جزاكم الله خيرا شيخ محمد
عرض للطباعة
جزاكم الله خيرا شيخ محمد
السنة في الضحى أن لا يصليها إلا من لم يقم الليل
أظن أن ابن تيمية يرى أنها تفعل أحيانا
وابن تيمية -وتبعه ابن القيم- يرى أنها بدل مطلق عن قيام الليل من غير تفريق
ولعل التفريق بين اول الليل وآخره
والمجال للنقاش .
قال ابن القيم ـ رحمه الله (زاد المعاد ).. وقد أوصى بها، وندب إليها، وحض عليها، وكان يستغني عنها بقيام الليل فإن فيه غنية عنها، وهي كالبدل منه، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (62) سورة الفرقان.
قال ابن عباس، والحسن، وقتادة:
عوضا وخلفا يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمل في أحدهما قضاه في الآخر.
فمن فاته عمل في أحدهما قضاه في الآخر قال قتادة فأدوا لله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار فإنهما مطيتان يقحمان الناس إلى آجالهم ويقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة وقال شقيق : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال فاتتني الصلاة الليلة فقال أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا
قالوا : وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على هذا فإن ابن عباس كان يصليها يوما ويدعها عشرة
وكان ابن عمر لا يصليها فإذا أتى مسجد قباء صلاها وكان يأتيه كل سبت .
وقال سفيان عن منصور كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ويصلون ويدعون
قالوا : ومن هذا الحديث الصحيح عن أنس أن رجلا من الأنصار كان ضخما
فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أستطيع أن أصلي معك فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ودعاه إلى بيته ونضح له طرف حصير بماء فصلى عليه ركعتين .
قال أنس ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم رواه البخاري .
[ ترجيح المصنف لفعلها بسبب ]
ومن تأمل الأحاديث المرفوعة وآثار الصحابة وجدها لا تدل إلا على هذا القول
وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها
فالصحيح منها كحديث أبي هريرة وأبي ذر لا يدل على أنها سنة راتبة لكل أحد
وإنما أوصى أبا هريرة بذلك لأنه قد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة
فأمره بالضحى بدلا من قيام الليل ولهذا أمره ألا ينام حتى يوتر ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة . وعامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال وبعضها منقطع وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به كحديث يروى عن أنس مرفوعا من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها إلا عن علة كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر من نور وضعه زكريا بن دويد الكندي عن حميد .
وأما حديث يعلى بن أشدق عن عبد الله بن جراد عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى منكم صلاة الضحى فليصلها متعبدا فإن الرجل ليصليها السنة من الدهر ثم ينساها ويدعها فتحن إليه كما تحن الناقة إلى ولدها إذا فقدته فيا عجبا للحاكم كيف يحتج بهذا وأمثاله فإنه يروي هذا الحديث في كتاب وقال ابن عدي : روى يعلى بن الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منكرة وهو وعمه غير معروفين وبلغني عن أبي مسهر قال قلت ليعلى بن الأشدق ما سمع عمك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال جامع سفيان وموطأ مالك وشيئا من الفوائد .
وقال أبو حاتم بن حبان لقي يعلى عبد الله بن جراد فلما كبر اجتمع عليه من لا دين له فوضعوا له شهبا بمائتي حديث فجعل يحدث بها وهو لا يدري وهو الذي قال له بعض مشايخ أصحابنا : أي شيء سمعته من عبد الله بن جراد ؟ فقال هذه النسخة وجامع سفيان - لا تحل الرواية عنه بحال . وكذلك حديث عمر بن صبح عن مقاتل بن حيان حديث عائشة المتقدم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ثنتي عشرة ركعة وهو حديث طويل ذكره الحاكم في " صلاة الضحى " وهو حديث موضوع المتهم به عمر بن صبح قال البخاري : حدثني يحيى عن علي بن جرير قال سمعت عمر بن صبح يقول أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عدي : منكر الحديث . وقال ابن حبان : يضع الحديث على الثقات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب منه وقال الدارقطني : متروك وقال الأزدي : كذاب . وكذلك حديث عبد العزيز بن أبان عن الثوري عن حجاج بن فرافصة عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعا من حافظ على سبحة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت بعدد الجراد وأكثر من زبد البحر ذكره الحاكم أيضا . وعبد العزيز هذا قال ابن نمير : هو كذاب وقال يحيى : ليس بشيء كذاب خبيث يضع الحديث وقال البخاري والنسائي والدارقطني : متروك الحديث . النهاس بن قهم عن شداد عن أبي هريرة يرفعه من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر والنهاس قال يحيى : ليس بشيء ضعيف كان يروي عن عطاء عن ابن عباس أشياء منكرة وقال النسائي : ضعيف وقال ابن عدي : لا يساوي شيئا وقال ابن حبان : كان يروي المناكير عن المشاهير ويخالف الثقات لا يجوز الاحتجاج به وقال الدارقطني : مضطرب الحديث تركه يحيى القطان . وأما حديث حميد بن صخر عن المقبري عن أبي هريرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا الحديث وقد تقدم . فحميد هذا ضعفه النسائي ويحيى بن معين ووثقه آخرون وأنكر عليه بعض حديثه وهو ممن لا يحتج به إذا انفرد . والله أعلم . وأما حديث محمد بن إسحاق عن موسى عن عبد الله بن المثنى عن أنس عن عمه ثمامة عن أنس يرفعه من صلى الضحى بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب فمن الأحاديث الغرائب وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وأما حديث نعيم بن همار ابن آدم لا تعجز لي عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره وكذلك حديث أبي الدرداء وأبي ذر فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها .
http://islamport.com/d/1/ser/1/17/164.html
***
قال الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي في بهجة قلوب الأبرار
وأما صلاة الضحى:
فإنه قد تكاثرت الأحاديث الصحيحة في فضلها، واختلف العلماء في استحباب مداومتها، أو أن يغب بها الإنسان.
والصحيح:
أنه تستحب المداومة عليها لهذا الحديث وغيره إلا لمن له عادة من صلاة الليل،
فإذا تركها أحياناً فلا بأس.
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يصبح على كل آدمي كل يوم ثلاثمائة وستون صدقة،
فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة. ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" قال العلماء: أقل صلاة الضحى ركعتان، وأكثرها ثمان، ووقتها من ارتفاع الشمس قِيْدَ رمح إلى قبيل الزوال.) انتهى.
وفقكم الله
مسالة التي بينها ابن تيمية وفندها مسألة : تجويز ابي حنيفة في الصلاة القراءة ب الفارسية او غيرها من لسان الاعاجم ؟! _ وقد فندها قبل : الجصاص امام الحنفية _
او آن الأمر اختلط فيه لبس !
بارك الله فيك
قال الإمام النووي في المجموع: مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب سواء أمكنه العربية أو عجز عنها، وسواء كان في الصلاة أو غيرها فإن أتى بترجمته في صلاة بدلا عن القراءة لم تصح صلاته سواء أحسن القراءة أم لا، هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء منهم مالك وأحمد وداود. اهـ
وقال الإمام ابن قدامة في المغني: ولا تجزئه القراءة بغير العربية ولا إبدال لفظها بلفظ عربي سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. اهـ
وما نسب إلى الإمام أبي حنيفة من جواز قراءة القرآن بالفارسية لغير القادر على العربية صحّ رجوعه عنه، والفتوى عند الحنفية على منع قراءة القرآن بغير العربية. قال صاحب الهداية الحنفي بعد ذكر المسألة: ويروى رجوعه في أصل المسألة وعليه الاعتماد. وأكد العلامة ابن عابدين الحنفي صحة رجوع أبي حنفية عن قوله في هذه المسألة.
حاشية ابن عابدين 1/484.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب بلا نزاع بين العلماء، وأما قراءة الرجل لنفسه فهذا لا يجوز عند عامة أهل العلم لا في الصلاة ولا في خارج الصلاة. اهـ
وقال الزرقاني رحمه الله في مناهل العرفان: أجمع الأئمة على أنه لا تجوز قراءة القرآن بغير العربية خارج الصلاة، ويمنع فاعل ذلك أشدَّ المَنْعِ؛ لأنَّ قِراءَتَهُ بِغَيْرِها مِنْ قَبِيلِ التَّصرّف في قراءة القُرآن بما يخرجه عن إعجازه، بل بما يُوجِبُ الرَّكاكة. اهـ
[فيجب]... تعلم اللغة العربية، لاسيما القدر الواجب الذي تصح به صلاته وعبادته، من الفاتحة والأذكار الواجبة في الصلاة، ولا بأس بالذكر والدعاء ونحوهما بغير العربية خارج الصلاة، حتى يتعلم العربية،
قال الإمام الشافعي: يجب على كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما يبلغه جهده في أداء فرضه فيما ورد التعبد به في الصلاة من القراءة والأذكار، لأنه لا يجوز بغير العربية. المصدر الاسلام سؤال وجواب بتصرف يسيرـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالْقُرْآنُ يَجُوزُ تَرْجَمَةُ مَعَانِيهِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
وجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقْرَأُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ قِرَاءَتِهِ بِالْعَرَبِيَّة ِ ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ مُطْلَقًا .
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مَنَعُوا أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُتَرْجَمَ لِلتَّفَهُّمِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ ، كَمَا يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ وَبَيَانُ مَعَانِيهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ لَيْسَ قُرْآنًا مَتْلُوًّا ؛ وَكَذَلِكَ التَّرْجَمَةُ " .
انتهى من "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/56) .
قالت اللجنة الدائمة للبحوث والافتاء
قراءة القرآن لا تجوز إلا باللغة العربية التي نزل بها، بل لا يمكن قراءته، بغيرها؛ لأنه معجز ولا يمكن الإتيان بلفظ يماثل لفظه من اللغات الأخرى. ولا بأس بترجمة معانيه لمن يحتاج إلى ذلك، وتكون الترجمة في حكم التفسير له.
أقوال الصلاة منها القرآن وغيره، ومنها الفرض والمستحب، والخلاف بين أهل العلم في ترجمة كلٍّ طويلٌ. فالقراءة بغير العربية ممنوعة عند جمهور العلماء المالكية والشافعية والحنابلة، سواء أحسن القراءة بالعربية أم لم يحسن؛ لأن الله عز وجل أمر بقراءة القرآن فقال: فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ[المزمل:20]. والقرآن هو المنزل بلغة العرب. قال ابن قدامة في المغني: ولا تجزئه القراءة بغير العربية ولا إبدال لفظها بلفظ عربي، سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك. وقال بعض أصحابه: إنما يجوز لمن لم يحسن العربية. اهـ وأوجب هؤلاء على المكلف تعلم الفاتحة ولو بالرحلة، فإن عجز عن تعلمها اختلفوا في فرضه، فمنهم من أوجب عليه الائتمام بغيره ممن يحسنها، وهذا مذهب المالكية، ومنهم من أوجب عليه البدل من القرآن أو الذكر، وجوز الشافعية ترجمة الذكر الذي يقال بدلاً من الفاتحة. وذهب أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة إلى أن المصلي إن كان يحسن العربية لم يجز له أن يقرأ القرآن بغيرها، وإن كان لا يحسن يجوز. وقد كان الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- يرى جواز القراءة بالفارسية، ولكنه رجع عن هذا القول إلى قول صاحبيه. وأما التكبير والتشهد وأذكار الصلاة، فلو كبر المصلي بغير العربية ذهب أبو حنيفة إلى جواز فعله مطلقًا، واشترط الجمهور للتكبير بغير العربية العجز عن العربية بعد تعلمها. واختلف المالكية فيما لو عجز عن التكبير بالعربية، فمنهم من وافق الشافعية والحنابلة في ترجمته، ومنهم من قال بسقوطه. قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: ولا يجزئه التكبير بغير العربية مع قدرته عليها، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يجزئه. اهـ وأما التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوزان بغير العربية للعاجز عنها، ولا يجوزان للقادر، هذا مذهب الشافعية. وأما المالكية فظاهر مذهبهم كراهة ذلك للقادر على العربية، وجوازه للعاجز كما قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل ، قال: وكره كما في المدونة دعاء في الصلاة وإحرام وحلف بعجمية لقادر على العربية، ولا بأس أن يدعو بها في غير الصلاة ومفهومه الجواز للعاجز. اهـ وأما السلام فإن عجز عن العربية جاز له السلام بغيرها. وأما الدعاء بغير العربية في الصلاة فالمنقول عن الحنفية الكراهة، وهذا ما يفهم من مذهب المالكية كما في النقل السابق عن الخرشي. وقد فصل الشافعية الكلام، فقالوا: الدعاء في الصلاة إما أن يكون مأثورًا أو غير مأثور، أما الدعاء المأثور ففيه ثلاثة أوجه: أصحها - ويوافقه ما ذهب إليه الحنابلة - أنه يجوز بغير العربية للعاجز عنها ولا يجوز للقادر. وأما الدعاء غير المأثور في الصلاة فلا يجوز اختراعه والإتيان به بالعجمية قولاً واحدًا. هذا تفصيل مذاهب العلماء في مسألة الصلاة بغير العربية. وأما الحديث الذي أشار إليه السائل، فلا نعلم حديثًا بهذا المعنى - المصدر الاسلام سؤال وجواب
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
قال ابن قدامة « وَأَيُّ قربة فعلها، وجعلها للميت المسلم نفعه ذلك»
قال المرداوي معلقا على كلام ابن قامة:
« وكذا لو أهدى بعضه، كنصفه، أو ثلثه، ونحو ذلك. كما تقدم عن القاضى وغيره » الإنصاف (6/ 259)
من أهدى غيره ثوابَ عمل صالح صار الثواب كله للمهدى له، وإن أهدى نصفه فالثواب بينهما بالمناصفة، وهكذا.
وقد يفهم بعض الأفاضل أن للمهدي نفس الثواب وإن أهداه لغيره، وليس الأمر كذلك.
السؤال
هل للمتصدق عن الميت أجر الصدقة كما للميت؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاختلف العلماء في المسلم يعمل القُربة من صدقة، أو قراءة، ونحو ذلك ثم يهديها للميت، هل يكون أجرها للمُهدِي والمُهدَى له، أم للمُهدَى له فقط؟ جاء في مطالب أولي النهى: وسُنَّ إهداء القُرَب فيقول: اللهم اجعل ثوب ذلك لفلان، وذكر القاضي أنه يقول: اللهم إن كنت أثبتني على هذا، فاجعله أو ما تشاء منه لفلان، وقال ابن تميم: والأولى أن يسأل الأجر من الله تعالى ثم يجعله للمُهدَى له، فيقول: اللهم أثبني على ذلك واجعله ثوابا لفلان، وللمُهدِي ثواب المُهدَى، وقال بعض العلماء: يثاب كلٌّ من المهدِي والمهدَى له، وفضل الله واسع. اهـ.
وقال ابن قاسم في حاشيته على تحفة المحتاج: إذا نوى ثواب القراءة للميت ودعا، حصل له ثوابها، لكن هل المراد أن يحصل له مثل ثوابها، فيحصل للقارئ ثواب قراءته، وللميت مثله، أو المراد أنه لا يحصل للقارئ حينئذ ثواب، وإنما يحصل للميت فقط؟ فيه نظر، والقلب للأول أميل .. اهـ.
والذي يظهر -والله أعلم- أن من فعل قُربة ثم أهداها لغيره أن أجر تلك القُربة يكون للمُهدَى له، ولا شيء للمُهدِي؛ لأن نفسه طابت بهبة ذلك للميت، ولكن يؤجر بالإحسان إلى الميت، والبرِّ به، خصوصًا إذا كان أباه، أو أمه.
المصدر الاسلام سؤال وجواب
*************
إذا تصدق عن الميت ، فهل له أجر الصدقة ؟!
السؤال
معظم أجوبتكم عن الصدقة للميت فيها غموض من ناحية أني لم أرى بيان ما يستفيده المتصدق من الأجر إن تصدق عن غيره ، فإن لم يكن لي أجر في الصدقة ، وكانت لغيري فلماذا أفضله على نفسي في الصدقة وأنا أحتاج ثوابها كاملا لأن أعمال الآخرة كما أظن لا يوجد فيها إيثار ؟ وبالمختصر: كنت أظن أنني أحصل على ثواب الصدقة ويذهب مثل ثوابي لمن أتصدق عنه ، وإن لم يكن كذلك فكيف أفضل غيري على نفسي ؟ مع أنه للأب الميت فضل كبير على ابنه بتربيته والإنفاق عليه .
الجواب
الحمد لله.
الصدقة عن الميت تنفعه ويصل ثوابها إليه بإجماع المسلمين .
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال : (42384) .
وكذلك ينال المتصدِّقُ الأجرَ على هذه الصدقة .
ويدل على ذلك ما رواه الإمام مسلم في " صحيحه" (1004) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : " أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا (أي: ماتت فجأة ) ، وَإِنِّي أَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ ، فَلِي أَجْرٌ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا ؟
قَالَ: ( نَعَمْ ) " .
قال النووي رحمه الله : " وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الصَّدَقَة عَنْ الْمَيِّت وَاسْتِحْبَابهَ ا , وَأَنَّ ثَوَابهَا يَصِلهُ وَيَنْفَعهُ , وَيَنْفَع الْمُتَصَدِّق أَيْضًا , وَهَذَا كُلّه أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ " .
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (11/ 84) .
وقال الشيخ ابن باز : " فالصدقة تنفع الميت ، ويرجى للمتصدِّق مثل الأجر الذي يحصل للميت ؛ لأنه محسن متبرع ، فيرجى له مثل ما بذل كما قال عليه الصلاة والسلام : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) ، فالمؤمن إذا دعا إلى خير ، أو فعل خيرا في غيره يرجى له مثل أجره ، فإذا تصدق عن أبيه أو عن أمه أو ما أشبه ذلك فللمتصدق عنه أجر ، وللباذل أجر .
وهكذا إذا حج عن أبيه أو عن أمه فله أجر ، ولأبيه وأمه أجر ، ويرجى أن يكون مثلهم أو أكثر لفعله الطيب ، وصلته للرحم ، وبره لوالديه ، وهكذا أمثال ذلك ، وفضل الله واسع .
وقاعدة الشرع في مثل هذا : أن المحسن إلى غيره له أجر عظيم ، وأنه إذا فعل معروفاً عن غيره يرجى له مثل الأجر الذي يحصل لمن فعل عنه ذلك المعروف " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (14/313) .
والله أعلم .
السؤال
هل أستطيع أن أقسم حسناتي ثلثا لي وثلثا لوالدتي وثلثا لوالدي – أي كل الحسنات المكتسبة من كل أعمال الخير التي يثاب الإنسان عليها في يومه وليله ، من تسابيح واستغفار وصدقات ودعاء - من دون طبعا الصلاة والزكاة والحج والصيام - ، أم أني أستطيع أن أقسم فقط حسنات الصدقات بيني وبينهم من دون سائر العبادات التي ذكرتها ؟ وهل أستطيع أن أتصدق عنهم في حياتهم وبعد مماتهم ؟ وهل أستطيع أن أجري لوالدي صدقات جارية من مالي الخاص ليأخذوا هم الثواب - كبناء مسجد وتوزيع مصاحف...- وهم ما زالوا على قيد الحياة ؟ وهل أستطيع أن أفعل ذلك بعد مماتهم ؟ وهل أستطيع إذا اكتسبوا على سبيل المثال مالا حراما أن أسدده عنهم من مالي الخاص ؟ وأخيرا ، أنا في كل سجود أدعو الدعاء التالي ثلاث مرات : " رب اغفر لي ولوالدي ووالديهم وإخواني ، ونجنا من عذاب القبر ، وأخلدنا في الفردوس الأعلى " كما أستخدم السبحة للترديد يوميا 200 مرة : " رب اغفر لي ولوالدي ولإخواني وللمؤمنين والمؤمنات " . هل ما أفعله هو عمل طيب ويفيد أم هو بدعة وضياع للوقت ؟ وهل إن كان ما أفعله جيدا ومفيدا ، فهل فعلا ممكن بدعائي هذا المتواصل المتكرر أن يغفر الله لي ولوالدي ووالديهم ولإخواني كل ذنوبنا ، وينجينا من عذاب القبر ، ويخلدنا في الفردوس الأعلى ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
نشكر لك حرصك على بر والديك وعلى إيصال الخير لهما ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لك الأجر والتوفيق ، وأن يجمعك بوالديك وجميع المسلمين في الجنة .
لا خلاف بين أهل العلم جميعا على وصول ثواب الصدقة للأموات إذا أهدى المتصدق الثواب إليهم ، وخاصة الوالدين ، كذلك لا خلاف في أن الدعاء للأحياء والأموات يجلب لهم الخير والرحمة إذا تقبله الله عز وجل ، وقد شهدت بذلك مجموعة من الأحاديث الواردة في السنة الصحيحة ، والتي سبق بيانها بالشرح والتفصيل في مجموعة من أجوبة الموقع ، يمكنك مراجعة بعضها في الأرقام الآتية : (12652) ، (42384) ، (102322) .
ثانيا :
يجوز للمتصدق أن ينوي تقسيم أجر صدقته بينه وبين والديه أثلاثا أحياءاً كانوا أم أمواتاً ، "لأن الثواب ملك للمتصدق ، فله أن يهديه جميعه وله أن يهدي بعضه ، يوضحه أنه لو أهداه إلى أربعة مثلا يحصل لكل منهم ربعه ، فإذا أهدى الربع وأبقى لنفسه الباقي جاز ، كما لو أهداه إلى غيره" نقلا عن "الروح" لابن القيم (ص/190) ، يذكره في معرض المناقشة .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (20996) عن الشيخ ابن باز رحمه الله جواز الصدقة عن الحي والميت .
على أننا نرشدك إلى الأفضل وهو أن تعملي الأعمال الصالحة لنفسك ، ويكون ثوابها كلها لك ، وتكثري من الدعاء لوالديك فهذا هو الأفضل والأكمل . وانظري جواب السؤال رقم (42088) .
ثالثا :
أما سائر العبادات المندوبة كالصوم والحج والعمرة وقراءة القرآن والأذكار والإحسان إلى الناس ونحوها من أعمال البر ، فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الأموات .
قال ابن القيم في كتاب "الروح" (ص/170) :
" فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف وصولها ، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة .
نص على هذا الإمام أحمد - في رواية محمد بن يحيى الكحال - قال : قيل لأبي عبد الله : الرجل يعمل الشيء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك ، فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه ؟ قال : أرجو . أو قال : الميت يصل إليه كل شيء من صدقة أو غيرها .
وقال أيضا : اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد ، وقل : اللهم إنَّ فضلَه لأهل المقابر .
والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل " انتهى .
وقد سبق في الموقع ترجيح القول الثاني ، أنه لا يصل إلى الميت ثواب شيء من الأعمال إلا ما دلت النصوص على وصوله ، كالصدقة والدعاء والحج والعمرة ، لقول الله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) النجم/39 .
وراجعي جواب السؤال رقم (46698) .
السؤال: هل قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} يدل على أن الثواب لا يصل إلى الميت إذا أهدي له؟
الإجابة: قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، المراد -والله أعلم- أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً؛ وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به، فمن ذلك:
1 - الدعاء: فإن المدعو له ينتفع به بنص القرآن الكريم والسنة وإجماع المسلمين، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}، وقال تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}، فالذين سبقوهم بالإيمان هم المهاجرون والأنصار، والذين جاؤوا من بعدهم هم التابعون فمن بعدهم إلى يوم الدين؛ وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أغمض أبا سلمة، وقال: "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه، وافسح له في قبره، ونور له فيه"، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على أموات المسلمين، ويدعو لهم، ويزور المقابر، ويدعو لأهلها، واتبعته أمته في ذلك حتى صار هذا من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه...".
وهذا لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم)، لأن المراد به عمل الإنسان نفسه، لا عمل غيره له؛ وإنما جعل دعاء الولد الصالح من عمله؛ لأن الولد من كسبه، حيث إنه هو السبب في إيجاده، فكأن دعاءه لوالده دعاء من الوالد نفسه، بخلاف دعاء غير الولد لأخيه، فإنه ليس من عمله -وإن كان ينتفع به-، فالاستثناء الذي في الحديث من انقطاع عمل الميت نفسه لا عمل غيره له، ولهذا لم يقل: "انقطع العمل له"، بل قال: "انقطع عمله"، وبينهما فرق بيّن.
2 - الصدقة عن الميت: ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها (ماتت فجأة)، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: "نعم"، وروى مسلم نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والصدقة عبادة مالية محضة.
3 - الصيام عن الميت: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، والولي هو الوارث؛ لقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" (متفق عليه)؛ والصيام عبادة بدنية محضة.
4 - الحج عن غيره: ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة؛ أفأحج عنه؟ قال: "نعم"، وذلك في حجة الوداع، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: "نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء".
فإن قيل: هذا من عمل الولد لوالده؛ وعمل الولد من عمل الوالد كما في الحديث السابق: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث..." حيث جعل دعاء الولد لوالده من عمل الوالد؟
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعلل جواز حج الولد عن والده بكونه ولده، ولا أومأ إلى ذلك؛ بل في الحديث ما يبطل التعليل به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بقضاء الدين الجائز من الولد، وغيره؛ فجعل ذلك هو العلة -أعني كونه قضاء- شيءٌ واجب عن الميت.
الثاني: أنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز الحج عن الغير، حتى من غير الولد: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة"، قال: "من شبرمة؟" قال: أخ لي أو قريب لي، قال: "حججت عن نفسك؟" قال: لا، قال: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة"، قال في البلوغ: رواه أبو داود وابن ماجه، وقال في الفروع: إسناده جيد احتج به أحمد في رواية صالح، لكنه رجح في كلام آخر أنه موقوف؛ فإن صح المرفوع فذاك؛ وإلا فهو قول صحابي لم يظهر له مخالف؛ فهو حجة، ودليل على أن هذا العمل كان من المعلوم جوازه عندهم؛ ثم إنه قد ثبت حديث عائشة في الصيام: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، والولي هو الوارث سواء كان ولداً أم غير ولد؛ وإذا جاز ذلك في الصيام مع كونه عبادة محضة فجوازه بالحج المشوب بالمال أولى، وأحرى.
5 - الأضحية عن الغير: فقد ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى، وكبر ووضع رجله على صفاحهما"، ولأحمد من حديث أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فيذبح أحدهما، ويقول: "اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ"، ثم يذبح الآخر ويقول: "هذا عن محمد وآل محمد"، قال في مجمع الزوائد: وإسناده حسن، وسكت عنه في التلخيص.
والأضحية عبادة بدنية قوامها المال، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل بيته، وعن أمته جميعاً؛ وما من شك في أن ذلك ينفع المضحى عنهم، وينالهم من ثوابه؛ ولو لم يكن كذلك لم يكن للتضحية عنهم فائدة.
6 - اقتصاص المظلوم من الظالم بالأخذ من صالح أعماله: ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها؛ فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته؛ فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه"، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار".
فإذا كانت الحسنات قابلة للمقاصة بأخذ ثوابها من عامل إلى غيره كان ذلك دليلاً على أنها قابلة لنقلها منه إلى غيره بالإهداء.
7 - انتفاعات أخرى بأعمال الغير: كرفع درجات الذرية في الجنة إلى درجات آبائهم، وزيادة أجر الجماعة بكثرة العدد، وصحة صلاة المنفرد بمصافة غيره له، والأمن والنصر بوجود أهل الفضل، كما في صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: "النجوم أمنة للسماء؛ فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي؛ فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"، وفيه أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيُفتح لهم به؛ ثم يبعث البعث الثاني، فيقولون: هل فيكم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيُفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث، فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكون البعث الرابع، فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أحداً رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيوجد الرجل، فيفتح لهم به".
فإذا تبين أن الرجل ينتفع بغيره وبعمل غيره، فإن من شرط انتفاعه أن يكون من أهله، وهو المسلم؛ فأما الكافر فلا ينتفع بما أهدي إليه من عمل صالح، ولا يجوز أن يهدى إليه، كما لا يجوز أن يدعى له ويستغفر له، قال الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن جده العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو بن العاص أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه لو كان مسلماً فأعتقتم، أو تصدقتم عنه، أو حججتم بلغه ذلك"، وفي رواية: "فلو كان أقر بالتوحيد، فصُمتَ، وتصدقت عنه نفعه ذلك" (رواه أحمد وأبو داود).
فإن قيل: هلا تقتصرون على ما جاءت به السنة من إهداء القرب، وهي: الحج، والصوم، والصدقة، والعتق؟
فالجواب: أن ما جاءت به السنة ليس على سبيل الحصر، وإنما غالبه قضايا أعيان سُئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب به، وأومأ إلى العموم بذكر العلة الصادقة بما سُئل عنه وغيره، وهي قوله: "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته"، ويدل على العموم أنه قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، ثم لم يمنع الحج، والصدقة، والعتق، فعلم من ذلك أن شأن العبادات واحد، والأمر فيها واسع.
فإن قيل: فهل يجوز إهداء القرب الواجبة؟
فالجواب: أما على القول بأنه لا يصح إهداء القرب إلا إذا نواه المهدي قبل الفعل، بحيث يفعل القربة بنية أنها عن فلان، فإن إهداء القرب الواجبة لا يجوز لتعذر ذلك، إذ من شرط القرب الواجبة أن ينوي بها الفاعل أنها عن نفسه قياماً بما أوجب الله تعالى عليه؛ اللهم إلا أن تكون من فروض الكفايات، فربما يقال: بصحة ذلك، حيث ينوي الفاعل القيام بها عن غيره، لتعلق الطلب بأحدهما لا بعينه.
وأما على القول بأنه يصح إهداء القرب بعد الفعل ويكون ذلك إهداء لثوابها بحيث يفعل القربة ويقول: اللهم اجعل ثوابها لفلان، فإنه لا يصح إهداء ثوابها أيضاً على الأرجح؛ وذلك لأن إيجاب الشارع لها إيجاباً عينياً دليل على شدة احتياج العبد لثوابها، وضرورته إليه، ومثل هذا لا ينبغي أن يؤثر العبد بثوابه غيره.
فإن قيل: إذا جاز إهداء القرب إلى الغير فهل من المستحسن فعله؟
فالجواب: أن فعله غير مستحسن إلا فيما وردت به السنة، كالأضحية، والواجبات التي تدخلها النيابة؛ كالصوم والحج، وأما غير ذلك فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى ص 322-323ج24 مجموع ابن قاسم: "إن الأمر الذي كان معروفاً بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها، ويدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك، لأحيائهم وأمواتهم"، قال: "ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً، وصاموا، وحجوا، أو قرؤوا القرآن الكريم يهدون ذلك لموتاهم المسلمين، ولا لخصوصهم، بل كان عادتهم كما تقدم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريقة السلف، فإنها أفضل وأكمل".أ.هـ.
وأما ما روي أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي أبوين، وكنت أبرهما في حياتهما فكيف البر بعد موتهما؟ فقال: "إن من البر أن تصلي لهما مع صلاتك، وتصوم لهما مع صيامك، وتصدق لهما مع صدقتك" فهو حديث مرسل لا يصح، وقد ذكر الله تعالى مكافأة الوالدين بالدعاء، فقال تعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}، وعن أبي أسيد رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" (رواه أبو داود وابن ماجه)، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم من برهما أن يصلي لهما مع صلاته، ويصوم لهما مع صيامه.
فأما ما يفعله كثير من العامة اليوم حيث يقرؤون القرآن الكريم في شهر رمضان أو غيره، ثم يؤثرون موتاهم به ويتركون أنفسهم فهو لا ينبغي لما فيه من الخروج عن جادة السلف، وحرمان المرء نفسه من ثواب هذه العبادة، فإن مهدي العبادة ليس له من الأجر سوى ما يحصل من الإحسان إلى الغير.
أما ثواب العبادة الخاص فقد أهداه، ومن ثم كان لا ينبغي إهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم له ثواب القربة التي تفعلها الأمة؛ لأنه الدال عليها والآمر بها، فله مثل أجر الفاعل، ولا ينتج عن إهداء القرب إليه سوى حرمان الفاعل نفسه من ثواب العبادة.
وبهذا تعرف فقه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حيث لم ينقل عن واحد منهم أنه أهدى شيئاً من القرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم أشد الناس حباً للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على فعل الخير، وهم أهدى الناس طريقاً وأصوبهم عملاً؛ فلا ينبغي العدول عن طريقتهم في هذا وغيره؛ فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثاني - باب البدعة.
أجمع أهل العلم على أن الصدقة والدعاء يصل إلى الميت نفعهما، ولم يشذ عن ذلك إلا المبتدعة الذين قالوا لا يصل إلى الميت شيء من الثواب إلا عمله أو المتسبب فيه. والأخبار في ذلك ثابتة مشهورة في الصحيحين وغيرهما وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن المبارك أنه قال: (ليس في الصدقة خلاف). واختلف أهل العلم فيما سوى ذلك من الأعمال التطوعية كالصيام عنه وصلاة التطوع وقراءة القرآن ونحو ذلك. وذهب أحمد وأبو حنيفة وغيرهما وبعض أصحاب الشافعي إلى أن الميت ينتفع بذلك، وذهب مالك في المشهور عنه والشافعي إلى أن ذلك لا يصل للميت. واستدل الفريق الثاني بقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) [النجم:39] وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث…….." رواه مسلم. والآية والحديث أجاب عنهما أصحاب الفريق الأول بأجوبة أقربها إلى الصواب بالنسبة للآية أن ظاهرها لا يخالف ما ذهب إليه أصحاب الفريق الأول فإن الله تعالى قال: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وهذا حق، فإنه إنما يستحق سعيه، فهو الذي يملكه، كما أنه لا يملك من المكاسب إلا ما اكتسبه هو، وأما سعي غيره فهو حق وملك لذلك الغير لا له، ولهذا الغير أن يهدي سعيه لمن شاء. فإنه ليس كل ما ينتفع به الحي أو الميت من سعيه، بل قد يكون من سعيه فيستحقه لأنه من كسبه، وقد يكون من سعي غيره فينتفع به بإذن صاحبه، كالذي يوفيه الإنسان عن غيره فتبرأ ذمته. وأما جوابهم عن الحديث فقالوا: ذكر الولد ودعائه له خاصان، لأن الولد من كسبه كما قال تعالى: (ما أغنى عنه ما له وما كسب) [المسد: 2] فقد فسر الكسب هنا بالولد، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" رواه أصحاب السنن. فلما كان الأب هو الساعي في وجود الولد كان عمل الولد من كسب أبيه، بخلاف الأخ والعم والأب ونحوهم فإنه ينتفع بدعائهم بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "انقطع عمله إلا من ثلاث.." ولم يقل أنه لا ينتفع بعمل غيره، فإذا دعا له ولده كان هذا من عمله الذي لم ينقطع، وإن دعا له غيره لم يكن من عمل المرء ولكنه ينتفع به. فالصحيح إن شاء الله وصول ثواب القراءة للميت. وسلك بعض الشافعية ممن يقولون بعدم وصول القراءة للأموات مسلكاً حسناً. قالوا: إذا قرأ وقال بعد قراءته اللهم إن كنت قبلت قراءتي هذه فاجعل ثوابها لفلان صح ذلك . وعدّوا ذلك من باب الدعاء. 2 المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: "أو علم ينتفع به" ما تركه الميت من العلم النافع كتعليمه الناس القرآن ونحو ذلك، وأما طباعة الأشرطة والكتب ونحوهما فكل ذلك يدخل في باب الصدقة الجارية، ويصل ثوابها لمن أهدي إليه إن شاء الله. فالحاصل أن المحققين من أهل العلم يرون أن من عمل عملا فقد ملك ثوابه إن استوفى شروط القبول، فله أن يهبه لمن يشاء ما لم يقم بالموهوب له مانع يمنعه من الانتفاع بما وهب له، ولا يمنع من ذلك إلا الموت على الكفر والعياذ بالله. هذا والله نسأل أن يوفقك لبر أبيك وأن يثيبك على حرصك على ذلك.
....... أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى جواز إهداء ثواب القراءة للميت، وأن ذلك يصله وينتفع به إن شاء الله، وإنما الذي لم يجوزه هو الاجتماع عند القبور والقراءة عليها، وأن الأولى اجتناب لفظ الفاتحة على روح فلان ونحوها من الألفاظ المحتملة التي اشتهرت عن بعض أهل البدع. وهذا الذي قاله الشيخ هو مذهب الجماهير من أهل العلم والمحققين. وانظر فتوى الشيخ في كتابه مجموع فتاوى العقيدة المجلد الثاني ص305.
بحث مهم فى ما يصل الى الميت وما لا يصل وأدلة الفريقين
•الأعمال المتفق على وصول ثوابها للميت. •الخلاف في العبادات البدنيّة المحضة. (أقوال الفقهاء والترجيح). •الحج والعمرة عن الميت. (أقوال الفقهاء والترجيح). •مسائل وفتاوى هامة مترتبة على ما سبق. الأعمال المتفق على وصول ثوابها للميت: الأعمال الصالحة إما أن يعملها الإنسان بنفسه لنفسه في حياته، وإما أن يعملها له غيره ويهبها له بعد موته، فأما ما عمله الإنسان بنفسه لنفسه، فقد اتفق الفقهاء على أن الميت يصله ما كان من سعيه وعمله، أو نتيجة سعيه وعمله. سُئل ابن القيم رحمه الله:
هل تنتفع أرواح الموتى بشيء من سعي الأحياء أم لا؟
فقال: «تنتفع من سعي الأحياء بأمرين،
مجمع عليهما بين أهل السنة من الفقهاء وأهل الحديث والتفسير.
أحدهما: ما تسبب إليه الميت في حياته.
والثاني: دعاء المسلمين له، واستغفارهم له، والصدقة»
والأدلة على وصول ما كان من سعيه وعمله، أو نتيجة سعيه وعمله، كثيرة،
منها:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»( 2).
وعنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا علمه ونشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته»
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يَجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علَّم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته».
وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»
وعن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»
كما اتفقوا على أنه يصل للميت أجر وصيته الصالحة، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادة لكم في أعمالكم»
وعن الشَّرِيد بن سويد الثقفي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية، أفيجزئ عني أن أعتقها عنها؟، قال: «ائتني بها»، فأتيته بها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «من ربك؟»، قالت: الله، قال: «من أنا؟»، قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة»
هذا بخصوص ما عمله الإنسان بنفسه لنفسه، وأما ما عمله غيره من الأحياء له ووهبه إليه، فقد اتفقوا على وصول العبادات غير البدنية المحضة؛ كالصدقة، والدعاء والاستغفار مطلقًا، والأدلة على ذلك كثيرة. قال ابن قدامة وغيره: «فصل: وأي قربة فعلها، وجعل ثوابها للميت المسلم، نفعه ذلك، إن شاء الله، أما الدعاء، والاستغفار، والصدقة، وأداء الواجبات، فلا أعلم فيه خلافًا، إذا كانت الواجبات مما يدخله النيابة»
فأما الصدقة: فلحديث عائشة رضي الله عنها أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقتُ عنها؟ قال: «نعم».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها().
وعن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالًا ولم يوص، فهل يُكفِّر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: «نعم»(.
وقد علق النووي على حديث أم المؤمنين عائشة قائلًا: «وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت، ويصله ثوابها، وهو كذلك بإجماع العلماء، وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع»( ).
وأما الدعاء والاستغفار: فقد حكاه الله تعالى عن الأنبياء والصحابة والتابعين؛ فعلى لسان إبراهيم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41]. وعلى لسان نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ} [نوح:28]. بل أمر الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم قائلًا: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ} [محمد:19]. وقد دعا التابعون للصحابة: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:10]. وأُمرنا أن ندعو لوالدينا: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:24]، وأمثال ذلك في القرآن كثير. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: أنى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك»
وعن أبي هريرة أيضًا أنه قال: نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي، صاحب الحبشة، في اليوم الذي مات فيه، فقال: «استغفروا لأخيكم»
وأما قضاء الديون: سواء كانت لله أم للعباد، فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، فقال: «اقضه عنها»
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلقة بدَيْنه حتى يُقضى عنه»
الخلاف في العبادات البدنيّة المحضة: واختلفوا في العبادات البدنيّة المحضة، كالصوم، والصلاة، والطواف ، وقراءة القرآن؛ هل يصل ثوابها إلى الأموات أم لا يصل؟ وكان خلافهم على ثلاثة أقوال. القول الأول: أن كل عمل صالح يهدى للميت فإنه يصله، سواء كان عبادة مالية أو بدنية، محضة أو غير محضة، ومن ذلك: قراءة القرآن، والصوم، والصلاة، وغيرها من العبادات. وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والحنابلة، وبعض المالكية،
وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.
ومن المعاصرين: فضيلة الشيخ ابن جبرين، وفضيلة الشيخ ابن عثيمين،
وهذه بعض النقولات التي تبين مذهبهم، وتوضح مسلكهم: فأما الحنفية: فقال ابن نجيم الحنفي: «والأصل فيه أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره؛ صلاة، أو صومًا، أو صدقة، أو قراءة قرآن، أو ذكرًا، أو طوافًا، أو حجًا، أو عمرة، أو غير ذلك، عند أصحابنا»
وكذا قال المرغيناني الحنفي: «الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره؛ صلاة أو صومًا أو صدقة أو غيرها، عند أهل السنة والجماعة»
وقال الزيلعي: «الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة؛ صلاة كان، أو صومًا، أو حجًا، أو صدقة، أو قراءة قرآن، أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه»( 26). وأما الحنابلة: فقال ابن قدامة الحنبلي، محتجًا لوصول ثواب قراءة القرآن للميت: «وهذه أحاديث صحاح، وفيها دلالة على انتفاع الميت بسائر القرب؛ لأن الصوم والحج والدعاء والاستغفار عبادات بدنية، وقد أوصل الله نفعها إلى الميت، فكذلك ما سواها»
وقال ابن مفلح: «كل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها للمسلم نفعه ذلك، وحصل له الثواب؛ كالدعاء والاستغفار، وواجب تدخله النيابة، وصدقة التطوع، وكذا العتق، ذكره القاضي وأصحابه أصلًا، وذكره أبو المعالي وشيخنا وصاحب المحرر، وكذا حج التطوع. وفي المجرد: من حج نفلًا عن غيره وقع عمن حج لعدم إذنه، وكذا القراءة والصلاة والصيام، نقل الكحال في الرجل يعمل شيئًا من الخير؛ من صلاة، أو صدقة، أو غير ذلك، ويجعل نصفه لأبيه أو أمه: أرجو، وقال: الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ من صدقة أو صلاة أو غيره»).
وقال أحمد: «الميت يصل إليه كل شيء من الخير؛ للنصوص الواردة فيه»
وفي الروض المربع: «وأي قربة من دعاء، واستغفار، وصلاة، وصوم، وحج، وقراءة، وغير ذلك فعلها مسلم، وجعل ثوابها لميت مسلم أو حي نفعه ذلك»( 30). وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: «وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية: كالصوم، والصلاة، والقراءة، والصواب أن الجميع يصل إليه»
وقال في موضع آخر: «الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية؛ من الصلاة والصوم والقراءة، كما ينتفع بالعبادات المالية؛ من الصدقة والعتق ونحوهما باتفاق الأئمة».
