قال فأنا أقوم به فأحتج بأن الله عز وجل قال { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فقلت له : أيعدو قول الله عز وجل : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أن يكون إذا أسلم وزوجته كافرة كان الإسلام قطعا للعصمة بينهما حين يسلم لأن الناس لا يختلفون في أنه ليس له أن يطأها في تلك الحال إذا كانت وثنية أو يكون قول الله عز وجل { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } إذا جاءت عليهن مدة لم يسلمن فيها أو قبلها ؟ قال ما يعدو هذا قلت فالمدة هل يجوز بأن تكون هكذا أبدا إلا بخبر في كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع ؟ قال لا قلت وذلك أن رجلا لو قال مدتها ساعة وقال الآخر يوم وقال آخر سنة وقال آخر مائة سنة لم يكن ههنا دلالة على الحق من ذلك إلا بخبر ؟ قال نعم قلت والرجل يسلم قبل امرأته فقلت بأيهما شئت وليس قولك من حكيت قوله داخلا في واحد من هذين القولين قال فهم يقولون إذا أسلم قبلها وتقارب ما بين إسلامهما قلت أليس قد أسلم وصار من ساعته لا يحل له إصابتها ثم أسلمت فقرت معه على النكاح الأول في قولهم ؟ قال بلى قلت فلم تقطع بالإسلام [ ص: 164 ] بينهما وقطعتها بمدة بعد الإسلام ؟ قال نعم ولكنه يقول كان بين إسلام أبي سفيان وهند شيء يسير قلت أفتحده ؟ قال لا ولكنه شيء يسير قلت لو كان أكثر منه انقطعت عصمتها منه ؟ .
قال وما علمته يذكر ذلك قلت فإسلام صفوان بعد إسلام امرأته بشهر أو أقل منه وإسلام عكرمة بعد إسلام امرأته بأيام فإن قلنا إذا مضى الأكثر وهو نحو من شهر انقطعت العصمة بين الزوجين لأنا لا نعلم أحدا ترك أكثر مما ترك صفوان أيجوز ذلك ؟ قال لا قلت هم يقولون إن الزهري حمل حديث صفوان وعكرمة وقال في الحديث غير هذا قلت فقال الزهري إلا أن يقدم زوجها وهي في العدة فجعل العدة غاية انقطاع ما بين الزوجين إذا أسلمت المرأة فلم لا يكون هكذا إذا أسلم الزوج ؟ والزهري لم يرو في حديث مالك أمر أبي سفيان وهو أشهر من أمر صفوان وعكرمة والخبر فيهما واحد والقرآن فيهم والإجماع واحد ؟ قال الله تبارك وتعالى { فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها ولا الرجل يسلم قبل امرأته قلت فحرم الله عز وجل على الكفار نساء المؤمنين لم يبح واحدة منهن بحال ولم يختلف أهل العلم في ذلك وحرم على رجال المؤمنين نكاح الكوافر إلا حرائر الكتابيين منهم فزعم أن إحلال الكوافر اللاتي رخص في بعضهن للمسلمين أشد من إحلال الكفار الذين لم يرخص لهم في مسلمة بما وصفنا من قولهم إذا أسلمت المرأة لم ينفسخ النكاح إلا لانقضاء العدة وزوجها كافر وإذا أسلم الزوج انفسخ نكاح المرأة قبل العدة ولو كان يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر كان الذي شددوا فيه أولى أن يرخصوا فيه والذي رخصوا فيه أولى أن يشددوا فيه والله الموفق .
الخلاف فيما يؤتى بالزنا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وقلنا إذا نكح رجل امرأة حرمت على ابنه وأبيه وحرمت عليه أمها بما حكيت من قول الله عز وجل ( قال ) فإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه أو أم امرأته ، فقد عصى الله تعالى ولا تحرم عليه امرأته ، ولا على أبيه ، ولا على ابنه امرأته لو زنى بواحدة منهما ، لأن الله عز وجل إنما حرم بحرمة الحلال تعزيرا لحلاله وزيادة في نعمته بما أباح منه بأن أثبت به الحرم التي لم تكن قبله ، وأوجب بها الحقوق ، والحرام خلاف الحلال ، وقال بعض الناس إذا زنى الرجل بامرأة حرمت عليه أمها ، وابنتها وإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه حرمت عليهما امرأتاهما ، وكذلك إن قبل واحدة منهما ، أو لمسها بشهوة فهو مثل الزنا والزنا يحرم ما يحرم الحلال فقال لي لم قلت إن الحرام لا يحرم ما يحرم الحلال ؟ فقلت له استدلالا بكتاب الله عز وجل والقياس على ما أجمع المسلمون عليه بما هو في معناه والمعقول ، والأكثر من قول أهل دار السنة والهجرة وحرم الله قال فأوجدني ما وصفت قلت قال الله تبارك وتعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وقال تعالى { وحلائل أبنائكم } وقال { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } أفلست تجد التنزيل إنما حرم من سمى بالنكاح أو النكاح والدخول ؟ قال بلى ، قلت أفيجوز أن يكون الله تبارك وتعالى باسمه حرم بالحلال شيئا فأحرمه بالحرام ، والحرام ضد الحلال ؟ فقال لي فما فرق بينهما ؟ قلت فقد فرق الله تعالى بينهما قال فأين ؟ قلت وجدت الله عز وجل ندب إلى النكاح وأمر به وجعله سبب النسب والصهر والألفة والسكن وأثبت به الحرم والحق لبعض على بعض بالمواريث والنفقة ، والمهر وحق الزوج بالطاعة [ ص: 165 ] وإباحة ما كان محرما قبل النكاح .
قال : نعم ، قلت : ووجدت الله تعالى حرم الزنا فقال { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } فقال أجد جماعا وجماعا فأقيس أحد الجماعين بالآخر : قلت فقد وجدت جماعا حلالا حمدت به ووجدت جماعا حراما رجمت به صاحبه أفرأيتك قسته به ؟ فقال : وما يشبهه ؟ فهل توضحه بأكثر من هذا ؟ قلت : في أقل من هذا كفاية وسأذكر لك بعض ما يحضرني منه قال ما ذاك ؟ قلت جعل الله تبارك وتعالى اسمه الصهر نعمة فقال { فجعله نسبا وصهرا } قال نعم قلت وجعلك محرما لأم امرأتك وابنتها ، وابنتها تسافر بها ؟ قال نعم قلت وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد .
وفي الآخرة بالنار إن لم يعف ، قال : نعم قلت أفتجعل الحلال الذي هو نعمة قياسا على الحرام الذي هو نقمة ، أو الحرام قياسا عليه ثم تخطئ القياس وتجعل الزنا لو زنى بامرأة محرما لأمها وابنتها ؟ قال هذا أبين ما احتججت به منه ، قلت : فإن الله تبارك وتعالى قال في المطلقة الثالثة { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وجاءت السنة بأن يصيبها الزوج الذي نكح فكانت حلاله له قبل الثلاث ومحرمة عليه بعد الثلاث حتى تنكح ثم وجدناها تنكح زوجا ولا تحل له حتى يصيبها الزوج ووجدنا المعنى الذي يحلها الإصابة أفرأيت إن احتج بهذا عليك رجل يغبى غباءك عن معنى الكتاب فقال الذي يحلها للزوج بعد التحريم هو الجماع لأني قد وجدتها مزوجة فيطلقها الزوج أو يموت عنها فلا تحل لمن طلقها ثلاثا إذا لم يصبها الزوج الآخر وتحل إن جامعها فإنما معنى الزوج في هذا الجماع وجماع بجماع ، وأنت تقول جماع الزنا يحرم ما يحرم جماع الحلال فإن جاء معها رجل بزنا حلت له قال إذا يخطئ ، قلت ولم ؟ أليس لأن الله أحلها بزوج والسنة دلت على إصابة الزوج فلا تحل حتى يجتمع الأمران فتكون الإصابة من زوج ؟ قال نعم قلت : فإن كان الله إنما حرم بنت المرأة وأمها وامرأة الأب بالنكاح فكيف جاز أن تحرمها بالزنا ؟ وقلت له قال الله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } وقال { فإن طلقها } فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العدد ، قال : نعم قلت أفرأيت المرأة إذا أرادت تطلق زوجها ألها ذلك ؟ قال لا قلت فقد جعلت لها ذلك قال وأين ؟ قلت زعمت أنها إذا كرهت زوجها قبلت ابنه بشهوة فحرمت على زوجها بتقبيلها ابنه فجعلت إليها ما لم يجعل الله إليها فخالفت حكم الله ههنا وفي الآي قبله ، فقال قد تزعم أنت أنها إن ارتدت عن الإسلام حرمت على زوجها ؟ قلت وإن رجعت وهي في العدة فهما على النكاح أفتزعم أنت هذا في التي تقبل ابن زوجها ؟ قال لا قلت فإن مضت العدة ثم رجعت إلى الإسلام كان لزوجها أن ينكحها بعد ؟ أفتزعم في التي تقبل ابن زوجها أن لزوجها أن ينكحها بعد بحال ؟ قال لا قلت فأنا أقول إذا ثبتت على الردة حرمتها على المسلمين كلهم لأن الله حرم مثلها عليهم أفتحرم التي تقبل ابن زوجها على المسلمين كلهم ؟ قال لا قلت وأنا أقتل المرتدة وأجعل مالها فيئا أفتقتل أنت التي تقبل ابن زوجها وتجعل مالها فيئا ؟ قال لا قلت فبأي شيء شبهتها بها ؟ قال إنها لمفارقة لها قلت نعم في كل أمرها ؟ وقلت له أرأيت لو طلق امرأته ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ؟ قال نعم قلت فإن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره ؟ قال لا قلت فأسمعك قد حرمت بالطلاق إذا طلقت زوجة حلال ما لم تحرم بالزنا لو طلق مع الزنا .
قال لا يشتبهان قلت أجل وتشبيهك إحداهما بالأخرى الذي أنكرنا عليك قال أفيكون شيء يحرمه الحلال لا يحرمه الحرام ؟ قلت : نعم قال وما هو ؟ قلت ما وصفناه وغيره أرأيت الرجل إذا نكح امرأة أيحل له أن ينكح أختها أو عمتها عليها ؟ قال لا قلت فإذا نكح أربعا أيحل له أن ينكح عليهن خامسة ؟ قال لا قلت أفرأيت لو زنى بامرأة له أن ينكح أختها أو عمتها من ساعته أو زنى بأربع في [ ص: 166 ] ساعة أيكون له أن ينكح أربعا سواهن ؟ قال نعم ليس يمنعه الحرام مما يمنعه الحلال .
وقلت له قال الله عز وجل { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } ثم حد الزاني الثيب على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفي فعله أعظم حدا حده الرجم وذلك أن القتل بغير رجم أخف منه وهتك بالزنا حرمة الدم فجعل حقا أن يقتل بعد تحريم دمه ولم يجعل فيه شيئا من الأحكام التي أثبتها بإحلال فلم يثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أهل دين الله بالزنا نسبا ولا ميراثا ولا حرما أثبتها بالنكاح وقالوا في الرجل إذا نكح المرأة فدخل بها كان محرما لابنتها يدخل عليها ويخلو بها ويسافر وكذلك أمها وأمهاتها وكذلك يكون بنوه من غيرها محرما لها يسافرون بها ويخلون وليس يكون من زنى بامرأة محرما لأمها ولا ابنتها ولا بنوه محرما لها بل حمدوا بالنكاح وحكموا به وذموا على الزنا وحكموا بخلاف حكم الحلال وإنما حرم الله أم المرأة وامرأة الأب والابن بحرمة أثبتها الله عز وجل لكل على كل وإنما ثبتت الحرمة بطاعة الله فأما معصية الله بالزنا فلم يثبت بها حرمة بل هتكت بها حرمة الزانية والزاني فقال ما يدفع ما وصفت ؟ فقلت فكيف أمرتني أن أجمع بين الزنا والحلال وقد فرق الله تعالى ثم رسوله ثم المسلمون بين أحكامهما ؟ قال فهل فيه حجة مع هذا ؟ قلت بعض هذا عندنا وعندك يقوم بالحجة وإن كانت فيه حجج سوى هذا قال وما هي قلت : أرأيت المرأة ينكحها ولا يراها حتى تموت أو يطلقها أتحرم عليه أمها وأمهاتها وإن بعدن والنكاح كلام ؟ قال نعم قلت ويكون بالعقدة محرما لأمها يسافر ويخلو بها ؟ قال نعم قلت أفرأيت المرأة يواعدها الرجل بالزنا تأخذ عليه الجعل ولا ينال منها شيئا أتحرم عليه أمها بالكلام بالزنا وإلا تعاد به وباليمين لتفين له به ؟ قال لا ولا تحرم إلا بالزنا واللمس والقبلة بالشهوة ، قلت أرأيت المرأة إذا نكحها رجل ولم يدخل بها ويقع عليها وقذفها أو نفى ولدها أويحد لها ويلاعن أو آلى منها أيلزمه إيلاء أو ظاهر أيلزمه ظهار أو مات أترثه أو ماتت أيرثها ؟ قال نعم قلت فإن طلقها قبل أن يدخل بها وقع عليها طلاقه ؟ قال نعم قلت أفرأيت إن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه كما حرم الله عز وجل المنكوحة بعد ثلاث أو قذفها أيلاعنها أو آلى منها أو تظاهر أو مات أترثه أو ماتت أيرثها ؟ قال لا قلت ولم ؟ ألأنها ليست له بزوجة وإنما أثبت الله عز وجل هذا بين الزوجين ؟ قال نعم قلت له ولو نكح امرأة حرمت عليه أمها وأمهاتها وإن لم يدخل بالبنت ؟ قال نعم قلت له ولو نكح الأم فلم يدخل بها حتى تموت أو يفارقها حلت له البنت ؟ قال نعم فقلت قد وجدت العقدة تثبت لك عليها أمورا منها لو ماتت لأنها زوجته وتثبت بينك وبينها ما يثبت بين الزوجين من الظهار والإيلاء واللعان فلما افترقتما قبل الدخول حرمت عليك أمها ولم تحرم عليك بنتها فلم فرقت بينهما وحرمت مرة بالعقدة والجماع وأخرى بالعقدة دون الجماع ؟ قال لما أحل الله تعالى الربيبة إن لم يدخل بالأم وذكر الأم مبهمة فرقت بينهما قلت فلم لم تجعل الأم قياسا على الربيبة وقد أحلها غير واحد ؟ قال لما أبهم الله الأم أبهمناها فحرمناها بغير الدخول ووضعت الشرط في الربيبة وهو الموضع الذي وضعه الله تعالى فيه ولم يكن اجتماعهما في أن كل واحدة منهما زوجة حكمها حكم الأزواج بأن كل واحدة منهما تحرم صاحبتها بعد الدخول يوجب علي أن أجمع بينهما في غيره إذا لم يدل على اجتماعهما خبر لازم قلت له فالحلال أشد مباينة للحرام أم الأم للابنة ؟ قال بل الزنا للحلال أشد فراقا قلت فلم فرقت بين الأم والابنة وقد اجتمعنا في خصال وافترقنا في واحدة وجمعت بين الزنا والحلال وهو مفارق له عندك في أكثر أمره وعندنا في كل أمره ؟ فقال فإن صاحبنا قال يوجدكم الحرام يحرم الحلال ، قلت له في مثل ما اختلفنا [ ص: 167 ] فيه من أمر النساء ؟ قال لا ولكن في غيره من الصلاة والمأكول والمشروب والنساء قياس عليه قلت له أفتجيز لغيرك أن يجعل الصلاة قياسا على النساء والمأكول والمشروب ؟ قال أما في كل شيء فلا فقلت له الفرق لا يصلح إلا بخبر أو قياس على خبر لازم ، قلت فإن قال قائل فأنا أقيس الصلاة بالنساء والنساء بالمأكول والمشروب حيث تفرق وأفرق بينهما حيث تقيس فما الحجة عليه ؟ قال ليس له أن يفرق إلا بخبر لازم ، قلت ولا لك قال أجل قلت له وصاحبك قد أخطأ القياس إن قاس شريعة بغيرها وأخطأ لو جاز له في ذلك القياس قال وأين أخطأ ؟ قلت صف قياسه قال : قال الصلاة حلال والكلام فيها حرام فإذا تكلم فيها فسدت صلاته فقد أفسد الحلال بالحرام فقلت له لم زعمت أن الصلاة فاسدة لو تكلم فيها ؟ الصلاة لا تكون فاسدة ولكن الفاسد فعله لا هي ولكني قلت لا تجزئ عنك الصلاة ما لم تأت بها كما أمرت فلو زعمت أنها فاسدة كانت على غير معنى ما أفسدت به النكاح قال وكيف ؟ قلت أنا أقول له عد لصلاتك الآن فائت بها كما أمرت ولا أزعم أن حراما عليه أن يعود لها ولا أن كلامه فيها يمنعه من العودة إليها ولا تفسد عليه صلاته قبلها ولا بعدها ولا يفسدها إفساده إياها على غيره ولا نفسه قال وأنا أقول ذلك قلت وأنت تزعم أنه إذا قبل امرأة حرمت عليه أمها وابنتها أبدا قال أجل قلت وتحل له هي ؟ قال نعم قلت وتحرم على أبيه وابنه ؟ قال نعم قلت وهكذا قلت في الصلاة ؟ قال لا قلت أفتراهما يشتبهان ؟ قال أما الآن فلا وقد قال صاحبنا الماء حلال والخمر حرام فإذا صب الماء في الخمر حرم الماء والخمر فقلت له أرأيت إذا صببت الماء في الخمر أما يكون الماء الحلال مستهلكا في الحرام ؟ قال بلى قلت أفتجد المرأة التي قبلها للشهوة وابنتها كالخمر والماء ؟ قال وتريد ماذا ؟ قلت أتجد المرأة محرمة على كل أحد كما تجد الخمر محرمة على كل أحد ؟ قال : لا قلت أوتجد المرأة وابنتها تختلطان اختلاط الماء والخمر حتى لا تعرف واحدة منهما من صاحبتها كما لا يعرف الخمر من الماء ؟ قال لا قلت أفتجد القليل من الخمر إذا صب في كثير الماء نجس الماء ؟ قال لا قلت أفتجد قليل الزنا والقبلة للشهوة لا تحرم ويحرم كثيرها ؟ قال لا ولا يشبه أمر النساء الخمر والماء قلت فكيف قاسه بالمرأة ؟ ولو قاسه كان ينبغي أن يحرم المرأة التي قبلها وزنى بها وابنتها كما حرم الخمر والماء قال ما يفعل ذلك وما هذا بقياس قلت فكيف قبلت هذا منه ؟ قال ما وجدنا أحدا قط بين هذا لنا كما بينته ولو كلم صاحبنا بهذا لظننت أنه لا يقيم على قوله ولكنه عقل وضعف من كلمة قلت أفيجوز لأحد أن يقول في رجل يعصي الله في امرأة فيزني بها فلا يحرم الزنا عليه أن ينكحها وهي التي عصى الله فيها إذا أتاها بالوجه الذي أحله الله له وتحرم عليه ابنتها وهو لم يعص الله في ابنتها ؟ فهل رأيت قط عورة أبين من عورة هذا القول ؟ قال فالشعبي قال قولنا قلت فلو لم يكن في قولنا كتاب ولا سنة ولا ما أوجدناك من القياس والمعقول أكان قول الشعبي عندك حجة ؟ قال لا وقد روى عن عمران بن الحصين قلت من وجه لا يثبت ، قال نقل وروي عن ابن عباس قولنا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فرجع عن قولهم وقال الحق عندك والعدل في قولكم ولم يصنع أصحابنا شيئا والحجة علينا بما وصفت وأقام أكثرهم على خلاف قولنا والحجة عليهم بما وصفت ( قال ) فقال لي فاجمع في هذا قولا قلت إذا حرم الشيء بوجه استدللنا على أنه لا يحرم بالذي يخالفه كما إذا أحل شيء بوجه لم يحل بالذي يخالفه والحلال ضد الحرام والنكاح حلال والزنا ضد النكاح ألا ترى أنه يحل لك الفرج بالنكاح ولا يحل لك بالزنا الذي يخالفه ؟ فقال لي منهم [ ص: 168 ] قائل فإنا روينا عن وهب بن منبه قال مكتوب في التوراة ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها ( قال ) قلت له ولا يدفع هذا وأصغر ذنبا من الزاني بالمرأة وابنتها ، والمرأة بلا ابنة ملعون ، قد لعنت الواصلة والموصولة والمختفي ( قال الربيع ) المختفي النباش والمختفية ، فالزنا أعظم من هذا كله ولعله أن يكون ملعونا بالزنا بأحدهما وإن لم ينظر إلى فرج أم ولا ابنتها لأن الله تبارك وتعالى قد أوعد على الزنا ، ولو كنت إنما حرمته من أجل أنه ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها لم يجز أن تحرم على الرجل امرأته إن زنى بها أبوه فإنه لم ينظر مع فرج امرأته إلى فرج أمها ولا ابنتها ولو كنت حرمته لقوله ملعون لزمك مكان هذا في آكل الربا ومؤكله وأنت لا تمنع من أربى إذا اشترى بأجل أن يحل له غير السلعة التي أربى ولا إذا اختفى قبرا من القبور أن يحل له أن يحفر غيره ويحفر هو إذا ذهب الميت بالبلى قال أجل قلت فكيف لم تقل لا يمنع الحرام الحلال كما قلت في الذي أربى واختفى ؟
ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وقال تبارك وتعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } الآية فنهى الله عز وجل في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين كما نهى عن إنكاح رجالهم ( قال ) وهاتان الآيتان تحتملان معنيين أن يكون أريد بهما مشركو أهل الأوثان خاصة فيكون الحكم فيهما بحاله لم ينسخ ولا شيء منه لأن الحكم في أهل الأوثان أن لا ينكح مسلم منهم امرأة كما لا ينكح رجل منهم مسلمة ( قال ) وقد قيل هذا فيها وفيما هو مثله عندنا والله أعلم به ( قال ) وتحتملان أن تكونا في جميع المشركين وتكون الرخصة نزلت بعدها في حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في ذبائح أهل الكتاب من بين المشركين خاصة قال الله تبارك وتعالى { أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } الآية وقال الله تبارك وتعالى { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات } إلى قوله { ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم } ( قال الشافعي ) رحمه الله فبهذا كله نقول لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح ولا يحل أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرة ولا من الإماء إلا مسلمة ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معا فيكون ناكحها لا يجد طولا لحرة ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها وهذا أشبه بظاهر الكتاب وأحب إلي لو ترك نكاح الكتابية وإن نكحها فلا بأس وهي كالحرة المسلمة في القسم لها والنفقة والطلاق والإيلاء والظهار والعدة وكل أمر غير أنهما لا يتوارثان وتعتد منه عدة الوفاة وعدة الطلاق وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة وكذلك الصبية ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف فأما الأمة المسلمة فإن نكحها وهو يجد طولا لحرة فسخ النكاح ولكنه إن لم يجد طولا ثم نكحها ثم أيسر لم يفسخ النكاح لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها ، ولو عقد نكاح حرة وأمة فقد قيل تثبت عقدة الحرة وعقدة الأمة مفسوخة وقد قيل : هي مفسوخة معا ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء قال لا يصلح نكاح الإماء اليوم لأنه يجد طولا إلى حرة .
( قال الشافعي ) فقال بعض الناس لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب ؟ فقلت استدلالا بكتاب الله عز وجل قال وأين ما استدللت منه ؟ فقلت قال الله تبارك [ ص: 169 ] وتعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } وقال { إذا جاءكم المؤمنات } الآية فقلنا نحن وأنتم لا يحل لمن لزمه اسم كفر نكاح مسلمة حرة ولا أمة بحال أبدا ولا يختلف في هذاأهل الكتاب وغيرهم من المشركين لأن الآيتين عامتان واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين ووجدنا الله عز وجل قال { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } فلم نختلف نحن وأنتم أنهن الحرائر من أهل الكتاب خاصة إذا خصص وتكون الإماء منهن من جملة المشركات المحرمات فقال إنا نقول قد يحل الله الشيء ويسكت عن غيره غير محرم لما سكت عنه وإذا أحل حرائرهم دل ذلك على إحلال إمائهم ودل ذلك على أنه عنى بالآيتين المشركين غيرهم من أهل الأوثان فقلت : أرأيت إن عارضك معارض بمثل حجتك التي قلت فقال وجدت في أهل الكتاب حكما مخالفا حكم أهل الأوثان فوجدت الله عز وجل أباح نكاح حرائر أهل الكتاب وإنما تقاس إماؤهم بحرائرهم فكذلك أنا أقيس رجالهم بنسائهم فأجعل لرجالهم أن ينكحوا المسلمات إذا كانوا خارجين من الآيتين قال ليس ذلك له والإرخاص في حرائر نسائهم ليس الإرخاص في أن ينكح رجالهم المسلمات ؟ قلت : فإن قال لك ولكنه في مثل معناه قياسا عليه قال ولا يكون عليه قياسا وإنما قصد بالتحليل عين من جملة محرمة قلت فهذه الحجة عليك لأن إماءهم غير حرائرهم كما رجالهم غير نسائهم وإنما حرائرهم مستثنون من جملة محرمة .
قال : قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم أن ينكح مسلمة .
قلت : فإجماعهم على ذلك حجة عليك لأنهم إنما حرموا ذلك بكتاب الله عز وجل فرخصوا في الحرائر بكتاب الله قال قد اختلفوا في الإماء من أهل الكتاب .
قلت : فإذا اختلفوا فالحجة عنده وعندك لمن وافق قوله معنى كتاب الله عز وجل ومن حرمهن فقد وافق معنى كتاب الله لأنهن من جملة المشركات وبرئوا من أن يكونوا من الحرائر المخصوصات بالتحليل ( قال ) وقلنا لا يحل نكاح أمة مسلمة إلا بأن لا يجد ناكحها طولا لحرة ولا تحل وإن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فيجتمع فيه المعنيان اللذان لهما أبيح له نكاح الأمة وخالفنا فقال : يحل نكاح الأمة بكل حال كما يحل نكاح الحرة فقال لنا ما الحجة فيه ؟ فقلت كتاب الله الحجة فيه .
والدليل على أن لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب مع ما وصفنا من الدلالة عليه ؟ فقلت له : قد حرم الله الميتة فقال { حرمت عليكم الميتة والدم } واستثنى إحلاله للمضطر أفيجوز لأحد أن يقول لما حلت الميتة بحال لواحد موصوف وهو المضطر حلت لمن ليس في صفته ؟ قال لا .
قلت وقد أمر الله تبارك وتعالى بالطهور وأرخص في السفر والمرض أن يقوم الصعيد مقام الماء لمن يعوزه الماء في السفر وللمريض مثل المحذور في السفر والحضر بغير إعواز أفيجوز لأحد أن يقول أجيز له التيمم في السفر على غير إعواز كما يجوز للمريض ؟ قال : لا يجوز أبدا إلا لمعوز مسافر وإذا أحل شيء بشرط لم يحلل إلا بالشرط الذي أحله الله تعالى به واحدا كان أو اثنين .
قلت : وكذلك حين أوجب عتق رقبة في الظهار ثم قال { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبة ؟ قال نعم : فقلت له قد أصبت : فإن كانت لك بهذا حجة على أحد لو خالفك فكذلك هي عليك في إحلالك نكاح إماء أهل الكتاب .
وإنما أذن الله تعالى في حرائرهم ونكاح إماء المؤمنين بكل حال وإنما أذن الله فيهن لمن لم يجد طولا ولمن يخاف العنت وما يلزمه في هذا أكثر مما وصفنا وفيما وصفت كفاية إن شاء الله تعالى .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (212)
صــــــــــ 170 الى صـــــــــــ 176
قال : فمن أصحابك من قال يجوز نكاح الإماء المسلمات بكل حال قلت فالحجة على من أجاز نكاح إماء المؤمنين بغير ضرورة الحجة عليك والقرآن يدل على أن لا يجوز نكاحهن إلا بمعنى الضرورة إلا أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت فمن [ ص: 170 ] وافق قوله كتاب الله عز وجل كان معه الحق .
باب التعريض في خطبة النكاح ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم } الآية ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عز وجل { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } أنه يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها إنك علي لكريمة وأني فيك لراغب فإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول .
( قال الشافعي ) كتاب الله يدل على أن التعريض في العدة جائز لما وقع عليه اسم التعريض إلا ما نهى الله عز وجل عنه من السر وقد ذكر القاسم بعضه والتعريض كثير واسع جائز كله وهو خلاف التصريح وهو ما يعرض به الرجل للمرأة مما يدلها على أنه أراد به خطبتها بغير تصريح والسر الذي نهى الله عنه - والله أعلم - يجمع بين أمرين أنه تصريح والتصريح خلاف التعريض وتصريح بجماع وهذا كأقبح التصريح فإن قال قائل : ما دل على أن السر الجماع ؟ قيل فالقرآن كالدليل عليه إذا أباح التعريض والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية فإذا كان هذا فلا يجوز أن يتوهم أن السر سر التعريض ولا بد من معنى غيره وذلك المعنى الجماع وقال امرؤ القيس :
ألا زعمت بسباسة القوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي كذبت لقد أصبى على المرء عرسه
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي
وقال جرير يرثي امرأته :
كانت إذا هجر الخليل فراشها خزن الحديث وعفت الأسرار
( قال الشافعي ) فإذا علم أن حديثها مخزون فخزن الحديث أن لا يباح به سرا ولا علانية فإذا وصفها فلا معنى للعفاف غير الإسرار والإسرار الجماع .
ما جاء في الصداق ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وقال عز وجل { فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } وقال { أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } وقال { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } وقال { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم } الآية وقال { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } وقال { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } فأمر الله الأزواج أن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والأجر هو الصداق والصداق هو الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بالصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه نفسه ولا يكون له حبس لشيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله له وهو أن يطلق قبل الدخول قال الله عز وجل { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن [ ص: 171 ] يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل ، ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم إلا بأن يلزمه المرء نفسه أو يدخل بالمرأة وإن لم يسم لها مهرا فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاها أن يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب الله أو سنة أو إجماع فاستدللنا بقول الله عز وجل { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } على أن عقدة النكاح تصح بغير فريضة صداق .
وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من تصح عقدة نكاحه ، وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت بهذا دليل على أن الخلاف بين النكاح والبيوع ، البيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير مهر وإذا جاز أن ينعقد بغير مهر فيثبت استدلالنا على أن العقدة تصح بالكلام وأن الصداق لا يفسد عقدة النكاح أبدا وإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام ثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت على أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية وبقول الله عز وجل { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } يريد - والله تعالى أعلم - بالنكاح والمسيس بغير مهر على أنه ليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكح فيمس إلا لزمه مهر مع دلالة الآي قبله .
ودل قول الله تبارك وتعالى { وآتيتم إحداهن قنطارا } على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهي عن القنطار وهو كثير وتركه حدا للقليل ودلت عليه السنة والقياس على الإجماع فنقول أقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس مما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم فإن قال قائل وما دل على ذلك ؟ قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أدوا العلائق قيل وما العلائق يا رسول الله ؟ قال ما تراضى عليه الأهلون } ولا يقع اسم علق إلا على ما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها وإن قلت وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه .
( قال الشافعي ) والقصد في المهر أحب إلينا وأستحب أن لا يزيد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم . طلب البركة في كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها : كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش قالت أتدري ما النش ؟ قلت : لا قالت نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم فذاك صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك شيء تصدقها إياه ؟ فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك قال فالتمس شيئا قال ما أجد شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد } .
( قال الشافعي ) فالخاتم من الحديد لا يسوى درهما ولا قريبا منه ولكن له ثمن قدر ما يتبايع به الناس على ما وصفنا في الذي قبل هذا ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن حميد عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة .
[ ص: 172 ] باب الخلاف في الصداق ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولما ذكر الله عز وجل الصداق غير موقت واختلف الصداق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع وانخفض وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ما وصفنا من خاتم الحديد وقال ما تراضى به الأهلون ، ورأينا المسلمين قالوا في التي لا يفرض لها إذا أصيبت لها مهر مثلها استدللنا على أن الصداق ثمن من الأثمان والثمن ما تراضى به من يجب له ومن يجب عليه من ماله من قل أو كثر فعلمنا أن كل ما كانت له قيمة قلت أو كثرت فتراضى به الزوجان كان صداقا وخالفنا بعض الناس في هذا فقال لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وسألنا عن حجتنا بما قلنا فذكرنا له ما قلنا من هذا القول فيما كتبنا وقلنا بأي شيء خالفتنا ؟ قال روينا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وذلك ما تقطع فيه اليد قلت قد حدثناك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ثابتا وليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة وحديثك عمن حدثت عنه لو كان ثابتا لم يكن فيه حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وليس بثابت ؟ قال فيقبح أن نبيح فرجا بشيء تافه ؟ قلنا أرأيت رجلا لو اشترى جارية بدرهم أيحل له فرجها ؟ قال نعم قلت فقد أحللت الفرج بشيء تافه وزدت مع الفرج رقبة وكذلك تبيح عشر جوار بدرهم في البيع وقلت له أرأيت شريفا ينكح امرأة دنية سيئة الحال بدرهم أدرهم أكثر لها على قدرها وقدره أو عشرة دراهم لامرأة شريفة جميلة فاضلة من رجل دنيء صغير القدر ؟ قال بل عشرة لهذه لقدرها أقل قلت : فلم تجيز لها التافه في قدرها ؟ وأنت لو فرضت لها مهرا فرضته الأقل ولو فرضت لأخرى لم تجاوز بها عشرة دراهم لأن ذلك كثير لها ولا يجاوز به مهر مثلها قال رضيت به قلت فلو كان أقل من مهر مثلها مائة مرة أجزته لها وعليها ؟ قال نعم قلت أليس لأنها رضيت به ؟ قال بلى قلت قد رضيت الدنيئة بدرهم وهو لها بقدرها أكثر فزدتها عليه تسعة دراهم قلت أرأيت لو قال لك قائل : لو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فرضيت بمائة ألحقتها بمهر مثلها ، ولو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فأصدقها رجل عشرة آلاف رددتها إلى ألف حتى يكون الصداق مؤقتا على ألف قدر مهر مثلها ؟ قال ليس ذلك له قلت وتجعله ههنا كالبيوع تجيز فيه التغابن لأن الناكح رضي بالزيادة والمنكوحة رضيت بالنقصان وأجزت على كل ما رضي به ؟ قال نعم .
قلت : فكذلك لو نكحت بغير مهر فأصابها جعلت لها مهر مثلها عشرة كان أو ألفا ؟ قال نعم قلت فأسمعك تشبه المهر بالبيع في كل شيء بلغ عشرة دراهم وتجيز فيه ما تراضيا عليه ثم ترده إلى مهر مثلها إذا لم يكن بصداق وتفرق بينه وبين البيوع في أقل من عشرة دراهم فتقول إذا رضيت بأقل من عشرة دراهم رددتها حتى أبلغ بها عشرة والبيع عندك إذا رضي فيه بأقل من درهم أجزته قلت أرأيت لو قال لك قائل : لا أراك قمت من الصداق على شيء يعتدل فيه قولك فأرجع بك في الصداق إلى أن الله عز وجل قال : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا } وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواء فلم يجد فيه حدا فتجعل الصداق قنطارا لا أنقص منه ولا أزيد عليه .
قال ليس ذلك له لأن الله عز وجل لم يفرضه على الناس وأن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق أقل منه وأصدق في زمانه وأجاز أقل منه فقلنا قد أوجدناك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز في الصداق أقل من عشرة دراهم فتركته وقلت بخلافه وقلت ما تقطع فيه اليد وما لليد والمهر وقلت أرأيت لو قال قائل أحد الصداق ولا أجيز أن يكون أقل من مهر النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 173 ] خمسمائة درهم أو قال هو ثمن للمرأة لا يكون أقل من خمسمائة درهم أو قال في البكر كالجناية ففيه أرش جائفة أو قال لا يكون أقل مما تجب فيه الزكاة وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا ما الحجة عليه ؟ قال ليس المهر من هذا بسبيل قلت أجل ولا مما تقطع فيه اليد بل بعض هذا أولى أن يقاس عليه مما تقطع فيه اليد إن كان هذا منه بعيدا .
باب ما جاء في النكاح على الإجارة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الصداق ثمن من الأثمان فكل ما يصلح أن يكون ثمنا صلح أن يكون صداقا وذلك مثل أن تنكح المرأة إلى الرجل على أن يخيط لها الثوب ويبني لها البيت ويذهب بها البلد ويعمل لها العمل فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قيل إذا كان المهر ثمنا كان في معنى هذا وقد أجازه الله عز وجل في الإجارة في كتابه وأجازه المسلمون وقال الله عز وجل { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وقال عز وجل { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وذكر قصة شعيب وموسى صلى الله عليهما وسلم في النكاح فقال { قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } الآية وقال { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا } قال ولا أحفظ من أحد خلافا في أن ما جازت عليه الإجارة جاز أن يكون مهرا فمن نكح بأن يعمل عملا فعمله كله ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف قيمة العمل ومن لم يعمله ثم طلق قبل الدخول عمل نصفه فإن فات المعمول بأن يكون ثوبا فهلك كان للمرأة مثل نصف أجر خياطة الثوب أو عمله ما كان ( قال الربيع ) رجع الشافعي رحمه الله فقال يكون لها نصف مهر مثلها غير أن بعض الناس قال يجوز هذا في كل شيء غير تعليم الخير فإنه لا أجر على تعليم الخير ، ولو نكح رجل امرأة على أن يعلمها خيرا كان لها مهر مثلها لأنه لا يصلح أن يستأجر رجل رجلا على أن يعلمه خيرا قرآنا ولا غيره ، ولو صلح هذا كان تعليم الخير كخياطة الثوب يجوز النكاح عليه ويكون القول فيه كالقول في خياطة الثوب إذا علمها الخير وطلقها رجع عليها بنصف أجر تعليم ذلك الخير وإن طلقها قبل أن يعلمها رجعت عليه بنصف أجر تعليم ذلك الخير لأنه ليس له أن يخلو بها ويعلمها وهذا قول صحيح على السنة والقياس معا لو تابعنا في تجويز الأجر على تعليم الخير ( رجع الشافعي فقال لها مهر مثلها ) قال الربيع للشافعي قول آخر : إذا تزوجها على أن يخيط لها ثوبا بعينه أو يعطيها شيئا بعينه فطلقها قبل أن يدخل بها فهلك الثوب قبل أن يخيطه أو هلك الشيء الذي بعينه رجعت عليه بنصف صداق مثلها .
واحتج بأن من اشترى شيئا بدينار فهلك الشيء قبل أن يقبضه رجع بديناره فأخذه فهذه المرأة إنما ملكت خياطة الثوب ببضعها فلما هلك الثوب قبل أن تقبضه فلم يقدر على خياطته رجعت عليه بما ملكت به الخياطة وهو بضعها وهو الثمن الذي اشترت به الخياطة ( قال الربيع ) وهذا أصح القولين وهو آخر قولي الشافعي رحمه الله تعالى .
باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي : قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن [ ص: 174 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } .
( قال الشافعي ) وهذان الحديثان يحتملان أن يكون الرجل منهما إذا خطب غيره امرأة أن لا يخطبها حتى تأذن أو يترك رضيت المرأة الخاطب أو سخطته ويحتمل أن يكون النهي عنه إنما هو عند رضا المخطوبة وذلك أنه إذا كان الخاطب الآخر أرجح عندها من الخاطب الأول الذي رضيته تركت ما رضيت به الأول فكان هذا فسادا عليه وفي الفساد ما يشبه الإضرار به والله تعالى أعلم فلما احتمل المعنيين وغيرهما كان أولاهما أن يقال به ما وجدنا الدلالة توافقه فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أنهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا كانت المرأة راضية ( قال ) ورضاها إن كانت ثيبا أن تأذن بالنكاح بنعم وإن كانت بكرا أن تسكت فيكون ذلك إذنها وقال لي قائل أنت تقول : الحديث على عمومه وظهوره وإن احتمل معنى غير العام والظاهر حتى تأتي دلالة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر قلت : فكذلك أقول قال فما منعك أن تقول في هذا الحديث { لا يخطب الرجل على خطبة أخيه } وإن لم تظهر المرأة رضا أنه لا يخطب حتى يترك الخطبة فكيف صرت فيه إلى ما لا يحتمله الحديث باطنا خاصا دون ظاهر عام ؟ قلت بالدلالة قال وما الدلالة ؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة فكرهته فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله لي فيه خيرا واغتبطت به } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فقلت له قد أخبرته فاطمة أن رجلين خطباها ولا أحسبهما يخطبانها إلا وقد تقدمت خطبة أحدهما خطبة الآخر لأنه قل ما يخطب اثنان معا في وقت فلم تعلمه قال لها ما كان ينبغي لك أن يخطبك واحد حتى يدع الآخر خطبتك ولا قال ذلك لها وخطبها هو صلى الله عليه وسلم على غيرهما ولم يكن في حديثها أنها رضيت واحدا منهما ولا سخطته وحديثها يدل على أنها مرتادة ولا راضية بهما ولا بواحد منهما ومنتظرة غيرهما أو مميلة بينهما فلما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة ونكحته دل على ما وصفت من أن الخطبة واسعة للخاطبين ما لم ترض المرأة ( قال الشافعي ) وقال أرأيت إن قلت هذا مخالف حديث { لا يخطب المرء على خطبة أخيه } وهو ناسخ له ؟ فقلت له أويكون ناسخ أبدا إلا ما يخالفه الخلاف الذي لا يمكن استعمال الحديثين معا ؟ قال لا قلت أفيمكن استعمال الحديثين معا على ما وصفت من أن الحال التي يخطب المرء على خطبة أخيه بعد الرضا مكروهة وقبل الرضا غير مكروهة لاختلاف حال المرأة قبل الرضا وبعده ؟ قال نعم .
قلت له فكيف يجوز أن يطرح حديث وقد يمكن أن لا يخالفه ولا يدري أيهما الناسخ أرأيت إن قال قائل : حديث فاطمة الناسخ ولا بأس أن يخطب الرجل المرأة بكل حال ما حجتك عليه إلا مثل حجتك على من خالفك فقال أنت ونحن نقول إذا احتمل الحديثان أن يستعملا لم يطرح أحدهما بالآخر فأبن لي ذلك قلت له { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده وأرخص في أن يسلف في الكيل المعلوم إلى أجل معلوم } وهذا بيع ما ليس عند البائع فقلت النهي عن بيع ما ليس عندك بعينه غير مضمون عليك فأما المضمون فهو بيع صفة فاستعملنا الحديثين معا قال هكذا نقول قلت هذه حجة عليك قال فإن صاحبنا قال لا يخطب رضيت [ ص: 175 ] أو لم ترض حتى يترك الخاطب .
قلت : فهذا خلاف الحديث ضرر على المرأة في أن يكف عن خطبتها حتى يتركها من لعله يضارها ولا يترك خطبتها أبدا قال هذا أحسن مما قال أصحابنا وأنا أرجع إليه ولكن قد قال غيرك لا يخطبها إذا ركنت وجاءت الدلالة على الرضا بأن تشترط لنفسها فكيف زعمت بأن الخاطب لا يدع الخطبة في هذه الحال ولا يدعها حتى تنطق الثيب بالرضا وتسكت البكر ؟ فقلت له لما وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد خطبة أبي جهيم ومعاوية فاطمة ويخطبها على أسامة على خطبتهما لم يكن للحديث مخرج إلا ما وصفت من أنها لم تذكر رضا ولم يكن بين النطق بالرضا والسكوت عنه عند الخطبة منزلة مباينة لحالها الأولى عند الخطبة فإن قلت الركون والاشتراط ؟ قلت له أويجوز للولي أن يزوجها عند الركون والاشتراط ؟ قال : لا حتى تنطق بالرضا إن كانت ثيبا وتسكت إن كانت بكرا ، فقلت له أرى حالها عند الركون وبعد غير الركون بعد الخطبة سواء لا يزوجها الولي في واحدة منهما قال أجل ولكنها راكنة مخالفة حالها غير راكنة ، قلت أرأيت إذا خطبها فشتمته وقالت لست لذلك بأهل وحلفت لا تنكحه ثم عاود الخطبة فلم تقل : لا ولا نعم أحال الأخرى مخالفة لحالها الأولى ؟ قال : نعم قلت أفتحرم خطبتها على المعنى الذي ذكرت لاختلاف حالها ؟ قال : لا لأن الحكم لا يتغير في جواز تزويجها إنما تستبين في قولك إذا كشف ما يدل على أن الحالة التي تكف فيها عن الرضا غير الحال التي تنطق فيها بالرضا حتى يجوز للولي تزويجها فيها قال هذا أظهر معانيها ، قلت فأظهرها أولاها بنا وبك .
ما جاء في نكاح المشرك ( قال الشافعي ) قال الله جل وعز { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } فانتهى عدد ما رخص فيه للمسلمين إلى أربع لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع إلا ما خص الله به رسوله صلى الله عليه وسلم دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن ومن النكاح بغير مهر فقال عز وعلا { خالصة لك من دون المؤمنين } ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقة أحسبه إسماعيل بن إبراهيم " شك الشافعي " عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه { أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أمسك أربعا وفارق سائرهن } ( قال الشافعي ) أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحارث عن { نوفل بن معاوية الديلمي : قال أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال فارق واحدة وأمسك أربعا فعمدت إلى أقدمهن عندي عجوزا عاقرا منذ ستين سنة ففارقتها } ، أخبرنا الشافعي قال أخبرني ابن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله عن أبي وهب الجيشاني عن أبي خراش { عن الديلمي أو ابن الديلمي قال أسلمت وتحتي أختان فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسك أيتهما شئت وأفارق الأخرى } ( قال الشافعي ) فبهذا نقول إذا أسلم المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك منهن أربعا أيتهن شاء وفارق سائرهن لأنه لا يحل له غير ذلك لقول الله عز وجل وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يجمع بين أكثر من أربع نسوة في الإسلام .
( قال الشافعي ) ولا أبالي كن في عقدة واحدة أو عقد متفرقة أو أيتهن فارق الأولى ممن نكح أم الآخرة إذا كان من يمسك منهن غير ذات محرم يحرم عليه في الإسلام أن يبتدئ نكاحها بكل وجه وذلك مثل أن يسلم وعنده أختان فلا بد أن يفارق [ ص: 176 ] أيتهما شاء لأن محرما بكل وجه أن يجمع بينهما في الإسلام ومثله أن يكون نكح امرأة وابنتها فأصابهما فيحرم أن يبتدئ نكاح واحدة منهما في الإسلام وقد أصابهما بالنكاح الذي قد يجوز مثله .
ولو نكح أختين معا ولم يدخل بواحدة منهما قلت له فارق أيتهما شئت وأمسك الأخرى ولا أنظر في ذلك إلى أيتهما نكح أولا وهذا القول كله موافق لمعنى السنة والله أعلم ولو أسلم رجل وعنده يهودية أو نصرانية كانا على النكاح لأنه يحل له نكاح واحدة منهما وهو مسلم ولو أسلم وعنده وثنية أو مجوسية لم يكن له إصابتها إلا أن تسلم قبل أن تنقضي العدة وله وطء اليهودية والنصرانية بالملك ، وليس له وطء وثنية ولا مجوسية بملك إذا لم يحل له نكاحها لم يحل له وطؤها وذلك للدين فيهما ولا أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وطئ سبية عربية حتى أسلمت وإذ { حرم النبي صلى الله عليه وسلم على من أسلم أن يطأ امرأة وثنية حتى تسلم في العدة } دل ذلك على أن لا توطأ من كانت على دينها حتى تسلم من حرة أو أمة .
باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) قال لي بعض الناس ما حجتك أن يفارق ما زاد على أربع وإن فارق اللاتي نكح أولا ولم تقل يمسك الأربع الأوائل ويفارق سائرهن ؟ فقلت له بحديث الديلمي وحديث نوفل بن معاوية قال أفرأيت لو لم يكن ثابتا أو كانا غير ثابتين أيكون لك في حديث ابن عمر حجة ؟ قلت نعم وما علي فيما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال هل فيه حجة غيره بل علي وعليك التسليم وذلك طاعة الله عز وجل قال هذا كله كما قلت وعلينا أن نقول به إن كان ثابتا قلت إن كنت لا تثبت مثله وأضعف منه فليس عليك حجة فيه فاردد ما كان مثله قال فأحب أن تعلمني هل في حديث ابن عمر حجة لو لم يأت غيره ؟ قلت : نعم قال وأين هي ؟ قلت : لما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم غيلان أنه لا يحل له أن يمسك أكثر من أربع ولم يقل له : الأربع الأوائل استدللنا على أنه لو بقي فيما يحل له ويحرم عليه معنى غيره علمه إياه لأنه مبتدئ للإسلام لا علم له قبل إسلامه فيعلم بعضا ويسكت له عما يعلم في غيره قال أوليس قد يعلمه الشيئين فيؤدي أحدهما دون الآخر ؟ قلت : بلى قال فلم جعلت هذا حجة وقد يمكن فيه ما قلت ؟ قلت له في حديث النبي صلى الله عليه وسلم شيئان أحدهما العفو عما فات من ابتداء عقدة النكاح ومن يقع عليه النكاح من العدد فلما لم يسأل عما وقع عليه العقد أولا ولم يسأل عن أصل عقدة نكاحهن .
