رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الله قال:
من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب.
وما تقرب إلى عبدي بشيء
أحب إلي مما افترضت عليه.
وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل
حتى أحبه.
فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به،
وبصره الذي يبصر به،
ويده التي يبطش بها،
ورجله التي يمشي بها.
ولئن سألني لأعطينَّه،
ولئن استعاذني لأعيذنه.
وما ترددت عن شيء أنا فاعله
ترددي عن قبض نفس المؤمن:
يكره الموت،
وأكره مساءته.
ولا بد له منه"
رواه البخاري.
هذا حديث جليل،
أشرف حديث في أوصاف الأولياء،
وفضلهم ومقاماتهم.
فأخبر أن معاداة أوليائه
معاداة له ومحاربة له.
ومن كان متصدياً لعداوة الرب
ومحاربة مالك الملك
فهو مخذول.
ومن تكفل الله بالذَّبِّ عنه
فهو منصور.
وذلك لكمال موافقة أولياء الله
لله في محابه؛
فأحبهم وقام بكفايتهم،
وكفاهم ما أهمهم.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السابع والثلاثون
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا.
فإن صدقا وبيَّنا:
بورك لهما في بيعهما.
وإن كذبا وكتما:
محقت بركة بيعهما"
متفق عليه.
هذا الحديث أصل في بيان المعاملات النافعة،
والمعاملات الضارة
وأن الفاصل بين النوعين:
الصدق والبيان.
فمن صدق في معاملته،
وبين جميع ما تتوقف عليه المعاملة
من الأوصاف المقصودة،
ومن العيوب والنقص.
فهذه معاملة نافعة في العاجل
بامتثال أمر الله ورسوله،
والسلامة من الإثم،
وبنزول البركة في معاملته.
وفي الآجلة بحصول الثواب،
والسلامة من العقاب.
ومن كذب وكتم العيوب،
وما في العقود عليه من الصفات
فهو مع إثمه معاملته ممحوقة البركة.
متى نزعت البركة من المعاملة
خسر صاحبها دنياه وأُخراه.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثامن والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بيع الحصاة،
وعن بيع الغَرر"
رواه مسلم.
وهذا كلام جامع لكل غَرر.
والمراد بالغَرر:
المخاطرة والجهالة.
وذلك داخل في الميسر،
فإن الميسر كما يدخل في المغالبات والرهان
– إلا رهان سباق الخيل والإبل والسهام –
فكذلك يدخل في أمور المعاملات.
فكل بيع فيه خطر:
هل يحصل المبيع، أو لا يحصل؟
– كبيع الآبق والشارد
والمغصوب من غير غاصبه،
أو غير القادر على أخذه،
وكبيع ما في ذمم الناس –
وخصوصاً المماطلين والمعسرين –
فإنه داخل في الغـرر.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث التاسع والثلاثون
عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" الصلح جائز بين المسلمين،
إلا صلحاً حرم حلالاً،
أو أحل حراماً.
والمسلمون على شروطهم،
إلا شرطاً حرم حلالاً،
أو أحل حراماً"
رواه أهل السنن إلا النسائي.
جمع في هذا الحديث الشريف بين أنواع الصلح والشروط
– صحيحها وفاسدها –
بكلام يشمل من أنواع العلم وأفراده ما لا يحصى،
بحد واضح بيِّن.
فأخبر أن الأصل في الصلح:
أنه جائز لا بأس به،
إلا إذا حرم الحلال، أو أحل الحرام.
وهذا كلام محيط،
يدخل فيه جميع أقسام الصلح.
والصلح خير؛
لما فيه من حسم النزاع،
وسلامة القلوب،
وبراءة الذمم.
فيدخل فيه:
الصلح في الأمور في الإقرار،
بأن يقرَّ له بدين، أو عين، أو حق،
فيصالحه عنه ببعضه أو بغيره.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"مَطْل الغنيِّ ظلم.
وإذا أُتْبع أحدكم على مَلِئٍ فليَتْبع"
متفق عليه.
تضمن هذا الحديث الأمر بحسن الوفاء،
وحسن الاستيفاء
والنهي عما يضاد الأمرين أو أحدهما.
فقوله:
"مطل الغني ظلم"
أي: المعاسرة في أداء الواجب ظلم؛
لأنه ترك لواجب العدل؛
إذ على القادر المبادرة إلى أداء ما عليه،
من غير أن يحوج صاحب الحق
إلى طلب وإلحاح، أو شكاية.
فمن فعل ذلك مع قدرته على الوفاء فهو ظالم.
