رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وائل النوري
الحمد لله
أريد من الفاضل أبي فهر أن يعيننا على فهم مراده ببيان:
أولا : معنى الرأي
ثانيا: أصوله
ثالثا: أهله
والمرجو حفظك الله عدم الإجمال فلا يحسن في هذا الموطن.
وجزاك الله خيرا
الحمد لله وحده....
الرأي والقياس لفظان أراد بهما المتكلم بهما من أهل هذه الطبقات أن يُصيب معنى لفظ ((الاجتهاد)) في كلام النبي (ص)
ثُم قد يُصيب هذا المجتهد ما يجوز له من الاجتهاد وقد يُجاوز الحد المشروع له فيدخل في الإحداث في الدين..
واسم الرأي يقع على ثلاثة صور:
1- الاجتهاد في تحقيق وتنقيح مناطات الأدلة النقلية .وهذا النوع من الرأي قال به وفعله الأئمة جميعاً.
2- الاجتهاد والفتوى بالرأي الذي يدخل تحته القياس والمصلحة وسد الذرائع و...و...وهذا الصنف من الأدلة استدل به فقهاء أهل الحديث وفقهاء أهل الرأي جميعاً غير أن بينهما فارق جوهري هو سبب النزاع الطويل بينهما...
فأهل الحديث منهم من هجر الاستدلال بهذه الأبواب في أغلب أحواله ،ومنهم من ضيق دائرة الاستدلال بهذه الأصول فلا يستدل بها إلا عند عدم الأدلة ،فأنزلوها منزلة الميتة للمضطر وقدم عليها بعضهم قول الصحابي والحديث الضعيف(على معناه عندهم)..
أما أهل الرأي فجعلوا اجتهاد الرأي على وفق هذه الأصول المذكورة =أدلة قائمة بذاتها تُعارض بها الأدلة النقلية وتُقدم هذه تارة وهذه تارة.
ووسعوا دائرة العلل المستنبطة واعتبار المقاصد والمعاني التي ظنوا أن الشارع قال ألفاظه بينما تلك المعاني تجول في نفسه...
ثم كان أهل الرأي يستخدمون هذه الأصول في مقامين:
الأول: عند عدم النصوص.
الثاني: كأداة لفهم النصوص جمعاً ومعارضة وترجيحاً...
وهاهنا كانت المعركة ...فأهل الحديث كانوا يرون أن الإسناد الواحد إذا صح ما كان يفتقر إلى غيره ولا يتوقف العمل به على موازنته بغيره ،ولا يحتاج إلا إلى فهم مراد مراد النبي (ص) وفق المقتضيات اللغوية والمعارضوة والجمع والترجيح وفق الأدلة النقلية.
3-ويُطلق الرأي أيضاً على الاستحسان وتحرير معناه ومراد أهل الرأي به وهل أصاب الشافعي في فهم مراد أهل الرأي أم أخطأ=كل ذلك ليس هذا محله.
أما أهل الرأي الذين نعنيهم هنا: فهم طبقة ربيعة الرأي وحماد ابن أبي سليمان والتي تليها طبقة أبي حنيفة والتي تليها طبقة أبي يوسف والتي تليها طبقة محمد بن الحسن...
ويُلحق بهم بعض من استعمل طريقتهم وإن لم يُنسب إليهم وأو انتسب إليهم ثم خرج عنهم كأبي ثور...
اما أصوله فهذا ايضاً حديث يطول ليس هذا مقامه..
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
الحمد لله
أحسن الله إليك أخي الفاضل
لو سمحت لي حفظك الله التعليق على بعض ما جاء في بيانك لأستزيدك إيضاحا.
بغض النظر عن الخلاف المعروف في تحقيق المناط هل هو من القياس أو هو الفرع المندرج تحت القاعدة الكلية وأصل الخلاف في العمومات اللفظية.
أوليس تنقيح المناط من مسمى القياس وهو تهذيب العلة وإلغاء ما لا أثر له؟
وأغلب الخلاف الموجود في هذا الباب بين المجتهدين في تنقيح العلة، ما يصلح وما لا يصح علة للحكم.
