نعم ، هذا منسجم جداً مع ما نقل من الإتفاق ، والتوجيه بهذه الطريقه جمع حسن.
عرض للطباعة
صحيح فالذين أجمعوا على منع خروج المرأة من بيتها سافرة مختلفون في العلة التي أوجبت ذلك فمنهم من يعلل ذلك بأن وجه المرأة عورة و كشفه محرم لذاته و منهم من يعلل ذلك بأنه سد لذريعة الفتنة و مصلحة عامة كما قُلْتَ فكشف المرأة وجهها محرم لغيره و ثمرة الخلاف أن الأولين لا يبيحون الكشف إلا للضرورة لأنه محرم تحريم مقاصد و الآخرين لا يبيجونه إلا للحاجة لأنه محرم تحريم وسائل
قال البولاقي رحمه الله في الجليس الانيس ص 41 :
ووجهه إمام الحرمين باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه , وبأن النظر مظنة للفتنة ومحرك للشهوة , فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والاعراض عن تفاصيل الاحوال كالخلوة بالاجنبية , وبه اندفع ما يقال : هو غير عورة فكيف حرم نظره , ووجه اندفاعه : انه مع كونه غير عورة : نظره مظنة للفتنة والشهوة , ففطم الناس عنه احتياطا .. اهـ
الرجاء من الباحثين في هذه المسألة مراعاة أحوال الدول الإسلامية فثمة دول عدة من الصعب فيها على المرأة أن تلبس النقاب؛ مثل تونس العراق حتى سوريا،كما أن هناك ظروف لبعض الأخوات بشكل خاص في بعض الدول التي يسمح فيها بالبس تمنهن من هذا الفعل، وأحوال المعذورين تصل بعشرات الملايين ، فلماذا لا يراعى ذلك في البحث !
الرجاء على من يتكلم في الفقه أن تكون له شمولية في الطرح ولا يكون ضيق أفق،يتكلم وهو ممن أنعم الله عليه ببلاد يسمح باللبس.
ومن رحمة الله سبحانه أن جعل ثمة خلاف في هذه المسألة حتى يكون في ذلك سعة في الأمر، والله هو الأعلم بالصواب وهو من وراء القصد.
الاخ العزيز اياد القيسي
نحن نعرض مسألة فقهية .. ولم يظهر في ثنايا البحث الزام احد بما نقول ..
اما اخواتنا في بعض البلاد التي تمنع الحجاب فأظن ان المسألة واسعة في ذلك .. وسقوطه عنهن سقوط اكراه .. ولا شك ..
واظن ان غالبيتهن - وخاصة اللاتي في البلاد الاجنبية - على قدر من التفهم لمثل هذه القضايا ..
ولن ينتظرن احدا يلزمهن بتغطية الوجه .. مع علمهن بأنهن كشفن كرها ..
ولديهن من اهل العلم من يبين لهن مثل هذه القضايا وطريقة استيعابها ..
وفي الجانب الاخر .. يوجد من الاخوات من لديهن العزيمة في الاخذ بالقول بتغطية الوجه .. وقد يكنّ اقوى عزم من الرجال ..!
وفقك الله وسددك على هذا التنبيه ..
أما الكلام عن وجود الإجماع أو عدمه , فلا كبير فائدة في بحثه , لأن النقاش يجب أن يكون متجه نحو تحقيق كنه الإجماع , ثم النقاش حول تحققه في مسألة السفور عن وجه المرأة المسلمة .
لذلك لا تتعب نفسك يا عبد الله الشهري في إثبات عدم تحقق الإجماع , لأنك تتفق معي بأن جل الأحكام الشرعية تثبت ولا يحكى الإجماع عليه فضلًا عن أن يُنص عليها .
والإجماع بحسب ما تسأل عنه حضرتك , لا يوجد إلا في مسائل محدودة .
وأما إذا قلنا : أن الاتفاق منعقد على تحريم السفور , والذي معناه : الإيجاب على المرأة المسلمة ستر وجهها عن الرجال الأجانب , بلا خلاف معتبر , فلا يضير من ينقل الاتفاق أن يحكي الإجماع بمعنى عدم وجود الخلاف المعتبر في المسألة .
لأن خلاف من خالف مبني على خطأ في أصل الإستدلال
فالقاضي عياض وتبعه ابن بطال : يقررا الإجماع على وجوب ستر الوجه على أمهات المؤمنين وندبه على من دونهن من نساء المسلمين , وهذا تقرير باطل , فلا يجوز الاعتداد به في الخلاف في المسألة , وهو كخلاف الرافضة في عدالة الصحابة , فهكذا خلاف يسمى خلاف شاذ ولا يقدح في الاتفاق المنعقد , ولذلك تجد من خالف في المسألة كابن القطان والألباني لم يعتبرا قول القاضي عياض وإنما نحو منحى أخر في خلافهم فانتبه .
وأما ما نقلته عن البغوي وغيره من الفقهاء في استثناء الوجه من وجوب التحريم , فهذا ليس كما فهمت يا رعاك الله , وإنما المستثنى ( الوجه ) خرج بأية الترخيص في إبداء ما ظهر من الزينة , والترخيص معناه إباحة مؤقتة لسبب شرعي علقت الرخصة به , فغاية ذلك جواز إبداء الوجه في وقت دون وقت , مع بقاء الحكم الأصلي في حق المستثنى ( الوجه ) عند انقضاء مقتضى الرخصة .
فأنت يا عبد الله الشهري عندك اعتقاد مطلق الجواز لكشف الوجه , وتذهب لتستدل له من هنا وهناك وهذا باطل يا أخي .
فلو أنك تدرس المسألة أولًا بناءً على الأدلة , مع التجرد مما علق في ذهنك من اعتقاد , ثم تجمع بين كلام الفقهاء , فستجد معنى كلامي بعون من الله وتوفيقه .
فالحجاب شرع لحجب النساء عن الرجال , ولذلك جمع ربنا جميع الأصناف النسوية في أية واحدة , مما يدل على اتحاد الحكم في حقهن جميعهن , ولا يجوز التفرقة بين ما جمع الله تعالى .
وقد كانت جميع النساء على هذا الحال حتى نزل التفصيل , في سورة النور , ففهم الفقهاء من قوله تعالى { إلا ما ظهر منها } الترخيص في زينة معينة , وأكرر على كلمة الترخيص , لأن هذه الأية لا تكون بحال ناسخة لأصل التشريع وهو فرض الحجاب في الدور وعند البروز .
والخلاف في الزينة المرخص في إظهارها , هو الخلاف بين الفقهاء , لا أنهم مختلفون في كشف الوجه , هل هو واجب أم مستحب كما غلط بعض العلماء مثل القاضي عياض وابن القطان والألباني رحمهم الله .
أراك قربت من الحق في المسألة , ولو أنك كثرت صور المسألة والنزاع هو حول صورة واحدة وهي التي نقل عليها الاتفاق ابن المبرد قوله " إذا برزت " وهي هي صورة المسألة التي نقل عليها الاتفاق إمام الحرمين بقوله " خروج النساء سافرات " وغيرهما من الفقهاء .
فالنزاع في السفور , وهو اعتقاد جواز كشف المرأة لوجهها دائما عند الرجال .
وقولك (( فإما أن يحكم بخطأ نقل الاتفاق، وإما أن يجمع بينه وبين وجود القول بجواز كشف المرأة وجهها أمام الرجال )) !
أقول : هذا صنيع من لم يفهم كلام أهل الفقه في الدين , وهو الذي يتسرع في رد أقوالهم أو زعم وجود التناقض بينها ؟!
وقولك (( لا يلزم أن يكون وجه المنع؛ أن ستر الوجه واجب عليهن في ذاته، بل يحتمل أن يكون وجه المنع؛أن فيه مصلحة عامة بسد باب الفتنة،كما أن وجوبه عليها يتجه إذا علمت نظر أجنبي إليها؛ لأن في بقاء كشفه إعانة على الحرام )) !
أقول : هذا والله غلط , لأن التعليل بسد الذريعة باطل , لأن علة التشريع لفريضة الحجاب هي لسد ذريعة افتتان الرجال بالنساء وبالعكس , فالتحريم لذاته , وإنما دخلت الرخصة على الحكم الأصلي , فأباحت المحرم عند وجود المقتضي .
فالصواب أن الخلاف بين الفقهاء إنما هو في تقرير الرخصة وفيما تكون هذه الرخصة , وما عدا ذلك فالاتفاق منعقد على وجوب الحجاب على النساء في كامل البدن , عند وجود علته وهو وجودهن مع الرجال الأجانب .
