-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة الثالثة والأربعون )
( القياس الاستثنائي المنفصل )
قد علمتَ أن القياس نوعان اقتراني، واستثنائي، والاقتراني حملي وشرطي، والاستثنائي تارة تكون كبراه شرطية متصلة وقد مر تفصيلها، وتارة تكون كبراه شرطية منفصلة فيسمى القياس حينئذ بالاستثنائي المنفصل.
ثم الشرطية المنفصلة- كما علمتَ من قبل- تارة تكون مانعة جمع وخلو معا، وتارة تكون مانعة جمع فقط وتارة تكون مانعة خلو فقط ولكل قسم ضروبه المنتجة.
أولا: مانعة جمع وخلو معا.
فهذه لها أربع حالات:
1- إثبات المقدم يقتضي انتفاء التالي.( منتج ).
2- إثبات التالي يقتضي انتفاء المقدم.( منتج ).
3- نفي المقدم يقتضي ثبوت التالي. ( منتج ).
4- نفي التالي يقتضي ثبوت المقدم. ( منتج ).
مثال: إما أن يكون هذا العدد زوجا أو فردا- لكنه زوج- فهو ليس بفرد.
أو لكنه فرد- فهو ليس بزوج.
أو لكنه ليس بزوج- فهو فرد.
أو لكنه ليس بفرد- فهو زوج.
مثال آخر: إما أن يكون هذا الرجل مؤمنا أو كافرا- لكنه مؤمن- فهو ليس بكافر.
أو لكنه كافر- فهو ليس بمؤمن.
أو لكنه ليس بمؤمن- فهو كافر.
أو لكنه ليس بكافر- فهو مؤمن.
ثانيا: مانعة الجمع فقط.
فهذه لها أربع حالات:
1- إثبات المقدم يقتضي انتفاء التالي. ( منتج ).
2- إثبات التالي يقتضي انتفاء المقدم. ( منتج ).
3- نفي المقدم لا يقتضي ثبوت التالي. ( عقيم ).
4- نفي التالي لا يقتضي ثبوت المقدم. ( عقيم ).
مثال: إما أن يكون لون هذا الباب أسود أو أحمر- لكنه أسود- فهو ليس بأحمر.
أو لكنه أحمر- فهو ليس بأسود.
أو لكنه ليس بأسود- فلا يلزم أن يكون أحمر لجواز كونه أصفر مثلا.
أو لكنه ليس بأحمر- فلا يلزم أن يكون أسود لجواز كونه أصفر مثلا.
مثال آخر: إما أن يكون الماء طهورا أو نجسا- لكنه طهور- فهو ليس بنجس.
أو لكنه نجس- فهو ليس بطهور.
أو لكنه ليس بطهور- فلا يلزم أن يكون نجسا لجواز كونه طاهرا غير مطهر.
أو لكنه ليس بنجس- فلا يلزم أن يكون طهورا لجواز كونه طاهرا غير مطهر.
ثالثا: مانعة الخلو فقط.
فهذه لها أربع حالات:
1- إثبات المقدم لا يقتضي انتفاء التالي. ( عقيم ).
2- إثبات التالي لا يقتضي انتفاء المقدم. ( عقيم ).
3- نفي المقدم يقتضي ثبوت التالي. ( منتج ).
4- نفي التالي يقتضي ثبوت المقدم. ( منتج ).
مثال: الجسم إما أن يكون غير أبيض أو غير أسود- لكنه أبيض- فهو غير أسود. ( منتج ).
وذلك لأن المقدم هو ( غير أبيض ) ونقيضه هو أبيض، فلزم من نفي المقدم بإثبات نقيضه ثبوت التالي.
أو لكنه أسود- فهو غير أبيض. (منتج ).
وذلك لأن التالي هو ( غير أسود ) ونقيضه هو أسود، فلزم من نفي التالي بإثبات نقيضه ثبوت المقدم.
أو لكنه غير أبيض- فلا يلزم أن يكون أسود لجواز كونه أصفر مثلا.
أو لكنه غير أسود- فلا يلزم أن يكون أبيض لجواز كونه أصفر مثلا.
مثال: الماء إما أن يكون غير طهور أو غير نجس- لكنه طهور- فهو غير نجس.
أو لكنه نجس- فهو غير طهور.
أو لكنه غير طهور- فلا يلزم أن يكون نجسا لجواز كونه طاهرا.
أو لكنه غير نجس- فلا يلزم أن يكون طهورا لجواز كونه طاهرا.
فتلخص أن لكل قسم من المنفصلة أربع حالات: ففي مانعة الجمع والخلو معا الحالات الأربع منتجة وفي مانعة الجمع فقط وفي مانعة الخلو فقط لا ينتج إلا حالان.
( مناقشات )
1- في ضوء ما تقدم ما هو القياس الاستثنائي المنفصل؟
2- ما هي الضروب المنتجة في كل قسم من أقسام المنفصلة؟
3- مثل بمثال من عندك لكل قسم من أقسام القياس الاستثنائي المنفصل؟
( تمارين )
صغ قياسا وبين نوع الضرب المنتج وغير المنتج من الأمثلة التالية:
1- إما أن يكون الإنسان حرا أو عبدا؟
2- إما أن يكون اللفظ اسما أو فعلا؟
3- إما أن يكون اللفظ غير اسم أو غير فعل؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة الرابعة والأربعون )
( قياس المساواة )
قد علمتَ أن الدليل هو: ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، وذكرنا أن أول أقسام الدليل هو القياس وهو نوعان اقتراني واستثنائي.
وأما النوع الثاني من أنواع الدليل فهو قياس المساواة.
وقياس المساواة هو: قول مؤلف من قضايا متحدة في المحمول يكون متعلِّقُ محمولِ الأولى موضوعا للثانية.
مثال: زيدٌ أفضلُ مِن عمروٍ- وعمروٌ أفضلُ من سعيدٍ- فزيدٌ أفضلُ من سعيدٍ.
فقولنا: (زيدٌ أفضلُ مِن عمروٍ ) - ( وعمروٌ أفضلُ من سعيدٍ ) هو قياس مساواة لأنه توفر فيه ما يلي:
1- هو قول مؤلف من قضيتين.
2- محمول القضيتين واحد وهو ( أفضل ).
3- المتعلق بمحمول القضية الأولى وهو ( عمرو ) هو نفسه موضوع للقضية الثانية.
وهو بديهي الإنتاج يعلم كل شخص من نفسه ووجدانه صحة تلك النتيجة.
والملاحظ على هذا النوع من الأدلة أن فيه خاصتين هما:
1- لا حد أوسط فيه وهذا أغرب ما في أمره لأنه بما أن متعلق محمول القضيتين مختلف فهذا يعني أنه لا حد أوسط فقولنا ( أفضل من عمرو ) و ( أفضل من سعيد ) المتعلق بمحمول الأول هو عمرو، والمتعلق بمحمول الثانية هو سعيد فلا يوجد حد أوسط، وإنما يوجد بينهما جزء مشترك وهو نفس المحمول مع قطع النظر عن متعلقه، وكذا متعلق محمول الأولى وهو عمرو هو نفسه موضوع القضية الثانية.
2- إنه يعتمد في صدقه على مقدمة خارجية خفية هي التي تسبب صدق قياس المساواة.
وهي في المثال السابق ( الأفضل من الأفضل من شيء أفضل من ذلك الشيء ) ولولا صحة هذه القاعدة لم يصدق القياس.
فبما أن زيدا أفضل من عمرو، وأن عمرا أفضل من سعيد، فيكون زيد أفضل من سعيد.
مثال: أ مساو لـ ب- وب مساو لـ ج- فـ أ مساو لـ جـ.
يلاحظ أن المحمول وهو مساو واحد في القضيتين، وأن متعلق المحمول الأول وهو ب قد صار موضوعا في القضية الثانية، فهو إذاً قياس مساواة.
وصدق ذلك المثال معتمد على قاعدة خارجية وهي ( مساوي المساوي لشيء مساو لذلك الشيء ).
مثال: الساعة موجودة في الحقيبة- والحقيبة موجودة في السيارة- فالساعة موجودة في السيارة.
وإنما صدق لصدق القاعدة المضمرة وهي: ( ظرف الظرف لشيء ظرف لذلك الشيء ).
مثال: الحجر جزء من الغرفة- والغرفة جزء من البيت- فالحجر جزء من البيت.
وإنما صدق لصدق القاعدة المضمرة وهي: ( جزء الجزء من شيء جزء من ذلك الشيء ).