السؤال حفظك المولى:
فرق لي بين:
الاجتهاد في تحقيق وتنقيح مناطات الأدلة النقلية
و
الاجتهاد والفتوى بالرأي الذي يدخل تحته القياس
وجزاك الله خيرا
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو فهر السلفي
لا بد من التفرقة بين أجناس القياس التي لا يُنازع فيها ابن حزم ولا غيره...وإن كانوا لا يسمونها قياساً (وكثير من العلماء لا يسموه قياساً وهو الأليق ولعل الأنسب لمن سماه قياساً أن يُغادر هذه التسمية لما فيها من لبس المتفق عليه بالمختلف فيه)...وبين القسم المختلف فيه..والذي فيه وقع الخلاف وهو كما عبر عنه شيخ الإسلام:
((تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ وَهُوَ : الْقِيَاسُ الْمَحْضُ وَهُوَ : أَنْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمٍ فِي أُمُورٍ قَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهَا فَيَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا مِثْلُهَا إمَّا لِانْتِفَاءِ الْفَارِقِ ؛ أَوْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِهِ فِي الْأَصْلِ ؛ فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي تُقِرُّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَيُنْكِرُهُ نفاة الْقِيَاسِ . وَإِنَّمَا يَكْثُرُ الْغَلَطُ فِيهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْجَامِعِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي عَلَّقَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى سُؤَالَ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ : مُطَالَبَةُ الْمُعْتَرِضِ لِلْمُسْتَدِلِّ بِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ ؛ أَوْ دَلِيلُ الْعِلَّةِ . فَأَكْثَرُ غَلَطِ الْقَائِسِينَ مِنْ ظَنِّهِمْ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ مَا لَيْسَ بِعِلَّةِ وَلِهَذَا كَثُرَتْ شَنَاعَاتُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ . فَأَمَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى إلْغَاءِ الْفَارِقِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَرْقٌ يُفَرِّقُ الشَّارِعُ لِأَجْلِهِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ ؛ أَوْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْفُلَانِيَّ هُوَ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَكَمَ الشَّارِعُ بِهَذَا الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي صُورَةٍ أُخْرَى ؛ فَهَذَا الْقِيَاسُ لَا يُنَازِعُ فِيهِ إلَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَي ْنِ)).
قلتُ: وكثير مما يُنسب للصحابة والصدر الأول من الأقيسة ليس هو هذا القسم المختلف فيه..
فاجتهاد الرأي منه القياس الذي هو تخريج المناط...وهو قسم مختلف عن تنقيح وتحقيق مناطات الأدلة...كما بينه الشيخ..ومعه أشياء أخر كالمصالح والاستحسان..
تنبيه مهم: ومن معاني الرأي في كلام السلف مما ذهلت عن ذكره: الحيل.
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
يقول شيخ الإسلام: ((وَمَنْ ظَنَّ بِأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ مُخَالَفَةَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِقِيَاسِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَيْهِمْ وَتَكَلَّمَ إمَّا بِظَنِّ وَإِمَّا بِهَوَى فَهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يَعْمَلُ بِحَدِيثِ التوضي بِالنَّبِيذِ فِي السَّفَرِ مُخَالَفَةً لِلْقِيَاسِ وَبِحَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْقِيَاسِ ؛ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّتَهُمَا وَإِنْ كَانَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ لَمْ يُصَحِّحُوهُمَا . وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي رِسَالَةِ " رَفْعِ الْمَلَامِ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ " وَبَيَّنَّا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ لَا يُخَالِفُ حَدِيثًا صَحِيحًا بِغَيْرِ عُذْرٍ بَلْ لَهُمْ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ عُذْرًا
مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ ؛ أَوْ بَلَغَهُ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَثِقْ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ دَلَالَتَهُ عَلَى الْحُكْمِ ؛ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ قَدْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَالنَّاسِخِ ؛ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّاسِخِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . وَالْأَعْذَارُ يَكُونُ الْعَالِمُ فِي بَعْضِهَا مُصِيبًا فَيَكُونُ لَهُ أَجْرَانِ وَيَكُونُ فِي بَعْضِهَا مُخْطِئًا بَعْدَ اجْتِهَادِهِ فَيُثَابُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ))
هذا لب كلامنا ..والحمد لله وحده...
