-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط التاسع
105-باب ما لا يجوز من اللّعب والمِزاح
* عن عبد الله بن السَّائب عن أبيه عن جده قال: سمعتُ رسولَ الله- صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:
"لايأخذ أحدُكم متاعَ أخيه لاعباً ولاجاداً فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه"
في هذا الحديث تعليمٌ من الرسول-عليه الصلاة والسلام- للمؤمنين بما يجب عليهم من الالتزام حينما يُريد أحدهم أن يمزح مع أخيه المسلم؛فيأمره بأن يلتزم أمراً ليس فيه إضرار أو تخويف لأخيه المسلم باسم كونه يُمازحه فالمرح يجوز بشرط أن لايترتب من ورائه إضرار ولا إزعاج
"لايأخذ أحدكم متاع" : المتاع هنا نصٌ عام يشمل أي شيء مما يتمتع به الإنسان الفرق بين أخذ المتاع لاعباً وجاداً هو أنه حينما يأخذه لاعباً لايأخذه ليتمتع به هو نفسه أي يسرقه لأنه أخذهُ مُلاعبة ثم يعيده.أما أخذه جاداً فهو أن يأخذ ذلك المتاع على سبيل الامتلاك فيُعتبر سارقاً. فالرسول-عليه الصلاة والسلام- ينهى المسلم أن يأخذ متاع أخيه جاداً ولا هازلاً.
وقد قيل في مناسبة هذا الحديث أن رجلاً من الصحابة في بعض الغزوات خلّى أخاه المسلم نائما ثم جاء إلى متاعه وفيه سيفه الذى يُقاتل به فأخذه وانصرف فلما استيقظ النائم ولم يجد السيف انزعج وسرعان ما عاد اللاعب الآخذ للمتاع فسلَّمَه لصاحبه ضاحكاً.فمثل هذا المزح لا يجوز لما فيه من إدخال الرعب في قلب أخيه المسلم وقد جاء في"شمائل الرسول-عليه الصلاة والسلام- وأخلاقه أنه كان لا يمزح وإذا مزح لا يقول إلا حقاً وهذه صفة يجب أن يتخلق بها المسلم وهي صفة تنقسم إلى قسمين:
1-إما أن لا يمزح مطلقاً وهذا هو الأسلم.
2-وإما إذا مزح فليمزح وليقل حقاً وليس من الحق أن يُدخل بسبب مداعبته رعباً في قلب أخيه المسلم.
هنا أن الأَوْلى أن لا يمزح مطلقاً لأن المزاح الذي يُدخل به المازح الفرح إلى قلب أصحابه دون أن يُزعجهم لا يتقنه إلا قليل من الناس. من أمثلته مداعبة النبي- عليه الصلاة والسلام - لأصحابه:-
جاء في السُنَّة أن النبى-عليه الصلاة والسلام- جاءه ذات يومٍ امرأة عجوز قالت: يارسول الله ادع الله أن يُدخلني الجنة فقال:"إن العجائز لا تدخل الجنة" فكادت أن ترجع وهي آسفة لكن سُرعان ما أعادها الرسول- عليه الصلاة والسلام- فأفهمها بأن العجائز لا تدخل الجنة في حالة شيخوختهن فالعجوز إذا دخلت الجنة تعود شابة.
هذا الحديث بالذات فى سنده شىء من الضعف .
ولكن صحَ عن النبى- عليه الصلاة والسلام- أن امرأة أخرى جاءت إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- تذكر شيئا عن زوجها فقال لها:"زوجك الذي فى عينه بياض؟"فركضت إلى البيت تنظر في عين زوجها فقال لها:مالك؟ قالت:قلتُ للرسول-عليه الصلاة والسلام- عنك فقال:زوجك الذي فى عينه بياض .
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
106- باب الدال على الخير
يعني وبيان ما لهُ من الأجر.
* عن أبي مسعود الأنصاري قال:(جاء رجلٌ إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أُبدع بي فاحملنى قال: لا أجدُ ولكن ائت فلاناً فلعله أن يحملك فأتاه فحمله فأتى النبى- صلى الله عليه وسلم-فقال: "مَنْ دَلَّ على خيرٍ فلهُ مثل أجر فاعله").
أبدع بي يعني : هو رجلٌ مسافر وكان راكباً دابته فعرض لها وحدث فيها ما جعله ينقطع عن السفر فقوله:أُبدع بي
يعني انقطع بي الطريق إما أن دابته عييت وإما أنها ماتت فلم يستطع متابعة السير. فاحملني يعني أعطني ما يعينني
على متابعة السفر والطريق من الدواب فأجابه - عليه الصلاة والسلام- معتذراً:"لا أجدُ ولكن ائت فلانا" فذهب
الرجل إلى من دله الرسول عليه فحمله. فأتى النبى-عليه الصلاة والسلام- فأخبره فقال:"من دل على خير فله مثل
أجر فاعله" يُشير الرسول -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث إلى أنَّ الذي أعطى السبب فله حُكم المسبب
المباشر، فالرجل الذى انقطع به عاد إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام- كأنه يقول له: إن واسطتك ودلالتك قد نفعتني فقد حملني الرجل. فقال-عليه الصلاة والسلام- تعليماً للناس أن يفعلوا مثل فعله :"منْ دلَّ على الخير فله مثل..
"ومن هنا جاءت العبارة المُختصرة "الدال على الخير كفاعله".
هذا قريب من الحديث الصحيح:" تصدقوا ولو بشِق تمرة فإن لم تجدوا فبكلِمَةٍ طيبةٍ"
أليس من الكلمة الطيبة إذا جاء رجلٌ يسأل مُساعدة أن يُدل على مَنْ عنده؟ فالدال على الصدقة والخير مهما كان فأجره مثل أجر فاعله وهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذى دلَّ على الذي أُبدِعَ به على من يحمله فلرسول الله مثل أجر الذى حَمَلهُ.
س:-هل هذه المثلية مثلية تامة من كل الوجوه؟
بمعنى أن الرجل الذى حمل المُبدع به لو فرضنا أنَّ اللهَ كتب له ألف حسنة فهل يُكتب للذي دل عليه ألف حسنة؟
الجواب:لا لأن المثلية لاتقتضي المشابهة من كل وجه إنما يقول: فلان مثل فلان لا يعني من كل ناحية وإنما من
الناحية التي هو فى صدذ التحدث عنها. هذا مثاله تماما ًفى علم البلاغة حينما يقول قائل: فلان مثل الجبل فلا يقصد
أنه حجر أصم وإنما مثل الجبل فى الثبات والصمود وعدم تزعزعه.
أشهر من هذا المثال حينما يُقال:زيدٌ أمَّة وهكذا إذا جاء فى حديث أن فلانا فعل كذا فله مثل فلان فالمماثلة
هنا ليست من كل الوجوه. مثلا قوله -عليه الصلاة والسلام-:"مَنْ فطرَ صائماً فله مثل أجره" التشبيه لايقتضي
الممثالة من جميع الوجوه مثل أجره أي قريباً من أجره.
كذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-:"مَنْ أتى مسجدَ جماعةٍ فوجدهم قد وصلوا ثم صلى وحدهُ كُتب له مثل أجر
صلاتهم" اللهُ لايُضيع مثقال ذرة فالمثلية دون ملاحظة التضعيف( مضاعفة الأجر ) .فإن للإنسان من العمل إذا عمله
عشر حسنات فصاعداً بدليل حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري ومسلم في"صحيحيهما" قال:قال رسول الله-صلى
الله عليه وسلم-:"يقول الله- تبارك وتعالى- لملائكته إذا هَمَّ عبدى بحسنةٍ فلم يعملها فاكتبوها له بحسنة وإذا هَمَّ عبدي بحسنةٍ فعملها فاكتبوها له عشر حسنات إلى مائة حسنة إلى سبعمائة إلى أضعافٍ كثيرة واللهُ يُضاعف لمن يشاء وإذا هَمَّ عبدى بسيئةٍ فلم يعملها فلاتكتبوها شيئاً" وفي رواية:" فلم يعملها فاكتبوها له حسنة لأنه تركها من جرّائي"
إن كان تركه إياها من باب ماجاء في الأمثال القديمة"ومن العصمة ألا تجد".همَّ بالمعصية أصابه شيء في الطريق
شغله بعض الناس هنا لايكتب له شيئاً. لم يعملها لأنه لم يُيسر له سبيلها.
الحالة الثانية:همَّ بالمعصية ثم تذكر حُكمها وحُرمتها فأعرض عن الدخول فهذا إنما ترك هذه المعصية خوفاً من الله
واتقاءً لعذاب الله فهنا يقول الله:"فاكتبوها له حسنة فإنما تركها من جرائي" والحسنة تُكتب على أقل المراتب عشر
حسنات ثم تتضاعف إلى مائة إلى سبعمائة واللهُ يُضاعفُ لمن يشاء.
فالذي حمل المنقطع في الطريق لا نعلم أجره هذه المثلية دائما يُقصد بها أجر العمل بدون ملاحظة التضعيف لأن
التضعيف مرتبط بالعمل والمفروض فى هذه الصور كلها أن لا عمل.
يتبــــــــــع ..
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
107- باب العفو والصفح عن الناس
*عن أنس: ( أن يهودية أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- بشاةٍ مسمومةٍ فأكلَ منها فجيء بها فقيل:ألا نقتلها؟ قال:لا قال:فمازلتُ أعرفها في لهوات رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-)
ظهر أثر السم في تلك الحادثة حيث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن وضع اللقمة الأولى في فمه نزل الوحي
عليه بأنها شاةٌ مسمومة فأمر -عليه الصلاة والسلام- أصحابه الذين كانوا معه بأن يمسكوا ولا يأكلوا وقال:"إن هذه
الذراع تُخبرني بأنها مسمومة"فانتهى الناس وكان منهم أحد الصحابة كانت اللقمة قد وصلت إلى جوفه فتأثر بها
فمات ، أما الرسول -عليه الصلاة والسلام- فلم يتأثر بتلك الأكلة التي أكلها من تلك الشاة المسمومة تأثراً يؤدي إلى
موته مباشرة وإنما ظهر تأثير تلك اللقمة في جسده -عليه الصلاة والسلام- مع الزمن وإلى ذلك يُشير أنس بن مالك
بقوله: فما زلتُ أعرفها في لهوات رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - اللهوات جمع لهاه وهي اللسان الصغير
الذي في الحلق ويسد مجرى التنفس لكيل لا يدخله الطعام ، فهذه اللهاة يظهر أنها مضغة حساسة فلما باشرها السم
أضعفها. فيقول أنس:فكنتُ أجد أثر تلك اللقمة في لهوات رسول الله -عليه الصلاة والسلام-وذلك إما بأن يُبَح
صوته-عليه السلام- في بعض الأحيان أو يُصيبه شيءٌ من الورم.
وقد اخبَرَ الرسول- عليه الصلاة والسلام -في مرض موته بأنه لم يزل يجد أثر تلك اللقمة المسمومة حتى مرض
موته وقال:"هذا أو إن انقطاع أبهُري" أى عِرْق من عروقه .فتأثر من أكله هذه الشاة تاثراً مع الزمن حتى مات
منها بعد مُدة سَنة أوسنتين ولذلك فبعض العلماء يعتبرون الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأنه مات شهيداً بسبب هذا
السم الذي دَسَته تلك اليهودية في ذراع الشاة. وهنا في هذا الحديث خبرٌ تضاربت الأخبارُ فيه وهي أن أصحاب
الرسول- عليه الصلاة والسلام- سألوه بعد أن عَلِمَ - عليه الصلاة والسلام- بنطق ذراع الشاة أنها مسمومة وبعد
وفاة أحد الصحابة بسبب أكلِه منها علم أن هذه اليهودية قد غدرت به وأرادت قتله وأرسل خلفها وسألها فاعترفت
بأنها وضعت السم عامدة فسألها عن السبب قالت: قلتُ:إن كان صادقاً فلن يًضره السم وإن كان كاذباً قضينا عليه
فبعد هذا الاعتراف هل قتل-عليه الصلاة والسلام-هذه اليهودية؟
اختلفت الروايات هاهنا ففي هذه الرواية التصريح بأن الصحابة سألوا الرسول -عليه الصلاة والسلام- أنقتلها؟
قال:لا. وفي رواية أخرى أنه -عليه الصلاة والسلام- قتلها فعلى أي هذه الروايات الاعتماد؟
هنا لابد من تطبيق قاعدة علمية أصولية وهي التى تقول: "إذا جاءنا خبران مُتعارضان أحدهما مُثبت والآخر نافي
فالمثبت هو المقدم والنافي هو المؤخر".المُثبت هو الذي يجب الأخذ به والعمل به والنافي يُترك كأنه
لم يرد مطلقاً.لماذا؟ لأن الذي جاء بشيءٍ من العلم لم يُحط به ذلك الذي نفى و لذلك قالوا:"مَنْ حَفِظ حُجة ًعلى مَنْ لم
يحفظ ومَنْ عَلِمَ حُجة على مَنْ لم يعلم"
ويحسن بهذه المناسبة أن أذكر قصة طريفة فيها دعمٌ لهذه القاعدة الأصولية المُثبت مُقدمٌ على النافي تلك القصة
تقول:بأن الإمام الزهري كان في حضرة أحد أئمة الحديث ورواته فكان يستمع إلى حديثه فجاء هذا المُحَدِث بروايات
وأحاديث كثيرة لم يعرفها الإمام الزهري. والإمام الزهري من كبار أئمة الحديث ويُعتبر من التابعين وهو من
المكثرين من الرواية عن بعض الصحابة وخاصة أنس -رضي الله عنه -استغرب الزهري تلك الكثرة الكاثرة من
الأحاديث التي سمعها من ذلك المُحَدِث ولم يسعه إلا أن يُظهر استغرابه فقال له -الزهري يقول للمحدث-:هذه
الأحاديث ما سمعناها؟ فكان ذلك المحدث فطناً فأراد أن يوقف الزهري عند حده
-بإسلوب ناعم قال له:هل أنتَ يازهري أحطتَ بالسُنَّةِ كُلها ؟
- قال: لا
- قال: بثلاثة أرباعها ؟
- قال: لا
- قال: بنصفها ؟
- قال: النصف.
- قال المحدث:هذه الأحاديث التي لم تسمعها من ذلك النصف الذي ما أحطتَ به علماً.
فإذا جاءنا خبران أحدهما مُثبت والآخ رنافي ؛ فنأخذ بالخبر المثبت لأن فيه زيادة علم ، وبهذه القاعدة جمع العلماء
بين حديثين آخرين أحدهما مثبت والآخر نافٍ فقد جاء عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما- أن النبى-
صلى الله عليه وسلم- دخل غزوة الفتح في جوف الكعبة وصلى في جوف الكعبة ثم خرج فكان أول من خرج بلال
الحبشي ، قال ابن عمر: فتلقيته وسألته أين صلى الرسول-عليه الصلاة والسلام-؟ قال: صلى بين العمودين وبينه
وبين الجدار ثلاثة أذرع.
فهذا نصٌ صريحٌ أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل فى جوف الكعبة وصلى فيها ، بينما هناك حديث عن ابن عباس
أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يدخل الكعبة ولم يصلِّ في جوف الكعبة. فبأي الخبرين يجب أن نعمل؟ بالخبر
المثبت. فالذي قال:لم يدخل لم يعلم أنه دخل فالمثبت مقدم.
فاليهودية التى دست الدسم نأخذ فيها بالقول المثبت"أي قتلها".
فنقول:إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - حينما ظهر أثر السم فيه أوحينما عَلِمَ بأن الشاة مسمومة بنطقها وهذا
معجزة للرسول -عليه الصلاة والسلام- حينذاك سُئل:أنقتلها؟ قال:لا بمعنى هل نُبادر إلى قتلها؟ قال:لا لعله لا يحصل
ضرر واضح من هذه الشاة فتريث الرسول-عليه الصلاة والسلام- ثم بلغه موت الصحابي بسبب أكله من الشاة
المسمومة فأتى بها وقتلها لأنها اعتُبرَت قاتلة. ففي هذا الحديث :أن أحداً من أهل الذمة إذا قتل مسلماً بأي وسيلة
قُتِلَ ذلك الذمي وليس فى ذلك شيء من البغي أو الظلم لهم لأن القتل كان جزاءً وِفاقاً لأن المسلم إذا قتل مسلما
عامِداً قُتِلَ به فإذا كان القاتل كافراً من أهل الذمة لأن يُقتل به أوْلى.
لكن هل إذا قتل المسلم ذمياً بغير حق هل يُقتل به؟ في هذه المسألة مذهبان:-
مذهب الحنفية: أن هذا المسلم القاتل يُقتل.
أما مذهب الجمهور:فلا يُقتل وهذا هوالصواب لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا يُقتل مسلم بكافر" ويدعم هذا
الحديث وهو في"صحيح البخاري"عموم قول الله- تبارك وتعالى-: {أفنجعل المسلمين كالمجرمين}
كذلك إذا قتل المسلم ذمياً خطأً فهل دية ذلك الذمي كديّة المسلم أم على النصف من ديّته ؟
في المسألة مذهبان: المذهب الحنفي: أن ديّة الذمي كديّة المسلم.
و مذهب الشافعية وغيرهم:أن ديّة الذمي على النصف من ديّة المسلم وهذا هو الصواب لثبوت الحديث عن
النبي-عليه الصلاة والسلام- أن الديّة كانت فى عهد الرسول-عليه الصلاة والسلام- للذمي على النصف من دية
المسلم.هذا ما ثبت في السُنَّة
يتبــــــــــــ ـــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الأسئلة
س1:- عن أبي هريرة أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:"ما من أيام العمل الصالح ...".وعائشة -رضي الله عنها - تروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صام أيام العشرة قط .وهناك حديث في"صحيح البخاري"ما العمل في يوم بأفضل من العمل فى عشر ذى الحجة"لم يذكر صياماً لكنه يقول بنص عام أنه لايوجد يوم العمل الصالح فيه خير من العمل في عشر ذى الحجة فهذا بعمومه يدل على فضيلة صيام عشر ذي الحجة باستثناء يوم العيد.هل يُقدم القول الذى ثبت فى صحيح البخاري بعمومه؟ أم الفعل الذى ثبت في صحيح مسلم عن عائشة؟
ج:- من القواعد الأصولية "القول مُقدمٌ على الفعل"
مثاله:ثبت في"الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- قال
:"أفضل الصيام صيام داود- عليه السلام -كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان لايفر إذا لاقى" وفي رواية أن الرسول-
صلى الله عليه وآله وسلم- لما روى هذا الحديث رواهُ جواباً لابن عمر حينما رغب أن يزيده في الصيام "أن يصوم
أكثر"من هذا,قال: يارسول الله إني أريد أفضل من ذلك فقال-عليه الصلاة والسلام-:"لاأفضل من ذلك.فأفضل الصيام
هو صيام داود-عليه السلام- كان يصوم يوما ويفطر يوما". هل كان -عليه الصلاة والسلام- يصوم يوماً ويفطر يوماً؟
الجواب:لا هذا الصيام الأفضل لم يُنقل مطلقاً عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-أن كان عمله يجري عليه بل
ثبت عن السيدة عائشة -رضي الله عنها-خلاف ذلك فقد قالت السيدة عائشة:"ما كنا نشاء أن نرى رسول الله-صلى
الله عليه وسلم- صائماً إلا رأيناهُ صائماً وما كنا نشاء أن نراهُ مُفطراً إلا رأيناهُ مفطراً".
إذان لم يكن للرسول -عليه الصلاة والسلام- منهاج وخطة عملية فى الصيام.
لِمَ هذا وهو يقول:"أفضل الصيام صيام داود"؟ لأنه كان لايتيسر للرسول-عليه الصلاة والسلام-هذا النهج فى الصيام
لأنه كان بالإضافة إلى صفة النبوة كان رجل دولة ومثل هذا الرجل لايتسنى له أن يُحافظ على النوافل من الطاعات
كما يتسنى ذلك للمتعبد المتفرغ للطاعة.
فالقول مقدم على الفعل ثم ضرب مثلا بمسألة الشرب قائماً" ولم أكتبها لأنه استدل الحديث عنها في الزهد إلا أنه
ذكر هنا إضافة". لما شرِبَ الرسول -عليه الصلاة والسلام- قائماً؟
-يُحتمل أن هذا الشرب قبل النهي عن الشرب قاعداً فكان في وقت
-يحتمل أن الرسول شرب من قيام لشدة الزحام.
– يحتمل أن شربه قائما خصوصية له كما اختص بأن يتزوج بأكثر من أربع.
س2:- روى أحمد والبيهقي عن سيار قال:سمعتُ عمر وهو يخطب يقول:"إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بنى هذاالمسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهرأخيه"ورأى عمر قوماً يُصلون في الطريق فقال: صلوا في المسجد ماهو الفقه المستخلص من هذا الحديث؟
ج:- يُؤخذ من هذا الحديث أكثر من مسألة واحدة:-
1- إذا اشتد الزحام فى المسجد بحيث أنهم حين يسجدون تبقى بعض الصفوف لا تجد فراغاً لتضع الجبهة على
الأرض فماذا يفعل هذا الذى لا يجد الفراغ للسجود ؟ فعمر يقول:"يسجد على ظهر أخيه" معناها اسجد وأنت راكع.
الظاهر أنه لا تضع ركبتيك على الأرض ولاتضع يديك على الأرض إنما وأنت راكع إحنِ رأسك قليلاً وضع جبهتك
على ظهر أخيك.هذا رأي لعمر بن الخطاب وهناك رأي آخر وهو المختار لدي إذا كان في المسجد شدة زحام بحيث لا
يتمكن الإنسان من أن يضع جبهته على الأرض فالعمل أن يصبر هذا الذي لم يجد موطناً للسجود حتى يرفع الناس
رءوسهم فتسجد أنت حينذاك ولابد أن تجد فراغاً ولو بين الأقدام.هذا الرأي أحب إلىَّ لأننا صورنا أنه فى رأي عمر
لايمكن أن يسجد إلا دون أن يضع الركبتين والكفين فسيبقى السجود ناقصاً نقصاً كبيراً ذلك لأن الرسول-عليه الصلاة
والسلام- قد ذكر في أكثر من حديث واحد أن السجود الكامل هو الذى يتمكن فيه المسلم من أن يضع سبعة أعضاء
على الأرض كما قال- عليه الصلاة والسلام- يسجد العبد على سبعةِ آراب" أى أعضاء ثم ذكر الكفين و...فلابد
لتحقيق السجود الواجب من السجود على سبعة أعضاء.فعلى ماذهب إليه عمرلا يتمكن الإنسان أن يسجد على سبعة أعضاء.
شيء آخر أن وضع الجبهة على ظهر من بين يديه كأنه تكلف غير مُرْضِي شرعاً فقد جاء فى السُنَّة الصحيحة وهو
مذكور في كتابي"صفة الصلاة" ثبت أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلا مريضاً لا يستطيع أن يضع جبهته
على الأرض فكان يضع شيئاً مثل مخدة أو نحو ذلك فيضع جبهته على ذلك الشيء يسجد عليه فنهاه الرسول-عليه
الصلاة والسلام-وأمرَ ذلك المريض أن يسجد قدر استطاعته ولكن يجعل سجوده أخفض من ركوعه ونهيه لأن فى
فعله تكلف وقد قال-عليه الصلاة والسلام-:"هَلك المُتنطِعون".
2-أو أن تشير برأسك أخفض من ركوعك.
ورأى قوما يُصلون في الطريق فقال:صلوا في المسجد يؤخذ من هذا أنه لا يجوز للمسلم أن يُصلي في قارعة
الطريق فى حالة كونه يجد فسحة في المسجد لأن الصلاة والحالة هذه في المسجد هو من باب إتمام الصفوف.وقد
قال-عليه الصلاة والسلام-:"أتموا الصفوف الأول فالأول" وثبت الأمر بسد الفُرَج فما دام يوجد في المسجد فراغ فلا
يجوز للمسلم أن يُصلي في الطريق بحجة الزحام مادام هناك فراغ أما إذا لم يكن فراغ فلا بأس من أن تُصلي فى
الطريق لأن النهي عن الصلاة في الطريق ليس ثابتاً في السُنَّة وإنما نهى -عليه الصلاة والسلام-عن الصلاة في
جوار الطريق حيث يسلك الناس.فإذا صليت فيه تصلي في ممر الناس فتؤذيهم ويُؤذونك . فقول عمر:"صلوا في
المسجد"مادام في المسجد فرجة.
س3:- عن أنس بن مالك قال:سمعتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:"مَنْ أحب أن يُكثرَ اللهُ الخيرفي بيته فليتوضأ إذا حَضَرَ غذاؤه أو رُفع" رواه ابن ماجة والبيهقي. هل هذا حديث صحيح ؟
ج:- لا بل هو حديث ضعيف.
س4:-"مايزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله- تعالى -وماله من خطيئة"هل هذا حديث صحيح؟
ج:- أظن أنه صحيح وأتأكد من هذا.
س5:-عن ابن عمر-رضى الله عنه -قال:"مَنْ اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهم من حرام لم يقبل الله -عزوجل- صلاة مادام عليه" ثم أدخل إصبعيه في أذنيه وقال:صُمَّتا إن لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمعته يقوله.رواه أحمد.هل هذا حديث صحيح؟
ج:- هذا الحديث ضعيف.
انتهى الشريط التاسع .
يتبــــع
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط العاشر
تابع : باب العفو والصفح عن الناس
*وهب بن كيسان قال:(سمعتُ عبد الله بن الزبير يقول على المنبر "خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرِض عن
الجاهلين"قال: واللهُ ماأمر به إلا أن تؤخذ من أخلاق الناس واللهِ لآخذنها منهم ماصحبتهم)
هذا من الأحاديث الموقوفة على عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - ومعروف أنه من أصحاب الرسول-عليه الصلاة
والسلام- ولكنه حين مات رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- كان صغير السن فهو في طبقة ابن عباس من بين
أصحاب الرسول-عليه الصلاة والسلام- سناً فهو خَطَبَ ذات يومٍ على المنبر فتلا هذه الآية الكريمة"خذ العفو" فقال
مُبيناً معنى قوله:"خذ العفو" قال : ( واللهُ ما أمر بها إلا أن تؤخذ من أخلاق الناس، واللهِ لآخذنها منهم ماصحبتهم.)
فهو-رضي الله عنه - ليُبين أن المقصود بقوله تعالى"خذ العفو" ليس ما اشتهر عند المفسرين من أن المقصود من
العفو إنما هو الفاضل من أموال الناس. أى إن العلماء اختلفوا في تفسير هذه اللفظة بخصوص هذه الآية"خذ العفو" فهناك قولان:
1- القول الأول:- المال الفاضل الزائد عن حاجة صاحبه, فهذا هو الذى أمراللهُ نبيه -عليه الصلاة والسلام- في هذه
الآية أن يأخذه من الصحابة وعلى هذا القول يقول أهله: هذا كان في أول الإسلام أي كان يجب في أول الإسلام في
المال زكاة مافضل عن حاجته فلما فَرَضَ اللهُ الزكاة َ المعروفة نسف هذا الأمر لأن الأمر كان خاصاً بالزائد عن
المال أما لما فرض الله الزكاة وجَبَ عليهم أن يدفعوا شيئاً معيناً على رأس المال"بالمئة تنين
2-القول الثانى:- وهو الذى ذهب إليه ودندن حوله عبد الله بن الزبير"خذ العفو"أى الصفح فيوجد فرق كبير بين
القولين ، والثاني هو الذى اعتمده الحافظ ابن كثير الدمشقي وقال:إنه الأشهر والأرجح. بناءً على ذلك فإيراد
المصنف لهذا الحديث فيه بيان لما عقد لهذا الحديث من الباب ألا وهو قوله:باب العفو والصفح عن الناس.فالمصنف
يُشير إلى أنه يختار هذا التفسير.
يقول عبد الله بن الزبير مُشيرًا إلى أن القول الأول مرجوح ليس مُراداً بهذه الآية لأنه يحلف ويقول: واللهُ ما أمر
بها أن تؤخذ إلا من أخلاق الناس لا من أموالهم.
مامعنى خذ العفو؟
أي الفاضل من أخلاق الناس يعنى أن الناس ليسوا كُمَّلاً فى الأخلاق فقليلٌ منهم مَنْ يكون كاملَ الأخلاق فمَنْ كان
كذلك كان خلقه سيئاً فخُذ بالصفح عن هذا الخلق إذا أخطأوا معك.
قال عبد الله بن الزبير حالفاً:واللهِ لآخذنها منهم ماصحبتهم أي لأعامِلنَّ الناس بمقتضى هذا الأمرالإلهي فآخذ بالصفح
عنهم إذا أخطأوا معي . ويؤيد هذا المعنى آخر الآية: "وأمُر بالعرف وأعرِض عن الجاهلين"
الجاهل:هو الذي يُخطئ معك ويُثير غضبك فقد تستجيب لهذه الإثارة فتُحاول أن تثأر منه فإذا تذكرت هذه الآية
أوذُكِرتَ بها؛ أحجمت عن مقابلة الجاهل بالمؤاخذة وإنما قابلته بالعفو والصفح.
ومن واقع سيرة السلف الصالح كانوا سبَّاقين للعمل بكتاب الله - عزوجل- من ذلك مارواهُ الإمام البخاري
في"صحيحه" أن رجلاً من المسلمين من ذوي الأطباع الجلفة الغليظة اسمه حُذيفة بن عيينة نزل ضيفاً على ابن أخ
له وكان ابنُ الأخ هذا مُقرباً عند عمر بن الخطاب وكان من خواص جلسائه . فقال حذيفة لابن أخيه استأذن علىَّ هذا
الأمير قال: سأفعل فأذِنَ له عمر بن الخطاب فكانت المفاجأة أن بادر حذيفةُ عمرَ بن الخطاب بكلمة فجة قال:واللهِ يا
عمر ماتعطي الجزيل وما تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر-رضي الله عنه- غضباً شديداً حتى همَّ به فقال له أحد
الجالسين مُذَكِراً له: يا أمير المؤمنين يقول ربُ العالمين:
{خذ العفو وأمر بالعُرف وأعَرض عن الجاهلين} وهذا من الجاهلين, فسَكِن عمر وكان وقافاً عند كتاب الله.
مامعنى العُرف قال علماء التفسير جميعا :هو المعروف أى المعروف شرعاً صلاحه وأنه مما شرعه الله فتمسك به
كما يجب أن تتمسك بالصفح عن الناس إذا أخطأوا معك.
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
*عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "عَلِّموا ويسِّروا ولا تُعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت"
هذا حديث فيه توجيه كريم من رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - للمؤمنين المُتبعين له فقد أمر المسلم أن
يقوم بواجب التعليم فقال- عليه الصلاة والسلام -:"عَلِموا"لأن نشر العلم هو من الواجابت الدينية التى يجب على كل
عالم أن يقوم بنشر العلم بين الناس احتساباً لوجه الله -تبارك وتعالى -لايبتغي من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً. لكن
كثيراً من الناس حينما يتولون تعليم الناس لا يُحسنون تعليمهم فقد يتشددون عليهم وقد يُنفروهم, ولذلك فقد أمر-عليه
الصلاة والسلام- مَنْ تولى تعليم الناس بأن يكون سمحاً مُيسِراً غيرَ مُتشددٍ عليهم.كما وقع فى عهد الرسول-عليه
الصلاة والسلام- قصة فيها عبرة ذلك أن أعرابياً والأعراب في الغالب يغلب عليهم الجهل لبعدهم عن المدن التي فيها
الثقافة والعلم فوقف ذلك الأعرابي في مسجد الرسول - عليه الصلاة والسلام - فكشف عن ثوبه وأخذ يتبول في
مسجد الرسول فلما رآه الصحابة همُّوا أى بضربه ذلك لأنه يأتي في مسجد الرسول -عليه السلام -أمراً مُنكراً لأن
المساجد بُنيت لعبادة الله -عزوجل- وبالتالي أمر المسلمين بتطهيرها بل وبتطييبها فكان طبيعياً جداً أن يهم الصحابة
بضربه فقال لهم-عليه الصلاة والسلام-:"دعوه ولاتزرموه"أي لا تقطعوا عليه بوله. وقال -عليه الصلاة والسلام -في
تمام هذه النصيحة التي وجهها إلى المُعلمين لا إلى الجاهل: "دعوه ولاتزرموه إنما بُعِثتم مُيسرين ولم تُبعثوا
مُعسرين" ثم التفت-عليه الصلاة والسلام-إلى ذلك الأعرابي فقال له:"إن هذه المساجد لم تُبن لشىءٍ من البول أو
الغائط إنما بُنيت للصلاة وذكر الله".
فأسلوب الرسول-عليه الصلاة والسلام- مع كل من الطائفتين أسلوب لطيف لكن لعله كان على المُعلمين أشد منه
على ذلك الجاهل. ومن الطرائف أن هذا الأعرابي الذي فعل ما فعل في مسجده-عليه الصلاة والسلام- ماكاد يُصلي
خلفه-عليه الصلاة والسلام-حتى بادر إلى الدعاء فقال:اللهم ارحمنى ومحمداً ولا تشرك معنا أحداً,
فقال-عليه الصلاة والسلام-لمن حوله من الأصحاب الكرام:"أترون هذا أضل أم بعيره؟ "ثم قال للأعرابي: "لقد
حجّرت واسعاً من رحمة الله"أى ضيقت. فهذا فيه تحقيق عملي من الرسول -عليه الصلاة والسلام- لهذا الأمر
النبوي الذى جاء في هذا الحديث : "علموا ويسروا".
ومثال آخر :
لما جاء في السيرة النبوية قصة ذلك الرجل واسمه معاوية بن الحكم السُّلمى الذي دخل ذات اليوم المسجد فقام
يُصلي خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- فعطس رجلٌ بجانبه فقال له :يرحمكَ الله ... وهم يعلمون أن مثل هذا
التشميت لايكون فى الصلاة لأنه من باب المكالمة وقد كان جائزاً في أول الإسلام.أى كان من الجائز في أول الإسلام
أن يُكلم الآتي إلى المسجد الرجل القائم في الصلاة، فمن ذلك كان يدخل الرجل المسجد فيسأل الذي يقف بجانبه:أي
ركعة هذه؟ يقول له مثلا:الثانية .. حتى جاء ذات يوم معاذ بن جبل -رضي الله عنه -فوجد الإمام قائما يُصلي فما تكلم
بشيءٍ وأنما اقتدى به فلمَّا سلم الإمام قام وأتى بما فاته من الصلاة فقال-عليه الصلاة والسلام-:"لقد سَنَّ لكم مُعاذ
سُنَّة ًحسنة فاتبعوها"هنا سُنَّة معاذ لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقره.
وكان من ذلك أيضا أن الرجل كان إذا أتى الرجل يُصلي و سَلَمَ عليه ردَّ عليه السلام لفظاً ولم يكن أمراً منكراً فى
أول الإسلام إلى أن رُفِعَ هذا الحُكم وعُدِّل برد السلام إشارة ونُسِخَ رده لفظاً: وذلك حينما جاء عبد الله بن مسعود من
الحبشة فلقي النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يُصلي فقال:السلام عليكم يا رسول الله, قال فما رد عليَّ السلام إنما
أشار برأسه قال ابن مسعود:فأخذني ما قرُبَ وما بَعُدَ -يعني من التفكير قال: فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه
وآله وسلم-الصلاة قال:"إنَّ اللهَ يُحدث في أمره -أي في دينه - مايشاء وإن مما أحدث ألا كلام في الصلاة".
فمعاوية بن الحكم السُلمى قد طرق سمعه الحكم السالف؛ فحينما عطس الرجل بجانبه قال له: يرحمك الله وهو
يُصلي ، أما الذين من حوله فكانوا يعلمون أن تبادل الكلام فىيالصلاة لايجوز فنظروا إليه بأطراف أعينهم مُسكتين له
ولكنه ازداد ثورة وغضباً فقال وهو في الصلاة -رفع عقيرته وهو في الصلاة قائلاً : واثكل أمياه !!! مالكم تنظرون
إلى؟!! تعبير عربي يعنى دفنتني أمي ، قال:فأخذوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم تسكيتاً له
قال فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الصلاة والشاهد هنا: أقبل إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال:
فواللهِ ماقهرني ولاكرهني ولاضربني ولاشتمني وإنما قال لي:"إن هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس إنما
هي تسبيح وتكبير وتحميد"ولم يأمره بإعادة الصلاة.
وهذاحكم شرعي ؛ أخذ من هذا الحديث علماء الشافعية:أن المُصلي إذا تكلم في صلاته ساهياً أو ناسياً أو جاهلا ؛ فصلاته صحيحة.
من هنا يتبين أن الرسول -عليه الصلاة والسلام -كان يأمر بالأسلوب الحسن والحكيم في التعليم وكان هو سيد
المعلمين الذين يسلكون هذه الأساليب الحسنة لهذا قال-عليه الصلاة والسلام-:يسروا ولاتُعسِروا تأكيداً منه لقاعدة
شرعية هامة ألا وهي: "إن الإسلام بُنِي على اليُسر لا على العسر".{يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسر ولايُريد بكم العُسر}وقال:{وماجَعَلَ عليكم في الدين من حرج}
لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-يغتنم المناسبة تلو المناسبة ليُأكد هذه القاعدة ويُثبتها في أذهان
أصحابه.فمثلا حينما أرسلَ معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال:"إذهبا وتطاوعا ويسِّرا ولا تُعسِّرا" فيخص
بهذا التذكير خواص الناس كأبي موسى ومُعاذ حينما أرسلهما إلى اليمن.
وتأكيداً لهذا كان منطلق الرسول -عليه السلام- في حياته فقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -:"ما خُيَّرَ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما" ومن هنا نفهم أن الذين يتشددون في الدين بأفكارهم
يُخالفون هذه القاعدة الإسلامية العظيمة وهوأن:
الأصل في الدين هو التيسير وليس التعسير.
قال-عليه الصلاة والسلام-:"وإذا غضب أحدكم فليسكت" أى لا يتجاوب مع ثورته الغضبية فيتكلم من الكلام ما يؤذي به الذي كان سببَ إغضابه كما وقع لعمر مع حذيفة.
وجاء في الحديث الصحيح:أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -فقال له:أوصِني
يا رسول الله فقال:"لاتغضب" قال:أوصني قال: لاتغضب قال:فرأيتُ الخيرَ كله فى ترك الغضب).
فهنيئاً لمن استجاب لأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- فبذلك يحيى في الدنيا حياة طيبة كما قال
ربنا-تبارك وتعالى-: {ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسولِ إذا دعاكم لِما يُحييكم}
فالرسول -عليه الصلاة والسلام -يدعونا دائما وأبداً للأخذ بمكارم الأخلاق التي فيها حياة المتمسك
بها حياة طيبة في الدنيا قبل الآخرة وعلى العكس من ذلك الذي لايأخذ بتعاليم الرسول -عليه الصلاة
والسلام- يعيش في حياته ضنكاً. وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لا يثأر لنفسه وإنما إذا
انتهكت محارم الله لم يقف شيء أمام غضبه.
يتبع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
108-باب:الانبساط إلى الناس
يعني معاملة الناس برحابة الصدر وبالهشاشة والبش في وجوههم.
*عن عطاء بن يسار قال:(لقيتُ عبدَ الله بن عمرو بن العاص فقلتُ:أخبرني عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-في التوراة)
عطاء بن يسار تابعي مشهور يسألُ عبد الله صحابي مشهور.
قال:(فقال:أجل والله! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { ياأيها الرسول إنَّا أرسلناك شاهِداً ومبشراً
ونذيراً} هذه الآية فى سورة الأحزاب. جاءت هذه الصفات جاء وصف الرسول- عليه الصلاة والسلام-بها في التوراة.
{ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدِاً ومبشِراً ونذيراً} جاء هذا في التوراة وجاء عطفاً عليها"وحرزًا للأميين,أنتَ عبدي
ورسولي ,سميتُكَ المتوكل ليس بفظٍ ولاغليظٍ ولاصخَّابٍ في الأسواق ولا يدفع بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفو ويغفر,ولن
يقبضه اللهُ-تعالى-حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا:لا إله إلا الله ويفتحوا بها أعيناً عمياً وآذانا صُماً وقلوباً غلفاً)
هذه الأوصاف مما وصف بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في التوراة كبيان لليهود وللنصارى بأنه سيأتي
من بعدهم رجلٌ هو أحمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام -.
الله - عزوجل - وصف الرسول قبل بعثته لأهل الكتاب حتى إذا أدركوا بعثته ووجدوا تلك الأوصاف مُتحققة فيه
؛آمنوا به فإذا لم يؤمنوا به فقد كفروا لأن الحجَّة قد قامت عليهم بهذه الصفات التي تقدمت مجئ الرسول والتي أوحى
بها ربنا- تبارك وتعالى-إلى موسى -عليه السلام- في التوراة ، فجاء وصفه -عليه الصلاة والسلام- بهذه الصفات.
الصفات الثلاثة الأولى مذكورة في كتابنا : {ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً}.
= مامعنى: شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا ؟
شاهداً أي لله -عز و جل- بالألوهية وشاهداً على الناس يوم القيامة كما يُشير إلى ذلك الآية
الكريمة:{فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاءِ شهيداً} فشاهد لله بالوحدانية وشاهد
على أمتك بصورة عامة وعلى قومك بصورة خاصة بأنك دعوتهم إلى عبادة الله وحده.ولهذا لما أمر
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- بعض أصحابه أبي بن كعب أوابن مسعود والراجح أنه ابن
مسعود أمره أن يقرأ قال:"اقرأ عليَّ القرآن" قال:يارسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال:فإني أحب
أن أسمعه من غيري, فقرأ حتى بَلَغَ هذه الأية {فكيف إذا جئنا..} قال:كان عبد الله بن مسعود يقرأ
رامياً ببصره إلى الأرض أدباً في التلاوة وأدباً في الجلوس بين يدي الرسول - عليه الصلاة والسلام-
قال:فلما وصلتُ إلى هذه الآية"وجئنا بك"رفعتُ بصري وإذا برسول الله- صلى الله عليه وسلم - عيناه
تدمعان"لأنه سيشهد على قومه بما شهد منهم من عصيان ومن طغيان فهذا شيء يحزن له رسول
الله- صلى الله عليه وسلم- فلما تذكر ذلك بكى لأنه لابد أن يؤدي الشهادة.
وبشيرا : للمؤمنين بالنعيم المقيم
ونذيراً : للكافرين بالعذاب الأليم.
=وفى التوراة زاد في وصف الرسول - عله الصلاة والسلام- فقال:
"وحرزاً للأميين" أي وحصناً حصيناً للأميين.هذا من جملة الأنباء الغيبية لأن التوراة نزل ولا يعرف
المُنزل عليهم من اليهود مَنْ هم المقصودون بالأميين؟
فنبأهم ربنا بطريق كتابه التوراة بأن هذا النبي الكريم بأنه حرز للأميين الذين لايقرَؤن وفي هذا دلالة
على أن هذا النبي سوف يُبعث من غير اليهود والنصارى لأن اليهود والنصارى لم يكونوا
أميين.والأميون إنما هم العرب الذين قال الله:{وهو الذى بَعَثَ فى الأميينَ رسولاً منهم}.
وقد عاشوا وليس لهم دولة قائمة,عاشوا قبائل شتى وطرائق قددا يقتل بعضهم بعضاً ظلماً بدون إثم
ولاحرج فقد كان الروم يستعبدونهم وكان الفرس يستعبدونهم فلما جاء الإسلام بطريق محمد- عليه
الصلاة والسلام - واستجاب له المؤمنون وهم أميون صار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصناً
لهم فلم يستطع بعد ذلك أن يستعبدهم الروم ولا الفرس بل انقلبت الآية فجعل اللهُ كلمة هؤلاء المؤمنين
الأميين هي العليا وجعل كلمة الكفار الذين هم فارس والروم يومئذٍ السُفلى .
فإلى هذه الحقائق تُشير هذه الكلمة الوجيزة التي كانت وحياً من السماء إلى موسى -عليه السلام-فى كتابه التوراة.
فقالت:وحرزاً للأميين أي:رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكون حصناً حصيناً لأصحابه المؤمنين به وهم من الأميين.
وخاطب الله-عزوجل- نبيه كما جاء في التوراة: "أنتَ عبدي ورسولي" أنتَ عبدي في هذا تشريفٌ
للرسول -عليه الصلاة والسلام- ولذلك لما ذكر الله -عز و جل في سورة الإسراء في مطلعها أنَّ اللهَ
أسرى به - عليه السلام - فقال:{سُبحان الذى أسرى بعبده} ماقال سبحان الذي أسرى بمحمد لأن في
هذه التسمية وصف لا تشريف
ورسولي أرسلك إلى الناس جميعاً وكافة ورحمة للعالمين.
وسميتك المتوكل من أسماء الرسول-عليه الصلاة والسلام -المتوكل على الله ، والتوكل:هو الاعتماد
على الله -عزوجل- ولكن التوكل صفة قلبية وليس لها علاقة بأعمال الجوارح.أي أن التوكل على الله
والاعتماد عليه لا يُنافي الأخذ بالأسباب الموصلة إلى المسببات خلافاً لما يتوهم بعض الناس خاصة
منهم الصوفية الغلاة الذين يظن أحدهم أن من تمام التوكل على الله ترك الأخذ بالأسباب وهذا ليس
بصحيح.بل هذا خِلاف ماأمرالله -تبارك وتعالى- في كتابه وبيَّنه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم
ففي كتاب الله: {هوالذي جَعَلَ لكم الأرضَ ذلولاً فامشوا في مناكبها وكُلوا من رزقه وإليه النشور}
لم يقل لاتمشوا في الأرض وأنا أضمن لكم الرزق. الأرض ذلولاً يمتنّ الله على عباده حيث يُيسرلهم
الانطلاق في الأرض فجعلها ذلولاً أي مُهيأة مخضعة لينطلق الإنسان بيسر فيسعى لكسب رزقه المدخر
له عند ربه. وما يتوهمه بعض الناس من أنَّ هناك بعض الأحاديث التى يتوهمون أن فيها ما يُقرر
خلاف ما أفادته هذه الآية أي أن يتكل الإنسان على الرزق المكتوب في الغيب ولا يتعاطى
الأسباب، فذلك وهمٌ مجرد.
من ذلك استدلال بعضهم بالحديث الصحيح:"لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير
تغدو خِماصا وتروح بِطاناً" يفهمون من هذا الحديث أن الإنسان لو توكل على الله حق التوكل لرزقه
اللهُ دون أن يتعاطى الأسباب بينما الحديث يتضمن خلاف ذلك.لأن الحديث لما ضرب المثل بالطير
ماقال:تمكث في أوكارها ويأتيها رزقها من ربها,إنما قال: تغدو: تذهب فى الغدوة في الصباح
المبكر.خِماصاً: يعني بطونها خاوية ثم تروح مساءً وبطونها ممتلئة من رزق ربها.
فالحديث يدل على أن من تمام التوكل على الله -عزوجل- الأخذ بالأسباب حتى الطير يعرف أن طريق
طلبه للرزق ليس أن يقبع في عشه ويقول كما يقول جُهَّال المسلمين :وفي السماء رزقكم وما
توعدون.هذا صحيح لكن هذا الرزق الذي في السماء هل يأتيكَ دون أن تطرق بابه؟ الجواب:لا.
فالتوكل على الله -عزوجل- لا يُنافي الأخذ بالأسباب وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الذي
سماه اللهُ المتوكل فهو لم يدع الأخذ بالأسباب.
لذلك قال-عليه الصلاة والسلام-:"بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لاشريك له وجُعِلَ
رزقى تحت ظل رمحي" هذا سبب من أشرف الأسباب ألا وهو أن النبي-عليه السلام- كان يقاتل فى
سبيل الله الكفار وقد جَعَلَ الله له الخُمس فكان ذلك سببا لطلب الرزق.فكان يقول في تمام
الحديث:"وجُعِلَ الذل والصغار على مَنْ خالف أمرى ومَنْ تشَبَهَ بقوم فهو منهم".
يتبع
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الأسئلة
س1:-عن بريدة قال:قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:"نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث فأمسِكوا مابدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاءٍ فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مُسكِراً".رواه مسلم. نرجو شرح الحديث.
ج:-نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها كان الرسول-عليه السلام- قد نهى المسلمين في أول الإسلام نساءً ورجالاً عن
زيارة القبور وذلك من باب سد الذريعة لأنهم كانوا حديثي عهدٍ بالإسلام وقريبي عهدٍ بالشرك فخشي -عليه الصلاة
والسلام-أنه إذا أذن لهم بزيارة القبور أن يفعلوا عندها من الشركيات والوثنيات ماكانوا يفعلونه قبل البعثة في
الجاهلية ، وبعد أن مضى ما شاء الله من الزمن حتى تمكن الإيمان في قلوبهم وعرفوا مايجب الإتيان به إذا زاروا
القبور أذِنَ لهم -عليه الصلاة والسلام- إذناً عاماً للرجال والنساء على القول الصحيح فقال:"كنتُ نهيتكم عن زيارة
القبور ألا فزوروها"، وبيَّنَ في أحاديث أخرى الحكمة من زيارة القبور فقال -عليه الصلاة والسلام-:"فإنها تذكركم
الآخرة" فلاشك أن النساء بحاجة إلى أن يتذكرن الآخرة كالرجال إن لم نَقُل هن أحوج إلى ذلك من الرجال ؛ لذلك
حصر الإذن بزيارة القبور للرجال دون النساء مع أنه مُخالف لأحاديث صحيحة فهو في الوقت نفسه يُنافي الحكمة
وهي تذكّر الآخرة : فالنساء كما قال-عليه الصلاة والسلام-: "شقائق الرجال"فهن بحاجة لتذكر الآخرة ، فيجوز
للرجال والنساء زيارة القبور لكن بشرط أن تكون الزيارة شرعية فلا يجوز مثلا للرجال أن يتخذوا المقبرة مقهىً ،
ومن تمام زيارة القبور أن يُسلم الزائر على المزور السلام الذي شرعه الرسول -عليه الصلاة والسلام-ألا وهو:
"السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنَّا إن شاءَ اللهُ بكم لاحِقون,أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ,نسأل
الله لنا ولكم العافية اللهم اغفر لهم اللهم ارحمهم".
كذلك النساء يزرن القبور لتذكر الآخرة والسلام على الميت.أما أن يزرن المقابر متبرجاتٍ بزينةٍ ويجلسن ويتحدثن
ويصحن ويَنِحنَّ؛ فكل هذا يجعل الزيارة مُحرمة.
و من آداب الزيارة:- أن الذي يريد المرور بين القبور لابد أن يمشى حافيا ذلك لأن النبى -صلى الله عليه وآله
وسلم- رأى رجلا يمشي بين القبور بنعليه فقال:"ياصاحب السبتتين إخلع نعليك" السبتية هى النعل الذي لا شعر
فيها. أى إذا كنت مضطرا أن تمشي بين القبور فمن احترامك للقبور ألا تطأها بنعالك وإلا فليقتصر على السلام من
بعيد.
- ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا مابدا لكم من جملة الأحكام التى كانت في أول الإسلام أنه لا يجوز
للمُضحِّي أن يدخِّر لحم أضحيته إلا ثلاث أيام فقط فإذا دخل اليوم الرابع يجب صرف ما بقي عنده من الأضحية.وكان
هذا الحكم لأمرٍ قد طرأ,فقد جاء في"صحيح"مسلم من حديث السيدة عائشة قالت: دفَّت دافة من الأعراب فى
المدينة -يعني جاء طائفة من الأعراب الفقراء مُهاجرين إلى المدينة فهم بحاجة إلى طعام وكان الوقت وقت عيد
الأضحى فقال -عليه الصلاة والسلام-:"لاتدخروا لحوم الأضاحي فوق ثلاث" ليضطر المُضحي إلى أن يصرف هذا
اللحم إلى هذه الدافة. لكن الدافة إما رجعت وهى غنية وإما استقرت في المدينة وقد أغناها الله - عزوجل -من فضله
بواسطة المسلمين فزالت العلة التي من أجلها نهى الرسول-عليه السلام-من ادخار لحوم الأضاحى ، فأمسِكوا ما بدا
لكم يعني ادخروا ماشئتم لكن لا تنسوا على كل حال حق الفقراء في الأضاحي.
وجاء في الحديث الصحيح:أن المضحين إذا ضحوا يوم العيد يُؤمرون بثلاثة أشياء:"فكلوا وتصدقوا وادخروا".
- ونهيتكم عن النبيذ في الأسقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً
هذا كان في أول الإسلام حيث كانوا حديثي عهد بتعاطي المُسْكرات فلما حَرَمَ اللهُ عليهم الخمر تحريماً عاماً من أي
شيء كان هذا الخمر متخذاً ، فمن باب سد الذريعة نهاهم الرسول-عليه الصلاة والسلام-أن ينتبذوا في بعض أنواع
الأسقية التي تساعد على تخمر النبيذ ثم أباح الانتباذ بعد ذلك في كل سقاء وبقي النهي عن المسكر فقط .