ولأجل أن قياس المساواة معتمد في صدقه على مقدمة خارجة عن القياس لم تذكر فيه لم يصدق المثال الآتي:
مثال: الاثنان نصفُ الأربعةِ- والأربعةُ نصفُ الثمانية- فالاثنان نصفُ الثمانية.
وهي نتيجة كاذبة لأن مقدمتها الخارجية كاذبة وهي: ( نصف النصف من شيء نصف لذلك الشيء ).
بل نصف النصف هو ربع وليس نصفا.
مثال آخر: زيدٌ عدوٌ لبكرٍ- وبكرٌ عدوٌ لسعيدٍ- فزيد عدوٌ لسعيد.
وهي نتيجة كاذبة لأن مقدمتها الخارجية كاذبة وهي: ( عدو العدو عدوٌ )، بل قد يكون عدو العدو صديقا.
تنبيهات:
الأول: هذا القياس يطرد بشكل صادق في أمثلة أفعل التفضيل مثل ( أفضل- أعلم- أكرم- أجمل- أتقى أشجع- أحسن.... ).
الثاني: هذا القياس كما يختلف عن القياس المتعارف عليه ذي الأشكال الأربعة من جهة الحد الأوسط فهو يختلف عنه في أمر أساسي آخر وهو أن القياس المتعارف لا بد أن تكون إحدى مقدمتيه إما الصغرى أو الكبرى كلية ولهذا يقولون: لا ينتج القياس من جزئيتين، وكذلك لا ينتج من قضيتين شخصيتين، بينما في قياس المساواة قد أنتج القياس من قضيتين شخصيتين مثل زيد أفضل من عمرو، وهذه موجبة شخصية لأن موضوعها جزئي وهو زيد، وعمرو أفضل من سعيد، وهذه أيضا مثلها، فزيد أفضل من سعيد، فالنتيجة أيضا شخصية مثل حال المقدمتين.
( مناقشات )
1- في ضوء ما تقدم ما هي أوجه الشبه والتمايز بين قياس المساواة والقياس المتعارف عليه؟
2- بيّن كيف يتوقف قياس المساواة على المقدمة الخارجية؟
3- مثل بمثالين من عندك لقياس مساواة؟
( تمارين )
استخرج النتائج من الأقيسة التالية:
1- أبو بكر أفضل من عمر- وعمر أفضل من عثمان؟
2- مكة أفضل من المدينة- والمدينة أفضل من بيت المقدس؟
3- الشرك بالله أشد حرمة من القتل- والقتل أشد حرمة من الزنا؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة الخامسة والأربعون )
( التمثيل )
قد علمت أن القياس المتعارف عليه هو أول الأدلة، وأن ثانيها هو قياس المساواة وهو قول مؤلف من قضايا متحدة في المحمول يكون متعلق محمول الأولى موضوعا للثانية.
وأما الدليل الثالث فهو التمثيل وهو: إثبات حكم في شيء لوجوده في شيء آخر يشترك معه في علة الحكم.
مثال: النبيذ مسكر كالخمر- والخمر حرام- فالنبيذ حرام.
فهنا أعطينا حكم الخمر وهو الحرمة للنبيذ لاشتراكهما في علة الحكم وهي الإسكار، بمعنى أنه إنما حرّمت الخمر لأنها مسكرة وبما أن الإسكار موجود في النبيذ أيضا فيكون حراما مثل الخمر.
فالتمثيل هو عملية عقلية يتم فيها تشبيه شيء بشيء آخر لوجود وصف جامع بينهما، فننقل حكم المشبَّهِ به إلى المشبَّهِ، وحياتنا اليومية ممتلئة بهذا النوع من الاستدلال، ويسمى التمثيل عند الأصوليين والفقهاء قياسا.
فالخمر مشبَّهٌ به، والنبيذ مشبَّهٌ، والوصف الجامع هو الإسكار، وحكم المشبه به هو الحرمة فننقل هذا الحكم إلى النبيذ.
ولهذا فأجزاء التمثيل وأركانه أربعة هي:
1- الأصل وهو المشبّه به المعلوم حكمه.
2- الفرع وهو المشبه الذي يراد معرفة حكمه.
3- العلة وهي الوصف الجامع بين الأصل والفرع.
4- الحكم وهو المعنى الثابت في الأصل والذي يراد نقله للفرع.
مثال: أن يعلم الإنسان أن شرب الماء الملوث يسبب مرض التيفوئيد، فيقيس عليه اللبن الملوث لأن العلة واحدة فيهما وهي التلوث والاحتواء على الفيروسات.
فالأصل هو الماء الملوّث، والفرع هو اللبن الملوّث، والعلة هي التلوّث، والحكم هو الإصابة بالتيفوئيد.
مثال: أن يرى الإنسان الطيور وهي تحلِّقُ في السماء فيتأمل كيف أنها ترتفع وتطير بسبب أجنحتها، فيصل إلى نتيجة أنه لو استطاع أن يصنع أجنحة ويتحكم بها كما تتحكم الطيور لاستطاع أن يطير مثلها.
وبهذا التمثيل فكر عباس بن فرناس وطار في السماء، ومن نفس الفكرة استمد الإنسان فيما بعد فكرة الطائرات.
ومن هذا الباب معرفة أساس عمل شيء من الأشياء فيفكر الإنسان بإيجاد بديل له يشابهه كي يحصل على نفس النتائج مثل أن يعرف مكونات بعض الأدوية وسبب تأثيرها فيجد بديلا لها على أساس التشابه في المكونات الرئيسية المؤثرة، أو يعرف طريقة عمل بعض الأسلحة فيصنع مثيلا لها.
مثال: أن يصاب زيد بالزكام فيذهب للطبيب فينصحه بتناول عصير البرتقال لاحتوائه على فيتامين سي فيجد زيد الليمون أمامه فيستعمله عوضا عن البرتقال ويقول الليمون كالبرتقال لاحتوائهما على فيتامين سي فيساعد مثل البرتقال على الشفاء من الزكام.
مثال: أن يدرس الإنسان التاريخ ويعلم أحوال الأمم الماضية ويعلم سبب دمارها وانتهاء حضارتها فيصل لنتيجة هي أن أمته وأي أمة أخرى إن سارت على نفس خطأ من سلفها من الأمم فستكون النتيجة واحدة.
ومن هذا القبيل ما قصه الله علينا من أحوال الأمم التي كذبت رسلها فأصابها بسبب التكذيب عذاب الله ثم أمر بعدها بالاعتبار فقال: ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) والاعتبار مشتق من العبور أي اعبروا وانتقلوا من حال تلك الأمم إلى حالكم إذا كذبت رسولكم فسيصيبكم مثل ما أصابهم فهذا تمثيل.
( إمكان رد التمثيل إلى القياس المنطقي )
كما أن روح القياس المنطقي هو الحد الأوسط، فكذلك روح التمثيل هو العلة التي تجمع بين الأصل والفرع، وعليه فيتأتى جعل العلة حد أوسطا وتحويل التمثيل إلى قياس منطقي بديهي الإنتاج من الشكل الأول.
مثال: النبيذ مسكر كالخمر- والخمر حرام- فالنبيذ حرام.
النبيذ مسكر- وكل مسكر حرام- فالنبيذ حرام.
فجعلنا العلة حد أوسطا وحذفنا المثال وهو كالخمر أي الأصل.
فالعبرة بما يقع بعد لأن إذْ هو الدليل، ويتأتى عرضه وتصويره بأكثر من حالة.
يقال: لمَ كان النبيذ حراما؟ فتقول: لأنه ( مسكر ) فالإسكار هو الدليل.
ويمكن عرض هذا الدليل أعني الإسكار بأكثر من هيئة فتقول:
1- النبيذ مسكر كالخمر- والخمر حرام- فالنبيذ حرام. ( تمثيل ).
2- النبيذ مسكر- وكل مسكر حرام- فالنبيذ حرام. ( قياس اقتراني ).
3- إذا كان النبيذ مسكرا فهو حرام- لكنه مسكر- فهو حرام. ( قياس استثنائي ).
والعبرة- كما رأيت- في الإسكار، ويتأتى عرضه بأكثر من هيئة وإلباسه أكثر من ثوب.
( التمثيل يفيد الظن أو اليقين )
هل أن التمثيل يفيد الظن فقط أو أنه يمكن أن يفيد اليقين؟
ذهب عامة المناطقة إلى أن التمثيل إنما يفيد الظن ولا يفيد اليقين.