"والغني"
هو الذي عنده موجودات مالية يقدر بها على الوفاء.
ومفهوم الحديث:
أن المعسر لا حرج عليه في التأخير.
وقد أوجب الله على صاحب الحق إنظاره إلى الميسرة.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الحادي والأربعون
عن سمرة بن جُنْدب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"على اليد ما أخذت، حتى تؤدِّيَه"
رواه أهل السنن إلا النسائي.
وهذا شامل لما أخذته من أموال الناس بغير حق
كالغضب ونحوه،
وما أخذته بحق، كرهن وإجارة.
أما القسم الأول:
فهو الغصب.
وهو أخذ مال الغير بغير حق بغير رضاه.
وهو من أعظم الظلم والمحرمات؛
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من غصب قيد شبر من الأرض
طُوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين".
وعلى الغاصب
أن يرد ما أخذه،
ولو غَرَم على رده أضعاف قيمته،
ولو صار عليه ضرر في رده،
لأنه هو الذي أدخل الضرر على نفسه.
فإن نقص ردَّه مع أرش نقصه.
وعليه أجرته مدة بقائه بيده،
وإن تلف ضمنه.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثاني والأربعون
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالشفعة في كل ما لم يقسم.
فإذا وقعت الحدود،
وصُرفت الطرق،
فلا شفعة"
رواه البخاري.
يؤخذ من هذا الحديث:
أحكام الشفعة كلها،
وما فيه شفعة، وما لا شفعة فيه.
والشفعة إنما هي في الأموال المشتركة.
وهي قسمان: عقار وغيره.
فأثبت في هذا الحديث الشفعة في العقار.
ودلَّ على أن غير العقار لا شفعة فيه،
فالشركة في الحيوانات، والأثاثات،
والنقود، وجميع المنقولات
لا شفعة فيها،
إذا باع أحدهما نصيبه منها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثالث والأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يقول الله تعالى:
أنا ثالث الشريكين،
ما لم يَخُن أحدهما صاحبه.
فإن خانه خرجت من بينهما"
رواه أبو داود.
يدل هذا الحديث بعمومه
على جواز أنواع الشركات كلها:
شركة العنان، والأبدان،
والوجوه، والمضاربة،
والمفاوضة
وغيرها من أنواع الشركات
التي يتفق عليها المتشاركان.
ومن منع شيئاً منها
فعليه الدليل الدال على المنع،
وإلا فالأصل الجواز،
لهذا الحديث، وشموله.
ولأن الأصل الجواز في كل المعاملات.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الرابع والأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا مات العبد انقطع عمله
إلا من ثلاث:
صدقة جارية،
أو علم ينتفع به،
أو ولد صالح يدعو له"
رواه مسلم.
دار الدنيا جعلها الله دار عمل،
يتزود منها العباد من الخير، أو الشر،
للدار الأخرى،
وهي دار الجزاء.
وسيندم المفرطون
إذا انتقلوا من هذه الدار،
ولم يتزودوا منها لآخرتهم ما يسعدهم،
وحينئذ لا يمكن الاستدراك.
ولا يتمكن العبد
أن يزيد حسناته مثقال ذرة،
ولا يمحو من سيئاته كذلك.
وانقطع عمل العبد عنه
إلا هذه الأعمال الثلاثة
التي هي من آثار عمله.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخامس والأربعون
عن أسمر بن مضرس:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له"
رواه أبو داود.
يدخل في هذا الحديث:
السبق إلى جميع المباحات التي ليست ملكاً لأحد،
ولا باختصاص أحد.
فيدخل فيه:
السبق إلى إحياء الأرض الموات.
فمن سبق إليها باستخراج ماء،
أو إجرائه عليها،
أو ببناء: مَلَكها.
ولا يملكها بدون الإحياء.
لكن لو أقطعه الإمام أو نائبه،
أو تحجر مواتاً من دون إحيائه:
فهو أحق به، ولا يملكه.
فإن وجد متشوف للإحياء قيل له:
إما أن تعمرها،
وإما أن ترفع يدك عنها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والأربعون
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ألحَقوا الفرائض بأهلها.
فما بقى فهو لأوْلى رجل ذكر"
متفق عليه.
الحديث السابع والأربعون
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الله قد أعطى كل ذي حق حقَّه،
فلا وصية لوارث"
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
هذان الحديثان اشتملا على جلّ أحكام المواريث،
وأحكام الوصايا
فإن الله تعالى فصَّل أحكام المواريث
تفصيلاً تاماً واضحاً،
وأعطى كل ذي حق حقه.