وكان أهل الأوثان لا يعقدون نكاحا إلا نكاحا لا يصلح أن يبتدأ في الإسلام فعفاه وإذا عفا عقدا واحدا فاسدا لأنه فائت في الشرك فسواء كل عقد فاسد فيه بأن ينكح بغير ولي وبغير شهود وما أشبه ذلك مما لا يجوز ابتداؤه في الإسلام فأكثر ما في النكاح الزوائد على الأربع في الشرك بأن يكون نكاحهن فاسدا كفساد ما وصفنا فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفو عن ذلك لكل من أسلم من أهل الشرك ويقرهم على نكاحهم وإن كان فاسدا عندنا فكذلك إن أراد أن يحبس ما عقد بعد الأربع في الشرك يجوز ذلك له لأن أكثر حالاتهن أن يكون نكاحهن فاسدا ولا شيء أولى أن يشبه بشيء من عقد فاسد يعفى عنه بعقد يعفى عنه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (213)
صــــــــــ 177 الى صـــــــــــ 183
ولو لم [ ص: 177 ] يكن في هذا حجة غير هذا لاكتفى بها فكيف ومعه تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه وترك مسألته عن الأوائل والأواخر كما ترك مسألة من أسلم من أهل الشرك عن نكاحه ليعلم أفاسد أم صحيح وهو معفو يجوز كله والآخر أنه حظر عليه في الإسلام ما لا يجوز أن يجاوز بعده أربعا ومن الجمع بين الأختين فحكم في العقد بفواته في الجاهلية حكم ما قبض من الربا قال الله تعالى { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله في أن لم يرد ما قبض من الربا لأنه فات ورد ما لم يقبض منه لأن الإسلام أدركه غير فائت فكذلك حكم الله عز وجل في عقد النكاح في الجاهلية إن لم يرده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه فات إنما هو شيء واحد لا يتبعض فيجاز بعضه ويرد بعضه وحكم فيمن أدركه الإسلام من النساء عقدة حكم الإسلام فلم يجز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا أن يجمع بين الأختين لأن هذا غير فائت أدركهن الإسلام معه كما أدرك ما لم يفت من الربا بقبض .
قال أفتوجدني سوى هذا ما يدل على أن العقدة في النكاح تكون كالعقدة في البيوع ، والفوت مع العقدة ؟ فقلت فيما أوجدتك كفاية قال : فاذكر غيره إن علمته قلت أرأيت امرأة نكحتها بغير مهر فأصبتها أو بمهر فاسد ؟ قال فلها مهر مثلها والنكاح ثابت لا ينفسخ قلت له ولو عقدت البيع بغير ثمن مسمى أو ثمن محرم رد البيع إن وجد فإن هلك في يديك كان عليك قيمته ؟ قال نعم قلت : أفتجد عقد النكاح ههنا أخذ كعقد البيع يربونه ؟ قال نعم قلت فما منعك في عقد النكاح في الجاهلية أن تقول هو كفائت ما اقتسموا عليه وقبضوا القسم وما أربوا فمضى قبضه ولا أرده ، وقلت أرأيت قولك انظر إلى العقدة فإن كانت لو ابتدئت في الإسلام جازت أجزتها وإن كانت لو ابتدئت في الإسلام ردت رددتها أما ذلك فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن الديلمي ونوفل بن معاوية ما قطع عنك موضع الشك قال فإنما كلمتك على حديث الزهري لأن جملته قد يحتمل أن يكون عاما على ما وصفت وإن لم يكن عاما في الحديث فقلت له : هذا لو كان كان أشد عليك ولو لم يكن فيه إلا حديث ابن عمر ولم يكن في حديث ابن عمر دلالة كنت محجوجا على لسانك مع أن في حديث ابن عمر دلالة عندنا على قولنا والله أعلم قال : فأوجدني ما يدل على خلاف قولي لو لم يكن في حديث ابن عمر دلالة بينة قلت أرأيت رجلا ابتدأ في الإسلام نكاحا بشهادة أهل الأوثان أيجوز ؟ .
قال لا ولا بشهادة أهل الذمة لأنهم لا يكونون شهداء على المسلمين قلت : أفرأيت غيلان بن سلمة أمن أهل الأوثان كان قبل الإسلام ؟ .
قال : نعم قلت أفرأيت أحسن ما كان عنده أليس أن ينكح بشهادة أهل الأوثان ؟ قال بلى قلت : فإذا زعمت أن يقر مع أربع وأحسن حاله فيهن أن يكون نكاحهن بشهادة أهل الأوثان أما خالفت أصل قولك ؟ قال إن هذا ليلزمني ، قلت : فلو لم يكن عليك حجة غيره كنت محجوجا مع أنا لا ندري لعلهم كانوا ينكحون بغير ولي وبغير شهود وفي العدة : قال إن هذا ليمكن فيهم ويروى عنهم أنهم كانوا ينكحون بغير شهود وفي العدة قال أجل ولكن لم أسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كيف سألهم أصل نكاحهم قلت أفرأيت إن قال لك قائل كما قلت لنا قد يجوز أن يكون سألهم ولم يؤد إليك في الخبر قال إذا يكون ذلك له علي قلت له أفتجد بدا من أن يكون لما لم يؤد في الخبر أنه سألهم عن أصل العقدة كان ذلك عفوا عن العقدة لأنها لا تكون لأهل الأوثان إلا على ما يصلح أن يبتدئها في الإسلام مسلم أو تكون تقول في العقدة قولك في عدد النساء أنه يفرق بينه وبين من تحرم بكل وجه عليه فتقول يبتدئون معا للنكاح في الإسلام قال لا أقوله قلت وما منعك أن تقوله ؟ أليس بأن السنة دلت على أن العقدة معفوة لهم ؟ قال بلى ، قلت : وإذا كانت [ ص: 178 ] معفوة لم ينظر إلى فسادها كما لا ينظر إلى فساد نكاح من لا يجوز نكاحه ولا الجمع بينه ولا ما جاوزت أربعا قال والعقدة مخالفة لهذا قال قلت فكيف جمعت بين المختلف ونظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر إليه أخرى ؟ فرجع بعضهم إلى قولنا قال يمسك أربعا أيتهن شاء ويفارق سائرهن وعاب قول أصحابه وقال نحن نفرق بين ما لا يتفرق في العقول بقول الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكيف إذا جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي ألزمناه الله تبارك وتعالى ولكن حد لي فيه حدا .
قلت في نكاح الشرك شيئان عقدة وما يحرم مما تقع عليه العقدة بكل وجه ومجاوزة أربع فلما رد النبي صلى الله عليه وسلم ما جاوز أربعا دل على أنه يرد ذوات المحارم على الناكح وذلك في كتاب الله عز وجل ولما لم يسأل عن العقدة علمت أنه عفا عن العقدة فعفونا عما عفا عنه وانتهينا عن إفساد عقدها إذا كانت المعقود عليها ممن تحل بحال ولولا ذلك رددنا نكاح أهل الأوثان كله وقلنا ابتدئوه في الإسلام حتى يعقد بما يحل في الإسلام .
باب نكاح الولاة والنكاح بالشهادة ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } وقال في الإماء { فانكحوهن بإذن أهلهن } وقال عز وجل { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } .
( قال الشافعي ) رحمه الله فهذه الآية أبين آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها فإن قال قائل ترى ابتداء الآية مخاطبة الأزواج لأن الله تبارك وتعالى يقول { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } فدل على أنه إنما أراد غير الأزواج من قبل أن الزوج إذا انقضت عدة المرأة ببلوغ أجلها لا سبيل له عليها فإن قال قائل فقد يحتمل قوله { فبلغن أجلهن } إذا شارفن بلوغ أجلهن لأن القول للأزواج { فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } نهيا أن يرتجعها ضرارا ليعضلها فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى لأنها لا تحتمله لأن المرأة المشارفة بلوغ أجلها ولم تبلغه لا يحل لها أن تنكح وهي ممنوعة من النكاح بآخر العدة كما كانت ممنوعة منه بأولها فإن الله عز وجل يقول { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا } فلا يؤمر بأن يحل إنكاح الزوج إلا من قد حل له الزوج وقال بعض أهل العلم إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار زوج أخته فطلقها زوجها فانقضت عدتها فأراد زوجها أو أرادت أن يتناكحا فمنعه معقل بن يسار أخوها وقال زوجتك أختي وآثرتك على غيرك ثم طلقتها فلا أزوجكها أبدا فنزلت { فلا تعضلوهن } وفي هذه الآية الدلالة على أن النكاح يتم برضا الولي والمنكحة والناكح وعلى أن على الولي أن لا يعضل فإذا كان عليه أن لا يعضل فعلى السلطان التزويج إذا عضل لأن من منع حقا فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه منه وإعطاؤه عليه والسنة تدل على ما دل عليه القرآن وما وصفنا من الأولياء والسلطان .
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له } .
( قال الشافعي ) رحمه الله ففي [ ص: 179 ] سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالات منها أن للولي شركا في بضع المرأة ولا يتم النكاح إلا به ما لم يعضلها ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملكه وهو معنى فضل نظر بحياطة الموضع أن ينال المرأة من لا يساويها وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى الأكفاء والله أعلم ويحتمل أن تدعو المرأة الشهوة إلى أن تصير إلى ما لا يجوز من النكاح فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير ولي فهي منفسخة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكاحها باطل والباطل لا يكون حقا إلا بتجديد نكاح غيره ولا يجوز لو أجازه الولي أبدا لأنه إذا انعقد النكاح باطلا لم يكن حقا إلا بأن يعقد عقدا جديدا غير باطل وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر ودرئ الحد لأنه لم يذكر حدا وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة وكان البعل رضا فإذا منع ما عليه زوج السلطان كما يعطي السلطان ويأخذ ما منع مما عليه ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع عن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها } .
قال الشافعي ففي هذا الحديث دلالة على الفرق بين البكر والثيب في أمرين أحدهما ما يكون فيه إذنهما وهو أن إذن البكر الصمت فإذا كان إذنها الصمت فإذن التي تخالفها الكلام لأنه خلاف الصمت وهي الثيب والثاني أن أمرهما في ولاية أنفسهما لأنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي والولي ههنا الأب والله أعلم دون الأولياء ومثل هذا حديث { خنساء بنت خذام حين زوجها أبوها ثيبا وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه } والبكر مخالفة لها حين اختلف في أصل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خالفتها كان الأب أحق بأمرها من نفسها فإن قال قائل ما دل على ذلك قيل اللفظ بالحديث يدل على فرق بينهما إذ قال الثيب أحق بنفسها وأمر في البكر أن تستأذن ولو كانتا معا سواء كان اللفظ هما أحق بأنفسهما وإذن البكر الصمت وإذن الثيب الكلام فإن قال قائل فقد أمر باستئمارها فاستئمارها يحتمل أن لا يكون للأب تزويجها إلا بأمرها ويحتمل أن تستأمر على معنى استطابة نفسها وأن تطلع من نفسها على أمر لو أطلعته لأب كان شبيها أن ينزهها بأن لا يزوجها فإن قال قائل فلم قلت يجوز نكاحها وإن لم يستأمرها قيل له بما وصفت من الاستدلال بفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب إذ قال { الأيم أحق بنفسها من وليها } ثم قال { والبكر تستأذن في نفسها } فلا يجوز عندي إلا أن يفرق حالهما في أنفسهما ولا يفرق حالهما في أنفسهما إلا بما قلت من أن للأب على البكر ما ليس له على الثيب كما استدللنا إذ قال في البكر وإذنها صماتها ولم يقل في الثيب إذنها الكلام على أن إذن الثيب خلاف البكر ولا يكون خلاف الصمت إلا النطق بالإذن قال فهل على ما وصفت من دلالة قيل نعم أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن { عائشة رضي الله عنها قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا بنت تسع سنين } .
( قال الشافعي ) زوجه إياها أبوها فدل ذلك على أن أبا البكر أحق بإنكاحها من نفسها لأن ابنة سبع سنين وتسع لا أمر لها في نفسها وليس لأحد غير الآباء أن يزوجوا بكرا حتى تبلغ ويكون لها أمر في نفسها فإن قال قائل فلم لا تقول في ولي غير الأب له أن يزوج البكر وإن لم تأذن وجعلتها فيمن بقي من الأولياء بمنزلة الثيب ؟ قلت فإن الولي الأب الكامل بالولاية كالأم الوالدة وإنما تصير الولاية بعد الأب لغيره بمعنى فقده أو إخراجه نفسه من الولاية بالعضل كما تصير الأم غير الأم كالوالدة بمعنى رضاع أو نكاح أب أو ما يقع عليه اسم الأم لأنها إذا قيل أم كانت الأم التي تعرف الوالدة ألا ترى أن لا ولاية [ ص: 180 ] لأحد مع أب ومن كان وليا بعده فقد يشركه في الولاية غير الإخوة ، وبنو العم مع المولى يكونون شركاء في الولاية ولا يشرك الأب أحدا في الولاية بانفراده بالولاية بما وجب له من اسم الأبوة مطلقا له دون غيره كما أوجب للأم الوالدة اسم الأم مطلقا لها دون غيرها فإن قال قائل فإنما يؤمر بالاستئمار من له أمر في نفسه يرد عنه إن خولف أمره وسأل عن الدلالة على ما قلنا من أنه قد يؤمر بالاستئمار من لا يحل محل أن يرد عنه خلاف ما أمر به فالدلالة عليه أن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم { فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر } فإنما افترض عليهم طاعته فما أحبوا وكرهوا وإنما أمر بمشاورتهم والله أعلم لجمع الألفة وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس له من الأمر ما له وعلى أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن يشاوروا لا على أن لأحد من الآدميين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرده عنده إذا عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمر به والنهي عنه ألا ترى إلى قوله عز وجل { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .
وقال عز وجل { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } وقوله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته فيها } ولا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر ولكن على معنى استطابة النفس وما وصفت أولا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت لأن ابنة نعيم لو كان لها أن ترد أمر أبيها وهي بكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسألتها فإن أذنت جاز عليها وإن لم تأذن رد عنها كما رد عن خنساء بنت خدام ولو كان نعيم استأذن ابنته وكان شبيها أن لا يخالف أمها ولو خالفها أو تفوت عليها فكان نكاحها بإذنها كانت أمها شبيها أن لا تعارض نعيما في كراهية إنكاحها من رضيت ولا أحسب أمها تكلمت إلا وقد سخطت ابنتها أو لم تعلمها رضيت ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن حارثة { عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها } .
( قال الشافعي ) رحمه الله وهذا موافق قول النبي صلى الله عليه وسلم { الأيم أحق بنفسها من وليها } والدليل على ما قلنا من أن ليس للمرأة أن تنكح إلا بإذن ولي ولا للولي أن يزوجها إلا بإذنها ولا يتم نكاح إلا برضاهما معا ورضا الزوج ( قال الشافعي ) وروي عن الحسن بن أبي الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل } وهذا وإن كان منقطعا دون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكثر أهل العلم يقول به ويقول الفرق بين النكاح والسفاح الشهود ( قال الشافعي ) وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنكاح يثبت بأربعة أشياء الولي ورضا المنكوحة ورضا الناكح وشاهدي عدل إلا ما وصفنا من البكر يزوجها الأب والأمة يزوجها السيد بغير رضاهما فإنهما مخالفان ما سواهما وقد تأول فيها بعض أهل العلم قول الله عز وجل { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وقال الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وقد خالفه غيره فيما تأول وقال هو الزوج يعفو فيدع ماله من أخذ نصف المهر وفي الآية كالدلالة على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج والله سبحانه أعلم وهذا مكتوب في كتاب الطلاق فإذا كان يتم بأشياء فنقص منها واحد فهو غير تام ولا جائز فأي هذه الأربعة نقص لم يجز معه النكاح ويجب خامسة [ ص: 181 ] أن يسمي المهر وإن لم يفعل كان النكاح جائزا فيما ذكرنا من حكم الله تعالى في المهور .
الخلاف في نكاح الأولياء والسنة في النكاح ( قال الشافعي ) رحمه الله : فخالفنا بعض الناس في الأولياء فقال : إذا نكحت المرأة كفئا بمهر مثلها فالنكاح جائز وإن لم يزوجها ولي وإنما أريد بهذا أن يكون ما يفعل أن يأخذ به حظها فإذا أخذته كما يأخذه الولي فالنكاح جائز وذكرت له لبعض ما وصفت من الحجة في الأولياء وقلت له : أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك ؟ فقال : إنما أريد من الإشهاد أن لا يتجاحد الزوجان فإذا نكحها بغير بينة فالنكاح ثابت فهو كالبيوع تثبت وإن عقدت بغير بينة قال ليس ذلك له ، قلنا ولم ؟ قال لأن سنة النكاح البينة .
فقلت له : الحديث في البينة في النكاح عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطع وأنت لا تثبت المنقطع ولو أثبته دخل عليك الولي .
قال : فإنه عن ابن عباس وغيره متصل قلت : وهكذا أيضا الولي عنهم والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل } وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رد النكاح بغير إذن ولي ، وعن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف أفسدت النكاح بترك الشهادة فيه وأثبته بترك الولي وهو أثبت في الإخبار من الشهادة ؟ ولم تقل إن الشهود إنما جعلوا لاختلاف الخصمين فيجوز إذا تصادق الزوجان ، وقلت لا يجوز لعلة في شيء جاءت به سنة وما جاءت به سنة فإنه يثبت بنفسه ولا يحتاج إلى أن يقاس على سنة أخرى لأنا لا ندري لعله أمر به لعلة أم لغيرها ولو جاز هذا لنا أبطلنا عامة السنن وقلنا إذا نكحت بغير صداق ورضيت لم يكن لها صداق وإن دخل بها لأنا إنما نأخذ الصداق لها وأنها إذا عفت الصداق جاز فنجيز النكاح والدخول بلا مهر فكيف لم تقل في الأولياء هكذا ؟ قال : فقد خالفت صاحبي في قوله في الأولياء وعلمت أنه خلاف الحديث فلا يكون النكاح إلا بولي ( قال الشافعي ) رحمه الله : فقلت له وإنما فارقت قول صاحبك ورأيته محجوجا بأنه يخالف الحديث وإنما القياس الجائز أن يشبه ما لم يأت فيه حديث بحديث لازم فأما أن تعمد إلى حديث والحديث عام فتحمله على أن يقاس فما للقياس ولهذا الموضع إن كان الحديث يقاس ؟ فأين المنتهى إذا كان الحديث قياسا ؟ قلت من قال هذا فهو منه جهل وإنما العلم اتباع الحديث كما جاء .
قال نعم : قلت فأنت قد دخلت في بعض معنى قول صاحبك قال وأين ؟ قلت زعمت أن المرأة إذا نكحت بغير إذن وليها فالنكاح موقوف حتى يجيزه السلطان إذا رآه احتياطا أو يرده : قال : نعم قلت : فقد خالفت الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها باطل وعمر رضي الله عنه يرده فخالفتهما معا ، فكيف يجيز السلطان عقدة إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلها ؟ قال وكيف تقول ؟ قلت : يستأنفها بأمر يحدثه فإذا فعل ذلك فليس ذلك بإجازة العقدة الفاسدة بل الاستئناف وهو نكاح جديد يرضيان به .
قلت أرأيت رجلا نكح امرأة على أنه بالخيار أو هي أيجوز الخيار ؟ قال : لا قلت : ولم لا يجوز كما يجوز في البيوع ؟ قال : ليس كالبيوع قلت والفرق بينهما أن الجماع كان محرما قبل العقدة فلما انعقدت حل الجماع ولا يجوز أن تكون العقدة التي بها يكون الجماع بالنكاح تاما أبدا إلا والجماع مباح وإن كان غير مباح فالعقدة غير ثابتة لأن الجماع ليس بملك مال يجوز للمشتري هبته للبائع ، وللبائع هبته للمشتري إنما هي إباحة شيء كان محرما يحل بها لا شيء يملكه ملك الأموال .
قال ما فيه فرق أحسن من هذا وإنما دون هذا [ ص: 182 ] الفرق ، قلت له تركت في المرأة تنكح بغير إذن ولي الحديث والقياس وزعمت أن العقدة مرفوعة والجماع غير مباح ، فإن أجازها الولي جازت وقد كان العقد فيها غير تام ثم زعمت هذا أيضا في المرأة يزوجها الولي بغير إذنها فقلت إن أجازت النكاح جاز وإن ردته فهو مردود وفي الرجل يزوج المرأة بغير علمه إن أجاز النكاح جاز وإن رده فهو مردود وأجزت أن تكون العقدة منعقدة والجماع غير مباح وأجزت الخيار في النكاح وهو خلاف السنة وخلاف أصل من ذلك قال فما تقول أنت ؟ قلت كل عدة انعقدت غير تامة يكون الجماع بها مباحا فهي مفسوخة لا نجيزها بإجازة رجل ولا امرأة ولا ولي ولا سلطان ولا بد فيها من استئناف بالسنة والقياس عليها وكل ما زعمت أنت من هذا أنه موقوف على رضا امرأة أو رجل أو ولي أو سلطان فهو مفسوخ عندي ، وقلت له قال صاحبك في الصبية يزوجها غير الأب النكاح ثابت ولها الخيار إذا بلغت فجعلها وارثة موروثة يحل جماعها وتختار إذا بلغت فأجاز الخيار بعد إباحة جماعها إذا احتملت الجماع قبل تبلغ قال فقد خالفناه في هذا فقلنا لا خيار لها والنكاح ثابت فقلت له ولم أثبت النكاح على الصغيرة لغير الأب فجعلتها يملك عليها أمرها غير أبيها ولا خيار لها ، وقد زعمت أن الأمة إنما جعل لها الخيار إذا عتقت لأنها كانت لا تملك نفسها بأن تأذن فيجوز عليها ولا ترد فيرد عنها فلم يصلح عندك أن تتم عليها عقدة انعقدت قبل أن يكون لها الأمر ثم يكون لها أمر فلا تملك النكاح ولا رد إجازته ؟ قال فتقول ماذا ؟ قلت لا يثبت على صغيرة ولا صغير إنكاح أحد غير أبيها وأبيه ولا يتوارثان ؟ قال فإنا إنما أجزناه عليها على وجه النظر لها قلت : فيجوز أن ينظر لها نظرا يقطع به حقها الذي أثبته لها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أنه ليس لغير الأب أن يزوج حرة بالغة إلا برضاها وذلك أن تزويجها إثبات حق عليها لا تخرج منه .
فإن زوجها صغيرة ثم صارت بالغة لا أمر لها في رد النكاح فقد قطعت حقها المجعول لها وإن جعلت لها الخيار دخلت في المعنى الذي عبت من أن تكون وارثة موروثة ولها بعد خيار .
( قال الشافعي ) فقال لي فقد يدخل عليك في الأمة مثل ما دخل علي قلت : لا ، الأمة أنا أخيرها عند العبد بالاتباع ولا أخيرها عند الحر لاختلاف حال العبد والحر وأن العبد لو انتسب حرا فتزوجها على ذلك خيرتها لأنه لا يصل من أداء الحق لها والتوصل إليها إلى ما يصل إليه الحر والأمة مخالفة لها والأمة الثيب البالغ يزوجها سيدها كارهة ولا يزوج البالغة البكر ولا الصغيرة غير الأب كارهة .
قال فما ترى لو كانت فقيرة فزوجت نظيرا لها أن النكاح جائز ؟ قلت : أيجوز أن أنظر إليها بأن أقطع الحق الذي جعل لها في نفسها ؟ هل رأيت فقيرا يقطع حقه في نفسه ولا يقطع حق الغني ؟ قال : فقد بيع عليها في مالها ، قلت : فيما لا بد لها منه .
وكذلك أبيع على الغنية وفي النظر لهما أبيع وحقهما في أموالهما مخالف حقهما في أنفسهما ، قال : فما فرق بينهما ؟ قلت : أفرأيت لو دعت المرأة البالغة أو الرجل البالغ المولى عليهما إلى بيع شيء من أموالهما إمساكه خير لهما بلا ضرورة في مطعم ولا غيره أتبيعه ؟ قال لا ، قلت : ولو وجب على أحدهما أو احتيج إلى بيع بعض ماله في ضرورة نزلت به أو حق يلزمه أتبيعه وهو كاره ؟ قال نعم قلت : فلو دعيت البالغ إلى منكح كفء أتمنعها ؟ قال لا .
قلت ولو خطبها فمنعته أتنكحها ؟ قال لا قلت : أفترى حقها في نفسها يخالف حقها في مالها ؟ قال نعم ، وقد يكون النكاح للفقيرة الصغيرة والكبيرة سواء ، قلت له : وكيف زعمت أن لا نفقة لها حتى تبلغ الجماع فعقدت عليها النكاح ولم تأخذ لها مهرا ولا نفقة ومنعتها بذلك من غير من [ ص: 183 ] زوجته إياها ولعل غيره خير لها أو أحب إليها أو أوفق لها في دين أو خلق أو غير ذلك ؟ فلست أرى عقدك عليها إلا خلاف النظر لها لأنها لو كانت بالغا كانت أحق بنفسها منك كان النظر يكون بوجوه منها أن توضع في كفاءة أو عند ذي دين أو عند ذي خلق أو عند ذي مال أو عند من تهوى فتعف به عن التطلع إلى غيره وكان أحد لا يقوم في النظر لها في الهوى والمعرفة والموافقة لها مقام نفسها لأنه لا يعرف ذات نفسها من الناس إلا هي فإنكاحها وإن كانت فقيرة قد يكون نظرا عليها وخلاف النظر لها ، قال أما في موضع الهوى في الزوج فنعم قلت فهي لو كانت بالغة فدعوتها إلى خير الناس ودعت إلى دونه إذا كان كفئا كان الحق عندك أن زوجها من دعت إليه وكانت أعلم بمن يوافقها وحرام عندك أن تمنعها إياه ولعلها تفتتن به أليس تزوجه ؟ قال نعم .
قلت فأراها أولى بالنظر لنفسها منك وأرى نظرك لها في الحال التي لا تنظر فيه لنفسها قد يكون عليها ، قلت أفتزوج الصغيرة الغنية ؟ قال نعم ، قلت : قد يكون تزويجها نظرا عليها تموت فيرثها الذي زوجتها إياه وتعيش عمرا غير محتاجة إلى مال الزوج ومحتاجة إلى موافقته وتكون أدخلتها فيما لا توافقها .
وليست فيها الحاجة التي اعتللت بها في الفقيرة ، قال فيقبح أن نقول تزوج الفقيرة ولا تزوج الغنية قلت كلاهما قبيح .
قال فقد تزوج بعض التابعين ، قلت قد نخالف نحن بعض التابعين بما حجتنا فيه أضعف من هذه الحجة وأنت لا ترى قول أحد من التابعين يلزم فكيف تحتج به ؟
قلت له أرأيت إذا جامعتنا في أن لا نكاح إلا بشاهدين واكتفينا إذا قلت بشاهدين أني إنما أردت الشاهدين الذين تجوز شهادتهما فأما من لا تجوز شهادته فلا يجوز النكاح به كما يكون من شهد بحق ممن لا تجوز شهادته غير مأخوذ بشهادته حق فقلت أنت تجيز النكاح بغير من تجوز شهادته إذا وقع عليها اسم الشهادة فكيف قلت بالاسم دون العدل هنا ولم تقل هناك ؟ قال لما جاء الحديث فلم يذكر عدلا قلت هذا معفو عن العدل فيه فقلت له قد ذكر الله عز وجل شهود الزنا والقذف والبيع في القرآن ولم يذكر عدلا وشرط العدل في موضع غير هذا الموضع أفرأيت إن قال لك رجل بمثل حجتك إذا سكت عن ذكر العدل وسمى الشهود اكتفيت بتسمية الشهود دون العدل ؟ قال ليس ذلك له إذا ذكر الله الشهود وشرط فيهم العدالة في موضع ثم سكت عن ذكر العدالة فيهم في غيره استدللت على أنه لم يرد بالشهود إلا أن يكونوا عدولا قلت وكذلك إذا قلت لرجل في حق ائت بشاهدين لم تقبل إلا عدولا ؟ قال : نعم قلت أفيعدو النكاح أن يكون كبعض هذا فلا يقبل فيه إلا العدل وكالبيوع لا يستغنى فيه عن الشهادة إذا تشاجر الزوجان أو يكون فيه خبر عن أحد يلزم قوله فينتهي إليه ؟ قال ما فيه خبر وما هو بقياس ولكنا استحسناه ووجدنا بعض أصحابك يقول قريبا منه ، فقلت له إذا لم يكن خبرا ولا قياسا وجاز لك أن تستحسن خلاف الخبر فلم يبق عندك من الخطأ شيء إلا قد أجزته ، قال فقد قال بعض أصحابك إذا أشيد بالنكاح ولم يعقد بالشهود جاز وإن عقد بشهود ولم يشد به لم يجز " قال الربيع أشيد يعني إذا تحدث الناس بعضهم في بعض فلان تزوج وفلانة خدر " فقلت له أفترى ما احتججت به من هذا فتشبه به على أحد ؟ قال لا هو خلاف الحديث وخلاف القياس لأنه لا يعدو أن يكون كالبيوع فالبيوع يستغنى فيها عن الشهود وعن الإشادة ولا ينقضها الكتمان أو تكون سنته الشهود والشهود إنما يشهدون على العقد والعقد ما لم يعقد فإذا وقع العقد بلا شهود لم تجزه الإشادة والإشادة غير شهادة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (214)
صــــــــــ 184 الى صـــــــــــ 190
قلت له فإذا كان هذا القول خطأ عندك فكيف احتججت به وبالسنة [ ص: 184 ] عليه ؟ قال غيره من أصحابه فإن احتججت بالذي قال بالإشادة فقلت إنما أريد بالإشادة أن يكون يذهب التهمة ويكون أمرهما عند غير الزوجين أنهما زوجان قلت : فإن قال لك قائل هذا في المتنازعين في البيع فجاء المدعي بمن يذكر أنه سمع في الإشادة أن فلانا اشترى دار فلان أتجعل هذه بيعا ؟ قال : لا قلت فإن كانوا ألفا ؟ قال فإني لا أقبل إلا البينة القاطعة قلت : فهكذا نقول لك في النكاح بل النكاح أولى لأن أصل النكاح لا يحل إلا بالبينة ، وأصل البيع يحل بغير بينة وقلت : أرأيت لو أشيد بنكاح امرأة وأنكرت المرأة النكاح أكنا نلزمها النكاح بلا بينة ؟
باب طهر الحائض ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله : وإذا انقطع عن الحائض الدم لم يقربها زوجها حتى تطهر للصلاة فإن كانت واجدة للماء فحتى تغتسل وإن كانت مسافرة غير واجدة للماء فحتى تتيمم لقول الله عز وجل { ولا تقربوهن حتى يطهرن } أي حتى ينقطع الدم ويرين الطهر { فإذا تطهرن } يعني - والله تعالى أعلم - الطهارة التي تحل بها الصلاة لها ولو أتى رجل امرأته حائضا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل فليستغفر الله ولا يعد حتى تطهر وتحل لها الصلاة ، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتا أخذنا به ولكنه لا يثبت مثله .
باب في إتيان الحائض ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } يحتمل معنيين أحدهما فاعتزلوهن في غير الجماع ولا تقربوهن في الجماع فيكون اعتزالهن من وجهين والجماع أظهر معانيه لأمر الله بالاعتزال ثم قال { ولا تقربوهن } فأشبه أن يكون أمرا بينا وبهذا نقول لأنه قد يحتمل أن يكون أمر باعتزالهن ويعني أن اعتزالهن الاعتزال في الجماع ( قال الشافعي ) وإنما قلنا بمعنى الجماع مع أنه ظهر الآية بالاستدلال بالسنة .
الخلاف في اعتزال الحائض .
( قال الشافعي ) رحمه الله : قال بعض الناس إذا اجتنب الرجل موضع الدم من امرأته وجاريته حل له ما سوى الفرج الذي فيه الأذى ، قال الله عز وجل { فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } فاستدللنا على أنه إنما أمر باعتزال الدم .
قلت : فلما كان ظاهر الآية أن يعتزلن لقول الله تبارك وتعالى { فاعتزلوا النساء } وقوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } فإذا تطهرن كانت الآية محتملة اعتزالها اعتزالا غير اعتزال الجماع فلما نهى أن يقربن دل ذلك على أن لا يجامعن قال إنها تحتمل ذلك ولكن كيف قلت يعتزل ما تحت الإزار دون سائر بدنها ؟ قلت له احتمل اعتزالهن اعتزلوا جميع أبدانهن واحتمل بعض أبدانهن دون بعض فاستدللنا بالسنة على ما أراد الله من اعتزالهن فقلت به كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 185 ] باب ما ينال من الحائض ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن } .
( قال الشافعي ) فالبين في كتاب الله أن يعتزل إتيان المرأة في فرجها للأذى فيه .
وقوله { حتى يطهرن } يعني يرين الطهر بعد انقطاع الدم { فإذا تطهرن } إذا اغتسلن { فأتوهن من حيث أمركم الله } قال بعض الناس من أهل العلم من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن يعني عاد الفرج إذا طهرهن فتطهرن بحاله قبل تحيض حلالا قال جل ثناؤه { فاعتزلوا النساء في المحيض } يحتمل فاعتزلوا فروجهن بما وصفت من الأذى ، ويحتمل اعتزال فروجهن وجميع أبدانهن وفروجهن وبعض أبدانهن دون بعض وأظهر معانيه اعتزال أبدانهن كلها لقول الله عز وجل { فاعتزلوا النساء في المحيض } فلما احتمل هذه المعاني طلبنا الدلالة على معنى ما أراد جل وعلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناها تدل مع نص كتاب الله على اعتزال الفرج ؟ وتدل مع كتاب الله عز وجل على أن يعتزل من الحائض في الإتيان والمباشرة ما حول الإزار فأسفل ولا يعتزل ما فوق الإزار إلى أعلاها فقلنا بما وصفنا لتشدد الحائض إزارا على أسفلها ثم يباشرها الرجل من إتيانها من فوق الإزار ما شاء .
فإن أتاها حائضا فليستغفر الله ولا يعد ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أن ابن عمر رضي الله عنهما أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ فقالت لتشدد إزارها على أسفلها ثم يباشرها إن شاء ( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا أراد الرجل أن يباشر امرأته حائضا لم يباشرها حتى تشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها من فوق الإزار منها مفضيا إليه ويتلذذ به كيف شاء منها ولا يتلذذ بما تحت الإزار منها ولا يباشرها مفضيا إليها والسرة ما فوق الإزار .
الخلاف في مباشرة الحائض .
( قال الشافعي ) رحمه الله : فخالفنا بعض الناس في مباشرة الرجل امرأته وإتيانه إياها وهي حائض فقال ولم ؟ قلت لا ينال منها بفرجه ولا يباشرها فيما تحت الإزار وينال فيما فوق الإزار فقلت له بالذي ليس لي ولا لك ولا لمسلم القول بغيره وذكرت فيه السنة فقال قد روينا خلاف ما رويتم فروينا أن يخلف موضع الدم ثم ينال ما شاء فذكر حديثا لا يثبته أهل العلم بالحديث فقال فهل تجد لما بين تحت الإزار وما فوقه فرقا مع الحديث ؟ فقلت له : نعم وما فرق أقوى من الحديث أحد الذي يتلذذ به منها سوى الفرج مما تحت الإزار الأليتان والفخذان فأجدهما يفارقان ما فوق الإزار في معنيين : أحدهما الدم إذا سال من الفرج جرى فيهما وعليهما ، والثاني أن الفرج عورة والأليتين عورة فهما فرج واحد من بطن الفخذين متصلين بالفرج نفسه وإذا كشف عنهما الإزار كاد أن ينكشف عنه والإزار يكشف عن الفرج ويكون عليه وليس على ما فوقه .
[ ص: 186 ] باب إتيان النساء في أدبارهن ( قال الشافعي ) رضي الله عنه قال الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم } الآية ( قال الشافعي ) احتملت الآية معنيين أحدهما أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها لأن { أنى شئتم } يبين أين شئتم لا محظور منها كما لا محظور من الحرث ، واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات وموضع الحرث الذي يطلب به الولد الفرج دون ما سواه لا سبيل لطلب الولد غيره فاختلف أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه ، وأحسب كلا الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية على موافقة كل واحد منهما ( قال الشافعي ) فطلبنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا حديثين مختلفين أحدهما ثابت وهو حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } .
( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح أنا شككت ( يعني الشافعي ) عن خزيمة بن ثابت { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي حلال فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف ؟ قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن } قال فما تقول ؟ قلت عمي ثقة وعبد الله بن علي ثقة وقد أخبرني محمد عن الأنصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خيرا وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته فلست أرخص فيه بل أنهى عنه .
باب ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } الآية فزعم بعض أهل العلم بالتفسير أنها نزلت في رجل قد سماه له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالأولاد فيتخولهن وقد قيل نزلت قبل حد الزنا والله أعلم فإن كانت نزلت قبل حد الزنا ثم جاء حد الزنا فما قبل الحدود منسوخ بالحدود وهذا موضوع في كتاب الحدود وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل إن قول الله عز وجل { فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } نزلت في الإماء المكرهات أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه ، وقيل غفور أي هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد عنهن إذا أكرهن على الزنا وقد أبطل الله تعالى عمن أكره على الكفر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وضع الله عن أمته { وما استكرهوا عليه } .
باب نكاح الشغار ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 187 ] نهى عن الشغار } ، والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته وليس بينهما صداق ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا شغار في الإسلام } ( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا نقول والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه ابنته صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ فإن دخل بها فلها المهر بالوطء ويفرق بينهما ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال الزهري وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر تحريم المتعة ( قال الشافعي ) والمتعة أن ينكح الرجل المرأة إلى أجل معلوم فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ دخل بها أو لم يدخل فإن أصابها فلها المهر بالمسيس .
الخلاف في نكاح الشغار
( قال الشافعي ) رحمه الله : فقال بعض الناس أما الشغار فالنكاح فيه ثابت ولكل واحدة من المنكوحتين مهر مثلها وأما المتعة فإن قلت فهو فاسد فما يدخل علي ؟ قلت ما لا يشتبه فيه خطؤك قال وما هو ؟ قلت ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار ولم تختلف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم فأجزت الشغار الذي لا مخالف عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه ورددت نكاح المتعة وقد اختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها قال فإن قلت فإن أبطلا الشرط في المتعة جاز النكاح وإن لم يبطلاه فالنكاح مفسوخ قلت له إذا تخطئ خطأ بينا قال فكيف ؟ قلت روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها وما نهى عنه حرام ما لم يكن فيه رخصة بحلال وروي عنه أنه أحله فلم تحلله وأحدثت بين الحديثين شيئا خارجا منهما خارجا من مذاهب الفقه متناقضا قال وما ذاك ؟ قلت أنت تزعم أنه لو نكح رجل امرأة على أن كل واحد منهما بالخيار كان النكاح باطلا لأن الخيار لا يجوز في النكاح لأن ما شرط في عقده الخيار لم يكن العقد فيه تاما وهذا وإن جاز في الشرع لم يجز في النكاح عندنا وعندك ، فإن قلت فإن أبطل المتناكحان نكاح المتعة الشرط فقد زعمت أن عقد النكاح وقع والجماع لا يحل فيه ولا الميراث إن مات أحدهما قبل إبطال الشرط لم تجزه بعد وقوعه غير جائز فقد أجزت فيه الخيار للزوجين وأنت تزعم أن الخيار لهما يفسد العقدة .
ثم أحللته بشيء آخر عقدة لم يشترط فيها خيار ثم أحدثت لهما شيئا من قبلك أن جعلت لهما خيارا ولو قسته بالبيوع كنت قد أخطأت فيه القياس قال ومن أين ؟ قلت : الخيار في البيوع لا يكون عندك إلا بأن يشتري ما لم ير عينه فيكون له الخيار إذا رآه أو يشتري فيجد عيبا فيكون بالخيار إن شاء رده وإن شاء حبس ، والنكاح بريء من هذين الوجهين عندك ؟ قال : نعم قلت والوجه الثاني الذي تجيز فيه الخيار في البيوع أن يتشارط المتبايعان أو أحدهما الخيار وإن وقع عقدهما البيع على غير الشرط لم يكن لهما ولا لأحد منهما خيار إلا بما وصفت من أن لا يكون المشتري رأى ما اشتراه أو دلس له بعيب ، قال : نعم قلت فالمتناكحان نكاح المتعة إنما نكحا نكاحا يعرفانه إلى مدة لم يشترطا خيارا فكيف يكون زوجها اليوم وغدا غير زوجها بغير طلاق يحدثه والعقد إذا عقد ثبت إلا أن يحدث فرقة عندك ؟ أو كيف تكون زوجة ولا يتوارثان ؟ أم كيف يتوارثان يوما ولا يتوارثان في غده ؟ قال : فإن قلت فالنكاح جائز والشرط في المدة في النكاح باطل قلت فأنت [ ص: 188 ] تحدث للمرأة والرجل نكاحا بغير رضاهما ولم يعقداه على أنفسهما وإنما قسته بالبيع والبيع لو عقد فقال البائع والمشتري أشتري منك هذا عشرة أيام كل يوم كان البيع مفسوخا لأنه لا يجوز أن أملكه إياه عشرا دون الأبد ولا يجوز أن أملكه إياه عشرا وقد شرط أن لا يملكها إلا عشرا فكان يلزمك أن لو لم يكن في نكاح المتعة خبر يحرمه أن تفسده إذا جعلته قياسا على البيع فأفسدت البيع قال فقال فإن جعلته قياسا على الرجل يشترط للمرأة دارها أن يكون النكاح ثابتا والشرط باطلا ؟ قلت له : فإن جعلته قياسا على هذا أخطأت من وجوه قال وما هي ؟ قلت من الناس من يقول لها شرطها ما كان والنكاح ثابت بينهما وبينها وبينه وما بين الزوجين من الميراث وغيره فإن قسته على هذا القول لزمك أن تقول ذلك في المتناكحين نكاح متعة .
قال : لا أقيسه على هذا القول ولا يجوز أن يثبت بينهما ما يثبت بين الزوجين وهي زوجة في أيام غير زوجة بعده ؟ فقلت : فإن قسته على من قال إن النكاح ثابت وشرطها دارها باطل فقد أحدثت لهما تزويجا بغير شرطهما أن ليسا بزوجين ما لم يرضه أحد منهما فكنت رجلا زوج اثنين بلا رضاهما ولزمك إن أخطأت القياس من وجه آخر ، قال وأين ؟ قلت : الناكحة المشترطة دارها نكحت على الأبد فليس في عقدها النكاح على الأبد شيء يفسد النكاح وشرطت أن لا يخرج بها من دارها نكحت على الأبد والشرط فهي وإن كان لها شرطها أو أبطل عنها فهي حلال الفرج في دارها وغير دارها والشرط زيادة في مهرها والزيادة في المهر عندنا وعندك كانت جائزة أو فاسدة لا تفسد العقدة والناكحة متعة لم ينكحها على الأبد إنما نكحته يوما أو عشرا فنكحته على أن زوجها حلال في اليوم أو العشر محرم بعده لأنها بعده غير زوجة لا يجوز أن يكون فرج يوطأ بنكاح يحل في هذه ويحرم في أخرى قال ما هي بقياس عليها أن تكون زوجته اليوم وغير زوجته الغد بلا إحداث فرقة .
( قال الشافعي ) رحمه الله : فقلت له أرأيت لو استقامت قياسا على واحد مما أردت أن تقيسها عليه أيجوز في العلم عندنا وعندك أن يعمد إلى المتعة وقد جاء فيها خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم وخبر بتحليل ؟ فزعمنا نحن وأنت أن التحليل منسوخ فتجعله قياسا على شيء غيره ولم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر ؟ فإن جاز هذا لك جاز عليك أن يقول لك قائل حرم الطعام والجماع في الصوم والصلاة وحرم الجماع في الإحرام فأحرم الطعام فيه أو أحرم الكلام في الصوم كما حرم في الصلاة قال لا يجوز هذا في شيء من العلم تمضي كل شريعة على ما شرعت عليه وكل ما جاء فيه خبر على ما جاء ، قلت : فقد عمدت في نكاح المتعة وفيه خبر فجعلته قياسا في النكاح على ما لا خبر فيه فجعلته قياسا على البيوع وهو شريعة غيره ثم تركت جميع ما قست عليه وتناقض قولك فقال فإنه كان من قول أصحابنا إفساده فقلت فلم لم تفسده كما أفسده من زعم أن العقدة فيه فاسدة ولم تجزه كما أجازه من زعم أنه حلال على ما تشارطا ولم يقم لك فيه قول على خبر ولا قياس ولا معقول ؟ قال فلأي شيء أفسدت أنت الشغار والمتعة ؟ قلت : بالذي أوجب الله عز وجل علي من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجد في كتاب الله من ذلك فقال { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقال { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } قال فكيف يخرج نهي النبي صلى الله عليه وسلم عندك ؟ قلت ما نهى عنه مما كان محرما حتى أحل بنص من كتاب الله عز وجل أو خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى [ ص: 189 ] من ذلك عن شيء فالنهي يدل على أن ما نهي عنه لا يحل قال ومثل ماذا ؟ قلت مثل النكاح كل النساء محرمات الجماع إلا بما أحل الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح الصحيح أو ملك اليمين فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحلل ما كان منه محرما وكذلك البيوع ثم أموال الناس محرمة على غيرهم إلا بما أحل الله من بيع وغيره فإن انعقد البيع بما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل بعقدة منهي عنه فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار والمتعة قلت : المنكوحات بالوجهين كانتا غير مباحتين إلا بنكاح صحيح ولا يكون ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النكاح ولا البيع صحيحا .
قال هذا عندي كما زعمت ولكن قد يقول بعض الفقهاء في النهي ما قلت ويأتي نهي آخر فيقولون فيه خلافه ويوجهونه على أنه لم يرد به الحرام .
فقلت له إن كان ذلك بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرد بالنهي الحرام فكذلك ينبغي لهم وإن لم يكن فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة لم يكن لهم أن يزعموا أن النهي مرة محرم وأخرى غير محرم فلا فرق بينهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فدلني في غير هذا على مثله ؟ فقلت أرأيت لو قال لك قائل : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها فعلمت أنه لم ينه عن الجمع بين ابنتي العم ولهما قرابة ولا بين القرابات غيرهما فكانت العمة والخالة وابنة الأخ والأخت حلالا أن يبتدأ بنكاح كل واحدة منهن على الانفراد أنهن أحللن وخرجن عن معنى الأم والبنت وما حرم على الأبد بحرمة نفسه أو بحرمة غيره فاستدللت على أن النهي عن ذلك إنما هو كراهية أن يفسد ما بينهما والعمة والخالة والدتان ليستا كابنتي العم اللتين لا شيء لواحدة منهما على الأخرى إلا للأخرى مثله فإن كانتا راضيتين بذلك مأمونتين بإذنهما وأخلاقهما على أن لا يتفاسدا بالجمع حل الجمع بينهما قال ليس ذلك له قلت : وكذلك الجمع بين الأختين قال : نعم قلت فإن نكح امرأة على عمتها فلما انعقدت العقدة قيل يمكن الجمع بينهما ماتت التي كانت عنده وبقيت التي نكح قال فعقدة الآخرة فاسدة قلت فإن قال قد ذهب الجمع وصارت التي نهي أن ينكح على هذه المرأة الميتة فقال لك أنا لو ابتدأت نكاحها الآن جاز فأقرر نكاحها الأول ؟ قال ليس ذلك له إن انعقدت العقدة بأمر نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تصح بحال يحدث بعدها فقلت له فهكذا قلت في الشغار والمتعة قد انعقد بأمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لا نعلمه في غيره وما نهى عنه بنفسه أولى أن لا يصح مما نهى عنه بغيره فإن افترق القول في النهي كان الجمع بين المرأة وعمتها ونكاح الأخت على أختها إذا ماتت الأولى منهما قبل أن تجتمع هي والآخرة أولى أن يجوز لأنه إنما نهى عنه لعلة الجمع وقد زال الجمع قال فإن زال الجمع فإن العقد كان وهو ثابت على الأولى فلا يثبت على الآخرة وهو منهي عنه قلت له : فالذي أجزته في الشغار والمتعة هكذا أو أولى أن لا يجوز من هذا ؟ فقلت له : أرأيت لو قال قائل : إنه أمر بالشهود في النكاح أن لا يتجاحد الزوجان فيجوز النكاح على غير الشهود ما تصادقا ؟ قال لا يجوز النكاح بغير شهود .