واختار بعض المحققين كالإمام ابن تيمية أنه قد يفيد اليقين، وأن العبرة في المادة والمثال التي توضع في التمثيل فإذا كان يقينيا فالتمثيل يفيد اليقين، وإذا كان يفيد الظن فالتمثيل يفيد الظن، ولهذا يتأتى رد التمثيل بسهولة إلى القياس المنطقي.
والتحقيق أن التمثيل كي يفيد اليقين يحتاج إلى ما يلي:
أولا: أن يقطع بشكل يقيني أن العلة في الأصل هي هذا الشيء لا غيره.
ثانيا: أن يقطع بشكل يقيني أن الفرع تتحقق فيه العلة.
ثالثا: أن يقطع بشكل يقيني أنه لا يوجد خصوصية في الأصل ولا مانع في الفرع.
وهذه الأمور تؤخذ من كلام المناطقة أنفسهم فقد عللوا ظنية القياس بتلك الأسباب وذكروا أنه من الصعب أن تتوفر في التمثيل، وعليه فإذا توفرت كما في بعض الموارد فهو يفيد اليقين.
فمتى ثبت بالدليل اليقيني أن العلة في تحريم الخمر هو الإسكار، وليس لشيء آخر، وأن النبيذ مسكر كما هو مشاهد محسوس، وأن كون الخمر مصنوعا من العنب والنبيذ مصنوعا من غيره لا يمنع من الإلحاق لأن العبرة هي في الإسكار لا في شيء آخر فحينئذ لا خلاف في إفادة التمثيل اليقين.
وإنما لصعوبة تحقق تلك الأمور في شيء قال المناطقة بإفادة التمثيل الظن.
وبهذا يتضح أهمية التمثيل في الحياة اليومية وفي العلوم واستخراج النظريات وفي الفقه والأصول ولو كان يفيد الظن لأن الظن قد يكتفى به كما في العمل بالأحكام الشرعية فليس المقصود أن يصل المسلم في كل مسألة فقهية إلى اليقين بل يكفي الظن الذي تطمئن به النفس ولأجل ذلك كان الاجتهاد في الشريعة محمودا رغم أن الاجتهاد لا يؤدي إلا إلى الظن لوجود آراء مختلفة وأدلة متجاذبة.
تنبيهات:
أولا: اشتراك الأصل والفرع في العلة لا يعني أن الأصل والفرع متشابهان في كل شيء وإلا لو كانا متشابهين تماما في كل شيء لكانا شيئا واحدا فلا قياس حينئذ.
ثانيا: الفرع يعرف حكمه بالقياس على الأصل فإذا كان معلوما من قبل فلا فائدة من القياس كما هو ظاهر.
ثالثا: كما أن أساس عمل القياس المنطقي هو اللزوم، فأساس عمل التمثيل هو اللزوم أيضا لأن هذا شأن كل دليل يلزم من العلم به العلم بشيء آخر.
ففي التمثيل يلزم من ثبوت العلة في الفرع ثبوت حكم الأصل للفرع فالنبيذ يستلزم السكر، والسكر يستلزم الحرمة فيستلزم النبيذ الحرمة كما أن الخمر يستلزم السكر والسكر يستلزم الحرمة فيستلزم الخمر الحرمة.
فأساس عمل القياس المنطقي والتمثيل واحد، وإنما يزيد التمثيل على القياس بذكر مثال وهو الأصل كما حققه الإمام ابن تيمية يرحمه الله.
رابعا: أحيانا يكون الأمر الجامع بين الأصل والفرع ليس هو علة الحكم بل يوجد تشابه بينهما في بعض الصفات مما ينتقل الذهن بسبب ذلك إلى أن حكمهما واحد وهذا فيه ضعف ولا يفيد إلا الظن لأن اشتراكهما في بعض الأوصاف لا يقتضي بالضرورة اتحادهما في الحكم ومع هذا فكثيرا ما يستعمل الناس مثل هذا الأمر.
( مناقشات )
1- في ضوء ما تقدم ما هو التمثيل وما هي أركانه؟
2- ما هي أهمية التمثيل وهل يفيد اليقين أو الظن وضح ذلك؟
3- مثل بمثالين من عندك للتمثيل؟
( تمارين )
اجعل ما يلي تمثيلا ووضِّح أركانه:
1- يحرم ضرب الوالدين للإيذاء كالتأفف؟
2- الكاكاو ينفع في التنبيه لاحتوائه على الكافيين كالقهوة؟
3- الجبس ينفع في تثبيت العضو المكسور لمنعه من الحركة كالخشب؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة السادسة والأربعون )
( الاستقراء )
قد علمتَ أن الأدلة أنواع أولها القياس المنطقي الذي ينقسم إلى الاقتراني والاستثنائي، وثانيها قياس المساواة وثالثها التمثيل وهو: إثبات حكم لشيء لوجوده في شيء آخر يشترك معه في علة الحكم.
وأما الدليل الرابع فهو الاستقراء وهو: تتبع الجزئيات للوصول إلى حكم كلي.
مثال: أن يتتبع الناظر الفاعل في كلام العرب فيجد أن الكلمة كلما وقعت فاعلا كانت مرفوعة فيصل إلى حكم كلي وقاعدة عامة هي: ( كل فاعل مرفوع ).
مثال: أن يدخل المعلم الصف فيطلب من زيد أن يقرأ أسماء الطلاب ليعرف الحضور فلما فعل أعلمه بالحكم الكلي النهائي وهو ( كل طلاب الصف حاضرون ).
فالاستقراء في حقيقته يتكون من قضايا كثيرة تتصفح للوصول إلى حكم شامل فالاستقراء في مثالنا السابق يحكم فيه على زيد بأنه حاضر، وعمرو بأنه حاضر، وعلي بأنه حاضر... إلى أن يصل إلى حكم نهائي.
مثال: أن يستقري الفقيه الأحكام الشرعية للمياه فيجدها ثلاثة طهور وطاهر ونجس فيقول المياه ثلاثة أقسام.
والاستقراء مهم جدا في العلوم وبسببه حصلت كثير من الاكتشافات فالكيميائي والفيزيائي والصيدلي وغيرهم يجرون تجارب عديدة ويتتبعون الجزئيات ليستخرجوا في النهاية قواعد في العلوم كأن يقال إن الماء إذا بلغ 100 درجة فإنه يتبخر، وأن كل معدن يتمدد بالحرارة.
وللاستقراء قسمان:
أولا: الاستقراء التام وهو: تتبع جميع الجزئيات لا يخرج منها واحد.
كما في استقراء طلاب الصف، وهذا النوع من الاستقراء يفيد اليقين، ولكنه قليل ولا يجري إلا فيما له جزئيات محدودة.
ثانيا: الاستقراء الناقص وهو: تتبع كثير من الجزيئات لا كلها.
وقد قالوا إنه يفيد الظن لجواز أن تكون الجزئيات التي لم تتصفح تخالف في حكمها للجزئيات المتصفحة.
مثال: أن يتتبع الناظر الحيوانات فيجد أن الإنسان يحرك فكه الأسفل عند المضغ، والأسد والفرس والغزال والحمار وغيرها كذلك فيصل إلى نتيجة هي أن كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ.
ولكن تبين أن هذا الحكم غير تام لأن التمساح يحرك فكه الأعلى عند المضغ، فلذا لا يفيد هذا النوع إلا الظن.
مثال: أن يتتبع الطبيب أفراد الإنسان فيتتبع الألوف فيجد أن قلوبهم في الجهة اليسرى من الجسم، فيحكم بأن كل إنسان يكون قلبه في الجهة اليسرى من جسمه.
ولكن تبين أن هذا الحكم غير تام لأن بعض أفراد الإنسان تكون قلوبهم في الجهة اليمنى من الجسم.
ثم الاستقراء الناقص نوعان:
1- استقراء معلّل.
2- استقراء غير معلّل.
فالاستقراء المعلّل هو: ما يعتمد في تعميم أحكامه على وجود علة في كل جزئياته.
والاستقراء غير المعلل هو: ما لا يعتمد في تعميم أحكامه على وجود علة في كل جزئياته.
مثال: أن يجري العالم اختبارا على الأشياء المشتعلة ويمنع عنها الهواء فلا تشتعل ويكرر الاختبار على أكثر من عينة ثم يصل إلى تعميم الحكم ويخرج بقاعدة هي: ( الأوكسجين سبب الاشتعال وبانقطاعه لا تشتعل المواد ).
فهنا على أي أساس عمم الحكم فهل اختبرت كل المواد المشتعلة وفي كل الظروف حتى يصل إلى هذه النتيجة ؟ الجواب: لا ولكن بما أن العالِم اكتشف العلة وهي الأوكسجين وعلم أن طبيعة الاحتراق والاشتعال واحدة وهي متوقفة على الأوكسجين فإذاً لن تشتعل المواد بدون أوكسجين.