يجب على من أراد إكمال النقاش تحرير ما يلي :
1- العلة الموجبة لفريضة الحجاب ؟
2- حكم ستر الوجه أو كشفه داخل في تشريع الحجاب أم شُرع بنصوص مستقلة ؟
قال ابن بادي في نظمه لمختصر خليل :
و هل ساتر عورة المصل * و ان يعر أو نجس أو حرير أل
شرط بذكر قدرة و ان خلوا * خلف و هي من رجل آم و لو
بشائب و حرة مع امرأة * ما بين سرة و بين الركبة
و مع الأجنبي سوى الوجه و اليدين * و لتعد إن طرف أو صدر بيين
قال الشيخ محمد باي بلعالم رحمه الله و هو من علماء هذا العصر في شرح قول الناظم " سوى الوجه و اليدين"
قال ابن ناجي : فيجوز النظر في كفها بغير لذه و لا خشية فتنة من غير عذر و عورض بقول ابن رشد لا يجوز النظر للشابة إلا لعذر من شهادة أو علاج أو ارادة نكاح و على هذين القولين ليخرج الخلاف في جواز ابدائهما للأجانب و وجوب سترهما عليها . كما أشار إليه القباب في مختصر أحكام النظر لابن القطان.
ثم أشار إلى ترجيح جواز إبدائهما لتظاهر الأدلة به و تعاضدها و قال لكن يستثنى من ذلك ما لا بد من استثنائه قطعا و هو ما إذا قصدت التبرج و إظهار المحاسن فإن هذا يكون حراما و يكون الذي يجوز لها إنما إبداء ما هو في حكم العادة ظاهر حين التصرف و التبذل ، فلا يجب عليها معاهدته للستر بخلاف ما هو في العادة مستور إلا أن يظهر مقصد كالصدر و البطن فإن هذا لا يجوز لها قط إبداؤه و لا يعفى لها عن بدوه.اهــ [ باختصار من شرح الشية محمد بن العالم الزجلاوي و قد أطال في هذا الموضوع و بسط فيه و جلب فيه كثيرا من العلماء و ذكر فيه من لا يجوز النظر إليهم]. انتهى شرح الشيخ بلعالم : إقامة الحجة بالدليل شرح على نظم ابن بادي لمختصر خليل ج1 ص 214
ثم ذكر الشيخ من أدلة هذا القول قوله تعالى : و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها.
: إن هذا السؤال قد طرح أكثر من مرة و قد ذكرت في كثير من الدروس الماضية أن وجه المرأة مختلف فيه هل هو عورة أم لا. و أنه مذهب الجمهور أنه ليس بعورة و استدلوا بعدة أدلة منها الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إقراره لكشف المرأة وجهها كما في الصحيحين من حديث ابن عباس في حديث الخثعمية التي كانت رائعة الجمال و كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل عنها إلى الجهة الأخرى عند ما رآه ينظر إليها و تنظر إليه و كذالك حديث جابر في صلاة العيد فقامت امرأة من سطة النساء في وجهها سفعة و السفعة هي تغير لون ما تحت العين من الوجه و لا يمكن أن يبدو هذا ما دام الوجه مغطى فإنما يظهر عند كشف الوجه و أحاديث أخرى ثمانية أحاديث صحيحة في هذا الباب بالإضافة إلى أن الجميع أجمعوا على أن المرأة لا يجب عليها ستر وجهها في الصلاة و إذا كان الوجه عورة فإنه يجب ستره في الصلاة لأن العورة يجب سترها في الصلاة بالإجماع و قالت طائفة أخرى من أهل العلم إن وجه المرأة عورة و أوجبوا ستره بظواهر آيات سورة الأحزاب و فيها قول الله تعالى: ﴿يدنين عليهن من جلابيبهن﴾و قوله: ﴿و ليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾ فالخمار ما يستر الرأس و العنق فإذا ضرب به على جيب القميص جيب الجلباب جيب الجلباب في الأمام إذا ضرب به عليه فسيستر الوجه بالضرورة لأنه يتدلى من أعلى فيستر الوجه إن لم يقصد بذالك الضرب. الضرب بما على العنق منه. ﴿و ليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾إذا كان المقصود بالخمار ما فوق الرأس فضربه على الجيب إنما يكون بإرجاءه من أمام الوجه حتى يستر جيب الجلباب و إذا كان المقصود أسفل ما على الرقبة منه فيمكن أن يستر بدون ستر الوجه و عموما اختلفت آراء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في تفسير قولرالله تعالى: ﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها﴾ فقد قال بعضهم: ما كان في الثياب هو الزينة أي أن الزينة إذا كان الثوب جميلا فيجوز للمرأة لبسه إن لم يكن فيه تعد للزينة المعتادة التي يجوز الخروج بها و قالت طائفة منهم ما ظهر من الزينة هو ما كان في الوجه و اليدين من الخضاب و الكحل ما كان في اليدين من الخضاب و ما كان في الوجه من الكحل و هذا القول هو المناسب للأحاديث السابقة فلعله أرجح فإذا القول الراجح إن شاء الله أن وجه المرأة ليس بعورة لكن ليس معنى ذالك أنها يجب عليها كشفه بل الإحتياط أن تستره أو تستر أكثره و بالأخص عند مشاهدة الأجانب و قد كان النساء يفعلن ذالك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكن إذا مر عليهن ركب من الرجال أرخين الستور أو سترن وجوههن فإذا تجاوزهن الرجال رفعن الستر فإذا الأفضل للنساء ستر الوجوه أو أكثرها إلا محل الحاجة و مع ذالك لا يجب عليهن سترها و إذا كانت المرأة رائعة الجمال فيجب على الرجل غض البصر و لا يجب عليها هي الستر على الراجح لأن الله تعالى يقول: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم﴾ و إذا كان الستر حاصلا للجميع فلا فائدة من الأمر بغض البصر حينئذ لأن البصر لا يطلب غضه عن مجرد اللباس أو عن مجرد ما وراء الستر فإذا على الرجل غض البصر و لا يجب على المرأة ستر الوجه. اهــ موقع الشيخ
و ان كان قول جمهور العلماء مشهور في هذه المسألة إلا أن القائلين بالوجوب يتغاضون عن ذلك و هذه بعض منها
الشوكانى في نيل الأوطار*: وقد اختلف فى مقدار عورة الحرة،* فقيل جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين،* وإلى ذلك ذهب الهادى والقاسم فى أحد قوليه،* والشافعى فى أحد أقواله،* وأبو حنيفة فى إحدى الروايتين عنه ومالك،* وقيل والقدمين وموضع الخلخال،* وإلى ذلك ذهب القاسم فى قول،* وأبو حنيفة فى رواية عنه،* والثورى،* وقيل بل جميعها بدون استثناء،* وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعى،* وروى عن أحمد*. وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف فى تفسير قوله تعالى*: {ولا* يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها*} (النور الآية*: ١٣).
قال ابن حزم في كتابه" مراتب الإجماع" (ص29) ما نصه:
" واتفقوا على أن شعر الحرة وجسمها حاشا وجهها ويدها عورة واختلفوا في الوجه واليدين حتى أظفارهما عورة هي أم لا؟"
قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2|392): "أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى". وذكره الشيباني في "المبسوط" (3|56) واختاره،
وقال الإمام أبو بكر الجصاص المتوفى سنة *٠٧٣هـ،* فى أحكام القرآن،* وهو من أكبر أئمة الحنفية فى تفسير قوله تعالى*: {ولا* يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها*} (النور الآية*: ١٣)،* وروى عن ابن عمر وأنس وابن عباس ومجاهد وعطاء أن ما ظهر منها ما كان فى الوجه والكف*: الخضاب والكحل*. وعن ابن عباس أيضاً* أنها الكف والوجه والخاتم*. وعن عائشة الزينة الظاهرة القلب* بضم فسكون سوار المرأة* والفَتْحَةْ* لفتح الفاء وسكون التاء المثناة وفتح الخاء المعجمة*- حلقة من فضة كالخاتم*. وقال سعيد بن المسيب وجهها مما ظهر منها*.
وفى بدائع الصنائع للإمام الكاسانى من أكابر أئمة الحنفية المتوفى سنة *٧٨٥هـ* (ص*١٢١ جـ*٥): لا* يحل النظر للأجنبى من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين لقوله تعالى*: {قل للمؤمنين* يغضوا من أبصارهم*} (النور الآية*: ٠٣). إلا أن النظر إلى مواضيع الزينة الظاهرة وهى الوجه والكفان قد رخص فيه بقوله تعالى*: {إلا ماظهر منها*}. والمراد مواضع الزينة،* ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان،* فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف،* ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء،* والأخذ والإعطاء،* ولا* يمكنها ذلك عادة إلا بكشف الوجه والكفين،* فيحل لها الكشف،* وهذا قول أبى حنيفة،* وروى عنه أنه* يحل النظر إلى القدمين أيضاً*.
ثم قال*: إنما* يحل* النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة من* غير شهوة،* فأما عن شهوة فلا* يحل،* لأن النظر عن شهوة سبب الوقوع فى الحرام فيكون حراماً،* إلا فى الضرورة بأن دُعِىَ* للشهادة أو كان حاكماً* فأراد أن* ينظر إليها ليجيز عليها إقرارها،* فلا بأس أن* ينظر إلى وجهها وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك،* لأن الحرامات قد* يسقط اعتبارها لمكان الضرورة،* وكذلك إذا أراد أن* يتزوج امرأة فلا بأس أن* ينظر إلى وجهها وإن كان عن شهوة،* لأن النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة أهـ*.