س2:-عن عائشة قالت:"كنتُ أدخل بيتي الذي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي واضع ثوبي وأقول إنما هوزوجي وأبي ,فلما دُفِن عمر-رضى الله عنه -مادخلته إلا وأنا مسدولة عليَّ ثيابي حياءً من عمر" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح هل الأموات يرون الأحياء عند زيارة القبور حتى تقول عائشة هذا؟
ج:-الأموات لايرون الأحياء وبينهم وبين الناس في الدنيا برزخا كما في القرآن إلى يوم يُبعثون فلا صلة بين الأموات
والأحياء. ولا علم للأموات بما يجري للأحياء.أما هذه القصة التي تتحدث عنها السيدة عائشة فهي من الأمور إما ان
يُقال:إنه رأي للسيدة عائشة, وإما أن يكون هذا حُكمٌ خاصٌ بعمر بن الخطاب على اعتبار أنه من الخلفاء الراشدين
وأنه قُتِل غدراً من المجوسى اللعين. فعائشة - رضي الله عنها - تقول:أنها كانت تدخل الحجرة التي كانت حجرتها في
عهد الرسول -عليه السلام-.وفي هذه الحجرة دُفن الرسول -عليه السلام- ودُفِنَ أبوها فكانت باعتبارها في بيتها
رافعة خمارها آخذة حريتها ، فلما دُفِن عمر وهو غريب صارت لا تدخل الغرفة إلا بخمارها قالت:حياءً من عمر.
فهل الأموات يرون؟ هى احتجبت من باب أحد شيئين:
1-إما أنها تظن أن عمر بصورة خاصة لأنه شهيد ومن الخلفاء الراشدين يجوز أن يكون له هذا الانطلاق وهذه
الرؤيا الخاصة فهي تضع الخمار لكي لا يراها عمر.
2-الاحتمال الثاني وهو الأرجح أن هذا أمرٌ رمزي, و هي لا تعتقد أن عمر يراها وإنما مادام الرجل دُفن في بيتها
فهي ترى من الآداب الشكلية؛أن تختمر وأن لا ترفع الخمار.
ومما يؤيد الوجه الثاني أنها لو كانت تعتقد أن عمر يراها ؛ لما اقتصرت على وضع الخمار لأن أمهات المؤمنين
بعد أن فُرضَ عليهن الحجاب لم ير الرجل الغريب وجه إحداهن إطلاقاً لأن نساء الرسول كان من الواجب عليهن أن
يسترن وجوهن. فهذا مجرد أدب من السيدة عائشة -رضي الله عنها - فى ذلك المكان الذي دُفن فيه عمر .
انتهى - بفضل الله - الشريط العاشر .
يتبـــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الحادي عشر
** تابع باب الانبساط إلى الناس
تتمة الحديث:" ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولاصخَّابٍ في الأسواق, ولا يدفع بالسيئةِ السيئة َولكن يعفو ويغفر,ولن يقبضه
الله تعالى حتى يُقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا:لاإله إلا الله و يفتحوا بها أعيناً عمياً وآذانا صُمَّاً وقلوباً غُلفاً"
- ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولاصخابٍ في الأسواق :
قال تعالى:{ولو كُنتَ فظاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حَولِكَ}. هذه الصفة أن الرسول -عليه الصلاة والسلام - لم يكن
فظاً غليظَ القلب هو أمرٌ طبيعي أن يكون كذلك مادام أنه وُصِفَ في القرآن بقول الله: {وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم} فليس
من الأخلاق الكريمة أن يكون المسلم المُقتدي برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- فظاً غليظاً لأنه لو كان كذلك
لنفر الناس وانفضوا من حوله لذلك قال تعالى مُخبراً عن هذه الحقيقة التي عليها رسول الله -صلى الله عليه وآله
وسلم- وهي أنه كان رقيق القلب رحيما رفيقاً بأصحابه بل وحتى في بعض الأحيان بأعدائه.
وقد جاء يهودي للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو في مجلسه في بيته فسَلَمَ عليه سلاما بالتعبير العامِّي ملغوم
ضمنه الطعن فيه حيث قال:السام عليك يا رسول الله -السام هو الموت - وبديهي أن لا يخفى ذلك على رسول الله -
صلى الله عليه وآله وسلم- فقال له: "وعليك"ولكن السيدة عائشة – رضي الله عنها- التي سمعت قولهم وتنبهت لما
قصدوا إليه لم تملك نفسها بل اندفعت لتقول:وعليك السام واللعنة والغضب.ثم لمّا انصرف اليهودي عن مجلس
الرسول -عليه الصلاة والسلام- التفت إليها قائلاً:"ياعائشة ماكان الرفق فى شىءٍ إلا زانه وما كان الغضب في
شيءٍ إلا شانه" قالت: يا رسول الله ألم تسمع ما قال؟
قال:"ألم تسمعي ما قلتُ؟ لقد أجبته بقولي:وعليكم,
فإن كان قصد فقد أعلمناه أنَّا مُنتبهون وإن كان لم يعن فقد أجبناه بدون اعتداء".
فهذا أثر من آثار الرسول -عليه الصلاة والسلام-أنه لم يكن فظاً ولا غليظاً حتى مع الكفار الذين كان لهم ميثاق؛
فأولى أن لا يكون مع أصحابه فظاً ولاغليظاً.
= ولاصخَّابٍ فى الأسواق :
فمعنى ذلك أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان في منتهى الهدوء فكان بعيداً عن أخلاق السوقة والباعة الذين
يرفعون أصواتهم في الأسواق فالصخب:هو رفع الصوت بشدة. فلم يكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كذلك إنما
كان رقيقاً ناعماً مهذباً.
= ولايدفع بالسيئةِ السيئة :
أي أن الرسول-عليه الصلاة والسلام-كان يغلب عليه أنه إن أساء إليه أحد؛
لم يُقابل السيئة بالسيئة وإنِّما يُقابل السيئة بالحسنة ويعفو ويصفح.
ومن الأمثلة على ويعفو ويغفر: قصة ذلك المشرك الذي تتبع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-في بعض أسفاره
حتى وجد منه خلوة وابتعاداً عن أصحابه في البرية فوجده وقد عَلَقَ سيفه على شجرة ثم وضَعَ رأسَهُ فنام فسارع إلى
السيف فأخرجه من غمده ثم أيقظه ثم قال له وقد أشهر سيفه: مَنْ يُجيرك مني ؟
فقال-عليه الصلاة والسلام-:"الله"
فسقط السيف من يد ذلك المُشرك من رهبته وخوفه من مُناداة الرسول-عليه الصلاة والسلام- لربه وسرعان ما أخذ
الرسول-عليه الصلاة والسلام- السيف بيده وقال له:"مَنْ يُجيرك مني ؟"
فطلبَ المشرك منه أن يعفو عنه فأطلقه ولستُ استحضر أن المشرك آمن.
= ولن يقبضه اللهُ حتى يُقيم به الملة العوجاء :
لن يتوفى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى يُقيم الملة العوجاء. والمقصود بالملة:هي ملة إبراهيم -عليه
السلام-ولكن وصفها بأنها عوجاء باعتبار ما دخل عليها وما طرأ فيها من التغيير والتبديل لا منه إبراهيم-عليه
السلام- فقد كان أمة قانتاً مُوحِداً داعِياً إلى اللهِ كما أمره اللهُ وإنما الناس بعد إبراهيم إعوجوا وانحرفوا عن مِلته
ومع الزمن أصبح الناس يتوهمون أن ماهُم فيه من الاعوجاج والانحراف عن ملة إبراهيم إنما هي الملة المستقيمة
كماهو الشأن اليوم بالنسبة لكثير من المسلمين الذين يعبدون الله - تبارك وتعالى- بأمورٍ ليست من الإسلام ولكنَّ الله
تعهد بهذا الدين بالمحافظة عليه كما قال ربنا- تبارك وتعالى-: {إنَّا نحنُ نزَّلنا الذكرَ وإنَّا لهُ لحافظون}
فالله -عزوجل- لاشك أنه موفي بهذا العهد فلا يزال الشرع كما كان في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام
-محفوظاً ما بين دفتي القرآن وكتب السُنَّة الصحيحة. أما قبل الرسول-عليه الصلاة والسلام-فقد أصاب الملة
الإبراهيمية إعوجاج لم يبق مجال لأحد أن يعرف الاستقامة التي كانت في ملة إبراهيم حينما بُعث بها.
لذلك فقد قيّضَ اللهُ لملة إبراهيم أن يُقيمها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأخبرَ اللهُ في التوراة بأنه إذا بَعَثَ
محمداً-عليه الصلاة والسلام -فإنه سوف يُبارك في عمره فلا يقبضه إليه إلا بعد أن يُقيم الملة الإبراهيمية التي ادْخِلَ
فيها ما ليس منها فأصبحت ملة عوجاء.
مثال:- كيف أصبحت ملة إبراهيم عوجاء بسبب ما أدخله الناس بجهلهم في هذه الملة السمحاء؟
كلنا يعلم أن الذي بنى الكعبة الشريفة إنما هو إبراهيم -عليه السلام- وهو الذي دعا الناس للذهاب إلى الحج إلى
بيت الله الحرام وأنه هو الذي سنَّ الطواف حول الكعبة وبين الصفا والمروة فلبث الناسُ ما شاء اللهُ - تبارك وتعالى-
من سنين يُحافظون على سُنَّة إبراهيم -عليه السلام- في الحج والمناسك.ثم عرض لهذه المناسك شيء كبير من
الانحراف.من اوضح ذلك أن الأصنام بدأت تتسرب إلى بيت الله الحرام بسبب انحراف الناس عن عبادة الله وتوحيده
كما دعا إبراهيم -عليه السلام- إليه فجلبوا الأصنام من الروم إلى مكة ووُضِعت على ظهر البيت الحرام مع أن
المساجد كما قال تعالى:{وأنَّ المساجدَللهِ فلا تدعوا مع اللهِ أحداً}وأفضل المساجد على وجه الأرض هو المسجد
الحرام.ومع ذلك وُضِعت الأصنام على ظهر بيت الله الحرام وعُبدت من دون الله. فهذا أعظم البدع والضلالات التي
دخلت في دين إبراهيم وفي بيت الله الحرام ومن ذلك أن الطوافين حول الكعبة سَوَّلَ الشيطان إليهم بأنه أتقى لهم عند
الله أن يطوف الطائف منهم حول الكعبة عارياً لا فرق عندهم بين النساء والرجال.فهذا من الانحراف الخطير الذي
أصاب ملة إبراهيم -عليه السلام- خاصة في بيت الله الحرام.ولقد كانت المرأة حين ما تدخل الطواف حول الكعبة تُلقي
ثيابها.لماذا سَوَّلَ الشيطان لهؤلاء الأقوام أن يطوفوا حول البيت عراة نساءً ورجالاً؟ لقد سول لهم استحسان الطواف
حول الكعبة عراة بدعوى أنه لا يليق بالطائف أن يطوف حول الكعبة في ثيابٍ عصى الله فيها وكانت غفلتهم شديدة
لأن هذه الثياب يُمكن غسلها أو تغييرها لكن ماذكرهم الشيطان أنه لاي ليق الطواف بالبيت الحرام بقلبٍ عصى الله .
فجاءت السُنَّة تعاكس دعوة الشيطان فبينت في القرآن:{خذوا زينتكم عند كل مسجد} نزلت بخصوص الطواف حول
الكعبة عارياً نزلت لإبطال هذه العادة الجاهلية التى خالفوا فيها ملة إبراهيم -عليه السلام- فقال تعالى:{خذوا زينتكم
عند كل مسجد} أي استروا عوراتكم إذا طفتم وإذا دخلتم أي مسجد من مساجد الله في الأرض.وكان من السُنَّة أن
المسلم إذا عزم على الحج أن يتطهر من أدرانه ومن الآثام والذنوب وأن يتوب إلى ربه -تبارك وتعالى -إذا كان يريد
أن يكون حجه مقبولاً مبروراً فقال-عليه الصلاة والسلام-:"مَنْ حجَّ البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم
ولدته أمه"فأمر -عليه الصلاة والسلام- بهذا الأمر الهام قبل كل شيء قبل تغيير الثياب أن يُطهرالإنسان نفسه من
ذنوبه وآثامه حتى إذا حج إلى بيت ربه رجع كيوم ولدته خالياً من ذنوبه. بعد ذلك أمر الرسول -عليه الصلاة
والسلام - في المرتبة الثانية أمر كل حاج إذا أحرم بالحج أن ينزع ثيابه ولو كانت نظيفة وأن يلبس إزاراً ورداءً هذا
من تمام التهيؤ للذهاب إلى بيت الله الحرام.
يتبع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
= يقيم الملة العوجاء
يُقيم:أي يُقوِّم الملة:هي ملة إبراهيم -عليه السلام- ليست بطبيعتها عوجاء وإنما عرض لها
العوج بما أدخل الناس فيها من خرافات فلم يقبض الله نبيه -عليه الصلاة والسلام- حتى أطاح بالأصنام
من الكعبة وذلك يوم فتح مكة فكان يطعن بمخصرته"عصاة في يده" على كل صنم ويقرأ قوله تعالى:
{وَقُل جَاءَ الحقُ وزَهَقَ الباطلُ إنَّ الباطلَ كان زَهوقاً} حتى لم يبق على ظهر الكعبة صنم وأصبحت
العبادة لله وحده لاشريك له. فالله - عزوجل - بَعَثَ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ليُقيم الملة العوجاء
فما مات إلا وقد قام بهذا الواجب مصداقاً لقول الله -تبارك وتعالى-:
{ياأيها الرسول بَلِغ ماأنزِلَ إليكَ من ربك وإن لم تفعل فمابلَّغتَ رسالته واللهُ يَعصمك من الناس}
فقد غفر الله له وعصمه من الناس حتى أقام الملّة الحنيفية بعد ما أصابها الإعوجاج من كل ناحية.
ولقد بيَّنَ في هذه الجملة كيف يقيم الملّة العوجاء فقال:"بأن يقولوا:لا إله إلا الله"
-فى هذه الفقرة تنبيهٌ عظيمٌ جداً إلى أهمية شهادة التوحيد في الإسلام.إنما تكون إقامة الملّة التي انحرفت
وانحرف فيها الناس عن الجادة أول ما تكون بأن يقولوا:لاإله إلا الله. ومن البديهي أنه ليس المقصود من
قوله بأن يقولوا:لا إله إلا الله أن يقولوها بألسنتهم ولمَّا يدخل معناها فى قلوبهم,ليس هذا هو المقصود وإنما
الغرض أن يقول بلسانه هذه الجملة الطيبة وهو واعٍ لمعناها المقصود منها.
فما هو معنى لاإله إلا الله ؟
لأن أكثر الناس في غفلة عن معنى هذه الكلمة الطيبة والكارثة أنه قد عادت هذه الملّة إلى الإعوجاج
في هذا الزمن وفي الذي قبله من سنين بسبب غفلة الناس عن معنى لا إله إلا الله ومقتضياتها ولوازمها.
كثير من الناس يتوهمون أن معنى لا إله إلا الله:لا رب إلا الله وهذا خطأ ، ليس معنى لا إله إلا الله لا رب
إلا الله فقط لا شك أنه لارب إلا الله ولكن الشيء المهم لفهم هذه الكلمة الطيبة هو :
أن نفرق بين معنى الرب ومعنى الإله ؟
فمعنى الإله أعم وأشمل من معنى الرب.ومعنى الرب أضيق من معنى الإله.
مثال:- من اعتقد بأن محمداً نبي الله فهذا صحيح فمحمد نبي الله ولكن لا يتم إيمانه حتى يعتقد أن
محمداً رسولُ الله ؛ ذلك لأن كلَ رسولٍ نبي وليس كل نبي رسولا، أي أن معنى النبي أضيق من
معنى الرسول.
أيضا إذا قيل حيوان وقيل إنسان فمعنى الحيوان أوسع من معنى الإنسان.
كل إنسان حيوان ولكن ليس كل حيوان إنسان ، فمعنى أنَّ كل حيوان إنسان خرج
من ذلك أن تكون له حياة تشبة حياة الملائكة.
&- الفرق بين النبي والرسول:-
النبي:هو رجلٌ يوحى إليه من الله - تبارك وتعالى - لكن هذا الوحي ليس فيه تشريع,
نزل إليه خاصة وإنما هو بحكم برسالة وكتاب مَنْ قبله من الرسل.
أما الرسول: فهو نبي أرسِلَ للناس بكتاب.
كذلك معنى الرب والإله:-
فالرب :- هوالخالق للناس وللعالم جميعاً والمُربي لهم فهو رب العالمين
لكن الإله:- هوالرب الذي لا يُعبد سواه.
فمن اعتقد بأن الرب هو خالق هذه السموات ؛ هذه عقيدة صحيحة لكنها لاتكفي فلابد
أن يضم إلى اعتقاده بأن الله هو الرب خالق السموات والأرضين لابد أن يُضيف إلى ذلك
بأنه هوالإله المعبود بحق ليس غيره يُعبد بحق.
--"بأن يقولوا:لاإله إلا الله":
بأن يعتقدوا أن هذا الرب الخالق هو وحده الذي يستحق العبادة دون سواه.
فمعنى هذه الجملة لامعبود بحق فى الوجود إلا الله.
هنا يظهر الفرق بين التوحيد والشرك ويظهر سبب كفر المشركين الأولين الذى جاء الخبر
عنهم في القرآن الكريم بأنه: {وإذا قيل لا إله إلا الله يستكبرون}.
كان من طبيعة عقيدة المشركين أنهم يُنكرون هذه الكلمة "وإذا قيل لهم لاإله إلا الله يستكبرون"
ذلك لأنهم عرب ويفهمون أن معنى هذه الكلمة هو إبطال الآلة الأخرى التي كانوا يعبدونها من دون
الله في الوقت الذي يعتقدون فيه أن الرب هو الخالق المربي الرازق :
{ولئن سألتهم مَنْ خَلَقَ السمواتِ والأرضَ ليقولن الله}
فهم يُوحدون الرب ولايعتقدون أن هناك خالق مع الله ، فهم فى الربوبية موحدون
ولكنهم في الألوهية كانوا مشركين. كانوا يعتقدون أن الخالق واحد لكن يعبدون معه آلهة أخرى
ولذلك كانوا يستنكرون على الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما يدعوهم إلى قول:
لا إله إلاالله . فالمسلم إذا قال هذه الكلمة فاهما لمعناها مؤمنا بها ؛ نجا من الخلود في النار
وكان مصيره الجنة ( مَنْ قال لاإله إلا الله دخل الجنة )
وأما الذي لايفهم هذه الكلمة ولايُفرق بين: لا رب إلا الله ولا إله إلا الله فهو فى الجهل بها
كالمشركين أو أشد لأن المشركين كانوا يعلمون معنى هذه الكلمة باعتبار أن لغتهم لاتزال
عربية سليمة.ولكنهم مع هذا العلم كانوا لا يعترفون بهذا المعنى الصحيح لأن ذلك يستدعيهم
إلى أن يكفروا بآلهةٍ أخرى {أجَعَلَ الآلة إلها واحداً إن هذا لشيءٌ عُجاب}.
ماقالوا:أجعل الربَ واحداً ؛ لأنهم مؤمنين وكانوا متفقين مع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
أن الربَ واحدٌ أي الخالق المربي واحد لكنهم استغربوا وتعجبوا من دعوة الرسول - صلى الله
عليه وآله وسلم-إياهم إلى لا إله إلاالله.
من أجل ذلك حينما حضرت الوفاة عمه أبا طالب؛جاء الرسول-عليه الصلاة والسلام- في
آخر لحظة من حياة عمه أبي طالب ليبلغه دعوة الإسلام:شهادة أن لا إله إلا الله رحمة به
وطمعاً في إيمانه.فجاء إليه وقال له:يا عم قُل لي كلمة أحاج بها لك عند الله - تبارك وتعالى-
وحوله كبار قريش كانوا ينهونه أن يستجيب لدعوة ابن أخيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-
فكان آخر كلمة قالها عمه أبوطالب وهو في حضرة الموت: لولا أن يُعيرني بها قومي لأقررتُ
بها عينيك.
مثلا:دعوة أهل القبور: يجهل أكثر المسلمين أن معنى دعاء المقبور من دون الله هو عبادة
لهذا الميت من دون الله فالرسول -عليه الصلاة والسلام - يقول:"الدُعاء هو العبادة"
نعتقد نحن أن أهم واجب على الدُعاة في هذا العصر الحاضر هو شرح عقيدة التوحيد
قبل كل شيء.قبل أي إصلاح لابد من تفهيم المسلمين معنى هذه الكلمة الطيبة.
يتبــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الأسئلة
س1:- ذكرتم أنه إذا غُزِىَ إقليم من العالم الإسلامي فإن الجهاد يكون فرضاً عينياً لرد العدوان,
على الرجل والمرأة سواء.أفليس الغزو الفكري في عصرنا الحديث أخطر من الغزو العادي؟
وألا يلزم منه أن يكون فرض الجهاد الفكري فرضاً عينياً على الرجل والمرأة سواء لمُحاربة
هذا العدو بنفس سلاحه؟ فكيف توفقون بين قيام المرأة بالدعوة وبين أن لا تكون داعية للزومها بيتها؟
ج:- هذا الذى يُسمى الغزو الفكري لو فرضنا أن القيام بدفعه هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة
فهذا الفرض المزعوم لم يأت به كل مسلم حتى يأتي دورأن يقوم به كل مسلمة.
فحين يجد السائل المسلمين من الرجال خاصة قد قاموا بواجب رد هذا الفكر الأجنبي حينذاك يسأل:
أليس واجب على النساء أن يشتركن مع الرجال في دفع هذا الغزو؟!
أما وأكثر الرجال اليوم لا يشتغلون بدراسة السُنَّة التي بها يُمكن فهم القرآن وبدون هذا الفهم
لا يمكن دفع الغزو الفكرى إطلاقاً ، إذا كانت هذه حقيقة فكيف نقول:ألا يجب على النساء
أن يصبحن داعيات ؟ أي أن ينقلبن دعاةٍ كالرجال ويتركن بيوتهن؟ والله -عزوجل- يقول:
{ وقرن في بُيُتِكُنَّ ولاتبرجن تبرجَ الجاهلية الأولى } علماً بأن طلب العلم باتفاق علماء المسلمين
ليس فرضاً عينياً على كل مسلم ، وإلا لأثم جميع المسلمين إلا أفرادا قليلين منهم من العلماء.
لكن الله -عز وجل - بالمؤمنين رءوف رحيم فهو لم يفرض على كل مسلم ومسلمة أن يكون
كل منهم عالما بالإسلام من ألفه إلى يائه وإنما أوجب على طائفة منهم أن يتفقهوا في الدين
وأن يُبَلِغوا هم للآخرين. فكيف يُقال بأنه يجب على النساء جميعاً أن يتعلمن هذا الإسلام كله ليكونوا
دعاة ومهاجمين لهذا الغزو؟!!
هذا انحراف في فهم الإسلام بصورة عامة أي تنحراف عن أن طلب العلم ليس واجباً عينياً
على كل مسلم.وإنما يجب على كل مسلم ما يُصحح به عقيدته هذا فرض عين كما بالنسبة للا إله إلا الله.
لوكان يجب على كل مسلم أن يكون عالما فيجب على النساء والرجال أن يعلموا معنى لا إله إلا الله
ثم يدعو كل منهم في دائرته الخاصة به يشرحون جميعاً هذه الكلمة لأن معرفتها والعمل بها فرض عين
على كل مسلم. وأنا أنصح بكلمة واحدة نحن أشبه ما نكون اليوم بالزمن الذي أشار إليه القرآن الكريم حينما قال:
{ ياأيها الذين آمنواعليكم أنفسكم لايضركم مَنْ ضل إذا اهتديتم }
ومعنى هذه الآية أن على المسلم أن يتعلم ويعرف المعروف فيأمر به ويعرف المنكر فينهى عنه
فإذا وَجَدَ قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عمياً ؛ فلا يهمه ذلك فعليه نفسه.
س2:-قرأتُ في كتاب"فتح العبدي مُختصر الزبيدي"حديث أنس بن مالك:أن الرسول -عليه الصلاة والسلام-قال بما معناه:"إذا سببتُ شخصاً أو شتمته فلتكن له كفارة يوم القيامة" فكيف ذلك ولم يكن فظاً وكان على خُلقِ كريم؟
ج:- الرسول - عليه الصلاة والسلام - وإن كان أفضل البشر فهو لا مخرج عن طبيعته البشرية
فهذه الطبيعة البشرية تغلب عليه في نادر أحواله فقد يتوجه في طريقةٍ مستعجلة بكلمة يجرح بها
شعور إنسان لديه لكنه ليس كأمثالنا مطلقاً لأننا نسبّ المسلم ونتّهمه بما ليس فيه ثم لا نبالي
أما الرسول -عليه الصلاة والسلام- فسرعان ما ينتبه أنّه تكلّم بهذه الكلمة التي كان من الأفضل
أن لايتكلم بها. لقد عاش-عليه الصلاة والسلام- ثلاثا وستين سنة فلو استقصيت مثل هذه الكلمات
التي توجه بها الرسول -عليه الصلاة والسلام -إلى بعض الناس وهم ليسوا أهلاً لها لربما لم تبلغ
عشر كلمات ؛ فهذا لايخل بمقامه -عليه الصلاة والسلام - ولا بنبوته ولا برسالته ما دام أنه بشر
بنص القرآن: {قل إنما أنا بشرٌمثلكم} ولكن يجب أن لا نأخذ طرفا من هذا
الحديث أي نتساءل كيف صَدَرَ من الرسول -عليه الصلاة والسلام-أنّ سبَّ إنسانا بغير حق؟
وإنّما يجب أن نأخذ تمام الحديث ؛ فمن صفاته لا يتبع السيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر
فالرسول -عليه السلام- كان حينما يسبّ إنساناً وهو غير أهل لهذه المسبّة كان يرفع يديه إلى ربه
- تبارك وتعالى - فيقول:"أيما رجل سببته أو لعنته وهو ليس لها بأهل فاجعلها مغفرة له وزكاة
ورحمة يوم القيامة" فهذه حسنة قضت تلك السيئة.
لذلك ما في استنكار في هذا إلا حينما ننظر إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- نظرة شعرية
خيالية يعني نتصور أنه ليس بشراً وأنه كملائكة الرحمن: {لايعصون الله ماأمره ويفعلون مايؤمرون}
حينما ننظر للرسول -عليه الصلاة والسلام -هذه النظرة الشعرية الخيالية يرد الاستشكال
أما حينما ننظر إليه بعين الواقع أنه بشر مصطفى مختار عند الله وأن كونه بشر مصطفى
لا يُنافي أن تصدر منه بعض الأخطاء ؛ ومن أجل ذلك قال تعالى -:
{إنَّا فتحنا لك فتحاً مُبيناً ليغفر الله لك ما تقدمَ من ذنبك وما تأخر} .
هل يصح أن يُقال في حق الملائكة أن الله غفر لهم ما تقدم وما تأخر؟!!
لا ... لأن الله فطر الملائكة على أنهم لا يعصون الله ما أمرهم
أمّا البشر بما فيهم سيد البشر-عليه الصلاة والسلام- فلم يُفطر على الطاعة
وإنّما فُطر على الجهاد فى سبيل الطاعة فهو بحق سيد المجاهدين.
س3:- يُقال أن الإسلام انتشر بالسيف فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان لا فكيف الفتوحات ؟
ج:- قال -عليه الصلاة والسلام:"بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله
وحده لاشريك له,وجُعل رزقي تحت ظل رمحي , وجُعل الذل والصغار على مَنْ خالف
أمري ومَنْ تشبه بقوم فهو منهم".هذا حديث صحيح يرويه الإمام أحمد في مسنده
من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما - فقوله -عليه الصلاة والسلام-:
بُعثتُ بالسيف بين يدي الساعة تقرير لحقيقة شرعية.
وهناك حقيقة أخرى يقررها الإسلام كتاباً وسُنَّة من ذلك قوله -تبارك وتعالى -:
{ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }
هذه الآية تُقرر أصلا والحديث يُقرِّر أصلاً آخر.
الآية تُقرر أن الأصل في دعوة الناس إلى الإسلام وإلى الدخول فيه
أفواجاً أن يشرح لهم الإسلام ويُبيِّن لهم الحقيقة وعلى هذا بدأت
الدعوة الإسلامية في تاريخ الإسلام المكي ثم المدني.
أما الأصل الثاني فهو بإزالة العراقيل : الأصل الثاني هو الدعوة بالسيف
لإزالة العراقيل والعثرات التى يُلقيها أعداء الإسلام في طريق الدعوة
للإسلام على الأصل الأول ، فالرسول-عليه الصلاة والسلام- لايرفع السيف
إلا مضطراً وكل دعوة لابد لها من صيانة ، وأصل الدعوة الصحيحة هو الدعوة
على الأصل الأول"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"
ولكن الدعوة التي لاتُدعم بالقوة سيكون نهاية أمرها أن تُطوى لأن الحق مالم يُنصر بالقوة مات.
وأنتم ترون معي بأن الإسلام حقٌ سواء في الزمن الأول أو الزمن الحاضر
لكنه في الزمن الأول انتشر حتى بلغ المشرق والمغرب أما اليوم فقد تقلص ظله
حتى من نفس البلاد الإسلامية وما سبب ذلك إلا أنه لم يوجد له نصر ينصره
بالقوة حين يريد أعداء الإسلام أن يحصره بل يقضوا عليه.
فالحكمة الإلهية اقتضت أن يُدعا إلى الإسلام بطريقة من طريقتين:
الأولى: وهي الأصل الدعوة بالتي هي أحسن.
الأخرى: بالسيف لإزالة العثرات من طريق الدعوة التي يجعلها الكفار.
فمقاتلة المسلمين في القرون الأولى إنما كان لهذا السبب وهو أن الرسول
-عليه الصلاة والسلام - بعث الدعاة إلى هرقل وإلى المقوقس وإلى أنوشروان
وإلى كسرى فماذا كان موقف هؤلاء؟
الصد والمنع من السماح لدعوة الإسلام أن تنطلق بحرية تامة في تلك البلاد
فهذه البلاد التى لم تفتح أبوابها للدعاة الإسلاميين لم يكن بد من نقل الدعوة إليها بالسيف.
أما لو فرضنا كما يزعم في العصر الحاضر أن هناك حرية تامة لكل إنسان أن يدعو
لما يدين به لو فرضنا أن بلاد الأرض اليوم كلها تبنت هذا المبدأ أي الحرية التامة
فسوف لا يحتاج المسلمون إلى القتال لأن القتال هو كما قال -تعالى-:
{أذِنَ للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلِموا} فأذِنَ لهم بالقتال لأنهم
ظلموا وما هذا الظلم إلا هو الاعتداء عليهم إما في عقر دارهم وهو الأكثر
في أول الإسلام وإما فى طريقهم للدعوة فأولئك القراء السبعون الذين وقعت
معركة بئر معونة أرسل -عليه الصلاة والسلام- سبعين قارئاً حافظاً من حفاظ
الصحابة ليدعوا إلى الإسلام فغدرت بهم بعض القبائل فقتلوهم عن بكرة
أبيهم فقاتلهم الرسول -عليه الصلاة والسلام -حتى نصره الله عليهم.
انتهى الشريط الحادي عشر .
يتبــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الثاني عشر
تابع باب الانبساط إلى الناس
* عن معاوية قال:سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاماً نفعني الله
به سمعته يقول أو قال:سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:
"إنكَ إذا اتبعت الريبة فى الناس أفسدتهم"
هذا حديث خاطب به رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- معاوية ابن أبي سفيان
وكان ذلك قبل أن يتولى الملك ويقول العلماء:إن مُخاطبة النبى -صلى الله عليه وآله وسلم-
لمعاوية بمثل هذا الحديث تلميحاً لطيفاً إلى أنه قد يتولى يوما ما ولاية الناس
وشئونهم ولذلك نصحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن لايُعاملهم على
أساس سوء الظن وإلقاء الشبهة والريبة فيهم.
= إذا اتبعت الريبة :
أي إذا ظننت بهم ظن السوء وعاملتهم على أساس سوء الظن بهم كان ذلك
دافعاً لهم وحافزاً على أن يرتكبوا ما من أجله أسأت الظن بهم.
فلا يجوز للمسلم ان يُسيء الظن بأخيه المسلم لاسيما إذاكان له ولاية عامة
على الناس لأن إساءة الظن بهم يُحملهم على أن يكونوا عند سوء ظنه بهم.
وإذا أحسن الوالي الظن بالناس كان ذلك من الحوافز على أن يكونوا عند حسن الظن.
ونحو هذا الحديث ماجاء في"صحيح"مسلم أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
نهى الرجل أن يطرق أهله ليلاً يتخونهم ويتظنن بهم سوءً ، نهى الرجل إذا كان مسافراً
أن يأتي أهله ليلاً أي أن يقصد أن يأتيهم ليلاً من باب المُباغتة والمفاجأة.
معنى ذلك أنه ألقِي في نفسه سوء ظن بأهله ، وفي عرف الناس إذا اتُهم شخص
بتهمة وكان بريئاً منها وحاول أن يدفعها عن نفسه فلم يستطع فيفعل ما اتٌهم به.
فهذا الحديث فى غاية الحكمة.
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد
بارك الله فيك متابعين
وفيك بارك الله نسعد بمتابعتك
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
109- باب التبسم
* عن جرير وهو ابن عبد الله البجلي قال:"ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-منذُ أسلمتُ إلاتبسم فى وجهي"
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:"يدخل من هذا الباب رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة مُلك" فدخل جرير
في الحديث الأول:أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كان من آدابه وأخلاقه في
صحبته لصحابه أن يهش لهم ويبش في وجوههم ولذلك يقول جرير:
مارآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهذا التبسم من الصدقات التي
بها وبأمثالها مما يُسِّر للمسلمين من الصدقات يستطيع المسلم ذكر وأنثى
أن يصبح غنياً بالأجور فقد يفوق بمثل هذه الأعمال كثيراً من أصحاب الأموال
فقد قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث:"وتبسمك في وجه أخيك صدقة"
ولذلك كان طبيعياً أنه -عليه الصلاة والسلام- يُعامل أصحابه بمثل هذا الأدب
الذي وجَّه أصحابه إليه.
سُئلت في الأردن ما رأيك في اجتماع يُعقد بين الرجال والنساء ؟
أو بين الشباب والشابات متجلببات بالجلباب الشرعي فما رأيك بهذا الاجتماع ؟
وقد سماهُ بحق اختلاط فقال:ما رأيك بهذا الاختلاط ؟
فعلا هو اختلاط ولو أنه في تلك الحدود التي ذُكرت، وقلتُ له إذا أردنا أن نتمسك
بالحرفية اللفظية مادام النساء في هذا المجلس متجلببات ومتسترات الستار الشرعي
فلا بأس من هذا الاجتماع ولكن الحقيقة أن هذا لايمكن أن يكون إلا نظرياً.
أما عملياً فكيف تستطيع أن نتصور مثل هذا الاجتماع من أوله إلى آخره.
قد تحكم على هذا الاجتماع بالرزانة بحيث أن أحد الحاضرين لا يتكلم بكلمة
تندفع من ورائها إحدى الحاضرات فتبتسم أو تضحك؟
لذلك فالشرع في الابتعاد عن عقد مثل هذه الاجتماعات الخليط بين النساء
والرجال بدعوى أن السترة متوفرة لأن كون السترة متوفرة هذا شرط من الشروط
وأدب من الآداب الواجبة في الإسلام لكن هناك نوعية الكلام :
فإن تبسم رجل لامرأة أوامرأة لرجل فضلا عن الضحك فضلا عن القهقهة
حينئذٍ يخرج عن هذا المجلس عن أن يكون مجلساً إسلامياً.
ولذلك فلا نرى إقرار هذه الاجتماعات مطلقاً ما أمكن إلى ذلك سبيلا ؛ لأن الإنسان
لايملك نفسه أن يضحك أحياناً فيُضحك الآخرين وهنا يكون الشيطان قد طرق على الحاضرين باب الفتنة.
لذلك فإن كان من أدب الرسول -عليه السلام- أنه لا يلقى أصحابه إلا تبسم في
وجوههم فيجب أن نفهم هذا الحديث على ضوء القواعد الإسلامية والتي منها سد الذريعة,
فيتبسم الرجل في وجه الرجل والمرأة في وجه المرأة وليس العكس لأن هذا مفتاح للفتنة.
و في تمام الحديث فائدة :
إن جريراً لما جاء يدخل على الرسول -عليه الصلاة والسلام- مبشراً بمجيء جرير:
يدخل من هذا الباب رجلٌ من خير ذي يمن :
جرير من قبيلة من القبائل اليمنية فأخبرهم -عليه الصلاة والسلام-أنه من خير هذه القبيلة.
على وجهه مسحة مُلك أي على وجهه آثارالمُلك والنعمة والجمال.
يتبــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
* عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "مارأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكاً قط حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم -صلى الله عليه وسلم-"
في الطرف الأول من الحديث تُحدث السيدة عائشة عن طبيعة الرسول وهو أنه
كان يبتسم ولكن ما كان يضحك ضحكاً بالغاً بحيث يُرى لهواته .
وإن كان الضحك بالقهقهة والصياح ليس محرماً لكن لاشك أنه مما لا يدل أبداً على الكمال والفضل.
وقد جاء في بعض الأحاديث عن السيدة عائشة -رضي الله عنها - وصف الرسول
- عليه الصلاة والسلام - بأنه ضحك حتى بدت نواجذه.
فما هو التوفيق بين هذا الحديث وحديث عائشة -رضي الله عنها- ؟
التوفيق سهل وذلك باستحضار قاعدة من القواعد العلمية الأصولية
وهي التي تقول:مَنْ حفظ حجة علا مَنْ لم يحفظ ومَنْ علم علا على مَنْ لم يعلم.
فكل من السيدة عائشة التي نفت وغيرها الذي أثبت كلٌ منهم صادق وكل منهم
أثبت ما سمع وما شهد فلا نُكذب شخصا منهم فنقول في سبيل التوفيق : أنه أحياناً أي بصورة نادرة كان
الرسول -عليه الصلاة والسلام - يضحك وما ذلك إلا لقوة الباعث على الضحك فهذا يكون على سبيل الندرة.
ومن ذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام - حدَّثَ ذات يوم أصحابه بالحديث الآتي فقال:
"إني لأعرفُ آخر رجل يخرج من النار وآخر رجل يدخل الجنة:
رجلٌ يخرج من النار يحبو حبواً فبينما هو يمشي بدت له شجرة عظيمة وارفة الظلال كثيرة الثمار فقال:
ربي أوصلني إلى تلك الشجرة أستظل بظلها وآكل من ثمرها وأشرب من مائها
فيقول الرب:هل عسيت إن أنا أوصلتك إليها ألا تسألني غيرها؟
فيقول:لا يارب لاأسألك غيرها ، فيوصله الله -تبارك وتعالى-إليها فيستظل بظلها
ويأكل من ثمرها ويشرب من مائها ثم ينطلق يمشي إلى الجنة فتبدو له شجرة أخرى
ويعيد العبارة مرة ثانية وثالثة ويمتنّ الله عليه ثم ينطلق يمشي حتى إذا ما دنا واقترب
من الجنة وأبوابها قال: يارب أدخلني الجنة فيقول ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها
فيقول العبد:أتهزأ بي وأنتَ الرب وأنت الحق؟!!
فهنا يضحك راوي الحديث وهو عبد الله بن مسعود فيسأله التابعي:لمَ ضحكت؟
قال:لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر أن العبد قال لله -عزوجل- أتهزأ بي وأنت الرب ؟
ضحك الرسول -عليه السلام- ولعل راوي الحديث قال:حتى بدت نواجذه.
فسُئل الرسول:لم ضحكت؟ قال:لأن الله ضحك من عبده لما قال له:أتهزأ بي وأنت الرب؟!!
لم يُصدق هذا العبد المسكين وهو يعلم نفسه أنه خرج من النار وهالك
فكيف يقول الله له:ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ؟
من الأمثلة على قاعدة: مَنْ حفظ حُجَّة على مَنْ لم يحفظ
-قالت عائشة - رضي الله عنها -:"مَنْ حدثكم بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -بالَ قائما فلا تُصدِقوه"
بينما روى البخاري ومسلم فى "صحيحيهما"من حديث حُذيفة بن اليمان-رضي الله عنه - قال:
"أتى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -سُباطة قومٍ أي مزبلتهم فبال قائماً".
نقول: كل منهم حدَّثَ بما علم: فعائشة -رضي الله عنها- لم تعلم بما علم به حذيفة
وهذا أمرٌ طبيعي لأن السيدة عائشة من المخدَّراتِ فى البيت فهي لم تكن تخرج كلما خرج الرسول
-عليه السلام -من بيته لأنها امرأة ووظيفتها أن تقر في بيتها,
أما حذيفة فهو يطّلع على انطلاق الرسول-عليه الصلاة والسلام-وذهابه ومجيئه خارج بيته
أكثر من زوجه عائشة -رضي الله عنها-. وبالعكس هي تعلم من الأمور الباطنية أكثر من كل الصحابة - رضي الله
عنهم أجمعين- ولذلك هي لم يتفق لها أن ترى الرسول-عليه السلام- يبول قائماً لأنه وهو في بيته لايضطر أن يبول
قائما لكن قد يخرج خارج بيته بستان برية فقد يكون الوضع بحيث أنه أسهل له أن يتبول قائماً.
فقال العلماء:العمل على حديث حذيفة لأنه مُثبت وليس على حديث عائشة لأنه نافية والمثبت مقدم على النافي.
--قالت:"وكان -صلى الله عليه وآله وسلم-إذا رأى غيماً أوريحاً عُرف في وجهه"
يعني كان -عليه الصلاة والسلام- يتأثر بظواهر الطبيعة ، لكنه حينما يتأثر بهذه
الظواهر أنما يُراقب اللهَ من ورائها ، فهو -عليه الصلاة والسلام - يحى و يعيش دائما ذاكراً
لله -عزوجل- في كل حال وفي كل مناسبة. ومن ذلك إذا رأى في السماء غيماً أو ريحاً شديدة
اضطرب-عليه الصلاة والسلام وظهر تأثره مما رأى على وجهه.
وفي رواية أخرى:"وإذا أمطرت السماء سري عنه".
يعني الرسول-عليه الصلاة والسلام كان له حالتان:
1- إذا امتدت الغيوم في السماء فكان يضطرب الرسول -عليه الصلاة والسلام- ويظهر ذلك على وجهه.
2 - فإذا نزلت الأمطار سُرِّىَ عنه أي زال عنه الكرب والخوف.
كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها - تُراقب هذا في وجه الرسول -عليه الصلاة والسلام-
فقالت:يارسول الله ! إنَّ الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاءً أن يكون فيه المطر وأراك
إذا رأيته عُرفتَ في وجهك الكراهة ؟
فقال: "يا عائشة ما يؤمنِّى أن يكون فيه عذاب فقد عُذِب َقومٌ بالريح وقد رأى قومٌ العذاب
فقالوا:هذا عارضٌ ممطرنا".
الرسول - عليه الصلاة والسلام - هو كما قال بحق في حديثٍ آخر: "أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله"
فالرسول -عليه الصلاة والسلام- بلاشك هوأخشى الناس لله وأخوفهم من الله -تبارك وتعالى -
ومن الدليل على ذلك أنه إذا رأى ريحاً يستولي عليه الخوف ولذلك كان من هديه -عليه الصلاة
والسلام -إذا رأى ريحا يقول:"اللهم إني أسألكَ خيرها وخير ما فيها وأعوذ بكَ من شرها وشر ما فيها"
أي أن الريح قد تأتي بالخير وقد تأتي بالشر ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يغتر بخير يراه
فقد ينقلب شراً ؛ {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون}
فإذا رأى المسلم ريحاً في السماء فيجب أن يتصور نفسية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
يتبـــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
- باب الضحك
* عن أبي هريرة قال:قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:"أقِلَّ الضحك فإن كثرة الضحك تُميت القلب"
*عن أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-قال: " لاتُكثِر الضحك" .
الفرق بين الحدثين:-
الحديث الأول: يعلو ويسمو بالمسلم فيأمره أن يُقلل من الضحك.
والحديث الثاني: ينهاه عن الإكثار من الضحك لأن الضحك القليل إذا اعتاده الإنسان توصل إلى الإكثار منه.
والحديث يشهد أن الإكثار من الضحك سبب من الأسباب المميتة للقلب.
-معنى موت القلب:ليس المقصود منه الموت المادي ؛ لأن القلب له وظيفتان وظيفة يعرفها جميع الناس حتى الكفار
وخصوصاً منهم الأطباء ؛ وهو أنه سبب حياة الإنسان وهو المضخة الفطرية التي تمد الإنسان بهذا الدم الذي هو
سبب حياته في تقدير الله - عزوجل -.
أما الوظيفة الأخرى لايعرفها إلا أهل الشرع المتمسكين بنصوص الكتاب والسُنَّة هذه الوظيفة
هي حياة الإنسان من الناحية الفكرية والناحية الروحية.
هذه الحياة مقرها القلب ليس كقطعة لحم وإنما سر كالروح المودعة في هذا الجسد والتي لن يعرف أحد كُنهها .
{ويسألونكَ عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}
كذلك هذا القلب هو سبب حياة ذلك الإنسان حياة عقلية روحية.
قد يحيى الإنسان الحياة المادية إما حياة طبيعية ، أو حياة جنونية ؛ لأنه يحيا حياة مادية كما
يحيا أي حيوان على وجه الأرض أما الحياة العقلية والفكرية فلا يحياها إلا من كان قلبه حيا حياة روحية عقلية.
هناك أسباب مادية تقضي على هذه الحياة الروحية التي مقرها القلب ، من هذه الأسباب كثرة الضحك.
كثير من المسلمين فضلاً عن غيرهم لا يعلمون أن مركز العقل أي الفهم هو القلب,
ويظنون أن مركز العقل هو الدماغ ، وهذه غفلة لأنها سيطرت على كثير من العلماء والأدباء والكُتَّاب
فضلاً عن جماهير الناس ، النصوص الشرعية كلها تشهد بأن العقل والفهم إنما مركزه القلب
لذلك ربنا يقول:{أم لهم قلوبٌ لايعقلون بها أم لهم آذانٌ لايسمعون بها}
وجاءت الأحاديث تؤكد أن هذا القلب هو مركز حياة الإنسان في فهمه و في حياته الروحية
ولعل من ذلك الحديث المشهور:"ألا وأنَّ في الجسد مُضغة إذا صَلحَت صلح الجسد كله
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"
فمن الوسائل التي تُساعد على إفساد هذا القلب وعلى إماتته؛ كثرة الضحك.
فعلى المسلم وخصوصاً النساء ألا يُكثرن من الضحك وأن لا يرفعن أصواتهن بالضحك
ولولم يكن هناك رجلٌ غريب فالنساء أولى بالحشمة والرزانة لذلك كنَّ يُسمين قديماً بالمخدرات.
فأحوج من يكون إلى الإقلال من الضحك النساء لأن النساء وصفهن الرسول-عليه الصلاة والسلام-:
"بأنهن القوارير"أي أنهن يتأثرن بأقل شيء أي بالخير والشر.
*عن أبي هريرة قال:(خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رهطٍ من أصحابه يضحكون ويتحدثون
فقال:"والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراُ "ثم انصرف وأبكى القوم ثم أوحى الله -عزوجل-إليه:"يامحمد ! لم تُقنِط عبادي؟ فرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:"أبشِروا وسدِدوا وقاربوا")
= لم تُقنِط عبادي؟ يعني رويدك بأصحابك, ترفق وتلطف بهم, لاتشدد عليهم في وعظك وتذكيرك.
لذلك قال لهم -عليه الصلاة والسلام-أخيراً:"أبشِروا وسددوا وقاربوا".
وعظه الأول ووعظه الأخير معناه كما يقول أهل العلم:إن المسلم يجب أن يحيى بين منزلتين:الخوف والرجاء.
فلا هو خائف خوفاً يُنسي الرحمة و لا طامع طمعاً يُنسي العقاب وإنما بين ذلك قواماً.
وقد رأى -صلى الله عليه وآله وسلم-امرأة من السبايا وهي تركض بين المعسكر لتبحث
عن طفلها حتى وجدته فضمته إلى نفسها فقال-عليه السلام-:"لله أرحم بعباده من هذه بطفلها أو بولدها".
فحياة المسلمين بين الخوف والرجاء تستلزم أن يكون بعيداً عن سفاسف الأمور.
يتبــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الأسئلة
س1:- ماهو حُكم التكبير أيام عيد الأضحى وعيد الفطر؟ وماهي الأوقات المفضلة لذلك؟ وماهى صيغة التكبير؟
ج:-أما حُكم التكبير: فهو الوجوب ؛ لقوله تعالى: {ولتُكَبِروا اللهَ على ما هداكم} .
أما الأوقات المفضلة لذلك:فليس لتكبيرات العيدين وقت وإنما كما هو فى الآية مطلق.
فالمسلم في العيدين يجب أن يحيا بذكر الله -عزوجل- فيُكثر من الذكر لا على التحديد ، والتحديد أدبار
الصلوات بالتكبيرات في العيد ؛ هذه من محدثات الأمور وليس لها أصل في الشريعة إطلاقاً :
وإنما يكبر قبلها وبعدها وبين الصلوات ، أي ليس هناك وقت معين لتكبيرات العيدين.
أما صيغة التكبير:فليس هناك صيغة وردت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ،
وإنما جاء عن بعض أصحابه ، فمما صحَّ عنهم:"اللهُ أكبر,اللهُ أكبر اللهُ أكبر لاإله إلا الله,
اللهُ أكبر اللهُ أكبر وللهِ الحمد" بدون الزيادات التى نسمعها.
س2:- عن معاذ:"أنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زوال الشمس؛أخَّرَالظ هر حتى يجمعه إلى العصر ويُصليهما جميعا, وإذا ارتحل بعد زوال الشمس؛صلى الظهر والعصر جميعا"أخرجه أحمد وابن داود وغيرهم.هل هذا الحديث صحيح؟
ج:- خلاف كثير بين علماء الحديث فمنهم المُصحح ومنهم المُضعِف ومنهم من يحكم عليه بالوضع
وهذا أبعد الأقوال عن الصواب.وأصحها أن الحديث صحيح وفيه التنصيص على مشروعية جمع
التقديم.هناك أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى أي أن الرسول-عليه الصلاة والسلام -كان يجمع جمع
تقديم بين الظهر والعصر ، أما أحاديث جمع التأخير فهي أكثر وأكثر ؛ ولذلك فالمسلم في السفر مخير
بين أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير لأن كلا الجمعين ثابت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم
- فى الأحاديث الصحيحة ، الجمع رخصة ليس بعزيمة كالقصر.
القصر عزيمة:أي لا يجوز للمسافر أن يُصلي تماما بل يجب عليه أن يُصلي قصراً.
إذا كانت الحاجة للمسافر تقتضيه أن يجمع جمع تقديم ؛ قدَّمَ,وإن كانت الحاجة تقتضيه أن يجمع جمع
تأخير؛أخَّرَ فهو وراحته ؛ صدقة تصدق اللهُ بها عليكم فاقبلوا صدقته.
المسافر تبدأ أحكام سفره بعد تجاوزه بنيان بلدته أو قريته اللهم إلا في الصوم ، ففي
الصوم خاصة إذا عزم على السفر وهو فى بلده؛ جاز له الإفطار:
مثلا نويت السفر في الغد والوقت رمضان ؛ يجوز أن لا أتسحر, ويجوز أن أكل بعد السحور
لأني عازم على السفر. أما الصلاة فلا يبدأ القصر والجمع إلا بعد الخروج من بنيان البلدة أو القرية.
س3:- حديث سلمة بن الأكوع قال: لمَّا نزلت: ( وعلى الذين يُطيقونه فدية طعامُ مسكين )
بمعنى مَنْ أراد يُفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها ذكرت عن الحامل والمرضع المضطرة أنها تفطر وتُطعم عن كل يوم مسكيناً حسب الآية {وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين}والآية قد نُسخت نرجو التوضيح؟
ج:- نُنبه على شىء يتعلق بكلمة النسخ.فالاصطلاح الأصولي الفقهي اليوم وقبل اليوم
بمئات السنين أن معنى نسخ الشيء:هو رفع الحكم مطلقاً جملة وتفصيلاً.
هذا هوالاصطلاح الذى استقر عليه رأي أهل الأصول ، أما الصحابة فكانوا يستعملون النسخ بهذا
المعنى ، وبمعنى آخر وهو في اصطلاح علماء الأصول يُعبر عنه بالتخصيص.
فالصحابي عندما يقول:الآية الفلانية نسخت الآية الفلانية ؛ تارة يعني رفع الآية مطلقاً وتارة يعني
خصصت منها حُكما معيناً ولم تلغ الحُكم من أصله.