قلت : وإن تصادقا على أن النكاح كان جائزا أو أشهدا على إقرارهما بذلك ؟ قال لا يجوز .
قلت ولم ؟ ألأن المرأة كانت غير حلال إلا بما أحلها الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم به فلما انعقدت عقدة النكاح بغير ما أمر به لم يحل المحرم إلا من حيث أحل ؟ قال نعم قلت فالأمر بالشهود لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا بثبوت النهي عن الشغار والمتعة ولو ثبت كنت به محجوجا لأنك إذا قلت في النكاح بغير سنة لا يجوز لأن عقد النكاح كان بغير كمال ما [ ص: 190 ] أمر به وإن انعقدت بغير كمال ما أمر به فهي فاسدة قلنا لك فأيهما أولى أن يفسد العقدة التي انعقدت بغير ما أمر به أو العقدة التي انعقدت بما نهي عنه والعقدة التي تعقد بما نهي عنه تجمع النهي وخلاف الأمر ؟ قال كل سواء قلت وإن كانا سواء لم يكن لك أن تجيز واحدة وترد مثلها أو أوكد وإن من الناس لمن يزعم أن النكاح بغير بينة جائز غير مكروه كالبيوع وما من الناس أحد إلا يكره الشغار وينهي عنه وأكثرهم يكره المتعة وينهي عنها ومنهم من يقول يرجم فيها من ينكحها وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يقبض } أفرأيت لو تبايع رجلان بطعام قبل أن يقبض ثم تقابضا فذهب الغرر أيجوز ؟ قال : لا لأن العقدة انعقدت فاسدة منهيا عنها قلت وكذلك إذا نهي عن بيع وسلف وتبايعا أيتم البيع ويرد السلف لو رفعا إليك ؟ قال لا يجوز لأن العقدة انعقدت فاسدة .
قيل : وما فسادها وقد ذهب المكروه منها ؟ قال انعقدت بأمر منهي عنه .
قلنا : وهكذا أفعل في كل أمر ينهى عنه ولو لم يكن في إفساد نكاح المتعة إلا القياس انبغى أن يفسد من قبل أنها إذا زوجت نفسها يومين كنت قد زوجت كل واحد منهما ما لم يزوج نفسه وأبحت له ما لم يبح لنفسه قال فكيف تفسده ؟ قلت لما كان المسلمون لا يجيزون أن يكون النكاح إلا على الأبد حتى يحدث فرقة لم يجز أن يحل يومين ويحرم أكثر منهما ولم يجز أن يحل في أيام لم ينكحها فكان النكاح فاسدا .
نكاح المحرم ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أخبره { أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان : إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت أن تحضر فأنكر ذلك أبان وقال سمعت عثمان بن عفان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان أظنه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال } ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحارث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج } ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب قال { ما نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة إلا وهو حلال } ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال : أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه .
( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول : لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره .
( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن قدامة بن موسى عن شوذب أن زيد بن ثابت رد نكاح محرم .
( قال الشافعي ) رحمه الله وبهذا كله نأخذ فإذا نكح المحرم أو أنكح غيره فنكاحه مفسوخ وللمحرم أن يراجع امرأته لأن الرجعة قد ثبتت بابتداء النكاح وليست بالنكاح إنما هي شيء له في نكاح كان وهو غير محرم وكذلك له أن يشتري الأمة للوطء وغيره وبهذا نقول فإن نكح المحرم فنكاحه مفسوخ .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (215)
صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ 197
[ ص: 191 ] باب الخلاف في نكاح المحرم
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله فخالفنا بعض الناس في نكاح المحرم فقال لا بأس أن ينكح المحرم ما لم يصب وقال روينا خلاف ما رويتم فذهبنا إلى ما روينا وذهبتم إلى ما رويتم روينا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح وهو محرم } فقلت له أرأيت إذا اختلفت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيها تأخذ ؟ قال بالثابت عنه قلت أفترى حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا ؟ قال : نعم قلت وعثمان غير غائب عن نكاح ميمونة لأنه مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفي سفره الذي بنى بميمونة فيه في عمرة القضية وهو السفر الذي زعمت أنت بأنه نكحها فيه وإنما نكحها قبله وبنى بها فيه قال : نعم ولكن الذي روينا عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نكحها وهو محرم فهو وإن لم يكن يوم نكحها بالغا ولا له يومئذ صحبة فإنه لا يشبه أن يكون خفي عليه الوقت الذي نكحها فيه مع قرابته بها ولا يقبله هو وإن لم يشهده إلا عن ثقة فقلت له يزيد بن الأصم ابن أختها يقول نكحها حلالا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها فقال نكحها حلالا فيمكن عليك ما أمكنك فقال هذان ثقة ومكانهما منها المكان الذي لا يخفى عليهما الوقت الذي نكحها فيه لحطها وحط من هو منها نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يقبلا ذلك وإن لم يشهداه إلا بخبر ثقة فيه فتكافأ خبر هذين وخبر من رويت عنه في المكان منها وإن كان أفضل منهما فهما ثقة أو يكون خبر اثنين أكثر من خبر واحد ويزيدونك معهما ثالثا ابن المسيب وتنفرد عليك رواية عثمان التي هي أثبت من هذا كله فقلت له : أو ما أعطيتنا أن الخبرين لو تكافآ نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده فنتبع أيهما كان فعلهما أشبه ، وأولى الخبرين أن يكون محفوظا فنقبله ونترك الذي خالفه ؟ قال : بلى قلت فعمر ويزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم ويقول ابن عمر لا ينكح ولا ينكح ولا أعلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما مخالفا قال فإن المكيين يقولون ينكح .
فقلت مثل ما ذهبت إليه والحجة تلزمهم مثل ما لزمتك ولعلهم خفي عليهم ما خالف ما رووا من نكاح النبي صلى الله عليه وسلم محرما قال فإن من أصحابك من قال إنما قلنا لا ينكح لأن العقدة تحل الجماع وهو محرم عليه قلت له الحجة فيما حكينا لك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا فيما وصفت أنهم ذهبوا إليه من هذا وإن كنت أنت قد تذهب أحيانا إلى أضعف منه وليس هذا عندنا مذهب المذاهب في الخبر أو علة بينة فيه قال فأنتم قلتم للمحرم أن يراجع امرأته إذا كانت في عدة منه وأن يشتري الجارية للإصابة قلت إن الرجعة ليست بعقد نكاح إنما هي شيء جعله الله للمطلق في عقدة النكاح أن يكون له الرجعة في العدة وعقدة النكاح كان وهو حلال فلا يبطل العقدة حق الإحرام ولا يقال للمراجع ناكح بحال فأما الجارية تشترى فإن البيع مخالف عندنا وعندك للنكاح من قبل أنه قد يشتري المرأة قد أرضعته ولا يحل له إصابتها ويشتري الجارية وأمها وولدها لا يحل له أن يجمع بين هؤلاء فأجيز الملك بغير جماع وأكثر ما في ملك النكاح الجماع ولا يصلح أن ينكح امرأة لا يحل له جماعها وقد يصلح أن يشتري من لا يحل له جماعها .
باب في إنكاح الوليين ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا إسماعيل ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن [ ص: 192 ] قتادة عن الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنكح الوليان فالأول أحق وإذا باع المجيزان فالأول أحق " ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) فبهذا نقول وهذا في المرأة توكل رجلين فيزوجانها فيزوجها أحدهما ولا يعلم الآخر حين زوجها فنكاح الأول ثابت لأنه ولي موكل ومن نكحها بعده فقد بطل نكاحه وهذا قول عوام الفقهاء لا أعرف بينهم فيه خلافا ولا أدري أسمع الحسن منه أم لا ؟ ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال إذا طلق الرجل امرأته فهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة في الواحدة والاثنتين .
باب في إتيان النساء قبل إحداث غسل
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا كان للرجل إماء فلا بأس أن يأتيهن معا قبل أن يغتسل ولو أحدث وضوءا كلما أراد إتيان واحدة كان أحب إلي لمعنيين أحدهما أنه قد روي فيه حديث وإن كان مما لا يثبت مثله والآخر أنه أنظف وليس عندي بواجب عليه وأحب إلي لو غسل فرجه قبل إتيان التي يريد ابتداء إتيانها وإتيانهن معا واحدة بعد واحدة كإتيان الواحدة مرة بعد مرة وإن كن حرائر فحللنه فكذلك وإن لم يحللنه لم أر أن يأتي واحدة في ليلة الأخرى التي يقسم لها فإن قيل فهل في هذا حديث ؟ قيل إنه يستغنى فيه عن الحديث بما قد يعرف الناس وقد روي فيه شيء ( قال الشافعي ) من أصاب امرأة حرة أو أمة ثم أراد أن ينام فلا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة بالسنة .
إباحة الطلاق أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } الآية وقال { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقال { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } الآية وقال { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } وقال { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } مع ما ذكرته من الطلاق في غير ما ذكرت ودلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة الطلاق فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض ومن كانت زوجته لا تحرم من محسنة ولا مسيئة في حال إلا أنه ينهى عنه لغير العدة وإمساك كل زوج محسنة أو مسيئة بكل حال مباح إذا أمسكها بمعروف وجماع المعروف أعفاها بتأدية الحق .
كيف إباحة الطلاق ( قال الشافعي ) رحمه الله : أختار للزوج أن لا يطلق إلا واحدة ليكون له الرجعة في المدخول بها ويكون خاطبا في غير المدخول بها ومتى نكحها بقيت له عليها اثنتان من الطلاق ولا يحرم عليه أن [ ص: 193 ] يطلق اثنتين ولا ثلاثا لأن الله تبارك وتعالى أباح الطلاق وما أباح فليس بمحظور على أهله وأن النبي صلى الله عليه وسلم علم عبد الله بن عمر موضع الطلاق ولو كان في عدد الطلاق مباح ومحظور علمه إن شاء الله تعالى إياه لأن من خفي عليه أن يطلق امرأته طاهرا كان ما يكره من عدد الطلاق ويحب لو كان فيه مكروه أشبه أن يخفى عليه { وطلق عويمر العجلاني امرأته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا قبل أن يأمره وقبل أن يخبره أنها تطلق عليه باللعان } ولو كان ذلك شيئا محظورا عليه نهاه النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه وجماعة من حضره وحكت فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ألبتة يعني والله أعلم ثلاثا فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وطلق ركانة امرأته ألبتة وهي تحتمل واحدة وتحتمل ثلاثا فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن نيته وأحلفه عليها ولم نعلمه نهى أن يطلق ألبتة يريد بها ثلاثا وطلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثا .
جماع وجه الطلاق ( قال الشافعي ) قال الله تعالى : { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وقرئت " لقبل عدتهن " وهما لا يختلفان في المعنى أخبرنا مالك عن نافع { عن ابن عمر أنه طلق امرأته في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض قال عمر فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء } أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر وأبو الزبير يسمع فقال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا ؟ فقال ابن عمر { طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك } قال ابن عمر ، قال الله تبارك وتعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن أي في قبل عدتهن أو لقبل عدتهن " شك الشافعي " أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يقرؤها " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن " .
( قال الشافعي ) فبين والله أعلم في كتاب الله عز وجل بدلالة سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التي تحيض دون من سواها من المطلقات أن تطلق لقبل عدتها وذلك أن حكم الله تعالى أن العدة على المدخول بها وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر وحيض ، وبين أن الطلاق يقع على الحائض لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قبل الطلاق .
وقد أمر الله تعالى بالإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ونهى عن الضرر وطلاق الحائض ضرر عليها لأنها لا زوجة ولا في أيام تعتد فيها من زوج ما كانت في الحيضة وهي إذا طلقت وهي تحيض بعد جماع لم تدر ولا زوجها عدتها الحمل أو الحيض ؟ ويشبه أن يكون أراد أن يعلما معا العدة ليرغب الزوج وتقصر المرأة عن الطلاق إن طلبته ، وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يعلم ابن عمر موضع الطلاق فلم يسم له من الطلاق عددا فهو يشبه أن لا يكون في عدد ما يطلق سنة إلا أنه أباح له الطلاق واحدة واثنتين وثلاثا مع دلائل تشبه هذا الحديث ودلائل القياس .
[ ص: 194 ] تفريع طلاق السنة في غير المدخول بها والتي لا تحيض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها وكانت ممن تحيض أو لا تحيض فلا سنة في طلاقها إلا أن الطلاق يقع متى طلقها فيطلقها متى شاء فإن قال لها أنت طالق للسنة ، أو أنت طالق للبدعة ، أو أنت طالق ، لا للسنة ولا للبدعة ، طلقت مكانها ( قال ) ولو تزوج رجل امرأة ودخل بها وحملت ، فقال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة أو بلا سنة ولا بدعة كانت مثل المرأة التي لم يدخل بها لا تختلف هي وهي في شيء مما يقع به الطلاق عليها حين يتكلم به ( قال ) ولو تزوج امرأة ودخل بها وأصابها وكانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فقال لها أنت طالق للسنة فهي مثل المرأتين قبلها لا يختلف ذلك في وقوع الطلاق عليها حين يتكلم به لأنه ليس في طلاق واحدة ممن سميت سنة إلا أن الطلاق يقع عليها حين يتكلم به بلا وقت لعدة لأنهن خوارج من أن يكن مدخولا بهن وممن ليست عددهن الحيض وإن نوى أن يقعن في وقت لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله عز وجل .
تفريع طلاق السنة في المدخول بها التي تحيض إذا كان الزوج غائبا ( قال الشافعي ) رحمه الله : إذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها " إذا أتاك كتابي هذا وقد حضت بعد خروجي من عندك فإن كنت طاهرا فأنت طالق " وإن كان علم أنها قد حاضت قبل أن يخرج ولم يمسها بعد الطهر أو علم أنها قد حاضت وطهرت وهو غائب كتب إليها " إذا أتاك كتابي فإن كنت طاهرا فأنت طالق وإن كنت حائضا فإذا طهرت فأنت طالق " ( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته التي تحيض وقد دخل بها أنت طالق للسنة سألته فإن قال أردت أن يقع الطلاق عليها للسنة أو لم يكن له نية فإن كانت طاهرا ولم يجامعها في طهرها ذلك وقع الطلاق عليها في حالها تلك وإن كانت طاهرا قد جامعها في ذلك الطهر أو حائضا أو نفساء وقع الطلاق عليها حين تطهر من النفاس أو الحيض ووقع على الطاهرة المجامعة حيث تطهر من أول حيضة تحيضها بعد قوله يقع على كل واحدة منهن حين ترى الطهر وقبل الغسل وإن قال أردت أن يقع حين تكلمت وقعت حائضا كانت أو طاهرا بإرادته ، وإذا قال الرجل لامرأته التي تحيض أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن جميعا معا في وقت طلاق السنة إذا كانت طاهرا من غير جماع وقعن حين قاله وإن كانت نفساء أو حائضا أو طاهرا فإذا طهرت قبل تجامع ، ولو نوى أن يقعن عند كل طهر واحدة وقعن معا كما وصفت في الحكم ، فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيقعن على ما نواه ويسعه رجعتها وإصابتها بين كل تطليقتين ما لم تنقض عدتها ( قال الشافعي ) وتنقضي عدة المرأة بأن تدخل في الحيضة الثالثة من يوم وقع الطلاق في الحكم ولها أن لا تنكحه وتمتنع منه ، وإذا قال أنت طالق ثلاثا عند كل قرء لك واحدة فإن كانت طاهرا مجامعة أو غير مجامعة وقعت الأولى لأن ذلك قرء ، ولو طلقت فيه اعتدت به ، وإن كانت حائضا أو نفساء وقعت الأولى إذا طهرت من النفاس ووقعت الأخرى إذا طهرت من الحيضة الثانية والثالثة إذا طهرت من الحيضة الثالثة ويبقى عليها من عدتها قرء ، فإذا دخلت في الدم من الحيضة الرابعة فقد انقضت عدتها من الطلاق كله ( قال ) ولو قال لها هذا القول وهي طاهر أو وهي حبلى وقعت الأولى ولم تقع الثنتان كانت [ ص: 195 ] تحيض على الحبل أو لا تحيض حتى تلد ثم تطهر فيقع عليها إن ارتجع فإن لم يحدث لها رجعة فقد انقضت عدتها ولا تقع الثنتان لأنها قد بانت منه وحلت لغيره ولا يقع عليها طلاقه وليست بزوجة له ( قال ) وسواء قال طالق واحدة أو ثنتين أو ثلاثا يقعن معا لأنه ليس في عدد الطلاق سنة إلا أني أحب له أن لا يطلق إلا واحدة وكذلك إن قال أردت طلاقا للسنة أن السنة أن يقع الطلاق عليها إذا طلقت فهي طالق مكانه ولو قال لها أنت طالق ولا نية له أو وهو ينوي وقوع الطلاق على ظاهر قوله وقع الطلاق حين تكلم به ولو قال لها أنت طالق للسنة واحدة وأخرى للبدعة فإن كانت طاهرا قد جومعت أو حائضا أو نفساء وقعت تطليقة البدعة .
فإذا طهرت وقعت تطليقة السنة وسواء قال لها أنت طالق تطليقة سنية وأخرى بدعية أو تطليقة للسنة وأخرى للبدعة
( قال ) ولو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة وقعت عليها ثلاثا حين تكلم به لأنها لا تعدو أن تكون في حال سنة أو حال بدعة فيقعن في أي الحالين كانت ( قال الشافعي ) وكذلك لو قال لها أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة جعلنا القول قوله فإن أراد اثنتين للسنة وواحدة للبدعة أوقعنا اثنتين للسنة في موضعهما .
وواحدة للبدعة في موضعها ، وهكذا لو قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة وللبدعة فإن قال أردت بثلاث للسنة والبدعة أن يقعن معا وقعن في أي حال كانت المرأة وهكذا إن قال أردت أن السنة والبدعة في هذا سواء ولو قال بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ولا نية له فإن كانت طاهرا من غير جماع وقعت ثنتان للسنة حين يتكلم بالطلاق وواحدة للبدعة حين تحيض .
وإن كانت مجامعة أو في دم نفاس أو حيض وقعت حين تكلم اثنتان للبدعة وإذا طهرت واحدة للسنة
( قال ) ولو قال لها أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمل الطلاق أو أفضل الطلاق أو أكمل الطلاق أو خير الطلاق أو ما أشبه هذا من تفصيل الكلام سألته عن نيته فإن قال لم أنو شيئا وقع الطلاق للسنة وكذلك لو قال ما نويت إيقاعه في وقت أعرفه وكذلك لو قال ما أعرف حسن الطلاق ولا قبيحه بصفة غير أني نويت أن يكون أحسن الطلاق وما قلت معه أن يقع الطلاق حين تكلمت به لا يكون له مدة غير الوقت الذي تكلمت به فيه فيقع حينئذ حين يتكلم به أو يقول أردت بأحسنه أني طلقت من الغضب أو غيره فيقع حين يتكلم به إذا جاء بدلالة
( قال ) ولو قال لها أنت طالق أقبح أو أسمج أو أقذر أو أشر أو أنتن أو آلم أو أبغض الطلاق أو ما أشبه هذا مما يقبح به الطلاق سألناه عن نيته فإن قال أردت ما يخالف السنة منه أو قال أردت إن كان فيه شيء يقبح الأقبح وقع طلاق بدعة إن كانت طاهرا مجامعة أو حائضا أو نفساء ، حين تكلم به وقع مكانه ، وإن كانت طاهرا من غير جماع وقع إذا حاضت أو نفست أو جومعت وإن قال لم أنو شيئا أو خرس أو عته قبل يسأل وقع الطلاق في موضع البدعة فإن سئل فقال نويت أقبح الطلاق لها إذا طلقتها لريبة رأيتها منها أو سوء عشرة أو بغضة مني لها أو لبغضها من غير ريبة فيكون ذلك يقبح بها وقع الطلاق حين تكلم به لأنه لم يصفه في أن يقع في وقت فيوقعه فيه
( قال ) ولو قال لها أنت طالق واحدة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة أو ما أشبه هذا مما يجمع الشيء وخلافه كانت طالقا حين تكلم بالطلاق لأن ما أوقع في ذلك وقع بإحدى الصفتين ، وإن قال نويت أن يقع في وقت غير هذا الوقت لم أقبل منه لأن الحكم في ظاهر قوله ثنتان أن الطلاق يقع حين تكلم به ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا على نيته .
ولو قال لها أنت طالق إن كان الطلاق الساعة أو الآن أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للسنة فإن كانت طاهرا من غير جماع وقع عليها الطلاق ، وإن كانت في تلك الحال مجامعة أو حائضا أو نفساء لم يقع عليها الطلاق في تلك الحال ولا غيرها بهذا الطلاق .
ولو قال لها أنت طالق [ ص: 196 ] إن كان الطلاق الآن أو الساعة أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للبدعة فإن كانت مجامعة أو حائضا أو نفساء طلقت وإن كانت طاهرا من غير جماع لم تطلق .
ولو كانت المسألة الأولى في هذا كله غير مدخول بها أو مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى وقع هذا كله حين تكلم به وإن أراد بقوله في المدخول بها التي تحيض في جميع المسائل أردت طلاقا ثلاثا ، أو أراد بقوله أنت طالق أحسن الطلاق أو بقوله : أنت طالق أقبح الطلاق ثلاثا كان ثلاثا وكذلك إن أراد اثنتين وإن لم يرد زيادة في عدد الطلاق كانت في هذا كله واحدة ، ولو قال أنت طالق أكمل الطلاق فهكذا ، ولو قال لها أنت طالق أكثر الطلاق عددا أو قال أكثر الطلاق ولم يزد على ذلك فهن ثلاث ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأن ظاهر هذا ثلاث
( قال ) وطلاق المدخول بها حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة سواء في وقت إيقاعه وإن نوى شيئا وسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا في الوقت الذي نوى ، ولو قال أنت طالق ملء مكة فهي واحدة إلا أن يريد أكثر منها ، وكذلك إن قال ملء الدنيا أو قال ملء شيء من الدنيا لأنها لا تملأ شيئا إلا بكلام فالواحدة والثلاث سواء فيما يملأ بالكلام
( قال ) ولو وقت فقال أنت طالق غدا أو إلى سنة أو إذا فعلت كذا وكذا أو كان منك كذا طلقت في الوقت الذي وقت ولا تطلق قبله ، ولو قال للمدخول بها التي تحيض إذا قدم فلان أو عتق فلان أو إذا فعل فلان كذا وكذا أو إذا فعلت كذا فأنت طالقلم يقع ذلك إلا في الوقت الذي يكون فيه ما أوقع به الطلاق حائضا كانت أو طاهرا ، ولو قال أنت طالق في وقت كذا للسنة فإن كان ذلك الوقت وهي طاهر من غير جماع وقع الطلاق وإن كان وهي حائض أو نفساء أو مجامعة لم يقع إلا بعد طهرها من حيضة قبل الجماع ، ولو قال لها أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة أو للسنة والبدعة كانت طالقا حين تكلم بالطلاق .
طلاق التي لم يدخل بها ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال تبارك وتعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ( قال الشافعي ) والقرآن يدل والله أعلم على أن من طلق زوجة له دخل بها أو لم يدخل بها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإذا قال الرجل لامرأته التي لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تتزوج زوجا غيرك فقال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال جاء رجل يسأل عبد الله بن عمر وابن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء فقلت إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمرو إنما أنت قاض الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وقال { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } الآية فالقرآن يدل على أن الرجعة لمن طلق واحدة أو اثنتين إنما هي على المعتدة لأن الله عز وجل إنما جعل الرجعة في العدة وكان الزوج لا يملك الرجعة إذا انقضت العدة لأنه يحل للمرأة في تلك [ ص: 197 ] الحال أن تنكح زوجا غير المطلق فمن طلق امرأته ولم يدخل بها تطليقة أو تطليقتين فلا رجعة له عليها ولا عدة ولها أن تنكح من شاءت ممن يحل لها نكاحه وسواء البكر في هذا والثيب
( قال ) ولو قال للمرأة غير المدخول بها أنت طالق ثلاثا للسنة أو ثلاثا للبدعة أو ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقعن معا حين تكلم به لأنه ليس فيها سنة ولا بدعة وهكذا لو كانت مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى ، وإذا أراد في المدخول بها ثلاثا أن يقعن في رأس كل شهر واحدة لزمه في حكم الطلاق ثلاثا يقعن معا ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يطلقها في رأس كل شهر واحدة ويرتجعها فيما بين ذلك ويصيبها ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولا يسعها هي أن تصدقه ولا تتركه ونفسها لأن ظاهره أنهن وقعن معا وهي لا تعلم ذلك كما قال وقد يكذب على قلبه ولو قال للتي لم يدخل بها أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن حين تكلم به فإن نوى أن يقعن في رأس كل شهر فلا يسعها أن تصدقه لأنه لا عدة عليها فتقع الثنتان عليها في رأس كل شهر واحدة ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن تقع واحدة ولا تقع اثنتان لأنهما يقعان وهي غير زوجة ولا معتدة .
ولو قال لامرأة تحيض ولم يدخل بها أنت طالق إذا قدم فلان واحدة للسنة أو ثلاثا للسنة فدخل بها قبل أن يقدم فلان وقعت عليها الواحدة أو الثلاث إذا قدم فلان وهي طاهر من غير جماع ، وإن قدم فلان وهي طاهر من أول حيض طلقت قبل يجامع وأسأله هل أراد إيقاع الطلاق بقدوم فلان فقط ؟ فإن قال : نعم أو قال أردت إيقاع الطلاق بقدوم فلان للسنة في غير المدخول بها لا سنة التي دخل بها أوقعته عليه كيفما كانت امرأته لأنها لم يكن فيها حين حلف ولا حين نوى السنة في التي لم يدخل بها وبنى وإني أوقع الطلاق بنيته مع كلامه .
وإذا قال الرجل لامرأته لم يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت عليها الأولى ولم تقع عليها . الثنتان من قبل أن الأولى كلمة تامة وقع بها الطلاق فبانت من زوجها بلا عدة عليها ولا يقع الطلاق على غير زوجة أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال في رجل قال لامرأته ولم يدخل بها أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق فقال أبو بكر أيطلق امرأة على ظهر الطريق ؟ قد بانت منه من حين طلقها التطليقة الأولى .
ما جاء في الطلاق إلى وقت من الزمان ( قال الشافعي ) رحمه الله : إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق غدا فإذا طلع الفجر من ذلك اليوم فهي طالق وكذلك إن قال لها أنت طالق في غرة شهر كذا فإذا رأى غرة شهر كذا فتلك غرته فإن أصابها وهو لا يعلم أن الفجر طلع يوم أوقع عليها الطلاق أو لا يعلم أن الهلال رئي ثم علم أن الفجر طلع قبل إصابته إياها أو الهلال رئي قبل إصابته إياها إلا أنه يعلم أن إصابته كانت بعد المغرب ثم رئي الهلال فقد وقع الطلاق قبل إصابته إياها ولها عليه مهر مثلها بإصابته إياها بعد وقوع طلاقه عليها ثلاثا إن كان طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي عليها من الطلاق إلا هي ، وإن طلقها واحدة فلها عليه مهر مثلها ، ولا تكون إصابته إياها رجعة ، والقول في الإصابة قول الزوج مع يمينه وكذلك هو في الحنث إلا أن تقوم عليه بينة في الحنث بخلاف ما قال أو بينه بإقراره بإصابة توجب عليه شيئا فيؤخذ لها
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (216)
صــــــــــ 198 الى صـــــــــــ 204
( قال ) ولو قال لها أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا أو في غرة هلال شهر كذا أو في دخول شهر كذا أو في استقبال شهر كذا كانت طالقا ساعة تغيب الشمس من الليلة التي يرى فيها هلال [ ص: 198 ] ذلك الشهر ولو رئي هلال ذلك الشهر بعشي لم تطلق إلا بمغيب الشمس لأنه لا يعد الهلال إلا من ليلته لا من نهار يرى فيه لم ير قبل ذلك في ليلته .
ولو قال أنت طالق إذا دخلت سنة كذا أو في مدخل سنة كذا أو في سنة كذا أو إذا أتت سنة كذا كان هذا كالشهر لا يختلف إذا دخلت السنة التي أوقع فيها الطلاق وقع عليها الطلاق ، ولو قال لها أنت طالق في انسلاخ شهر كذا أو بمضي شهر كذا أو نفاد شهر كذا فإذا نفذ ذلك الشهر فرئي الهلال أول ليلة من الشهر الذي يليه فهي طالق .
الطلاق بالوقت الذي قد مضى ( قال الشافعي ) وإذا قال لامرأته أنت طالق أمس أو طالق عام أول أو طالق في الشهر الماضي أو في الجمعة الماضية ثم مات أو خرس فهي طالق الساعة وتعتد من ساعتها ، وقوله طالق في وقت قد مضى يريد إيقاعه الآن محال ( قال الربيع ) وفيه قول آخر للشافعي أنه إذا قال لها أنت طالق أمس وأراد إيقاعه الساعة في أمس فلا يقع به الطلاق لأن أمس قد مضى فلا يقع في وقت غير موجود ( قال الشافعي ) رحمه الله : ولو سئل فقال قلته بلا نية شيء أو قال قلته لأن يقع عليها الطلاق في هذا الوقت وقع عليها الطلاق ساعة تكلم به واعتدت من ذلك الوقت ولو قال قلته مقرا أني قد طلقتها في هذا الوقت ثم أصبتها فلها عليه مهر مثلها وتعتد من يوم أصابها وإن لم يصبها بعد الوقت الذي قال لها أنت طالق في وقت كذا وصدقته أنه طلقها في ذلك الوقت اعتدت منه من حين قاله ، وإن قالت لا أدري اعتدت من حين استيقنت وكانت كامرأة طلقت ولم تعلم ( قال ) ولو كانت المسألة بحالها فقال قد كنت طلقتها في هذا الوقت فعنيت أنك كنت طالقا فيه بطلاقي إياك أو طلقها زوج في هذا الوقت فقلت أنت طالق أي مطلقة في هذا الوقت فإن علم أنها كانت مطلقة في هذا الوقت منه أو من غيره ببينة تقوم أو بإقرار منها أحلف ما أراد به إحداث طلاق وكان القول قوله ، وإن نكل حلف وطلقت وهكذا لو قال لها أنت مطلقة في بعض هذه الأوقات وهكذا إن قال كنت مطلقة أو يا مطلقة في بعض هذه الأوقات
( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته وقد أصابها أنت طالق إذا طلقتك أو حين طلقتك أو متى ما طلقتك أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يطلقها فإذا طلقها واحدة وقعت عليها التطليقة بابتدائه الطلاق وكان وقوع الطلاق عليها غاية طلقها إليه كقوله أنت طالق إذا قدم فلان وإذا دخلت الدار وما أشبه هذا فتطلق الثانية بالغاية ولم يقع عليها بعده طلاق ولو قال لها أنت طالق كلما وقع عليك طلاقي أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يقع عليها طلاقه فإذا أوقع عليها تطليقة يملك الرجعة وقعت عليها الثلاث الأولى بإيقاعه للطلاق والثانية بوقوع التطليقة الأولى التي هي غاية لها .
والثالثة بأن الثانية غاية لها وكان هذا كقوله كلما دخلت الدار وكلما كلمت فلانا فأنت طالق فكلما أحدثت شيئا مما جعله غاية يقع عليها الطلاق به طلقت .
ولو قال إنما أردت بهذا كله أنك إذا طلقتك طالق بطلاقي لم يدين في القضاء لأن ظاهر قوله غير ما قال وكان له فيما بينه وبين الله تعالى أن يحبسها ولا يسعها هي أن تقيم معه لأنها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه وهكذا إن طلقها بصريح الطلاق أو كلام يشبه الطلاق نيته فيه الطلاق وهكذا إن خيرها فاختارت نفسها أو ملكها فطلقت نفسها واحدة لأن كل هذا بطلاقه وقع عليها وكذلك كل طلاق من قبل الزوج مثل الإيلاء وغيره مما يملك فيه الرجعة ( قال ) وإن وقع الطلاق الذي أوقع لا يملك فيه الرجعة لم يقع عليها إلا الطلاق الذي أوقع يملك فيه الرجعة لأن الطلاق الثاني [ ص: 199 ] والثالث لا يقع إلا بغاية الأولى بعد وقوعها فلا يقع طلاقه على امرأة لا يملك رجعتها وذلك مثل قوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق فخالعها فوقعت عليها تطليقة الخلع ولا يقع عليها غيرها لأن الطلاق الذي أوقع بالخلع يقع وهي بعده غير زوجة ولا يملك رجعتها
( قال الربيع ) إذا قال لها أنت طالق إذا طلقتك فأراد أن تكون طالقا بالطلاق إذا طلقها فهي واحدة .
فسخ ( قال الشافعي ) رحمه الله : وكل فسخ كان بين الزوجين فلا يقع به طلاق لا واحدة ولا ما بعدها وذلك أن يكون عبد تحته أمة فتعتق فتختار فراقه أو يكون عنينا فتخير فتختار فراقه أو ينكحها محرما فيفسخ نكاحه أو نكاح متعة ولا يقع بهذا نفسه طلاق ولا بعده لأن هذا فسخ بلا طلاق .
ولو قال رجل لامرأته أنت طالق أين كنت فطلقها تطليقة لم يقع عليها إلا هي لأنها إذا طلقت واحدة فهي طالق أين كانت وهكذا لو قال لها أنت طالق حيث كنت وأنى كنت ومن أين كنت .
ولو قال لها أنت طالق طالقا كانت طالقا واحدة ويسأل عن قوله طالقا فإن قال أردت أنت طالق إذا كنت طالقا وقع اثنتان الأولى بإيقاعه الطلاق .
والثانية بالحنث والأولى لها غاية .
فإن قال أردت اثنتين وقعت اثنتان معا وإن قال أردت إفهام الأولى بالثانية أحلف ، وكانت واحدة
( قال ) ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان بلد كذا وكذا فقدم فلان ذلك البلد طلقت وإن لم يقدم ذلك البلد وقدم بلدا غيره لم تطلق .
ولو قال أنت طالق كلما قدم فلان فكلما قدم فلان طلقت تطليقة ثم كلما غاب من المصر وقدم فهي طالق أخرى حتى يأتي على جميع الطلاق ؟ ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان ميتا لم تطلق لأنه لم يقدم .
ولو قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان مكرها لم تطلق لأن حكم ما فعل به مكرها كما لم يكن ولو قال أنت طالق متى رأيت فلانا بهذا البلد فرأته وقد قدم به مكرها طلقت لأنه أوقع الطلاق برؤيتها نفس فلان وليس في رؤيتها فلانا إكراه لها يبطل به عنها الطلاق ( قال الربيع ) إذا كان كل قدومه وهي في العدة فأما إذا خرجت من العدة فغاب ثم قدم لم يقع عليها طلاق لأنها ليست بزوجة وهي كأجنبية
( قال الشافعي ) ولو قال لها أنت طالق إن كلمت فلانا فكلمت فلانا وهو حي طلقت وإن كلمته حيث يسمع كلامها طلقت وإن لم يسمعه وإن كلمته ميتا أو نائما أو بحيث لا يسمع أحد كلام من كلمه بمثل كلامها لم تطلق .
ولو كلمته وهي نائمة أو مغلوبة على عقلها لم تطلق لأنه ليس بالكلام الذي يعرف الناس ولا يلزمها به حكم بحال ، وكذلك لو أكرهت على كلامه لم تطلق
وإذا قال لامرأته وقد دخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت الأولى ويسأل عما نوى في اللتين بعدها فإن كان أراد تبيين الأولى فهي واحدة وإن كان أراد إحداث طلاق بعد الأولى فهو ما أراد .
وإن أراد بالثالثة تبيين الثانية فهي اثنتان وإن أراد بها طلاقا ثالثا فهي ثالثة وإن مات قبل أن يسأل فهي ثلاث لأن ظاهر قوله أنها ثلاث .
ولو قال لها أنت طالق وطالق طالق وقعت عليها اثنتان الأولى والثانية التي كانت بالواو لأنها استئناف كلام في الظاهر ودين في الثالثة فإن أراد بها طلاقا فهي طالق .
وإن لم يرد بها طلاقا وأراد إفهام الأول أو تكريره فليس بطلاق .
ولو قال أردت بالثانية إفهام الكلام الأول والثالثة إحداث طلاق كانت طالقا ثالثا في الحكم لأن ظاهر الثانية ابتداء طلاق لا إفهام ، ودين فيما بينه وبين الله تعالى ولا يدين في القضاء وتقع الثالثة لأنه أراد بها ابتداء طلاق لا إفهاما وإن احتملته .
وهكذا إن قال لها [ ص: 200 ] أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق وقعت اثنتان ودين في الثالثة كما وصفت
ولو قال لها أنت طالق وأنت طالق ثم أنت طالق وقعت ثلاث لأن الأولى ابتداء طلاق والثانية استئناف وكذلك الثالثة لا تكون في الظاهر إلا استئنافا لأنها ليست على سياق الكلام الأول
ولو قال لها أنت طالق بل طالق كانت طالقا اثنتين ولو قال أردت إفهاما أو تكرير الأولى عليها لم يدين في الحكم لأن بل : إيقاع طلاق حادث لا إفهام ماض غيره
ولو قال لها أنت طالق طلاقا كانت واحدة إلا أن يريد بقوله طلاقا ثانية لأن طالق طلاقا ابتداء صفة طلاق كقوله طلاقا حسنا أو طلاقا قبيحا .
الطلاق بالحساب ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو قال لها أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعدها واحدة كانت طالقا اثنتين .
فإن قال أردت واحدة ولم أرد بالتي قبلها أو بعدها طلاقا لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى : ولو طلقها واحدة ثم راجعها . ثم قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة ، فقال أردت أني كنت قد طلقتها قبلها واحدة
أحلف ودين في الحكم .
ولو قال أنت طالق واحدة بعدها واحدة . ثم سكت . ثم قال أردت بعدها واحدة أوقعها عليك بعد وقت أو لا أوقعها عليك إلا بعده
لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى .
وإذا قال الرجل لامرأته بدنك أو رأسك أو فرجك أو رجلك أو يدك أو سمى عضوا من جسدها أو إصبعها أو طرفا ما كان منها طالق فهي طالق ، ولو قال لها بعضك طالق أو جزء منك طالق أو سمى جزءا من ألف جزء طالقا كانت طالقا والطلاق لا يتبعض وإذا قال لها أنت طالق نصف أو ثلث أو ربع تطليقة أو جزءا من ألف جزء كانت طالقا والطلاق لا يتبعض .
ولو قال لها أنت طالق نصف تطليقة كانت طالقا واحدة إلا أن يريد اثنتين أو يقول أردت أن يقع نصف بحكمه ما كان ونصف مستأنف بحكمه ما كان فتطلق اثنتين وكذلك لو قال لها أنت طالق ثلاثة أثلاث تطليقة أو أربعة أرباع تطليقة كان كل واحد من هؤلاء تطليقة واحدة لأن كل تطليقة تجمع نصفين أو ثلاثة أثلاث أو أربعة أرباع إلا أن ينوي به أكثر فيقع بالنية مع اللفظ ، وهكذا لو قال لها أنت طالق نصف وثلث وسدس تطليقة أو نصف وربع وسدس تطليقة
ولو نظر رجل إلى امرأة له وامرأة معها ليست له بامرأة فقال إحداكما طالق كان القول قوله ، فإن أراد امرأته فهي طالق وإن أراد الأجنبية لم تطلق امرأته ، وإن قال أردت الأجنبية أحلف وكانت امرأته بحالها لم يقع عليها طلاق .
ولو قال لامرأته أنت طالق واحدة في ثنتين كانت طالقا واحدة وسئل عن قوله في اثنتين فإن قال ما نويت شيئا لم تكن طالقا إلا واحدة لأن الواحدة لا تكون داخلة في اثنتين بالحساب فهو ما أراد فهي طالق اثنتين ، وإن قال أردت واحدة في اثنتين مقرونة بثنتين كانت طالقا ثلاثا في الحكم
( قال ) ولو قال أنت طالق واحدة وواحدة كانت طالقا اثنتين ، ولو قال واحدة واثنتين باقية لي عليك كانت طالقا واحدة وكذلك لو قال واحدة وواحدة باقية لي عليك وواحدة لا أوقعها عليك إلا واحدة ، ولو قال أنت طالق واحدة لا يقع عليك إلا واحدة تقع عليك وقعت عليها واحدة حين تكلم بالطلاق .
وإذا كان لرجل أربع نسوة فقال قد أوقعت بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقا واحدة وكذلك لو قال اثنتين أو ثلاثا أو أربعا إلا أن يكون نوى أن كل واحدة من الطلاق تقسم بينهن فتكون كل واحدة منهن طالقا ما سمى من جماعتهن واحدة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، فإن قال قد أوقعت بينكن [ ص: 201 ] خمس تطليقات فكل واحدة منهن طالق اثنتين ، وكذلك ما زاد إلى أن يبلغ ثمان تطليقات فإن زاد على الثمان شيئا من الطلاق كن طوالق ثلاثا ثلاثا ، فإن قال أردت أن يكون ثلاثا أو أربعا أو خمسا لواحدة منهن كانت التي أراد طالقا ثلاثا ولم يدين في الأخر معها في الحكم ودين فيما بينه وبين الله تعالى وكان من بقي طالقا اثنتين اثنتين ، ولو كان قال بينكن خمس تطليقات لبعضكن فيها أكثر مما لبعض كان القول قوله وأقل ما تطلق عليه منهن واحدة في الحكم ثم يوقف حتى يوقع على من أراد بالفضل منهن الفضل ولا يكون له أن يحدث إيقاعا لم يكن أراده في أصل الطلاق فإن لم يكن نوى بالفضل واحدة منهن فشاء أن تكون التطليقة الفضل بينهن أرباعا فكن جميعا تطليقتين ويكون أحق بالرجعة كان ذلك له
وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين فهي طالق واحدة وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة فهي طالق اثنتين وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا كانت طالقا ثلاثا إنما يكون الاستثناء جائزا إذا بقي مما سمى شيء يقع به شيء مما أوقع ، فأما إذا لم يبق مما سمى شيئا مما استثنى فلا يجوز الاستثناء والاستثناء حينئذ محال ، ولو قال لها أنت طالق ثم طالق وطالق إلا واحدة كانت طالقا ثلاثا لأنه قد أوقع كل تطليقة وحدها ولا يجوز أن يستثني واحدة من واحدة كما لو قال لغلامين له مبارك حر وسالم حر إلا سالما لم يجز الاستثناء ووقع العتق عليهما معا كما لا يجوز أن يقول سالم حر إلا سالما لا يجوز الاستثناء إذا فرق الكلام ويجوز إذا جمعه ثم بقي شيء يقع به بعض ما أوقع ، وإذا طلق واحدة واستثنى نصفها فهي طالق واحدة لأن ما بقي من الطلاق يكون تطليقة تامة لو ابتدأه وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم تطلق والاستثناء في الطلاق والعتاق والنذر كهو في الأيمان لا يخالفها .
ولو قال : أنت طالق إن شاء فلان لم تطلق حتى يشاء فلان ، وإن مات فلان قبل أن يشاء أو خرس أو غاب فهي امرأته بحالها ، فإن قالت قد شاء فلان وقال الزوج لم يشأ فلان فالقول قول الزوج مع يمينه ، ولو شاء فلان وهو معتوه أو مغلوب على عقله من غير سكر لم تكن طالقا ولو شاء وهو سكران كانت طالقا لأن كلامه سكران كلام يقع به الحكم .
وإذا قال لامرأته أنت طالق واحدة بائنا فهي طالق واحدة يملك الرجعة ولا يكون البائن بائنا مما ابتدأ من الطلاق إلا ما أخذ عليه جعلا كما لو قال لعبد أنت حر ولا ولاء لي عليك كان حرا وله ولاؤه لأن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم أن { الولاء لمن أعتق } وقضاء الله تبارك وتعالى أن المطلق واحدة واثنتين يملك الرجعة في العدة فلا يبطل ما جعل الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لامرئ بقول نفسه
وإن قال لها أنت طالق واحدة غليظة أو واحدة أغلظ أو أشد أو أفظع أو أعظم أو أطول أو أكبر فهي طالق واحدة لا أكثر منها ويكون الزوج في كلها يملك الرجعة لما وصفت .
وإذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا تقع في كل يوم واحدة كان كما قال ولو وقعت عليها واحدة في أول يوم فإن ألقت حملا فبانت منه ثم جاء الغد ولا عدة عليها منه لم تقع الثانية ولا الثالثة ، فإن قال أنت طالق في كل شهر فوقعت الأولى في أول شهر ووقعت الآخرتان واحدة في كل شهر قبل مضي العدة وقعت الثلاث ولو مضت العدة فوقع منهن شيء بعد مضي العدة لم يلزمها لأنه وقع وهي غير زوجة
ولو قال لها أنت طالق ثلاثا كل سنة واحدة فوقعت الأولى فلم تنقض عدتها منها حتى راجعها فجاءت السنة الثانية وهي زوجة وقعت الثانية فإن راجعها في العدة وجاءت السنة الثالثة وقعت الثالثة وكذلك لو لم يراجعها في العدة ولكن نكحها بعد مضي العدة فجاءت السنة وهي عنده وقع الطلاق ولو وقعت الأولى ثم جاءت السنة الثانية وهي غير زوجة ولا في عدة منه لم تقع الثانية ولو نكحها بعده وجاءت السنة الثانية وهي عنده وقعت الثانية وإن نكحها بعده وجاءت السنة الثالثة [ ص: 202 ] وهي عنده وقعت الثالثة لأنها زوجة ، ولو خالعها فكانت في عدة منه وجاءت سنة وهي في عدة إلا أنه لا يملك رجعتها لم يقع عليها الطلاق في عدة لا يملك رجعتها فيها .
ولو قال لها أنت طالق كلما مضت سنة فخالعها ثم مضت السنة الأولى وليست له بزوجة كانت في عدة منه أو في غير عدة لم يلزمه الطلاق لأن وقت الطلاق وقع وليست له بزوجة فإن نكحها نكاحا جديدا فكلما مضت سنة من يوم نكحت وقعت تطليقة حتى ينقضي طلاق الملك كله ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر : أنه إذا خالعها ثم تزوجها لم يقع عليها الطلاق بمجيء السنة لأن هذا غير النكاح الأول
( قال الشافعي ) ولو قال لها أنت طالق في كل شهر واحدة أو في مضي كل شهر واحدة ثم طلقها ثلاثا قبل أن يقع منهن شيء أو بعد ما وقع بعضهن ونكحت زوجا غيره فأصابها ثم نكحها فمرت تلك الشهور لم يلزمها من الطلاق شيء لأن طلاق ذلك الملك مضى عليه كله وحرمت عليه فلا تحل إلا بعد زوج ونكاح جديد وكانت كمن لم تنكح قط في أن لا يقع عليها طلاق عقده في الملك الذي بعد الزوج ، ولو كان طلقها واحدة أو اثنتين فبقي من طلاق ذلك الملك شيء ثم مرت لها مدة أوقع عليها فيها الطلاق وهو يملكها وقع ، وهكذا لو قال كلما دخلت هذه الدار فأنت طالق فكلما دخلتها وهي زوجة له أو في عدة من الطلاق يملك فيه الرجعة فهي طالق وكلما دخلتها وهي غير زوجة له أو في عدة من فرقة لا يملك الرجعة فهي غير طالق فإذا طلقها ثلاثا فحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم نكحت زوجا غيره فأصابها ثم نكحها ثم دخل بها لم يقع عليها الطلاق بكلام متقدم في ملك نكاح قد حرم حتى كان بعده زوجا أحل استئناف النكاح وإذا هدم نكاح الزوج الطلاق حتى صارت كمن ابتدأ نكاحه ممن لم تنكحه قط هدم اليمين التي يقع بها الطلاق لأنها أضعف من الطلاق .
وهكذا لو قال أنت طالق كلما حضت وغير ذلك مما يقع الطلاق فيه في وقت فعلى هذا الباب كله وقياسه .
ولو قال لها أنت طالق كل سنة ثلاثا فطلقت ثلاثا في أول سنة ثم تزوجت زوجا أصابها ثم نكحها نكاحا جديدا لم يقع عليها فيما يمضي من السنين بعد شيء لأن طلاق الملك الذي عقد فيه الطلاق بوقت قد مضى .
ولو قال لها أنت طالق في كل سنة تطليقة فوقعت عليها واحدة أو اثنتان ثم تزوجها زوج غيره ثم دخل بها ثم طلقها أو مات عنها فنكحها الأول ثم مضت سنة وقعت عليها تطليقة حتى تعد ثلاث تطليقات لأن الزوج يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة ولا الثنتين .