قال الإمام الشيرازي الشافعي ( 467هـ ) في المهذب : (( وأما الحرة فجميع بدنها عورة، إلا الوجه والكفين قال ابن عباس: وجهها وكفيها ، ولأن النبي ءصلى الله عليه وسلمء " نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب " ولو كان الوجه والكف عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء، وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء، فلم يجعل ذلك عورة)) .
قال الإمام السمعاني (489هـ ) في تفسيره : (( على هذا يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة ، وإن خاف الشهوة غض البصر )) .
وقال الإمام النووى فى المجموع*: المشهور من مذهب الشافعية،* أن عورة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين،* وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعى وأبو ثور وأحمد،* فى رواية،* وطائفة من الأئمة*. وقال أبو حنيفة والثورى والمزنى*: قدماها أيضاً* ليسا عورة*.
وقال الإمام المرغيناني الحنفي ( 593 هـ ) في ( الهداية )(( ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة.
و قال ابن عبد البر (ت:463هـ) في "التمهيد" (6/364 ) وهو من شروح الموطأ:
" على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها!"
ثم قال ابن عبد البر:
" قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به وأجمعوا أنها لا تصلي منتقبة ولا عليها أن تلبس القفازين في الصلاة وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة، فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة؟!
وقال أيضا (16/237): (وينظر منها إلى وجهها وكفيها لأنهما ليسا بعورة منها).
وقال (6/369) بعد ذكر تفسير ابن عباس وابن عمر لآية الزينة: ((وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء في هذا الباب)).
قال الإمام عبد الرحمن شهاب الدين البغدادي في إرْشَادُ السَّالِك إلىَ أَشرَفِ المَسَالِكِ فِي فقهِ الإمَامِ مَالِك : (( وَالْحُرَّةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ إِلاَّ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَالسَّاتِرُ الْحَصِيفُ لا الشَّافُّ )).
قال ابن قدامة في عمدة الفقه : (( والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها )).
و ها هو الإمام أبو سعيد التنوخي الشهير ب"سحنون" (ت:240هـ) في كتابه الشهير "المدونة الكبرى" (6/83) وهي مسائله لعبد الرحمن بن قاسم وبعض تلاميذ الإمام مالك في حكم المظاهر:
(((قال) ولا يصلح له أن ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها (قال) فقلت لمالك أفينظر إلى وجهها (فقال) نعم وقد ينظر غيره أيضا إلى وجهها))
وفي مختصر المدونة للبرذعي (من علماء القرن الرابع):
((وجائز أن ينظر إلى وجهها وقد ينظر غيره إليها)).
،وفي مختصر خليل (ت:776هـ) وهو اختصار لجامع الأمهات لابن الحاجب (ت:646هـ) وهو بدوره اختصار لتهذيب المدونة للبرذعي:
((ومع أجنبي غير الوجه والكفين))
وله العديد من الشروح منها:
الإمام العبدري (ت:897هـ) في التاج والإكليل في شرح الفقرة السابقة:
((وقال ابن محرز : وجه المرأة عند مالك وغيره من العلماء ليس بعورة .
وفي الرسالة : وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج ، { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية }
قال عياض : في هذا كله عند العلماء حجة أنه ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها وإنما ذلك استحباب وسنة لها وعلى الرجل غض بصره عنها ، وغض البصر يجب على كل حال في أمور العورات وأشباهها ، ويجب مرة على حال دون حال مما ليس بعورة فيجب غض البصر إلا لغرض صحيح من شهادة ، أو تقليب جارية للشراء ، أو النظر لامرأة للزواج ، أو نظر الطبيب ونحو هذا . ولا خلاف أن فرض ستر الوجه مما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، انتهى من الإكمال ونحوه نقل محيي الدين في منهاجه .
وفي المدونة : إذا أبت الرجل امرأته وجحدها لا يرى وجهها إن قدرت على ذلك . ابن عات : هذا يوهم أن الأجنبي لا يرى وجه المرأة وليس كذلك ، وإنما أمرها أن لا تمكنه من ذلك لقصده التلذذ بها ، ورؤية الوجه للأجنبي على وجه التلذذ بها مكروه لما فيه من دواعي السوء))
الإمام الحطاب (ت:954هـ) في مواهب الجليل في شرح الفقرة السابقة:
((واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين قاله القاضي عبد الوهاب ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة وهو ظاهر التوضيح هذا ما يجب عليها وأما الرجل فإنه لا يجوز له النظر إلى وجه المرأة للذة ، وأما لغير اللذة فقال القلشاني عند قول الرسالة : ولا بأس أن يراها إلخ وقع في كلام ابن محرز في أحكام الرجعة ما يقتضي أن النظر لوجه الأجنبية لغير لذة جائز بغير ستر ، قال : والنظر إلى وجهها وكفيها لغير لذة جائز اتفاقا)).
الخرشي (ت:1101هـ) في شرحه لمختصر خليل:
((والمعنى أن عورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها حتى دلاليها وقصتها ما عدا الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما فيجوز النظر لهما بلا لذة ولا خشية فتنة من غير عذر ولو شابة)).
الدردير (ت:1201هـ) في الشرح الكبير على مختصر خليل:
((( مع ) رجل ( أجنبي ) مسلم ( غير الوجه والكفين ) من جميع جسدها حتى قصتها وإن لم يحصل التلذذ وأما مع أجنبي كافر فجميع جسدها حتى الوجه والكفين هذا بالنسبة للرؤية وكذا الصلاة)).
وللإمام الدسوقي (ت:1230هـ) حاشية على الشرح الكبير قال فيها معلقا على الدردير:
((( قوله : مع رجل أجنبي مسلم ) أي سواء كان حرا أو عبدا ولو كان ملكها ( قوله : غير الوجه والكفين ) أي وأما هما فغير عورة يجوز النظر إليهما ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما بشرط أن لا يخشى بالنظر لذلك فتنة وأن يكون النظر بغير قصد لذة وإلا حرم النظر لهما وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها وهو الذي لابن مرزوق قائلا إنه مشهور المذهب أو لا يجب عليها ذلك وإنما على الرجل غض بصره وهو مقتضى نقل المواق عن عياض وفصل زروق في شرح الوغليسية بين الجميلة فيجب عليها وغيرها فيستحب انظر بن(….) ( قوله : هذا بالنسبة للرؤية ) أي هذا عورتها بالنسبة للرؤية وكذا بالنسبة للصلاة الشاملة للمغلظة والمخففة والمشار إليه غير الوجه والكفين))
الإمام عليش (ت:1299هـ) في منح الجليل:
((( مع ) رجل ( أجنبي ) مسلم جميع جسدها ( غير الوجه والكفين ) ظهرا وبطنا فالوجه والكفان ليسا عورة فيجوز لها كشفهما للأجنبي وله نظرهما إن لم تخش الفتنة فإن خيفت الفتنة به فقال ابن مرزوق مشهور المذهب وجوب سترهما وقال عياض لا يجب سترهما ويجب عليه غض بصره وقال زروق يجب الستر على الجميلة ويستحب لغيرها)).
الرسالة للإمام القيرواني (ت:386هـ):
((ولا يخلو رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليها أو نحو ذلك أو إذا خطبها وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حال)).
ومن شروحها:
الإمام المنوفي (ت:939هـ) في كفاية الطالب الرباني:
((( و ) كذلك ( لا ) حرج ( في النظر إلى المتجالة ) التي لا أرب فيها للرجال ولا يتلذذ بالنظر إليها ( و ) كذا ( لا ) حرج ( في النظر إلى الشابة ) وتأمل صفتها ( لعذر من شهادة عليها ) في نكاح أو بيع ونحوه ومثل الشاهد الطبيب والجرايحي وإليه أشار بقوله : ( أو شبهه ) أي شبه العذر من شهادة فيجوز لهما النظر إلى موضع العلة إذا كان في الوجه واليدين ، وقيل : يجوز وإن كان في العورة لكن يبقر الثوب قبالة العلة وينظر إليها ( وقد أرخص في ذلك ) أي في النظر إلى الشابة ( للخاطب ) لنفسه من غير استغفال للوجه والكفين فقط لما صح من أمره عليه الصلاة والسلام بذلك ، وقيدنا بنفسه احترازا من الخاطب لغيره فإنه لا يجوز له النظر اتفاقا)).
وللإمام العدوي (ت:1189هـ) حاشية على كفاية الطالب الرباني يقول فيها معلقا على الكلام السابق:
((المذهب أنه يجوز النظر للشابة أي لوجهها وكفيها لغير عذر بغير قصد التلذذ حيث لم يخش منها الفتنة ، وما ذكره الشيخ ليس هو المذهب)).
بألإمام النفراوي (ت:1120هـ) في الفواكه الدواني:
((وأن عورة الحرة مع الذكور المسلمين الأجانب جميع جسدها إلا وجهها وكفيها ، ومثل الأجانب عبدها إذا كان غير وغد سواء كان مسلما أو كافرا فلا يرى منها الوجه والكفين ، وأما مع الكافر غير عبدها فجميع جسدها حتى الوجه والكفين)).