فهنا سلمة بن الأكوع يقول:إن آية{وعلى الذين يُطيقونه} نسختها الآية التي بعدها {فمَنْ شَهِدَ منكم
الشهر فليَصُمه} إما أن نحمل كلمة"نسخت" على النسخ بالمفهوم العام وهي أن آية الفدية نُسخت
مطلقاً وهذا هو رأي الجمهور وإما أن نفهم بقوله:نسخت هذه الآية تلك أي خصصتها.
والمعنى الثاني سواء كان يعنيه سلمة بن الأكوع أو لا يعنيه هو الصواب
ذلك لأن آية {وعلى الذين يُطيقونه} كانت أيضا مطلقة أول ما نزلت لاتخص ناس
دون آخرين أي أن الله -عزوجل- حينما فرض صيام رمضان لم يفرضه على المكلفين كما هو
مفروض اليوم,وإنما فرضه على عباده المؤمنين على التخيير بين شيئين:-
1 - إما أن يصوم المكلف مؤديا الفرض.
2- وإما أن يفطر فيُفدي.
وهذا من حكمة التشريع لأنهم ماكانوا يعرفون الصيام في الجاهلية فلما نزلت فلما نزلت :
{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}هذه الآية كما يقول سلمة نسخت الآية الأولى
فإما أن نفهم من قوله:"نسخت" يعنى مطلقاً وإما أن نفهم المعنى الثاني
والاصطلاح السلفي نسخت بمعنى خصصت وقيدت {وعلى الذين يُطيقونه}
كالشيخ العجوز المسن والمرأة الحامل والمرضع.
فالمنسوخ من هذه الآية ماسوى هذه الأنواع الثلاثة ؛ والدليل على ذلك أحاديث بعضها مرفوعة
وبعضها موقوفة على ابن عباس منها:"قوله -عليه الصلاة والسلام -:"إنَّ اللهَ وَضَعَ الصوم عن الحامل والمرضع والمسافر"
وضع:أي أسقط.
وقول ابن عباس:("وعلى الذين يُطيقونه"خاص بالشيخ والمرأة الحامل والمرضع)
لأن الله بنى شرعه كله على أساس: {وماجَعَلَ عليكم فى الدين من حرج}.
ملاحظة:- الشيوخ والحامل والمرضع قسمان:-
1-قسم يُطيق الصيام مع المشقة ؛هؤلاء يفطرون ويفدون ويأخذوا بهذه الرخصة.
2-قسم لايُطيق الصيام فيفدي ولا شيء عليه.
س3:- عن أبي هريرة- رضي الله عنه-قال:قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"مَنْ جاع أو احتاج طعمه عن الناس وأفضى به إلى الله تعالى ؛ كان حقا على الله أن يفتح له قوت سنة حلال" ما صحة هذا الحديث؟
ج:- الحديث ما بين ضعيف أو موضوع. إما أنه ضعيف أو حسن فهذا أبعد ما يكون.
انتهى الشريط الثاني عشر .
يتبع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الثالث عشر
111 - باب إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبرأدبر جميعاً
*عن أبي هريرة أنه ربما حدَّثَ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -فيقول:"حدثنيه أهدب الشفرين,أبيض الكشحين,إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبرَ أدبر جميعاً لم ترعينٌ مِثله"
هذا الحديث إسناده حسن لغيره. ويتحدث به صاحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-
المُكثر من الرواية عنه أبو هريرة -رضي الله عنه - يقول الراوي عن أبي هريرة:
إن من عادة أبي هريرة أنه إذا حدَّثَ عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-أحياناً يصفه
ببعض صفاته وشمائله التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
فيقول:"حدثنيه أهدب الشفرين" الشفر:هو الجفن الذي ينبت عليه الشعر.
فيصف الرسول - عليه الصلاة والسلام - بأنه جميل الصورة بالإضافة إلى أنه حسن الخُلق.
فقد جمَعَ له ربه -تبارك وتعالى - بين الحُسنيين:حسن الظاهر وحُسن الباطن.
وهذا من أكمل ما يجتمع للإنسان في الحياةِ الدنيا ؛ ولهذا جاء فى السُنَّة الصحيحة أنه يُسن
للمسلم سواء كان رجلا أوأنثى إذا وقف أمام المرآة أن يقول:"اللهم كما حَسَنتَ خَلقي فحَسِن خُلقي".
فمن حُسن خَلقه - عليه الصلاة والسلام -أنه كان أهدب الشفرين يعني : كان شعر جفنه
-عليه الصلاة والسلام- طويلاً ، وهذا دليل على جمال العينين ، وجمال العينين في الإنسان
هو أصل الجمال فيه.
أبيضُ الكشحين:وهذا كناية عن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان خلافاً للمعهود عن العرب
بصورة عامة أنهم سُمر ، فهو -عليه الصلاة والسلام -أبيض البشرة ؟، وإنما تكون البشرة بيضاء
فيما بطن من الجسم ولم يتعرض للشمس والحر والبرد لأن هذه العوامل الطبيعية مما يُؤثر
في لون البشرة فتسمر مع الزمن ؛ ولذلك تحدث أبو هريرة عن ناحية من جسم الرسول
-عليه الصلاة والسلام -التي من طبيعتها ألا تتعرض لعوامل الطبيعة فتبقى على سجيّتها
وعلى مافطرها الله عليه من هذه الناحية وهما الكشحتان.
المقصود بالكشحين: الخاصرتان ، وهذا كناية عن أنه -عليه الصلاة والسلام -أبيض البشرة
ومما يؤيده هذا في شمائله -عليه الصلاة والسلام-أن بعض الصحابة حينما كانوا يصفون
وجهه يقولون: "أبيض محمر الخدين".
وكان من شمائله - عليه الصلاة والسلام - أنه إذا أقبل أقبل جميعاً: والمقصود أنه
- عليه الصلاة والسلام - كان رجلاً رزيناً ولم يكن شخصاً خفيفاً :
فكان إذا مشى مشى متوجها إلى هدفه بكليته وإذا أدبر أدبر بكليته أيضاً
بمعنى أنه لا يلتفت أو يمشي بانحراف اي منحرفا بقسم من بدنه وإنما كان يتجه بكل بدنه مقبلا أو مدبراً.
وهذا معناه أن المسلم يجب عليه أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام- حتى في مشيته ؛
لأنه أكمل إنسان خلقه الله - عزوجل - وجعله أسوة للناس جميعاً.
لم ترعينٌ مثله ولن تراه :أي في جماله وفي كماله ، و يجزم أبوهريرة أنه لن يرى
مثله أبداً حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.
يتبــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
112- باب المُستشار مؤتمن
أي الشخص الذي يستشيره المستشير (المستشار) مُؤتمن.أي يجب عليه أن يؤدي
الأمانة إلى الذي استشاره فينصحه ولايغشه ولايخدعه.
* عن أبي هريرة قال:( قال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-لأبي الهيثم:"هل لك من خادم؟"قال:لا قال:"فإذا أتانا سَبي فأتِنا"فأرسل فأتى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم.قال النبي - صلى الله عليه وسلم-:"اختر منهما" قال:يارسول الله! اختر لي فقال- صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المستشار مؤتمن,خذ هذا فإني رأيته يُصلي واستوصى به خيراً"فقالت امرأته:ماأنت ببالغ ماقال فيه النبي- صلى الله عليه وسلم-إلا أن تعتقه.قال:فهو عتيقٌ.فقال- صلى الله عليه وآله وسلم-: "إنَّ الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان:بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر,وبطانة لاتألوه خبالا ومَنْ يُوق بطانة السوء فقد وُقي"
في هذا الحديث فوائد جمة منها: قوله:"المستشار مؤتمن"
قال -عليه الصلاة والسلام -لأبي الهيثم:"هل لك خادم؟"
قال:لا قال: "فإذا أتانا سبىٌ فأتنا"
السبي:الأسرى من الرجال والنساء ، ولقائد الجيش أن يتصرف فيهم بأمر من أربعة:
1
-إما أن يُطلق سراحهم ويمن عليهم.
2-وإما أن يفدي بهم أسرى من المسلمين وقعوا في أيدي الكفار.
3-وإما أن يسترقُّهم وذلك بتقسيمهم على الجيش.
4-وإما أن يقتل الأسرى إذا رأى ذلك في صالح المسلمين .
وهذا الأخير وقع في تاريخ الرسول - عليه الصلاة والسلام - وسيرته بالنسبة
لبعض الأشخاص حتى قال:"اقتلوا ابن الأخطل ولو وجدتموه مُتعلقاً بأستار الكعبة".
والغالب من الأمور الأربعة إما المفاداة وإما الاسترقاق.
فلما سأل الرسول -عليه الصلاة والسلام -أبا الهيثم :هل لك من خادم؟
وقال:لا / قال له -عليه السلام-فإذا جاءنا سبي فأتنا.
فجاءت الأسرى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فحسبما طلب الرسول
-عليه الصلاة والسلام- من أبي الهيثم من المجيء إليه جاءه ، ولم يكن عنده من السبي
مما يصلح أن يكون خادما إلا رأسين: يعني شخصين فعرضهما-عليه السلام- على أبي الهيثم وقال له:اختر أيهما شئت.
فعاد أبو الهيثم على النبي -صلى الله عليه وسلم- يستنصحه ويقول له:اختر لي أنتَ.
فقال-عليه الصلاة والسلام-:"إنَّ المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يُصلي"
كيف هذا وهو أسير؟ والأسرى المفروض أنهم كفار؟
هذا مما يُشكل على كثير من طلاب العلم اليوم.يقولون:عرف نا أنَّ الإسلام إنما استباح الاسترقاق
جزاءً لكفرهم وعنادهم ووقوفهم في طريق الدعوة إلى الله فكان جزاؤهم في الدنيا أن يُسترقوا؛
هذا معقول.ولكن ما بال هذا الأسير لا يزال عبداً مسترقا وقد آمن بالله ؟.
الجواب على هذا أن كثيراً من الأسرى الذين كانوا يقعون في يد الجيش المسلم
كانوا يُسلمون حينما يُخالطون المسلمين ويعيشون بينهم ويطلعون عن قرب
على تأثير الإسلام في تربية المسلمين وفي تخليقهم بالأخلاق الحسنة فيتبينون
من هذه الحياة التي اضطروا إلى أن يحيوها مع المسلمين يتبينون بها مالم يكن
يعرفونه من قبل من مبلغ تأثير الإسلام في مُعتنقيه في تربيتهم وفي سلوكهم
فكانوا حينما يرون هذا التأثير الصالح من الدين الإسلامي في أصحابه ينشرحون
لهذا الإسلام فيُسلمون ويُصَلون. فهو من قبل كان كافراً وما وقع أسيراً إلا لأنه
كان كافراً ولكن بعدما أسِر وتبينَ له صلاح الإسلام ليكون ديناً لجميع الأنام أسلم هذا العبد.
فلماذا يبقى عبداً مُسترقاً ؟
لوكان الإسلام اتخذ نظاماً أن الأسيرإذا وقع في الأسر فأعلن إسلامه ويصبح حراً
لكان هذا أداة ضرر للجيش المسلم لأنه كلما وقع أسيراً في يد مسلم يقول:
أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيُعتق فيرجع لبلده ويجهز من جديد
مع الذين لم يُؤسروا أو أسِروا وأعْتِقوا ؛ لذلك فمصلحة الجيش المسلم
تقتضي إن يظل الأسير الكافر أسيراً حتى ولو أعلن إسلامه خشية أن يكون
هذا الإعلان طريقة للخلاص من الأسر ولم يكن عن قناعة وإيمان
لذلك كانت هذه الحقيقة توجد في حياة المسلمين في أسراهم.
فالأسير كان كافراً فأسلم ؛ يظل أسيراً مُسْترقاً مُستعبداً وفي نفس الوقت لم يسد
الشارع الحكيم طريق التحرر لهذا المُسترق المُستعبد بعد إسلامه.
ماسد الطريق عليه في أن يتخلص من أسره؛ بل أمر المسلمين الأسياد
الذين لديهم من أمثال هؤلاءالعبيد الذين أسلموا بعد استرقاقهم بأن يُكاتبوهم
فقال: {فكاتبوهم إن عَلِمتُم فيهم خيراً}.
والمكاتبة :-أي مُكاتبة السيد لعبده: معناها عقد واتفاق يُعقد بين السيد وبين عبده
بأنه إذا قدم إليه كذا من الدراهم يُصبح طليقاً حراً رغما عن هذا السيد وبناءً على
هذا الذي أمر به الشارع الحكيم وأوجبه على الأسياد.
أي لايجوز للمسلم السيد أن يظل مسترقاً لعبده بعد إسلامه إذا رأى فيه خيراً
بل يجب عليه أن يفسح له المجال ليتحرر من الرِّق بأن يشتري نفسه بالمال
فيُقدم للسيد مايوجب على السيد أن يعتقه.
أما هذا العبد الذي اختاره الرسول -صلى الله عليه وسلم - لأبي التيهان
كان من أولئك الأسرى الذين حينما أسروا أسلموا فجاء إلى الرسول
-عليه الصلاة والسلام- أسيراً ، فلما استنصحه الرجل قال:اختر لي يا رسول الله.
فقال-عليه السلام:"إن المستشار مؤتمن خُذ هذا فإني رأيته يُصلي" .
وهذا الحديث:إن المستشار مؤتمن هو من معاني قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-:
"الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة" قالوا لمن يارسول الله؟ قال:"لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين ولعامتهم"
فهذا تطبيقٌ للشطر الأخير من هذا الحديث "ولعامتهم"
فأبو التيهان من عامة المسلمين ولما استنصح الرسول -عليه الصلاة والسلام -
بأن يختار له أحد العبدين نصحه -عليه الصلاة والسلام - وبيَّن له لماذا اختار له هذا العبد لأنه:-
أولا:-المستشار مؤتمن وأبو التيهان استشاره فكأنه يقول:يا أبا التيهان أنت استشرتني
ووثقت بذمتي وأمانتي فيجب علىَّ أن أنصحك فإنّ المستشار مؤتمن أي عليه أن يؤدي الأمانة.
ثانيا:لأنه يُصلي
فلم يكتفِ - صلى الله عليه وسلم- بأمر أبا التيهان بأخذ العبد بل اتبَعَ ذلك
بنصيحة وجهها إلى أبي التيهان فقال له: "واستوصي به خيرا"
وكان عند أبي التيهان أم التيهان وهي امرأة صالحة عاقلة .
كثير من النساء قانتات صالحات ولكن القليل منهن مَنْ يكن عاقلات رشيدات
صاحبات رأي سديد ، ومن هذه القلة كما يُشعرنا هذا الحديث زوج أبي التيهان .
فإنها لما سَمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر زوجها بأن يستوصي
بهذا العبد خيراً؛ قالت لزوجها: "ما أنت ببالغ ماقال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-إلا أن تعتقه"
يعني لن تستطيع بلوغ تنفيذ هذه الوصية إلا بإعتاقه.
هذا رأي امرأة وهو رأي عظيم ورشيد جداً ، وكان الرجل ولاشك مُتجاوباً متفاهماً
مع زوجته وهكذا شأن الأزواج الصالحين دائما وأبداً ؛ ولذلك أجابها على الفور:
فهو عتيق وهي عبارة بالغة ؛
حيث تدلنا على أن الصحابة -رضي الله عنهم- في الوقت الذي كانوا يشعرون
بالحاجة إلى الشيء سرعان ما يجودون به لوجه الله - تبارك وتعالى- وهذا من معاني الزهد.
لكن الزهد الحقيقي أنه إذا جاءت وأقبلت الدنيا حلالها لا حرامها وأقبلت على
الرجل الصالح لم تسترقه ولم تستعبده فأصبح هو مالكاً لها ، هذا هوالزهد الصادق.
ولهذا نجد أبا التيهان حينما سأله الرسول -عليه السلام-: هل عندك خادم يقوم بخدمتك ؟
قال:لا فلما جاء الخادم وأصبح في يده لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام -
قال له:"استوصي به خيراً" ونصحته زوجته الصالحة بأنك لاتستطيع تنفيذ هذه
الوصية في هذا العبد تنفيذا جامعاً صادقاً إلا بأن تعتقه.
فسرعان ماقال: فهو عتيق.
إذن ما الذي استفاده من حيث التمتع بالحياة الدنيا من هذا العبد الذي قدمه له رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟
أما من حيث الحياة الدنيا فلم يستفد منه شيئا لأنه ماكاد يدخل في ملكه إلا وأعتقه
لوجه ربه وهكذا يكون الرجال المسلمون حقاً الذين لاتستعبدهم الدنيا
وهكذا يجب أن يكون المسلم غنياً فلا يُسترَق هو بنفسه بهذا الغنى أو بهذه الثروة
وإنما تكون هذه الثروة في يده ليستعين بها على زيادة التقرب إلى الله
فلا يكون المال وزراً عليه فى الاخرة وإنما يكون له أجراً.
بمناسبة أن السيدة أم التيهان أشارت على زوجها بأن يعتق هذا العبد يجب
أن نذكر أنَّ في هذه المرأة شيء آخر من الكمال لأن هذا العبد سيقوم بمؤنة خدمة بيتها
في الوقت الذي كانت هي تقوم بهذه الخدمة فنصحت السيد أن يُبادر إلى عتق هذا العبد
وإن كان هذا ليس في صالحها.
هذا بالإضافة إلى رجاحة عقلها ففيه إشعار بأنها حقيقة كانت زاهدة في الدنيا راغبة
فيما عند الله لأنها تعلم أن المسلم إذا أعتق عبداً لوجه الله -تبارك وتعالى -
أعتقَ اللهُ كلَ عضوٍ من أعضائه من النار.
وهذا كناية عن أن الله يعتق المعتِقَ للعبد من النارفيُحَرِمَه على النار
فالعبد وإن كان مِلكا للزوج فهي تأخذ في الوقت نفسه الأجر ؛ لأنها تعلم أن الدال
على الخير كفاعله فهي دلت زوجها على أن يُبادر بتنفيذ أمر الرسول
- عليه الصلاة والسلام - وهي قوله:"استوصي به خيراً".
يتبــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
بهذه المناسبة قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:
"إن اللهَ لم يبعث نبياً ولاخليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالاً فمَنْ يوق بطانة السوءِ فقد وُقِي"
لذلك قال العلماء:إنَّ في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-:"إن الله لم يبعث نبياً ولاخليفة"
عقب هذه الحادثة فيه إشارة إلى تزكية أم التيهان ويشير فيه إلى أنها كانت بطانة
صالحة لزوجها لذلك نصحته وأمرته بالمعروف ولم تأمره بالمنكر.
إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان :
بطانة الرجل: هي صاحبه الذي يطلع على سره ويعرف مداخله وأسراره
فهو إما أن ينصح له أو أن يخونه ، فيقول -عليه الصلاة والسلام- مخبراًعن حقيقة
واقعة في هذه الحياة الدنيا وهي أنه مامن نبي ولا خليفة إلا وله بطانتان:بطانة صالحة
وبطانة طالحة.
النبي:هو الذي يوحى إليه من السماء أخباراً مُغيبة لا يعرفها سائر الناس.
وقد يكون نبيا ورسولا كما هو حال نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-
إذا كان الأنبياء لهم بطانتان فمادون الأنبياء أولى وأولى أن يكون لهم بطانتان.
ذكَرَها هنا من بعد الأنبياء الخلفاءَ وهنا يجب أن نقف قليلاً عند كلمة خليفة
فإن كثير من الكتاب الإسلاميين اليوم يُسيئون فهم لفظة خليفة التي تُذكر في الكتاب والسُنَّة
فيتوهمون في مثل قوله تعالى: {إني جاعلُكَ في الأرضِ خليفة} فهما سيئاً
فيتوهمون أن معنى قوله تعالى لآدم: {إني جاعلك في الأرضِ خليفة}
يعني عن الله -تبارك وتعالى- وهذه خطيئة فاحشة لأنه لايجوز بوجهٍ من الوجوه
أن يتصور المسلم بأن الله - عزوجل - يقول عن ذاته العظيمة أن خليفته فلاناً.
ففلان مهما علا وسما من البشر هل يصلح أن يكون خليفة عن رب العالمين؟
لو ضربنا مثلا سيئاً لوجدنا أن هذا المثل السيء على سوئه وقبحه هو خير من الفهم السيء.
لو قال قائل أن فلانا الزبال الجاهل هو خليفة لأبي بكر الصديق هل يقول قائل مثل هذا الكلام؟
طبعا لأ لبُعد الفرق بين أبي بكر الصديق في إيمانه وعلمه فهذا طعنٌ للخليفة أبي بكر الصديق لا شك في ذلك.
النسبة مُتفاوتة بين الخليفة الراشد وبين هذا الرجل الجاهل كذلك النسبة
بين الله -عزوجل- وأتقى إنسان في الدنيا أبعد وأبعد بكثير لذلك لايجوز أن نتوهم
أن الله -عزوجل- جَعَلَ آدم خليفة عنه في الأرض.
ولذلك لايجوز لمسلم أيضا في سبيل تعظيم بعض العظماء أن يقول:أنت في مثل عظمة الله.
من الناحية العربية حين يُقال:فلان خليفة فلاناً يعني إذا ذهب الأول فيخلفه الآخر
أما الله الحي القيوم الباقي الذي لايحول ولا يزول مطلقاً فكيف يُقال :فلان خليفته؟
هو لم يذهب حتى يجعل له خليفة في الأرض.
فقوله:{إني جاعلك في الأرض خليفة} لايعني جاعلك في الأرض خليفة عني
إنما خليفة عن مَن كان قبلك
ولذلك لما جاء في الحديث "أن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة"
فمعنى الخليفة والاستخلاف لغة وشرعا ليس هناك فرق بين اللغة والشرع
في هذه المسألة فكلاهما متحد فيها لكن الشرع يؤكد التزام اللغة في ذلك.
** الخلافة:-
مصدر كما جاء في القاموس يُقال:خَلَفَه خِلافة أي كان خليفته وبقي بعده ، نلاحظ تمام التعبير"وبقي بعده".
ومما جاء في القاموس الخليفة هو السلطان الأعظم.
ويُقال بالتذكير والتأنيث الخليف والخليفة ، والجمع خلائف وخلفاء هذا مافي القاموس
لكن الشيء البديع ما في "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ذكر أثراً يقول:
(جاء أعرابي فقال لأبي بكر:أنتَ خليفة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ؟
فقال:لا,قال: فما أنت إذا كنت تقول أنك لست الخليفة فما أنت؟ قال:أنا الخالفة بعده)
يعني الذي جاء بعد منه.أما أن يكون خليفة فلا لأن معنى الخليفة معنى دقيقاً
وإن كنا نُعبر عنه إجمالا ونستنكر التعبير والإنسان خليفة الله في الأرض من أجل ذلك المعنى
الذي يوضحه ابن الأثير يقول أبو بكر:"أنا الخالفة بعده"
فأبو بكر لم يرض لنفسه أن يكون خليفة بل هوالخالفة أي الذي جاء بعده فقط.
يُفسر ابن الأثير فيقول:(الخليفة مَنْ يقوم مقام الذاهب ويسد مسدَّهُ, والهاء فيه للمبالغة,والجمع خلفاء..إلخ).
الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو بشر لم يرض أبو بكر أن يقول أنه خليفته
لأن معنى الخليفة بهذه اللفظة أنه ينوب مكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
ولا يمكن لأي بشر مهما سما أو علا أن يُداني كماله - صلى الله عليه وآله وسلم-.
من هنا نعرف أنه لا ينبغي من باب أولى أن يُقال:الإنسان ومطلق الإنسان أنه خليفة الله
في الأرض لأن البون أكبر من أن يُذكر بين الخالق والمخلوق فإذا كان أبو بكر
لا يرضى أن يقول عن نفسه أنه خليفة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
فنحن لا نرضى أن نقول أن الإنسان خليفة الله في الأرض.
فما معنى قوله تعالى: {إني جاعلك في الأرض خليفة}؟
للأئمة أكثر من قول في تفسير هذه اللفظة في هذه الآية والقول الذي يجنح
له ابن كثير وهو في ذلك تابع لابن جرير.يقول ابن كثير فى تفسير الآية نفسها:ليس المراد هنا
بالخليفة آدم-عليه السلام- فقط كما يقوله طائفة من المفسرين ولم يثرده الله آدم عينا
لأنه لو كان ذلك لما حَسُنَ قول الملائكة:{..مَنْ يُفسِدُ في الأرض ويُسفك الدماء}
لأنهم أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك.ثم قال ابن كثير:
( قال ابن جرير:وإنما معنى الخليفة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرنا منهم
والخليفة من قولك خَلَفَ فلانٌ فلاناً:إذا قام مقامه فيه بعده كما قال تعالى:{ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}
ومن ذلك قيل:السلطان الأعظم خليفة لأنه خَلفَ مَنْ كان قبله وقام بالأمر فكان منه خلفاً).
هذا هو معنى الخلافة فيجب علينا أن نستحضر هذا المعنى العربي حتى نستعظم
المعنى من قولهم:"إن الإنسان خليفة الله في الأرض" لأن الذي يُريد ان يخلف غيره
هنا يقال أنه يكون على الأقل قريبا منه ، وهنا لا يَحْسُن أن يقول القائل:فلان الجاهل
فلان الزبال هو خليفة العالم الفلاني ، هذا مستهزيء كل الاستهزاء لأنه لايصلح
أن يكون خليفة لذلك العالِم لبعد الشقة بينهما لذلك تجد التعابير في السُنَّة الصحيحة
تأتي لتصنع الخليفة:"اللهم أنتَ الصاحب في السفر والخليفة في الأهل"
فإذا غاب الزوج عن بيته فمَنْ الخليفة من بعده؟ هو الله -تبارك وتعالى-.
أما ان يكون العبد العاجز الجاهل مهما كان قوياً مهما كان عالِماً أن يكون
خليفة عن الله - عزوجل - بالأرض هذا تعبير مُستهجن لغة و شرعا ولا يجوز .
انتهى الشريط الثالث عشر .
يتبـــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الرابع عشر
113- بــــــــــاب المشـــــــــور ة
* عن عمرو بن دينار قال:( قرأ ابن عباس : "وشاورهم في [بعض الأمر] الآية159 آل عمران)
في مثل هذا للعلماء طريقان:
-أحدهما أن يُقال:أنها قراءة ، فالآية المقطوع بروايتها هي باللفظ المذكور في
القرآن الكريم:{وشاورهم في الأمر} أما هذه القراءة وإسنادها صحيح عن ابن عباس
ففيها لفظة : "بعض" وشاورهم في بعض الأمر.
فالعلماء لهم قولان في مثل هذه الزيادة:
1- أحدهما أنها قراءة : أي أن ابن عباس سمع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقرأ الآية بهذه الزيادة.
2 - والقول الآخر:أن هذه الزيادة ذكرها ابن عباس في تضاعيف الآية على سبيل التفسير والبيان ولايعني أنها لفظة ثابتة في القرآن.
وعلى كل حال فهذه الرواية عن ابن عباس رواية صحيحة فسواء كانت لفظة : "بعض"
جزءًا من هذه الآية كما سمعها ابن عباس أو كانت زيادة تفسيرية منه
فالمقصود أن الآية فسرها ابن عباس بأن الأمر الوارد في الآية:"وشاورهم في الأمر"
إنما هو في بعض الأمر وليس في كل الأمر .
أي أن الله - تبارك وتعالى - لما أمرالنبي - عليه الصلاة والسلام - بأن يُشاور أصحابه الكرام
فيما يُعرض لهم من أمر فليس هذا الأمر المذكور في القرآن"وشاورهم"ع لى سبيل العموم
وإنما هو في بعض الأمور. وهنا مسألتان:-
1- تحديد الأمر الذي يجب أن يُشاور فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بدلالة هذه الآية
أصحابه و بالتالي أهل الولايات أي الرؤساء والحُكام.
تبعا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -أن يُشاور أهل الشورى منهم.
فما هو ذلك الأمر الذي يجب على ولي الأمر أن يُشاور فيه أهل الشورى ؟
يجب أن نعلم أن الأمر المذكور في هذه الآية هو قطعاً ليس في الأمور الدينية :
يعني ليس ماكان منها منصوصاً في الكتاب والسُنَّة ففي مثل هذا يُقال:{إتبعوا أحسَنَ ما أنزِل إليكم من ربكم}
ولايُقال: {وشاورهم في الأمر}. إنما الأمر الذي أمِرالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -
ومن بعده من الحكام بمشاورة أهل الشورى في الأمور المباحة "الإدارية" التي تعرض للحكام
وتختلف ما بين زمان وزمان ومكان ومكان ففي هذه الأمور التي ليست مما نُصَّ عليها في الكتاب
أو في الأحاديث هي التي يجب على الحاكم والوالي أن يُشاور فيه أهل الشورى.
مثلا :عزم الحاكم أن يوجه جيشاً إلى جهةٍ ما فشاورهم هل من صالح الجيش المسلم
أن يُوجه في الشتاء إلى هذه الجهة أم في الخريف أم الربيع أم غيره لأن تعيين الفصل للذهاب
أو السفر ليس أمراً مقرراً في الشرع ففي مثل هذا الأمر يُشاور الحاكم أهل الشورى.
وهذا معنى قول ابن عباس أو قراءته:"وشاورهم في بعض الأمر" أي ليس في كله
وعلى ذلك جرى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه من بعده :
أي أنهم ماكانوا يستشيرون في كل وصغير وكبير.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك:-
أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة أحد لما اختلف أصحابه في الخروج للقاء العدو
فبعد أن تشاور معهم ورأي طائفة الشباب منهم عازمة على الخروج وافقهم على ذلك فلما لبس
- عليه الصلاة والسلام -لأمته أي ثياب الحرب الدرع والخوذة وعزم على الخروج
نكل من كان أشار عليهم بالخروج فقال-عليه الصلاة والسلام-:
"ماكان لنبي أن يستنكف عن القتال بعد أن لبس لامته" فلم يعبأ برأيهم وذهب إلى القتال
** ومن ذلك أن أبا بكرالصديق لمَّا عزم على قتال أهل الردَّة إنَّما عزم أولا دون أن يستشير أحداً من أصحابه
وثانيا:بعد أن عارضه عمر معارضة منطقية وليست معارضة عملية حيث كان عند عمر شُبهة
فقال: أتُقاتل قوماً يشهدون أن لاإله إلا الله وأن محمداًرسول الله؟!
فقال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه -:(ألم تسمع رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-قال في الحديث:"أمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها"
قال أبو بكر ألم تسمع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-يقول:"إلا بحقها"؟ ومن حقها إعطاء الزكاة وهؤلاء أعلنوها صريحة فامتنعوا عن إعطاء الزكاة كما كانوا يُقدمونها في عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-)
ولذلك عزم أبو بكر على قتالهم وحلف"والله لو منعوني عِقالاً كانوا يقدمونه لرسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- لقاتلتهم عليه" ثم قاتلهم ونصره الله-عزوجل-عليهم.
إذن الشورى ليست واجبة في كل أمر وإنما في أمر من الأمور الدنيوية التي يبدو للحاكم
أن الرأي فيه مشترك وقد يكون عند المفضول مالا يكون عند الفاضل من الرأي.
يتبـــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
فضل المشورة
ساق المؤلف -رحمه الله - عقب الأثر السابق أثرا آخر :
*عن الحسن قال:" والله ما استشار قومٌ قط إلا هُدوا لأفضل ما بحضرتهم ثم تلا:{ وأمرهم شورى بينهم}"
والمقصود هنا الحسن البصري التابعي وقد يتبادر إلى الذهن أنه الحسن بن علي بن أبي طالب
ولكن ليس هو المقصود ولا سبيل لمعرفة هذا إلا لمن كان عنده علم بتراجم الرجال والرواة
والذين رووا عن هؤلاء الرجال من تلامذة وطلاب علم.
فها هنا مثلا راوي هذا الأثر هو الثري : قال:عن الثري عن الحسن ، ونحن إذا عرفنا
مَنْ هو الثري اكتشفنا بواسطته الحسن.
- الثري هنا كيف نعرفه ؟
- نعرفه من الراوي عنه هذا علم من علم الحديث المهجور اليوم في العالم الإسلامي
إلا ما قل وندر. فالراوي هنا عن الثري هو حماد بن زيد ، فحينما نرجع إلى حماد بن زيد
في ترجمته يسوقون هناك شيوخه الذين تلقى الحديث عنهم نجد منهم الثري بن يحيى,
عدنا لترجمة الثري بن يحيى فوجدناه يروي عن الحسن البصري فانكشف لنا أن المقصود
بهذا الأثر هو الحسن البصري وهذه كلمة موجزة تتعلق بعلم أسانيد الأحاديث.
إذن الحسن البصري يقول في فضل الاستشارة يُقسم بالله - عزوجل - فيقول:
" ما استشار قوم قط إلا هُدوا لأفضل ما بحضرتهم " ثم تلا {وأمرهم شورى بينهم}
أي أنه يأخذ من هذه الآية الكريمة أنَّ اللهَ حينما مدح المؤمنين الصادقين بأن أمرهم شورى بينهم
بل حينما أمر النبي الصادق الأمين بقوله :{وشاورهم في الأمر} فما ذلك إلا لفائدة الاستشارة.
وما فائدة الاستشارة ؟
هوالوصول إلى خير الرأيين وأصدق القولين.
من هذا وهذا فهم الحسن البصري فضيلة الاستشارة فحلف بالله -عزوجل-
وهو في ذلك صادق أنه ما استشار قوم بعضهم بعضاً إلا هُدوا لأفضل رأي مَنْ كان معهم
أي لأفضل ما بحضرتهم من الآراء والأقوال.
قد يرد على البال فيقول قائل:المصنف عقد ها هنا باب المشورة أي فضل المشورة والاستشارة
فما باله لم يذكر الحديث المشهور على ألسنة الناس :
"ماخاب مَنْ استخار ولا ندِمَ مَنْ استشار ولاعال مَنْ اقتصد"
هذا حديث مشهور ومذكور في كثير من الكتب,والجواب أنه حديث ضعيف الإسناد
والظاهر أن الإمام البخاري من أجل هذا الضعف الذي فيه لم يسق الحديث
مع تصريحه بفضيلة الاستشارة حيث فيه : "ولاخاب مَنْ استشار".
يتبـــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
114- باب أثم مَنْ أشار على أخيه بغير رشدٍ
* عن أبي هريرة قال:(قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-:
" مَنْ تَقَوَّلَ علىَّ مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومَنْ استشاره أخوه المسلم
فأشار عليه بغير رشدٍ فقد خانه ومَنْ أفتى فُتيا بغير ثبت فإثمه على مَنْ أفتاه")
هذا الحديث تضمن فقرات فيها فوائد علمية جمة : أول هذه الفقرات:
قوله -عليه الصلاة والسلام -:"مَنْ تقوَّل عليَّ مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار"
هذا بمعنى الحديث المشهور المتواتر: "مَنْ كَذِبَ عليَّ مُتعمِدا فليتبوا مقعده من النار".
مَنْ تقول عليَّ أي مَنْ افترى عليَّ مالم أقل فالرسول -عليه الصلاة والسلام -
يتوعده بالنار فيقول له فليُهيء مكاناً له في النار لأنه افترى على رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم - والافتراء على رسول الله إنما هو افتراء على الله ؛
ذلك لأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-ليس كأحدنا.
أحدنا لو اُفتُرِيَ عليه - وهو إثم بلا شك ؛ لأن الافتراء على المسلم إثم كبير
لكن الافتراء على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هوإثم أكبر وما ذلك إلا أنه
يتكلم عن رب العالمين وبما أوحي إليه -سبحانه وتعالى- كما قال الله: {وماينطِقُ عن الهوى}
فالذي يفتري على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-هو في النتيجة يفتري على الله
لأن الافتراء على رسول الله معناه الافتراء على وحي الله و معنى هذا أنه يفتري على الله
- تبارك وتعالى - ؛ لأن الوحي إنما أنزل على رسول الله من عند الله -تبارك وتعالى-.
فلا جرم أن وعيد المفتري على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كان شديداً جداً.
ولذلك اختلف العلماء"علماء الحديث بصورة خاصة" في حُكم مَنْ كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-عامداً متعمداً : هل هو كافرٌ مرتدٌ عن دينه أم هو فقط فاسقٌ يستحق عذاب ربه كما أفاد هذا الحديث لكنه لا يخلد في النار لأنه مسلم يشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ؟
اختلفوا على قولين اثنين:-
1- منهم مَنْ حَكم بكفره أي ردَّته عن دينه.
2- ومنهم مَنْ لم يوصله إلى هذا الدرك من النار وإنما حكم عليه بأنه فاسق.
والحكم الثاني أرجح بالنسبة لأدلة الشريعة الإسلامية لأنه قال -عليه الصلاة والسلام-في الحديث الصحيح:
"مَنْ قال:لاإله إلا الله نفعته يوما من دهره" أي أنه لا يخلد في النار ، وبدليل أحاديث الشفاعة
وهي كثيرة جداً وفيها أن الله -تبارك وتعالى - يقول لملائكته بعد أن شفع في أهل النار
الأنبياء والأولياء والصالحون يقول رب العالمين:"شفعت الملائكة وشفعت الأنبياء
فلم يبق إلا شفاعتي أخرجوا من النار مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"
لذلك فمهما فعل المسلم من ذنوب وآثام فلا بد أن يخرج يوماً ما من النار
لكن لا يستسهلن أحدٌ هذا الحكم فإن ما يقول العلماء في العُصاة : "أنهم يستحقون دخول النار
والعذاب فيها ولكنهم سيخرجون يوماً ما" لكن لا يستسهلن أحدٌ هذا الحكم لأنه جاء فى الأحاديث الصحيحة :
إن المسلمين الذين يخرجون من النار يوم القيامة يخرجون وقد صاروا حمماً سوداً يعني فحما .
هذا الرأي الثاني في حكم مَنْ تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
إنما هو مَنْ كذب وضميره يؤنبه يعني يعترف بأن هذا الكذب حَرَّمَهُ اللهُ على لسان نبيه
-عليه الصلاة والسلام - ولكن النفس الأمارة بالسوء التي تُسوِّل لصاحبها ارتكاب أي ذنب
مهما كان كبيراً فيبقى هناك شيء من الإيمان فى قلب هذا المُستحِل للإثم ألا وهو الاعتراف
بأن هذا ذنبٌ حَرَّمَهُ اللهُ-تبارك وتعالى- فهذا الإيمان الباقي في قلب هذا المُرتكب لِما حرم اللهُ
أي محرَّمٍ كان ومنه التقول على رسول الله ، فإن كان هذا المُتقول على رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- يشعر بأنه واقع جُرما يستحق العذاب عليه ؛
فهذا الاعتقاد يشفع له يوم القيامة أن يخرج من النار بعد العذاب الذي يستحقه.
أما إذا كان يستحل الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو مرتد بمجرد هذا الاستحلال
فهو في الدرك الأسفل من النار مع المنافقين لأنه يتظاهر بالإسلام ومن جهة أخرى يستحل
الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وقد ترد هنا شُبهة وهي أنه إذا كان الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-والكاذب غير مُستحِل له قلباً فهذا فِسقٌ فما الفرق بين الكذب على رسول الله والكذب على غيره وهو أيضاً فسق؟
وحينذاك أي فسقٍ وقع فيه المسلم فإن كان استحله بقلبه فقد ارتد عن دينه سواء
كذب على محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وسلم-أو أي مسلم من المؤمنين بمحمد
- صلى الله عليه وآله وسلم-.إذا استحل ذلك بقلبه فهو مرتد عن دينه وإذا لم يستحله بقلبه فهو فاسق فما الفرق
حينذاك بين الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وبين الكذب على غيره مادام النتيجة أنه لا يكفر لا بهذا ولا بهذا؟
الجواب: الكذب بلاشك درجات : الكذب كله إثم وذنب ولكن ليس كل نوع من أنواع الكذب
يُشابه الأنواع الأخرى فالكذب درجات ككل ذنب ومعصية.
الزنا درجات والسرقة درجات ، فالذي يكذب على مشرك كافر فهو كذب وإثم
لكن لو كذب على مسلم يزداد الإثم لو كان هذا المكذوب عليه مسلماً فاسقاً
فإذا كان مسلماً صالحاً كان الكذب أشد إثماً وهكذا دواليك إلى أن يصل الكذب على رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- فيكون هذا النوع من الكذب أكبر إثم ليس بعده إلا الكفر بالله -تبارك وتعالى-.
يتبع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
= ومَنْ استشاره أخوه المسلم فأشارعليه بغير رشدٍ فقد خانه :
هذا الشاهد من إيراد المؤلف لهذا الحديث الحسن ، حيث إنه بعد أثبت وجوب التشاور
بين المسلمين حاكماً ومحكومين فأتبع ذلك بحديث يُتمم الباب السابق ، ويفيد هذا الحديث
وجوب المشورة من المستشار على المُستشير بالنصيحة وبالرشد وبالخير
فإن لم يُشر له بذلك الرشد فهو آثم لأنه من الواجب
"إن المُستشار مؤتمن" فمعنى مؤتمن أنه يجب عليه أن يؤدي الأمانة والأمانة
التي عليه أن يؤديها هي الإخلاص للمستشير فيها.
فهنا في هذا الحديث يؤكد الحديث السابق"المستشار مؤتمن"
فإذا أدى الأمانة وهي النصيحة فقد أدى الواجب وإذا لم يؤد الأمانة أي بأن أشار
عليه بغير رشدٍ أي بغير صواب فقد خانه أي لم يؤد الأمانة ، ولذلك فالرسول -عليه الصلاة
والسلام- قد بالغ في الأداء للأمانة حتى قال:"أد الأمانة إلى مَنْ ائتمنك ولاتخُن مَنْ خانك"
فلو أن هذا المستشار خان الذي استشاره يوماً لأثم ، و لا يجوز له أن يخونه
ل عليه أن ينصحه ويدله على خير ما يعلمه له.
ولذلك كانت هذه الخصلة وهي الإشارة على الناس بالخير كانت طبيعة الأنبياء ووظيفتهم
مع كل أممهم كما أفاد حديث الرسول-عليه الصلاة والسلام-:"مابَعَثَ اللهُ نبياً إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير مايعلمه لهم".
حقاً: أي واجباً عليه ، فكذلك يجب على كل مستشار إذا استُشير في مسألة ما
أن يدل المستشيرعلى خير ما يعلمه له فإن لم يفعل ذلك فقد خانه.
إذن تبين لنا أن :-
1-الشورى: وهي تبادل الرأي فى المسائل التي لها علاقة بالمسلمين أفراداً وجماعاتٍ فهي أمر واجب كأصل ولكنها ليست واجبة في كل أمر.
2-المستشار مؤتمن فيجب عليه أن يُقدم إلى المُستشير النصيحة فإن لم يفعل وأمره بغير رشدٍ فقد خانه وهذه الخيانة طبعاً من المحرمات في الإسلام.
= ومَنْ أفتى فُتيا بغير ثبت فإثمه على مَنْ أفتاه :
في هذه الفقرة حُكمٌ خاصٌ يتعلق بأهل العلم الذين يتعرضون لفتيا الناس
وهذه مسألة ثقيلة على وزن قوله تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {إنَّا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً}
ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - قد أوجَبَ على المُستفتي أن لا يتسرع في الإفتاء
بل عليه أن يتثبت ، وليس التثبيت إلا أن يعرف الحُكم من كتاب الله ومن حديث رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - ، فإن أفتاه دون أن يتثبت هذا التثبيت وهو أن يرجع
إلى كتاب الله وحديث رسول الله ، فتبنى المستفتي رأي المفتي وفتواه وكان قد أفتاه بإثم
فإنما إثمه على مفتيه ، ومن هنا نتوصل إلى مسألة خطيرة وهي :
أن العالم حينما يُستفى في مسألة فيُفتي بغيرإسنادٍ إلى الكتاب والسنة فهو يفتي بغير ثبتٍ ؛
لأن الحديث يقول :"ومَنْ أفتى بغير ثبتٍ" أي بغير سندٍ وبغير بيِّنةٍ وحُجة.
ومعلوم لدى كل مسلم أن الحُجة في الإسلام هي الكتاب والسُنَّة وإلا ما استُنبِط
منهما من إجماعٍ وقياسٍ صحيح.
فمن أفتى بغير ثبت أي بغير حُجةٍ من كتاب الله أو من حديث رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- فقد أفتى بغير رشدٍ وإثم المستفتي على مفتيه.
فماذا يجب على المفتي؟
يجب عليه التثبيت قبل كل شيء ولا يتسرع بالفتوى :
ومعنى هذا أنه يجب عليه أن يُراجع المسألة إن لم يكن راجعها :
ومن أين يُراجعها ؟ وكيف يستفتي الجواب الصحيح؟
- بالرجوع إلى الكتاب والسُنَّة لأن الحديث يقول:"بغير ثبت"أي بغير حجة
والحُجة فى الإسلام : القرآن والسُنَّة كما قال -عليه الصلاة والسلام-:"تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتابَ الله وسُنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض".
مَنْ استُفتى في مسألة فأفتى برأي عالم وهو يعلم أن المسألة فيها قولان فأكثر فهل أفتى بثبتٍ وحُجةٍ بيِّنةٍ أم لا؟
الجواب: لا لأنه حينما تكون المسألة من المسائل الخلافية وقد صدر للعلماء فيها قولان فأكثر
ثم هو أفتى بقولٍ من القولين دون أن يُدعم فتواه ولو في نفسه على الأقل بآية من كتاب الله
أو بحديث من سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فهذا لا يكون قد أفتى
عن ثبتٍ وعن حُجة وعن بينة ، كون فتواه بهذا الخطأ لا يتعلق إثمه على المُستفتِى
إنما على المفتي فإثمه عليه.
إذ ن على كل مستفتٍ أن يتثبت في فتواه,أي أن يستند في فتواه إلى كتاب الله
وحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -.
ومعنى هذا الكلام العلمي بعبارة واضحة:أن المُستفتي العالم إذا استُفتي في مسألةٍ ما
مثلاً رجلٌ سأله هل خروج الدم يُنقض الوضوء؟
قال: نعم وهو يعني أن المذهب الحنفي هكذا يُفتي
فإذا رجعنا إلى هذا الحديث نفهم أن هذا الجواب إثمه عليه وليس على مُستفتيه لماذا ؟
لأن المسألة فيها قولان آخران ، فالمذهب الحنفي يحكم ببطلان الوضوء بمجرد خروج
الدم عن مكانه ، و المذهب الشافعي يقول:لا ينقض الوضوء الدم مهما كان كثيراً.
و مذهب الإمام مالك وأحمد يُفصل فيقول:إذا كان الدم كثيراً نقض وإلا فلا.
فالذي أفتى قال : ينقض أين الحُجة ؟
فالمسألة فيها اختلاف والله - عزوجل - يقول: {فإن تنازعتُم فى شيء فرُدوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسَنُ تأويلاً}
لذلك لا يجوز للمسلم المُتمذهب بمذهبٍ واحد إذا استُفتي في مسألة أن يُفتي على مذهبه
لأنه هناك مذاهب أخرى ؛ فهذا يجب أن يُمسك عن الفتوى فإن أفتى فهو آثم بدليل هذا الحديث.
المُستفتي أدى واجبه حينما قال له ربه: {فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون}
جاء الذي لايعلم إلى مَنْ يظنه من أهل الذكر فسأله فأفتاه فإثمه على هذا المفتي.
قال أبو حنيفة:" لايحل لرجلٍ أن يُفتي بقولي مالم يعلم من أين أخذتُ دليلي"
هذا النص يُفسر لنا هذا الحديث.
حصيلة هذا الحديث:هو وجوب دراسة الكتاب والسُنَّة لكي يتمكن المفتي من الإفتاء
بالكتاب والسُنة فلا يلحقه إثم حتى ينجو لو أخطأ في الفتوى ؛ لأنه ليس معنى
مَنْ أفتى معتمداً على الكتاب والسُنة أنه معصوم ولكن إذا اجتهد فأفتى بما فهم من الكتاب
والسُنة فله حالتان :
- إما أن يكون أصاب فله أجران
- وإما أن يكون اخطأ فله أجرٌ واحدٌ.
لكن هذا للذي يُفتي إعتماداً على الكتاب والسُنة.
أما الذي يُقلد - والتقليد جهل باتفاق العلماء - ولا يتبصر فى الفتوى ، فهذا ليس له أجر
حتى ولا أجر واحد بل عليه وزر لأنه أفتى بغير ثبت.
من هنا ننتهي إلى مسألة خطيرة جداً وهي ما وقع في كثير من البلدان الإسلامية اليوم
مثل مصر وسوريا وفي طريق هذا الوقوع السعودية : حيث أنهم ألزموا القضاة والحكام
في مصر وسوريا بأن يقضوا ويُفتوا بناءً على مذهب معين إما على المجلة سابقا
وإما على القوانين التي وُضعت حديثاً بشيء من التعديل لأحكام المجلة سابقا هذا بالنسبة للقضاة.
ويتبع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
من هنا ننتهي إلى مسألة خطيرة جداً وهي ما وقع في كثير من البلدان الإسلامية اليوم
مثل مصر وسوريا وفي طريق هذا الوقوع السعودية : حيث أنهم ألزموا القضاة والحكام
في مصر وسوريا بأن يقضوا ويُفتوا بناءً على مذهب معين إما على المجلة سابقا
وإما على القوانين التي وُضعت حديثاً بشيء من التعديل لأحكام المجلة سابقا هذا بالنسبة للقضاة.
فقد ألزموا القضاة والحُكام بأن يقضوا بغير ما أنزل الله فهو إلزام بما لا يلزم
بل هذا أمرٌ بنقيض ما جاء في هذا الحديث : فإن المفتي إذا استفتى ولم يرجع إلى الكتاب والسُنة
لايرجع إلى مذهبه الذي يُتابع فيه إمامه الذي قال:لايحل له أن يُفتي حتى يعرف دليله .
فإذن المصيبة اليوم هي أن الفتوى اليوم مفروضة أن يفتي من كتاب ليس هو الكتاب والسُنة.
والقضاة يجب عليهم أن يفتوا من القوانين وليس كل القوانين شرعية محضة كما كان الأمر
في زمن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -حيث كلها استنبطت أو جلها من المذهب الحنفي .
فأصبح اليوم فيها قوانين وضعية لم تنزل من السماء وإنما انبعثت من الأرض
فطلبت وفرضت هذه الأحكام على القضاة المسلمين ليقضوا بها بين المسلمين هذه مصيبة
حلت في البلاد السورية والمصرية وربما في بلاد أخرى لا نعرف حقيقة الأمر فيها.
والآن فيه دعاة في السعودية يدعون إلى تقديم الحكام أي إلى الاقتداء بالدولة السورية
والدولة المصرية و فرض أراء وأحكام معينة على القضاه الذين يحكمون الناس بالكتاب والسُنة.
هذه مصيبة جديدة ونرجو الله - عزوجل - ألا يتحقق في تلك البلاد.
ولكن يجب على كل مسلم أن يعرف هذه الحقيقة وهي أنه لا يجوز الإفتاء إلا من كتاب الله
وحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - كما لايجوز القضاء إلا استنباطا من كتاب الله
وحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ففي هذا الحديث إذن تنبيه لأمور تتعلق بما نحن فيه
وتتعلق بالأمة التي تنصب دستوراً وقضاة يحكمون بغير ما أنزل الله
ويتناسى هؤلاء جميعاً الوعيد الشديد المذكور في ثلاث آيات من القرآن الكريم:
1- {ومَنْ لم يَحْكُم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
2- {ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.
3 - {ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}.
فهذه آيات صريحة بالحكم بالكفر على مَنْ لم يحكم بما أنزل الله.
ولكن هنا كلمة أخيرة :
أن الحكم بغير ما أنزل الله منه حُكم يُرادف الردة ومنه حُكم لا يلزم منه الردة على التفصيل
الذي ذكِر على الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
أيضاً لابد من استحضاره في تفصيل هذه الآيات الثلاثة {ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
قال ابن عباس:"كفر دون كفر"أي أن الكفر نوعان:
كفر اعتقادى قلبي ... وكفر عملي.
وهذا ما يجهله كثير من المسلمين اليوم وخاصة منهم الشباب الناشئ
فإنهم يتوهمون أن كل مَنْ لم يحكم بما أنزل الله فهو مرتد عن دينه وليس كذلك
بل يجب أن ينظر إلى الحاكم الذى يحكم بغير ما أنزل الله :
- فإن كان يحكم بغير ما أنزل الله مُستحِلاً له بقلبه مُؤثِراً له على حُكم الله وحكم نبيه فهذا هو الذي يرتد به عن دينه
-أما إذا كان في قرارة قلبه يعتقد بأن الحكم بما أنزل الله هو الصواب والواجب لكن لا معين على ذلك فله عذر وليس له عذر مقبول ، ولكن له عذر واعتذاره بهذا العذر يدل على أنه يؤمن بحكم الله و بحكم رسوله أنه هو الصواب ولكنه انحرف عن هذا الحكم كما ينحرف كثير من الناس الذين يظنون خيراً.