وقال ابن القيم: «النصوص متظاهرة على وصول ثواب الأعمال إلى الميت إذا فعلها الحي عنه، وهذا محض للقياس؛ فإن الثواب حق للعامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته»
ونقل ابن حجر الهيتمي قول صاحب الروضة: «إن القارئ إذا قرأ، وجعل ما حصل من الأجر للميت، كان دعاءً بحصول ذلك الأجر للميت فينفعه»
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ: «وصول الثواب المهدى من الحي إلى الميت جنسه معروف في الأدلة...، والذي عليه الجمهور والمحققون وصول ذلك إلى الميت، وليس الإهداء تقربًا إليهم، وطلبًا للشفاء والنفع؛ بل هذا نفع من الحي للميت، والآخر طلب من الميت، والنصوص دالة على أن الحي ينفع الميت، لا العكس... أما صلاة النوافل، وإهداء ثوابها إلى أقربائه، وكذلك ذبح الذبيحة والصدقة بها وإهداء ثوابها إليهم فلا بأس بذلك إن شاء الله»
هذا ومما يلزم التنبيه إليه في هذا المقام، ما ذكره الشيخ ابن عثيمين، تبعا لشيخ الإسلام ابن تيمية، أن إهداء ثواب الأعمال للأموات، وإن كان في الأصل جائزا، عندهم، إلا أنه غير مشروع، بمعنى لا يندب إليه الناس، ولا يستحب لهم فعل إلا ما ورد عن النبي فعله. يقول ابن عثيمين: «الصواب: أن الميت ينتفع بكل عمل صالح جعل له، إذا كان الميت مؤمنًا. ولكننا لا نرى أن إهداء القرب للأموات من الأمور المشروعة التي تطلب من الإنسان؛ بل نقول: إذا أهدى الإنسان ثواب عمل من الأعمال، أو نوى بعمل من الأعمال أن يكون ثوابه لميت مسلم فإنه ينفعه، لكنه غير مطلوب منه أو مستحب له ذلك، والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد أمته إلى هذا العمل».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: '' ومحمد صلي الله عليه وسلم هو الداعي إلي ما تفعله أمته من الخيرات فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ولهذا لم تجر عادة السلف بأن يهدوا إليه ثواب الأعمال لأن له مثل ثواب أعمالهم بدون الإهداء من غير أن ينقص من ثوابهم شيء. وليس کذلك الأبوان فإنه ليس کل ما يفعله الولد يکون للوالد مثل أجره وإنما ينتفع الوالد بدعاء الولد ونحوه مما يعود نفعه إلي الأب کما قال في الحديث الصحيح: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له)'' . وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضا: '' فلم يکن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا وصاموا وحجوا أو قرءوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين ولا لخصوصهم بل کان عادتهم کما تقدم فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فإنه أفضل وأکمل، والله أعلم'' .
القول الثاني:
أنه لا يصل إلى الميت شيء من الأعمال الصالحة إلا ما استثناه الدليل كالصدقة الجارية ودعاء الولد الصالح والعلم يُنتفع به، وكذلك الحج والعمرة لمن لم يفعلهما، وكذلك الاستغفار والدعاء.
وهو المشهور عند الشافعية، وهو قول أكثر المالكية
ومن المتأخرين والمعاصرين: العلامة الشوكاني ، والعلامة ابن باز، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ ،، ، وبه تفتي اللجنة الدائمة بالمملكة السعودية .
فأما المالكية: فقد قال الصاوي المالكي: «والميت ينفعه صدقة عليه من أكل أو شرب أو كسوة أو درهم أو دينار، ودعاء له بنحو: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، بالإجماع. لا بالأعمال البدنية؛ كأن تهب له ثواب صلاة أو صوم أو قراءة قرآن كالفاتحة، وقيل ينتفع بثواب ذلك، والله أعلم بحقيقة الحال»(41 ). وأما الشافعية: فقد قال النووي: «والمشهور في مذهبنا أن قراءة القرآن لا يصله ثوابها، وقال جماعة من أصحابنا يصله ثوابها»( ).
وعن الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعي إملاءً قال: «يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث: حج يؤدى عنه، ومال يتصدق به عنه أو يقضى، ودعاء. فأما ما سوى ذلك من صلاة أو صيام فهو لفاعله دون الميت»( ).
وفي روضة الطالبين: «ومعلوم أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة، فالوجه: تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة، وذكروا له طريقين. أحدهما: أن يعقب القراءة بالدعاء للميت؛ لأن الدعاء يلحقه، والدعاء بعد القراءة أقرب إجابة وأكثر بركة. والثاني: ذكر الشيخ عبد الكريم السالوسي، أنه إن نوى القارئ بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه، وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الأجر له، فهذا دعاء بحصول ذلك الأجر للميت، فينفع الميت»( 44). وعن الصلاة قال البجيرمي: «وأما الصلاة فالراجح أنه ليس لأحد أن يجعل ثوابها أو جزءًا منها لغيره، فلو فعل ذلك لم يحصل للمجعول له شيء»( 45). ويقول العلامة الشوكاني، رحمه الله: "وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ويصل إليهما ثوابها فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: 39]، ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العمومات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت فيوقف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها" . وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة السؤال: هل يصل ثواب قراءة القران وانواع القربات الى الميت؟ سواء من أولاده أو من غيرهم؟ والجواب: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما نعلم، انه قرا القران ووهب ثوابه للأموات من اقربائه او من غيرهم، ولو كان ثوابه يصل اليهم لحرص عليه، وبينه لامته لينفعوا به موتاهم، فانه عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوف رحيم. وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده وسائر اصحابه على هديه في ذلك، رضي الله عنهم، ولا نعلم ان احدًا منهم اهدى ثواب القران لغيره، والخير كل الخير في اتباع هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهدي خلفائه الراشدين وسائر الصحابة ـ رضي الله عنهم، والشر في اتباع البدع ومحدثات الامور؛ لتحذير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك بقوله: (اياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقوله: (من أحدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وعلى هذا لا تجوز قراءة القران للميت، ولا يصل اليه ثواب هذه القراءة بل ذلك بدعة. اما انواع القربات الاخرى فما دل دليل صحيح على وصول ثوابه الى الميت وجب قبوله، كالصدقة عنه والدعاء له والحج عنه وما لم يثبت فيه دليل فهو غير مشروع حتى يقوم عليه الدليل. وعلى هذا لا تجوز قراءة القران للميت ولا يصل اليه ثواب هذه القراءة في اصح قولي العلماء، بل ذلك بدعة.اهـ.
القول الثالث:
ذهب العلامة الألباني، رحمه الله، إلى عدم وصول شيء من ثواب الأعمال للأموات، موافقا بذلك أصحاب القول الثاني، غير أنه يستثني الأولاد مع آبائهم وأمهاتهم، فيصل ثواب عملهم لهم.
محل الخلاف: محل الخلاف فيما وقع من الأعمال الصالحة لله، بلا عوض دنيوي، ثم وهبه فاعله للميت، أما ما استأجر عليه من أعمال فلا خلاف في عدم وصوله، قال ابن تيمية: «والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله، وما وقع بالأجر من النقود ونحوها فلا ثواب فيه».
وقال ابن عابدين الحنفي عن الاستئجار لقراءة القرآن: «وقد قال العلماء: إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له، فأي شيء يهديه إلى الميت، وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح»
سبب الخلاف: عدم ورود نص محكم يمنع أو يجيز فعل العبادات البدنية للميت، فإنه لم يرد نص خاص في المسألة، وإنما وردت النصوص إما عامة وإما في عبادات غير بدنية. ففريق اعتمد على القياس؛ فقاس العبادات البدنية على المالية في وصول ثوابها للميت، وقاس ما لم يرد نص بجوازه على ما ورد فيه نص، فقال: بوصول الأعمال كلها إلى الميت. وفريق رأي عدم الاعتداد بما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين، وأن عدم فعله صلى الله عليه وسلم لذلك دليل عدم مشروعيته، وعليه قال بعدم وصول أجر العبادات إلى الميت إلا ما ورد نص بوصوله، وعدم مشروعية إهداء العبادات البدنية المحضة إلى الأموات، وقالوا: لو كان مشروعًا لسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، ولكل فريق أدلته. ورأى بعضهم الجمع بين القول بالمنع، والقول بالجواز، فخص الجواز بالأولاد مع والديهم دون غيرهم، إلا ما ورد به نص في غيرهم. الأدلة: أولًا: أدلة الفريق الأول: القائلين بوصول كل الأعمال الصالحة من الأحياء إلى الأموات إذا وهبوها لهم. الدليل الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك».
وعند أحمد: «أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك». وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الصوم والصدقة والعتق في الوصول إليه(49 )، والمعنى: أن ذلك كله يصل إلى الميت بشرط أن يكون مسلمًا. الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته، لمن شهد لله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد صلى الله عليه وسلم(.
وعند أحمد: ... ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: «هذا عن محمد وآل محمد»، فيطعمهما جميعًا المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي، قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم. وجه الاستدلال: أن عمله صلى الله عليه وسلم وصل إلى الأحياء وأجزأ عنهم، بدليل ما جاء في رواية أحمد: «فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم»، والحي قادر أن يفعل ذلك عن نفسه، فلأن يصل إلى الأموات أولى. الدليل الثالث: عن الحجاج بن دينار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البر بعد البر أن تصلي عليهما مع صلاتك، وأن تصوم عنهما مع صيامك، وأن تصدق عنهما مع صدقتك»( 51). وجه الاستدلال: وصول ثواب الصلاة والصيام إلى الميت، وهما عبادتان بدنيتان محضتان، وكذا وصول ثواب الصدقة، وهي عبادة مالية. نوقش: أن الحديث ضعيف لأنه مرسل، وعن أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني أنه قال لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، الحديث الذي جاء: «إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك»، قال: فقال عبد الله: يا أبا إسحاق، عمن هذا؟ قال: قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش، فقال: ثقة، عمن قال؟ قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة، عمن قال؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف(52 ). أجيب: قد وردت أحاديث أخرى تقوي معنى هذا الحديث وتعضده، ومنها ما رواه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي، من حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه يقول: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهودهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم الذي لا رحم لك إلا من قبلهما».
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. وقد حسنه ابن عساكر في "الأربعون البلدانية"(54 ). الدليل الرابع: أنه قد ثبت من طرق كثيرة انتفاع المقبور، والتخفيف عنه ببركة فعل الحي، من ذلك: ما ورد عن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».
وجه الاستدلال:
حيث انتفع الميت بعمل الحي، مع أن مجرد وضع الجريدة ليس من القربات، فلأن ينتفع بقربات الحي، إن وهبها له، لهو أولى. نوقش: هذه خصوصية من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم. أجيب: قال بدر الدين العيني: «وضع الجريدتين على القبرين؛ إما لأنه عليه السلام سأل الشفاعة لهما فأجيب إليها، كما ورد في رواية مسلم: «فأجيبت شفاعتي»، وإما أنه عليه السلام كان يدعو لهما تلك المدة، وقيل: لكونهما يسبحان ما دامتا رطبتين، وليس لليابس تسبيح، وهذا مذهب جماعة من المفسرين في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44]» ).
فعلى القول الثالث، في تأويل الحديث، فليست خصوصية له صلى الله عليه وسلم. نوقش: بأن الراجح في معنى الحديث الخصوصية، لأنه يتعلق بأمر غيبي لا يعلم إلا بوحي، وبدليل أنه لم يرد عن أي واحد من الصحابة رضي الله عنهم، أنه فعل ذلك بميت من أموات المسلمين. فهذا هو ما فهمه صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهم أدرى الناس بنصوص الوحيين، وأعقل الناس لتصرفاته صلى الله عليه وسلم. الدليل السادس: في الصحيحين عن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من نيح عليه يعذب بما نيح عليه»( 57)، وفي لفظ لهما: «الميت يعذب ببكاء الحي عليه». وجه الاستدلال: الله عز وجل أرحم من أن يوصل العذاب إلى الميت بفعل الحي ونياحته عليه، ثم لا يوصل إليه نفع ما يفعله له الحي من قربات. نوقش: إنما يعذب الميت بنياحة الحي عليه إن كان ذلك من سنته في حياته، وكان راضيًا عنه، أو أوصى به، كما قرر ذلك العلماء، أي أنه يعذب بما كان سببًا فيه في حياته من معاص، تمامًا كما ينتفع بما كان سببًا فيه من طاعات، وهذا متفق عليه. الدليل السابع: المعقول: وذلك من وجوه: أولًا: القياس على الدعاء والصدقة مطلقًا، والحج والصوم الواجبين؛ فإنه يصل ثوابها إلى الميت بالإجماع، والصيام عبادة بدنية، والحج قد جمع البدنية والمالية. فقالوا: الصوم يدل على الانتفاع بالعبادات البدنية، والحج يدل على الانتفاع بالعبادات البدنية والمالية، والصدقة تدل على الانتفاع بالعبادات المالية. فإنه "عمل بر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه؛ كالصدقة والصيام والحج الواجب"( 58). ثانيًا: "الثواب حق للعامل، فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك، كما لم يمنع من هبة ماله في حياته، وإبرائه له من بعد موته".
ثالثًا: قياسًا على جواز الأضحية عن الميت. هذا، مع عدم ورود النهي عن ذلك، بل ورود ما يؤيد مشروعيته؛ من جواز الصوم والحج عن الميت وقضاء دينه. نوقش: الأصل في العبادات الحظر حتى يرد دليل بالإباحة، ولم يرد. ولا قياس في العبادات؛ لأن مبناها على التوقيف. أجيب: بل ورد؛ بإباحة الحج والصوم والصدقة عن الغير، ففي إباحتها دلالة على إباحة ما يماثلها. وأما قولكم لا قياس في العبادات، فإن العلماء اختلفوا في صحة القياس في العبادات، ومنشأ هذا الخلاف هو اختلافهم في كون العبادات، هل هي معقولة المعنى فيجوز إجراء القياس فيها، أو هي غير معقولة المعنى فلا يجوز إجراء القياس فيها؟ مع اتفاق الكل على أن معقول المعنى يجري فيه القياس، وغير معقول المعنى يمنع فيه القياس، وإنما اختلفوا في أفراد ذلك، هل هو من معقول المعنى فيجري فيه القياس، أو غير معقول المعنى فلا يجري فيه القياس. فالمانعون يرون أن العبادات غير معقولة المعنى فلا تعلل، وحيث إنها لا تعلل فلا يجوز إجراء القياس فيها، والمجوزون يرون أنها معقولة المعنى في كثير من أحكامها، فيجوز تعليلها وإجراء القياس فيها كغيرها. وهذا هو مذهب الجمهور وهو الراجح ان شاء الله تعالى . وعليه، فيبقى الاستدلال قائما. ثانيًا: أدلة الفريق الثاني: الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]. وجه الاستدلال: أن الآية قد حصرت وقصرت انتفاع المرء على عمل نفسه وسعيه لها، أما عمل الغير، الذي ليس بولد صالح للميت، فليس من سعي الإنسان . نوقش: الجواب من وجوه: أحدها: أنه شرع من قبلنا فلا يلزمنا، فقد سيقت الآية حكاية عما في شرع موسى وإبراهيم عليهما السلام: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى...} [النجم:36-37]، وقد ورد في شرعنا ما يخالفه؛ فالصدقة والدعاء تصلان بلا خلاف. فالحكم في هذه الآية لقوم إبراهيم وموسى، وأما أمتنا فلهم ما سعوا وسُعِي لهم. الثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] فأدخل الذرية الجنة بصلاح الآباء، قاله ابن عباس. الثالث: قال الربيع بن أنس: المراد بالإنسان هنا الكافر، أما المؤمن له أجر ما سعى وسعي له. الرابع: تجعل اللام بمعنى "على" كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7] أي: فعليها، وكقوله تعالى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد:25]، أي عليهم، فيصير كأنه قال: وأن ليس على الإنسان إلا ما سعى؛ فيحمل عليه توفيقًا بين الآية والأحاديث، ولأنه معنى صحيح لا خلاف فيه، ولا يدخله التخصيص. الخامس: أنه سعى في جعل ثواب عمله لغيره، فيكون له ما سعى عملًا بالآية. السادس: أن السعي أنواع: منها بفعله وقوله، ومنها بسبب قرابته، ومنها بصديق سعى في خلته، ومنها بما يسعى فيه من أعمال الخير والصلاح وأمور الدين التي يحبه الناس بسببها، فيدعون له، ويجعلون له ثواب عملهم، وكل ذلك بسبب سعيه، فقد قلنا بموجب الآية فلا يكون حجة علينا( ).
السابع: الآيات مقيدة بما يهبه العامل؛ يعني: ليس للإنسان من سعي غيره نصيب إلا إذا وهبه له، فحينئذ يكون له ( 61). الثامن: هذا حق؛ لا يستحق إلا سعي نفسه لا سعي غيره، لكن لا يمنع ذلك أن الله تعالى يرحمه، ويتفضل عليه، وينفعه بغير سعيه، وإن لم يستحقه، كما يدخل أطفال المؤمنين الجنة بغير سعيهم، وكما يُنشئ في الآخرة خلقًا يسكنهم الجنة بغير سعيهم، وكما ينتفع الإنسان بدعاء غيره وشفاعته، وكما ينتفع بصدقة غيره، فكذلك بصيامه وقراءته وصلاته( 62). قال ابن عثيمين: " قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، المراد - والله أعلم- أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً؛ وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به" .اهـ. الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]، وقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المرسلات:43]. وجه الاستدلال: حيث جعل الله الجنة ونعيمها جزاءً على عمل الإنسان لنفسه، لا على عمل غيره له، فالجنة نتيجة عمل الإنسان لنفسه لا عمل غيره له. نوقش: أن عمل الإنسان قد يكون بمباشرة منه، وقد يكون بغير مباشرة، وكل يسمى عمله وكسبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولد الرجل من كسبه»( 63). والمعنى المتفق عليه للآيات: أورثتموها بسبب أعمالكم، لا أن الجنة في مقابل العمل! فإنما الجنة بمحض فضل الله تعالى، وما الأعمال سوى سبب؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يُدخِل أحدًا منكم عملُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة»( 64). الدليل الثالث: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»( 65). وجه الاستدلال: الحديث واضح الدلالة على انقطاع عمل الميت بموته، والأصل عدم الزيادة فيه، إلا ما دل عليه الدليل. نوقش: أولًا: الحديث يقتضي انقطاع عمله، ولا كلام فيه، إنما الكلام في وصول ثواب عمل غيره إليه، والحديث لا ينفيه، فالكلام في عمل غيره لا عمله، وليس فيه إلا جعل ما له من الأجر لغيره، والله تعالى هو الموصل إليه، وهو قادر عليه، ولا يضر جهل الفاعل بالثواب لأن الله يعلمه، ولا يختص ذلك بعمل دون عمل( ).
ثانيًا: قد دلت الأخبار أن من الأموات من لا ينقطع عمله، كما في هذا الحديث نفسه، وكما في حديث عقبة بن عامر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ميت يختم على عمله، إلا المرابط في سبيل الله، فإنه يجرى له أجر عمله حتى يبعث»( ).
الدليل الرابع:
عن ابن عباس قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًا من حنطة»( 68). وجه الاستدلال: ورد هذا الأثر عن ابن عباس، حبر الأمة، الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين»()، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو المعروف بشدة متابعته للنبي صلى الله عليه وسلم، ودلالته واضحة أنه لا يشرع لأحد أن يصوم عن أحد، ولا أن يصلي عنه.
نوقش: أولًا: الظاهر من الأثر أنه في الصيام الواجب بدليل قوله: «ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدًا من حنطة»، وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»( )، وغير ذلك من الأخبار الصحيحة، ولا عبرة بقول الصحابي إذا خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: معنى الأثر: لا يصلي عنه وهو قادر على الصلاة، ولا يصوم أحد عن أحد وهو قادر على الصيام، يعني: لا يوكل أحد أخاه يصلي عنه، يقول: صلِ عني صلاة الظهر، أو: صلِ عني صلاة العشاء، أو: وكلتك أن تصلي عني صلاة المغرب أو العصر أو نحو ذلك، أو: وكلتك أن تصوم عني هذا اليوم من رمضان أو ما أشبه ذلك وهو قادر، فإن هذا لا يجوز؛ وذلك لأن العبادة وجهت إلى الإنسان القادر، فلا يجوز له أن ينيب غيره، ولا يجوز له أن يوكل من يعمل عنه ذلك العمل وهو قادر؛ وذلك لأن الحكمة في هذه العبادة ظهور العبودية على الفاعل( 7).
الدليل الخامس: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت رسول الله، سليني بما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا»( ).
وجه الاستدلال: حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغني عن غيره شيئًا، فما بالك بغيره، ولو جاز صلاة أحد لأحد، لكان الأنبياء أحق الناس بهبة ثواب أعمالهم لآبائهم وأمهاتهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه: «لا أغني عنكم من الله شيئًا»، وهذا دليل أن النيابة لا تدخل في أعمال البر؛ إذ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلصها، فإذا كان عمله صلى الله عليه وسلم لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع( ).
نوقش: أجاب ابن حجر العسقلاني بإجابات ثلاث: أولًا: هذا كان قبل أن يعلمه الله تعالى بأنه يشفع فيمن أراد، وتقبل شفاعته، حتى يدخل قومًا الجنة بغير حساب، ويرفع درجات قوم آخرين، ويخرج من النار من دخلها بذنوبه. ثانيًا: أن المقام مقام التخويف والتحذير، بدليل ما جاء في رواية الطبراني: «إن أوليائي منكم المتقون، فإن كنتم أولئك فذلك وإلا فانظروا، لا يأت الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بأثقال فأعرض عنكم». ثالثًا: أنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في الحض على العمل، ويكون في قوله لا أغني شيئًا إضمار: "إلا إن أذن الله لي بالشفاعة". رابعًا: الحديث خارج عن محل النزاع؛ لأن المقصود: إن لم تعملوا لأنفسكم لم ينفعكم عمل غيركم لكم، منعًا للتواكل؛ أي: فلا يتركن أحد الصلاة أو الصيام لأنه قريب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن مجرد القرابة لا تغني عن صاحبها شيئًا إن لم يكن عَمِلَ صالحًا، وإنما النزاع في وصول ما أهداه الحي إلى الميت. الدليل السادس: المعقول: وذلك من وجوه: أولا: لا يصل ثواب الأعمال الموهوبة إلى الميت؛ لأن الثواب هو الجنة، وليس في قدرة العبد أن يجعلها لنفسه فضلًا عن غيره. ثانيا: أن الإنسان لا يستحق جزاء عمل لم يعمله، كما يمتنع أن يوقع عليه عقوبة جريمة لم يقترفها. قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر:7]. ثالثا: العبادات البدنية شخصية، لا يجوز فيها النيابة إلا ما دل عليه الدليل. نوقش: أما عن أولا: فنسلم بأن ذلك ليس في مقدور العبد، لكنه في مقدور الله عز وجل؛ فواهب العمل يسأل الله عز وجل أن يوصل ثواب العمل إلى الموهوب إليه، والله على ذلك قادر. وأما عن ثانيا: فكما يجوز أن يوهب للإنسان مالٌ لم يكتسبه بعرقه، كذلك يجوز أن يوهب إليه عمل لم يفعله بنفسه. وأما ثالثا: فإن النية عمل شخصي؛ بل هي من أعمال القلب، ومع ذلك تصح النيابة فيها؛ بدليل جواز الحج عن الغير، والإحرام بالحج لا ينعقد بغير نية. ثالثا: أدلة القول الثالث: محاولة الجمع بين الأدلة الواردة، والتي استدل بها كل من أصحاب القول الأول وأصحاب القول الثاني. يقول الشيخ الألباني تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم:" أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد، فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك: "والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين ويصل إليهما ثوابها، بدون وصية منهما. ولما كان الولد من سعي الوالدين، فهو داخل في عموم قوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب، مما أورده المجد ابن تيمية في" المنتقى" كما فعل البعض. واعلم أن كل الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد، فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى" غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل، و لم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء، اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في "نيل الأوطار" ( 4 / 78 - 80 )، ثم الكاتب في كتابه " أحكام الجنائز و بدعها" يسر الله إتمام طبعه، من ذلك الدعاء للموتى فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك و تعالى . فاحفظ هذا تنج من الإفراط و التفريط في هذه المسألة، وخلاصة ذلك: أن للولد أن يتصدق، ويصوم، و يحج و يعتمر، و يقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما، و ليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه" .اهــ. الموازنة والترجيح: باستعراض أدلة الأقوال الثلاثة، وما وجه إليها من مناقشات، يتبين لنا صعوبة الترجيح في هذه القضية، وذلك لأمرين: الأول: أن الأدلة محتملة، وعلى كل منها ترد المناقشة، وبذلك يقوم الاحتمال. الثاني: أن القضية تتعلق بأمر غيبي، وعليه فالأحسن أن نكل العلم فيه إلى الله تعالى، وهذا منحى بعض علماء المالكية، وهو العلامة الصاوي، الذي ذيل قوله الذي نقلنا عنه آنفا، بتفويض العلم بحقيقة الحال في هذه القضية إلى الله، وعبارته باختصار: "والميت ينفعه صدقة عليه .. ودعاء له .. لا بالأعمال البدنية؛ كأن تهب له ثواب صلاة أو صوم أو قراءة قرآن كالفاتحة، وقيل ينتفع بثواب ذلك، والله أعلم بحقيقة الحال". هذا من جهة الترجيح النظري والبحث العلمي، ويبقى مقام الفتوى والعمل الفردي، والذي نختاره لذلك: القول الثاني، وهو القول بالمنع من إهداء ثواب الإعمال لغير، إلا ما استثناه الدليل، ويقوي ذلك أمران: الأول: أن من المعروف أهل العلم أن العبادة أمر توقيفي لا مجال للابتداع فيه، وحيث إن هذه العبادة، وهي إهداء الثواب للأموات، بقراءة القرآن، ونحو ذلك، لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه الكرام ولا التابعين لهم بإحسان، فالواجب التوقف حيث وقف النبي، وللقول بجوازها جائزة نحن بحاجة إلى دليل وبما أن الدليل غير متوفر يدل على عدم جواز هذه العبادة ولو قال قائل: ولكن كثيرا من أئمة العلم قالوا بجواز هذه العبادة .. قلنا لهم: العالم يستدل له ولا يستدل به . فالذين يقولون بجواز قراءة القرآن على الميت وإهداء ثوابه له يطالبون بالدليل، فإن لم يكن لديهم إلا القياس، قلنا:هل كان بمقدور النبي صلى الله عليه وسلم فعله أم لا سيقولون بالتأكيد: نعم كان بمقدوره فعله. نسألهم: إن كان بمقدوره فعله ولم يفعله لماذا؟ لم يجيبوا. وهنا تكون الحجة بإذن الله. الثاني: عمل السلف الصالح من الصحابة الأخيار، ومن تبعهم بإحسان، من أهل القرون المفضلة، وهم أدرى الناس بنصوص الوحيين، وأعقل الناس لتصرفاته صلى الله عليه وسلم. الحج والعمرة: اختلفت أقوال الفقهاء في انتفاع الميت بالحج والعمرة عنه، وهذي صورة خلافهم: المذهب الأول: يصل الحج والعمرة إلى الميت مطلقًا، أوصى أم لم يوص، ويقع عن المحجوج عنه. وهو قول الثوري، وابن المبارك()، وابن حبيب( )، وهو قول عند المالكية، والصحيح عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة.
ومن المعاصرين: الشيخ عبد العزيز بن باز( )، والشيخ ابن عثيمين( 77)، .
الحنفية:
قال السرخسي: «الصحيح من المذهب فيمن حج عن غيره أن أصْل الحج يكون عن المحجوج عنه، وأن إنفاق الحاج من مال المحجوج عنه كإنفاق المحجوج عنه من مال نفسه أن لو قدر على الخروج بنفسه»(79 ). وقال الزيلعي: «ثم الصحيح من المذهب، فيمن حج عن غيره، أن أصل الحج يقع عن المحجوج عنه»( 80). وقال في الاختيار لتعليل المختار: «الحج عن الغير...، ولا يجوز إلا عن الميت أو عن العاجز بنفسه عجزًا مستمرًا إلى الموت»().
المالكية: "الإجارة على الحج جائزة عن الميت إذا أوصى بها...، ومن تطوع بالحج أو العمرة عن غيره، بعد أن حج عن نفسه، فحسن إذا كان عن الميت، وإذا أوصى أن يحج عنه وارثه فذلك جائز، وله إجارة مثله، وما زاد على ذلك فهو وصية إن أجازه الورثة جاز، وإلا رجع ميراثًا. ويكره أن يتطوع بالحج قبل أن يؤدي فرضه، وأن يؤاجر نفسه في ذلك، فإن فعل شيئًا من ذلك نفذ عند مالك" . الشافعية: قال الشافعي رحمه الله تعالى: «لا أعلم أحدًا نسب إلى علم، ببلد يعرف أهله بالعلم، خالفنا في أن يحج عن المرء إذا مات الحجة الواجبة عنه، إلا بعض من أدركنا بالمدينة»().
قال الماوردي: «النيابة في الحج جائزة، والاستئجار على الحج جائز»( ).
وقال زكريا الأنصاري: «لا تدخل النيابة العبادة إلا في الحج عن الميت، أو المعضوب( )، والصوم عن الميت، ولا يدخل غيرهما إلا تبعًا»( 85).
وقال صاحب البيان: «الحج تدخله النيابة، ويقع الحج عن المحجوج عنه»( ).
الحنابلة: قال في الإنصاف: «ومن وجب الحج عليه فمات قبل فعله، وجب الحج عنه»( ).
وقال في موضع آخر: «يصح الاستنابة عن المعضوب والميت في النفل، إذا كانا قد حجا حجة الإسلام»( ).
وفي موضع ثالث قال: «شمل قوله (وأي قربة فعلها) الدعاء والاستغفار، والواجب الذي تدخله النيابة، وصدقة التطوع والعتق، وحج التطوع، فإذا فعلها المسلم وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إجماعًا، وكذا تصل إليه القراءة والصلاة والصيام»( ).
وجاء في العدة: «ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة ... فمتى لم يحج حتى توفي وجب أن يخرج من ماله ما يحج به عنه ويعتمر... والعمرة كالحج في القضاء فإنها واجبة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا رزين فقال: "حج عن أبيك واعتمر"()، ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله؛ لأنه دين مستقر عليه فيكون من رأس ماله كدين الآدمي»( ).
وقال ابن قدامة: «ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه، فرضًا كان أو تطوعًا؛ لأنها عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن البالغ العاقل بغير إذنه كالزكاة، فأما الميت فيجوز عنه بغير إذن، واجبًا كان أو تطوعًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت، وقد علم أنه لا إذن له، وما جاز فرضه جاز نفله كالصدقة»( ).
وتكلم البهوتي عن الحج المنذور قائلًا: «(وإن مات وعليه حج منذور فعل عنه) نص عليه؛ لما روى ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «نعم حجي عنها»()، (ولا يعتبر تمكنه) أي: الناذر (من الحج في حياته) ؛ لظاهر الخبر، ولأن النيابة تدخله حال الحياة في الجملة، فهو كنذر الصدقة والعتق، (وكذا العمرة المنذورة) حكمها حكم الحج في ذلك لمشاركتها له في المعنى.
ويجوز أن يحج عنه حجة الإسلام، ولو بغير إذن وليه؛ لشبهه بالدين في إبراء الذمة (وله) أي: الحاج عن الميت حجة الإسلام بغير إذن وليه (الرجوع على التركة بما أنفق) بنية الرجوع؛ لأنه قام بواجب»( 9).
المذهب الثاني: يجوز أن يحج عنه الحجة الواجبة، بشرط: أن يكون قد أوصى به قبل موته، ويكون ذلك من ثلث تركته، أما النافلة فلا يجوز. وهو قول مالك، وقول منسوب للشافعي ضعفه النووي. فأما المالكية: ففي المدونة: "قلت لابن القاسم: ما قول مالك فيمن مات وهو صرورة( ) فلم يوص أن يحج عنه، أيحج عنه أحد يتطوع بذلك عنه، ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي من الناس؟
قال: قال مالك: يتطوع عنه بغـير هذا؛ يهدي عنه، أو يتصدق عنه، أو يعـتق عنه"( ).
وعلق الحطاب قائلًا: «وقوله: "وهو صرورة" نبه به على أن غير الصرورة أولى بأن لا يحج عنه. وقال ابن يونس: قال مالك: لا ينبغي لأحد أن يحج عن حي زمن أو غيره، ولا أن يتطوع به عن ميت، صرورة كان أو لا، وليتطوع عنه بغير ذلك أحب إلي أن يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق»( ).
وقالوا: «ويكره تطوعه عنه بالحج»( ).
وأما قول الشافعي، فنقل النووي قائلًا: «وقد ذكر إمام الحرمين والبغوي والمتولي وآخرون من الأصحاب قولًا غريبًا للشافعي؛ أنه لا يحج عن الميت الحجة الواجبة إلا إذا أوصى حُجَّ عنه من الثلث، وهذا قول غريب ضعيف جدًا»( 101). المذهب الثالث: لا يصل الحج إلى الميت؛ بل يقع عن الحاج. وهو قول محمد بن الحسن من الحنفية، الذي قال: للمحجوج عنه ثواب النفقة، وبعض المالكية؛ لأنه لا تدخله النيابة.
وهو قول ابن عمر والنخعي والقاسم والمهلب( 102)، وقول الألباني( 3) من المعاصرين.
قال محمد بن الحسن: «للمحجوج عنه ثواب النفقة، فأما الحج يكون عن الحاج»(( . ومن المالكية قال الخرشي: «الحج الفرض لا يسقط عن صاحبه بحج الغير عنه، سواء كان ذلك المحجوج عنه حيًا أو ميتًا؛ لأن الحج لا يقبل النيابة على المذهب»().
وأما الشيخ الألباني فهو على قوله الذي ذكرناه آنفا، من تخصيص إهداء الثواب، بالأولاد مع والديهم، مستدلا بما نقلناه عنه. الأدلة: أولًا: أدلة أصحاب المذهب الأول: الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196]. وجه الاستدلال: أن لفظ: {وَأَتِمُّوا} أمر، والأمر يدل على الوجوب، وإذا ثبت هذا فمتى لم يحج حتى توفي وجب أن يخرج من ماله ما يحج به عنه ويعتمر( )؛ إتيانًا بالمأمور به في الآية.
نوقش: إنما المقصود من إتمام الحج والعمرة أنه يجب المضي في فاسدهما، وقضاؤه من العام المقبل، قال ابن عباس في قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}: «من أحرم بالحج أو بالعمرة فليس له أن يحل حتى يتمهما»().
وقد قيل في إتمامهما غير ذلك، فقال علي بن أبي طالب: «أن تحرم من دويرة أهلك». وقال سفيان الثوري: «إتمامهما أن تحرم من أهلك، لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة، حتى إذا كنت قريبًا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له، ولا تخرج لغيره». وقال مكحول: «إتمامهما إنشاؤهما جميعًا من الميقات». وقال عمر: «من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الآخر، وأن تعتمر في غير أشهر الحج»( ).
وفصل القرطبي الأمر فقال: «اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة لله، فقيل: أداؤهما والإتيان بهما، كقوله: {فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:124]، وقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، أي ائتوا بالصيام، وهذا على مذهب من أوجب العمرة، على ما يأتي. ومن لم يوجبها قال: المراد تمامهما بعد الشروع فيهما، فإن من أحرم بنسك وجب عليه المضي فيه ولا يفسخه، قال معناه الشعبي وابن زيد... وقال مقاتل: إتمامهما ألا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم، وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فقال: فأتموهما ولا تخلطوهما بشيء آخر... في هذه الآية دليل على وجوب العمرة؛ لأنه تعالى أمر بإتمامها كما أمر بإتمام الحج»( 108)، فليس في الآية دليل على ما تدعون. الدليل الثاني: عن ابن عباس أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج، قال: «حجي عن أبيك»(
وجه الاستدلال: واضح؛ حيث أجاز لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحج عن أبيها الذي مات ولم يحج، ولم يسألها النبي صلى الله عليه وسلم إن كان أوصى بالحج عنه أم لا، فالحديث نص في الموضوع. الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي أن أحج عنه؟ قال: «نعم»(.
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز للمرأة أن تحج عن أبيها وهو حي يرزق، فإذا جازت النيابة عن الحي لعدم قدرته على الحج، فعن الميت من باب أولى. نوقش: أولًا: هذا الحديث مخالف لظاهر القرآن؛ فقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، وقد صرحت هي أن أباها لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، وكل ما عارض القرآن يجب الإعراض عنه.
أجيب: إنما يكون مخالفًا للقرآن لو أوجبنا عليه الحج، أو أوجبنا على ابنته أن تحج عنه، لكننا نقول بالجواز لا بالوجوب. قال علماؤنا: «حديث الخثعمية ليس مقصوده الإيجاب، وإنما مقصوده الحث على بر الوالدين، والنظر في مصالحهما، دنيا ودينًا، وجلب المنفعة إليهما جبلة وشرعًا، فلما رأى من المرأة انفعالًا وطواعية ظاهرة، ورغبة صادقة في برها بأبيها، وحرصًا على إيصال الخير والثواب إليه، وتأسفت أن تفوته بركة الحج أجابها إلى ذلك»
ثانيًا: أنها كانت خصوصية لهذه المرأة، بدليل الزيادة التي وردت في بعض روايات الحديث: عن إبراهيم بن محمد العدوي النجاري: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتحجي عنه، وليس لأحد بعده».
أجيب: قد نقل ابن حزم نفسه ما نصه: «فأما الحديث الذي فيه: «وليس لأحد بعده»، ففي غاية السقوط والوهي؛ لأنه مرسل، ومع ذلك فيه مجهولان لا يعرف من هما، وهما: محمد بن عبد الله بن كريم، وإبراهيم بن محمد بن يحيى، وأحدهما من رواية عبد الملك ابن حبيب عن مطرف، عن مجهولين مرسل مع ذلك؛ فهو لا شيء».
الدليل الرابع: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك»
وجه الاستدلال: حيث جاء كلام النبي صلى الله عليه وسلم عامًا؛ يشمل من أوصى ومن لم يوص، ويشمل الواجب والنفل
الدليل الخامس: حديث ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج، أفأحج عنها؟ قال: «نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟»، قالت: نعم، فقال: «اقضوا الله الذي له، فإن الله أحق بالوفاء»( 117). الدليل السادس: قياسًا على الحقوق المالية؛ فالحج حق مستقر تدخله النيابة، فلم يسقط بالموت؛ كالدين . الدليل السابع: لزوم نية النائب أنه يحج عن المحجوج عنه، وضمانه ما أنفق من مال المحجوج عنه إذا نواه عن غير المحجوج عنه، دليل أن الحج يقع عن المحجوج عنه، "ألا ترى أنه لا بد له من أن ينوي عن المحجوج عنه، ولكن إذا خالف خرج من أن يكون بأمر المحجوج عنه، فكان واقعًا عن نفسه، فعليه موجبه، كالوكيل بالشراء إذا وافق كان مشتريًا لأمره، ولو خالف كان مشتريًا لنفسه"
ثانيًا: أدلة أصحاب المذهب الثاني: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]. وجه الاستدلال: الآية تبين أن القاعدة أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه فقط، فإذا أوصى فهذا يعتبر من سعي نفسه، أما إذا لم يوص فليس إلى جعله من سعيه سبيل. نوقش: بأن من الناس من يموت فجاءة فلا يستطيع أن يوصي، ولو أمهل لأوصى، ومن الناس من يصيبه مرض يعقد لسانه أو يغيب عقله، ولو لم يصيبه ذلك لأوصى. وربما يكون المرء على نية الحج العام أو العام المقبل، ثم يعاجله الموت فلا يمهله حتى يفعل، وما دام هؤلاء وغيرهم قد تركوا من المال ما يكفي أن يحج به عنهم، فجاز أن يحج به عنه غيره وإن لم يوص. وما دام ذلك من ماله هو فنرجو الله عز وجل أن يجعله من سعيه. الدليل الثاني: أن من مات صرورة ولم يوص، فإما أن يكون مستطيعًا فهو مفرط، وإما غير مستطيع فلا يجب عليه الحج أصلًا. ونوقش بما نوقش به الدليل السابق. أما دليلهم أن ذلك لا يكون إلا من ثلث مال الميت؛ فلأن الميت ليس له حق إلا في ثلث ماله، ودين العباد أقوى؛ لأنه مبني على المشاحَّة، ولأن له مطالِباً، بخلاف دَيْن الله تعالى؛ لأنه مبني على المسامحة، فلا يعتبر إلا من الثلث لعدم المنازع فيه(
نوقش: الميت إذا مات ولم يحج، ثم ترك مالًا يكفي للحج عنه، أصبح ذلك واجبًا في تركته( ، يقدم على ما عداه، ولما قارن الرسول صلى الله عليه وسلم بين دين الحج، الذي هو لله، وبين دين البشر قال للسائلة: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟»، قالت: نعم، فقال: «اقضوا الله الذي له، فإن الله أحق بالوفاء»
ثالثًا: أدلة أصحاب المذهب الثالث: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]. وجه الاستدلال: فأخبر الله تعالى أنه ليس له إلا ما سعى، فمن قال: إنه له سعي غيره فقد خالف ظاهر الآية. نوقش: وقد سبقت مناقشة هذه الآية من عدة وجوه، منها: أنه شرع من قبلنا، بدليل ما قبلها {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:36-38]. أو أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21]. أو أن المراد بالإنسان هنا الكافر. أو أن اللام في الآية بمعنى على. أو أنه سَعْي في جعل ثواب عمله لغيره فيكون له ما سعى، وغير ذلك. الدليل الثاني: قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]. وجه الاستدلال: حيث أوجب الله تعالى الحج على المستطيع دون غير المستطيع، والميت من غير المستطيعين، فلا يشمله الخطاب أصلًا؛ فلا حج واجب عليه أصلًا ليقضى عنه).
ونوقش: أن الاستطاعة ليست قاصرة على الاستطاعة بالنفس؛ بل قد يستطيع الإنسان بغيره ما لا يستطيعه بنفسه، قال ابن رشد: «ولا خلاف في اشتراط الاستطاعة في ذلك؛ لقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، وإن كان في تفصيل ذلك اختلاف، وهي بالجملة تتصور على نوعين: مباشرة ونيابة»(.
الدليل الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أوقصته راحلته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا»).
وجه الاستدلال:
هذا دال على أنه لا يحج أحد عن أحد؛ لأنه عمل بدني، كالصلاة لا تدخلها النيابة، ولو صحت فيها النيابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الحج عن هذا( .
نوقش: أن هذا قد شرع في الحج أصلًا، ومات أثناءه، فكأنه فعله وأتمه، فقد قال الله تعالى في المهاجر في سبيله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100]. وهذا الرجل قد مات على عرفة، بدليل ما جاء في رواية أخرى في الصحيحين أيضًا: بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، إذ وقع عن راحلته، فوقصته ...، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر، ليلة جمع، فقد تم حجه» )). ولفظ الترمذي: «الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج». وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «يبعث يوم القيامة ملبيًا»، فمثل هذا لا يحتاج أن يحج عنه أحد. أيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه لم يأمر بقضاء الحج عنه، فإنه كذلك لم ينه عن ذلك من أراد فعله من أهله. الدليل الثالث: عن ربيعة عن محمد بن الحارث التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحج أحد عن أحد، إلا ولد عن والد».
نوقش: نقل ابن حزم معلقًا على هذا الحديث وغيره: «فهذه تكاذيب، أول ذلك: أنها مرسلة، ولا حجة في مرسل...»(.
الدليل الرابع: عن ابن عمر قال: «لا يحج أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد»
نوقش: العبرة بما رفعه الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا في فهم الصحابي، وقد روينا أحاديث صحيحة، مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أن أذِن للغير أن يحج عن الميت وعن المريض الزمن، والحجة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا في كلام سواه. الدليل الخامس: أن الحج عبادة بدنية، والعبادات البدنية لا تجزي بالنيابة في أدائها؛ لأن الواجب عليه إنفاق المال في الطريق وأداء الحج، فإذا عجز عن أداء الحج بقي عليه مقدار ما يقدر عليه، وهو إنفاق المـال في الطريق، فلزمه دفع المال لينفقه الحاج في طريق الحج(
نوقش: أولًا: فرض الحج لا يسقط بهذا عن الحاج. ثانيًا: في هذه المسألة، إذا كان أكثر نفقته من مال نفسه حتى صار حجه عن نفسه كان ضامنًا لما أنفق من مال الميت، ولو كان للميت ثواب النفقة فقط لا يصير ضامنا؛ لأن ذلك قد حصل للميت، فلما قال يضمن ويحج به عن الميت من حيث يبلغ عُرْفَنا أن الحج عن الميت().