الإمام ابن بطال (ت:449هـ) في شرحه لصحيح البخاري:
((وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة لخطبتها حلال خرج بذلك حكمه من حكم العورة؛ لأنا رأينا ما هو عورة لا يباح لمن أراد نكاحها النظر إليه، ألا ترى أنه من أراد نكاح امرأة فحرام عليه النظر إلى شعرها أو إلى صدرها أو إلى ما أسفل من ذلك من بدنها، كما يحرم ذلك منها على من لم يرد نكاحها، فلما ثبت أن النظر إلى وجهها حلال لمن أراد نكاحها، ثبت أنه حلال أيضًا لمن لم يرد نكاحها إذا كان لا يقصد بنظره ذلك إلى معنى هو عليه حرام، وقد قال المفسرون فى قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31]، أن ذلك المستثنى هو الوجه والكفان))
ويقول:
((قال إسماعيل بن إسحاق: قد جاء التفسير ماذكر، والظاهر والله أعلم ء يدل على أنه الوجه والكفان، لأن المرأة يجب عليها أن تستر فى الصلاة كل موضع منها إلا وجهها وكفيها، وفى ذلك دليل أن الوجه والكفين يجوز للغرباء أن يروه من المرأة، والله أعلم بما أراد من ذلك)).
يقول الإمام ابن عطية المالكي ( ت 541 ه* ) في تفسيره ( المحرر الوجيز ) :
{ويظهر لي في محكم ألفاظ الآية المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء في كل ما غلبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفو عنه فغالب الأمر أن الوجه بما فيه والكفين يكثر فيهما الظهور وهو الظاهر في الصلاة ويحسن بالحسنة الوجه أن تستره إلا من ذي حرمة محرمة ويحتمل لفظ الآية أن الظاهر من الزينة لها أن تبديه ولكن يقوي ما قلناه الاحتياط ومراعاة فساد الناس فلا يظن أن يباح للنساء من إبداء الزينة إلا ما كان بذلك الوجه والله الموفق} ا.هـ .
والإمام ابن عطية قد استحسن ستر الوجه … استحسانا وليس وجوبا .. وهذا رأي كثير من العلماء أيضا لا يمكن إنكار هذا .
الإمام ابن العربي المالكي (ت:543هـ) في "أحكام القرآن" :
ذكر في آية الزينة ثمانية مسائل ، قال في المسألة الرابعة:
((وَاخْتُلِفَ فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الثِّيَابُ يَعْنِي أَنَّهَا يَظْهَرُ مِنْهَا ثِيَابُهَا خَاصَّةً؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
الثَّانِي: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ.
،وَهُوَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِمَعْنًى، لِأَنَّ الْكُحْلَ وَالْخَاتَمَ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَرَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ هِيَ الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ يَقُولُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كُحْلٌ أَوْ خَاتَمٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَجَبَ سَتْرُهَا، وَكَانَتْ مِنْ الْبَاطِنَةِ.
فَأَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ فَالْقُرْطُ وَالْقِلَادَةُ وَالدُّمْلُجِ وَالْخَلْخَالِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: الْخِضَابُ لَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السِّوَارِ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْيَدَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الكفين وإنما تكون في الذراع. وَأَمَّا الْخِضَابُ فَهُوَ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ إذَا كَانَ فِي الْقَدَمَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هِيَ الَّتِي فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، فَإِنَّهَا الَّتِي تَظْهَرُ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي الْإِحْرَامِ عِبَادَةً، وَهِيَ الَّتِي تَظْهَرُ عَادَةً)).
انتهى كلامه .
الإمام القرطبي المالكي (ت:671هـ) في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" :
(( وقال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ ما ظهر } على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه )) .
قال القرطبي :
(( قلت : هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها : يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه )) .
الإمام القرافي (ت:682هـ) في الذخيرة في الفقه المالكي (2/104):
((الوقت وقوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها يقتضي العفو عن الوجه واليدين من الحرة لأنه الذي يظهر عند الحركات للضرورة))
ابن جزي المالكي (ت:741هـ) في تفسيره "التسهيل لعلوم التنزيل":
(("ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " :
نهى عن إظهار الزينة بالجملة ثم استثنى الظاهر منها وهو ما لا بد من النظر إليه عند حركتها أو إصلاح شأنها وشبه ذلك فقيل إلا ما ظهر منها يعني الثياب فعلى هذا يجب ستر جميع جسدها وقيل الثياب والوجه والكفان وهذا مذهب مالك لأنه أباح كشف وجهها وكفيها في الصلاة وزاد أبو حنيفة القدمين))
الإمام أبو حيان الأندلسي المالكي ( ت 745 هـ ) في تفسيره ( البحر المحيط ):
قال تحت قوله ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ):
(( {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } أي من الزنا ومن التكشف. ودخلت {مِنْ } في قوله {مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ } دون الفرج دلالة على أن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن الزوجة ينظر زوجها إلى محاسنها من الشعر والصدور والعضد والساق والقدم، وكذلك الجارية المستعرضة وينظر من الأجنبية إلى وجهها وكفيها وأما أمر الفرج فمضيق ) ا.هـ .
ثم قال تحت آية الزينة
{ واستثنى ما ظهر من الزينة، والزينة ما تتزين به المرأة من حليّ أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب } ا.هـ .
ثم ذكر بعد هذا أقوال السلف في المسألة .
الإمام الدردير (ت:1201هـ) في أقرب المسالك:
((ومع رجل أجنبي غير الوجه والكفين))
وشرح كلامه في الشرح الصغير قائلا:
((( و ) عورة الحرة ( مع رجل أجنبي ) : منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن ( غير الوجه والكفين ) : وأما هما فليسا بعورة . وإن وجب عليها سترهما لخوف فتنة)).
وشرحه الإمام الصاوي (ت:1241هـ) في حاشيته "بغية السالك لأقرب المسالك":
((قوله : [ مع رجل أجنبي ] : أي مسلم سواء كان حرا أو عبدا ولو كان ملكها ما لم يكن وخشا ، وإلا فكمحرمها . ومثل عبدها في التفصيل مجبوب زوجها .
قوله : [ غير الوجه والكفين ] إلخ : أي فيجوز النظر لهما لا فرق بين ظاهرهما وباطنهما بغير قصد لذة ولا وجدانها ، وإلا حرم . وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها ؟ وهو الذي لابن مرزوق قائلا : إنه مشهور المذهب : أو لا يجب عليها ذلك ، وإنما على الرجل غض بصره ؟ وهو مقتضى نقل المواق عن عياض . وفصل زروق في شرح الوغليسية بين الجميلة فيجب وغيرها فيستحب ( ا هـ . من حاشية الأصل ) .
ابن عاشور المالكي (ت:1393هـ) صاحب التحرير والتنوير:
((وجمهور الأئمة على أن استثناء إبداء الوجه والكفين من عموم منع إبداء زينتهن يقتضي إباحة إبداء الوجه والكفين في جميع الأحوال لأن الشأن أن يكون للمستثنى جميع أحوال المستثنى منه، وتأوله الشافعي بأنه استثناء في حالة الصلاة خاصة دون غيرها وهو تخصيص لا دليل عليه)).
و النصوص كثيرة, كل كتب المذاهب مليئة بها و الله الموفق إلى الصواب
أخي القضاعي ، جزاك الله خيرا. الإجماع الذي تلزم به الحجة في هذه المسألة - وهو بالمناسبة أصل النزاع بيننا - غير متحقق. لا يوجد في مسألتنا إجماع لا يسع أحد مخالفته بحيث يأثم ويُحكم بغلطه ، لا يوجد. هذا أمر.
الأمر الآخر ، مسألة كون إثبات عدم وجود إجماع أمر لا فائدة منه هو شيء غريب منك لأن الإجماع أصل تشريع ، فإذا ألزمنا الناس بإجماع متوهم كان هذا إلزام بما لا يلزم ، فلا نلزم الناس إلا بما كان حجة يأثم المخالف بمخالفتها أو المنازعة فيها. مثل قولهم "لا خلاف بين أهل العلم أن العاقلة هم العصبات" (العُـدة ، 2 / 248) ، وغير ذلك.
الأمر الثالث هو حول قولك:
هل قلت أن هذا اعتقادي ؟ أو هذا ما أدين الله به ؟ سامحك الله كيف عرفت هذا ؟ ترجيحي الشخصي في المسألة مختلف تماماً فتحريري للمسألة للإنصاف العلمي لا علاقة له بترجيحي الشخصي ، لقد خلطت بين شيئين : اعتقادي بأن المسألة ليست محل إجماع ، واعتقادي الشخصي أو الرأي الذي أذهب إليه شخصياً في مسألة كشف الوجه ، وفي الجملة رأيي أن كشف الوجه جائز في أحوال ولا يجوز في أحوال ، ولا أختار الإطلاق ، وإن بينتُ أن هذا هو المفهوم من كلام بعض العلماء ، فأنا أقرر ما يترتب على كلام بعض العلماء ولكني لا أتبناه ولا أذهب إليه بالضرورة.
وهذه الطريقة - أي بيان المسألة وتكييفها بحسب ما هي عليه بغض النظر عن الترجيح الشخصي للمجتهد - طريقة معروفة ، بل لو لم تُسلك هذه الطريقة ووضع كل عالم رأيه فقط لضاع كثير من العلم ، نعم كثير من العلم !