الحاكم المسلم الذي يحكم بكتاب الله وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
ليس معصوماً فقد يضل في حكمٍ ما أو ينسى مثلاً فيحكم بغير ما أنزل الله فهذا ينطبق عليه قوله تعالى {فأولئك هم الكافرون} ولكن بأى معنى أولئك هم الكافرون؟ ردة أم كفر معصية ؟
ننظر حينما ارتشى وحَكَمَ للراشي بما ليس له فإن كان يعتقد في قرارة نفسه أنه إثم
كما يعتقد الزاني والسارق والغاش..إلخ فهو آثم وليس بكافر وهذا معنى كفر دون كفر.
وإن كان يقول كما يقول كثير من الشباب الذي تثقف الثقافة الأجنبية ولمَّا يدخُلِ الإيمان في قلبه يقول:
بلا إسلام بلا إيمان بلاد رجعية بلاد كذا..إلخ ، فهذا إنسان وضع على رأسه إشارة بالكفر فهو إلى جهنم وبئس المصير.
فإذن يجب أن نعرف أن الواجب على المسلم أن يحكم بما أنزل الله وبما فسره وبيَّنه
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سواء كان ماشيا في الشارع وواحد سأله فلا يقول له :
حرام أو حلال إلا إن كان درس في كتاب الله أنه حرام أو حلال .
كذلك الحاكم المفتي الرسمي الموظف أولى وأولى ألا يفتي للناس بدون رشدٍ وبدون بيِّنة أو حُجة
والقضاء أولى وأولى ألا يحكم القضاة في قضاتهم إلا بما جاء في كتاب الله وما جاء في سُنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم -
ولخطورة القضاء على الكتاب والسُنة قال-عليه الصلاة والسلام الحديث الصحيح:
" القضاة ثلاثة؛فقاضٍ فى الجنة وقاضيان في النار,قاضٍ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فلم يقض به فهو في النار وقاض لم يعرف الحق فقضى به فهو في النار"
لأنه قضى بجهل.
إذن يجب القضاء بالكتاب والسُنة فإذا قضى بالكتاب والسُنة فهو ناجٍ وإذا قضى بخلاف
ماجاء في الكتاب والسُنة فهو آثم وكذلك فهو آثم إذا قضى بجهل بالكتاب والسُنة.
ما هو بجهل ألا يعرف المذهب الحنفي أوالشافعي لأن ذلك ليس هو العلم لذلك
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -وبكلامه أختم درسنا هذا :
العِلمُ قالَ اللهُ قالَ رسوله ** قال الصحابةُ ليس بالتمويهِ
ما العِلمُ نَصْبُكَ للخِلافِ سفاهة ** بَيْنَ الرسولِ وبين رأي فقيه
كلا ولاجحدُ الصفاتِ ونفيُها ** حَذرَا من التعطيل والتشبيهِ
والحمد لله رب العالمين ..
انتهى الشريط الرابع عشر .
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الخامس عشر
باب : التحاب بين الناس
* عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:
" والذي نفسي بيده لاتدخلوا الجنة حتى تسلموا ولاتسلموا حتى تحابوا وأفشوا السلام تحابوا وإياكم والبُغضة فإنها هي الحالقة. لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" .
لابد أن تكون التربية على الكتاب والسُنة لأن الكتاب والسُنة هما المصدران الوحيدان
الذان يجب الرجوع إليهما حينما نجد الناس مختلفين مُتضاربين متنازعين.
ولأن الرجوع للكتاب والسُنة يجعل الواقف عليهما مندفع للعمل بما فيهما أكثر مما لو أُخذ الحُكم
من الكتب التي لم يدر مؤلفوها على دعم أقوالهم وأفعالهم بالكتاب والسُنة.
فقد رأيتُ آنفاً بنتاً صغيرة وهي تشرب تُخالف السُنة في أمرين اثنين
ونحن طبعاً لا نُريد ان نعتب عليها لأنها بعد لم تدخل في طور التكليف
لكن التكليف لابد أن يكون للوالدين لأنه كما يُقال و يروي حديثاً وليس بحديث صحيح
وإنما هي حكمة : "العلم في الصِغر كالنقش في الحجر"
فنحن إذا عنينا بتربية أولادنا ذكوراً وإناثاً على الكتاب والسُنة نشأ هذا الولد المربى صغيراً
على الكتاب والسنة ، لأن في الحديث الصحيح: "المرءُ يشيب على ما شَبَّ عليه"
فمَنْ شَبَّ على الصلاح والتقوى شابَ شيخاً على الصلاح والتقوى والعكس بالعكس.
هذه سُنة الله - تبارك وتعالى - في أرضه ولن تجد لسُنةِ الله تبديلا.
و لذلك يجب أن نغتنم فرصة وجودنا في هذه الحياة الدنيا ونقوم بحسن توجيههم منذ نعومة أظفارهم.
ولذلك قال-عليه الصلاة والسلام-في الحديث المشهور:"مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعٍ واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".
هذا الحديث إنما خصَّ فيه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - الصلاة من بين سائر الفرائض
والأحكام والآداب لأهمية الصلاة في الإسلام. فليس يعنى الحديث أن ولي الأمر لا يؤمر
إلا بأن يأمرالولد فقط بالصلاة وإنما هذا عنوان أمر ولي الأمر أن يأمره بالصلاة للدلالة
والاشعار بوجوب الاهتمام بالأركان والواجبات الأخرى ؛ فذِكر الصلاة في هذا الحديث
ليس من باب الحصر والقيد وإنما هو من باب التمثيل عما ينبغي على الولي أن يأمر ولده من العبادات.
ومن هنا نفهم لأننا إذا خرجنا نُنفذ أمر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - :
"مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع" ليس معناه أن نأمر الأولاد وهم أولاد أن يصلوا
بدون طهارة مثلا وليس معنى هذا أن نأمر أولادنا أن يصلوا غير مستوري العورة ؛
لأن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أمر بالصلاة إنما يعني الصلاة الشرعية
وإنما يعني الصلاة بأركانها وشروطها ؛ فإذن الأمر بالصلاة يستلزم أموراً أخرى :
يستلزم أن نأمر أولادنا بالتطهر للصلاة في البدن وفي المكان وفي الثياب...
كل هذا وهذا مما يجب علينا أن نربي أطفالنا في صغرهم حتى ينشأوا كباراً وهم طائعون لله -عزوجل-.
وكذلك ليس معنى هذا الأمر أنه يأمر -عليه الصلاة والسلام - أن نأمر أولادنا بالصلاة وما يتعلق بها فقط
بل إنما ذلك إشارة إلى أنه ينبغي علينا أن نُربي أولادنا على الشرع الإسلامى الثابت في الكتاب والسُنة
من ذلك مثلا - وهذا هو بيت القصيد من هذه المقدمة - أنني شاهدتُ آنفاً فتاة صغيرة تشرب
وتُخالف حُكمين اثنين في الإسلام: تشرب وهي قائمة وتشرب بيدها اليسرى.
فأنا أخذتُ من هذا أن القائمين على تربية هذه الطفلة لم يعنوا بتربيتها منذ صغرها على الشرع.
ويمكن أن نذكر بهذه المناسبة أنه يجب أن نربي فتياتنا صغارا على الحجاب الشرعي لا على التبرج
ولا على الألبسة القصيرة والشفافة ونحو ذلك لأنها إذا كبرت على هذه الألبسة المخالفة للشريعة
فحينما تبلغ مبلغ التكليف و يتنبه ولي الأمر لأمرها فلا تستجيب هذه الفتاة لهذه الأوامر ؛
لأنها لم تكن قد رُبيت على ذلك منذ صغرها.
ولا أريد الإطالة في ذلك إنما أردتُ التذكير بالآداب الواجب مراعاتها حينما يأتي أمر
لا يلقي الناس عادة إليه بالا ألا وهو الشرب :
فيأتي أحدنا يشرب فلا فرق عنده أشَرِبَ بيمينه أم بشماله أيشرب قاعداً أم قائماً لا فرق عنده !!
مع أن في كلٍ من الشرب قائماً والشرب باليد اليسرى فيه أحاديث تنهى عن ذلك ؛
فيجب أن نعلم هذه الأحاديث حتى نتأثر نحن كأولياء الأولاد أولاً بذلك لنربي أولادنا على ذلك.
فالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- نهى وفي رواية زجر عن الشرب قائما
وفي حديث آخر أنه -عليه الصلاة والسلام - رأى رجلا يشرب قائماً فقال له:"يا فلان أترضى أن يشرب معك الهر؟ قال:لا يارسول الله قال:فقد شرب معك مَنْ هو شرٌ منه الشيطان ثم قال له أو لغيره:قئ قئ"
أمر من القئ أى أفرغ الماء الذى شربته وأنت قائم.
وكل ذى عقلٍ ولبٍ وفقهٍ يعلم أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - ما كان ليأمر
هذا الذي شرب قائماً أن يستفرغ ذلك الماء لولا أن هذا الشرب معصية لله -عزوجل-
وإلا فلو كان الشرب قائماً كما يزعم كثيرون من الشيوخ فضلا عن غيرهم أنه مكروه تنزيهاً فقط
فلوكان مكروها فقط ما كان لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-أن يأمر هذا الشارب قائما
أن يجهد نفسه بل وقد يعرضها لشيء من الإزعاج الشديد الذي يُثمر بعد ذلك شيئاً من الاضطراب
في صحته فأمْره -صلى الله عليه وآله وسلم- للشارب قائما بالاستقياء واستفراغ ما دخل جوفه
من الماء لأكبر دليل على أن الشرب قائماً معصية.
لذلك يجب نحن كأولياءأن ننتهي عن الشرب قياما إلا لضرورة وعذر.
هذا بحثٌ ثان ومعنى هذا أن نتمرن دائماً وأبداً حينما نكون في الأوضاع الطبيعية
أننا إذا أخذنا الكأس ونحن قيام نجلس نشرب قاعدين خشية أن نُخالف رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم- في نهيه إيانا أن نشرب قياماً.
أما المسألة الأخرى:وهي الأخذ باليمين والإعطاء باليمين والأكل باليمين والشرب باليمين
فهذا واجب وعلى نقيض ذلك فهذا لا يجوز : أن تأكل بالشمال وأن تشرب بالشمال وأن تُعطي
بالشمال وأن تأخذ بالشمال .
وهذه قضايا كلها لايكاد أكثر المسلمين اليوم مع الأسف ينتبهون لها.
وأنا في صورة خاصة لي عناية خاصة بهذه القضية فلا أكاد أمُر في مكان مثلا من مطاعم
أو بياع فلافل أو نحو ذلك إلا وأتفصد إلى هؤلاء كيف يأكلون إما أنهم يأكلون قياماً
فهذا أيضا مما لا يلقون إليه بالا ، بل أصبحت الموضة اليوم في الدعوات الخاصة أن يأكلوا
من قيام ، ثم ألاحظ أن أكثرهم يأكلون باليد اليسرى وهذا مما يُشعرنا نحن بصفتنا مسلمين
أن الشيطان قد استحوذ على جماهير الناس فهو يحملهم على مخالفة الله ورسوله.
فهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين رجالا ونساءً.
وأختصر ذلك فأقول:
أولا:يجب أن نُربي أولادنا ذكوراً وإناثاً على الكتاب والسُنة.
ثاني ذلك:أن تعْلم هذا الحُكم وأنه لا يجوز الشرب قائما ولا يجوز الشرب باليد اليسرى هاتان معصيتان اثنتان.
فيجب على المسلم الأكل والشرب جالساً وباليمين.
هذا ما أردتُ التذكير به لعل الله ينفع به الحاضرات ...
يتبـع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عادل ديدو
بارك الله فيكم
وفيكم بارك الله .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
ثم قال -عليه الصلاة والسلام- مبيناً أثر البُغض إذا حَلَّ في قلب مؤمن على أخيه
المؤمن قد يكون ضرره بالغاً في قلب هذا الذي يبغض هذا الأخ المسلم فيُحذر-
عليه الصلاة والسلام-أشد التحذير فيقول: "وإياكم والبُغضة"
أي التباغض.كما جاء في حديث الصحيحين:
"ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تضاغنوا وكونوا عباد الله إخواناً".
فإذا تباغض المسسلمون بعضهم مع بعض كان ذلك حالقاً أي مُستأصلاً لا يبقى للدين أثر في نفوسهم
لذلك الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:"إياكم والبُغضة فإنها الحالقة المستأصلة لا أقول لكم تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" والعياذ بالله.
إذن هذا الحديث أمر بشيء ونهى عن نقيضه:
- أمر بتحابب المسلمين بعضهم على بعض مع التذكير بسبب من أهم أسباب تأصيل هذه المحبة في نفوسهم وهي إفشاء السلام.
- الشيء الآخر هو نهي عن ضد المحبة وهو بُغض المسلمين بعضهم مع بعض وأن هذا التباغض سبب شرعي في استئصال أثر الدين من نفوس هؤلاء المتباغضين غير المتحابين.
"وإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".
يتبـــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
بــــــــــاب الألفــــــــــ ــة
*روى المصنف أثرا صحيحاً عن ابن عباس قال:
"النِعَم تُكْفَر والرَّحِم تُقطع ولم تر مثل تقارب القلوب".
هذا حديث موقوف ، أي أنه من كلام ابن عباس وليس من كلام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
يتحدث ابن عباس في هذا الحديث الموقوف عن أمر واقع بين الناس إلا مَنْ عصم الله وقليل مَا هم.
فيقول: ( النعم تُكفر ) :
يعني بدل أن يَشكر خالقها والمنعم بها على عباده فهؤلاء العباد إلا قليلا منهم
كما ذكرنا يكفرون نعمة الله عليهم ولا يشكرونها ، فكأن ابن عباس يقول :
إن هذا لا ينبغي أن يصدر من مسلم فلا يكون ممن يكفرون نعمة الله -عزوجل- وإنما هم يقومون بشكره - تبارك وتعالى -.
فكذلك يقول: والرحم تُقطع :
أي فلا يحق للمسلم أن يكون من هؤلاء الذين ينكرون نعمة الله عليهم أو يقومون بقطع الحم
لما سبق معنا في درس مضى من قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لايدخل الجنة قاطع رحم"
فقطع الرحم من الذنوب الكبائر التي جعلها الله -عزوجل- سببا لوصل مَنْ وصل الرحم
وقطع مَنْ قطع الرحم ولم يصلها كان من عقابه أن يُحَرِّم الله عليه دخول الجنة :
- إما دخولاً مطلقاً وذلك إذا استحل هذه المعصية بقلبه,
- وإما دخولاً مع السابقين الأولين فيحرم ذلك عليه حتى يدخل النار ويتطهر من أوزار هذه المعصية الكبيرة ألا وهي قطع الرحم.
بعد ذلك إن كان في نفسه أثر من شهادة الله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة هذه الشهادة تُنجيه
من الدخول "الخلود" في النار ، ولكن بعد العذاب الأليم الشديد.
فإذا كانت النعم تُكفر والرحم تقطع فابن عباس يوجه المسلمين وينبهم ألا يكونوا من هؤلاء
الناس الذين يكفرون بالنعم ويقطعون الأرحام ثم يقول: ولم نر مثل تقارب القلوب :
أي لم نر في المودة والمحبة أن يتعارض الناس بعضهم مع بعض في قلوبهم
ولا يتبغاضون فيكون نتيجة ذلك أن يتفرقوا وأن تذهب ريحهم كما هو في صريح القرآن الكريم.
يتبــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
بـــــــــــاب المـــــــــــز اح
سنجد مما في أحاديث هذا الباب التي سيوردها المصنف - إن شاء الله - إلى أن المزاح
لامانع منه شرعاً بشرط أن يكون مزاحاً شرعياً وهو ألا يكون إلا حقاً.
المزاح إذا كان حقاً فهو مشروع أما إذا كان مُتضمناً إيذاءً أو ضرراً لمسلم فهو منهي عنه.
وقد مضى في حديث سبق قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : "لايأخذ أحدكم عصا أخيه مازحاً"
لأن في ذلك إدخال الخوف في قلب المسلم هذا وفيه إيذاءٌ لايخفى.
أما المزح في قول كلمة الحق فلا بأس من ذلك .
ثم هو الآن يسرد بعض الأحاديث الواردة في ذلك :
* عن أنس بن مالك قال:( أتى النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- على بعض نسائه ومعهن أم سليم فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-:"يا أنْجشة ! رويداً سَوقك بالقوارير").(حديث صحيح)
أنشجة :-
هو حادي لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يحدو على الإبل.
والحدو:-
هو غناء الأعراب أي غناء فطري أشبه بالمواويل أو نحو ذلك مما يرتجله الإنسان ارتجالاً
دون استماع وكسب ، وهذا الغناء خاص بالإبل ، وللإبل عادة غريبة وهي أنها إذا أصابها
التعب والكلل والملل من طول السير تباطأ سيرها, فإذا ما حدى الحادي بها أسرعت السير.
انتهى الشريط الخامس عشر .
يتبــــــــــــ ـــع .
بــــــــــاب الألفــــــــــ ــة
*روى المصنف أثرا صحيحاً عن ابن عباس قال:
"النِعَم تُكْفَر والرَّحِم تُقطع ولم تر مثل تقارب القلوب".
هذا حديث موقوف ، أي أنه من كلام ابن عباس وليس من كلام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
يتحدث ابن عباس في هذا الحديث الموقوف عن أمر واقع بين الناس إلا مَنْ عصم الله وقليل مَا هم.
فيقول: ( النعم تُكفر ) :
يعني بدل أن يَشكر خالقها والمنعم بها على عباده فهؤلاء العباد إلا قليلا منهم
كما ذكرنا يكفرون نعمة الله عليهم ولا يشكرونها ، فكأن ابن عباس يقول :
إن هذا لا ينبغي أن يصدر من مسلم فلا يكون ممن يكفرون نعمة الله -عزوجل- وإنما هم يقومون بشكره - تبارك وتعالى -.
فكذلك يقول: والرحم تُقطع :
أي فلا يحق للمسلم أن يكون من هؤلاء الذين ينكرون نعمة الله عليهم أو يقومون بقطع الحم
لما سبق معنا في درس مضى من قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لايدخل الجنة قاطع رحم"
فقطع الرحم من الذنوب الكبائر التي جعلها الله -عزوجل- سببا لوصل مَنْ وصل الرحم
وقطع مَنْ قطع الرحم ولم يصلها كان من عقابه أن يُحَرِّم الله عليه دخول الجنة :
- إما دخولاً مطلقاً وذلك إذا استحل هذه المعصية بقلبه,
- وإما دخولاً مع السابقين الأولين فيحرم ذلك عليه حتى يدخل النار ويتطهر من أوزار هذه المعصية الكبيرة ألا وهي قطع الرحم.
بعد ذلك إن كان في نفسه أثر من شهادة الله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة هذه الشهادة تُنجيه
من الدخول "الخلود" في النار ، ولكن بعد العذاب الأليم الشديد.
فإذا كانت النعم تُكفر والرحم تقطع فابن عباس يوجه المسلمين وينبهم ألا يكونوا من هؤلاء
الناس الذين يكفرون بالنعم ويقطعون الأرحام ثم يقول: ولم نر مثل تقارب القلوب :
أي لم نر في المودة والمحبة أن يتعارض الناس بعضهم مع بعض في قلوبهم
ولا يتبغاضون فيكون نتيجة ذلك أن يتفرقوا وأن تذهب ريحهم كما هو في صريح القرآن الكريم.
يتبــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
سقط من مجموعة الأشرطة الشريط السادس عشر .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط السابع عشر
باب حُسن الخُلق إذا فَقهوا
* عن أبي هريرة قال: ( قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إن الرَجُلَ ليُدرك بحُسن خُلقه درجة الرجل القائم")
هذا الحديث صحيح وصريح في أنه إذا تخلق المسلم بالخلق الحسن يوصله لمرتبة و درجة الرجل
القائم بالليل و في بعض الأحاديث الأخرى زاد في بعض طرقه الصحيحة : "والصائم بالنهار".
فهذا نص صريح إذا حسن المسلم خلقه وصل إلى مرتبة المتعبدين ولو كان ليس في عبادته
في مرتبة أولئك المتعبدين : أي أن المسلم المحافظ على الفرائض والمبتعد عن المحرمات إذا حَسُنت
معاملاته وأخلاقه مع أهله, مع أولاده, مع جيرانه,مع كل مَنْ يُخالطه من الناس و صل بحسن خلقه
إلى مرتبة ذلك العابد بالليل والصائم بالنهار.
فلا شيء أفضل من أن يُحسن المسلم خلقه والمرأة المسلمة خلقها فينال بذلك درجة العابدين
القائمين في الليل الصائمين في النهار.
ولكن كما نقول في تعليقنا على الباب يُشترط فيه أن يكون مثقف في دينه ، وهذا الشرط الذي وضعه
المصنف في قوله:"باب حُسن الخُلق إذا فقهوا" إنما أخذه من الحديث التالي وهو أيضاً صحيح.
* عن أبي هريرة قال: سمعتُ أبا القاسم يقول : "خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا"
من هنا جاء هذا الشرط
خيركم إسلاما أحاسنكم أخلاقاً مطلقاً ولو كان جاهلاً لا يعرف عن الإسلام شيئاً ؟
الجواب:لا,إذا فقهوا أي إذا عرفوا أحكام الشريعة التي تلزمهم من الفرائض والمحرمات
والواجبات حتى يقوم بدينه على بصيرة منه كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومَنْ اتبعني}
الرسول في هذا الحديث دلَّ على أن فضيلة حسن الخلق الذي جاء في الحديث الأول وهو أن له
درجة القائم بالليل والصائم بالنهار إنما هو بشرط أن يكون متفقها في الدين.
إذن في الحديث الثاني حض لكل مسلم على وجوب التفقه في الدين وألا يعيش في إسلامه جاهلاً
لا يعرف ما يجب عليه وما يحكم عليه ، وبيت القصيد من هذين الحديثين اللذين أوردهما
المصنف في هذا الباب إنما هو حض المسلمين رجالا ونساءً على أن يُحسنوا اخلاقهم:
الرجل مع زوجته, الزوجة مع زوجها ,الوالد مع ولده , والوالدة مع ولدها وهكذا الجار مع جاره
والتاجر مع زبائنه كل هؤلاء وهؤلاء في هذه الأحاديث حض لهم على أن يُحسنوا أخلاقهم
وتحسينهم لأخلاقهم يستلزم أن يُحسنوا معاملاتهم مع بعض.
فمَنْ كان خيرهم خُلقاً كان أفضلهم عند الله-تبارك وتعالى- وأعلاهم منزلة لقوله
- صلى الله عليه وآله وسلم -: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم"أو"درجة قائم الليل وصائم النهار".
ولإن كان ذلك فليس المقصود قصر تلك الفضيلة على الرجال لِما علمنا مراراً وتكراراً من دروس
مضت قوله - عليه الصلاة والسلام - "النساء شقائق الرجال" وفي رواية"إنما النساء شقائق الرجال"
أي كل حُكم ترتب على الرجال ؛ يترتب مثله على النساء, فما حُرِّمَ على النساء حُرِّمَ على الرجال.
كل ما شرع للرجال شرع للنساء وهكذا في كل أحكام الشريعة إنما النساء شقائق الرجال
إلا ما استُثنِىَ من أحكام / فالأحكام المُستثناه هي قليلة جداً وكلنا يعلم ذلك من الرجال والنساء.
فحينما يأتي هذا الحديث فيقول:"إن الرجلَ ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار"
فينبغي أن نستشعر الحديث السابق هنا "إنما النساء شقائق الرجال" فنعلم حينذاك أن المرأة أيضاً
إذا أحسنت خُلقها سبقت المتعبدة القائمة في الليل والصائمة في النهار لحُسن خلقها ومعاملاتها
لمن يُعاملها ، ذلك بالطبع إذا كانت تلك المتعبدة سيئة الخلق والواقع - مع الأسف الشديد -
أننا نجد كثير من الرجال و كثير من النساء ممن إذا ترجم ؛ ترجمَ بأنه رجل مسلم ورجل صالح
ولكنه إذا ابتلي بأمر يكشف عن خلقه فسرعان ما يظهر للناس سوء خلقه و حينذاك يكون ذلك
الرجل الذي يقتصر على الإتيان بما فرض الله - تبارك وتعالى - عليه من الأحكام والابتعاد عما
حرم الله عليه مع حُسن خلقه يتميز عن هذا الذي يُشهد له أنه صالح قائم الليل وصائم النهار
ولكن سيء الخلق مع الناس.
ومن هنا مبلغ أهمية حسن الخلق في الإسلام ؛ فعلينا أن نتعظ بهذا الحديث رجالاً ونساءً
وأن يُحسّن كلٌ منا خلقه مع الآخر لاسيما الزوج مع الزوجة والزوجة مع زوجها لوثيق الرباط
الذي ربط الله - تبارك وتعالى - بينهما.
وقد كنا ذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -قال بخصوص المرأة:"إنَّ المرأة إذا صلت خمسها وأطاعت زوجها وأحصنت فرجها دخلت جنة ربها من أي أبواب الجنة شاءت".
فهذا أيضا مما يُبين جانب من جوانب حسن الخلق ألا وهو تحسين الزوجة خلقها مع زوجها .
يتبــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
** الحديث الثالث :
وهو حديث موقوف يعني لم يُذكر فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لكن فيه بيان
ويقف لأحد الرجالات المسلمين الأولين من الصحابة المقربين ألا وهو زيد بن ثابت- رضي الله عنه -
*عن زيد بن عبيد قال:" ما رأيتُ أحداً أجلَّ إذا جلس مع القوم ولا أفكه في بيته من زيد بن ثابت"
زيد بن ثابت معروف أنه من كبار الصحابة بل هو الرجل الذي كلفه أبو بكر الصديق
وعمر بن الخطاب حينما اتفقا على أن يجمعوا القرآن الكريم من الصحف و من الرقاع
ومن صدور الرجال فلم يجدوا من بين ألوف الصحابة مَنْ هو أليق وأحرى أن يُكلف بالقيام
بهذا الجمع للقرآن من بطون الرقاع والعظام و صدور الرجال لم يجدوا أليق بهذا العمل
الهام أن يقوم به مثل زيد بن ثابت -رضى الله عنه -.
أما الواسطة وهو زيد بن عبيد هذا الرجل الفاضل روى فضيلتين قلما تجتمعان في الرجل الصالح :
فهو يقول : إنه رأى زيداً بن ثابت إذا جلس في القوم جل قدره : ومعنى ذلك أنه رجلٌ
جليل وعظيم ووقور ، يعني تهابه الرجال فتحسب له حساباً ، فإذا جلس في المجلس نظروا
إليه كأنه سيدهم وعظيمهم وكأنه كبيرهم لا أحد يستطيع أن يخرج عن أدب المجلس
مادام هذا الصحاب وهو زيد بن ثابت موجوداً- "مارأيتُ أحداً أجل إذا جلس مع القوم من زيد بن ثابت".
وصفة أخرى في الطرف من هذه الصفة الأولى فيقول: "ولا أفكه في بيته من زيد بن ثابت"
فهو إذا جلس مع القوم رجلٌ جليل لكنه في بيته فكهٌ:يعني مزوح دعوب.
فليس مع أهله,مع زوجته,مع أولاده صارما جليلا كما هو في مجلس قومه بل هو له
شخصيتان :
- إذا جلس مع الرجال:فهو رئيسهم وعظيمهم وهو جليلهم.
- وإذا جلس مع أهله فهو أفكهم وأقربهم إلى نفوس أهله.
فالواقع أن هاتين الصفتين قلما تجتمعان في إنسان ، فاجتماعهما مما يدل على قدر
هذا الإنسان ؛ لأن الذي يغلب على الناس هو إما أن يكون رجلا جليلا وحيثما كان مع قومه
في المجلس حيث لاينفع هناك الفكاهة والمزاحة مع المجالس العامة لا يصلح هناك إلا الكظم
والعزم ، فالرجل الفاضل لا يسعى إلا أن يكون هكذا في كل مجلس.
وإما أن يكون على العكس هينا لينا مزوحا دعوبا يرضي عنه الناس لكنه لا يستطيع أن يسيطر
على الجو وأن يتحكم فيه فيجعل على هذا المجلس الجلالة والوقار ، فإما هكذا الناس أوهكذا.
أما الجمع بين الصفتين أن يعطي لكل مقام حقه فهذا نادر وعزيز.
فاجتماع هاتين الصفتين أوالخصلتين في الرجل المسلم مما يدل على أنه قد بلغ الأوج
في حُسن الخُلق ، فخلقه مع الناس ليس كخلقه مع أهله ومع أولاده.
فلذلك جاء في بعض الأحاديث الصحيحة : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
بطبيعة الحال لا يعني هذا الأثر أن زيداً بن ثابت كان أحسن الناس مع أهله أنه يتساهل معهم
فلا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر ، لا هذا ليس المقصود بل المقصود أنه لا يقسو
عليهم ولا يشد عليهم وإنما يُعاملهم تارة بالصرامة والحزم وتارة بالمزاح فتارة وتارة.
كذلك لا يعني قول الرسول -عليه الصلاة والسلام -: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"
أن يتساهل الرجل مع أهله فيسمح لها أن تلج كما تشاء وأن تنطلق إلى حيث تشاء وأن تأكل أيضا
حسب هواها كيف تشاء دون مراعاة القاعدة: "والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يُقتروا وكانوا بين ذلك قواما"
فقوله -عليه الصلاة والسلام -:"خيركم خيركم لأهله"
ليس معنى ذلك أنه دائما يتسامح حين يأمر الشرع بالاشتداد عليهم ولا هو أيضا يقسو عليهم حيث
يسمح الشرع بأن يتساهل معهم.
هكذا كان زيد بن ثابت : وصل حُسن خُلقه إلى أنه إذا جلس مع قوم كان أجلهم وأعظمهم
وإذا جلس مع أهله كان أفكههم وأقربهم إلى نفوس أهله.
يتبــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الحديث الرابع :
حديث حسن الإسناد يرويه المصنف - رحمه الله -
*عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال:(سُئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-أيُ الأديان أحب إلى الله-عزوجل-؟ فقال:"الحنيفية السمحة")
هذا الحديث أيضا يُعالج فيه طرفا مما يتعلق بحسن الخلق، فإن حسن خلق المسلم
- كما ألمحنا آنفا - ألا يشتد في معاملته للناس حيث لا يوجب الشرع ذلك وخاصة في
معاملته لأهله ، فقد سُئل-صلى الله عليه وآله وسلم-
"أي الأديان أحب إلى الله؟" والمقصود هنا بالأديان ليست الشرائع المختلفة
وإنما هي الأخلاق والأعمال التي يتدين بها المسلم ويتقرب بها إلى الله-تبارك وتعالى-
فأيُّها أحب إلى الله؟ قال في الإجابة على ذلك:"الحنيفية السمحة"
الحنيفية:بالطبع المقصود بها الحُكم الذى يميل المتمسك به عن الأديان الباطلة
والشرائع المخالفة للإسلام إلى ما جاء به الإسلام:
لأن الحنيفية هي ملة إبراهيم حنيفا أي مائلا عن الشرك, عن عبادة الأصنام.
فهذا الدين هو الأحب إلى الله مع السماحة:وهو عدم التشدد فيما لم يأمر الإسلام فيه بالتشدد.
ولعل أحسن مثال يوضح السماحة التي يحض عليها الإسلام ويأمر بها حديث السيدة عائشة
- رضي الله عنها - في الصحيحين: " أن الحبشة لعبت ذات يوم بالحراب في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -".
فلعب الحبشة بالحراب هي كناية عن لعبة السيوف والمبارزة بالسيوف التي كانت
في العهد القريب معروفة في بلادنا سوريا ، فهي عبارة عن نوع من الرياضة
ليتقوى ويتدرب فيها بدنه ليستعد لملاقاة أعدائه.
فالحبشة فيما يبدو لهم عادة في بلادهم وهي لعبهم بحرابهم مثل لعب العرب بسيوفهم.
فلما لعب الحبشة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم ينكر ذلك عليها
بل أخذها لتُشاهد هذا اللعب بل حملها وساعدها على ذلك بأن وقف الرسول - صلى الله
عليه وآله وسلم - لها أمام باب الحجرة ووقفت السيدة عائشة خلفه ووضعت ذقنها
على منكبه -عليه الصلاة والسلام- وهي تنظر من وراء الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-إلى ذلك اللعب.
لابد من لفت النظر إلى غلطة لغوية معروفة في بلاد الشام ألا وهي إطلاق الذقن
على اللحية يقولوا فلان حلق ذقنه والذقن في اللغة العربية ليست هي اللحية بل هي المكان
الذي تنبُت عليه اللحية ؛ وحاصل هذا الكلام أن للمرأة ذقن كالرجل فلا يستغربن
هذا التعبير أن السيدة عائشة وضعت ذقنها على منكبه خده -صلى الله عليه وآله وسلم -
وهي تنظر إلى الحبشة وتتفرج على لعبهم في المسجد فكان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
من تمام سماحة نفسه وحسن خلقه مع أهله أن يُداعبها والحالة هذه فيقول لها:
أشبِعتِ أشبعتِ ؟ فتقول:لا لا حتى تقول هي:"حتى كنتُ قد مللتُ"
ثم توجه السيدة عائشة إلى الأزواج فتقول: "فاقدروا قدر الجارية العَرِبَة الحديثة السن"
فهي تنصحهم فتقول: هكذا صبَرَ عليَّ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
وهوأشد الناس غيرة على أهله ، صبر عليَّ واقفا وأنا مُستترة به وواضعة ذقني على منكبه
وهو يقول لها أمللت؟ فتقول لا لا حتى اكتفتْ من الفُرجة على لعبة الحبشة وطلبت
هي الانصراف فتقول:"فاقدروا قدر الجارية العربة حديثة السن"
فهي كانت تعني أن تقول للرجال لا تُعاملوا الأزواج الحديثات السن اللاتي لم يدخلن
الدنيا ولم يعرفن شيئا كما يكون شأن المرأة الصغيرة السن ، فيجب على الرجل كما
تقول السيدة عائشة أن يكون سمحا مع زوجته فلا يشتد عليها حيث سمح الشارع الحكيم
ألا يشتد عليها.
فهذا الحديث يلتقي مع هذه القصة التي روتها السيدة عائشة وأنها في الواقع تُبين لنا سماحة
الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -معها وحسن خلقه معها.
وقد جاء في بعض طرق حديث السيدة عائشة أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- قال
بعد هذه القصة ولعب الحبشة في المسجد قال -صلى الله عليه وآله وسلم-:
" لتعلم اليهود أن ديننا سمحٌ"أو قال:"يُسرٌ"ونحو ذلك.
فهذه القصة من لعب الحبشة في المسجد والمسجد لعبادة الله - عزوجل -
أقرَّ الرسولُ - صلى الله عليه وآله وسلم -:-
أولاً : الحبشة على لعبهم.
ثانيا : السيدة عائشة على تفرجها على لعب الحبشة
وقال:" ذلك لتعلم اليهود أن في ديننا سماحة " أو نحو ذلك.
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الحديث الخامس
وهو حديث موقوف ولكن فيه أيضا توجيه إلى بعض الأطراف من مكارم الأخلاق
يرويه المصنف بإسناد صحيح *عن عبد الله بن عمرو قال:"أربع خلال إذا أ ُعْطِتَهُنَّ فلا يضرك ما عُزل عنك من الدنيا: حُسنُ خَليقةٍ وعفافُ طعمةٍ و صِدقُ حديثٍ وحِفظُ أمانةٍ ".
هذه الخصال الأربعة إذا أ ُعطيها مسلم يقول عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه -
وهو صحابى ابن صحابى ومن كبار زهاد الصحابة وعُبَّادهم - رضي الله عنه - فهو الذي
لما زوجه والده وبعد أيام سأل والده كنتة وهي زوجة ابنه عبد الله:
كيف أنتِ وكيف حالك مع زوجك؟
فكان جوابها غريبا بالنسبة لأبيه ووالد زوجها فقالت:إنه لم يطأ بعدُ لنا فراشا
تكِني وها الكناية أدب وأسلوب من أساليب العرب : فهى تقول نحن كأننا لم نتزوج بعدُ
فثقل الأمر على عمرو بن العاص والد عبد الله فشكاهُ إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
فكأنه قال له: يا رسول الله زوجتُ ابني ولكنه مثل مَنْ لم يتزوج ، فسألتُ زوجته فقالت:
لم يطأ لنا بعدُ فراشاً.
يقول عبد الله بن عمرو فإما لقيني وإما أرسل إليَّ فقال:يا عبد الله !
بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء؟ فقال:أفعَلُ ذلك يارسول الله
فأمره رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فى قصة طويلة لسنا الآن في صدد بيانها
فقد أمره الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-أن يعتدل فى عبادته, ألايقوم الليل كله
وألا يصوم الدهر كله وإنما تارة يفطر وتارة يصوم.
والرسول- صلى الله عليه وآله وسلم - انتهى به في آخر القصة إلى أن قال له:
"اقرأ القرآن فى كل ثلاثة أيام ولاتختمه في كل يوم ، فقد كان يختم القرآن في كل شهر
ثلاثين ختمة ، وكان يصوم الدهر كله ما يعرف الإفطار إطلاقاً.
فبطبيعة الحال رجلٌ يقوم الليل كله ويصوم النهار كله فهذا رجلٌ لاحاجة له بالنساء
ولذلك كانت تلك الشكوى من زوجته ؛ فلذلك أمره الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
أن يقوم الليل بحيث أنه يتمكن من ختم القرآن في ثلاثة أيام ,
وفي الصيام قال له في آخر الأمر صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صوم
داود-عليه السلام-وكان مع صيامه محتفظا على صورته و بطولته فكان إذا لقي العدو
صبر أمامه ولم ينهزم لأن الذي ينهزم أمام العدو إنما هو رجلٌ مريضٌ ضعيف القوة.
كأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول لعبد الله:إنك إن حافظت على هذا الصيام
تصوم يوما وتفطر يوما جمعتَ به دوما المحافظة على طاعتك لربك وبين المحافظة
على قوة بدنك وجسدك ، ولكن الأيام تمضي وعبد الله بن عمرو بن العاص يشيب
ويكل وبطبيعة الحال سُنة الله في خلقه أن الإنسان كلما كبر سِنهُ تضعف قوته.
وهذا معروف في القرآن الكريم ولذلك لما فارق الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
على أنه يختم القرآن في ثلاثة أيام وأنه يصوم يوما ويفطر يوما لما كبر سنه شَعر
بالضعف فكان يقول: ياليتني قبلتُ رخصة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
فكان يتأسف أنه لم يقبل رخصة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الأولى حيث قال:
"اقرأ القرآن في الشهر مرة" ما وافق إلا بدَّه الزيادة حتى وصل الرسول -صلى الله عليه
وآله وسلم - إلى هذه النتيجة فقرأ القرآن فى ثلاث ليالٍ وندم في آخر حياته.
عبد الله بن عمرو اكتسب في حياته المديدة هذه الحكمة فقال:
أربع خصال:أي خلال إذا أعطيتهن أيها المسلم سواء كنت رجلا أو امرأة فلا يضرك
ماعُزل عنك من الدنيا أي لا يضرك إذا تخلقت بهذه الأخلاق الأربعة ما فاتك من الدنيا
من زينتها, من مالها ومن متاعها.
ماهي هذه الخصال الأربعة؟
قال-رضي الله عنه -- "حُسنُ خليقةٍ"
يعني خُلق : إذا أوتيت حسن خلق من الخصال الأربعة فلا يضرك مافاتك من الدنيا.
"وعفافُ طعمةٍ" :
أي أن يكون أكلك في عفة.أي أن يكون أكلك بعيداً عن الأكل فيما حَرَّمَ اللهُ
سواء تأكل ما عينه حرام وتأكل الحلال الذي اكتُسب من طريق مُحرم.
أي مادمتَ أوتيت حُسن خليقةٍ وعفاف طعمة يعني أكل عفيف حلال وليس عندك من
أكل أموال الناس حتى أنه لا تطاوعه نفسه أن يأكل من أموال الناس ولو برضى من أنفسهم.
فهو لايقوم بأساليب معينة تجعل الناس يعطونه طعاما وشراباً فهو لا يفعل شيئا من ذلك إطلاقاً.
ويُشير إلى ذلك حديث البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -
أنه كان إذا جاء النبي - عليه الصلاة والسلام - غنائم فأعطى عمر كفل منها عطية
فيتوجه عمر إليه -عليه الصلاة والسلام- ويقول:يارسول الله أعطه إلى مَنْ هو أحوج إليه مني
وهذا يدل على عفة نفس عمر بن الخطاب وأنه ما عنده طمع ولا عنده جشع
ولا طموح مالي ولو أنه حلال لأنه يقول:أعطه إلى مَنْ هو أحوج إليه مني يارسول الله.
فكان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول له معللا له ترك الإفراط والتفريط
والعدل في المسألة فيقول له :"يا عُمر ما أتاك الله من مال ونفسك غير مشرفة إليه فخذه وتموله فإنما هذا رزقٌ ساقه الله إليك".
الشاهد من هذا الحديث:-
1- عفة عمر-رضي الله عنه -وموقفه الذي يدل على عفة نفسه.
2-أمر الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-إياه بأن يأخذ مادام نفسه غير طامعة
في هذا المال فيقول له:"ماأتاكَ اللهُ من مالٍ ونفسك غير مُشرفة إليه" يعني غير مائلة
ولاطمعانة "فخذه وتموله فإنما هو رزقٌ ساقه الله إليك".
"وصِدقُ حديثٍ":
وهي الخصلة الثالثة مع حُسن الخليقة وعفاف طعمةٍ. فهو دائما وأبداً يتكلم صدقا
ولا يعرف للكذب طريقاً أبداً ، فهذه خصلة من هذه الخصال الأربع التي يشير إليها الحديث
ويتحلى به المسلم أو المسلمة فلا يضره من زينة الدنيا وزخرفها ما فاته .
"حفظ أمانةٍ" :
الخصلة الرابعة والأخيرة وهذا في الواقع يلتقي مع الخصلة الثانية وهي عفة طعمة
لأن الإنسان العفيف الذي لا تميل نفسه إلى أموال الناس ولايحب إلا ما وصله من طريق
حلال فهذا أولى وأولى أن يُحافظ على ماعنده من أمانة.فهو يُطبق قوله -عزوجل -:
{وأن تُؤدوا الأماناتِ إلى أهلها} .
يتبـــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الأسئلة
--لا دليل صحيح على وجوب زكاة عروض التجارة ، وأثرعمر بن الخطاب الذي قال فيه لرجل:
" قيِّم ثمن الإبل ثم أخرج صدقتها " ضعيف ولايثبت.
فلا دليل على وجوب زكاة عروض التجارة.
ساق أثر تجّار جاءوا المدينة وعرضوا زكاة عن تجارتهم لسيدنا عمر فرفضها
وقال له علىّ خذها على أنها صدقة وليست زكاة فأخذها.(مسند أحمد) "صحيح".
س1:- ماالدليل من الكتاب والسنة على عدم فرضية زكاة عروض التجارة ؟
ج:- أولا:- إن الأصل في الأموال أن فيها الحرمة كالدماء والأعراض فلا يجوز استباحة شيء
من هذه الأمور إلا بنص لأن الأصل فيها الحرمة كما جاء في خطبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
في عرفات:"ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمةِ يومكم هذا في شهركم
هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا" ، فلما كان الأصل في الأموال الحرمة فلا يجوز أخذ شيء منها
إلا بنص فالله فرض الزكاة على المخزون وفرض الزكاة على الحيوانات المعروفة وفرض الزكاة
على أنواع معينة من الزروع ، ولم نجد في الكتاب ولا في السُنة آية أو حديث يأمر مسلما بأن يُخرج
زكاة عروض تجارته.
فإذا كان الأصل الحُرمة ولم يأت نصٌ يخرجنا عن هذا الأصل ؛ فيجب علينا أن نبقى على هذا الأصل
والأصل في الأشياء هنا الحرمة لا الإباحة.
فالقاعدة التي تقول الأصل في الأشياء الإباحة هي فيما خلق الله - عزوجل - فيما أنبت من نباتات
أما فيما يتملكه الإنسان من مال فالأصل فيه الحُرمة كما ذكرنا من خطبة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -.
ثانيا:- إن التجارة كانت معروفة وقت نزول الرسالة وكما قلنا
إن عثمان كان من أغنى أصحاب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تمكن وهو شخص
واحد أن يُجهز ثلث جيش العسرة وكذلك عبد الرحمن بن عوف كان من أغنياء الصحابة
ولم ينقل إطلاقا عن أحدِ الصحابة وخاصة عن هذين الصحابين أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
أمرهما أن يُخرجا زكاة تجارتهما أو أنهما أخرجا الزكاة فعلا ، لأنهما لو أخرجا لعرفنا
أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد أمرهم بذلك ، فلا ذكِر أن الرسول -صلى الله عليه وآله
وسلم - أمرهم بذلك ولا ذكِر أنهما أخرجا الزكاة عن تجارتهما.
إذن نحن ذكرنا دليلين على عدم وجوب زكاة عروض التجارة:
1-الأصل في الأموال الحُرمة.
2-إن التجارة كانت معروفة في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يأمر بإخراجها ولا أخرج أحد الصحابة زكاة عروض تجارة.
ثالثا:- ما ذكرناه آنفا من موقف عمر بن الخطاب وأصحابه الذين كانوا معه في الجلسة من امتناعه
أن يأخذ زكاة عروض تجارة وقول علىّ له خذها صدقة .
لكن هناك شيء لابد من التذكير به وهو إذا كان رجل أنعم الله عليه بمال من أموال التجارة
فقد أمرنا بتطهير أنفسنا مما طبعت عليه كما قال تعالى: {وأحضرت الأنفس الشح}
فقد أمرنا أن نُطهر أنفسنا من أوزار وآثام الشح وذلك بأن نُخرج الصدقات.
{خُذ من أموالهم صدقة تُطهرهم وتُزكيهم بها} .فتزكية النفس حينذاك
بالنسبة للأموال التي يمتلكها المسلم على نوعين اثنين:-
النوع الأول:- الزكاة التي فرضها الشارع محدودة النصاب,محدودة الواجب عليه رُبع العُشر.فهو يُخرج من تلك الأموال التي فرض الله عليها زكاة 2.5%نسبة معينة وبذلك يُطهر ماله.
النوع الثاني:-المال المطلق الذي لم يفرض الشارع عليه زكاة معينة فهو يخرج ما تطيب به نفسه مما يشعر بأنه في طريق تزكية نفسه مما طُبعت عليه من الشُح والبخل.
س2:- ماهي الزروع التي تجب فيها الزكاة ؟ وماالدليل ؟
ج:- لما أرسل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - معاذ بن جبل وأمره في جملة ما أمره به
أن يأخذ منهم الزكاة فقال له فيما يتعلق بالزروع:"لا تأخذ الصدقة إلا لأربع القمح والشعير والزبيب والتمر"
فهذه الأربع أمر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- معاذاً أن يأخذ زكاتها من أصحابها ونهاه أن يأخذ من غيرها.
س3:- هل يجوز للمرأة أن تذهب إلى الدرس وزوجها يريدها إلى درس أحسن من درسها حيث أن مدرستها تلميذة الأستاذ الذي يلقي الدرس الآخر؟
ج:- لو أن الزوج أمر الزوجة أن تذهب إلى الدرس الحسن لا إلى الدرس الأحسن وجب عليها
أن تطيعه فكيف والسؤال يقول عكس ذلك.
فيجب على الزوجة مطلقاً أن تطيع زوجها مادام لا يأمر بمعصية الله - تبارك وتعالى -.
س4:-إذا كانت الزوجة تُريد أن تصوم ستة أيام من شوال وعليها صيام من رمضان فهل يجوز لها أن تؤخر دَينها وتصوم أولا الستة أيام من شوال ؟
ج:-لابد من التفصيل : إن كان عليها صوم أيام فقط من رمضان وليس كل رمضان فهي يجب
أن تصوم دَينها من رمضان ثم تصوم الست من شوال لأنه لا يشترط في هذه الست أن تكون
متقدمة أو متأخرة فأمامها الشهر كله فعليها أن تبادر بالقضاء ثاني يوم الفطر من شوال
لأنه عليها أوجب من الستة أيام من شوال ، فإذا انتهت من دينها بعد ذلك صامت ستة أيام من شوال.
أما إذا كان عليها شهر رمضان كله إما لمرض أو لنفاس أو غير ذلك فهي إذا صامت ستة أيام
من شوال معناه أنها بدها تؤخر صوم رمضان بعد الستة أيام وتأخذ من ذي القعدة لتتم صيام الدين
وهنا تكون قد قدمت النفل على الفرض ففي هذه الحالة لايجوز ؛ لأن الله يقول:
{وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض}
فالمسارعة إلى الطاعة أمرٌ واجب في الفرائض وأمر مستحب في النوافل.
فامرأة عليها صوم رمضان كله؛ ففور انتهاء العيد لازم تُبادر بقضائه كله.
ستة أيام من شوال طوال الشهر أوله أوسطه آخره لا فارق فتقديم الواجب أوجب من تقديم النفل.
لوأن هذه المرأة كان عليها ستة أيام من رمضان وتريد أن تصوم ستة من شوال
فقدمت الستة من شوال على دينها الست من رمضان أي قدمت المهم على الأهم
ثم ماتت بعد صومها أيام شوال الستة ولم تقض ستة أيام دينها من رمضان
فما حالها طائعة أم عاصية ؟
هى ماتت عاصية صحيح صامت أيام نفل وحال ذلك بينها وبين صيام ستة أيام فرض.
وضرب مثل برجل ذكي قال : بأن رضا الله من رضا والديه فأطاع والديه وترك الصلاة
ونسي قوله تعالى: {وقضى ربُكَ ألا تعبدوا إلا إياهُ وبالوالدين إحسانا} "ألا تعبدوا" المُقدم.
انتهى الشريط السابع عشر .
يتبـــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الثامن عشر
* تابع باب - حُسن الخُلق إذا فقهوا*
روى المصنف بإسناده الحسن عن أبي هريرة قال: ("قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-"أتدرون ما أكثر ما يُدخل النار؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال:الأجوفان:الف رج والفم وما أكثر ما يدخل الجنة؟ تقوى الله وحُسن الخُلق.")
في هذا الحديث يُبيِّن الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم - لأمته جوامع الخير والشر:
فيقول-عليه الصلاة والسلام- سائلا أصحابه - لأن طريقة السؤال والجواب عليه
يُمكِّن الجواب من قلوب السامعين - : "أتدرون ما اكثر ما يُدخل النار؟
فقالوا: الله ورسوله أعلم فأجابهم بقوله:"الأجوفان الفرج والفم"
يعني النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يُصرح أن أكثر الأسباب التي بها يدخل الناس
النار هما الفرج والفم.
أما الفرج: فهو كناية عن الزنا
وأما الفم:فالمقصود به أمور ومعاصي كثيرة منها الغيبة والنميمة ومنها الكلام
الذي لا يجوز أن يتكلم به الإنسان والسباب واللعان والحلف بغير الله -عزوجل-
وهذا الطرف يجب أن يقف عليه المسلم وأن يتدبره.
أما الطرف الأول : وهو الفرج ناحيته محصورة وهي مضمونة عند أكثر المسلمين
أما الناحية الأخرى: ألا وهي الفم فهذا قلما تجد إنسانا يترك ما يدور في فم الإنسان
من المعاصي كما ذكرنا آنفاً ؛ لذلك جاء في بعض الأحاديث الصحيحة قوله
- صلى الله عليه وآله وسلم-:"مَنْ يضمن لي ما بين لِحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة" .
ما بين اللحيين يعني الفكين وهذا كناية عن أن يحفظ الإنسان فمه ولسانه بألا يخوض فيما لا يرضي الله في تلك المعاصي.
فالرسول يشهد أن أكثر ما يبتلى به المسلم إنما هو لسانه ؛ ولذلك قيل قديما :احفظ لسانك أيها الإنسان لت يلدغنَّك إنه ثعبان
فلذلك الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- ذكر في هذا الحديث أن الشر الذي يجب
أن ينبه المسلمين ليبتعدوا عنه :
1 -المحافظة على الفرج.
2- المحافظة على ما يصدر من فم الإنسان من شر.
ثم ذكر جوامع الخير بقوله في السؤال: وما أكثر مايُدخل الجنة ؟
- وطبعا كان جوابهم كجوابهم السابق- فقال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- مجيباً:
تقوى الله وحُسن الخُلق.
والشاهد من هذا الحديث في هذا الباب هو قوله -عليه السلام -"حُسن الخلق"
يذكر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أن أكثر وأقوى أسباب دخول الإنسان الجنة هما أمران اثنان:
1- تقوى الله:- وهي تنقسم إلى قسمين كما يجب أن تعلم :
- فتقوى الله تُفسر تارة - وهي أقل ما يجب أن تفسر بها - وهي اجتناب نواهيه والإتيان بما أمر الله به.
- ويُفسر أحيانا - عند قلة من الرجال وصفوة منهم - وهي الإتيان بكل ما أمر الله به - تبارك وتعالى - سواء كان أمراً واجباً أو أمراً مستحباً والانتهاء عما نهى عنه سواء كان أمرا حراما أو أمراً مكروها.