ثالثًا: حديث الخثعمية؛ حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «حجي عن أبيك»، أمرها بالحج عن أبيها، ولولا أن حجها يقع عن أبيها لما أمرها بالحج عنه(
رابعًا: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس دَيْن الله تعالى بدين العباد بقوله: «أرأيت لو كان على أبيك دين؟»، وذلك تجزئ فيه النيابة، ويقوم فعل النائب مقام فعل المنوب عنه، كذا هذا، والدليل عليه أن الحاج يحتاج إلى نية المحجوج عنه، كذا الإحرام، ولو لم يقع نفس الحج عنه لكان لا يحتاج إلى نيته(
الراجح: نميل إلى ترجيح المذهب الأول؛ القائل بوصول الحج إلى الميت مطلقًا، وذلك للأسباب التالية: أولًا: قوة أدلة هذا المذهب وصراحتها، ورد أصحابه عما وجه لهذه الأدلة من مناقشات، كذلك عدم نهوض أدلة المذهبين الآخرين للاحتجاج على ما أرادوا؛ فهي في أغلبها أدلة عامة، لا تعارض الأدلة الخاصة لأصحاب المذهب الأول، وما ورد منها خاصًا بهذا الموضوع فضعيفة الإسناد. ثانيًا: ورود الإذن الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عامًا غير مقيد ولا مستفصل، مما يعتبر نصًا في الموضوع. والعمرة مثل الحج في هذا الحكم، لذكرها في بعض الأحاديث مع الحج، ولدخول أعمالها في أعمال الحج، كما صح بذلك الحديث. الخاتمة: ونعرض فيها لأحكام هامة مترتبة على ما ذكرناه في هذا الباب، ومسائل يكثر السؤال عنها، وهي مأخوذة من فتاوى العلماء الثقات المشهورين، وأهمها ما يلي: حكم اهداء ثواب الطاعات الى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أكثر العلماء لم يستحب ذلك، بل رآه بدعة، فإن الصحابة لم يكونوا يفعلونه، والنبي صلى الله عليه وسلم له أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من أجر العامل شيء؛ لأنه الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم ودعاهم إليه، ومن دعا إلى هدي فله من الاجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم، وكل هدي وعلم، فإنما نالته أمته على يده، فله مثل أجر من اتبعه، أهداه إليه أو لم يهده. ونقل السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: " هذا مخترع من متأخري القراء، لا أعلم لهم سلفاً فيه " انتهى نقلاً من: "مواهب الجليل" (2/454،544). هذا مع أن قراءة القرآن وإهداء الثوب للأموات فيه خلاف بين العلماء، لكن حتى لو قيل بجوازه، فلا يجوز الإهداء للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يحصل به إلا حرمان العامل من الثواب من غير فائدة لغيره . حكم قراءة الفاتحة أو غيرها من القرآن على روح الميت.. على ما اخترناه، فإنه لم يأت ما يدل على شرعية ذلك بخصوصه، وإن كان قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القراءة تنفع الميت، قياسًا على ما ورد به النص، والأولى والأفضل والأحوط ترك ذلك، ولكن يدعى للميت، يستغفر له، يترحم عليه، يتصدق عنه بالمال بأنواع المال، يحج عنه يعتمر عنه، يقضى عنه الدين، كل هذا ينفع الميت، الميت ينتفع والفاعل من الأحياء يؤجر على ذلك أيضا . هل يصلي أحد عن الميت؟ وهل يصوم عنه وليه؟ ومن هو الولي؟ وهل صوم النافلة كالواجب؟ أما الصلاة عن الميت فليست مشروعة، وأما الصيام: فإذا كان عليه صوم بأن فرط ولم يصم، يصوم عنه أولياؤه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، فيصوم عنه ولده من ذكر أو أنثى أو زوجته أو غيرهما من قراباته، هذا طيب وينفع الميت، سواء كان صوم رمضان أو كفارة أو نذر كله يصام عن الميت، هذا على الصحيح. وقال بعض أهل العلم: إنما يصام عنه النذر خاصة، ولكن هذا قول ضعيف والأحاديث الصحيحة تدل على خلافه، الأحاديث الصحيحة دالة على أنه يصام عنه حتى رمضان ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) أخرجه الشيخان في الصحيحين. وفي الصحيح عن عدة من الصحابة أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن مات وعليه صوم شهر، وبعضهم قال صوم شهرين: أنصوم عنه؟ قال: (صوموا عنه)، ولم يستفصل هل هو رمضان هل هو كفارة هل هو نذر، فدل ذلك على أن الأمر عام، يعم الكفارة ويعم النذر ويعم رمضان. أما إذا كان الميت ما فرط يعني مات في مرضه، فهذا لا صوم عليه عند عامة أهل العلم، عند جمهور العلم، لا يقضى عنه صوم، ولا يطعم عنه؛ لأنه غير مفرط، بل هو معذور؛ لأن الله قال: وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة: 185]، والذي توفي في مرضه ما أدرك أياماً أخر، لذلك فهو معذور، وليس عليه صيام، وليس عليه إطعام، يعني ليس على ورثته إطعام ولا صيام. قراءة سورة يس على الموتى وعند الاحتضار ذهب جمهور العلماء (منهم الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى استحباب قراءة سورة يس عند المحتضر، واستدلوا على ذلك ببعض الأدلة، ولكنها لا تخلو من ضعف. وروى أحمد (4/105) (16521) عن صَفْوَان قال: حَدَّثَنِي الْمَشْيَخَةُ أَنَّهُمْ حَضَرُوا غُضَيْفَ بْنَ الْحَارِثِ الثُّمَالِيَّ (صحابي) حِينَ اشْتَدَّ سَوْقُهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ يس؟ قَالَ: فَقَرَأَهَا صَالِحُ بْنُ شُرَيْحٍ السَّكُونِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا قُبِضَ. قَالَ: فَكَانَ الْمَشْيَخَةُ يَقُولُونَ: إِذَا قُرِئَتْ عِنْدَ الْمَيِّتِ خُفِّفَ عَنْهُ بِهَا. قَالَ صَفْوَانُ: وَقَرَأَهَا عِيسَى بْنُ الْمُعْتَمِرِ عِنْدَ ابْنِ مَعْبَدٍ. قال الحافظ في "الإصابة"(5/324): إسناده حسن. وانظر: "المجموع" (5/105)، "شرح منتهى الإرادات" (1/341)، "حاشية ابن عابدين" (2/191). وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ ففي "الاختيارات" (ص 91): " والقراءة على الميت بعد موته بدعة، بخلاف القراءة على المحتضر، فإنها تستحب بياسين " انتهى. قالوا: والسبب في استحباب قراءتها: أن هذه السورة مشتملة على التوحيد والمعاد، والبشرى بالجنة لمن مات على التوحيد، بقوله: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي) فتستبشر الروح بذلك، فيسهل خروجها. انظر: "مطالب أولي النهى" (1/837). وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى كراهة قراءة سورة يس أو غيرها عند المحتضر، لضعف الحديث الوارد في ذلك، ولأنه ليس من عمل الناس. انظر: الفواكه الدواني" (1/284)، "شرح مختصر خليل" (2/137). قال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز": " وأما قراءة سورة يس عنده (يعني عند المحتضر)، وتوجيهه نحو القبلة، فلم يصح فيه حديث " انتهى. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: هل قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جائزة؟ فأجاب: " قراءة سورة (يس) عند الاحتضار جاءت في حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرأوا على موتاكم يس) صححه جماعة وظنوا أن إسناده جيد، وأنه من رواية أبي عثمان النهدي عن معقل بن يسار، وضعفه آخرون، وقالوا: إن الراوي له ليس هو أبا عثمان النهدي ولكنه شخص آخر مجهول. فالحديث المعروف فيه أنه ضعيف لجهالة أبي عثمان، فلا يستحب قراءتها على الموتى. والذي استحبها ظن أن الحديث صحيح فاستحبها، لكن قراءة القرآن عند المريض أمر طيب، ولعل الله ينفعه بذلك، أما تخصيص سورة (يس) فالأصل أن الحديث ضعيف فتخصيصها ليس له وجه " انتهى. "فتاوى ابن باز" (13/93). وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل قراءة سورة (يس) عند المحتضر ثابتة في السنة أم لا؟ فأجاب: " قراءة (يس) عند المحتضر سنة عند كثير من العلماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا على موتاكم يس)، لكن هذا الحديث تكلم فيه بعضهم وضعفه، فعند من صححه تكون قراءة هذه السورة سنة، وعند من ضعفه لا تكون سنة. والله أعلم " انتهى . "فتاوى ابن عثيمين" (17/72) . وقال أيضاً:
" (اقرأوا على موتاكم يس) هذا الحديث ضعيف، فيه شيء من الضعف، ومحل القراءة إذا صح الحديث عند الموت إذا أخذه النزع، فإنه يقرأ عليه سورة يس، قال أهل العلم: وفيها فائدة وهو تسهيل خروج الروح، لأن فيها قوله تعالى: (قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ) فيقرأها عند المحتضر هذا إن صح الحديث، وأما قراءتها على القبر فلا أصل له " انتهى. "فتاوى ابن عثيمين" (17/74) . في كثير من بلاد المسلمين استئجار قارئ يقرأ القران، فهل يجوز للقارئ ان يأخذ اجرًا على قراءته، وهل يأثم من يدفع له الاجر على ذلك؟ قراءة القران عبادة محضة، وقربة يتقرب بها العبد الى ربه، والاصل فيها وفي امثالها من العبادات المحضة ان يفعلها المسلم ابتغاء مرضاة الله، وطلبًا للمثوبة عنده، لا يبتغي بها من المخلوق جزاءً ولا شكورًا. وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يزور القبور للعظة والعبرة وتذكر الاخرة، وكان يدعو للمسلمين من اهلها، ويستغفر لهم ويسال الله لهم العافية، وكان يعلم اصحابه ان يقولوا اذا زاروا القبور: (السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وانا ان شاء الله بكم لاحقون، نسال الله لنا ولكم العافية)، ولم يثبت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما نعلم انه قرا قرانًا ووهب ثوابه للأموات، مع كثرة زيارته لقبورهم، ومع انه بالمؤمنين رؤوف رحيم. ولم يعرف عن السلف الصالح استئجار قوم يقرؤون القران للأموات او في ولائم او حفلات، ولم يؤثر عن احد من ائمة الدين انه امر بذلك او رخص فيه، ولم يعرف ايضًا عن احد منهم انه اخذ اجرة على تلاوة القران، بل كانوا يتلونه رغبة فيما عند الله سبحانه، وقد امر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قرا القران ان يسال به، وحذر من سؤال الناس، روى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين انه مر على قاص يقرا ثم سال؛ فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: من قرا القران فليسال الله به، فانه سيجيء أقوام يقرؤون القران يسالون به الناس) . وعليه، فمن اخذ اجرًا على نفس التلاوة او استأجر جماعة لتلاوة القران فهو مخالف للسنة، ولما اجمع عليه السلف الصالح، والأصل المنع من إعطاء الأجر أو طلب الأجر على ذلك . حكم الأربعينيّة التي تقام للميت والتي تستغل لذكر مناقبه وآثاره، ويقرأ فيها القرآن على روحه وحكم حضورها.. إقامة مأتم الأربعين للميت، من البدع المستحدثة التي لا دليل عليها ولو كان الغرض منها ما ذكر، وعليه فيتعين تركها وعدم حضورها ونصح الآخرين بعدم إقامتها والمشاركة فيها بأي وسيلة كانت . وأما إهداء القرآن للميت، فسبق ذكر الخلاف والاختيار فيه، مع العلم أنه إذا كان القارئ يأخذ أجرا على قراءته، فلا خلاف في عدم وصول ثواب القراءة للميت، كما أنه لا يجوز أصلا - على القول الراجح - أخذ أجرة على القراءة. الأضحية عن الميت، هل تسن؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: تصح وهو مذهب الجمهور ويصله ثوابها، ويؤيده ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما أن عليا رضي الله عنه كان يضحي عن النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين، وقال: إنه صلى الله عليه وسلم أمره بذلك. الثاني: لا تصح إلا إذا أوصى بها الميت وهو مذهب الشافعية، قال الإمام النووي رحمه الله في المنهاج: ولا تضحية عن الغير بغير إذنه، ولا عن ميت إن لم يوص بها. انتهى. الثالث: تكره وهو مذهب المالكية، قال الإمام خليل رحمه الله في مختصره في ذكر المكروهات في الأضحية: وكره جز صوفها... وفعلها عن ميت. انتهى. وقال في التوضيح: وقال مالك في الموازية: ولا يعجبني أن يضحي عن أبويه الميتين، قال: وإنما كره أن يضحى عن الميت لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، وأيضا فإن المقصود بذلك غالبا المباهاة والمفاخرة. انتهى . وقال الشيخ مشهور حسن سلمان: الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه لما ضحى قال: "من محمد وآل محمد وأمة محمد" صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما أخرج (مسلم) في صحيحه بإسناده، إلى عائشة رضي الله عنها قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به، فقال لها: {يا عائشة هلمي المدية}، ثم قال: {اشحذيها بحجر}، ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش، فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: {باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد} ثم ضحى به"، ففي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا تجوز الأضحية عن الميت استقلالاً، وإنما تجوز تبعاً، ولهذا قال الفقهاء: الواجب على كل بيت أضحيه واحدة وهذه الأضحية تجزئ عن الأحياء منهم والأموات. والعجب من الناس! فإنهم يقصرون في الأضحية في الحياة، ثم يتقصدون ويشعرون بالقصور إن تركت عن الأموات، وقد ذكر من جواز الأضحية عن الأموات استقلالاً لا تبعاً، قالوا: ومع ذلك فهذا عمل مرجوح لأنه لا إيثار في القربات فالأصل في الإنسان أن لا يؤثر غيره في القربات وإن كانا أبويه سواء كانا أحياء أو أمواتاً. ويؤكد ذلك هديه العملي صلى الله عليه وسلم، وصحبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم مات عمه في حياته وماتت زوجتان له، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة رضي الله تعالى عنهما، ومات قبله أيضاً ولده ابراهيم وثلاث من بناته، ولم يؤثر عنه قط أنه ضحى عن واحد من الأموات، فالأضحية تكون على أهل البيت الواحد أضحية واحدة على الوجوب، ويجوز الزيادة عليها، وهذه تجزئ عن الأحياء والأموات، ولا يشرع أن يخص الأموات بالأضحية دون الأحياء، والله الهادي الموفق. اهـ. المراد بالصدقة الجارية، وذكر أفضلها، وهل يَجوز للشَّخص أن يُشرك أكثر من ميِّت في ثوابها؟ الصدقة الجارية هي الوقف، وهي الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم (1631). قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث:" الصدقة الجارية هي الوقف " انتهى. " شرح مسلم " (11/85). وقال الخطيب الشربيني رحمه الله: "الصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية. "مغني المحتاج" (3/522-523). والصدقة الجارية هي التي يستمر ثوابها بعد موت الإنسان، وأما الصدقة التي لا يستمر ثوابها ـ كالصدقة على الفقير بالطعام ـ فليست صدقة جارية. وبناء عليه: فتفطير الصائمين وكفالة الأيتام ورعاية المسنين - وإن كانت من الصدقات - لكنها ليست صدقات جارية، ويمكنك أن تساهم في بناء دار لليتامى أو المسنين، فتكون بذلك صدقة جارية، لك ثوابها ما دامت تلك الدار ينتفع بها. وأنواع الصدقات الجارية وأمثلتها كثيرة، منها: بناء المساجد، وغرس الأشجار، وحفر الآبار، وطباعة المصحف وتوزيعه، ونشر العلم النافع بطباعة الكتب والأشرطة وتوزيعها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ) رواه ابن ماجه (رقم/242) قال المنذري في " الترغيب والترهيب " (1/78): إسناده حسن. وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ". وينبغي للمسلم أن يعدد مصارف صدقاته، حتى يكون له نصيب من الأجر مع أهل كل طاعة، فتجعل جزء من مالك لتفطير الصائمين، وجزء آخر لكفالة اليتيم، وثالثاً لدار المسنين، ورابعاً تساهم به في بناء مسجد، وخامسا لتوزيع الكتب والمصاحف، وهكذا . ويَجوز للشَّخص أن يُشرك أكثر من ميِّت في ثواب الصدقة الجارية؛ لحديث الأضحية السابق ذكره، وفيه أشرك النبي صلى الله عليه وسلم جميع من لم يضح من أمته في ثواب الأضحية.
قال ابن عابدين: "والأفضل لمن يتصدَّق نفلاً أن ينوي لِجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأنَّها تصل إليْهم، ولا ينقص من أجره شيء" . ___________
منقول
إهداء ثواب الذكر إلى أبويه
السؤال
هل لي أن أقول سبحان الله مائة مرة أو غير ذلك من الأذكار ، داعياً أن يكون ثواب ذلك لأبي أمي ؟ علماً أن أبي متوفى ، وأمي لا زالت على قيد الحياة .
الجواب
الحمد لله.
اختلف العلماء في جواز إهداء الثواب للموتى وهل يصلهم ذلك على قولين :
القول الأول : أن كل عمل صالح يهدى للميت فإنه يصله ، ومن ذلك قراءة القرآن والصوم والصلاة و غيرها من العبادات .
القول الثاني : أنه لا يصل إلى الميت شيء من الأعمال الصالحة إلا ما دل الدليل على أنه يصل . وهذا هو القول الراجح ، والدليل عليه قوله تعالى : وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى النجم/39
وقوله عليه الصلاة والسلام : إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له أخرجه مسلم (1631) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وقد مات عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه ، وزوجته خديجة ، وثلاث من بناته ، ولم يرد أنه قرأ عن واحد منهم القرآن ، أو ضحى أو صام أو صلى عنهم ، ولم ينقل شيء من ذلك عن أحد من الصحابة ، ولو كان مشروعاً لسبقونا إليه .
أما ما دل الدليل على استثنائه ووصول ثوابه إلى الميت فهو : الحج ، والعمرة ، والصوم الواجب ، والصدقة ، والدعاء .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ) : "ومن هذه الآية استنبط الشافعي ومن تبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة ، فذاك مجمع على وصولها ومنصوصٌ من الشارع عليها " ا.هـ ( تفسير ابن كثير 4/ 258 ) .
ثم لو سلمنا بأن ثواب الأعمال الصالحة كلها يصل إلى الميت فإن أفضل ما ينفع الميت هو الدعاء ، فلماذا نترك ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمور أخرى لم يفعلها ، ولم يفعلها أحد من أصحابه ؟! و الخير كل الخير في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه لله عن إهداء ثواب قراءة القرآن والصدقة للأم ، سواء كانت حية أم ميتة ، فأجاب :
" أما قراءة القرآن فقد اختلف العلماء في وصول ثوابها إلى الميت على قولين لأهل العلم ، والأرجح أنها لا تصل لعدم الدليل ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها لأمواته من المسلمين كبناته اللاتي مُتْن في حياته عليه الصلاة والسلام ، ولم يفعلها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فيما علمنا ، فالأولى للمؤمن أن يترك ذلك ولا يقرأ للموتى ولا للأحياء ولا يصلي لهم ، وهكذا التطوع بالصوم عنهم ؛ لأن ذلك كله لا دليل عليه ، والأصل في العبادات التوقيف إلا ما ثبت عن الله سبحانه أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم شرعيته . أما الصدقة فتنفع الحي والميت بإجماع المسلمين ، وهكذا الدعاء ينفع الحي والميت بإجماع المسلمين ، فالحي لا شك أنه ينتفع بالصدقة منه ومن غيره وينتفع بالدعاء ، فالذي يدعو لوالديه وهم أحياء ينتفعون بدعائه ، وهكذا الصدقة عنهم وهم أحياء تنفعهم ، وهكذا الحج عنهم إذا كانوا عاجزين لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فإنه ينفعهم ذلك ، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم : أن امرأة قالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال: " حجي عنه" وجاءه رجل آخر فقال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر ؟ قال:" حج عن أبيك واعتمر" فهذا يدل على أن الحج عن الميت أو الحي العاجز لكبر سنه أو المرأة العاجزة لكبر سنها جائز ، فالصدقة والدعاء والحج عن الميت أو العمرة عنه، وكذلك عن العاجز كل هذا ينفعه عند جميع أهل العلم، وهكذا الصوم عن الميت إذا كان عليه صوم واجب سواء كان عن نذر أو كفارة أو عن صوم رمضان لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق على صحته ، ولأحاديثٍ أخرى في المعنى ، لكن من تأخر في صوم رمضان بعذر شرعي كمرض أو سفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عنه ولا إطعام ؛ لكونه معذورا اهـ . "مجموع فتاوى ومقالات الشيح ابن باز" (4/348) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز أن يتصدق الرجل بمال ويشرك معه غيره في الأجر ؟ فأجاب : يجوز أن يتصدق الشخص بالمال وينويها لأبيه وأمه وأخيه ، ومن شاء من المسلمين ، لأن الأجر كثير ، فالصدقة إذا كانت خالصة لله تعالى ومن كسب طيب تضاعف أضعافاً كثيرة ، كما قال اله تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/261.
وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته " اهـ .
"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/249) .
وبما تقدم يتضح أن ما ذكرتَه من إهدائك أجرَ الذكرِ لوالديك لا يصح على القول الراجح ؛ سواء الحي منهما أو الميت ، وإنما الوصية لك بالإكثار من الدعاء لهما ، والصدقة عنهما , فإن الخير كل الخير في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .
المصدر الاسلام سؤال وجواب
نفس التمني للموت أقل أحواله أنه مكروه:
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لن يُدخِلَ أحدًا عَمَلُه الجَنَّةَ، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: لا، ولا أنا، إلَّا أن يتغَمَّدَنيَ اللهُ بفضلٍ ورحمةٍ، فسَدِّدوا وقارِبُوا، و *لا يتمنَيَنَّ أحدُكم الموتَ: إمَّا مُحسِنًا؛ فلعلَّه أن يزدادَ خيرًا، وإمَّا مُسيئًا؛ فلعَلَّه أن يَسْتَعْتِبَ* ))
: طول العمر للمؤمن الذي يعمل صالحاً خير له من الموت . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس من طال عمره وحسن عمله ) رواه أحمد والترمذي (110) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ) رواه الطبراني وأبو نعيم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3928) .
وروى أحمد (8195) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَجُلَانِ أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً . قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ : فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ ، فَرَأَيْتُ فِيهَا الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ ، فَعَجِبْتُ لِذَلِكَ ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ ! وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً ! صَلاةَ السَّنَةِ ) . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2591) . وقال العجلوني في "كشف الخفاء" : إسناده حسن .
وقال رجل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ) قَالَ : فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟ قَالَ : (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ) رواه أحمد والترمذي (2330) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " إِنَّ الأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ , فَمَنْ اِنْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ , وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا " انتهى .
ولذلك قيل لبعض السلف : طاب الموت !!
قال : يا ابن أخي ، لا تفعل ، لساعة تعيش فيها تستغفر الله ، خير لك من موت الدهر !
وقيل لشيخ كبير منهم : أتحب الموت ؟ قال : لا ، قد ذهب الشباب وشره ، وجاء الكبر وخيره ، فإذا قمت قلت : بسم الله ، وإذا قعدت قلت : الحمد لله ، فأنا أحب أن يبقى هذا !!
وكان كثير من السلف يبكي عند موته أسفا على انقطاع أعماله الصالحة .
ولأجل ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت ، لأنه يحرم المؤمن من خير الطاعة ، ولذة العبادة ، وفرصة التوبة ، واستدراك ما فات :
فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ , وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا ) رواه مسلم (2682) .
فجمع بين النهي عن تمني الموت ، والنهي عن الدعاء به على النفس .
وعند البخاري (7235) بلفظ : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ ) .
قَالَ النَّوَوِيّ : فِي الْحَدِيث التَّصْرِيح بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ فَاقَة ، أَوْ مِحْنَة بِعَدُوٍّ ، وَنَحْوه مِنْ مَشَاقّ الدُّنْيَا , فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضَرَرًا أَوْ فِتْنَة فِي دِينه فَلا كَرَاهَة فِيهِ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ فَعَلَهُ خَلَائِق مِنْ السَّلَف .
وَقَوْله " يَسْتَعْتِبُ " أَيْ يَسْتَرْضِي اللَّه بِالإِقْلاعِ وَالاسْتِغْفَار .
وفي تمني الموت معنى آخر يمنع منه :
وهو أن سكرات الموت شديدة ، وهول المطلع أمر فظيع ، ولا عهد للمرء بمثل ذلك ، ثم إن الإنسان لا يدري ما ينتظره بعد الموت ! نسأل الله السلامة ، فتمني الموت طلب لشيء لا عهد للمرء به ، وتغرير بنفسه ؛ وعسى إن تمنى الموتَ بسبب شدةٍ وقع فيها أن يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فلعله أن يهجم بعد الموت على ما هو أعظم وأشد مما هو فيه ؛ فتمني الموت حينئذ نوع من استعجال البلاء قبل وقوعه ، ولا ينبغي للعاقل أن يفعل ذلك ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ) متفق عليه ، وقد ورد في هذا المعنى حديث , ولكن ضعيف .
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قالُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطَّلَع شَدِيدٌ ، وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ ) رواه أحمد ، وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (885) .
وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت ، فقال : لا تتمن الموت ، فإنك ميت ، وسل الله العافية ، فإن الميت ينكشف له عن هول عظيم .
قال ابن رجب رحمه الله : " وقد كان كثير من الصالحين يتمنى الموت في صحته ، فلما نزل به كرهه لشدته ، ومنهم أبو الدرداء وسفيان الثوري ، فما الظن بغيرهما ؟!" .
والنهي عن تمني الموت إنما هو إذا كان بسبب ما يحصل للمرء من ضرر في أمور دنياه ، فإنّ تمني الموت حينئذ دليل على الجزع مما أصابه :
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ , فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي , وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ) متفق عليه .
وَقَوْله " مِنْ ضُرّ أَصَابَهُ " يعني بذلك الضرر الدنيوي كالمرض والابتلاء في المال والأولاد وما أشبه ذلك , وأما إذا خاف ضرراً في دينه كالفتنة فإنه لا حرج من تمني الموت حينئذٍ كما سيأتي .
ولعل هذا الذي طلب الموت ليستريح مما به من ضر ، لعله أن يزيد تعبه ، ويتصل ألمه وهو لا يدري ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَاتَتْ فُلَانَةُ ، وَاسْتَرَاحَتْ , فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ ) رواه أحمد (24192) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1710) .
ثانياً : هناك بعض الحالات يشرع تمني الموت فيها ، منها :
الأولى : أن يخشى على دينه من الفتن
ولا شك أن موت الإنسان بعيدا عن الفتن ، ولو كان عمله يسيرا ، خير له من أن يفتن في دينه ، نسأل الله السلامة .
فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ : الْمَوْتُ ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (813) .
وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال أيضاً : قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه : ( وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) رواه الترمذي (3233) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال ابن رجب رحمه الله : هذا جائز عند أكثر العلماء .
وعلى هذا يحمل ما ورد عن السلف في تمني الموت ؛ أنهم تمنوا الموت خوفاً من الفتنة .
روى مالك عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قال : لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي ، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلا مُفَرِّطٍ ) قال سعيد : فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رضي الله عنه .
وقال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : من رأى الموت يباع فليشتره لي !
"الثبات عند الممات" لابن الجوزي (ص 45) .
الثانية : أن يكون موته شهادة في سبيل الله عز وجل
وقد دل على مشروعية تمني الموت في هذه الحال كثير من الأحاديث ، منها :
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ) متفق عليه . فقد تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقتل في سبيل الله ، وما ذاك إلا لعظم فضل الشهادة .
وروى مسلم (1909) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) .
وقد كان السلف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم يحبون الموت في سبيل الله .
قال أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بشأن مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة : والله لأقاتلنه بقوم يحبون الموت كما يحب الحياة .
وكتب خالد بن الوليد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلى أهل فارس : والذي لا إله غيره لأبعثنَّ إليكم قوماً يحبُّون الموت كما تحبُّون أنتم الحياة .
وإنما كانت هذه المنزلة مرغوبة - لا حرمنا الله منها - وطلبها ممدوحا من كل وجه ، لأن من أعطيها لم يحرم أجر العمل الصالح الذي تطيب لأجله الحياة ، وتكون خيرا للمرء من الموت ، ثم إن الله تعالى يحمي صاحب هذه المنزلة من فتنة القبر .
فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ) رواه مسلم (1913) .
والخلاصة : أن يكره للمسلم أن يتمنى الموت إن كان ذلك بسبب ضر أصابه في الدنيا ، بل عليه أن يصبر ويستعين بالله تعالى ، ونسأل الله تعالى أن يفرج عنك ما أنت فيه من الهم . المصدر الاسلام سؤال وجواب
من دعا على نفسه بالموت قبل حلول الأجل فقد اعتدى في دعائه من جهتين:
من جهة عدم الإيمان بمضمون قوله تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) النحل/61،
عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نفث روح القدس في روعي: أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها؛ فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته) . رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/166) ، وصححه الألباني.
فكل شيء عند الله بأجل معلوم محدود، وإذا دعا أحد على نفسه بالموت قبل الأجل دل على وجود الخلل في إيمانه بالقضاء والقدر وفهمه له.
ومن جهة الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نهى أن يدعو المسلم بالموت على نفسه في أحاديث كثيرة، اتفق على صحتها أهل العلم جميعا.
هذا وإن كان أهل العلم يذكرون لتمني الموت حالات كثيرة، ولكل حالة حكمها، إلا أن الغالب في تمني الناس الموت إنما هو في الجانب المحظور الممنوع، ونحن ننقل هنا كلام أهل العلم في أقسام وحالات تمني الموت.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
" خرج الإمام أحمد من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة) – " مسند أحمد " (22/426) وحسنه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة -.
فتمني الموت يقع على وجوه:
1- منها: تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد: فينهى حينئذ عن تمني الموت، وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) - رواه البخاري (6351) ، ومسلم (2680) -. ووجه كراهيته في هذا الحال أن المتمني للموت لضر نزل به إنما يتمناه تعجيلا للاستراحة من ضره، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت، فلعله يصير إلى ضر أعظم من ضره، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يستريح من غفر له) – صحيح بطرقه، انظر " السلسلة الصحيحة " (1710) -، فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت، إلا أن يشترط أن يكون خيرا له عند الله عز وجل، فكذلك كل ما يعلم العبد فيه الخيرة له، كالغنى والفقر وغيرهما، كما يشرع له استخارة الله تعالى فيما يريد أن يعمله مما لا يعلم وجه الخيرة فيه، وإنما يسأل الله عز وجل على وجه الجزم والقطع مما يعلم أنه خير محض، كالمغفرة والرحمة والعفو والعافية والتقى والهدى ونحو ذلك.
2- ومنها: تمنيه خوف الفتنة في الدين:
فيجوز حينئذ، وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام، وفي حديث المنام: (وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون) .
3- ومنها:
تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتناما لحضورها: فيجوز ذلك أيضا، وسؤال الصحابة الشهادة وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور، وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام.
4- ومنها: تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز وجل: فهذا يجوز أيضا،
وقد فعله كثير من السلف:
قال أبو الدرداء:
أحب الموت اشتياقا إلى ربي.
وقال بو عنبسة الخولاني:
كان من قبلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد.
وقال بعضهم: طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك.
وقد دل على جواز ذلك قول الله عز وجل:
(قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت) البقرة/94،
وقوله:
(قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت) الجمعة/6،
فدل ذلك على أن أولياء الله لا يكرهون الموت، بل يتمنونه، ثم أخبر أنهم: (لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) الجمعة/7
فدل على أنه يكره الموت من له ذنوب يخاف القدوم عليها،
كما قال بعض السلف:
ما يكره الموت إلا مريب. وفي حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(أسألك لذة النظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة)
فالشوق إلى لقاء الله تعالى إنما يكون بمحبة الموت،
وذلك لا يقع غالبا إلا عند خوف ضراء مضرة في الدنيا، أو فتنة مضلة في الدين،
فأما إذا خلا عن ذلك كان شوقا إلى لقاء الله عز وجل، وهو المسؤول في هذا الحديث،
فالمطيع لله مستأنس بربه، فهو يحب لقاء الله، والله يحب لقاءه،
والعاصي مستوحش، بينه وبين مولاه وحشة الذنوب، فهو يكره لقاء ربه، ولا بد له منه.
قال ذو النون:
كل مطيع مستأنس، وكل عاص مستوحش.
قال أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما في وصيته له عند الموت:
إن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت ولا بد لك منه،
وإن ضيعتها لم يكن غائب أكره إليك من الموت ولن تعجزه. قال أبو حازم: كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه، ثم لا يضرك متى مت.
تمني الموت على غير الوجوه المتقدمة:
فقد اختلف العلماء في كراهيته واستحبابه، وقد رخص فيه جماعة من السلف، و كرهه آخرون.
وقد علل النهي عن تمني الموت في حديث جابر بعلتين:
إحداهما: أن هول المطلع شديد، وهول المطلع: هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من الأهوال التي لا عهد له بشيء منها في الدنيا، من رؤية الملائكة، ورؤية أعماله من خير أو شر، وما يبشر به عند ذلك من الجنة والنار، هذا مع ما يلقاه من شدة الموت وكربه وغصصه. قال الحسن: لو أعلم ابن آدم أن له في الموت راحة وفرحا لشق عليه أن يأتيه الموت، لما يعلم من فظاعته وشدته وهوله، فكيف وهو لا يعلم ما له في الموت: نعيم دائم، أو عذب مقيم. فالمتمني للموت كأنه يستعجل حلول البلاء، وإنما أمرنا بسؤال العافية.
وسمع ابن عمر رجلا يتمنى الموت فقال: لا تتمنى الموت فإنك ميت ولكن سل الله العافية.
قال إبراهيم بن أدهم: إن للموت كأسا، لا يقوى عليها إلا خائف وجل مطيع لله، كان يتوقعها.
حتى قال عمر عند موته: لو أن لي ما في الأرض لافتديت به من هول المطلع.
والعلة الثانية: أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا، فمن سعادته أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة إليه، والتوبة من ذنوبه السالفة، والاجتهاد في العمل الصالح، فإذا تمنى الموت فقد تمنى انقطاع عمله الصالح، فلا ينبغي له ذلك.
وفي المعنى أحاديث كثيرة، وكلها تدل على النهي عن تمني الموت بكل حال، وأن طول عمر المؤمن خير له، فإنه يزداد فيه خيرا.
" انتهى باختصار.
" لطائف المعارف " (295-305) ، وينظر: "شرح حديث عمار بن ياسر"، للحافظ ابن رجب الحنبلي، رحمه الله.
[المصدر]
الإسلام سؤال وجواب
نعم لكل حالة حكمها
يكره للمسلم تمني الموت أو الدعاء به مهما نزل به من البلاء أو الكرب أو ضيق الحال ولكن إن كان فاعلا فليدعو الله بأن يختار له ما كان أصلح له من الموت أو الحياة.
فعن أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم
(لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي)
متفق عليه.
فنهي المسلم عن ذلك لأن بقائه حيا خير له ليزداد من الطاعة ويتوب من المعصية كما في رواية البخاري
(إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب) ،
ولأنه من تمني وقوع البلاء واستعجاله وقد لا يطيق ذلك ولأنه فيه نوع من التسخط والجزع من قضاء الله وقدره.
وهذا النهي عن تمني الموت والدعاء به محمول عند أكثر العلماء على الضرر بالدنيا كالفقر والمرض وغيره ،
أما إذا تضرر الإنسان في دينه وخشي على نفسه الفتنة فلا بأس عليه أن يتمنى الموت وأن يدعو به ليسلم دينه ويموت على الإسلام .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه
(وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ) رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم
(لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ياليتني مكانه) رواه البخاري.
وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة فمن بعدهم.
فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
"اللهم انتشرت رعيتي، وكبرت سني، وضعف جسمي، فاقبضني إليك غير مفتون" .
وقال علي رضي الله عنه في آخر خلافته عندما رأى أن الأمور لا تجتمع له ولا يزداد الأمر إلاّ شدة:
"اللهم خذني إليك، فقد سئمتهم وسئموني .
" وقال البخاري رحمه الله لما وقعت الفتنة بينه وبين أمير خراسان وجرى فيها ما جرى، قال: "اللهم توفني إليك " .
وقال الإمام أحمد: "أنا أتمنى الموت صباحا ومساء أخاف أن أفتن في الدنيا".
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.[ للشيخ خالد البلهيد]
أَمَّا مَا صَحَّ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الضُّحَى هِيَ بِدْعَةٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّظَاهُرَ بِهَا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ أَصْلَهَا فِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا مَذْمُومٌ أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ بِدْعَةٌ أَيِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ وَهَذَا فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْبَابُ الْمُحَافَظَةِ فِي حَقِّنَا بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ أو يقال أن بن عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَأَمْرُهُ بِهَا وَكَيْفَ كَانَ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الضُّحَى وَإِنَّمَا نُقِلَ التوقف فيها عن بن مسعود وبن عُمَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
النووي رحمه الله
وَلَا يُقَالُ لِبَنَاتِهِنَّ هُنَّ أَخَوَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِأِخْوَانِهِنّ َ وَأَخَوَاتِهِنّ َ هُمْ أَخْوَالُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَاتُهُمْ.
البغوي في تفسيره.
بارك الله فيك
السؤال
صلاة الضحى هل تجب صلاتها كل يوم؟ لأننا سمعنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصليها يوما، وفي اليوم الذي يليه لا يصليها، هل هذا صحيح؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصلاة الضحى سنة، وليست واجبة؛ لما رواه مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.
فمن صلاها كل يوم حصل له خير كثير وأجر عظيم، ومن لم يصلها لا إثم عليه، كغيرها من السنن والمستحبات التي لا إثم في تركها.
وتستحب صلاتها كل يوم كما في وصية نبينا صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: «صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لغيرهما "أَمَرَنِي بِرَكْعَتَيِ الضُّحَى كُلَّ يَوْمٍ" ولحديث "من حافظَ على شُفْعَةِ الضُّحى، غُفِرَتْ ذنوبُهُ وإنْ كانَتْ مثلَ زَبَدِ البحرِ" رواه الترمذي وابن ماجه، وتكلم أهل العلم في سنده، وجاء في شرح عمدة الأحكام لسفاريني الحنبلي واستحبَّ الآجريُّ، وأبو الخطاب، وابن عقيل، وابن الجوزي، وصاحب المحرر، وغيرُهم المداومةَ عليها...، وهو ظاهر حديث أبي هريرة" وقال ابن باز ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى "صلاة الضحى سنة كل يوم".
وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحباب المواظبة عليها؛ لحثه عليها والترغيب فيها، ولأن من رحمته صلى الله عليه وسلم بعباد الله ترك بعض العمل، وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم كما جاء في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ قالت: إنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا».
قال العلماء معنى قولها:وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَةَ الضُّحَى. "أي: وما داوم عليها قط،
وقولها "وإني لأسبحها " أي: أداوم عليها، وفي الحديث إشارة إلى ذلك حيث قالت: وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.
وعلى ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها، ولكنه لا يداوم عليها، خشية أن يعمل الناس مثله فتفرض عليهم، ولم نقف على أنه كان يصليها يوما ويتركها يوما. المصدر الاسلام سؤال وجواب
هل يقال لإخوان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم أخوال للمؤمنين؟ وهل يقال لبناتهن أخوات للمؤمنين؟لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين في حكم التحريم دون المحرمية . تنازع العلماء في إخوانهن هل يقال لأحدهم خال المؤمنين ، وكذلك في بناتهن هل يقال لهن أخوات المؤمنين؟
الجواب
ولهم في هذه المسألة قولان
الأول : المنع من الإطلاق:
قال شيخ الإسلام: " ومن علماء السنة من قال: لا يطلق على إخوة الأزواج أنهم أخوال المؤمنين ، فإنه لو أطلق ذلك لأطلق على أخواتهن أنهن خالات المؤمنين ، ولو كانوا أخوالا وخالات لحرم على المؤمنين أن يتزوج أحدهم خالته وحرم على المرأة أن تتزوج خالها .
وقد ثبت بالنص والإجماع أنه يجوز للمؤمنين والمؤمنات أن يتزوجوا أخواتهن وإخوتهن ، كما تزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ، وولد له منها عبد الله والفضل وغيرهما ، وكما تزوج عبد الله بن عمر وعبيد الله ومعاوية وعبد الرحمن بن أبي بكر ومحمد بن أبي بكر من تزوجوهن من المؤمنات ، ولو كانوا أخوالا لهن لما جاز للمرأة أن تتزوج خالها .
قالوا: وكذلك لا يطلق على أمهاتهن أنهن جدات المؤمنين ، ولا على آبائهن أنهم أجداد المؤمنين؛ لأنه لم يثبت في حق الأمهات جميع أحكام النسب ، وإنما ثبت الحرمة والتحريم ، وأحكام النسب تتبعض ، كما يثبت بالرضاع التحريم والمحرمية ولا يثبت سائر أحكام النسب ، وهذا كله متفق عليه " .
وقال القرطبي : " قال قوم: لا يقال بناته أخوات المؤمنين ولا إخوانهن أخوال المؤمنين وخالاتهم ، قال الشافعي رضي الله عنه: تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة ولم يقل: هي خالة المؤمنين . . . "
الثاني :
جواز إطلاق ذلك: وهو كما يقول ابن كثير : " من باب إطلاق العبارة ، لا إثبات الحكم " قال شيخ الإسلام عقب كلامه السابق: " والذين أطلقوا على الواحد من أولئك أنه خال المؤمنين لم ينازعوا في هذه الأحكام ، ولكن قصدوا بذلك الإطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتهر ذكرهم لذلك عن معاوية رضي الله عنه كما اشتهر أنه كاتب الوحي ، وقد كتب الوحي غيره ، وأنه رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أردف غيره . . . . وقد أفرد القاضي أبو يعلى رحمه الله مصنفا في الدفاع عن معاوية وتبرئته من الظلم والفسق أسماه (تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنهما) عقد فيه فصلا نافعا بين فيه صحة هذا الإطلاق ، وذكر ما يشهد له ويدل عليه .
قال رحمه الله: " ويسمى إخوة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوال المؤمنين ولسنا نريد بذلك أنهم أخوال في الحقيقة كأخوال الأمهات من النسب ، وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام ، وهو التعظيم لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخال والد تعظيما له . وقد نص أحمد على إطلاق "هذه التسمية في رواية أبي طالب فقال: " معاوية خال المؤمنين وابن عمر خال المؤمنين وقال أبو بكر المروذي : سمعت هارون بن عبد الله يقول لأبي عبد الله: جاءني كتاب من الرقة أن قوما قالوا: لا نقول: معاوية خال المؤمنين . فغضب وقال: " ما اعتراضهم في هذا الموضع؟ يجفون حتى يتوبوا " . إلى أن قال: والدليل على أن هذه التسمية ليس طريقها اللغة والقياس وإنما طريقها التوقيف والشرع ، وقد ورد الشرع بتسمية الإخوة أخوالا .
ثم ساق بسنده إلى ابن عباس في هذه الآيةعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةًقال: " فكانت المودة التي جعلها الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فصارت أم المؤمنين ، ومعاوية خال المؤمنين " . ثم نقل عن ابن بطة ما رواه بإسناده . في جزء له فيه فوائد من تخريجاته عن محمد بن قحطبة الدمشقي قال: " جئت إلى معاوية بن أبي سفيان فقلت: يا أبا عبد الرحمن ، قد جاء الحسن بن علي بن أبي طالب زائرا فدعه يصعد المنبر . فقال: دعني أفتخر على أهل الشام . فقلت: شأنك وإياه . فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال له معاوية : سألتك بالله يا أبا محمد ، ألست من بطحاء مكة ؟ فقال: أي والله الذي لا إله إلا هو . قال: اللهم اشهد . ثم قال: سألتك بالله يا أبا محمد ، ألست خال المؤمنين؟ قال: أي والذي لا إله إلا هو . قال: اللهم اشهد . . . " وذكر الخبر بتمامه . ثم قال: ولأنه إذا جاز إطلاق تسمية الأمهات على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكونوا أمهات في الحقيقة؛ لأنه يجوز التزويج بأخواتهن وبناتهن ، وإنما جاز لأنهن في حكم الأمهات في تحريم العقد عليهن ، كذلك جاز إطلاق تسمية الأخوال على إخوانهن في بعض الأحكام وهو التعظيم لهن ، ولا معنى لقولهم: إن هذه التسمية طريقها التوقيف والشرع ، لم يرد بذلك توقيف؛ لأنا قد بينا وروده عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس ومنهم قول معاوية على المنبر ومنهم تصديق الحسن له على ذلك ، ولا معنى لقولهم: إنهم لو كن أخوالا لما جاز التزويج بهم " لأنا قد بينا أنا لا نطلق هذه التسمية حقيقة ، وإنما نطلقها على وجه التعظيم للحرمة .