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
الحمد لله
أخي الفاضل:
أنت الآن تميز بين مسلكين من مسالك الاستدلال في أمر خاص:
مسلك أهل الحديث
ومسلك أهل الرأي
فلا يهمنا مسلك النفاة
القياس في كلامك الثاني مطلق يندرج في المسمى الثاني للرأي وكأن الخلاف غير موجود بين المسلكين في تنقيح المناط الذي هو بمعنى القياس، فاحتجت الآن أن تقيده حتى تدفع توهم المعارضة، فلا ضير عليك أخي.
فلابد من التمييز بين المسميات في معنى الرأي حتى لا يقع لك التداخل في المعاني لأنه مظنة الاشتباه.
تنبيه:
هل أفهم حفظك الله أن أصول الاستدلال لم تكن مرسومة عندك قبل التخريج عليها حتى تذهل بقولك:
تنبيه مهم: ومن معاني الرأي في كلام السلف مما ذهلت عن ذكره: الحيل.
وهل بقي شيء آخر؟
الذي أعلمه عن العلماء من فقهاء هذه الأمة حصر الأصول قبل التخريج.
المعذرة حفظك الله اصبر علي حتى أفهمك جيدا، فهذا موطن عظيم لا يكتفى فيه بالإشارات والتلميحات بل لابد من تأصيل.
أخوك وائل النوري
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
معذرة يا مولانا فأنا الآن الذي لا أفهمك جيداً...
خاصة قولك:
اقتباس:
هل أفهم حفظك الله أن أصول الاستدلال لم تكن مرسومة عندك قبل التخريج عليها حتى تذهل بقولك:
أي أصول (؟؟؟)
وأي رسم(؟؟؟)
إنما أتكلم عن معنى من المعاني التي يُطلق عليها لفظ الرأي في كلام السلف وقد نسيت ذكره في المعاني السابقة...
والقياس بمعنى تخريج المناط هو المعنى الثاني وهذا صلب كلامي فهل نفسر الماء بعد الجهد بالماء(؟؟؟)
اعمد إلى ما تقصد يا مولانا...
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
الحمد لله
أوليس تقرير مسلكين هو ما جريت عليه؟
فلابد أن تكون عالما بأصول الاستدلال فيهما، وإلا كيف تميز بينهما فضلا عن التخريج عليهما.
فمعرفة الخلل هو باعتبار الأصل لا الفرع، وأنت حفظك الله بصدد بيان زلل المسلك في أمر معين، فإذا لم ترده إلى أصله لن يتبين لك قوته أوضعفه، لذلك يقع كثير من إخواننا في علم المناسبة والشهوة وهذا ليس بعلم البتة.
فالأسئلة هي من هذا الباب، فغالبا ما يكون الزلل في دركها لضعف التصور، وهذا ليس من حسن التأتي للأمور،وقد قيل: لكل سبيل مطية ومطية الفهم حسن التصور، و"معلوم أن العلم إنما يتم بصحة مقدماته والجواب عن معارضاته ليحصل وجود المقتضى وزوال المانع".
فلابد من تحرير المقدمات لتحرير موارد النزاع، وهذا لا يتأتى غالبا في الفروع.
فالواجب: الكشف عن هذه القواعد والأصول وتمحيصها قبل التزامها.
لذلك حفظك الله:
طالبتك أولا: بالتصور وهو معنى الرأي
ثم ثانيا: أصوله عندك وأعني أصول الاستدلال
ثم ثالثا: أهله حتى أذكرك بأصولهم.
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
الحمد لله وحده..
أخانا أبا فهر، وفقك الله، الأمر كما ذكر الأخ ربيع - ولعل أحد الاخوة قد ذكر مثله فيما تقدم من مداخلات - أن الرأي اما مذموم واما محمود.. فمنه ما لا يخالف في مذمته مسلم، وهو ما يرد به قائله نصا قطعي الثبوت والدلالة، أو يخالف به اجماعا ثابتا لا يعلم له مخالف من السلف.. فهذا مذموم قولا واحدا، ومنه ما يلزم القيام به من معرفة الأشباه والنظائر لاستنباط ما لم يقع فيه نص صحيح بين يدي المجتهد، فيفرع على الأصول العامة ويقارب الى الشبيه والنظير ويبني الحكم على ذلك، وهذا هو القياس والرأي المحمود الذي عمل به السلف ودلت السنة على الترغيب فيه بحديث الأجر والأجرين.