فهذا النوع لا مانع أن يفيد اليقين إذا وقف على العلة وعلم أنها متحققة في كل الجزئيات ولا تختص مادة دون مادة بشيء يمنع تحقق العلة فيها.
وهذا النوع هو أساس العلوم وبه تعمم القواعد.
وعند التأمل في هذا النوع من الاستقراء نجد أنه يعتمد اعتمادا كاملا على التمثيل الذي سبق شرحه.
بيانه:
بعدما يستقري الشخص بعض الأشياء ويعلم أن سبب اتحاد حكمها هو وجود علة ما ويعلم أن الأشياء التي لم يستقريها تتوفر فيها نفس العلة، فيقول: فتلك الأشياء التي لم تستقري مثل الأشياء التي استقريت لاتحادهما في العلة مما يجعل حكمهما واحدا فيعمم حينئذ.
وهذا مما يؤكد أهمية التمثيل وخطأ التقليل من شأنه.
مثال: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ، فهذا الاستقراء ناقص وهو لم يعتمد على علة يعتمد عليها في تعميم الحكم فلا يفيد إلا الظن، فإن وقفنا على جزئية تخالف ذلك الحكم فستنتقض القاعدة ويعلم أنها خاطئة وأن الصواب أن يقال أكثر الحيوانات تحرك فكها الأسفل عند المضغ.
وإن فرض أنها لم تنتقض فيبقى الاحتمال قائما فلا نظفر بغير الظن.
( مناقشات )
1- في ضوء ما تقدم ما هو الاستقراء وما هي أقسامه؟
2- هل يمكن أن يفيد الاستقراء اليقين بين هذا؟
3- مثل بمثالين للاستقراء؟
( تمارين )
بيّن نوع الاستقراء من حيث كونه تاما أو ناقصا معللا أو غير معلل فيما يأتي:
1- كل شيء يقذف إلى الأعلى يرجع إلى الأرض؟
2- كل إنسان يحتاج لصحته إلى فيتامين a ؟
3- كل خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم حكموا بالعدل؟
4- كل ما في بستان زيد إما النخيل وإما البرتقال؟
5- أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة السابعة والأربعون )
( مواد الأدلة )
قد علمتَ أن الدليل هو المقصود الأهم في بحث التصديقات، وقد قسمناه إلى أربعة أقسام: القياس المتعارف عليه، وقياس المساواة، والتمثيل، والاستقراء.
وهذا هو التقسيم الأول للدليل وهو تقسيم بحسب الصورة.
وهناك تقسيم آخر وهو تقسيم بحسب المادة.
ونعني بصورة الدليل: طريقة صياغة الدليل وكيفية تأليفه، كأن يكون ذا حد أوسط ويكون من الشكل الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع.
ونعني بمادة الدليل هي: مقدماته التي يبتني منها، أي نفس القضايا هل هي صادقة أو لا.
فنحن نحتاج تارة للبحث في الدليل من جهة الصورة وقد تقدم البحث في ذلك، وتارة من جهة المادة.
كما أن الثوب له شكل وصورة يخاط عليه، وله مادة وهو القماش المعين الذي يخاط منه الثوب.
مثال: زيد ناهق- وكل ناهق صاهل- فزيد صاهل.
فهذا القياس لو نظرنا إليه من جهة صورته لوجدناه من الشكل الأول لأن الأوسط وهو ناهق محمول في الصغرى وموضوع في الكبرى، وصغراه موجبة، وكبراه كلية فقد توفرت فيه شروط الإنتاج.
وأما من جهة مادته فهو قد تألف من مقدمات كاذبة فالخلل هنا ليس من جهة صورة الدليل، ولكن من جهة مادته، ولكي يستقيم الدليل لا بد أن يستقيم من جهة الصورة، ومن جهة المادة.
ونحن في البحث الأول لم نكن نهتم بالمادة لأن غرضنا متعلق بالهيئة ولذا قالوا في تعريف القياس: قول مركب من مقدمات متى سلمت لزم عنها قول آخر، أي لو فرض صدقها فسينتج القياس نتيجة صادقة.
أما كون القضية صادقة في نفسها أو غير صادقة فهذا مرتبط بمادة القياس.
ومواد الأدلة ومقدماتها قد تكون يقينية، وقد تكون غير ذلك.
واليقينيات قد تكون نظرية، وقد تكون ضرورية.
فالنظري- كما سبق- هو: ما يحتاج لدليل.
مثال: سيدنا محمد رسول الله- وكل رسل الله يجب الإيمان بهم- فسيدنا محمد يجب الإيمان به.
فهذا القياس من الشكل الأول وله مقدمتان ( مادتان ):
الأولى: سيدنا محمد رسول الله وهذه قضية نظرية يقينية لأنه قد قام الدليل القاطع والبرهان الساطع على صدقها كما هو مقرر في كتب العقائد.
الثانية: كل رسل الله يجب الإيمان بهم، وهذه قضية نظرية يقينية أيضا لأنه قد أقيم عليها الدليل.
فبما أن القضيتين يقينيتين وقد صيغتا من الشكل الأول بديهي الإنتاج فالنتيجة يقينية لا ريب فيها ولا شك.
وأما الضروري فهو: ما لا يحتاج لدليل.
وللضروري أقسام هي:
أولا: الأوليات وهي: التي يحكم فيها العقل بمجرد تصور طرفيها والنسبة.
مثال: النقيضان لا يجتمعان، فمن تصور معنى النقيضين وفهم معنى الاجتماع جزم بأنهما لا يجتمعان ولا يحتاج لأي شيء آخر سوى تصور أطراف القضية.
مثال: الكل أكبر من جزئه، فمن عرف ما هو المقصود بالكل وعرف المقصود بالجزء فسيجزم أن الكل أكبر من جزئه.
ثانيا: المحسوسات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة الحس.
مثال: الشمس مشرقة، فهنا لا يكفي أن تتصور معنى الشمس ومعنى مشرقة والنسبة بينهما كي تجزم بصدق القضية لأنك لا بد أن تشاهد إشراق الشمس بعينك كي تصدق بذلك.
مثال: أنا جائع، فأنت هنا تصدق بهذه القضية لأنها تحكي عن أمر تحسه بوجدانك وتعيشه واقعا.
فلا فرق في المحسوسات بين توقف الجزم بصحة القضية على الحس الظاهر أو الحس الباطن.
ثالثا: المتواترات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة السماع من جمع كثير يستحيل في نظر العقل أن يتفقوا على الكذب.
مثال أبو بكر الصديق هو الخليفة الأول، فهذه لا يصدق العقل بها بمجرد تصور معناها بل يحتاج مع ذلك إلى الحس وهو السماع ولا يكفي أن يسمع من واحد أو اثنين أو ثلاثة كي يصل إلى اليقين بل لا بد أن يصله الخبر من جمع كثير يستحيل معه الاتفاق على الكذب.
مثال: أبراج أمريكا نسفت في أحداث 11 أيلول.
فهذه الوقعة من شاهدها فهي عنده من الحسيات، ومَن سمع بها مِن جمع كثير فهي متواترة عنده.
رابعا: المجربات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة التكرار.
مثال: البنج مخدر، فهذه القضية حكم بصدقها العقل اعتمادا على التجربة والتكرار فلا يكفي أن يشاهد حصول الخدر به مرة أو مرتين بل لا بد من التكرار إلى أن يقطع بذلك.
مثال: السم قاتل، فهذه يحكم بها العقل بسبب التجربة والتكرار.
( مناقشات )
1- في ضوء ما تقدم ما الفرق بين صورة القياس ومادته؟
2- ما الفرق بين الضروريات الأربع التي مرت عليك؟
3- مثل بمثال من عندك لكل قسم من أقسام الضروريات؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة الثامنة والأربعون )
( الضروريات )
قد علمتَ أن الدليل له صورة ومادة، وأن مادة الدليل قد تكون يقينية وقد تكون غير يقينية، وأن المادة اليقينية قد تكون أولية يحكم بها العقل بمجرد تصور أطراف القضية، وقد تكون حسية يحكم بها العقل بواسطة حس ظاهر أو باطن، وقد تكون متواترة يحكم بها العقل بواسطة السماع من كثرة يستحيل معها الاتفاق على الكذب، وقد تكون تجريبية يحكم بها العقل بواسطة مشاهدة متكررة لنفس النتيجة.