الخلع والنشوز ( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : قال الله تبارك وتعالى { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت لا تطلقني وامسكني واقسم لي ما بدا لك فأنزل الله تعالى { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } الآية ( قال الشافعي ) وقد روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بطلاق بعض نسائه فقالت لا تطلقني ودعني يحشرني الله تعالى في نسائك وقد وهبت يومي وليلتي لأختي عائشة } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن سودة وهبت يومها لعائشة .
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس [ ص: 203 ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة وكان يقسم لثمان } ( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ والقرآن يدل على مثل معاني الأحاديث بأن بينا فيه إذا خافت المرأة نشوز بعلها أن لا بأس عليهما أن يصالحا ونشوز البعل عنها بكراهيته لها فأباح الله تعالى له حبسها على الكره لها فلها وله أن يصالحا وفي ذلك دليل على أن صلحها إياه بترك بعض حقها له .
وقد قال الله عز وجل { وعاشروهن بالمعروف } إلى { خيرا كثيرا } ( قال الشافعي ) فيحل للرجل حبس المرأة على ترك بعض القسم لها أو كله ما طابت به نفسا فإذا رجعت فيه لم يحل له إلا العدل لها أو فراقها لأنها إنما تهب في المستأنف ما لم يجب لها فما أقامت على هبته حل وإذا رجعت في هبته حل ما مضى بالهبة ولم يحل ما يستقبل إلا بتجديد الهبة له ( قال ) وإذا وهبت له ذلك فأقام عند امرأة له أياما ثم رجعت استأنف العدل عليها وحل له ما مضى قبل رجوعها ( قال ) فإن رجعت ولا يعلم بالرجوع فأقام على ما حللته منه ثم علم أن قد رجعت استأنف العدل من يوم علم ولا بأس عليه فيما مضى وإن قال لا أفارقها ولا أعدل لها أجبر على القسم لها ولا يجبر على فراقها ( قال ) ولا يجبر على أن يقسم لها الإصابة وينبغي له أن يتحرى لها العدل فيها ( قال ) وهكذا لو كانت منفردة به أو مع أمة له يطؤها أمر بتقوى الله تعالى وأن لا يضربها في الجماع ولم يفرض عليه منه شيء بعينه إنما يفرض عليه ما لا صلاح لها إلا به من نفقة وسكنى وكسوة وأن يأوي إليها فأما الجماع فموضع تلذذ ولا يجبر أحد عليه ( قال ) ولو أعطاها مالا على أن تحلله من يومها وليلتها فقبلته فالعطية مردودة عليه غير جائزة لها وكان عليه أن يعدل لها فيوفيها ما ترك من القسم لها لأن ما أعطاها عليه لا عين مملوكة ولا منفعة ( قال ) ولو حللته فوهب لها شيئا على غير شرط كانت الهبة لها جائزة ولم يكن له الرجوع فيها إذا قبضتها وإن رجعت هي في تحليله فيما مضى لم يكن لها وإن رجعت في تحليله فيما لم يمض كان لها وعليه أن يعدل لأنها لم تملك ما لم يمض فيجوز تحليلها له فيما ملكت .
جماع القسم للنساء
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } ( قال الشافعي ) سمعت بعض أهل العلم يقول قولا معناه ما أصف { لن تستطيعوا أن تعدلوا } إنما ذلك في القلوب { فلا تميلوا كل الميل } لا تتبعوا أهواءكم أفعالكم فيصير الميل الذي ليس لكم فتذروها وما أشبه ما قالوا عندي بما قالوا لأن الله عز وجل تجاوز عما في القلوب وكتب على الناس الأفعال والأقاويل فإذا مال بالقول والفعل فذلك كل الميل قال الله عز وجل { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } وقال في النساء { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وقال { وعاشروهن بالمعروف } ( قال الشافعي ) وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم القسم بين النساء فيما وصفت من قسمه لأزواجه في الحضر وإحلال سودة له يومها وليلتها ( قال الشافعي ) ولم أعلم مخالفا في أن على المرء أن يقسم لنسائه فيعدل بينهن وقد بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل ثم يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك } يعني والله أعلم قلبه وقد بلغنا أنه كان يطاف به محمولا في مرضه على نسائه حتى مللنه .
[ ص: 204 ] قال الشافعي ) عماد القسم الليل لأنه سكن قال الله تبارك وتعالى { جعل لكم الليل لتسكنوا فيه } وقال { جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها } ( قال الشافعي ) فإذا كان عند الرجل أزواج حرائر مسلمات أو كتابيات ، أو مسلمات وكتابيات . فهن في القسم سواء وعليه أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة
( قال الشافعي ) وإذا كان فيهن أمة قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة ( قال ) ولا يكون له أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها لأن الليل هو القسم ولا بأس أن يدخله في النهار للحاجة لا ليأوي فإذا أراد أن يأوي إلى منزله أوى إلى منزل التي يقسم لها ولا يجامع امرأة في غير يومها فإن فعل فلا كفارة عليه
( قال ) وإن مرضت إحدى نسائه عادها في النهار ولم يعدها في الليل وإن ماتت فلا بأس أن يقيم عندها حتى يواريها ثم يرجع إلى التي لها القسم وإن ثقلت فلا بأس أن يقيم عندها حتى تخف أو تموت ثم يوفي من بقي من نسائه مثل ما أقام عندها
( قال ) وإن أراد أن يقسم ليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا كان ذلك له وأكره مجاوزة الثلاث من العدد من غير أن أحرمه وذلك أنه قد يموت قبل أن يعدل للثانية ويمرض وإن كان هذا قد يكون فيما دون الثلاث
( قال ) وإذا قسم لامرأة ثم غاب ثم قدم ابتدأ القسم للتي تليها في القسم ، وهكذا إن كان حاضرا فشغل عن المبيت عندها ابتدأ القسم كما يبتدئه القادم من الغيبة فيبدأ بالقسم للتي كانت ليلتها
( قال ) وإن كان عندها بعض الليل ثم غاب ثم قدم ابتدأ فأوفاها قدر ما بقي من الليل ثم كان عند التي تليها في آخر الليل حتى يعدل بينهن في القسم
( قال ) وإن كان عندها مريضا أو متداويا أو هي مريضة أو حائضا أو نفساء فذلك قسم يحسبه عليها وكذلك لو كان عندها صحيحا فترك جماعها حسب ذلك من القسم عليها إنما القسم على المبيت كيف كان المبيت
( قال ) ولو كان محبوسا في موضع يصلن إليه فيه عدل بينهن كما يعدل بينهن لو كان خارجا
( قال ) والمريض والصحيح في القسم سواء وإن أحب أن يلزم منزلا لنفسه ثم يبعث إلى كل واحدة منهن يومها وليلتها فتأتيه كان ذلك له وعليهن فأيتهن امتنعت من إتيانه كانت تاركة لحقها عاصية ولم يكن عليه القسم لها ما كانت ممتنعة ( قال ) وهكذا لو كانت في منزله أو في منزل يسكنه فغلقته دونه وامتنعت منه إذا جاءها أو هربت أو ادعت عليه طلاقا كاذبة حل له تركها والقسم لغيرها وترك أن ينفق عليها حتى تعود إلى أن لا تمتنع منه وهذه ناشز ، وقد قال الله تبارك وتعالى { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن } فإذا أذن في هجرتها في المضجع لخوف نشوزها كان مباحا له أن يأتي غيرها من أزواجه في تلك الحال وفيما كان مثلها ( قال الشافعي ) رحمه الله : وهكذا الأمة إذا امتنعت بنفسها أو منعها أهلها منه فلا نفقة ولا قسم لها حتى تعود إليه .
وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه أو غير إذنه فلا نفقة ولا قسم
( قال ) وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها وهي إذا أشخصها مخالفة لها إذا شخص هو وهي مقيمة لأن إشخاصه إياها كنقلها إلى منزل فليس له تركها فيه بلا نفقة ولا قسم وشخوصه هو شخوص بنفسه وهو الذي عليه القسم لا له
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (217)
صــــــــــ 205 الى صـــــــــــ 210
وكذلك إذا سافر بها أهلها بإذنه أو غير إذنه فلا نفقة ولا قسم
( قال ) وإذا سافرت الحرة بإذنه أو بغير إذنه فلا قسم لها ولا نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها فلا يسقط عنه نفقتها ولا قسمها وهي إذا أشخصها مخالفة لها إذا شخص هو وهي مقيمة لأن إشخاصه إياها كنقلها إلى منزل فليس له تركها فيه بلا نفقة ولا قسم وشخوصه هو شخوص بنفسه وهو الذي عليه القسم لا له
( قال ) وإذا جنت امرأة من نسائه أو خبلت فغلبت على عقلها فكانت تمتنع منه سقط حقها في القسم ، فإن لم تكن تمتنع فلها حقها في القسم وكذلك لو خرست أو مرضت أو ارتتقت كان لها حقها في القسم ما لم تمتنع منه أو يطلقها .
وإنما قلنا يقسم للرتقاء وإن لم يقدر عليها كما قلنا يقسم للحائض ولا يحل له جماعها لأن القسم على السكن لا على الجماع ألا [ ص: 205 ] ترى أنا لا نجبره في القسم على الجماع وقد يستمتع منها وتستمتع منه بغير جماع
( قال ) وإذا كان الزوج عنينا أو خصيا أو مجبوبا أو من لا يقدر على النساء بحال أو لا يقدر عليهن إلا بضعف أو إعياء فهو والصحيح القوي في القسم سواء لأن القسم على ما وصفت من السكن وكذلك هو في النفقة على النساء وما يلزم لهن
( قال ) وإذا تزوج المخبول أو الصحيح فغلب على عقله وعنده نسوة انبغى لوليه القائم بأمره أن يطوف به عليهن أو يأتيه بهن حتى يكن عنده ويكون عندهن كما يكون الصحيح العقل عند نسائه ويكن عنده وإن أغفل ذلك فبئس ما صنع وإن عمد أن يجوز به أثم هو ولا مأثم على مغلوب على عقله .
( قال ) ولو كان رجل يجن ويفيق وعنده نسوة فعزل في يوم جنونه عن نسائه جعل يوم جنونه كيوم من غيبته واستأنف القسم بينهن وإن لم يفعل فكان في يوم جنونه عند واحدة منهن حسب كما إذا كان مريضا فقسم لها وقسم للأخرى يومها وهو صحيح
( قال ) ولو قسم لها صحيحا فجن في بعض الليل وكان عندها كانت قد استوفت وإن خرج من عندها أوفى لها ما بقي من الليل ( قال ) وإن جنت هي أو خرجت في بعض الليل كان له أن يكون عند غيرها ولا يوفيها شيئا من قسمها ما كانت ممتنعة منه ويقسم لنسائه البواقي قسم النساء لا امرأة معهن غيرهن
( قال ) ولو استكرهه سلطان أو غيره أو خرج طائعا من عند امرأة في الليل عاد فأوفاها ما بقي من الليل ( قال ) وإن كان ذلك في النهار لم يكن عليه فيه شيء إذا لم يكن ذاهبا إلى غيرها من نسائه ولا أكره في النهار شيئا إلا أثرة غيرها من أزواجه فيه بمقام أو جماع ، فإذا أقام عند غيرها في نهارها أوفاها ذلك من يوم التي أقام عندها
( قال ) ولو كان له مع نسائه إماء يطؤهن لم يكن للإماء قسم مع الأزواج ويأتيهن كيف شاء أكثر مما يأتي النساء في الأيام والليالي والجماع وأقل كما يكون له أن يسافر ويغيب في المصر عن النساء فإذا صار إلى النساء عدل بينهن وكذلك يكون له ترك الجواري والمقام مع النساء غير أني أحب في الأحوال كلها أن لا يؤثر على النساء وأن لا يعطل الجواري
( قال ) وهكذا إذا كان له جوار لا امرأة معهن كان عند أيتهن شاء ما شاء وكيفما شاء وأحب له أن يتحرى استطابة أنفسهن بمقارنة وأن يجعل لكل واحدة منهن حظا منه
( قال ) وإذا تزوج الرجل المرأة وخلي بينه وبينها فعليه نفقتها والقسم لها من يوم يخلون بينه وبينها
( قال ) وإذا كان لرجل أربع نسوة فقسم لثلاث وترك واحدة عامدا أو ناسيا قضاها الأيام التي ترك القسم لها فيها متتابعات لا فرق بينهن واستحلها إن كان ترك القسم لها أربعين ليلة فلها منها عشر فيقضيها العشر متتابعات ولو كان نساؤه الحواضر ثلاثا فترك القسم لهن ثلاثين ليلة وقدمت امرأة له كانت غائبة بدأ فقسم للتي ترك القسم لها يومها ويوم المرأتين اللتين قسم لهما وتركها وذلك ثلاث ثم قسم للغائبة يوما ثم قسم للتي ترك القسم لها ثلاثا حتى يوفيها جميع ما ترك لها من القسم ، ولو قسم رجل بين نسائه يومين أو ثلاثا لكل امرأة ثم طلق امرأة لم يقسم لها أو ترك القسم لها لم يكن عليه إلا أن يستحل التي ترك القسم لها ولو راجعها أو نكحها نكاحا جديدا أوفاها ما كان لها من القسم
( قال ) ولو كان لرجل زوجة مملوكة وحرة فقسم للحرة يومين ثم دار إلى المملوكة فعتقت فإن كانت عتقت وقد أوفاها يومها وليلتها دار إلى الحرة فقسم لها يوما وللأمة التي أعتقت يوما ، وإن لم يكن أوفاها ليلتها حتى عتقت يبيت عندها ليلتين حتى يسويها بالحرة لأنها قد صارت كهي قبل أن تستكمل حظها من القسم
( قال ) ويقسم للمرأة قد آلى منها وللمرأة قد تظاهر منها ولا يقرب التي تظاهر منها وكذلك إذا أحرمت بأمره قسم لها ولم يقربها [ ص: 206 ] وكذلك القسم لو كان هو محرما ولا يقرب واحدة ممن معه في إحرامه .
القسم للمرأة المدخول بها ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت } ( قال الشافعي ) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدث { عن أم سلمة أنها أخبرته أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم أنها ابنة أبي أمية بن المغيرة فكذبوها وقالوا ما أكذب الغرائب حتى أنشأ أناس منهم الحج فقالوا أتكتبين إلى أهلك ؟ فكتبت معهم فرجعوا إلى المدينة قالت فصدقوني وازددت عليهم كرامة فلما حللت جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني فقلت له ما مثلي نكح أما أنا فلا ولد في وأنا غيور ذات عيال ، فقال : أنا أكبر منك وأما الغيرة فيذهبها الله تعالى وأما العيال فإلى الله ورسوله فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يأتيها ويقول أين زناب ؟ حتى جاء عمار بن ياسر فاختلجها فقال هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت ترضعها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب ؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية وواقفها عندما أخذها عمار بن ياسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني آتيكم الليلة قالت فقمت فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرة وأخرجت شحما فعصدته له أو صعدته شك الربيع قالت فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح فقال حين أصبح إن لك على أهلك كرامة فإن شئت سبعت لك وإن أسبع أسبع لنسائي } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن حميد عن أنس أنه قال للبكر سبع وللثيب ثلاث .
( قال الشافعي ) وحديث ابن جريج ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على أن الرجل إذا تزوج البكر كان له أن يقيم عندها سبعا وإذا تزوج الثيب كان له أن يقيم عندها ثلاثا ولا يحسب عليه لنسائه اللاتي كن عنده قبلها فيبدأ من السبع ومن الثلاث ( قال ) وليس له في البكر ولا الثيب إلا إيفاؤهما هذا العدد إلا أن يحللاه منه ( قال ) وإن لم يفعل وقسم لنسائه عاد فأوفاهما هذا العدد كما يعود فيما ترك من حقهما في القسم فيوفيهما
( قال ) ولو دخلت عليه بكران في ليلة أو ثيبان أو بكر وثيب كرهت له ذلك وإن دخلتا معا عليه أقرع بينهما فأيتهما خرج سهمها بدأ فأوفاها أيامها ولياليها ، وإن لم يقرع فبدأ بإحداهما رجوت أن يسعه لأنه لا يصل إلى أن يوفيهما حقهما إلا بأن يبدأ بإحداهما ولا أحب له أن يقسم بينهما أربع عشرة لأن حق كل واحدة منهما موالاة أيامها ( قال ) فإن فعل لم أر عليه إعادة أيام لها بعد العدة التي أوفاها إياها وإن دخلت عليه إحداهما بعد الأخرى بدأ فأوفى التي دخلت عليه أولا أيامها ( قال ) وإذا بدأ بالتي دخلت عليه آخرا أحببت له أن يقطع ويوفي الأولى قبلها فإن لم يفعل ثم أوفى الأولى لم يكن لها زيادة على أيامها ولا يزاد أحد في العدد بتأخير حقها ( قال ) وإذا فرغ من أيام البكر والثيب استأنف القسم بين أزواجه فعدل بينهن
( قال ) فإن كانت عنده امرأتان ثم نكح عليهما واحدة فدخلت بعد ما قسم لواحدة فإذا أوفى التي دخلت عليه أيامها بدأ بالتي كان لها القسم بعد التي كانت عنده ( قال ) ولا يضيق عليه [ ص: 207 ] أن يدخل عليها في أي يوم أو أي ليلة شاء من ليالي نسائه ( قال ) ولا أحب في مقامه عند بكر ولا ثيب أن يتخلف عن صلاة ولا بر كان يعمل قبل العرس ولا شهود جنازة ولا يجوز له أن يتخلف عن إجابة دعوة .
سفر الرجل بالمرأة ( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن ابن شهاب عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } ( قال الشافعي ) فإذا كان للرجل نسوة فأراد سفرا فليس بواجب أن يخرج بهن ولا بواحدة منهن وإن أراد الخروج بهن أو ببعضهن فذلك له فإن أراد الخروج بواحدة أو اثنتين أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها ولم يكن له أن يخرج بغيرها وله أن يتركها إن شاء ، وهكذا إن أراد الخروج باثنتين أو ثلاث لم يخرج بواحدة منهن إلا بقرعة فإن خرج بواحدة منهن بغير قرعة كان عليه أن يقسم لمن بقي بقدر مغيبه مع التي خرج بها ( قال ) فإذا خرج بامرأة بالقرعة كان لها السفر خالصا دون نسائه لا يحتسب عليها ولا لهن من مغيبها معه في السفر منفردة شيء وسواء قصر سفره أو طال ( قال ) ولو أراد السفر لنقله لم يكن له أن ينتقل بواحدة منهن إلا أوفى البواقي مثل مقامه معها ( قال ) ولو خرج مسافرا بقرعة ثم أزمع المقام لنقله كان للتي سافر بها بالقرعة ما مضى قبل إزماعه المقام على النقلة وحسب عليها مقامه معها بعد النقلة فأوفى البواقي حقوقهن فيها
( قال ) ولو أقرع بين نسائه على سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها ثم أراد سفرا قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كله كالسفر الواحد ما لم يرجع فإذا رجع فأراد سفرا أقرع
( قال ) ولو سافر بواحدة فنكح في سفره أخرى كان للتي نكح ما للمنكوحة من الأيام دون التي سافر بها ثم استأنف القسم بينهما بالعدد ولا يحسب لنسائه اللاتي خلف من الأيام التي نكح في سفره شيئا لأنه لم يكن حيث يمكنه القسم لهن .
نشوز المرأة على الرجل
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } إلى قوله { سبيلا } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تضربوا إماء الله قال فأتاه عمر بن الخطاب ، فقال : يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن فأذن في ضربهن فأطاف بآل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم } ( قال الشافعي ) في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء .
ثم إذنه في ضربهن وقوله { لن يضرب خياركم } يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم نهى عنه على اختيار النهي وأذن فيه بأن مباحا لهم الضرب في الحق واختار لهم أن لا يضربوا لقوله { لن يضرب خياركم } ( قال ) ويحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن ثم أذن لهم بعد نزولها بضربهن ( قال الشافعي ) وفي قوله { لن يضرب خياركم } دلالة على أن ضربهن مباح لا فرض أن [ ص: 208 ] يضربن ونختار له من ذلك ما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحب للرجل أن لا يضرب امرأته في انبساط لسانها عليه وما أشبه ذلك ( قال الشافعي ) وأشبه ما سمعت والله أعلم في قوله { واللاتي تخافون نشوزهن } أن لخوف النشوز دلائل فإذا كانت { فعظوهن } لأن العظة مباحة فإن لججن فأظهرن نشوزا بقول أو فعل { واهجروهن في المضاجع } فإن أقمن بذلك على ذلك " فاضربوهن " وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهي عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما ( قال ) ويحتمل في { تخافون نشوزهن } إذا نشزن فبان النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب ( قال ) ولا يبلغ في الضرب حدا ولا يكون مبرحا ولا مدميا ويتوقى فيه الوجه ( قال ) ويهجرها في المضجع حتى ترجع عن النشوز ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا لأن الله عز وجل إنما أباح الهجرة في المضجع .
والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة كلام { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاوز بالهجرة في الكلام ثلاثا } ( قال ) ولا يجوز لأحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها ( قال ) وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز والامتناع نشوز ( قال ) ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في قوله عز وجل { وللرجال عليهن درجة } وقوله { وعاشروهن بالمعروف } وهو ما ذكرنا مما لها عليه في بعض الأمور من مؤنتها وله عليها مما ليس لها عليه ولكل واحد منهما على صاحبه . الحكمين
( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } الآية ( قال الشافعي ) والله أعلم بمعنى ما أراد فأما ظاهر الآية فإن خوف الشقاق بين الزوجين أن يدعي كل واحد منهما على صاحبه منع الحق ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح ولا ترك القيام بالشقاق وذلك أن الله عز وجل أذن في نشوز المرأة بالعظة والهجرة والضرب ولنشوز الرجل بالصلح فإذا خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ونهى إذا أراد الزوج استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا ( قال الشافعي ) فإذا ارتفع الزوجان المخوف شقاقهما إلى الحاكم فحق عليه أن يبعث حكما من أهله وحكما من أهلها من أهل القناعة والعقل ليكشفا أمرهما ويصلحا بينهما إن قدرا ( قال ) وليس له أن يأمرهما بفرقان إن رأيا إلا بأمر الزوج ولا يعطيا من مال المرأة إلا بإذنها ( قال ) فإن اصطلح الزوجان وإلا كان على الحاكم أن يحكم لكل واحد منهما على صاحبه بما يلزمه من حق في نفس ومال وأدب ( قال ) وذلك أن الله عز وجل إنما ذكر أنهما { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ولم يذكر تفريقا ( قال ) وأختار للإمام أن يسأل الزوجين أن يتراضيا بالحكمين ويوكلاهما معا فيوكلهما الزوج إن رأيا أن يفرقا بينهما فرقا على ما رأيا من أخذ شيء أو غير أخذه إن اختبرا توليا من المرأة عنه ( قال ) وإن جعل إليهما إن رضيت بكذا وكذا فأعطياها ذلك عني واسألاها أن تكف عني كذا وللمرأة أن توكلهما إن شاءت بأن يعطيا عنها في الفرقة شيئا تسميه إن رأيا أنه لا يصلح الزوج غيره وإن رأيا أن يعطياه أن يفعلا أو له كذا ويترك لها كذا فإن فعل ذلك الزوجان [ ص: 209 ] أمر الحكمين بأن يجتهدا فإن رأيا الجمع خيرا لم يصيرا إلى الفراق وإن رأيا الفراق خيرا أمرهما فصارا إليه وإن رجع الزوجان أو أحدهما بعدما يوكلانهما عن الوكالة أو بعضها أمرهما بما أمرهما به أولا من الإصلاح ولم يجعلهما وكيليهما إلا فيما وكلا فيه ( قال ) ولا يجبر الزوجان على توكيلهما إن لم يوكلا وإذا وكلاهما معا كما وصفت لم يجز أمر واحد منهما دون صاحبه فإن فرق أحدهما ولم يفرق الآخر لم تجز الفرقة ، وكذلك إن أعطى أحدهما على الآخر شيئا ( قال ) وإن غاب أحد الحكمين أو غلب على عقله بعث حكما غير الغائب أو المغلوب المصلح من قبل الحاكم وبالوكالة إن وكله بها الزوجان ( قال ) وإن غلب أحد الزوجين على عقله لم يمض الحكمان بينهما شيئا حتى يعود إليه عقله ثم يجدد وكالة ( قال ) وإن غاب أحد الزوجين ولم يفسخ الوكالة أمضى الحكمان رأيهما ولم تقطع غيبة واحد منهما الوكالة ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني أنه قال في هذه الآية { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } قال جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه ومع كل واحد منهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ، عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي ، وقال الرجل أما الفرقة فلا . فقال علي رضي الله عنه كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به .
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة سمعه يقول : تزوج عقيل بن أبي طالب فاطمة بنت عتبة فقالت له اصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة ؟ أين شيبة بن ربيعة ؟ فيسكت عنها حتى دخل عليها يوما وهو برم فقالت أين عتبة بن ربيعة أين شيبة بن ربيعة ؟ فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان بن عفان فذكرت له ذلك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف قال فأتياهما فوجداهما قد شدا عليهما أثوابهما وأصلحا أمرهما .
( قال الشافعي ) حديث علي ثابت عندنا وهو إن شاء الله كما قلنا لا نخالفه لأن عليا إذ قال لهم ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها والزوجان حاضران فإنما خاطب به الزوجين أو من أعرب عنهما بحضرتهما بوكالة الزوجين أو رضاهما بما قال وقوله للرجل لا والله حتى تقر بمثل ما أقرت به أن لا يقضي الحكمان إن رأيا الفرقة إذا رجعت عن توكيلهما حتى تعود إلى الرضا بأن يكونا بوكالتك ناظرين بما يصلح أمركما ولو كان للحاكم أن يبعث حكمين بفرقة بلا وكالة الزوج ما احتاج علي رضي الله عنه إلى أن يقول لهما ابعثوا ولبعث هو ولقال للزوج إن رأيا الفراق أمضيا ذلك عليك وإن لم تأذن به ولم يحلف لا يمضي الحكمان حتى يقر ولو كان للحاكم جبر الزوجين على أن يوكلا كان له أن يمضيه بلا أمرهما ( قال ) وليس في الحديث الذي روي عن عثمان دلالة كالدلائل في حديث علي رضي الله عنه وهو يشبه أن يكون كالحديث عن علي فإن قال قائل : فقد يحتمل خلافه قيل نعم : وموافقته فلست بأولى بأحد الوجهين من غيرك بل هو إلى موافقة حديث علي كرم الله وجهه أقرب من أن يكون قوله خلافه .
ما يجوز به أخذ مال المرأة منها ( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } الآية ( قال الشافعي ) فكان في هذه الآية إباحة أكله إذا طابت نفسها ودليل على أنها إذا لم تطب به نفسا لم يحل أكله ( قال ) وقد قال [ ص: 210 ] الله عز وجل { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } إلى مبينا ( قال ) وهذه الآية في معنى الآية التي كتبنا قبلها ، وإذا أراد الرجل الاستبدال بزوجته ولم ترد هي فرقته لم يكن له أن يأخذ من مالها شيئا بأن يستكرهها عليه ولا أن يطلقها لتعطيه فدية منه فإن فعل وأقر بذلك أو قامت عليه بينة رد ما أخذ منها عليها وإن كان طلقها عليه لزمه ما سمى من عدد الطلاق وكان يملك فيه الرجعة إن لم يأت على جميع طلاقها ( قال ) ويشبه والله تعالى أعلم أن لا يكون له إذا أزمع على فراقها أن يأتهب من مالها شيئا ثم يطلقها ، وذلك أن إعطاءها يكون على استطابة نفسه بحبسها لا على فراقها ويشبه معاني الخديعة لها ( قال ) ولا يبين لي رد ذلك عليها لو وهبته بلا ضرورة ثم طلقها لأن ظاهره أنها طابت به نفسا ( قال ) ولو علمته يريد الاستبدال بها ولم يمنعها حقها فنشزت ومنعته بعض الحق وأعطته مالا جاز له أخذه وصارت في معنى من يخاف أن لا يقيم حدود الله وخرجت من أن يكون يراد فراقها فيفارق بلا سبب منها ولا منع لحق في حال متقدمة لإرادته ولا متأخرة .
حبس المرأة على الرجل يكرهها ليرثها ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } الآية ( قال الشافعي ) يقال والله أعلم نزلت في الرجل يمنع المرأة حق الله تعالى عليه في عشرتها بالمعروف عن غير طيب نفسها ويحبسها لتموت فيرثها أو يذهب ببعض ما آتاها استثنى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .
وقيل لا بأس بأن يحبسها كارها لها إذا أدى حق الله تعالى فيها لقول الله عز وجل { وعاشروهن بالمعروف } قرأ إلى " كثيرا " ( قال ) وقيل في هذه الآية دلالة على أنه إنما حرم عليه حبسها مع منعها الحق ليرثها أو يذهب ببعض ما آتاها ( قال ) وإذا منعها الحق وحبسها وذهب ببعض ما آتاها فطلبته فهو مردود عليها إذا أقر بذلك أو قامت به بينة ( قال الشافعي ) وقد قيل فإن أتت عنده بفاحشة وهي الزنا فحبسها على منع الحق في القسم لا أن ضربها ولا منعها نفقة فأعطته بعض ما آتاها حل له أخذه وكانت معصيتها الله بالزنا ثم معصيته أكبر من معصيتها في غير الزنا وهي إذا عصته فلم تقم حدود الله لم يكن عليه جناح فيما افتدت به
( قال ) فإن حبسها مانعا لها الحق ولم تأت بفاحشة ليرثها فماتت عنده لم يحل له أن يرثها ولا يأخذ منها شيئا في حياتها فإن أخذه رد عليها وكان أملك برجعتها .
وقيل : إن هذه الآية منسوخة وفي معنى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } إلى { سبيلا } فنسخت بآية الحدود { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فقال النبي صلى الله عليه وسلم { خذوا عني خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الرجم } فلم يكن على امرأة حبس يمنع به حق الزوجة على الزوج وكان عليها الحد ( قال ) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل والله أعلم لأن لله أحكاما بين الزوجين بأن جعل له عليها أن يطلقها محسنة ومسيئة ويحبسها محسنة ومسيئة وكارها لها وغير كاره ولم يجعل له منعها حقها في حال .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (218)
صــــــــــ 211 الى صـــــــــــ 217
ما تحل به الفدية ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } إلى { فيما [ ص: 211 ] افتدت به } ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد { عن عمرة أن حبيبة بنت سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ قالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله لا أنا ولا ثابت لزوجها فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها } ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة { عن حبيبة بنت سهل أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم في الغلس وهي تشكو شيئا ببدنها وهي تقول لا أنا ولا ثابت بن قيس فقالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ثابت خذ منها فأخذ منها وجلست } ( قال الشافعي ) فقيل والله أعلم في قوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب عليها له أو أكثره إليه ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه أو أكثره فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج وإذا لم يقم أحدهما حدود الله فليسا معا مقيمين حدود الله .
وقيل : وهكذا قول الله عز وجل { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } إذا حل ذلك للزوج فليس بحرام على المرأة والمرأة في كل حال لا يحرم عليها ما أعطت من مالها وإذا حل له ولم يحرم عليها فلا جناح عليهما معا ، وهذا كلام صحيح جائز إذا اجتمعا معا في أن لا جناح عليهما وقد يكون الجناح على أحدهما دون الآخر .
فلا يجوز أن يقال : فلا جناح عليهما وعلى أحدهما جناح ( قال ) وما أشبه ما قيل من هذا بما قيل لأن الله عز وجل حرم على الرجل إذا أراد استبدال زوج مكان زوج أن يأخذ مما آتاها شيئا ( قال ) وقيل أن تمتنع المرأة من أداء الحق فتخاف على الزوج أن لا يؤدي الحق إذا منعته حقا فتحل الفدية ( قال ) وجماع ذلك أن تكون المرأة المانعة لبعض ما يجب عليها له المفتدية تحرجا من أن لا تؤدي حقه أو كراهية له ، فإذا كان هكذا حلت الفدية للزوج ولو خرج في بعض ما تمنعه من الحق إلى إيذائها بالضرب أجزت ذلك له لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لثابت بأخذ الفدية من حبيبة وقد نالها بالضرب ( قال ) وكذلك لو لم تمنعه بعض الحق وكرهت صحبته حتى خافت تمنعه كراهية صحبته بعض الحق فأعطته الفدية طائعة حلت له ، وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت له نفسا ويأخذ عوضا بالفراق ( قال ) ولا وقت في الفدية كانت أكثر مما أعطاها أو أقل لأن الله عز وجل يقول { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وتجوز الفدية عند السلطان ودونه كما يجوز إعطاء المال والطلاق عند السلطان ودونه .
الكلام الذي يقع به الطلاق ولا يقع ( قال الشافعي ) رحمه الله : الخلع طلاق فلا يقع إلا بما يقع به الطلاق فإذا قال لها إن أعطيتني كذا وكذا فأنت طالق أو قد فارقتك أو سرحتك وقع الطلاق ، ثم لم أحتج إلى النية ( قال ) وإن قال لم أنو طلاقا دين فيما بينه وبين الله عز وجل وألزم في القضاء ، وإذا قال لها إن أعطيتني كذا فأنت بائن أو خلية أو برية سئل : فإن أراد الطلاق فهي طالق وإن لم يرد الطلاق فليس بطلاق ويرد شيئا إن أخذه منها
( قال ) وإذا قال لها قد خالعتك أو فاديتك أو ما أشبه هذا لم يكن طلاقا إلا بإرادته الطلاق لأنه [ ص: 212 ] ليس بصريح الطلاق ( قال ) وسواء كان هذا عند غضب أو رضا وذكر طلاق أو غير ذكره إنما أنظر إلى عقد الكلام الذي يلزم لا سببه ، وإذا قالت المرأة لزوجها اخلعني أو بني أو أبني أو بارئني أو ابرأ مني ولك علي ألف أو لك هذه الألف أو لك هذا العبد وهي تريد الطلاق فطلقها فله ما ضمنت له وما أعطته
( قال ) وكذلك لو قالت له اخلعني على ألف ففعل كانت له الألف ما لم يتناكرا فإن قالت إنما قلت علي ألف ضمنها لك غيري أو علي ألف لي عليك لا أعطيك أو علي ألف فلس وأنكر تحالفا وكان له عليها مهر مثلها ، وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ولك علي ألف درهم فقال أنت طالق على ألف إن شئت فلها المشيئة وقت الخيار فإن لم تشأ حتى مضى وقت الخيار لم يكن لها مشيئة وإن شاءت بعد ذلك كانت مشيئتها باطلة وهي امرأته بحالها
( قال ) وهكذا فإن قال لها أنت طالق إن أعطيتني ألفا . فقالت خذها مما لي عليك . أو قالت أنا أضمنها لك وأعطيك بها رهنا
لم يكن هذا طلاقا لأنها لم تعطه ألفا في واحد من هذه الأحوال ( قال ) ولو أعطته ألفا في وقت الخيار لزمه الطلاق فإن لم تعطه الألف حتى يمضي وقت الخيار ثم أعطته إياها لم يلزمه الطلاق وسواء هرب الزوج أو غاب حتى مضى وقت الخيار أو أبطأت هي بإعطائه الألف حتى مضى وقت الخيار
( قال ) وإذا كان للرجل امرأتان فسألتاه أن يطلقهما بألف فطلقهما في ذلك المجلس لزمهما الطلاق وفي المال قولان أحدهما أن الألف عليهما على قدر مهور مثلهما والآخر أن على كل واحدة منهما مهر مثلها لأن الخلع وقع على كل واحدة منهما بشيء مجهول ( قال الربيع ) وهذا أصح القولين عندي
( قال ) وإن قالت له امرأتان له لك ألف فطلقنا معا فطلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الأخرى لزم المطلقة مهر مثلها ولو طلق الأخرى بعد ذلك الوقت لزمه الطلاق وكان يملك فيه الرجعة ولم يلزمها من المال شيء إنما يلزمها المال إذا طلقها في وقت الخيار ( قال ) ولو قالتا طلقنا بألف فقال إن شئتما فأنتما طالقان لم تطلقا حتى يشاءا معا في وقت الخيار فإن شاءت إحداهما ولم تشأ الأخرى حتى مضى وقت الخيار لم تطلقا قال فإن شاءتا معا فله على كل واحدة منهما مهر مثلها
( قال ) وإذا قال رجل لامرأته : إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا في وقت الخيار وقع الطلاق وليس له أن يمتنع إذا دفعتها إليه في ذلك الوقت ولا لها أن ترجع فيها ( قال ) وهكذا إن قال أعطيتني أو إن أعطيتني وما أشبه هذا فإنما ذلك على وقت الخيار فإذا مضى لم يقع في شيء
( قال ) وإن قال متى أعطيتني أو أي وقت أعطيتني أو أي حين أعطيتني ألفا فأنت طالق فلها أن تعطيه ألفا متى شاءت وليس له أن يمتنع من أخذها ولا لها إذا أعطته ألفا أن ترجع فيها لأن هذا كله غاية كقوله متى دخلت الدار فأنت طالق أو متى قدم فلان فأنت طالق فليس له أن يقول قد رجعت فيما قلت وعليه متى دخلت الدار أو قدم فلان أن تطلق .
ما يقع الخلع من الطلاق ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا خالع الرجل امرأته فنوى الطلاق ولم ينو عددا منه بعينه فالخلع تطليقة لا يملك فيها الرجعة لأنها بيع من البيوع ولا يجوز أن يملك عليها مالها ويكون أملك بها .
وإنما جعلناها تطليقة لأن الله تعالى يقول { الطلاق مرتان } فعقلنا عن الله تعالى أن ذلك إنما يقع بإيقاع الزوج وعلمنا أن الخلع لم يقع إلا بإيقاع الزوج
( قال ) وإذا خالع الرجل امرأته فسمى طلاقا على خلع أو فراق أو سراح فهو طلاق وهو ما نوى وكذلك إن سمى ما يشبه الطلاق من الكلام بنية الطلاق [ ص: 213 ] قال ) وجماع هذا أن ينظر إلى كل كلام يقع به الطلاق بلا خلع فنوقعه به في الخلع وكل ما لا يقع به طلاق بحال على الابتداء يوقع به خلع فلا نوقع به خلعا حتى ينوي به الطلاق وإذا لم يقع به طلاق فما أخذ الزوج من المرأة مردود عليها ( قال ) فإن نوى بالخلع اثنتين أو ثلاثا فهو ما نوى ( قال ) وكذلك إن سمى عددا من الطلاق فهو ما سمى وقد روي نحو من هذا عن عثمان رضي الله عنه ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن طهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية ( قال الشافعي ) وهذا كما روي عن عثمان رضي الله عنه إن لم يسم بالخلع تطليقة لأنه من قبل الزوج ولو سمى أكثر من تطليقة فهو ما سمى
( قال ) والمختلعة مطلقة فعدتها عدتها ولها السكنى ولا نفقة لها لأن زوجها لا يملك الرجعة
( قال ) وإذا خالعها ثم طلقها في العدة لم يقع عليها الطلاق لأنها ليست بزوجة ولا في معاني الأزواج بحال بأن يكون له عليها رجعة ولا تحل له إلا بنكاح جديد كما كانت قبل أن ينكحها وكذلك لو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لم يقع عليه إيلاء ولا ظهار ولا لعان إن لم يكن ولد ولو ماتت أو مات لم يتوارثا ( قال ) وإنما قلت هذا بدلالة كتاب الله عز وجل لأن الله تعالى حكم بهذه الأحكام الخمسة من الإيلاء والظهار واللعان والطلاق والميراث بين الزوجين ، فلما عقلنا عن الله تعالى أن هذين غير زوجين لم يجز أن يقع عليها طلاقه فإن قال قائل فهل فيه من أثر ؟ فأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير
( قال ) ولو خالعت المرأة زوجها بألف ودفعتها إليه ثم أقامت بينة أو أقر أن نكاحها كان فاسدا أو أنه قد كان طلقها ثلاثا قبل الخلع أو تطليقة لم يبق له عليها غيرها أو خالعها ولم يجدد لها نكاحا رجعت عليه في كل هذا بما أخذ منها ( قال ) وهكذا لو خالعته ثم وجد نكاحها فاسدا كان الخلع باطلا وترجع بما أخذ منها ولا نكاح بينهما .
ما يجوز خلعه وما لا يجوز ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : جماع معرفة ما يجوز خلعه ما النساء أن ينظر إلى كل من جاز أمره في ماله فنجيز خلعه ومن لم يجز أمره في ماله فنرد خلعه ، فإن كانت المرأة صبية لم تبلغ أو بالغا ليست برشيدة أو محجورا عليها أو مغلوبة على عقلها فاختلعت من زوجها بشيء قل أو كثر فكل ما أخذ منها مردود عليها وما طلقها على ما أخذ منها واقع عليها وهذا يملك الرجعة فإذا بطل ما أخذ ملك الرجعة في الطلاق الذي وقع به إلا أن يكون طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي له عليها غيرها
( قال ) وهكذا إن خالع عنها وليها بأمرها من مالها كان أو غيره فالمال مردود وليس للسلطان أن يخالع عنها من مالها فإن فعل فالطلاق واقع والخلع مردود عليها ولو خالع عنها وهي صبية بأن أبرأ زوجها من مهرها أو دين لها عليه أو أعطاه شيئا من مالها كان الطلاق الذي وقع بالمال واقعا عليها وكان مالها الذي [ ص: 214 ] دفعته إليه مردودا عليها وحقها ثابت عليه من الصداق وغيره ولا يبرأ الزوج من شيء مما أبرأه منه الأب والولي غير الأب
( قال ) ولو كان أبو الصغيرة وولي المحجور عليها خالع عنها بأن أبرأه من صداقها وهو يعرفه على أنه ضامن لما أدركه فيه كان صداقها على الزوج يؤخذ به ويرجع به الزوج على الذي ضمنه أيا كان أو وليا أو أجنبيا ولا يرجع به الضامن على المرأة لأنه ضمن عنها متطوعا في غير نظر لها ( قال الشافعي ) ولو كان دفع إلى الزوج عبدا من مالها على أن ضمن له ما أدركه في العبد فالعبد مردود عليها ويرجع الزوج على الضامن بقيمة العبد لأنه إنما ضمن له العبد لا غيره ولا يشبه الضامن البائع ولا المختلعة وقد قيل له صداق مثلها وإن أفلس الضامن فالزوج غريم له ولا يرجع على المرأة بحال
( قال ) ولا يجوز خلع المحجور عليها بحال إلا بأن يتطوع عنها أحد يجوز أمره في ماله فيعطي الزوج شيئا على أن يفارقها فيجوز للزوج ( قال ) والذمية المحجور عليها في هذا كالمسلمة المحجور عليها ( قال ) والأمة هكذا وفي أكثر من هذا لأنها لا تملك شيئا بحال وسواء كانت رشيدة بالغا أو سفيهة محجورا عليها لا يجوز خلعها بحال إلا أن يخالع عنها سيدها أو من يجوز أمره في مال نفسه من مال نفسه متطوعا به فيجوز للزوج ( قال ) وإن أذن لها سيدها بشيء تخلعه فالخلع جائز وكذلك المدبرة وأم الولد
( قال ) ولا يجوز ما جعلت المكاتبة على الخلع ولو أذن لها الذي كاتبها لأنه ليس بمال له فيجوز إذنه فيه ولا لها فيجوز ما صنعت في مالها
( قال ) ولا يجوز خلع زوج حتى يجوز طلاقه ، وذلك أن يكون بالغا غير مغلوب على عقله ، فإذا كان غير مغلوب على عقله فخلعه جائز محجورا عليه كان أو رشيدا أو ذميا أو مملوكا من قبل أن طلاقه جائز ، فإذا جاز طلاقه بلا شيء يأخذه كان أخذه ما أخذ عليه فضلا أولى أن يجوز من طلاقه بلا شيء وهو في الخلع كالبالغ الرشيد فلو كان مهر امرأته ألفا وخالعته بدرهم جاز عليه ولولي المحجور أن يلي عليه ما أخذ بالخلع لأنه مال من ماله وما أخذ العبد بالخلع فهو لسيده ( قال ) فإن استهلكا ما أخذا قبل إذن ولي المحجور وسيد العبد له رجع ولي المحجور وسيد العبد به على المختلعة من قبل أنه حق لزمها له كما لو كان عليها دين أو أرش جناية فدفعته إليه رجع به وليه وسيد العبد عليها
( قال الشافعي ) وإن خلع أبو الصبي أو المعتوه أو وليه عنه امرأته أو أبا امرأته فالخلع باطل والنكاح ثابت ، وما أخذا من المرأة أو وليها على الخلع فهو مردود كله وهي امرأته بحالها وكذلك إن كان مغلوبا على عقله أو غير بالغ فخالع عن نفسه فهي امرأته بحالها ، وكذلك سيد العبد إن خالع عن عبده بغير إذنه لأن الخلع طلاق فلا يكون لأحد أن يطلق عن أحد أب ولا سيد ولا ولي ولا سلطان إنما يطلق المرء عن نفسه أو يطلق عليه السلطان بما لزمه من نفسه إذا امتنع هو أن يطلق وكان ممن له طلاق وليس الخلع من هذا المعنى بسبيل .
الخلع في المرض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والخلع في المرض والصحة جائز كما يجوز البيع في المرض والصحة وسواء أيهما كان المريض أحدهما دون الآخر أو هما معا ويلزمه فيه ما سمى الزوج من الطلاق ( قال ) فإن كان الزوج المريض فخالعها بأقل من مهر مثلها ما كان أو أكثر فالخلع جائز وإن مات من المرض لأنه لو طلقها بلا شيء كان الطلاق جائزا ( قال ) وإن كانت هي المريضة وهو صحيح أو مريض فسواء وإن خالعته بمهر مثلها أو أقل فالخلع جائز ، وإن خالعته بأكثر من مهر مثلها ثم ماتت من مرضها [ ص: 215 ] قبل أن تصح جاز لها مهر مثلها من الخلع وكان الفضل على مهر مثلها وصية يحاص أهل الوصاية بها ولا ترث المختلعة في المرض ولا في الصحة زوجها ولا يرثها ولو مات أحدهما وهي في العدة
( قال ) ولو خالعها على عبد بعينه أو دار بعينها وقيمة العبد والدار مائة ومهر مثلها خمسون ثم ماتت من مرضها كان له الخيار في أن يكون له نصف العبد أو الدار أو يرجع بمهر مثلها نقدا كما لو اشتراه فاستحق نصفه كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء نقض البيع ورجع بالثمن ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر أنه إن اشترى عبدا فاستحق بعضه أن الصفقة باطلة من قبل أنها جمعت شيئين أحدهما حرام والآخر حلال فبطلت كلها ، وهكذا الخلع على عبد استحق بعضه لأن الخلع بيع من البيوع وله مهر مثلها والعبد مردود ( قال الشافعي ) وسواء كان للمرأة ميراث أو كان الزوج بحاله أصاب منه أقل أو أكثر أو مثل صداق مثلها أو الصداق الذي أعطاها أو لم يكن إنما الخلع كالبيع ، ألا ترى أن الخلع يفسد فيرجع عليها بمهر مثلها كما يرجع في البيوع الفائتة الفاسدة بقيمة السلعة ومال الميراث وهو لا يملك حتى تموت المرأة وهو زوج والخلع الذي هو عوض من البضع .