بل النزاع في معنى كلام الجويني وابن المبرد والجمع بين كلامهما وكلام غيرهما!!
هذه صفة صاحب الصنيع، ولكن لماذا كان هذا صنيع من لم يفهم كلام أهل الفقه في الدين, ومن يتسرع في رد أقوالهم أو زعم وجود التناقض بينها؟!!
وقد استحسن نتيجة هذا الصنيع أحد الفضلاء حيث قال:
ما يقال للجمع بين قولين مختلفين لا يلزم أن يكون موافقًا لما يراه الجامع بينهما؛ فوصف هذا الجمع بأنه قولي لا يصح.
والقول بأن: (التعليل بسد الذريعة باطل، لأن علة التشريع لفريضة الحجاب هي لسد ذريعة افتتان الرجال بالنساء وبالعكس، فالتحريم لذاته) متناقض!! وإن كان المراد معلومًا، وهو أن سد الذريعة هو علة التشريع، وليس مقتضى المصلحة، ولكن قائل هذا القول أخطأ في التعبير عن المراد!!!
كما أنه أخطأ في قول: (فالتحريم لذاته)؛ لأن ما كان محرمًا للذريعة؛ لا يقال: إن تحريمه لذاته؛ فهما متضادان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (15/419) عن تحريم النظر إلى وجه الأجنبية، وهو كتحريم كشف الوجه عليها في العلة: (الراجح في مذهب الشافعي وأحمد أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز، وإن كانت الشهوة منتفية ؛ لكن لأنه يخاف ثورانها ؛ ولهذا حرم الخلوة بالأجنبية؛ لأنه مظنة الفتنة. والأصل أن كل ما كان سببًا للفتنة؛ فإنه لا يجوز؛ فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة . ولهذا كان النظر الذي قد يفضي إلى الفتنة محرمًا إلا إذا كان لحاجة راجحة؛ مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما؛ فإنه يباح النظر للحاجة مع عدم الشهوة ).
وقال ابن القيم في روضة المحبين ص 95: ( ولما كان النظر من أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه، وأباحته في موضع الحاجة؛ وهذا شأن كل ما حرم تحريم الوسائل؛ فإنه يباح للمصلحة الراجحة ).
الإجماع الذي أدين الله به هو الإجماع الذي قرر معناه الشافعي ، وما قاله رحمه الله من أجمع وأحسن ما يبين الإجماع الذي تقوم به الحجة ولا يسع أحداً من علماء المسلمين مخالفته أو الجهل به. ومما قاله :
قال الشافعي في الرسالة : "لست أقول ولا أحد من أهل العلم هذا مجتمع عليه إلا لما لا تلقى عالماً أبداً إلا قاله لك وحكاه عن من قاله كالظهر أربع ، وكتحريم الخمر وما أشبه هذا". ( ص 534 )
وقال أيضاً : "نعم بحمد الله ، كثير في جملة من الفرائض التي لا يسع أحداً جهلها فذلك الإجماع هو الذي لو قلت فيه أجمع الناس لم تجد حولك أحداً يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها". (جماع العلم 7/257 )
أخي الكريم/ عبد الكريم بن عبد الرحمناعلم وفقك الله بأن الخلاف في كون الوجه عورة أو ليس بعورة , لا أثر له في حكم السفور (( كشف الوجه دائمًا )) .
وذلك أن غاية هذا الخلاف خلاف حول العلة الموجبة لستر الوجه .
- فمن قرر أن الوجه عورة أوجب ستره كإيجاب ستر الصدر والظهر , فلا يباح كشفه إلا عند الضرورة , وفسر قوله تعالى { إلا ما ظهر منها } بالثياب .
- وأما من قرر أن الوجه ليس بعورة - وهو الراجح عندي - أوجب ستر الوجه , ولكنه رخص في كشفه للحاجة كالشهادة والخطبة والبيع والشراء , مع اعتبار حكمة التشريع لفريضة الحجاب وهو درء الفتنة , ولذلك ينصون على منع هذه الرخصة عند تحقق الفتنة , وهؤلاء يذهبون إلى أن المقصود بقوله تعالى { إلا ما ظهر منها } الوجه واليدان والخضاب والكحل .
وهذه صورة المسألة عند أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين , والفريقان متفقان على وجوب ستر الوجه عند البروز للرجال الأجانب .
فخلاف من خالف مبني على خطأ في فهم صورة الخلاف السابق , لذلك تجد ابن القطان والألباني رحمهم الله بحثا المسألة من جهة حديثية بحتة , واستكثروا بالنصوص الدالة على وجود أمرأة تكشف عن وجهها , مع ردهما لاتفاق أهل العلم على الفرق بين الحرائر والإماء .
وأما القاضي عياض فقد أخطأ في مسألة خصوصية أمهات المؤمنين , فأدخل فيها ستر الوجه وجعله عليهن واجب وعلى غيرهن ندب , وتابعه على هذا بعض المالكية ونص الرملي الشافعي على خطأ القاضي .
والأدلة من الكتاب والسنة تدل على هذا :
- تكاثرت الأدلة من الكتاب والسنة على إفتتان الرجال بالنساء , والواقع خير شاهد .
- العلة في تشريع الحجاب وجود الرجال مع النساء , والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا , فمتى وجدت المرأة في مكان فيه رجال , فيجب عليها الحجاب .
- الحكمة من هذا التشريع درء الفتنة المتمثلة في وجود الرجال مع النساء والأحاديث كثيرة في تقرير هذه الفتنة .
- أول ما نزل في تشريع فريضة الحجاب قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ......ِ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ .. الآية }[الأحزاب:53] .
قال أنس رضي الله عنه : أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب لما أهديت زينب بنت جحش رضي الله عنها . خرّجه البخاري
وفي ذلك بيان علة التشريع وحكمته , ثم نزل التفصيل بعد ذلك .
- قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } وقد كان من أسباب نزولها ما أخرجه البخاري برقم (4517) : حدثني زكرياء بن يحيى حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت سودة بعد ما ضُرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها , فرآها عمر بن الخطاب فقال : يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين . قالت فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق فدخلت فقالت يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا قالت : فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال : ( إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن ).
فقول عائشة رضي الله عنها : (( خرجت سودة بعد ما ضُرب الحجاب لحاجتها )) نص في أن هذه الآية نزلت بعد الأمر المجمل في قوله تعالى { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }[الأحزاب:53] فلما أحتاجن النساء الخروج للبراز ولحاجاتهن الأخرى , ولتعارض هذه الحاجة مع الأمر بالحجاب , ومن قبله الأمر بالقرار في البيوت وعدم التبرج كما في قوله تعالى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [الأحزاب:33], ولتعرض الفساق لهن لاشتبهاهن بالإماء كما اتفق على ذلك المفسرون , أذن الله جل وعز لهن بالخروج لحاجتهن وبيّن لهن صفة الحجاب الشرعي بقوله تعالى { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ }[الأحزاب:59] .
وقد نص على هذا ابن عباس رضي الله عنه فقال : " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة " .انتهى
- والأمر في قوله تعالى { قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ }[الأحزاب:59] صريح في إفادته العموم , ولا سبيل لتخصيص أمهات المؤمنين بهذا التشريع الإلهي الصريح في عمومه , فيجب الإقرار بعموم هذا التشريع , وبالتالي تكون صفة حجاب أمهات المؤمنين هي هي صفة حجاب سائر نساء المسلمين , وقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت : " فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي " .
وهذا ما فهمنه نساء المدينة ومدحوا به رضي الله عنهن كما أخرجه أبو دواد في سننه بإسناد صحيح برقم (4103) : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَتْ (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ) خَرَجَ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانُ مِنَ الأَكْسِيَة .
وحادثة الإفك وقعت بعد فرض الحجاب من آيتي سورة الأحزاب رقم (53) و(59) وقبل نزول آية سورة النور رقم (31) والتي فيها الرخصة في إبداء ما يظهر من الزينة الظاهرة في قوله تعالى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا }.
فيُعلم من ذلك أن من صفة الحجاب لأزواج النبي وبناته ونساء المؤمنين , قبل نزول سورة النور ستر الوجه قطعاً .
- فلما نزل قوله تعالى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } اختلف الفقهاء في معنى الأية على القولين المذكورين في ما تقدم , والله الموفق من شاء للحق والصواب .
بوركت يا عبد الله , ويكفي في الإلزام بيان ضعف الخلاف فكيف بشذوذه !
فالمشكل يا أخي أن الأفهام المغلوطة تجاذبت هذه المسألة , كل بحسب عصره , والحق أن الخلاف في تجويز السفور خلاف شاذ لا حظ له من جهة الأدلة ولا من جهة أقوال أهل العلم , وكما تقدم في مشاركتي التي تسبق هذه , تجد أنه لا فرق بين الوجه وباقي الأعضاء عند نزول الأمر بالحجاب في الدور وعند البروز , وكل من أخرج الوجه من فريضة الحجاب فشبهاتهم كالتالي :
- أية الرخصة .
- وقائع جاءت في أحاديث , لا تعدو أن تكون واقعة عين لا مفهوم لها .