وهذا المعنى الثاني هو الذي يشير إليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله:"دع مايريبك إلى ما لايريبك"
فهو يعني أن يدع كل إنسان ما ليس فيه شُبهة مخافة أن يقع في شبهة هذا من التقوى
بل أعلى مراتب التقوى ، فهذا ليس واجباً وإنما هو من فضائل الأعمال وإلى هذا أشار
الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- فى حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم:"إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس فمَنْ اتقى الشُبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه"
إذن الأمور ثلاثة هي :
ا) أمر حرام يجب اجتنابه.
ب)أمر حلال يجب ارتكابه ولا يضر.
ج) أمر لا يدري أهو من حلال أم من حرام الأحوط والتقوى الكاملة أن يبتعد الإنسان عن مواقعة هذه الشُبهات.
مثال مما يتعلق بحياتنا اليوم:-
هذه المعلبات التي يكثر السؤال عنها .ما حُكم هذه اللحوم التي تأتي من أوروبا مثلا ؟
فنحن نُجيب من الناحية الفقهية :
- أن هذه اللحوم إذا كانت مما عُرف أنها ذبحت ذبحا شرعيا بمعنى انها لم تُقتل قتلا وإنما ذبحت ذبحا وكان الذابح من أهل الكتاب فهي حلال.
- وإن كانت لم تذبح ذبحا شرعيا وإنما تُقتل قتلا على الطريقة المتبعة اليوم في كثير من بلاد الغرب : أي أن الذابح لم يكن مسلما ولا من أهل الكتاب فحينذاك هذا اللحم لا يجوز أكله.
فإن عرفنا أنه من النوع الأول جاز أكله ، وإن عرفنا أنه من النوع الثاني حَرُمَ أكله.
-وإن كنا لا نعلم - كحال الكثير - يا ترى هذه اللحوم ذبحت ذبحا شرعيا ؟!لا تدري فالتقوى حينذاك الابتعاد عن اكل هذه اللحوم ، وهذه هي أعلى درجات التقوى .
لكن لو أكلها الإنسان وهو لا يعلم أنها ذبحت ذبحا غير شرعي فلا بأس عليه ،
لكن الأفضل كما قال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-:"دع مايريبك إلى ما لايريبك".
فالمقصود أن التقوى مرتبتان:
ا) مرتبة لابد منها لكل مسلم وهي الإتيان بما فرض الله والابتعاد عما حرم الله.
ب) مرتبة أخرى أعلى وهي الابتعاد عن كل شُبهة ، وهي فاضلة لا تجب على كل الناس ؛ لأن هذا من باب الحيطة والحذر."دع مايريبك إلى ما لايريبك".
2 - حُسن الخلق :-
فكلمة تقوى الله مع حسن الخلق هما معاً يجمعان الخير كله ؛ لأن المسلم إذا اتقى
الله أي أتى بما فرض الله وابتعد عما حَرَمَ اللهُ ؛ فليس عليه مسئولية ومؤاخذة من الله
على نحو ماجاء في حديث ذلك الأعرابي الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
يسأله عما فرض اللهُ عليه فقال له:"خمس صلوات في كل يوم وليلة
فقال له:يا رسول الله هل عليّ غيرهن؟
قال:لا إلا أن تطوع
ثم سأله عما فرض عليه من الصيام فأخبره أن عليه صيام شهر رمضان في كل سنة.
قال:هل عليَّ غيره ؟
قال:لا إلا أن تطوع
وهكذا كلما ذكر الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- له ما فُرضَ عليه
سأله هل عليّ غير ذلك قال:لا إلا إن أحببت أن تطوع : يعني أن تزداد في عمل الخير
مما لم يكتبه الله عليك.
فبعد أن انتهى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من بيان ما فرض الله عليه
انصرف ذلك الأعرابي وهو يقول:والله يارسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص
فقال- صلى الله عليه وآله وسلم-:"أفلح الرجل إن صدق" : أي دخل الجنة إن صدق.
هذا خبر من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -أن المسلم إذا أتى بما فرض الله
واجتنب ما نهى الله فهو في الجنة لاشك ولاريب في ذلك
لكن هناك فرق بين أن يكون فى الدرجة الدنيا من الجنة ، وبين أن يكون في
الدرجات العاليات هذا لايتم بمجرد الاقتصار على فرائض الأعمال والابتعاد عن
المحرمات من الأعمال إنما تكون من الدرجات في الزيادة.
فهذا النوع من التقوى هو الواجب على كل مسلم كما جاء في حديث آخر :
قال رجلٌ: يا رسول الله أرأيت إن أنا صليت الصلوات الخمس وصُمت رمضان وحللت الحلال وحرمت الحرام دخلت الجنة ؟
فهذه التقوى هي أدنى مراتب التقوى وهي التي لابد على كل مسلم أن يُحققها
لكن التقوى الأعلى أن تقوم بالليل والناس نيام وأن تتصدق بالمال الذي ما فرض الله عليه زكاة
مفروضة ونحو ذلك من مكارم الأخلاق .
هذا باب لا ينتهي وبه يتميز المسلم البار من المسلم الذي يريد فقط النجاة من النار ودخول الجنة.
فهذه تقوى الله بقسيمها: تقوى لابد منها وتقوى يُستحب ويتفاضل فيها الناس.
أما حسن الخلق بالإضافة إلى ماسبق من التقوى قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -
إن من أقوى الأسباب لدخول الجنة بعد التقوى حسن الخلق وقد عرفنا في الدرس الماضي
قوله-صلى الله عليه وآله وسلم-:"إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار".
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
*يروي المصنف حديث صحيح الإسناد عن أسامة بن شريك قال: (كنتُ عند النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وجاءت الأعراب ناس كثير من هنا وها هنا فسكت الناس لا يتكلمون وغيرهم فقالوا:يا رسول الله أعلينا حرجُ في كذا وكذا؟ في أشياء من أمور الدين لا بأس بها فقال:"يا عباد الله وضع الله الحرج إلا امرأ اقترض امرأ ظلماً فذاك الذي حرج وهلك".قالوا:يارس ل الله أنتداوى؟ قال:نعم يا عباد الله تداووا فإن الله - عز و جل - لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً غير داءٍ واحد.قالوا: وما هو يا رسول الله ؟ قال: الهرم, قالوا يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال:حسن الخلق").
في هذا الحديث - أيضا - فوائد عديدة جمعها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
وهو يلقى الأعراب : ونحن نعلم جميعا أن الأعراب فيهم فطانة ولكن أيضا فيهم جهل
وغفلة عن كثير من الأحكام الشرعية ومن عادتهم أنهم يصيحون في كلامهم و يُصرخون.
فيقول أسامة بن شريك وهو من أصحاب الرسول - صلى اله عليه وآله وسلم -:
كنتُ عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاءت الأعراب ناس كثير من ها هنا
وها هنا أي أن الأعراب كانوا جمعاً كثيراً يأتون إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
من كل جانب ، فلما جاءوا سكت الناس الذين كانوا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -
فلم يتكلم غير الأعراب وأخذوا يسألون الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم-أسئلة شتى :
فيقولون:يا رسول الله أعلينا حرج في كذا وكذا في أشياء من أمور الناس
يعني كانت أسئلتهم تتعلق ببعض الأمور التي تقع من الناس.
ومثل هذا الحديث يذكّر بمثل ما جاء في صحيح البخاري فكان الرسول - صلى الله
عليه وآله وسلم - في حجة الوداع عند رمي الجمرات يوم النحر جاء ناس يسألونه
أسئلة شتى مثل أسئلة هؤلاء الأعراب فمن قائل يقول: إني طفت حول الكعبة قبل أن أرمي ؟
فيقول:لا حرج, وآخر يقول يا رسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي ؟
فيقول-عليه الصلاة والسلام: لاحرج وهكذا كان جواب رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم- في تأكيد مناسك الحج وترتيبها وعدم تنظيمها وترتيبها حسب ما جاء
في السُنة فكان يقول لهم -عليه الصلاة والسلام - : لا حرج أي لا بأس أن يقدم بعض
المناسك على بعض وإن كان الأفضل لهم أن يأتوا بها حسب ماجاء بها الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم -.
هذا في قوله للأعراب :يا عباد الله وُضِعَ الحرج كأنه يُلمح في هذا الجواب أن يقول
للأعراب:سلوا ما هو أهم من هذه الأمورالتي تقع من الإنسان دون قصد لمخالفة الشرع
هلا سألتم عما حرم الله عليكم فيقول - عليه الصلاة والسلام - يا عباد الله وضع اللهُ الحرج .
والحرج:هو الفعل الذي إذا فعله الإنسان شَعَرَ بضيق والله قال:{ فما جعل عليكم في الدين من حرج }
ولكن أن يجلس المسلم ينال من عرض أخيه سواء كان ذكرا أم أنثى وباستطاعته
أن يبتعد عن هذه المعصية فهذا الذي فيه حرج وفيه الهلاك.
ولذلك يقول-عليه الصلاة والسلام-:يا عباد الله وضع الله الحرج إلا
يستثني الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعني حرج غيرمرفوع بالنسبة لامرئ
اقترض يعني اقتطع - القرض هو القطع - امرأ ظلما فإنه حرج وهلك كيف يُقال:
إلا امرأ اقترض امرءً مسلما ظلما؟
أي اقتطع من لحمه وهذا كناية عن غيبته؛ فإنه حرج وهلك
كأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله:اقترض يُشير إلى قول الله -عزوجل-:
{يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولاتجسسوا ولايغتب بعضكم بعضا أيُحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه}.
أي الذي يغتاب أخيه أي يقطع من لحم الميت ، فكما أن الله نبهنا في الآية إلى أمر حكيم
جداً ألا وهو أن المسلم إذا أصاب أخاه المسلم كمثل مَنْ أو كما لو قطع من لحمه وهو
ميت فمضغه وأكل هذا القطع الذي ذكره الله - عزوجل - في الآية هو الذي أشار إليه
الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث الصحيح:" إلا امرأ اقترض امرأ مسلما ظلماً".
واقترض أي اقتطع. كيف اقتطع ؟ وذلك بالغيبة.
غيبة المسلم لأخيه المسلم وهذا للمستغيِّب ذكراً كان أم أنثى فما حرم على الرجال
حرم على النساء والعكس كما ذكرنا آنفا "النساء شقائق الرجال"
فقوله - عليه الصلاة والسلام -:إلا امرأ أي شخصا سواء كان ذكراً أم أنثى.
اقترض امرأ مسلما:أي قطع قطعة من لحم أخيه المسلم ، فهذا المسلم الذي يقترض امرأ
ظلماً يقول -عليه الصلاة والسلام - فهذا الذي حرج وهلك .
هنا كلمة "ظلما" إشارة بديعة أما وهو بعد أن فهمنا كلمة الاقتراض في الحديث
هو الغيبة لقوله -عليه الصلاة والسلام -:"بالقرض"وهو القطع فيقول - عليه الصلاة
والسلام -:"ظلما" ففيه إشارة إلى أن نوعاً من الغيبة لا تكون ظلماً.
فكيف إذن تكون الغيبة في بعض الأحيان ليست ظلماً ؟
هذا ماذكره الفقهاء في بيتين من الشعر كنتُ ذكرتها في بعض المناسبات
فإن لم نحفظها فلنحفظ معانيها حتى لا نقع في الورع البارد الذي يقع فيه بعض الناس
ويدعون بسببه صلاحا وتقوى و ليس ذلك من الصلاح في شيء
يقول أهل العلم:
القدحُ ليس بغيبةٍ في ستةٍ *** مُنظلِمٍ ومُعَرِّفٍ ومُحَذر
ومُجاهِرٍ فِسقاً ومُستَفتٍ ومن *** طَلَبَ الإعانة في إزالةِ مُنكر
يتبـــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
يقول أهل العلم:
القدحُ ليس بغيبةٍ في ستةٍ *** مُنظلِمٍ ومُعَرِّفٍ ومُحَذر
ومُجاهِرٍ فِسقاً ومُستَفتٍ ومن *** طَلَبَ الإعانة في إزالةِ مُنكر
القدح:أي الطعن.
الغيبة في الأصل كما جاء في الحديث الصحيح:" ذِكرُكَ أخاكَ بما يكرَهُ"
كلما تكلم إنسانٌ على أخيه المسلم بشيء يكرهه وهو غائب عنه فهو غيبة :
إذا قلت : فلانا - مثلا - يمشي بهذه الصورة ، وأخذت أنت تُقلد مشيته هذه غيبة
كما جاء في حديثٍ عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - مرت بها امرأة قصيرة وهي
جالسة مع الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- فأشارت بيدها أنها قصيرة
فقال- عليه الصلاة والسلام-:" لقد قلتِ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته"
أي لأفسدته. فهي لم تفعل شيئاً بس أشارت إلى أن الله خلقها قصيرة.
هذا دليلٌ على أن مجال الغيبة للناس واسع جداً.الله -عز وجل خالف في صورهم
وتقويمهم فمنهم الطويل ومنهم القصير ومنهم البدين ومنهم الرفيع فإذا أشرت بيدك
توصف أحدهم هذا كله غيبة داخل في عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-
"الغيبة ذِكرُكَ أخاكَ بما يكره" قالوا:يارسول الله أرأيت ما قلتُ هو فيه؟فقال:"إن كنتَ قلت ما فيه فقد اغتبته وإن كنت قلت ما ليس فيه فقد بهته"
يعني الغيبة:هي أن تصف أخاك بما فيه ، وإن وصفته بماليس فيه فقد بهته
وهذا ظلمٌ وذنبٌ أعظم عند الله - تبارك وتعالى - من الغيبة.
إذا كانت الغيبة سمعتم وصفها من القرآن الكريم:{أيُحب أحدُكم أن يأكلَ لحمَ أخيه ميتاً فكرهتموه}
فلو كان حياً لكره الإنسان أكل لحمه فكيف وهو ميت؟!!
فلذلك غيبة المسلم لأخيه المسلم حرام وكثير ما يقع فيه جماهير الناس وخاصة النساء
اللاتى لايجدن في مجالسهن إلا أن يقطعن وقتهن بالتحدث عن فلان وفلانة.
فاتقين الله-عزوجل-وابتعدن عن هذه الغيبة .
لكن ليس القول الآن هو الإفاضة في الغيبة المحرمة فبعد أن أوضح الرسول
- صلى الله عليه وآله وسلم - أن ذكرك أخاك بما يكره هو الغيبة حتى أن الإنسان
يستطيع أن يعرف إن كان يغتاب أخاه المسلم أم لا ، لكن نحن بحاجة إلى بيان أن الغيبة
أحيانا تجوز بل تجب الغيبة المحرمة والتي عرفتم وصفها في القرآن وفي هذا الحديث الذي بين أيدينا الآن.
هذه الغيبة أحيانا تجوز بل تجب فتُصبح فرضاً رغم وصفها أنها حرام كيف ذلك؟
قال العلماء في البيتين السابقين القدح أي الطعن ليس بغيبة في ستة:-
1-مُتظلمٌ
يشكي ظلمه إلى الناس كي ينقذوه أي ينصفوه من ظالمه ، هذا المُتظلم يجوز له أن يقول:
فلان ظلمني ، فقوله:فلان ظلمني من الغيبة إذا طبقنا عليه الحديث السابق"الغيبة ذكرك أخاك بما يكره"
هل هي من الغيبة المحرمة التي وُصفت في الكتاب والسُنة أم هذه غيبة جائزة ؟
الجواب:بل هي غيبة جائزة وقد تجب أحياناً إذا كان لا يمكن الوصول للحق إلا من طريق
استغابة الظالم,فهذا لم يقله العلماء بمجرد رأي من عندهم بل هناك وقائع في السُنَّة
تشهد بجواز وصف الظالم بظلمه من المظلوم كي يصل لحقه المهضوم من الظالم.
ومن ذلك مارواه البخاري في"الأدب المفرد" وغيره من حديث أبي هريرة : أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال:يارسول الله جاري ظلمني فقال -عليه الصلاة والسلام-:اجعل متاعك على قارعة الطريق ففعل الرجل فمر بعض الناس وكان كلما مر بعضهم قالوا له:مالك يا فلان؟ يقول: جاري ظلمني , فما يكون منهم إلا أن يسبوه ويشتموه بل ويقولون:لعنه الله كيف مسلم يظلم اخاه المسلم؟ فيقولون:أخذه الله , لعنه الله والرجل الجار يسمع هذا السِّباب وهذه الشتائم فقال للرسول-صلى الله عليه وآله وسلم -يارسول الله مُر جاري أن يُعيد متاعه إلى "داره"
فقول الرجل للرسول- صلى الله عليه وآله وسلم-:فلان ظلمني هذه غيبة ؛ لأنه ذكره
بما يكره ولكن لما كان هذا المظلوم لا يصف جاره بالظلم من باب التشفي أو من باب
إرواء غليل غيره ولكن ليعْلم الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم-أمره فيُصلح حاله
وهذا ما وقع فأمره الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - بطريقة عملية ليُجيره
من جاره الظالم ويُفيد الظالم في الوقت نفسه وذلك أنه-عليه الصلاة والسلام - أمره أن
يُلقي متاع البيت في الطريق فصار الناس يرون ذلك ويسألونه فيقول:جاري ظلمني
فتنهال عليه السبائب والشتائم فكان هذا سبباً لرجوعه عن ظلمه.
من مثل هذا الحديث أخذ العلماء جواز غيبة الظالم من المظلوم
وهذا ماصرح به القرآن الكريم حيث قال:{لايُحِبُ اللهُ الجهرَ بالسوءِ من القول إلا مَنْ ظُلِم}
هذه الآية صريحة أن الإنسان ما يجوز أن يقول كلاما سيئا إلا المظلوم فيجوز له
أن يتكلم بكلام ضد ظالمه حتى يتوصل به إلى حقه المهضوم.
ومن هنا يأتي الحديث الذي يرسله الفقهاء في كتاب "الحقوق والبيوع" قال-عليه الصلاة والسلام: "لَىُّ الواجدِ يُحِل عرضهِ وعقوبتهِ".
لىّ:مماطلة, الواجد:الغنى المستقرض من غيره يجد من ماله مايسده ثم يُماطله ولايُعطيه حقه.
وكما قال-عليه الصلاة والسلام- في حديثٍ آخر:"مَطلُ الغني ظلم".
يُحل عرضه: يحل لصاحب الحق الذي يُماطله بالوفاء أن ينال منه إذ يقول :
فلان أخذ قرض كذا وعنده مال وما يعطيني ، هذه غيبة جائزة ؛ لأنه يكرهُ ذلك.
ويحل عرضه من الدائن الذي يُماطله وعقوبته من الحاكم فهو يستطيع أن يُعاقبه
ويناله بأذى بحبسٍ بجلدٍ من باب التأديب لماذا لا تُعطي أخاك المسلم حقه؟!
الشاهد من هذا الحديث:قوله -عليه الصلاة والسلام-:"لىُّ الواجد يُحل عرضه"
أي النيل منه بينما هذا النيل في الإسلام لا يجوز لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إلا امرأ اقترض امرءً ظلما فذلك الذي حرج وهلك ) فهذا هو النوع الأول ممن يجوز استغابته وهو المتظلم لظالمه.
2-المُعَرِّف:
وهذا التعريف له علاقة في النواحي الاجتماعية في مناسبات كثيرة جداً فكثيرا ما يأتي
رجلٌ إلى صديقه يسأله: فلان ما رأيك فيه ؟ بِده يُشاركنى يُعاملني بالمال,
أو فلان يخطب منا ماذا تعرف عنه ؟
يكون الجواب التقليدي المعروف:كل الناس خير وبركة
والمسئول يعلم مثلا أن المسئول عنه من الناحية المادية ليس أميناً
فحينما سُئل؛ عليه أن يُعرف بحقيقة المسئول عنه فيقول : إنه عنده كذا وكذا
هذه غيبة ولكنها غيبة مستثناه في جملة المستثنى من باب الدين النصيحة.
كذلك صورة أخرى فلان يخطب من عندنا ما رأيك فيه ؟
كل الناس خير وبركة وهو يعرف أنه شارب وبطال ولايذكره بما يعلم منه من باب
زعم السترعليه ، هذا خطأ وغلط ، و في مثل هذا الكلام ورع بارد ، يجب أن يذكر
ما فيه حتى يكون السائل على بينة من أمره.
يتبـع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا على ما بذلتموه من جهد جهيد في نشر السنة و نشر علم الأكابر الراسخين فإن الأمة أحوج ما تكون لعلمهم اليوم .
ومساهمة منى:
أدل على شرح كتاب الأدب المفرد،
فيستعان بشرحه على فهم
ما سقط من الشرائط أو أبهم من كلام الإمام رحمه الله
وللعلم الشيخ حفظه الله معه العالمية والعالية(ماجستي /دكتوراه) في فنى اللغة العربية والحديث من جامعة الأزهر وكلية الأداب وهذا رابط الشرح على موقعه http://www.rslan.com/vad/items.php?chain_id=250
ومن تفصح موقع الرجل علم مدي علمه ومدي قوة بيانه وبلاغته حتى أثنى عليه مخالفوه بذلك.
مع ثناءات أهل العلم عليه.
وهو سلفي قح. حفظه الله.
فجزاك الله خيرا أم هانئ على نشرك للسنة .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
وزيادة في الخير هذه عناصر جميع محاضرات السلسلة المباركة مجموعة في صفحة واحدة على موقع الشيخ حفظه الله ،
تحتوي كل محاضرة منها على الأبواب التي يقوم الشيخ بالتعليق عليها .
http://www.rslan.org/chains/AdabMofrad/notes.pdf
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا ..
وكذلك قد قام بشرح كتاب الأدب المفرد الشيخ حسين بن عودة العوايشة وهو أحد تلامذة الشيخ الألباني
- رحمه الله - واسم كتاب الشيخ العوايشة : ( شرح صحيح الأدب المفرد ) للإمام البخاري / تخريج الشيخ الألباني
ويقع الشرح في ثلاثة مجلدات متوسطة الحجم
و منهج الشيخ العوايشة في شرحه للكتاب : جمع شروحات الأحاديث من بطون أمهات كتب السلف فقلما يضيف من عنده شيئا .
نسأل الله أن ينفع به آمين .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
3 - ومحذِّر :
من هذا القبيل النوع الثالث وهو المُحَذِّر بدون سؤال : متستر ت و يعاشر إناس
لا خلاق لهم يجب على المسلم أوالمسلمة أن يحذر ذلك الشاب أو الشابة عن مُخالطة
ذلك الإنسان المنحرف ؛ خشية أن يُصبح بمخالطته مثله.
وهناك أحاديث كثيرة تدندن حول قضية واحدة وهي أن المسلم والمسلمة داخلة
في هذا القول أيضا يجب أن يختار الصاحب والصديق الذي يُعاشره ويخالطه.
فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: "لا تُصاحب إلا مؤمناً ولايأكل طعامك إلا تقي".
أي لا تُصاحب إلا مؤمنا لأنه كما يقول المثل العامي:"الصاحب ساحب"تسري عدوى
الصاحب سيء الخُلق منه إلى صاحبه ، ولذلك فقد أبدع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
حينما ضرب مثل الصاحب الصالح والصاحب الطالح بقوله -عليه الصلاة والسلام-:"مثل الجليس الصالح كمثل بائع المِسك إما أن يُعطيك وإما أن تشم منه رائحة طيبة ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير"الحداد" إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة"
فهذا مثل الصاحب صالحا كان أو طالحاً فلا مناص من أن يتأثر صاحبه به خيراً أو شراً.
إذا كان الأمر كذلك فإذا رأيت شاباً يُصاحب فاسقاً فعليك أن تُحذره وأن تقول:
فلان من صفته كذا وكذا ، هذا ليس بغيبة بل هي من الغيبة المستثناه ؛ لأن الدين النصيحة
لقوله -عليه الصلاة والسلام-:"الدينُ النصيحة,الدين النصيحة,الدين النصيحة"قالوا لمن يا رسول الله؟ قال:"لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
فهذا من النصح لعامة المسلمين : حينما نرى مسلما يُصاحب فاسقا لا يدري عن أطباعه
وأخلاقه فيجب أن نحذره منه حتى لايتأثر به.
4-ومجاهر فسقاً:
هذا أهم شيء يتناصح فيه المسلمون : إذا رأينا مسلما يُصاحب فاسقا أو مسلمة
تُصاحب فاسقة وما أكثر الفاسقات في زماننا هذا لأن مجرد خروج المرأة من بيتها
متبرجة بزينتها متجردة من الجلباب الذي فرضه عليها ربها فإنما هو فسق وفجور
لأنها تخالف صريح القرآن الكريم حيث يقول الله -عزوجل-:{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن}
فإذا رأينا فتاة مؤمنة متسترة ليست من الفاسقات ثم هي تعاشر وتصاحب من لسن
مثلها في حشمتها وفي سترتها فيجب تحذيرها من مخالطة هؤلاء .
وهذا التحذير من النوع الثالث غير المجاهر بالفسق لأن الإنسان قد لا يُنبئ
في مظهره عن فساد طويته ومع ذلك يُقال لصاحبه فلان صفاته كذا وكذا فإياك وإياه.
أما النوع الرابع فمُجاهر فسقا فهي معلنة تخالف دينها وتعصي ربها.
هذا النوع يُستغاب لماذا؟ تحذيرا لها لهذا النوع لعله يرعوي ويتوب إلى ربه -تبارك وتعالى-.
فالمجاهر بالفسق ليس له غيبة وقد جاء في ذلك حديثٌ صريح ولكنه لا يصح إسناده
للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ولفظه:"ليس لفاسقٍ غيبة"لكنه حديث ضعيف
وإن كان معناه صحيحا.
5-المُستفتي:-
والاستفتاء:هو طلب حُكم شرعي : فقد يأتي الرجل إلى العالِم ويقول زوجتي تفعل
كذا وكذا فما الحُكم في قوله زوجتي تفعل كذا وكذا ؟ هو غيبة لها
والعكس تأتي المرأة وتقول زوجي يفعل كذا وكذا وهذه غيبة فهل هذا يجوز؟
الجواب:-إذا كان قصد كل منهما أن يتعرف على حُكم الله -عزوجل-هذا أمرٌ جائز.
أما إذا كان هذا ليس المقصود والمقصود هو التشفي فهذا حرامٌ في نص الكتاب والسُنة.
ومن الشواهد على ذلك ماجاء في الحديث الصحيح أن امرأة جاءت الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- فقالت: يارسول الله زوجي رجلٌ شحيح يعني بخيل أفآخذ من ماله ما يكفيني أنا وأبنائي؟
فقول المرأة زوجي شحيح أي زوجي من طبعه البخل والشُح وبذلك لا يقوم بواجب النفقة
بالنسبة إليّ كزوجة ولا بالنسبة لأولادي منه فهل يجوز أن آخذ من ماله خلسة بدون علمه؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:"خذي من أمواله مايكفيك أنت وولدك بالمعروف".
والشاهد من هذا الحديث:هو قول المرأة للرسول- صلى الله عليه وآله وسلم-:
"زوجي رجلٌ شحيح" هذه غيبة في الشرع ، ولاشك أن الزوج لو بلغه أن زوجته قالت
لفلان العالم:زوجي شحيح,هذا يُزعجه بلا شك لأنه غيبة لكن مادامت أرادت من وراء
ذلك ليس التشفي وإنما الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي ؛ لذك ما نجد الرسول
- صلى الله عليه وآله وسلم- مُنكراً عليها ولم يقل لها:اسكتي هذه غيبة ؛ لأنها إنما تُريد أ
ن تعرف حُكم الله في المسألة التي هي تسأل عنها ؛ فأجابها -صلى الله عليه وآله وسلم -
بقوله:"خُذي من ماله ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف".
6- مَنْ طلب الإعانة في إزالة مُنكر:-
أي إذا كان هناك منكر في المحل في الحارة وكان لا سبيل إلى إزالته والقضاء عليه
إلا من باب تعاون المسلمين مع بعض ، ولابد لمن كان على علم بالواقعة السيئة
أن يُحدث عن أهلها الآخرين فيمن يتعاون معهم في سبيل إزالة ذلك المنكر
هذا كله غيبة ولكن في سبيل درء الشر الذي يضر الرجال والنساء أيضا.
فلذلك التعاون على إزالة منكر ولو كان يستلزم شيئا من الاستغابة إلا أن هذه الغيبة جائزة.
يتبــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
ما أدري ما أقول إلا جعلك الله من المخلصين وأعانك على نشر السنة .
وسؤالى:هل كتاب العوايشة مرفوع على الشبكة؟
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوخزيمةالمصرى
ما أدري ما أقول إلا جعلك الله من المخلصين وأعانك على نشر السنة .
وسؤالى:هل كتاب العوايشة مرفوع على الشبكة؟
آمين جزاكم الله خيرا
نعم يغلب على ظني أنه يوجد على الشبكة .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الخلاصة:-
الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث حذر المسلمين من أن يغتاب أحدهم
أخاه المسلم ظلماً ، ففى قوله ظلماً إشارة إلى أن هناك غيبة لا تعتبر ظلما
وكان لابد من التنويه والبيان وما سوى ذلك يعتبر ظلما وهو كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم-:"فذاك الذي حرج وهلك".
- "نعم يا عباد الله تداووا"
كان هذا الأمر من الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- بالتداوي إجابة على سؤال الأعراب:أنتداوى يارسول الله؟
وكأن مبعث سؤالهم هو كأنه بسبب ما يلقى في أذهان بعض الناس أن التداوي يُنافي التوكل
لأنهم أعراب ولا علم عندهم فلا يبعد أن يكون قد دار في أذهانهم أن التداوي من الأمراض
يُنافي التوكل على رب الأرباب - سبحانه وتعالى - ولكنهم من جهة أخرى يعلمون بجهلهم؛
فلذلك لايُريدون أن يعتمدوا على مجرد خواطرهم ووساوسهم وأن يتجاوبوا معها
ولذلك بادروا الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم-بهذا السؤال: أنتداوى؟
فقال - صلى الله عليه وآله وسلم-:" نعم يا عباد الله تداووا فإن الله - عزوجل - لم يضع داءً إلا ووضع له دواءً"
أي شفاء ، فكان جواب الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- يتماشى مع سُنة الله
-عزوجل- في خلقه التي تقول : بأن الله قد جعل لكل مُسببٍ سبباً.
فالله-عزوجل-الذي خلق الأمراض بقدرته وحكمته جعل لها أيضاً أدوية إذا استعملها
المريض حصل له الشفاء والعلاج بإذن الله.
ولذلك فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أجاب الأعراب بأنه ينبغي عليهم
أن يتداووا بيَّن لهم أن التداوي لايُنافي التوكل على الله ؛ لأن التوكل على الله لا يُنافي
أيضا الأخذ بالأسباب التي شرع الله- تبارك وتعالى-.
نحن نعلم جميعاً أن رزق كل مخلوق مكتوب وهو لايزال جنيناً في بطن أمه كما جاء
في الأحاديث الصحيحة وبخاصة ما جاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -
الذي فيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: "و يجمع خلق أحدكم في بطنه أمه أربعين يوماً نطفة ..إلخ"
الذي فيه إلى أنه بعد أن يمرهذا الجنين بالأطوار المذكورة في الحديث أي يمضي عليه
أربعة أشهر و يُنفخ فيه الروح و يأتيه مَلَك ويسأل ربه أسعيد أم شقي ورزقه و أجله.
فيُكتب منذ تلك الساعة رزقه وحياته عمره طويل أم قصير...إلخ
فمع هذه الكتابة فقد جعل الله لكل شيء سبباً فالرزق وإن كان مكتوباً فلابد من السعي
وراءه كما قال تعالى في القرآن الكريم: { هو الذي جعلَ لكم الأرضَ ذلولاً فامشوا في مناكِبها وكلوا من رزقه وإليه النشور }
فلم يقل الله : اتكلوا على الكتابة التي كُتبت لأحدكم وأنتم بعدُ ماخرجتم إلى الوجود
وإنما قال:{ جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها } كذلك السعادة والشقاوة تماما
فمن أراد أن يكون سعيداً فليعمل عمل أهل السعادة ومن يرد أن يكون شقياً
فليعمل عمل أهل الشقاوة. لذلك قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "فمن كان من أهل السعادة فسيعمل بعمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيعمل بعمل أهل الشقاوة".
وهكذا في كل شيء في الحياة الدنيا إنما هو مربوط ٌبالأسباب التي جعلها الله -عزوجل -
أسباباً لمسبباتٍ هو قدرها وهو نظمها ومن هذه الأسباب الأدوية التي أمر رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم - بالتداوي بها والتي تنقسم إلى قسمين:- منها ما هو جائز
ومنها ماهو غير جائز.
- أما الجائز:- فهو كل دواء يحصل فيه أو به الفائدة والشفاء ولم ينه عنه الشارع الحكيم فيجوز استعماله.
- أما الذي لا يجوز استعماله فهو الدواء المنهي عنه مثل الخمر أو أي مُسكر
فقد أبتلِى بعض المسلمين اليوم بمعالجة بعض الأمراض بأدوية فيها مواد مُسْكِرة
فهذا لا يجوز استعماله لسببين اثنين:
1-صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - النهي عن الدواء الخبيث ولاشك أن الخمر إذا دخلت في دواء فهي خبيثة لأنها أم الخبائث.
2-الخمرة بصورة خاصة قد وصفها الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح بأنها داء وليست بدواء ولذلك فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقصد التداوي بالخمر بأي طريقةٍ كان هذا التداوي.
إذن فقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -:" يا عباد الله تداووا فإن الله ما أنزل داءً إلا وأنزل له شفاءً "
المقصود الدواء المباح لم يأت نهى عنه في الشرع الحكيم .
هل هذا الكلام يحمل كل الأدواء؟ وكل داء يُمكن شفاؤه ؟
يقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إلا شيئاً واحداً وهو الهِرَم"
الذي يقترب معه عادة الموت فهذا لا دواء له ، أي أن الله -عزوجل - كما قال ابن الجوزي
أو غيره: كتب الموتَ على الخلقِ فكم قَلَّ مِن جمع وأفنى من دُوَّلٍ فالموتُ مكتوبٌ
على كل حي فلا يبقى على هذا الكون حيّ إلا الحي القيوم - سبحانه وتعالى -
فلذلك قوله:"إلا جعل له شفاء"استثنى منه الهِرَم لأنه نظير وقرين الموت فما من إنسانٍ يهرم إلا ويعقبه الموتُ لامناص من ذلك.
فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -:"إلا الهرم" يعني الموت لأن الموت يأتي بعد الهرم ولابد.
لكن قد يأتي الموت فجأة على الشاب أو الطفل الصغير لكن إذا هرم الإنسان فلابأس
أن ينتهي للموت القريب لذلك جاء التصريح بالموت في بعض الأحاديث الصحيحة
فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -:"الحبة السوداء شفاءٌ لكل داءٍ إلا الموت"
فهنا صرح بالموت أما الهرم المقصود في حديثنا نظير الموت
فنسألُ اللهَ ألا يردنا إلى أرذل العُمر في أواخر حياتنا لقوله: {لكي لايعلم من بعد علم شيئا}.
فهرم عن هرم يختلف قد يكون شديد واعي وقد يكون أرذل العُمُر ، فالمقصود
أن الرسول ينص في هذا الحديث على أن كلَّ داءٍ خلق اللهُ له دواءً إلا الموت.
ولكن هناك رواية أخرى تلفت النظر إلى شيء هو إجابة سؤال قد يرد في بال كثيرٍ من
الناس ما بالنا نبتلى بكثير أو قليل من الأمراض ثم نتداوى ثم لا نشفى ؟
الجواب ماجاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه-في قوله -صلى الله عليه
وآله وسلم-:"إن الله ما أنزل داءً إلا وأنزل له دواءً عَلِمَهُ مَنْ علمه وجهله من جهله"
فالله - عز وجل - كما قال- صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما أنزل من داءٍ إلا وأنزل له دواء"
لكن الشطارة هي أن تكتشف هذا الدواء فلا يُشكل على أحد أن بعض الناس إذا تداوى
ثم لم يحصل الشفاء ذلك لأن الطبيب المُعالج لم يهتد بعدُ إلى دواء ذلك المرض ؛ لأن الله
ما أنزل من داء إلا وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله
أخيراً جاء سؤال الأعراب سؤالاً له علاقة بالباب الذي نحن بصدده وهو حُسن الخُلق
فسألوا الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن خير ما أعطى الإنسان؟
فأجاب بقوله:"حسن الخلق".
والسؤال والجواب واضحان ، ولكن لابد من التذكير أن سؤال السائل يختلف منه عن سؤال السائل الآخر.
فهؤلاء الأعراب كانوا مؤمنين كانوا مسلمين فحينما سألوا عن خير ما أعطى الإنسان ؟
يجب أن نتذكر أنهم يعنون الإنسان المسلم وإلا إذا ابتعدنا عن هذا المعنى وأخذنا السؤال
على إطلاقه عن خير ما أعْطِى الإنسان ؟ خُلق حسن ولو كان كافرا؟ الجواب لا
يعني ما هو خير ما أعطى الإنسان بعد إسلامه وإيمانه ؟
وإلا مهما كان الإنسانُ حَسنَ الخُلق لكنه كافرٌ بربه فحُسن الخُلق هذا لايفيده بشيء مطلقاً
لقول الله تعالى:{وقدِمَنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناهُ هباءً منثوراً}
فالكافرون مهما قدموا للناس مثل اليوم مخترعات ومنافع يستفيد منها أهل الأرض
لجهل كثير من الناس اليوم أن هذه الأمور كلها لا تفيد إلا المسلم فيظنون أن هؤلاء
لهم منزلة كبيرة عند الله عكس ما جاء في القرآن.
فهنا عندما نقرأ هذا السؤال عن خير ما أعطى الإنسان ؟
فنسمع الجواب:حُسن الخُلق فيجب ان نستحضر هذا المعنى أنه للإنسان المسلم المؤمن.
حينذاك فخير ما أوتي هذا الإنسان المؤمن هو الخُلق الحسن أما الإنسان مطلقاً
إن كان كافراً فليس خير ما أوتي هو الخلق الحسن فهذا لا يفيده في شيء مهما أوتي
من أمور هي في حقيقتها أمورا حسنة.
وربنا - عزوجل - يُخاطب نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - في شخصه أصالة ومقصود به
أمته تبعا قائلاً:{ لئن أشركت ليحبطنَّ عملك ولتكونن من الخاسرين }
فهؤلاء المشركون مهما قدموا من خدماتٍ وخيراتٍ من أي نوعٍ كانت فهذه الخدمات
لا تفيدهم شيئاً ما داموا كفاراً مشركين برب العالمين.
لذا يجب أن نفهم هذا السؤال:ماخير ما أعطي الإنسان ؟
يُفيد أنه الإنسان المسلم والجواب حينذاك:خُلقٌ حَسنٌ هو خير ما أعطي المسلم.
ومن هذا الحديث وأحاديث سبقت في هذا الباب يتبين أهمية حُسن الخُلق في الإسلام.
ولذلك فعلى كلٍ منا ذكراً كان أم أنثى أن يُعالج نفسه ويحسن أخلاقه على الأقل يُحسن
طباعه حتى يكون حَسِن الخُلق.
ولقد وصل اهتمام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بحسن الخلق وعنايته بسؤاله
لربه أن يُحَسِن خُلقه وهو كما وصفه ربه -سبحانه وتعالى- بقوله:{وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم}
ومع ذلك فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من سيرته ومن هديه
إذا وقف أمام المرآة ونظر فيها - وهو جائز شرعا في الإسلام لتسريح الشعر,لتنظيف
الوجه لغير ذلك من التزيُن المباح سواء للرجل أو للمرأة - يقول: "اللهم حَسَنْتَ خَلقي فحَسِّن خُلقي".
هذا دعاء يجب على كل مسلم ومسلمة أن يعنى بحفظه إذا وقف أمام المرآة
فيجب أن يتذكر ما يقرأ في القرآن من كلام ربنا - تبارك وتعالى-:{ولقد خلقنا الإنسانَ في أحسَنِ تقويم}
أن يتذكر بهذا التقويم الذي يراهُ في المرآة أنه بحاجةٍ إلى أن يوفقه الله - عزوجل -
إلى أن يُقوِّم أخلاقه وطبيعته وخُلقه.
وورود هذا الدعاء هو من جملة الأسباب التي شرعها الله -تبارك وتعالى- لعباده
المؤمنين لتحسينهم لأخلاقهم.
فقد يظن البعض أن كل إنسان وما طبع عليه فلا مجال لتحسين أطباعه وأخلاقه
ليس الأمر كذلك وإلا لبطلت كثير من نصوص ذكرناها ومنها هذا النص وهو
أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا وقف أمام المِرآة كان يطلب من
الله أن يُحَسِن أخلاقه كما حَسَنَ خَلقَه فهذا بلا شك تعليمٌ لنا ؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام-
هو في أحسن ما وُجد إنسانٌ على وجه الأرض من حُسن خُلقٍ وهذا في القرآن: {وإنك لعلى خُلُق عظيم}
ولكن نحن الذين نحتاج أن نُقَوِّم أنفسنا وأن نُحَسِن أخلاقنا كثيراً وكثيراً
فدائما نُرَوض أنفسنا إذا غضبنا وأن نهدأ ومن هذه الأسباب إذا وقفنا أمام المرآة
نقول:اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي.
يتبـع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
جزاكِ الله فراديس الجنان على هذا الجهد الطيب وأعانك الله على إتمامه وجعله في ميزان حسناتكِ
ورحم الله شيخنا الألباني وأسكنه في عليين الله آمين.
من المتابعين بإذن الله.
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم عبد الرحمن طالبة علم
جزاكِ الله فراديس الجنان على هذا الجهد الطيب وأعانك الله على إتمامه وجعله في ميزان حسناتكِ
ورحم الله شيخنا الألباني وأسكنه في عليين الله آمين.
من المتابعين بإذن الله.
آمين آمين آمين وإياك أختنا الكريمة أم عبد الرحمن
جزاك الله خيرا وأحسن إليك على كريم مرورك وطيب دعائك و عطر متابعتك بوركت .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
* روى المصنف بإسناده الصحيح عن ابن عباس قال:(كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم- أجودَ الناسِ بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاهُ جبريل - عليه السلام - وكان جبريل يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-القرآن فإذا لقيه جبريل كان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة)
هذا الحديث يُبين لنا أيضا كمال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- وحُسن
خُلقه وجودة نفسه حيث يقول ابن عباس: - "كان رسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم -أجود الناس بالخير"
أي لا يفوقه أحد في الكرم والجود بالخير وليس بالشر.
ومع ذلك كانت حالته هذه تسمو وتعلو به في رمضان لأن النفوس الخيِّرة تزداد خيراً
في مناسبة الأجواد أو الزمن الذي تحل فيه وبما نُسميه الصِّلات الجديدة التي تعترض له.
فها هنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي كان أجود الناس بالخير كان
أجود ما يكون في رمضان لأن شهر رمضان شهر خير وبركة فهو يوحي لمن صامه
وحل به بخير جديد كان لا يعرفه سابقاً كما أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
كان بصورة عامة أجود الناس بالخير لكنه كان أجود ما يكون في رمضان.
ثم هناك حالة ثالثة فكان أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل -عليه السلام-
فأصبح للرسول- صلى الله عليه وآله وسلم - ثلاث حالات أي ثلاث مقامات في الفضائل:-
المقام الأول:هو أنه أجود الناس في الخير دائما وأبداً في كل أشهر السنة.
المقام الثاني:هو اجود ما يكون في رمضان.
المقام الثالث:كان أجود ما يكون إذا لقيه جبريل -عليه السلام-
طبعا جبريل ما كان يلقاه في رمضان ليلا ونهاراً وإنما كان يلقاه في ساعاتٍ من الليل أو النهار.
فكان لقاء جبريل بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يُفيض على الرسول
بأن يكون أكثر مما كان عليه - صلى الله عليه وآله وسلم - بسبب هذا اللقاء قبل رمضان
وفي رمضان قبل لقائه بجبريل.
لذلك قال ابن عباس: وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاهُ جبريل وكان يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان
لماذا كان جبريل يلقى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في كل ليلة ؟
يقول ابن عباس: يعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-القرآن أي يدرس القرآن عليه.
هذا الكلام الذي نزل به جبريل -عليه السلام - على النبي من ربه -تبارك وتعالى -
كان جبريل ينزل عليه كل ليلة من رمضان حتى يدرس عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
القرآن حتى يُتقن التلاوة وربما لتلقي بعض المعاني التي قد تخفى على الرسول
- صلى الله عليه وآله وسلم -فهو بحاجة دائما إلى مدد السماء ، فكان جبريل يلقاه
في كل ليلة من رمضان يعرض عليه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-القرآن
يعنى يدرس عليه القرآن ويتلوه بين يديه.
فكيف يكون حاله -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان؟
قال:- فإذا لقيه جبريل كان الرسول أجود بالخير من الريح المرسلة هكذا كان الرسول
- صلى الله عليه وآله وسلم - يرتقي ويعلو ويسمو في أخلاقه بسبب اختلاف ظرف
عن ظرف فكان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في رمضان أجود مما كان قبله
وحينما يلقاه جبريل لمدارسة القرآن معه كان يكون أجود بالخير من الريح المرسلة
التي تُرسل من رب العالمين لتحل المطر والسحاب فهي تُغيث الأرض كلها بدون استثناء
فتعُم الأرض بالخير كلها ، كذلك كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا لقي جبريل
في رمضان أجود بالخير من الريح المرسلة .
ولعله -عليه الصلاة والسلام- كان في مثل هذه الحالة من السموالروحي والنفسي
كما ووصفه أحد الصحابة وهو جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - حيث قال:
"كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا سُئل شيئاً أعطاه"
وفي رواية "إذا سُئل شيئاً لايقول لا"
لايعرف الرسول إذا ماسأله سائل شيئاً أن يقول:لا ؛ ولذلك قال بعض مادحيه:
"لم يقل لا إلا في تشهده" يعني لا إله إلا الله .
وكان دائما إذا سُئل أعطى حتى جاء حديث آخر صحيح يُبين هذه الحقيقة ويؤكدها
فقد كان يأتيه الرجل يسأله فيُطَوِّل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- النظر ويوجه
إليه بصره من فوق لتحت - يعني يستكشف حاله - فإن تبين له أن هذا السائل لا يستحق
أن يُعطى ومع ذلك يُعطيه لماذا لا يستحق أن يُعطى؟
قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح:"لا صدقة لغنيّ ولا لذي مُرة سوى المرة"
القوي السوي أي الصالح البدن ليس مقطوع خال من العاهات لا هو أقطع
ولا هو أكتع ولا هو ناقص من الذين فيهم النواقص التي تعتري البشر.
فالرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-قال:"لاصدقة لغني" رجلٌ غنيّ بدلا من أن يَعطى يطلب !!
فليس له صدقة ، ولا لذى مُرة سوى أن شخص قوي البنية ؛ ولذلك إذا جاء السائل
كان يفحصه -عليه الصلاة والسلام- فلما يسأل فقير ما في ذلك شيء ، فإذا كان طيب
الحال سليم البنية ومع ذلك كان يُعطيه فإذا أخذ الصدقة التي أعطاها الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- إياها له وانطلق كان الرسول -عليه الصلاة والسلام -
يقول لمن معه:" لقد انطلق يتأبطها ناراً"يعني هذه الصدقة انقلبت عليه ناراً
لأنه سأل ما لا يحل له فيقولون له - عليه الصلاة والسلام - :
فلماذا تُعطيه مادُمتَ تعتقد أنه لا يستحق الصدقة؟
وهذا الشاهد قال -عليه الصلاة والسلام-:"يسألونني ويأبى اللهُ لي البُخل"
أي هم يسألوني وأنا أكره أن أبخل ؛ فلذلك أضطر أعطيهم ، يعني لمقام النبوة والرسالة
يجب على الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - أن يُحافظ على هذا المقام السامي
من أن يُدنس ويوسخ بأن يقول لهؤلاء الذين سألوه وهم غير مستحقين للسؤال لا
فيقولون طلبنا منه فما أعطانا يعني أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بخيل.
فهو يريد أن يقطع دابر الإشاعة بأن يأتي ويُعطيهم ، لكن هم عليهم أن يعلموا أن مَنْ
يسأل وليس له حق السؤال وأعطيته فكأنما تأبط ناراً.
كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - بصورة عامة أجود الناس وكان أجود
ما يكون في رمضان وكان أجود من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل
فما الذي نستفيده نحن من هذا الحديث؟
- نستفيد ثلاثة أمور:-
1- أن نتخلق بخُلق الرسول -صلى الله عليه آله وسلم - بالجود والكرم.
فمن كان ذلك من طبيعته فليحمد الله-عزوجل- ومن لم يكن كذلك فليُجاهد نفسه
لأن الله -عزوجل- يقول:{وأحضِرَت الأنفس الشُح} أي أن نفوس أكثر الناس مطبوعة
على البخل ؛ فعلى كل إنسان منا أن يُجاهد نفسه وأن يُرودها ويحملها على مكارم
الأخلاق ومنها الجود بالخير والسماح به.
2-أننا يجب أن نغتنم وجودنا في أزمنة مباركة كرمضان ، فلا يدخل علينا رمضان
ويخرج ونحن كما كُنَّا قبله أي أن نحيا مع الحياة الروحية التي يوحيها جو رمضان
لأنه شهر مفضل معظم ؛ لأن الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم- مع كونه
أجود الناس كان يجعل فرق في جوده في رمضان بسبب هذا الجو والزمن الفاضل الصالح.
3-الإنسان يستفيد تأثراً.
انتهى الشريط الثامن عشر .
يتبــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط التاسع عشر
تابع باب حُسن الخلق إذا فقهوا
*عن أبي مسعود الأنصاري قال: (قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:"حُوسِبَ رجلٌ ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه قد كان يُخالط الناس وكان موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المُعسر قال الله - عزوجل - نحنُ أحق بذلك منه,تجاوزوا عنه") (صحيح)
في هذا الحديث بيان قدر الخلق الحسن إذا تخلق به المسلم حتى إنه ليكون سببا في
تخليص صاحبه من العذاب الذي يستحقه بسبب ما كان اقترفه من الذنوب :
فهذا رجلٌ يقول عنه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -:
" كان رجل ممن كان قبلكم" أي : من الأمم السابقة ، فلم يقل لم يكن مسلماً
ولكنه يصفه"ممن كان قبلكم" يجب أن نُفسر ذلك بأنه كان مسلما وإن لم يكن مذكوراً ؛
لأن ذلك يُؤخذ من قواعد الشريعة ؛ لأن الله -عزوجل -قال في حق كل مشرك: {وقَدِمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناهُ هباءً منثوراً}
ويقول الله مخاطباً أمة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في شخص النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم-: {لو أشركت ليُحبِطنَّ عملك ولتكونن من الخاسرين}.
هذا نطبقه في الحديث فقال في أوله:"كان رجلا ممن قبلكم"ثم قال في آخر الحديث:"تجاوزوا عنه"
فيجب أن يخطر ببالنا أن الرجل كان مسلما وفي مثل هذا الحديث بصفة خاصة
أن هذا الرجل كان مسلما لأنه يقول:" فلم يوجد له من الخير شيئاً مع أن أكبر الخيرهو الإيمان!!
ولذلك جاء في أحاديث الشفاعة أن الله -عزوجل- يأمر في آخر الأمر بعد أن يشفع الرُسُل
والأنبياء والصالحون ثم يقول في إحدى الروايات الصحيحة للملائكة:
"أخرجوا من النار مَنْ كانت فيه ذرة من خير"أي ذرة من إيمان.
فإذا قرأنا هذا الحديث"حوسب رجلٌ ممن كان قبلكم" وفي آخره"تجاوزوا عنه"
نُفسر أنه كان مسلما لأنه لو كان مشركا وقد ملأ الدنيا خيراً فذلك لا يفيده فى شيء
لقوله تعالى: {فقدمنا إلى ماعملوا من عملٍ فجعلناهُ هباءً منثوراً}.
ونفهم من حديث الإمام مسلم الصحيح من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -
أن المؤمن إذا أتى بحسنة جُزِىَ عليها في الدنيا وحوسب بها أيضا يوم القيامة.
وهذا معنى الحديث أي : كان له أمران:الأول في الدنيا عاجلا والآخر في الاخرة آجلا.
أيضا قال- صلى الله عليه وآله وسلم- :"أن الكافر مهما عمل من حسنات في الدنيا
جُزى عليها في الدنيا ويوم القيامة جاء وليس في صحيفته من الحسنات شيئا" ؛
لأنه كفر بالله ورسوله ؛ فعمله مُحبط وكان في الآخرة من الخاسرين.
أي : إذا قيل كان ممن قبلكم رجل ثم تجاوز الله عن آثامه فيجب أن يخطر في البال
أنه كان مسلماً وإلا لو كان كافراً لأحبط الكفر عمله الصالح كله ولم يفده عمله الصالح شيئاً .