ما يجوز أن يكون به الخلع وما لا يجوز
( قال الشافعي ) رحمه الله : جماع ما يجوز به الخلع ولا يجوز أن ينظر إلى كل ما وقع عليه الخلع فإن كان يصلح أن يكون مبيعا فالخلع به جائز وإن كان لا يصلح أن يكون مبيعا فهو مردود وكذلك إن صلح أن يكون مستأجرا فهو كالمبيع ( قال ) وذلك مثل أن يخالع الرجل امرأته بخمر أو خنزير أو بجنين في بطن أمه أو عبد آبق أو طائر في السماء أو حوت في ماء أو بما في يده أو بما في يدها ولا يعرف الذي هو في يده أو بثمرة لم يبد صلاحها على أن يترك أو بعبد بغير عينه ولا صفة أو بمائة دينار إلى ميسرة أو إلى ما شاء أحدهما بغير أجل معلوم أو ما في معنى هذا أو يخالعها بحكمه أو بما شاء فلان أو بمالها كله وهو لا يعرفه أو بما في بيتها وهو لا يعرفه ( قال ) وإذا وقع الخلع على هذا فالطلاق واقع لا يرد ويرجع عليها أبدا بمهر مثلها ، وكذلك إن خالعها على عبد رجل أو دار رجل فسلم ذلك الرجل العبد أو الدار لم يجز لأن البيع كان لا يجوز فيهما حين عقد وهكذا إن خالعها على عبد فاستحق أو وجد حرا أو مكاتبا رجع عليها بصداق مثلها لا قيمة ما خالعها عليه ولا ما أخذت منه من المهر كما يشتري الشيء شراء فاسدا فيهلك في يدي المشتري فيرجع البائع بقيمة الشيء المشترى الفائت لا بقيمة ما اشتراه به والطلاق لا يرجع فهو كالمستهلك فيرجع بما فات منه وقيمة ما فات منه صداق مثلها كقيمة السلعة الفائتة
( قال ) ولو اختلعت منه بعبد فاستحق نصفه أو أقل أو أكثر كان الزوج بالخيار بين أن يأخذ النصف ويرجع عليها بنصف مهر مثلها أو يرد العبد ويرجع عليها بمهر مثلها كحكمه لو اشتراه فاستحق نصفه ( قال الربيع ) وقول الشافعي الذي نأخذ به إن استحق بعضه بطل كله ورجع بصداق مثلها
( قال ) وكذلك لو خالعها على أنه بريء من سكناها كان الطلاق واقعا وكان ما اختلعت به غير جائز لأن إخراجها من المسكن محرم ولها السكنى ويرجع عليها بمهر مثلها ولو خالعها على أن عليها رضاع ابنها وقتا معلوما كان جائزا لأن الإجارة تصح على الرضاع بوقت معلوم فلو مات المولود وقد مضى نصف الوقت رجع عليها [ ص: 216 ] بنصف مهر مثلها ولو لم ترضع المولود حتى مات أو انقطع لبنها أو هربت منه حتى مضى الرضاع رجع عليها بمهر مثلها وإنما قلت إذا مات المولود رجع عليها بمهر مثلها ولم أقل يأتيها بمولود مثله ترضعه كما يتكارى منها المنزل فيسكنه غيره والدابة فتحمل عليها ورثته غيره إذا مات ويفعل ذلك هو وهو حي لأن إبداله مثلها ممن يسكن سكنه ويركب ركوبه سواء لا يفرق السكن ولا الدابة بينهما وأن المرأة تدر على المولود ولا تدر على غيره ويقبل المولود ثديها ولا يقبله غيره ويستمريه منها ولا يستمريه من غيرها ولا ترى أمه ولا تطيب نفسها له وليس هذا في دار ولا دابة يركبها راكب ولا يسكنها ساكن
( قال ) ولو اختلعت منه بأن عليها ما يصلح المولود من نفقة وشيء إن نابه وقتا معلوما لم يجز لأن ما ينوبه مجهول لما يعرض له من مرض وغيره .
وكذلك نفقته إلا أن تسمى مكيلة معلومة ودراهم معلومة تختلع منه بها ويأمرها بنفقتها عليه ويصدقها بها أو يدفعها إلى غيره أو يوكل غيرها بها فيقبضها في أوقات معلومة فإن وكل غيرها بأن يقبضها إذا احتاج لم يجز لأن حاجته قد تقدم وتؤخر وتكثر وتقل وإذا لم يجز رجع عليها بمهر مثلها وإن قبض منها مع الشرط الفاسد شيئا لا يجوز رده عليها أو مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل
( قال ) وهكذا لو خالعها على نفقة معلومة في وقت معلوم وأن تكفنه وتدفنه إن مات أو نفقته وجعل طبيب إن مرض لأن هذا يكون ولا يكون وتكون نفقة المرض مجهولة وجعل الطبيب فإذا أنفقت عليه رجعت عليه بالنفقة وانفسخ الشرط وكان عليها مهر مثلها
( قال ) ولو خالعها بسكنى دار لها سنة معلومة أو خدمة عبد سنة معلومة جاز الخلع فإن انهدمت الدار أو مات العبد رجع عليها بمهر مثلها
( قال ) ولو اختلعت منه بما في بيتها من متاع فإن تصادقا على أنهما كانا يعرفان جميع ما في بيتها ولا بيت لها غيره أو سميا البيت بعينه جاز وإن كانا أو أحدهما لا يعرفه أو كان لها بيت غيره فلم يسميا البيت وإن عرفا ما فيه فالخلع جائز وله مهر مثلها
( قال ) وإن اختلعت منه بالحساب الذي كان بينهما فإن كانت تعرفه ويعرفه جاز وإن كانا يجهلانه وقع الخلع وله عليها مهر مثلها وإن عرفه أحدهما وادعى الآخر جهالته تحالفا وله مهر مثلها وإن عرفاه فادعى الزوج أنه كان في البيت شيء فأخرج منه أو المرأة أنه لم يكن في البيت شيء فأدخله تحالفا وله عليها مهر مثلها .
المهر الذي مع الخلع ( قال الشافعي ) وإذا خالع الرجل امرأته دخل بها أو لم يدخل بها قبضت منه الصداق أو لم تقبضه فالخلع جائز فإن كانت خالعته على دار أو دابة أو عبد بعينه أو شيء أو دنانير مسماة أو شيء يجوز عليه الخلع ولم يذكر واحد منهما المهر فالخلع جائز ولا يدخل المهر في شيء منه فإن كان دفع إليها المهر وقد دخل بها فهو لها لا يأخذ منه شيئا ، وإن لم يكن دفع إليها فالمهر لها عليه وإن كان لم يدخل بها وقد دفع المهر إليها رجع عليها بنصف المهر وإن كان لم يدفع منه شيئا إليها أخذت منه نصف المهر وإن كان المهر فاسدا أخذت منه نصف مهر مثلها ( قال ) والخلع والمبارأة والفدية سواء كله في هذا إذا أريد به الفراق ولا يختلف وكذلك الطلاق على شيء موصوف
( قال ) وإن تخالعا وقد سمى لها صداقا ولم يذكراه فهو كما وصفت ، لها الصداق إن دخل ونصفه إن لم يدخل فإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها إن دخل ونصف مهر مثلها إن لم يدخل وإن لم يكن سمى صداقا فلها المتعة والخلع جائز
( قال ) فإن قالت أبارئك على مائة دينار وأدفعها إليك فهو كقولها أخالعك وإن قالت أبارئك على مائة دينار على أن لا تباعة لواحد منا على صاحبه فتصادقا على البراءة من الصداق جاز وإن لم يتصادقا وأراد البراءة من [ ص: 217 ] الصداق وقالت لم أبرئك منه تحالفا وكان لها مهر مثلها وليس هذا كالمسألة قبلها المبارأة ههنا مطلقة على المبارأة من عقد النكاح والمبارأة ههنا على أن لا تباعة لواحد منهما على صاحبه تحتمل عقد النكاح والمال فلذلك جعلنا هذا مبارأة مجهولة ورددناها إلى مهر مثلها فيها إذا تناكرا في الصداق .
الخلع على الشيء بعينه فيتلف ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلعت المرأة من زوجها بعبد بعينه فلم تدفعه إليه حتى مات العبد رجع عليها بمهر مثلها كما يرجع لو اشتراه منها فمات قبل أن يقبضه رجع عليها بثمنه الذي قبضت منه وينتقض فيه البيع ، ولو قبضه منها ثم غصبته إياه أو قتلته كان له عليها قيمته وكان كعبد له لم تملكه قط جنت عليه أو غصبته
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكذلك لو اختلعت منه على دابة أو ثوب أو عرض فمات أو تلف رجع عليها بمهر مثلها ، ولو اختلعت منه على دار فاحترقت قبل أن يقبضها كان له الخيار في أن يرجع بمهر مثلها أو تكون له العرصة بحصتها من الثمن ، فإن كانت حصتها من الثمن النصف كانت له به ورجع عليها بنصف مهر مثلها
( قال ) ولو اختلعت منه بعبد معيب فرده بالعيب رجع عليها بمهر مثلها ، ولو خالعته على ثوب وشرطت أنه هروي فإذا هو غير هروي فرده بأنه ليس كما شرطت رجع عليها بالمهر والخلع في كل ما وصفت كالبيع لا يختلف .
خلع المرأتين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت للرجل امرأتان فقالتا له طلقنا معا بألف لك علينا فطلقهما في ذلك المجلس لزمه الطلاق وهو بائن لا يملك فيه الرجعة والقول في الألف واحد من قولين فمن أجاز أن ينكح امرأتين معا بمهر مسمى فيكون بينهما على قدر مهر مثلهما أجاز هذا وجعل على كل واحدة منهما من الألف بقدر مهر مثلها كان مهر مثل إحداهما مائة والأخرى مائتين فعلى التي مهر مثلها مائة ثلث الألف والتي مهر مثلها مائتان ثلثاها ( قال ) ومن قال هذا قال فإن طلق إحداهما دون الأخرى في وقت الخيار وقع عليها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف ثم إن طلق الأخرى قبل مضي وقت الخيار لزمها الطلاق وكانت عليها حصتها من الألف ، وإن مضى وقت الخيار فطلقها لزمها الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شيء له من الألف ولو طلق إحداهما في وقت الخيار ولم يطلق الأخرى حتى يمضي وقت الخيار لزم التي طلق في وقت الخيار حصتها من الألف وكان طلاقا بائنا ولم يلزم التي طلق بعد وقت الخيار شيء وكان يملك في طلاقها الرجعة ( قال ) وله أن لا يطلقها في وقت الخيار ولا بعد ، وإن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت الخيار لم يكن لهما ، وكذلك لو قال هو لهما إن أعطيتماني ألفا فأنتما طالقان ثم أراد أن يرجع لم يكن ذلك له في وقت الخيار فإذا مضى فأعطياه ألفا لم يكن عليه أن يطلقهما إلا أن يشاء أن يبتدئ لهما طلاقا
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (219)
صــــــــــ 218 الى صـــــــــــ 230
( قال ) وإن قالتا طلقنا بألف فطلقهما ثم ارتدتا لزمتهما الألف بالطلاق وأخذت منهما ( قال ) ولو قالتا هذا له ثم ارتدتا فطلقهما بعد الردة وقف [ ص: 218 ] الطلاق فإن رجعتا إلى الإسلام في العدة لزمتهما وكانتا طالقين باثنتين لا يملك رجعتهما وعدتهما من يوم تكلم بالطلاق لا من يوم ارتدتا ولا من يوم رجعتا إلى الإسلام وإن لم ترجعا إلى الإسلام حتى تمضي العدة أو تقتلا أو تموتا لم يقع الطلاق ولم يكن له من الألف شيء
( قال ) ولو كانت لرجل امرأتان محجورتان فقالتا طلقنا على ألف فطلقهما فالطلاق لازم وهو يملك فيه الرجعة إذا لم يكن جاء على طلاقهما كله ولا شيء له عليهما من الألف ( قال ) وإن كانت إحداهما محجورا عليها والأخرى غير محجور عليها لزمهما الطلاق وطلاق غير المحجور عليها جائز بائن وعليها حصتها من الألف وطلاق المحجور عليها يملك فيه الرجعة إذا أبطلت ماله بكل حال جعلت الطلاق يملك الرجعة وإن كان أراد هو أن لا يملك الرجعة ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق واحدة بائن كانت واحدة يملك الرجعة
( قال ) ولو كانت امرأته أمة فخالعها كانت التطليقة بائنا ولا شيء عليها ما كانت مملوكة إذا لم يأذن لها السيد ويتبعها بالخلع إذا عتقت وإنما أبطلته عنها في الرق لأنها لا تملك شيئا كما أبطلته عن المفلس حتى يوسر فلو خلع رجل امرأة له مفلسة كان الخلع في ذمتها إذا أيسرت لأني لم أبطله من جهة الحجر فيبطل بكل حال
( قال ) وإذا قال الرجل لامرأته اختلعي على ألف على أن أعطيك هذا العبد فمن أجاز نكاحا وبيعا معا أجاز هذا الخلع وجعل العبد مبيعا ومهر مثلها بألف كأن قيمة العبد ألف وقيمة مهر مثلها ألف فالعبد مبيع بخمسمائة فإذا وجدت به عيبا فمن قال إذا جمعت الصفقة شيئين لم يردا إلا معا فردت العبد رجع عليها بمهر مثلها وكان لها الألف يحاصها بها ومن قال إذا جمعت الصفقة شيئين مختلفين رد أحدهما بعيبه بحصته من الثمن رده بخمسمائة ( قال ) وقد يفترق هذا والبيع لأن أصل ما عقد هذا عليه أن الطلاق لا يرد بحال فيجوز لمن قال لا يرد البيع إلا معا أن يرد العبد بخمسمائة من الثمن ويفرق بينه وبين البيع
( قال ) وإذا كانت للرجل امرأتان فقالت إحداهما طلقني وفلانة على أن لك علي ألف درهم أو علي ألف درهم ففعل فالألف للتي خاطبه لازمة يتبعها بها وهكذا لو قال ذلك له أجنبي فإن طلق التي لم تخاطبه وأمسك التي خاطبته لزمت المخاطبة حصة التي طلقت من الصداق على ما وصفت من أن يقسم الصداق على مهر مثلها فيلزمها حصة مهر مثل مطلقة ( قال ) وهكذا لو قال هذا له أجنبي
( قال ) وإذا كان لرجل امرأتان فقالت له إحداهما لك علي إن طلقتني ألف وحبست صاحبتي فلم تطلقها أبدا فطلقها كان له عليها مهر مثلها لفساد الشرط في حبس صاحبتها أبدا وهو مباح له أن يطلقها ( قال ) ولو قالت لك علي ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فأخذها رجعت بها عليه وكان له أن يطلقها ، ولو قالت لك علي ألف درهم على أن تطلق صاحبتي ولا تطلقني أبدا فطلق صاحبتها كان له عليها مثل مهر صاحبتها كان أقل من ألف أو أكثر ولم تكن له الألف لفساد الشرط وكان له أن يطلقها متى شاء
( قال ) ولو قالت له لك علي ألف درهم على أن تطلقني وصاحبتي فطلقهما لزمتها الألف وإن طلق إحداهما كان له من الألف بقدر حصة مهر مثل المطلقة منهما
( قال والقول الثاني ) أن رجلا لو كانت له امرأتان فأعطتاه ألفا على أن يطلقهما فطلقهما كان له عليهما مهور أمثالهما ولم يكن له من الألف شيء وكذلك لو أعطته واحدة ألف درهم على أن يطلقها ويعطيها عبدا له لم يكن لها العبد وكان له عليها مهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع طلاق واحدة شيء غير طلاقها أو شيء تأخذه مع طلاقها كان الشرط باطلا ، والطلاق واقع ورجع عليها بمهر مثلها وأصل هذا إذا كان مع شيء تأخذه مع طلاقها في هذه الوجوه كلها
( قال ) وما أعطته المرأة عن نفسها أو أعطاه أجنبي عنها أن يطلقها فسواء إذا كان ما أعطاه مما يجوز أن يملك تم له وجاز الطلاق وإذا كان مما لا يجوز أن يملك رجع عليها [ ص: 219 ] إن كانت المعطية عن نفسها أو غيرها أو أعطت عن غيرها أو أعطى عنها أجنبي ما لزمها من ذلك في نفسها لزمها في غيرها وما لزمها في نفسها لزم الأجنبي فيها إذا أعطاه عنها لا يفترق ذلك كما يلزم ما يؤخذ في البيوع
( قال ) وإذا قالت المرأة للرجل طلقني ثلاثا ولك علي ألف درهم فطلقها ثلاثا فله الألف وإن طلقها اثنتين فله ثلثا الألف وإن طلقها واحدة فله ثلث الألف والطلاق بائن في الواحدة والثنتين
( قال ) ولو لم يبق له عليها من الطلاق إلا واحدة فقالت له طلقني ثلاثا ولك ألف درهم فطلقها واحدة كانت له الألف لأن الواحدة تقوم مقام الثلاث في أن تحرمها عليه حتى تنكح زوجا غيره
( قال ) ولو كانت بقيت له عليها اثنتان فقالت له طلقني ثلاثا ولك ألف درهم فطلقها اثنتين كانت له الألف لأنها تحرم عليه بالاثنتين حتى تنكح زوجا غيره ولو طلقها واحدة كان له ثلثا الألف لأنها تبقى معه بواحدة ولا تحرم عليه حتى يطلقها إياها فلا تأخذ أكثر من حصتها من الألف
( قال ) ولو قالت طلقني واحدة بألف فطلقها ثلاثا كانت له الألف وكان متطوعا بالثنتين اللتين زادهما
( قال ) ولو قالت له إن طلقتني واحدة فلك ألف أو ألفان فطلقها واحدة كان له مهر مثلها لأن الطلاق لم ينعقد على شيء معلوم ، وكذلك لو قالت لي الخيار أن أعطيك ألفا لا أنقصك منها أو ألفين أو لك الخيار أو لي ولك الخيار
( قال ) ولو كانت بقيت عليها واحدة من الطلاق فقالت طلقني ثلاثا واحدة أحرم بها واثنتين إن نكحتني بعد اليوم كان له مهر مثلها إذا طلقها كما قالت
( قال ) ولو قالت له إن طلقتني فعلي أن أزوجك امرأة تغنيك وأعطيك صداقها أو أي امرأة شئت وأعطيك صداقها وسمت صداقها أو لم تسمه فالطلاق واقع وله مهر مثلها وإنما منعني أن أجيزه إذا سمت المهر أنها ضمنت له تزويج امرأة قد لا تزوجه ففسد الشرط فإذا فسد فإنما له مهر مثلها
( قال ) وهكذا لو قالت له إن طلقتني واحدة فلك ألف ولك إن خطبتني أن أنكحك بمائة فطلقها فله مهر مثلها ولا يكون له عليها أن تنكحه إن طلقها ، قال وهكذا لو قالت له طلقني ولك ألف ولك أن لا أنكح بعدك أبدا فطلقها فله مهر مثلها ولها أن تنكح من شاءت
( قال ) وإذا وكل الزوج في الخلع فالوكالة جائزة والخلع جائز فمن جاز أن يكون وكيلا بمال أو خصومة جاز أن يكون وكيلا بالخلع للرجل وللمرأة معا وسواء كان الوكيل حرا أو عبدا أو محجورا أو رشيدا أو ذميا كل هؤلاء تجوز وكالته
( قال ) ولا يجوز أن يوكل غير بالغ ولا معتوها .
فإن فعل فالوكالة باطلة إذا كان هذان لا حكم لكليهما على أنفسهما فيما لله عز وجل وللآدميين فلا يلزمهما لم يجز أن يكونا وكيلين يلزم غيرهما بهما قول
( قال ) وأحب إلي أن يسمي الموكلان ما يبلغ الوكيل لكل واحد منهما الرجل بأن يقول وكلته بكذا لا يقبل أقل منه ، والمرأة بأن يعطي عنها وكيلها كذا لا يعطى أكثر منه ( قال ) وإن لم يفعلا جازت وكالتهما وجاز لهما ما يجوز للوكيل ورد من فعلهما ما يرد من فعل الوكيل فإن أخذ وكيل الرجل من المرأة أو وكيلها أقل من مهر مثلها فشاء الموكل أن يقبله ويجوز عليه الخلع فيكون الطلاق فيه بائنا فعل ، وإن شاء أن يرده فعل ، فإذا رده فالطلاق فيه جائز يملك الرجعة وهو في هذه الحال في حكم من اختلع من محجور عليها لا أنه قياس عليه
( قال ) وكذلك إن خالعها بعرض أو بدين فشاء أن يكون له الدين ما كان كان له ، وإن شاء أن لا يكون له ويلزمه الطلاق ثم يملك فيه الرجعة كان
( قال ) وإن أخذ وكيل الرجل من المرأة نفسها أكثر من مهر مثلها جاز الخلع وكان قد ازداد للذي وكله
( قال ) وإن أعطى وكيل المرأة عنها الزوج نفسه مهر مثلها أو أقل نقدا أو دينا جاز عليها وإن أعطى عليها دينا أكثر من مهر مثلها فشاءت لزمها وتم الخلع وإن شاءت رد عليها كله ولزمها مهر مثلها .
وكان حكمها حكم امرأة اختلعت بما لا يجوز أو بشيء بعينه فتلف فيلزمها مهر مثلها نقدا يجوز في الخلع ما يجوز في [ ص: 220 ] البيع ولا يلزم الزوج أن يؤخذ له عرض ولا دين إلا أن يشاء ولا المرأة أن يعطى عليها عرض ويعطى عليها دين مثل أو أقل من مهر مثلها نقدا .
وإنما لزمها أنها إن شاءت أدته نقدا وإن شاءت حسبته فاستفضلت تأخيره ولم تزد عليها في عدده فلا يكون الخلع لوكيل إلا بدنانير أو دراهم كما لا يكون البيع لوكيل إلا بدنانير أو دراهم
( قال ) ولا يغرم وكيل المرأة ولا الرجل شيئا وإن تعديا إلا أن يعطي وكيل المرأة أكثر من مهر مثلها فيتلف ما أعطى فيضمن الفضل من مهر مثلها فأما إذا كان قائما بعينه في يد الزوج فينتزع منه لا يغرم الوكيل ولا يشبه هذا البيوع وذلك أنه إن وكله بسلعة فاشتراها بأكثر من ثمن مثلها لزمته السلعة بيعا لنفسه وأخذ منه الموكل الثمن الذي أعطاه إن لم يختر أخذ السلعة والوكيل لا يملك المرأة ولا يرد الطلاق بحال وطلاقها كشيء اشتراه لها فاستهلكته فإذا كان الثمن مجهولا أو فاسدا ضمنت قيمته ولم يضمنها الوكيل
( قال ) ولو وكله رجل بأن يأخذ من امرأته مائة ويخالعها فأخذ منها خمسين لم يجز الخلع وكانت امرأته بحالها كما لو قال لها إن أعطيتني مائة فأنت طالق فأعطته خمسين لم تكن طالقا ولو وكلت هي رجلا على أن يعطي عنها مائة على أن يطلقها زوجها فأعطى عنها مائتين فطلقها زوجها بالمائتين فإن قال الوكيل لك مائتا دينار على أن تطلقها فطلقها فالمائتان لازمة للوكيل تؤخذ منها المائة التي وكلته بها ومائة بضمانه إياها وإن كان قال له لك مائتا دينار من مال فلانة لا أضمنها لك أو قاله وسكت ففعل فطلقها لزمها الأكثر من المائة التي وكلت بها الوكيل أو مهر مثلها ولم يلزمها ما زاد على ذلك من المائتين ولا الوكيل لأنه لم يضمن له شيئا ولو كان الوكيل قال له طلقها على أن أسلم لك مائتي دينار من مالها فالوكيل ضامن إن لم تسلم ذلك له المرأة أخذ الزوج من مال المرأة الأكثر من مائة دينار ومهر مثلها ورجع على الوكيل بالفضل عن ذلك حتى يستوفي مائتي دينار ولو أفلست المرأة كانت المائتا الدينار له على الوكيل بالضمان بتسليم المائتين ولو كان مكان الوكيل أب أو أم أو ولي أو أجنبي لم توكله ولا واحدا منهم فقال للزوج اخلعها على أن أسلم لك من مالها مائتي دينار ففعل الزوج ثم رجع كان له عليه مائتا دينار ولم يرجع المتطوع بالضمان عنها عليها بشيء لأنها لم توكله بأن يخالع بينها وبين زوجها .
مخاطبة المرأة بما يلزمها من الخلع وما لا يلزمها ( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا قالت المرأة للرجل إن طلقتني ثلاثا فلك علي مائة فسواء هو كقول الرجل بعني ثوبك هذا بمائة لك علي أو بعني ثوبك هذا بمائة قال فإن طلقها ثلاثا فله عليها مائة دينار
( قال ) ولو قالت له طلقني بألف فقال أنت طالق بألف فقالت أردت فلوسا وقال هو أردت دراهم أو قالت أردت دراهم وقال هو أردت دنانير تحالفا وكان له مهر مثلها
( قال ) ولو قالت له طلقني على ألف فقال أنت طالق على ألف ، فقالت أردت طلقني على ألف على أبي أو أخي أو جاري أو أجنبي فالألف لازمة لها لأن الطلاق لا يرد .
وظاهر هذا أنه كقولها طلقني على ألف علي
( قال ) ولو قالت إن طلقتني فلك ألف درهم فطلقها في وقت الخيار كانت له عليها ألف درهم والطلاق بائن وإن طلقها بعد مضي وقت الخيار لزمه الطلاق وهو يملك فيه الرجعة ولا شيء له عليها
( قال ) وكذلك لو قال لها أنت طالق إن ضمنت لي ألف درهم أو أمرك بيدك تطلقين نفسك إن ضمنت لي ألف درهم أو قد جعلت طلاقك إليك إن ضمنت لي ألف درهم فضمنتها في هذه المسائل في وقت الخيار كانت طالقا وكانت عليها ألف وإن ضمنتها بعد وقت الخيار لم تكن طالقا ولم يكن عليها شيء ( قال ) وجماع [ ص: 221 ] هذا إذا كان الشيء يتم بها وبه لم يجز إلى مدة ولم يجز إلا في وقت الخيار كما لا يجوز ما جعل إليها من أمرها إلا في وقت الخيار لأنه قد تم بها وبه
( قال ) ولو قال لها إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فقالت قد ضمنت لك ألفا أو أعطته عرضا بألف أو نقدا أقل من ألف لم يكن طلاقا إلا بأن تعطيه ألفا في وقت الخيار فإن مضى وقت الخيار لم تطلق وإن أعطته ألفا إلا بأن يحدث لها طلاقا بعد
( قال الشافعي ) ولو قال لها أنت طالق إذا دفعت إلي ألفا فدفعت إليه شيئا رهنا قيمته أكثر من ألف لم تطلق ولا تطلق إلا بأن تدفع إليه الألف
( قال ) ولو قال لها إن أعطيتني ألف درهم طلقتك فأعطته ألف درهم لم يلزمه أن يطلقها ويلزمه أن يرد الألف عليها وهذا موعد لا إيجاب طلاق وكذلك إن قال إذا أعطيتني ألف درهم طلقتك .
وهكذا إن قالت له إن أعطيتك ألف درهم تطلقني أو طلقتني ؟ قال نعم ، ولا يلزمه طلاق بما أعطته حتى يقول إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق أو أنت طالق إذا أعطيتني ألف درهم فتعطيه ألف درهم في وقت الخيار ، ولو قال لها إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فأعطته ألف درهم طبرية لم تطلق إلا بأن تعطيه وزن سبعة ولو أعطته ألفا بغلية طلقت لأنها ألف درهم وزيادة وكان كمن قال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق فأعطته ألفا وزيادة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أعطته ألفا رديئة مردودة فإن كانت فضة يقع عليها اسم الدراهم طلقت وكان له عليها أن تبدله إياها ، وإن كانت لا يقع عليها اسم الدراهم أو على بعضها اسم فضة لأنها ليست فضة لم تطلق
ولو قال إن أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته عبدا أي عبد ما كان أعور أو معيبا فهي طالق ولا يملك العبد وله عليها صداق مثلها .
وكذلك لو قال لها إن أعطيتني شاة ميتة أو خنزيرا أو زق خمر فأنت طالق فأعطته بعض هذا كانت طالقا لأن هذا كقوله لها إن دخلت الدار فأنت طالق ولا يملك شيئا من هذا ويرجع عليها بمهر مثلها في كل مسألة من هذا .
وإن قال لها إن أعطيتني شيئا يعرفانه جميعا بعينه فأنت طالق فأعطته إياه كانت طالقا فإن وجد به عيبا كان له رده ويرجع عليها بمهر مثلها ، وإن أعطته عبدا فوجده مدبرا لها لم يكن له رده لأن لها بيعه وإن وجده مكاتبا لم يكن له ، ولو عجز بعدما يطلقها لم يكن له لأن العقد وقع عليه وهو لا يجوز بيعه وإن وجده حرا أو لغيرها فيه شرك لم يكن له ولو سلمه صاحبه وكان له في هذا كله مهر مثلها .
اختلاف الرجل والمرأة في الخلع ( قال الشافعي ) وإذا اختلفت المرأة والرجل في الخلع على الطلاق فهو كاختلاف المتبايعين فإن قالت طلقتني واحدة أو أكثر على ألف درهم وقال بل على ألفين تحالفا وله صداق مثلها كان أقل من ألف أو أكثر من ألفين ، وهكذا لو قالت له خالعتني على ألف إلى سنة وقال بل خالعتك على ألف نقدا أو قالت له خالعتني على إبرائك من مهري فقال بل خالعتك على ألف آخذها منك لا على مهرك أو على ألف مع مهرك تحالفا وكان مهرها بحاله ويرجع عليها بصداق مثلها
( قال ) وهكذا لو قالت له ضمنت لك ألفا أو أعطيتك ألفا على أن تطلقني وفلانة أو تطلقني وتعتق عبدك فطلقتني ولم تطلقها أو طلقتني ولم تعتق عبدك وقال بل طلقتك بألف وحدك تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها وكذلك لو قالت له أعطيتك ألفا على أن تطلقني ثلاثا فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل أخذت منك الألف على الخلع وبينونة طلاق فإنما هي واحدة أو على ثنتين فطلقتكهما تحالفا ورجع بمهر مثلها ولم يلزمه من الطلاق إلا ما أقر به وهكذا لو [ ص: 222 ] قالت له أعطيتك ألفا على أن تطلقني ثلاثا وتطلقني كلما نكحتني ثلاثا فقال ما أخذت الألف إلا على الطلاق الأول تحالفا ورجع عليها بمهر مثلها .
وكذلك لو أقر لها بما قالت رجع عليها بمهر مثلها لأنه لا يجوز أن يأخذ الجعل على أن يطلقها قبل أن ينكحها ، ألا ترى أنه لو أخذ من أجنبية مالا على أنها طالق متى نكحها كان المال مردودا لأنه لا يملك من طلاقها شيئا وقد لا ينكحها أبدا
( قال ) ولو قالت له سألتك أن تطلقني ثلاثا بمائة وقال بل سألتني أن أطلقك واحدة بألف تحالفا وله مهر مثلها .
فإن أقامت المرأة البينة على دعواها وأقام الزوج البينة على دعواه وشهدت البينة أن ذلك بوقت واحد وأقر به الزوجان تحالفا وله صداق مثلها وسقطت البينة كما تسقط في البيوع إذا اختلفا والسلعة قائمة بعينها ويرد البيع وإن كان مستهلكا فقيمة المبيع ( قال ) والطلاق لا يرد وقيمة مثل البضع مهر مثلها ( قال ) وهكذا لو اختلفا فأقاما البينة ولم توقت بينتهما وقتا يدل على الخلع الأول فإن وقتت بينتهما وقتا يدل على الخلع الأول فالخلع الأول هو الخلع الجائز ، والثاني باطل إذا تصادقا إن لم يكن ثم نكاح ثم خلع فيكونان خلعين .
ألا ترى أن رجلا لو خالع امرأته بمائة ثم خالعها بعد ولم يحدث نكاحا بألف كانت الألف باطلا ولم يقع بها طلاق لأنه طلق ما لا يملك والأول جائز لأنه طلق ما يملك
( قال ) ولو قالت طلقتني ثلاثا بألف فقال بل طلقتك واحدة بألفين وأقام كل واحد منهما البينة على ما قال وتصادقا أن لم يكن طلاق إلا واحدة تحالفا وكان له مهر مثلها
( قال ) ولو قالت له طلقتني على ألف وأقامت شاهدا حلف وكانت امرأته ولو كانت المسألة بحالها فقال طلقتك على ألفين فلم تقبلي وجحدت كان القول قولها في المال ولم يلزمه الطلاق لأنه لم يقر بالطلاق إذ زعم أنه لم يقع
( قال ) ولو ادعت أنه خالعها وجحد فأقامت شاهدا بأنه خالعها على مائة وشاهدا أنه خالعها على ألف أو عرض فالشهادة لاختلافهما باطلة كلها ويحلف ( قال ) وهكذا لو كان هو المدعي أنه خالعها على ألف وأقام بها شاهدا وشاهدا آخر بألفين أو بعرض فالشهادة باطلة وهي تجحد لزمها الطلاق بإقراره ولم يلزمها المال وحلفت عليه ولا يملك الرجعة لأنه يقر أن طلاقه طلاق خلع لا يملك فيه الرجعة
( قال ) ولو قالت له سألتك أن تطلقني ثلاثا بألف فلم تطلقني إلا واحدة وقال بل طلقتك ثلاثا فإن كان ذلك في وقت الخيار فهي طالق ثلاثا وله الألف .
وإن كان اختلافهما وقد مضى وقت الخيار تحالفا .
وكان له مهر مثلها
( قال الشافعي ) وإذا اختلف الزوج والمرأة فقال الزوج طلقتك على ألف وقالت المرأة طلقتني على غير شيء فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة والطلاق واقع ولا يملك فيه الزوج الرجعة لأنه مقر أن لا رجعة له على المرأة فيه وأن عليها له مالا فلا يصدق فيما يدعي عليها ويصدق على نفسه
( قال ) ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شيء وقال هو بل طلقتك قبل أن يمضي وقت الخيار كان القول قول المرأة في الألف وعلى الزوج البينة والطلاق لازم له ولا يملك الرجعة
( قال ) ولو قالت طلقتني أمس على غير شيء فقال بل طلقتك اليوم بألف فهي طالق اليوم بإقراره ولا يملك الرجعة ولا شيء له عليها من المال لأنها لم تقر به .
باب ما يفتدي به الزوج من الخلع ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا على أن تعطيني ألفا فلم تعطه ألفا فليست طالقا .
وهو كقوله أنت طالق إن أعطيتني ألفا وأنت طالق إن دخلت الدار .
وهكذا [ ص: 223 ] إن قال لها أنت طالق على أن عليك ألفا فإن أقرت بألف كانت طالقا وإن لم تضمنها لم تكن طالقا ( قال ) وهذا مثل قوله لها أنت طالق إن ضمنت لي ألفا
( قال ) ولو قال لها أنت طالق وعليك ألف كانت طالقا واحدة يملك الرجعة وليس عليها ألف وهذا مثل قوله أنت طالق وعليك حج وأنت طالق وحسنة وطالق وقبيحة ( قال ) وإن ضمنت له الألف على الطلاق لم يلزمها وهو يملك الرجعة كما لو ابتدأ الآن طلاقها فطلقها واحدة .
ثم قالت له اجعل الواحدة التي طلقتني بائنا بألف لم تكن بائنا .
وإن أخذ منها عليها ألفا فعليه ردها عليها
( قال ) ولو تصادقا على أنها سألته الطلاق بألف فقال أنت طالق وعليك ألف كانت عليها وكان الطلاق بائنا
( قال ) ولو قال لامرأته أنت طالق إن أعطيتني عبدك فأعطته إياه فإذا هو حر طلقت ورجع عليها بمهر مثلها .
ولو قالت له اخلعني على ما في هذه الجرة من الخل وهي مملوءة فخالعها فوجده خمرا وقع الطلاق وكان عليها له مهر مثلها .
خلع المشركين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلعت المرأة الذمية من زوجها بخمر بعينه أو بصفة فدفعتها إليه ثم جاءوا بعد إلينا أجزنا الخلع ولم نرده عليها بشيء ولو لم تدفعها إليه ثم ترافعوا إلينا أجزنا الخلع وأبطلنا الخمر وجعلنا له عليها مهر مثلها ( قال ) وهكذا أهل الحرب إن رضوا بحكمنا لا يخالفون الذميين في شيء إلا أنا لا نحكم على الحربيين حتى يجتمعا على الرضا ونحكم على الذميين إذا جاء أحدهما ( قال ) ولو أسلم أحد الزوجين وقد تقابضا فهكذا وإن لم يتقابضا بطل الخمر بينهما وكان له عليها مهر مثلها لا يجوز إن كان هو المسلم لمسلم أن يأخذ خمرا ولا إن كانت هي المسلمة أن تعطي خمرا ولو قبضها منها بعد ما يسلم عزر وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه .
وكذلك لو كانت هي المسلمة فدفعتها إليه عزرت وكان له عليها مهر مثلها إن طلبه وهكذا كل ما حرم وإن استحلوه مالا مثل الخنزير وغيره فهما في جميع الأحكام كالمسلمين لا يختلف الحكم عليهم وعلى المسلمين إلا فيما وصفت مما مضى في الشرك ولا يرد في الإسلام .
الخلع إلى أجل ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا اختلعت المرأة من زوجها بشيء مسمى إلى أجل فالخلع جائز وما سميا من المال إلى ذلك الأجل كما تكون البيوع ويجوز فيه ما يجوز في البيع والسلف إلى الآجال ، وإذا اختلعت بثياب موصوفة إلى أجل مسمى فالخلع جائز والثياب لها لازمة ، وكذلك رقيق وماشية وطعام يجوز فيه ما يجوز في السلف ويرد فيه ما يرد في السلف ( قال ) ولو تركت أن تسمي حيث يقبض منه الطعام أو تركت أن تسمي بعض صفة الطعام جاز الطلاق ورجع عليها بمهر مثلها
( قال ) ولو قالت المرأة سألتك أن تطلقني بألف فمضى وقت الخيار ولم تطلقني ثم طلقتني بعد على غير شيء وقال هو بل طلقتك قبل أن يمضي وقت الخيار كان القول قول المرأة في الألف وعلى الزوج البينة والطلاق لازم له ولا يملك الرجعة .
[ ص: 224 ] العدد عدة المدخول بها التي تحيض ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال الله تبارك وتعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } قال والأقراء عندنا والله تعالى أعلم الأطهار فإن قال قائل ما دل على أنها الأطهار وقد قال غيركم الحيض قيل له دلالتان أولهما الكتاب الذي دلت عليه السنة والآخر اللسان فإن قال وما الكتاب قيل قال الله تبارك وتعالى { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع { عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء } قال الشافعي أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج { عن أبي الزبير أنه سمع ابن عمر يذكر طلاق امرأته حائضا وقال قال النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك وتلا النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن } قال الشافعي رحمه الله تعالى أنا شككت
يتبع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (220)
صــــــــــ 218 الى صـــــــــــ 230
قال الشافعي فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أن العدة الطهر دون الحيض وقرأ فطلقوهن لقبل عدتهن أن تطلق طاهرا لأنها حينئذ تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض فإن قال فما اللسان قيل القرء اسم وضع لمعنى فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج والطهر دم يحتبس فلا يخرج كان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس لقول العرب هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه ، وتقول العرب هو يقري الطعام في شدقه يعني يحبس الطعام في شدقه قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة قال ابن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق عروة وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا إن الله تبارك اسمه يقول ثلاثة قروء فقالت عائشة رضي الله عنها صدقتم وهل تدرون ما الأقراء الأقراء الأطهار أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد الذي قالت عائشة أخبرنا سفيان عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه أخبرنا مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن الأحوص بن حكيم هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة وقد كان طلقها فكتب معاوية إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فكتب إليه زيد إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال حدثنا سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت قال إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها أخبرنا مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله مولى المهري أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن المرأة إذا طلقت فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقالا قد بانت منه وحلت أخبرنا مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن [ ص: 225 ] وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا يقولون إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه ولا ميراث قال الشافعي والأقراء الأطهار والله تعالى أعلم فإذا طلق الرجل امرأته طاهرا قبل جماع أو بعده اعتدت بالطهر الذي وقع عليها فيه الطلاق ولو كان ساعة من نهار وتعتد بطهرين تامين بين حيضتين فإذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حلت ولا يؤخذ أبدا في القرء الأول إلا أن يكون فيما بين أن يوقع الطلاق وبين أول حيض ولو طلقها حائضا لم تعتد بتلك الحيضة
فإذا طهرت استقبلت القرء
( قال ) ولو طلقها فلما أوقع الطلاق حاضت فإن كانت على يقين من أنها كانت طاهرا حين تم الطلاق ثم حاضت بعد تمامه بطرفة عين فذلك قرء وإن علمت أن الحيض وتمام الطلاق كانا معا استأنفت العدة في طهرها من الحيض ثلاثة قروء ، وإن اختلفا فقال الزوج وقع الطلاق وأنت حائض وقالت المرأة بل وقع وأنا طاهر فالقول قولها بيمينها ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال اؤتمنت المرأة على فرجها
( قال الشافعي ) وإذا طلق الرجل امرأته واحدة أو اثنتين فهو أحق بها ما لم تر الدم من الحيضة الثالثة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت منه وهو خاطب من الخطاب لا يكون له عليها رجعة ولا ينكحها إلا كما ينكحها مبتدئا بولي وشاهدين ورضاها وإذا رأت الدم في وقت الحيضة الثالثة يوما ثم انقطع ثم عاودها بعد أو لم يعاودها أياما كثرت أو قلت فذلك حيض تحل به
( قال ) وتصدق على ثلاث حيض في أقل ما حاضت له امرأة قط ، وأقل ما علمنا من الحيض يوم وإن علمنا أن طهر امرأة أقل من خمس عشرة صدقنا المطلقة على أقل ما علمنا من طهر امرأة وجعلنا القول قولها ، وكذلك إن كان يعلم منها أنها تذكر حيضها وطهرها وهي غير مطلقة على شيء فادعت مثله قبلنا قولها مع يمينها ، وإن ادعت ما لم يكن يعرف منها قبل الطلاق ولم يوجد في امرأة لم تصدق إنما يصدق من ادعى ما يعلم أنه يكون مثله ، فأما من ادعى ما لم يعلم أنه يكون مثله فلا يصدق ، وإذا لم أصدقها فجاءت مدة تصدق في مثلها وأقامت على قولها قد حضت ثلاثا أحلفتها وخليت بينها وبين النكاح حين أن يمكن أن تكون صدقت ، ومتى شاء زوجها أن أحلفها ما انقضت عدتها فعلت ؟
ولو رأت الدم من الحيضة الثالثة ساعة أو دفعة ثم ارتفع عنها يومين أو ثلاثا أو أكثر من ذلك فإن كانت الساعة التي رأت فيها الدم أو الدفعة التي رأت فيها الدم في أيام حيضها نظرنا فإن رأت صفرة أو كدرة ولم تر طهرا حتى تكمل يوما وليلة فهي حيض تخلو عدتها بها من الزوج ، وإن كانت في غير أيام الحيض فكذلك إذا أمكن أن يكون بين رؤيتها الدم والحيض قبله قدر طهر فإن كان أتي عليها من الطهر الذي يلي هذا الدم أقل ما يكون بين حيضتين من الطهر كان حيضا تنقضي فيه عدتها وتنقطع به نفقتها إن كان يملك الرجعة وتركت الصلاة في تلك الساعة وصلت إذا طهرت وتركت الصلاة إذا عاودها الدم .
وإن كانت رأت الدم بعد الطهر الأول بيومين أو ثلاثا أو أكثر مما لا يمكن أن يكون طهرا لم تحل به من زوجها ولم تنقطع نفقتها ونظرنا أول حيض تحيضه فجعلنا عدتها تنقضي به وإن رأت الدم أقل من يوم . ثم رأت الطهر
لم يكن حيضا ، وأقل الحيض يوم وليلة .
والكدرة والصفرة في الحيض حيض ، ولو كانت المسألة بحالها فطهرت من حيضة أو حيضتين ثم رأت دما فطبق عليها فإن كان دمها ينفصل فيكون في أيام أحمر قانئا محتدما ، وفي الأيام التي بعده رقيقا قليلا فحيضها أيام الدم المحتدم الكثير وطهرها أيام الدم الرقيق القليل .
وإن كان دمها مشتبها كله كان حيضها بقدر عدد أيام حيضها فيما مضى قبل الاستحاضة وإذا رأت الدم في أول الأيام التي أجعلها أيام حيضها في الحيضة الثالثة حلت من زوجها
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : جعل الله تبارك وتعالى عدة من تحيض من [ ص: 226 ] النساء ثلاثة قروء وعدة من لم تحض ثلاثة أشهر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تترك الصلاة في أيام حيضها إذا كان دمها ينفصل وفي قدر عدد أيام حيضها قبل أن يصيبها ما أصابها .
وذلك فيما نرى إذا كان دمها لا ينفصل نجعلها حائضا تاركا للصلاة في بعض دمها وطاهرا تصلي في بعض دمها فكان الكتاب ثم السنة يدلان على أن للمستحاضة طهرا وحيضا فلم يجز - والله تعالى أعلم - أن تعتد المستحاضة إلا بثلاثة قروء قال فإذا أراد زوج المستحاضة طلاقها للسنة طلقها طاهرا من غير جماع في الأيام التي نأمرها فيها بالغسل من دم الحيض والصلاة .
فإذا طلقت المستحاضة أو استحيضت بعدما طلقت فإن كان دمها منفصلا فيكون منه شيء أحمر قاني وشيء رقيق إلى الصفرة فأيام حيضها أيام الأحمر القاني وأيام طهرها هي أيام الصفري فعدتها ثلاث حيض إذا رأت الدم الأحمر القانئ من الحيضة الثالثة انقضت عدتها ( قال ) وإن كان دمها مشتبها غير منفصل كما وصفنا فإن كان لها أيام حيض معروفة فأيام حيضها في الاستحاضة عدد أيام حيضها المعروف ووقتها وقتها إن كان حيضها في أول الشهر أو وسطه أو آخره فتلك أيام حيضها ، فإذا كان أول يوم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها .
وإن كان حيضها يختلف فيكون مرة ثلاثا ومرة خمسا ومرة سبعا ثم استحيضت أمرتها أن تدع الصلاة أقل أيام حيضها ثلاثا وتغتسل وتصلي وتصوم لأنها أن تصلي وتصوم - وليس ذلك عليها إذا لم تستيقن أنها حائض - خير من أن تدع الصلاة وهي عليها واجب وأحب إلي لو أعادت صوم أربعة أيام وليس ذلك بلازم لها ، وتخلو من زوجها بدخول أول يوم من أيام حيضتها الثالثة وليس في عدد الحيضتين الأوليين شيء يحتاج إليه إذا أتت على ثلاث وسبع وأيام طهر فلا حاجة بنا إلى علمها
( قال ) وإن كانت امرأة ليس لها أيام حيض ابتدئت مستحاضة أو كانت فنسيتها تركت الصلاة أقل ما حاضت امرأة قط وذلك يوم وليلة وهو أقل ما علمنا امرأة حاضت فإن كانت قد عرفت وقت حيضتها فبدأ تركها الصلاة في مبتدأ حيضتها وإن كانت لم تعرفه استقبلنا بها الحيض من أول هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق فإذا استهل الهلال الثالث انقضت عدتها منه .
ولو طلقت امرأة فاستحيضت أو مستحاضة فكانت تحيض يوما وتطهر يوما ، أو يومين وتطهر يومين أو ما أشبه هذا جعلت عدتها تنقضي بثلاثة أشهر ، وذلك المعروف من أمر النساء أنهن يحضن في كل شهر حيضة فانظر أي وقت طلقها فيه فاحسبها شهرا .
ثم هكذا حتى إذا دخلت في الشهر الثالث حلت من زوجها وذلك أن هذه مخالفة للمستحاضة التي لها أيام حيض كحيض النساء فلا أجد معنى أولى بتوقيت حيضتها من الشهور لأن حيضها ليس ببين ، ولو كانت تحيض خمسة عشر متتابعة أو بينها فصل وتطهر خمسة عشر متتابعة لا فصل بينها جعلت عدتها بالطهر ثلاثة قروء
( قال ) وعدة التي تحيض الحيض وإن تباعد كأنها كانت تحيض في كل سنة أو سنتين فعدتها الحيض وهكذا إن كانت مستحاضة فكانت لها أيام تحيضها كما تكون تطهر في أقل من شهر فتخلو بدخول الحيضة الثالثة فكذلك لا تخلو إلا بدخول الحيضة الثالثة وإن تباعدت ، وكذلك لو أرضعت فكان حيضها يرتفع للرضاع اعتدت بالحيض
( قال ) وإذا كانت تحيض في كل شهر أو شهرين فطلقت فرفعتها حيضتها سنة أو حاضت حيضة ثم رفعتها حيضتها سنة أنها لا تحل للأزواج إلا بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة وإن تباعد ذلك وطال وهي من أهل الحيض حتى تبلغ أن تيأس من المحيض وهي لا تيأس من المحيض حتى تبلغ السن التي من بلغتها من نسائها لم تحض بعدها فإذا بلغت ذلك خرجت من أهل الحيض وكانت من المؤيسات من المحيض اللاتي جعل الله عز وجل عددهن ثلاثة أشهر واستقبلت ثلاثة أشهر من يوم بلغت سن المؤيسات من المحيض لا تخلو [ ص: 227 ] إلا بكمال الثلاثة الأشهر وهذا يشبه والله تعالى أعلم ظاهر القرآن لأن الله تبارك وتعالى جعل على الحيض الأقراء وعلى المؤيسات وغير البوالغ الشهور فقال { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } فإذا كانت تحيض فإنها تصبر إلى الإياس من المحيض بالسن التي من بلغتها من نسائها أو أكثرهن لم تحض فينقطع عنها الحيض في تلك المدة ، وقد قيل إن مدتها أكثر الحمل وهو أربع سنين ولم تحض كانت مؤيسة من المحيض فاعتدت ثلاثة أشهر وقيل تتربص تسعة أشهر والله تعالى أعلم .
ثم تعتد ثلاثة أشهر
( قال ) والحيض يتباعد فعدة المرأة تنقضي بأقل من شهرين إذا حاضت ثلاث حيض ولا تنقضي إلا بثلاث سنين وأكثر إن كان حيضها يتباعد لأنه إنما جعل عليهن الحيض فيعتددن به وإن تباعد وإن كانت البراءة من الحمل تعرف بأقل من هذا فإن الله عز وجل حكم بالحيض فلا أحيله إلى غيره .
