قَاْل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنَّ الْمَرْأَة تُقْبِل فِي صُورَة شَيْطَان وَتُدْبِر فِي صُورَة شَيْطَان فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدكُمْ اِمْرَأَة فَلْيَأْتِ أَهْله فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدّ مَا فِي نَفْسه )
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( إِذَا أَحَدكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَة فَوَقَعَتْ فِي قَلْبه فَلْيَعْمِدْ إِلَى اِمْرَأَته فَلْيُوَاقِعهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدّ مَا فِي نَفْسه ) .
هَذِهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة مُبَيِّنَة لِلْأُولَى .
--------------------------------------
قال النووي:
وَمَعْنَى الْحَدِيث : أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ رَأَى اِمْرَأَة فَتَحَرَّكَتْ شَهْوَته أَنْ يَأْتِي اِمْرَأَته أَوْ جَارِيَته إِنْ كَانَتْ لَهُ ، فَلْيُوَاقِعهَا لِيَدْفَع شَهْوَته ، وَتَسْكُن نَفْسه ، وَيَجْمَع قَلْبه عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَرْأَة تُقْبِل فِي صُورَة شَيْطَان وَتُدْبِر فِي صُورَة شَيْطَان ) قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : الْإِشَارَة إِلَى الْهَوَى وَالدُّعَاء إِلَى الْفِتْنَة بِهَا لِمَا جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى فِي نُفُوس الرِّجَال مِنْ الْمَيْل إِلَى النِّسَاء ، وَالِالْتِذَاذ بِنَظَرِهِنَّ ، وَمَا يَتَعَلَّق بِهِنَّ ، فَهِيَ شَبِيهَة بِالشَّيْطَانِ فِي دُعَائِهِ إِلَى الشَّرّ بِوَسْوَسَتِهِ وَتَزْيِينه لَهُ .
وَيُسْتَنْبَط مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهَا أَلَّا تَخْرُج بَيْن الرِّجَال إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْغَضّ عَنْ ثِيَابهَا ، وَالْإِعْرَاض عَنْهَا مُطْلَقًا .
قالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بَيَانًا لَهُمْ ، وَإِرْشَادًا لِمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ ، فَعَلَّمَهُمْ بِفِعْلِهِ وَقَوْله .
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْس بِطَلَبِ الرَّجُل اِمْرَأَته إِلَى الْوِقَاع فِي النَّهَار وَغَيْره ، وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَغِلَة بِمَا يُمْكِن تَرْكه ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الرَّجُل شَهْوَة يَتَضَرَّر بِالتَّأْخِيرِ فِي بَدَنه أَوْ فِي قَلْبه وَبَصَره
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج/النووي
------------------------------------------------
قال ابن العربي : هذا حديث غريب المعنى لأن ما جرى للمصطفى صلى الله عليه و سلم كان سرا لم يعلمه إلا الله تعالى فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما وقد كان آدميا وذا شهوة لكنه كان معصوما عن الزلة وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعا ولا ينقص منزلته وذلك الذي وجد في نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة آدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة
قال ابن العربي : وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه والرهبانية ليست في هذا الدين
فيض القدير – المناوي
-------------------------------------------------
قال ابن الجوزي /ذم الهوى :
وقد نبه هذا الحديث على أمرين:
أحدهما التسلي عن المطلوب بجنسه
والثاني الإعلام بأن سبب الإعجاب قوة الشهوة فأمر بتنقيصها
------------------------------------------
قوله : (( فإن ذلك يردّ ما في نفسه )). وللردّ وجهان :
أحدهما : أنَّ المنَّي إذا خرج ؛ انكسرت الشهوة ، وانطفأت ، فزال تعلُّق النَّفْس بالصّورة الْمَرئية .
وثانيهما : أن محل الوطء والإصابة متساوٍ من النساء كلِّهن ، والتفاوت إنما هو من خارج ذلك ، فليُكْتَف بمحلِّ الوطء ، الذي هو المقصود ، ويُغْفَل عمَّا سواه ، وقد دلّ على هذا ما جاء في هذا الحديث في غير "الأم" بعد قوله : (( فليأت أهله )) : (( فإن معها مثل الذي معها )).
تحذير : لا يُظنُّ برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ - لَمَّا فعل ذلك - ميلُ نَفْسٍ ، أو غلبة شهوة - حاشاه عن ذلك ، وإنما فعل ذلك لِيَسُنَّ ، وليُقتدى به ، وليحسمَ عن نفسه ما يتوقع وقوعه .
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم/القرطبيُّ