حُوسبَ رجلٌ ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيئاً :
في هذا الحديث إشارة إلى أن الحساب في يوم الحساب معناه محاسبة الإنسان على
ما قدمه من خير أو شر وعرض هذه الحصيلة وهذه النتيجة على هذا الإنسان ليرى
إما أنه من أهل الجنة أو يكون من أهل النار.
بعد ان حوسب هذا الرجل لم يوجد في صحيفته من الخير شىء إلا الإيمان
وإلا فإنه رجل يُخالط الناس:أي لا يعتزلهم وإنما هو كما نقول اليوم إنسان اجتماعي
لاهو منطوٍ ولا معتزل إنما هو يُخالطهم ويُعاملهم وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم-
في حديث صحيح يُبَيِّن فيه صفة المؤمن الذي يُخالط الناس ولكن بالخير وإذا أذِىَ
منهم لم يؤذهم وإنما صبر على أذاهم فقال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لايُخالطهم ولا يصبر على أذاهم".
فالمؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط الناس:
إما في بيته أو دكانه أو حتى في المسجد فهو لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم
بلا شك بسبب إيمانه فيه خير ، ولكن ذلك الذي يُخالط الناس ويصبر على اذاهم خيرٌ
من ذالك المؤمن الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
فهذا الذي كان من قبلنا وحوسب فلم يوجد في صحيفته شيء من الخير إلا الإيمان
كما يقول - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث كأنه يقول إلا خير أو
حسنة واحدة فقط ألا وهي أنه كان يُخالط الناس. وبسبب هذه المعاملة كان قد اكتسب
مالاً حتى صار رجلاً موسراً أو كان عنده خدم للمال فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا
على أو عن المُعسر من الناس.
هذا الرجل بسبب هذه المخالطة ومعاملته مع الناس بالتجارة أو الربا صار من الأغنياء
وكان عنده خدم إما خدم بالأجرة وإلا غلمان عبيد - كان الاسترقاق في العهود القديمة
حتى في عهد النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-أمراً مشروعاً لكنه له شروطه
في كتب الحديث وكتب السُنة - هذا الرجل بسبب المخالطة صار رجلا موسرا غنيا
وصار له غلمان فكان يأمر غلمانه بأنهم إذا حاسبوا رجلا من زبائنه ألا يشتدوا
بالمطالبة والمؤاخذة عليهم بل يأمرهم أن يتجاوزوا وأن يصفحوا: معك توفي ما عليك
من الذمة فبها مامعك فالله يعفو عنك.
فالله - تبارك وتعالى - الذي هو أكرم الأكرمين وأرحم الرحمين عامل هذا الإنسان
من جنس العمل الذي هو عمله فقد كان يتجاوز ويعفو ويصفح عن العاجز عن القضاء
وحُبِهِ لأن يتجاوز ويصفح ؛ فقال الله لملائكته: "تجاوزوا عنه" ؛ لأنه كان يحب
أن يتجاوز عن المُعسر فتجاوز الله -عزوجل- عن كل سيئاته لأنه أحق بالتجاوز
من عبده.{وهل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان}.
فغفر الله لهذا الإنسان الموسر وتجاوز عن كل سيئاته لأنه تجاوز عن أصحابه
وعن زبائنه الذين لم يستطيعوا أن يُبرئوا ذمتهم أمامه ؛ فالله -عزوجل- قابل
هذا الإنسان بنوع عمله مع أن تجاوز الله ومغفرته لا مثيل له ؛ لأن هذا الإنسان
الذي يتجاوز إنما هو يتخلق بجزء ضئيل جداً فلا يُمكن المُشابهة بين هذه الصفة
وصفة رب العالمين ألا وهي المغفرة ، فهو يتخلق بشيء من أخلاق الله -عزوجل-
وهو التجاوز عن المقصر, التجاوز عن المُخطيء ؛ فلما علم الله أن هذا الإنسان
كان يتجاوز عن الناس الذين يُقصرون معه ؛ تجاوز الله -عز و جل-عن تقصيره معه
{وهل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان} بل رب العالمين تجاوز بخير ما يستحق الإنسان
لأنه كما قال: {ذو فضلٍ عظيم}.
يتبـــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
أريد أن ألفت النظر إلى مسألة :
قد تخطر في بال بعض الناس فقد يتسأل البعض في الحديث"حُوسب رجلٌ ممن كان قبلكم"هل وقع الحساب يوم الحساب يوم يقوم الناس لرب العالمين ؟ فكيف جاء في الحديث هنا"حوسب رجلٌ ممن كان قبلكم"؟ فهل قامت القيامة ؟هل وُضع الميزان بالقسط؟ هل حوسب الناس وتبين أن الناسَ فريقان فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير؟
الإجابة:طبعا لأ : ما قامت القيامة وما حوسب الناس.
فكيف قال أصدقُ الناس:"حوسب رجلٌ ممن كان قبلكم"؟
الجواب على هذا جوابان:-
1-أن يكون قوله -عليه السلام-هنا:"حوسب" كما قال تعالى فى القرآن:{أتى أمرُ اللهِ فلا تستعجلوه}
أي قامت الساعة فلا تستعجلوه.يقول علماء البلاغة:أن هذا معناه هو الإخبار بالفعل
الماضي عن أمر لما يقع وسيقع قريباً تخفيفاً لوقوعه ، هذا أسلوب في اللغة
العربية"أتى أمر الله"يعني سيقع كما لو أنه وقع فعلا وصار في خبر ماض
كذلك على هذا المنوال قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:"حوسب رجلٌ ممن كان قبلكم" :
يعني سيُحاسب سريعا وسريعاً سيوجد في صحيفته لا شيء من الحسنات إلا الإيمان
إلى آخره فيقول الله -عزوجل-"هو إن تجاوزعن عبادي فأنا أحقُ أن أتجاوزعنه تجاوزوا عنه"
2- الجواب الآخر وهو الأقرب والأظهر أن هذا وقع فعلاً لأن الأصل في كل جملة عربية
لاسيما إذا كانت قرآناً أو حديثاً نبوياً يجب أن تُفسر على ظاهرها فلا نقول:"حوسب"
بمعنى سيُحاسب بخلاف الآية السابقة {أتى أمرُ اللهِ فلا تستعجلوه} لابد من تأويل أتى بمعنى سيأتى قريباً
لأن الله - عزوجل - أتبع قوله{أتى أمر الله فلا تستعجلوه} فجملة"لاتستعجلو " معناه أن هذا الأمر
لم يأت بعد ولكنه سيأتي قريباً فلا تستعجلوا مجيئه فإنه آتيكم قريباً ، فلو كانت جملة أتى بمعنى أتى
فعلا فما معنى فلا تستعجلوه؟ بل يقول فذوقوه ؛ فهذه الجملة كانت قرينة بأنه سيأتي
أما هنا في الحديث"حوسب رجلٌ ممن كان قبلكم" أي فعلا حوسب يعني عُجِلَ له حسابه والله
-عزوجل- على كل شيء قدير ولا فرق عنده أبداً بين التعجيل بالحساب أو التأني به والتأخير إلى يوم
الحساب كله سواء عنده -عزوجل- فحاسب هذا الرجل لتظهر فائدة ونتيجة محاسبة الله لبعض عباده
مع أنهم كانوا من الجُناة والعاصاة ؛ إنما عفا الله عنهم لخصلةٍ أو لخُلقٍ أو لغيرها مما قد يفهمه بعض
الناس أو لا يفهمه البعض الآخر ، وهذا له أمثلة بالتعجيل يبعث الناس بعثاً خاصاً من ذلك :
الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما"من حديث أبي سعيد الخدري وغيره
عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال:" كان فيمن قبلكم رجلٌ لم يعمل خيراً قط فلما حضرته الوفاة جمع أولاده حوله فقال لهم: أي أبٍ كنتُ لكم؟ فقالوا:خير أبٍ قال فلئن قدر الله عليّ ليُعذبنى عذابا شديداً فإذا أنا مِتُ فخذوني وحرقوني بالنار ثم ذروا نصفي في الريح ونصفي في البحر ، فلما مات حرقوه بالنار تنفيذا لوصيته وذروا نصف رماده في البحر الهائج والنصف الآخر في الريح الهائج ثم قال الله لذراته كوني فلاناً فكانت فقال الله-عزوجل- له أي عبدي ما حملك على ما فعلت؟
- من هذه الوصية الجائرة التي تدل على شكك بالبعث؟ "لأنه قال:" لئن قدَّر الله عليّ ليُعذبنى عذابا شديداً"
كأنه لاي ؤمن بأن اللهَ قادرٌ على بعثه من جديد كأنه يمثل عليه أو كأنه ينطبق عليه المثل ا
لمضروب لكافر في خاتمة سورة"يس"{وضَرَبَ لنا مثلاً ونسِي خلقه قالَ مَنْ يُحْيي العِظامَ وهي رميم قل يُحييها الذي أنشأها أولَ مرة}
كأن هذا الإنسان الذي أوصى بهذه الوصية الجائرة فقال لأولاده:"لئن قدر الله عليّ ليُعذبني
عذاباً شديداً إذن لكي لا يقدرالله عليه أوصى بهذه الوصية الجائرة.فالله -عزوجل-
الذي قال إنه على كل شىءٍ قدير قال لذرات هذا الإنسان التي بعضها في الريح متفرقة
وبعضها في الماء قال لها: كوني فكانت انتصبت أمام الله -عزوجل- بشراً سوياً
فقال الله-عزوجل له:"أي عبدي ماحملك على مافعلت؟ قال:ربي خشيتك"
أنا خائف منك وهذا ليس لأني غير مؤمن بأنك على كل شيء قدير ولكن من خوفي منك
ما وسعنى إلا أن أوصيت بهذه الوصية الجائرة.والله -عزوجل- العليم الذي لا تخفى عليه خافية
في الأرض ولا في السماء يعلم أن هذا الإنسان يتكلم عن إخلاص حين يقول:
إني أوصيت بهذه الوصية الجائرة من خوفي منك أي إنك ربي إذا عذبتني بعَدْلِك وأنا مُستحقٌ
لذلك ؛ فخلاصاً من هذا العذاب الذي إذا صببته عليّ أوصيتُ بهذه الوصية الجائرة للخلاص
من العذاب لاشكا في قدرتك على بعثي وإحيائي مرة ثانية .
فلما علمَ الله -عزوجل- منه صدقه في قوله قال الله -عزوجل-:"اذهب فقد غفرتُ لك"
الشاهد من هذا الحديث أنه كحديثنا هذا كل من الرجلين بعثه الله -عزوجل-
وحاسبه قبل يوم الحساب ، وهذا كما قلنا لا فرق عند الله بين التعجيل بالحساب أو الإبطاء إلى اليوم
الموعود ولكلٍ حكمته لأن الله -عزوجل- حكيمٌ وفعالٌ لما يُريد.
الشاهد من الحديث السابق:-
إن فيه حضاً للمسلم إذا تعامل مع إخوانه أن يتعامل معهم على أساس التسامح
وعلى أساس التجاوز عن خطأ أصحابه وألا يتشبث بمحاسبتهم وبالدقة عليهم
لأن الله-عزوجل-سيُحاسب المُتجاوز عن أخطاء إخوانه وعن تقصيرهم معه بمثل تجاوزه عنهم
هذا هو المقصود بهذا الحديث وهو فيه حضٌ على التخلق بخُلق المسلم الحسن
ولذلك كان من حُسن التبويب والترتيب أن المُصنف -رحمه الله -أتبع الحديث السابق
بحديثٍ لاحقٍ فيه التنصيص على حُسن الخُلق وأنه من الأسباب القوية التي تُدخل صاحبه الجنة.
يتبــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
* قال المصنف بإسناده عن أبي هريرة :( سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- ما أكثر ما يُدخل الجنة ؟ قال: " تقوى الله وحُسن الخُلق" قال السائل: وما أكثر ما يُدخل النار؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" الأجوفان الفم والفرج")
هذا الحديث جاء بعد ذاك الحديث لأن هناك رابطة قوية بينهما : الحديث السابق بيَّن
فيه الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بوضوح أنَّ تخلق المسلم الغني الموسر بالخُلق
الحسن والذي منه التجاوز عن زبائنه المقصرين معه ؛ أن الله يتجاوز عنه
وجاء هذا الحديث ليؤكد ما جاء في الحديث السابق حينما سُئل - عليه الصلاة والسلام -
عن أكثرما يُدخل الجنة ؟ قال : "تقوى الله وحُسن الخُلق" ففي هذا الحديث التصريح
بذلك المضمون الذي أشرتُ إليه في التعليق على الحديث السابق.
ففي الحديث السابق"كان رجلٌ" فقلنا : أنه لابد من تقدير أن هذا الرجل كان مسلما
أي مُتقِياً لله -عزوجل- بعيداً عن الإشراك به.
وهذا الحديث صرح بما قلنا آنفاً في الحديث السابق حيث قال في الإجابة عن أكثر
ما يُدخلُ الجنة ذكر شيئين:-
الشيء الأول وهو الأهم قال-عليه الصلاة والسلام-: "تقوى الله" وهي بمعنيين
أحدهما أخص من الاخر أحدهما أخص من الآخر أقل معناً والآخر أكثر وأشمل معناً :
1- تقوى الله وهي بالمعنى الأقل بعد الإيمان به - تبارك وتعالى - كما جاء في الكتاب
والسُنة :العمل بكل ما أمِر به والانتهاء عن كل ما عنه نُهي وزُجِر ، هذا هو التقوى بأقل معنى.
2- أحيانا تأتي بمعنى واسع جداً بحيث أن التقوى تشمل التحقيق والتطبيق لكل ما
جاء في الشرع سواء كان من الفرائض أو المستحبات فهو يأتي هذه الأشياء
أو كان من المحرمات أو المكروهات فهو يبتعد عن هذه الأشياء هذا المعنى الأعم.
1-النوع الأول من التقوى فرض على كل مكلف لأن معناها الإتيان بما أمرالله والابتعاد عما حَرَمَ الله.
كما جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال له: يارسول الله أرأيتَ إن أنا صليت الصلوات الخمس وصُمتُ رمضان وحللتُ الحلال وحَرَمتُ الحرام أأدخل الجنة ؟ قال:"نعم إن أنتَ صليتَ الصلوات الخمس وصُمتَ رمضان وحللتَ الحلال وحَرَّمتَ الحرام دخلتَ الجنة"
أي كل مَنْ اقتصر على القيام بما فرض الله والابتعاد عما حَرَّمَ الله فحلل ماحلل الله
وحرمَ ما حرم الله فهو في الجنة على حد تعبير ذاك الأعرابي الذي جاء إلى الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال وسأله عما فرض الله فقال : "خمس صلواتٍ في اليوم والليلة قال:هل عليَّ غيرهن؟قال:لا إلا أن تطوع ، فسأله عن الصيام؟ قال:فصم شهر رمضان. قال:هل عليّ غيره؟ قال:لا إلا أن تطوع"...
وهكذا يسأله عما فرض الله فيُبيِّن له ثم يتبعه بسؤال :هل عليّ غير ذلك؟ يقول:
"لا إلا أن تطوع"يعني يترك مت لم يُفرض عليك لما سأله عن ذلك ، فقال:والله
يا رسول الله لا أزيد على ذلك ولاأنقص ، قال-عليه الصلاة والسلام-:"أفلح الرجلُ إن صَدَق"
أي دخل الجنة إن صدق هذا الذي تعهَدَ للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-أن يأتي
بالفرائض لا يزيد عليها لا ينقص ولا يتطوع في الوقت نفسه لا ينقص منها شيئاً
لأنه إن نقص منها ؛ عصى ربه.
قال له -عليه الصلاة والسلام-أو قال لمن حوله في حقه:"أفلح الرجل إن صدق"
دخل الجنة إن صدق.
هذه هي التقوى في أضيق معانيها والتي لا تقوى بعدها وهي التي تُدخل صاحبها الجنة.
2- لكن هناك تقوى أعم من ذلك بحيث تشمل من النواحي الإيجابية أن يأتي بما شَرَّعَ
اللهُ من المستحبات والنوافل وتشمل الابتعاد عما كره الله من الأمور المكروهات
ولو أنها لم تكن من المحرمات ، هذه تقوى أوسع وأشمل من هذا.
بأي التقوتين نُفسر جواب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم ؟
الظاهر أن المقصود بهذه التقوى هو من النوع الأول لأنه إن فسرناه بالنوع الثاني
الذي يشمل كل الخير حتى ولو كان مستحبا ؛ دخل ذلك في حُسن الخُلق بطبيعة الحال.
فلما قال: "تقوى الله وحُسن الخُلق"أراد تقوى الله بمعناها الأضيق أي الإتيان
بما فرض الله والابتعاد عما حرم الله ، هذا أكثر مايُدخل الجنة + حُسن الخلق .
يتبـع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
- حُسن الخُلق هذا المعنى الواسع وليس المقصود بحسن الخلق فقط معاملة
الإنسان بما يجب.يعني إنسان مثلا ترك عندك أمانة فأديت هذه الأمانة لاشك أن هذا
من حُسن الخُلق لكن هذا حُسن الخُلق فرض إذا قصر فيه الإنسان حوسِب يوم الحساب
وعُذِب على ذلك لأنه خالف أمر الله -عزوجل- {أدوا الأمانات إلى أهلها}
وخالف أمراً نبوياً لكن المقصود بحُسن الخُلق هنا ماهو أكثر من حُسن الخلق الواجب
على الإنسان أن يُعامل الناس بلطفٍ / أن يُعامل الناس بالتجاوز و يعفو عمن ظلمه
إلى آخر ماهنالك من خِصال الأخلاق الحسنة التي لايمكن لإنسان أن يأتي بها كلها
لأن ذلك مما خَصَ الله به بشراً من البشر جميعا ألا وهو الرسول -صلى الله عليه
وآله وسلم -الذي وصفه -عزوجل- في القرآن بقوله: {وإنكَ لعلى خُلُقٍ عظيم}
ولكن على الإنسان أن يتطبع وأن يتخلق بالأخلاق الحسنة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
كأن يحس في نفسه مثلا بأنه طُبع على شُحٍ أو بخلٍ فيتكلف أن يتكرم وأن يتسامى
في وجود كلٍ بحسبه وإذا كان مطبوعاً على شيء من الشدة والغلظة فيُحاول
أن يلين ويتواضع مع الناس وهكذا من أجل ذلك جاء فى الحديث الصحيح
قوله -عليه الصلاة والسلام- : "إنَّ الرجلَ ليُدرك بحُسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار"
والسبب في هذا أن الذي يُحَسِّن خُلقه يُحسنه وهو يُجاهد نفسه لذلك قال
-عليه الصلاة والسلام-: "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم"
وتأكيداً لهذا المعنى الذي نُدندن حوله وهو أن المسلم يجب أن يُمرن نفسه
وأن يُدربها على حُسن الخُلق تأكيداً لهذا المعنى بطريقة السؤال والجواب
لأصحابه يوماً:"أتدرون مَنْ الصرعة ؟ "قالوا:الصرعة هو الذي يُصارع الناس فيصرعهم أي يغلبهم.قال:"لا ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد مَنْ يملك نفسه عند الغضب".
فالذي يُحاول أن يمسك نفسه عند الغضب يتكلف ذلك ولو بمشقة وهذا الذي معناه
أنه يُحسِّن وهذا الذي يطبق أمره -عليه الصلاة والسلام- لما قال لمعاذ:
"اتق الله حيثُما كُنت وخالق الناس بخُلقٍ حسن".
ومن حديث الصرعة هذا أخذ ابن الوردي قوله في قصيدته المشهورة :
ليس مَنْ يقطع طُرقاً بطلاً ** إنما مَنْ يتقي اللهَ البطلُ
من هذا الأسلوب كان تنبيه الناس على ضرورة تحسين الخُلق وتمرين النفس
على الصبر ، قال-صلى الله عليه وسلم- يوما للنساء خاصة:
"أترون مَنْ الرَّقوب؟ قلن:الرقوب فينا هي التي لا تلد.
فأجابهم أن الرقوب هي التي تلد و يموت ولدها ؛ وذلك أنها إذا ولدت
ومات ولدها وصبرت على موته كان لها أجراً كبيراً عند الله -عزوجل-
بعكس العقيم التي تعيش ولا ولد لها فهي لا تجد الغضاضة ولا تجد الحساسية
الخاصة في نفسها كما لو رُزقت ولداً وربته تربية ثم الله - عزوجل - قبضه إليه
فهنا يظهر أهمية الصبر والرضا بقضاء الله وقدره.
الخلاصة:-
إن هذا الحديث يُبين لنا أن أكثر الأسباب التي تُدخل صاحبها الجنة هي:
1-التقوى الواجبة .
2- ثم حُسن الخُلق بأوسع معناه.
وقال السائل:"وما أكثرما يُدخل النار؟"
قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "الأجوفان الفم والفرج"
وهذا من بيان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وفصاحته.
وهذا معناه واضح لأن الفم باعتباره أجوف ويتكلم الإنسان عادة كثيرا جداً
وكلام الإنسان كله يُحاسب عليه إلا ما كان أمراً بمعروفٍ أونهياً عن منكرٍ
لذلك جاء في الحديث الصحيح "مَنْ يضمَن لي مابين لحْييه وما بين فخذيه ضَمنتُ له الجنة".
ففي هذا الحديث حضٌ على أمرين اثنين:
1-أحدهما مما نجى الله -عزوجل- به من مخالفته كثيراً من المسلمين والمسلمات وهو المحافظة على الفرج.
2-الأمر الآخر وهو الفم ، فأكثر م ايُبتلى به المسلمون هو هذا الأجوف"الفم"
لأننا لا نعبأ بكثير مما نقول ولانهتم ولا نُفكرمع أن الإنسان منا قد يتكلم بكلمة
شأنها كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث الصحيح:
"إنَّ الرجلَ ليتكلم بالكلمة لايلقى لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً"
يعني لا يهتم بها يظن أنها كلمة لا خطورة لها عند الله -تبارك وتعالى-
لكن الواقع أنها تهوي به في النار سبعين سنة في النار في جهنم على أم رأسه
بسبب أنه تكلم بتلك الكلمة لا يلقي لها بالاً لايهتم بها إطلاقاً.
ولذلك كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- جالساً يوماً وبجواره السيدة
عائشة ولما مرت امرأة قصيرة القامة فما كان من السيدة عائشة إلا
أن أشارت مثل ما يفعل الناس اليوم شوفوا ما أقصرها.
هي ما تكلمت وإنما أشارت فقال -عليه الصلاة والسلام-:
"لقد قُلتِ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته"أي لأفسدته
يعنى أنت تُعايرين هذه المرأة لقصرها وهذا خلق من خلق الله - تبارك وتعالى -
فهل أنت تعيبين الخالق أم المخلوق؟!!
إن عِبتِ المخلوق فما في مخلوق يُريد لنفسه العجز كالقصر مثلا
فإن البعض يُؤاخذ القدَر لأنهم لا يتصورون أن الله -عزوجل- هو الذي قدَّرَ هذا القدر.
عابوا أوسبوا أو شتموا أو آخذوا القدر فإنهم يُؤاخذون رب القدر؛ لذلك هذا
نوع من الكفرإما أن يكون كُفراً لفظياً وهذا إثمٌ وفسقٌ وإما أن يكون كفراً
اعتقادياً وهو ردة عن الدين والعياذُ بالله. ؛ لذلك وعظ الرسول - صلى الله
عليه وآله وسلم -أمته في هذا الحديث لما أجاب بأن أكثر ما يُدخل النار
إنما هما الأجوفان : "الفرج والفم" بأنه يجب على المسلم أن يُحافظ
على لسانه و يتذكر دائما وأبداً قول نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-:
"مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخرفليقل خيراً أو ليصمت"
لأنه إن لم يتكلم خيراً فكلامه إما أن يكون عليه و يُحاسب عليه يوم القيامة,
وإما لا يستفيد منه شيئاً على الأقل إذا كان كلاماً مُباحاً.
أو ليصمت يعني يسكت لذلك من الحِكَم: "إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".
يتبــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
*روى المصنف بإسناده الصحيح عن نواس بن سمعان الأنصاري أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن البرِّ والإثم؟ قال:"البِرُّ حُسنُ الخُلق والإثم ماحكَّ في نفسك و كرهتَ أن يطلِعَ عليه الناس". [/color]
في هذا الحديث يُفسر الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم- البر والإثم جوابا
لمن سأله عن كلٍ منهما ، يُفسرهما تفسيراً خلاف المتبادر والمعروف عند الناس.
البر: لغة:هو عمل الخير بكل أنواعه وأشكاله.
الإثم:نقيض ذلك تماماً.هو كل مانهى الله - عزوجل - عنه فيستحق مرتكبه الإثم والعذاب يوم القيامة.
هذا هو تعريفهما لكننا نجد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في جوابه عن
سؤال السائل عن البر والتقوى يأتي لكلٍ منهما بتفسير غير التفسير المعهود.
فيفسر البر:بأنه حُسن الخُلق علماً بأن حُسن الخُلق هو جزءٌ من البر وليس هو كل البر.
فالبر الذي هو عمل الخير يشمل كل ما شرعه الله -عزوجل- مما يدخل في عموم
الواجبات وما يدخل في عموم المستحبات,كله بر هذا هو معناه الواسع في اللغة والشرع.
لكننا وجدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد فسر لنا البر:بأنه حُسن الخُلق
وهذا أسلوب في اللغة العربية معروف أن يُفسر الكل بجزءٍ منه.
كل خِصال الخير وكل خصال الطاعة والعبادة
وإذا بالرسول هنا يُفسر البر بحُسن الخُلق: فحُسن الخُلق جزءٌ من خصال الخير
التي يجمعها لفظة"البر" هذا أسلوب في تفسير اللفظ العام بلفظٍ أخص منه.
الغرض منه إلفات النظر إلى أهمية هذا الجزء بالنسبة لذاك الكل.
من الأمثلة المعروفة من لفظ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وغيره الحديث
المشهور الذي يقول فيه الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-: "الحج عرفة".
هل الحج عرفة فعلا بمعنى لو أن رجلا وقف على عرفات ولم يصنع شيئا من الطواف والسعي ولا البيات في مِنى ولا في المزدلفة هل يكون قد أدى الحج؟
الجواب: لأ لأن الحج له أركان وله شروط وواجبات.
إذن مامعنى قوله -عليه الصلاة والسلام-:"الحج عرفة" ؟
هنا يظهر تفسير البر بحُسن الخُلق من فهمنا لقول الرسول-صلى الله عليه
وآله وسلم-:"الحج عرفة" ، الحج منه الوقوف بعرفة ، الحج هو الطواف
وهوالسعي بين الصفا والمروة وهو بياتٌ في المزدلفة ووقوفٌ في عرفة.
لما قال -عليه الصلاة والسلام-:"الحج عرفة" يعني أن هذا أمرٌ هام جداً كما
لو أنه الحج كله فهذه مبالغة في إلفات نظر السامع إلى أهمية الوقوف في عرفة
مع أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج و ليس كل الحج لكن التعبير العربي
جاء هكذا"الحج عرفة" ؛ لبيان أهمية الوقوف بعرفة لا لحصر أركان الحج
في الوقوف بعرفة فقط.
كذلك حينما يقول الرجل العربي:" لا فتى إلا علىّ ولا شيخ إلا.." أصحيح لم يكن هناك فتيان إلا عليّ فى الصحابة ؟
الصحابة كلهم الشباب الأبطال الشجعان كخالد وأسامة .
فحينما يقول القائل لافتى إلا عليّ فهو لا يعني أنه حقيقة لا يوجد فتيان في الصحابة
إلا عليا - رضي الله عنه -لكنه يعني أنه هو الفتى الأهم الأشجع وإلا فهناك فتيان
كثيرون آخرون. فإذا عرفنا ذلك من لغة العرب القديمة ؛ سَهُلَ علينا أن نفهم
هنا كيف فسر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-البر بحُسن الخُلق مع أن البرَّ
معروفٌ بالنص القرآني: {ولكنَّ البرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ واليوم الآخر وآتى المالَ على حُبه}.
أي أن هذا من أهم ما جاء به الإسلام وهو حُسن الخُلق وكأن حُسن الخُلق هو البر كله
لكن البر هو أوسع معنىً من حُسن الخُلق كما أن الحج هو أوسع أعمالاً وأركاناً
من الوقوف بعرفات لكن الوقوف بعرفات من أهم تلك الأعمال.
فحُسن الخُلق من أهم الخصال ومعاني البر المعروفة في الإسلام فلا يشكلن
على أحد كيف جاء الجواب عن تعريف البر أنه حُسن الخُلق ؟
الجواب:-فسر الرسول -صلى الله عليه وسلم- البر بحُسن الخُلق لبيان أهمية حُسن
الخُلق من بين خِصال البر كلها ولا يبعد أن يكون الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
حين أجاب عن هذا السؤال أنه قد لاحظ في السائل شيئاً من سوء الخلق ومن
وعورة الطبع فهو يعطي لكل إنسان ما يُناسبه من الوصف ومن العبادة فهو لم يره
- صلى الله عليه وآله وسلم - مُعرضاً عن طاعة الله وعن طاعة رسوله لكن ربما
وجد فيه شيئاً من سوء الخُلق ومن قسوة الطبع فأراد -صلى الله عليه وآله وسلم-
أن يُبيِّن له أهمية حُسن الخُلق في الإسلام حتى لا يكاد يكون حُسن الخُلق هو البر كله.
ولذلك لما سأله عن الإثم أجابه أيضاً بجواب على نفس الأسلوب السابق
فقال:- "ماحك فى النفس":وفي رواية أخرى"ماحاك في النفس"
يعني النفس تصير تأخذ و تعطي مع صاحبها جائز أم غير جائز, مكروه أم حرام ؟
ومع ذلك وكل التساؤلات في نفس المسلم فيجد في نفسه حرجاً وغضاضة في
أن يأتي بذلك الشيء الذي حاك في نفسه هذا هو الإثم.
- وكرهتَ أن يطلع عليه الناس
- فهل هذا هو الإثم فقط ؟
- لا لأن الله تعالى قال في وصف عباد الرحمن: {والذين لايدعون مع الله إلها آخرولا يقتلون النفس التي حَرَّمَ اللهُ إلا بالحق ولايزنون ومَنْ يفعل ذلك يلقَ آثاماً يُضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مُهاناً}.
هوإتيان كل المعاصي التي حرمها الله -عزوجل- والتي يستحق صاحبها العذاب
كل بحسبه فما بال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم-ها هنا فسرالإثم بماحك في النفس ؟
لإلفات النظر لأهمية هذا النوع مما يحك النفس ذلك لأن الإثم العام هو معروف
لدى جميع الناس لا تسرق لا تزن لا تغش ما في إنسان حتى أجهل الناس
بالإسلام وأفسقهم وأعصاهم إلا ويعرف أن هذه الأمور كلها إثم وأن فاعلها
يستحق دخول النار بسببها لكن السائل كان بحاجة إلى أن يُعَرَّف بنوع آخر من الإثم
مما لا يخطر في بال كثير من المسلمين الطيبين فضلا عن غيرهم فقال الرسول
- صلى الله عليه وآله وسلم-: "الإثم ماحك في الصدر وكرهتَ أن يطلعَ عليه الناسُ".
هذا الحديث في تفسير الإثم هو في الواقع يلتقي مع أنواع أخرى من أحاديث
الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مثل حديث النُعمان بن بشير قال:سَمِعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إنَّ الحلالَ بيِّنٌ والحرامَ بيِّنُ وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس فمَنْ اتقى الشبهاتِ فقد استبرأ لدينه وعرضه".
هذه الأمور المشتبهات هي التي تحيك في النفس لا يدري الإنسان هذا من الحلال
أم من الحرام ، فالمسلم الكامل في دينه وفي خُلقه هو الذي يترك ماحك في نفسه
مما يشك في كونه مباحاً أوجائزاً .
هذا الحديث يُشبه كذلك الحديث الآخر الذي يرويه الحسن بن على بن أبي طالب
-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
أي دع الشيء الذي تشك فيه إلى الشيء الذي لاتشُك فيه.
وهذا الحديث الذي يُفسر الإثم هاهنا في الواقع يحل أموراً كثيرة يتسأل الناس
عنها خاصة في العصر الحاضر مثل اللحوم المعلبة الزبدة الجبنة المصنوعة
في بلاد الغرب وبلاد الكفر والضلال الذين لا يُحرِّمون ما يُحرم الله ورسوله
ولا يُدينون دين الحق ، يكثر التساؤل بين الرجال والنساء هل يجوز أكل هذه اللحوم
التي تاتي مجمدة قطعة واحدة دابة ذبيحة هل يجوز أكلها أم لا يجوز ؟
كذلك الجبنة والزبدة فيها شحوم حيوانية كثيرة وهي ذبيحة فيها شحوم مثلها من لحم الخنزيرأم ما فيها؟
يكثر السؤال في مثل هذه القضايا وأمور ليس من السهل بالنسبة لكل مكلف أن يعرف
حقائق التركيب الكيميائي لهذه الأمور.
باستطاعة الإنسان أن يعرف أن هذه الذبائح قُتلت أم ذبِحَت ذبحا شرعياً ؟
بعض الناس يتمكنون من معرفة ذلك ولكن ليس كل الناس يتمكنون من معرفة ذلك.
فهل يجوز أكل اللحوم المعلبة؟
الجواب التفصيلى من الناحية الفقهية وجه من ثلاثة وجوه ولكن هذا التفصيل
ليس من السهل أن يعرفه كل مكلف:-
هذه اللحوم المعلبة أو هذه الحيوانات المجمدة إن كانت ذُبِحت ذبحا شرعياً ولم تُقتل
قتلا إما بالمقتلة أو طعنا في الرأس أو في مكان آخر و كانت ذُبحت بأيدي أهل الكتاب؛
فأكلها حلال لأن الله -عزوجل- قال:{وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌ لكم وطعامكم حلٌ لهم}.
طعام الذين أوتوا الكتاب أي ذبائحهم أي ما ذبحوه ذبحاً شرعياً فهذه اللحوم التي عُلبت
إذا كانت ذبحت ذبحاً شرعياً ؛ فأكلها حلال وإن كانت قُتلت قتلاً فأكلها حرام
وإن كنا لا ندري - وهذا واقع جماهير المكلفين - فيأتي هذا الحديث :
"الإثم ماحكَّ في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس"
أو بالأحرى حديث"دع مايريبك إلى ما لا يريبك".
فهو كالمعلبات مادام لم تعرف حقيقة أمرها لا تأكل منها وخذ مثلا السردين
هذا سمك لحماً طرياً وهو حلال لاإشكال فيه كذلك الزبدة إذا ماعرفنا فيها شحوم
حيوانات قتيلة وفيها شحوم لحم خنزير ، فالأمر يدورعلى الثلاثة وجوه السابقة:-
1-عرفنا أنها من حليب البقر ليس فيها شيء أخر أكلها حلال.
2-عرفنا أن فيها شيئا من الشحوم الحيوانية المحرمة فأكلها حرام.
3- لا عرفنا لا من هذا ولا من هذا فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك أي دع
ما تشُك فيه إلى ما لا تشُك فيه.
فهذا الحديث هو من هذا الباب : "الإثم ماحك في النفس".
الإنسان يجد حِواراً مع نفسه فيها أم لا ؛ إذن دع مايريبك إلى مالايريبك
وهنا يجب التذكير بأمر هام حتى لا يُساء فهم هذا الحديث ، فهذا الحديث يحمل
على كل المسائل التي ليس فيها نصٌ صريحٌ في تحريمه أو في إباحته شرعاً
وهذا الحديث يشمل على الشيء الذي ما هو معروف عندنا و إن لم تُفسر
الحديث بهذا التفسير انفتح أمام الناس باب الوسوسة وهذا مما ابتلي به كثير من الناس
هذه لعل بها كذا ولعل فيها كذا !!
لازم يكون فيه سبب مبرر لهذا التورع وليست مجرد الوسوسة
الوسوسة ليست من الرحمن إنما هي من الشيطان .
وإذا نقلنا هذا البحث إلى المسائل الفقية والتي اختلف فيها العلماء والفقهاء منذ القِدَم
فهنا أيضا يَرد مايُشبه البحث السابق: إذا عرفنا نصا في الكتاب والسُنة في تحريم
شيء فلا يجوز التردد فيه مادام أن هناك نصا بتحريمه وإذا عرفنا نصا في الكتاب
أو في السُنة في إباحة شيء أخر فلا يجوز للمسلم أن يتحرج لفعله
أما إذا أشكل علينا الأمر بسبب كثرة خلاف الفقهاء وما وضح لنا الدليل المحرم
أو الدليل المبيح حينذاك يأتي هذا الحديث : "دع ماحك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس".
الكلام في تلك القضية :
1-ماحك في النفس ابتعد عنه.
2-ماتبين لك الصواب سواء كان حراما فاجتنبه أو كان حلالاً فأتِه إن شئت.
انتهى الشريط التاسع عشر .
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط العشرون
بــــاب : البخــــل
*يروي المصنف بإسناده الصحيح عن جابر قال: ( قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-"مَنْ سيدكم يا بني سِلمة ؟" قلنا:جُدُّ بن قيس,على أنَّا نبخله قال:وأيُّ داءٍ أدوى من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح وكان عمرو على أصنامهم في الجاهلية وكان يولم عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا تزوج.)
سأل رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم -: مَنْ سيدكم يابني سلمة ؟
من رئيسكم من الذي يقودكم؟
- قالوا :هذا هو رئيسنا جُدُّ بن قيس ، وهو اسم عربي.
وهم جماعة عرب ومسلمون ويَصدِقون فيما يتكلمون فبعد ما ذكروا أن رئيسهم فلان
أتبعوا ذلك بقولهم:أنَّا نبخله ، يعني : نجده بخيلاً مع أنه رئيسنا والمفروض في الرئيس
أن يكون كريماً وسخياً لكن هذا على خلاف ذلك.
فرد عليهم الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله: "وأي داءٍ أدوى من البخل؟ بل سيدكم عمر وبن الجموح"
أدوى أصلها:أدْوَءُ.
في هذا الحديث فوائد من أهمها: أنَّ ذِكر بني سلمَة للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
في غيبة جُدُّ بن قيس رئيسهم أنه بخيل هنا فائدة فقهية وهي أنه يجوز استغابة الرجل
إذا ترتب من وراء ذلك مصلحة شرعية.
فقول أهل بني سلمة للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لما سألهم عن رئيسهم
وعن سيدهم : ( فلان سيدنا على أنَّا نبخله ) فتبخيلهم إياه ووصفهم إياه بالبخل هذه غيبة
لأن الغيبة كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث الصحيح : "ذِكرك أخاك بما يكره"
فإذا ذكر بما فيه من خُلق سيء فهو غيبة.
فقال السائل وهو يتوهم أن ذِكر الإنسان بما فيه لاحرج فيه ، فلما ذكر الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم-أنه فيه كل الحرج قال: فإذا لم يكن ما ذكرته فيه؟
قال:فقد بهته بُهتاناً ، هذا إثم أكبر وأكبر.
إذن إذا كانت الغيبة ذِكرك أخاك بما يكره فكيف وصف أهل بني سِلمة رئيسهم بحضرة
الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه بخيل وأقرهم الرسول على ذلك ولم يقل لهم :
لماذا تغتابونه كما يفعل بعض المتورعين بل بعض المتنطعين؟!!
حينما تأتي مناسبة لوصف شخص ما بخلق سيء فيه تحذير للناس يقول المتورع
أو المتنطع يا أخي ما بدنا نغتاب الناس.
يجب أن نعرف تفصيل القول في الغيبة وهذا الحديث يُعطينا مثالا من أمثلة هذا التفصيل :
الأصل أن الغيبة مُحرمة والضابط أن المُستغيب ليس له مصلحة دينية حينما
يستغيب المُستغاب وإنما هو من باب التسلية أو كثرة الكلام أو ما شابه ذلك
هذا كله غيبة مُحرمة ، أما إذا كانت الاستغابة لا يُقصد بها الترويح عن النفس
والتسلية وإنماالمقصود بها مصلحة إسلامية هذه تكون غيبة جائزة
وهي طبعاً تتنوع بصور شتى وقد جمعها بعض العلماء في بيتين من الشِعر قالوا:
القدحُ ليس بغيبةٍ في ستٍ مُتظلم ومعرفٍ ومُحذرٍ
ومُجاهرٍ فِسْقاً ومُسْتفتٍ ومَنْ طلبَ الإعانةَ في إزالةِ مُنكرٍ
ستة أشياءٍ تدخل في كل خصلة من هذه الخصال فروعٌ كثيرة جداً لكن أشهرها
ويجمعها هذه الست خصال مما أبيحت واستُثنيت من الغيبة المحرمة.
فقال العالم الشاعر : القدح ليس بغيبة في ستةٍ
1-متظلم:
يعني مظلوم فالمظلوم له الحق في أن يقول:فلان ظلمني لأنه تعاطى كل الوسائل
الممكنة ليصل إلى حقه من ذلك الظالم فلم يفلح ولم ينجح ولم يبق إلا أن يُشهره
بين الناس لعله يحسن قليلا ويُقدم الحق لهذا المظلوم.
ولذلك صَرَحَ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- بهذا الحُكم وهذا الجواز
فقال:"لَي الواجد يُحِل عرضه وعقوبته".
اللي: هو المماطلة. الواجد: الغني.
أي مماطلة الغني الذي يجد ما يفي ماعليه من حقٍ يعتبره الشارع الحكيم ظلما
فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -:"لي الواجد يُحل عرضه وعقوبته".
يُحل عرضه:أي يُحل النيل منه والطعن فيه لكن لايُقال مثلا فلان كذاب إذا
كان يعرفه صادقاً ، فيتكلم يناله يطعن في عرضه في خصوص ما يعتدى به على
هذا المظلوم فقط
وعقوبته: مَنْ الذي يُعاقبه ؟
الحاكم المسلم يحق له أن يستدعي الظالم الذي يمتنع عن أداء الحق الذى عليه
لهذا المظلوم فيُعاقبه على حسب ما يرى فيه تأديبه حتى لا يعود مرة أخرى على
الاعتداء على حقوق الناس.
فهذا الحديث الصريح في إباحة استغابة الظالم : "لي الواجد يُحِل عرضه وعقوبته".
فأول خصلة و التي تُستثنى من الغيبة المحرمة هي المظلوم :
متظلم يشكو مظلمته للناس يقول فلان ظلمني.
هذا الحُكم ليس فقط في الحديث بل وفي القرآن الكريم حيث قال الله
-تبارك وتعالى - {إنَّ اللهَ لايُحِبُ الجهرَ بالسوءِ إلا مَنْ ظُلِم}.
مَنْ ظُلِم يجوز له أن يجهر بالكلام السيء بالنسبة لمن ظلمه.
2- ومُعَرِفٍ :-
هذا مثال لما بين أيدينا الآن والأمثلة كثيرة : الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
سأل بعض الصحابة من بني سلمة:مَن سيدكم ؟
قالوا جُدُّ بن قيس هو يسألهم ليتعرف فهم أجابوه وعرفوه تعريفا وقالوا:"على أنَّا نبخله".
وأوضح من هذا المثال لما جاءت امرأة وقد خطبها رجلان إلى النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم - وقالت:أبو جهم ومعاوية خطباني؟
قال:"أما أبو جهم فرجل ضراب لا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فرجل صُعلوك"
كأنها تقول أبو جهم ومعاوية خطباني وأنا محتارة هل أوافق على هذا أم على هذا؟
أو كأنها تقول انصحني يا رسول الله؟ ما قال لها خذي هذا ولا تأخذي هذا ؛
لأن هذه المسالة حساسة والنساء أذواقهم ومقاصدهم وغايتهم مختلفة ؛ فما على
الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- غير أن يصف كلا الخاطبين للمرأة المخطوبة
من كل منهما : فنجد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قد ذكر عيب كل منهما
حتى تكون على بصيرة.
وقد ذكر العلماء في تفسير كلام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- على
أبي جهم وقوله فيه : (إنه رجل ضراب لا يضع العصا عن عاتقه )
بأن معناها أحد شيئين:
ا)إما أنه كناية عن أنه معروفٌ بظلمه للنساء وضربه لهن لأنه لايضع العصا
من على عاتقه كناية أنه مُستعدٌ لضرب المرأة لأقل خطأ أو تكاسل أو تهاون
أو ما شابه ذلك.
ب) أو أنه لايضع العصا عن عاتقه أي : إنه كثير الأسفار لأن شأن العرب
أنهم يضعوا العصا كالمِزولة على عاتقه ويمشى في البراري.
لكن المعنى الأول هو الأصح الذي تبين للعلماء.
أما بالنسبة لمعاوية "رجلٌ صُعلوك" أي رجلٌ فقيرٌ.
ونحن إذا تأملنا هذين الوصفين لوجدنا أن كلا من الرجلين لا يرضى ان يُذكر
من الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- خاصة بما فيه.
فأبو جهم ما يُريد أن ينفضح أمام النساء لاسيما خطيبته بأنه رجلٌ ضرابٌ للنساء
ومعاوية كذلك مايُناسبه أن يٌقال ويُعرف أنه رجلٌ صُعلوكٌ فقير لاجاه له
ولا قيمة في المجتمع هذه غيبة وهذه غيبة لكن لمصلحة النصح.
كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم- لبيان حق المسلم على المسلم:
"وإذا استنصحك فأنصِحه".لو سأل واحد جاره أو صديقه :
مارأيك في فلان ؟ هو يُريد أن يُشاركني و يعرف المسئول عنه أنه خائن
أو غشاش أو كذا ؛ لازم يذكر ما فيه لأن الدين النصيحة ، لا يقول هذه غيبة
لاهذا ليس من الغيبة المحرمة
يافلان ما رأيك في فلان؟
خير إن شاء الله ؟
يخطب من عندنا ، لابد أن تُبين عيوبه ؛ هذا الوصف والتعريف ولو تضمن غيبة فليس حراماً.
3 -المُحذِر:
أنا أرى فلاناً يُعايِش فلاناً ، أقول له : لا تمش مع فلان هذا أخلاقه كذا وكذا
استغِبته لأن هذا المفروض فيه التحذير لأن هذاالشاب الصالح يجب أن نُحذره
من أن يُخالط الشاب الفاسد.
فالشاب ذو الخُلق الحسن ننهاه أن يُخالط الشاب ذا الخُلق الفاسد ؛ لأن طبيعة
الناس أنها بتتعِدِي كالفواكه الجميلة إذا وُضِعت بجانب الفواكه الفاسدة أفسدتها
وسرت إليها العدوى سُنة الله في خلقه ولن تجد لسُنةِ الله تبديلاً.
من أجل ذلك حذر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- من الرفقة السوء
وقال:"مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك إما أن يُحذيك وإما أن تشتري منه وإما أن تشم منه رائحة طيبة".
يُحذيك:يُعطيك بالمجان.
فجليس الرجل الصالح على كل حال كسبان مثله مثل الذي يُجالس العطار
إما أن يُعطيه مجاناً وإما أن تشتري منه وإما على الأقل يستفيد شم الرائحة الطيبة.
"ومثل الجليس السوء كمثل الحداد إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة".
فإذا رأينا إنساناً صالحاً يُخالط إنساناً طالحاً فنحن نُحذره ونقول له :
إياك أن تمشي معه لأنه كذا ويعتقد كذا ولا نتورع ونقول : لماذا نستغيب الناس؟!
هذه ما هي غيبة مكروهة بل هذه غيبة واجبة ما هي فقط جائزة هذا تحذير.
إياك أن تمشي مع فلان لأن صفته كذاوكذا هذا واجب.
4-ومُجاهرٍ فِسقاً:
واحد يشرب الخمر علناً لا هو يخشى الله ولا يستحي من عباد الله.
هذاهوالفاسق المُجاهر بفسقه هذا يُستغاب : يُقال فلان يشرب الخمر وما يستحي
بين الناس ، هذا داخل في النص العام ذِكرك أخاك بما يكره من حيث المعنى داخل
لكن من حيث الأدلة المُخصِصَة استُثنى هذا النوع من النص العام والحُكم العام.
هذا هو الفاسق المُعلِن بفسقه وفجوره.
فلان مثلا فاتح بار أو محل خمور هذا ما فيه غيبة محرمة أبداً هذا من
المُستثنى من الغيبة المحرمة.
5- المُستفتي:
هذا من الغيبة المستثناة من التحريم.
المستفتي له أمثلة وأنواع كثيرة جداً في الواقع : يأتي الرجل إلى العالِم فيقول:
زوجتي تفعل كذا وكذا ماالحُكم؟
أو المرأة تأتي إلى العالم وتقول:زوجي يفعل كذا وكذا ، وكل منهما يصف الأخر
بوصفٍ هو غيبة فهذا جائز أم حرام؟
هذا جائز لأنه مُستثنى من الغيبة المُحرمة والدليل على ذلك قصة هند
لما جاءت إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وقالت :يارسول الله!
إن زوجي رجلٌ شحيح يعني : ما هو قائم بواجباته تجاة زوجته وأولاده ؛
أفيجوز لي أن آخذ من ماله ما يكفيني أنا وأولادي؟
قال-عليه الصلاة والسلام-:"خذي من ماله ما يكفيكِ أنتِ وأولادك بالمعروف ".
يتبـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
168- باب : يعطي الثمرة أصغر من حضر من الولدان
نلاحظ فقه الإمام البخاري في التبويب وفي العناوين كان قد سبق معنا باب
"فضل الكبير"بعده "إجلال الكبير"بعده" إذا " لم يتكلم الكبيرهل للأصغر أن يتكلم"
والباب الأخيرهو باب "تسويد الأكابر" سلسل العديد من الأبواب ليُبين الأدب العملي
مع الأجلاء ومع الأكابر.ا
لآن على العكس من ذلك يسرد أبواباً يوضح كيف ينبغي مُعاملة الصغار والتأدب
والتلطف معهم: أول باب يعقده الآن في صدد ذلك يقول: باب : "يعطي الثمرة
- يعني : الفاكهة الجديدة حينما تحضر - أصغر من حضر من الولدان"
ويسوق في ذلك حديثاً بإسناده الصحيح
*عن أبي هريرة قال:( كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-إذا أتى بالزَّهْو قال:"اللهم بارك لنا في مدينتنا ومُدِّنا وصاعنا بركة مع بركة" ثم ناوله أصغر مَنْ يليه من الولدان)
الزهو نوع من التمر في أوائل النضج.
هذا أدب من الآداب النبوية التي قلَّ من يعرفها وأقل من ذلك مَنْ يعمل بها.
أول ماتحضر الفاكهة الجديدة تُقدَم للطفل الصغير هكذا السُنَّة وهكذا كان
رسولنا يفعل حينما تأتيه فاكهة جديدة يدعو للمدينة بالخير أولا فيقول:
"اللهم بارك لنا في مدينتنا" التي من أسمائها "طيبة".
وبهذه المناسبة أذكر أن كثيراً من الكتاب الإسلاميين يُسمونها "يثرب"
وهذه تسمية جاهلية ولا ينبغي لمسلم أن يُتابع الجاهلين فيها
فهو إما أن يُسميها"طيبة" لأن الله سماها كذلك على لسان محمد -صلى الله
عليه وآله وسلم- وإما أن تقول المدينة
أما يثرب فهذا من أسماء الجاهلية ، ومن المؤسف في كتابه
"فقه السيرة" يُكثر من استعمال هذا الاسم على اسم المدينة "يثرب"
ولما كنتُ خرَّجتُ أحاديثه فنبهتُ على هذه القضية.
فهنا جاء هذا الحديث على الاسم المشهور فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-:
" لما أتـى بالزَّهو" الزهو:هوالبُسْر من التمر.
والبُسْر:هو أولُ بَدْء نُضج التمر يكون عادة مثل الحُصرم الذي تقول عليه أخضر
ثم يبدأ يصفر أو يحمر على حسب لونه وجنسه.
فبدء اصفراره أواحمراره معناه بدء تسرب الحلاوة إليه ولكن لا تزال فيه
المادة العصفية شديدة العصف فلا يؤكل إلا حينما يبدأ يشتد احمراره من ذنبه من أسفل.
كل بدن التمرة قاس وبدأ إما يصفرأو يحمر أما الأسفل فمحمر بزيادة وطريان
هذا هو البُسروهذا كله كناية على أن هذا التمر أول بدء نضجه.
فكان -عليه الصلاة والسلام- إذا جاء هذا الزهو واسمه الزهو أو البُسر
دعا لأهل المدينة وقال: "اللهم بارك لنا في مدينتنا ومُدنا وصاعنا"
حيث كانوا لايزالون يستعملون المد والصاع .
والصاع: للكيل وقلما يستعملون الميزان في الحَب أو نحو الشعير.
ويقول في هذا الحديث: بركة مع بركة وفي بعض الأحاديث"بركتين" .
وقد دعا إبراهيم -عليه السلام- لمكة وذكرالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم-
فقال:اللهم إن إبراهيم دعا لمكة فقال:اللهم باركها
وأنا أقول: "اللهم بارك في مدينتنا في مُدنا وصاعنا البركة بركتين".