- الخلاف في العورة وهل الوجه منها أو لا .
- متابعة القاضي عياض على غلطه في مسألة الخصوصية .
فمن سلم بهذا , فلا يجوز له أن يعتد بهكذا خلاف لا حظ له من النظر .
اعلم بأن الذريعة التي تسدها الشريعة , غير الذريعة التي يسدها أهل العلم بقاعدة سد الذرائع .
وكلام الشيخين يبين ذلك , ولكنك لا تستفيد مما تنقل للأسف , فالنظر وسيلة للوقوع في الفاحشة , فسدها الشارع الحكيم بتحريم هذه الذريعة , فالتحريم لذاته , وعندئذ لا يتصور زوال علة تشريع هذا الحكم , فيبقى على التحريم , ولا يخرج عنه إلا بنص مبيح وما قيس عليه .
وأما ما يُحرّم لغيره من باب سد الذرائع , فهذا يقرره أهل العلم , فيكون التحريم لغيره , وعندئذ يُتصور زوال العلة المقتضية للتحريم فيباح عند زوالها .
فحجاب الوجه للمرأة عند الأجانب أوجبته الشريعة , سدًا لذريعة الفتنة , فلا تزول علة التشريع , وإنما من ذهب من الفقهاء إلى تفسير قوله تعالى { إلا ما ظهر منها } بمعنى الوجه واليدين , فهو يرخص في الكشف بهذا النص عند الحاجة فقط .
وأما من ذهب لتفسير هذه الأية بالثياب , فبقي الحكم في الوجه عنده حكم باقي أعضاء المرأة , ولا يباح كشف شيء منها إلا عند الضرورة لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات
لا أظنك تعني بأن الإجماع إذا لم يتحقق بهذا المعنى , فلا يُثرّب على أي خلاف يقع في مسألة ما ؟
فإن كان جوابك : بل أعني ذلك !
فانتهى النقاش .
وإن كنت تعني بأن الخلاف منه ما هو قوي ومنه ما هو ضعيف , فلا يُثرّب على الأول , ويُثرّب على الثاني , فهذا هو الحق .
والخلاف في السفور هو من الخلاف الضعيف بل هو شاذ , والله الموفق .
تنبيه : الخلاف في السفور وهو (( بروز المرأة للرجال سافرة الوجه بلا زينة دائمًا )) .
جزاك الله خيرا أخي القضاعي وزادك الله علما وفهما
أخي الكريم ما في كتب السلف واضح أن وجه المرأة ليس بعوره و لها كشفه ان لم يخشى الفتنة و ذلك ما تدل عليه النصوص الصريحة و هو ذاته قول جمهور العلماء فبارك الله فيك أعد دراسة كتبهم و لا داعي لرد النصوص الصحيحة الصريحة في ذلك بدعوى أنها وقائع أعيان فهل كل حديث خالف مذهبك أصبح واقعة عين !!!! و هل كل قول شيخ عارض مذهبك أولته على مذهبك ؟
كيف يستسيغ لك تأويل قول ابن عبد البر "وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة، فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها "
فإذا الأفضل للنساء ستر الوجوه أو أكثرها إلا محل الحاجة و مع ذالك لا يجب عليهن سترها
و قول الطحاوي : "أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن"
و قول السمعاني على هذا يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة ، وإن خاف الشهوة غض
و قول المرغيناني ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة
و قول الامام مالك (((قال) ولا يصلح له أن ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها (قال) فقلت لمالك أفينظر إلى وجهها (فقال) نعم وقد ينظر غيره أيضا إلى وجهها))
و قول الخرشي ((والمعنى أن عورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها حتى دلاليها وقصتها ما عدا الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما فيجوز النظر لهما بلا لذة ولا خشية فتنة من غير عذر ولو شابة)).
و قول العدوي : ((المذهب أنه يجوز النظر للشابة أي لوجهها وكفيها لغير عذر بغير قصد التلذذ حيث لم يخش منها الفتنة ، وما ذكره الشيخ ليس هو المذهب)).
فتحمله على الحاجة والرخصة ! تأويل عشرات أقوال العلماء ! أي ستضع قولهم "لغير عذر" !!!
السفور: كشف الغطاء، وسفور المرأة: كشف النقاب عن وجهها مطلقًا لا يشترط أن يكون دائمًا؛ ليقال له: سفور.
والخلاف في كون الوجه عورة أو ليس بعورة له أثر في حكم السفور، كما قال ابن قدامة في المغني (1/671): ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما.
ليست هذه صورة المسألة عند أهل العلم؛ فلم يصورها أحد من أهل العلم بهذا التصوير ، وحكم ستر الوجه عند البروز للرجال الأجانب ليس مسألة أخرى، كما قال ابن مفلح في الآداب الشرعية والمنح المرعية: فصل ( الإنكار على النساء الأجانب كشف وجوههن ) .
هل يسوغ الإنكار على النساء الأجانب إذا كشفن وجوههن في الطريق ؟
ينبني على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها، أو يجب غض البصر عنها، أو في المسألة قولان ؟
قال القاضي عياض في حديث جرير قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ( فأمرني أن أصرف بصري ). رواه مسلم.
قال العلماء رحمهم الله تعالى: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها ، وإنما ذلك سنة مستحبة لها ، ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي .
ذكره الشيخ محيي الدين النواوي، ولم يزد عليه.
وقال في المغني عقيب إنكار عمر رضي الله عنه على الأمة التستر: وقوله : (إنما القناع للحرائر) قال : ولو كان نظر ذلك محرمًا لما منع من ستره ، بل أمر به ، وكذلك احتج هو وغيره على الأصحاب وغيرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان لإحداكن مكاتب فملك ما يؤدي فلتحتجب منه ).
وقال الشيخ تقي الدين : وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز ، ولمن اختار هذا أن يقول: حديث جرير لا حجة فيه ؛ لأنه إنما فيه وقوعه، ولا يلزم منه جوازه؛ فعلى هذا هل يشرع الإنكار؟ ينبني على الإنكار في مسائل الخلاف ، وقد تقدم الكلام فيه.
فأما على قولنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم أن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة ، فلا ينبغي أن يسوغ الإنكار.
وبيان ما وقع في كلام الفقهاء من التعبير بالرخصة بهذا:
تقييد لمرادهم بدون دليل يوجب حمل كلامهم على التقييد.
لا يجوز للمرأة كشف وجهها إذا كانت بحيث يراها أجنبي إلا لمصلحة راجحة، وليست الحاجة إلى إبداء الوجه عند البيع والشراء ، والأخذ والعطاء بين الرجل والمرأة = راجحة على المفسدة التي تقتضي تحريم إبدائه ، والمشقة في ستره عند هذه الأحوال يسيرة محتملة بالنسبة إلى المصلحة في ذلك ...
قد علمت ذلك حيث قلت:
والمقصود بمقتضى المصلحة هنا ما يقدره الفقهاء؛ وهو مبين في الكلام الذي دار حوله الأخذ والرد.
كلام الشيخين المذكور لا يبين: أن الذريعة التي تسدها الشريعة , غير الذريعة التي يسدها أهل العلم بقاعدة سد الذرائع !!
هذا الكلام متناقض، وهو مخالف لكلام الشيخين؛ فتحريم كشف المرأة وجهها إذا كانت بحيث يراها أجنبي، وتحريم نظر الأجنبي إليه؛ عندهما؛ لأن الكشف والنظر يفضيان إلى الفتنة، لا لذات الكشف ولذات النظر؛ لأن الكشف والنظر لو لم يفضيا إلى الفتنة لما حرما...
القول بأن خشية الفتنة لا تنفك عن كشف الوجه ليس محل اتفاق بين الفقهاء، كما يفهم من هذا الكلام وغيره، وإلا لما احتاج بعضهم إلى التنبيه على ذلك. قال ابن الصلاح، كما في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، للخطيب الشربيني ( 3 / 169 ): وليس المعني بخوف الفتنة غلبة الظن بوقوعها, بل يكفي أن لا يكون ذلك نادراً ، وإن أمن الفتنة ؛ لأنه مظنة الفتنة.
وقال القليوبي في حاشيته على شرح المحلي على منهاج الطالبين ( 3 / 209 ): إن الحرمة مع الشهوة معلومة لا تحتاج إلى تنبيه , والتعرض لها ليس لأجل اعتبار مفهوم , وإنما هو لأجل حكمة تتوقف على التأمل , والمراد بكل منظور إليه مما هو محل الشهوة ، لا نحو بهيمة وجدار ، قاله شيخنا الزيادي.
قال الفخر الرازي رحمه الله : "الإجماع لا يتم مع مخالفة الواحد والاثنين ، خلافاً لأبي الحسين الخياط - من المعتزلة - ومحمد بن جرير الطبري ، وأبي بكر الرازي" [المحصول جـ 2 / ص68]
يبقى مسألة ما إذا كان الخلاف معتبر أو غير معتبر ، فهذه مسألة نسبية ومحل نظر واجتهاد أيضاً ، واعلم أن المعنى الذي قرره الشافعي في الإجماع يرفع شبهة الخلاف عند أحد من العلماء ، قال رحمه الله : "الإجماع هو الذي لو قلت فيه أجمع الناس لم تجد حولك أحداً يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيه".