فلهذا قلنا عدتها الحيض حتى تؤيس من المحيض بما وصفت من أن تصير إلى السن التي من بلغها من أكثر نسائها لم تحض .
وقد يروى عن ابن مسعود وغيره مثل هذا القول .
أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت أنا أرثه لم أحض فاختصموا إلى عثمان فقضى للأنصارية بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه .
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عبد الله أبي بكرة أخبره أن رجلا من الأنصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فمكثت سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض ثم مرض حبان بعد أن طلقها بسبعة أشهر أو ثمانية فقلت له إن امرأتك تريد أن ترث فقال لأهله احملوني إلى عثمان فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان ما تريان ؟ فقالا نرى أنها ترثه إن مات ، يرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد التي قد يئسن من المحيض وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغن المحيض . ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير فرجع حبان إلى أهله فأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى ثم توفي حبان من قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفى عنها زوجها وورثته
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز في امرأة حبان مثل خبر عبد الله بن أبي بكرة .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة تطلق وهم يحسبون أن يكون المحيض قد أدبر عنها ولم يبن لهم ذلك كيف تفعل ؟ ( قال ) كما قال الله عز وجل إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر قلت ما ينتظر بين ذلك ؟ قال إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر كما قال الله تبارك وتعالى .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء : أتعتد أقراءها ما كانت إن تقاربت وإن تباعدت ؟ قال : نعم كما قال الله تبارك وتعالى .
أخبرنا سعيد عن المثنى عن عمرو بن دينار في امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فقال أما أبو الشعثاء فكان يقول أقراؤها حتى يعلم أنها قد يئست من المحيض .
أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت
( قال الشافعي ) وإن طلقت فارتفع محيضها أو حاضت حيضة أو حيضتين لم تحل إلا بحيضة ثالثة وإن بعد ذلك ، فإذا بلغت تلك السن استأنفت ثلاثة أشهر من يوم تبلغها .
أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب [ ص: 228 ] أنه قال : قال عمر بن الخطاب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة أشهر ثم حلت .
( قال الشافعي ) قد يحتمل قول عمر أن يكون في المرأة قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن من المحيض فلا يكون مخالفا لقول ابن مسعود وذلك وجهه عندنا
ولو أن امرأة يئست من المحيض طلقت فاعتدت بالشهور ثم حاضت قبل أن تكمل بالشهور فسقطت عدة الشهور واستقبلت الحيض فإن حاضت ثلاث حيض فقد قضت عدتها وإن لم تحضها حتى مرت عليها بعد الحيضة الأولى تسعة أشهر استقبلت العدة بالشهور ، وإن جاءت عليها ثلاثة أشهر قبل أن تحيض فقد أكملت عدتها لأنها من اللائي يئسن من المحيض ، فإن حاضت قبل أن تكمل الثلاثة الأشهر فقد حاضت حيضتين فتستقبل تسعة أشهر فإن حاضت فيها أو بعدها في الثلاثة الأشهر فقد أكملت وإن لم تحض فيها اعتدت ، فإذا مرت بها تسعة أشهر ثم ثلاثة بعدها حلت ، ولو حاضت بعد ذلك لم تعتد بعد بالشهور ( قال ) والذي يروى عن عمر عندي يحتمل أن يكون إنما قاله في المرأة قد بلغت السن التي يؤيس مثلها من المحيض فأقول بقول عمر على هذا المعنى وهو قول ابن مسعود على معناه في اللائي لم يؤيسن من المحيض ولا يكونان مختلفين عندي والله تعالى أعلم
قال الله عز وجل في الآية التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } الآية ( قال الشافعي ) فكان بينا في الآية بالتنزيل أنه لا يحل للمطلقة أن تكتم ما في رحمها من المحيض وذلك أن يحدث للزوج عند خوفه انقضاء عدتها رأي في ارتجاعها أو يكون طلاقه إياها أدبا لها لا إرادة أن تبين منه فلتعلمه ذلك لئلا تنقضي عدتها فلا يكون له سبيل إلى رجعتها وكان ذلك يحتمل الحمل مع الحيض لأن الحمل مما خلق الله تعالى في أرحامهن ، وإذا سأل الرجل امرأته المطلقة أحامل هي أو هل حاضت ؟ فبين عندي أن لا يحل لها أن تكتمه واحدا منهما ولا أحدا رأت أنه يعلمه إياه ، وإن لم يسألها ولا أحد يعلمه إياه فأحب إلي لو أخبرته به وإن لم يسألها لأنه قد يقع اسم الكتمان على من ظن أنه يخبر الزوج لما له في إخباره من رجعة أو ترك كما يقع الكتمان على من كتم شهادة لرجل عنده ، ولو كتمته بعد المسألة الحمل والأقراء حتى خلت عدتها كانت عندي آثمة بالكتمان إذ سئلت وكتمت وخفت عليها الإثم إذا كتمته وإن لم تسأل ولم يكن له عليها رجعة لأن الله عز وجل إنما جعلها له حتى تنقضي عدتها فإذا انقضت عدتها فلا رجعة له عليها أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما قوله { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قال الولد لا تكتمه ليرغب فيها وما أدري لعل الحيضة معه .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء أيحق عليها أن تخبره بحملها وإن لم يرسل إليها يسألها عنه ليرغب فيها ( قال ) تظهره وتخبر به أهلها فسوف يبلغه .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا قال في قول الله عز وجل { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } المرأة المطلقة لا يحل لها أن تقول أنا حبلى وليست بحبلى ولا لست بحبلى وهي حبلى ولا أنا حائض وليست بحائض ولا لست بحائض وهي حائض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وهذا - إن شاء الله تعالى - كما قال مجاهد لمعان منها أن لا يحل الكذب والآخر أن لا تكتمه الحبل والحيض لعله يرغب فيراجع ولا تدعيهما لعله يراجع وليست له حاجة بالرجعة لولا ما ذكرت من الحمل والحيض فتغره والغرور لا يجوز .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن أرسل إليها فأراد ارتجاعها فقالت قد انقضت عدتي وهي كاذبة فلم تزل تقوله حتى انقضت عدتها ؟ قال : لا وقد خرجت ( قال الشافعي ) هذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى وهي آثمة إلا أن يرتجعها فإن ارتجعها وقد قالت قد انقضت عدتي ثم [ ص: 229 ] أكذبت نفسها فرجعته عليها ثابتة ألا ترى أنه إن ارتجعها فقالت قد انقضت عدتي فأحلفت فنكلت فحلف كانت له عليها الرجعة ولو أقرت أن لم تنقض عدتها كانت له عليها الرجعة لأنه حق له جحدته ثم أقرت به .
عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : سمعت من أرضى من أهل العلم يقول : إن أول ما أنزل الله عز وجل من العدد { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فلم يعلموا ما عدة المرأة التي لا أقراء لها وهي التي لا تحيض ولا الحامل فأنزل الله عز ذكره { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل عدة المؤيسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر وقوله { إن ارتبتم } فلم تدروا ما تعتد غير ذات الأقراء .
وقال : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } قال وهذا والله تعالى أعلم يشبه ما قالوا
وإذا أراد الرجل أن يطلق التي لا تحيض للسنة فطلقها أية ساعة شاء ليس في وجه طلاقها سنة إنما السنة في التي تحيض وكذلك ليس في وقت طلاق الحامل سنة وإذا طلق الرجل امرأته وهي كمن لا تحيض من صغر أو كبر فأوقع الطلاق عليها في أول الشهر أو آخره اعتدت شهرين بالأهلة وإن كان الهلالان معا تسعا وعشرين وشهرا ثلاثين ليلة في أي الشهر طلقها وذلك أنا نجعل عدتها من ساعة وقع الطلاق عليها فإن طلقها قبل الهلال بيوم عددنا لها ذلك اليوم فإذا أهل الهلال عددنا لها هلالين بالأهلة ثم عددنا لها تسعا وعشرين ليلة حتى تكمل ثلاثين يوما وليلة باليوم الذي كان قبل الهلالين ، وكذلك لو كان قبل الهلال بأكثر من يوم وعشر أكملنا ثلاثين بعد هلالين وحلت وأي ساعة طلقها من ليل أو نهار انقضت عدتها بأن تأتي عليها تلك الساعة من اليوم الذي يكمل ثلاثين يوما بعد الشهرين بذلك اليوم فتكون قد أكملت ثلاثين يوما عددا وشهرين بالأهلة وله عليها الرجعة في الطلاق الذي ليس ببائن حتى تمضي جميع عدتها .
ولو طلقها ولم تحض فاعتدت بالشهور حتى أكملتها ثم حاضت مكانها كانت عدتها قد انقضت ولو بقي من إكمالها طرفة عين فأكثر خرجت من اللائي لم يحضن لأنها لم تكمل ما عليها من العدة بالشهور حتى صارت ممن له الأقراء واستقبلت الأقراء وكانت من أهلها فلا تنقضي عدتها إلا بثلاثة قروء .
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء المرأة تطلق ولم تحض فتعتد بالأشهر فتحيض بعد ما يمضي شهران من الثلاثة الأشهر ( قال ) لتعتد حينئذ بالحيض ولا يعتد بالشهر الذي قد مضى ( قال الشافعي ) ولو ارتفع عنها الحيض بعد أن حاضت كانت في القول الأول لا تنقضي عدتها حتى تبلغ أن تؤيس من المحيض إلا أن تكون بلغت السن التي يؤيس مثلها فيها من المحيض فتتربص تسعة أشهر ثم تعتد بعد التسعة ثلاثة أشهر
( قال ) وأعجل من سمعت به من النساء حضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين ، فلو رأت امرأة الحيض قبل تسع سنين فاستقام حيضها اعتدت به وأكملت ثلاثة أشهر في ثلاث حيض فإن ارتفع عنها الحيض وقد رأته في هذه السنين فإن رأته كما ترى الحيضة ودم الحيضة بلا علة إلا كعلل الحيضة ودم الحيضة ثم ارتفع لم تعتد إلا بالحيض حتى تؤيس من المحيض فإن رأت دما يشبه دم الحيضة لعلة في هذه السن اكتفت بثلاثة أشهر إذا لم يتتابع عليها في هذه السن ولم تعرف أنه حيض لم يكن حيضا إلا أن ترتاب فتستبرئ نفسها من الريبة ، ومتى رأت الدم بعد التسع سنين فهو حيض إلا أن تراه من شيء أصابها في فرجها من جرح أو [ ص: 230 ] قرحة أو داء فلا يكون حيضا وتعتد بالشهور ، ولو أن امرأة بالغا بنت عشرين سنة أو أكثر لم تحض قط فاعتدت بالشهور فأكملتها ثم حاضت كانت منقضية العدة بالشهور كالتي لم تبلغ تعتد بثلاثة أشهر ثم تحيض فلا يكون عليها عدة مستقبلة وقد أكملتها بالشهور ولو لم تكملها حتى حاضت استقبلت الحيض وسقطت الشهور .
باب لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فكان بينا في حكم الله عز وجل أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس وأن المسيس هو الإصابة ولم أعلم في هذا خلافا ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها فيغلق بابا ويرخي سترا وهي غير محرمة ولا صائمة فقال ابن عباس وشريح وغيرهما لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها لأن الله عز وجل هكذا قال .
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ليث عن طاوس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله عز وجل يقول : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذا أقول وهو ظاهر كتاب الله عز ذكره ( قال الشافعي ) فإن ولدت المرأة التي قال زوجها لم أدخل بها إلى أربع سنين لستة أشهر فأكثر من يوم عقد عقدة إنكاحها لزم الزوج الولد إلا بأن يلتعن فإن لم يلتعن حتى مات أو عرض عليه اللعان وقد أقر به أو نفاه أو لم يقر به ولم ينفه لحق نسبه بأبيه وعليه المهر تاما إذا ألزمناه الولد حكمنا عليه بأنه مصيب لها ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنه إذا لم يلتعن ألحقنا به الولد ولم نغرمه إلا نصف الصداق لأنها قد تستدخل نطفة فتحبل فيكون ولده من غير مسيس بعد أن يحلف بالله ما أصابها ( قال الشافعي ) فإن التعن نفينا عنه الولد وأحلفناه ما أصابها وكان عليه نصف المهر ، ولو أقر بالخلوة بها فقال لم أصبها وقالت أصابني ولا ولد فالقول قوله مع يمينه إذا جعلته إذا طلق لا يلزمه إلا نصف الصداق إلا أن يصيب وهي مدعية بالإصابة عليه نصف الصداق لا يجب إلا بالإصابة فالقول قوله فيما يدعى عليه مع يمينه وعليها البينة فإن جاءت ببينة بأنه أقر بإصابتها أخذته بالصداق كله ، وكذلك إن جاءت بشاهد أحلفتها مع شاهدها وأعطيتها الصداق فإن جاءت بشاهد وامرأتين قضيت لها بلا يمين وإن جاءت بامرأتين لم أحلفها أو بأربع لم أعطها بهن لا أجيز شهادة النساء وحدهن إلا على ما لا يراه الرجال من عيوب النساء خاصة وولادهن أو مع رجل وقد قال غيرنا إذا خلا بها فأغلق بابا وأرخى سترا وليس بمحرم ولا هي صائمة جعلت لها المهر تاما وعليها العدة تامة ولو صدقته أنه لم يمسها لأن العجز جاء من قبله .
وقال غيره لا يكون لها المهر تاما إلا بالإصابة أو بأن يستمتع منها حتى يخلق ثيابها ونحو هذا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (221)
صــــــــــ 231 الى صـــــــــــ 237
عدة الحرة من أهل الكتاب عند المسلم والكتابي .
( قال الشافعي ) رحمه الله والحرة والكتابية يطلقها المسلم أو يموت عنها مثل الحرة المسلمة في العدة [ ص: 231 ] والنفقة والسكنى لا يختلفان في شيء من العدة والنفقة والسكنى ، وجميع ما لزم المسلمة لازم لها من الإحداد وغير ذلك وإن أسلمت في العدة قبل أن تكملها لم تستأنف وبنت على عدتها وهكذا إن طلقها الكتابي أو مات عنها وإن أرادت أن تخرج في العدة كان للزوج حيا وورثته ميتا من منعها الخروج ما لهم من منع المسلمة لا يختلفان في شيء غير أنها لا ترث المسلم ولا يرثها .
العدة من الموت والطلاق والزوج غائب .
( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } وقال { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وقال عز ذكره { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } قال : فكان بينا في حكم الله عز ذكره أن العدة من يوم يقع الطلاق وتكون الوفاة .
( قال ) وإذا علمت المرأة يقين وفاة الزوج أو طلاقه ببينة تقوم لها على موته أو طلاقه أو أي علم صادق ثبت عندها اعتدت من يوم يكون الطلاق وتكون الوفاة وإن لم تعتد حتى تمضي عدة الطلاق والوفاة لم يكن عليها عدة لأن العدة إنما هي مدة تمر عليها فإذا مرت عليها فليس عليها مقام مثلها .
( قال ) وإذا خفي ذلك عليها وقد استيقنت بالطلاق أو الوفاة اعتدت من يوم استيقنت أنها اعتدت منه وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تعتد من يوم يكون الطلاق أو الوفاة أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الرجل يطلق امرأته أو يموت عنها وهو بمصر وهي بمصر آخر من أي يوم تعتد ؟ قال من يوم مات أو طلقها تعتد . أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن داود بن أبي عاصم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول : إذا قامت بينة فمن يوم طلقها أو مات عنها . أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلق امرأته قال تعتد من يوم طلقت أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال : المتوفى عنها تعتد من يوم مات والمطلقة من يوم طلقت .
عدة الأمة ( قال الشافعي ) رحمه الله : ذكر الله عز وجل العدد من الطلاق بثلاثة قروء وثلاثة أشهر ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشر وذكر الله الطلاق للرجال باثنتين وثلاثة فاحتمل أن يكون ذلك كله على الأحرار والحرائر والعبيد والإماء واحتمل أن يكون ذلك على بعضهم دون بعض وكان عز وجل قد فرق في حد الزاني بين المماليك والأحرار فقال : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وقال في الإماء { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } وقال في الشهادات { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فلم يختلف من لقيت أنها على الأحرار دون العبيد وذكر المواريث فلم يختلف أحد لقيته في أن المواريث للأحرار دون العبيد ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب [ ص: 232 ] الحر الزاني ولم يختلف من لقيت أن لا رجم على عبد ثيب .
( قال ) وفرض الله عز وجل العدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر ، وفي الموت أربعة أشهر وعشرا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستبرأ الأمة بحيضة ففرق بين استبراء الأمة والحرة وكانت العدة في الحرائر استبراء وتعبدا ، وكذلك الحيضة في الأمة استبراء وتعبد .
( قال الشافعي ) فلم أعلم مخالفا ممن حفظت عنه من أهل العلم في أن عدة الأمة نصف عدة الحرة فيما كان له نصف معدود ما لم تكن حاملا فلم يجز إذ وجدنا ما وصفت من الدلائل على الفرق فيما ذكرنا وغيره بين عدة الأمة والحرة إلا أن تجعل عدة الأمة نصف عدة الحرة فيما له نصف وذلك الشهور . فأما الحيض فلا يعرف له نصف فتكون عدتها فيه أقرب الأشياء من النصف إذا لم يسقط من النصف شيء وذلك حيضتان ولو جعلناها حيضة أسقطنا نصف حيضة ولا يجوز أن يسقط عنها من العدة شيء فأما الحمل فلا نصف له . قد يكون يوما من يوم وقع عليها الطلاق وسنة وأكثر كما لم يكن للقطع نصف فيقطع الحر والعبد والأمة والحرة ، وكان للزنا حدان أحدهما الجلد فكان له نصف فجعل عليها النصف ولم يكن للرجم نصف فلم يجعل عليها ولم يبطل عنها حد الزنا وحدت بأحد حديه على الأحرار . وبهذا مضت الآثار عمن روينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) فإذا تزوجت الأمة الحر أو العبد فطلقها أو مات عنها فسواء والعدة بها ، تعتد إذا كانت ممن تحيض حيضتين إذا دخلت في الدم من الحيضة الثانية حلت ، وتعتد في الشهور خمسا وأربعين إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ، وتعتد في الوفاة شهرين وخمس ليال ، وفي الحمل أن تضع حملها متوفى عنها أو كانت مطلقة .
( قال ) ولزوجها في الطلاق إذا كانت يملك الرجعة عليها ما على الحرة في عدتها وكذلك عليه من نفقتها في العدة ما عليه من نفقة الحرة . ولا يسقط ذلك عنه إلا أن يخرجها سيدها فيمنعها العدة في منزله فتسقط النفقة عنه كما تسقط لو كانت له زوجة فأخرجها عنه إلى بلد غير بلده . وكذلك إن كانت مطلقة طلاقا لا يملك الرجعة كانت عليه نفقتها حاملا ما لم يخرجها سيدها من منزله لأن الله عز وجل يقول في المطلقات { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } ولم نجد أثرا لازما ولا إجماعا بأن لا ينفق على الأمة الحامل ولو ذهبنا إلى أن نزعم أن النفقة على الحامل إنما هي للحمل كانت نفقة الحمل لا تبلغ بعض نفقة أمة وكما يكون لو كان مولودا لم تبلغ نفقته بعض نفقة أمه ولكنه حكم الله تعالى علينا اتباعه تعبدا ، وقد ذهب بعض الناس إلى أن جعل للمطلقة لا يملك زوجها رجعتها النفقة قياسا على الحامل فقال الحامل محبوسة بسببه ، وكذلك المعتدة بغير الحمل محبوسة بسببه عن الأزواج ، فذهبنا إلى أنه غلط وإنما أنفقنا على الحامل بحكم الله عز وجل لا بأنها محبوسة بسببه وقد تكون محبوسة بسببه بالموت ولا نفقة لها ، واستدللنا بالسنة على أن لا نفقة للتي لا يملك زوجها رجعتها إذا لم تكن حاملا .
( قال ) والأمة في النفقة بعد الفراق والسكنى ما كانت في العدة كالحرة إلا ما وصفت من أن يخرجها سيدها ، أخبرنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا : قال سفيان وكان ثقة ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس الثقفي عن رجل من ثقيف أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا فقال رجل فاجعلها شهرا ونصفا فسكت عمر .
( قال ) وإذا طلق الحر أو العبد الأمة طلاقا يملك فيه الرجعة فعدتها عدة أمة وإذا مضت عدتها ، ثم عتقت لم تعد لعدة ولم تزد على عدتها [ ص: 233 ] الأولى ، وإن أعتقت قبل مضي العدة بساعة أو أقل أكملت عدة حرة لأن العتق وقع وهي في معاني الأزواج في عامة أمرها . فإن مات بعد الطلاق الذي يملك فيه الرجعة قبل العتق لم ترثه وكذلك لو ماتت لم يرثها . وإن مات أو ماتت وقد عتقت قبل مضي عدتها عدة الأمة وقبل مضي عدة الحرة توارثا ويقع عليها إيلاؤه وطلاقه وظهاره وما يقع بين الزوجين .
( قال ) وإذا كان طلاقه وإيلاؤه وظهاره يقع عليها إذا طلقت طلاقا يملك فيه الرجعة إلى أن تنقضي عدتها فعتقت قبل أن تنقضي عدتها لم يجز والله تعالى أعلم ، إلا أن تعتد عدة حرة ويتوارثان قبل انقضاء عدتها التي لزمتها بالحرية ، ولو كانت الأمة عند عبد فطلقها طلاقا يملك فيه الرجعة فلم تنقض عدتها حتى عتقت فاختارت فراقه كان ذلك لها وكان اختيارها فراقه فسخا بغير طلاق وتكمل منه عدة حرة من الطلاق الأول لأنها صارت حرة قبل أن تنقضي عدتها من طلاق يملك فيه الرجعة ولا تستأنف عدة لأنه لو كان أحدث لها رجعة ثم طلقها ولم يصبها بنت على العدة الأولى لأنها مطلقة لم تمس فإنما عليها من العدة الأولى إكمال عدة حرة . ولو كان طلاق الأمة طلاقا لا يملك فيه الرجعة ثم عتقت في العدة ففيها قولان أحدهما أن تبني على العدة الأولى وأن لا خيار لها لأنها غير زوجة ولا تستأنف عدة لأنها ليست بزوجة ولا في معاني الأزواج لا يقع عليها طلاقه ولا إيلاؤه ولا ظهاره ولا يتوارثان لو كانا في تلك الحال حرين . والقول الثاني أن عليها أن تكمل عدة حرة ولا تكون حرة تكمل عدة أمة ومن ذهب إلى هذا ذهب إلى أن يقيسه على العدة في الطلاق الذي يملك فيه الرجعة . وقال المرأة تعتد بالشهور ثم تحيض تستقبل الحيض ولا يجوز أن تكون في بعض عدتها ممن تحيض وهي تعتد بالشهور فيقول وهكذا لا يجوز أن تكون في بعض عدتها حرة وهي تعتد عدة أمة وقال في المسافر يصلي ركعة ثم ينوي المقام يتم أربعا ولا يجوز أن يكون في بعض صلاته مقيما يصلي صلاة مسافر وهذا أشبه القولين - والله تعالى أعلم - بالقياس .
( قال ) والأمة من الأزواج فإذا اجتمعت عليها عدتان قضتهما كما تقضيهما الحرة وهي في النكاح الفاسد والإحداد كالحرة يثبت عليها ما يثبت على الحرة ويرد عنها ما يرد عنها .
استبراء أم الولد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها قال تعتد بحيضة .
( قال الشافعي ) وإذا ولدت الأمة من سيدها فأعتقها أو مات عنها استبرأت بحيضة ولا تحل من الحيضة للأزواج حتى ترى الطهر فإذا رأته حلت وإن لم تغتسل . وإن أعتقها أو مات عنها وهي حائض لم يعتد بتلك الحيضة ، وإن أعتقها أو مات عنها وهي لا تعلم فاستيقنت أنها قد حاضت بعد العتق حلت وإن لم تستيقن استبرأت نفسها بحيضة من ساعة يقينها ثم حلت .
( قال ) وإن كانت حاملا فأجلها أن تضع حملها . وإن استرابت لم تنكح حتى تستبرأ وهي كالحرة في الاستبراء من العدة سواء . وإذا ولدت جارية الرجل منه أحببت له أن لا يزوجها وإن استبرأها ثم زوجها فالنكاح ثابت عليها رضيت أو لم ترض . فإن مات سيدها ولم يطلقها زوجها ولم يمت فلا استبراء عليها من سيدها وإن طلقها زوجها طلاقا يملك فيه الرجعة أو طلاقا بائنا فلم تنقض عدتها حتى مات سيدها لم يكن عليها استبراء من سيدها لأن فرجها ممنوع منه بشيء أباحه لغيره بنكاح وعدة من نكاح . وكذلك لو مات عنها زوجها فلم تنقض عدتها منه حتى يموت سيدها لم تستبرئ من سيدها لأن فرجها ممنوع منه بعدة من نكاح . [ ص: 234 ] ولو مات زوجها أو طلقها فانقضت عدتها منه ثم مات سيدها استبرأت من سيدها بحيضة
( قال ) ولو مات زوجها وسيدها ويعلم أن أحدهما مات قبل الآخر بيوم أو شهرين وخمس ليال أو أكثر ولا يعلم أيهما مات قبل .
اعتدت من حين مات الآخر منهما أربعة أشهر وعشرا تأتي فيها بحيضة وإنما قلنا تدخل إحدى العدتين في الأخرى أنهما لا يلزمانها معا وإنما يلزمها إحداهما فإذا جاءت بهما معا على الكمال في وقت واحد فذلك أكثر ما يلزمها إن كان سيدها مات قبل زوجها فلا استبراء عليها من سيدها وعليها أربعة أشهر وعشر وإن كان زوجها مات قبل سيدها ولم تستكمل شهرين وخمس ليال فلا استبراء عليها من سيدها . وإن كان سيدها مات بعد مضي شهرين وخمس ليال فعليها أن تستبرئ من سيدها بحيضة ولا ترث زوجها حتى تستيقن أن سيدها مات قبل زوجها ، ولو كان زوج هذه طلقها تطليقة يملك الرجعة ثم مات سيدها . ثم مات زوجها وهي في العدة وكان الزوج حرا اعتدت عدة الوفاة من يوم مات زوجها أربعة أشهر وعشرا وورثت زوجها ولم تبال أن لا تأتي بحيضة لأنه لا استبراء عليها من سيدها إذا كانت في عدة من زوجها .
ولو كان زوجها عبدا فطلقها تطليقة يملك الرجعة ثم مات سيدها وهي في عدتها من الطلاق أو أعتقها فلم تختر فراق الزوج حتى مات الزوج حرا . كان لها منه الميراث وتستقبل منه عدة أربعة أشهر وعشرا من يوم مات الزوج ولا استبراء عليها من سيدها ، ولو اختارت فراقه حين عتقت قبل أن يموت كان الفراق فسخا بغير طلاق ولم يكن عليها عدة وفاة ولم ترثه وأكملت عدة الطلاق ولم يكن له عليها رجعة بعد اختيارها فراقه قبل موته ولا استبراء لسيدها
( قال ) وإذا جاءت أم ولد رجل بعد موته بولد لأكثر ما تلد له النساء من آخر ساعات حياته فالولد لاحق به ، وهكذا في الحياة لو أعتقها إذا لم يدع أنه استبرأها ولو جاءت به لأكثر مما تلد له النساء من يوم مات أو أعتق لم يلزمه
( قال ) وعدة أم الولد إذا كانت حاملا أن تضع حملها وإن لم تكن حاملا فحيضة
( قال ) وإذا مات الرجل عن مدبرة له كان يطؤها أو أمة كان يطؤها استبرأت بحيضة فإن نكحت هي أو أم الولد قبلها فسخ النكاح وإن كانت امرأة لا يطؤها فلا استبراء عليها وأحب إلي لو لم تنكح حتى تستبرئ نفسها .
وإذا كانت للعبد امرأة ثم كاتب فاشتراها للتجارة فالشراء جائز كما يجوز شراؤه لغيرها والنكاح فاسد إذا جعلته يملكها لم أجعل له نكاحها وتعتد من النكاح بحيضتين فإن لم تكن تحيض فشهر ونصف وليس له أن يطأها بالملك لأنه لا يملك ملكا تاما ، وإن عتق قبل مضي عدتها كان له أن يطأها وهي تعتد من مائة إنما تحرم على غيره في عدتها منه ولا تحرم عليه ولا أكره له وطأها في هذه الحال إنما أكره له ذلك في الماء الفاسد ولا أحرمه عليه ولا أفسد النكاح ولو وقع وهي تعتد من الماء الفاسد ، ولو مات المكاتب قبل أن يؤدي أكملت بقية عدتها من انفساخ نكاحه وكانت مملوكة للسيد ترك وفاء أو لم يتركه أو ولدا كانوا معه في الكتابة أو أحرارا ولم يدعهم ، ولو رضي السيد أن يزوجه إياها فزوجه إياها لم يجز لأنها ملك للمكاتب كما يملك ماله ولو رضي أن يتسراها لم يكن ذلك له ولو تسراها المكاتب فولدت ألحقت به الولد ومنعته الوطء وفيها قولان : أحدهما لا يبيعها بحال خاف العجز أو لم يخفه لأني قد حكمت لولدها بحكم الحرية إن عتق أبوه والثاني : أن له بيعها إن خاف العجز ولا يجوز له أن يبيعها إن لم يخفه ، وإن مات استبرأت بحيضة كما تستبرئ الأمة وكذلك إذا منعته وطأها أو أراد بيعها استبرأت بحيضة لا تزيد عليها .
وإذا تزوج المكاتب امرأة حرة ثم ورثته فسد النكاح واعتدت منه عدة مطلقة وإن مات حين تمكثه حرا أو مملوكا فسواء النكاح ينفسخ وعدتها عدة مطلقة لا عدة [ ص: 235 ] متوفى عنها زوجها ولا ترث منه إن كان حرا لأن النكاح انفسخ ساعة وقع عقد الملك وهذا لو كانت بنت سيده زوجه إياها بإذنها فالنكاح ثابت ومتى ورثت منه شيئا كان كما وصفت
وإذا مات الرجل وجاءت امرأته بولد لأكثر ما تلد له النساء ألزمت الميت الولد أقرت بانقضاء العدة أو لم تقر بها ما لم تنكح زوجا يمكن أن يكون منه ، ولو جاءت بولد فأنكر الورثة أن تكون ولدته فجاءت بأربع نسوة يشهدن على أنها ولدته لزم الميت ، وهكذا كل زوج جحد ولاد امرأته ولم يقذفها فقال لم تلدي هذا الولد لم يلزمه إلا بأن يقر به أو بالحمل به أو تأتي المرأة بأربع نسوة يشهدن على ولادها فيلزمه إلا أن ينفيه بلعان .
وإذا نكح الرجل المرأة فلم يقر بالدخول بها ولا ورثته وجاءت بولد لستة أشهر من يوم نكحها أو أكثر لزمه ، وكذلك لو طلقها لزمه لأكثر ما تلد له النساء إلا أن ينفيه بلعان ،
وإذا مات الصبي الذي لا يجامع مثله عن امرأته دخل بها أو لم يدخل بها حتى مات فعدتها أربعة أشهر وعشر لأن الحمل ليس منه ولا يلحق به إذا أحاط العلم أن مثله لا ينزل بعد موته ولا في حياته ، وإن وضعت الحمل قبل أربعة أشهر وعشر أكملت أربعة أشهر وعشرا وإن مضت الأربعة الأشهر والعشر قبل وضع الحمل حلت منه وتحد في الأربعة الأشهر والعشر ولا تحد بعدها .
وإذا نكح الخصي غير المجبوب والخصي المجبوب وعلمت زوجتاهما قبل النكاح فرضيتا أو بعد النكاح فاختارتا المقام فالنكاح جائز ، وإذا أصاب الخصي غير المجبوب فهو كالرجل غير الخصي يجب المهر بإصابته ، وإذا كان أبقي للخصي شيء يغيب في الفرج فهو كالخصي غير المجبوب ، وإن لم يبق شيء وكان والخصي ينزلان لحقهما الولد كما يلحق الفحل واعتدت زوجتاهما منهما كما تعتد زوجة الفحل من الطلاق والوفاة وطلاقهما بكل حال إذا كانا بالغين كطلاق الفحل البالغ .
ولا يجوز طلاق الصبي حتى يستكمل خمس عشرة أو يحتلم قبلها ، ولا طلاق المعتوه ، ولا طلاق المجنون الذي يجن ويفيق إذا طلق في حال جنونه وإن طلق في حال صحته جاز
( قال ) ويجوز طلاق السكران . ومن لم يجز طلاقه فالمرأة امرأته حتى يموت أو يصير إلى أن يجوز طلاقه وكل بالغ مغلوب على عقله يلزمه الولد كما يلزم الصحيح ولا يكون له أن ينفي الولد بلعان لأنه ليس ممن يعقل لعانا ولا تبين منه امرأته .
عدة الحامل قال الله عز وجل في المطلقات { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } .
( قال الشافعي ) رحمه الله : فأي مطلقة طلقت حاملا فأجلها أن تضع حملها .
( قال ) ولو كانت تحيض على الحمل تركت الصلاة واجتنبها زوجها ولم تنقض عدتها بالحيض لأنها ليست من أهله إنما أجلها أن تضع حملها .
( قال ) فإن كانت ترى أنها حامل وهي تحيض فارتابت أحصت الحيض ونظرت في الحمل فإن مرت لها ثلاث حيض فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة وقد بان لها أن ليس بها حمل فقد انقضت عدتها بالثلاث الحيض فإن ارتجعها زوجها في حال ارتيابها بعد ثلاث حيض وقفنا الرجعة فإن بان حمل فالرجعة ثابتة ، وإن بان أن ليس بها حمل فالرجعة باطلة ، وإن عجل فأصابها فلها المهر بما أصاب منها وتستقبل عدة أخرى ويفرق بينهما وهو خاطب ، وهكذا المرأة المطلقة التي لم تحض ترتاب من الحمل فتمر بها ثلاثة أشهر لا تخالف حال التي ارتابت من الحمل وهي تحيض فحاضت ثلاث حيض إن برئت من الحمل برئت من العدة في الثلاثة الأشهر التي مرت بها بعد الطلاق في حال ريبة [ ص: 236 ] مرت بها أو غير ريبة ، وإن لم تبرأ من الحمل وبان بها الحمل فأجلها أن تضع حملها وإن راجعها زوجها في الثلاثة الأشهر ثبتت الرجعة كانت حاملا أو لم تكن ، فإذا راجعها بعد الثلاثة الأشهر وقفت الرجعة فإن برئت من الحمل فالرجعة باطلة ، وإن كان الطلاق يملك الرجعة أنفق عليها في الحيض أو الشهور ، وإن أنفق عليها وهو يراه حملا بطلت النفقة من يوم أكملت الحيض والشهور ويرجع عليها بما أنفق بعد مضي العدة بالشهور والحيض ويرجع بما أنفق حين كان يراها حاملا فإن كانت حاملا فالرجعة ثابتة ولها النفقة فإن دخل بها فأبطلت الرجعة جعلت لها الصداق بالمسيس واستأنفت العدة من يوم أصابها وكان خاطبا فإن راجعها وهي ترى أنها حامل بعد الثلاثة الأشهر ثم انفش ما في بطنها فعلم أنها غير حامل فالرجعة باطلة .
( قال الربيع ) انفش ذهب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولا تنكح المرتابة من المطلقات ولا المتوفى عنها زوجها من الحمل وإن أوفين عددهن لأنهن لا يدرين ما عددهن ؟ الحمل أو ما اعتدن به ؟ وإن نكحن لم نفسخ النكاح ووقفناه فإن برئن من الحمل فالنكاح ثابت وقد أسأن حين نكحن وهن مرتابات ، وإن كان الحمل منعناهن الدخول حتى يتبين أن ليس حمل فإن وضعن أبطلنا النكاح وإن بان أن لا حمل خلينا بينهن وبين الدخول
( قال ) ومتى وضعت المعتدة ما في بطنها كله فقد انقضت عدتها مطلقة كانت أو متوفى عنها ولو كان ذلك بعد الطلاق أو الموت بطرفة عين .
وإن كانت حاملا باثنين أو ثلاثة فوضعت الأول فلزوجها عليها الرجعة حتى تضع الثاني . فإن راجعها بعد وضع الأول وهي تجد حركة ولد أوقفنا الرجعة فإن ولدت ولدا آخر أو أسقطت سقطا تبين له من خلق الآدميين شيء فرجعته ثابتة وإن لم تضع شيئا إلا ما يخرج من النساء مما يتبع الولد أو ما لا يتبين فيه شيء من خلق الآدميين فالرجعة باطلة وكذلك هذا لو وضعت الأولين وبقي ثالث أو شيء تجده تراه ثالثا . أو ثلاثة وبقي رابع لا تخلوا أبدا من زوجها إلا بوضع آخر حملها وليس ما يتبع الحمل من المشيمة وغيرها مما لا يبين له خلق آدمي حملا .
( قال ) ولو ارتجعها وقد خرج بعض ولدها وبقي بعضه كانت له عليها الرجعة ولا تخلو منه حتى يفارقها كله خارجا منها فإذا فارقها كله فقد انقضت عدتها . وإن لم يقع في طست ولا غيره .
( قال ) وأقل ما تخلو به المعتدة من الطلاق والوفاة من وضع الحمل أن تضع سقطا قد بان له من خلق بني آدم شيء عين أو ظفر أو أصبع أو رأس أو يد أو رجل أو بدن أو ما إذا رئي علم من رآه أنه لا يكون إلا خلق آدمي لا يكون دما في بطن ولا حشوة ولا شيئا لا يبين خلقه . فإذا وضعت ما هو هكذا حلت به من عدة الطلاق والوفاة .
( قال ) وإذا ألقت شيئا مجتمعا شك فيه أهل العدل من النساء أخلق هو أم لا لم تحل به ولا تخلو إلا بما لا يشككن فيه . وإن اختلفت هي وزوجها فقالت قد وضعت ولدا أو سقطا قد بان خلقه ، وقال زوجها لم تضعي . فالقول قولها مع يمينها ، وإن لم تحلف ردت اليمين على زوجها . فإن حلف على البت ما وضعت كانت له الرجعة وإن لم يحلف لم يكن له الرجعة قال ولو قالت وضعت شيئا أشك فيه أو شيئا لا أعقله وقد حضره نساء فاستشهدت بهن وأقل من يقبل في ذلك أربع نسوة حرائر عدول مسلمات لا يقبل أقل منهن ولا يقبل فيهن والدة ولا ولد وتقبل أخواتها وغيرهن من ذوي قرابتها والأجنبيات ومن أرضعها من النساء .
ولو طلق رجل امرأته وولدت فلم تدر هي أوقع الطلاق عليها قبل ولادها أو بعده ؟ وقال هو وقع بعد ما [ ص: 237 ] ولدت فلي عليك الرجعة وكذبته فالقول قوله وهو أحق بها لأن الرجعة حق له . والخلو من العدة حق لها فإذا لم تدع حقها فتكون أملك بنفسها لأنه فيها دونه لم يزل حقه إنما يزول بأن تزعم هي أنه زال .
( قال ) ولو لم يدر هو ولا هي أوقع الطلاق قبل الولاد أو بعده بأن كان عنها غائبا حين طلقها بناحية من مصرها أو خارج منه كانت عليها العدة لأن العدة تجب على المطلقة فلا تزيلها عنها إلا بيقين أن تأتي بها وكان الورع أن لا يرتجعها لأني لا أدري لعلها قد حلت منه ولو ارتجعها لم أمنعه لأنه لا يجوز لي منعه رجعتها إلا بيقين أن قد حلت منه
( قال ) والحرة الكتابية تكون تحت المسلم أو الكتابي في عدد الطلاق أو الوفاة وما يلزم المعتدة من ترك الخروج والإحداد وغير ذلك ويلزم لها بكل وجه سواء لا يختلفان في ذلك والحرة المسلمة الصغيرة كذلك وكذلك الأمة المسلمة إلا أن عدة الأمة في غير الحمل نصف عدة الحرة وأن لسيد الأمة أن يخرجها وإذا أخرجها لم يكن لها نفقة على مطلق يملك الرجعة ولا حمل .
( قال ) وتجتمع العدة من النكاح الثابت والنكاح الفاسد في شيء وتفترق في غيره . وإذا اعتدت المرأة من الطلاق والمنكوحة نكاحا فاسدا بالفرقة فعدتهما سواء لا يختلفان في موضع الحمل والأقراء والشهور غير أن لا نفقة لمنكوحة نكاحا فاسدا في الحمل ولا سكنى إلا أن يتطوع المصيب لها بالسكنى ليحصنها فيكون ذلك لها بتطوعه وله بتحصينها .
وإذا نكح الرجل المرأة نكاحا فاسدا فمات عنها ثم علم فساد النكاح بعد موته أو قبله فلم يفرق بينهما حتى مات فعليها أن تعتد هذه عدة مطلقة ولا تعتد عدة متوفى عنها ولا تحد في شيء من عدته ولا ميراث بينهما لأنها لم تكن زوجة وإنما تستبرأ بعدة مطلقة لأن ذلك أقل ما تعتد به حرة فتعتد إلا أن تكون حاملا فتضع حملها فتحل للأزواج بوضع الحمل .
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فلم يحدث لها الزوج رجعة ولا نكاحا حتى ولدت لأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الزوج وأنكر الزوج الولد ولم يقر بالحمل فالولد منفي عنه بلا لعان لأنها ولدت بعد الطلاق لما لا تلد له النساء .
وإن كان الطلاق لا يملك في الرجعة ردت نفقة الحمل إن كانت أخذتها . وإن كان يملك الرجعة فلم تقر بثلاث حيض مضت أو تكون ممن تعتد بالشهور فتقر بمضي ثلاثة أشهر فلها النفقة في أقل ما كانت تحيض له ثلاث حيض وذلك أني أجعلها طاهرا حين طلقها ثم تحيض من يومها ثم أحسب لها أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض فأجعل لها فيه النفقة إلى أن تدخل في الدم من الحيضة الثالثة أبتدئ ذلك بما وصفت من أن أجعل طهرها قبل حيضها من يوم طلقها وأقل ما تحيض وتطهر وإن كان حيضها يختلف فيطول ويقصر لم أجعل لها إلا أقل ما كانت تحيض لأن ذلك اليقين وأطرح عنه الشك وأجعل العدة منقضية بالحمل لأنها مفسدة للحيضة وواضعة للحمل فلو كانت عدتها الشهور جعلت لها نفقة ثلاثة أشهر من يوم طلقها وبرئت من العدة بوضع الحمل . وإن لم يلزمه الولد كان من غيره .
( قال ) ولو أقر به الزوج كان ابنه لأنه قد يرتجع وينكح نكاحا جديدا ويصيب بشبهة في العدة ليكون ولده . ولو لم يقر به الزوج ولكن المرأة ادعت أنه راجعها في العدة أو نكحها إذا كان الطلاق بائنا وأصابها وهي ترى أن له عليها الرجعة وأنكر ذلك كله أو مات ولم يقر لم يلزمه الولد في شيء من هذا وعليه اليمين على دعواها إن كان حيا وعلى ورثته على علمهم إن كان ميتا وسألت أيمانهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (222)
صــــــــــ 238 الى صـــــــــــ 244
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها فأقرت بانقضاء العدة أو لم تقر بها حتى ولدت ولدا لم يجاوز أربع سنين من الساعة التي وقع فيها الطلاق أو أقل فالولد أبدا لاحق بالأب لأكثر ما يكون له حمل النساء من يوم طلقها كان الأب حيا أو ميتا لا ينفى الولد عن الأب إلا بأن تأتي به لأكثر مما تحمل النساء من يوم طلقها أو يلتعن فينفيه بلعان أو تزوجت زوجا غيره فتكون فراشا وإذا [ ص: 238 ] تزوجت زوجا غيره وقد أقرت بانقضاء العدة وأقر بالدخول بها أو لم يقر حتى جاءت بولد لستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح فالولد له إلا أن ينفيه بلعان . وكذلك لو قالت كذبت في قولي انقضت العدة لم تصدق على الزوج الأول ولو ولدته لأقل من ستة أشهر من يوم وقعت عقدة النكاح الآخر وتمام أربع سنين أو أقل من يوم فارقها الأول كان للأول . ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم فارقها الأول كان للأول . ولو وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها الآخر وأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الأول لم يكن ابن واحد منهما لأنها وضعته من طلاق الأول لما لا تحمل له النساء ومن نكاح الآخر لما لا تلد له النساء .
وإذا قال الرجل لامرأته كلما ولدت فأنت طالق فولدت ولدين في بطن واحد وقع الطلاق بالولد الأول وانقضت عدتها بالولد الآخر ولم يقع به طلاق لأن الطلاق وقع ولا عدة عليها ولو ولدت ثلاثة في بطن وقعت تطليقتان بالولدين الأولين لأن الطلاق وقع وهو يملك الرجعة وانقضت عدتها بالثالث ولا يقع به طلاق ولو كانت المسألة بحالها وولدت أربعة في بطن وقع الثلاث بالثلاث الأوائل وانقضت العدة بالولد الرابع .
ولو قال رجل لامرأته كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدين بين كل واحد منهما سنة وقع الطلاق بالأول وحلت للأزواج بالآخر وإن كان الطلاق لا يملك فيه الرجعة فلا نفقة فيه وإن كان يملك الرجعة فلها النفقة كما وصفت في أقل ما كانت تحيض فيه ثلاث حيض حتى تدخل في الدم من الحيضة الثالثة .
( قال ) وإنما فرقت بين هذا والمسائل قبله لأن الزوج ابتدأ الطلاق كما يقع على الحانث بكلام تقدم قبل وضع حملها وقع بوضع حملها منه ثم لم يحدث نكاحا ولا رجعة فيلزمه بواحد منهما ولم يقر به فيلزمه إقراره وكان الولد منفيا عنه بلا لعان وغير ممكن أن يكون أبدا في الظاهر منه . فإن قال قائل : فكيف لم ينف الولد إذا أقرت أمه بانقضاء العدة ثم ولدته لأكثر من ستة أشهر بعد إقرارها ؟ قيل : لما أمكن أن تكون تحيض وهي حامل فتقر بانقضاء العدة على الظاهر والحمل قائم لم نقطع حق الولد بإقرارها بانقضاء العدة وألزمناه الأب ما أمكن أن يكون حملا منه وذلك أكثر ما تحمل له النساء من يوم طلقها وكان الذي يملك الرجعة والذي لا يملكها في ذلك سواء . ولما كان هذا هكذا كانت إذا لم تقر بانقضاء العدة وجاءت بولد لأكثر ما تلد له النساء من يوم وقع الطلاق لم أجعل الولد ولده في واحد منهما . فإن قال : فإن التي يملك عليها الرجعة في معاني الأزواج ما لم تقر بانقضاء العدة ففي بعض الأمر دون بعض . ألا ترى أنها تحل بالعدة لغيره وليس هكذا وقيل له أيحل إصابتها بعد الطلاق بغير رجعة ؟ فإن قال لا ولكنه لو أصابها جعلتها رجعة ؟ قيل : فكيف يكون عاصيا بالإصابة مراجعا بالمعصية ؟ ويقال له أرأيت لو أصابها في عدة من طلاق بائن فجاءت بولد فادعى الشبهة ؟ فإن قال يلزمه قيل فقد ألزمته الولد بالإصابة في العدة من طلاق بائن إلزامكه الولد في العدة من طلاق يملك فيه الرجعة فكيف نفيته عنه في أحدهما وأثبته عليه في الآخر وحكمهما في إلحاق الولد عندك سواء ؟
عدة الوفاة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } الآية .
( قال الشافعي ) حفظت عن غير واحد من أهل العلم [ ص: 239 ] بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول آي المواريث وأنها منسوخة وحفظت أن بعضهم يزيد على بعض فيما يذكر مما أحكي من معاني قولهم وإن كنت قد أوضحت بعضه بأكثر مما أوضحوه به وكان بعضهم يذهب إلى أنها نزلت مع الوصية للوالدين والأقربين وأن وصية المرأة بمتاع سنة وذلك نفقتها وكسوتها وسكنها وأن قد حظر على أهل زوجها إخراجها ولم يحظر عليها أن تخرج ولم تخرج ولم يحرج زوجها ولا وارثه بخروجها إذا كان غير إخراج منهم لها ولا هي لأنها إنما هي تاركة الحق لها وكان مذهبهم أن الوصية لها بالمتاع إلى الحول والسكنى منسوخة بأن الله تعالى ورثها الربع إن لم يكن لزوجها ولد والثمن إن كان له ولد . وبين أن الله عز وجل أثبت عليها عدة أربعة أشهر وعشرا ليس لها الخيار في الخروج منها ولا النكاح قبلها قال ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن عليها أن تمكث في بيت زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله إلا أن تكون حاملا فيكون أجلها أن تضع حملها بعد أو قرب ، ويسقط بوضع حملها عدة أربعة أشهر وعشر .