وقد بقي قسمان من أقسام الضروريات وهما:
أولا: الحَدْسِيَّات.
ثانيا: الفِطْرِيَّات.
فالحَدْسِيَّات هي: التي يحكم فيها العقل بمعونة التكرار لشيء يحصل من غير فعل من الإنسان.
فهي كالمجربات تحتاج لمشاهدات متكررة لتدل على أن هذا الشيء متسبب من شيء آخر إلا أنها خارجة عن فعل الإنسان ومقدوره.
مثال: زيد له بستان مطل على نهر وله فيه بئر، وصار يشاهد أنه كلما نزل مستوى الماء في النهر في وقت ما كلما ارتفع مستوى الماء في البئر، فانتقل ذهنه مباشرة إلى أن ( ارتفاع ماء البئر سببه انخفاض ماء النهر ).
فهنا حكم العقل بمعونة التكرار لظاهرة ارتفاع ماء البئر عند انخفاض ماء النهر أن ذلك الارتفاع حصل بسبب الانخفاض، وارتفاع وانخفاض الماء ليسا من فعل الإنسان ولا يحتاج ليتدخل ويجرب ماذا سيحصل كما في المجربات.
فالحدسيات هي عبارة عن مشاهدات لظاهرة وقعت فيربط الذهن بينها وبين أمر آخر.
مثال: أن يرى الناظر القمر والشمس ويرى أنه تارة يصير هلالا وتارة يصير قرصا كاملا فتارة يصغر وتارة يكبر من بداية الشهر إلى نهايته، ويلاحظ أن ذلك يحصل بسبب قرب القمر من الشمس فكلما اقترب منها توسع وكبر القمر وكلما ابتعد عنها كلما صغر حتى يصير كالخيط فينتقل ذهنه بسبب هذه المشاهدات إلى أن نور القمر مستفاد من الشمس وليس من ذاته.
فهنا تكررت المشاهدات لظاهرة خارجة عن فعل الإنسان وهي اختلاف ضوء القمر عند قربه وبعده من الشمس فانتقل ذهن زيد بلا حاجة إلى وقت يفكر فيه إلى أن نور القمر سببه هو الشمس.
مثال: أن يرى الناظر الأشياء العالية كالسفن يرى من بعيد أعاليها فقط وكلما اقتربت أخذت تظهر أكثر وتكررت هذه المشاهد عنده فانقدح في نفسه مباشرة أن الأرض كروية الشكل وصار هذا الشعور يقيني تسكن معه النفس وتطمئن به.
مثال: أن يرى الناظر أن ثمار الأشجار وغيرها تهبط دائما وترجع إلى الأرض مما يدل على وجود الجاذبية وأنها هي سبب السقوط إلى الأسفل.
مثال: أن يرى الناظر في صباح بعض أيام الشتاء أن زجاج النوافذ قد صار مبتلا بلا مطر يسقط وتكررت هذه المشاهد عنده فجزم بأن سببها هي الرياح الباردة الرطبة.
وعليه فقس.
وهكذا نجد أن الحدسيات هي تفسير لبعض الظواهر وأنه قد استخدم العلماء الحدس لتفسير بعض الأمور الكونية كالأمور الفلكية والحوادث الطبيعية كالزلازل.
فالحدسيات هي ربط بين ظاهرة وشيء آخر على أن تكون تلك الظاهرة قد نتجت من ذلك الشيء الآخر لوجود علامة مشعرة بذلك الربط، وتحصل الحدسيات من غير تفكير واستدلال وإلا لكانت نظرية وإنما هو أمر يهجم على النفس بسبب تلك المشاهدات المتكررة.
سادسا: الفِطْرِيَّات وهي: التي يحكم فيها العقل بمعونة دليل حاضر في الذهن.
بمعنى أنه بعد تصور طرفي القضية والنسبة سيجزم الذهن ويوقن بالقضية لوجود دليل حاضر لا يحتاج الإنسان كي يستحضره ويفكر فيه بل هو موجود دائما ولهذا لم تعد هذه من النظريات لأن الدليل لا يطلب ويبحث عنه بالفكر والتأمل بل هو دائم الحضور فمتى تصور معنى الجملة جزم بها.
مثال: الأربعة زوج، فإن من تصور الأربعة وتصور الزوجية جزم بأنها زوج ولكن لوجود دليل مقارن لهذه القضية وهو: الأربعة تنقسم إلى متساويين وكل ما ينقسم إلى متساويين فهو زوج فالأربعة زوج.
فهذا قياس من الشكل الأول، ولكن الإنسان حينما تمر عليه قضية الأربعة زوج لا يأخذ وقتا ليفكر ويستحضر ذلك القياس ليجزم حينئذ أن الأربعة زوج بل هذا الدليل حاضر في نفسه لا يحتاج ليطلبه ولرسوخه في ذهنه يجزم بالقضية من غير أن يشعر به.
مثال: الاثنان نصف الأربعة، فهذه قضية بديهية واضحة من تصورها جزم بها مباشرة.
ولكن عند التأمل يظهر أنها من الفطريات أي جزم العقل بها لا لذات القضية ولكن لدليل حاضرا دائما.
وهذا الدليل هنا هو: الاثنان عدد انقسمت الأربعة إليه وإلى قسم آخر يساويه- وكل ما ينقسم عدد إليه وإلى قسم آخر يساويه فهو نصف ذلك العدد- فالاثنان نصف ذلك العدد وهو الأربعة.
بمعنى لأن الاثنين هي أحد قسمي الأربعة المتساويين فهي نصف الأربعة.
فقولنا لأن الاثنين كذا هذا وسط ودليل ولكنه حاضر دائما ولا يطلبه الإنسان بالتفكير والتأمل لكي يجزم بأن الاثنين نصف الأربعة.
وكذلك لو قلنا الأربعة نصف الثمانية فلأن الأربعة هي أحد قسمي الثمانية المتساويين فهي نصف الثمانية.
مثال: الثلاثة فرد، فهذه القضية فطرية يجزم بها العقل مباشرة بعد تصورها ولكن عند التأمل يتضح أنه جزم بها بسبب وسط حاضر في الذهن وهو أن الثلاثة لا تنقسم إلى متساويين وكل ما لا ينقسم إلى متساويين فهو فرد، فالثلاثة فرد.
مثال: الثلاثة ثلث التسعة فلأن الثلاثة هي أحد 3 أقسام متساوية للتسعة كانت الثلاثة ثلث التسعة.
وهكذا في كل نسب الأعداد التي تكون قريبة إلى الذهن فإن احتاجت إلى فكر وتأمل فستكون نظرية وإن كانت يقينية أيضا كالسبعة عشر ربع الثمانية وستين فهذه نظرية.
مثال: انتفاء الملزوم لا يلزم منه انتفاء اللازم، فهذه القضية من الفطريات فإن من تصور ما هو المقصود بمصطلح الملزوم واللازم جزم بهذا الحكم لأن الملزوم قد يكون أخص من اللازم ولا يلزم من انتفاء الأخص انتفاء الأعم.
وعليه فقس.
( ضابط الضروريات الست )
ولو أردنا أن نذكر ضابطا يجمع الضروريات الست نقول:
إما أن يصدق العقل بالقضية بلا معونة الحس أو مع معونة الحس.
والتي يصدق العقل بها بلا معونة الحس إما أن لا يتوقف ذلك التصديق على دليل حاضر في النفس أو يتوقف على دليل حاضر.
فالتي لا يتوقف التصديق بها على دليل حاضر في النفس هي الأوليات، والتي يتوقف عليه هي الفطريات.
والتي يصدق العقل بها بمعونة الحس إما أن لا يتوقف التصديق بها على شيء آخر غير الحس، أو يتوقف على شيء آخر غير الحس.
فالتي لا يتوقف التصديق بها على شيء آخر غير الحس هي المحسوسات.
والتي يتوقف التصديق بها على شيء آخر إما أن يكون ذلك الشيء هو السماع من كثرة أو تكرار المشاهدة.
فالتي يتوقف التصديق بها على السماع من كثرة هي المتواترات.
والتي يتوقف التصديق بها على تكرار المشاهدة إما أن تحصل بفعل من الإنسان أو تحصل بغير فعل منه.
فالتي تحصل بفعل من الإنسان هي المجربات، والتي تحصل بغير فعل منه هي الحدسيات.
( الفرق بين الضروريات الست )
ولكي تضبط تلك الضروريات نسلط الضوء أكثر على الفروق التي بينها وهي:
أولا: أن الأوليات هي البديهيات الوحيدة التي لا تحتاج لشيء خارج عن تصور أطراف القضية.