وان كان هذا وذاك من الحلال والحرام، فالحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات.. يختلف فيها الناس بأفهامهم ومقادير عقولهم وما رزقوا من العلم بالسنة..
وأنا أقول أليس واجب طالب العلم ان وقعت يده على حديث صحيح لا خلاف في صحته، أن يتهم فهمه هو ان رأى فيه ما يخالف الأصول المتفق عليها؟؟ فكيف يخالف حديث لا خلاف على صحته، أصلا من الأصول التي لا خلاف على صحتها واطرادها كذلك؟؟ هذا لا يقع في دين الله! أما أن يتسرع الناظر ويقول هذا الحديث يخالف أصل كذا وكذا من الأصول الرواسخ - مع أنه قد صححه الأئمة ولم يثبت عن أي منهم طعن فيه - فيقول هذا يدخل تحت علة الشذوذ، وقد انتبهت أنا لهذا ولم يسبقني اليه أحد من أهل صننعة الحديث، فأنا لي اذا عذر في ردي تصحيحهم وتقديمي لرأيي عليه، فهذا هو عين ما نذمه من تقديم الرأي على النص، والعقل على النقل! وحري بمثل هذا أن يجتهد أولا في سلوك طرق الجمع بين هذا الحديث وبين ما ظن أنه يخالفه من آية أو حديث أو اجماع أو أصل من الأصول! والجمع مقدم على الترجيح، والأخذ مقدم على الترك..
أما ما وقع الخلاف في صحته من النصوص، فلعل مخالفته للأصول أن تكون من مرجحات ضعفه، ويكون في ذلك متسع لمن لم ير حجيته ولم ير العمل به.. الا أن يترجح عنده الصحة من جهة السند، وبعد نظر دقيق في كلام أهل الحديث فيه تصحيحا وتضعيفا، فحينئذ يكون حجة عليه يلزمه النظر في كيفية الجمع بينه وبين ما ظهر له تعارضه معه من الأصول..
وينبغي أن يعلم أن الذين يتساهلون في رد الحديث المختلف في صحته، أو الذي ليس على صحته اجماع - كما يتذرعون، اعتمادا على الرأي وعلى القول بمخالفة الأصول، هؤلاء قد يتلبسوا بذلك بجرح من لم يقل أحد من أئمة الجرح بطعن في روايته، فيكونون بذلك عرضة للدخول في مخالفة ما عليه السلف أو ما لم يعرف فيه خلاف بين المتقدمين، في شأن رجال ذلك الحديث الذي ردوه لا للنظر في رجاله وانما للنظر في موافقة متنه لما رسخ عندهم من الأصول.
وكما لا يخفى عليكم أن النظر في المتن ليس مقدما على النظر في السند، فالذي يدين أهل السنة به ربهم أنه لن يثبت على ثقة ضابط، وثقته الأمة بلا مخالف، تورط في نقل لقول فاسد أو نسبة لكلام باطل الى الرسول صلى الله عليه وسلم، من حيث المعنى أو المقتضى.. فهذه نقطة تغيب عن أذهان الكثيرين عند خوضهم في باب نقد المتن..
وأقول ان كان الأصل الفقهي مجمعا عليه، ولا يعلم في القرون الفاضلة مخالف له، فهذا ان جاءنا نص لحديث يخالفه، هل يتصور أن نجد رجاله جميعا عدولا ثقات، لا خلاف على عدالتهم بين النقاد؟؟ هذا لا يجوز وما كان ليقع، لأن معناه وقوع التناقض بين اجماعين، الاجماع على الأصل الذي يظن مخالفة المتن له، والاجماع على عدالة رواة ذلك المتن وضبطهم= وهذا ممتنع قطعا.