وأمر صلى الله عليه وسلم أن يلحق الفرائض بأهلها،
فيقدمون على العصبات.
فما بقي فهو لأوْلى رجل ذكر.
وهم العصبة من الفروع الذكور،
والأصول الذكور،
وفروع الأصول الذكور،
والولاء.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثامن والأربعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ثلاثةٌ حقٌّ على الله عَوْنُهم:
المُكاتب يريد الأداء،
والمتزوج يريد العَفاف،
والمجاهد في سبيل الله"
رواه أهل السنن إلا النسائي.
وذلك:
أن الله تعالى وعد المنفقين بالخلف العاجل،
وأطلق النفقة.
وهي تنصرف إلى النفقات التي يحبها الله؛
لأن وعده بالخلف من باب الثواب
الذي لا يكون إلا على ما يحبه الله.
وأما النفقات في الأمور التي لا يحبها الله:
إما في المعاصي،
وإما في الإسراف في المباحات:
فالله لم يضمن الخلف لأهلها،
بل لا تكون إلا مغرماً.
وهذه الثلاثة المذكورة في هذا الحديث
من أفضل الأمور التي يحبها الله.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث التاسع والأربعون
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يحرُم من الرَّضاعة ما يحرم من الولادة"
متفق عليه.
وذلك :
أن المحرمات من النسب بنص القرآن والإجماع:
الأمهات وإن عَلْون من كل جهة،
والبنات وإن نزلن من كل جهة،
والأخوات مطلقاً،
وبنات الأخوة،
وبنات الأخوات وإن نزلن،
والعمات،
والخالات.
فجميع القرابات حرام،
إلا بنات الأعمام،
وبنات العمات،
وبنات الأخوال،
وبنات الخالات.
وهذه السبع محرمات في الرضاع
من جهة المرضعة، وصاحب اللبن،
إذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر،
في الحولين.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخمسون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يَفْرِك مؤمنٌ مؤمنةً؛
إن كره منها خُلقاً
رضي منها آخر"
رواه مسلم.
هذا الإرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم ،
للزوج في معاشرة زوجته
من أكبر الأسباب والدواعي
إلى حسن العشرة بالمعروف،
فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته.
والنهي عن الشيء أمر بضده.
وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة،
والأمور التي تناسبه،
وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها؛
فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته
من الأخلاق الجميلة،
والمحاسن التي يحبها،
ونظر إلى السبب الذي دعاه
إلى التضجر منها وسوء عشرتها،
رآه شيئاً واحداً أو اثنين مثلاً،
وما فيها مما يحب أكثر.
فإذا كان منصفاً
غض عن مساوئها
لاضمحلالها في محاسنها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الحادي والخمسون
عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يا عبد الرحمن بن سمرة،
لا تسأل الإمارة،
فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكِّلت إليها،
وإن أوتيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها.
وإذا حلفت على يمين
فرأيت غيرها خيراً منها،
فائْتِ الذي هو خير،
وكفِّر عن يمينك"
متفق عليه.
هذا الحديث احتوى على جملتين عظيمتين:
إحداهما:
أن الإمارة وغيرها من الولايات على الخلق،
لا ينبغي للعبد أن يسألها، ويتعرض لها.
بل يسأل الله العافية والسلامة،
فإنه لا يدري،
هل تكون الولاية خيراً له أو شراً؟
ولا يدري،
هل يستطيع القيام بها، أم لا؟
فإذا سألها وحرص عليها،
وُكِّلَ إلى نفسه.
ومتى وُكِّلَ العبد إلى نفسه لم يوفق،
ولم يسدد في أموره،
ولم يُعَن عليها؛
لأن سؤالها ينبئ عن محذورين:
الأول:
الحرص على الدنيا والرئاسة،
والحرص يحمل على الريبة في التخوض في مال الله،
والعلو على عباد الله.
الثاني:
فيه نوع اتكال على النفس،
وانقطاع عن الاستعانة بالله.
ولهذا قال:
"وكلت إليها".
وأما من لم يحرص عليها ولم يتشوف لها،
بل أتته من غير مسألة
ورأى من نفسه عدم قدرته عليها،
فإن الله يعينه عليها،
ولا يكله إلى نفسه؛
لأنه لم يتعرض للبلاء،
ومن جاءه البلاء بغير اختياره حمل عنه،
ووفق للقيام بوظيفته.