ثم يُناول هذه الفاكهة الجديدة أصغر مَنْ كان أقربُ إليه من الصبيان جلوساً
هذا الحديث كشيءٍ من التفصيل لحديثٍ مضى وبوّب له باباً جديدا فقال في الباب
الذي يلي الباب السابق باب رحمة الصغير وذكرالحديث المتقدم عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا مَنْ لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا".
فالآن كترجمة عملية لجملة "ليس منا مَنْ لم يرحم صغيرنا" من جملة الرحمة
بالصغير أن الفاكهة الجديدة تُقدم إلى الطفل الصغير قبل الكبير ؛ لأن الطفل الصغير
يكون تائقاً إلى الشيء الجديد أكثر ممن هو أكبر منه.
فهذا من جملة رحمة الصغير وهذا الأدب السابق في الفاكهة الجديدة فقط
وإلا فالسُنة تُقدم الشيء المعتاد على الأيمن فالأيمن .
والشاهد :
أن هذا الباب الثاني كأنه يُلمِح ويُشير إلى أن ذلك الأدب وهو إعطاء الفاكهة
الجديدة للصغير أولاً هو من جملة ما يدخل في رحمة الصغير التي حض عليها
الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم- "ليس منا مَنْ لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا".
من هذا المُنطلق في رحمة الصغيرعنون باباً جديداً فقال: مُعانقة الصبي
فهذا من الآداب الخاصة بالأطفال ومن هنا لابد أن نتطرق إلى بحث معانقة الكبيرللكبير.
يتبـــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب مُعانقة الصبي
* روى المصنف بإسناده الحسن عن يَعْلى بن مرة أنه قال: (خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ودُعينا إلى طعام فإذا حُسين يلعب في الطريق فأسرع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-أمام القوم ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر ها هنا وها هنا و يُضاحكه النبي حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى على رأسه ثم اعتنقه ثم قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:"حُسين مني وأنا منه أحب اللهُ مَنْ أحبَ حسيناً "). الحسين سبط من الأسباط .
-- الحُسين سبط من الأسباط الحسين أحد ولدي فاطمة ابنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
أريد ان ألفت النظر إلى أني كثيراً ما أرى أن بعض النساء يلتهي بولده
أو ولد غيره والله - عزوجل - يقول:{ماجعل اللهُ لرجلٍ من قلبين في جوفه}
أم نقول أن النساء غير الرجال لأن الآية في الرجال؟!!
الحُكم الذي يُخاطب في الشرع به الرجال يشمل النساء أيضا لذلك نحن
لا ننكر إحضار الأطفال في مجالس الذِكر والعلم بل لانُنكر إحضار الأطفال للمساجد
لكن بشرط أنه ما تذهب الغاية من حضور الكبير مع الصغير ؛ ولذلك نرجو الانتباه
لما يلقى عليكن من الذكر.
--خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ودُعينا إلى طعام خرج بعض
الصحابة ومنهم يعلى بن مرة مع النبي لحضور دعوة دُعِي إليها الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم-فإذا حُسين في الطريق يلعب فلما رآه جده
أسرع أمام القوم ترك الجماعة اهتماماً به وعناية به.
-- ثم بسط يديه يُريد أن يلتقط حفيده ، فجعل يفرها ها هنا وها هنا كما هو معروف عادة.
وأخذ يُضاحكه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى أخذه فجعل أحدى يديه في
ذقنه والأخرى في رأسه يعني عانقه ثم قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
في بيان فضيلة الحسين والحض على حُبه:
"حُسين مني وأنا من حسين أحبَ اللهُ مَنْ أحبَ حسينا الحسين سبط من الأسباط"
الحديث جله مفهوم وكونه تركيز من الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
لأنه ابن فاطمة من علي -رضى الله عنهم جميعا - وفاطمة كما قال
-عليه الصلاة والسلام - : "بضعة مني يُريبني ما يريبها ويؤذيني ما يؤذيها".
فحسين من فاطمة فهو إذن من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وأنا من حسين أي من طائفته ومن حاشيته بل هو جده -عليه الصلاة والسلام-
أحبَ الله من أحب حسينا : هذا دعاء من رسول الله لأن يُحب الله -عزوجل-
من أحب حسيناً لأن أهل البيت يجب محبتهم لصلتهم بنبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-.
الحسين سبط من الأسباط سبط:أي أمة جماعة كبيرة في الخير وهذا طبعاً تعظيم
ورفع من شأن الحسين - رضي الله عنه - لأنه قد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة :
بأنه ذاك الرجل الذي كان فى الجاهلية كان موحداً ( عمرو بن نُفيل)
ولم يذبح للأصنام وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في حقه"يُبعثُ أمة وحدهُ"
كذلك إبراهيم-عليه السلام" الخليل كان أمة وحده لأنه دعا إلى عبادة الله وحده
من بين جميع المشركين عُبَّاد الأصنام
فالرسول جعل أيضا ورفع من شأن الحسين وقال:"إنه سبط من السباط"
أي أمة من أمم الخير وكان هذا باعتبارما سيتناسل منه من ذرية طيبة بارة.
أما الأسباط المذكورين في بعض الآيات الكريمة فهم أولاد إبراهيم -عليه السلام-
من طريق إسحاق ،الأسباط إنما هم أولاد إسحاق بن إبراهيم.
أما أولاد اسماعيل بن إبراهيم فهم قبائل
السبط في بني إسرائيل يُطلق على ما يُشبه القبيلة في العرب أولاد إسماعيل
وهذا كله المقصود منه إنما التعظيم من شأن الفرد إذا قيل فيه أمة وحده
فذلك تعظيماً لشأنه قيل فيه سبط أو قيل فيه أنه قبيلة لأن القبيلة معناها جماعة بينما هو واحد .
ومن هنا جاء في بعض الآثارالصحيحة أن الحق ليس بالكثرة وإنما مَنْ كان
الحق معه فهو أمة وحده فيجب اتباعه من هذا القبيل أيضا.
يتبــــــــــــ ع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب : قبلة الرجل الجارية الصغيرة
قبل الدخول في هذا الباب لابد أن نتكلم عن معانقة الكبير للكبير.
في هذا الباب فيه مشروعية معانقة الكبير للصغير فهل تشرع مُعانقة الكبير للكبير ؟
وطبعاً الكلام عن معانقة الجنس للجنس ذاته وأما مُعانقة الرجل للمرأة
فهذا غير وارد و إذا كانت غريبة عنه وليست زوجته غير وارد كذلك .
فهل يجوز للرجل حينما يُصافح الرجل أن يُعانقه ؟
كذلك هل يجوز للمرأة حينما تلقى المرأة الأخرى و تُصافحها وتُسلم عليها أن تُعانقها ؟
الجواب: لا , في كلا الصورتين ليس من آداب الإسلام معانقة الرجل للرجل
ولا معانقة المرأة للمرأة وإنما جاءت المعانقة عن بعض الصحابة في حالة
خاصة جداً هي حالة التلاقي بعد سفر يعني : واحد كان مسافراً وجاء بعد نأي
وزمنٍ متأخرا فلقيه رجلٌ حبيبٌ لديه فيُعانقه ، أما في غير حالة السفر فلا
حيث ليس هناك من أدب يتعلق من آداب اللقاء بين الرجل مع الرجل
والمرأة مع المرأة سوى المصافحة وقد جاء في حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه -أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ( يارسول الله! أحدنا يلقى أخاه أفيُعانقه ؟ قال:لا أفيلترمه ؟ قال:لا قال أفيُقبله ؟ قال:لا قال:أفينحني له؟ قال:لا قال:أفيُصافحه؟ قال:نعم).
هذا هو الأدب الذي في لقاء الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة فليس هناك
معانقة بين الفريقين إطلاقاً.
ثبُتت المُعانقة بين الصحابة في السفر .
وأنا لستُ أدري إذا كان هذا الحُكم يتعدى من الرجال إلى النساء ؛ لأننا نجد
حديث أنس بن مالك الذي ذكرته آنفا : "أيُعانق بعضُنا بعضا ؟ قال:لا "
هذا نص عام فلما وجدتُ الصحابة يُعانق بعضهم بعضاً قلنا: لابد أن الصحابة
أخذوا في ذلك رخصة من الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لكن ما وجدت
فيما علمت النساء يُعانق بعضهم بعضاً ولو بعد السفر.
لذلك فأنا أستحب الاكتفاء بالمُصافحة فقط بالنسبة للنساء سواء في سفر
أو في غير سفر أما الرجال فجاءت تلك الرُخصة عن الصحابة أنهم كانوا
يُعانق بعضهم بعضاً عند التلاقي بعد السفر.
إذا كان هذا حُكم المعانقة فيُفهم من باب أولى حُكم التقبيل.
- قبلة الرجل الجارية الصغيرة : بطبيعة الحال خرج من قيد الجارية الصغيرة
الجارية الكبيرة فلا يجوز للرجل الأجنبي أن يُقبل الفتاة الكبيرة.
ماهو الحد الفاصل بين الجارية الصغيرة والكبيرة ؟
بلاشك هذا يُعرف بالنظر إذا كانت الفتاة صغيرة السن مثلا ولكنها من جهة
جميلة الصورة ومن جهة أخرى ممتلئة الجسم فقد تميل بعض النفوس إليها
فهنا لا يجوز للغريب أن يتقدم إلى تقبيلها ؛ لأن تقبيل الجارية الصغيرة
هو من الباب السابق ذكره بصورة عامة : "ليس منا مَنْ لم يرحم صغيرنا".
ومن باب التقبيل في قصة الحُسين.
نحن الآن في قصة أخرى لبعض الصحابة أنه قَبَّلَ جارية صغيرة.
هذا التقبيل تقبيل رحمة ، فإذا ما خشي أن ينقلب هذا التقبيل إلى تقبيل شهوة
فهنا لايصح أن يكون جائزاً.
فهنا يروي المصنف تحت باب : "قبلة الرجل الجارية الصغيرة"
* عن بُكير والد مَخْرَمة أنه رأى عبد الله بن جعفر يُقبل زينب بنت عمر بن أبي سلمة وهي ابنة سنتين أو نحوه.
إذن هي فتاة صغيرة وهي غريبة عن عبد الله بن جعفر لأنها بنت عمر بن أبي سلمة.
عبد الله بن جعفرهو صحابي صغير وهو عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب
عبد الله ابن جعفر الطيار الذي استُشهِدَ في غزوة مُؤتة وكان مات جُنبا
فرآه الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-قد حملته الملائكة تُغسله ورآه في الجنة
يطير بجناحيه لذلك سُمِى والده جعفر بن أبي طالب بجعفر الطيار .(1)
ابنه هذا عبد الله بن جعفر هو الذي شوهِد يُقبل الفتاة الصغيرة بنت السنتين.
وعبد الله بن جعفر كان من أكابر وأجاود العرب يُضرب به المثل في الجود والكرم
وله قصص كثيرة جداً في ذلك.
إذن هذا الأثر من هذا الصحابي ابن الصحابي في تقبيله للفتاة الغريبة عنه الصغيرة.
وفيه أيضاً بيان أن هذا التقبيل هو من رحمة الصغير ، إذن هذا التقبيل تقبيل رحمة
وتقبيل شفقة .
فهل يجوز للرجل أن يُقبل الرجل ؟
الجواب:لا ؛ لحديث أنس السابق" أيُقبل بعضنا بعضاً ؟ قال:لا , أيُعانق بعضنا بعضاً؟ قال:لا "
كذلك لا يصح للرجل أن يُقبل الرجل على الإطلاق ، لا فرق في ذلك سفر وحضر
وإذا كان هذا غير جائز ؛ فكذلك من باب أولى لا يجوز للنساء أن يُقبلن بعضهن
بعضاً وهذه فتنة ابتليت بها النساء جميعاً ؛ لذلك يجب أن تجاهدن أنفسكن
وأن تُقلعن جميعاً عن هذه العادة لا تُقبل امرأة امرأة أبداً لأنه لا يُقبل الرجل
الرجلَ "أيُقبلُ بعضنا بعضاً؟ قال:لا"
المرأة تُقبل أختها لأن القبلة التي جاءت هي قبلة الرحمة قبلة الشفقة على الصغير
أما قبلة التحية فلا ؛ لحديث أنس السابق : "يلقى أحدنا أخاه أفيقبله ؟ قال:لا..أفيُصافح ؟ قال: نعم".
إذن المصافحة هي الأدب في التحية في الإسلام مع طبعا السلام عليكم.
أما تقبيل الرجل للرجل وأما تقبيل المراة للمراة هذا ليس من الآداب الإسلامية
في شيءٍ والنساء خاصة اللاتي يزعمن أنهن يُردن أن يتمسكن بالكتاب
وبالسُنة أن يُحاربن هذه العادة بطريقتين اثنتين:
الأولى:وهي أحق وأولى وهي ترك فعل ذلك بعضهن مع بعض.
والأخرى: الإشاعة والإذاعة بأنه كلما أرادت واحدة أخرى تُقبل امرأة تقول لها :
هذا غير وارد في السُنة ؛ ولذلك يجب أن تحفظن هذا الحديث :
"أيُقبِلُ بَعْضُنا بعضاً؟ قال:لا".
وهذا يوصلنا إلى التساؤل عن تقبيل يد العالم ؟
هذا تقبيل فهذا جوابه أشبه ما يكون من حيث التخصيص بمعانقة السفر
فكما أن المعانقة بعد السفر ثبتت عن الصحابة فكذلك تقبيل بعض الصحابة
للرجل العالم منهم أحياناً وبصورة نادرة أيضا ثابت وهذا تقبيل إجلال
مثلما كان من الأدب ألا يتكلم الصغير بين يدي الكبير إلا إذا سكت الكبير
كذلك من إجلال العالم تقبيل يديه ولكن نادراً وليس دائماً لأن أجلَّ البشر جميعا
إنما هو الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-وأجل اصحابه جميعاً هو أبو بكر
الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم على ثم سائر العشرة المُبَشَرين بالجنة ثم غيرهم
فما نُقل أبداً عن أحد من هؤلاء الأجلة أنه قَبَّلَ يد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
ولو مرة واحدة ، وإنما جاء التقبيل من بعض الأصحاب الذين لم تكن صحبتهم
كثيرة للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- هذه الصحبة التي تُمكن المُصاحب
له -عليه الصلاة والسلام- من التعرف على أطباعه وعلى أخلاقه وهو يكون
مُحباً للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو يُظهرهذا الحب بأن يهجم ويُقبل
يد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لأدبه أيضا ولرفقه بأمته لا يصدهم
ولا يردعهم إلا عن شيء منكر أما إذا كان أمراً جائزاً ولو جوازاً مرجوحاً
يعني هو لايُريد ألا يقع هذا ؛ ولذلك كان الصحابة الكبار ما فعلوا ذلك لكن أمر
التقبيل ليده من هؤلاء الصحابة القليلي الصحبة له -عليه الصلاة والسلام-
فدل على إقراره على جواز ذلك لكن ليس مُستحباً ولو أن مسلما طالباً للعلم
ثم قبَّلَ يد العالم في حياته كلها ولو مرة واحدة ما نقص ذلك من دينه شيئا.
لكن الناس اليوم ومراعاة عواطفهم لاسيما إن كانت جامحة فالشارع الحكيم
شرَّع أن يُقبل الرجل يد العالم أحياناً.
أما اتخاذ هذا التقبيل تقبيل اليد سُنة مستمرة بحيث أن التلميذ لا يلقى شيخه
إلا ويكون سلامه عليه مقروناً بتقبيل يديه فهذه بدعة أعجمية دخيلة لا أصل لها
في السُنة المحمدية.
فالتقبيل ليد العالم وعلى هذه الصورة السابقة من الندرة ، هذا هو المستثنى
من التقبيل المنهي عنه فلا سبيل للنساء أن يتخذ بعضهن عذرا لبعض بهذا
التقبيل الساري بينهن لأنه لم يكن أولاً من بين الصحابة كلهم يعني رجالا ونساءً
إطلاقاً ثم هو مُخالف لعمومه لحديث أنس بن مالك: "أيُقبل بعضنا بعضاً؟ قال:لا".
إجابة لسؤال:
تقبيل الرحمة والشفقة هو مشروع : فإذا قبلت الأم ولدها سواء كان ذكراً
أو أنثى من هذا الباب مافي مانع.
طبعا كونه أدباً إجتماعياً ما يُقال سوى أن ذلك عادة ، لا هو بلا شك الرحمة
والشفقة تقبل هذه الملاحظة هذه.
تُقبل الأم ابنها والفارق بينهم عشرون عاما أو أكثر وهناك نادرا ما يكون
الفارق عشر سنوات مثل عبد الله بن عمرو لابنه لأن أباه زوجه صغيراً.
فالشاهد:
إذا كان الفارق في السن كبيراً مثل أن تكون الأم عمرها ستين وولدها أربعين
واقل فيه شفقة ورحمة ولا أرى في ذلك مانعا لهذا الأثر
لكن من مساويء إشاعة تقبيل الكبير للصغير يعني يكون بين الأم وبنتها
ستأتى مثلا العمة ثم الخالة ثم الأبعد فالأبعد فتصير عادة لا فرق في ذلك
أمها أم ستها أم جارتها لذلك ينبغي سد هذا الباب.
انتهى الشريط العشرون
يتبــــــــع .
-----------------------------------------------------
(1)- (حَدَثَ خلط للشيخ بين حنظلة"غسيل الملائكة"وجعفرا طيار)
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الحادي والعشرون
باب : إذا لم يتكلم الكبير هل للأصغر أن يتكلم؟
ذكر المصنف باب"يبدأ الكبير بالكلام والسؤال"وأورد تحته حديث الرجل الصحابي
الذي قتله اليهود فجاء أصحابه وبعض إخوته يطالبون بدمه عند الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- فبدأ أحدهم يتكلم فأمر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
أكبرهم أن يبدأ الكلام والأن المصنف يُبوب باباً جديداً:"إذا لم يتكلم الكبير للأصغر أن يتكلم؟"
فالباب السابق والحديث الذي تحته يدلنا على أدب من آداب المجالس وهو :
أنه لا ينبغي للصغيرعلماً وسِناً أن يتقدم بين يدي الكبير سِناً وعِلماً.
ومن دقة الإمام البخاري أنه يأتي بفقه جديد تحت هذا الباب فهو يقول:
"إذا لم يتكلم الكبير هل للأصغر أن يتكلم؟"
الجواب يُفهم من الحديث الآتي والحديث الذى ذكره تحت هذا الباب إسناده صحيح يرويه
عن ابن عمر قال :(قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "أخبرونى بشجرةٍ مثلها مثل المسلم تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها لا تَحُتُّ ورقها" فوقع في نفسي النخلة فكرهتُ أن أتكلم وثَمَّ أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- فلمّا لم يتكلما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:"هي النخلة" فلما خرجتُ مع أبي قلتُ:يا أبتي وقع في نفسي النخلة قال:وما منعك أن تقولها لو كنتَ قُلتها كان أحب إلىَّ من كذا وكذا قال:ما منعني إلا لم أرك ولا أبا بكر تكلمتُما فكرهتُ).
في المجلس أراد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-أن يختبر أصحابه وأن يمتحن أفهامهم
فوجه إليهم السؤال الآتي: "أخبروني بشجرة مثلها كمثل المسلم"
مثل المسلم:أي دائما تنفع الناس ، ذلك طبيعة الإنسان المسلم أنه دائما نافع للناس.
وقد خص الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم- الشجرة التي مَثلها بالمسلم بقوله
-صلى الله عليه وسلم-: "تؤتي أكُلها كل حين بإذن ربها"
هذه قطعة من القرآن الكريم : {الم ترى كيف ضربَ اللهُ مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء تؤتي أكُلها كل حينٍ بإذن ربها}.
"الحين" في لغة العرب: تُطلق ويُراد بها أوقات مُتفاوتة ما بين اللحظة وما بين السنين الطويلة.
فهنا في هذه الجملة التي اقتبسها الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- من القرآن الكريم
في هذا الحديث فالحين هنا المقصود بها السَنَة على العكس من قوله: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً}
"حين" المقصود بها هنا زمناً طويلاً يُقال أنه أربعون سنة.
الشاهد: أنه من صفة هذه الشجرة التي ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
المثل لها بالمسلم فوصفها أنها:
1-تُؤتي أكُلها كل حين بإذن ربها :أي كل سَنة.
2-"لاتَحُتُّ ورقها":أي لا يتساقط ورقها فيظل ثابتاً على أغصانها وعلى أعضائها لا يتساقط مثل أكثر الأشجار وإنما يظل كما هو أخضر.
هذا هو السؤال يطلب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-من الصحابة أن يخبروه
عن شجرة مثلها مثل المسلم أي هي تنفع الناس دائما وأبدا لأن شجرة النخل صحيح
أنها تحمل في السنة مرة لكن يظل هذا الثمر طعاما مُدخراً لأصحابه إلى العام القادم
الذي تكون فيه الشجرة قد أثمرت من جديد وهكذا فهي تنفع الناس وتؤتي أكلها كل
حين بإذن ربها ، هذه صفة بارزة فى شجرة النخل.
وأضاف الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-إلى هذه الصفة صفة أخرى مثلها
في البروز ألا وهي الخضار أو بقاء الشجرة على الدوام بورقها فقال - صلى الله عليه وآله وسلم-:"لاتَحُتُ ورقها".
لما سأل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-أصحابه الكرام؛ ألقِي في نفس عبد الله بن عمر بن الخطاب أنها النخلة.
و"عمر"من كبار الصحابة الذين أسلموا قديما وابنه صغير السن بطبيعة الحال
كان حاضراً في المجلس حينما توجه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بهذا السؤال.
وعبد الله بن عمر كان عنده حِكمة وعنده كياسة وعنده علم وعنده أخيرا أدب العلم
وأدب العلماء في مجالس العلماء ، ألْقِي في نفسه أن هذه الشجرة التي من صفاتها :
1-أنها تؤتي أكلها بإذن ربها.
2-أنها لايسقط ورقها.
ما تكون هذه إلا النخلة!!
لكنه ضبط أعصابه وذلك بخلاف الشباب المسلم اليوم الذي لايكاد يسمع سؤالاً
يُوجه إلى رجلٍ من أمامه فيتطفل هو ويُبادرإلى الجواب دون أن يُحال السؤال إليه.
ابن عمر لم يكن كذلك لأنه نشأ وتربى وتخرج من مدرسة الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-
هذه المدرسة التي تُعلم مع العلم الأدب.
فألقِي في نفس عبد الله بن عمرأنها النخلة لكنه أسرها في نفسه ولم يُبدها لهم أبداً
قال:
"فوقع في نفسي أنها النخلة فكرهتُ أن أتكلم"
(لماذا؟)
يقول:"وثمَّ أبو بكر وعمر بن الخطاب" : هناك في المجلس أبو بكروهو
من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-من جهة وهناك أبوه وهو
أكثرمنه علما وسِناً فكيف يتكلم؟ !
قال ابن عمر:"فلما لم يتكلما أجاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-عن السؤال
الذي اقترحه على الصحابة بقوله: "هي النخلة".
قال ابن عمر: "فلما خرجتُ مع أبي قلتُ: يا أبتي وقع في نفسي النخلة"
بعدما انفض المجلس أفضى عبدُ الله بن عمر بما كان ألقِىَ في نفسه أنها النخلة.
هنا أصاب أباه شيء من الحزن والأسى والانقباض ذلك ما عبر عنه قول عمر:
"مامنعك أن تقولها لو كنتَ قلتها كان أحبُ إليَ من كذا وكذا"
يعني مما يحب الناس من المال والجاه.. إلخ لأنه يُظهر في هذه الحالة
أن ابن عمر الصغير السن يظهر أمام الصحابة أنه كبير العقل لو أنه صرحَ بأنها النخلة.
لكن ابن عمر قد أكد السبب الذى منعه من أن يتحدث بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه
حيثُ فهم كلام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-الذي لم يفهمه الصحابة الكبار
فقال مُتأدباً ومُعتذراً لأبيه : "ما منعني إلا لم أرك وأبا بكر تكلمتا فكرهتُ" لما رأيتك أنت وأبا بكر سكتما سكتُ.
هذا الحديث كله ترْجم به المُصنف لهذا الباب باب:"إذا لم يتكلم الكبير هل للأصغر أن يتكلم"
هكذا فقه البخاري يُترجم عن هذا الحديث بباب يتسأل فيه هل له أن يتكلم؟
مايُعطيك الجواب لأنه يُريد للمُتعلم طالب العلم أن يطلب ويعرف الجواب هو بنفسه
من دراسته وتفقهه في الحديث الذي أورده تحت الباب وقد يتبادر لأذهان
بعض الناس القارئ لهذا الحديث الصحيح أن الجواب: لا لأن ابن عمر لم يتكلم
لكن الصحيح : له أن يتكلم ذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لما وجه الخطاب
بقوله:"أخبروني عن شجرة"ما خص أبا بكر ولا عمر ولا غيرهما من كبار الصحابة
وأجلائهم وإنما وجه خطاباً عاماً فلما لم يُبادر أحد من كبار الصحابة إلى الإجابة
عن هذا السؤال حينئذ يأتي دور صغارهم أمثال ابن عمر فلا مانع بعد ذلك
أن يتبادر إلى الجواب عن هذا السؤال فهذا مثله تماماً مثل معلم الدرس
أو أستاذ الدرس أو شيخ الدرس أو ما شابه ذلك يوجه سؤال إلى الحاضرين جميعاً:
ماذا تقولون في كذا وكذا يجوز أو لا يجوز؟
هذا سؤال موجه للجميع ولو كان موجهاً لكبار القوم فهنا يأتي الأدب الذي التزم
به عبد الله بن عمر.
لابأس عبد الله بن عمر انتظر لكن إلى متى لما وجد أبا بكر وعمر سكتا
فكان عليه أن يفضي بما أنعم الله عليه من الفقه بكلام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
وأن يقول : النخلة يارسول الله.
فنحن نأخذ أن تساؤل البخاري في هذا الباب:هل له أن يتكلم الصغير إذا سكت الكبير
نأخذ الجواب من هذا الحديث بالإيجاب وليس بالسلب من ناحيتين:
1-أن السؤال كان موجها للجميع فلما لم يتكلم الكبير فعلى الصغير أن يتكلم.
2-أن أحد الكبراء وهو عمر بن الخطاب والد عبد الله نفسه قال:لو تكلمت لكان أحب إلي من كذا وكذا ، فهو لو كان يفهم أن من أدب المجلس ألا يتكلم الصغير حينما يصمت الكبير ما تمنى لأبنه خلاف الأدب.
إذن نستخلص من هذا الدرس والدرس السابق أدبين:
1-أنه إذا كان هناك مجلس ولا سيما إذا كان له خطورته وهناك كبار في العلم وفي السِن فمن أدب الصغار ألا يتكلموا ويتقدموا بالكلام بين يدي الكبار.
2-أنه إذا عجز الكبير أن يتكلم بما يُناسب الموضوع فهنا ينبغي على الصغير أن يُثبت نفسه وشخصيته وعلمه لأن القضية ليست قضية السِن فقط وكثيراً مايكون الأمر على العكس من ذلك
لكن القاعدة بمراعاة الأكبر فالأكبر فإذا لم يتكلم الكبير فعلى الصغير أن يتكلم
كما أوحى بذلك قول عمربن الخطاب-رضي الله عنه-لابنه: لو كنتَ قلتها كان أحب إليَ من كذا وكذا.
يتبـــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب : تسويد الأكابر
*يروي المصنف بإسناده الحسن عن حكيم بن قيس بن عاصم أن أباه أوصى عند موته بنيه فقال: (اتقوا الله وسوَّدواأكبركم فإن القومَ إذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم وإذا سودواأصغرهم أزرى لهم ذلك في أكفائهم, وعليك بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم و يستغنى به عن اللئيم وإياكم ومُسألة الناس فإنها من آخر كسب الرجل فإذا مت فلا تنوحوا فإنه لم يُنْح على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وإذا مت فادفنوني بأرض لا تشعر بدفنى بكر بن وائل فإني كنتُ أغافلهم في الجاهلية )
هذه وصية من أحد الصحابة لأولاده فيها العديد من الوصايا التي يحتاج إليها الأولاد
الدعاة كي يتشبسوا بها وأن يظلوا ذاكرين لها وعاملين بها.
أول ذلك أن قال لهم:"اتقوا الله" : هذه وصية جامعة مانعة لأن تقوى الله
-عزوجل- معناها أن يخشى العبد ربه فيُطيعه في كل ما أمره وينتهي عن كل ما نهاه عنه.
هذه تقوى الله وهذه وصية من وصايا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
لأصحابه في مناسبات كثيرة منها أنه أوصى معاذاً فقال له:"اتق الله حيثما كنت"
هذه وصية مشهورة من وصايا الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- جرى على هديه
وعلى سنته من بعده الصحابة الكرام ومنهم قيس هذا ابن عاصم حيثُ أوصى بنيه بقوله:اتقوا الله.
وأتبع هذه الوصية بقوله:"سوّدوا أكبركم" : ما معنى سودوا أكبركم؟
يمكن لبعدنا عن اللغة العربية وآدابها نفهم سودوا بمعنى التسويد لكن التسويد
هنا من السيادة من السؤدد.سودوا أكبركم يعني اجعلوه رئيساً عليكم لا تجعلوا
الصغير الحقير المنبوذ لأن عنده مثلا سلاطة لسان أو عنده بعض الشجاعة يضعها
في غير محلها فأنتم ترهبون جانبه وتُريّسونه عليكم؟
لا سودوا أكبركم سناً وحلما وعلماً وأدباً لأن القوم إذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم :
بمعنى أن الأولاد إذا تأدبوا بهذا الأدب وأمَّروا وسودوا وريَّسوا عليهم أكبرهم
خلفوا أباهم أي عاشوا كما لو كان أبوهم بينهم لأنهم ريسوا لهذا الكبر المفروض
فيه أن يكون أكبرعلماً وأكبر عقلاً وأكبر تجربة فهو سيسير بإخوته مسيرة أبيهم
من قِبل هذا الأخ الذي سُوِّد عليهم أو كأنهم سوف لا يشعرون بفقد أبيهم مادام أن
أخوهم الكبير حل محله من بعده ولذلك سرى بين الناس أن الأخ الكبير بمنزلة الأب.
هنا فيه حكمة بلا شك ولكن لا يخفى على أحد أن هذا ليس على الإطلاق
فكم من كبير سن هو صغير في المنزلة وفي العلم والعكس بالعكس.
ولكن ينبغي مراعاة هذا الأدب وهو تسويد الكبير ماوُجِدَ لذلك سبيلا للمحافظة
على نظام الأسرة ووحدتها وحياتها بعد وفاة رئيسها ألا وهو الأب فإن القوم
إذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم :
وإذا سودوا أصغرهم أزرى بهم ذلك في أكفائهم :أي وإذا عكسوا هذه الوصية
وريسوا عليهم أصغرهم كان ذلك سببا في أن تصيب الزراية والحسارة مَنْ هو
أكفأ من بينهم أن يكون هو الرئيس عليهم.
وعليكم بالمال واصطناعه: المقصود هنا بالمال كل ماله قيمة وليس المقصود به النقدان فقط.
فهو هنا يعظ أولاده بألا يكونوا عالة على الناس فينصحهم ويعظهم بأن يكون عندهم
مال مكسب يتعايشون منه ولا يحتاجون إلى غيرهم لماذا؟
قال: لأنه منبهة للكريم لأن الإنسان حينما يكون عنده مال هذا المال يكون سبباً
ليكون وجيها بارزاً ونبيهاً عند الناس حيث أنه يُساعدهم بماله حيث أن اقتناء المال
واكتسابه يكون منبهة للكريم من جهة ويستغنى به عن اللئيم
الإنسان حينما يكون غنياً بما عنده ذلك يُغنيه أن يطرق أبواب الناس لاسيما وفي العادة
أن الذين يملكون المال وبإمكانهم أن يُساعدوا الناس يكونون لِئاماً ولا يكونون كراماً
إذا ما أعطوا آمنوا هذا إذا ما ردوا.
إذن فاكتساب الإنسان للمال وتعاطيه من جهة يرفع من مرتبته عند الناس
ومنزلته فيجعله من بينهم نبيها كريماً ومن جهة أخرى يستغني بهذا المال ومن
هذه الحال عن أن يسأل المال بعض الناس اللئام لقول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-:
"اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى" فاليد العليا هي المُعطية واليد السفلى هي الآخذة.
فكأنه بقوله:"عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم ويُستغنى بها عن اللئيم"
استنبط هذا المعنى من هذا الحديث الشريف: "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى".
وإياكم ومسألة الناس:يُحذر أولاده أن يسألوا الناس أي شيء.
وفي الحقيقة أن هذه الوصية وحدها أيضا من الوصايا التي كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
يوصى بها أصحابه فقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنه -عليه الصلاة والسلام-"
بايع بعض أصحابه على ألا يسأل الناس شيئاً ولو مناولة السوط".
والسوط هو الكرباج ، كانت المبايعة بهذه الدقة: إن أنتَ ستُبايعني على الإسلام
أنا اشترطُ عليك ألا تسأل الناس شيئاً مطلقاً ولو راكبا دابتك فرسك ناقتك
وسقط منك السوط وواحد مار من جنب السوط لا تقول له:من فضلك ناولني السوط
وإنما برِّك الناقة وانزل وخُذ السوط بيدك لأن هذا في الواقع من تمام التوكل
والعبودية لله -عزوجل- المسلم حينما يسعى لا يسأل الناس شيئاً هو يُحقق منزلة
{إياك نعبدُ وإياكَ نستعين} بأوسع مدى وهذا بالطبع لايعني أن حرام الإنسان
يقول لصاحبه من فضلك ناولني السوط ناولني القلم ناولني الورقة لا هذا لا يعنى
أنه حرام ولكن يعني أن المسلم ينبغي أن يعتمد بعد الله على نفسه .
خُذ السوط بيدك ولا تسأل الناس شيئاً.
لذلك هذا الصحابي الجليل يوصي أيضاً بنيه وأولاده بهذه الوصية فيقول:
"إياكم ومسألة الناس" "لأنها من آخر كسب الرجل" يُشير إلى أن الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- قد حَرَّمَ الشحاذة سؤال الناس المال أعطني قرش
,أعطنى ليرة.إلخ وهناك طبعا التفاصيل في كتب الحديث والفقه خلاصتها :
أن السؤال بدون ضرورة يجعل وجه صاحبه يوم القيامة مشوها أشوهُ
تشويه حيث يأتي على وجهه خموش وخدوش ، تعابيرعربية تعني أنه يأتي
وعلى وجهه أنواع من صدمات من لكمات من خربشات لأنه كان يسأل الناس
لا يستحي هو ليس بحاجة إلى السؤال.
ولذلك فلا يجوز للإنسان أن يسأل الناس شيئاً إلا إذا لم يكن عنده قوت يوم وليلة
ومن هنا نعرف أن الشحاذة المعروفة اليوم هي مُحرَّمة في دين الإسلام
لا يجوز لأصحابها أن يتعاطوا هذه المهنة من جهة ولا يجوز للناس أن يعطوهم
من جهة أخرى لأنهم يُساعدونهم على هذه المهنة القذرة شرعاً لذلك يوصي أولاده
بألا يسألوا الناس إطلاقاً لأن سؤالهم الناس آخر كسب الرجل يعني الرجل
سيموت جوعاً ماعنده قوت يوم وليلة وعنده أولاد هنا يجوز أن يسأل الناس
هذا آخر طريق فهو يريد لأولاده أن يكونوا أعزاء أن يكونوا شرفاء أن يكونوا
أصحاب همة عالية ونحو ذلك ولايريد لهم أن يتدنوا ويسألوا الناس من أموالهم.
ومن وصية الرجل أيضاً : "فإذا مِت لاتنوحوا فإنه لم يُنح على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وإذا مت فادفنوني بأرض لاتشعر بدفني بكر بن وائل فإني كنتُ أغافلهم في الجاهلية".
هنا كلمة ينبغي الوقوف عندها لكن لضيق الوقت نقول وصية الرجل بقوله:
إذا مت فلا تنوحوا:يعني إذا جاءني اليقين بالموت فلا تبكوا عليّ بكاء الصياح فبكاء
الصياح هو النوح وهذا محرمٌ في الإسلام لاسيما إذا كان النوح من النساء
أما بكاء الدمع بكاء حزن فهذا أمرٌ جائزٌ وهذا أمرٌ صحيٌ وطبيعي فقد بكى
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على بعض أولاده منهم إبراهيم وزينب ابنته
فهذا بكاء رحمة وحزن للمفارقة ولم يكن بكاء نوح وصياحة كصياح الجاهلية
هذه آخر وصية أوصى بها الرجل أولاده وكل وصية منها تصح أن تكون وصية
لكل فرد من أفراد المسلمين أما وصيته الأخيرة فهي وصية خاصة لا تتعدى غيره
وهي قوله: فادفنوني بأرضٍ لا تشعر بدفني بكر بن وائل فإني كنت أغافلهم في
الجاهلية كانوا كما نعلم قبائل.....
يتبــــــــــــ ــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب- ليس المؤمن بالطعان
*روى المصنف بإسناده الحسن عن سالم بن عبد الله قال: ( ماسمعتُ عبد الله لاعناً أحداً قط ليس إنسانا وكان سالم يقول : قال عبد الله بن عمر:قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-"لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً")
سالم بن عبد الله هو : سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
فهو تابعي ابن صحابي ابن صحابي : عبد الله وعمر بن الخطاب كلاهما صحابيان
وسالم الذي هو ابن عبد الله بن عمر يروي عن أبيه أو بالأحرى عما يتعلق بأبيه
وعن خُلقه ونظافة لسانه فيقول:ماسمعتُ عبد الله لاعناً أحداً قط في حياته كلها
إلا أنساناً واحداً مرة واحدة أخطأ سبقه لسانه فلعنه.
وفي بعض الروايات خارج كتاب البخاري بإسناده السابق بأن هذا الذي لعنه
كان خادماً له أي رقيقاً عبداً مملوكاً فيظهر أنه أرسله في حاجة ضرورية فأبطأ
فيها فغضب عليه غضباً شديداً ولم يتمالك نفسه إلا أن يلعنه
ولو كان الأمر بالتمني لتمنيت أن تكون هناك تلك الرواية التي رواها الإمام
البيهقي في كتابه"شعب الإيمان" تمنيت أن تكون هذه الرواية صحيحة لكن في
سندها انقطاع لأنها تفسرأنه لم يُكمل لفظة "لعن"يقول "لعن الله" جاءت في رواية فقال:"لَعَ"ثم انتبه وأمسك.
هذه الرواية في سندها انقطاع والرواية الصحيحة صريحة بأنه لم يلعن في حياته
أحداً إلا إنساناً واحدا مرة وقد فسرت الرواية الأخرى أن سبب اللعن كان مُنصَب
على خادم له ولكن في الرواية الصحيحة وهذا في الواقع مما يدل على
أن مثل هذا الصحابى الجليل إذا أخطأ فإنه يُراجع نفسه سريعاً عملاً
ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تقول: "واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن".
ماذا فعل عبد الله بن عمر حينما تذكرأنه فعل أمراً لايليق بالمسلم ؟
بادر فأعتق هذا العبد لوجه الله -عزوجل- فكانت هذه بلا شك كفارة لمثل هذا الخطأ اللفظي.
بعد أن يروي سالم هذه الواقعة عن أبيه عبد الله بن عمر أنه لم يلعن إنساناً
إلا مرة واحدة يقول:أن عبد الله بن عمر كان يروي عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
أنه كان يقول:"لاينبغي لمسلم أن يكون لعاناً" أي لا يجوز للمسلم أن يمرن
ويعود لسانه على لعن شيء ما سواء كان هذا الشيء الذي يلعنه إنساناً
أوحيواناً أو جماداً ذلك لأن كلَ ذلك من خلق الله-تبارك وتعالى-.
ومعنى اللعن:هو إبعاد الملعون عن رحمة الله -عزوجل- الدعاء عليه
بأن يبعده الله -عزوجل-عن رحمته إبعاداً كلياً تاماً ولا يستحق مثل هذا اللعن
أومثل هذا الدعاء إلا مَنْ كان كافراً بالله -تبارك وتعالى-حتى اختلف العلماء
في جواز لعن الكافر فضلاً عن المؤمن الفاسق ، اختلفوا في لعن شخص معين :
فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز أن يلعن المسلم شخصاً معيناً بذاته ؛
وعللوا ذلك بأن هذا الشخص المُعيَّن لا يدرى عاقبة أمره
والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول:"إنما الأعمال بالخواتيم"
فلا يجوز من أجل هذا لعن شخص معين بذاته اللهم إلا أن يكون قد مات
وعرفنا أنه مات يقيناً على الكفر ففي هذه الحالة يجوز لعن هذا الشخص المُعين
ولكن مع ذلك يرى بعض العلماء أنه حتى في هذه الحالة لا يحسن أن تلعنه
ليس لأن هذا الملعون لا يستحق لعنك وقد مات كافراً بالله وإنما لكي لا يُعوِّد
المسلم لسانه على اللعن من هذه الزاوية فقط.
قالوا بالنسبة للكافر المقطوع بوفاته على الكفر:لاأحد يلعنه تأديباً للفظة ولسانه.
وقد اختلفوا أشد من هذا الاختلاف في لعن مسلم معين بشخصه فيما إذا ارتكب
أمراً يستحق اللعن عليه :
فالجمهور منهم قالوا أيضاً :لا يجوز.
لكن الواقع أننا نرى في السُنة ما يشهد على جواز لعن الشخص الظالم بعينه
تاديباً له وردعا له عن ظلمه وأظنه قد مربنا في هذا الكتاب أو تعليقاً
على بعض الأحاديث تلك القصة التي فيها أسلوب من أساليب الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- اللطيفة في تربية الباغي والظالم.
وفيه أن بعض الصحابة استعملوا لفظة اللعن في ذلك الجائر الظالم
وأن الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-أقرهم على ذلك والواقع أنه كان نتيجة
هذا الأسلوب في سب ولعن الظالم أن ارتدع عن ظلمه.
تلك القصة خلاصتها أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
يشكو جاره فأمره -عليه الصلاة والسلام- بالصبر فصبر ثم عِيلَ صبره فعاد شاكياً له
عند الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم- وهكذا فلما علم -عليه الصلاة والسلام-
بأن هذا الجار مظلوم ٌومضرورٌ قال له -صلى الله عليه وآله وسلم-:
"الق متاع دارك واجعله على قارعة الطريق" ففعل ولا شك أن هذا الإلقاء يعني
واحد يُخرج متاع بيته ويجعله في الطريق أمر يُلفت انتباه الناس ويُلفت أنظارهم
ويستدعيهم أن يتسألوا مالك يا فلان؟
فما يكون منه إلا أن يقول:جاري ظلمني فما يكون منهم إلا أن يقولوا:
قاتله الله,لعنه الله والجار يسمع بأذنه فما كان منه إلا أن بادر إلى النبي
-صلى الله عليه وآله وسلم- تائباً يرغب في أن يعود جاره بمتاعه إلى بيته وقد انتهى الأمر.
فمثل هذه الحادثة تدلنا على أن لعن الظالم بعينه تأديباً له جائز ولكن هذا يكون
بهذا القصد وبهذا الغرض فلا يزال حديث الباب مُحكماً يعني حُكمه سارياً
في الشريعة لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً يعني دائماً لفظة اللعن لاتخرج من فمه
ونحو ذلك طبعاً كل الألفاظ الكريهة البذيئة وأشبه ما يكون شبهاً باللعن الذي
لا يجوز هو ما يغلب على كثير من العامة من سَب الدين والعياذ بالله.
فلا يجوز لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتلفظ بمثل هذه الألفاظ التي لو قصد
المتلفظ بها معناها لخرج من دين الله كما تخرج الشعرة من العجين.
وأقل مايُقال في الذي تلفظ بهذه الألفاظ المُكَفِرة أنه يُعرض نفسه للمعاقبة في العاجلة
لوكان هناك حُكم إسلامى قبل الآجلة.
ولذلك جاء الحديث مقرراً لمبدأ ولأدب سلامي فيقول:"لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً".
*لما كان في اللعن استخدام لفظ لا يليق أتبعه المصنف بحديث آخر نحن لا نقرأه
عادة لأن إسناده ضعيف لكن الواقع أن هذا الحديث الآتي بعده وهو بلفظ
"إن الله لايُحب الفاحش المُتفحش ولا الصياح في الأسواق".
بهذا الكلام وهذا التمام إسناده ضعيف لكن الجملة الأولى منه صحيحة :
"إن الله لايُحب الفاحش المُتفحش"
جاء يصح من غير هذا الطريق في أكثر من حديث واحد صحيح
ولذلك الحديث السابق فيه تأديب للمسلم أن يُحافظ على لسانه أن يصدر منه
لعن أما الحديث الذي بعده فهو أشمل وأعم حيث قال -صلى الله عليه وآله وسلم-:"إنَّ اللهَ لايُحب الفاحشَ المُتفحش".
يعني هذا أشمل حيث يشمل كل كلام غير لائق استعماله.
اللفظ الفاحش سواء كان لعناً أو سب دين سواء كان سب وجه أو نسب
أو ما شابه ذلك أو أي شيء لا يجوز في الإسلام فهذا أمرٌ لا يُحبه الله -تبارك وتعالى-
ويبغض صاحبه الفاحش الذي يفحش في كلامه
والمُتفحش هو نفسه ولكن يتكلف ذلك ويُكثر من الفحش
الفاحش الذي هو يتكلم كلام فاحش والمتفحش هو الذي يُكثر من ذلك التلفظ الفاحش ويجعله ديدنه وعادته.
يتبـع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
*عن عائشة -رضي الله عنها- أن يهودا أتوا إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-فقالوا:السام عليكم فقالت عائشة:وعليكم و لعنكم الله وغضِب الله عليكم فقال-عليه الصلاة والسلام-: "مهلا يا عائشة عليكِ بالرفق وإياكِ والعنف والفُحش"قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال:أو لم تسمعي ما قلت؟رددتُ عليهم فيُستجاب لي فيهم ولا يُستجاب لهم فيّ.
في هذا الحديث آداب إسلامية بعضها يتعلق بالمسلم في خُلقه وبعضها يتعلق
بالمسلم من حيث علاقته مع الكافر حينما يُسلم الكافرعليه سلاماً مُحرفاً به
عما وُضِعَ له أي سلام ملغوم.
هكذا فعل هؤلاء اليهود حينما جاءوا للرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
والظاهر أنهم جاءوا وهو في بيت عائشة فسَلِّموا سلاماً لوَوا به ألسنتهم
وأوهموا الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-ومَنْ عنده أنهم يُسلمون السلام
الشرعي ولكنهم في الحقيقة قلبوا السلام إلى الدعاء على الرسول بلغتهم
حيث قالوا:السَّام ، ومعنى السَّام هوالموت.
كما في بعض الأحاديث:"الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السَّام"
يعني الموت فاليهود من خبثهم ومكرهم لووا ألسنتهم بالسلام فقالوا: السَّام عليكم
وما كان ذلك ليخفى على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو سيد الأسياد النبهاء
ولذلك فهو لم يزد في الجواب على كلامهم الخبيث إلا أن قال لهم:وعليكم.
أما السيدة عائشة فلم تصبرعلى مكرهم وخبثهم وظهر ذلك بشدة في ردها عليهم.
هي تنبهت وأجابت بمثل ما أجاب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
لكنها زادت وقالت:ولعنكم الله وغضب الله عليكم.
الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-لم يعجبه جوابها والسبب في ذلك يعود إلى أمرين:
أحدهما يتعلق بمدأ إسلامي والثاني يتعلق بشخصها.
أما المبدأ الإسلامي: فهو قوله تعالى:{ فمَنْ اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}
فإذا كانت اليهود قالت:السام عليكم فنحن نقول:وعليكم فلا نزيد في الرد عليهم شدة
ونقول كما قالت السيدة عائشة ، وهذا مبدأ معروف في الإسلام أنه لا يجوز الزيادة
في الأخذ بالثأر وإنما الأخذ بالمثل فقط.
فقال -صلى الله عليه وآله وسلم- لها مُؤدِباً :مهلا يا عائشة عليكِ بالرفق وإياكِ والعنف والشدة والفُحش في الكلام
قالت:ألم تسمع ما قالوا؟ قال -صلى الله عليه وآله وسلم- :"أولم تسمعي ما قلتُ؟
أراد منها أن تكون أكيس مما هي عليه.
إنه يقول لها لقد سمعتُ مثل ما سمعتِ ورددتُ مثل ما رددتِ؟
فكما قلتِ:وعليكم قلتُ أنا وعليكم فلماذا الزيادة منك على أنا ما رددت السلام عليه؟
لذلك أمرها بالرفق ونهاها عن العنف وانتهت عن قول الفحش من الكلام
الذي لا يجوز أن يجري على اللسان ، فقال:"أولم تسمعى ما قلتُ؟"رددتُ عليهم مثل بمثل.
يعني الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-قال:قالوا :السَّام عليكم وقلتُ: وعليكم
فيُستجاب لي فيهم ولايُستجاب لهم فيَّ : فإذا دعا اليهود على النبي بدعاءٍ جائر
ظالم ضار فذلك مما لا يُستجابُ عند الله على الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-
أما العكس فنعم إذا دعا الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-عليهم
استجيب دعاؤه عند ربه -تبارك وتعالى-.
إذن نأخذ من هذا الحديث أمرين:
1-أنَّ المسلم يجب أن يكون لطيفاً وسهلا وسمحاً ولا يكون شديداً حتى
مع الكفار في الحياة الاجتماعية يعني حالة كونه يعيش مع ذميين تحت نظام الإسلام.
ففي هذه الحالة لا يجوز للمسلم أن يستعمل القسوة والشدة مع اليهود والنصارى
اماإذا وقعت الواقعة وأقيمت الحرب بين المسلمين والكافرين فهناك يجب على
المسلم أن يكون شديداً عليهم وهذا مما وصف الله به عباده المؤمنين بقوله:
{أشُداء على الكفار رحماء بينهم} وبعض المسلمين
يحرصون ويتوهمون أن الشدة التي ذكرها الله -عزوجل-في هذه الآية المذكورة
يجب أن تكون هذه الشدة بينه وبين الكافر حتى في العلاقات الاجتماعية وهذا خطأ.
الكافر إذا عاش تحت راية الإسلام وحُكم الإسلام يجب أن يُعامل بكل الآداب الإسلامية
التي أذن الله بها وإلا فلا يجوز التسوية في معاملة المسلم للناس.
لا يجوز له التسوية في هذه المعاملة بين المسلم والكافر في كل شيء.
مثلا في الوقت الذي تسمع فيه هذا الحديث الذي فيه هذا التعليم الكريم أن الكافر
إذا ألقى سلاماً على المسلم ولو لوى فيه لسانه ألا تزيد في الشدة عليه فتقول: وعليكم.
لكنه من ناحية أخرى قال: " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتموهم فاضطروا إلى أضيق الطرق "
فلا يجوز للمسلم إذا لقي اليهودي أو النصراني أوالذمي إذا ما لقيه أن يُبادره بالسلام.
ونقصد به السلام الإسلامي الذى هو بنص الحديث الصحيح حيث قال
-صلى الله عليه وآله وسلم-: "السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينكم".
هذا السلام لا يجوز أن يُبادر به المسلم الكافر الذمي وإنما إن كان ولابد أن يبتدئه
هو فيقول كما يقول بعضهم:صباح الخير ، مساء الخير من هذا الكلام الذي
ليس خاصاً بشريعة الإسلام أما هذا السلام الإسلامي كما قال الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم-:"لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم فاضطروا إلى أضيق الطرق"
أقول آسفا الشطر الثاني من هذا الحديث لا يمكن تطبيقه اليوم لأن النظام
ليس نظاماً إسلامياً لأنك إذا أردت أن تضطر غير المسلم إلى أضيق الطريق فقد
نصبت الخلاف والعداء بينك وبين الحكام وهذا مما لا قِبَلَ للمسلم اليوم به مع الأسف الشديد.
أما السلام فلا أحد يستطيع أن يتدخل بينك وبين شريعتك المتعلقة بشخصك
فإذا ما بدأته بالسلام فلا أحد يقول لك لمَ لمْ تبادره بالسلام؟
ولاسيما بهذا السلام الشرعي.
أريد أن أقول في هذا الحديث تعليمٌ لنا ألا نكون شديدين في معاملة أهل الذمة
لكن هذه الشدة يجب أن يحكمها الإسلام : فلا يقال مثلا مادام هؤلاء أهل ذمة
يجوز أن نُحسن إليهم و..و..إلخ فنُبادرهم بالسلام عليكم لا ؛ لإن الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم-نهى عن ذلك.
وبالعكس أيضا مادام أن الله قال في الآية السابقة {أشداء على الكفار رُحماء بينهم}
إذن تُعاملهم بشدة فإذا بايعناهم مكرنا بهم لالا هذا لا يجوز ؛ لأن الله -عزوجل-
يُحب المقسطين أي المحسنين في معاملتهم للناس سواء كان منهم مسلما أوكافراً
وآية {أشداء على الكفار} يعني كفارالحرب يُسمونهم الحربيين.