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
وأسجل اتفاقي معكم في أصل من الأصول التي طرحتموها في بحثكم، ألا وهي أن النص الواحد ليس هو - بالضرورة - السنة أو ما انتهى اليه علم السلف وعملهم.. فلعله أن يكون قد نسخ بنص آخر جاء بعده، أو يجب جمعه الى نص آخر يخصص ما فيه من عموم أو يعمم ما فيه من خصوص أو يوجهه وجهة أخرى، أو يتبين منه أنه كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ما أمر به أمته او ما الى ذلك.. وحالنا من هذا كما ذكرتم ليس كحال الصحابة اذ أنهم كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يستطيعون يرونه بلا واسطة ويتلقون عنه مباشرة، فما كان من أمره لهم فهذا هو الحق المطلق القطعي بلا خلاف ولا نظر، ولا يقال لعله منسوخ أو لعله كذا أو كذا! فقد تلقوا الأمر واحتملوه تحملا مباشرا عنه عليه السلام بلا واسطة.
والذي ينظر الى حال الصحابة عليهم رضوان الله لما كانوا يعملون بحديث في مسألة ثم يأتيهم حديث آخر لم يسمعوه فيها فيردوا ما عملوا به بهذا الذي كانوا يجهلونه، يتبين له أنهم بذلك اما يعتقدون النسخ واما يعتقدون امكان الجمع فيعلمون بمقتضى ذلك الجمع، أو غير ذلك مما يقتضيه النظر المستقيم فيما معهم وما ياتيهم من غيرهم من الصحابة.. ولكن الفرق بين حالنا وحالهم أننا اليوم يفصل بيننا وبين ما كانوا هم أنفسهم عليه، وما علموا من النصوص، قرون طويلة من بحث العلماء ونظرهم واجتهاداتهم التي تتفاوت في القرب والبعد عن الحق، والتي قد تخالف اجتهاداتهم هم أو توافقها، والتي منها ما ضعف حظه من النصوص ومنها ما كثر في النص رواية ودراية، فما عاد من الممكن أن يأتينا طالب علم يقول لنا أنتم تخالفون بمذهبكم حديثا من الأحاديث، وليس لكم مخالفة حديث ثبتت صحته، هكذا باطلاق، ثم يستدل علينا بحال الصحابة لما كان يأتيهم من الحديث ما يخالف ما كانوا يفتون به! فطريقنا الى النظر فيما هو منسوخ وما جرى عليه عمل القرون الفاضلة وما وقع فيه الاجماع وما اختلف فيه، وما أمكن جمعه بغيره وجوه ذلك الجمع، وما الى ذلك، ليست على مثل ما كان عليه طريق الصحابة رضي الله عنهم من جلاء الحق وقلة طرقه وقلة المتكلمين فيه وعظم منزلتهم جميعا من الرواية والدراية لكلام النبي صلى الله عليه وسلم وحسن متابعته والعمل بسنته عليه السلام، وما الى ذلك مما يمتاز به ذلك القرن على كا ما جاء بعده من القرون..
ويكفي أنهم لم يكن بينهم وبين كلام الرسول طبقات وأسانيد طويلة من الرواة الذين يلزمهم - كما هو حالنا نحن - النظر في حالهم وعدالتهم وضبطهم وما الى ذلك قبل أن يقرروا لما يأتيهم من النصوص هذا حجة ام ليس بحجة، من قبل أن ينظروا فيما يؤخذ منه وما لا يؤخذ من الدلالات!
ليس معنى كلامي هذا أني أقول أنه لنا أن نرد حديثا صحيحا لا خلاف في صحته باجتهاد رأي، أبدا، ولا أجيز هذا بحال من الأحوال، ولكن القصد أنه ان جاءنا حديث صحيح ما كنا ندري به من قبل - وهذا بالمناسبة ما أظنه مما قد يقع اليوم غالبا الا لتفريط طالب العلم في تعلم ما هو مجموع في كتب اهل العلم والحديث والفقهاء من أدلة المسائل - فاننا سنقدمه ولا ريب على أي اجتهاد أو نظر ولكن بعد أن ننظر فيما سواه من النصوص في بابه وما ذهب اليه أهل العلم في النظر فيها والجمع بينها وما الى ذلك.. وهذا طريقه في هذا الزمان قد صارت أطول مما كانت عليه في زمان الصحابة.. وما ذلك الا لحاجة المتأخرين للتفريع على أصول الصحابة - وما أكثر الفروع عندهم - بالاضافة الى كثرة المجادلين والمتكلمين في كل مسألة، بعلم أو بجهل، بدليل أو بغيره، فلا يزدادون بمضي الوقت الا كثرة وتراكما، حتى يصبح استخراج مذاهب الصحابة أنفسهم فيما بعد من كلام هؤلاء أمرا يحتاج - في حد ذاته - الى يحث ما كانوا هم رضي الله عنهم يحتاجون أبدا الى تكلف مثله!!