وقال أيضاً : "لست أقول ولا أحد من أهل العلم هذا مجتمع عليه إلا لما لا تلقى عالماً أبداً إلا قاله لك وحكاه عن من قاله كالظهر أربع ، وكتحريم الخمر وما أشبه هذا". [1]
= = = = = = = = = = = = = = = = = = == = = = == =
[1] ولذلك ترى ما نقلته عن الرازي - وهو من متأخري أصحابه - منسجم تماماً مع المعنى الذي يقرره الشافعي للإجماع ، وهذا من الاطّراد الحسن بين أصول الإمام ومذاهب أتباعه من بعده.
أخي أبو عبدالله الغيثي هذا رد على بعض ما قلت
أخي عبدالله الغيثي قولكفأنت هنا تأتي بما هوغير مفهوم فكيف تستنتج أن هذا حجة من حديث جرير على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وتقول ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي فلم حصرته على الوجه ولما لم قل لا يجب أن تستر جسمها وعلى الرجل غض البصر.اقتباس:
ينبني على أن المرأة هل يجب عليها ستر وجهها، أو يجب غض البصر عنها، أو في المسألة قولان ؟
قال القاضي عياض في حديث جرير قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ( فأمرني أن أصرف بصري ). رواه مسلم.
قال العلماء رحمهم الله تعالى: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها ، وإنما ذلك سنة مستحبة لها ، ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي .
قولكفالمقصود حكم الحجاب للأمة و أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «رَأَى أمة سترت وَجههَا فَمنعهَا من ذَلِك ، وَقَالَ : أتشتهين أَن تشبهي بالحرائر» . وهذا دليل على ان الحجاب واجب على الحرائر وإن لم يكن كذلك لما ألزم الأمة بعدم التحجب والتشبه بهنا يعني كل الحرائر كانوا ساتري وجوههماقتباس:
المغني عقيب إنكار عمر رضي الله عنه على الأمة التستر: وقوله : (إنما القناع للحرائر) قال : ولو كان نظر ذلك محرمًا لما منع من ستره ، بل أمر به ، وكذلك
وهنا بعض الإيرادات:
- الفخذ ليس بعورة عند بعض الفقهاء , ولكنهم يوجبون ستره في الصلاة , بل ويقررون بطلان صلاة من كشف فخذه .
- عورة المرأة أمام المرأة باتفاق المذاهب الأربعة ما بين السرة إلى الركبة , ولا يقول أحد منهم بجواز كشف ثدي المرأة أمام المرأة دائمًا , بل ولا يقوله عاقل فضلًا عن فقيه .
- الفقهاء يقررون أن عورة المرأة أمام محارمها كالأب والأخ من السرة إلى الركبة , وهم قطعًا لا يقولون بجواز كشف ثديها أمام محارمها .
- الحنابلة يوجبون ستر العاتق , مع أنهم لا يقولون بأنه عورة .
- قبل الحجاب كانت النساء يكشفن عن شعورهن ونحورهن , فهل زيد في حد العورة بعد الأمر بالحجاب ؟
أم أن الأمر بستر الشعور والنحور ليس من جهة كونهما عورة ؟؟؟
تعريف العورة إصطلاحا من رسالة الدكتور ناصر بن محمد بن مشري الغامدي : لباس الرجل أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي
العورة كل ما حرم الله عز و جل كشفه من جسد الإنسان و أمر بستره.
و هذا تعريف العورة التي قال في شأنها أهل العلم: العورة سميت عورة لقبح ظهورها؛ ولأجل غض النظر عنها سمي العور عوراً وهو النقص والعيب، ولذلك فإن العورة هي كل أمرٍ يُستحيا منه، وأما في شريعة الله فهي كل ما يجب ستره من بدن الإنسان اهــ
هذا البحث للدكتور / وليد بن عثمان الرشودي:
اقتباس:
هل وجه المرأة ليس بعورة هو قول الجمهور ؟ فالذي دعاني إليه هو ما كثر اللغط حوله في تلك الصحافة السيارة، والمنتديات العامة، والقنوات الفضائية من أناس تصدَّروا فيها، فأعلنوا عقيرتهم ورددوا أن وجه المرأة ليس بعورة هو قول الجمهور، فأثَّر ذلك في نفسي، ودعاني للبحث المتجرد والبعيد عن التعصب لأي من الفريقين، لا سيما من يعرفني يعرف قدر العلم الشامخ والإمام الفذ محمد ناصر الدين الألباني في قلبي، ومكانته العلمية والعملية والدعوية عندي -رحمه الله رحمة واسعة- وهو الذي استفدنا منه أن الحق أحب ألينا من الرجال، وذكره هنا لأن كل من خاض في هذه المسألة تعلَّق بكلام الشيخ -رحمه الله- ثم بعد ذلك يزيد من عنده ما شاء أن يزيد وهنا أذكر أن جمعي يدور حول قول الجمهور في المسألة ،وأي النسبتين أولى أن تنسب له، فلك -أيها القارئ- الاطلاع الآن على أقوال أهل العلم، لتحكم بعد ذلك أيه قول الجمهور:
اقتباس:
أولاً: قول أئمتنا من الأحناف رحمهم الله تعالى:
يرى فقهاء الحنفية –رحمهم الله- أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب، لا لكونه عورة، بل لأنَّ الكشف مظنة الفتنة، وبعضهم يراه عورة مطلقاً، لذلك ذكروا أنَّ المسلمين متفقون على منع النِّساء من الخروج سافرات عن وجوههنَّ، وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك: قال أبو بكر الجصاص، رحمه الله: المرأة الشابَّة مأمورة بستر وجهها من الأجنبي، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج، لئلا يطمع أهل الرِّيب فيها (أحكام القرآن 3/458 )، وقال شمس الأئمة السرخسي، رحمه الله: حرمة النَّظر لخوف الفتنة، وخوف الفتنة في النَّظر إلى وجهها، وعامة محاسنها في وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء (المبسوط 10/152)، وقال علاء الدين الحنفيُّ، رحمه الله: وتُمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين الرجال. قال ابن عابدين، رحمه الله: المعنى: تُمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة، لأنَّه مع الكشف قد يقع النَّظر إليها بشهوة. وفسَّر الشهوة بقوله: أن يتحرك قلب الإنسان، ويميل بطبعه إلى اللَّذة. ونصَّ على أنَّ الزوج يعزر زوجته على كشف وجهها لغير محرم (حاشية ابن عابدين 3/261) وقال في كتاب الحجّ: وتستر وجهها عن الأجانب بإسدال شيءٍ متجافٍ لا يمسُّ الوجه، وحكى الإجماع عليه. (حاشية ابن عابدين 2/488). ونقل عن علماء الحنفيّة وجوب ستر المرأة وجهها، وهي محرمة، إذا كانت بحضرة رجـال أجانب (حاشية ابن عابدين 2/528)، وقال الطحطاويُّ، رحمه الله: تمنع المرأة الشابَّة من كشف الوجه بين رجال. (رد المحتار 1/272)، ونصَّ الإسبيجانيُّ والمرغينانيُّ والموصليُّ على أنَّ وجه المرأة داخل الصلاة ليس بعورة، وأنَّه عورة خارجها، ورجَّح في (شرح المنية ) أنَّ الوجه عورة مطلقاً. وقال: أمَّا عند وجود الأجانب فالإرخاء واجب على المحرمة عند الإمكان (حاشية إعلاء السنن للتهانوي 2/141). ولمطالعة مزيد من أقول الفقهاء الحنفية يُنظر حاشية ابن عابدين (1/406-408)، والبحر الرائق لابن نجيم (1/284 و2/381)، وفيض الباري للكشميري (4/24و308). وقال سماحة مفتي باكستان الشيخ محمَّد شفيع الحنفيُّ: وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء، وجمهور الأمَّة على أنَّه لا يجوز للنِّساء الشوابّ كشف الوجوه والأكفّ بين الأجانب، ويُستثنى منه العجائز؛ لقوله تعالى :[وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ ] (المرأة المسلمة ص 202). وقال السهارنفوريُّ الحنفيُّ، رحمه الله: ويدلُّ على تقييد كشف الوجه بالحاجة: اتفاق المسلمين على منع النِّساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لاسيما عند كثرة الفساد وظهوره (بذل المجهود شرح سنن أبي داود 16/431).