وفي هذه الحال
يقوى توكله على الله تعالى،
ومتى قام العبد بالسبب
متوكلاً على الله نجح.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثاني والخمسون
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من نذر أن يطيع الله فليطعه.
ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه".
رواه البخاري.
النذر إلزام العبد نفسه طاعة لله:
إما بدون سبب،
كقوله، لله عليّ أو نذرت عتق رقبة،
أو صيام كذا وكذا،
أو الصدقة بكذا وكذا.
وإما بسبب،
كأن يعلق ذلك على قدوم غائبه،
أو بُرْء مريض،
أو حصول محبوب،
أو زوال مكروه،
فمتى تمّ له مطلوبه وجب عليه الوفاء.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثالث والخمسون
عن علي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"المسلمون تتكافأ دماؤهم،
ويسعى بذمتهم أدناهم.
ويرد عليهم أقصاهم.
وهم يَدٌ على من سواهم.
ألا، لا يُقتل مسلم بكافر،
ولا ذو عَهْد في عهده"
رواه أبو داود والنسائي.
ورواه ابن ماجه عن ابن عباس.
هذا الحديث كالتفصيل لقوله تعالى:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }(1)
وقوله صلى الله عليه وسلم :
"وكونوا عباد الله إخوانا".
فعلى المؤمنين:
أن يكونوا متحابين،
متصافين غير متباغضين ولا متعادين.
يسعون جميعاً لمصالحهم الكلية
التي بها قوام دينهم ودنياهم،
لا يتكبر شريف على وضيع،
ولا يحتقر أحد منهم أحداً.
فدماؤهم تتكافأ؛
فإنه لا يشترط في القصاص
إلا المكافأة في الدين.
فلا يقتل المسلم بالكافر،
كما في هذا الحديث،
والمكافأة في الحرية،
فلا يقتل الحر بالعبد.
******************
(1) سورة الحجرات – آية 10 .
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الرابع والخمسون
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ،
فهو ضامن"
رواه أبو داود والنسائي.
هذا الحديث يدلّ بلفظه وفحواه على:
أنه لا يحل لأحد أن يتعاطى صناعة من الصناعات
وهو لا يحسنها،
سواء كان طباً أو غيره،
وأن من تجرأ على ذلك:
فهو آثم.
وما ترتب على عمله من تلف نفس أو عضو أو نحوهما:
فهو ضامن له.
وما أخذه من المال في مقابلة تلك الصناعة
التي لا يحسنها:
فهو مردود على باذله؛
لأنه لم يبذله إلا بتغريره وإيهامه أنه يحسن،
وهو لا يحسن،
فيدخل في الغش.
و "من غشنا فليس منا".
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخامس والخمسون
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم،
فإن كان له مخرج،
فخلوا سبيله.
فإن الإمام أن يخطئ في العفو،
خير من أن يخطئ في العقوبة"
رواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً.
هذا الحديث:
يدلّ على أن الحدود تدرأ بالشبهات.
فإذا اشتبه أمر الإنسان وأشكل علينا حاله،
ووقعت الاحتمالات:
هل فعل موجب الحد أم لا؟
وهل هو عالم أو جاهل؟
وهل هو متأول معتقد حلّه أم لا؟
وهل له عذر عقد أو اعتقاد؟:
دُرئت عنه العقوبة؛
لأننا لم نتحقق موجبها يقيناً.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والخمسون
عن علي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا طاعة في معصية.
إنما الطاعة في المعروف"
متفق عليه.
هذا الحديث:
قيد في كل من تجب طاعته من الولاة،
والوالدين، والزوج، وغيرهم.
فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء.
وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله
وكلها بالمعروف.
فإن الشارع ردّ الناس في كثير مما أمرهم به
إلى العرف والعادة،
كالبر والصلة،
والعدل والإحسان العام.
فكذلك طاعة من تجب طاعته.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السابع والخمسون
عن عبد الله بن عمرو،
وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا حكم الحاكم، فاجتهد وأصاب،
فله أجران.
وإذا حكم، فاجتهد فأخطأ،
فله أجر واحد"
متفق عليه.
المراد بالحاكم:
هو الذي عنده من العلم ما يؤهله للقضاء.
وقد ذكر أهل العلم شروط القاضي.
فبعضهم بالغ فيها،
وبعضهم اقتصر على العلم الذي يصلح به للفتوى.
وهو الأولى.
ففي هذا الحديث:
أن الجاهل لو حكم وأصاب الحكم:
فإنه ظالم آثم؛
لأنه لا يحل له الإقدام على الحكم،
وهو جاهل.