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
اقتباس:
الحمد لله وحده..
أخانا أبا فهر، وفقك الله، الأمر كما ذكر الأخ ربيع - ولعل أحد الاخوة قد ذكر مثله فيما تقدم من مداخلات - أن الرأي اما مذموم واما محمود.. فمنه ما لا يخالف في مذمته مسلم، وهو ما يرد به قائله نصا قطعي الثبوت والدلالة، أو يخالف به اجماعا ثابتا لا يعلم له مخالف من السلف
بارك الله فيكم..
لا موضع لهذا الرأي المذموم في كلامنا ولم يقل به أحد من فقهاء الرأي أو يقع فيه...فلا مدخل له معنا...وهو -على هذه الصورة-تقسيمكم أنتم أما الرأي المذموم عند فقهاء أهل الحديث فكان منه عند بعضهم فقه أبي حنيفة وأصحابه وشطر كبير من موضوعنا إنما هو في تخطئة أهل الحديث أولئك وتنزيهفقهاء الرأي عن ذلك..
اقتباس:
وأنا أقول أليس واجب طالب العلم
يا سيدنا ليس كلامنا هنا عن طلبة العلم...
ولا يُناسب كلامنا هنا هذا القول:
اقتباس:
مع أنه قد صححه الأئمة ولم يثبت عن أي منهم طعن فيه
فنحن نتكلم عن منهج إمامين كبيرين (أبو حنيفة ومالك)وهما قالوا برد بعض الروايات لمخالفتها الأصول والعمل...فلا هما طلبة علم...ولا الحديث بمخالفتهما لا يزال متفقاً على صحته...
اقتباس:
هؤلاء قد يتلبسوا بذلك بجرح من لم يقل أحد من أئمة الجرح بطعن في روايته،
ومن أولئك الأئمة من له شروط وأصول في الجرح والتعديل ولا يُحاكم مذهبهم إلى مذهب غيرهم وإنما الشأن في وزن الحجج...
وكثير من كلامك في : نحن..وهم...
وكل ذلك مما لا موضع له...
فنحن نتكلم في تصوير منهج أئمة خالفوا فقهاء الحديث في مقاييس نقد الرواية وقبولها...وأن حظ من خالفهم وجنح إلى منهج أهل الحديث=أن يعتذر عن أولئك الأئمة...وأن لا يقبل فيهم طعون بعض أهل الحديث الذين ساقهم إلى الطعن -غالباً-مخالفة المنهج ...وكثير من هذه الطعون صدرت إما بظن أو هوى...
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
"فنحن نتكلم في تصوير منهج أئمة خالفوا فقهاء الحديث في مقاييس نقد الرواية وقبولها...وأن حظ من خالفهم وجنح إلى منهج أهل الحديث=أن يعتذر عن أولئك الأئمة...وأن لا يقبل فيهم طعون بعض أهل الحديث الذين ساقهم إلى الطعن -غالباً-مخالفة المنهج ...وكثير من هذه الطعون صدرت إما بظن أو هوى..."
يا مولانا وفقكم الله، لا أقصد بما كتبت محاكمة منهج من خالفوا أهل الحديث الى منهج آخر من وضع مجتهدين غيرهم، وانما أقصد محاكمته الى الدليل..
الذين رأوا أن مخالفة الحديث - فيما انتهى اليه نظرهم وظنهم - لأصل من الأصول، تجيز لهم رد ذلك الحديث وان صح سنده من جهة الرجال، ما دام من أحاديث الآحاد، هؤلاء - سواءا كانوا طلبة علم أو أئمة يبدأون من لدن أبي حنيفة ومالك رأسا، رحمهما الله - هل منهجهم هذا منهج مقبول على مقتضى الدليل وفهم السلف أم غير مقبول؟ وهل الدليل معهم أم مع من خالفهم من أهل الحديث في المقابل؟ هذا هو ما يعنيني النظر فيه.