ثانيا: أقوال أئمتنا من المالكيّة:
يرى فقهاء المالكيّة أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرِّجال الأجانب، لا لكونه عورة، بل لأنَّ الكشف مظنَّة الفتنة، وبعضهم يراه عورة مطلقاً، لذلك فإنَّ النِّساء -في مذهبهم- ممنوعات من الخروج سافرات عن وجوههنَّ أمام الرجال الأجانب. وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك: قال القاضي أبو بكر بن العربيِّ، والقرطبيُّ رحمهما الله: المرأة كلُّها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عمَّا يعنّ ويعرض عندها. ( أحكام القرآن 3/1578)، والجامع لأحكام القرآن (14/277). وقال الشيخ أبو عليٍّ المشداليُّ، رحمه الله: إنَّ من كانت له زوجة تخرج وتتصرف في حوائجها بادية الوجه والأطراف -كما جرت بذلك عادة البوادي- لا تجوز إمامته، ولا تقبل شـهادته. وسئل أحمد بن يحيى الونشريسيُّ -رحمه الله- عمن له زوجة تخرج بادية الوجـه، وترعى، وتحضـر الأعراس والولائم مع الرِّجال، والنِّسـاء يرقصن والرِّجال يكفون، هل يجرح من له زوجة تفعل هذا الفعل ؟ فأورد الفتوى السابقة، ثم قال: وقال أبو عبد الله الزواوي: إن كان قادراً على منعها ولم يفعل فما ذكر أبو عليٍّ ( المشداليّ ) صحيح. وقال سيدي عبد الله بن محمد بن مرزوق: إن قدر على حجبها ممن يرى منها ما لا يحلّ ولم يفعل فهي جرحة في حقه، وإن لم يقدر على ذلك بوجه فلا. ومسألة هؤلاء القوم أخفض رتبة مما سألتم عنه، فإنَّه ليس فيها أزيد من خروجها وتصرفها بادية الوجه والأطراف، فإذا أفتوا فيها بجرحة الزوج، فجرحته في هذه المسؤول عنها أولى وأحرى، لضميمة ما ذُكر في السؤال من الشطح والرقص بين يدي الرجال الأجانب، ولا يخفى ما يُنْتِجُ الاختلاط في هذه المواطن الرذلة من المفاسد (المعيار المعرب للونشريسي 11/193). وذكر الآبِّيُّ: أنَّ ابن مرزوق نصَّ على: أنَّ مشهور المذهب وجوب سـتر الوجـه والكفين إن خشـيت فتنة من نظر أجنبي إليها (جواهر الإكليل 1/41). ولمطالعة مزيد من أقول الفقهاء المالكية في وجوب تغطية المرأة وجهها، يُنظر: المعيار المعرب للونشريسي (10/165و11/226 و229)، ومواهب الجليل للحطّاب (3/141)، والذّخيرة للقرافي (3/307)، والتسهيل لمبارك (3/932)، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/55)، وكلام محمد الكافي التونسي كما في الصارم المشهور (ص 103)، وجواهر الإكليل للآبي (1/186).
ثالثًا: أقوال أئمتنا من الشافعيَّة:
يرى فقهاء الشافعية أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرِّجال الأجانب، سواء خُشيت الفتنة أم لا؛ لأنَّ الكشف مظنَّة الفتنة، وبعضهم يرى أنَّ الوجه عورة مطلقاً. وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك: قال إمام الحرمين الجوينيُّ، رحمه الله: اتفق المسلمون على منع النِّساء من الخروج سافرات الوجوه؛ لأنَّ النَّظر مظنَّة الفتنة، وهو محرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع سدُّ الباب فيه، والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كالخلوة بالأجنبية. (روضة الطالبين 7/24)، و بجيرمي على الخطيب (3/315). ونقل ابن حجر -رحمه الله- عن الزياديّ، وأقرَّه عليه: أنَّ عورة المرأة أمام الأجنبي جميع بدنها، حتى الوجه والكفين على المعتمد. وقال: قال صاحب النِّهاية: تَعَيَّنَ سترُ المرأة وجهها، وهي مُحْرِمَة، حيث كان طريقاً لدفع نظرٍ مُحَرَّم (تحفة المحتاج 2/112و4/165). وقال ابن رسلان، رحمه الله: اتفق المسلمون على منع النِّساء أن يخرجن سافرات عن الوجوه، لاسيما عند كثرة الفسَّاق (عون المعبود 11/162). وقال الشرقاويُّ، رحمه الله: وعورة الحرَّة خارج الصلاة بالنِّسبة لنظر الأجنبيِّ إليها فجميع بدنها حتَّى الوجه والكفين، ولو عند أمن الفتنة. (حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 1/174). وقال النَّوويُّ، رحمه الله: لا يجوز للمسلمة أن تكشف وجهها ونحوه من بدنها ليهوديَّة أو نصرانيَّة وغيرهما من الكافرات، إلاَّ أن تكون الكافرة مملوكة لها، هذا هو الصحيح في مذهب الشافعيِّ رضي الله عنه (الفتاوى ص 192). وقال ابن حجر، رحمه الله: استمر العمل على جواز خروج النِّساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهنَّ الرِّجال. وقال الغزَّاليُّ، رحمه الله: لم يزل الرجال على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه، والنِّساء يخرجن منتقبات (فتح الباري 9/337). ولمطالعة مزيد من أقوال الفقهاء الشافعية، يُنظر إحياء علوم الدين (2/49)، وروضة الطالبين (7/24)، وحاشية الجمل على شرح المنهج (1/411)، وحاشية القليوبي على المنهاج (1/177)، وفتح العلام (2/178) للجرداني، وحاشية السقاف ( ص 297)، وشرح السنة للبغوي ( 7/240). وقال الموزعيُّ الشافعيُّ، رحمه الله: لم يزل عمل النَّاس على هذا، قديماً وحديثاً، في جميع الأمصار والأقطار، فيتسامحون للعجوز في كشف وجهها، ولا يتسامحون للشابَّة، ويرونه عورة ومنكراً، وقد تبين لك وجه الجمع بين الآيتين، ووجه الغلط لمن أباح النَّظر إلى وجه المرأة لغير حاجة. والسلف والأئمة كمالك والشافعيِّ وأبي حنيفة وغيرهم لم يتكلموا إلا في عورة الصلاة، فقال الشافعيُّ ومالك: ما عدا الوجه والكفين، وزاد أبو حنيفة: القدمين، وما أظنُّ أحداً منهم يُبيح للشابَّة أن تكشف وجهها لغير حاجة، ولا يبيح للشابِّ أن ينظر إليها لغير حاجة (تيسير البيان لأحكام القرآن 2/1001).
رابعا: أقوال أئمتنا من الحنابلة:
يرى فقهاء الحنابلة أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرِّجال الأجانب، لكونه عورة مطلقاً. وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك: قال الإمام أحمد، رحمه الله: ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها فلا تُبِن منها شيئاً ولا خفها، فإنَّ الخفَّ يصف القدم، وأحبُّ إليَّ أن تجعل لكمها زراً عند يدها حتَّى لا يبن منها شيء (انظر الفروع 1/601). وقال ابن تيميّة، رحمه الله: وقبل أن تنزل آية الحجاب كان النِّساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرِّجال وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تُظهر الوجه والكفين ... ثم لما أنزل الله -عز وجل- آية الحجاب بقوله: [يَـأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ]حجب النِّساء عن الرِّجال. وقال: وكشف النِّساء وجوههنَّ بحيث يراهنَّ الأجانب غير جائز، وعلى ولي الأمرِ الأمرُ بالمعروف والنهي عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنَّه يعاقب على ذلك بما يزجره. وقال ابن القيِّم، رحمه الله: الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههنَّ عن الأجانب، وأمَّا الإماء فلم يوجب عليهنَّ ذلك ... والعورة عورتان: عورة في الصلاة، وعورة في النَّظر، فالحرَّة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع النَّاس كذلك.
خامسا: أقوال أئمتنا من المحققين:
قال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (2/180) :"وأما تغطية وجه المرأة – يعني في الإحرام – فلما روي أن إحرام المرأة في وجهها ولكنه لم يثبت ذلك من وجه يصلح للاحتجاج به، وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث عائشة قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وآله سلم- محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه "، وليس فيه ما يدل على أن الكشف لوجوههنَّ كان لأجل الإحرام، بل كنّ يكشفن وجوههن عند عدم وجوب من يجب سترها منه، ويسترنها عند وجود من يجب سترها منه. قال العلامة بكر أبو زيد: معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة -رضي الله عنهم- فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت، فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن. فهذان إجماعان متوارثان معلومان من صدر الإسلام، وعصور الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حكى ذلك جمع من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم رحمهم الله تعالى، واستمر العمل به إلى نحو منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وقت انحلال الدولة الإسلامية إلى دول.
الأدلة من النظر: • قال الشنقيطيُّ، رحمه الله: إنَّ المنصف يعلم أنَّه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنِّساء في الكشف عن الوجه أمام الرِّجال الأجانب، مع أنَّ الوجه هو أصل الجمال والنَّظر إليه من الشابَّة الجميلة هو أعظم مثير للغرائز البشريَّة، وداع إلى الفتنة، والوقوع فيما لا ينبغي. (أضواء البيان تفسير القرآن بالقرآن 6/602).
ويتَّضح مما سبق جلياً ظاهراً أن قول الجمهور هو القول بعورة وجه المرأة،
بل حكى الإجماع على ذلك أئمة يعتمد نقلهم للإجماع وهم: • ابن عبد البر من المالكية المغاربة. • والنووي من الشافعية المشارقة . • وابن تيمية من الحنابلة. • وحكى الاتفاق السهارنفوري، والشيخ محمد شفيع الحنفي من الحنفية.
فهل يبقى بعد ذلك حجة لمدعٍ أن قول الجمهور خلاف ذلك ؟.
ا
(*) رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بالرياض