فإن قيل: فهل تطلقون تسمية الخالات على أخواتهن؟ قيل: لا نطلق ذلك؛ لأنه لم يرد بذلك توقيف ، وقد ورد التوقيف في الأخوال . هذه التسمية طريقها التوقيف ، وعلى أنه لا يمتنع أن نطلق عليهم اسم الخالات ، وإن لم ينص على هذه التسمية؛ لأن الله تعالى نص على الأمهات والأخوات من الرضاعة ، ثم قد أطلق الفقهاء تسمية الخالات من الرضاعة ". ا هـ . وعلى كل فالإطلاق صحيح على وجه الاحترام والتوقير ، لا على وجه إثبات الحكم ، والله أعلم
الرئاسة العامة للبحوث والافتاء
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وفي حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَبْلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ سُنَّةٌ قَالَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مَرْجُوحَةٌ
النووي رحمه الله
الاضطجاع بعد ركعتي الفجر سنة ؛ لما روى البخاري (626) عن عائشة قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة ) .
ورواه مسلم (736) بأتم من هذا ، ولفظه : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعو الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن ، قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة ) .
وجاء في بعض الروايات أن الاضطجاع قبل أذان الفجر . قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم :
( والصحيح أو الصواب أن الاضطجاع بعد سنة الفجر ؛ لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه ) رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم . قال الترمذي هو حديث حسن صحيح . فهذا حديث صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع ، وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث ابن عباس قبلها فلا يخالف هذا ، فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعدُ ، ولعله صلى الله عليه وسلم ترك الاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بيانا للجواز لو ثبت الترك ، ولم يثبت ، فلعله كان يضطجع قبل وبعد . وإذا صح الحديث في الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل الموافقة للأمر به تعين المصير إليه ، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لم يجز رد بعضها ، وقد أمكن بطريقين أشرنا إليهما أحدهما : أنه اضطجع قبل وبعد . والثاني : أنه تركه بعدُ في بعض الأوقات لبيان الجواز . والله أعلم ) انتهى كلامه رحمه الله .
قال الحافظ :
وذهب بعض السلف إلى استحبابه في البيت دون المسجد وهو محكي عن ابن عمر ، وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد ، وصح عن ابن عمر أن كان يحصب [أي يرمي بالحصى] من يفعله في المسجد . أخرجه ابن أبي شيبة اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم هذا الاضطجاع :
والصحيح هو ما قاله شيخ الإسلام
أنه إذا كان الإنسان متعباً من تهجده فإنه يستريح يضطجع على جنبه الأيمن ،
وهذا بشرط ألا يخشى أن تغلبه النوم فتفوته الصلاة ، فإن خشي فلا ينم . اهـ
شرح رياض الصالحين (3/287) .
فالحكمة من هذا الاضطجاع الاستراحة من تعب قيام الليل حتى يجدد نشاطه لصلاة الفجر
، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس من الاضطجاع أقل من دقيقة كما ورد في السؤال لا يحصل به المقصود ،
ثم هو خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضطجع حتى يأتيه المؤذن لإقامة الصلاة .
المصدر الاسلام سؤال وجواب
قال ابن القيم في (الهدي) : وسمعت ابن تيمية يقول: هذا ليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر بها، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه. وعن ابن جريج، أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يضطجع لسنة، ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح. قال: وكان ابن عمر يحصبهم إذا رآهم يضطجعون على أيمانهم. وقد غلا في هذه الضجعة طائفتان فأوجبها جماعة من أهل الظاهر، وكرهها جماعة من الفقهاء، وتوسط فيها مالك وغيره فلم يروا بأسا لمن فعلها راحة، وكرهوها لمن فعلها استنانا. انتهى ملخصا.اقتباس:
قال الشيخ ابن عثيمين بعد أن ذكر اختلاف العلماء في حكم هذا الاضطجاع :
والصحيح هو ما قاله شيخ الإسلام
أنه إذا كان الإنسان متعباً من تهجده فإنه يستريح يضطجع على جنبه الأيمن ،
وهذا بشرط ألا يخشى أن تغلبه النوم فتفوته الصلاة ، فإن خشي فلا ينم . اهـ
شرح رياض الصالحين (3/287) .
فالحكمة من هذا الاضطجاع الاستراحة من تعب قيام الليل حتى يجدد نشاطه لصلاة الفجر
، وعلى هذا فما يفعله بعض الناس من الاضطجاع أقل من دقيقة كما ورد في السؤال لا يحصل به المقصود ،
ثم هو خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضطجع حتى يأتيه المؤذن لإقامة الصلاة .
كلام الامام ابن القيم بالتفصيل فى زاد المعاد فى هدى خير العباد
فَصْلٌ ضَجْعَتُهُ بَعْدَ سُنّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ:
وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ سُنّةِ الْفَجْرِ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ هَذَا الّذِي ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا. وَذَكَرَ التّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إذَا صَلّى أَحَدُكُمْ الرّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ. قَالَ التّرْمِذِيّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَسَمِعْت ابْنَ تيمية يَقُولُ هَذَا بَاطِلٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنّمَا الصّحِيحُ عَنْهُ الْفِعْلُ لَا الْأَمْرُ بِهَا وَالْأَمْرُ تَفَرّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَغَلِطَ فِيهِ وَأَمّا ابْنُ حَزْمٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فَإِنّهُمْ يُوجِبُونَ هَذِهِ الضّجْعَةَ وَيُبْطِلُ ابْنُ حَزْمٍ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَضْطَجِعْهَا وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي الْمُصَنّف عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنّ أَبَا مُوسَى وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَأَنَسَ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَضْطَجِعُونَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَيَأْمُرُونَ بِذَلِك وَذُكِرَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَفْعَلُهُ وَيَقُولُ كَفَانَا بِالتّسْلِيمِ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبِرْنِي مَنْ أُصَدّقُ أَنّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَقُولُ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ يَضْطَجِعُ لِسُنّةٍ وَلَكِنّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْصِبُهُمْ إذَا رَآهُمْ يَضْطَجِعُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الصّدّيقِ النّاجِي أَنّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى قَوْمًا اضْطَجَعُوا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ فَنَهَاهُمْ فَقَالُوا: نُرِيدُ بِذَلِكَ السّنّةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ارْجِعْ إلَيْهِمْ وَأَخْبِرْهُمْ أَنّهَا بِدْعَةٌ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْهَا فَقَالَ يَلْعَبُ بِكُمْ الشّيْطَان. قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا بَالُ الرّجُلِ إذَا صَلّى الرّكْعَتَيْنِ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الْحِمَارُ إذَا تَمَعّك وَقَدْ غَلَا فِي هَذِهِ الضّجْعَةِ طَائِفَتَانِ وَتَوَسّطَ فِيهَا طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ فَأَوْجَبَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظّاهِرِ وَأَبْطَلُوا الصّلَاةَ بِتَرْكِهَا كَابْنِ حَزْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَكَرِهَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَسَمّوْهَا بِدْعَةً وَتَوَسّطَ فِيهَا مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فَلَمْ يَرَوْا بِهَا بَأْسًا لِمَنْ فَعَلَهَا رَاحَةً وَكَرِهُوهَا لِمَنْ فَعَلَهَا اسْتِنَانًا وَاسْتَحَبّهَا طَائِفَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ اسْتَرَاحَ بِهَا أَمْ لَا وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَاَلّذِينَ كَرِهُوهَا مِنْهُمْ مَنْ احْتَجّ بِآثَارِ الصّحَابَةِ كَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ فَعَلَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ فِعْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا وَقَالَ الصّحِيحُ أَنّ اضْطِجَاعَهُ كَانَ بَعْدَ الْوِتْرِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَمَا هُوَ مُصَرّحٌ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ وَأَمّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَاخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ شِهَابٍ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ عَنْهُ فَإِذَا فَرَغَ يَعْنِي مِنْ قِيَامِ اللّيْلِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ حَتّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذّنُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ أَنّ الضّجْعَةَ قَبْلَ سُنّةِ الْفَجْرِ وَقَالَ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذّنُ مِنْ أَذَانِ الْفَجْرِ وَتَبَيّنَ لَهُ الْفَجْرُ وَجَاءَهُ الْمُؤَذّنُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ. قَالُوا: وَإِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ لِأَنّهُ أَثْبَتُهُمْ فِيهِ وَأَحْفَظُهُمْ. وَقَالَ الْآخَرُونَ بَلْ الصّوَابُ فِي هَذَا مَعَ مَنْ خَالَفَ مَالِكًا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ: رَوَى مَالِكٌ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي مِنْ اللّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ حَتّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذّنُ فَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَخَالَفَ مَالِكًا عُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَشُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَالْأَوْزَاعِي ّ وَغَيْرُهُمْ فَرَوَوْا عَنْ الزّهْرِيّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَرْكَعُ الرّكْعَتَيْنِ لِلْفَجْرِ ثُمّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ حَتّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذّنُ فَيَخْرُجُ مَعَهُ فَذَكَرَ مَالِكٌ أَنّ اضْطِجَاعَهُ كَانَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَفِي حَدِيثِ الْجَمَاعَةِ أَنّهُ اضْطَجَعَ بَعْدَهُمَا فَحَكَمَ الْعُلَمَاءُ أَنّ مَالِكًا أَخْطَأَ وَأَصَابَ غَيْرُهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ حَدّثَنَا أَبُو الصّلْتِ عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ اضْطَجَعَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ شُعْبَةُ لَا يَرْفَعُهُ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَضْطَجِعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ لَا عَائِشَةُ تَرْوِيهِ وَابْنُ عُمَرَ يُنْكِرُهُ. قَالَ الْخَلّالُ وَأَنْبَأَنَا الْمَرْوَزِيّ أَنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ قَالَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَ بِذَاكَ. قُلْت: إنّ الْأَعْمَشَ يُحَدّثُ بِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ يُحَدّثُ بِهِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ: إنّ أَبَا عَبْدِ اللّهِ سُئِلَ عَنْ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ مَا أَفْعَلُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ رَجُلٌ فَحَسَنٌ. انْتَهَى. فَلَوْ كَانَ حَدِيثُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ صَحِيحًا عِنْدَهُ لَكَانَ أَقَلّ دَرَجَاتِهِ عِنْدَهُ الِاسْتِحْبَابَ وَقَدْ يُقَالُ إنّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا رَوَتْ هَذَا وَرَوَتْ هَذَا فَكَانَ يَفْعَلُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَإِنّهُ مِنْ الْمُبَاحِ وَاللّهُ أَعْلَمُ. وَفِي اضْطِجَاعِهِ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ سِرّ وَهُوَ أَنّ الْقَلْبَ مُعَلّقٌ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَإِذَا نَامَ الرّجُلُ عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْسَرِ اسْتَثْقَلَ نَوْمًا لِأَنّهُ يَكُونُ فِي دَعَةٍ وَاسْتِرَاحَةٍ فَيَثْقُلُ نَوْمُهُ فَإِذَا نَامَ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ فَإِنّهُ يَقْلَقُ وَلَا يَسْتَغْرِقُ فِي النّوْمِ لِقَلَقِ الْقَلْبِ وَطَلَبِهِ مُسْتَقَرّهُ وَمَيْلِهِ إلَيْهِ وَلِهَذَا اسْتَحَبّ الْأَطِبّاءُ النّوْمَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ لِكَمَالِ الرّاحَةِ وَطِيبِ الْمَنَامِ وَصَاحِبِ الشّرْعِ يَسْتَحِبّ النّوْمَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِئَلّا يَثْقُلَ نَوْمُهُ فَيَنَامُ عَنْ قِيَامِ اللّيْلِ فَالنّوْمُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَنْفَعُ لِلْقَلْبِ وَعَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ أَنْفَعُ لِلْبَدَنِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.
قال ابنُ عثيمين:
(أمَّا مرورُها بالمسجِدِ، فلا بأسَ به، بشرْطِ أن تأمَنَ تلويثَ المسجدِ ممَّا يخرجُ منها من الدَّم). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/273).
وأما الظاهرية فيرون جواز مكثها في المسجد . لعدم دلالة النص ووجوده
نعم بارك الله فيك
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لا يحل للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض أو نفساء، أما المرور فلا بأس إذا دعت إليه الحاجة وأمن تنجيسها المسجد، لقول الله تعالى: ولا جنبا إلا عابري سبيل نعم حجة الظاهرية والمزني من الشافعية فى جواز اللبث في المسجد مطلقا، فإنهم احتجوا بالأصل وهو جواز المكث ولم ينهض عندهم دليل على المنع، واحتجوا كذلك بمكث أهل الصفة في المسجد وببعض وقائع الأحوال كخبر المرأة التي كانت تقم المسجد وقصة ذات الوشاح ونحوها ممّا يدل على جواز مكث الرجال والنساء في المسجد من غير تفصيل، - المصدر الاسلام سؤال وجواب
قال النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب:
ﺛﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻗﻔﻪ اﻷﻭﻝ ﻗﺒﺎﻟﺔ ﻭﺟﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ *ﻭﻳﺘﻮﺳﻞ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺣﻖ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻳﺴﺘﺸﻔﻊ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ* ﻭﻣﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻣﺎ ﺣﻜﺎﻩ اﻟﻤﺎﻭﺭﺩﻱ ﻭاﻟﻘﺎﺿﻲ ﺃﺑﻮ اﻟﻄﻴﺐ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺃﺻﺤﺎﺑﻨﺎ *ﻋﻦ اﻟﻌﺘﺒﻲ ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﻴﻦ ﻟﻪ* ﻗﺎﻝ (ﻛﻨﺖ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﺠﺎء ﺃﻋﺮاﺑﻲ ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻚ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻠﻪ ﻳﻘﻮﻝ (ﻭﻟﻮ ﺃﻧﻬﻢ ﺇﺫ ﻇﻠﻤﻮا ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺟﺎءﻭﻙ ﻓﺎﺳﺘﻐﻔﺮﻭا اﻟﻠﻪ ﻭاﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻬﻢ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻟﻮﺟﺪﻭا اﻟﻠﻪ ﺗﻮاﺑﺎ ﺭﺣﻴﻤﺎ) ﻭﻗﺪ ﺟﺌﺘﻚ ﻣﺴﺘﻐﻔﺮا ﻣﻦ ﺫﻧﺒﻲ
*ﻣﺴﺘﺸﻔﻌﺎ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻲ* ﺛﻢ ﺃﻧﺸﺄ ﻳﻘﻮﻝ
* ﻳﺎ ﺧﻴﺮ ﻣﻦ ﺩﻓﻨﺖ ﺑﺎﻟﻘﺎﻉ ﺃﻋﻈﻤﻪ
* ﻓﻄﺎﺏ ﻣﻦ ﻃﻴﺒﻬﻦ اﻟﻘﺎﻉ ﻭاﻷﻛﻢ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﻔﺪاء ﻟﻘﺒﺮ ﺃﻧﺖ ﺳﺎﻛﻨﻪ
* ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻔﺎﻑ ﻭﻓﻴﻪ اﻟﺠﻮﺩ ﻭاﻟﻜﺮﻡ ﺛﻢ اﻧﺼﺮﻑ ﻓﺤﻤﻠﺘﻨﻲ ﻋﻴﻨﺎﻱ ﻓﺮﺃﻳﺖ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻨﻮﻡ ﻓﻘﺎﻝ ﻳﺎ ﻋﺘﺒﻲ اﻟﺤﻖ اﻷﻋﺮاﺑﻲ ﻓﺒﺸﺮﻩ ﺑﺄﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻗﺪ ﻏﻔﺮ ﻟﻪ)
بارك الله فيك
التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم معناه : أن يدعو الداعي ربه سبحانه وتعالى ، لكنه في أثناء دعائه يذكر ذات النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لإجابة دعائه ، أو تعجيل حاجته ، فيقول : أسألك بحق النبي ، أو : بجاه النبي ، أو نحو ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/337-338) ـ :
" والسائل لله بغير الله إما أن يكون مقسما عليه ، وإما أن يكون طالبا بذلك السبب ، كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم ، وكما يتوسل بدعاء الأنبياء والصالحين .
فإن كان إقساما على الله بغيره : فهذا لا يجوز .
وإن كان سؤالا بسبب يقتضى المطلوب ، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله ، مثل السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك : فهذا جائز .
وإن كان سؤالا بمجرد ذات الأنبياء والصالحين : فهذا غير مشروع ، وقد نهى عنه غير واحد من العلماء ، وقالوا : إنه لا يجوز . ورخص فيه بعضهم ، والأول أرجح كما تقدم؛ وهو سؤال بسبب لا يقتضى حصول المطلوب .
بخلاف من كان طالبا بالسبب المقتضى لحصول المطلوب ، كالطلب منه سبحانه بدعاء الصالحين وبالأعمال الصالحة : فهذا جائز ، لأن دعاء الصالحين سبب لحصول مطلوبنا الذي دَعَوا به .
وكذلك الأعمال الصالحة سبب لثواب الله لنا ، وإذا توسلنا بدعائهم وأعمالنا : كنا متوسلين إليه تعالى بوسيلة ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) المائدة/35 ، والوسيلة هي الأعمال الصالحة . وقال تعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الإسراء /57 .
وأما إذا لم نتوسل إليه سبحانه بدعائهم ولا بأعمالنا ، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم : لم يكن نفس ذواتهم سببا يقتضى إجابة دعائنا ، فكنا متوسلين بغير وسيلة ، ولهذا لم يكن هذا منقولا عن النبي صلى الله عليه و سلم نقلا صحيحا ، ولا مشهورا عن السلف ." انتهى .
ثانيا :
ليس معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه عند الله عز وجل ، ولا منزلة لديه سبحانه ، كما يقوله من يفتري على السلفيين ، شيخ الإسلام ومن وافقه على ذلك ، وأنهم يتجرؤون على مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، وحاشاهم من ذلك ، وهو صاحب المقام المحمود ، والمنزلة الرفيعة ، وسيد ولد آدم ، صلى الله عليه وسلم ، لكن مقامه الكريم على الله ليس معناه أن نسأل أو نتوسل به .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" ما بيّن الله ورسوله أنه حق للعباد على الله فهو حق ؛ لكن الكلام في السؤال بذلك ، فيقال : إن كان الحق الذي سأل به سببا لإجابة السؤال : حسُن السؤال به ، كالحق الذي يجب لعابديه وسائليه .
وأما إذا قال السائل : بحق فلان وفلان ، فأولئك ، إن كان لهم عند الله حق أن لا يعذبهم وأن يكرمهم بثوابه ويرفع درجاتهم كما وعدهم بذلك وأوجبه على نفسه ، فليس في استحقاق أولئك ما استحقوه من كرامة الله ، ما يكون سببا لمطلوب هذا السائل ؛ فإن ذلك استحق ما استحقه بما يسره الله له من الإيمان والطاعة ، وهذا لا يستحق ما استحقه ذلك ؛ فليس في إكرام الله لذلك سبب يقتضى إجابة هذا .
وإن قال : السبب هو شفاعته ودعاؤه ، فهذا حق إذا كان قد شفع له ودعا له ، وإن لم يشفع له ولم يدع له لم يكن هناك سبب " . انتهى .
وقال أيضا ـ مجموع الفتاوى (1/278) ـ :
" ومعلوم أن الواحد بعد موته إذا قال : اللهم فشفعه في وشفعني فيه ، مع أن النبي لم يدع له : كان هذا كلاما باطلا " . انتهى .
ثالثا :
مدار فهم هذه المسألة أن نعلم أن الدعاء عبادة ، بل هو من أجل العبادات لله تعالى ، كما قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ . قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) رواه أبو داود (1479) وغيره ، وصححه الألباني .
والعبادات مبناها على التوقيف ، يعني : على ورود الشرع بها ، كما قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) ، من حديث عائشة رضي الله عنها .
وفي رواية لمسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) .
قال الإمام النووي رحمه الله :
" قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة : ( الرَّدّ ) هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود , وَمَعْنَاهُ : فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ .
وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَ ات .
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة زِيَادَة وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ يُعَانِد بَعْض الْفَاعِلِينَ فِي بِدْعَة سَبَقَ إِلَيْهَا , فَإِذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَقُول : أَنَا مَا أَحْدَثْت شَيْئًا فَيُحْتَجّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيح بِرَدِّ كُلّ الْمُحْدَثَات , سَوَاء أَحْدَثَهَا الْفَاعِل , أَوْ سَبَقَ بِإِحْدَاثِهَا .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث : دَلِيل لِمَنْ يَقُول مِنْ الْأُصُولِيِّين َ : إِنَّ النَّهْي يَقْتَضِي الْفَسَاد . وَمَنْ قَالَ : لَا يَقْتَضِي الْفَسَاد يَقُول هَذَا خَبَر وَاحِد , وَلَا يَكْفِي فِي إِثْبَات هَذِهِ الْقَاعِدَة الْمُهِمَّة , وَهَذَا جَوَاب فَاسِد . وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ " انتهى .
فإذا علمنا هذا الأصل ، علمنا أنه لا يجوز لنا أن نفعل شيئا على وجه العبادة لله تعالى ، إلا شيئا جاء به الشرع من المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وسواء كان الذي فعلناه اختراعا من عند أنفسنا ، أو اتباعا لغيرنا فيه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله ـ مجموع الفتاوى (1/265) ـ :
" ولا يجوز أن يكون الشيء واجبا أو مستحبا إلا بدليل شرعي يقتضى إيجابه أو استحبابه والعبادات لا تكون إلا واجبة أو مستحبة فما ليس بواجب ولا مستحب فليس بعبادة والدعاء لله تعالى عبادة إن كان المطلوب به أمرا مباحا " انتهى .
وقال أيضا ـ الفتاوى (1/278) ـ :
" والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم : لم يأمر به ، والذي أمر به : ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومثل هذا لا تثبت به شريعة ، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات ، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه ، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه: لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها ، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد ، ومما تنازعت فيه الأمة ، فيجب رده إلى الله والرسول ، ولهذا نظائر كثيرة " .
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن : مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقول في دعائه: اللهم أعطني كذا وكذا من خيري الدنيا والآخرة ، بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو ببركة الرسول ، أو بحرمة المصطفى ، أو بجاه الشيخ التيجاني ، أو ببركة الشيخ عبد القادر، أو بحرمة الشيخ السنوسي فما الحكم ؟
فأجابوا :
" من توسل إلى الله في دعائه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو حرمته أو بركته أو بجاه غيره من الصالحين أو حرمته أو بركته ، فقال: ( اللهم بجاه نبيك أو حرمته أو بركته أعطني مالا وولدا أو أدخلني الجنة وقني عذاب النار) مثلا ، فليس بمشرك شركا يخرج عن الإسلام ، لكنه ممنوع سدا لذريعة الشرك ، وإبعادا للمسلم من فعل شيء يفضي إلى الشرك .
ولا شك أن التوسل بجاه الأنبياء والصالحين وسيلة من وسائل الشرك التي تفضي إليه على مر الأيام، على ما دلت عليه التجارب وشهد له الواقع ، وقد جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعه على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، من ذلك قوله تعالى : ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام /108
فنهى سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله ، مع أنها باطلة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإلهَ الحقَ سبحانه ، انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوانا ، ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ؛ خشية أن تعبد، ومنها: تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، وتحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب ... ولأن التوسل بالجاه والحرمة ونحوهما في الدعاء عبادة ، والعبادة توقيفية ، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ما يدل على هذا التوسل ، فعلم أنه بدعة ..." انظر : فتاوى اللجنة الدائمة (1/501-502) .
رابعا :
قول السائل في سؤاله إن ابن تيمية أول من حرمه : غير صحيح ؛ وإنما هو تلقى ذلك عن أعداء شيخ الإسلام رحمه الله ، وقد تعرض شيخ الإسلام رحمه الله ، في رده على الأخنائي ، وهو أحد خصومه الذين رموه بهذه الفرية ، فقال في حق شيخ الإسلام : " كم لصاحب هذه المقالة من مسألة خرق فيها الإجماع " ، فرد عليه شيخ الإسلام من وجوه عديدة ، فقال في ضمن ذلك:
" الوجه السادس : أنه إنما يقبل قول من يدعي أن غيره يخالف الإجماع إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع ، وهذا يحتاج إلى علم عظيم ، يظهر به ذلك ، لا يكون مثل هذا المعترض الذي لا يعرف نفس المذهب الذي انتسب إليه ، ولا ما قال أصحابه .. ، فكيف يعرف مثل هذا إجماع علماء المسلمين ، مع قصوره وتقصيره في النقل والاستدلال ؟!
الوجه السابع : أن لفظ (كم) يقتضي التكثير ، وهذا يوجب كثرة المسائل التي خرق المجيب فيها الإجماع . والذين هم أعلم من هذا المعترض وأكثر اطلاعا : اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد ، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع ، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع ، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق ، وكان فيها من النزاع نقلا ، ومن الاستدلال فقها وحديثا : ما لم يطلع عليه .
الوجه الثامن : أن المجيب [ يعني : شيخ الإسلام نفسه ] ـ ولله الحمد ـ لم يقل قط في مسألة إلا بقول قد سبقه إليه العلماء ؛ فإن كان قد يخطر له ويتوجه له ، فلا يقوله ولا ينصره إلا إذا عرف أنه قد قاله بعض العلماء ، كما قال الإمام أحمد : إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ؛ فمن كان يسلك هذا المسلك ، كيف يقول قولا يخرق فيه إجماع المسلمين ، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين ؟! " انتهى . من الرد على الأخنائي (457-458) .
خامسا :
هذه المسألة المذكورة ، والتي زعم السائل فيها ، تبعا لغيره ، أن شيخ الإسلام خالف فيها الإجماع ، قد ثبت فيها النصوص عن غير واحد من العلماء ، وخاصة الأحناف بالمنع منها ، والنهي عنها .
قال العلامة الحصكفي في الدر المختار (5/715) :
" وفي التاترخانية معزيا للمنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) " .
ونفس النص في المحيط البرهاني (5/141) .
قال العلامة الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع (5/126) :
" وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك وَبِحَقِّ فُلَانٍ ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ ".
ونفس النص في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، للزيلعي (6/31) ونسب القول بذلك إلى الثلاثة ، يعني : أبا حنيفة ، وصاحبيه : أبا يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والعناية شرح الهداية للبابرتي (10/64) ، وفتح القدير لابن الهمام (10/64) ، وفي درر الحكام (1/321) ، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر(2554) .
قال السيد نعمان خير الدين الآلوسي الحنفي ، رحمه الله في جلاء العينين (516-517) :
" وفي جميع متونهم : أن قول الداعي المتوسل : بحق الأنبياء والأولياء ، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام : مكروه كراهة تحريم ، وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد ، وعللوا ذلك بقولهم : لأنه لا حق للمخلوق على الخالق " انتهى .
وانظر ما نقله السيد نعمان عن العلامة السويدي الشافعي : جلاء العينين (505) وما بعدها .
ولعله تبين مما سبق من النقول المستفيضة : لماذا يمنع السلفيون من ذلك النوع من التوسل ، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية ليس أول من منع من ذلك ، ولا هو آخرهم أيضا .
وانظر جواب السؤال رقم (979) ، ورقم (60041) ، ورقم (23265) .
https://islamqa.info/ar/answers
قال الشيخ صالح ال الشيخ فى التمهيد فى الفرق بين التوسل والشفاعة
التوسل: هو اتخاذ الوسيلة، والوسيلة: هي الحاجة نفسها، أو ما يوصل إلى الحاجة
وقد يكون ذلك التوسل باستشفاع، يعني: بطلب شفاعة، بمعنى أنه يريد أن يصل إلى حاجته ـ بحسب ظنه ـ بالاستشفاع، وقد يروم التوصل إلى حاجته بحسب ظنه، بغير الاستشفاع،
فيتوسل مثلا بالذوات فيسأل الله بذات فلان، أو بجاهه، أو بحرمته، مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بنبيك محمد.....
إلى أن يقول ملخصا للفرق بينهما وميبنا لحكمهما:
فالاستشفاع: سؤال لغير الله،
وأما الوسيلة: فهي سؤال الله بفلان، أو بحرمته، أو بجاهه: وكل هذا لا يجوز، لأنه اعتداء في الدعاء، ولأنه بدعة محدثة ووسيلة إلى الشرك،
وأما الاستشفاع بالمخلوق الذي لا يملك الدعاء كالميت، أو الغائب، أو نحوهما: فهو شرك أكبر، لأنه طلب ودعاء لغير الله...... المصدر الاسلام سؤال وجواب
قِصَّةُ العُتْبِيِّ:ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيْرِ قِصَّةً اغْتَرَّ بِهَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ،
وَهِيَ أَنَّ العُتْبيَّ ......
فَاسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى أُمُوْرٍ؛ أَهَمُّهَا جَوَازُ شَدِّ الرَّحَالِ إِلَى قُبُوْرِ الصَّالِحِيْنَ لِطَلَبِ الاسْتِغْفَارِ وَالشَّفَاعَةِ مِنْهُم.
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:1
- أَنَّ هَذِهِ القِصَّةَ سَاقِطَةُ الصِّحَّةِ قال الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي فِي كِتَابِهِ (الصَّارِمُ المُنْكيُّ): (وَفِي الجُمْلَةِ لَيْسَتِ الحِكَايَةُ المَذْكُوْرَةُ عَنِ الأَعْرَابيِّ مِمَّا تَقُوْمُ بِهِ الحُجَّةُ، وَإِسْنَادُهَا مُظْلِمٌ وَلَفْظُهَا مُخْتَلَفٌ (فِيْهِ)
-أَيْضًا، وَلَوْ كَانَتْ ثَابِتَةً لَمْ يَكُنْ فِيْهَا حُجَّةٌ عَلَى مَطْلُوْبِ المُعْتَرِضِ،
وَلَا يَصْلُحُ الاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذِهِ الحِكَايَةِ،
وَلَا الاعْتِمَادُ عَلَى مِثْلِهَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ).
-أَنَّهَا إِنْ صَحَّتْ فَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْ أَعْرَابيٍّ مَجْهُوْلٍ، وَأنَّى يَكُوْنُ الاسْتِدْلَالُ بِمِثْلِهَا فِي أُمُوْرِ العَقِيْدَةِ.
- أَنَّهَا إِنْ صَحَّتْ أَيْضًا وَذُكِرَ فِيْهَا إِقْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، فَهِيَ مَا تَزَالُ مَنَامًا، وَلَيْسَ مِنْ مَصَادِرِ التَّشْرِيْعِ الإِسْلَامِيِّ المَنَامَاتُ.
-مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِذْ ظَلَمُوا) ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَشْرُوْعِيَّةِ الفِعْلِ دَوْمًا كَالظَّرْفِ (إِذَا).
أَنَّهَا إِنْ صَحَّتْ أَيْضًا فَهِيَ مَقْرُوْنَةٌ بِحَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ فِيْهَا {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُوْلُ}.
) أَنَّ السَّلَفَ كُلَّهُم لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُم أَبَدًا - وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ المَعْرُوْفَةِ - أَنَّهُم فَعَلُوا ذَلِكَ،
وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ المَذَاهِبِ المَتْبُوعَةِ.
فَكَيفَ يُتْرَكُ (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) وَيُذهَبُ إِلَى أَضْغَاثِ أَحْلَامٍ فِي أَسَاطِيْرِ الأَوَّلِيْنَ.
-أَنَّ شَدَّ الرِّحَالِ إِلَى القُبُوْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا لِحَديْثِ (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدٍ)،
وَلِحَدِيْثِ (لَا تَجْعَلوا قَبْرِيْ عِيْدًا).
-أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ فِي الصَّحِيْحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: (إنَّ خَيْرَ التَّابِعِيْنَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ - وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ -، فَمُرُوْهُ فَلْيَسْتَغْفِر ْ لَكُم). وَفِي رِوَايَةٍ (لَو أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ)، فَلَمَّا لَقيَهُ عُمَرُ قَالَ الحَدِيْثَ، ثُمَّ قَالَ: (فَاسْتَغْفِرْ لِيْ) فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.
وَدِلَالَةُ هَذَا الحَدِيْثِ هُنَا أَنَّ الرَّسُوْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْشَدَ عُمَرَ إِلَى أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ أُوَيْسٍ - وَهُوَ تَابِعِيٌّ -، وَأَيْنَ مَنْزِلَتُهُ مِنْ مَنْزِلَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وَمَعْ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْشَدَهُ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنْ يَدْعُوَ لَهُ المَفْضُوْلُ وَيَتْرُكَ طَلَبَ الدُّعَاءِ مِنْ خَيْرِ الخَلْقِ فِي قَبْرِهِ، وَهَذَا دَلِيْلٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ الفَرْقَ هُوَ تَغَيُّرُ نَوْعِ الحَيَاةِ؛ وَقُدْرَةُ الحَيِّ عَلَى الدُّعَاءِ لِلمُعَيَّنِ، بِخِلَافِ مَنْ حَيَاتُهُ بَرْزَخِيَّةٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَتَأَمَّلْ
كتاب التوضيح الرشيد فى شرح التوحيد
نعماقتباس:
أَنَّهَا إِنْ صَحَّتْ أَيْضًا فَهِيَ مَقْرُوْنَةٌ بِحَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ فِيْهَا {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُوْلُ}.
قال ابن عثيمين رحمه الله فى التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الاسلام
القارئ : " وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية : (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك ))الآية، فهي - والله أعلم - باطلة، فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلم، ولم يذكر أحد منهم أنه استحب أن يسأل بعد الموت لا استغفاراً ولا غيره، وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله ينافي هذا، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء، عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتلا هذه الآية، وأنشد بيتين :
يا خير من دفنت في القاع أعظمه *** فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي، لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعا مندوبا، لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم، بل قضاء الله حاجة مثل هذا الأعرابي ".
الشيخ : لا شك في هذا أنه لا يمكن صحة هذه الحكاية وأنه كما قال الشيخ باطل.
ثم إن الآية يقول الله فيها : (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك )) ولم يقل: إذا ظلموا، والفرق بينهما ظاهر، لأن إذ لما مضى وإذا للمستقبل، والآية في سياق قصة وقعت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال الله تعالى : (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم )) يعني حين ظلموا أنفسهم (( جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول )).
وأيضاً الرسول بعد موته لا يمكن أن يستغفر لأحد، لأنه انقطع عمله بموته، كما ثبت عنه هو صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ) قال: ( إلا من ثلاثة : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ). نعم.
القارئ : " بل قضاء الله حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع، وليس كل من قضيت حاجته ".
الشيخ : مرت علينا أيضاً في الكتاب هذا، أن الله قد يجيب دعاه لقوة إخلاصه أو لضرورته أو ما أشبه ذلك، أو قد يكون فتنة أيضاً. نعم.
السؤال
قرأت مقالاً متعلق بالتوسل وعلى ما يبدو ان كاتبه ساق أدلة ومراجع صحيحة ، ولكني بحاجة إلى صاحب علم يقول لي : ما مدى صحة هذه المقالة وما ورد فيها . هذا نصها: " بسم الله الرحمن الرحيم عقيدة التوسل في ضوء القرآن الكريم . قال تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) . وقد أكّد بن كثير على هذه العقيدة في تفسيره بقوله : " وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما " وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول : يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال : يا عتبي الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له" وقد قال بن كثير عن هذه الرواية أنها من رواية الجماعة ، وأنها من الحكايات المشهورة ، وكلنا يعلم سلامة عقيدة بن كثير، وما ساقها إلا ليستدل بها على صحة التوسل به صلى الله عليه وسلم " انتهت المقالة .
فما رأيكم في هذا الكلام ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
تقدم في إجابة السؤال رقم (3297) بيان أنواع التوسل المشروع ، وهي على سبيل الإجمال :
التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته ،
والتوسل بالإيمان والتوحيد ،
والتوسل بالعمل الصالح ،
كما أن من أنواعه أيضا التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح .
كما تقدم في إجابة السؤال رقم (114142) بيان أن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه أحد من الصالحين محرم لأنه ذريعة إلى الشرك بالله ووسيلة تفضي إليه .
ثانيا :
ما احتج به بعض المصنفين على مشروعية التوسل البدعي ،
من قول الله تعالى :
( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا )
وذكر قصة الأعرابي المذكورة في ذلك ،
احتجاج غير صحيح ، وقول مردود لما يلي :
أولا :
قوله ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) مختص بحياته صلى الله عليه وسلم لا بعد وفاته ،
يدل عليه قوله ( فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) والذين يأتونه بعد وفاته من أين لهم إذا استغفروا الله ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر لهم في قبره ،
حتى ينالوا كرامة
قوله ( لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) بل إن مجيئهم إلى قبره بعد وفاته لهذا الغرض ، ذريعة إلى الاستغاثة به ، واللجوء إليه ، وسؤاله من دون الله – كما يفعل الناس اليوم - وهذا من الشرك بالله تعالى .
قال ابن عبد الهادي رحمه الله :
" ولم يفهم منها أحد من السلف والخلف إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم ،
وقد ذم تعالى من تخلف عن هذا المجيء إذا ظلم نفسه ، وأخبر أنه من المنافقين ،
فقال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون َ ) ؛
وكذلك هذه الآية إنما هي في المنافق الذي رضي بحكم كعب بن الأشرف وغيره من الطواغيت ، دون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظلم نفسه بهذا أعظم ظلم ،
ثم لم يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له ،
فإن المجيء إليه ليستغفر له توبة وتنصُّل من الذنب ،
وهذه كانت عادة الصحابة معه صلى الله عليه وسلم : أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة ، جاء إليه فقال : يا رسول الله فعلت كذا وكذا ، فاستغفر لي ، وكان هذا فرقاً بينهم وبين المنافقين .
فلما استأثر الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وسلم ونقله من بين أظهرهم إلى دار كرامته لم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقول يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي ،
ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت ،
أَفَترى عَطَّلَ الصحابة والتابعون ، وهم خير القرون على الإطلاق ، هذا الواجب الذي ذم الله سبحانه من تخلف عنه ، وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق ، ووُفِّق له من لا يؤبه له من الناس ، ولا يعد في أهل العلم ؟! وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام وهداة الأنام ، من أهل الحديث والفقه والتفسير ، ومن لهم لسان صدق في الأمة ، فلم يدعوا إليه ولم يحضوا عليه ، ولم يرشدوا إليه ، ولم يفعله أحد منهم البتة .. "
"الصارم المنكي" (ص 425-426) ط الأنصاري . وينظر : "تفسير الطبري" (8 /517) ، "تفسير السعدي" (ص 184) .
ثانيا :
قصة العتبي المذكورة قصة واهية لا يصح سندها ولا يحتج بها ،
إنما يحتج بها من يريد صرف الناس عن دينهم وإخراجهم عن شريعة ربهم بحكاية باطلة وقصة واهية .
رواها البيهقي في "الشعب" (6/60/3880)
فقال :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُ ّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَقِيَّةَ، إِمْلَاءً، حَدَّثَنَا شُكْرٌ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدٌ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَوْحِ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو حَرْبٍ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَجَّ أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا جَاءَ إِلَى بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَعَقْلَهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حَتَّى أَتَى الْقَبْرَ وَوَقَفَ بِحِذَاءِ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"" بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُكَ مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا مُسْتَشْفِعًا بِكَ عَلَى رَبِّكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا، وَقَدْ جِئْتُكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا أَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى رَبِّكَ أَنْ يَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي وَأَنْ تَشْفَعَ فِيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ فِي عَرْضِ النَّاسِ، وَهُوَ يَقُولُ:
[البحر البسيط]
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ فِي التُّرْبِ أَعْظُمُهُ ... فَطَابَ مِنْ طِيبِهِ الْأَبْقَاعُ وَالْأَكَمُ
نَفْس الْفِدَاءُ بقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ... فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَطَابَ مِنْ طِيبِهِ الْقِيعَانُ، وَالْأَكَمُ " انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك ،
واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي ، لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعا مندوبا : لكان الصحابة والتابعون أعلم به ، وأعمل به من غيرهم ،
بل قضاء حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع ؛
وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعًا مأمورًا به ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل في حياته المسألة فيعطيها ، لا يرد سائلا، وتكون المسألة محرمة في حق السائل "
انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/289) .
وقال الإمام الحافظ أبو محمد بن عبد الهادي رحمه الله :
" وهذه الحكاية التي ذكرها بعضهم يرويها عن العتبي ، بلا إسناد ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي ، وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني ، عن الأعرابي ، وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم ، عن محمد بن روح بن يزيد بن البصري ، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ، ثم ذكر نحو ما تقدم ، وقد وضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما سيأتي ذكره .
وفي الجملة :
ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة ، وإسنادها مظلم مختلق ، ولفظها مختلق أيضاً ، ولو كانت ثابتة لم يكن فيها حجة على مطلوب المعترض ، ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية ، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق" انتهى من "الصارم المنكي في الرد على السبكي" (338) ط الأنصاري .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وهذا إسناد ضعيف مظلم ، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه . وأبو يزيد الرقاشي ، أورده الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " ( 2 / 155 ) ولم يسمه ، وأشار إلى أنه لا يعرف بقوله : " حكى شيئا " . وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية .
وهي منكرة ظاهرة النكارة ، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية ! و قد ذكرها - مع الأسف - الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم .. ) وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء والمبتدعة ، مثل الشيخ الصابوني ، فذكرها برمتها في " مختصره " ! ( 1 / 410 ) وفيها زيادة في آخرها : " ثم انصرف الأعرابي ، فغلبتني عيني ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال : يا عتبي ! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له " . وهي في " ابن كثير " غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث ، بل علقها على " العتبي " ، وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية ، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي . وهي حكاية مستنكرة ، بل باطلة ، لمخالفتها الكتاب والسنة ، ولذلك يلهج بها المبتدعة ، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته ، وهذا من أبطل الباطل ، كما هو معلوم ، وقد تولى بيان ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وبخاصة في " التوسل والوسيلة " ، وقد تعرض لحكاية العتبي هذه بالإنكار " انتهى .
"السلسلة الصحيحة" (6 /427)
ويقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
" أقول : أولا : مادام أنها ليست من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فعل خلفائه الراشدين ، وصحابه المكرمين ، ولا من فعل التابعين والقرون المفضلة ، وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول ، نقلت بسند ضعيف
فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد الذي هو أصل الأصول؟!
وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نهى فيها عن الغلو في القبور والغلو في الصالحين عموماً ،
وعن الغلو في قبره والغلو فيه صلى الله عليه وسلم خصوصاً؟!
قال الشيخ صالح ال الشيخ
وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارض بها النصوص الصحيحة
وتخالف من أجلها عقيدة السلف ،
فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم ،
وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم وتكون الحجة مع من خالفهم ،
وما دمنا قد علمنا طريق الصواب فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان ،
فليس ديننا مبنياً على الحكايات والمنامات ، وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة .
ثانيا : قد تخفى بعض المسائل والمعاني على من خلع الأنداد وتبرأ من الشرك وأهله ،
كما قال بعض الصحابة "
اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط"
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده ما قاله أصحاب موسى ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) ". حديث صحيح.
والحجة في هذا أن هؤلاء الصحابة وإن كانوا حديثي عهد بكفر فهم دخلوا في الدين بلا إله إلا الله،
وهي تخلع الأنداد وأصناف الشرك وتوحد المعبود ،
فمع ذلك ومع معرفة قائليها الحقة بمعنى لا إله إلا الله ،
خفي عليهم بعض المسائل من أفرادها .
وإنما الشأن أنه إذا وضح الدليل وأبينت الحجة فيجب الرجوع إليها والتزامها، والجاهل قد يعذر ،
كما عذر أولئك الصحابة في قولهم : اجعل لنا ذات أنواط ،
وغيرهم من العلماء أولى باحتمال أن يخفى عليهم بعض المسائل ولو في التوحيد والشرك .
ثالثا :
كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
بقول حكاه حاكٍ مستحسناً له ،
والله سبحانه يقول :
( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور/ 63 .
قال الإمام أحمد :
عجبتُ لقومٍ عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ،
والله تعالى يقول : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) ، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك .
فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد ،
وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر ،
كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون: قال أبو بكر وعمر .
فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة ،
والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبي الضعيفة المنكرة .
إن السنة في قلوب محبيها أعظم وأغلى من تلك الحجج المتهافتة التي يدلي بها صاحب المفاهيم البدعية ،
تلك المفاهيم المبنية على المنامات والمنكرات . فاعجب لهذا ،
وجرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وحذارِ ثم حذارِ من أن ترد الأحاديث الصحيحة،
وتؤمن بالأخبار الباطلة الواهية ،
فيوشك بمن فعل ذلك أن يقع في قلبه فتنة فيهلك .
رابعا :
ما من عالم إلا ويرد عليه في مسائل اختارها :
إما عن رأي أو عن ضعف حجة ،
وهم معذورون قبل إيضاح المحجة بدلائلها ،
ولو تتبع الناس شذوذات المجتهدين ورخصهم
لخرجوا عن دين الإسلام إلى دين آخر ،
كما قيل: من تتبع الرخص تزندق .
ولو أراد مبتغي الفساد والعدول عن الصراط أن يتخذ له من رخصهم سلماً يرتقي به إلى شهواته ،
لكان الواجب على الحاكم قمعه وصده وتعزيره ،
كما هو مشهور في فقه الأئمة الأربعة وغيرهم .
وما ذكر فقيه أن من أحال لتبرير جرمه على قول عالم عُلِمَ خطؤه فيه ،
أنه يقبل منه ولا يؤخذ بالعتاب " انتهى من "هذه مفاهيمنا" (ص 81-83) .
ثالثا :
لا شك أن الحافظ ابن كثير رحمه الله من علماء المسلمين وأئمتهم المعروف عنهم صحة الاعتقاد وسلامة المنهج ،
ولكن ذكره للقصة في تفسيره لا يعني احتجاجه بها ،
وإنما ذلك من جنس ما يذكره من الإسرائيليات والأخبار المنقطعة التي جرت عادة أهل العلم بنقلها وروايتها لمناسبتها للباب ، دون أن يكون مجرد ذلك دليلا على احتجاجهم بها ، حتى يصرحوا بذلك ؛
فليس صحيحا أنه ما ذكرها إلا ليستدل بها على صحة التوسل .
قال الشيخ صالح آل الشيخ :
" وابن كثير لم يروها ، وإنما قال في "تفسيره" :
" ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي ... " وما هذه برواية ، وإنما هو نقل .
وابن قدامة في "المغني" لم يروها ، وإنما حكاها بصيغة التضعيف (3/557) فقال : " ويروى عن العتبي ... " . وليست هذه رواية ، إنما نقل بصيغة التمريض وهي تفيد التضعيف " انتهى "هذه مفاهيمنا" (ص 80-81) .
المصدر الاسلام سؤال وجواب
نعم أحسنت وسأفرد ان شاء الله فتوى موقع الاسلام سؤال وجواب بموضوع خاص للفائدة
https://majles.alukah.net/t196488/#post974805
جزاكم الله خيرا
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" *الإعجاز العلمي في الحقيقة لا ننكره* ،لا ننكر أن في القرآن *أشياء ظهر بيانها في الأزمنة المتأخرة!* ،لكن *غالى* بعض الناس في الإعجاز العلمي ، حتى رأينا من جعل القرآن كأنه كتاب رياضة ، وهذا خطأ .
فنقول : إن *المغالاة في إثبات* الإعجاز العلمي لا تنبغي؛لأن هذه قد تكون مبنية على نظريات،والنظريا ت تختلف،فإذا جعلنا القرآن دالاًّ على هذه النظرية ثم تبين بعد أن هذه النظرية خطأ،معنى ذلك أن دلالة القرآن صارت خاطئة،وهذه مسألة خطيرة جدًّا .
ولهذا اعتني في الكتاب والسنة ببيان ما ينفع الناس من العبادات والمعاملات ، وبين دقيقها وجليلها حتى آداب الأكل والجلوس والدخول وغيرها ، لكن *علم الكون لم يأتِ على سبيل التفصيل* .
ولذلك فأنا أخشى من انهماك الناس في الإعجاز العلمي وأن يشتغلوا به عما هو أهم ، إن الشيء الأهم هو تحقيق العبادة ؛لأن القرآن نزل بهذا ، قال الله تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )".
" مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين "(26/28) .
ثانيا
مقصد نزول الوحي هل هو للعبودية ام لاثبات الحقايق العلمية
ثالثا
هل هناك تعارض بين مدلولات القرآن والحقاءق العلمية !
رابعا
وقد ذهب سيد إمام ( عبدالقادر عبدالعزيز) إلى تكفير من قال بأن في القرآن حقائق علمية...
وهذا فيه غلو ظاهر
كذلك هناك تجاوز آخر وهو نفي الحقائق العلمية مطلقا من كتاب الله...
وهذا هو عين التفريط
والشرع وسط بين الغالي والجافي فيه
خامسا
قال الشيخ د عبد السلام الشويعر في سلسلة دروس مقاصد الشريعه :
القرآن لايعارض الحقائق العلمية ولكن لا يدل عليها .
ولعل كلمة لا يدل عليها يحبذ تعديلها
بارك الله فيك
لا يمكن أن يحدث تعارض بين حقيقة علمية وخبر شرعي قطعي،
وإنما عبرنا بالحقيقة العلمية لتخرج النظرية العلمية والفرضية العلمية،
فالنظرية العلمية قابلة للصواب وللخطأ وكذا الفرضية،
أما الحقيقة العلمية فلا تقبل التشكيك،
وكثير من الناس يأتي إلى بعض النظريات التي مازالت تحت الدراسة ولم يمط عنها اللثام ويجعل بينها وبين نصوص الوحي إشكالات ومعارضات.............. ...
المصدر الاسلام سؤال وجواب
فمن الخطأ والتقصير الظاهر عدم الاستفادة من حقائق العلم الحديث في تفسير كثير من الآيات الكونية في القرآن الكريم ، والأحاديث الصحيحة في السنة المطهرة ،
ونحن نؤمن أن خالق الكون ومنزل القرآن الكريم إله واحد ، فلا بد أن تتطابق التفاصيل الواردة فيهما ، والعلم الحديث خير معين على كشف هذا التطابق .
-ومن الخطأ الظاهر أيضا المبالغة في هذا التوجه ، وتحميل الآيات ما لا تحتمل من أوجه المجاز المخالفة للسياق ، أو المخالفة لما ثبت في السنة المطهرة من تفسير هذه الآيات ، أو التسرع في عرض الفرضيات والنظريات على أنها حقائق علمية .......................
كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم صدق وحق ، ولا يمكن بحال أن يخالف حقيقة علمية ؛ لأن منزل القرآن هو الخالق العالم بأسرار الكائنات ، قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/14، ومعرفة ذلك تقتضي منا التريث وعدم تحميل النص ما لا يحتمله من أجل أن يوافق ما نظنه حقيقة ، فإذا لم يتيسر ذلك بشكل واضح فعلينا أن نتوقف دون نفي أو إثبات ، ونبحث عن موضوع آخر ، والزمن كفيل بانكشاف الحق بعد ذلك
.............. الوحي لا يتعارض أبداً مع قطعي العقل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في درء التعارض 1/80: كل ما قام عليه دليل قطعي سمعي يمتنع أن يعارضه قطعي عقلي، ومثل هذا الغلط يقع فيه كثير من الناس. انتهى
المصدر الاسلام سؤال وجواب
..............
فكتاب الله، هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {فصلت:41-42}.
ويجب أن يصان كتاب الله عن الظنون والأوهام، وقد اتفق أهل العلم على حرمة التفسير بالرأي بلا أثر، ولا لغة، وقد كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يقول: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. وقال عمر وهو على المنبر: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. ثم قال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبُّ؟ ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر! وقد ذكر هذه الآثار ابن أبي شيبة في مصنفه، وابن القيم في إعلام الموقعين.
والذي لا يشك فيه مسلم هو أن القرآن معجز في فصاحته، وبلاغته، معجز في علومه، ومعارفه؛ لأنه كلام رب العالمين، الذي خلق كل شيء، فقدره تقديرًا، قال تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا
************
قال صاحب رسالة "التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين" . : والإعجاز العلمي يعني تأكيد الكشوف العلمية الحديثة الثابتة والمستقرة للحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة بأدلة تفيد القطع واليقين باتفاق المتخصصين . وتهدف دراسته وإجراء البحوث فيه إلى إثبات صدق محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في ما جاء به من الوحي بالنسبة لغير المؤمنين ، وتزيد الإيمان وتقوي اليقين في قلوب المؤمنين وتكشف لهم عن عجائبه وأسراره ، وتعينهم على فهم حكمه وتدبر مراميه . ويعتمد الإعجاز العلمي على الحقائق المستقرة التي تثبت بأدلة قطعية ، ويشهد بصحتها جميع أهل الاختصاص ، دون الفروض والنظريات . كما يجب أن يدل نص الكتاب أو السنة على الحقيقة العلمية بطريق من طرق الدلالة الشرعية ، وفقاً لقواعد اللغة ومقاصد الشارع وأصول التفسير ، فإن خرجت الحقيقة العلمية المدعاة عن جموع معاني النص لم تكن حقيقة في الواقع ونفس الأمر . ويجب أن يكون الباحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة من العلماء المشهود لهم بالتأهيل العلمي في مجال تخصصه ، إضافة إلى قدرته على فهم النصوص الشرعية من مصادرها ، والاستنباط منها ، وفق قواعد اللغة وأصول التفسير، وعليه أن يستشير المتخصصين في العلوم الشرعية في ما يخفى عليه وجه الإعجاز فيه . ويستحسن أن تقوم بهذه البحوث مجموعات عمل تجمع الخبراء في العلوم الكونية والشرعية . وتقوم لجان الخبرة ومجموعات العمل التي تجمع المفسرين والعلماء الكونيين بإعداد البحوث وإجراء الدراسات في مجال الإعجاز العلمي، حتى توجد المؤسسات التعليمية التي تخرج العالم بمعاني التنزيل وحقائق العلم .اهـ
***************
الخلاصة
يجب التفريق بين الاعجاز العلمى المبنى الحقائق العلمية الثابتة وبين تفسير القرآن بما يسمى بالاعجاز العلمى المبنى على القول على الله بغير علم - مبنى على الاوهام والظنون والنظريات والأفكار المتغيرة والمتناقضة والتى ويكذب بعضها بعضا
نعم وهذا ما عناه المحققين من اهل العلم
سئل ابن عثيمين رحـمه الله- :
هل يجوز تفسير القرآن الكريم بالنظريات العلمية الحديثة؟
فأجاب -رحـمه الله -بقوله:
تفسير القرآن بالنظريات العلمية له خطورته، وذلك إننا إذا فسرنا القرآن بتلك النظريات ثم جاءت نظريات أخرى بخلافها فمقتضى ذلك أن القرآن صار غير صحيح في نظر أعداء الإسلام؛ أما في نظر المسلمين فإنهم يقولون إن الخطأ من تصور هذا الذي فسر القرآن بذلك، لكن أعداء الإسلام يتربصون به الدوائر، ولهذا أنا أحذر غاية التحذير من التسرع في تفسير القرآن بهذه الأمور العلمية ولندع هذا الأمر للواقع، إذا ثبت في الواقع فلا حاجة إلى أن نقول القرآن قد أثبته، فالقرآن نزل للعبادة والأخلاق، والتدبر، يقول الله ـ :
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
وليس لمثل هذه الأمور التي تدرك بالتجارب ويدركها الناس بعلومهم، ثم إنه قد يكون خطراً عظيماً فادحاً في تنزل القرآن عليها، أضرب لهذا مثلاً قوله تعالى:
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ
[الرحمن:33 ]
لما حصل صعود الناس إلى القمر ذهب بعض الناس ليفسر هذه الآية ونزلها على ما حدث وقال: إن المراد بالسلطان العلم، وأنهم بعلمهم نفذوا من أقطار الأرض وتعدوا الجاذبية وهذا خطأ ولا يجوز أن يفسر القرآن به وذلك لأنك إذا فسرت القرآن بمعنى فمقتضى ذلك أنك شهدت بأن الله أراده وهذه شهادة عظيمة ستسأل عنها. ومن تدبر الآية وجد أن هذا التفسير باطل لأن الآية سيقت في بيان أحوال الناس وما يؤول إليه أمرهم، اقرأ سورة الرحمن تجد أن هذه الآية ذُكرت بعد قوله تعالى: :
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
[الرحمن الآيات 26 -28]
فلنسأل هل هؤلاء القوم نفذوا من أقطار السموات؟ الجواب: لا، والله يقول:
إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض
ثانياً: هل أرسل عليهم شواظ من نار ونحاس؟ والجواب: لا. إذن فالآية لا يصح أن تفسر بما فسر به هؤلاء، ونقول: إن وصول هؤلاء إلى ما وصولوا إليه هو من العلوم التجريبية التي أدركوها بتجاربهم، أما أن نُحرِّف القرآن لنخضعه للدلالة على هذا فهذا ليس بصحيح ولا يجوز._
(( كـــتاب العلم للشيخ محمد بن صالح العثيمين ))
**************
جاء فى فتـــاوى اللجــنة
السؤال :
ماحكم الشرع في التفاسير التي تسمى بالتفاسير العلمية؟ وما مدى مشروعية ربط آيات القرآن ببعض الأمور العلمية التجريبية فقد كثر الجدل حول هذه المسائل ؟؟
الجواب :
إذا كانت من جنس التفاسير التي تفسر قوله تعالى:
أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي
بأن الأرض كانت متصلة بالشمس وجزءً منها ومن شدة دوران الشمس انفصلت عنها الأرض ثم برد سطحها وبقي جوفها حاراً وصارت من الكواكب التي تدور حول الشمس – إذا كانت التفاسير من هذا النوع فلا ينبغي التعويل ولا الاعتماد عليها . وكذلك التفاسير التي يستدل مؤلفوها بقوله تعالى:
وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب
على دوران الأرض وذلك أن هذه التفاسير تحرف الكلم عن مواضعه وتخضع القران الكريم لما يسمونه نظريات علمية وإنما هي ظنيات أو وهميات وخيالات .
وهكذا جميع التفاسير التي تعتمد على آراء جديدة ليس لها أصل في الكتاب والسنة ولا في كلام سلف الأمة لما فيها من القول على الله بلا علم.
((فتـــاوى اللجــنة : 145/4))
3
قال الشيخ صالح الفوزان
((..بل بلغ الأمر ببعضهم أن يفسر القرآن بالنظريات الحديثة ومنجزات الَّتقنية المعاصرة ويعتبر هذا فخراً للقرآن حيث وافق في رأيه هذه النظريات ويسمي هذا " الإعجاز العلمي " وهذا خطأ كبير لأنه لا يجوز تفسير القرآن بمثل هذه النظريات والأفكار لأنها تتغير و تتناقض ويكذب بعضها بعضا والقرآن حق ومعانيه حق لا تناقض فيه ولا تغير في معانيه مع مرور الزمن أما أفكار البشر ومعلوماتهم فهي قابلة للخطأ والصواب، وخطؤها أكثر من صوابها وكم من نظرية مسلمة اليوم تحدث نظرية تكذبها غدا فلا يجوز أن تربط القرآن بنظريات البشر وعلومهم الظنية والوهمية المتضاربة المتناقضة.
و تفسير القرآن الكريم له قواعد معروفة لدى علماء الشريعة لا يجوز تجاوزها وتفسير القرآن بغير مقتضاها وهذه القواعد هي:
أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجمل في موضع منه فُصِّل في موضع آخر، وما أطلق في موضع قيد في موضع،
وما لم يوجد في القرآن تفسيره فإنه يفسر بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن السنة شارحة للقرآن ومبينة له قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون
[النحل :44]
وما لم يوجد تفسيره في السنة فإنه يُرجع فيه إلى تفسير الصحابة لأنهم أدرى بذلك لمصاحبتهم رسول الله صلى الله عليه وعل آله وسلم وتعلمهم على يديه وتلقيهم القرآن وتفسيره منه حتى قال أحدهم: ما كنا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف معانيهن والعمل بهن.
وما لم يوجد له تفسير عن الصحابة فكثير من الأئمة يرجع فيه إلى قول التابعين لتلقيهم العلم عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعلمهم القرآن ومعانيه على أيديهم فما أجمعوا عليه فهو حجة وما اختلفوا فيه فإنه يرجع فيه إلى لغة العرب التي نزل بها القرآن.
وتفسير القرآن بغير هذه الأنواع الأربعة لا يجوز، فتفسيره بالنظريات الحديثة من أقوال الأطباء والجغرافيين والفلكيين وأصحاب المركبات الفضائية باطل لا يجوز لأن هذا تفسير للقرآن بالرأي وهو حرام شديد التحريم لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار" رواه ابن جرير والترمذي والنسائي و في لفظ " من قال في كتاب الله فأصاب فقد أخطأ..))
(( الخــطب المـــنبرية ))
وســئل :
هل الإعجاز العلمي الذي ظهر يعد تفسيرا مخالفا لتفسير السلف ؟
فأجــاب :
بلا شك هذا قول على الله بغير علم والنظريات تختلف ويظهر مـنها كذب كثير وكل نظرية تـكذب التي قـــبلها , فهي تخرص ليســت من العلم وإنـما هي تــخرص فقط فلا يجــوز الإعتماد عليهـــا ويقال هذا معنى الآية أو هذا معنى الحــديث ما يجوز هذا .
(( رقم الفتوى :5301))
وقال - الإعــجاز العلمي يريدون بهــا النـــظريات, نـــظريات الطــب والفلك و غــير ذلك هذه تــخرصات بشـــر , تـخطئ وتصــيب فلا تُــجعَل تـفسيرا للقـــرآن , ويــقال هذا مــراد الله عــز وجــل ثــم بعـــدين يقولون لا النظرية مــا هي بصحيح ويصـير تلاعــب في كلام الله عــز وجل لا النظريات ما تجعل تـفسيرا للقـرآن , ما تــجعل تـفسيرا للقرآن أبدا ,وهذا من القول على الله بلا علم , وهي مــحل للنــقض ومــحل للإبـــطال ولذلك تــجدهــم يثبتون اليوم شيء وبعد يوم ينــفونه تبين لهم خــلافه لأنــها نــظريات بشرية.
(( رقــم الفتــوى : 8607 ))
نقلًا عن الشيخ مشاري الشثري : تعقب شيخٌ الاسلام ابن تيمية ما نقل عن الإمام الشافعي ( الناس عيالٌ في الفقه على ابي حنيفة) :
كيف يكون ذالك والشافعي ليس كثير الانسجام مع فروع فقه العراقيين.
ووجة ابن تيمية ذالك بقوله : عيالٌ في المسأئل لا في الدلائل.
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله :
( وأما تفسير الراوي ، فينقسم قسمين :
_ أحدهما : *تفسير محتمل اللفظ ، فهذا يقبل فيه تفسير الراوي، وعليه حمل تفسير ابن عمر _ رضي الله عنهما _ للتفرق بالأبدان* .
_ والثاني : *نسخ أو تخصيص ، فلا يقبل كتخصيص ابن عباس _ رضي الله عنهما _ لقوله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه " في إخراج النساء من الجملة .* )
" شرح الإلمام بأحاديث الأحكام "
( ٢ / ٢٩٩ _ ٣٠٠ )
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في المنهاج : لا يستريب أحد في فقه أبا حنيفة وفههمه وعلمه
اقتباس:
عن الإمام الشافعي ( الناس عيالٌ في الفقه على ابي حنيفة) :
عن إمامَتُهُ فِي الفِقْهِ قال الشافعي:
«من أراد أن يتبحر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة».
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : قال حفص بن غياث:
«كلام أبي حنيفة في الفقه أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل».
قال أبو نعيم: كان أبو حنيفة صاحب غوص في المسائل.
وقال الذهبي عنه: «برع في الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه، وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال، وتخرج به الأصحاب».
ثمَّ قال: «وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء، والأولياء الأذكياء، مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التلاوة، وقيام الليل رضي الله عنه». ويروى عن سفيان الثوري
قوله: «كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه».
اتفق أهل العلم قاطبة –من المتقديمن والمتأخرين- على جلالة علمِ أبي حنيفةَ, وإمامته في الدين, وأن أحد رجال اصحاب المذاهب الأربعة, وأنه صادق القول صادق في نفسه, إماما ورعا زاهدا تقيا,
سبب تجريح أبي حنيفة : اضطرابه في الحديث, وعدم إتقانه له, إذ لم يتصدى له, وقلة في حفظه. ولذا بعض أهل الحديث عدلوا في الروايةِ عنهُ.
قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" قال يحيى بن معين:
«أصحابنا (أي أهل الحديث) يُفْرِطون في أبي حنيفة وأصحابه».
ولا يصحّ قولُ أنَّ الإمام أبو حنيفةَ "ليس له مشاركة البتة في الحديث"
بل من شيوخه محدثون معروفون كابن المبارك وحماد بن أبي سليمان وغيرهم مما يدلل على ذلك, وكذلك قول الذهبي أن رحل إلى طلبِ الحديثِ,
أما بضاعته المزجاة في الحديث فمّمَا لا يتناطح فيه كبشان ولا يتنازع فيه زوجان
نقد جماعة من المحدثين مبنيٌّ على مذهب وطريقة الإمام أبي حنيفةَ, وأنَّ ضعيفَ الحديثِ عنده أولى من القياس والرأي, وبنى على ذلك مذهبه.
.وعلى هذا فلا يصحّ مقارنة كلام العلماء الأثبات أنه "إمام أهل الفقه" أو غير ذلك من الألفاظ, على أنّه إمام في الحديث أو عدم ضعفه في النقاد
دَرَجَةُ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحَدِيثِ بِقَولِهِ) قال ابن أبي حاتم رحمه الله في «الجرح والتعديل»:
أنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني كتب إليّ عن أبي عبد الرحمن المقريء
قال: كان أبو حنيفة يحدثنا فإذا فرغ من الحديث قال: هذا الذي سمعتم كله ريح وباطل أهـ.
قال الترمذي:
سمعت محمود بن غيلان، يقول: سمعت المقرئ، يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: «عامة ما أحدثكم خطأ».وروى الخطيب بمثله
قال ابن أبي حاتم رحمه الله: ثنا حجاج بن حمزة: قال أن عبدان بن عثمان قال سمعت ابن المبارك يقول: كان أبو حنيفة مسكيناً في الحديث. وروي نحوه عن ابن حبان بلفظ: كان في الحديث يتيما.
قال عبد الله بن أحمد رحمه الله في السنة (1/ 211):
حدثني محمد بن أبي عتاب الأعين نا إبراهيم بن شماس قال: صحبت ابن المبارك في السفينة فقال: اضربوا على حديث أبي حنيفة، قال: قبل أن يموت ابن المبارك ببضعة عشر يوماً.(4)
قال الشيخ المحدث عبد الله السعد:
القول الراجح أنه لا يحتج بـ (أبي حنيفة) في الحديث لأنه ليس بضابط وليس بالمتقن, وحديثه ليس بالكثير, وما جمع في مسانيده بعضه كذب وبعضه لم يصح لأبي حنيفة, وإنما غلب عليه الاهتمام بالفقهيات, والحديث يحتاج إلى مذاكرة, وجمهور الحفاظ لا يحتجون به كأحمد والبخاري ومسلم بن الحجاج والعقيلي وابن عدي والدراقطني وابن حبان في المجروحين, وألفت رسائل في بحث حال أبي حنيفة , في رسالة في جامعة الإمام (فجمع (150 حديثاًوذهب أنه ثقة, وهو ليس بصحيح فلم يجمعها كلها , ولأبي حنيفة أخطاء وأوهام على قلة روايته.
قال الألباني رحمه الله: (فهو تارة يوثقه، وتارة يضعفه كما في هذا النقل، وتارة يقول فيما يرويه ابن محرز عنه في "معرفة الرجال": كان أبو حنيفة لا بأس به، وكان لا يكذب، وقال مرة أخرى: أبو حنيفة عندنا من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب.ومما لا شك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله، بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة، وهم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم واتبع أقوالهم، ولا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، خلافا لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيهم أئمة الحديث من قبل حفظهم، وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعنا في دينهم وعدالتهم، كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة. انتهى
****اقتباس:
كيف يكون ذالك والشافعي ليس كثير الانسجام مع فروع فقه العراقيين
قول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك في أدب الخلاف (1):
اختلاف أئمة المذهب إن اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في كثير من الأحكام توبع باختلاف الأئمة الأربعة وغيرهم.. علماً بأن الصحابة الذين اختلفت آراؤهم في المسائل الاجتهادية جلهم قد عاصر بعضهم البعض طالت هذه المعاصرة أو قصرت..
بينما الأئمة الأربعة لم يجمعهم تاريخ واحد.
وإن كان لقاؤهم قد تم بالتتابع..
فمالك كان معاصراً لكل من أبي حنيفة والأوزاعي والشافعي،
وإن الشافعي عاصر أحمد بن حنبل رضي الله عنهم جميعاً.. وكان لتلاميذهم الدور الأكبر في الاستدلال والترجيح بمسائل أئمتهم.
وبالجملة إن ما اختلف فيه الصحابة اختلف فيه أيضاً التابعون ومن اختلف فيه أئمة المذاهب الأربعة. ثناء أئمة المذاهب بعضهم على بعض مناقب أبي حنيفه الإمام أبو حنيفة: وهو الأسبق من حيث التاريخ.. وقد كان الثناء على علمه وشخصه من رجال كثيرين تخالفت مناحي تفكيرهم واتفقوا جميعاً على تقديره.. ومن ذلك ما قاله فيه معاصره الفضيل بن عياض الذي اشتهر بالورع: كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، واسع المال معروفاً بالإفضال على كل من يضيف به، صبوراً على تعلّم العلم بالليل والنهار، حسن الدَّلِّ، كثير الصمت، قليل الكلام حتى ترد مسألة في حلال أو حرام، فكان يحسن أن يدلَّ على الحق . روى الخطيب عن الإمام الشافعي قال: قيل للإمام مالك بن أنس: هل رأيت أبي حنيفة؟ قال: نعم. رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته . وروى الخطيب عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الإمام الشافعي يقول الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه . وقد يتعذَّر إحصاء أقوال معاصريه الذين أثنوا عليه.. ولعلّ أبلغ تلك الأوصاف ما قاله ما ذكره عبد الله بن المبارك حيث قال: كان منح العلم، فهو قد أصاب من العلم اللباب، ووصل فيه إلى أقصى مداه، كان يستبطن المسائل، ويستنكه كنهها ويتعرف أصولها ويبني عليها
الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي إمام من أئمة المسلمين بلا مدافعة ، اتفق أهل العلم على إمامته وجلالة قدره .
قال علي بن عاصم : لو وزن علم أبي حنيفة بعلم أهل زمانه ، لرجح عليهم .
وقال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس .
وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة .
وقال الخريبي : ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل .
قال الذهبي رحمه الله : " الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام ، وهذا أمر لا شك فيه.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين ، رضي الله عنه ، ورحمه . توفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومئة " انتهى .
راجع : "سير أعلام النبلاء" (6 /390-403) واعتقاد الإمام أبي حنيفة رحمه الله في التوحيد وفي إثبات الصفات والرد على الجهمية وفي القدر واعتقاده في الصحابة رضي الله عنهم وسائر مسائل الإيمان الكبرى موافق لمنهج السلف ولمنهج إخوانه أئمة المذاهب ، سوى أحرف يسيرة مخالفة نقلت عنه ، كقوله في عدم زيادة الإيمان ونقصانه ، وقوله في مسمى الإيمان أنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان ، وأن العمل خارج عن حقيقة الإيمان .
وقد ذكر ابن عبد البر وابن أبي العز ما يشعر أن أبا حنيفة رجع عن ذلك .
راجع : "التمهيد" (9/247) , "شرح العقيدة الطحاوية" (ص395)
وراجع كتاب "اعتقاد الأئمة الأربعة" (ص3-8) للدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" إن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ويقولون إن الله يرى في الآخرة ، هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم ، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين مثل مالك بن أنس والثوري والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ... " انتهى من "منهاج السنة النبوية" (2 /54)
وتعتبر العقيدة الطحاوية التي ألفها أبو جعفر الطحاوي الحنفي رحمه الله ، على منهج أهل السنة والجماعة , سوى أحرف يسيرة منها ، ولذلك كان لها شيوع كبير بين علماء المسلمين وطلابهم ، حتى أصبحت تدرس في كثير من الجامعات والمساجد ودور العلم .
قال الطحاوي في مقدمتها (ص 1) :
" هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين " انتهى .
ولما كان كثير من أتباع أبي حنيفة على مذهب الأشاعرة والماتريدية دخل المذهب كثير مما يخالف اعتقاد السلف ، بل ويخالف اعتقاد الإمام نفسه ، ولذلك فإن كثيرا مما ينسب إلى أبي حنيفة من ذلك لا يثبت عنه ، وإنما هو من كلام بعض اتباعه ممن ينتسب إلى مذهبه .
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله :
" وَالظَّاهِرُ أَنَّ هذه الْمُعَارَضَاتِ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ أبي حنيفة رحمه الله ، وَإِنَّمَا هي مِنَ الْأَصْحَابِ ، فَإِنَّ غَالِبَهَا سَاقِطٌ لَا يَرْتَضِيه أَبُو حنيفة " انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 226)
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" الرسالة التي كتبت عن الإمام أبي حنيفة ، يمكن أنه أملى بعضها ، وأخذها بعض تلامذته وتسمى ( الفقه الأكبر ) ، نقل منها شيخ الإسلام بعض النقول في الحموية ، وكذلك ابن أبي العز في شرح الطحاوية .
ولكن يظهر أنه قد دخلها التغيير من بعض المتأخرين الذين انحرفوا في بعض الاعتقاد ؛ فأدخلوا فيها كثيراً من التأويلات ، وشرحها كثير ممن هو على مذهب الأشاعرة أو مذهب منكري الصفات ، وأنكروا ما كان عليه السلف رحمهم الله ، ولا شك أن سبب ذلك كثرة ما تلقوه عن مشايخهم الذين كانوا على هذا المذهب الذي هو تأويل وتحريف الصفات وما أشبهها " انتهى .
"فتاوى الشيخ ابن جبرين" (63 /14)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" أبو حنيفة ، والأئمة الأربعة ، هم على الخط السلفي ، إلا أنه لا بد كل واحد له زلة ، لكن الأتباع في واد ، والأئمة أنفسهم في واد " انتهى .
والواجب الكف عن الكلام في أئمة المسلمين المتفق على عدالتهم وجلالتهم وإمامتهم في الدين بما يوجب القدح فيهم ؛ فإن لحوم العلماء مسمومة ، وما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويكفي المسلم معرفة العقيدة الصحيحة فيتبعها وينبذ ما يخالفها دون أن يعرج على ما عساه أن يكون غمزا أو طعنا في أحد من فضلاء الأمة وصلحائها وعلمائها .
ولما ترجم الذهبي وابن كثير وغيرهما من مؤرخي أهل السنة للإمام أبي حنيفة رحمه الله لم يعرجوا على شيء مما يوجب القدح فيه ، وهذا من تمام العلم والورع ، وهو الواجب علينا تجاه علمائنا رحمهم الله تعالى ، وهو أقل ما يبذل رعايةً لحقهم وحرمتهم .
وأما ما روي في بعض كتب التاريخ مما يخالف ذلك ، من روايات متعارضة تتعلق بمشكلة خلق القرآن ، فقد ذهب الإمام أحمد وغيره إلى أن ذلك لم يثبت عن أبي حنيفة رحمه الله ، ثم طويت هذه الصفحة ، واستقر الأمر على تقديم الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، واشتهاره بالإمامة في الدين .المصدر الاسلام سؤال وجواب
قال الشافع : " فإن لم يتب قتل ، امرأة كانت أو رجلا ، عبدا كان أو حرا " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : يستوي في القتل بالردة الحر والعبد ، والرجل والمرأة ، وتقتل المرتدة كما يقتل المرتد .
وبه قال من الصحابة : أبو بكر وعلي .
ومن التابعين : الحسن ، والزهري .
ومن الفقهاء : مالك والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : تحبس المرتدة ولا تقتل ، إلا أن تكون أمة فلا تحبس عن سيدها .
استدلالا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن قتل النساء والولدان . فكان على عمومه .
وبما روى عاصم بن أبي النجود ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقتل المرأة إذا ارتدت . وهذا نص . ولأن من لم يقتل بالكفر الأصلي لم يقتل بالردة كالصبي .
ولأن كل حر لم يكن من أهل الجزية ، لم يقتل بالردة كالأطفال والمجانين .
ولأنها كافرة لا تقاتل ، فلم تقتل كالكافرة الأصلية .
ولأن المرأة محقونة الدم قبل الإسلام ، فلم يستبح دمها بالردة عن الإسلام ، لعودها بعده إلى ما كانت عليه قبله ، وبعكسها الرجل
الرد
ودليلنا :
عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه فإن قيل : المراد به الرجل : لقوله : من بدل دينه . ولو أراد المرأة لذكره بلفظ التأنيث ، فقال : من بدلت دينها .
قيل : لفظة " من " للعموم تستغرق الجنس ، فاشتملت على الرجال والنساء ، كما قال تعالى : ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة [ النساء : 124 ] الآية . ولأن رجلا لو قال : من دخل الدار فله درهم . استحقه من دخلها من ذكر أو أنثى .
وروى الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضوان الله عليها ، قالت : ارتدت امرأة يوم أحد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت .
وروى الزهري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر : أن امرأة من أهل المدينة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام ، فإن رجعت وإلا قتلت .
ورواه هشام بن الغاز ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : فعرض عليها الإسلام ، فأبت أن تسلم ، فقتلت وهذا نص . ولأنه كفر بعد إيمان ، فوجب أن تستحق به القتل كالرجل ، وهذه علة ورد النص بها في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان . . . . فكانت أوكد من العلة المستنبطة ، وهكذا نستنبط من هذا النص علة أخرى ، فنقول : كل من قتل بزنا بعد إحصان ، قتل بكفر بعد إيمان كالرجل . ومنه علة ثالثة : أن كل من قتل بالنفس قودا ، قتل بالردة حدا كالرجل ، فيكون تعليل النص في الثلاثة مستمرا .
ولأنه حد يستباح به قتل الرجل ، فجاز أن يستباح به قتل المرأة كالزنا .
فأما الجواب عن نهيه عن قتل النساء والولدان :
فهو أن خروجه على سبب ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة في بعض غزواته ، فقال : لم قتلت وهي لا تقاتل ونهى عن قتل النساء والولدان .
فعلم أنه أراد به الحربيات .
فإن قيل : النهي عام فلم اقتصر به على سببه ؟
قيل : لما عارضه قوله : " من بدل دينه فاقتلوه " ولم يكن بد من تخصيص أحدهما بالآخر ، وجب تخصيص الوارد على سببه ، وحمل الآخر على عمومه : لأن السبب من إمارات التخصيص .
وأما الجواب عن حديث ابن عباس :
فهو أنه رواية عبد الله بن عيسى ، عن عفان ، عن شعبة ، عن عاصم بن أبي النجود .
قال الدارقطني : وعبد الله بن عيسى هذا كذاب يضع الأحاديث على الثقات .
وقد رواه سفيان ، عن أبي حنيفة ، عن عاصم ، موقوفا على ابن عباس .
وأنكره أبو بكر بن عياش على أبي حنيفة ، فسكت وتغير .
وأنكره سفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل .
وما كان بهذا الضعف لم يجز أن يجعل في الدين أصلا .
وأما الجواب عن قياسهم على الصبي : فهو انتقاضه بالشيخ الهرم والأعمى والزمن فإنهم يقتلون بالردة ، ولا يقتلون بالكفر الأصلي ، والأصل غير مسلم : لأن الصبي لا تصح منه الردة . وأما جواب عن قياسهم على الكافرة الحربية فمنكسر بالأعمى والزمن لا يقتلون بالكفر الأصلي ويقتلون بالردة ، ثم المعنى في الحربية أنها مال مغنوم ، وليست المرتدة مالا . وأما الجواب عن استدلالهم بحقن دمها قبل الإسلام ، فكذلك بالردة بعد الإسلام .
فباطل بالأعمى والزمن والرهبان وأصحاب الصوامع ، دماؤهم محقونة قبل الإسلام ، ويقتلون بالردة عن الإسلام على أن الحربية لما جاز إقرارها على كفرها لم تقتل ، ولما لم يجز إقرار المرتدة على كفرها قتلت : لأن وقوع الفرق بينهما في الإقرار على الكفر يمنع من تساويهما في الحكم ،
باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم- فتح البارى شرح صحيح البخارى-ابن حجر العسقلانى
أقوال الفقهاء في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي:
1- قال ابن عابدين:
وأما شرائط جريان الربا:(فمنها) : أن يكون البدلان معصومين، فإن كان أحدهما غير معصوم ولا يتحقق الربا عندنا، وعند أبي يوسف هذا ليس بشرط ويتحقق الربا، وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا دخل مسلم دار الحرب تاجرا فباع حربيا درهما بدرهمين أو غير ذلك هن سائر البيوع الفاسدة في حكم الإسلام أنه يجوز عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف لا يجوز، وعلى هذا الخلاف: المسلم الأسير في دار الحرب أو الحربي الذي أسلم هناك ولم يهاجر إلينا فبايع أحدا من أهل الحرب (وجه) قال أبو يوسف: إن حرمة الربا كما هي ثابتة في حق المسلمين فهي ثابتة في حق الكفار؛ لأنهم مخاطبون بالحرمات في الصحيح من الأقوال،
فاشتراطه في البيع يوجب فساده، كما إذا بايع المسلم الحربي المستأمن في دار الإسلام.
(ولهما) أن مال الحربي ليس بمعصوم، بل هو مباح في نفسه، إلا أن المسلم المستأمن منع من تملكه من غير رضاه؛ لما فيه من الغدر والخيانة فإذا بذله باختياره ورضاه فقد زال هذا المعنى، فكان الأخذ استيلاء على مال مباح غير مملوك، وأنه مشروع مفيد للملك، كالاستيلاء على الحطب والحشيش، وبه تبين أن العقد هنا ليس بتملك، بل هو تحصيل شرط التملك وهو الرضا؛ لأن ملك الحربي لا يزول بدونه، وما لم يزل يملكه لا يقع الأخذ تملكا لكنه إذا زال، فالملك للمسلم يثبت بالأخذ والاستيلاء لا بالعقد، فلا يتحقق الربا؛ لأن الربا اسم لفضل يستفاد بالعقد خلاف المسلم إذا باع حربيا دخل الإسلام بأمان؛ لأنه استفاد العصمة بدخوله دار الإسلام بأمان، والمال المعصوم لا يكون محلا للاستيلاء، فتعين التملك فيه بالعقد، وشرط الربا في العقد مفسد، وكذلك الذمي إذا دخل دار الحرب فباع حربيا درهما بدرهمين أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في الإسلام فهو على هذا الخلاف الذي ذكرناه؛ لأن ما جاز من بيوع المسلمين جاز من بيوع أهل الذمة، وما يبطل أو يفسد من بيوع المسلمين يبطل أو يفسد من بيوعهم
إلا الخمر والخنزير.إلى أن قال: وأما إسلام المتبايعين فليس بشرط لجريان الربا فيجري الربا بين أهل الذمة وبين المسلم والذمي؛ لأن حرمة الربا ثابتة في حقهم، لأن الكفار مخاطبون بشرائع هي حرمات إن لم يكونوا مخاطبين بشرائع هي عبادات عندنا، قال الله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} وروي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى مجوس هجر: «إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورسوله» وهذا في نهاية الوعيد فيدل على نهاية الحرمة
قال محمد بن أحمد بن رشد:(فصل) وفي هذا يدل على إجازة الربا مع أهل الحرب في دار الحرب، على ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف؛ لأن مكة كانت دار حرب وكان بها العباس بن عبد المطلب مسلما، إما من قبل بدر على ما ذكره أبو إسحاق من أنه اعتذر إلى النبي - عليه السلام - لما أسر يوم بدر وأمره أن يفتدي، فقال له: إني كنت مسلما ولم أخرج لقتالكم إلا كرها، فقال له النبي - عليه الصلاة والسلام -: «أما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك » أو من قبل فتح خيبر إن لم يصح ما ذكره أبو إسحاق على ما دل عليه حديث الحجاج بن علاط من إقراره للنبي - عليه الصلاة والسلام - بالرسالة وتصديقه ما وعده الله به، وقد كان الربا يوم فتح خيبر محرما، على ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بقلادة وهو بخيبر من غنائمها فيها ذهب وخرز فأمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وبيع وحده وقال: «الذهب بالذهب وزنا بوزن (1) » ، فلما لم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان من رباه بعد إسلامه، إما من قبل بدر، وإما من قبل فتح خيبر إلى أن ذهبت الجاهلية بفتح مكة وإنما وضع منه ما كان قائما بما لم يقبض دل ذلك على إجازته إذا حكم له بحكم ما كان من الربا قبل تحريمه وبحكم الربا بين أهل الذمة والحربيين إذا أسلموا، وبحديث الحجاج بن علاط الذي دل على أن العباس كان مسلما حين فتح خيبر، وهو ما روى أنس بن مالك، أنه قال للنبي - عليه الصلاة والسلام - حين فتح خيبر: إن لي بمكة أهلا وقد أردت أن أتيمم فإن أذنت لي أن أقول: فعلت، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وأتى مكة وأشاع بها أن أصحاب محمد قد استبيحوا، وأني جئت لآخذ مالي فابتاع من غنائمهم ففرح بذلك المشركون واختفى من كان بها من المسلمين، فأرسل العباس بن عبد المطلب غلامه إلى الحجاج يقول له: ويحك ما جئت به فما وعد الله به رسوله خير مما جئت به، فقال له: اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له: ليخل لي بيتا فإن الخبر على ما يسره، فلما أتاه الغلام بذلك قام إليه فقبل ما بين عينيه ثم أتاه الحجاج بن علاط فخلا به في بعض بيوته وأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فتحت عليه خيبر وجرت فيه سهام المسلمين واصطفى رسول الله منها صفية لنفسه، وإن رسول الله أباح له أن يقول ما شاء ليستخرج ماله، وسأله أن يكتم ذلك عليه ثلاثا حتى يخرج، ففعل، فلما أخبر بذلك بعد خروجه فرح المسلمون ورجع ما كان بهم من المقت على المشركين، والحمد لله رب العالمين. نقلت الحديث بالمعنى واختصرت منه الحديث لطوله. وبالله التوفيق.
واحتج الطحاوي لإجازة الربا مع أهل الحرب في دار الحرب بحديث النبي - عليه السلام -: «أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية » . . . الحديث، وإنما اختلف أهل العلم فيمن أسلم وله ثمن خمر أو خنزير لم يقبضه. فقال أشهب المخزومي: هو له حلال، بمنزلة ما لو كان قبضه. وقال ابن دينار وابن أبي حازم: يسقط الثمن عن الذي هو عليه كالربا وأكثر قول أصحابنا على قول أشهب المخزومي
- جاء في [المجموع شرح المهذب] :
(فرع) الربا يجري في دار الحرب جريانه في دار الإسلام، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، وعن أبي حنيفة أن الربا في دار الحرب إنما يجري بين المسلمين المهاجرين، فأما بين الحربيين وبين المسلمين لم يهاجرا أو أحدهما فلا ربا، وقال: إن الذميين إذا تعاقدا عقد الربا في دار الإسلام فسخ عليهما، فالاعتبار عنده بالدار وعندنا الاعتبار بالعاقد، فإذا أربى الذي في بلاد الإسلام مع الذمي لم يفسخ، كذا
قال القفال في [شرح التلخيص] ، قال: وهكذا سائر البياعات الفاسدة، والله أعلم.واحتج أبو حنيفة - رضي الله عنه - بحديث مكحول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب» ، وبأن أموال أهل الحرب مباحة للمسلم بغير عقد، فالعقد أولى، ودليلنا: عموم الأدلة المحرمة للربا، فلأن كل ما كان حراما في دار الإسلام كان حراما في دار الشرك، كسائر الفواحش والمعاصي؛ ولأنه عقد فاسد فلا تستباح به العقود عليه كالنكاح.
(قلت) : وهذا الاستدلال إن كان أبو حنيفة يوافق على فساده في دار الحرب فلا دليل عنده، وأما حديث مكحول فمرسل إن صح الإسناد إلى مكحول، ثم هو محتمل لأن يكون نهيا فيكون المقصود به تحريم الربا بين المسلم والحربي كما بين المسلمين، واعتضد هذا الاحتمال بالعمومين، وأما استباحة أموالهم إذا دخل إليهم بأمان فممنوعة، فكذا بعقد فاسد، ولو فرض ارتفاع الأمان لم يصح الاستدلال؛ لأن الحربي إذا دخل دار الإسلام يستباح ماله بغير عقد ولا يستباح بعقد فاسد، ثم ليس كل ما استبيح بغير عقد استبيح بعقد فاسد، كالفروج تستباح بالسبي، ولا تستباح بالعقد الفاسد.ومما استدلوا به على أنه لا ربا في دار الحرب: أن العباس بن عبد المطلب كان مسلما قبل فتح مكة، فإن الحجاج بن علاط لما قدم مكة عند فتح خيبر واجتمع به في القصة الطويلة المشهورة دل كلام العباس على أنه مسلم حينئذ، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: «وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب (1) » ، فدخل في ذلك الربا الذي من بعد إسلامه إلى فتح مكة، فلو كان الربا الذي بين المسلم والحربي موضوعا لكان ربا العباس موضوعا يوم أسلم.(والجواب) أن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه فيكفي حمل اللفظ عليه، وليس ثم دليل على أنه بعد إسلامه استمر على الربا ولو سلم استمراره عليه؛ لأنه قد لا يكون عالما بتحريمه، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ - قال ابن قدامة:(فصل) : ويحرم الربا في دار الحرب كتحريمه في دار الإسلام. وبه قال مالك والأوزاعي وأبو يوسف والشافعي وإسحاق. وقال أبو حنيفة: لا يجري الربا بين مسلم وحربي في دار الحرب، وعنه في مسلمين أسلما في دار الحرب: لا ربا بينهما. لما روى مكحول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا ربا بين المسلمين وأهل الحرب في دار الحرب » ، ولأن أموالهم مباحة وإنما حظرها الأمان في دار الإسلام، فما لم يكن كذلك كان مباحا.ولنا قول الله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وعموم الأخبار يقتضي تحريم التفاضل، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من زاد أو ازداد فقد أربى » عام، وكذلك سائر الأحاديث؛ ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب، كالربا بين المسلمين، وخبرهم مرسل لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة. وانعقد الإجماع على تحريمه بخبر مجهول، لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به وهو مع ذلك مرسل محتمل.ويحتمل أن المراد بقوله: لا ربا النهي عن الربا ، كقوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام فإن ماله مباح إلا فيما حظره الأمان، ويمكن حمله بين المسلمين على هيئة التفاضل، وهو محرم بالإجماع فكذا هاهنا
****
جاء في [فتاوى المنار] :أموال أهل الحرب:من صاحب الإمضاء مدير جريدة الوفاق- بيتبزرغ- جاوا: محمد بن محمد سعيد الفتة.بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وحده. ما قول السيد البار بالمسلمين والرشيد الحريص على أحكام رب العالمين في فتوى بعض العلماء: بحل أموال أهل الحرب فيما عدا السرقة والخيانة ونحوهما مما كان برضاهم وعقودهم، فهل هو حل لنا مهما يكن أصله حتى الربا الصريح؟أليست هذه الفتوى وأمثالها الضربة القاضية على جميع ما حرمه الله، والتعدي على الحدود، التي لم يستثن منها اضطرارا ولا عذرا لفاعل؟ كالشرك والكفر بغير إكراه والقتل العمد وفي القصاص (كذا) والسرقة والربا ونحو ذلك، لا كالخمر والميتة والدم ونحوها للمضطر، وتأجيل بعض العبادات لعذر كما بينه الشارع مع بقاء الحرمة والحكم والقضاء والكفارة إلا في الخطأ والنسيان، عدا ما استثناه منهما كما هو الحق المنصوص به في كتاب الله والمؤيد بالتواتر والحق المهيمن بالإجماع والتواطئ.. أفتونا بما أمر الله به أن يوصل.
ج- أصل الشريعة الإسلامية أن أموال أهل الحرب مباحة لمن غلب عليها وأحرزها بأي صفة كان الإحراز، إلا أن الفقهاء خصصوا هذا العموم بما ورد في الشريعة من التشديد في تحريم الخيانة، فقالوا: إن المسلم لا يكون خائنا في حال من الأحوال، فإذا ائتمنه أي إنسان وإن كان حربيا على مال وجب عليه حفظ الأمانة وحرمت عليه الخيانة، فإذا كان الأصل في مال الحربي أنه غنيمة لمن غنمه بالقهر أو بالحيلة أو بكل وسيلة ما عدا الخيانة أفلا يكون حله أولى إذا أخذه المسلم برضاه، ولو بصورة العقود الباطلة في دار الإسلام بين المسلمين والخاضعين لحكمهم من غيرهم؟
إنه لم يظهر له أدنى وجه لقياس حل سائر المحرمات كالكفر والخمر والميتة وهي من المحرمات لذاتها في دار الإسلام ودار الحرب على مال الحربيين المباح في أصل الشريعة،
إذ الأصل في القياس أن يلحق الشيء بمثله في علة الحكم لا بضده هذا وإن الربا الذي حرمه الله تعالى في دار الإسلام وكذا في دار الحرب بين المسلمين إن وجدوا فيها هو نوع من أنواع أكل المال المحترم بالباطل،
وأخذ المال من صاحبه برضاه واختياره: ليس من أكله بالباطل،
والمضطر إلى أخذ المال بالربا لا يعطي الزيادة برضاه واختياره، والشرع لم يجعل له حقا بأخذها فكانت حراما؛ لأنها من قبيل الغصب على كونها بدون مقابل.
ولذلك عللت في نص القرآن بأنها ظلم إذ قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} وظلم الحربي غير محرم؛ لأنه جزاء على ظلمه، فإنه لا يكون إلا أشد ظلما من المسلم؛ لأنه يخون والمسلم لا يخون، ولأن المسلم يمنعه دينه من أعمال في الحرب ومع أهل الحرب لا يمنع الكافر دينه منها، كقتل غير المقاتلين والتمثيل بالقتلى وغير ذلك، مما هو معروف في الإسلام ونرى غير المسلمين يرتكبونه حتى في البلاد التي جعلوها تحت حكمهم لا المحاربة لهم فقط، والمسلمون يساوون غيرهم ممن يدخل تحت حكمهم بأنفسهم على أن المسلم في دار الإسلام يجوز له أن يقضي دائنه دينه بأفضل مما أخذه منه، إذا كان بمحض اختياره،
وقد قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان اقترض منه بعيرا بسن فوق سن بعيره، كما في [الصحيحين] ، ولو كان ذلك مشروطا لكان ربا.
قال أبو هريرة كما في [البخاري] : إن رجلا تقاضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: «دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه » فقالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه، فقال: «اشتروه فأعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء » .وما رواه الحارث عن علي: «كل قرض جر منفعة فهو ربا» فسنده ضعيف، بل قالوا: إنه ساقط؛ فإن رواية سوار بن مصعب متروك، يروي المنكرات، بل اتهم برواية الموضوعات.لولا كتاب خاص شرح لنا فيه صديقنا السائل سبب سؤاله لما فهمنا قوله فيه أن تلك الفتوى ضربة قاضية على جميع ما حرمه الله تعالى......يتبع بقية الفتوى
.....فقد كتب إلينا أن بعض المستمسكين بحبل الدين في جاوه قد استنكروا الفتوى المسئول عنها؛ لأنهم فهموا منها أن استحلال الربا في دار الحرب يفضي إلى استحلال سائر المعاصي؛ كالزنا واللواط والقتل وغير ذلك فيها أو مطلقا.
وهذا سوء فهم منهم،
فإن الفتوى ليست في استحلال الربا مطلقا كما تقدم.
ولا يخفى على أحد منهم أن حرمة سفك الدم بغير حق أشد من حرمة أخذ المال بغير حق،
فهل يقيسون إذا إباحة قتل المحارب على إباحة قتل المسالم من مسلم وذمي ومعاهد؟
ولدار الحرب أحكام أخرى تخالف أحكام دار الإسلام
منها: عدم إقامة الحدود فيها.ونقول لهم من جهة أخرى:
إذا أقام المسلم في غير دار الإسلام فهل يدعون أن الله تعالى يأمره بأن يدفع إلى أهلها كل ما يوجبه عليه قانون حكومتها من مال الربا وغيره،
ولا مندوحة له عن ذلك، ويحرم عليه أن يأخذ منهم ما يعطونه إياه بحكم ذلك القانون من ربا وغيره برضاهم واختيارهم؟
أعني:
هل يعتقدون أن الله تعالى يوجب على المسلم أن يكون عليه الغرم من حيث يكون لغيره الغنم، أي: يوجب عليه أن يكون مظلوما مغبونا؟
إن تحريم الربا من الأحكام المعلولة المعنى لا من التعبديات،
وما حرم الله تعالى شيئا إلا لضرورة على عباده الخاضعين لشرعه،
وقد علل تحريم الربا في نص القرآن بأنه ظلم من حيث إنه استغلال لضرورة الفقير الذي لا يجد قوته أو ضرورته إلا بالاقتراض.
والقرآن إنما حرم الربا الذي كان معهودا بين الناس في الجاهلية، وهو الربا المضاعف كما تراه في [تفسير ابن جرير] وغيره من كتب التفسير المأثور،
ومنه قول ابن زيد (زيد أحد علماء الصحابة الأعلام وابنه من رواة التفسير المأثور) : إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن: يكون للرجل على الرجل فضل دين فيأتيه إذا حل الأجل فيقول: تقضيني أو تزيدني، فإذا كان عنده شيء يقضيه قضى، وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك، إن كانت ابنة مخاض (أي: في السنة الثانية) يجعلها ابنة لبون (أي: في السنة الثالثة) ثم حقة (أي: ابنة السنة الرابعة) ثم جذعة (في الخامسة) ثم رباعيا (وهو ما ألقى رباعيته ويكون في السنة السادسة) ثم هكذا إلى فوق، وفي العين (أي: الذهب والفضة) يأتيه، فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل، فإن لم يكن عنده أضعفه أيضا فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة، يضعفها له كل سنة أو يقضيه، اهـ من تفسير آية آل عمران. وضرر هذا عظيم، وهو قسوة تحرمها الآن جميع القوانين، ثم أوجب القرآن على التائب منه أخذ رأس المال فقط.وذكر ابن حجر المكي في [الزواجر] : أن ربا الجاهلية كان الإنساء فيه بالشهور، وهو الذي يسمى في عرف المحدثين بربا النسيئة، وفيه ورد حديث «لا ربا إلا في النسيئة » رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه عن أسامة بن زيد مرفوعا، ورواه مسلم عن ابن عباس عنه بلفظ: «إنما الربا في النسيئة » ، وما صح من النهي عن ربا الفضل في الحديث فلسد الذريعة، كما نص عليه المحققون.وإننا قد فصلنا القول في مسألة الربا في التفسير وغيره من قبل، فلا نعود إليها هنا، وإنما غرضنا بيان أن تلك الفتوى ليس فيها خطر على التوحيد ولا تقتضي تحليل شيء من المحرمات، ومن لا يطمئن قلبه للعمل بها فلا يعملن بها
وجاء في [فتاوى محمد رشيد رضا] : س : إن الربا انتشر في أرض جاوا في هذه الأيام انتشارا لا عهد لنا به، حتى إن بعض الأساتذة الذين كانوا في مقدمة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمقاومين للربا خرجوا من المدارس وأصبحوا اليوم في مقدمة المرابين، فإذا سألناهم عن الدافع إلى هذا أجابوا بلسان واحد: بأن صاحب [المنار] أفتى بجواز الربا على الإفرنج، وإذا رأينا أحدا يرابي على الوطنيين، أجابنا: بأن موظفي الحكومة لا دينيين، وأننا في دار حرب. وقد أفتى صاحب [المنار] ، بجواز الربا في دار الحرب، فهل لما أشيع عن مناركم من صحة؟ إذا قلتم: نعم فستقفل الحوانيت ويقف دولاب تجارة العرب بجاوا ويتوجهون إلى الربا اعتمادا على فتواكم.
فما رأي فضيلتكم؟
أرجو الجواب في أول عدد من مناركم ليحق الحق ويزهق الباطل
وإن الباطل كان زهوقا أخذ الربا من الإفرنج في دار الحرب:
الجواب:
إن ما تعنونه من إفتائي بحل أخذ الربا على الإفرنج في دار الحرب ليس كما ذكرتم أو نقلتم،
وإنما هو جواب عن سؤال ورد على [المنار] من مدير جريدة [الوفاق] ، (بيتبزرغ- جاوه)
ونشر في ج 8 مجلد 28 الذي صدر في ربيع الآخر سنة 1346 هـ
في فتوى بعض العلماء بحل أموال الحرب فيما عدا السرقة والخيانة ونحوهما، مما كان برضاهم وعقودهم،
فهل هو حل لنا مهما يكن أصله،
حتى الربا الصريح؟
هذا موضوع الاستفتاء،
والمستفتي فيه منكر له أشد الإنكار، كما هو مبين بنص كلامه في السؤال،
إذ جعل هذه الفتوى خطرا على التوحيد ومقتضية لتحليل جميع المحرمات،
وقد بينا في جوابه أصل الشريعة في إباحة أموال الحرب بإجماع المسلمين،
وما قيد العلماء به عموما، ولم يخالفنا أحد في ذلك. فراجعوا فتوانا في (ص 575 من مجلد [المنار]
فإن بقي في أنفسكم شبهة فبينوه لنا.
وقد كتبنا في آخره أن تلك الفتوى لا خطر فيها على التوحيد،
ولا تقتضي تحليل شيء من المحرمات.
ومن لا يطمئن قلبه للعمل بها فلا يعملن بها، اهـ.
وجملة القول:
أنني ما أفتيت في شيء انفردت به في هذا الموضوع،
وأن الذين ذكرتم أنهم يستحلون أخذ الربا من المسلمين بدعوى أنهم لا دينيين، أي: كفار تعطيل وإباحة، لا يمكنهم أن يدعوا أن صاحب المنار أفتى بتكفيرهم ولا بأخذ الربا منهم، ولا جعله حرفة للمسلمين، وإنما يتبعون أهواءهم. على أننا سنصدر إن شاء الله تعالى في هذا العام كتابنا في مباحث الربا والمعاملات المالية العصرية التي نشرناها في مجلدات [المنار] بعد تلك الفتوى، فانتظروا،
فالمسألة ليست من البداهة بحيث يحررها المرابون والتجار،
وخطر الاستدانة من الإفرنج بالربا أضعاف ما تتصورون من عكسه،
بل هو الذي جعل المسلمين أفقر الشعوب
الخلاصة مما تقدم
يتبين ما يلي:
أولا: من المعلوم أن الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع،
وأنه لا يجوز للمسلم أن يقدم عليه وهو يعلم أنه ربا، وأن الربا المتحصل له وهو لا يعلم الحكم،
بل أقدم على التعامل ظنا منه أنه يجوز ثم قبض الربا واستهلكه أنه لا إثم عليه
ولا يجب عليه بذله.
وأما الربا الذي قبضه وهو يعلم أنه ربا فهو آثم وعليه أن يرده لصاحبه إن عرفه،
لعموم قوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}
وإن كان لا يعلم صاحبه، أو يعلمه ولكن تعذر عليه حصوله وحصول من يقوم مقامه شرعا-
فإنه يتصدق به، أو يصرفه في المصالح العامة، ومن أخذه من المتصدق به فهو حلال له
.ثانيا: الفوائد الربوية التي لم تقبض، بل هي باقية في البنوك يتولى الإمام قبضها وصرفها في المصالح العامة؛ لأنه إما أن يقال بإبقائها لأصحاب البنوك أو بإحراقها أو بأخذها وصرفها في المصالح العامة والأول لا يصح؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان،
وأن الثاني لا يصح؛ لأنه إفساد، والله لا يحب الفساد،
وتعين الثالث
.ثالثا: اختلف في حكم جريان الربا بين المسلم والحربي:
فذهب أبو حنيفة ومن وافقه إلى جوازه، لقصة العباس وحديث مكحول: «لا ربا بين مسلم وحربي» ، وحديث: «أي دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية » ،
ولأن مال الحربي مباح للمسلم بدون عقد فبالعقود أولى.
ونوقشت قصة العباس:
بأن العباس كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه،
فيكفي حمل اللفظ عليه بتحريمه،
فأراد - صلى الله عليه وسلم - إنشاء هذه القاعدة وتقريرها من يومئذ.
ونوقش حديث مكحول: بأنه مرسل.وحديث كهذا لا ينبغي أن يكون معارضا للقرآن والسنة والإجماع.ولو قدرت صحته
فيحتمل أن المراد بقوله: «لا ربا » النهي عن الربا، كقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}
ونوقش القياس بالمنع ولو فرض ارتفاع الأمان لم يصح الاستدلال؛
لأن الحربي إذا دخل دار الإسلام يستباح ماله بغير عقد ولا يستباح بعقد فاسد.
ثم ليس كل ما يستباح بغير عقد يستباح بعقد فاسد، كالفروج تستباح بالسبي ولا تستباح بالعقد الفاسد.
وذهب مالك والإمام أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن والأوزاعي والشافعي وإسحاق ومن وافقهم من الفقهاء: إلى أن حكم الربا بين المسلم والحربي كحكمه بين المسلم والمسلم.
ومن الحجة لذلك قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} إلى غير ذلك من الأدلة.ولعموم الأخبار المقتضية لتحريم التفاضل، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من زاد أو ازداد فقد أربى » ، ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب، كالربا بين المسلمين .
وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
*قال مجدد دعوة التوحيد الإمام*
*محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :*
*وأما ما ذكره الأعداء عنّي أنّي أكفر بالظن ؛ وبالموالاة ؛ أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة .. فهذا بهتان عظيم* !
*[ مجموع المؤلفات (12/60) ]*
انتشر مقطع للالباني رحمه الله لذمه لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وهو ملفق والشيخ يثني على دعوة الشيخ في كتبه ومصنفاته
نعم هذه الثلاثة نفها شيخ الاسلام الامام محمد ابن عبد الوهاب عن نفسه
ولكن ما معنى النفى فى هذه الثلاثة
أما بيان الاولى وهى نفى التكفير بالظن فجوابها
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" من كفِّره الله : يجب علينا أن نُكفره ، ومن لم يكفره الله : حرم علينا أن نكفره .
ومن ظننا أن فعله كفر : فإنه لا يحل أن نكفره بمجرد الظن ، حتى يقوم دليلٌ واضح على كفره " انتهى من " فتاوى نور على الدرب
نعم لا تكفير بالظن أو الامور المحتملة
أما الثانية وهو نفى التكفير بالموالاة فجوابها
لفظ الموالاة أعم من التولي، حيث إن الموالاة هي المحبة، بغض النظر عن درجة هذا الحب ومرتبته، فكل من أحببته وأعطيته ابتداءً، من غير مكافأة، فقد أوليته وواليته، والمعنى أي: أدنيته إلى نفسك... أما التولي: فهو الموالاة المطلقة، أي: بمعنى تقديم كامل المحبة والنصرة للمُتولَّى، بحيث يكون المتولّي مع المُتولَّى كالظل مع الجسم، فهي ذروة الموالاة ومُنتهاها... فالتولي إذن بمعنى الاتخاذ والاتباع المطلق، وهو يعني الانقطاع الكامل في نصرة المتبع، وتقريبه، وتأييده...
وعلى هذا؛ فالتولي أخص من الموالاة،
فكل تولٍّ داخل في مفهوم الموالاة،
وليس كل موالاة داخلة في مفهوم التولي كما أسلفنا. اهـ.
ثم عقد بحثًا للفرق بين الموالاة والتولي في المفهوم الشرعي ومناط التكفير فيهما،
وقال: اختلف أهل العلم في الفرق بين الموالاة والتولي،
فمنهم من يرى أن التولي مرادف لمعنى الموالاة سواء بسواء،
كالشيخ عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ
ولذلك فهو يستعملهما على أنهما لفظان مترادفان،
فيقول عن التولي عند تفسيره لقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {الممتحنة: 9} إن الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان توليًا تامًّا كان ذلك كفرًا مُخرجًا عن الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه....
ومنهم من يرى أن هنالك فرقًا بين الموالاة والتولي...
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن:
إن الموالاة تنقسم إلى قسمين:
أولًا: موالاة مطلقة عامة، وهذه كفر صريح، وهي بهذه الصفة مرادفة لمعنى التولي لأجل الدين، وعلى ذلك تُحمل الأدلة الواردة في النهي الشديد عن موالاة الكفار، وأن من والاهم فقد كفر.
ثانيًا: موالاة خاصة، وهي موالاة الكفار لغرض دنيوي، مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والردة، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو مكة، كما هو مذكور في سبب نزول سورة الممتحنة، ومثل كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في تقسيم الموالاة إلى مطلقة وخاصة، كلام القرطبي، وابن العربي، وسليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب،
والشيخ حمد بن علي بن عتيق، وعلى قول هؤلاء جميعًا:
أن الموالاة المطلقة العامة مرادفة لمعنى التولي، وهي بهذا الوصف كفر وردة، ومنها ما هو دون ذلك بمراتب، ولكل ذنب حظه، وقسطه من الوعيد والذم، بحسب نية الفاعل وقصده... انتهى.
جملة شيخ الاسلام مبنية على فهم الكفر المنفى قبل قيام الحجةاقتباس:
أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة
قال ابن القيم رحمه الله الْكُفْرَ هُوَ جُحُودُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَشَرْطُ تَحَقُّقِهِ بُلُوغُ الرِّسَالَةِ،
وَالْإِيمَانُ هُوَ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ فِيمَا أَخْبَرَ، وَطَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَهَذَا أَيْضًا مَشْرُوطٌ بِبُلُوغِ الرِّسَالَةِ،
وَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا وُجُودُ الْآخَرِ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ سَبَبِهِ،
فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ فِي الدُّنْيَا كُفَّارًا، وَلَا مُؤْمِنِينَ كَانَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ حُكْمِ الْفَرِيقَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَحْكُمُونَ لَهُمْ بِأَحْكَامِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا مِنَ التَّوَارُثِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالْمُنَاكَحَة ِ
، قِيلَ: إِنَّمَا نَحْكُمُ لَهُمْ بِذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ،ان تهى كلام ابن القيم
فانظر الى كلام ابن القيم نحكم لهم باحكام الكفار فى الدنيا لانهم خالفوا الفطرة السليمة والعقل الصريح والادلة التى نصبها الله فى الافاق التى تدل على توحيد والتى تثبت بها اسماء الذم من الشرك والكفر ولكن الكفر المنفى هو كفر التعذيب ففرق بين الكفر المنفى والكفر المثبت قبل مجئ الرسول
اسم المشرك قبل مجئ الرسول لأنه يشرك بربه ويعدل به غيره وكل حكم علق بأسماء الدين من إسلامٍ وإيمانٍ وكفرٍ نفاقٍ وردةٍ وتهودٍ وتنصرٍ إنما يثبت لمن اتصف بالصفات الموجبةُ لذلكيقول شيخ الاسلام- أن الاسم الواحد ينفى ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به،
فلا يجب إذا أثبت أو نفى في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام،وهذا في كلام العرب وسائر الأمم؛
فالمنفى هو الكفر المعذب عليه ويسمى[ كفر التعذيب] وذلك يكون بعد قيام الحجة -
اما المثبت ما نقلناه مرارا وتكرارا كما قال بن تيميه
فَاسْمُ الْمُشْرِكِ : ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ ، وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى
يقول عبد اللطيف في المنهاج( فيمن يظن ويعتقد أن كلام أهل العلم وتقييدهم لقيام الحجة وبلوغ الدعوة ينفي اسم الكفر والشرك والفجور ونحو ذلك من الأفعال والأقوال التي سماها الشارع بتلك الأسماء
وقال إن عدم قيام الحجة لا يغيرمن الأسماء الشرعية بل يسمى ما سماه الشارع كفرا أو شركا أو فسقا باسمه الشرعي ولاينفي عنه وان لم يعاقب فاعلها إذا لم تقم عليه الحجة )والشيخ إسحاق ابني عبد الرحمن بن حسن نقل عن ابن القيم الإجماع على أن أصحاب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة أن كلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم
وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضةأصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا اله إلا الله
فشرط كفر التعذيب والقتال اقامة الحجة فلا حجة للمنازع فى اثبات إسم الشرك والكفر الظاهر بجملة شيخ الاسلام محمد ابن عبد الوهاب بنفى تكفير الجاهل الذى لم تقم عليه الحجة
وهذا يتبين فى نقل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن فى منهاج التأسيس قول للشيخ محمد بن عبد الوهاب بصيغتين مختلفتين يدل على مقصود كلامنا -
يقول اذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذى على قبة عبد القادر جاهلا فكيف نكفر من لم يكفر وفى موضع آخر
يقول اذا كنا لا نقاتل من من عبد الصنم الذى على قبة عبد القادر جاهلا فكيف نقاتل من لم يكفر
فيتضح ان التكفير المنفى هو كفر التعذيب والقتال
اما الثابت فهو الكفر الظاهر واسم الشرك-
يقول الشيخ اسحاق بن عبد الرحمن بن حسن-وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين حتى عند من لم يكفر بعضهم وأما الشرك فهو يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضه أصله وقاعدته الكبرى شهادة أن لا إله إلاّ الله
) قال الشيخ عبد اللطيف في أثناء رده على العراقي :
( لم يفقه هذا لغلظ فهمه وعدم علمه بل هو يعتقد أن كلام أهل العلم وتقييدهم بقيام الحجة وبلوغ الدعوة ينفي أسم الشرك والفجور ونحو ذلك من الأفعال والأقوال التي سماها الشارع بتلك الأسماء – إلى أن قال- وهذه من الأعاجيب التي يضحك منها اللبيب فعدم قيام الحجة لا يغير الأسماء الشرعية بل يسمى ما سماه الشارع كفرا أو شركا أو فسقا باسمه الشرعي ولا ينفيه عنه وأن لم يعاقب فاعله إذا لم تقم عليه الحجة ولم تبلغه الدعوة ) منهاج التأسيس: ص -315
قال الشيخ صالح ال الشيخ-
إقامة الحجة لترتب الأحكام الفقهية على المرتد أو على الكافر، يعني تشهد عليه بالنار، تقاتله، تسبيه، تستحل منه أشياء، هذا فائدة إقامة الحجة، أما مجرد الحكم بالكفر لك أنت؛ ما تعامله وتعامله معاملة الكافر، هذا يكفي ما قام به، من قام به الربا فهو مرابي ولو كان معذورا، ومن قام به الزنى فهو زاني ولو كان معذورا، لكن هل نقيم عليه حد الزنا؟ لا، لابد من ترتب الشروط، فقد يكون هذا الداعي من دعا غير الله أو استغاث بغير الله، هذا نطلق عليه الكفر، الشرك، والشرك أحسن؛ لأنّ الكفر فيه تفصيل فيه كفر ظاهر وباطن، أما الشرك فنطلق عليه الشرك، هو الذي كان يستعمله علماؤنا السابقين؛ يقولون فهو مشرك، فهو مشرك، فهو مشرك، أو هو كافر الكفر الذي يترتب عليه أحكام الدنيا إذا كان أقيمت عليه الحجة، أو الكفر الظاهر إذا لم تُقَم عليه الحجة، هذه المسألة مهمة. .......،وإذا تقرر هذا فالأحكام هذه دائرة على الظاهر بمعنى من قام به الكفر فهو كافر ظاهرا ، ولا يقال له كافر ظاهرا وباطنا، يعني يكون مرتدا كالمشركين في أحكام الدنيا والآخرة إلا إذا قامت عليه الحجة ،فهناك أحكام دنيوية وهناك أحكام أخروية، فأحكام الدنيا بحسب الظاهر، وأحكام الآخرة بحسب الباطن والظاهر، والعباد ليس عليهم إلا الظاهر وربنا جل وعلا يتولى السرائر، فإذا أظهرت طائفة كفرا أو معين كفرا فإنه يكفره العالم إذا قامت الشروط وانتفت الموانع يكفره بعينه، ومن قام به الكفر أو قام به الشرك سواء كان معذورا أو غير معذور، يعني لم تقم عليه الحجة فهو كافر ومشرك ظاهرا؛ فإذاً: من قام به الشرك فهو مشرك، لأن كل مولود ولد على الفطرة،والله تعالى أقام الدلائل على وحدانيته في الأنفس وفي الآفاق،وهذه الدلائل حجة على المرء في أنه لا يعذر في أحكام الدنيا بارتكاب الكفر والشرك، ونعني بأحكام الدنيا ما يتعلق بالمكلف من حيث علاقته بهذا الذي قام به هذا الشيء،من جهة الإستغفار له والأضحية عنه ونحو ذلك، أما الأشياء التي مرجعها إلى الإمام مثل استحلال الدم والمال والقتال ونحو ذلك، فهذه إنما تكون بعد الإعذار وقيام الحجة، فهناك شيء متعلق بالمكلف من حيث هو وهناك شيء متعلق بالإمام، فإذاً صار عندنا أشياء متعلقة بالظاهر وأخرى متعلقة بالباطن، الباطن [ يقصد هنا الظاهر وليس الباطن ] يتبعه بعض أحكام الدنيا كالقتال ونحو ذلك بعد إقامة الحجة، والباطن يتبعه الأحكام الأخروية لقوله عز وجل " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
لهذا أجمع أهل العلم على أن أهل الفترة كفار مشركون لا يوصفون بإسلام، ولا يقال عنهم بأنهم ليسوا بكفار، وليسوا بمشركين ، بل هم كفار مشركون لأنهم قام بهم الكفر والشرك وحالهم يوم القيامة من جهة التعذيب هذا على التفصيل المعروف عندكم في الخلاف في أهل الفترة ؛ والتحقيق فيه أن الله جل وعلا يبعث لهم رسولا في عرصات يوم القيامة فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار؛ فمن قام به الشرك فهو مشرك ، ومن قام به الكفر فهو كافر
******
القاعدة في الأسماء والأحكام هي: أن الإسم والحكم يفترقان قبل قيام الحجة ويجتمعان بعدها، فعدم قيام الحجة لايغير الأسماء الشرعية مما سماه الشارع شركا،ً أوكفرًا، أو فسقًا وإن لم يعاقب فاعله إذا لم تقم عليه الحجة وتبلغه الدعوة فاسم المشرك ثبت قبل مجئ الرسول لأنه يشرك بربه ويعدل به غيره وكل حكم علق بأسماء الدين من إسلامٍ، وإيمانٍ، وكفرٍ، نفاقٍ، وردةٍ، وتهودٍ، وتنصرٍ إنما يثبت لمن اتصف بالصفات الموجبةُ لذلك، قال ابن تيمية - رحمه الله - : (وقد فرق الله بين ما قبل الرسالة وما بعدها في أسماء وأحكام وجمع بينها في أسماء وأحكام ) [الفتاوى: 20 ص 37 ].
قال الامام بن باز رحمه الله --الوهابية هم أتباع الشيخ الإمام: محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي المتوفى سنة ست ومائتين وألف من الهجرة، كانت وفاته رحمه الله سنة ست ومائتين وألف من الهجرة في الدرعية وقبره معروف هناك، وقد قام بالدعوة إلى الله في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، في نجد الدرعية وما حولها، دعا إلى توحيد الله وأنكر على الناس التعلق بالقبور والأموات والأصنام وتصديق الكهان والمنجمين وعبادة الأشجار والأحجار على طريقة السلف الصالح، على الطريقة التي بعث الله بها نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى الطريقة التي درج عليها أصحابه، فدعا إلى الله ودعا معه العلماء الذين وفقهم الله لمعرفة الحق، من أقاربه وأولاده وغيرهم، وأظهر الله به الدين وأزال به الشر من نجد وما حولها ثم انتشرت دعوته في اليمن والشام والعراق ومصر والهند وغير ذلك.
وعرف المحققون صحة دعوته واستقامتها وأنه على الهدى والطريق القويم وأنه في الحقيقة مجدد لما اندرس من معالم الإسلام وليس مبتدعاً وليس له دين جديد ولا مذهب جديد، إنما دعا إلى توحيد الله واتباع شريعته والسير على منهج السلف الصالح من الصحابة ومن سلك سبيلهم، هذا هو مذهب الوهابية ساروا على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان، ولكن لهم خصوم فكذب عليهم الكذابون حتى يستبيحوا دماءهم، كذبوا عليهم وقالوا: إنهم مذهب خامس وأنهم يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسبون الصحابة وكلها كذب كله باطل، بل هم من أحب الناس للرسول صلى الله عليه وسلم وهم على طريق الصحابة، والرسول أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وأموالهم، وهم يدعون إلى ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يدعون إلى توحيد الله واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والسير على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتبهم طافحة بذلك، كتب الشيخ محمد وأتباعه واضحة في ذلك من قرأها عرف ذلك، كتاب التوحيد، فتح المجيد، كشف الشبهات، ثلاثة الأصول، كذلك تيسير العزيز الحميد لحفيده سليمان بن عبد الله ، وكذلك الدرر السنية في فتاوى أهل نجد واضحة في ذلك، وهكذا كتبهم الأخرى ورسائلهم الأخرى كلهاتبين ما هم عليه من الهدى والحق، وكلها تبين كذب أعدائهم، وخصومهم من الصوفية وغير الصوفية ، ومن عباد القبور الذين كذبوا عليهم؛ لأنهم أنكروا عليهم عبادة القبور فكذبوا عليه، فخصومهم هم عباد القبور أو جهلة ما عرفوا الحقيقة وصدقوا عباد القبور، أما أهل العلم والإيمان في مصر والشام والعراق وغير ذلك فقد عرفوا صحة ما هم عليه، وشهدوا لهم بالحق، كالشيخ محمد رشيد رضا وغيرهم ممن عرف دعوتهم رحمة الله عليهم، وشهد لهم بالحق من علماء الإسلام في مصر والشام والعراق وغير ذلك-[ التعريف بالوهابية - للامام بن باز]
شيخ الاسلام والمسلمين علم الهداة الاعلام الامام محمد بن عبدالوهاب
الذي اختاره الله عزوجل على علم، وميزه من بين أهل عصره بما جبله عليه من الحكمة والفهم قَومة المجددين، ونهض نهوض المجاهدين، يدعو الى التوحيد، وتخليص الاسلام مما شابه وكدّره من البدع والشركيات،
وارجاع الناس الى الأصلين العظيمين اللذين من اعتصم بهما لن يضل أبداً:«كتاب الله» و«سنة نبيه صلى الله عليه وسلم»، وقد صرف حياته كلها في هذا السبيل؛
لكون هذه الفتنة العمياء، والجاهلية الظلماء، قد أتت على الأخضر واليابس،
وغالب علماء زمانه ممن كانوا على الجادة مع استظهارهم على العلوم؛
كل امرئ منهم قائم في ظله لا يبرح، وراتب على كعبه لا يتزحزح،
يخاف إن أنكر على القوم أن يعنف،
وإن ألفَّ أن يُخالف ولا يُؤالف،
أو تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق،
وكان غاية همِّ أحدهم أن يضيق المسالك على أصحاب المذاهب الفقهية،
وأن ينتصر عليهم في المناظرات الفروعية، وذلك بتحرير أقوال الأئمة
، أو التأليف في نصرة المذهب، وتواليفهم في هذا إما اجترار أو اختصار،
فقام الشيخ رحمه الله يدعو الى تجديد الدين مما أفسده الجاهلون، والعودة بالناس الى المعتقد السليم،
وقد عضده الله عزوجل بالمك الأول صاحب السعي الناجح والمقتدي بالسلف الصالح،
المتأمل لدعوة الشيخ رحمه الله يجد أنَّ شجرة دعوته قامت على ساقين عظيمين
وهما: تحقيق التوحيد، وتجريد المتابعة للنبي صلى الله الله عليه وسلم،
فاعتلت هذه الشجرة باسقة تزاحم النجوم في عليائها، وخرَّج الشيخ رحمه الله أمة لا تبعث بها الخرافات والأساطير والأوهام، و قد طهّرت من الشركيات والبدع،
هذه الأمة قام عليها الشيخ بعد جهاد طويل فعلّمها العقيدة الصافية التي هي أسُّ المبنى،
وزرعها في تراب ترائبهم فجنت ما تتفيأه من الصفاء والنقاء وصدق التوجه؛ظلاله
حتى قال الشيخ فيهم:«وإن العاميَّ منهم يغلب ألفاً من علماء المشركين».
ولما كانت هذه الدعوة قائمة على الاعتقاد السليم،
الموصول سببه برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحصلت هذا الحضور القوي في الساحة الاسلامية، وبدأ صداها يتردد في مشارق الأرض ومغاربها، عن طريق الحجاج والمعتمرين والتجار والمسافرين، وبدأت تتهاوى عقائد الخرافيين،
وأصبحت هذه الدعوة مهوى أفئدة الصادقين من الباحثين عن الدين الحق؛
نبض عرق الحسد في صدور المشركين والمبتدعين والخرافيين،
فمكنت أفاعيهم بكل مرصدة، وصنعوا كل حيلة، وبذلوا كل وسيلة للقضاء على هذه الدعوة، حتى وصل الحال بشن حروب عسكرية لارهاب أهل التوحيد فدمرت بيوتهم، وحوصرت مدنهم، وتُفننَّ في قتل علمائهم، وحرق نخيلهم، وتفريقهم على الأقاليم والبلدان تحت الاقامة الجبرية وغيرها من وسائل الارهاب،
وتتبعوا مصنفاتهم بالحرق،
وما زاد هذه الدعوة الوهابية المباركة هذا الأمر إلا اصرارا في المضي لتبليغ هذه الدعوة التي ليس لهم فيها إلا متابعة خاتم الأنبياء والمرسلين،
فلديها من المعطيات ما يضمن لها الديمومة والبقاء بإذن الله
فهي تستقي دعوتها من منبعين عظيمين لا ينضبان أبداً
«القرآن والسنة»، وتستنبت منهجها من القرون المفضلة المشهود لها بالخيرية على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم.
ولما أعيت الخرافيين الهجمات البربرية،
بدأوا بأحدوثة إعلامية، وبأكذوبة شيطانية
، يضاهئون فيها قول الذين كفروا من قبل،
مما فعلته كفار قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم من الكذب والتلفيق عليه وزعمهم أنه ساحر.. شاعر.. كاذب.. كاهن.. مجنون.. يفرق بين المرء وزوجه وغيرها مما يسوِّله لهم الشيطان ويملي عليهم،
وبدأوا في سلوك هذا النمط من التشويه والتشكيك،
فأخذوا يكيلون على إمام الدعوة وعلمائها من التهم والكذب ما يستحي ابليس من قوله وفعله،
وما زاد الدعوة أمام هذا الطوفان من التهم والمين
إلا انتشارا ومحبة وقبولا لدى شريحة كبيرة من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها،
فلما كانت الأرض لا تخلو من عقلاء منصفين، وأماثل معتدلين
قامت مجموعة من عقلاء العلماء في كثير من بلدان العالم،
فتفحصوا أمر هذه الدعوة، وسبروا غورها،
آخذين الخبر من مظانه، لأن الانصاف والعدل يقتضيان من المرء ألا يحكم بالظنون؛
فالظن ليس ذا قيمة في اكتشاف الحقائق
يقول تعالى:( إن الظن لا يغني من الحق شيئا) إنما الذي يوصل الى الحقيقة هو التبين والتثبت
يقول تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فكلما وقف الانسان مع الحقائق وأخذها من مظانها، كلما توصل الى الحقيقة بعينها بإذن الله سبحانه وتعالى،
فلما وقفوا على حقيقتها من خلال قراءة مصنفات أئمة الدعوة النجدية، أومذكراتهم، ومقابلتهم،
علموا صدق دعوتهم، وأنهم لم يأتوا بجديد
وإنما أعادوا الناس الى الأمر العتيق الذي عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛
فتمكنت هذه الدعوة من قلوبهم بل أخذت بشغافها، فتبنوها، ودعوا الناس اليها؛ لكونها دعوة الاسلام الصافية؛ فخرجت خارج الجزيرة العربية، بل وصلت الى الأقاصي القصية، من بلدان العالم،
الامام محمد ابن عبد الوهاب شيخ الاسلام والمسلمين علم الهداة الاعلام
علم الهدى بحر الندى مفني العدا *** من شن غارته على الأوثان
من قام في نجد مقام نبوة *** يدعو إلى الإسلام والإيمان
حتى غدت نجد كروض مزهر *** يختال في ظل من العرفان
أحيا لنا الدين الحنيف كما أتى *** وأقامه بالسيف والبرهان
برهانه القرآن والسنن التي *** تروى لنا عن سيد الأكوان
كم حارب الشرك الخبيث وأهله *** وأذاقهم في الحرب كل هوان
وأبان توحيد العبادة بعدما *** درست معالمه من الأذهان
كم أبطل البدع التي قد عكرت *** صفو الشريعة مورد الظمآن
وأضاء نوراً لم يزل متألقاً *** يهدي به الرحمن كل أوان
يا رب دعوة مؤمن متضرع *** أغدق عليه سحائب الرضوان
•|| حال كتاب: (نواقض النواقض) في نقض رسالة محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ.
رأيت اليوم منشوراً لـ:(مديرية مطابع وزارة الأوقاف الأردنية) تبشر أهل الأردن بفراغها من تجهيز وطباعة كتاب: (نواقض النواقض) والذي أخذني عنوانه كما أخذني -لأول مرة- عنوان تصنيف الخواجة الطوسي تـ672هـ الموسوم بـ(مصارع المصارع) الذي نقض فيه (مصارعة الفلاسفة) لـ الشهرستاني تـ548هـ.
ومما أشعلني له طلباً بأن الكتاب من الأعمال المشتركة لـ:(جمع!!) من العلماء والباحثين، وبتقديم أ.د علي جمعة، وهو صادر عن "وقفية سمو الأمير غازي بن محمد للفكر القرآني".
واكتنفت الكتاب وقلبته ظاهراً وباطناً، فوجدت أكثره حديث خرافة، وهجم عليَّ قوله -تعالى-: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ))، واستحضرت حال هؤلاء الكتبة في يوم تشيب له الشعور: ((أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ))؟!
نماذج!
-في [نواقض النواقض] (50) -نقلوا عن محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ: [(الناقض الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه؛ كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر).
معنى الناقض واقعاً: من لم يعتقد أن منهج محمد بن عبد الوهاب هي السنة الصحيحة، أو خالفه في منهجه، أو في تضعيف حديث، أو تقويته، فهو كافر، فجعل من لم يوافق مذهبه كأنه لم يوافق هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-].
-في [نواقض النواقض] (42) -نقلوا عن محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ: [(الناقض الثاني:من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم، ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم كفر إجماعاً).
معنى الناقض واقعاً: أنه من طلب من أخيه المسلم أن يدعوا له بالمغفرة فهو كافر....].
-في [نواقض النواقض] (57) -نقلوا عن محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ: [(من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو ثواب الله، أو عقابه، كفر..).
معنى الناقض واقعاً: أن من استهزأ بمحمد بن عبد الوهاب، وبما جاء به من أفكار فهو كافر].
-في [نواقض النواقض] (47) -نقلوا عن محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ: [(الناقض الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر إجماعا).
معنى الناقض واقعاً: أن كل من لم يكفر من كفرهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهو كافر، مما يعني تكفير أصحاب المذاهب الأربعة بمن فيهم الحنابلة الموجودون في بلده].
-في [نواقض النواقض] (53) -نقلوا عن محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ: [(من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به كفر).
معنى الناقض واقعاً: تكفير عموم الصحابة لقوله ....وهذا يعني بالطبع تكفير عموم المسلمين الذين يستصعبون أي أمر في الدين...].
-في [نواقض النواقض] (62) -نقلوا عن محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ: [(الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين..).
معنى الناقض واقعاً: ... ومقصود الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن جميع من ناصر مخالفيه كفار، يجوز له أن يستحل دماءهم وأموالهم].
-في [نواقض النواقض] (64) -نقلوا عن محمد بن عبد الوهاب تـ1206هـ: [(الناقض التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى -عليه السلام- فهو كافر).
معنى الناقض واقعاً: أن كل من خالفه -حتى من سقط عنه التكليف وفقد عقله- فهو كفر، والشيخ لعله لم يقصد بعض هذا بالضبط، وإنما قصد من خرج عن طريقته ومذهبه ..].
محمود أبو حيان
————
بارك الله فيك اخى حسن المطروشى الاثرى
أولا كيف ينقض نواقض الاسلام للامام محمد ابن عبد الوهاب وهذه النواقض مجمع عليها عند اهل العلم وهى تندرج تحت باب حكم المرتد
قال الشيخ العلامة سليمان بن سحمان :
فقد ذكر أهل العلم نواقض الإسلام، وذكر بعضهم أنها قريب من أربعمائة ناقض، ولكن الذي أجمع عليه العلماء هو ما ذكره شيخ الإسلام، وعلم الهداة الأعلام، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، من نواقض الإسلام، وأنها عشرة. انتهى. الدرر السنية (2/360).
و سبب اقتصار الشيخ -رحمه الله- على هذه العشرة ذكره في خاتمتها حيث قال:
وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا. انتهى
ونواقض الإسلام" هذا لقب على جملة من العقائد والأعمال والأقوال يحصل بها الكفر،
فعندما نقول نواقض الإسلام أي مفسداته، مبطلاته و كلمة نواقض جمع ناقضة اسم فاعل من نقض الشيء إذا أفسده أو أبطله أو هدمه أو حلَّه، ومنه قول الله تعالى: (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ) ، وكذلك قوله جل وعلا: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا )
فنواقض العشرة التي ذكرها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هي مبطلات للإسلام سميت نواقض لإن الإنسان إذا فعل واحدا منها انتقض إسلامه ودينه , وانتقل من كونه مسلما مؤمنا على كونه من أهل الشرك والأوثان
وهذه النواقض تبطل الدين والتوحيد والأيمان كما تبطل نواقض الطهارة الطهارة
فالإنسان إذا كان متوضئا متطهرا , ثم أحدث فخرج منه بول أو غائط أو ريح بطلت طهارته وانتقضت وعاد محدثا بعد أن كان متطهرا ,
فكذلك المسلم المؤمن والموحد إذا فعل ناقضا من نواقض الإسلام انتقض إسلامه ودينه وصار وثنيا من أهل الأوثان , بعد أن كان من أهل الإسلام , وإذا مات على ذلك صار من أهل النار . وإذا لقي الإنسان ربه بهذا الشرك لا يغفر له كما قال تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) وهو يحبط جمبع الأعمال , قال تعالى : (( ولو أشركو لحبط عنهم ما كانوا يعملون )) , وقال سبحانه : (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )) . والجنة على المشرك حرام كما قال تعالى تعالى : (( إنه من يشرك بالله فقد حرم عليه الجنه ومأواه النار وما للظالمين من أنصار )) فالشرك يبطل جميع الأعمال , ويخرج صاحبه من ملة الإسلام , ويخلد صاحبه في النار , والجنة حرام على من لقي الله به
والمسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله ويكون بها خارجاً من الإسلام، ومن أخطرها وأكثرها وقوعا عشرة نواقض ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب وغيره من أهل العلم رحمهم الله جميعا
والردة: هي الرجوع فالمرتد هو الذي يرجع عن دينه إما بقول أو اعتقاد أو بفعل أو بشك، فهذه أصول أنواع الردة: القول والاعتقاد والفعل والشك. وينشأ عن هذه الأصول أنواع كثيرة من نواقض الإسلام
وقد صدر شيخ الاسلام النواقض بالناقض الاول وهو الشرك فى عبادة الله يدخل فى النفى الذى تضمنته لا اله الا الله
والشرك أعظم ما نهى الله عنه وحرمه وبين أنه مبطل للاسلام والايمان وان صاحبه خارج عن الملة مخلد فى نار جهنم
فكيف ينقض هذا المسكين المسمى بمحمد ابو حيان- وعلى جمعة - ما اجمع عليه اهل العلم بأنه من مبطلات الاسلام والسبب فى ذلك كما يظهر من كلامهم انهم من القبوريين والصوفيين المناوئين لدعوة التوحيد وقد فند الشيخ عبد العزيز ابن عبد اللطيف فى كتابه دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب - الدعاوى والشبهات التى أثيرت ضد دعوة الامام محمد ابن عبد الوهاب من خصوم الدعوة وأعدائها ولا شك ان دعاوى وشبهات على جمعة ومحمد ابو حيان من شبهات ودعاوى أعداء دعوة التوحيد ومعروف للجميع عقيدة على جمعه القبورى الصوفى وشركياته فهو من دعاة الشرك والضلال وضلالالته غير خافية للعيان على الشبكة العنكبوتية- فلا نستعجب ان يكون من الباحثين الذين أخرجوا الكتاب فكل إناء بما فيه ينضح
الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وكذا أتباعه من بعده وأنصار دعوته،
اعتنوا بنوقض الاسلام عناية فائقة، ووضحوا ما أشكل فيها وبيَّنوها، وفصَّلوها تفصيلاً شافياً كافياً.
فكان الشيخ يحذر من نواقض الاسلام و الإيمان ومبطلاته، ويبينها، بكل ما استطاع.
ولقد اهتم بذلك أيما اهتمام، حتى كاد أن يستأثر هذا الجانب بكل همته كما كاد أن يستأثر بالواقع في بداية الإصلاح؛ لأن المشكلة فى عصره كانت تكمن فى غلبة الشرك على اكثر النفوس
لذلك لم يقصر علماء الدعوة جهدهم على تقرير عقيدة التوحيد فحسب، بل تجاوزوا ذلك.. إلى أن حذروا من الشرك.. فذكروا نواقض الإسلام، وأوردوا أنواع الشرك والكفر وأقسامه، تحذيراً للأمة وكشفاً للغمة، كما سدّوا وسائل الشرك وذرائعه،
لذلك ظهرت دعوات الخصوم بأن الشيخ يكفر المسلمين فنشروا الاكاذيب والافتراءات ضد الدعوة النجدية تنفيرا للناس عن دين الله ورسوله ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق،
يقول ابن سحيم – الخصم العنيد – في رسالته التي بعثها إلى علماء الأمصار محرضاً على الشيخ الإمام، ومنفراً عن دعوته،
(ومن أعظمها أنه من لم يوافقه في كل ما قاله، ويشهد أن ذلك حق، يقطع بكفره، ومن وافقه، ونحى نحوه، وصدّقه في كلَّ ما قال، قال: أنت موحَّد، ولو كان فاسقاً محضاً أو ما شاء..)
ويقول عثمان ابن منصورفى كذبه على الامام محمد ابن عبد الوهاب
(ولكن هذا الرجل جعل طاعته ركناً سادساً للأركان الخمسة …)
ويقول شيخ الكذب دحلان
(فلا يعتقدون موحداً إلا من تبعهم فيما يقولون، فصار الموحدون على زعمهم أقل من كل قليل.
وقال له أخوه سليمان يوماً: كم أركان الإسلام يا محمد بن عبد الوهاب فقال: خمسة، فقال: أنت جعلتها ستة، السادس من لم يتبعك فليس بمسلم، هذا عندك ركن سادس للإسلام
ويقول حسين بن حلمي أثناء كذبه على الوهابيين:
(ولا يحسبون غير أنفسهم مسلمين، ويكفرون ما عداهم، ويقولون أن أموالهم وأنفسهم مباحة للوهابيين)
******
وفى رد هذه الفرية
يقول الشيخ الإمام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله :
(وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين).
ويبعث رسالة لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها:
(وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله
وفي رسالته لأهل القصيم، يشير رحمه الله إلى مفتريات الخصم العنيد ابن سحيم ويبريء نفسه من فرية تكفير المسلمين
(والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها قوله: أني أقول أن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وأني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري، وأني أكفر من حلف بغير الله.. جوابي عن هذه المسائل أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم.
ويؤكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بطلان تلك الفرية، ويدحضها فيقول - في رسالته لحمد التويجري -:
(وكذلك تمويهه على الطغام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر، ونقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد الله على ما يعلمه من قلوبنا بأن من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله، فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما تبيّن له الحجة على بطلان الشرك…)
ويؤكد الشيخ الإمام - مرة أخرى - بطلان تلك الدعوى، وأنها دعوى كذب وبهتان، فيقول جواباً على سؤال الشريف..
(وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: أنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله..).
ويبعث الشيخ رسالة لأحد علماء المدينة لدحض فرية تكفير الناس عموما، يقول الشيخ:
(فإن قال قائلهم أنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد).
ويفند الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب تلك الفرية، فيقول:
(وأما ما يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق، بأننا نكفر الناس على الإطلاق، أهل زماننا، ومن بعد الستمائة، إلا من هو على ما نحن فيه، ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرر عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله … فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكر أولاً، كان جوابنا في كل مسألة من ذلك (سبحانك هذا بهتان عظيم)، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا، فقد كذب وافترى، ومن شاهد حالنا، وحضر مجالسنا، وتحقق ما عندنا علم قطعياً أن جميع ذلك وضعه علينا وافتراه أعداء الدين وإخوان الشياطين، تنفيراً للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص عليه بأن الله لا يغفره، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإنا نعتقد أن من فعل أنواعاً من الكبائر كقتل المسلم بغير حق، والزنا، والربا وشرب الخمر، وتكرر منه ذلك، أنه لا يخرج بفعله ذلك من دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام، إذا مات موحداً بجميع أنواع العبادة).
ولما سئل الشيخ عبد العزيز بن حمد سبط الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن تلك الفرية، كان جوابه رحمه الله – بعد أن ساق السؤال _:
(وأما السؤال الثاني وهو قولكم: من لم تشمله دائرة إمامتكم ويتسم بسمة دولتكم، وهل داره دار كفر وحرب على العموم الخ.
فنقول وبالله التوفيق: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دان بالإسلام وأطاع ربه فيما أمر، وانتهى عما عنه نهى وزجر، فهو المسلم حرام المال والدم كما يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة. ولم نكفر أحداً دان بالإسلام لكونه لم يدخل في دائرتنا، ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، ومن زعم أنا نكفر الناس بالعموم، أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده فقد كذب وافترى).
، يقول الشيخ عبد اللطيف في (مصباح الظلام) دحضاً لذلك:
(هذه العبارة تدل على تهور في الكذب، ووقاحة تامة، وفي الحديث: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت). (2)
وصريح هذه العبارة أن الشيخ كفر جميع الأمة من المبعث النبوي إلى قيام الساعة إلا من وافقه على قوله الذي اختص به، وهل يتصور هذا عاقل عرف حال الشيخ وما جاء به ودعا إليه، بل أهل البدع كالقدرية والجهمية والرافضة والخوارج لا يكفرون جميع من خالفهم، بل لهم أقوال وتفاصيل يعرفها أهل العلم، والشيخ رحمه الله لا يعرف له قول انفرد به عن سائر الأمة، ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب – أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العمل والعبادات – مجمع عليه المسلمين لا يخالف فيه إلا من خرج عن سبيلهم وعدل عن مناهجهم).
ويورد – في إحدى رسائله – معتقد الشيخ الإمام في مسألة التكفير فيقول:
(فإنه لا يكفر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر كتكفير من عبد الصالحين ودعاهم مع الله، وجعلهم أنداداً فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإلهية) .
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف أن من عرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أدرك براءته من تلك الفرية الكاذبة
فيقول – رحمه الله -:
(كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، يعلم أنه من أعظم الناس إجلالاً للعلم والعلماء، ومن أشد الناس نهياً عن تكفيرهم وتنقصهم وأذيتهم، بل هو ممن يدينون بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم، والشيخ رحمه الله لم يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمعت الأمة على كفره كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين).
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا معلقاً على فرية تكفير المسلمين :
(بل في هذه الكتب خلاف ما ذكر وضده، ففيها أنهم لا يكفرون إلا من أتى بما هو كفر بإجماع المسلمين)
ويورد الشيخ سليمان بن سحمان الدفاع عن الشيخ الإمام، ويبرأه من هذا البهتان فيقول رحمه الله – حاكياً حال الشيخ:
(فإنه رحمه الله كان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها.. فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأجمع على تكفيره الأمة، ويوالي كافة أهل الإسلام وعلمائهم.. ويؤمن بما نطق به الكتاب، وصحت به الأخبار، وجاء الوعيد عليه من تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، ولا يبيح من ذلك إلا ما أباحه الشرع، وأهدره الرسول، ومن نسب إليه خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها فقد كذب وافترى، وقال ما ليس له به علم …). )
وكتب أحمد الكتلاني في (الصيب الهطال) – دفاعا عن الشيخ في هذا المقام
(وهذا من نمط ما قبله من الكذب والبهتان، والذي نقوله في ذلك أن من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة إليه، فالذي يحكم عليه إذا كان معروفاً بفعل الشرك ويدين به، ومات على ذلك، فظاهره أنه مات على الكفر فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه. وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى فإن كانت قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله. وأما من لا نعلم حاله في حال حياته، ولا ندري ما مات عليه، فإنا لا نحكم بكفره، وأمره إلى الله فمن نسب إلينا غير هذا فقد كذب علينا وافترى وحسبنا الله ونعم الوكيل).
[الشبهات المثارة حول دعوة الشيخ مع بيان الحق - - بتصرف ]*****
فمن خلال هذه النقول المتعددة تظهر براءة الشيخ الإمام، وكذا أتباعه وأنصار دعوته من مفتريات وأكاذيب الخصوم في مسألة التكفير، ومن طالع كتبهم وقرأ رسائلهم تبين له صحة معتقدهم وسلامة فهمهم لمسألة التكفير، وإن اعتقادهم فيها هو عين اعتقاد السلف الصالح.
انتشر مقطعاً مرئيا للشيخ عبدالله الجهني يقرأ فيه قوله تعالى :
(( وقالت اليهود يد الله مغلولة ....
وخفض فيه صوته .
ثم
اكمل _ رافعا صوته _ :
غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ....))
قال النووي :
ومن الآداب:
إذا قرأ نحو قوله تعالى :
*وقالت اليهود يد الله مغلولة* ..
أن يخفض بها صوته .
كذا كان يفعل النخعي ..
*ا . ه**
فهل يُعتبر هذا أصلا لتعلم المقامات
بارك الله فيك
قال النووي - رحمه الله... " ومنها - أي من المسائل الغريبة التي تدعو إليها الحاجة - أنه إذا قرأ قول الله عز وجل - (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصرى المسيح ابن الله)، (وقالت اليهود يد الله مغلولة)، (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا)، ونحو ذلك من الآيات ينبغي أن يخفض بها صوته، كذا كان إبراهيم النخعي يفعل ". التبيان في آداب حملة القرآن
ذكر البعض ان العلة هى حسن آداب القراءة و كمال التأدب مع الله لشناعة مثل هذه المقولات ، ولكن ليس عليه دليل الا ما ذكره النووى من كلام ابراهيم النخعى ، فالعلة عندهم انه من باب الكمالات التي يسعى لها بعض العلماء اجتهاداً منهم وتعظيماً لله .
ولكن الصحيح عدم المنع من خفض الصوت
************
وللفائدة
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حكم من قال آمين أو أعوذ بالله من النار أو سبحان الله والإمام يقرأ في صلاة جهرية وذلك عندما يسمع المأموم آيات تستوجب التعوذ أو التسبيح أو التأمين؟
فأجاب : أما الآيات التي تستوجب التسبيح أو التعوذ أو السؤال إذا مر بها القارىء في صلاة الليل فإنه يسن له أن يفعل ما يليق ، فإذا مر بآية وعيد تعوذ ، وإذا مر بآية رحمة سأل .
وأما إذا كان مستمعاً للإمام فإن الأفضل ألا يتشاغل بشيء غير الإنصات والاستماع ، نعم إذا قدّر أن الإمام وقف عند آخر الآية وهي آية رحمة فسأل المأموم أو هي آية وعيد فتعوذ أو آية تعظيم فسبح فهذا لا بأس به ، وأما إذا فعل ذلك والإمام مستمر في قراءته فأخشى أن يشغله هذا عن الاستماع إلى قراءة الإمام ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سمع أصحابه يقرؤون خلفه في الصلاة الجهرية قال : ( لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
ولكن من أهل العلم من خصّ استحباب ذلك بصلاة بالنافلة ، لأن هذا هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن فعله في الفريضة جاز ، وإن لم يكن سنة .
المصدر الاسلام سؤال وجواب
قد اطَّلَعْتُ مؤَخَّرًا على كتابٍ بعُنوانِ: (نواقِضُ النَّواقِضِ رَدُّ عُلَماءِ الأُمَّةِ على بِدْعةِ تكفيرِ المُسلِمينَ)[1]، ولا شَكَّ أنَّ كُلَّ مُسلِم يفرَحُ بالرُّدودِ على بِدْعةِ تكفيرِ المُسلِمينَ، بل هذا من أوجَبِ الواجباتِ على عُلَماءِ المُسلِمين خاصَّةً في هذا العَصْرِ الذي توسَّعَت فيه دائِرةُ التَّكفيرِ عِندَ عَدَدٍ مِن الأفرادِ والجَماعاتِ والتَّنْظيماتِ، ولكِنَّك تعجَبُ أشَدَّ العَجَبِ عندما ترى أنَّ هؤلاء الذين سَمَّوا أنفُسَهم بالعُلَماء تركوا هذه الجماعاتِ والتَّنظيماتِ التي توسَّعَت في تكفيرِ المُسلِمين واستباحت دماءَهم، واتَّجَهوا لدَعوةِ الإمامِ المجَدِّدِ محمَّدِ بنِ عَبدِ الوهَّابِ رحمه الله، وذهَبوا لأشهَرِ كُتُبِه بَعْدَ كِتابِ التَّوحيدِ، ألا وهو كتابُ (نواقِضُ الإسلامِ)[2]، وألَّفَوا كِتابَهم الهزيلَ (نَواقِضُ النَّواقِض) لينقُضوا كُلَّ ناقِضٍ مِن النَّواقِضِ العَشَرةِ التي أوردها الشَّيخُ رحمه الله! وسيجِدُ القارئُ في هذه الأسطُرِ نَقْضَ كُلِّ ناقضٍ مِن نواقِضِهم بإذنِ اللهِ.وبما أنَّ نواقِضَهم هذه كُلَّها قائمةٌ على اتِّهامِ الشَّيخِ بتكفيرِ المُسلِمين كُلِّهم بأعيانِهم إلَّا أتباعَه ومن كان على مَنْهَجِه، فسوف أسرُدُ جُملةً مِن أقوالِه تُكَذِّبُ هذه المقولةَ، وهي كافيةٌ لِنَسْفِ كتابِ (نواقِضُ النَّواقِضِ) من أُسِّه وأساسِه، ولكِنَّ تفنيدَ النَّواقِضِ ناقِضًا ناقِضًا وباختِصارٍ مُهِمٌّ لفِئةٍ مِنَ النَّاسِ.فقد اتَّهموا الشَّيخَ بأنَّه يُكَفِّرُ جميعَ النَّاسِ بالعُمومِ وبالظَّنِّ، ويُكَفِّرُ مُرتَكِبَ الكبائِرِ، ويُكَفِّرُ مَن لم يكُنْ من أتباعِه، وأنَّه يُكَفِّرُ بالتَّوَسُّلِ بالنَّبيِّ والصَّالحينَ، وأنَّه يُكَفِّرُ المُسلِمَ الذي وقَعَ في الكُفرِ جَهْلًا، وهذه أقوالُه تنفي عنه كُلَّ ذلك:نفى الشَّيخُ عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ بالعُمومِ في أكثَرَ مِن مَوضِعٍ ومُناسَبةٍ؛ من ذلك قَولُه: (فإن قالَ قائلُهم: إنَّهم يُكَفِّرونَ بالعُمومِ، فنقولُ: سُبْحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ!)[3]، وقَولُه: (وأمَّا الكَذِبُ والبُهتانُ فمِثْلُ قولِهم: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ)[4]، وقَولُه: (وأمَّا القَولُ: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ، فذلك من بُهتانِ الأعداءِ الذين يَصُدُّون به عن هذا الدِّينِ، ونقولُ :سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظِيمٌ!)[5]، وقال: (ما ذُكِرَ لكم عنِّي أنِّي أكَفِّرُ بالعُمومِ، فهذا من بهتانِ الأعداءِ، وكذلك قَولُهم: إنِّي أقولُ: مَن تَبِع دينَ اللهِ ورَسولِه وهو ساكِنٌ في بَلَدِه أنَّه ما يكفيه حتى يجيءَ عندي! فهذا أيضًا مِنَ البُهتانِ؛ إنَّما المرادُ اتِّباعُ دِينِ اللهِ ورَسولِه في أيِّ أرضٍ كانت)[6].
ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ بالظَّنِّ، فقال: (مَن أظهَرَ الإسلامَ وظنَنَّا أنَّه أتى بناقضٍ، لا نُكفِّره بالظَّنِّ، لأنَّ اليقينَ لا يَرفَعُه الظَّنُّ، وكذلك لا نُكفِّرُ من لا نعرِفُ منهُ الكُفرَ بسَبَبِ ناقضٍ ذُكِرَ عنه ونحنُ لم نتحقَّقْه)[7]، وقال: (وأمَّا ما ذَكَر الأعداءُ عنِّي أنِّي أُكَفِّر بالظَّنِّ وبالمُوالاةِ، أو أُكَفِّرُ الجاهِلَ الذي لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فهذا بهتانٌ عظيمٌ يريدونَ به تنفيرَ النَّاسِ عن دينِ اللهِ ورَسولِه)[8].
ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ مُرتَكِبي الكبائِرِ، فقال: (وأمَّا المعاصي والكبائِرُ -كالزِّنا والسَّرِقةِ وشُربِ الخَمْرِ وأشباهِ ذلك- فلا يُخرِجُه عن دائِرةِ الإسلامِ عِندَ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ، خلافًا للخوارِجِ والمُعتَزِلةِ الذين يُكَفِّرون بالذُّنوبِ، ويَحكُمون بتَخليدِه في النَّارِ)[9]، وقال ردًّا على من اتَّهَمه بأنَّه يُكَفِّرُ شارِبَ الخَمْرِ والزَّانيَ وغَيرَ ذلك مِن كبائِرِ الذُّنوبِ: (نبرَأُ إلى اللهِ مِن هذه المقالةِ، بل الذي نحنُ نقولُ: الذُّنوبُ فيها الحُدودُ، ومُعلَّقةٌ بالمشيئةِ؛ إن شاء اللهُ عفا، وإن شاء عذَّب عليها، وأمَّا الذي نُكَفِّرُ به فالشِّركُ باللهِ، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48])[10]، وقال: (أركانُ الإسلامِ الخَمْسةُ، أوَّلُها الشَّهادتانِ، ثمَّ الأركانُ الأربَعةُ؛ فالأربَعةُ إذا أقرَّ بها وتَرَكها تهاوُنًا، فنحن وإن قاتَلْناه على فِعْلِها، فلا نُكَفِّره بتَرْكِها، والعُلَماءُ اختَلَفوا في كُفْرِ التَّارِكِ لها كَسَلًا مِن غَيرِ جُحودٍ، ولا نُكَفِّرُ إلَّا ما أجمَع عليه العُلَماءُ كُلُّهم، وهو: الشَّهادتانِ)[11].
ونفى عن نَفْسِه أن يُكَفِّرُ بالتَّوَسُّلِ بالنَّبيِّ والصَّالحينَ، ورَدَّ على من اتَّهَمه بأنَّه يُكَفِّرُ من توسَّلَ بالصَّالحينَ بقَولِه: (سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عظيمٌ!)[12]، وفَرَّق بين التوَسُّلِ والاستغاثةِ، فقال: (إنكارُنا على من دعا المخلوقَ أعظَمَ ممَّا يدعو اللهَ تعالى، ويقصِدُ القَبْرَ يتضَرَّعُ عِندَ ضَريحِ الشَّيخِ عبدِ القادِرِ أو غيرِه، يطلُبُ فيه تفريجَ الكُرُباتِ وإغاثةَ اللَّهَفاتِ وإعطاءَ الرَّغَباتِ، فأين هذا ممَّن يدعو اللهَ مخلِصًا له الدِّينَ لا يدعو مع اللهِ أحدًا، ولكِنْ يقولُ في دُعائِه: أسألُك بنبيِّك، أو بالمُرْسَلينَ، أو بعِبادِك الصَّالِحيَن، أو يَقصِدُ قَبْرَ مَعروفٍ أو غيرِه يدعو عندَه، لكِنْ لا يدعو إلَّا اللهَ مُخلِصًا له الدِّينَ، فأين هذا ممَّا نحن فيه؟!)[13].
ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ مَن لم يَتَّبِعْه في دَعوتِه ولم يُهاجِرْ إليه، فقال: (وأجلَبوا علينا بخَيلِ الشَّيطانِ ورَجِلِه، منها: إشاعَةُ البُهتانِ بما يَسْتَحي العاقِلُ أن يحكيَه فَضْلًا عن أن يَفتريَه، ومنها ما ذكَرْتُم: أنِّي أُكَفِّرُ جَميعَ النَّاسِ إلَّا من اتَّبَعَني، وأنِّي أزعُمُ أنَّ أنكِحَتَهم غيرُ صَحيحةٍ، فيا عجبًا! كيف يدخُلُ هذا في عَقْلِ عاقِلٍ؟! وهل يقولُ هذا مُسلِمٌ؟! إنِّي أبرَأُ إلى اللهِ مِن هذا القَولِ الذي ما يَصدُرُ إلَّا عن مختَلِّ العَقْلِ، فاقِدِ الإدراكِ؛ فقاتَلَ اللهُ أهلَ الأغراضِ الباطِلةِ، ... والحاصِلُ: أنَّ ما ذُكِرَ عنِّي مِن الأسبابِ غيرِ دَعوةِ النَّاسِ إلى التَّوحيدِ، والنَّهْيِ عن الشِّرْكِ، فكُلُّه مِنَ البُهتانِ)[14]، وقال: (أمَّا الكَذِبُ والبُهتَانُ فمِثْلُ قَولِهم: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ، ونُوجِبُ الهِجْرةَ إلينا على مَن قَدَر على إظهارِ دِينِه، وإنَّا نُكَفِّرُ مَن لم يُكَفِّرْ ومَن لم يُقاتِلْ، ومِثْلُ هذا وأضعافُ أضعافِه، فكُلُّ هذا مِنَ الكَذِبِ والبُهْتانِ)[15].
ونفى عن نَفْسِه أنَّه يُكَفِّرُ المُسلِمَ الذي وَقَع في الكُفْرِ جَهْلًا ولم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فقال: (وإذا كُنَّا لا نُكَفِّرُ مَن عَبَد الصَّنَمَ الذي على عَبدِ القادِرِ، والصَّنَمَ الذي على قَبْرِ أحمَدَ البَدَويِّ، وأمثالِهما؛ لأجْلِ جَهْلِهم وعَدَمِ مَن يُنَبِّهُهم، فكيف نُكَفِّرُ مَن لم يُشرِكْ باللهِ إذا لم يُهاجِرْ إلينا، أو لم يُكَفِّرْ ويُقاتِلْ؟! سُبحانَكَ هذا بُهتانٌ عَظِيمٌ!)[16].
وقال كما تَقَدَّم: (وأمَّا ما ذَكَر الأعداءُ عنِّي أنِّي أُكَفِّرُ بالظَّنِّ وبالمُوالاةِ، أو أُكَفِّرُ الجاهِلَ الذي لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ، فهذا بُهْتانٌ عظيمٌ يُريدونَ به تَنْفيرَ النَّاسِ عن دِينِ اللهِ ورَسولِه)[17].
ثمَّ إنَّ الشَّيخَ بَيَّن في أكثَرَ مِن مَوضِعٍ مَن يُكَفِّرُهم، فقال: (وأمَّا التَّكفيرُ فأنا أُكَفِّرُ من عَرَف دِينَ الرَّسولِ، ثمَّ بَعْدَ ما عَرَفَه سَبَّه، ونهى النَّاسَ عنه، وعادى مَن فَعَلَه، فهذا هو الذي أُكَفِّرُه، وأكثَرُ الأُمَّةِ -ولله الحَمْدُ- ليسوا كذلك)[18].
وقال: (ولكِنْ نُكَفِّرُ مَن أقرَّ بدِينِ اللهِ ورَسولِه، ثمَّ عاداه وصدَّ النَّاسَ عنه، وكذلك من عبَدَ الأوثانَ بَعْدَما عَرَف أنَّها دِينُ المُشرِكينَ، وزيَّنَه للنَّاسِ، فهذا الذي أُكَفِّرُه، وكُلُّ عالمٍ على وَجْهِ الأرضِ يُكَفِّرُ هؤلاء إلَّا رَجُلٌ مُعانِدٌ، أو جاهِلٌ. واللهُ أعلَمُ)[19].كُلُّ هذه النُّقُولاتِ مِن كلامِه تَكْفي في الرَّدِّ على أصحابِ كِتابِ (نَواقِضُ النَّواقِضِ)، لكِنْ لأنَّ الكِتابَ فيه تَلْبيسٌ وتَدْليسٌ على العَوامِّ، ولكي لا يغتَرَّ به بَعْضُهم، فسأتناوَلُ نواقِضَهم ناقِضًا ناقِضًا، وأنقُضُها بأوجَزِ عِبارةٍ بما لا يُخِلُّ بالمعنى.بَدَؤوا قَبْل نَقْضِ النَّواقِضِ بانتِقادِ الشَّيخِ بجَعْلِ النَّواقِضِ عَشَرةً، فقالوا: (حَصْرُ الشَّيخِ لنواقِضِ الإسلامِ بعَشَرةٍ تحَكُّمٌ منه مِن غَيرِ دَليلٍ؛ فرُبَّما يَدَّعي آخَرُ أنَّها عِشْرون، أو يقولُ أحَدُهم: إنَّها ثمانيةٌ، فلماذا العَشَرةُ بالذَّاتِ، ...، وماذا عن النَّواقِضِ الأُخرى، فتَمزيقُ المُصحَفِ أو تلطيخُه بالنَّجاساتِ -والعِياذُ باللهِ تعالى- أليس ناقِضًا؟ وشَتْمُ الذَّاتِ الإلهيَّةِ أو سَبُّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أليس كذلك؟! ... فلا داعيَ للحَصْرِ في عَشَرةٍ أو عَدَدٍ مُعَيَّنٍ).وهذا جَهلٌ منهم؛ فالشَّيخُ لم يَقُلْ: إنَّ نواقِضَ الإسلامِ هذه العَشَرةُ فقط، بل قال: هذه العَشَرةُ مِن نواقِضِ الإسلامِ، بل قال قَبْلَ سَرْدِ النَّواقِضِ: (اعلَمْ أنَّ مِن أعظَمِ نواقِضِ الإسلامِ عَشَرةً: ...) وهذه عبارةٌ صريحةٌ في أنَّه لم يَحصُرْها في عَشَرةٍ، ومَن قرأ كُتُبَ الشَّيخِ ورسائِلَه يرى أنَّه ذكَرَ نواقِضَ أُخرى للإسلامِ غَيرَ هذه العَشَرةِ، ولكِنَّ انتقادَهم هذا مِن بابِ التَّشْغيبِ على دَعوةِ الشَّيخِ وتنفيرِ النَّاسِ عنها.ثمَّ ذَكَروا النَّواقِضَ العَشَرةَ حَسَبَ تَرتيبِ الشَّيخِ لها، وبَعْدَ كُلِّ ناقِضٍ يَذْكُرون ناقِضَ النَّاقِضِ -حسَبَ زَعْمِهم- مُبتَدِئينَ بما يُضحِكُ الثَّكْلى بما سَمَّوه معنى النَّاقِضِ واقِعًا! وهنا سأنقُلُ النَّاقِضَ الذي ذكَرَه الشَّيخُ، وما ذكَروه مِن معنى النَّاقِضِ واقِعًا، وبَعْضَ تَعليقِهم عليه، ثم أَنقُضُه بعباراتٍ مُختَصَرةٍ بما يَتَّسِعُ له المقامُ.[النَّاقِضُ الأوَّلُ:(الشِّرْكُ في عِبادةِ اللهِ تعالى، والدَّليلُ قَولُه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، ومنه الذَّبْحُ لغَيرِ اللهِ، كمَن يَذبَحُ للجِنِّ أو للقَبْرِ).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ من دعا -بمعنى خاطَبَ- غَيْرَ اللهِ تعالى، أو توسَّل إليه بالأنبياءِ وغَيرِهم مِنَ الصَّالحينَ السَّابِقينَ، فهو مُشرِكٌ كافِرٌ، بدايةً مِن سَيِّدِنا عُمَرَ الذي توسَّلَ بسَيِّدِنا العَبَّاسِ، كما جاء في صَحيحِ البُخاريِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كان يقولُ: (اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نتوَسَّلُ إليك بنَبيِّنا فتَسْقينا، وإنَّا نتَوَسَّلُ إليك بعِمِّ نَبيِّنا فاسْقِنا).]ثمَّ قالوا: [ناقِضُ النَّاقضِ: ... الشَّيخُ خَصَّص هذا الحُكْمَ بقَولِه: (الشِّرْكُ في عبادةِ اللهِ) ولم يقُلْ: (الشِّرْكُ باللهِ تعالى)؛ لأنَّ مَقْصودَه هنا هو رَمْيُ المُسلِمين بهذا الشِّرْكِ المزعومِ؛ لأنَّهم يقومون بأعمالٍ تُعتَبَرُ في نظَرِه مِن جملةِ الشِّرْكِ في عبادةِ اللهِ تعالى، كالتوَسُّلِ والاستغاثةِ، أو بَعْضِ الأفعالِ التي اعتاد النَّاسُ على فِعْلِها في زَمانِه، كالذَّبْحِ لتوزيعِ الصَّدَقاتِ عن الأمواتِ عِندَ المقابِرِ، فظَنَّ أنَّ هؤلاء يَذْبحون للقُبورِ، فسارَعَ إلى رَمْيهم بالشِّرْكِ والكُفْرِ دونَ أن يتحَقَّقَ مِن أفعالِهم ونواياهم].الرَّدُّ:ما سبق من كلامِ الشَّيخِ فيه غُنْيةٌ عن الرَّدِّ على هذه الفِرْيةِ؛ فالشَّيخُ أوَّلًا يُفَرِّقُ بَيْنَ التوَسُّلِ والاستِغاثةِ فالتوسُّلُ بمعنى دُعاءِ اللهِ بجاهِ النَّبيِّ أو فُلانٍ، فهذا بِدعةٌ، ولكِنَّ الشَّيخَ لا يُكَفِّرُ صاحِبَه، أمَّا الاستِغاثةُ فهي دعاءُ صاحِبِ القَبرِ أو دعاءُ المخلوقِ بما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ، هذا هو المُناقِضُ للتَّوحيدِ، والذي يَعُدُّه الشَّيخُ وجماهيرُ عُلَماءِ الإسلامِ كُفرًا. ويُفَرِّقُ الشَّيخُ أيضًا بَيْنَ الذَّبحِ لغَيرِ اللهِ والذَّبْحِ لإطعامِ الفُقَراءِ والمَساكينِ مع أنَّ هذا العَملَ لا يجُوز وفِيه شُبهة، أمَّا قَولُهم: (لأنَّ مَقْصودَه هنا هو رَمْيُ المُسلِمين بهذا الشِّرْكِ) فكِتابُهم كُلُّه قائِمٌ على اتِّهامِ النِّيَّاتِ وما يَقصِدُه في قَلْبِه الشَّيخُ، لا ما يَقولُه ويُقَرِّرُه في كُتُبِه ورَسائِلِه! كما سَيأتي في أكثَر من ناقِض.ومِنَ العَجَبِ أن يُنتَقَدَ الشَّيخُ في جَعْلِه الشِّركَ في عِبادةِ اللهِ ناقِضًا مِن نواقِضِ الإسلامِ! إنْ لم يكُنْ هذا ناقِضًا فما الذي يَنقُضُ الإسلامَ إذًا؟!
[النَّاقِضُ الثَّاني:(من جَعَل بَيْنَه وبَيْنَ اللهِ وَسائِطَ يَدْعوهم ويَسأَلُهم الشَّفاعةَ، ويتوكَّلُ عليهم- كَفَر إجماعًا).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّه من طلب مِن أخيه المُسلِمِ أن يَدْعُوَ له بالمَغْفرةِ فهو كافِرٌ.ناقِضُ النَّاقِضِ: في هذا النَّاقِضِ يتَّهِمُ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عَبدِ الوهَّابِ جُمهورَ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ بالكُفْرِ. والعياذُ باللهِ].الرَّدُّ:الشَّيخُ يقولُ: من دعا هؤلاء الوُسَطاءَ وسألهم الشَّفاعةَ وتوكَّلَ عليهم -يعني مِن دونِ اللهِ ولم يَدْعُ اللهَ- كَفَر، وهم يقولونَ: معنى كلامِه: من طلب من أخيه المُسلِمِ أن يَدْعوَ اللهَ له بالمغفِرةِ كَفَر! هل رأيتُم جَهْلًا وتلبيسًا على العامَّةِ أوضَحَ مِن هذا؟! ثمَّ ذَكَروا كلامًا طويلًا لم يُفَرِّقوا فيه بين التوَسُّلِ والاستِغاثةِ، والشَّيخُ فَرَّق بينهما كما هو حالُ جُمهورِ العُلَماءِ وسَبَق النَّقْلُ عنه.
[النَّاقِضُ الثَّالِثُ:(مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكينَ، أو شَكَّ في كُفْرِهم، أو صَحَّح مَذْهَبَهم؛ كَفَر إجماعًا). معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ من لم يُكَفِّرْ مَن كَفَّرَهم الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ فهو كافِرٌ، ممَّا يعني تكفيرَ أصحابِ المذاهِبِ الأربَعةِ بمن فيهم الحنابِلةُ الموجودونَ في بَلَدِه].
وممَّا ذَكَروه في نَقْضِ هذا النَّاقِضِ قَولُهم: (مَن هو الكافِرُ في نَظَرِ الشَّيخِ وما هو مرادُه بهذا النَّاقِض، لا شَكَّ أنَّ الشَّيخَ قد توسَّع من خلالِ ما سبق من النَّواقِضِ في التَّكْفيرِ والحُكمِ على البَعْضِ من المُسلِمين بالكُفْرِ وإخراجِهم مِنَ المِلَّةِ، فساق هذا النَّاقِضَ ليُؤَيِّدَ مَذْهَبَه وكلامَه في حَمْلِ النَّاسِ على مُوافَقَتِه وتكفيرِ مَن لم يُكَفِّرْ من كَفَّرَه هو).الرَّدُّ:الشَّيخُ يقولُ: مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكينَ وشَكَّ في كُفْرِهم، وهؤلاء يقولون: هذا يعني تكفيرَ أصحابِ المذاهِبِ الأربَعةِ! واللهِ إنِّي أستَحِي أنْ أرُدَّ على كلامٍ مُتهافِتٍ كهذا لولا أنَّه صُدِّرَ بأنَّه من عُلَماءِ الأُمَّةِ، وقَدَّم لهم شَيخُ الأزهَرِ!
هل يَشُكُّ مُسلِمٌ عاقِلٌ في تكفيرِ الكافِرِ المُشرِكِ؟! هذا ما قاله الشَّيخُ ونقل الإجماعَ عليه.أمَّا قَولُهم: (ساق هذا النَّاقِضَ ليُؤَيِّدَ مَذْهَبَه وكلامَه في حَمْلِ النَّاسِ على مُوافَقَتِه وتكفيرِ مَن لم يُكَفِّرْ من كَفَّرَه هو) فهو من جِنْسِ ما ذكَرْتُه من الدُّخولِ في النِّيَّاتِ والمقاصِدِ، واللهُ حَسيبُهم!
[النَّاقِضُ الرَّابِعُ:(مَن اعتَقَد أنَّ غَيْرَ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكمَلُ مِن هَدْيِه، أو أنَّ حُكْمَ غَيرِه أحسَنُ مِن حُكْمِه، كالذي يُفَضِّلُ حُكْمَ الطَّواغيتِ على حُكْمِه؛ فهو كافِرٌ).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: من لم يعتَقِدْ أنَّ مَنهَجَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ هي السُّنَّةُ الصَّحيحةُ، أو خالفه في مَنْهَجِه، أو في تضعيفِ حَديثٍ أو تقويتِه؛ فهو كافِرٌ. فجَعَل مَن لم يوافِقْ مَذهَبَه كأنَّه لم يوافِقْ هَدْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم].وقالوا في نَقْضِ هذا النَّاقِضِ: (وقد فَتَح هذا القَولُ للشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ بابَ التكفيرِ واسِعًا، لا سِيَّما في هذا الزَّمَنِ حيثُ جاء من كَفَّر أكثَرَ مِن 90% من الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ استنادًا إلى هذا القَولِ مِن غَيرِ دِرايةٍ أو بَصيرةٍ في الدِّينِ).الرَّدُّ:
لا أدري مِن أين استقى هؤلاء العُلَماءُ الأدْعياءُ مِن قَولِه: (مَن اعتَقَد أنَّ غَيْرَ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكمَلُ مِن هَدْيِه فهو كافِرٌ) أنَّه يقولُ: (مَن لم يعتَقِدْ أنَّ مَنهَجَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ هي السُّنَّةُ الصَّحيحةُ فهو كافِرٌ)؟!وكيف يَفتَحُ هذا القَولُ الذي أجمعت عليه الأُمَّةُ بابَ التَّكفيرِ واسِعًا، مع أنَّه لا يَسَعُ مُسلِمًا أن يقولَ بخِلافِه؟!
[النَّاقِضُ الخامِسُ:(من أبغَضَ شيئًا ممَّا جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولو عَمِلَ به، كَفَر).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: تكفيرُ عُمومِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم؛ لِقَولِه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]. وهذا يعني أيضًا بالطَّبْعِ تكفيرَ المُسلِمين الذين يَسْتَصعِبون أيَّ أمرٍ في الدِّينِ، ولو أرغموا أنفُسَهم عليه، فنَعتَقِدُ هنا أنَّ هذا يعني تكفيرَ (99.9%) من المُسلِمين].الرَّدُّ:
هذا إمَّا جَهْلٌ فاضِحٌ أو تلبيسٌ مُتعَمَّدٌ؛ فالشَّيخُ يتحَدَّثُ عن البُغْضِ القَلْبيِّ كما في قَولِه تعالى عن المُشرِكينَ: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون: 70]، وقَولِه: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: 78]، ولا يتحَدَّثُ عن الكُرْهِ الجِبِلِّيِّ، ككُرْهِ الإنسانِ لأخْذِ الدَّواءِ وكُرْهِه لبَعْضِ الأعمالِ التي قد تكونُ مُفيدةً له، ومن ذلك كُرْهُ القِتالِ لِما فيه مِن ذَهابِ الأنفُسِ والأموالِ، فهو كُرْهٌ جِبِلِّيٌّ طَبَعيٌّ، وكأنَّ هؤلاء العُلَماءَ لم يَقْرَؤوا التَّفاسيرَ! وقد أطبَقَت كُتُبُ التَّفاسيرِ على هذا المعنى، ولم يَنقُلْ أحَدٌ منهم أنَّ الكُرْهَ هنا بمعنى البُغْضِ، وأنا سأنقُلُ هنا مِن أشهَرِ تَفسيرينِ مِن كُتُبِ التَّفْسيرِ. قال البَغَويُّ في تفسيرِه: ({وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}: أي: شاقٌّ عليكم. قال بَعْضُ أهلِ المعاني: هذا الكُرْهُ مِن حيثُ نُفورُ الطَّبْعِ عنه؛ لِما فيه مِن مُؤنةِ المالِ ومَشَقَّةِ النَّفْسِ وخَطَرِ الرُّوحِ، لا أنَّهم كَرِهوا أمْرَ اللهِ تعالى)، وقال ابنُ كَثيرٍ: ({وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}: أي: شديدٌ عليكم ومَشَقَّةٌ).ومن أجْلِ تهويلِ المعنى وتنفيرِ النَّاسِ من الشَّيخِ قالوا: (فنعتَقِدُ هنا أنَّ هذا يعني تكفيرَ (99.9%) من المُسلِمين)!
[النَّاقِضُ السَّادِسُ:(مَن استهزَأَ بشَيءٍ مِن دينِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو ثوابِ اللهِ أو عِقابِه؛ كَفَرَ، والدَّليلُ قَولُه تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65، 66]).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ من استهزأ بمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ وبما جاء به مِن أفكارٍ فهو كافِرٌ].ثمَّ قالوا في نَقْضِ النَّاقِضِ: [وهذا يَدُلُّنا أنَّ قَصْدَ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ ليس الحُكْمَ بكُفْرِ المُستهزئِ بما جاء به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما الحُكمُ بكُفرِ مَن استهزَأَ بدَعْوتِه وبما جاء به، وكان مخالِفًا لاعتِقادِه].الرَّدُّ:
أمَّا معنى النَّاقِضِ واقِعًا فهذا يَدُلُّك على مِقْدارِ الحِقْدِ الذي يَحمِلونَه على الشَّيخِ حتى أذهَبَ عُقولَهم وجعَلَهم يَكْتُبون ما يُضحِكُ، ولا يَقولُه عاقِلٌ فَضْلًا عن عالمٍ أو عُلَماءَ!
وفي نَقْضِ النَّواقِضِ رَجَعوا لعادتِهم القَديمةِ ودَخَلوا في نِيَّةِ الشَّيخِ وشَقُّوا عن قَلْبِه وأخرَجوا منه هذه المعلومةَ الفريدةَ التي تفَطَّنوا لها دونَ غَيرِهم!
[النَّاقِضُ السَّابِعُ:(السِّحْرُ -ومنه: الصَّرْفُ والعَطْفُ- فمَن فعَلَه أو رَضِيَ به، كَفَر، والدَّليلُ قَولُه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ من تبارك في تعليقِ قُرآنٍ أو وُفِّقَ لحمايةِ نَفْسِه مِن السِّحْرِ، فهو كافِرٌ]ثمَّ ذَكَروا في نَقْضِ هذا النَّاقِضِ أنَّ السِّحْرَ منه ما هو كُفرٌ، ومنه ما هو مُحَرَّمٌ.الرَّدُّ:العَجَبُ لا يَنْقَضي من صَنيعِ أدْعِياءِ العِلْمِ هؤلاء؛ فمَسألةُ كُفْرِ تعَلُّمِ السِّحْرِ والعَمَلِ به مِنَ المسائِلِ التي قال بها جَمعٌ مِن عُلَماءِ المذاهِبِ، كما قال الشَّيخُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ، ويَسَعُه ما وَسِعَهم، فلِمَ هذا التَّحامُلُ على الشَّيخِ؟!
قال الإمامُ مالِكٌ: (إنَّ تعَلُّمَ السِّحْرِ وتعليمَه كُفرٌ وإنْ لم يعمَلْ به، ظاهِرٌ في الغايةِ؛ إذْ تعظيمُ الشَّياطينِ ونِسبةُ الكائِناتِ إليها لا يَسْتطيعُ عاقِلٌ يُؤمِنُ باللهِ أن يقولَ فيه: إنَّه ليس بكُفرٍ)[20]، وممَّن قال بتكفيرِ السَّاحِرِ دونَ تَفْصيلٍ: ابنُ العَرَبيِّ المالِكيُّ في أحكامِ القُرآنِ[21]، والقُرْطبيُّ المالِكيُّ في تَفْسيرِه[22]، والذَّهَبيُّ الشَّافِعيُّ في الكَبائِرِ[23]، وابنُ قُدامةَ الحَنْبليُّ في المُغْني[24].أمَّا تَفْسيرُهم لِمَعنى هذا النَّاقِضِ واقِعًا فهو ممَّا لا ينبغي تَسويدُ الوَرَقِ في تَزييفِه وبُطْلانِه؛ فهو في وادٍ، وكلامُ الشَّيخِ في وادٍ آخَرَ!
[النَّاقِضُ الثَّامِنُ:(مُظاهَرةُ المُشرِكينَ ومُعاوَنَتُهم على المُسلِمينَ، والدَّليلُ قَولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ جميعَ مَن ناصَرَ الأعداءَ كُفَّارٌ، وهو بذلك يحكُمُ بكُفرِ بَعْضِ الصَّحابةِ كحاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ، وهو مِن أهلِ بَدْرٍ الذين قال فيهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لعَلَّ اللهَ اطَّلع على أهلِ بَدْرٍ فقال: اعْمَلوا ما شِئْتُم فقد غفَرْتُ لكم) (رواه البُخاريُّ ومُسلِمٌ). ومقصودُ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الوَهَّابِ أنَّ جميعَ مَن ناصَرَ مُخالِفيه كُفَّارٌ يجوزُ له أن يَستحِلَّ دِماءَهم وأموالَهم.ناقِضُ النَّاقِضِ: وهذا من النَّواقِضِ التي وضَعَها الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ لإرهابِ مُخالِفِيه مِن أهلِ العِلْمِ ومَنْعِ النَّاسِ مِن مُعاوَنَتِهم والانتِصارِ لهم؛ فالمُشرِكون الذين قَصَدَهم في ناقِضِه هذا هم العُلَماءُ المخالِفون له].الرَّدُّ:للمَرَّةِ العاشِرةِ يتحَدَّثونَ عن مَقْصودِ الشَّيخِ وليس عن مَنْطوقِه! فالشَّيخُ يتحَدَّثُ عمَّن ظاهر المُشرِكينَ وأعانهم على المُسلِمين، وليس مجرَّدَ مناصَرةِ كُفَّارٍ على كُفَّارٍ، ولا يتَحَدَّثُ عن مُناصَرةِ مُخالِفِيه، ولكِنْ هؤلاء العُلَماءِ -زَعَموا- اطَّلَعوا على ما في قَلْبِ الشَّيخِ فأخرجوه لنا!كما أنَّ الشَّيخَ لم يتطَرَّقْ إلى قِصَّةِ حاطِبٍ رَضِيَ الله عنه، ومِنَ العُلَماءِ مَن يرى أنَّها ليست مِن بابِ المُظاهَرةِ، وأورَدوها في حُكمِ الجاسوسِ، وهي ليست محَلَّ نقاشٍ هنا، لكِنْ إلزامُ الشَّيخِ بهذا النَّاقِضِ تكفيرَ حاطِبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ وهو من أهلِ بَدرٍ، ليس له تفسيرٌ إلَّا فُجورٌ في الخُصومةِ لتَنْفيرِ النَّاسِ مِن الشَّيخِ ودَعوتِه!
[النَّاقِضُ التَّاسِعُ:(مَن اعتَقَد أنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَسَعُه الخُروجُ عن شَريعةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما وَسِعَ الخَضِرَ الخُروجُ عن شَريعةِ موسى عليه السَّلامُ؛ فهو كافِرٌ).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: أنَّ كُلَّ مَن خالفه حتى من سَقَط عنه التَّكْليفُ وفَقَد عَقْلَه فقد كَفَر، والشَّيخُ رُبَّما لم يقصِدْ بَعْضَ هذا بالضَّبْطِ، وإنَّما قَصَد من خرج عن طريقَتِه ومَذهَبِه مِن أصحابِ الفِرَقِ الصُّوفيَّةِ...ناقِضُ النَّاقِضِ: وَضَع الشَّيخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ هذا الضَّابِطَ بهَدَفِ إخراجِ أصحابِ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ وأتباعِ المذاهِبِ مِنَ المِلَّةِ بتَكْفيرِهم، وهو مِن جُملةِ ما انتَهَجَه مِن وَضْعِ أصلٍ عامٍّ بهَدَفِ تَعميمِ حُكمِ التَّكْفيرِ على مُخالِفيه].الرَّدُّ:هل هناك مَن يُصَدِّقُ أنَّ الشَّيخَ يُكَفِّرُ أتْباعَ المذاهِبِ ويُخرِجُهم مِنَ المِلَّةِ، وهو منهم ويَتَّبِعُ المَذْهَبَ الحَنْبليَّ، بل عامَّةُ عُلَماءِ نَجْدٍ حَنَابِلةٌ إنْ لم يَكُنْ كُلُّهم؟!
وهل هناك عاقِلٌ يُصَدِّقُ أنَّ الشَّيخَ يُكَفِّرُ من سَقَط عنه التَّكْليفُ وفَقَد عَقْلَه؟!
لا يُصَدِّقُ هذا إلَّا مَن فَقَد عَقْلَه أمثالُ أدْعِياءِ العِلْمِ هؤلاء؛ فإنَّ حِقْدَهم وبُغْضَهم للشَّيخِ جَعَلَهم يَهرِفون بما لا يَقبَلُه عاقِلٌ، وبكَلامٍ يُغني ذِكْرُه عن الرَّدِّ عليه!
[النَّاقِضُ العاشِرُ:(الإعراضُ عن دينِ اللهِ تعالى لا يتعَلَّمُه ولا يَعمَلُ به، والدَّليلُ قَولُه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22]).معنى النَّاقِضِ واقِعًا: تكفيرُ العامَّةِ مِنَ النَّاسِ والجَهَلةِ منهم.ناقِضُ النَّاقِضِ: ...وهذا يَسْتلزِمُ أنَّ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ المُنهَمِكينَ في دُنْياهم وكَسْبِهم وتَفْضيلِ العَمَلِ الدُّنْيويِّ على الأُخْرَويِّ، وتفضيلِ المالِ على العِبادةِ والعِلْمِ: محكومٌ عليهم بالكُفْرِ. وهذا أمرٌ لم يَقُمْ عليه الدَّليلُ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ، بل هؤلاء مع انْشِغالِهم بما يَنْشَغِلون به، بل مع تَلَبُّسِهم بالمعاصي والكَبائِرِ، مُعتَرِفون باللهِ رَبًّ،ا وبالإسلامِ دينًا، وبالقُرآنِ إمامًا، وبسَيِّدِنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نبيًّا ورسولًا، غايةُ أَمْرِهم أنَّهم وَقَعوا في الغَفْلةِ أو المَعْصيةِ أو الجَهْلِ، وليس شَيءٌ مِن ذلك بمُكَفِّرٍ في دِينِ اللهِ تعالى].الرَّدُّ:أمَّا قَولُهم إنَّ معنى النَّاقِضِ تكفيرُ العامَّةِ مِنَ النَّاسِ والجَهَلةِ منهم، فقد تقدَّمَ الكَلامُ الصَّريحُ مِن قَولِه بنَفْيِ هذا عن نَفْسِه، ومن ذلك قَولُه: (وأمَّا الكَذِبُ والبُهْتانُ فمِثْلُ قَولِهم: إنَّا نُكَفِّرُ بالعُمومِ)[25].ومِن عَجائِبِ قَولِهم أنَّ كَلامَ الشَّيخِ عن الإعراضِ عن دِينِ اللهِ تعالى لا يتعَلَّمُه ولا يَعمَلُ به أنَّه يَستلزِمُ تَكفيرَ النَّاسِ المُنهَمِكينَ في دُنْياهم وكَسْبِهم! وأقَلُّ ما يُقالُ في هذا أنَّهم يتَّهِمون عامَّةَ المُسلِمين المُنْشَغِلينَ في دُنْياهم بأنَّهم أعَرضوا عن دِينِ اللهِ لا يتعَلَّمونَه ولا يَعْملون به، وهذا سُوءُ ظَنٍّ منهم بعامَّةِ المُسلِمين؛ فالمُسلِمون مهما انْشَغَلوا بدُنْياهم وانغَمَسوا فيها فلا يَصِحُّ أن يقالُ عنهم: إنَّهم أعرَضوا عن دينِ اللهِ وإنَّهم لم يتعَلَّموه ولم يَعْمَلوا به؛ فهذه من أوصافِ المُشرِكينَ والمُنافِقينَ، وليست مِن أوصافِ المُسلِمين، وما أكثَرَ الآياتِ في القُرآنِ الكَريمِ التي تَصِفُ الكُفَّارَ بأنَّهم مُعْرِضونَ عن دِينِ اللهِ!ثمَّ خَتَموا نواقِضَهم بقَوْلِهم: (خاتِمةٌ: وقد بَيَّنَّا أنَّ هذه "النَّواقِضَ العَشْرَ" التي جاء بها مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ خطيرةٌ، وتؤَدِّي إلى الفِتْنةِ وسَفْكِ دِماءِ المُسلِمين، وفَسادٍ في الأرضِ، وخرابِ الدِّينِ والدُّنيا) فيا سُوءَ خاتِمَتِهم!نَسألُ اللهَ لنا ولهم الهِدايةَ، وأن يُصلِحَ حالَ المُسلِمينَ ويَرُدَّهم إلى دِينِه رَدًّا جَميلًا، وأن يُرِيَنا الحَقَّ حَقًّا ويَرْزُقَنا اتِّباعَه، ويُرِيَنا الباطِلَ باطِلًا ويَرْزُقَنا اجتِنابَه، وأن يَنصُرَ دِينَه وكِتابَه وسُنَّةَ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
[COLOR=var(--color-text)][1] الكِتابُ مِن مَطبوعاتِ وَزارةِ الأوقافِ الأَرْدُنِيَّةِ ، وإشرافُ الدُّكتورِ علي جمعة.
[COLOR=var(--color-text)][2] وهي رِسالةٌ مُختَصَرةٌ لا تتجاوَزُ صَفْحَتينِ استَلَّها مِن كتابِ "الإقناعِ" للحَجَّاويِّ في أوَّلِ بابِ حُكمِ المُرْتَدِّ، هَذَّبَها وأرسَلَها لبَعْضِ خُصومِه، والحَجَّاويُّ عُمَّدةُ المتأخِّرينَ في المذهَبِ الحَنْبليِّ، ومتوفًّى في القَرنِ العاشِرِ قَبْلَ ابنِ عَبدِ الوهَّابِ بأكثَرَ مِن مِئْتَيْ عامٍ.[/COLOR]
[COLOR=var(--color-text)][3] ((الدرر السنية في الأجوبة النجدية)) (1/63).[/COLOR]
[/COLOR]
هولاء الذين ينقضون نواقض الاسلام للامام محمد ابن عبد الوهاب هم فى الحقيقة يطعنون فى باب -حكم المرتد -و يطعنون فى اعظهم نواقض الاسلام ومبطلاتهاقتباس:
[نواقض النواقض]
نواقض العشرة التي ذكرها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هي مبطلات للإسلام سميت نواقض لإن الإنسان إذا فعل واحدا منها انتقض إسلامه ودينه , وانتقل من كونه مسلما مؤمنا على كونه من أهل الشرك والأوثان نسأل الله السلامة والعافية . وهذه النواقض والمبطلات تبطل الدين والتوحيد والأيمان كما تبطل نواقض الطهارة الطهارة فالإنسان إذا كان متوضئا متطهرا , ثم أحدث فخرج منه بول أو غائط أو ريح بطلت طهارته وانتقضت وعاد محدثا بعد أن كان متطهرا , فكذلك المسلم المؤمن والموحد إذا فعل ناقضا من نواقض الإسلام انتقض إسلامه ودينه وصار وثنيا من أهل الأوثان , بعد أن كان من أهل الإسلام , وإذا مات على ذلك صار من أهل النار .[للراجحى]
*********
وجميع كتب الفقه- الحنفية -والمالكية- والشافعية -والحنابلة-
يبوِّبون في كتب الفقه باباً يسمونه باب حكم المرتد
ويذكرون فيه- صور الكفر وأنواعه -الاعتقادية- والقولية- والفعلية- التي يكفر متلبسها بعد إسلامه».
سبب ذكر الامام محمد ابن عبد الوهاب عشرة نواقض للإسلام فقط:1- لأنها أكثر النواقض وقوعاً.
2- لأنها أشد النواقض خطراً.
تعريف الردة:
«المرتد: هو الذي يرجع عن دينه إما بقول أو باعتقاد أو بفعل أو بشك».
* أصول الردة:
1- قول الكفر والشرك .
2- اعتقاد الكفر والشرك.
3- فعل الكفر والشرك.
4- الشك في الدين وما جاء به الرسول - صلى الله عليه
* الردة بالقول: «كأن يتكلم بلفظ الكفر والشرك غير مُكره سواء كان جاداً أو هازلاً أو مازحاً فإذا تكلم بالكفر فإنه يحكم عليه بالردة إلا إذا كان مُكرهاً».
* الردة بالاعتقاد: «أن يعتقد الإنسان بقلبه ما يناقض الإسلام
كالشرك الاعتقادي- والنفاق الاعتقادى ومن امثلته رياء المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار.- والكفر الاعتقادى
* الردة بالفعل: «كأن يذبح لغير الله فإذا ذبح لغير الله خرج عن دين الإسلام وارتد لأنه عبد غير الله لأن الذبح عبادة».
* الردة بالشك: «الشك التردد فإذا شك في قلبه هل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - صحيح أو غير صحيح؟ هل هناك بعث أم لا ؟ فهذا يكفر بشكه ولو كان يصلي ويصوم ويعمل ما يعمل».
قال الشيخ عبد العزيز الراجحى
فيكون الكفر بالاعتقاد:
كما لو اعتقد لله صاحبةًً أو ولداً، أو اعتقد أن الله له شريك في الملك، أو أن الله معه مدبرٌ في هذا الكون، أو اعتقد أن أحداً يشارك الله في أسمائه أو صفاته أو أفعاله، أو اعتقد أن أحداً يستحق العبادة غير الله، أو اعتقد أن لله شريكاً في الربوبية فإنه يكفر بهذا الاعتقاد كفراً أكبر مخرجاً من الملة.
ويكون الكفر بالفعل:
كما لو سجد للصنم أو فعل السحر، أو فعل أي نوع من أنواع الشرك، كأن دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله، أو طاف بغير بيت الله تقرباً لذلك الغير، فالكفر يكون بالفعل كما يكون بالقول.
ويكون الكفر بالقول كما لو سبّ الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو سب دين الإسلام، أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بدينه، قال الله تعالى في جماعة في غزوة تبوك استهزؤوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم}، فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان،
فدل على أن الكفر يكون بالفعل كما يكون بالاعتقاد، ويكون بالقول أيضاً كما سبق في الآية فإن هؤلاء كفروا بالقول.
الكفر في اللغة : ستر الشيء وتغطيته
وأما في الاصطلاح الشرعي فهو " عدم الإيمان بالله ورسله ، سواءً كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب ، بل شك وريب ، أو إعراض عن الإيمان حسدا ًأو كبراً أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة فالكفر صفةٌ لكل من جحد شيئاٌ مما افترض الله تعالى الإيمان به ، بعد أن بلغه ذلك سواء جحد بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه ، أوبهما معاٌ ، أو عمل عملاٌ جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان
قسم العلماء الكفر إلى عدة أقسام تندرج تحتها كثير من صور الشرك وأنواعه وهي :
1)كفر الجحود والتكذيب : وهذا الكفر تارة يكون تكذيباً بالقلب ـ وهذا الكفر قليل في الكفار كما يقول ابن القيم رحمه الله ـ وتارة يكون تكذيبا باللسان أو الجوارح وذلك بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به ومعرفته باطنا ً، ككفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى عنهم : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) البقرة/89 وقال أيضا : ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) ( البقرة :146 ) وذلك أن التكذيب لا يتحقق إلا ممن علمَ الحقَّ فرده ولهذا نفى الله أن يكون تكذيب الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم على الحقيقة والباطن وإنما باللسان فقط ؛ فقال تعالى : ( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام/33 وقال عن فرعون وقومه : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) النمل/14
ويلحق بهذا الكفر كفر الاستحلال فمن استحل ما عَلِم من الشرع حرمته فقد كذَّب
الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، وكذلك من حَرَّم ما عَلِم من الشرع حِله .
2)كفر الإعراض والاستكبار : ككفر إبليس إذ يقول الله تعالى فيه : ( إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة/34
وكما قال تعالى : ( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ) النور/47 فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل ، وإن كان أتى بالقول . فتبين أن كفر الإعراض هو : ترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به سواء كان قولا أو عملا أو اعتقادا . يقول تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ) الأحقاف/3 فمن أعرض عما جاء به الرسول بالقول كمن قال لا أتبعه ، أو بالفعل كمن أعرض وهرب من سماع الحق الذي جاء به أو وضع أصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع ، أو سمعه لكنه أعرض بقلبه عن الإيمان به ، وبجوارحه عن العمل فقد كفرَ كُفْر إعراض.
3)كفر النفاق :وهو ما كان بعدم تصديق القلب وعمله ، مع الانقياد ظاهرا رئاء الناس ككفر ابن سلول وسائر المنافقين الذين قال الله تعالى عنهم : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ .يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ .. الخ الآيات ) البقرة/8–20
4)كفر الشك والريبة : وهو التردد في اتباع الحق أو التردد في كونه حقاً ، لأن المطلوب هو اليقين بأن ما جاء به الرسول حق لا مرية فيه ، فمن جوَّز أن يكون ما جاء به ليس حقا ًفقد كفر؛ كفر الشك أو الظن كما قال تعالى : ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً . قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً . لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) الكهف/35-38
فنخلص من هذا أن الكفر ـ وهو ضد الإيمان ـ قد يكون تكذيبا بالقلب ، فهو مناقض لقول القلب ِأي تصديقه ، وقد يكون الكفر عملاً قلبياً كبغض الله تعالى أو آياته ، أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا يناقض الحب الإيماني الذي هو آكد أعمال القلوب وأهمها . كما أن الكفر يكون قولاً ظاهرا كسب الله تعالى ، وتارة يكون عملا ظاهراً كالسجود للصنم ، والذبح لغير الله ، فكما أن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح فكذلك الكفر يكون بالقلب واللسان والجوارح . نسأل الله أن يعيذنا من الكفر وشعبه ،و أن يزينا بزينة الإيمان ويجعلنا هداة مهتدين ... آمين . والله تعالى أعلم .
ينظر ( أعلام السنة المنشورة 177 ) و ( نواقض الإيمان القولية والعملية للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف36 – 46 )
الشرك نوعان:1- الشرك الأكبر: لا يغفره الله إلا بالتوبة وصاحبه إن لقي الله به فهو في النار خالداً فيها أبد الآبدين.
2- الشرك الأصغر: هو ما ورد في الشرع أنه شرك ولم يصل إلى الشرك الأكبر ولا يخرج مرتكبه من الإسلام لكنه ينقص توحيده وهو وسيلة إلى الوقوع في الشرك الأكبر وعدَّه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فوق رتبه الكبائر.
* مدار الشرك الأكبر على أربعة أنواع:
1- شرك الدعوة: وهو أن يدعو العبد غير الله بصرف دعاء العبادة أو المسألة.
2- شرك النية والإرادة والقصد: وهو أن يقصد ويريد بعمله أصلاً غير الله.
3- شرك الطاعة: وهو مساواة غير الله بالله في التشريع والحكم.
4- شرك المحبة: وهو أن يحب مع الله غيره كمحبته لله أو أشد من ذلك.
النفاق الاعتقادي ( وهو النفاق الأكبر):
وهو: أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن منسلخ من ذلك كلّه مكذّب به. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾
قال أبو إسماعيل الكوفي : سألت عطاء بن أبي رباح عن شيء فأجابني، فقلت : عمَّن هذا؟
قال: ما اجتمعت عليه الأمة أقوى عندنا من الإسناد!
الحلية لأبي نعيم (٣١٤/٣)
السؤال
سمعت بعض الناس يقولون إن دلالة الإجماع أقوى من دلالة القرآن والسنة على الأحكام، فما مدى صحة هذا القول؟ الإجابــة
فتقديم الإجماع على الكتاب والسنة مذهب بعض علماء الأصول مستدلين بكون الإجماع غير قابل للنسخ بخلاف الكتاب والسنة فيدخلهما النسخ ...
ففى المستصفى للإمام الغزالي متحدثا عن ترتيب الأدلة حسب قوتها وأحقيتها في التقديم:
فنقول: يجب على المجتهد في كل مسألة أن يرد نظره إلى النفي الأصلي قبل ورود الشرع ثم يبحث عن الأدلة السمعية المغيرة فينظر أول شيء في الإجماع فإن وجد في المسألة إجماعا ترك النظر في الكتاب والسنة فإنهما يقبلان النسخ، والإجماع لا يقبله، فالإجماع على خلاف ما في الكتاب والسنة دليل قاطع على النسخ إذ لا تجتمع الأمة على الخطأ، ثم ينظر في الكتاب والسنة المتواترة وهما على رتبة واحدة لأن كل واحد يفيد العلم القاطع ولا يتصور التعارض في القطعيات السمعية إلا بأن يكون أحدهما ناسخا فما وجد فيه نص كتاب أو سنة متواترة أخذ به. انتهى.
وفى إرشاد الفحول لمحمد بن علي الشوكاني: الثاني: أنه يقدم ما كان دليل أصله الإجماع على ما كان دليل أصله النص لأن النص يقبل التخصيص، والتأويل والنسخ والإجماع لا يقبلها، قال إمام الحرمين: ويحتمل تقدم الثابت بالنص على الإجماع لأن الإجماع فرع النص لكونه المثبت له والفرع لا يكون أقوى من الأصل. وبهذا جزم صاحب المنهاج. انتهى.
وقد ردَّ هذا القول الإمام ابن القيم وضعفه وأثبت أن نصوص الوحي الصحيحة مقدمة على الإجماع حيث قال في إعلام الموقعين: فلما انتهت النوبة إلى المتأخرين ساروا عكس هذا السير، وقالوا: إذا نزلت النازلة بالمفتي أو الحاكم فعليه أن ينظر أولا: هل فيها اختلاف أم لا ؟ فإن لم يكن فيها اختلاف لم ينظر في كتاب ولا في سنة، بل يفتي ويقضي فيها بالإجماع، وإن كان فيها اختلاف اجتهد في أقرب الأقوال إلى الدليل فأفتى به وحكم به. وهذا خلاف ما دل عليه حديث معاذ وكتاب عمر وأقوال الصحابة. والذي دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أولى فإنه مقدور مأمور، فإن علم المجتهد بما دل عليه القرآن والسنة أسهل عليه بكثير من علمه باتفاق الناس في شرق الأرض وغربها على الحكم . وهذا إن لم يكن متعذرا فهو أصعب شيء وأشقه إلا فيما هو من لوازم الإسلام، فكيف يحيلنا الله ورسوله على ما لا وصول لنا إليه ويترك الحوالة على كتابه وسنة رسوله اللذين هدانا بهما، ويسرهما لنا، وجعل لنا إلى معرفتهما طريقا سهلة التناول من قرب؟! ثم ما يدريه فلعل الناس اختلفوا وهو لا يعلم، وليس عدم العلم بالنزاع علما بعدمه، فكيف يقدم عدم العلم على أصل العلم كله؟ ثم كيف يسوغ له ترك الحق المعلوم إلى أمر لا علم له به وغايته أن يكون موهوما، وأحسن أحواله أن يكون مشكوكا فيه شكا متساويا أو راجحا؟
ثم كيف يستقيم هذا على رأي من يقول: انقراض عصر المجمعين شرط في صحة الإجماع ؟ فما لم ينقرض عصرهم فلمن نشأ في زمنهم أن يخالفهم، فصاحب هذا السلوك لا يمكنه أن يحتج بالإجماع حتى يعلم أن العصر انقرض ولم ينشأ فيه مخالف لأهله ؟ وهل أحال الله الأمة في الاهتداء بكتابه وسنة رسوله على ما لا سبيل لهم إليه ولا اطلاع لأفرادهم عليه ؟ وترك إحالتهم على ما هو بين أظهرهم حجة عليهم باقية إلى آخر الدهر متمكنون من الاهتداء به ومعرفة الحق منه، وهذا من أمحل المحال، وحين نشأت هذه الطريقة تولد عنها معارضة النصوص بالإجماع المجهول، وانفتح باب دعواه، وصار من لم يعرف الخلاف من المقلدين إذا احتج عليه بالقرآن والسنة قال: هذا خلاف الإجماع. وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام، وعابوا من كل ناحية على من ارتكبه، وكذبوا من ادعاه، فقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا ، أو لم يبلغنا.
وقال في رواية المروذي: كيف يجوز للرجل أن يقول: أجمعوا ؟ إذا سمعتهم يقولون: أجمعوا فاتهمهم، لو قال: إني لم أعلم مخالفا كان.
وقال في رواية أبي طالب: هذا كذب، ما علمه أن الناس مجمعون؟ ولكن يقول: ما أعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله إجماع الناس.
وقال في رواية أبي الحارث: لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع، لعل الناس اختلفوا.
ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة، قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة، وقال في كتاب اختلافه مع مالك: والعلم طبقات، الأولى: الكتاب والسنة الثابتة، ثم الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة، الثالثة: أن يقول الصحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة، الرابعة: اختلاف الصحابة، والخامسة: القياس، فقدم النظر في الكتاب والسنة على الإجماع، ثم أخبر أنه إنما يصار إلى الإجماع فيما لم يعلم فيه كتابا ولا سنة، وهذا هو الحق.المصدر الاسلام سؤال وجواب
لقد قام احد المشرفين الفضلاء بحذف دفاعى عن دعوة إمام الدعوة النجدية وأتباعه فى اتهام الشيخ الالبانى للشيخ الامام محمد ابن عبد الوهاب مجدد الملة والدين بالغلو والتشدد وأنَّ ذلك أثَّر فى أَتْباعِه وأنَّ ظهر جليا فى الاتباع-فقمت ببيان أن هؤلاء أصحاب الشدة والغلو فرقه أطلقوا على انفسهم إخوان من اطاع الله بقيادة فيصل الدويش وسلطان ابن بجاد وضيدان ابن حثلين وهم من جنس الخوارج المارقين قام الامام الملك عبد العزيز ابن سعود بقتالهم والقضاء علهيم- وبينت السبب فى وقوع الشيخ الالبانى نفسه بقوله
أنا الحقيقة ما عندي دراسة تاريخية حول محمد بن عبد الوهاب وذريته ، لكن عندي دراسة قديمة جدًّا حول بعض كتبه التي كانت نُشرت قديمًا من قبل الدولة السعودية وأفادت بلا شك هذه الكتب العالم الإسلامي ، الذي استقرَّ في نفسي من الاطلاع على بعض هذه الكتب أنه لا يخلو الأمر من شيء من الغلوِّ ومن كثير من التقليد واتباع المذهب
https://www.al-albany.com
هذا هو ما اوقع الشيخ الالبانى فيما قاله هو عدم دراسة الشيخ الالبانى لسيرة الامام محمد ابن عبد الوهاب وذريته ودراسة تاريخ نجد والدعوة النجدية- الخطأ ناتج عن فهم خاطئ تاريخى عن دعوة الشيخ
فكان من الواجب المحتَّم علىَّ أن ادافع عن دعوة الامام وأبين انها دعوة تجديدية على منهاج النبوة -
فهل ضرَّ النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة وجود الخوارج بين أظهرهم
هل نصف اتباع النبى صلى الله عيه وسلم بالتشدد لوجود الخوارج بينهم هذا ما قام به الشيخ الالبانى رحمه الله
ما المانع أن ابين الحق وأرد الباطل فى كلام الشيخ وأذب عن دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب فى وصمها بالتشدد-
وكما نص أهل العلم وقرروا أن الاتهام اذا كان ظاهرا فانَّ الانكار يجب ان يكون ظاهرا فكما علِم الجميع الاتهام فيجب أن يعلم الجميع تبرئة الشيخ مما وصف به وقد ألف الشيخ سليمان ابن سحمان ردودا على هذا المنوال فى كتابه تبرئة الامامين الجليلين رد فيه على الصنعانى رحمه الله وحفيده وذب عن منهج دعوة علماء نجد
فما سطرناه ليس بدعا من القول
فقد جائنى رسله بحذف المشاركة بسبب الطعن - والجواب - أن بيان الحق ليس طعنا -وهل الواجب ان نسكت على اتهام الشيخ بالتشدد والغلو ولا نبيِّن وجه الحق ونكشف الشبهه-هل ضر الشوكانى والصنعانى وغيرهم الكثير ممن رمو دعوة الشيخ بالغلو والتشدد أن يرد عليهم علماء الدعوة النجدية فى مصنفاتهم
الخطأ كل الخطأ ان نحرق ونهدم الردود على رؤس أصحابها كما حرقت مكتبة الاندلس وغيرها من كتب اهل السنة هل هذا هو العلاج الصحيح
والحمد لله المشاركة منسوخة عندى وليس فيها اى طعن هى مسائل ومخالفات قمنا بالرد عليها كالمخالفات الموجودة فى كثير من مصنفات الائمة كالامام الطحاوى وابن حجر والنووى وابن حزم والقرطبى والهيثمى وغيرهم من الائمة الاعلام هل ضرَّ هؤلاء الائمة رد المخالفات
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ -بَعْدَ مُوَالَاةِ اللَّهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ. خُصُوصًا الْعُلَمَاءُ, الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ, يُهْتَدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ . وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ .إذْ كَلُّ أُمَّةٍ -قَبْلَ مَبْعَثِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعُلَمَاؤُهَا شِرَارُهَا, إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ عُلَمَاءَهُمْ خِيَارُهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ, والمحيون لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ. بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ, وَبِهِ قَامُوا,وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا.وليعلم انه ليس أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ -الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا- يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ.
فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ, إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ, فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ.
قال الشاطبى رحمه الله
إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي أُمُورٍ تَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ: - مِنْهَا: أَنَّ زَلَّةَ الْعَالِمِ لَا يَصِحُّ اعْتِمَادُهَا مِنْ جِهَةٍ, وَلَا الْأَخْذُ بِهَا تَقْلِيدًا لَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لِلشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ عُدَّتْ زَلَّةً، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدًّا بِهَا؛ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا هَذِهِ الرُّتْبَةُ، وَلَا نُسِبَ إِلَى صَاحِبِهَا الزَّلَلُ فِيهَا، كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ صَاحِبُهَا إِلَى التَّقْصِيرِ، وَلَا أَنْ يشنع عليه بها، ولا ينتقص مِنْ أَجْلِهَا، أَوْ يُعْتَقَدُ فِيهِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ بَحْتًا, فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ مَا تَقْتَضِي رُتْبَتُهُ فِي الدِّينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِ مَا يُرْشِدُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى. انتهى.
فكثير من اتباع الشيخ الالبانى رحمه الله تعصبّوا لآراء الشيخ المخالفه فى باب الايمان والكفر ، و نصّبوا أنفسهم للتبرير و الدفاع عن المخالفات ، و هذا من أشنع أنواع التعصّب ، .
و أهل الحقّ – و هم أوسط الناس و أعدلهم – إلى إعمال الدليل ، و التماس العذر للعالم في زلّته ، و التأدّب في ردّ مقالته و عَدَم المبالغة في تعظيم العالِم بأخذ كلّ ما يصدُر عنه ، أو اعتقاده إصابَتَه الحقَّ في كلّ ما يُفتي فيه أو يُخبِر به ، لأنَّه من بني البَشر ، ( و كلُّ بني آدَم خطّاء ، و خير الخطائين التوّابون ) كما أخبر صلى الله عليه وسلم [ فيما رواه الترمذي و ابن ماجة و أحمد بإسنادٍ حسن ] ، و العالِم في هذا كغيره ؛ معرَّضٌٌٌ للخطأ ، و الوَهمِ ، و النسيان .
قال ابن القيّم : ( العالِم يزِلُّ و لا بُدَّ ، إذ لَيسَ بمعصومٍ ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله ، و يُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم ، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض ، و حرَّموه ، و ذمُّوا أهلَه ) [ إعلام الموقعين : 2 / 173 ] .
و قال الإمام الشاطبي عقبَ إيراد كلام ابن عبد البر في خطَر زلّة العالم : ( لابد من النظر في أمور تبنى على هذا الأصل :
منها : أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ، و لا الأخذ بها تقليداً له ، و ذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ، و لذلك عُدَّت زلةً ، و إلا فلو كانت معتداً بها لم يُجعل لها هذه الرتبة ، و لا نُسِب إلى صاحبها الزلل فيها ، كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير ، و لا أن يُشنَّعَ عليه بها ، و لا يُنتَقَصَ من أجلها ، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً ، فإن هذا كله خلاف ما تقضي رتبته في الدين ...
و منها : أنه لا يصح اعتمادها خلافاً في المسائل الشرعية ، لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاد ، و لا هي من مسائل الاجتهاد ، و إن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيه محلاً ، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد , و إنما يُعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة ، كانت مما يقوى أو يضعف ، و أما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا ، فلذلك لا يصح أن يعتد بها في الخلاف ، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل ، و المتعة ، و محاشي النساء ، و أشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف ف
و قد رويَ أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يكن أحدكم إمعةً يقول : أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت و إن أساءوا أسأت ، و لكن وطِّنوا أنفسكم على أن تحسنوا إن أحسن الناس ، و إن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم
قال الشاطبي رحمه الله:
(فعلى كل تقدير لا يتبع أحد من العلماء إلا من حيث هو متوجه نحو الشريعة قائم بحجتها حاكم بأحكامها جملة وتفصيلاً وأنه متى وجد متوجهاً غير تلك الوجهة في جزئية من الجزئيات أو فرع من الفروع لم يكن حاكماً ولا استقام أن يكون مقتدىً به فيما حاد فيه عن صوب الشريعة البتة) ا.هـ من الاعتصام (2/862).
و رُويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : ( ثلاث يهدمن الدين زلة العالم ، و جدال المنافق بالقرآن ، و أئمة مضلون )
قال ابن القيّم : ( و من المعلوم أن المَخُوفَ في زلة العالم تقليده فيها إذ لولا التقليد لم يُخَف من زلة العالم على غيره فإذا عَرَف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين فإنه اتباع للخطأ على عمد و من لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه و كلاهما مفرط فيما أمر به ) [ إعلام الموقعين : 2 / 192 ] .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ويْلٌ للأتباع من عثرات العالِم" و قد أحسن من قال : « زلة العالم كالسفينة تغرق ، و يغرق معها خلق كثير أدب الدنيا و الدين ،
قال ابن رجب - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث: "فهذا يدلُّ على أنَّ الحقَّ والباطل لا يلتبِسُ أمرُهما على المؤمن البصير، بل يعرف الحقَّ بالنُّور الذي عليه، فيقبله قلبُه، ويَنفِرُ عن الباطل، فينكره ولا يعرفه"
وقال أيضًا: "وقوله في حديث وابصة وأبي ثعلبة: ((وإنْ أفتاك المفتون))؛ يعني: أنَّ ما حاك في صدر الإنسان فهو إثمٌ، وإنْ أفتاه غيرُه بأنَّه ليس بإثمٍ، فهذه مرتبةٌ ثانيةٌ، وهو أنْ يكونَ الشيءُ مستنكرًا عندَ فاعله دونَ غيره، وقد جعلَه أيضًا إثمًا، وهذا إنَّما يكون إذا كان صاحبُه ممَّن شرح صدره بالإيمان، وكان المفتي يُفتي له بمجرَّد ظن أو ميلٍ إلى هوى من غير دليلٍ شرعي
و قد أحسن مَن قال :
أيُّهـا العـالِم إيّـاك الـزَلَـل *** و احـذَرِ الهفـوةَ فالخَطبُ جَلَـلْ
هفـوةُ العـالِـمِ مُـستَعظَمَـةٌ *** إن هَفَا يوماً أصبَحَ في الخَلْـقِ مَثَلْ
إن تكُـن عنـدَكَ مُـستَحقَـرةٌ *** فـهيَ عِنـدَ اللهِ و النـاسِ جَبَـلْ
أنتَ مِلـحُ الأرضِ ما يُصلحُـهُ *** إن بَــدا فيـهِ فَسـادٌ أو خَـلَـلْ
**************
وختاما فاننى أنسحب من النقاش فى موضوع أخى الفاضل حسن الطروشى الاثرى - بين معارض وموافق -
إعتراضا على حذف المشاركة
-لأننى بكل تأكيد معارض لما أورده الشيخ الالبانى فى رمى امام الدعوة والاتباع بالغلو والتشدد
وأقول ختاما فيما ورد منى من المعارضات أو الموافقات -كما قال أبو بكر رضى الله عنه :
رأيت في الكلالة رأيا، فإن يك صوابا فمن عند الله، وإن يك خطأ فمن قبلي والشيطان.
وفي سنن أبي داود وغيره عن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
أن عبد الله بن مسعود أتى في رجل بهذا الخبر، قال: فاختلفوا إليه شهرا أو قال مرات، قال: فإني أقول فيها إن لها صداقا كصداق نسائها لا وكس ولا شطط، وإن لها الميراث، وعليها العدة، فإن يك صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان....
******************
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
على زمن عطاء, هذا الكلام حق,
من هم الأمة على زمانة؟ ابناء الصحابة, ومن يخالطهم.
ولكن لأي عصر آخر, فهذا الكلام محل نظر.
ولنا عبر في التايخ!
فهذا ابن تومرت يرحل لبلاد المغرب التي كانت انقى بلاد الاسلام معتقدا وينشر فيما ما نشر, ما لايخفى على مطلع!
والأمثلة كثيرة حتى هذا العصر
فنحن "الوهابيون" كما يصفنا خصومنا, تجذر في مفاهيمنا بعض الأمور التي أصولها رافضية
مفاهيم لايمكن زحزحتها
لا يتحقق التناقض بين القضيتين إلا في وحدات ثمان
نظمها الشيخ عبدالسلام الشنقيطي في الإحمرار:
شرطُ التناقض اتحادُ الحملِ
والوضعِ والوقتِ مكانٍ فعلِ
كلٍّ إضافةٍ وشرطٍ واكتفى
بعضٌ بموضوع ومحمولٍ قَفَا
فما هي هذه الوحدات؟ وقد ذُكرت في النظم.
المسألة أن ابن عقيل يرى أن المذهب الصحيح أن لا يضاف على جملة القرآن كلام الله، قول: غير مخلوق .
ولقد ناقشه اكثر من عالم منهم الشيخ البراك حفظه الله !
لا مع و لا ضد
حسب نية ابن عقيل
ولكن إن كان يقصد ما يتربى عليه عموم المسلمين منذ النشأة أن القرآن كلام الله, فلا يشغب عليهم, ويتركون على فطرتهم النقية, فنسبة كلام الله الى الله, لازم له أن كلام الله منه.
ولكن إن كان ابن عقيل نفسه شاك في الأمر, فليست بأدنى مخازيه! فالعلماء لابد يعتقدون "أن القرآن كلام الله غير مخلوق" وهو على حال ضحية زمن الوهن مع ضعف الخلافة وتغلب أهل الكلام ومن "جاورهم" على المشهد.
إذا أراد أحدنا ان يضيع عقيدة ابنه, فليبعده عن الأصول الأولى, ويبدأ بكتب ابن عقيل.
من الذين كتبوا وردوا على الصوفية الطرقية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فقد عايشوهم وكانت بينهم ردود وعلى رأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس والبشير الابراهيمي واحمد حماني كما في كتابه صراع بين السنة والبدعة وللشيخ العربي التبسي رحمه الله نرجو ان يكون شهيدا فقد قتلته فرنسا وذلك بان أذابته حيا في قدر كبير فيه زيت يقال زيت السيارات مغلي ولا يعرف له قبر
فرحمه الله رحمة واسعة وتقبله عنده في الشهداء
اما رسالته فهي نادرة اسمها بدعة الطرائق
من كتاب مسائل الإمام ابن باز رحمه الله للشيخ بن مانع ص ١٣٨
سألت شيخنا: في حديث ابن عمر النفر الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة أليس الأولى دفع اللبن للصبية (وهم يتضاغون) ثم سقى والديه بعد ذلك؟
- الجواب : هذا الرجل اجتهد، وإلا أعطى الصبية وحفظ لوالديه اللبن.
*حاشيه لابن مانع*
قلت : ولهذا قال الحافظ في «الفتح»: وقد استشكل تركه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما مع قدرته على تسكين جوعهم.
قال ابن الجوزي في «صيد الخاطر» (٣٩٥/١): ترك صبيانه يتضاغون إلى الفجر ليسقي أبويه اللبن، وفي هذا البر أذى للأطفال، ولكن الفهم عزيز.
معارض وبشدة
اقتباس:
- الجواب : هذا الرجل اجتهد، وإلا أعطى الصبية وحفظ لوالديه اللبن.
ماهذا الكلام الذي تنقلونه؟اقتباس:
قال ابن الجوزي في «صيد الخاطر» (٣٩٥/١): ترك صبيانه يتضاغون إلى الفجر ليسقي أبويه اللبن، وفي هذا البر أذى للأطفال، ولكن الفهم عزيز.
.
المؤكد أن الله عز وجل رفع عنهم الصخرة . . رضا بما فعل . .
.
وفي الباب حديث من اضافه احد الانصار بناء على طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي فيه "قد عجب الله لصنيعكما" . . وفيه أطفال يتضاغون . . والله جل جلاله هو المطعم الكاسي المحيي المميت . .
. . .
وحديث ابن عمر هذا من أصح الأحاديث على الأقل عند صاحب الصحيح . .
....