فان قلت أنت أن أصحاب الرأي لا يردون الحديث لأنه أصلا لا يصح عندهم، لأن من شروط الصحيح عندهم ألا يخالف أصلا من الأصول، قلت لك ولكن هذا الكلام مردود عليه بأن مخالفة الأصول وموافقتها هذه مسألة تختلف فيها الأفهام والأنظار، ولو فتح الباب أمامها لأسقط الناس عدالة كثير من رجال الرواية الذين عليهم المعول في دواوين السنة، بحجة أن عقولهم هم ترى أن المتون التي نقلوها فيها ما يخالف بعض أصول الشريعة!! فكيف ينضبط هذا المنهج عند الذين قالوا به؟؟
وان كان الرجل ثقة ضابطا ينقل عن ثقة ضابط مثله، وصولا الى الصحابي، فهل كل هؤلاء، ومن قبلوا منهم هذا الحديث وعملوا به من السلف من لدن الصحابة والتابعين ووصولا الى أبي حنيفة رحمه الله، خفي عليهم جميعا أن في متن الحديث مخالفة لأصل من الأصول المتفق عليها، حتى تجلى ذلك له هو وانفرد ب من دونهم؟؟ أولو كان ذلك الحديث معمولا به من قبل أبي حنيفة بلا طعن ولا نكير؟
الذي أعترض عليه يا أخانا الكريم، - وتأمل هذا أكرمك الله - هو أن يأتي الحديث الى عالم من العلماء - وان كان هو أبا حنيفة أو مالك - منقولا عن قوم لم يعلم من قبل في عدالتهم وحفظهم أي طعن، فيقول هذا الحديث لا يعجبني لأني أراه مخالفا لكذا وكذا من الأصول، فيرده، وينسب الى واحد من رواته عدم الضبط فيه أو الوهم أو نحو ذلك، فيسقطه بذلك، ثم ياتي من يقلدون الامام ويقولون أن هذا مجروح بجرح أبي حنيفة أو غيره له، فتضعف سائر رواياته التي لم يقل أحد من المتقدمين بضعفها من قبل قط!!
فهل تتصور خرقا في مصادر التلقي أوسع من هذا؟؟
فالحال أنه اما أن يكون الجرح والتعديل على منهج أهل الحديث الذي لا باب فيه لذريعة ولا تخطئة فيه لمن شهدت لهم الأمة بالضبط، واما أن يكون خلاف ذلك، وينجر به على الأمة ما الله به عليم من الفساد ورد النصوص واسقاط الرواة والروايات بالرأي!
ومعلوم أن حظ مدرسة فقهاء العراق من النصوص كان قليلا، ولهذا كثر تعويلهم على الرأي! فلا يسع المتأمل الا أن يقول أن التوسع في الرأي ما كان سببه الا قلة النص! ولكن أليس اذا وجد الماء بطل التيمم؟! والآن قد وجد عندنا نحن الماء، فلماذا نصر على التيمم؟ لماذا نقلدهم في منهج قد علمنا أنهم لم يلجأوا اليه أصلا الا لقلة حظهم من النصوص؟؟
رد: جنايات على العلم والمنهج (3)..جعل مخالفة الرواية مخالفةً للسنة...
اقتباس:
وكما لا يخفى عليكم أن النظر في المتن ليس مقدما على النظر في السند، فالذي يدين أهل السنة به ربهم أنه لن يثبت على ثقة ضابط، وثقته الأمة بلا مخالف، تورط في نقل لقول فاسد أو نسبة لكلام باطل الى الرسول صلى الله عليه وسلم، من حيث المعنى أو المقتضى.. فهذه نقطة تغيب عن أذهان الكثيرين عند خوضهم في باب نقد المتن..
بارك الله فيكم
السند إذا رواه العدل الثقة الضابط عن مثله إلى منتهاه فهو صحيح وهذه يسميها البعض من الباحثين عصمة الرواية لأدلة شرعية يطول ذكرها .
وهناك أمثلة عديدة ذكرها ابن حزم في الإحكام و(الإعراب عن الحيرة والإلتباس) في نقد منهج الأحناف والمالكية الذى ذكره أخونا أبو فهر فلتراجع .