2-الفائدة الثانية التي يُمكن أن نستفيدها من هذا الحديث إنما هي أمرٌ
هام جداً يتعلق بالمسلمين جميعا ذكوراً وإناثاً ألا وهو تقويم الخُلق وتحسينه
وألا يكون المسلم شديداً عنيفاً في معاملته لأهل الذمة من الكفار فضلاً عن
معاملته لإخوانه المسلمين فضلاً عن معاملته لذوي القربى والصلة
من أهله ومن أقاربه لقوله تعالى : {بالمؤمنين رءوفٌ رحيم}.
بقي أن نُذكِّر بحُكم شرعى بعد أن ذكرنا أنه في الوقت الذي لا يجوز التعدي
على أهل الذمة بمثل ما فعلت السيدة عائشة -رضي الله عنها-وفي نفس الوقت
لا يجوز التلاين معهم بما فيه مخالفة للشريعة ومن ذلك نهى الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- عن مُبادأتهم بالسلام ، فإذا كان الأمر هكذا وهكذا
فمعنى ذلك أن المسلم في تصرفه مع أهل الذمة يجب أن يسلك معهم في حدود
الشرع وليس في حدود المنطق الخاص والعقل الخاص.
فإذا سَلمَ علينا رجلٌ من أهل الكتاب هذا السلام الإسلامي فقال لنا:السلام عليكم ماذا نقول؟
قد يفهم بعض الناس من هذا الحديث ومافي معناه أن رد السلام على الذمى
ينبغي أن يكون "وعليكم" فقط فهل الأمر كذلك أم المسألة فيها تفصيل؟
إذا نظرنا إلى حديث آخر ورد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
قال:"إنَّ اليهود إذا سَلمَ أحدهم إنما يقول السام عليكم فقولوا وعليكم".
إذا نظرنا إلى هذا الحديث نجده تضمن حُكماً مُعللاً بعلة ألا وهي:
إذا سلم عليكم اليهودي فإنما يقول:السَّام عليكم فهذا يُبين أن ردنا بهذا اللفظ
المختصر"وعليكم"ح ينما يقول:السام عليكم فقد تفهم منه السلام الشرعي
وقد تفهم منه السام اليهودي.
أما إذا كان سلامه صريحا واضحا بيِّناً جلياً كما يفعله بعض النصارى اليوم
الذين خالطوا المسلمين وعاشروهم وتلقفوا منهم سلامهم فيقول أحدهم:
السلام عليكم واضحة فهل تقول:وعليكم أم تقول:وعليكم السلام؟
إذا نظرنا إلى النص القرآن الكريم: {وإذاحُيِّتُم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو رُدوها}
على الأقل.فإذا نظرنا للحديث الذي عرفناه آنفا : " فإن أحدهم يقول السام عليكم فقولوا وعليكم"
نأخذ من هذه الآية ومن هذا الحديث أنه:-
إذا كان سلام الذمي واضحاً صريحاً بيِّناً رددناه عليه كذلك صريحا واضحاً بيِّناً
أما إذا كان سلاما ملغوما فحينئذٍ نلكمه وننبهه إلى أننا لسنا مُغفلين ونقول له:وعليكم.
قد يقول يا أخي لماذا تقول لي:وعليكم وأنا قلت لك:السلام عليكم؟
نقول:رددنا عليك سواء قلت حقيقة السلام عليكم أو قلتها ملغومة.
يتبـــــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
*عندنا حديث صحيح السند مروى عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الصحابي البدري الجليل يروي عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"
هذا الحديث ليس بحاجة الى شيء من التعليق أو البيان فهو بيِّنٌ بنفسه.
ليس المؤمن بالطعان صيغة مبالغة يطعن في الناس بغير حق
علماً بأن هذه الخصلة من أقبح الخصال وأفحش الأخلاق التي يُذمُ بها المسلم
ويستحق الدخول في النار ولو كان ما تخلق به من هذا الخُلق السيء
ألا وهو الطعن في الناس أقل من القليل ؛ ذلك لأن الرسول -صلى الله
عليه وآله وسلم- قال في الحديث الصحيح:"لايدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
الحديث طويل وقد ذكرناه في أكثر من مرة بتمامه فيه أن الصحابة سألوه
-صلى الله عليه وآله وسلم-أن أحدهم يحب أن ترى عليه ثياباً حسنة وآخر
نعال حسنة والأخر سوط يعني كرباج حسن فسألوه هل هذا من الكِبر؟
كان الجواب في كل ذلك "لا..لا ... إن اللهَ جميلٌ يُحب الجمال"
قالوا: إذن ما الكبر؟
قال:"الكبر بطر الحق وغمط الناس".
بطر الحق:أي رد الحق بعد ظهوره.
غمط الناس هو الطعن فيهم بغير حق.
فمن كان فيه خصلة من هذه الخصال هذا هو الكبر الذى قصده الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم-بأنه ردُ الحقِ بعد ظهوره والطعن في المسلم
بغير حق فهو لا يدخل الجنة ؛ لذلك فهذه الخصلة التى برأ منها الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- من أفحش الخصال المذكورة في هذا السياق
وهو الطعن فقال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان" لغيره أيضاً بدون سبب
وقد فسرنا فيما مضى عن اللعن فيما يجوز وفيما لا يجوز.
ثم قال:"ولا الفاحش ولا البذيء"
الفاحش والبذيء تقريباً بمعنى واحد وهو بذاءة اللسان والفحش في الكلام.
*وحديث آخر إسناده صحيح يرويه عن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أميناً".
معلوم أن ذي الوجهين هوالذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه
فهو يُنافق ويُداهن وهو كما يُقال :كالماء يتلون بلون كل إناء.
فهو مع هؤلاء على باطلهم وعلى ضلالهم يتظاهر أنه معهم
وهو مع هؤلاء أيضا على هداهم وصلاحهم
فلا تعرفه هل هو من هؤلاء فعلا أم من أولئك ، هذا هو ذو الوجهين.
لذلك يقول-صلى الله عليه وآله وسلم-: "لا يليق أن يكون أميناً عند الناس"
والأمين هنا بالمعنى الأوسع لا ينبغي أن يكون أميناً على أخلاق الناس
ولاعلى أموالهم ولاينبغي أن يكون أميناً على أعراضهم.
* قال ابن مسعود:"ألأمُ أخلاقِ المؤمن الفُحش".
هذا حديث موقوف على عبد الله بن مسعود.وفيه يقول أن أسوأ الأخلاق إذا تخلق بها المؤمن هو الفحش في الكلام.
يتبــــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
* روى المصنف بإسناده الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "لاينبغي للصدِّيق أن يكون لعاناً".
أيضا هنا خص بالذكِرالصديق وذكرأنه لا يجوزأن يكون لعاناً أي مُكثراً من اللعن.
والمقصود هنا بالصِدِّيق أعم من أن يكون المقصود به أبو بكر -رضي الله عنه -
الذي عُرف بذلك اللقب وذلك حينما أسْرِي برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
إلى بيت المقدس وإلى السموات العلا ثم حَدَّثَ الناسَ بذلك فكذبه الكثيرون.
وجاء بعض مَنْ يُريد أن يوقع بين الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
وبين صاحبه في ألغار لِيُثِيره عليه فقيل له: لقد حَدَّث بأنه قد أسرى به في ليلة
واحدة إلى السموات العلا فقال:"إن كان حدَّث بذلك فهو حق"
ومن يومئذ سُمِي الصديقُ صديقاً - رضي الله عنه -.
فقول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث : "لاينبغي للصديق"
هو أعم من أن يكون المقصود به أبا بكر.
هذا الحديث يُؤكد الحديث الذي قبله من حيث أنه لا يجوز لمَنْ كان في مقام الصِديقية
أن يغلب عليه استعمال لفظة اللعن : لعن الناس أو الدواب أوغير ذلك.
ولاشك ولاريب أن المقصود بهذا تنزيهٌ للصدِّيقين من أن يكونوا لعانين
وذلك إذا كانت اللعنة بغير حق ، أما إذا لعن الرجل مَنْ يستحق اللعن لاسيما
إن كان هو في ذلك متبعا للنص في الشرع ؛ فحين ذلك لا يدخل في ذلك النهي.
فالمقصود بتنزيه الصديقين أن يكونوا لعانين بغير حق كالغيبةِ والنميمة ونحو ذلك.
أما إذا كان ذلك في سبيل الإصلاح أوالتحذيرأو بيان الذين يستحقون اللعن عند الله -
عزوجل- فكل ذلك لا يدخل في هذا الباب.ونضرب مثلاً واقعياً كما جاء في الحديث الصحيح:
"صِنفان من الناس لم أرهما بعدُ رجالٌ بأيديهم سياط أذناب البقر يضربون بها الناس ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مُميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة العنوهن فإنهن ملعوناتٍ لايدخلن الجنة ولا يجدنَّ ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا"
وجاء في حديث آخر صحيح :"فإن ريحها لتوجد من مسيرة مائة عام"
هنا يقول الرسول -صلوات الله وسلامه عليه -هذه المتبرجة الكاسية العارية
إذا رأيتهن فالعنوهن فإنهن ملعونات فمَنْ فعل هذا لا يكون قد خالف هذا الحديث
لأن المقصود من الحديث هو إكثار اللعن بغير حق فليكن هذا في البال.
*لذلك أتبع المصنف - رحمه الله -الحديثين السابقين بالأثر الآتي
في الحديث الموقوف الذي رواه أيضاً بإسناده الصحيح عن حُذيفة قال:"ما تلا عن قوم قط إلا حق عليهم اللعن"
ما تلا أي : تسابب بعضهم لبعض بغير حق لاستحقوا بذلك لعنة الله -تبارك وتعالى-.
هذا يؤكد أن الذي يتنزه منه الصديقون والشهداء هو اللعن بغير حق.
ثم يعقد المصنف باباً يُبين فيه ما الذي يفعله الصدِّيق حينما يزل لسانه فيلعن مَنْ ليس أهلاً للعن
باب مَنْ لَعَنَ عبده فأعتقه
*يروي بإسناده الصحيح عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- : (أنَّ أبا بكر لعَنَ بعض رقيقه فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:"يا أبا بكر اللعانون و الصديقون؟(1) كلا ورب الكعبة مرتين أو ثلاثاً فأعتق أبو بكر يومئذٍ بعض رقيقه ثم جاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال:لا أعود)
(1) هكذا الرواية عندالمصنف وهي عند غيره كالبيهقي في "شُعب الإيمان"بلفظ أوضح وأظهر قال:ألعانون وصديقون؟!.
يعني هما أمران لا يجتمعا : .يعني أنتَ صِدِّيقٌ وأيضاً تلعن؟
كلا ورب الكعبة أمران لا يجتمعان مرتين أوثلاثاً.
أي كررهذه الجملة -صلى الله عليه وآله وسلم-ألعانون وصديقون ألعّانون
وصديقون ألعّانون وصديقون كلا ورب الكعبة.
فماذا فعل أبو بكر-رضي الله عنه -؟وهذا مما يدل على قوة إيمانه وحُسن
تصديقه فأعتق أبو بكر يومئذ بعض رقيقه كفارة للعنه لرقيق من أقاربه
بغير وجه حق وبعد ذلك أكمل أبو بكر-رضي الله عنه- مساره في توبته
حيث جاء في آخر هذا الحديث أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
وقال: لاأعود ، فهو لم يتب بينه وبين ربه فقط بأن أعتق رقيقه
بل هو أيضاً سارع إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مظهراً ندمه
على مافعل وعزمه على ألاَّ يعود.
س:- هل يجوز لعن الشيطان؟
ج:- لعن الشيطان من حيث استحقاقه يجوزلأنه ملعون وطريد
لكن جاء في بعض الأحاديث أن الشيطان إذا أضرَّ الإنسان أو وَّرطه
وأغضبه فإذا الإنسان يلعن الشيطان ؛ يصير الشيطان يقول:أنا سويت,
أنا فعلت ، فحتى المسلم ما يفتح الطريق لفرح الشيطان ما ينبغي أن
يلعن الشيطان وإنما يستعيذ بالله -عزوجل- من شر الشيطان الرجيم.
يعنى هوملعون من يوم الله -عزوجل- أمره أن يسجد لآدم فأبى واستكبر وقال:
أأسجد لمن خلقت طيناً ، ومن يومها قال الله -عزوجل-:فإنَّ عليك لعنتي إلى يوم الدين.
فهو ملعونٌ من يومها فعلاً ولكن مادام الله لعنه انتهى.
فنحن إذا قلنا:لعنة الله على الشيطان نُدخل الفرح والسرور على نفس
الشيطان وأقررنا له أننا نتأثر فعلا منه ؛ ولذلك الرسول -صلى الله عليه
وآله وسلم-أدبنا ووحسَّن تأديبنا وعلمنا وحسَّن تعليمنا فقال:"إذا وقع أحدكم في شيءٍ من ذلك فلا يلعنه لأنه يقول:أنا الذي فعلت إنما يقول:أعوذ ُباللهِ من الشيطان الرجيم".
يتبــــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
جزاكِ الله خيرا، وبارك فيكِ
أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك، وأن ينفع بك.
دعواتنا لك بالتوفيق.
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم عبد الرحمن طالبة علم
جزاكِ الله خيرا، وبارك فيكِ
أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك، وأن ينفع بك.
دعواتنا لك بالتوفيق.
جزاك الله خيرا وأحسن إليك أختنا الكريمة سعدنا بمروركم العطر .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب لعن الكافر
*أورد المصنف فيه حديثاً واحداً صحيحاً عن أبي هريرة قال:قيل يارسول الله! اُدعُ الله على المشركين.قال: "إني لم أبعث لعاناً ولكن بُعِثتُ رحمة" .
ترجم المصنف -رحمه الله- لهذا الحديث بترجمة ليس فيها بيان حُكم لعن الكافر
لأنه لم يقل باب بيان جواز لعن الكافر أو باب عدم جواز لعن الكافر
وذلك لأن المسألة أولاً مُختلفٌ فيها ، وثانياً لأن الأصل أن المسلم ينبغي ألا يُعود لسانه على لعن غيره حتى ولو كان مُستحِقاً.
وفي ظني أن هذا الحديث كان من آثار تأديب رب العالمين لنبيه الكريم
فقد جاء في"الصحيحين"من حديث أنس بن مالك أنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-كان قد أرسل مرة سرية من أفاضل الصحابة فلما أتوا قبيلة من القبائل أمنوهم ثم غدروا بهم فقتلوا منهم سبعين صحابياً من افاضل أصحاب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-ومن قرائهم وحُفاظ القرآن الكريم ، فلما بلغ خبرهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حزن حزنا شديداً حتى قال أنس بن مالك:ما رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وجِدَ أي حزن على شيء وجْدَهُ على هؤلاء الصحابة.
وكان حزن النبي على أولئك الصحابة لسببين :
1-أنهم كانوا من عُبَّاد الصحابة ومن قرائهم.
2- أنهم قتِلوا غدراً ولم يُقتلوا وهم يُلاقون وجه العدو وجهاً لوجه وإنما غدر بهم أولئك الكفار.
ولذلك حزن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عليهم حزناً شديداً
فكان يدعوا على هؤلاء الكفار ويلعنهم في كل صلاة من الصلوات الخمس
ثم اقتضت حكمة الله -تبارك وتعالى-أن النبي -صلى الله عليه وآله
وسلم-بعد أن قنت على هؤلاء الأقوام شهراً كاملاً ونزلت عليه تلك الآية : (ذهبت الآية عن ذهن الشيخ وقال هؤلاء الذين تدعوا عليهم ليس عليك هداهم ولكن الله-عزوجل-قد يهديهم هذا معنى الآية) (1)
فإذا بالقوم يرجعون مسلمون فظهر السر في نزول الآية على رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- كأنه لايُريد منه أن يظل يدعوا عليهم ويلعنهم.
فكانت النتيجة أن هؤلاء الأقوام الذين كان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
يلعنهم غدوا مسلمين.
وهنا السر في أنه لا يجوز أو لا يُستحب على الأقل أن يلعن المسلم كافراً
بعينه لاحتمال أن يعود مسلماً واحتمال آخر أن يصير إسلامه خيراً من المسلم
الذي ورث إسلامه عن آبائه وأجداده.
فالظاهر واللهُ أعلمُ أن هذا الحديث كان من بعد أن أدب الله -عزوجل-
نبيه -عليه الصلاة والسلام- بذلك الأدب حيث نهاه أن يظل ويستمر في لعن
أولئك الكفار ولذلك حينما طُلِب منه -صلى الله عليه وسلم-أن يلعن الكفار
كان جوابه في هذا الحديث : "لم أبعث لعاناً وإنما بُعِثتُ رحمة"
فهو يُريد أن يُقرن القول مع العمل والعمل مع القول : فكما أن دعوته رحمة
كما قال -عزوجل-:{وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين}أ ي تدعونهم لشريعته
كذلك هو يُريد أن يكون رحيماً مع الناس حتى في لفظه فهو لا يلعن حتى
المشركين الذين يُعادون الله ورسوله لايلعنهم لأن:
1-اللعن ليس فيه كبير فائدة.
2-أنه من المحتمل أن يعود هؤلاء الكفار مسلمين
وكلنا يعلم أن كل الصحابة الذين آمنوا بالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
كانوا كفاراً مشركين ومنهم من عاداه أشد العداء مثل عمربن الخطاب مثلا
ومع ذلك صار فيما بعد من أكبرالمسلمين وأقواهم إيماناً بعد أبي بكرالصديق-رضي الله عنهما-.
فلو أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- توجه وجعل ديدنه لعن الكفار
والمشركين الذين كانوا يُعادونه لظهر التناقض في النهاية هؤلاء الذين
يلعنهم إذا بهم يصبحون مسلمين مؤمنين .
فاقتضى حُسن أدب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مع الناس
ألا يستعمل لفظة اللعن حتى مع الذين يستحقون اللعن من الكفار
وهكذا نقول كما قال رب العالمين: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}
ذلك لأنه إذا كان الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم- يشرع لنا في هذا الحديث
ألا نلعن الكفار المشركين فأولى وأولى ألا نلعن المسلم ولو كان عاصياً
وهذا كما نقول وضع قاعدة وأدب للمسلم ينتهجه ويمشي عليه.
لكن أحيانا قد يغضب الإنسان فيفلت لسانه كلمة اللعن أو ماشابه ذلك
فهذا ليس أحد معصوم منه ولكن الرجل الكامل كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم-
فى حق قوله: "واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"
فإذا ما وقع أحدٌ من الناس في مثل هذه الخصلة بأن يلعن من الناس ما لا يستحق
اللعن كما قلنا في قصة أبي بكر الصديق حيث لعن غلاما عبداً له فكان
من نتيجة ذلك أن أعتق بعض رقيقه.
إذن يجب أن نُعود أنفسنا ألا نتكلم إلا بخير لقوله -صلى الله عليه وآله وسلم:
"فمَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".
يتبـــــع .
______________________________ _____
(1)- ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ) آل عمران
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب النمام
*روى المصنف بإسناده الصحيح عن همام: ( كنا مع حُذيفة فقيل له:إن رجلاً يرفع الحديث إلى عثمان فقال حذيفة:سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول:"لا يدخل الجنة قتات").
كنا مع حذيفة هو خذيفة بن اليمان وهو من مشاهير أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- وكان له خصوصية منه لا يُشاركه فيها أحدٌ غيره
ذلك أنه كان صاحب سر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فكان معه أسماء
المنافقين الذين كانوا لا يعلمهم أحد من البشر إلا النبي ثم حذيفة.
فقد كان صاحب سر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان يعلم أسماء
المنافقين ولذلك كان عمر مع فضله ومع أنه كما قال -صلى الله عليه
وآله وسلم-فيه:"ما سلكتَ فجاً إلا سلكَ الشيطانُ فجاً غير فجك"
مع هذا كان عمر يأتي إلى حذيفة و يُناشده ويسأله :
هل أنا مذكورٌ في أسماءِ هؤلاء المنافقين؟
فيذكر له بأن لا.
هذا حذيفة قيل له أنَّ رجلاً يرفع الحديث إلى عثمان هذه جملة عربية
ولكن طرأ عليها اصطلاح في علم الحديث فهي من الناحية العربية
يرفع الحديث إلى عثمان معناه:ينم والنميمة لا أحد يجهل معناها.
لكن القتات المذكور في الحديث يُفسر تفسيراً أدق قليلاً من النمام.
يرفع الحديث إلى عثمان يعني:ينم والنميمة هو يكون جالساً ويسمع
الحديث بين الناس يسمع واحد يذم في آخر أو يطعن فيه بحق أو بباطل
فما يكون من هذا النمام إلا أن ينقل هذا الكلام إلى الذي طُعِن فيه يقصد
الإيقاع بين الطاعن والمطعون فيه.
فهذا الرجل كان يرفع الحديث إلى عثمان بمعنى أنه كان يجلس مع الناس
فيسمع ماذا يتحدث الناس عن عثمان فمن المعلوم أنه في العصر العثمانى
فتن كثيرة جداً وكان عاقبة ذلك مع الأسف الشديد أن خرج جماعة من الناس عليه
فقتلوه وهو في بيته يتلو كتاب الله.
فلاشك أن كل فتنة إنما تعظم لابد أن يكون هناك مقدمات تفد منها قبل ذلك
فما معظم النار إلا من مُستصغر الشرر.
ففي هذا الجو في زمن عثمان بن عفان كان هناك رجلاً يجلس في المجلس
فيسمع أي إنسان يتكلم ضد عثمان فيُسارع ويقول له فلان قال فيك كذا وكذا
يُريد أن يغري عثمان بهذا الإنسان الذي تكلم فيه وهذه هي النميمة.
كما قيل لحذيفة بن اليمان أنَّ فيه رجلاً يرفع الحديث يعني ينقل الحديث
إلى عثمان على طريق الإفساد والنميمة هذا هو المعنى اللغوي لكن المعنى
الاصطلاحي يرفع الحديث اختصار قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
هذه تفرق بين المعنى الاصطلاحى يرفع الحديث يعنى ينسبه للرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- والمعنى اللغوي يرفع الحديث يعني ينمه
فإذا جاءت هذه العبارة يرفع الحديث ما في سياق السياق يسمى بأن
يقصد المتكلم النميمة فمعنى يرفع الحديث أي ينسبه إلى النبي -عليه الصلاة
والسلام-أما هذه فواضح جداً أن المقصود في قوله يرفع الحديث إلى عثمان
أي ينقل الكلام الذي سمعه من الطاعن في عثمان إلى عثمان يقصد
إغراء عثمان عليه أو الإفساد بينهما فكان جواب حذيفة أن قال:
سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "لا يدخل الجنة قتات"
من المشهور تفسير القتات بالنمام وهذا معناه لا يدخل الجنة نمام
ولكن بعض العلماء ذكر تفصيلاً للنميمة وحُمل على وجه من وجوه ذلك
التفصيل أن هذا اللفظ "القتات":إذا كان الرجل يجلس في المجلس بين الناس
ويسمع فلاناً إيش يقول على فلان فينقله فهذاهوالنمام.
أما الذي لا يجلس مع الناس إنما يتلصص من وراء حجب الناس لا يعرفون
أن هناك إنسان يتجسس عليهم مثل الجاسوس فيسمع كلمة فيها طعن في
شخص فسرعان ما ينقلها إلى ذلك الشخص المطعون فيه بقصد الإفساد
أيضا فهذا معناه القتات.
إذن القتات نمام ولاشك لكن ليس كل نمام قتات.
ومن ناحية علم الأصول فيه عموم وخصوص كذلك في اللغة كل قتات نمام
ولكن ليس كل نمام قتات لماذا؟
لأن النمام الذي يسرق الحديث ويُردد وينقل الحديث إلى المطعون فيه
هو يقصد الإفساد فالتقى في هذه النقطة مع النمام الذي يكون في المجلس
وينقل الكلام بقصد الإفساد.
لكن الفرق بين النمام والقتات أن النمام يكون جالساً لا يتجسس
أما القتات يتجسس وينقل الكلام فهويجمع بين مصيبتين أوبين إثمين
إثم التجسس وقد قال تعالى:{ولاتجسسوا } وجاء في ذلك أحاديث كثيرة
ثم زيادة على ذلك ينقل الكلام الذي سمعه من بعض الجالسين في المجلس
إلى المطعون فيه بقصد الإفساد بينهما هذا معنى القتات فكل قتات نمام وليس كل نمام قتات.
- كيف يصير هذا كل إنسان حيوان وليس كل حيوان إنسان؟
أي أنَّ ذلك معروف في اللغة والاصطلاح.
كل إنسان حيوان لأن حيوان اسم جنس يدخل فيه الإنسان الناطق والحيوان
الصامت فيتميز بذلك الإنسان عن الحيوان فإذا قلت الإنسان حيوان صدقت
لكن لاتستطيع أن تقول كل حيوان إنسان فكذلك إذا قلت القتات نمام صحيح
لأنه ينقل الكلام بقصد افساد لكن النمام ليس قتات لأن طبيعة القتات
أنه ينقل الكلام من وراء حُجب.
بقي نقطة هامة في الحديث يكفي الإشارة إليها لكثرة ما مر معنا
بالتعليق على مثلها "لايدخل الجنة قتات" : هل معنى هذا أن القتات أو النمام
أو الديوث أو أي إنسان قيل فيه لايدخل الجنة في الأحاديث هل معنى ذلك أنَّ
النميمة صاحبها كافرٌ حرامٌ عليه دخول الجنة؟
هكذا يبدو من الحديث ألا يدخل الجنة قتات ولكن يجب ألا نفهم الحديث لوحده
ولكن مضموماً إليه كل النصوص من الكتاب والسُنة التي تُساعدنا على فهم
الحديث فهماً صحيحاً.
فلو فهمنا الحديث على ظاهره"لا يدخل الجنة قتات" يعني حرمت عليه الجنة
مثل الكافر إذن تعارض هذا الفهم مع نصوص الكتاب والسُنة أشهرها
وأقواها دلالة قول الله -عزوجل-:{أنَّ اللهَ لا يغفرُ أن يُشرَكَ به ويغفِرُ ما دون ذلك لمَنْ يشاء}.
فكيف يُقال:لا يدخل الجنة قتات والله يقول:"يغفر مادون ذلك لمن يشاء"؟
بهذه الآية ونصوص كثيرة فسر العلماء مثل هذا النص بعدة تفاسير:
1-لايدخل الجنة قتات أي لايدخل الجنة مطلقاً مَنْ يستحل النميمة بقلبه
لأن استحلال المعصية بالقلب هو كفر وردَّة وحينئذ يبقى الحديث على ظاهره
لا يدخل الجنة مطلقا لأنه باستحلاله لهذه المعصية استحلالاً قلبياً صار كافراً.
2-لايدخل الجنة مع السابقين الأولين: يعني لا يدخل الجنة بدون حساب وبدون
عذاب ومفهوم هذا حينئذٍ أنه لايدخل الجنة يعذر من.
3- لايدخل الجنة إلا بعد أن يأخذ نصيبه من العذاب لقاء معصيته سواء
كانت نميمة أوزنا أو دياثة أو كان أي شيءٍ مما جاء فيه مثل هذا النص :"لا يدخل الجنة..".
انتهى بفضل الله الشريط الحادي والعشرون ...
يتبــــــــــــ ع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الشريط الثاني والعشرون
تابع باب النميمة
*عن أسماء بنت يزيد قالت: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-:"ألا أخبركم بخياركم؟"قالوا: بلى قال:"الذين إذا رُؤوا ذُكِر الله .أفلا أخبركم بشراركم ؟" قالوا: بلى قال:"المشاءون بالنميمة المفسدين بين الأحبة الباغون البُراء العنت".
(صحيح لغيره) إذا ماجاء مايشهد له تقوى به لذلك كان هذا الحديث صحيحاً لشواهده.
أسماء بنت يزيد من الصحابيات الجليلات تروي لنا هذا الحديث قالت:
قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ألا أخبركم بخياركم؟
"قالوا:بلى ، قال:الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله : هذا يُشير إلى قاعدة الظاهر
عنوان الباطن ، يعني المسلم الذي هو حقيقته مُتمسكٌ بإسلامه هذا الإسلام يتجلى على مظهره
وقد ذكرتُ في أكثر من مناسبة بعض الأحاديث الصحيحة التي تدلنا على ارتباط
الظاهر بالباطن من أشهر وأقوى هذه الأحاديث في تمام الحديث المشهور
الذي أوله:"إنَّ الحلالَ بيِّنٌ والحرامَ بيِّنٌ"ثم قال - صلى الله عليه وآله وسلم-:
"ألا إنَّ في الجسد مُضغة إذا صَلُحَت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
فهذا الحديث ربط صلاح البدن بصلاح القلب قريب جداً هذا الصلاح
الظاهر بالباطن,الروحي المعنوي لصلاح الجسد المادي ارتباطاً بالقلب المادي.
كذلك القلب إذا كان سليماً من الناحية الطبية ففي الغالب يكون البدن كذلك.
هكذا الشأن تماماً من الناحية المعنوية الروحية ، فإن كان القلبُ عامراً بالإيمان
مُمتلئاً باليقين بما جاء به الإسلام؛ ظهر أثرُ ذلك على جوارح هذا الإنسان
فإذا رُئيَ هذا الإنسان الصالح المؤمن ذُكِر الله لأنه يتجلى عليه آثار
التقوى والصلاح على نحو ما قال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث الصحيح: "نَضَّرَ اللهُ امرءًا سَمِعَ مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمِعها فرُبَ مُبلِغٍ أوعى لها من سامع".
الشاهد من هذا الحديث قوله:"نضر اللهُ امرءًا"هذا دعاء من النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم- بالنضر لهذا الذي سمع حديث الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- ثم بلغه إلى المسلمين ليتفقهوا فيه.
وقد علل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-الأمر بالتبليغ لقوله:
"رُبّ مبلغ أوعى لها من سامع".يقول علماء الحديث وشُرَّاحه :
فقد استجاب الله -عزوجل- دعاء نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-
ولذلك تلك النُضرة هذه تُرى على وجوه المُشتغلين بالحديث.
وهكذا أيضا كل رجل قد عُمِّرَ قلبه بالإيمان الصادق ظهر أثره على بدنه
فإذا رُئي ذُكِرَ الله -عزوجل- برؤيته.
نحوه ما ثبُت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه سُئل عن أحسن
الناس قراءة للقرآن : مَن أحسن قراءة للقرآن؟
فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-:"الذي إذا قرأ رُئِي أنه يخشى الله"
رُئي:بمعنى ظن السامعون بأن هذا القارئ يخشى الله.
وهذه حقيقة يشهد بها كل مؤمن مخلص بتلاوة إنسان اتخذ القراءة مهنة
وتجارة عاجلة ، فهذا كأنه تمهن القرآن كأنه تغنى به بينما إنسان يتلو
كلام الله -عزوجل- يشعرالسامعون بأنه يقرأ وهو يخشى الله -تبارك وتعالى-.
فخيرُ الناس هو الذي إذا رُئي ذكِرَ الله برؤيته إما أن يكون رجلا صالحاً
متعبداً فحينما يراهُ الناس يتنبهون لصلاحه حين يرون إيمانه يشع
حيث الناس الذين مازال في قلوبهم الإيمان يتمنون أن يكونوا مثله ,
أو أن يكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر كذلك إذا رأوه تأثروا به
وتفقهوا به فاستفادوا منه فكان هذا الذي يُرى ذُكِرَ الله خير الناس.
وعلى العكس من ذلك ثنى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- و قال: "ألا أخبركم بشراركم؟"قالوا:ب لى.
أي مَنْ هم شِرار الناس؟ قال:"المشَّاءون بالنميمة"
المشاءون:صيغة مبالغة يعني ديدنهم دائما وأبداً أن يسعوا إلى نقل
الكلام المُفسِد من إنسان إلى إنسان آخر للإيقاع بينهم والإفساد بينهم.
هؤلاء هم شرار القوم وينتج من ذلك أنهم يُصبحون كما جاء في ذلك الحديث:
"المفسدون بين الأحبة " بسبب سعى النمام
القتات بينهما فلا يزال ينقل الحديث من هذا إلى ذاك ومن ذاك إلى هذا
حتى تقع الواقعة بينهما وتفسد العلاقة الوطيدة بينهما.
ومن أخلاق هؤلاء شرار الخلق شرار الناس الباغون:أي الطالبون المتكلبون
يتقصدون للبرّاء:جمع برئ على وزن علماء.
ويطلبون لهم العنت: وهو الهلاك أي الأسباب التي تؤدي إلى هذا الهلاك.
إذن خير الناس الذين إذا رُؤوا ذكِر الله ، وشر الناس الذين يمشون بالنميمة
يُفسدون بين الأحبة يُطالبون للأبرياء الهلاك.
يتبــــــــــــ ـــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
الباب الثاني أحاديثه موقوفة لكنها ثابتة .
باب : مَنْ سَمِعَ بفاحشةٍ فأفشاها
* روى بإسناده الحسن عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -قال:" القائل الفاحشة والذي يُشيع بها في الإثم سواء"
الذي يتكلم بكلمة فاحشة يتهم فلاناً أو فلاناً بتهمة باطلة فيتلقفها رجلٌ آخر
أو امرأة أخرى فيذيعها ويشيعها ؛ فهذا المُتلقف وهذا الأول الكاذب المفتري
في الإثم سواء وهذه جزئية تلتقي مع قاعدة كلية وهي التعاون على البر والتقوى
و التعاون على الإثم والعدوان منهىٌ عنه شرعاً لذلك لعن الله في الخمر عشرة
ولعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، و من هذا الباب تماماً :
قائل الفاحشة والمتكلم بها كالذي ينشرها هما في الإثم سواء.
هذا معناه أن يتنبه المسلم سواء كان ذكراً ًأم أنثى ويجب أن يكون متيقظاً
لايلقي بالاً لكل كلمة يسمعها ثم هو يلتقطها كالمغناطيس لا يُفرق بين حديد
صدئ وحديد نظيف ثم يلتقط هذا الكلام ويذيعه بين الناس فهما في الإثم مشتركان
فعلينا أن ننتبه لما يُلقي على مسامعنا من كلام ولا نتسرع إلى نقل هذا الكلام إلا بعد التثبيت.
كذلك قال الله تعالى في القرآن: {ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسِقٌ بنبأ فتبينوا أن تُصيبوا قوماً بجهالةٍ فتُصبحوا على مافعلتم نادمين}.
*روى بإسناده الصحيح عن شُبَيل بن عوف قال:( كان يُقال:مَنْ سمع بفاحشةٍ فأفشاها فهوفيها كالذي أبداها)
نفـــــــــــس المعـــــــــــ ـــــــنى.
*عن عطاء - وهو من كبار التابعين - روى عنه بإسناد صحيح أنه كان يرى النكال"العقاب"عل ى مَنْ أشاع الزنا يقول قد أشاع الفاحشة.
يعني المُشيع للزنا هنا كان عطاء بن أبي رباح يرى مُعاقبته
ليس هو الذي يرمي المُحصنات المؤمنات والمؤمنين بما ليس فيهن
وإنما هو الذي يسمع هذا الكلام ثم يذيعه ؛ فهذا يستحق المُعاقبة من الحاكم المسلم.
يتبــــــــــــ ــــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب العيَّاب
*أورد المصنف هذا الأثر بإسناده الصحيح عن على قال: ( لا تكونوا عُجُلاً مذاييع بُدراً فإن من ورائكم بلاءً مُبَّرحاً مُبلِجاً وأمُوراً مُتماحلة رُدُحاً ).
هذا الحديث فيه ألفاظ غريبة جداً من الناحية العربية :
-عُجُلاً:جمع عَجِل أي مستعجل.
-مذاييع:جمع مذياع أي يشيع الفاحشة بلاغاً.
المقصود من هذا الكلام العربي الفصيح لعلي بن أبي طالب ابن عم الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- هو نهى المسلم أن يكون من دأبه المُسارعة
إلى نقل عيوب الناس وإشاعتها بين الناس.
ل اتكونوا عُجُلاً مذاييع جمع مذياع والمذياع اليوم معروف اصطلاحاً
ما المراد به لأنه عنده الوسيلة البالغة لإذاعة مختلف أخبار الدنيا.
علي -رضي الله عنه- ينصح المسلمين ألا يكونوا عُجُلاً في إذاعة الأخبارعن عيوب بعض المسلمين.
بُذراً : فيها تأكيد للمعنى السابق وهو الذي لا يستطيع أن يكتم السر.
وهذا يقع في كثير من الأحيان خلاف أدب الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-الذي يقول:"إنما المجالسُ بالأمانة"
اثنين ثلاثة قاعدين مع بعض يجرهم الحديث إلى أمور خاصة فيتحدث أحدهم
بشيء يتعلقُ به بماله بزوجه بولده بشيء من متعلقاته ظناً منه بأن الذين
في المسجد لا يُذيعون هذا الخبر فإذا بهذا الكلام بعد سويعاتٍ منتشراً بين الناس شائعا.
هذا جمع بذور وهو الذي ينشر السر ولا يستطيع أن يكتمه.
لماذا يقول على هذه النصيحة ويوجهها للناس؟
يقول: فإن من ورائكم بلاءً مُبرحاً مُبلجاً هذه الكلمات كناية عن
أنها كثيرة الضرر والإفساد والإهلاك ، هذا البلاء سيأتي فيما بعد.
كذلك قوله:وأموراً مُتماحلة وهي الفتن التي يأخذ بعضها برقاب بعض
وتستمر رُدحا وهي فتنٌ ثقيلة جداً.
*روى المصنف بإسناده الصحيح عن أبي جُبيرة بن الضحاك قال:( فينا نزلت -بني سلمة- ولا تنابذوا بالألقاب)الحجرا قال:قدم علينا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وليس منا رجل إلا له اسمان فجعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول:يا فلان فيقولون:يا رسول الله إنه يغضب منه.
الغرض من هذا الحديث شيآن:
الأول بيان سبب نزول هذه الآية ، والآخر حُكم شرعي.
نزول هذه الآية:- يقول أبو جُبير بن الضحاك أن النبي -صلى الله عليه
وآله وسلم- لما جاء المدينة كان لهم عادة أن كل رجل له اسمان اسم حسن
يرضاه واسم قبيح يرفضه ، فكان من عادتهم أن يُنادي الرجل الآخر
فيما إذا أراد أن ينتقم منه ناداه باسمه القبيح والعكس إذا كان راضياً عنه ناداه باسمه الطيب.
فلما جاء الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- المدينة ووجد الناس
لهم هذه العادة وهو لا يلاحظ أنهم اعتادوا أن الرجلَ يُنادي باسم له
وهو لا يرضاه فنادى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-رجلا
باسمه يعرفه أنه اسمه قيل له:يا رسول الله إنه يغضب من هذا الاسم
فأنزل الله-عزوجل-: {ولا تنابذوا بالألقاب}.هذا سبب نزول الآية.
ومعنى هذا أن الرجل الصالح ولا أصلح في الصالحين بعد نبينا محمد
-صلى الله عليه وآله وسلم- قد ينجر في بعض العادات السيئة لأنه لا يُلاحظ هذا
فيُنادي بعض الناس باسم لا يرضاه وهو -صلى الله عليه وآله وسلم-
ليس مسئولاً بهذه المُناداة التي لا يرضاها المنادي لأنه كان حديث عهدٍ
بعادات المدينة وسكانها وذلك فقد أنزل الله -عزوجل-هذه الآية الكريمة :
{ولا تنابذوا بالألقاب} أي لا يُنادي أحدكم أخاه باسم لا يرضاه أو بلقبٍ له
ما تبناه وإنما يُناديه باسمه الذي سماه أبوه وأهله به.
الحُكم الفقهي:-لا يجوز للمسلم أن يتقصد إيذاء أخيه المسلم بتلقيبه بلقب
يزعجه ولا يرضاه لأن الآية نزلت في عدم التنابذ بالألقاب ولو كان ذلك
من عادة الناس في بعض البلاد فالله-عزوجل-أدب نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-
أحسن الأدب ومن ذلك أنه أنزل عليه هذه الآية أي لايُنادي بعضكم بعضاً
بألفاظ سيئة وإن كان لا يُريد إزعاج أوإغضاب هذا الذي يلقبه بذاك اللقب
الذي لا يرضاه فمن باب أولى ألا يجوز في الإسلام ابتكار وابتداع لقب
لإنسان مسلم بقصد إزعاجه وإغضابه.
فهذا أدب من آداب الإسلام نجد مع الأسف الشديد كثيراً من المسلمين
قد ابتعدوا عن هذا التأدب بأدبه ، فلا ينبغي لمسلم أن يلقب أخاه المسلم بلقبٍ لا يرضاه ولايريده.
أنا أذكِر بلقب شاع وعمَّ في البلاد في اتهام أمثالنا نحن الذين ندعو
إلى اتباع الكتاب والسُنة فلقبونا بالوهابيين.
هذا التلقيب من لفظه لا شيء فيه في الحقيقة إنما الشيء الكثير يأتي فيه
من جهة قصد المستعمل له ذلك لأن لفظة الوهابي وهو لفظ مبارك
لأنه نسبة إلى اسم من أسماء الله -عزوجل-لا نسبة أفضل وأشرف منها
كذلك وهابي نسبة إلى الوهاب وهو الله- تبارك وتعالى-فهذه النسبة
وهذا التلقيب بالوهابي من الناحية اللفظية من أحسن الألقاب بل هو يدخل
في نوع آخر من الآداب الإسلامية سيأتي لو كان المُطلِق له
يعني ما يدل عليه هذا اللفظ ألا وهو باب التمادح فهو حينئذ يدخل
إذا قلنا لإنسان : أنت وهابي بالمعنى اللغوي الأصيل منه ، كما لو قلنا له أنت رباني
حينذاك ينتقل الموضوع وينقلب رأسا على عقب يدخل في باب قوله تعالى: {ولاتُزكوا أنفسكم هو أعلمُ بمَنْ اتقى}.
لكن الخطأ يأتي من هذا الاستعمال من جهة افتراض معنى سيء لهذه
اللفظة الطيبة وهابي لأنه يُساوي عندهم كأنه زنديق والعياذ بالله.
فهم يُصرحون مع الأسف بجهلهم بأن هذا الوهابي لا يحب الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- ونحو ذلك من الافتراءات الكثيرة.
فتلقيب المسلم بمثل هذا اللفظ الذي يُزعجه هذا مما نهى عنه الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم-وأدَّبَ المسلمين : {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعدالإيمان}
يعني ربنا يذم الاسم الفاسق الخارج عن أدب الإسلام وعن طاعة رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- فيجب ان نُلاحظ هذا في كل استعمالاتنا بعضنا مع بعض
فلانُ لقب إنساناً بلقب أو باسم هو لا يرضاه ولا يحبه بل يُناديه باسمه الذي
اختاره هو بنفسه أو أهله له.
من هذه الألقاب السيئة والفاحشة في آنٍ واحد ما سيأتي في الأثر الذي يلي الحديث السابق.
يتبــــــــــــ ــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
*روى المصنف -رحمه الله - بإسناده الحسن عن عكرمة قال: ( لاأدري أيهما جعل لصاحبه طعاماً ابن عباس أو ابن عمه فبينما الجارية تعمل بين أيدهم إذ قال أحدهم لها:يا زانية فقال: مه إن لم تَحُدَّك في الدنيا تحُدك في الآخرة قال:أفرأيت إن كان كذا؟ قال ابن عباس:"إنَّ اللهَ لا يُحب الفاحش المُتفحش")
عكرمة من تلامذة ابن عباس - رضي الله عنه -
لاأدري أيهما جعل لصاحبه طعاماً:هذا تحير هو يقول :
ابن عباس أوابن عمه صنع طعاما ودعا ناساً.
يا زانية هذا لفظ فحش صريح.
فقال:مه يعني ابن عباس يُحذر هذا القائل لهذه الكلمة.
إن لم تحدك في الدنيا تحدك في الآخرة:يُشير بهذا إلى أن قول المسلم
لأخيه المسلم أو أخته المسلمة يا زاني يا زانية هذه فرية واتهام بالفاحشة
والمتهم بالفاحشة يستحق الجلد عقوبة له في الدنيا ولعذابُ الآخرة أشد وأبقى.
يقول ابن عباس في ذلك الرجل الذي صدرت منه هذه اللفظة القبيحة
وهو ينبذ باللقب القبيح يقول له: إن هذه الجارية وهي جارية عبدة مملوكة
قد لا تستطيع أن ترفع أمرها إلى مَنْ يُقيم الحد عليك من أجل اتهامك
إياها فلا تغفل فإنها ستُقيم هذا الحد عليك في الآخرة يعني إن الله
-عزوجل- الذي لا يظلم الناس شيئاً والذي يتساوى عنده الناس يوم القيامة
فلا غني ولا فقير ولا سيد ولا مسود ولا رئيس ولا مرءوس بل كلهم
كأسنان المشط سواء لا فرق بينهم إطلاقاً ، فهناك إذا ما وُضِعَ الميزان
يوم القيامة وحُوسب الناس وتبيَّن أن هذا الرجل اتهمها فعلاً بأنها زانية
فالله - عزوجل - يأخذ بحقها لها منه ويُعذبه بالمقدار الذي يستحقه.
فهذا تحذيرٌ من ابن عباس للمسلم من أن يتلفظ بمثل هذه اللفظة
فيُعاقب عليها إما في الدنيا وإما في الآخرة.
قال:أفرأيت إن كان كذلك؟
قال:إنَّ الله لا يُحب الفاحش المُتفحش
الرجل الذي قال عن الجارية وناداها:يا زانية يعود ويسأل ابن عباس
إذا كنت أقول لها وهي كذلك؟
يعني ليست خادمة نظيفة وشريفة هي كما قال هو ، فما هو رأيك
يا ابن عباس هل أنا أعاقب كذل لو أني وصفتها بما فيها؟
قال:إن اللهَ لا يُحب الفاحش المتفحش:أي حسبُك أن تلفظت بلفظ فاحش سيء
كأنه يقول له اجتنب هذه اللفظة حتى ولو أنك علمت أنها صادقة عليها
وهي مُتصفة بها فعليك أن تُهذب لفظك وتحفظ لسانك.
* ثم أتبع المصنف ذلك بالحديث الصحيح رواه عبد الله بن مسعود
كما رواه عن أبي هريرة ، وهذا من الحاديث النادرة حيث يسوق المؤلف
باسنادين اثنين عن صحابيين جليلين بحديثٍ واحد فهو رواه هنا
بإسناده عن إسرائيل عن الأعمش عن أبي هريرة.هذا السند الأول ،
ثم قال:وعن علقمة عن عبد الله وهذا هو الإسناد الثاني.
وعبد الله هو ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
بالنسبة للإسناد الأول نحن قلنا إن هذا الحديث صحيح لكن نظرة
ولو سريعة على الإسناد الأول وهو رواية عن الأعمش عن أبي هريرة
يتبن أن هذا الإسناد لا يصح لأن الأعمش لم يدرك أبا هريرة فهو إسناد منقطع
ولو أن الحديث تفرد بهذا الإسناد أو أن هذا الإسناد تفرد بهذا الحديث
لكان الحديثُ ضعيفاً لا يُحتجُ به ولا يجوز نسبته إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
فالأمر ما عطف البخاري وقال عن علقمة يعني أن الراوي لم يرو فقط عن الأعمش
عن أبي هريرة بالإسناد المنقطع إنما رواه أيضا عن علقمة عن عبدالله بن مسعود.
فرواية الأعمش عن عبد الله فى هذا الحديث منقطعة وروايته عن علقمة
عن عبد الله مُتصلة فصح الحديث بالطريق الثاني دون الأول.
الحديث لايحتاج إلى تعليق فهو واضح في نفسه ولاسيما وقد مر معنا أكثر من مرة.
"ليس المؤمن بالطعان" يعني الذي يطعن في الناس كثيراً بغير حقٍ.
ولا اللعان:الذي يلعنهم.
ولا الفاحش في لفظه ولا البذيء في لسانه.
والطعن كما تبين في حديث الجارية يكون على وجهين بباطل وبحق
وقد أشار ابن عباس للرجل على أنه يجب عليه أن يتجنب الطعن ولو كان كذلك.
أما الطعن بغير حقٍ هو فقط يوصف بأنه ليس من الآداب الإسلامية بل هو ذمٌ
من الكبائر ذلك بأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-كان يقول كما في صحيح
مسلم:"إنَّ اللهَ جميلٌ يُحب الجمال".
ومناسبة هذا الحديث أن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم- قال ابتداءً:
" لا يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر"
فسألوه الصحابة كل واحدٍ يُحب أن يلبس شيئاً جميلاً
فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لابأس من التزيُن وهذا ليس تكبُراً
إن كان لايقترن مع التكبر لأن الله جميلٌ يُحب الجمال"
فسألوه : ماهو الكِبرُ إذن الذي لو اتصف به لا يدخل الجنة؟
وهو الشاهد قال -صلى الله عليه وآله وسلم-:"الكِبْر بَطر الحق وغمط الناس".
بطر الحق:أي رده بعد ظهوره.
وغمط الناس: الطعن فيهم بغير حق ، هذا الشاهد
فإذا كان المؤمن ليس بالطعان أي ولو كان يطعن بحق فأولى وأولى
ألا يطعن بغير حق ويكون قد اتخذ السبب الكبير لكي لا يدخل الجنة لقوله
-صلى الله عليه وآله وسلم-:"لا يدخل الجنة مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر"
ثم فَسَرَ الكِبر بأنه رد الحق بعد ظهوره والطعن في الناس بغير حق.
نسأل الله أن يُخلقنا بالأخلاق الإسلامية ويُؤدبنا بالآداب المحمدية.
يتبــــــــــــ ــع .
-
رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..
باب ما جاء في التمادح
* عن عبد الرحمن بن أبي بُكرة عن أبيه أن رجلا ذكَر عند النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-فأثنى عليه رجل خيراً فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:"ويحك قطعت عنق صاحبك"يقوله مِراراً:"إن كان أحدكم مادِحاً لا محالة فليقل: أحسبُ كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله ولا يزكى على الله أحداً".
يعني أبا بُكرة الثقفي من الصحابة المشهورين.
ويحك قطعت عنق صاحبك يقولها مراراً يعني يكررها على الأقل ثلاث مرات
ويحك قطعت عنق صاحبك.
ثم أتبع ذلك -عليه الصلاة والسلام- بقوله:"إن كان أحدكم مادحاً لا محالة فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسبه الله ولايُزكي على الله أحداً"
في هذا الحديث أدب من الآداب الإسلامية التي هجرها جماهير المسلمين
اليوم وليس هذا فقط بل قلبوه رأساً على عقب ذلك أن في هذا الحديث
أن الأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يمدح أخاه في وجهه وذلك خشية أن يُفتن بهذا المدح.
أما القدح لأننا نتطرف يعني نجعل أنفسنا ظرفاء مع الناس وأدباء بأن نمدحهم
بالباطل بينما شرعاً لايجوز مدح المسلم لأخيه المسلم ولو بالحق
وإن كان ولابد مادِحاً له فلا يقطع عنقه بمدحه إياه وإنما ليُخفف وقع المدح
في صاحبه بالتشكيك في عبارته بأن يقول:أظن فيه كذا وكذا
.مثلا لايَصِح أن نقول في إنسان نظنه صالحاً والله أنت رجلٌ صالحٌ
واللهِ أنتَ رجلٌ طيبٌ ، واللهِ أنت ما في منك ، ونحو ذلك من العبارات
التي يلهث بها جماهير الناس اليوم وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً.
يقول الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-في هذا الحديث للذي مَدَحَ صاحبه:
"قطعت عنق صاحبك" أي أهلكته وفعلت فيه من الناحية المعنوية
ما تُقطع بالسكين أو بالسيف من الناحية المادية فالسيف يُقطع به صاحبه عنق خصمه.
فمدحه لصاحبه يفعل فيه فعل سيفه بخصمه لهذا قال الرسول -صلى الله
عليه وآله وسلم-"ويحك قطعت عُنق صاحبك"
ولم يكتف النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بكلمته هذه مرة واحدة
وإنما أعادها مِراراً وتكراراً.
وفي رواية"ويحك قطعت عنق أخيك"أعادها ثلاثاً ثم كأن الرسول
-صلى الله عليه وآله وسلم- قيَّدَ هذا الإطلاق لأنه لو أنه- صلى الله
عليه وآله وسلم- وقف عند هذه الجملة"ويحك قطعت عنق أخيك"
لكان لا يجوز المدح مطلقاً لكنه لطف بأمته فقال:"إن كان أحدكم مادحاً أخاه فليقل:إني أحسبه كذا وكذا والله حسيبه ولايزكي على اللهِ أحداً"
أي لا يقطع بتزكية إنسان : يعني قول القائل في صاحبه سواء كان ذكراً
أو أنثى - الحُكم لايختلف بالنسبة للنساء مطلقاً- :فلانٌ صالحٌ ،
كأنه كشف له عن اللوح المحفوظ فجزم بأنه صالح
هذا معناه أنه يحكم على الله أنه صالح .