( قال ) وما وصفت من نسخ الوصية لها بالمتاع إلى الحول بالميراث ما لا اختلاف فيه من أحد علمته من أهل العلم . وكذلك لا اختلاف علمته في أن إليها عدة الأربعة أشهر وعشر وقول الأكثر من أهل العلم مع السنة أن أجلها إذا كانت حاملا وكل ذات عدة أن تضع حملها .
( قال ) وكذلك قول الأكثر بأن عليها أن تعتد في بيت زوجها وليس لها الخيار في أن تخرج مع الاستدلال بالسنة .
( قال ) وكان قول الله عز وجل { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } يحتمل أن يكون على كل زوجة حرة وأمة حامل وغير حامل ، واحتمل أن يكون على الحرائر دون الإماء وغير ذوات الحمل دون الحوامل ، ودلت السنة على أنها على غير الحوامل من الأزواج وأن الطلاق والوفاة في الحوامل المعتدات سواء وأن أجلهن كلهن أن يضعن حملهن . ولم أعلم مخالفا في أن الأمة الحامل في الوفاة والطلاق كالحرة تحل بوضع حملها أخبرنا مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سئل ابن عباس وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل ؟ فقال ابن عباس آخر الأجلين . وقال أبو هريرة إذا ولدت فقد حلت فدخل أبو سلمة على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت : { ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلل وكان أهلها غيبا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فانكحي من شئت } أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال ابن عباس آخر الأجلين وقال أبو سلمة إذا نفست فقد حلت قال فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فبعثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت : { ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها قد حللت فانكحي } أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة { أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في أن تنكح فأذن لها } .
أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه { أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فمر بها أبو السنابل بن بعكك بعد ذلك بأيام فقال قد تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشر فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كذب أبو السنابل وليس كما قال إنك قد حللت فتزوجي } . أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها [ ص: 240 ] زوجها وهي حامل فقال ابن عمر إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت .
( قال الشافعي ) وليس للمتوفى عنها نفقة حاملا كانت أو غير حامل . أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث .
( قال الشافعي ) وكذلك لو كانت مشركة أو مملوكة لا ترث لم يكن لها النفقة لأن ملكه عن المال قد انقطع بالموت وإذا وضعت المتوفى عنها جميع حملها حلت للأزواج مكانها ولم تنتظر أن تطهر وكان لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر ، وهكذا هي إن كانت مطلقة وهكذا المعتدة من الطلاق إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة حل لها أن تنكح ولم يكن لزوجها أن يصيبها حتى تطهر فإذا ولدت ولدا وكانت تجد حركة تخاف أن يكون ولدا ثانيا أو وضعت ثانيا وخافت أن تكون الحركة ولدا ثالثا لم تنكح حتى تعلم أن ليس في بطنها ولد غير الذي ولدت أولا ، وإن نكحت بعد ولاد الأول والثاني وهي تجد حركة فالنكاح موقوف فإن ولدت فالنكاح مفسوخ وإن علم أنه ليس ولدا فالنكاح ثابت فإن كانت مطلقة لزوجها عليها الرجعة فوضعت ولدا فارتجعها زوجها وهي تجد حركة وقفت الرجعة فإن ولدت آخر أو أسقطته قد تبين بعض خلقه فالرجعة ثابتة ، وإن لم تضعه فالرجعة باطلة .
( قال ) وسواء ولدته سقطا أو تماما أو ضربه إنسان أو هي فألقته ميتا أو حيا تخلو عدتها بذلك كله لأنها قد وضعت حملها وهي ومن ضربه آثمان بضربه ، وهذا هكذا في الطلاق وكل عدة على كل امرأة بوجه من الوجوه وسواء هذا في الاستبراء وفي كل عدة من نكاح فاسد تحل بوضع الحمل ولا تحل به حتى يتبين له خلق من خلف بني آدم رأس أو يد أو رجل أو ظفر أو عين أو شعر أو فرج أو ما يعرف به أنه من خلق الآدميين ، فأما ما لا يعرف به أنه خلق آدمي فلا تحل به وعدتها فيه ما فرض عليها من العدة غير عدة أولات الأحمال وسواء في الخروج بوضع الحمل من العدة بالوفاة والطلاق والنكاح الفاسد والمفسوخ والاستبراء كل امرأة حرة وأمة وذمية وبأي وجه اعتدت وأي أمة استبرأت وتعتد المتوفى عنها زوجها الحرة المسلمة والذمية من أي زوج كان حر أو عبد أو ذمي لحرة ذمية عدة واحدة إذا لم تكن حاملا أربعة أشهر وعشرا ينظر إلى الساعة التي توفي فيها الزوج فتعتد منها بالأيام فإذا رأت الهلال اعتدت بالأهلة .
( قال ) كأنه مات نصف النهار وقد بقي من الشهر خمس ليال سوى يومها الذي مات فيه فاعتدت خمسا ثم رئي الهلال فتحصي الخمس التي قبل الهلال ثم تعتد أربعة أهلة بالأهلة وإن اختلفت فكان ثلاث منها تسعا وعشرين وكان واحد منها ثلاثين أو كانت كلها ثلاثين إنما الوقت فيها الأهلة فإذا أوفت الأهلة الأربعة اعتدت أربعة أيام بلياليهن واليوم الخامس إلى نصف النهار حتى يكمل لها عشر سوى الأربعة الأشهر ، وإن مات وقد مضى من الهلال عشر ليال أحصت ما بقي من الهلال فإن كان عشرين أو تسعة عشر يوما حفظتها ثم اعتدت ثلاثة أشهر بالأهلة ثم استقبلت الشهر الرابع فأحصت عدد أيامه فإذا كمل لها ثلاثون يوما بلياليها فقد أوفت أربعة أشهر واستقبلت عشرا بلياليها ، فإذا أوفت لها عشرا إلى الساعة التي مات فيها فقد مضت عدتها ، ولو كانت محبوسة أو عمياء لا ترى الهلال ولا تخبر عنه أو أطبق عليها الغيم اعتدت بالأيام على الكمال الأربعة الأشهر مائة وعشرين يوما والعشر بعدها عشر فذلك مائة وثلاثون يوما ولم تحل في شيء من ذلك من زوجها حتى توفي هذه العدة أو يثبت لها أن قد خلت عدتها قبله بالأهلة والعشر كما وصفت وليس عليها أن تأتي في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة لأن الله عز وجل جعل للحيض موضعا فكان بفرض الله العدة لا الشهور فكذلك إذا جعل الشهور والأيام عدة فلا موضع [ ص: 241 ] للحيضة فيها ، ومن قال تأتي فيها بحيضة جعل عليها ما لم يجعل الله عليها . أرأيت لو كانت تعرف أنها لا تحيض في كل سنة أو سنتين إلا مرة أما يكون من جعلها تعتد سنة أو سنتين جعل عليها ما ليس عليها ؟ ولكن لو ارتابت من نفسها استبرأت نفسها من الريبة كما يكون ذلك في جميع العدد ، وكذلك لو جاءت في الأربعة الأشهر والعشر بحيضة وحيض ثم ارتابت استبرأت من الريبة .
( قال ) ولو طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يبق له عليها من الطلاق غيرها حتى يكون لا يملك رجعتها وهو صحيح ثم مات لم ترثه واعتدت عدة الطلاق ، ولو طلقها مريضا ثم صح من مرضه ثم مات وهي في العدة لم ترثه واعتدت عدة الطلاق لأنه قد صح في حال لو ابتدأ طلاقها فيها ثم مات لم ترثه فكان في الصحة مطلقا ولم يحدث رجعة ولو طلقها مريضا ثم مات من مرضه وهي في العدة فإن كان الطلاق يملك فيه الرجعة ورثته وورثها لو ماتت لأنها في معاني الأزواج ، وهكذا لو كان هذا الطلاق في الصحة .
( قال ) ولو طلقها لا يملك فيه رجعتها وهو مريض ثم مات في العدة لم يرثها ، وإن مات وهي في العدة فقول كثير من أهل الفتيا أنها ترثه في العدة وقول بعض أصحابنا إنها ترثه وإن مضت العدة وقول بعضهم لا ترث مبتوتة .
هذا مما أستخير الله عز وجل فيه .
( قال الربيع ) وقد استخار الله تعالى فيه فقال لا ترث المبتوتة طلقها مريضا أو صحيحا .
( قال الربيع ) من قبل أنه لو آلى منها لم يكن موليا ولو تظاهر منها لم يكن مظاهرا ولو قذفها كان عليه الحد ولو ماتت لم يرثها فلما كانت خارجة من معاني الأزواج وإنما ورث الله تعالى الزوجة فقال { ولهن الربع } وإنما خاطب الله عز ذكره الزوجة فكانت غير زوجة في جميع الأحكام لم ترث وهذا قول ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف طلقها على أهنا لا ترث إن شاء الله عنده .
( قال الشافعي ) واختلف أصحابنا فيها إن نكحت فالذي أختار إن ورثت بعد مضي العدة أن ترث ما لم تتزوج فإذا تزوجت فلا ترثه فترث زوجين وتكون كالتاركة لحقها بالتزويج وقد قال بعض أصحابنا ترثه وإن تزوجت عددا وترث أزواجا ، وقال غيرهم ترث في العدة لا ترث بعدها . أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي مليكة أنه سأل ابن الزبير عن المرأة يطلقها الرجل فيبتها ثم يموت وهي في عدتها فقال ابن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتها ثم مات وهي في عدتها فورثها عثمان فقال ابن الزبير فأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة . وقال غيرهم إن كانت مبتوتة لم ترثه في عدة ولا غيرها وهذا قول يصح لمن قال به ، وقد ذهب إليه بعض أهل الآثار والنظر فقال : وكيف ترثه امرأة لا يرثها ولا يحل له وإنما ورث الله تعالى عز ذكره الأزواج وهي ليست بزوجة وجعل على الأزواج العدة ؟ فإن قلتم لا تعتد لأنها ليست بزوجة فكيف ترثه من لا تعتد منه من وفاته ؟ فإن قلتم تعتد فكيف تعتد منه غير زوجة له ؟ وإن مضت بها ثلاث حيض قبل موته أفتعتد امرأة أربعة أشهر وعشرا بعد ثلاث حيض ، وإن كانت إذا مضت لها ثلاث حيض وهو مريض فنكحت جاز لها النكاح أفتعتد منه إن توفي وهي تحل لغيره ؟ ومن ورثها في العدة أو بعد مضيها انبغى أن يقول أورثها بالاتباع ولا أجعل عليها عدة لأنها ليست من الأزواج وإنما جعل الله تعالى العدة على الأزواج ، وإذا مات عنها فلم تعلم وقت موته اعتدت من يوم تستيقن موته أربعة أشهر وعشرا .
( قال ) وإن لم يبلغها موته حتى يمضي لها أربعة أشهر وعشر ثم قامت بينة بموته فقد مضت عدتها ولا تعود لعدة ولا إحداد .
( قال الشافعي ) وكذا المطلقة في هذا كله ، ولو ارتد زوج المرأة عن الإسلام أمرناها تعتد عدة الطلاق فإن قضتها قبل أن يرجع إلى الإسلام فقد بانت منه وإن لم تقضها حتى تاب الزوج بالرجوع إلى الإسلام ثم مات قبل مضي آخر عدتها أو بعده فسواء وترثه في هذا كله لأنها زوجته بحالها ، ولو اختلفت هي وورثة الزوج [ ص: 242 ] فقالوا قد مضت عدتك قبل أن يتوب وقالت لم تمض حتى تاب وهم يتصادقون على توبة الزوج فالقول قول المرأة مع يمينها ، ولو أقرت بانقضاء العدة قبل أن يتوب فلا شيء لها في ماله وكانت عليها عدة الوفاة والإحداد تأتي فيها بثلاث حيض لأنها مقرة بأن عليها العدتين في إقرارتين مختلفين ، ولو لم يمت ولكن قالت قد انقضت عدتي قبل أن يتوب ثم قالت بعد ما تاب وقبل أن يموت لم تنقض عدتي كانت امرأته بحالها وأصدقها أن عدتها لم تنقض . وهكذا كل مطلقة لزوجها عليها الرجعة قالت قد انقضت عدتي ثم قالت لم تنقض فلزوجها الرجعة ، وإن قالت قد انقضت عدتي فكذبها الزوج أحلفت فإن حلفت فالقول قولها مع يمينها وإن لم تحلف حلف هو على البت ما انقضت عدتها فإن نكل لم ترد عليها .
وإذا مات الرجل وله امرأتان قد طلق إحداهما طلاقا لا يملك فيه الرجعة ولا تعرف بعينها اعتدتا أربعة أشهر وعشرا تكمل كل واحدة منهما فيها ثلاث حيض والله الموفق .
مقام المتوفى عنها والمطلقة في بيتها ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى في المطلقات { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .
( قال ) فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن لأنهن في معناهن في العدة .
( قال ) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن على المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها لأنه مالك ماله ولا يكون على زوج المرأة المتوفى عنها سكنها لأن ماله مملوك لغيره وإنما كانت السكنى بالموت إذ لا مال له والله تعالى أعلم . أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن { الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان في طرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيت له فقال كيف قلت ؟ قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله } قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به . قال : وبهذا نأخذ .
( قال ) وإذا طلق الرجل المرأة فلها سكناها في منزل حتى تنقضي عدتها ما كانت العدة حملا أو شهورا كان الطلاق يملك فيه الرجعة أو لا يملكها .
( قال ) وإن كان المنزل بكراء فالكراء على الزوج المطلق أو في مال الزوج الميت ولا يكون للزوج المطلق إخراج المرأة من مسكنها الذي كانت تسكن معه كان له [ ص: 243 ] المسكن أو لم يكن ، ولزوجها إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر بينه وبينها أن يسكن فيما سوى ما يسعها .
( قال ) وإن كان على زوجها دين لم يبع مسكنها فيما يباع من ماله حتى تنقضي عدتها .
( قال ) وهذا إذا كان قد أسكنها مسكنا له أو منزلا قد أعطى كراءه .
( قال ) وذلك أنها قد ملكت عليه سكناها فيما يكفيها طلاقها كما يملك من اكترى من رجل مسكنه سكنى مسكنه دون مالك الدار حتى ينقضي كراؤه .
( قال ) فأما إن كان أنزلها منزلا عارية أو في كراء فانقضى أو بكراء لم يدفعه وأفلس . فلأهل هذا كله أن يخرجوها منه وعليه أن يسكنها غيره إلا أن يفلس فإن أفلس ضربت مع الغرماء بأقل قيمة سكنى ما يكفيها بالغا ما بلغ واتبعته بفضله متى أيسر .
( قال ) وهكذا تضرب مع الغرماء بنفقتها حاملا وفي العدة من طلاقه .
( قال ) ولو كانت هذه المسائل كلها في موته كان القول فيها واحدا من قولين .
أحدهما : ما وصفت في الطلاق لا يخالفه . ومن قال هذا قال : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم للفريعة " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " دليل على أن للمتوفى عنها السكنى .
( قال ) ويجعل لها السكنى في مال الميت بعد كفنه من رأس ماله ويمنع منزلها الذي تركها فيه أن يباع أو يقسم حتى تنقضي عدتها ويتكارى لها إن أخرجت من منزل كان بيده عارية أو بكراء . والقول الثاني : أن الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا هذا فقد ملكوا المال دونه ولم يكن لها السكنى حين كان ميتا لا يملك شيئا ولا سكنى لها كما لا نفقة لها ومن قال هذا قال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم امكثي في بيتك يحتمل ما لم تخرجي منه إن كان لغيرك لأنها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها . فإن كان لها المنزل أو للقوم فلم يخرجوها منه لم يجز أن تخرج منه حتى تنقضي عدتها .
( قال ) وإذا أسكنها ورثته فلهم أن يسكنوها حيث شاءوا لا حيث شاءت إذا كان موضعها حريزا ولم يكن لها أن تمتنع من ذلك ، وإن لم يسكنوها اعتدت حيث شاءت من المصر .
( قال ) ولو كانت تسكن في منزل لها معه فطلقها وطلبت أن تأخذ كراء مسكنها منه كان لها في ماله أن تأخذ كراء أقل ما يسعها من المسكن فقط .
( قال ) ولو كان نقلها إلى منزل غير منزله الذي كانت معه فيه ثم طلقها أو مات عنها بعد أن صارت في المنزل الذي نقلها إليه اعتدت في ذلك المنزل الذي نقلها إليه وأذن لها أن تنتقل إليه ، ولو كان أذن لها في النقلة إلى منزل بعينه أو أمرها تنتقل حيث شاءت فنقلت متاعها وخدمها ولم تنتقل ببدنها حتى مات أو طلقها اعتدت في بيتها الذي كانت فيه ولا تكون منتقلة إلا ببدنها . فإذا انتقلت ببدنها وإن لم تنتقل بمتاعها ثم طلقها أو مات عنها اعتدت في الموضع الذي انتقلت إليه بإذنه .
( قال ) سواء أذن لها في منزل بعينه أو قال لها انتقلي حيث شئت أو انتقلت بغير إذنه فأذن لها بعد في المقام في ذلك المنزل ، كل هذا في أن تعتد فيه سواء .
( قال ) ولو انتقلت بغير إذنه ثم يحدث لها إذنا حتى طلقها أو مات عنها رجعت فاعتدت في بيتها الذي كانت تسكن معه فيه . وهكذا السفر يأذن لها به فإن لم تخرج حتى يطلقها أو يتوفى عنها أقامت في منزلها ولم تخرج منه حتى تنقضي عدتها وإن أذن لها بالسفر فخرجت أو خرج بها مسافرا إلى حج أو بلد من البلدان فمات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فسواء ولها الخيار في أن تمضي في سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضي سفرها فلا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو في النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر .
وإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر مثلها ثم رجعت فإن بقي من عدتها شيء أكملته في بيته وإن لم يبق منها شيء فقد انقضت عدتها .
( قال ) وسواء كانت قريبا من مصرها الذي خرجت منه إذا مات أو طلقها أو بعيدا وإذنه لها بالسفر وخروجها فيه كإذنه بالنقلة وانتقالها لأن نقلة المسافر هكذا . [ ص: 244 ] وإن رجعت قبل أن ينقضي سفرها اعتدت بقية عدتها في منزله ولها الرجوع لأنه لم يأذن لها بالسفر إذن مقام فيه إلا مقام مسافر ، وإن كان أذن لها بالنقلة إلى مصر أو مقام فيه فخرجت ثم مات أو بقي حيا فإذا بلغت ذلك المصر . فله - إن كان حيا ولوليه إن كان حاضرا أو وكيل له - أن ينزلها حيث يرضى من المصر حتى تنقضي عدتها ، وعليه سكناها حتى تنقضي عدتها في ذلك المصر ، وإن لم يكن حاضرا ولا وكيل له ولا وارث حاضر كان على السلطان أن يحصنها حيث ترضى لئلا يلحق بالميت أو بالمطلق ولد ليس منه .
وإذا أذن الرجل لامرأته أن تنتقل إلى أهلها أو غيرهم أو منزل من المنازل أو قال أقيمي في أهلك أو في منزل فلم تخرج حتى طلقها طلاقا لا رجعة له عليها فيه أو مات اعتدت في منزله . وإن خرجت إلى ذلك الموضع فبلغته أو لم تبلغه . ثم طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة أو مات عنها مضت إليه وحين زايلت منزله بإذنه إلى حيث أمرها أن تنتقل أو تقيم فمنزلها حيث أمرها وسواء في هذا كله أخرجت متاعها أو تركته أو منعها متاعها أو تركها وإياه . وهكذا إن قال لها : أقيمي فيه حتى يأتيك أمري وقوله هذا وسكوته سواء لأن المقام ليس بموضع زيارة وليس عليها - لو نقلها ثم أمرها - أن تعود إلى منزله أن تعود إليه وسواء قال إنما قلت هذا لها لتزور أهلها أو لم يقله إذا طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة أو لا يملكها لم يكن له نقلها عن الموضع الذي قال لها انتقلي إليه أقيمي فيه حتى يراجعها فينقلها إن شاء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إن كان أذن لها في زيارة أهلها أو غيرهم أو النزهة إلى موضع في المصر أو خارجا منه فخرجت إلى ذلك الموضع الذي أذن لها فيه ثم مات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة . فعليها أن ترجع إلى منزله فتعتد فيه لأن الزيارة ليست مقاما . فإن قال في هذا كله قبل الطلاق أو الموت إنما نقلتها إليه ولم تعلم هي كان لها أن تقيم حيث أقر أنه أمرها أن تنتقل لأن النقلة إليه وهي متنقلة لم يكن لها أن ترجع ، ولو أذن لها بعد الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة أو يملكها قبل أن يرتجعها أو قال لها في مرضه إذا مت فانتقلي حيث شئت فمات لم يكن لها أن تعتد في غيره .
( قال ) ولو كان أذن لها فيما وصفت فنوت هي النقلة وقالت أنا أنتقل ولم ينو هو النقلة . وقال هو إنما أرسلتك زائرة . ثم مات أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة كان عليها أن ترجع فتعتد في بيته لأن النقلة ليست لها إلا بإذنه .
( قال ) وإذنه لها في المصر إلى موضع معلوم وإلى أين شاءت سواء إن أذن لها في النقلة ثم طلقها لم يكن عليها أن ترجع إلى منزله حتى تنقضي عدتها إلا أن يراجعها فيكون أحق بها . وإن أذن لها في الزيارة أو النزهة ثم طلقها فعليها أن ترجع إلى منزله لأن الزيارة والنزهة ليست بنقلة ولو انتقلت لم يكن ذلك لها ولا له وكان عليها أن ترجع فتعتد في بيته
( قال ) ولو كان أذن لها أن تخرج إلى الحج فلم تخرج حتى طلقها أو مات عنها . لم يكن لها أن تخرج ، ولو خرجت من منزله ففارقت المصر أو لم تفارقه إلا أنها قد فارقت منزله بإذنه للخروج إلى الحج ثم مات عنها أو طلقها كان لها أن تمضي في وجهها وتقيم فيه مقام الحاج ولا تزيد فيه وتعود مع الحاج فتكمل بقية عدتها في منزله إلا أن يكون أذن لها في هذا أن تقيم بمكة أو في بلد غيرها إذا قضت الحج فتكون هذه كالنقلة وتقيم في ذلك البلد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا تخرج إلى الحج بعد مضي العدة إلا مع ذي محرم إلا أن تكون حجة الإسلام وتكون مع نساء ثقات فلا بأس أن تخرج مع غير ذي محرم ولو أذن لها إلى سفر يكون مسيرة يوم وليلة غير حجة الإسلام لم يكن لها أن تخرج إلا مع ذي محرم ، فإن خرجت من منزله ولم تبلغ السفر حتى طلقها أو مات عنها كان عليها أن ترجع فتعتد في منزله . ولو بلغت ذلك الموضع وقد سمى لها وقتا تقيمه في ذلك الموضع أو قال زوري أهلك فنوت هي النقلة أو لم تنوها أو خرجت إليه فلا أنظر إلى نيتها هي في النقلة
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (223)
صــــــــــ 245 الى صـــــــــــ 257
لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ لَهَا إلَّا بِقَوْلِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ قَدْ أَذِنْت لَهَا فِي النُّقْلَةِ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَهِيَ مُنْتَقِلَةٌ تَعْتَدُّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهَا فِي النُّقْلَةِ إلَيْهِ وَلَا تَعْتَدُّ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ فَقَالَتْ هِيَ قَدْ أَذِنَ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَتَعْتَدُّ حَيْثُ أَذِنَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ إذَا كَانَتْ هِيَ قَدْ انْتَقَلَتْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ أَوْ يَمُوتَ زَوْجُهَا وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْهُ وَلَا إكْذَابُهَا وَإِنْ أَكْذَبُوهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي إلَى مِصْرِ كَذَا أَوْ مَوْضِعِ كَذَا فَخَرَجَتْ إلَيْهِ أَوْ مَنْزِلِ كَذَا مِنْ مِصْرٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا حُجِّي وَلَا أَقِيمِي وَلَا تَرْجِعِي مِنْهُ وَلَا لَا تَرْجِعِي إلَّا أَنْ تَشَائِي وَلَا تَزُورِي فِيهِ أَهْلَك أَوْ بَعْضَ مَعْرِفَتِك وَلَا تَتَنَزَّهِي إلَيْهِ. كَانَتْ هَذِهِ نَقْلَةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ طَلَاقِهِ وَوَفَاتِهِ إلَّا أَنْ تُقِرَّ هِيَ أَنَّ ذَلِكَ الْإِذْنَ إنَّمَا كَانَ لِزِيَارَةٍ أَوْ لِمُدَّةٍ نُقِيمُهَا فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إذَا بَلَغَهَا الْوَفَاةُ فَتَعْتَدَّ فِي بَيْتِهِ وَفِي مَقَامِهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي أَمَرَهَا أَنْ تُقِيمَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ نَقَلَهَا إلَى مُدَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَقَدْ أَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَرْجِعْ وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَا لَا تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا رَجَعَتْ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ. وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ زِيَارَةٌ لَا نَقْلَةٌ إلَى مُدَّةٍ فَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ أَحَاطَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَقْلَةٍ
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي الْمِصْرِ اُسْكُنِي هَذَا الْبَيْتَ شَهْرًا أَوْ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. كَانَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ فِي السَّفَرِ أَقِيمِي فِي بَلَدِ كَذَا شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَهَذَا كُلُّهُ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ وَمُتَوَفًّى عَنْهَا سَوَاءٌ، غَيْرَ أَنَّ لِزَوْجِ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَيَنْقُلَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ إلَى حَيْثُ شَاءَ، وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْ مَنْزِلِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ أَوْ مِنْ سَفَرٍ أَذِنَ لَهَا إلَيْهِ أَوْ مِنْ مَنْزِلٍ حَوَّلَهَا إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ عِنْدِي كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ فِي الَّتِي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا
(قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَوْ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا بَدْوِيَّةً لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا حَتَّى يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَإِنْ انْتَوَى أَهْلُهَا انْتَوَتْ وَذَلِكَ أَنَّ هَكَذَا سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إنَّمَا سَكَنُهُمْ سَكَنُ مَقَامٍ مَا كَانَ الْمَقَامُ غِبْطَةً فَإِذَا كَانَ الِانْتِوَاءُ غِبْطَةً انْتَوَوْا.
(أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ الْبَدْوِيَّةِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنَّهَا تَنْتَوِي حَيْثُ يَنْتَوِي أَهْلُهَا) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَوْ مِثْلُ مَعْنَاهُ لَا يُخَالِفُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا أَنْ تَنْتَوِيَ لِأَنَّ سَكَنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ هَكَذَا إنَّمَا هُوَ سَكَنُ مُقَامٍ غِبْطَةً وَظَعْنٍ غِبْطَةً، وَأَنَّ الظَّعْنَ إذَا أَجْدَبَ مَوْضِعُهَا أَوْ خَفَّ أَهْلُهَا عُذْرٌ بِأَنَّهَا تَبْقَى بِمَوْضِعٍ مَخُوفٍ أَوْ غَيْرِ سَتِيرٍ بِنَفْسِهَا وَلَا مَعَهَا مَنْ يَسْتُرُهَا فِيهِ.
(قَالَ): فَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَذَاءِ عَنْ أَهْلِ زَوْجِهَا فَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ أَكْثَرَ وَذَلِكَ أَنْ يَتَهَدَّمَ الْمَسْكَنُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ وَتَحْدُثَ الْفِتْنَةُ فِي نَاحِيَتِهَا أَوْ الْمُكَاثَرَةُ أَوْ فِي مِصْرِهَا أَوْ تَخَافَ سُلْطَانًا أَوْ لُصُوصًا فَلَهَا فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْ الْمِصْرِ إنْ كَانَ عَامًّا فِي الْمِصْرِ وَعَنْ النَّاحِيَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا إلَى نَاحِيَةٍ آمَنَ مِنْهَا وَلِزَوْجِهَا أَنْ يُحْصِنَهَا حَيْثُ شَاءَ إذَا كَانَ مَوْضِعًا آمِنًا.
وَيُجْبَرُ زَوْجُهَا عَلَى الْكِرَاءِ لَهَا إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ أَوْ غُصِبَ عَلَيْهِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُخْرِجَ الْمَرْأَةَ فِي الْعِدَّةِ فِي كُلِّ مَا لَزِمَهَا مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ خُصُومَةٍ.
(قَالَ): وَإِذَا أُخْرِجَتْ الْمَرْأَةُ فِيمَا يَلْزَمُهَا مِنْ حُكُومَةٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمِصْرِ فَانْقَضَى مَا أُخْرِجَتْ لَهُ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا حَيْثُ كَانَ فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ الَّذِي يُخْرِجُهَا إلَيْهِ بِالْمِصْرِ فَمَتَى انْصَرَفَتْ مِنْ عِنْدِهِ انْصَرَفَتْ إلَى بَيْتِهَا.
(قَالَ): وَكُلُّ مَا جَعَلْت عَلَى الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ فِيهِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ قَضَيْت بِذَلِكَ فِي مَالِهِ إنْ غَابَ وَكُلُّ مَا جَعَلْت لِلزَّوْجِ تَصْيِيرُ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ مِنْ الْمَنَازِلِ إذَا كَانَ الْعُذْرُ الَّذِي تَنْتَقِلُ بِهِ الْمَرْأَةُ جَعَلْت لِمَنْ أَسْكَنَهَا أَجْنَبِيًّا مُتَطَوِّعًا كَانَ الَّذِي أَسْكَنَهَا أَوْ السُّلْطَانُ وَلَمْ أَقْضِ عَلَى الزَّوْجِ بِكِرَاءِ سَكَنِهَا وَقَضَيْت عَلَيْهِ بِنَفَقَتِهَا إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ
نَفَقَةٌ.
(قَالَ): وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَأَسْكَنَهَا وَارِثُهُ مَنْزِلَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَوَارِثُهُ يَقُومُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ. فَأَمَّا امْرَأَةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً مَعَهُ فَكَالْمَرْأَةِ الْمُسَافِرَةِ لَا تُخَالِفُهَا فِي شَيْءٍ إنْ شَاءَتْ مَضَتْ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ وَرَجَعَتْ فَأَكْمَلَتْ عِدَّتَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهِ فَاعْتَدَّتْ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ فِي سَفِينَةٍ.
(قَالَ): وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ خَرَجَ بِامْرَأَتِهِ إلَى بَادِيَةٍ زَائِرًا أَوْ مُتَنَزِّهًا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا رَجَعَتْ إلَى مَنْزِلِهَا فَاعْتَدَّتْ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالنُّقْلَةِ وَلَا كَالسَّفَرِ يَأْذَنُ لَهَا بِهِ إلَى غَايَةٍ وَذَلِكَ مِثْل النَّقْلَةِ وَهَذِهِ زِيَارَةٌ لَا نَقْلَةٌ.
الْإِحْدَادُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ وَسُكْنَى الْمُطَلَّقَةِ بِغَايَةٍ إذَا بَلَغَتْهَا الْمُعْتَدَّةُ حَلَّتْ وَخَرَجَتْ وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِسُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا كَمَا وَصَفْت وَلَمْ يَذْكُرْ إحْدَادًا فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَحِدَّ كَانَ ذَلِكَ كَمَا أَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَ كَيْفَ فَرَضَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ وَالْهَيْئَةِ فَكَانَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُطَلَّقَة ِ عِدَّةٌ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلِلْمُطَلَّقَ ةِ سَكَنٌ بِالْكِتَابِ وَلِلْمُتَوَفَّ ى عَنْهَا بِالسُّنَّةِ كَمَا وَصَفْت وَعَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إحْدَادٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ. وَكَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ إذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى وَكَانَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِالسُّنَّةِ وَبِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهُمَا مَعًا فِي عِدَّةٍ غَيْرِ ذَوَاتَيْ زَوْجَيْنِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا عَلَيْهِ فِيهِ الرَّجْعَةَ إحْدَادٌ كَهُوَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَأَحَبُّ إلَيَّ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا فِيهِ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ تَحِدُّ إحْدَادَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلَاقِ لِمَا وَصَفْت وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ أُوجِبَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمَا قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي حَالٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ.
(قَالَ): «قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَ أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا. ثُمَّ قَالَتْ وَاَللَّهِ مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» «وَقَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْت أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنُكَحِّلُهَ ا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْت لِزَيْنَبِ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ قَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَقْبِضُ بِهِ فَقَلَّمَا تَقْبِضُ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْحِفْشُ الْبَيْتُ
الصَّغِيرُ الذَّلِيلُ مِنْ الشَّعْرِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَالْقَبْصُ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ الدَّابَّةِ مَوْضِعًا بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهَا وَالْقَبْضُ الْأَخْذُ بِالْكَفِّ كُلِّهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَتَرْمِي بِالْبَعْرَةِ مِنْ وَرَائِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ الْغَايَةَ الَّتِي لَهَا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً زِمَامَ الزَّوْجِ بِطُولِ مَا حَدَثَ عَلَيْهِ كَمَا تَرَكَتْ الْبَعْرَةَ وَرَاءَ ظَهْرِهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَوْ عَائِشَةَ أَوْ حَفْصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كَانَ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ الزَّوْجُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَنَةً فَأَقَرَّ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ وَأَسْقَطَ عَنْهُنَّ فِي غَيْرِ عِدَدِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ الْإِحْدَادُ فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَتَسْكُنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيَّ بَيْتٍ كَانَتْ فِيهِ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْدَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَدَنِ وَتَرْكٌ لِزِينَةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ بِزِينَةٍ أَوْ طِيبٍ مَعَهَا عَلَيْهَا يَظْهَرُ بِهَا فَيَدْعُوَ إلَى شَهْوَتِهَا فَأَمَّا اللُّبْسُ نَفْسُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ فَزِينَةُ الْبَدَنِ الْمُدْخَلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ الدُّهْنُ كُلُّهُ فِي الرَّأْسِ فَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ طِيبٍ وَلَا غَيْرِهِ زَيْتٍ وَلَا شَيْرَقٍ وَلَا غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ الْأَدْهَانِ تَقُومُ مَقَامًا وَاحِدًا فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ، وَإِذْهَابُ الشَّعْرِ كَرُّهَا وَذَلِكَ هُوَ الزِّينَةُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ وَهَكَذَا رَأَيْت الْمُحْرِمَ يَفْتَدِي بِأَنْ يَدْهُنَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنِ طِيبٍ لِمَا وَصَفْت مِنْ التَّرْجِيلِ وَإِذْهَابِ الشَّعَثِ.
(قَالَ): فَأَمَّا بَدَنُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ تَدْهُنَهُ بِالزَّيْتِ وَكُلِّ مَا لَا طِيبَ فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ كَمَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ بَأْسٌ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَادُّ تُخَالِفُ الْمُحْرِمَ فِي بَعْضِ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ زِينَةٍ لِلْبَدَنِ وَلَا طِيبٍ تَظْهَرُ رِيحُهُ فَيَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا، فَأَمَّا الدُّهْنُ الطَّيِّبُ وَالْبَخُورُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِبَدَنِهَا لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ طِيبٌ يَدْعُو إلَى شَهْوَتِهَا وَيُنَبِّهُ بِمَكَانِهَا وَإِنَّمَا الْحَادُّ مِنْ الطِّيبِ شَيْءٌ أَذِنَتْ فِيهِ الْحَادُّ وَالْحَادُّ إذَا مَسَّتْ الطِّيبَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِدْيَةٌ وَلَمْ يُنْتَقَضْ إحْدَادُهَا وَقَدْ أَسَاءَتْ.
(قَالَ): وَكُلُّ كُحْلٍ كَانَ زِينَةً فَلَا خَيْرَ فِيهِ لَهَا مِثْلُ الْإِثْمِدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْسُنُ مَوْقِعُهُ فِي عَيْنِهَا، فَأَمَّا الْكُحْلُ الْفَارِسِيُّ وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ زِينَةٌ بَلْ هُوَ يَزِيدُ الْعَيْنَ مُرَّهَا وَقُبْحَهَا وَمَا اضْطَرَّتْ إلَيْهِ مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ مِنْ الْكُحْلِ اكْتَحَلَتْ بِهِ اللَّيْلَ وَمَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ وَكَذَلِكَ الدِّمَامُ وَمَا أَرَادَتْ بِهِ الدَّوَاءَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ حَادٌّ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ صَبْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الصَّبْرُ يُصَفِّرُ فَيَكُونُ زِينَةً وَلَيْسَ يُطَيِّبُ وَأُذِنَ لَهَا أَنْ تَجْعَلَهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ وَتَمْسَحَهُ بِالنَّهَارِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ فِي بَدَنِهَا شَيْءٌ لَا يُرَى فَجَعَلَتْ عَلَيْهِ الصَّبْرَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِيهِ بِاللَّيْلِ حَيْثُ لَا يُرَى وَأَمَرَهَا بِمَسْحِهِ بِالنَّهَارِ.
(قَالَ): وَفِي الثِّيَابِ زِينَتَانِ. إحْدَاهُمَا جَمَالُ الثِّيَابِ عَلَى اللَّابِسِ الَّتِي تَجْمَعُ الْجَمَالَ وَتَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ الثِّيَابُ فَالثِّيَابُ زِينَةٌ لِمَنْ لَبِسَهَا وَإِذَا أَفْرَدَتْ الْعَرَبُ التَّزْيِينَ عَلَى بَعْضِ اللَّابِسِينَ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّمَا تَقُولُ تَزَيَّنَّ مَنْ زَيَّنَ الثِّيَابَ الَّتِي هِيَ الزِّينَةُ بِأَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّبْغِ خَاصَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْحَادُّ كُلَّ ثَوْبٍ وَإِنْ جَادَ مِنْ الْبَيَاضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَيْسَ بِمُزَيِّنٍ، وَكَذَلِكَ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَكُلُّ مَا نُسِجَ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ ثَوْبٍ مَنْسُوجٍ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ صِبْغٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ مَرْوِيِّ
إبريسم أو حشيش أو صوف أو وبر أو شعر أو غيره، وكذلك كل صبغ لم يرد به تزيين الثوب مثل السواد وما أشبهه فإن من صبغ بالسواد إنما صبغه لتقبيحه للحزن وكذلك كل ما صبغ لغير تزيينه إما لتقبيحه وإما لنفي الوسخ عنه مثل الصباغ بالسدر وصباغ الغزل بالخضرة تقارب السواد لا الخضرة الصافية وما في مثل معناه فأما كل صباغ كان زينة أو وشي في الثوب بصبغ كان زينة أو تلميع كان زينة مثل العصب والحبرة والوشي وغيره فلا تلبسه الحاد غليظا كان أو رقيقا.
(قال): والحرة الكبيرة المسلمة والصغيرة والذمية والأمة المسلمة في الإحداد كلهن سواء من وجبت عليه عدة الوفاة وجب عليه الإحداد لا يختلفن. ودلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن على المعتدة من الوفاة تكون بإحداد أن لا تعتد امرأة بغير إحداد لأنهن إن دخلن في المخاطبات بالعدة دخلن في المخاطبات بالإحداد ولو تركت امرأة الإحداد في عدتها حتى تنقضي أو في بعضها كانت مسيئة ولم يكن عليها أن تستأنف إحدادا لأن موضع الإحداد في العدة فإذا مضت أو مضى بعضها لم تعد لما مضى.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو كان المتوفى عنها أو المطلقة مغمى عليها أو مجنونة فمضت عدتها وهي بتلك الحال لا تعقل حلت ولم يكن عليها استئناف عدة ولا إحداد من قبل أن العدة إنما هي وقت يمر عليها تكون فيه محتبسة عن الأزواج كما تكون الزكاة في وقت إذا مر على رب المال زكاة وسواء كان معتوها أو كان يعقل لأنه لا عمل له في وقت يمر عليه وإذا سقط عن المعتوه العمل في الصلاة سقط عن المعتدة العمل في الإحداد، وينبغي لأهلها أن يجتنبوها في عدتها ما تجتنب الحاد، وعدة المتوفى عنها والمطلقة من يوم يموت عنها زوجها أو يطلقها فإن لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى تنقضي عدتها لم يكن عليها عدة، وكذلك لو لم يأتها طلاق ولا وفاة حتى يمضي بعض عدتها أكملت ما بقي من عدتها حادة ولم تعد ما مضى منها.
(قال الشافعي): وإن بلغها يقين وفاته أو طلاقه ولم تعرف اليوم الذي طلقها فيه ولا مات عنها اعتدت من يوم استيقنت بطلاقه ووفاته حتى تكمل عدتها ولم تعتد بما تشك فيه كأنه شهد عندها أنه مات في رجب وقالوا لا ندري في أي رجب مات فتعتد في آخر ساعات النهار من رجب فاستقبلت بالعدة شعبان وإذا كان اليوم العاشر بعد الأربعة في آخر ساعات نهاره حلت فكانت قد استكملت أربعة أشهر وعشرا.
اجتماع العدتين
(قال الشافعي) - رحمه الله -: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ألبتة فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما " ثم قال عمر بن الخطاب " أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان الزوج الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول وكان خاطبا من الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت من زوجها الآخر ثم لم ينكحها أبدا.
(قال الشافعي): قال سعيد ولها مهرها بما استحل منها.
(قال الشافعي) أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن عطاء بن السائب عن زاذان أبي عمر عن علي - رضي الله تعالى عنه -
أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر.
(قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أن رجلا طلق امرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي شيء من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها جهلا ذلك وبنى بها فأبى علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحت وإن شاءت فلا قال وبقول عمر وعلي نقول في المرأة تنكح في عدتها تأتي بعدتين معا وبقول علي نقول إنه يكون خاطبا من الخطاب ولم تحرم عليه. وذلك أنا إذا جعلنا النكاح الفاسد يقوم مقام النكاح الصحيح في أن المنكوحة نكاحا فاسدا إذا أصيبت عدة كعدتها في النكاح الصحيح فنكحت امرأة في عدتها فأصيبت فقد لزمتها عدة الزوج الصحيح ثم لزمها عدة من النكاح الفاسد فكان عليها حقان بسبب زوجين ولا يؤديهما عنها إلا بأن تأتي بهما معا وكذلك كل حقين لزماها من وجهين لا يؤديهما عن أحد لزماه أحدهما دون الآخر. ولو أن امرأة طلقت أو ميت عنها فنكحت في عدتها ثم علم ذلك فسخ نكاحها فإن كان الزوج الآخر لم يصبها أكملت عدتها من الأول ولا يبطل عنها من عدتها شيء في الأيام التي عقد عليها فيها النكاح الفاسد لأنها في عدتها ولم تصب فإن كان أصابها أحصت ما مضى من عدتها قبل إصابة الزوج الآخر وأبطلت كل ما مضى منها بعد إصابته حتى يفرق بينه وبينها واستأنفت البنيان على عدتها التي كانت قبل إصابته من يوم فرق بينه وبينها حتى تكمل عدتها من الأول ثم تستأنف عدة أخرى من الآخر فإذا أكملتها حلت منها، والآخر خاطب من الخطاب إذا مضت عدتها من الأول وبعد لا تحرم عليه لأنه إذا كان يعقد عليها النكاح الفاسد فيكون خاطبا إذا لم يدخل بها فلا يكون دخوله بها في النكاح الفاسد أكثر من زناه بها وهو لو زنى بها في العدة كان له أن ينكحها إذا انقضت العدة.
(قال): فإذا انقضت عدتها من الأول فللآخر أن يخطبها في عدتها منه وأحب إلي لو كف عنها حتى تنقضي عدتها من مائه الفاسد ولو كانت هذه الناكح في عدتها المصابة لا تحيض فاعتدت من الأول شهرين ثم نكحها الآخر فأصابها ثم فرقنا بينهما فقلنا لها استأنفي شهرا من يوم فارقك تكملين به الشهرين الأولين اللذين اعتددت فيه من النكاح الصحيح فحاضت قبل أن تكمل الشهرين سقطت عدتها بالشهور وابتدأت من الأول عدتها ثلاث حيض إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت من الأول ثم كانت في حيضتها الثالثة خلية من الأول وغير معتدة من الآخر وللآخر أن يخطبها في حيضتها الثالثة فإذا طهرت منها اعتدت من الآخر ثلاثة أطهار وإذا طعنت في الدم بعد ما تكمل الطهر الثالث حلت من الآخر أيضا لجميع الخطاب.
(قال الشافعي): ولو كانت تحيض فاعتدت حيضة أو اثنتين ثم أصابها الزوج الآخر فحملت وفرق بينهما اعتدت بالحمل فإذا وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها فهو للأول، وإن كانت وضعته لستة أشهر من يوم نكحها الآخر فأكثر إلى أقل من أربع سنين من يوم فارقها الأول دعا له القافة وإن كانت وضعته لأكثر من أربع سنين ساعة من يوم فارقها الأول فكان طلاقه لا يملك الرجعة فهو للآخر وإن كان طلاقه يملك الرجعة وتداعياه أو لم يتداعياه ولم ينكراه، ولا واحد منهما يفتوك القافة فبأيهما ألحقوه به لحق وإن ألحقوه بالأول فقد انقضت عدتها من الأول وحل للآخر خطبتها وتبتدئ عدة من الآخر فإذا قضتها حلت خطبتها للأول وغيره فإن ألحقوه بالآخر فقد انقضت عدتها من الآخر وتبتدئ فتكمل على ما مضى من عدة الأول، وللأول عليها الرجعة في عدتها منه إن كان طلاقه يملك الرجعة.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإن لم يلحقوه
بواحد منهما أو ألحقوه بهما أو لم تكن قافة أو مات قبل أن تراه القافة أو ألقته ميتا فلم تره القافة فلا يكون ابن واحد منهما في هذه الحال. ولو كان أوصى له بشيء فولد فملكه ثم مات وقف عنهما معا حتى يصطلحا فيه، وإن كان مات بعد ولادة وقبل موت قريب له يرثه المولود وقف له ميراثه حتى يتبين أمره فإن لم يتبين أمره لم يعط شيئا من ميراثه من لا يعرف وارث له أو ليس بوارث.
(قال الربيع) فإن لم يلحقاه بأحد منهما رجعا عليه بما أنفقا عليها ولم تحل من عدتها به.
(قال الشافعي): ونفقة أمة حبلى في قول من يرى النفقة للحامل في النكاح الفاسد عليهما معا فإن لم يلحق بواحد منهما لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء من نفقتها وإن ألحق بأحدهما رجع الذي نفي عنه على الذي لحق به بما سقط من نفقتها والقول في رضاعه - حتى يتبين أمره - كالقول في نفقة أمه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وأما أنا فلا أرى على الناكح نكاحا فاسدا نفقة في الحمل والنفقة على الزوج الصحيح النكاح فلا آخذه بنفقتها حتى تلد فإن ألحق به الولد أعطيتها نفقة الحمل من يوم طلقها هو وإن أشكل أمره لم آخذه بنفقة حتى ينتسب إليه الولد فأعطيها النفقة، وإن ألحق بصاحبه فلا نفقة عليه لأنها حبلى من غيره، وإذا كان أمر الولد مشكلا كما وصفت فقد انقضت إحدى العدتين بوضع الحمل وتستأنف الأخرى بعد وضع الحمل ولا رجعة للأول عليها في العدة الأخرى بعد الحمل وإنما قلت تستأنف العدة لأني لا أدري العدة بالحمل من الأول هي فتستأنف العدة من الآخر أو من الآخر فتبني فلما أشكلت جعلناها تستأنف وتلغي ما مضى من عدتها قبل الحمل ولا يكون الآخر خاطبا حتى ينقضي آخر عدتها.
(قال الربيع) وهذا إذا أنكراه جميعا فأما إذا ادعياه فكل واحد منهما مقر بأن النفقة تلزمه.
(قال الشافعي): ولو ادعاه أحدها وأنكره الآخر أريته القافة وألحقته بمن ألحقوه به ولا حد على الذي أنكره من قبل أن يعزيه إلى أب قبل أن يتبين له أب غيره.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا القول لو نكحت ثلاثة أو أربعة فمضت عدتها من الأول ومن كل من أصابها ممن بعده ولا عدة عليها ممن لم يصبها منهم.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ولو كان النكاحان جميعا فاسدين الأول والآخر كان القول فيه كالقول في النكاح الصحيح والفاسد.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وهكذا كل زوجة حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة إلا أن عدة الأمة نصف عدة الحرة في الشهور وحيضتان في الحيض ومثلها في وضع الحمل فتصنع الأمة في عدتها مثل ما تصنع الحرة في عدتها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا طلق الرجل المرأة فأقرت بانقضاء العدة ونكحت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأقل من أربع سنين من يوم طلقت فهو للأول وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم نكحها وأكثر من أربع سنين من يوم طلقها الأول فليس للأول ولا للآخر.