فبمجرد أن تتصور الموضوع والمحمول والنسبة تجزم بالنسبة وتصدق بالقضية بشكل يقيني جازم، ولا تحتاج إلى واسطة من دليل حاضر أو حس أو سماع أو تكرار.
ثانيا: الفرق بين المحسوسات والمجربات مع أن كلا منهما يحتاج للحس هو أن الحس يفيد اليقين بقضية شخصية، بينما التجربة تعطي المدلول الكلي أي تجعل القضية كلية.
مثال: إذا قرّبت يدك من النار فستشعر وتحس أنها حارة بحاسة اللمس ، فتقول هذه النار حارة فهذه من المحسوسات، وإذا جربت ومددت يدك مع هذه النار وتلك وتكرر الأمر معك فحينئذ تقول كل نار حارة.
مثال: إذا شربتَ ماء من إناء فأحسست بالري فستقول هذا الماء يروي، فهذه قضية شخصية من المحسوسات وأنت تحس بها بوجدانك أي بحسك الباطن، وإذا تكرر معك الأمر وكلما عطشت شربت ماء فارتويت فستقول كل ماء يروي فهذه قضية كلية من المجربات.
فالحس لوحده= المحسوسات، والحس+ التكرار= المجربات.
ثالثا: الفرق بين المحسوسات والمتواترات مع أن كلا منهما يستند إلى حس، هو أن المتواترات تستند إلى سماع خاص من كثرة يحال معها الكذب، بينما هذه الصفة لا تتوفر في المسموعات العامة.
مثال: إذا سمعت صوت انفجار مدوي فستقول: هذا الصوت قوي فهذه محسوسات، وإذا سمعت صاحبك يتحدث إليك فستقول أنا أسمع صوتك فهذه محسوسات.
مثال: إذا أخبرك أشخاص كثر بالحرب العرقية الإيرانية بعد مرور أكثر من عشرين سنة عليها فستصدق وتجزم بها فهي من المتواترات.
ثم هنالك فرق بين سماع الكلام، والجزم بمضمون الكلام.
مثال: إذا حدثك شخص ثقة بأمر ولم يحدثك غيره به، فسماعك لكلامه من المحسوسات، والتصديق بمضمون الخبر الذي أخبرك به من النظريات لأنه خبر واحد.
مثال: إذا أخبرك أشخاص كثر بخبر، فسماعك لأصواتهم من المحسوسات، والتصديق بمضمون الخبر الذي أخبروك به من الضروريات لأنك تجد نفسك مضطرة لأن تصدق بشكل تام بما قالوا.
فالسماع+ الكثرة= التواتر.
رابعا: الفرق بين البديهيات والفطريات مع أن كلا منهما يصدق العقل بهما عند تصورهما هو أن نفس التصور كاف للجزم في الأوليات بلا حاجة للدليل، بينما في الفطريات هناك دليل خفي مع القضية.
ولهذا تسمى الفطريات بقضايا قياساتها معها فلا تطلب ولا يبحث عنها بالفكر بل الدليل ملازم لتلك القضايا يحصل في النفس بلا شعور.
خامسا: الفرق بين المجربات والحدسيات مع أن كلا منهما يحتاج للنظر هو أن المجربات تحصل بفعل الإنسان أي بتجاربه المتكررة بينما في الحدسيات هي أمور خارجة عن فعل الإنسان لا يحتاج أكثر من مشاهدتها دون تدخل منه في حصولها.
مثال: إعطاء الطبي الدواء الواحد لأكثر من مريض ليختبر النتيجة أو يكرر الكيميائي في معمله الأفعال على عينات مختلفة أو في ظروف مختلفة ليتحقق من النتيجة هذا من المجربات.
مثال:الظواهر الكونية والأمور الطبيعية التي تحصل ويشاهدها الإنسان هذه من الحدسيات.
( مناقشات )
1- في ضوء ما تقدم ما هي الحدسيات والفطريات؟
2- كيف تفرق بين الضروريات الست؟
3- مثِّل بثلاثة أمثلة من عندك للحدسيات وثلاثة أخرى للفطريات؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة التاسعة والأربعون )
قد علمتَ أن اليقنيات سبع هي النظريات والضروريات الست وقد تقدم الكلام عليها مفصلا.
والدليل إذا تركب من مقدمات يقينية يسمى برهانا.
مثال: هذه النار ملتهبة- وكل ملتهب يحرق الإنسان- فهذه النار تحرق الإنسان.
فهذا برهان والصغرى يقينية من المحسوسات، والكبرى يقينية من المجربات، فتكون النتيجة يقينية قطعا.
ثم البرهان قسمان:
1- لِمِيٌّ.
2- إنِيٌّ.
فالبرهان اللمِيُّ هو: ما يكون الحد الأوسط فيه علةً لثبوت النتيجة في الذهن والخارج.
والبرهان الإنِّيُّ هو: ما يكون الحد الأوسط فيه علةً لثبوت النتيجة فقط.
مثال: هذه الحديدة ارتفعت حرارتها- وكل حديدة ارتفعت حرارتها فهي متمددة- فهذه الحديدة متمددة.
فالحد الأوسط في هذا البرهان هو ارتفاع الحرارة وهو سبب وعلة إثبات النتيجة كما قد بيناه من قبل حيث قلنا إن الحد الأوسط في كل قياس هو الدليل الذي بواسطته تثبت النتيجة فهو علة لثبوت النتيجة في ذهن القايس وهذه صفة عامة لكل قياس.
ونلاحظ أن الحد الأوسط وهو ارتفاع الحرارة هو علة وسبب التمدد في الخارج أيضا كما هو معروف فإن علة التمدد للمعادن هي ارتفاع حرارتها.
فهذا برهان لمي مأخوذ من كلمة لم الدالة على السببية لأن الحد الأوسط هو علة لإثبات النتيجة في الذهن وهو بنفس الوقت علة حقيقية لثبوت التمدد في الخارج.
مثال: هذه الحديدة متمددة- وكل حديدة متمددة مرتفعةُ الحرارة- فهذه الحديدة مرتفعة الحرارة.
ونلاحظ هنا أن الحد الأوسط وهو التمدد علة لإثبات النتيجة.
ولكنه ليس علة ارتفاع الحرارة بل بالعكس هو معلول وعلته هي ارتفاع الحرارة.
فهذا برهان إنِّي منسوب لكلمة إنّ التي تدل في اللغة على التحقيق والثبوت.
فاتضح أن القياس تارة يكون الحد الأوسط فيه علة لثبوت النتيجة في الخارج، وتارة لا يكون علةً، أي أننا تارة نستدل بوجود العلة على وجود المعلول، وتارة نستدل بوجود المعلول على وجود علته.
مثال: زيدٌ مصاب بالتهاب فيروسي- وكل مصاب بالتهاب فيروسي محموم- فزيد محموم.
فالحد الأوسط هو الإصابة بالالتهاب وهو علة ثبوت الحمى في الخارج فهنا استدللنا بوجود العلة على وجود المعلول فيكون البرهان لميا.
مثال: زيد محموم- وكل محموم مريض- فزيد مريض.
فالحمى هي معلولة عن المرض فإن الجسد يمرض ويلتهب فتظهر الحمى فهنا استدللنا بالمعلول على العلة فيكون برهانا إنّيا.
مثال: أبو بكر مؤمن- وكل مؤمن يدخل الجنة- فأبو بكر يدخل الجنة.
فالإيمان وهو الحد الأوسط علة وسبب دخول الجنة، وهو علة إثبات النتيجة في هذا القياس فيكون لميا.
مثال: أبو بكر في الجنة- وكل من في الجنة مؤمن- فأبو بكر مؤمن.
فالكون في الجنة وهو الحد الأوسط معلول للإيمان، وإن كان في هذا القياس علة لثبوت النتيجة فيكون إنيا.
مثال: الصلاةُ قد أمر الله بها أمرا جازما- وكل ما أمر الله به أمرا جازما فهو واجب- فالصلاة واجبة.
فأمر الله بالصلاة هو علة كونها واجبة فيكون البرهان لميا.
ونلاحظ أن الصغرى هنا يقينية مستفادة من التواتر، والكبرى نظرية يقينية، فالنتيجة يقينية فمن لم يعتقد وجوب الصلاة كفر والعياذ بالله.
مثال: الصلاة واجبة- وكل واجب قد أُمر به أمرا جازما- فالصلاة قد أمر بها أمرا جازما.
فالوجوب هو معلول للأمر الجازم وليس العكس فيكون البرهان إنيا.
1- في ضوء ما تقدم ما هو البرهان؟
2- كيف تفرق بين البرهان اللمي والبرهان الإني؟
3- مثل بمثالين من عندك للبرهان اللمي وللبرهان الإني؟
عيّن البرهان اللمي من الإني فيما يلي:
1- هذا دخان- وكل دخان حاصل من نار- فهذا حاصل من نار؟
2- النظر للأجنبيات بشهوة معصية- وكل معصية محرمة- فالنظر للأجنبيات بشهوة محرم؟
3- الرياضة تنشط الدورة الدموية- وكل ما ينشط الدورة الدموية مفيد للإنسان- فالرياضة مفيدة للإنسان؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( المظنونات- المشهورات- المسلّمات- المقبولات)
قد علمتَ أن البرهان هو الذي يتألف من مقدمات يقينية سواء أكانت نظرية أم ضرورية، وهنالك مواد أخرى غير اليقينيات.
فأما المظنونات فهي: القضايا التي يحكم فيها العقل حكما راجحا مع تجويز الطرف الثاني.
وقد تقدم تفسير الظن وذكرنا أن فيه ترجيحا بلا جزم مثل ترجيح قيام زيد على عدمه.
مثال: أن ترى شخصا رثّ الثياب فتقول هذا فقير، فإن كون رث الثياب فقيرا أمرا مظنونا وليس يقينيا لجواز أنه يلبس الرث من الثياب مع غناه.
مثال: أن ترى شخصا يطوف بالليل ويخرج كثيرا فتعتقد أنه لص أو من رجال العصابات فإن مثل هذا الأمر مظنون.
مثال: أن ترى امرأة تمشي مشية مريبة وتلبس ملابس غير محتشمة ويظهر على سلوكها الريبة فتعتقد أنها من الزانيات مع أن مثل هذا غير لازم.
وأكثر أحكام الناس من هذا القبيل مأخوذة من قرائن وأمارات تفيد الظن ولا تدل على اليقين.
وأما المشهورات فهي: القضايا التي اتفقت عليها آراء الناس جميعا، أو اتفق عليها بعضهم.
مثال: العدل حسن، والظلم قبيح.
فهذه اشتهرت بين الناس والكل يذعن بها فتعتبر من المشهورات.
مثال: كشف العورة مذموم.
فهذه قضية مشهورة عند أهل الأديان وأما الإباحيون وبعض الأقوام البدائية فقد لا يقرون بهذه القضية لأنها غير مشتهرة عندهم.
مثال: ذبح الحيوان مذموم فهذه قضية مشتهرة عند كثير من أهل الهند مع أنها لا تقبل عند أكثر الناس وهي أيضا اليوم صارت مشتهرة عند من يعرفون بالنباتيين الذي يشفقون على الحيوانات من أن تذبح لأجل الإنسان.
وأما المسلمات فهي: القضايا التي يسلم بها الخصم.
وهذه تستعمل في المناظرات فيسلم خصمك الذي تناظره وتناقشه بقضية ما فتحتج بها عليه.
مثال: الأمر يفيد الوجوب يسلم بها خصمك الأصولي فتحتج بها عليه.
مثال: أن يسلم خصمك النصراني بأن عيسى قد مات مع أنه إله فتحتج بها عليه وتلزمه بإلزامات معينة بقصد إفحامه.
مثال: أن يسلم خصمك الإمامي أن عليا رضي الله عنه زوج ابنته لعمر رضي الله عنه فيقال له وكيف زوج ابنته لكافر عندكم وعقد الكافر على المسلمة لا يصح!.
وأما المقبولات فهي: القضايا التي تؤخذ ممن يوثق فيه.
كالقضايا التي تؤخذ من الأنبياء والصحابة والصالحين والعلماء ونحوهم.
مثال: الصلوات الخمس واجبة والربا محرم ونحو ذلك.
مثال: صلة الأرحام تزيد في العمر.
مثال: القضايا التي تؤخذ من الأطباء والنصائح التي ينصح بها المريض فإنه يقبلها ثقة فيه لا أنه قد أقام عليها البرهان وثبتت عنده بالدليل.
تنبيهات:
أولا: بالنسبة للمظنونات فأمرها بيّن لا يشتبه باليقينيات لأنها إما أن تكون ضرورية أو نظرية قد أقيم عليها البرهان فأورثت بالنفس اليقين، ولكن الظنيات ليس بالضرورة أن تكون مطابقة للواقع فقد تكون كذلك ويكون ما ظنه الإنسان حقا وقد لا تكون.
ثانيا: المشهورات والمسلمات والمقبولات قد تكون في حد نفسها من اليقينيات وقد لا تكون فلا مانع أن تكون القضية الواحدة تدخل في أكثر من قسم باعتبارات مختلفة.
مثال: الكل أكبر من جزئه، فهذه من الأوليات، ومن المشهورات عند كل الناس، ومن المسلمات التي يسلم بها الخصم، وقد تكون من المقبولات.
فهي باعتبار أن تصورها كاف للجزم بها بلا حاجة لدليل تعتبر من الأوليات.
وباعتبار أنها مشتهرة بين الناس تعتبر من المشهورات.
وباعتبار أنها يسلم بها الخصم فهي من المسلمات.
وباعتبار أنها تؤخذ ممن يوثق فيه كأن تؤخذ من المناطقة فهي من المقبولات كأن يأخذها شخص وهو لم يتصور أجزاء القضية بصورة تامة كي يجزم بنفسه ولم تشتهر عنده أو يسلم بها بل أخذها تقليدا للغير.
فالأقسام متداخلة والتفريق يحصل بالاعتبارات.
ثالثا: المقبولات قد تورث اليقين كأن تصدر من نبي معصوم، فإنه لكون النبي قد قام البرهان على صدق كلامه وأنه مؤيد بالوحي فيكون ما قاله حقا لا ريب في ذلك ولا شك، ومن حسب أن كلام الأنبياء لا يفيد اليقين فقد غلط غلطا عظيما، نعم قد لا يحصل اليقين باعتبار الطريق الذي وصل به كلامهم إلينا ويختلف في ثبوت الرواية عنه وقوتها وضعفها، أو يكون كلام النبي محتملا لأكثر من معنى فيحصل الظن. وقد لا تفيد المقبولات أكثر من الظن الراجح كالكلام الذي يؤخذ ممن يعتقد صلاحه أو علمه بعمله كالطبيب والمهندس والكيميائي ونحو ذلك.
1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين المظنونات والمشهورات والمسلمات والمقبولات؟
2- هل تعتبر المشهورات والمسلمات والمقبولات يقينية أو ظنية؟
3- مثل بمثالين من عندك لكل من المظنونات والمشهورات والمسلمات والمقبولات؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة الواحدة والخمسون )
قد علمتَ أن مِن مواد القياس المظنونات وهي: قضايا يحكم بها العقل حكما راجحا مع تجويز الطرف الثاني، والمشهورات وهي: قضايا اتفقت عليها آراء الناس جميعا، أو بعضهم، والمسلمات وهي: قضايا يسلم بها الخصم، والمقبولات وهي: قضايا تؤخذ ممن يوثق برأيه.
والقياس إذا تألف من المظنونات أو المقبولات فيسمى خطابة.
وإذا تألف من المشهورات أو المسلمات فيسمى جدلا.
وذلك لأن الخطابة موجهة لعموم وجماهير الناس وأكثرهم لا يطيقون البراهين فيلجأ إلى إقناعهم باستعمال المقبولات أو المظنونات.
وكلما كان الخطيب مفوها يحسن أساليب التأثير في الناس وإقناعهم كلما عظم تأثيره في الناس وكان داعية ناجحا.
مثال: أن يقول الخطيب : أيها الناس إن فلانة ظهر من سلوكها كذا وكذا فهي زانية لأن كل من تفعل كذلك فهي زانية، فهنا استعمل المظنونات.
مثال: أن يقول عليكم بصلة الأرحام فإنها تزيد الرزق وتطيل العمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من سره أن يبسط له في رزقه ويُنْسَأ له في أثرِه فليصل رحمه). رواه البخاري ومسلم، ومعنى ينسأ له في أثره أي يؤخر له في عمره، وهنا استعمل الخطيب كلام من يقبل المستمعون قوله وهو النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما القياس الجدلي فلأن الغرض منه إفحام الخصم فيستعمل معه قضايا مشهورة بين الناس والخصم يسلمها، أو غير مشهورة ولكنها مسلمة عنده.
مثال: اشتهر بين النحاة قضية وهي من علامات الاسم دخول حرف الجر فيحتج عليهم شخص بأنه ما دام كذلك فتكون بئس من الأسماء لا من الأفعال لأنه قد ورد عن العرب نعم السير على بئس العير.
ولا يخفى أن هذه القضية يصح اعتبارها من المشهورات بين النحاة ومن المسلمات عند الخصم.
والفرق بين الخطابة والجدل في أمرين:
الأول: في مادة القياس فإن مادته في الخطابة المقبولات والمظنونات وفي الجدل المشهورات والمسلمات.
الثاني: في الغرض منهما فإن الغرض من الخطابة هو إقناع الجمهور من الناس، والغرض من الجدل إفحام الخصم وإن لم يقتنع.
1- في ضوء ما تقدم ما هي الخطابة وما هو الجدل؟
2- كيف تفرق بين الخطابة والجدل؟
3- مثل بمثالين للخطابة وآخرين للجدل؟
-
1 مرفق
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
الدرس السادس في المرفقات.
-
1 مرفق
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
الدرس السابع في المرفقات.
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
لم يبق إلا ملف واحد نرفعه إن شاء الله وننتهي.
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
( الفقرة الثانية والخمسون )
المخيَّلات- الوهميات- المشبَّهات
قد علمتَ أن القياس الخطابي هو الذي يتألف من المقبولات والمظنونات، وأن القياس الجدلي هو الذي يتألف من المشهورات والمسلمات. وقد بقي علينا من مواد القضايا المخيلات والوهميات والمشبهات.
فأما المخيلات فهي: القضايا التي ليس من شأنها أن توجب تصديقا في النفس بل تؤدي إلى انفعالات نفسية. أي أنه ليس الغرض منها التصديق بقضية ما بل يستعملها الشخص ليؤثر على مشاعر وأحاسيس غيره إما ترغيا في شيء أو تنفيرا منه. ويسمى القياس الذي يتكون من المخيلات شعرا، ولا يشترط القافية والأوزان الشعرية وإن كانت هي أشد تأثيرا.
مثال: أن يرغب القائد أن يحمل جنده على الاستبسال في المعركة فيقول لهم: ولو أن الحياة تبقى لحيّ لعدَدْنا أضلَّنا الشجعانا وإذا لم يكن من الموت بُدّ فمن العار أن تموت جبانا. فيؤثر هذا الكلام في النفوس ويلهب المشاعر والأحاسيس فيدفعهم نحو الموت كراهة في الجبن، فهذه من المخيلات لأنها لم تساق لأجل إقناع الناس بقضية وحملهم على التصديق بها بل الغرض منها تحريك المشاعر نحو هدف يحدده المتكلم.
مثال: أن تقول امرأة جاهلة لأخرى مات زوجها في سبيل الله: لو أن زوجك ما خرج لكان الآن كحلا لعينيك وسكنا يؤويك وظلا يحميك.فيثير هذا الكلام في النفس حزنا وتألما وكراهة لأمر الله.
وهكذا نجد أن الكلام الشعري يعتمد على المخيلات في إثارة المشاعر فتارة يقودك لخير وتارة يقودك لشر فتارة يحمل على الشجاعة وتارة يحمل على الجبن وتارة يعطي النفس السرور وتارة يملئها حزنا وتارة ينهى الناس عن المنكرات والشهوات وتارة يثير الغرائز والشهوات. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
وأما الوهميات فهي: قضايا كاذبة يتوهمها المرء رغم مخالفتها العقل. والمقصود بالوهم هنا هو الأشياء التي يتوهمها الإنسان ويتأثر بها وهي خاطئة لا حقيقة لها.
مثال: أن يعتقد بعض الناس أن المكان المظلم مخيف، مع أنه لا فرق بين المكان المضيء والمكان المظلم فتجد النفوس تستوحش الظلام مع أنه لا فرق بين المكانين.
مثال: الميت يخاف منه، فهذه قضية مستقرة في أوهام أكثر الناس مع أنه لا واقع لها فالميت لا حول له ولا قوة ولهذا لو قيل لشخص نم بجنب ميت لارتعد خوفا فمع أن العقل لا يصدق بها إلا أنها تسيطر على الإنسان.
وأما المشبَّهات فهي: القضايا الكاذبة التي تشتبه بالقضايا الصادقة. وهي تستعمل للمغالطة والخداع ولذا كان القياس المؤلف من الوهميات أو المشبهات يسمى سفسطة. وهي كلمة يونانية معناها الحكمة المموهة أي تمويه الحق وإظهار الباطل بصورة الحق.
مثال: أن يشار إلى صورة فرس مرسومة على الجدار فتقول: هذا فرس- وكل فرس صاهل- فهذا صاهل. فهذا القياس يسمى سفسطة ومغالطة، والخلل جاء من مقدمته الصغرى لأنها من المشبهات فقوله هذا فرس غير صحيح وإنما هذا صورة ورسم فرس.
مثال: أن يقال عن الميت: هذا ميت- وكل ميت يخاف منه- فهذا يخاف منه. فهذه سفسطة ومغالطة جاءت من الكبرى لأنها من الوهميات. ثم إن السفسطة إنما يلجأ إليها المخادعون لخداع الناس فهي تذكر لتجتنب.
تنبيهان: أولا: الكلام المحرك للمشاعر ليس دائما يكون ظنيا أو خاطئا بل قد يكون يقينيا لأن هذه الأقسام متداخلة كما قد ذكرنا. ومن إعجاز القرآن الكريم أن يشتمل على المواد اليقينية والمؤثرة في النفوس في وقت واحد كقوله تعالى: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبكم بما كنتم تعملون.
فهذه الآية رغم كونها تأخذ بلب الإنسان وتدفعه إلى الخوف من الديان فهي حق لا ريب فيها فكل إنسان سيموت لا مفر من ذلك ثم يرد إلى الله.
ثانيا: يسمى البرهان والخاطبة والجدل والشعر والسفسطة بالصناعات الخمس.
1- في ضوء ما تقدم ما هي المخيلات والوهميات والمشبهات. 2- ما هو الشعر والسفسطة وكيف تفرق بينهما؟ 3- مثل بمثالين من عندك للشعر والسفسطة؟
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
سنختم قريبا لعله بالمشاركة القادمة إن شاء الله.
نسأل الله التيسير.
فتح الله عليكم.
-
1 مرفق
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
الدرس الثامن والأخير.
وبه نختم الكتاب.
ختم الله لنا بالحسنى.
والحمد لله رب العالمين.
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
جهد مبارك يا حبيب نفع الله بك الإسلام والمسلمين .. الملف السادس والسابع لو أعدت رفعهم رفع الله قدرك ..
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
أنت يا صفاء قراح علم ساغ للشاربين :) , بعد اطلاعي لشروحاتك في هذا الملتقى .. احببتك في الله لهمتك وصبرك ..
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
جزاك الله خيرا ونفع الله بك ، لو اعد رفع الدرسين السادس والسابع فانها لا تعمل .
-
1 مرفق
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
وللفائدة لقد وجدت شرح الشيخ أبي مصطفى العراقي في ملتقى أهل الحديث , وقد جمع كاملا على ملف pdf وسماه الواضح في المنطق , لتحميل الكتاب على هذا الرابط http://www.mediafire.com/?3kwpwsusae4vh2e
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
1- في ضوء ما قرأت أين تكمن أهمية المنطق؟ جواب: في صون العقل من الوقوع في الخطا اثناء التفكير
2- في ضوء ما مر عليك هل ترى أن الصواب في ترك دراسة هذا العلم؟ وهل ترى أن المناقشة المذكورة مقنعة؟
الجواب:لا لان الناس على قدر عقولهم فبعضهم يستطيع التميز بين الصح والخطا والبعض الاخر لا يستطيع فوجود علم يمكن الانسان من تحسين طريقة تفكيره امر هام
3- اذكر بعض التعاريف البديلة للمنطق وناقشها إذا أمكن؟ الجواب: صون الذهن من الوقوع في الخطا اثناء التفكير
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
جزاك الله خيراً، على هذا الجهد الطيب ، شكر الله سعيك.
-
-
السلام عليكم
شرح رائع و بسيط فعلا، جزاك الله خير
أحاول أن أحمل الدرس السادس و السابع و لكنهم غير متوفرين. هل من الممكن رفعهم مرة أخرى لو تفضلت. و شكرا
-
رد: متجدد: دروس في شرح المنطق غاية في السهولة والوضوح.
بالفعل الدرس السادس والسابع غير متوفرين.