رد: من تجارب الحياة..
-ضع أي مقدمة تروق لك-
أما بعد,
في المدرسة..أحببت يوماً أن أداعب معلمي بما منحنيه الله من خفة ظل بشهادة ثقلاء الدم الذين لا يضحكون حتى للرغيف الساخن, فخطر لي أن أكتب حرف الدال قبالة اسمي(د.....). كان في نفسي نوع توجس مما احتقبته من آثام سالفة فجاءت هذه الجسارة كاشفة عن أصالتي في الشغب ..مرت الأيام ونسيت ما اقترفت يدي ,حتى جاءني أحد المشرفين الإداريين ليقول إن الأستاذ فرج يطلبك,وكان حقي أن أقول متفائلا:فرج الله أمري على وزن :سهيل,سهل أمركم ,فقد كنت أهيم في وهاد من الأسى في ذلك الزمان فلم يعد في جعبتي موطيء يصلح للفرح ..هذا والأستاذ فرج ليس ممن درسني حرفاً قط, فلا أعرفه ولا يعرفني... حثثت خطاي خائفا أترقب -وقد بدأت "الحصة" الرابعة- لأنه قال يريدك من فورِ أن يصلك الخبر, فذهبت من فوري كما أراد..وجعل ذهني يتأمل في سالف الخطايا ويروز في ماضيّ علّه يقع على السبب وقد أنسيتُ ما كان جملة..دققت عليه باب الغرفة وفتحته وهو مع طلابه شرع في درسه باللغة الإنجليزية..فلما أبصرني قال :أنت فلان؟ قلت :نعم!..فتقدم نحوي ساعياً وهو يتبسم ضاحكًا ثم استلمني وقبل رأسي!!
وهنا..أخذ بمعصمي وقال لطلابه ملتفتا إليهم وارتسمت على أساريره معالم الافتخار :أعرفكم..هذا هو الدكتور فلان!..ثم دعا لي وقال شكرا لك..وودعني..فلك أن تتخيل كم حرك موقفه التربوي من كوامن النفس لتعانق ذرى المجد..وما زال تأثير قبلته على رأسي يفعل فعله إلى يومك هذا..!
قارن ذلك بموقف المعلم الأصلي الذي داعبته..حيث رد إلي الورقة مصححة بعد أن شطب الدال المسكينة وكتب بقربها "لا تتفلسف" =ضربة قاضية لأمل غض مازال يتهادى في أول مدارج الحياة
العبر والفوائد:-
1-لابد أن يتحلى من يود أن يكون له شان بروح المغامرة فالجبن والعجز مذهبة للتألق والنجاح
2-في طريق حياتك لابد أن ما تسمعه من رسائل سلبية وتثبيطات معنوية أكثر من غيرها فلا تجعل هذا عائقاً بل اصنع منه تحديا وجاهد
3-النفس الطامحة للعلياء المشرئبة نحو السماء نفس حية وهواؤها الذي تتنفسه أنقى بكثير من هواء أهل الحفر
4-ليس كل نقد لاذع يعني "السلبية" فكثيرا ما تكون النفس أحوج ما تكون لسياط لاذعات
لتوقظها من غرورها أو أمانيها الواهمة أو إلخ ,وقد ظهر لي جليا أن مما يصرف طائفة من الدعاة عن نصح إخوانهم ظنهم أن مبعث نصحهم هو حسدهم لهم فلسان حالهم حينئذ:دع الكلاب تنبح والقافلة تسير!