باب سكنى المطلقات ونفقاتهن.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} الآية وقال عز ذكره في المطلقات {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}.
يتبع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (224)
صــــــــــ 251 الى صـــــــــــ 257
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فذكر الله عز وجل المطلقات جملة لم يخصص منهن مطلقة دون مطلقة فجعل على أزواجهن أن يسكنوهن من
وجدهن وحرم عليهم أن يخرجوهن وعليهن أن لا يخرجن إلا بفاحشة مبينة فيحل إخراجهن، فكان من خوطب بهذه الآية من الأزواج يحتمل أن إخراج الزوج امرأته المطلقة من بيتها منعها السكنى لأن الساكن إذا قيل أخرج من مسكنه فإنما قيل منه مسكنه وكما كان كذلك إخراجه إياها وكذلك خروجها بامتناعها من السكن فيه وسكنها في غيره فكان هذا الخروج المحرم على الزوج والزوجة رضيا بالخروج معا أو سخطاه معا أو رضي به أحدهما دون الآخر فليس للمرأة الخروج ولا للرجل إخراجها إلا في الموضع الذي استثنى الله عز ذكره من أن تأتي بفاحشة مبينة وفي العذر فكان فيما أوجب الله تعالى على الزوج والمرأة من هذا تعبدا لهما، وقد يحتمل مع التعبد أن يكون لتحصين فرج المرأة في العدة وولد إن كان بها والله تعالى أعلم.
(قال): ويحتمل أمر الله عز وجل بإسكانهن وأن لا يخرجن ولا يخرجن مع ما وصفت أن لا يخرجن بحال ليلا ولا نهارا ولا لمعنى إلا معنى عذر، وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم في المطلقة هذا المذهب فقال لا يخرجن ليلا ولا نهارا بحال إلا من عذر.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو فعلت هذا كان أحب إلي وكان احتياطا لا يبقى في القلب معه شيء، وإنما منعنا من إيجاب هذا عليها مع احتمال الآية لما ذهبنا إليه من إيجابه على ما قال ما وصفنا من احتمال الآيات قبل لما وصفنا، وأن عبد المجيد أخبرنا عن ابن جريج: قال أخبرنا أبو الزبير عن «جابر قال طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلا لها فزجرها رجل أن تخرج فأتت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بلى فجدي نخلك لعلك أن تصدقي أو تفعلي معروفا».
(قال الشافعي): نخل الأنصار قريب من منازلهم والجداد إنما تكون نهارا.
(قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال «استشهد رجال يوم أحد فآم نساؤهم وكن متجاورات في دار فجئن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلن يا رسول الله: إنا نستوحش بالليل أفنبيت عند أحدنا فإذا أصبحنا تبددنا إلى بيوتنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن إلى بيتها».
(قال الشافعي) أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن عبيد الله أنه كان يقول لا يصلح للمرأة أن تبيت ليلة واحدة إذا كانت في عدة وفاة أو طلاق إلا في بيتها.
العذر الذي يكون للزوج أن يخرجها.
(قال الشافعي): قال الله تبارك وتعالى في المطلقات {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
(قال الشافعي) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن ابن عباس أنه كان يقول: الفاحشة المبينة أن تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إخراجها: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم أن عائشة كانت تقول اتقي الله يا فاطمة فقد علمت في أي شيء كان ذلك: قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن «فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك».
(قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم ابن أبي يحيى عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال
قدمت المدينة فسألت عن أعلم أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب فسألته عن المبتوتة؟ فقال تعتد في بيت زوجها فقلت: فأين حديث فاطمة بنت قيس؟ فقال هاه ووصف أنه تغيظ، وقال فتنت فاطمة الناس كانت للسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وسليمان أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم ألبتة فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت: اتق الله يا مروان واردد المرأة إلى بيتها، فقال مروان في حديث سليمان إن عبد الرحمن غلبني. وقال مروان في حديث القاسم أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة لا عليك أن لا تذكر شأن فاطمة فقال: إن كان إنما بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر.
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى -: أخبرنا مالك عن نافع، أن ابنة لسعيد بن زيد كانت عند عبد الله فطلقها ألبتة فخرجت فأنكر ذلك عليها ابن عمر.
(قال الشافعي): فعائشة ومروان وابن المسيب يعرفون أن حديث فاطمة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها بأن تعتد في بيت ابن أم مكتوم كما حدثت ويذهبون إلى أن ذلك إنما كان للشر ويزيد ابن المسيب يتبين استطالتها على أحمائها ويكره لها ابن المسيب وغيره أنها كتمت في حديثها السبب الذي أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في غير بيت زوجها خوفا أن يسمع ذلك سامع فيرى أن للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت.
(قال الشافعي): وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث فاطمة بنت قيس إذ بذت على أهل زوجها فأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم تدل على معنيين أحدهما أن ما تأول ابن عباس في قول الله عز وجل {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} هو البذاء على أهل زوجها كما تأول إن شاء الله تعالى قال: وبين إنما أذن لها أن تخرج من بيت زوجها فلم يقل لها النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتدي حيث شئت ولكنه حصنها حيث رضي إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل بتحصينها. فإذا بذت المرأة على أهل زوجها فجاء من بذائها ما يخاف تساعر بذاءة إلى تساعر الشر فلزوجها إن كان حاضرا إخراج أهله عنها فإن لم يخرجهم أخرجها إلى منزل غير منزله فحصنها فيه وكان عليه كراؤه إذا كان له منعها أن تعتد حيث شاءت كان عليه كراء المنزل وإن كان غائبا كان لوكيله من ذلك ماله. وإن لم يكن له وكيل كان السلطان ولي الغائب يفرض لها منزلا فيحصنها فيه، فإن تطوع السلطان به أو أهل المنزل فذلك ساقط عن الزوج، ولم نعلم فيما مضى أحدا بالمدينة أكرى أحدا منزلا إنما كانوا يتطوعون بإنزال منازلهم وبأموالهم مع منازلهم، وإن لم يتطوع به السلطان ولا غيره فعلى زوجها كراء المنزل الذي تصير إليه. ولا يتكارى لها السلطان إلا بأخف ذلك على الزوج وإن كان بذاؤها حتى يخاف أن يتساعر ذلك بينها وبين أهل زوجها عذرا في الخروج من بيت زوجها كان كذلك كل ما كان في معناه وأكثر من أن يجب حد عليها فتخرج ليقام عليها أو حق فتخرج لحاكم فيه أو يخرجها أهل منزل هي فيه بكراء أو عارية ليس لزوجها أو ينهدم منزلها الذي كانت فيه أو تخاف في منزل هي فيه على نفسها أو مالها أو ما أشبه هذا من العذر فللزوج في هذه الحالات أن يحصنها حيث صيرها وإسكانها وكراء منزلها.
(قال): وإن أمرها أن تكاري منزلا بعينه فتكارته فكراؤه عليه متى قامت به عليه وإن لم يأمرها فتكارت منزلا فلم ينهها ولم يقل لها أقيمي فيه فإن طلبت الكراء وهي في العدة استقبل كراء منزلها من يوم تطلبه حتى تنقضي العدة وإن لم تطلبه حتى تنقضي العدة فحق لها تركته وعصت بتركها أن يسكنها فلا يكون لها وهي عاصية سكنى وقد مضت العدة، وإن أنزلها منزلا له بعد الطلاق أو طلقها في منزل له أو طلقها وهي زائرة
فكان عليها أن تعود إلى منزل له قبل أن يفلس ثم فلس فهي أحق بالمنزل منه ومن غرمائه كما تكون أحق به لو أكراها وأخذ كراءه منها من غرمائه أو أقر لها بأنها تملك عليه السكنى قبل أن يقوم غرماؤه عليه، وإن كان في المنزل الذي أنزلها فيه فضل عن سكناها كانت أحق بما يكفيها ويسترها من منزله وكان الغرماء أحق بما بقي منه لأنه شيء أعطاها إياه لم يستحق أصله عليه ولم يهبه لها فتكون أحق به إنما هو عارية، وما أعار فلم يملكه من أعيره فغرماؤه أحق به ممن أعيره ولو كان طلاقه إياها بعد ما يقف السلطان ماله للغرماء، كانت أسوة الغرماء في كراء منزل بقدر كرائه ويحصنها حيث يكاري لها، فإن كان لأهلها منزل أو لغير أهلها فأرادت نزوله وأراد إنزالها غيره فإن تكارى لها منزلا فهو أحق بأن ينزلها حيث أراد وإن لم يتكار لها منزلا ولم يجده لم يكن عليها أن تعتد حيث أراد زوجها بلا منزل يعطيها إياه حيث قدرت إذا كان قرب ثقة ومنزلا ستيرا منفردا أو مع من لا يخاف، فإن دعت إلى حيث يخاف منعته، ولو أعطاها السلطان في هذا كله كراء منزل كان أحب إلي وحصنها له فيه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وكل نكاح صحيح طلق رجل فيه امرأته مسلمة حرة أو ذمية أو مملوكة فهو كما وصفت في الحرة إلا أن لأهل الذمية أن يخرجوها في العدة ومتى أخرجوها فلا نفقة لها إن كانت حاملا ولا سكنى كان طلاق زوجها يملك الرجعة أو لا يملكها. وهكذا كل زوج حر مسلم وذمي وعبد أذن له سيده في النكاح فعليه من سكنى امرأته ونفقتها إذا كانت حرة أو أمة متروكة معه ما على الحر وليس نفقتها وهي زوجة له بأوجب من سكناها في الفراق ونفقتها عليه.
(قال الشافعي): وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة فهكذا القول في السكنى فأما طلاق يملك فيه الزوج الرجعة فحال المرأة في السكنى والنفقة حال امرأته التي لم تطلق لأنه يرثها وترثه في العدة ويقع عليها إيلاؤه وليس له أن ينقلها من منزله إلى غيره إلا أن تبذو أو يراجعها فيحولها حيث شاء. وله أن يخرجها قبل مراجعتها إن بذت عليه كما تخرج التي لا يملك رجعتها. والله سبحانه وتعالى الموفق.
نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى في المطلقات {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} الآية إلى {فآتوهن أجورهن} قال فكان بينا والله تعالى أعلم في هذه الآية أنها في المطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها من قبل أن الله عز وجل لما أمر بالسكنى عاما ثم قال في النفقة {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} دل على أن الصنف الذي أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دل الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن لأنه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة ففي ذلك دليل على أنه لا تجب نفقة لمن كان في غير صفتها من المطلقات.
(قال الشافعي): فلما لم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها وسكناها وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها وأنه يرثها وترثه كانت الآية على غيرها من المطلقات ولم يكن من المطلقات واحدة تخالفها إلا مطلقة لا يملك الزوج رجعتها.
(قال الشافعي): والدليل من كتاب الله عز وجل كاف فيما وصفت من سقوط نفقة التي لا يملك الزوج رجعتها وبذلك جاءت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قال الشافعي) أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة «عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص
طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال مالك علينا نفقة فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليهم نفقة» أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج.
(قال): أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول نفقة المطلقة ما لم تحرم فإذا حرمت فمتاع بالمعروف. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال عطاء ليست المبتوتة الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل فإذا كانت غير حبلى فلا نفقة لها.
(قال الشافعي): فكل مطلقة كان زوجها يملك رجعتها فلها النفقة ما كانت في عدتها منه، وكل مطلقة كان زوجها لا يملك رجعتها فلا نفقة لها في عدتها منه إلا أن تكون حاملا فيكون عليه نفقتها ما كانت حاملا. وسواء في ذلك كل زوج حر وعبد وذمي وكل زوجة أمة وحرة وذمية.
(قال): وكل ما وصفنا من متعة لمطلقة أو سكنى لها أو نفقة فليست إلا في نكاح صحيح ثابت. فأما كل نكاح كان منسوخا فليست فيه نفقة ولا متعة ولا سكنى وإن كان فيه مهر بالمسيس حاملا كانت أو غير حامل.
(قال): وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فأدعت حبلا وأنكره الزوج أو لم ينكره ولم يقر به ففيها قولان. أحدهما: أن تحصي من يوم طلقها وكم نفقة مثلها في كل شهر من تلك الشهور فإذا ولدت قضى لها بذلك كله عليه لأن الحمل لا يعلم بيقين حتى تلده.
(قال): ومن قال هذا قال: إن الله عز وجل قال {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} يحتمل فعليكم نفقتهن حتى يضعن حملهن ليست بساقطة سقوط من لا نفقة له غير الحوامل. وقال: قد قال الله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} فلو مات رجل وله حبل لم يوقف للحبل ميراث رجل ولا ميراث ابنة لأنه قد يكون عددا ووقفنا الميراث حتى يتبين فإذا بان أعطيناه. وهكذا لو أوصى لحبل أو كان الوارث أو الموصى له غائبا ولا يعطى إلا بيقين وقال: أرأيت لو أريها النساء فقلن بها حمل فأنفقنا عليها ثم انفش فعلمنا أن ليس بها حمل أليس قد علمنا أنا أعطينا من مال الرجل ما لم يجب عليه؟ وإن قضينا برده فنحن لا نقضي بشيء مثله ثم نرده؟ والقول الثاني: أن تحصي من يوم طلقها الزوج ويراها النساء فإن قلن بها حمل أنفق عليها حتى تضع حملها، وإن قلن لا يبين أحصي عليها وتركت حتى يقلن قد بان فإذا قلن قد بان أنفق عليها لما مضى من يوم طلقها إلى أن تضع حملها ثم لا نفقة عليه بعد وضعها حملها إلا أن ترضع فيعطيها أجر مثلها في الرضاعة أجرا لا نفقة، ولو طلقها ثم ظهر بها حبل فذكر له فنفاه وقذفها لاعنها ولا نفقة عليه إن كان لاعنها فأبرأناه من النفقة ثم أكذب نفسه حد ولحق به الحمل إن تم وأخذت منه النفقة التي أبطلت عنه، وكذلك إن كان إقراره بالكذب بعد رضاع الولد ألزمته رضاعة ونفقته، وهكذا لو أكذب نفسه بعد موت الولد أخذت منه نفقة الحمل والرضاع والولد، وإذا قال القوابل بالمطلقة التي لا يملك رجعتها حبل فأنفق عليها الزوج بغير أمر سلطان أو جبره الحاكم على النفقة عليها ثم علم أن لم يكن بها حبل رجع عليها في الحالين معا لأنه إنما أعطاها إياه على أنه واجب عليه فلما علم أنه لم يجب عليه رجع عليها بمثل ما أخذت منه إن كان له مثل، أو قيمته يوم دفعه إليها إن لم يكن له مثل، وكل زوجة صحيحة النكاح فرقت بينهما بحال كما ذكرناه في المختلعة والمخيرة والمملكة والمبتدأ طلاقها والأمة تخير فتختار الفراق والرجل يغر المرأة بنسب فيوجد دونه فتختار فراقه والمرأة تغر بأنها حرة فتوجد أمة أو تجده أجذم أو أبرص أو مجنونا فتختار فراقه أو يجدها كذلك فيفارقها فتكون حاملا في هذه الحالات فعلى الزوج نفقتها حتى تضع حملها.
(قال): وكل نكاح كان فاسدا بكل حال مثل النكاح بغير ولي أو بغير شهود أو نكاح المرأة ولم ترض أو كارهة فحملت فلها الصداق بالمسيس ولا نفقة
(قال أبو محمد) وفيها قول: أن لها النفقة بالحمل وإن كان نكاحا فاسدا لأنه يلحق به الولد فلما كان إذا طلقها غير حامل لم تكن زوجة فبرئت منه لم يكن لها نفقة علمنا أنه جعلت النفقة لو أقر بالحمل.
(قال الشافعي): وكل مطلقة يملك زوجها الرجعة كانت عدتها الشهور فحاضت بعد مضي شهرين استقبلت الحيض ثم عليه النفقة ما كانت في العدة ولو حاضت ثلاث حيض استبرأت نفسها من الريبة وكانت لها النفقة حتى تطعن في الدم من الحيضة الثالثة فإن ارتابت أمسكت عن النكاح ووقف عن نفقتها فإن بان بها حبل كان القول فيها كالقول فيمن بان بها حبل بالنفقة حتى يبين أو الوقف حتى تضع فإن انفش ما ظن من حملها ردت من النفقة ما أخذت بعد دخولها في الدم من الحيضة الثالثة.
(قال): وهكذا إن كانت عدتها الشهور فارتابت سواء لا يختلفان، ولو كانت عدتها الشهور فارتابت أمسكت عن الريبة فإن حاضت بعد ثلاثة أشهر فلها النفقة في الثلاثة حتى تنقضي ولا نفقة لها بعد الثلاثة ولا عدة عليها فإن ارتابت بحمل أمسكت ولم ينفق عليها حتى يبين ثم يكون القول فيه كالقول في الحمل إذا بان سواء من رأى أن لا ينفق عليها حتى تضع أمسك حتى تضع ثم أعطاها نفقة من يوم قطع النفقة عنها إلى أن وضعت، ومن رأى أن لا ينفق عليها إذا بان الحمل أعطاها النفقة منذ أمسك عنها إلى أن بان بها الحمل ومن حين بان الحمل إلى أن تضع فإن بطل الحمل ردت النفقة بعد الثلاثة الأشهر وينفق عليها حتى تضع آخر حملها وإن كان بين وضع ولادها أيام.
(قال): وإن كان بها حبل ولا يملك زوجها رجعتها فأنفق عليها زوجها من حين طلقها حتى جاوزت أربع سنين فلم تلد ردت النفقة من يوم طلقها لأنا لا نلحق به الحمل ولا نفقة لها في العدة إلا أن تكون حاملا منه.
امرأة المفقود
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): قال الله تبارك وتعالى {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} قال وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الزوج نفقة امرأته وحكم الله عز وجل بين الزوجين أحكاما منها اللعان والظهار والإيلاء ووقوع الطلاق.
(قال الشافعي): فلم يختلف المسلمون فيما علمته في أن ذلك لكل زوجة على كل زوج غائب وحاضر. ولم يختلفوا في أن لا عدة على زوجة إلا من وفاة أو طلاق. وقال الله عز وجل {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن} الآية وقال تعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} إلى قوله {فلهن الثمن مما تركتم}.
(قال): فلم أعلم مخالفا في أن الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أو لم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع بهما بخبر أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما لم نورث واحدا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه. فكذلك عندي امرأة الغائب أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف بإسار عدو أو بخروج الزوج ثم خفي مسلكه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذكر أو بمركب في بحر فلم يأت له خبر أو جاء خبر أن غرقا كأن يرون أنه قد كان فيه ولا يستيقنون أنه فيه لا تعتد امرأته ولا تنكح أبدا حتى يأتيها يقين وفاته ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الأحوال كانت أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج الحاضر في ذلك كله وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن تكون امرأة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة تعتد لا من طلاق ولا وفاة كما لو ظنت أنه طلقها أو
مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين وهكذا لو تربصت سنين كثيرة بأمر حاكم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الأول المفقود لزمها الطلاق، وكذلك إن آلى منها أو تظاهر أو قذفها لزمه ما يلزم الزوج.
وهكذا لو تربصت بأمر حاكم أربع سنين ثم اعتدت فأكملت أربعة أشهر وعشرا ونكحت ودخل بها أو نكحت ولم يدخل بها أو لم تنكح وطلقها الزوج الأول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لأنه زوج، وهكذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير أنه ممنوع من فرجها بشبهة بنكاح غيره فلا يقال له فيء حتى تعتد من الآخر إذا كانت دخلت عليه فإذا أكملت عدتها أجل من يوم تكمل عدتها أربعة أشهر وذلك حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الإيلاء وكفر وإن لم يصبها قيل له أصبها أو طلق.
(قال): وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى يعلم يقين موته.
(قال): وإن أجلها حاكم أربع سنين أنفق عليها فيها وكذلك في الأربعة الأشهر والعشر من مال زوجها فإذا نكحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لأنها مانعة له نفسها، وكذلك لا ينفق عليها وهي في عدة منه لو طلقها أو مات عنها ولا بعد ذلك، ولم أمنعها النفقة من قبل أنها زوجة الآخر ولا أن عليها منه عدة ولا أن بينهما ميراثا ولا أنه يلزمها طلاقه ولا شيء من الأحكام بين الزوجين إلا لحوق الولد به إن أصابها وإنما منعتها النفقة من الأول لأنها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه كما تقف المرأة على زوجها الغائب بشبهة فمنعتها نفقتها في الحال التي كانت فيها مانعة نفسها بالنكاح والعدة وهي لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر بتركها حقها من الأول وإباحتها نفسها لغيره على معنى أنها خارجة من الأول، ولو أنفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة على موته في وقت. ردت كل ما أخذت من النفقة من حين مات فكان لها الميراث، ولو حكم لها حاكم بأن تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها وإن دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى لها وفسخ النكاح وإن لم يفسخ حتى مات أو ماتت فلا ميراث لها منه ولا له منها وإن حكم لواحد منهما بالميراث من صاحبه رد الميراث فإن كان الزوج الميت رد ميراثه على ورثته وإن كانت هي الميتة وقف ميراث الزوج الأول حتى يعلم أحي هو فيرثها أو ميت فيرد على ورثتها غير زوجها الآخر، ولو مات زوجها الأول ورثته وأخرجناها من يدي الآخر بكل حال ولو تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء الأول كان الولد ولد الآخر لأنه فراش بالشبهة وردت على الزوج ومنع إصابتها حتى تعتد ثلاث حيض، وإن كانت ممن لا تحيض لإياس من المحيض أو صغر فثلاثة أشهر، وإن كانت حبلى فأن تضع حملها، وإذا وضعت حملها فلزوجها الأول منعها من رضاع ولدها إلا اللبأ وما إن تركته لم يغذه مرضع غيرها ثم يمنعها ما سوى ذلك، ولا ينفق عليها في أيام عدتها ولا رضاعها ولد غيره شيئا، ولو ادعى الزوج الأول والآخر الولد وقد ولدت وهي مع الآخر أريته القافة.
(قال): ومتى طلقها الأول وقع عليها طلاقه ولو طلقها زوجها الأول أو مات عنها وهي عند الزوج الآخر كانت عند غير زوج فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة والسكنى في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وكذلك لا يرثها لو ماتت، ولو ماتت امرأة المفقود والمفقود ولا يعلم أيهما مات أولا لم يتوارثا كما لم يتوارث من خفي موته من أهل الميراث من القتلى والغرقى وغيرهم إلا بيقين أن أحدهما مات قبل الأول فيرث الآخر الأول. ولو مات الزوج الأول والزوج الآخر ولا يعلم أيهما مات أولا بدأت فاعتدت أربعة أشهر وعشرا لأنه النكاح الصحيح والعدة الأولى بالعقد الأول ثم اعتدت بعد ثلاث حيض تدخل
إحداهما في الأخرى لأنها وجبت عليها من وجهين مفترقين فلا يجزئها أن تأتي بإحداهما دون الأخرى لأنهما في وقت واحد ولو كان الزوج الأول مات أولا فاعتدت شهرا أو أكثر ثم ظهر بها حمل فوضعت حملها حلت من الذي حملت منه وهو الزوج الآخر فاعتدت من الأول أربعة أشهر وعشرا لأنها لا تستطيع تقديم عدتها من الأول وعليها عدة حمل من الآخر.
(قال): ولكن لو مات الأول قبل فاعتدت شهرا أو أكثر ثم رأت أن بها حملا قيل لها تربصي فإن تربصت وهي تراها حاملا ثم مرت بها أربعة أشهر وعشر وهي تحيض في ذلك وتراها تحيض على الحمل ثم حاضت ثلاث حيض وبان لها أن لا حمل بها فقد أكملت عدتها منهما جميعا وليس عليها أن تستأنف عدة أخرى تحد فيها كما لو مات عنها زوجها ولا تعلم هي حتى مرت أربعة أشهر وعشر قيل لها ليس عليك استئناف عدة أخرى. وهكذا لو ماتا معا ولم تعلم حتى مضت أربعة أشهر وعشر وثلاث حيض بعد يقين موتهما معا لم تعد لعدة ولو مات الزوج الآخر اعتدت منه ثلاث حيض فإن أكملتها ثم مات الأول اعتدت عدة الوفاة وإن لم تكملها استقبلت عدة الوفاة من يوم مات الآخر لأنها عدة صحيحة. ثم اعتدت حيضتين تكملة الحيض التي قبلها من نكاح الآخر.
ولو أن امرأة المفقود ماتت عند الزوج الآخر ثم قدم الأول أخذ ميراثها وإن لم تدع شيئا لم يأخذ من المهر شيئا إذا لم يجد امرأته بعينها فلا حق له في مهرها فإن قال قائل: فهل قال غيرك هذا؟ قيل: نعم وروي فيه شيء عن بعض السلف، وقد روي عن الذي روي عنه هذا أنه رجع عنه فإن قال: فهل تحفظ عمن مضى مثل قولك في أن لا تنكح امرأة المفقود حتى تستيقن موته؟ قلنا: نعم عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أخبرنا يحيى بن حسان عن أبي عوانة عن منصور عن أبي المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال في امرأة المفقود: إنها لا تتزوج، أخبرنا يحيى بن حسان عن هشيم بن بشير عن سيار أبي الحكم عن علي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته هي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولا تخير، أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن منصور عن الحكم أنه قال: إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره.
عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا طلق الرجل المرأة طلاقا يملك فيه رجعتها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وورثت ولها السكنى والنفقة قبل أن يموت ما كانت في عدتها إذا كان يملك رجعتها فإذا مات فلا نفقة لها: وليس عليها أن تجتنب طيبا ولا لها أن تخرج من منزله ولو أذن لها وليس له منها ولا لها منه من نظر ولا من تلذذ ولا من خلوة شيء حتى يراجعها وهي محرمة عليه تحريم المبتوتة حتى يراجعها، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي في مسكن حفصة وكانت طريقه إلى المسجد فكان يسلك الطريق الأخرى من أدبار البيوت كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها.
(قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما يحل
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الخامس
الحلقة (225)
صــــــــــ 258 الى صـــــــــــ 263
للرجل من المرأة يطلقها؟ قال لا يحل له منها شيء ما لم يراجعها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عمرو بن دينار قال مثل ذلك، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء وعبد الكريم قالا لا يراها فضلا.
(قال الشافعي) أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت إن كان في نفسه ارتجاعها ما يحل له منها قبل أن يراجعها وفي نفسه ارتجاعها؟ قال سواء في الحل إذا كان يريد ارتجاعها وإن لم يرده ما لم يراجعها.
(قال الشافعي): وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى؛ وإن أصابها في العدة فقال أردت ارتجاعها وأقر أنه لم يشهد فقد أخطأ ولها عليه مهر مثلها بما أصاب منها وتعتد من مائه الآخر وتحصي العدة من الطلاق الأول فإذا أكملت العدة من الطلاق لم يكن له عليها رجعة. وله عليها الرجعة ما لم تكملها وتكمل عدتها من الإصابة الآخرة ولا تحل لغيره حتى تنقضي عدتها من الإصابة الآخرة وله هو أن يخطبها في عدتها من مائه الآخر، ولو ترك ذلك كان أحب إلي.
(قال الشافعي): وأكره للمرأة يملك زوجها رجعتها من التعريض للخلوة معه ما أكره للتي لا يملك رجعتها خوفا من أن يصيبها قبل أن يرتجعها، فإذا طلق الرجل امرأته تطليقة فحاضت حيضة أو حيضتين ثم راجعها ثم طلقها قبل أن يمسها ففيها قولان: أحدهما أنها تعتد من الطلاق الأخير عدة مستقبلة. والقول الثاني أن العدة من الطلاق الأول ما لم يدخل بها، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الشعثاء يقول تعتد من يوم طلقها. قال ابن جريج وعبد الكريم وطاوس وحسن بن مسلم يقولون تعتد من يوم طلقها. وإن لم يكن مسها قال سعيد: يقولون طلاقه الآخر قال سعيد: وكان ذلك رأي ابن جريج، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: أرى أن تعتد من يوم طلقها.
(قال الشافعي): وقد قال هذا بعض المشرقيين. وقد قال بعض أهل العلم بالتفسير، إن قول الله عز وجل {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} إنما نزلت في ذلك كان الرجل يطلق امرأته ما شاء بلا وقت فيمهل المرأة حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها فنزل {الطلاق مرتان} أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه، قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها. ثم طلقها، قال: والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا فأنزل الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فاستقبل الناس الطلاق جديدا من كان منهم طلق ومن لم يطلق. قال ومن قال هذا انبغى أن يقول إن رجعته إياها في العدة مخالف لنكاحه إياها نكاحا جديدا مستقبلا. ثم يطلقها قبل أن يمسها وذلك أن حكمها في عدتها حكم الأزواج في بعض أمرها. وإنما تستأنف العدة لأنه قد كان مس قبل الطلاق الذي أتبعه هذا الطلاق فلزم فحكمه حكم الطلاق الواحد بعد الدخول وأي امرأة طلقت بعد الدخول اعتدت. ومن قال هذا أشبه أن يلزمه أن يقول ذلك وإن لم يحدث لها رجعة فيقول إذا طلقها بعد الدخول واحدة فحاضت حيضة أو حيضتين. ثم أتبعها أخرى استقبلت العدة من التطليقة الآخرة، وإن تركها حتى تحيض حيضة أو حيضتين ثم طلقها استقبلت العدة من التطليقة الآخرة ولم يبال أن لا يحدث بين ذلك رجعة ولا مسيسا، ومن قال هذا أشبه أن يحتج بأن الرجل يطلق امرأته فتحيض حيضة أو حيضتين قبل أن يموت فإن كان طلاقا يملك فيه الرجعة اعتدت عدة وفاة وورثت كما تعتد التي لم تطلق وترث ولو كان طلاقا لا يملك فيه الرجعة لم تعتد عدة وفاة ولم ترث إن طلقها صحيحا. ولو طلقها مريضا طلاقا لا يملك فيه الرجعة فورثته لم تعتد عدة الوفاة لأنها غير زوجة وقد قيل في الرجل يطلق امرأته تطليقة
يملك فيها الرجعة أو تطليقتين ثم يرتجعها. ثم يطلقها أو يطلقها ولم يرتجعها العدة من الطلاق الأول ولا تعتد من الطلاق الآخر لأنه وإن ارتجعها فقد كانت حرمت عليه إلا بأن يرتجعها كما حرمت عليه في الطلاق الذي لا يملك فيه الرجعة إلا بنكاح ولو نكحها ثم طلقها قبل أن يصيبها لم تعتد فكذلك لا تعتد من طلاق أحدثه لها. وإن لزمها في العدة لم يحدث رجعة. ومن قال هذا ذهب إلى أن المطلق كان إذا ارتجع في العدة ثبتت الرجعة لما جعل الله عز وجل في العدة له من الرجعة وإلى أن قول الله عز وجل {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} لمن راجع ضرارا في العدة لا يريد حبس المرأة رغبة ولكن عضلا عن أن تحل لغيره. وقد قال الله تعالى {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} فنهى عن إمساكهن للعضل ثم يطلقهن فذهب إلى أن الآية قبل هذا يحتمل أن يكون نهى عن رجعتهن للعضل لا للرغبة وهذا معنى يحتمل الآية ولا يجوز إلا واحد من القولين، والله تعالى أعلم بالصواب.
عدة المشركات
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كانت اليهودية أو النصرانية تحت المسلم فطلقها أو مات عنها فهي في العدة والسكنى والنفقة والإحداد مثل المسلمة لا خلاف بينهما وله عليها الرجعة في العدة كما يكون له على المسلمة.
(قال): وهكذا المجوسية تحت المجوسي والوثنية تحت الوثني لأزواجهن عليهن من الرجعة ما لزوج المسلمة وعليهن من العدد والإحداد ما على المسلمة لأن حكم الله تعالى على العباد واحد فلا يحل لمسلم إذا تحاكم إليه مشرك أن يحكم له ولا عليه إلا بحكم الإسلام لقول الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في المشركين {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} الآية.
(قال): والقسط حكم الله تعالى الذي أنزل على نبيه. وقول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} قال: وأهواءهم، يحتمل سبيلهم فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن لا يحكم إلا بما أنزل الله إليه ولا يحل لمسلم أن يحكم إلا بحكم الله المنزل على نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
(قال): وإذا طلق المسلم النصرانية ثلاثا فانقضت عدتها فنكحت نصرانيا فأصابها أحلها ذلك لزوجها المسلم ويحصنها لأنه زوج يحل له نكاحه ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجم يهوديين ومن سنته أن لا يرجم إلا محصنا فلو كانت إصابة الذمي لا تحصن المرأة لم يرجمها النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أحصنها أحلها مع إحلالها لأن الله عز وجل قال {حتى تنكح زوجا غيره} وأنه زوج نكحها.
أحكام الرجعة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال: قال الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} وقال {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا}.
(قال الشافعي): - رحمه الله - في قول الله عز وجل {إن أرادوا إصلاحا} فقال إصلاح
الطلاق: الرجعة، والله أعلم فمن أراد الرجعة فهي له لأن الله تبارك وتعالى جعلها له.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: فأيما زوج حر طلق امرأته بعد ما يصيبها واحدة أو اثنتين فهو أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها بدلالة كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن ركانة طلق امرأته ألبتة ولم يرد إلا واحدة فردها إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك عندنا في العدة والله تعالى أعلم.
(قال): وسواء في هذا كل زوجة تحت حر مسلمة أو ذمية أو أمة.
(قال): وطلاق العبد اثنتان. فإذا طلق واحدة فهو كالحر يطلق الحرة واحدة أو اثنتين ويملك من رجعتها بعد واحدة ما يملك الحر من رجعة امرأته بعد انقضاء واحدة أو اثنتين والحر الكافر الذمي وغير الذمي في الطلاق والرجعة كالحر المسلم، فإذا انقضت العدة فلا سبيل لزوج على امرأته إلا بنكاح جديد لأن الله عز وجل إذ جعل الرجعة له عليها في العدة فبين أن لا رجعة عليها بعدها مع قول الله عز وجل {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف}.
كيف تثبت الرجعة
(قال الشافعي): - رحمه الله - لما جعل الله عز وجل الزوج أحق برجعة امرأته في العدة كان بينها أن ليس لها منعه الرجعة ولا لها عوض في الرجعة بحال لأنها له عليها لا لها عليه ولا أمر لها فيما له دونها، فلما قال الله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} كان بينها أن الرد إنما هو بالكلام دون الفعل من جماع وغيره لأن ذلك رد بلا كلام فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما فإذا تكلم بها في العدة ثبتت له الرجعة، والكلام بها أن يقول قد راجعتها أو قد ارتجعتها أو قد رددتها إلي أو قد ارتجعتها إلي فإذا تكلم بهذا فهي زوجة، ولو مات أو خرس أو ذهب عقله كانت امرأته، وإن لم يصبه من هذا شيء فقال لم أرد به رجعة فهي رجعة في الحكم إلا أن يحدث طلاقا.
(قال): ولو طلقها فخرجت من بيته فردها إليه ينوي الرجعة أو جامعها ينوي الرجعة أو لا ينويها ولم يتكلم بالرجعة لم تكن هذه رجعة حتى يتكلم بها.
(قال): وإذا جامعها بعد الطلاق ينوي الرجعة أو لا ينويها فالجماع جماع شبهة لا حد عليهما فيه، ويعزر الزوج والمرأة إن كانت عالمة، ولها عليه صداق مثلها، والولد لاحق وعليها العدة.
(قال الربيع) وفيها قول آخر إذا قال قد رددتها إلي أنها لا تكون رجعة حتى ينوي بها رجعتها فإذا قال قد راجعتها أو ارتجعتها هذا تصريح الرجعة كما لا يكون النكاح إلا بتصريح النكاح أن يقول قد تزوجتها أو نكحتها فهذا تصريح النكاح ولا يكون نكاحا بأن يقول قد قبلتها حتى يصرح بما وصفت لأن النكاح تحليل بعد تحريم، وكذلك الرجعة تحليل بعد تحريم فالتحليل بالتحليل شبيه فكذلك أولى أن يقاس بعضه على بعض ولا يقاس بالتحريم بعد التحليل كما لو قال قد وهبتك أو اذهبي أو لا حاجة لي فيك أنه لا يكون طلاقا حتى ينوي به الطلاق وهو لو أراد بقوله قد رددتك إلي الرجعة لم تكن رجعة ينوي به الرجعة.
(قال الشافعي): فإن طلقها واحدة فاعتدت حيضتين ثم أصابها ينوي الرجعة فحكمنا أن لا رجعة إلا بكلام فإن تكلم بالرجعة قبل أن تحيض الثالثة فهي رجعة وإن لم يتكلم بها حتى تحيض الثالثة فلا رجعة له عليها ولها عليه مهر مثلها ولا تنكح حتى تكمل ثلاث حيض ولا تكون كالمرأة تعتد من رجلين فتبدأ عدتها من الأول فتكملها ثم تستقبل للآخر عدة لأن تينك العدتين لحق جعل لرجلين وفي ذلك نسب يلحق
أحدهما دون الآخر وهذا حق لرجل واحد ونسب واحد لا يتنازع لمن كان منه ولد ولو طلقها فحاضت حيضة ثم أصابها استأنفت ثلاث حيض من يوم أصابها وكانت له عليها الرجعة حتى تحيض حيضة وتدخل في الدم من الحيضة الثالثة ثم لم يكن له عليها رجعة ولم تحل لغيره حتى ترى الدم من الحيضة الثالثة من إصابته إياها وهي الرابعة من يوم طلقها وله عليها الرجعة ما بقي من العدة شيء وسواء علمت بالرجعة أو لم تعلم إذا كانت تعلم فتمتنع من الرجعة فتلزمها لأن الله تعالى جعلها له عليها فعلمها وجهالتها سواء وسواء كانت غائبة أو حاضرة أو كان عنها غائبا أو حاضرا.
(قال): وإن راجعها حاضرا وكتم الرجعة أو غائبا فكتمها أو لم يكتمها فلم تبلغها الرجعة حتى مضت عدتها ونكحت دخل بها الزوج الذي نكحته أو لم يدخل فرق بينها وبين الزوج الآخر ولها مهر مثلها إن أصابها لا ما سمى لها ولا مهر ولا متعة إن لم يصبها لأن الله عز وجل جعل للزوج المطلق الرجعة في العدة ولا يبطل ما جعل الله عز وجل له منها بباطل من نكاح غيره ولا بدخول لم يكن يحل على الابتداء لو عرفناه كانا عليه محدودين، وفي مثل معنى كتاب الله عز وجل سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنكح الوليان فالأول أحق لا استثناء في كتاب الله عز وجل ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل زوج آخر أو لم يدخل ومن جعله الله عز ذكره ثم رسوله أحق بأمر فهو أحق به.
(قال الشافعي) - رحمه الله - أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الرجل يطلق امرأته ثم يشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك فنكحت قال هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل.
وجه الرجعة
(قال الشافعي): - رحمه الله -: ينبغي لمن راجع أن يشهد شاهدين عدلين على الرجعة لما أمر الله تعالى به من الشهادة لئلا يموت قبل أن يقر بذلك أو يموت قبل أن تعلم الرجعة بعد انقضاء عدتها فلا يتوارثان إن لم تعلم الرجعة في العدة، ولئلا يتجاحدا أو يصيبها فتنزل منه إصابة غير زوجة، ولو تصادقا أنه راجعها ولم يشهد فالرجعية ثابتة عليها لأن الرجعة إليه دونها، وكذلك لو ثبت عليها ما كانت في العدة إذا أشهد على أنه قال قد راجعتها فإذا مضت العدة فقال قد راجعتها وأنكرت فالقول قولها وعليه البينة أنه قال قد راجعتها في العدة. والله تعالى الموفق.
ما يكون رجعة وما لا يكون
(قال الشافعي): وإذا قال الرجل لامرأته وهي في العدة من طلاقه إذا كان غد فقد راجعتك وإذا كان يوم كذا وكذا فقد راجعتك وإذا قدم فلان فقد راجعتك وإذا فعلت كذا فقد راجعتك فكان كل ما قال لم يكن رجعة، ولو قال لها إن شئت فقد راجعتك فقالت قد شئت. لم تكن رجعة حتى يحدث بعدها رجعة. وهذا مخالف قوله إن شئت فأنت طالق.
(قال الشافعي): وإذا قال الرجل لامرأته إذا كان أمس فقد راجعتك لم تكن رجعة بحال، ولو نوى إذا كان أمس يوم الاثنين فقد راجعتك لم يكن رجعة وليس بأكثر من قوله لها إذا كان غد فقد راجعتك فلا يكون رجعة، ولو قال كلما طلقتك فقد
راجعتك. لم يكن رجعة.
(قال الشافعي): - رحمه الله -: وإذا قال لها في العدة قد راجعتك أمس أو يوم كذا ليوم ماض بعد الطلاق. كانت رجعة. وهكذا لو قال قد كنت راجعتك بعد الطلاق، ولو قال لها في العدة قد راجعتك كانت رجعة. فإن وصل الكلام فقال فقد راجعتك بالمحبة أو راجعتك بالأذى وراجعتك بالكرامة أو راجعتك بالهوان سئل فإذا أراد الرجعة وقال عنيت راجعتك بالمحبة مني لك أو راجعتك بالأذى في طلاقك أو ما أشبه هذا كانت رجعة، وإن قال أردت قد رجعت إلى محبتك بعد بغضك أو إلى أذاك كما كنت أو ما أشبه هذا لم يكن رجعة، وإذا طلق الأخرس امرأته بكتاب أو إشارة تعقل لزمه الطلاق وكذلك إذا راجعها بكتاب له أو إشارة تعقل لزمتها الرجعة، وإذا مرض الرجل فخبل لسانه فهو كالأخرس في الرجعة والطلاق وإذا أشار إشارة تعقل أو كتب كتابا لزمها الطلاق وألزمت له الرجعة ولو لم يخبل ولكنه ضعف عن الكلام فأشار بطلاق أو برجعة إشارة تعقل أو كتب كتابا يعقل كانت رجعة حتى يعقل فيقول لم تكن رجعة فتبرأ منه بالطلاق الأول وكل زوج بالغ غير مغلوب على عقله تجوز رجعته كما يجوز طلاقه.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا تجوز رجعة المغلوب على عقله كما لا يجوز طلاقه، ولو أن رجلا صحيحا طلق امرأته ثم خبل عقله بجنون أو خبل أو برسام أو غيره مما يغلب على العقل غير المسكر ثم ارتجع امرأته في العدة لم تجز رجعته ولا تجوز رجعته إلا في الحين الذي لو طلق جاز طلاقه، وإن كان يجن ويفيق فراجع في حال جنونه لم تجز رجعته وإن راجع في حال إفاقته جازت رجعته، ولو اختلفا بعد مضي العدة فقالت راجعتني وأنت ذاهب العقل ثم لم تحدث لي رجعة وعقلك معك حتى انقضت عدتي وقال بل راجعتك ومعي عقلي فالقول قوله لأن الرجعة إليه دونها وهي في العدة تدعي إبطالها لا يكون لها إبطالها إلا ببينة.
دعوى المرأة انقضاء العدة
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا طلقت المرأة فمتى ادعت انقضاء العدة في مدة يمكن في مثلها أن تنقضي العدة فالقول قولها، ومتى ادعت انقضاء العدة في مدة لا يمكن في مثلها انقضاء عدتها لم تصدق ولا تصدق إلا في مدة يمكن فيها انقضاء العدة والقول قوله إذا ادعت ما لا يمكن مثله بحال، ولو طلق رجل امرأته فقالت من يومها قد انقضت عدتي لم يقبل منها حتى تسأل. فإن قالت قد أسقطت سقطا بان بعض خلقه أو ولدت ولدا ومات كان القول قولها إذا كان يلد مثلها فإن كانت صغيرة لا يلد مثلها أو عجوزا لا يمكن في مثلها أن تلد لم تصدق بحال، ولو قالت قد انقضت عدتي في يوم أو غيره سئلت فإن قالت حضت ثلاث حيض لم تصدق لأنه لا يحيض من النساء أحد ثلاث حيض في مثل هذه المدة. وإن قالت قد حضت في أربعين ليلة ثلاث حيض وما أشبه هذا نظر. فإن كانت المدعية لانقضاء عدتها في مثل هذه المدة تذكر قبل الطلاق أنها كانت تحيض هكذا وتطهر صدقت في الحكم، وكذلك إن كان من نساء الناس من يذكر ما وصفت، وإن لم تكن هي ولا واحدة من النساء تذكر مثل هذا لم تصدق، ومتى صدقتها في الحكم فلزوجها عليها اليمين بالله عز وجل لقد انقضت عدتها بما ذكرت من حيض وطهر أو سقط أو ولد.
فإن حلفت برئت منه، وإن
نكلت أحلفته ما انقضت عدتها وجعلت له عليها الرجعة، وإذا صدقتها في الحكم بقولها قد انقضت عدتي صدقتها به قبل ارتجاعه إياها وصدقتها إذا قال قد راجعتك اليوم فقالت انقضت عدتي أمس أو في وقت من اليوم قبل الوقت الذي راجعها فيه إلا أن تقر بعد مراجعته إياها بأن لم تنقض عدتها ثم تدعي انقضاء العدة فلا أصدقها لأن الرجعة قد ثبتت بإقرارها، وإن شاءت أن أحلفه لها ما علم عدتها انقضت فعلت فإن حلف لزمتها الرجعة وإن نكل أحلفت على البت لقد انقضت عدتها فإن حلفت فلا رجعة له عليها وإن نكلت فله عليها الرجعة، ولو قال لها راجعتك فقالت قد انقضت عدتي أو قالت قد انقضت عدتي قبل أن تقول قد راجعتك في مدة يمكن فيها انقضاء عدتها ثم راجعها فقالت قد كنت كذبت فيما ادعيت من انقضاء عدتي أو قالته قبل أن يراجعها فراجعها ثبتت عليها الرجعة، ولو رجعت عن الإقرار بانقضاء العدة لم يسقط ذلك الرجعة وهي كمن جحد حقا عليه ثم أقر به، ولو قالت قد انقضت عدتي ثم قالت كذبت لم تنقض عدتي أو وهمت ثم قالت قد انقضت عدتي قبل أن يرتجعها ثم ارتجعها لم يكن له عليها رجعة إلا بأن تكذب نفسها بعد الرجعة فتقول لم تنقض عدتي، وإذا قالت قد انقضت عدتي في مدة لا تنقضي عدة امرأة في مثلها فأبطلت قولها ثم جاءت عليها مدة تنقضي العدة في مثلها وهي ثابتة على قولها الأول قد انقضت عدتي فعدتها منقضية لأنها مدعية
ولو طلق الرجل امرأته ثم قال أعلمتني بأن عدتها قد انقضت ثم راجعها لم يكن هذا إقرارا بأن عدتها قد انقضت لأنها قد تكذبه فيما أعلمته وتثبت الرجعة إذا قالت المرأة لم تنقض عدتي، وإن قال قد انقضت عدتها وقالت هي قد انقضت عدتي ثم قال كذبت لم يكن له عليها رجعة لأنه أقر بانقضاء عدتها وكذلك لو صدقها بانقضاء العدة ثم كذبها لم يكن له عليها رجعة.
الوقت الذي تكون له الرجعة بقوله.
(قال الشافعي): وإذا قال الرجل وامرأته في العدة قد راجعتها اليوم أو أمس أو قبله في العدة وأنكرت فالقول قوله إذا كان له أن يراجعها في العدة فأخبر أن قد فعل بالأمس كان كابتدائه الفعل الآن، ولو قال بعد مضي العدة قد راجعتك في العدة وأنكرت كان القول قولها وعليه البينة أنه قد راجعها وهي في العدة وإذا مضت العدة فقال قد كنت راجعتك في العدة وصدقته فالرجعة ثابتة. فإن كذبته بعد التصديق أو كذبته قبل التصديق ثم صدقته كانت الرجعة ثابتة، وهكذا لو كانت زوجته أمة فصدقته كانت كالحرة في جميع أمرها، ولو كذبه مولاها لم أقبل قوله لأن التحليل بالرجعة والتحريم بالطلاق فيها ولها، ولو كانت المرأة صبية لم تحض أو معتوهة مغلوبة على عقلها فقال زوجها بعد انقضاء عدتها قد راجعتها في العدة لم يصدق إلا ببينة تقوم له، ولو صدقته لأنها ممن لا فرض له عليها، وكذلك لو صدقه وليها - أباها كان أو غيره - لم أقبل ذلك، ولو كانت صحيحة فعرض لها مرض أذهب عقلها ثم قال بعد انقضاء عدتها قد كنت راجعتها في العدة لم تكن زوجته فإذا أفاقت فصدقته كانت زوجته بالإقرار وكانت الرجعة عليها ثابتة، وإذا دخل الرجل بالمرأة فقال قد أصبتها وطلقتها وقالت لم يصبني فالقول قولها ولا رجعة له عليها.
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg