-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(61)
الحلقة (76)
صــ 531إلى صــ535
752 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، قال : نهى الله آدم وحواء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة ، ويأكلا منها رغدا حيث شاءا . فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية ، فكلم حواء ، ووسوس الشيطان إلى آدم فقال : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " [ ص: 531 ] قال : فقطعت حواء الشجرة فدميت الشجرة . وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، وناداهما ربهما : ( ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) [ سورة الأعراف : 22 ] . لم أكلتها وقد نهيتك عنها ؟ قال : يا رب أطعمتني حواء . قال لحواء : لم أطعمته ؟ قالت : أمرتني الحية . قال للحية : لم أمرتها ؟ قالت : أمرني إبليس . قال : ملعون مدحور! أما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال ، وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين جريا على وجهك ، وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو .
قال أبو جعفر : وقد رويت هذه الأخبار - عمن رويناها عنه من الصحابة والتابعين وغيرهم - في صفة استزلال إبليس عدو الله آدم وزوجته حتى أخرجهما من الجنة .
وأولى ذلك بالحق عندنا ما كان لكتاب الله موافقا . وقد أخبر الله تعالى ذكره عن إبليس أنه وسوس لآدم وزوجته ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما ، وأنه قال لهما : " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " وأنه " قاسمهما إني لكما لمن الناصحين " مدليا لهما بغرور . ففي إخباره جل ثناؤه - عن عدو الله أنه قاسم آدم وزوجته بقيله لهما : إني لكما لمن الناصحين - الدليل الواضح على أنه قد باشر خطابهما بنفسه ، إما ظاهرا لأعينهما ، وإما مستجنا في غيره . وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقال : قاسم فلان فلانا في كذا وكذا . إذا سبب له سببا وصل به إليه دون أن يحلف له . والحلف لا يكون بتسبب السبب . فكذلك قوله " فوسوس إليه الشيطان " لو كان ذلك كان منه إلى آدم - على نحو الذي منه إلى ذريته ، من تزيين أكل ما نهى الله آدم [ ص: 532 ] عن أكله من الشجرة ، بغير مباشرة خطابه إياه بما استزله به من القول والحيل - لما قال جل ثناؤه : " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " كما غير جائز أن يقول اليوم قائل ممن أتى معصية : قاسمني إبليس أنه لي ناصح فيما زين لي من المعصية التي أتيتها . فكذلك الذي كان من آدم وزوجته ، لو كان على النحو الذي يكون فيما بين إبليس اليوم وذرية آدم - لما قال جل ثناؤه : " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " ولكن ذلك كان - إن شاء الله - على نحو ما قال ابن عباس ومن قال بقوله .
فأما سبب وصوله إلى الجنة حتى كلم آدم بعد أن أخرجه الله منها وطرده عنها ، فليس فيما روي عن ابن عباس ووهب بن منبه في ذلك معنى يجوز لذي فهم مدافعته ، إذ كان ذلك قولا لا يدفعه عقل ولا خبر يلزم تصديقه من حجة بخلافه ، وهو من الأمور الممكنة . والقول في ذلك إنه وصل إلى خطابهما على ما أخبرنا الله جل ثناؤه ، وممكن أن يكون وصل إلى ذلك بنحو الذي قاله المتأولون ، بل ذلك - إن شاء الله - كذلك ، لتتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك . وإن كان ابن إسحاق قد قال في ذلك ما :
753 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق في ذلك ، والله أعلم ، كما قال ابن عباس وأهل التوراة : إنه خلص إلى آدم وزوجته بسلطانه الذي جعل الله له ليبتلي به آدم وذريته ، وأنه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته ، وفي كل حال من أحواله ، حتى يخلص إلى ما أراد منه ، حتى يدعوه إلى المعصية ، ويوقع في نفسه الشهوة وهو لا يراه . وقد قال الله عز وجل : " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه " وقال : [ ص: 533 ] ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) [ سورة الأعراف : 27 ] وقد قال الله لنبيه عليه السلام : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس ) إلى آخر السورة . ثم ذكر الأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . ثم قال ابن إسحاق : وإنما أمر ابن آدم فيما بينه وبين عدو الله ، كأمره فيما بينه وبين آدم . فقال الله : ( فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ) [ سورة الأعراف : 13 ] . ثم خلص إلى آدم وزوجته حتى كلمهما ، كما قص الله علينا من خبرهما ، فقال : ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) [ سورة طه : 120 ] ، فخلص إليهما بما خلص إلى ذريته من حيث لا يريانه - فالله أعلم أي ذلك كان - فتابا إلى ربهما .
قال أبو جعفر : وليس في يقين ابن إسحاق - لو كان قد أيقن في نفسه - أن إبليس لم يخلص إلى آدم وزوجته بالمخاطبة بما أخبر الله عنه أنه قال لهما وخاطبهما به ، ما يجوز لذي فهم الاعتراض به على ما ورد من القول مستفيضا من أهل العلم ، مع دلالة الكتاب على صحة ما استفاض من ذلك بينهم . فكيف بشكه ؟ والله نسأل التوفيق .
[ ص: 534 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فأخرجهما مما كانا فيه )
قال أبو جعفر : وأما تأويل قوله " فأخرجهما " فإنه يعني : فأخرج الشيطان آدم وزوجته ، " مما كانا " يعني مما كان فيه آدم وزوجته من رغد العيش في الجنة ، وسعة نعيمها الذي كانا فيه . وقد بينا أن الله جل ثناؤه إنما أضاف إخراجهما من الجنة إلى الشيطان - وإن كان الله هو المخرج لهما - لأن خروجهما منها كان عن سبب من الشيطان ، فأضيف ذلك إليه لتسبيبه إياه كما يقول القائل لرجل وصل إليه منه أذى حتى تحول من أجله عن موضع كان يسكنه : " ما حولني من موضعي الذي كنت فيه إلا أنت " ولم يكن منه له تحويل ، ولكنه لما كان تحوله عن سبب منه ، جاز له إضافة تحويله إليه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو )
قال أبو جعفر : يقال هبط فلان أرض كذا ووادي كذا ، إذا حل ذلك كما قال الشاعر :
ما زلت أرمقهم ، حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا
[ ص: 535 ]
وقد أبان هذا القول من الله جل ثناؤه ، عن صحة ما قلنا من أن المخرج آدم من الجنة هو الله جل ثناؤه ، وأن إضافة الله إلى إبليس ما أضاف إليه من إخراجهما ، كان على ما وصفنا . ودل بذلك أيضا على أن هبوط آدم وزوجته وعدوهما إبليس ، كان في وقت واحد ، بجمع الله إياهم في الخبر عن إهباطهم ، بعد الذي كان من خطيئة آدم وزوجته ، وتسبب إبليس ذلك لهما ، على ما وصفه ربنا جل ذكره عنهم .
قال أبو جعفر : وقد اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " اهبطوا " مع إجماعهم على أن آدم وزوجته ممن عني به .
754 - فحدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن أبي عوانة ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وحواء وإبليس والحية .
755 - حدثنا ابن وكيع ، وموسى بن هارون ، قالا حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : فلعن الحية وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها ، وجعل رزقها من التراب . وأهبط إلى الأرض آدم وحواء وإبليس والحية .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(62)
الحلقة (77)
صــ 536إلى صــ540
756 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وإبليس والحية . [ ص: 536 ]
757 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " آدم وإبليس والحية ، ذرية بعضهم أعداء لبعض .
758 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وذريته ، وإبليس وذريته .
759 - وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " بعضكم لبعض عدو " قال : يعني إبليس وآدم .
760 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عمن حدثه عن ابن عباس في قوله : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : بعضهم لبعض عدو : آدم وحواء وإبليس والحية .
761 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن إسماعيل السدي ، قال : حدثني من سمع ابن عباس يقول : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : آدم وحواء وإبليس والحية .
762 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " اهبطوا بعضكم لبعض عدو " قال : لهما ولذريتهما .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما كانت عداوة ما بين آدم وزوجته وإبليس والحية ؟ [ ص: 537 ] قيل : أما عداوة إبليس آدم وذريته ، فحسده إياه ، واستكباره عن طاعة الله في السجود له حين قال لربه : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ سورة ص : 76 ] . وأما عداوة آدم وذريته إبليس ، فعداوة المؤمنين إياه لكفره بالله وعصيانه لربه في تكبره عليه ومخالفته أمره . وذلك من آدم ومؤمني ذريته إيمان بالله . وأما عداوة إبليس آدم فكفر بالله .
وأما عداوة ما بين آدم وذريته والحية ، فقد ذكرنا ما روي في ذلك عن ابن عباس ووهب بن منبه ، وذلك هي العداوة التي بيننا وبينها ، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما سالمناهن منذ حاربناهن ، فمن تركهن خشية ثأرهن فليس منا .
763 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثني حجاج بن رشدين ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما سالمناهن منذ حاربناهن ، فمن ترك شيئا منهن خيفة ، فليس منا [ ص: 538 ]
قال أبو جعفر : وأحسب أن الحرب التي بيننا ، كان أصله ما ذكره علماؤنا الذين قدمنا الرواية عنهم ، في إدخالها إبليس الجنة بعد أن أخرجه الله منها ، حتى استزله عن طاعة ربه في أكله ما نهي عن أكله من الشجرة .
764 - وحدثنا أبو كريب ، قال حدثنا معاوية بن هشام - وحدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثني آدم - جميعا ، عن شيبان ، عن جابر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن قتل الحيات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلقت هي والإنسان كل واحد منهما عدو لصاحبه ، إن رآها أفزعته ، وإن لدغته أوجعته ، فاقتلها حيث وجدتها .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولكم في الأرض مستقر )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال : بعضهم بما :
765 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " ولكم في الأرض مستقر " قال : هو قوله : ( الذي جعل لكم الأرض فراشا ) [ سورة البقرة : 22 ] .
766 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " ولكم في الأرض مستقر " قال : هو قوله : ( جعل لكم الأرض قرارا ) [ سورة غافر : 64 ] . [ ص: 539 ]
وقال آخرون : معنى ذلك ولكم في الأرض قرار في القبور .
ذكر من قال ذلك :
767 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولكم في الأرض مستقر " يعني القبور .
768 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن إسماعيل السدي ، قال : حدثني من سمع ابن عباس قال : " ولكم في الأرض مستقر " قال : القبور .
769 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " ولكم في الأرض مستقر " قال : مقامهم فيها .
قال أبو جعفر : والمستقر في كلام العرب ، هو موضع الاستقرار . فإذ كان ذلك كذلك ، فحيث كان من في الأرض موجودا حالا فذلك المكان من الأرض مستقره .
إنما عنى الله جل ثناؤه بذلك : أن لهم في الأرض مستقرا ومنزلا بأماكنهم ومستقرهم من الجنة والسماء . وكذلك قوله : " ومتاع " يعني به : أن لهم فيها متاعا بمتاعهم في الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( ومتاع إلى حين ( 36 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : ولكم فيها بلاغ إلى الموت .
ذكر من قال ذلك :
770 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا [ ص: 440 ] أسباط ، عن السدي في قوله : " ومتاع إلى حين " قال يقول : بلاغ إلى الموت .
771 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن إسماعيل السدي ، قال : حدثني من سمع ابن عباس : " ومتاع إلى حين " قال : الحياة .
وقال آخرون : يعني بقوله : " ومتاع إلى حين " إلى قيام الساعة .
ذكر من قال ذلك :
772 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومتاع إلى حين " قال : إلى يوم القيامة ، إلى انقطاع الدنيا .
وقال آخرون : " إلى حين " قال : إلى أجل .
ذكر من قال ذلك :
773 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " ومتاع إلى حين " قال : إلى أجل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(63)
الحلقة (78)
صــ 541إلى صــ545
والمتاع في كلام العرب : كل ما استمتع به من شيء ، من معاش استمتع به أو رياش أو زينة أو لذة أو غير ذلك . فإذ كان ذلك كذلك - وكان الله جل ثناؤه قد جعل حياة كل حي متاعا له يستمتع بها أيام حياته ، وجعل الأرض للإنسان متاعا أيام حياته ، بقراره عليها ، واغتذائه بما أخرج الله منها من الأقوات والثمار ، والتذاذه بما خلق فيها من الملاذ ، وجعلها من بعد وفاته لجثته كفاتا ، ولجسمه منزلا وقرارا ، وكان اسم المتاع يشمل جميع ذلك - كان أولى التأويلات [ ص: 541 ] بالآية - إذ لم يكن الله جل ثناؤه وضع دلالة دالة على أنه قصد بقوله : " ومتاع إلى حين " بعضا دون بعض ، وخاصا دون عام في عقل ولا خبر - أن يكون ذلك في معنى العام ، وأن يكون الخبر أيضا كذلك ، إلى وقت يطول استمتاع بني آدم وبني إبليس بها ، وذلك إلى أن تبدل الأرض غير الأرض . فإذ كان ذلك أولى التأويلات بالآية لما وصفنا ، فالواجب إذا أن يكون تأويل الآية : ولكم في الأرض منازل ومساكن تستقرون فيها استقراركم - كان - في السماوات ، وفي الجنان في منازلكم منها ، واستمتاع منكم بها وبما أخرجت لكم منها ، وبما جعلت لكم فيها من المعاش والرياش والزين والملاذ ، وبما أعطيتكم على ظهرها أيام حياتكم ومن بعد وفاتكم لأرماسكم وأجداثكم تدفنون فيها ، وتبلغون باستمتاعكم بها إلى أن أبدلكم بها غيرها .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فتلقى آدم من ربه كلمات )
قال أبو جعفر : أما تأويل قوله : " فتلقى آدم " فقيل : إنه أخذ وقبل . وأصله التفعل من اللقاء ، كما يتلقى الرجل الرجل مستقبله عند قدومه من غيبته أو سفره ، فكأن ذلك كذلك في قوله : " فتلقى " كأنه استقبله فتلقاه بالقبول حين أوحى إليه أو أخبر به . فمعنى ذلك إذا : فلقى الله آدم كلمات توبة ، فتلقاها آدم من ربه وأخذها عنه تائبا ، فتاب الله عليه بقيله إياها ، وقبوله إياها من ربه . كما :
774 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن [ ص: 542 ] زيد في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " الآية . قال : لقاهما هذه الآية : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) [ سورة الأعراف : 23 ] .
وقد قرأ بعضهم : " فتلقى آدم من ربه كلمات " فجعل الكلمات هي المتلقية آدم . وذلك ، وإن كان من وجهة العربية جائزا - إذ كان كل ما تلقاه الرجل فهو له متلق ، وما لقيه فقد لقيه ، فصار للمتكلم أن يوجه الفعل إلى أيهما شاء ، ويخرج من الفعل أيهما أحب - فغير جائز عندي في القراءة إلا رفع " آدم " على أنه المتلقي الكلمات ، لإجماع الحجة من القرأة وأهل التأويل من علماء السلف والخلف ، على توجيه التلقي إلى آدم دون الكلمات . وغير جائز الاعتراض عليها فيما كانت عليه مجمعة ، بقول من يجوز عليه السهو والخطأ .
واختلف أهل التأويل في أعيان الكلمات التي تلقاها . آدم من ربه . فقال بعضهم بما :
775 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال : أي رب! ألم تخلقني بيدك ؟ قال : بلى ، قال : أي رب ، ألم تنفخ في من روحك ؟ قال : بلى ، قال : أي رب ، ألم تسكني جنتك ؟ قال : بلى . قال : أي رب ، ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : بلى . قال : أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ، أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : نعم . [ ص: 543 ]
قال : فهو قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات "
776 - وحدثني علي بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا محمد بن مصعب ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم بن كليب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه .
777 - وحدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال : إن آدم قال لربه إذ عصاه : رب أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ؟ فقال له ربه : إني راجعك إلى الجنة .
778 - وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " ذكر لنا أنه قال : يا رب ، أرأيت إن أنا تبت وأصلحت ؟ قال : إني إذا راجعك إلى الجنة ، قال : وقال الحسن : إنهما قالا " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "
779 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال : إن آدم لما أصاب الخطيئة قال : يا رب ، أرأيت إن تبت وأصلحت ؟ فقال الله : إذا أرجعك إلى الجنة . فهي من الكلمات . ومن الكلمات أيضا : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "
780 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال : رب ، ألم تخلقني بيدك ؟ قيل له : بلى . قال : ونفخت في من روحك ؟ قيل له : بلى . قال وسبقت رحمتك [ ص: 544 ] غضبك ؟ قيل له : بلى . قال : رب هل كنت كتبت هذا علي ؟ قيل له : نعم . قال : رب ، إن تبت وأصلحت ، هل أنت راجعي إلى الجنة ؟ قيل له : نعم . قال الله تعالى : ( ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) [ سورة طه : 122 ] .
وقال آخرون بما :
781 - حدثنا به محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : حدثني من سمع عبيد بن عمير يقول : قال آدم : يا رب ، خطيئتي التي أخطأتها ، أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني ، أو شيء ابتدعته من قبل نفسي ؟ قال : بلى ، شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك . قال : فكما كتبته علي فاغفره لي . قال : فهو قول الله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " .
782 - وحدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : أخبرني من سمع عبيد بن عمير ، بمثله .
783 - وحدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا وكيع بن الجراح ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عمن سمع عبيد بن عمير يقول : قال آدم ، فذكر نحوه .
784 - وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : أخبرني من سمع عبيد بن عمير ، بنحوه .
785 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد العزيز ، عن عبيد بن عمير بمثله .
وقال آخرون بما :
786 - حدثني به أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي ، قال : حدثنا عبد الرحمن [ ص: 545 ] بن شريك ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا حصين بن عبد الرحمن ، عن حميد بن نبهان ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ، أنه قال : قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " قال آدم : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، أستغفرك وأتوب إليك ، تب علي إنك أنت التواب الرحيم .
787 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : أنبأنا أبو زهير - وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : أخبرنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، وقيس - جميعا عن خصيف ، عن مجاهد في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا " حتى فرغ منها .
788 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثني شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، كان يقول في قول الله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " الكلمات : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين ، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين . اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم .
789 - وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد : " فتلقى آدم من ربه كلمات " هو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا " الآية .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(64)
الحلقة (79)
صــ546إلى صــ550
791 - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال : هو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "
792 - حدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد : هو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "
وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه ، وإن كانت مختلفة الألفاظ ، فإن معانيها متفقة في أن الله جل ثناؤه لقى آدم كلمات ، فتلقاهن آدم من ربه فقبلهن وعمل بهن ، وتاب بقيله إياهن وعمله بهن إلى الله من خطيئته ، معترفا بذنبه ، متنصلا إلى ربه من خطيئته ، نادما على ما سلف منه من خلاف أمره ، فتاب الله عليه بقبوله الكلمات التي تلقاهن منه ، وندمه على سالف الذنب منه .
والذي يدل عليه كتاب الله ، أن الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه ، هن الكلمات التي أخبر الله عنه أنه قالها متنصلا بقيلها إلى ربه ، معترفا بذنبه ، وهو قوله : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " وليس ما قاله من خالف قولنا هذا - من الأقوال التي حكيناها - بمدفوع قوله ، ولكنه قول لا شاهد عليه من حجة يجب التسليم لها ، فيجوز لنا إضافته إلى آدم ، وأنه مما تلقاه من ربه عند إنابته إليه من ذنبه . وهذا الخبر الذي أخبر الله عن آدم - من قيله الذي لقاه إياه فقاله تائبا إليه من خطيئته - تعريف منه جل ذكره جميع المخاطبين [ ص: 547 ] بكتابه ، كيفية التوبة إليه من الذنوب ، وتنبيه للمخاطبين بقوله : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ) [ سورة البقرة : 28 ] ، على موضع التوبة مما هم عليه من الكفر بالله ، وأن خلاصهم مما هم عليه مقيمون من الضلالة نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته ، مع تذكيره إياهم به السالف إليهم من النعم التي خص بها أباهم آدم وغيره من آبائهم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فتاب عليه )
قال أبو جعفر : وقوله : " فتاب عليه " يعني : على آدم . والهاء التي في " عليه " عائدة على " آدم " وقوله : " فتاب عليه " يعني رزقه التوبة من خطيئته . والتوبة معناها الإنابة إلى الله ، والأوبة إلى طاعته مما يكره من معصيته .
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنه هو التواب الرحيم قلنا اهبطوا منها جميعا ( 38 ) )
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " إنه هو التواب الرحيم " أن الله جل ثناؤه هو التواب على من تاب إليه - من عباده المذنبين - من ذنوبه ، التارك مجازاته بإنابته إلى طاعته بعد معصيته بما سلف من ذنبه . وقد ذكرنا أن معنى التوبة من العبد إلى ربه ، إنابته إلى طاعته ، وأوبته إلى ما يرضيه بتركه ما يسخطه من الأمور التي كان عليها مقيما مما يكرهه ربه . فكذلك توبة الله على عبده ، هو أن يرزقه ذلك ، [ ص: 548 ] ويؤوب له من غضبه عليه إلى الرضا عنه ، ومن العقوبة إلى العفو والصفح عنه .
وأما قوله : " الرحيم " فإنه يعني أنه المتفضل عليه مع التوبة بالرحمة . ورحمته إياه ، إقالة عثرته ، وصفحه عن عقوبة جرمه .
قال أبو جعفر : وقد ذكرنا القول في تأويل قوله : " قلنا اهبطوا منها جميعا " فيما مضى ، فلا حاجة بنا إلى إعادته ، إذ كان معناه في هذا الموضع ، هو معناه في ذلك الموضع .
793 - وقد حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله : " اهبطوا منها جميعا ، قال : آدم وحواء والحية وإبليس .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( فإما يأتينكم مني هدى )
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " فإما يأتينكم " فإن يأتكم . و " ما " التي مع " إن " توكيد للكلام ، ولدخولها مع " إن " أدخلت النون المشددة في " يأتينكم " تفرقة بدخولها بين " ما " التي تأتي بمعنى توكيد الكلام - التي تسميها أهل العربية صلة وحشوا - وبين " ما " التي تأتي بمعنى " الذي " فتؤذن بدخولها في الفعل ، أن " ما " التي مع " إن " التي بمعنى الجزاء ، توكيد ، وليست " ما " التي بمعنى " الذي "
وقد قال بعض نحويي أهل البصرة : إن " إما "إن زيدت معها " ما " [ ص: 549 ] وصار الفعل الذي بعده بالنون الخفيفة أو الثقيلة ، وقد يكون بغير نون . وإنما حسنت فيه النون لما دخلته " ما " لأن " ما " نفي ، فهي مما ليس بواجب ، وهي الحرف الذي ينفي الواجب ، فحسنت فيه النون ، نحو قولهم : " بعين ما أرينك " حين أدخلت فيها " ما " حسنت النون فيما هاهنا .
وقد أنكرت جماعة من أهل العربية دعوى قائل هذه المقالة : أن " ما " التي مع " بعين ما أرينك " بمعنى الجحد ، وزعموا أن ذلك بمعنى التوكيد للكلام .
وقال آخرون : بل هو حشو في الكلام ، ومعناها الحذف ، وإنما معنى الكلام : " بعين أراك " وغير جائز أن يجعل مع الاختلاف فيه أصلا يقاس عليه غيره .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 38 ) )
قال أبو جعفر : والهدى ، في هذا الموضع ، البيان والرشاد . كما :
794 - حدثنا المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " فإما يأتينكم مني هدى " قال : الهدى ، الأنبياء والرسل والبيان . .
فإن كان ما قال أبو العالية في ذلك كما قال ، فالخطاب بقوله : " اهبطوا " وإن كان لآدم وزوجته ، فيجب أن يكون مرادا به آدم وزوجته وذريتهما . فيكون ذلك حينئذ نظير قوله : ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) [ سورة فصلت : 11 ] ، بمعنى أتينا بما فينا من الخلق طائعين ، ونظير قوله في قراءة [ ص: 550 ] ابن مسعود : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرهم مناسكهم ) [ سورة البقرة : 128 ] ، فجمع قبل أن تكون ذرية ، وهو في قراءتنا : " وأرنا مناسكنا " وكما يقول القائل لآخر : " كأنك قد تزوجت وولد لك ، وكثرتم وعززتم " ونحو ذلك من الكلام .
وإنما قلنا إن ذلك هو الواجب على التأويل الذي ذكرناه عن أبي العالية ، لأن آدم كان هو النبي أيام حياته بعد أن أهبط إلى الأرض ، والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده . فغير جائز أن يكون معنيا - وهو الرسول صلى الله عليه وسلم - بقوله : " فإما يأتينكم مني هدى " خطابا له ولزوجته ، " فإما يأتينكم مني أنبياء ورسل " إلا على ما وصفت من التأويل .
وقول أبي العالية في ذلك - وإن كان وجها من التأويل تحتمله الآية - فأقرب إلى الصواب منه عندي وأشبه بظاهر التلاوة ، أن يكون تأويلها : فإما يأتينكم يا معشر من أهبط إلى الأرض من سمائي ، وهو آدم وزوجته وإبليس - كما قد ذكرنا قبل في تأويل الآية التي قبلها - إما يأتينكم مني بيان من أمري وطاعتي ، ورشاد إلى سبيلي وديني ، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إلي معصية وخلاف لأمري وطاعتي . يعرفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائب على من تاب إليه من ذنوبه ، والرحيم لمن أناب إليه ، كما وصف نفسه بقوله : " إنه هو التواب الرحيم "
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(65)
الحلقة (80)
صــ551إلى صــ555
وذلك أن ظاهر الخطاب بذلك إنما هو للذين قال لهم جل ثناؤه : " اهبطوا منها جميعا " والذين خوطبوا به هم من سمينا في قول الحجة من الصحابة والتابعين الذين قد قدمنا الرواية عنهم . . وذلك ، وإن كان خطابا من الله جل ذكره لمن أهبط [ ص: 551 ] حينئذ من السماء إلى الأرض ، فهو سنة الله في جميع خلقه ، وتعريف منه بذلك الذين أخبر عنهم في أول هذه السورة بما أخبر عنهم في قوله ( : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [ سورة البقرة : 6 ] ، وفي قوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) [ سورة البقرة : 8 ] ، وأن حكمه فيهم - إن تابوا إليه وأنابوا واتبعوا ما أتاهم من البيان من عند الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - أنهم عنده في الآخرة ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأنهم إن هلكوا على كفرهم وضلالتهم قبل الإنابة والتوبة ، كانوا من أهل النار المخلدين فيها .
وقوله : " فمن تبع هداي " يعني : فمن اتبع بياني الذي آتيته على ألسن رسلي ، أو مع رسلي . كما :
795 - حدثنا به المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " فمن تبع هداي " يعني بياني . .
وقوله : " فلا خوف عليهم " يعني فهم آمنون في أهوال القيامة من عقاب الله ، غير خائفين عذابه ، بما أطاعوا الله في الدنيا واتبعوا أمره وهداه وسبيله ، ولا هم يحزنون يومئذ على ما خلفوا بعد وفاتهم في الدنيا . كما :
796 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد : " لا خوف عليهم" يقول : لا خوف عليكم أمامكم .
وليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت . فأمنهم منه وسلاهم عن الدنيا فقال : " ولا هم يحزنون "
[ ص: 552 ] وقوله ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 39 ) )
يعني : والذين جحدوا آياتي وكذبوا رسلي . وآيات الله : حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته ، وما جاءت به الرسل من الأعلام والشواهد على ذلك ، وعلى صدقها فيما أنبأت عن ربها . وقد بينا أن معنى الكفر التغطية على الشيء .
" أولئك أصحاب النار " يعني : أهلها الذين هم أهلها دون غيرهم ، المخلدون فيها أبدا إلى غير أمد ولا نهاية . كما :
797 - حدثنا به عقبة بن سنان البصري ، قال : حدثنا غسان بن مضر ، قال حدثنا سعيد بن يزيد - وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد - وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، وأبو بكر بن عون ، قالا حدثنا إسماعيل بن علية ، عن سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن أقواما أصابتهم النار بخطاياهم أو بذنوبهم ، فأماتتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة .
[ ص: 553 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( يا بني إسرائيل )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " يا بني إسرائيل " ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن وكان يعقوب يدعى " إسرائيل " بمعنى عبد الله وصفوته من خلقه . و " إيل " هو الله ، و " إسرا " هو العبد ، كما قيل : " جبريل " بمعنى عبد الله . وكما :
798 - حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن إسرائيل كقولك : عبد الله .
799 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : " إيل " الله بالعبرانية . [ ص: 554 ]
وإنما خاطب الله جل ثناؤه بقوله : " يا بني إسرائيل " أحبار اليهود من بني إسرائيل ، الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنسبهم جل ذكره إلى يعقوب ، كما نسب ذرية آدم إلى آدم ، فقال : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) [ سورة الأعراف : 31 ] وما أشبه ذلك . وإنما خصهم بالخطاب في هذه الآية والتي بعدها من الآي التي ذكرهم فيها نعمه - وإن كان قد تقدم ما أنزل فيهم وفي غيرهم في أول هذه السورة ما قد تقدم - أن الذي احتج به من الحجج والآيات التي فيها أنباء أسلافهم ، وأخبار أوائلهم ، وقصص الأمور التي هم بعلمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمم ، ليس عند غيرهم من العلم بصحته وحقيقته مثل الذي لهم من العلم به ، إلا لمن اقتبس علم ذلك منهم . فعرفهم بإطلاع محمد على علمها - مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها ، وقلة مزاولة محمد صلى الله عليه وسلم دراسة الكتب التي فيها أنباء ذلك - أن محمدا صلى الله عليه وسلم [ ص: 555 ] لم يصل إلى علم ذلك إلا بوحي من الله وتنزيل منه ذلك إليه - لأنهم من علم صحة ذلك بمحل ليس به من الأمم غيرهم ، فلذلك جل ثناؤه خص بقوله : " يا بني إسرائيل " خطابهم كما :
800 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله : " يا بني إسرائيل " قال : يا أهل الكتاب ، للأحبار من يهود .
القول في تأويل قوله : ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم )
قال أبو جعفر : ونعمته التي أنعم بها على بني إسرائيل جل ذكره ، اصطفاؤه منهم الرسل ، وإنزاله عليهم الكتب ، واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه ، إلى التمكين لهم في الأرض ، وتفجير عيون الماء من الحجر ، وإطعام المن والسلوى . فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلى آبائهم على ذكر ، وأن لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم ، فيحل بهم من النقم ما أحل بمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها ، وجحد صنائعه عنده . كما :
801 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " أي آلائي عندكم وعند آبائكم ، لما كان نجاهم به من فرعون وقومه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(66)
الحلقة (81)
صــ556إلى صــ560
802 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 556 ] الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " اذكروا نعمتي " قال : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .
803 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " يعني نعمته التي أنعم على بني إسرائيل ، فيما سمى وفيما سوى ذلك : فجر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .
804 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد في قوله : " نعمتي التي أنعمت عليكم " قال : نعمه عامة ، ولا نعمة أفضل من الإسلام ، والنعم بعد تبع لها ، وقرأ قول الله ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) [ سورة الحجرات : 17 ]
وتذكير الله الذين ذكرهم جل ثناؤه بهذه الآية من نعمه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، نظير تذكير موسى صلوات الله عليه أسلافهم على عهده ، الذي أخبر الله عنه أنه قال لهم ، وذلك قوله : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ سورة المائدة : 20 ] .
[ ص: 557 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم )
قال أبو جعفر : قد تقدم بياننا فيما مضى - عن معنى العهد - من كتابنا هذا ، واختلاف المختلفين في تأويله ، والصواب عندنا من القول فيه . وهو في هذا الموضع : عهد الله ووصيته التي أخذ على بني إسرائيل في التوراة ، أن يبينوا للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول ، وأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة أنه نبي الله ، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله .
" أوف بعهدكم " : وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة ، كما قال جل ثناؤه : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) [ سورة المائدة : 12 ] ، وكما قال : ( فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) [ ص: 558 ] [ سورة الأعراف : 156 - 157 ] .
805 - وكما حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وأوفوا بعهدي " الذي أخذت في أعناقكم للنبي محمد إذا جاءكم ، " أوف بعهدكم " أي أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم .
806 - وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " قال : عهده إلى عباده ، دين الإسلام أن يتبعوه ، " أوف بعهدكم " يعني الجنة .
807 - وحدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " : أما " أوفوا بعهدي " فما عهدت إليكم في الكتاب . وأما " أوف بعهدكم " فالجنة ، عهدت إليكم أنكم إن عملتم بطاعتي أدخلتكم الجنة .
808 - وحدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم " قال : ذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) إلى آخر الآية [ ص: 559 ] [ سورة المائدة : 12 ] . فهذا عهد الله الذي عهد إليهم ، وهو عهد الله فينا ، فمن أوفى بعهد الله وفى الله له بعهده .
809 - وحدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم " يقول : أوفوا بما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم وفي غيره ، " أوف بعهدكم " يقول : أرض عنكم وأدخلكم الجنة .
810 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد في قوله : " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم " قال : أوفوا بأمري أوف بالذي وعدتكم ، وقرأ : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) حتى بلغ ( ومن أوفى بعهده من الله ) [ سورة التوبة : 111 ] ، قال : هذا عهده الذي عهده لهم .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( وإياي فارهبون ( 40 ) )
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : " وإياي فارهبون " وإياي فاخشوا ، واتقوا أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل ، والمكذبون رسولي الذي أخذت ميثاقكم - فيما أنزلت من الكتب على أنبيائي - أن تؤمنوا به وتتبعوه - أن أحل بكم من عقوبتي ، إن لم تنيبوا وتتوبوا إلي باتباعه والإقرار بما أنزلت إليه ، ما أحللت بمن خالف أمري وكذب رسلي من أسلافكم . كما :
811 - حدثني به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، [ ص: 560 ] عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وإياي فارهبون " أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم ، من المسخ وغيره .
812 - وحدثنا المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثني آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : " وإياي فارهبون " يقول : فاخشون .
813 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإياي فارهبون " يقول : وإياي فاخشون .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(67)
الحلقة (82)
صــ561إلى صــ565
القول في تأويل قوله تعالى : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " آمنوا " صدقوا ، كما قد قدمنا البيان عنه قبل . ويعني بقوله : " بما أنزلت ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن . ويعني بقوله : " مصدقا لما معكم " أن القرآن مصدق لما مع اليهود من بني إسرائيل من التوراة . فأمرهم بالتصديق بالقرآن ، وأخبرهم جل ثناؤه أن في تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة ، لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه ، نظير الذي من ذلك في التوراة والإنجيل ففي تصديقهم بما [ ص: 561 ] أنزل على محمد تصديق منهم لما معهم من التوراة ، وفي تكذيبهم به تكذيب منهم لما معهم من التوراة .
وقوله : " مصدقا " قطع من الهاء المتروكة في " أنزلته " من ذكر " ما " ومعنى الكلام وآمنوا بالذي أنزلته مصدقا لما معكم أيها اليهود ، والذي معهم : هو التوراة والإنجيل . كما :
814 - حدثنا به محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم " يقول : إنما أنزلت القرآن مصدقا لما معكم التوراة والإنجيل . .
815 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
816 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : أخبرنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم " يقول : يا معشر أهل الكتاب ، آمنوا بما أنزلت على محمد مصدقا لما معكم . يقول : لأنهم يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تكونوا أول كافر به )
قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : كيف قيل : " ولا تكونوا أول كافر به " [ ص: 562 ] والخطاب فيه لجميع ، وقوله : " كافر " واحد ؟ وهل نجيز - إن كان ذلك جائزا - أن يقول قائل : " ولا تكونوا أول رجل قام " ؟
قيل له : إنما يجوز توحيد ما أضيف له " أفعل " وهو خبر لجميع إذا كان اسما مشتقا من "فعل ويفعل " لأنه يؤدي عن المراد معه المحذوف من الكلام وهو " من " ويقوم مقامه في الأداء عن معنى ما كان يؤدي عنه " من " من الجمع والتأنيث ، وهو في لفظ واحد . ألا ترى أنك تقول : ولا تكونوا أول من يكفر به . " فمن " بمعنى جميع ، وهو غير متصرف تصرف الأسماء للتثنية والجمع والتأنيث . فإذا أقيم الاسم المشتق من " فعل ويفعل " مقامه ، جرى وهو موحد مجراه في الأداء عما كان يؤدي عنه " من " من معنى الجمع والتأنيث ، كقولك : " الجيش منهزم " " والجند مقبل " فتوحد الفعل لتوحيد لفظ الجيش والجند . وغير جائز أن يقال : " الجيش رجل ، والجند غلام " حتى تقول : " الجند غلمان والجيش رجال " لأن الواحد من عدد الأسماء التي هي غير مشتقة من " فعل ويفعل " لا يؤدي عن معنى الجماعة منهم ، ومن ذلك قول الشاعر :
وإذا هم طعموا فألأم طاعم وإذا هم جاعوا فشر جياع
فوحد مرة على ما وصفت من نية " من " وإقامة الظاهر من الاسم الذي هو مشتق من " فعل ويفعل " مقامه ، وجمع أخرى على الإخراج على عدد أسماء [ ص: 563 ] المخبر عنهم ، ولو وحد حيث جمع ، أو جمع حيث وحد ، كان صوابا جائزا .
وأما تأويل ذلك فإنه يعني به : يا معشر أحبار أهل الكتاب ، صدقوا بما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن المصدق كتابكم ، والذي عندكم من التوراة والإنجيل ، المعهود إليكم فيهما أنه رسولي ونبيي المبعوث بالحق ، ولا تكونوا أول أمتكم كذب به وجحد أنه من عندي ، وعندكم من العلم به ما ليس عند غيركم .
وكفرهم به : جحودهم أنه من عند الله . والهاء التي في " به " من ذكر " ما " التي مع قوله : " وآمنوا بما أنزلت " كما :
817 - حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال قال ابن جريج في قوله : " ولا تكونوا أول كافر به " بالقرآن .
قال أبو جعفر : وروي عن أبي العالية في ذلك ما :
818 - حدثني به المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " ولا تكونوا أول كافر به " يقول : لا تكونوا أول من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم . .
وقال بعضهم : " ولا تكونوا أول كافر به " يعني : بكتابكم . ويتأول أن في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيبا منهم بكتابهم ، لأن في كتابهم الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذان القولان من ظاهر ما تدل عليه التلاوة بعيدان . وذلك أن الله جل ثناؤه [ ص: 564 ] أمر المخاطبين بهذه الآية في أولها بالإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال جل ذكره : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم " ومعقول أن الذي أنزله الله في عصر محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن لا محمد ، لأن محمدا صلوات الله عليه رسول مرسل ، لا تنزيل منزل ، والمنزل هو الكتاب . ثم نهاهم أن يكونوا أول من يكفر بالذي أمرهم بالإيمان به في أول الآية ، ولم يجر لمحمد صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ذكر ظاهر ، فيعاد عليه بذكره مكنيا في قوله : " ولا تكونوا أول كافر به " وإن كان غير محال في الكلام أن يذكر مكني اسم لم يجر له ذكر ظاهر في الكلام .
وكذلك لا معنى لقول من زعم أن العائد من الذكر في " به " على " ما " التي في قوله : " لما معكم " لأن ذلك ، وإن كان محتملا ظاهر الكلام ، فإنه بعيد مما يدل عليه ظاهر التلاوة والتنزيل ، لما وصفنا قبل من أن المأمور بالإيمان به في أول الآية هو القرآن . فكذلك الواجب أن يكون المنهي عن الكفر به في آخرها هو القرآن . وأما أن يكون المأمور بالإيمان به غير المنهي عن الكفر به ، في كلام واحد وآية واحدة ، فذلك غير الأشهر الأظهر في الكلام . هذا مع بعد معناه في التأويل . .
819 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد [ ص: 565 ] بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به " وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(68)
الحلقة (83)
صــ566إلى صــ570
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
820 - فحدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " يقول : لا تأخذوا عليه أجرا . قال : هو مكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم ، علم مجانا كما علمت مجانا .
وقال آخرون بما :
821 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " يقول : لا تأخذوا طمعا قليلا وتكتموا اسم الله ، وذلك الثمن هو الطمع . [ ص: 566 ]
فتأويل الآية إذا : لا تبيعوا ما آتيتكم من العلم بكتابي وآياته بثمن خسيس وعرض من الدنيا قليل . وبيعهم إياه - تركهم إبانة ما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس ، وأنه مكتوب فيه أنه النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل - بثمن قليل ، وهو رضاهم بالرياسة على أتباعهم من أهل ملتهم ودينهم ، وأخذهم الأجر ممن بينوا له ذلك على ما بينوا له منه .
وإنما قلنا بمعنى ذلك : " لا تبيعوا " لأن مشتري الثمن القليل بآيات الله بائع الآيات بالثمن ، فكل واحد من الثمن والمثمن مبيع لصاحبه ، وصاحبه به مشتر : وإنما معنى ذلك على ما تأوله أبو العالية ، بينوا للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا تبتغوا عليه منهم أجرا . فيكون حينئذ نهيه عن أخذ الأجر على تبيينه ، هو النهي عن شراء الثمن القليل بآياته .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( وإياي فاتقون ( 41 ) )
قال أبو جعفر : يقول : فاتقون - في بيعكم آياتي بالخسيس من الثمن ، وشرائكم بها القليل من العرض ، وكفركم بما أنزلت على رسولي وجحودكم نبوة نبيي - أن أحل بكم ما أحللت بأسلافكم الذين سلكوا سبيلكم من المثلات والنقمات .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : " ولا تلبسوا " لا تخلطوا . واللبس هو الخلط . [ ص: 567 ] يقال منه : لبست عليه هذا الأمر ألبسه لبسا : إذا خلطته عليه . كما :
822 - حدثت عن المنجاب ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وللبسنا عليهم ما يلبسون ) [ سورة الأنعام : 9 ] يقول : لخلطنا عليهم ما يخلطون .
ومنه قول العجاج :
لما لبسن الحق بالتجني غنين واستبدلن زيدا مني
يعني بقوله : " لبسن " خلطن . وأما اللبس فإنه يقال منه : لبسته ألبسه لبسا وملبسا ، وذلك الكسوة يكتسيها فيلبسها . ومن اللبس قول الأخطل :
لقد لبست لهذا الدهر أعصره حتى تجلل رأسي الشيب واشتعلا
ومن اللبس قول الله جل ثناؤه : ( وللبسنا عليهم ما يلبسون ) . [ سورة الأنعام : 9 ]
فإن قال لنا قائل وكيف كانوا يلبسون الحق بالباطل وهم كفار ؟ وأي حق كانوا عليه مع كفرهم بالله ؟
قيل : إنه كان فيهم منافقون منهم يظهرون التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم ويستبطنون الكفر به . وكان عظمهم يقولون : محمد نبي مبعوث ، إلا أنه [ ص: 568 ] مبعوث إلى غيرنا . فكان لبس المنافق منهم الحق بالباطل ، إظهاره الحق بلسانه ، وإقراره بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به جهارا ، وخلطه ذلك الظاهر من الحق بما يستبطنه . وكان لبس المقر منهم بأنه مبعوث إلى غيرهم ، الجاحد أنه مبعوث إليهم ، إقراره بأنه مبعوث إلى غيرهم ، وهو الحق ، وجحوده أنه مبعوث إليهم ، وهو الباطل ، وقد بعثه الله إلى الخلق كافة . فذلك خلطهم الحق بالباطل ولبسهم إياه به . كما :
823 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قوله : " ولا تلبسوا الحق بالباطل " قال : لا تخلطوا الصدق بالكذب .
824 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " ولا تلبسوا الحق بالباطل " يقول : لا تخلطوا الحق بالباطل ، وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد صلى الله عليه وسلم .
825 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال مجاهد : " ولا تلبسوا الحق بالباطل " اليهودية والنصرانية بالإسلام .
826 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال قال ابن زيد في قوله : " ولا تلبسوا الحق بالباطل " قال : الحق التوراة الذي أنزل الله على موسى ، والباطل : الذي كتبوه بأيديهم .
[ ص: 569 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ( 42 ) )
قال أبو جعفر : وفي قوله : " وتكتموا الحق " وجهان من التأويل :
أحدهما : أن يكون الله جل ثناؤه نهاهم عن أن يكتموا الحق ، كما نهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل . فيكون تأويل ذلك حينئذ : ولا تلبسوا الحق بالباطل ولا تكتموا الحق . ويكون قوله : " وتكتموا " عند ذلك مجزوما بما جزم به " تلبسوا " عطفا عليه .
والوجه الآخر منهما : أن يكون النهي من الله جل ثناؤه لهم عن أن يلبسوا الحق بالباطل ، ويكون قوله : " وتكتموا الحق " خبرا منه عنهم بكتمانهم الحق الذي يعلمونه ، فيكون قوله : " وتكتموا " حينئذ منصوبا لانصرافه عن معنى قوله : " ولا تلبسوا الحق بالباطل " إذ كان قوله : " ولا تلبسوا " نهيا ، وقوله " وتكتموا الحق " خبرا معطوفا عليه ، غير جائز أن يعاد عليه ما عمل في قوله : " تلبسوا " من الحرف الجازم . وذلك هو المعنى الذي يسميه النحويون صرفا . ونظير ذلك في المعنى والإعراب قول الشاعر :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
[ ص: 570 ]
فنصب " تأتي " على التأويل الذي قلنا في قوله : " وتكتموا " لأنه لم يرد : لا تنه عن خلق ولا تأت مثله ، وإنما معناه : لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله ، فكان الأول نهيا ، والثاني خبرا ، فنصب الخبر إذ عطفه على غير شكله .
فأما الوجه الأول من هذين الوجهين اللذين ذكرنا أن الآية تحتملهما ، فهو على مذهب ابن عباس الذي :
827 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قوله : " وتكتموا الحق " يقول : ولا تكتموا الحق وأنتم تعلمون .
828 - وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وتكتموا الحق " أي ولا تكتموا الحق . .
وأما الوجه الثاني منهما ، فهو على مذهب أبي العالية ومجاهد .
829 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : " وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : كتموا بعث محمد صلى الله عليه وسلم .
830 - وحدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(69)
الحلقة (84)
صــ571إلى صــ575
831 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه . [ ص: 571 ]
وأما تأويل الحق الذي كتموه وهم يعلمونه ، فهو ما :
832 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " وتكتموا الحق " يقول : لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وما جاء به ، وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم .
833 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : " وتكتموا الحق " يقول : إنكم قد علمتم أن محمدا رسول الله ، فنهاهم عن ذلك .
834 - وحدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : يكتم أهل الكتاب محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
835 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
836 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : الحق هو محمد صلى الله عليه وسلم .
837 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 572 ] الربيع ، عن أبي العالية : " وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " قال : كتموا بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم .
838 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : تكتمون محمدا وأنتم تعلمون ، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل .
فتأويل الآية إذا : ولا تخلطوا على الناس - أيها الأحبار من أهل الكتاب - في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند ربه ، وتزعموا أنه مبعوث إلى بعض أجناس الأمم دون بعض ، أو تنافقوا في أمره ، وقد علمتم أنه مبعوث إلى جميعكم وجميع الأمم غيركم ، فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب ، وتكتموا به ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته ، وأنه رسولي إلى الناس كافة ، وأنتم تعلمون أنه رسولي ، وأن ما جاء به إليكم فمن عندي ، وتعرفون أن من عهدي - الذي أخذت عليكم في كتابكم - الإيمان به وبما جاء به والتصديق به .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ( 43 ) )
قال أبو جعفر : ذكر أن أحبار اليهود والمنافقين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولا يفعلونه ، فأمرهم الله بإقام الصلاة مع المسلمين المصدقين بمحمد وبما جاء به ، وإيتاء زكاة أموالهم معهم ، وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا .
839 - كما حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن [ ص: 573 ] أبيه ، عن قتادة ، في قوله : " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " قال : فريضتان واجبتان ، فأدوهما إلى الله .
وقد بينا معنى إقامة الصلاة فيما مضى من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادته .
أما إيتاء الزكاة ، فهو أداء الصدقة المفروضة . وأصل الزكاة ، نماء المال وتثميره وزيادته . ومن ذلك قيل : زكا الزرع ، إذا كثر ما أخرج الله منه . وزكت النفقة ، إذا كثرت . وقيل زكا الفرد ، إذا صار زوجا بزيادة الزائد عليه حتى صار به شفعا ، كما قال الشاعر :
كانوا خسا أو زكا من دون أربعة لم يخلقوا ، وجدود الناس تعتلج
وقال آخر :
فلا خسا عديده ولا زكا كما شرار البقل أطراف السفا
قال أبو جعفر : السفا شوك البهمى ، والبهمى الذي يكون مدورا في السلاء . [ ص: 574 ]
يعني بقوله : " ولا زكا " لم يصيرهم شفعا من وتر ، بحدوثه فيهم .
وإنما قيل للزكاة زكاة ، وهي مال يخرج من مال ، لتثمير الله - بإخراجها مما أخرجت منه - ما بقي عند رب المال من ماله . وقد يحتمل أن تكون سميت زكاة ، لأنها تطهير لما بقي من مال الرجل ، وتخليص له من أن تكون فيه مظلمة لأهل السهمان ، كما قال جل ثناؤه مخبرا عن نبيه موسى صلوات الله عليه : ( أقتلت نفسا زكية ) [ سورة الكهف : 74 ] ، يعني بريئة من الذنوب طاهرة . وكما يقال للرجل : هو عدل زكي لذلك المعنى . وهذا الوجه أعجب إلي - في تأويل زكاة المال - من الوجه الأول ، وإن كان الأول مقبولا في تأويلها .
وإيتاؤها : إعطاؤها أهلها .
وأما تأويل الركوع ، فهو الخضوع لله بالطاعة . يقال منه : ركع فلان لكذا وكذا ، إذا خضع له ، ومنه قول الشاعر :
بيعت بكسر لئيم واستغاث بها من الهزال أبوها بعد ما ركعا
[ ص: 575 ]
يعني : بعد ما خضع من شدة الجهد والحاجة .
قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله جل ثناؤه - لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها - بالإنابة والتوبة إليه ، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والدخول مع المسلمين في الإسلام ، والخضوع له بالطاعة ، ونهي منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد تظاهر حججه عليهم ، بما قد وصفنا قبل فيما مضى من كتابنا هذا ، وبعد الإعذار إليهم والإنذار ، وبعد تذكيرهم نعمه إليهم وإلى أسلافهم تعطفا منه بذلك عليهم ، وإبلاغا في المعذرة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(70)
الحلقة (85)
صــ7إلى صــ10
بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى البر الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم ، بعد إجماع جميعهم على أن كل طاعة لله فهي تسمى " برا " . فروي عن ابن عباس ما : -
840 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهدة من التوراة ، وتتركون أنفسكم : أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي .
841 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( أتأمرون الناس بالبر ) يقول : أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة ، وتنسون أنفسكم .
[ ص: 8 ] وقال آخرون بما : -
842 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثني عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) قال : كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه .
843 - وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) قال : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون ، فعيرهم الله .
844 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : قال ابن جريج : ( أتأمرون الناس بالبر ) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس ، فعيرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة .
وقال آخرون بما : -
845 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء ، أمروه بالحق . فقال الله لهم : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )
846 - وحدثني علي بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم الجرمي ، قال : حدثنا مخلد بن الحسين ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، في قول الله : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ) قال : قال أبو الدرداء : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا .
[ ص: 9 ] قال أبو جعفر : وجميع الذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى ; لأنهم وإن اختلفوا في صفة " البر " الذي كان القوم يأمرون به غيرهم ، الذين وصفهم الله بما وصفهم به ، فهم متفقون في أنهم كانوا يأمرون الناس بما لله فيه رضا من القول أو العمل ، ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم .
فالتأويل الذي يدل على صحته ظاهر التلاوة إذا : أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه ؟ فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم ؟ معيرهم بذلك ، ومقبحا إليهم ما أتوا به .
ومعنى " نسيانهم أنفسهم " في هذا الموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه : ( نسوا الله فنسيهم ) [ التوبة : 67 ] بمعنى : تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأنتم تتلون الكتاب )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( تتلون ) : تدرسون وتقرءون . كما : -
847 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : ( وأنتم تتلون الكتاب ) ، [ ص: 10 ] يقول : تدرسون الكتاب بذلك . ويعني بالكتاب : التوراة .
القول في تأويل قوله تعالى ( أفلا تعقلون ( 44 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( أفلا تعقلون ) أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربكم التي تأمرون الناس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتم راكبوها ، وأنتم تعلمون أن الذي عليكم من حق الله وطاعته ، واتباع محمد والإيمان به وبما جاء به ، مثل الذي على من تأمرونه باتباعه . كما :
848 - حدثنا به محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( أفلا تعقلون ) يقول : أفلا تفهمون ؟ فنهاهم عن هذا الخلق القبيح .
قال أبو جعفر : وهذا يدل على صحة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم كانوا يقولون : هو مبعوث إلى غيرنا ! كما ذكرنا قبل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(71)
الحلقة (86)
صــ11إلى صــ15
القول في تأويل قوله تعالى ( واستعينوا بالصبر والصلاة )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( واستعينوا بالصبر ) : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم - من طاعتي واتباع أمري ، وترك ما تهوونه [ ص: 11 ] من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري ، واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم - بالصبر عليه والصلاة .
وقد قيل : إن معنى " الصبر " في هذا الموضع : الصوم ، و" الصوم " بعض معاني " الصبر " . وتأويل من تأول ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله ، وترك معاصيه . وأصل الصبر : منع النفس محابها ، وكفها عن هواها ; ولذلك قيل للصابر على المصيبة : صابر ، لكفه نفسه عن الجزع ; وقيل لشهر رمضان " شهر الصبر " ، لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارا ، وصبره إياهم عن ذلك : حبسه لهم ، وكفه إياهم عنه ، كما تصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله . ولذلك قيل : قتل فلان فلانا صبرا ، يعني به : حبسه عليه حتى قتله ، فالمقتول " مصبور " ، والقاتل " صابر " .
وأما الصلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى .
فإن قال لنا قائل : قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة ، فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله ، وترك معاصيه ، والتعري عن الرياسة ، وترك الدنيا ؟ قيل : إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله ، الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر [ ص: 12 ] نعيمها ، المسلية النفوس عن زينتها وغرورها ، المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها . ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها ، كما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
849 - حدثني بذلك إسماعيل بن موسى الفزاري ، قال : حدثنا الحسين بن رتاق الهمداني ، عن ابن جرير ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة ، عن عبد العزيز بن اليمان ، عن حذيفة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة " .
850 - وحدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا خلف بن الوليد الأزدي ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبد الله الدؤلي ، قال : قال عبد العزيز أخو حذيفة ، قال حذيفة : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " .
851 - [ ص: 13 ] وكذلك روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى أبا هريرة منبطحا على بطنه فقال له : " اشكمت درد " ؟ قال : نعم ، قال : قم فصل ; فإن في الصلاة شفاء .
[ ص: 14 ] فأمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل أن يجعلوا مفزعهم في الوفاء بعهد الله الذي عاهدوه إلى الاستعانة بالصبر والصلاة كما أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال له : ( فاصبر ) يا محمد ( على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ) [ طه : 130 ] فأمره جل ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصبر والصلاة . وقد : -
852 - حدثنا محمد بن العلاء ، ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم ، وهو في سفر ، فاسترجع . ثم تنحى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) .
وأما أبو العالية فإنه كان يقول بما : -
853 - حدثني به المثنى قال ، حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) قال يقول : استعينوا [ ص: 15 ] بالصبر والصلاة على مرضاة الله ، واعلموا أنهما من طاعة الله .
وقال ابن جريج بما : -
854 - حدثنا به القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج في قوله : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) قال : إنهما معونتان على رحمة الله .
855 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) الآية ، قال : قال المشركون : والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير ! قال : إلى الصلاة والإيمان بالله جل ثناؤه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(72)
الحلقة (87)
صــ16إلى صــ20
القول في تأويل قوله تعالى ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ( 45 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإنها ) ، وإن الصلاة ، ف " الهاء والألف " في " وإنها " عائدتان على " الصلاة " . وقد قال بعضهم : إن قوله : ( وإنها ) بمعنى : إن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكر فتجعل " الهاء والألف " كناية عنه ، وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته .
ويعني بقوله : ( لكبيرة ) : لشديدة ثقيلة . كما : -
856 - حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا ابن يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) قال : إنها لثقيلة .
[ ص: 16 ] ويعني بقوله : ( إلا على الخاشعين ) : إلا على الخاضعين لطاعته ، الخائفين سطواته ، المصدقين بوعده ووعيده . كما : -
856 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( إلا على الخاشعين ) يعني المصدقين بما أنزل الله .
857 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( إلا على الخاشعين ) قال : يعني الخائفين .
858 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد : ( إلا على الخاشعين ) قال : المؤمنين حقا .
859 - وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
860 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الخشوع : الخوف والخشية لله . وقرأ قول الله : ( خاشعين من الذل ) [ الشورى : 45 ] قال : قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم ، وخشعوا له .
[ ص: 17 ] وأصل " الخشوع " : التواضع والتذلل والاستكانة ، ومنه قول الشاعر :
لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع
يعني : والجبال خشع متذللة لعظم المصيبة بفقده .
فمعنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة الله ، وكفها عن معاصي الله ، وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر ، المقربة من مراضي الله ، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله ، المستكينين لطاعته ، المتذللين من مخافته .
القول في تأويل قوله تعالى ( الذين يظنون )
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة ، أنه " يظن " أنه ملاقيه ، والظن : شك ، والشاك في لقاء الله عندك بالله كافر ؟
قيل له : إن العرب قد تسمي اليقين " ظنا " ، والشك " ظنا " ، نظير تسميتهم الظلمة [ ص: 18 ] " سدفة " ، والضياء " سدفة " ، والمغيث " صارخا " ، والمستغيث " صارخا " ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيء وضده . ومما يدل على أنه يسمى به اليقين ، قول دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
يعني بذلك : تيقنوا ألفي مدجج تأتيكم . وقول عميرة بن طارق :
بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما
يعني : وأجعل مني اليقين غيبا مرجما . والشواهد من أشعار العرب وكلامها [ ص: 19 ] على أن " الظن " في معنى اليقين أكثر من أن تحصى ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية .
ومنه قول الله جل ثناؤه : ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ) [ الكهف : 53 ] وبمثل الذي قلنا في ذلك جاء تفسير المفسرين .
861 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال : إن الظن هاهنا يقين .
862 - وحدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن يقين ، " إني ظننت " ، " وظنوا " .
863 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن فهو علم .
864 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) أما " يظنون " فيستيقنون .
865 - وحدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) علموا أنهم ملاقو ربهم ، هي كقوله : ( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ الحاقة : 20 ] يقول : علمت .
866 - وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال : لأنهم لم يعاينوا ، فكان ظنهم يقينا ، [ ص: 20 ] وليس ظنا في شك . وقرأ : ( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(73)
الحلقة (88)
صــ21إلى صــ25
القول في تأويل قوله تعالى ( أنهم ملاقوا ربهم )
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وكيف قيل إنهم ملاقو ربهم ، فأضيف " الملاقون " إلى الرب تبارك وتعالى ، وقد علمت أن معناه : الذين يظنون أنهم يلقون ربهم ؟ وإذ كان المعنى كذلك ، فمن كلام العرب ترك الإضافة وإثبات النون ، وإنما تسقط النون وتضيف ، في الأسماء المبنية من الأفعال ، إذا كانت بمعنى " فعل " ، فأما إذا كانت بمعنى " يفعل وفاعل " ، فشأنها إثبات النون ، وترك الإضافة .
قيل : لا تدافع بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب وألسنها في إجازة إضافة الاسم المبني من " فعل ويفعل " ، وإسقاط النون وهو بمعنى " يفعل وفاعل " ، أعني بمعنى الاستقبال وحال الفعل ولما ينقض ، فلا وجه لمسألة السائل عن ذلك : لم قيل ؟ وإنما اختلف أهل العربية في السبب الذي من أجله أضيف وأسقطت النون .
فقال نحويو البصرة : أسقطت النون من : ( ملاقو ربهم ) وما أشبهه من الأفعال التي في لفظ الأسماء وهي في معنى " يفعل " وفي معنى ما لم ينقض استثقالا لها ، وهي مرادة كما قال جل ثناؤه : ( كل نفس ذائقة الموت ) [ سورة آل عمران : 185 الأنبياء : 35 العنكبوت : 57 ] ، وكما قال : ( إنا مرسلو الناقة فتنة لهم ) [ القمر : 27 ] ولما يرسلها بعد ; وكما قال الشاعر :
[ ص: 21 ] هل أنت باعث دينار لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق ؟
فأضاف " باعثا " إلى " الدينار " ، ولما يبعث ، ونصب " عبد رب " عطفا على موضع دينار ، لأنه في موضع نصب وإن خفض ، وكما قال الآخر :
الحافظو عورة العشيرة ، لا يأتيهم من ورائهم نطف
بنصب " العورة " وخفضها ، فالخفض على الإضافة ، والنصب على حذف النون استثقالا وهي مرادة . وهذا قول نحويي البصرة .
وأما نحويو الكوفة فإنهم قالوا : جائز في ( ملاقو ) الإضافة ، وهي في معنى يلقون ، وإسقاط النون منه لأنه في لفظ الأسماء ، فله في الإضافة إلى الأسماء حظ الأسماء . وكذلك حكم كل اسم كان له نظير . قالوا : وإذا أثبت في شيء من ذلك النون وتركت الإضافة ، فإنما تفعل ذلك به لأن له معنى يفعل الذي لم يكن ولم يجب بعد . قالوا : فالإضافة فيه للفظ ، وترك الإضافة للمعنى .
[ ص: 22 ] فتأويل الآية إذا : واستعينوا على الوفاء بعهدي بالصبر عليه والصلاة ، وإن الصلاة لكبيرة إلا على الخائفين عقابي ، المتواضعين لأمري ، الموقنين بلقائي والرجوع إلي بعد مماتهم .
وإنما أخبر الله جل ثناؤه أن الصلاة كبيرة إلا على من هذه صفته ; لأن من كان غير موقن بمعاد ولا مصدق بمرجع ولا ثواب ولا عقاب ، فالصلاة عنده عناء وضلال ، لأنه لا يرجو بإقامتها إدراك نفع ولا دفع ضر ، وحق لمن كانت هذه الصفة صفته أن تكون الصلاة عليه كبيرة ، وإقامتها عليه ثقيلة ، وله فادحة .
وإنما خفت على المؤمنين المصدقين بلقاء الله ، الراجين عليها جزيل ثوابه ، الخائفين بتضييعها أليم عقابه ، لما يرجون بإقامتها في معادهم من الوصول إلى ما وعد الله عليها أهلها ، ولما يحذرون بتضييعها ما أوعد مضيعها . فأمر الله جل ثناؤه أحبار بني إسرائيل الذين خاطبهم بهذه الآيات أن يكونوا من مقيميها الراجين ثوابها إذا كانوا أهل يقين بأنهم إلى الله راجعون ، وإياه في القيامة ملاقون .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأنهم إليه راجعون ( 46 ) )
قال أبو جعفر : و" الهاء والميم " اللتان في قوله : ( وأنهم ) من ذكر الخاشعين ، و" الهاء " في " إليه " من ذكر الرب تعالى ذكره في قوله : ( ملاقو ربهم ) فتأويل الكلمة : وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الموقنين أنهم إلى ربهم راجعون .
ثم اختلف في تأويل " الرجوع " الذي في قوله : ( وأنهم إليه راجعون ) فقال بعضهم ، بما : - [ ص: 23 ] 867 - حدثني به المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( وأنهم إليه راجعون ) ، قال : يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة .
وقال آخرون : معنى ذلك أنهم إليه يرجعون بموتهم .
وأولى التأويلين بالآية ، القول الذي قاله أبو العالية ; لأن الله تعالى ذكره ، قال في الآية التي قبلها : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) فأخبر جل ثناؤه أن مرجعهم إليه بعد نشرهم وإحيائهم من مماتهم ، وذلك لا شك يوم القيامة ، فكذلك تأويل قوله : ( وأنهم إليه راجعون ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم )
قال أبو جعفر : وتأويل ذلك في هذه الآية نظير تأويله في التي قبلها في قوله : ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي ) . وقد ذكرته هنالك .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأني فضلتكم على العالمين ( 47 ) )
قال أبو جعفر : وهذا أيضا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم . ويعني بقوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) : أني فضلت أسلافكم ، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم ، إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء ، [ ص: 24 ] والنعم عند الآباء نعما عند الأبناء ، لكون الأبناء من الآباء ، وأخرج جل ذكره قوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) مخرج العموم ، وهو يريد به خصوصا ; لأن المعنى : وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه . كالذي : -
868 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر - عن قتادة ، ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : فضلهم على عالم ذلك الزمان .
869 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب ، على عالم من كان في ذلك الزمان ، فإن لكل زمان عالما .
870 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد في قوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : على من هم بين ظهرانيه .
871 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : على من هم بين ظهرانيه .
872 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) ، قال : عالم أهل ذلك الزمان . وقرأ قول الله : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) [ الدخان : 32 ] قال : هذه لمن أطاعه واتبع أمره ، وقد كان فيهم القردة ، وهم أبغض خلقه إليه ، وقال لهذه الأمة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] قال : [ ص: 25 ] هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه .
قال أبو جعفر : والدليل على صحة ما قلنا من أن تأويل ذلك على الخصوص الذي وصفنا ما : -
873 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر جميعا ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا إنكم وفيتم سبعين أمة - قال يعقوب في حديثه : أنتم آخرها - . وقال الحسن : " أنتم خيرها وأكرمها على الله " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(74)
الحلقة (89)
صــ26إلى صــ30
فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن معنى قوله : ( وفضلناهم على العالمين ) [ الجاثية : 16 ] وقوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) على ما بينا من تأويله . [ ص: 26 ] وقد أتينا على بيان تأويل قوله : ( العالمين ) بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا )
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) : واتقوا يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا . وجائز أيضا أن يكون تأويله : واتقوا يوما لا تجزيه نفس عن نفس شيئا ، كما قال الراجز :
قد صبحت ، صبحها السلام بكبد خالطها سنام في ساعة يحبها الطعام
وهو يعني : يحب فيها الطعام . فحذفت " الهاء " الراجعة على " اليوم " ، إذ فيه اجتزاء [ ص: 27 ] - بما ظهر من قوله : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس ) الدال على المحذوف منه - عما حذف ، إذ كان معلوما معناه .
وقد زعم قوم من أهل العربية أنه لا يجوز أن يكون المحذوف في هذا الموضع إلا " الهاء " . وقال آخرون : لا يجوز أن يكون المحذوف إلا " فيه " . وقد دللنا فيما مضى على جواز حذف كل ما دل الظاهر عليه .
وأما المعنى في قوله : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) فإنه تحذير من الله تعالى ذكره عباده الذين خاطبهم بهذه الآية - عقوبته أن تحل بهم يوم القيامة ، وهو اليوم الذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ، ولا يجزي فيه والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا .
وأما تأويل قوله : " لا تجزي نفس " فإنه يعني : لا تغني : كما : -
874 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " واتقوا يوما لا تجزي نفس " أما " تجزي " : فتغني .
أصل " الجزاء " - في كلام العرب - : القضاء والتعويض . يقال : " جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاء " ، بمعنى : قضيته دينه . ومن ذلك قيل : " جزى الله فلانا عني خيرا أو شرا " ، بمعنى : أثابه عني وقضاه عني ما لزمني له بفعله الذي سلف منه إلي . وقد قال قوم من أهل العلم بلغة العرب : " يقال أجزيت عنه كذا " : إذا أعنته عليه ، وجزيت عنك فلانا : إذا كافأته
وقال آخرون منهم : بل " جزيت عنك " قضيت عنك . و" أجزيت " كفيت . [ ص: 28 ] وقال آخرون منهم : بل هما بمعنى واحد ، يقال : " جزت عنك شاة وأجزت ، وجزى عنك درهم وأجزى ، ولا تجزي عنك شاة ولا تجزي " بمعنى واحد ، إلا أنهم ذكروا أن " جزت عنك ، ولا تجزي عنك " من لغة أهل الحجاز ، وأن " أجزأ وتجزئ " من لغة غيرهم . وزعموا أن تميما خاصة من بين قبائل العرب تقول : " أجزأت عنك شاة ، وهي تجزئ
عنك " . وزعم آخرون أن " جزى " بلا همز : قضى ، و" أجزأ " بالهمز : كافأ فمعنى الكلام إذا : واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تغني عنها غنى .
فإن قال لنا قائل : وما معنى : لا تقضي نفس عن نفس ، ولا تغني عنها غنى ؟
قيل : هو أن أحدنا اليوم ربما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصداقة والقرابة دينه . وأما في الآخرة فإنه فيما أتتنا به الأخبار عنها - يسر الرجل أن يبرد له على ولده أو والده حق . وذلك أن قضاء الحقوق في القيامة من الحسنات والسيئات . كما :
875 - حدثنا أبو كريب ونصر بن عبد الرحمن الأزدي ، قالا : حدثنا المحاربي ، عن أبي خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله عبدا كانت عنده لأخيه مظلمة في عرض - قال أبو كريب في حديثه : أو مال أو جاه ، فاستحله قبل أن يؤخذ منه وليس ثم دينار ولا درهم ، فإن كانت له حسنات أخذوا من حسناته ، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم " [ ص: 29 ] 876 - حدثنا أبو عثمان المقدمي ، قال : حدثنا الفروي ، قال : حدثنا مالك ، عن المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
877 - حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا أبو همام الأهوازي ، قال : أخبرنا عبد الله بن سعيد ، عن سعيد عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . [ ص: 30 ] 878 - حدثنا موسى بن سهل الرملي ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا عبد العزيز الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموتن أحدكم وعليه دين ، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم ، إنما يقتسمون هنالك الحسنات والسيئات " وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يمينا وشمالا .
879 - حدثني محمد بن إسحاق ، قال : قال : حدثنا سالم بن قادم ، قال : حدثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى ، قال : أخبرني الحارث بن مسلم ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي هريرة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(75)
الحلقة (90)
صــ31إلى صــ35
قال أبو جعفر : فذلك معنى قوله جل ثناؤه : ( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) [ ص: 31 ] يعني : أنها لا تقضي عنها شيئا لزمها لغيرها ; لأن القضاء هنالك من الحسنات والسيئات على ما وصفنا . وكيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسره أن يثبت له على ولده أو والده حق ، فيؤخذ منه ولا يتجافى له عنه ؟ .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معنى قوله : ( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) : لا تجزي منها أن تكون مكانها .
وهذا قول يشهد ظاهر القرآن على فساده . وذلك أنه غير معقول في كلام العرب أن يقول القائل : " ما أغنيت عني شيئا " ، بمعنى : ما أغنيت مني أن تكون مكاني ، بل إذا أرادوا الخبر عن شيء أنه لا يجزي من شيء قالوا : " لا يجزي هذا من هذا " ، ولا يستجيزون أن يقولوا : " لا يجزي هذا من هذا شيئا " .
فلو كان تأويل قوله : ( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) ما قاله من حكينا قوله لقال : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس ) كما يقال : لا تجزي نفس من نفس ، ولم يقل : " لا تجزي نفس عن نفس شيئا " . وفي صحة التنزيل بقوله : " لا تجزي نفس عن نفس شيئا " أوضح الدلالة على صحة ما قلنا وفساد قول من ذكرنا قوله في ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يقبل منها شفاعة )
قال أبو جعفر : و" الشفاعة " مصدر من قول الرجل : " شفع لي فلان إلى فلان شفاعة وهو طلبه إليه في قضاء حاجته . وإنما قيل للشفيع " شفيع وشافع " لأنه [ ص: 32 ] ثنى المستشفع به ، فصار به شفعا فكان ذو الحاجة - قبل استشفاعه به في حاجته - فردا ، فصار صاحبه له فيها شافعا ، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة . ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض " شفيعا " لمصير البائع به شفعا .
فتأويل الآية إذا : واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره ، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع ، فيترك لها ما لزمها من حق .
وقيل : إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها ، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل ، وكانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه ، وسيشفع لنا عنده آباؤنا . فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة ، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه . كما : -
880 - حدثني عباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا حجاج بن نصير ، عن شعبة ، عن العوام بن مراجم - رجل من قيس بن ثعلبة - ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عثمان بن عفان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة ، كما قال الله عز وجل ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ) . . [ الأنبياء : 47 ] الآية
[ ص: 33 ] فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله - مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده - بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم ; وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم ، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله .
وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة ، فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وأنه قال : " ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي ، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا " .
فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين - بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم - عن كثير من عقوبة إجرامهم بينهم وبينه وأن قوله : ( ولا يقبل منها شفاعة ) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل . وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد ، فنستقصي الحجاج في ذلك ، وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله .
[ ص: 34 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يؤخذ منها عدل )
قال أبو جعفر : و" العدل " - في كلام العرب بفتح العين - : الفدية ، كما : -
881 - حدثنا به المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ولا يؤخذ منها عدل ) قال : يعني فداء .
882 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : ( ولا يؤخذ منها عدل ) أما عدل : فيعدلها من العدل ، يقول : لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها .
883 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : ( ولا يؤخذ منها عدل ) قال : لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها .
884 - حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا حسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قال ابن عباس : ( ولا يؤخذ منها عدل ) قال : بدل ، والبدل : الفدية .
885 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ( ولا يؤخذ منها عدل ) قال : لو أن لها ملء الأرض ذهبا لم يقبل منها فداء قال : ولو جاءت بكل شيء لم يقبل منها .
886 - وحدثني نجيح بن إبراهيم ، قال : حدثنا علي بن حكيم ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن رجل من بني أمية - من أهل الشام أحسن عليه الثناء - ، قال : قيل يا رسول الله ما العدل ؟ قال : العدل : الفدية . [ ص: 35 ] وإنما قيل للفدية من الشيء والبدل منه " عدل " ، لمعادلته إياه وهو من غير جنسه ; ومصيره له مثلا من وجه الجزاء ، لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة ، كما قال جل ثناؤه : ( وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ) [ الأنعام : 70 ] بمعنى : وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها . يقال منه : " هذا عدله وعديله " . وأما " العدل " بكسر العين ، فهو مثل الحمل المحمول على الظهر ، يقال من ذلك : " عندي غلام عدل غلامك ، وشاة عدل شاتك " - بكسر العين - ، إذا كان غلام يعدل غلاما ، وشاة تعدل شاة . وكذلك ذلك في كل مثل للشيء من جنسه . فإذا أريد أن عنده قيمته من غير جنسه نصبت العين فقيل : " عندي عدل شاتك من الدراهم " . وقد ذكر عن بعض العرب أنه يكسر العين من " العدل " الذي هو بمعنى الفدية لمعادلة ما عادله من جهة الجزاء ، وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم ، فأما واحد " الأعدال " فلم يسمع فيه إلا " عدل " بكسر العين .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(76)
الحلقة (91)
صــ36إلى صــ40
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا هم ينصرون ( 48 ) )
وتأويل قوله : ( ولا هم ينصرون ) يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية . بطلت هنالك المحاباة [ ص: 36 ] واضمحلت الرشى والشفاعات ، وارتفع بين القوم التعاون والتناصر وصار الحكم إلى العدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها . وذلك نظير قوله جل ثناؤه : ( وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) [ الصافات : 24 - 26 ] وكان ابن عباس يقول في معنى : ( لا تناصرون ) ، ما : -
887 - حدثت به عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ما لكم لا تناصرون ) ما لكم لا تمانعون منا ؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم !
وقد قال بعضهم في معنى قوله : ( ولا هم ينصرون ) : وليس لهم من الله يومئذ نصير ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم . وقد قيل : ولا هم ينصرون بالطلب فيهم والشفاعة والفدية .
قال أبو جعفر : والقول الأول أولى بتأويل الآية لما وصفنا من أن الله جل ثناؤه إنما أعلم المخاطبين بهذه الآية أن يوم القيامة يوم لا فدية - لمن استحق من خلقه عقوبته - ، ولا شفاعة فيه ، ولا ناصر له . وذلك أن ذلك قد كان لهم في الدنيا ، فأخبر أن ذلك يوم القيامة معدوم لا سبيل لهم إليه .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ نجيناكم من آل فرعون )
أما تأويل قوله : ( وإذ نجيناكم ) فإنه عطف على قوله : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي ) . فكأنه قال : اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، واذكروا [ ص: 37 ] إنعامنا عليكم - إذ نجيناكم من آل فرعون - بإنجائناكم منهم .
وأما آل فرعون فإنهم أهل دينه وقومه وأشياعه .
وأصل " آل " أهل ، أبدلت الهاء همزة ، كما قالوا " ماء " فأبدلوا الهاء همزة ، فإذا صغروه قالوا : " مويه " ، فردوا الهاء في التصغير وأخرجوه على أصله . وكذلك إذا صغروا آل ، قالوا : " أهيل " . وقد حكي سماعا من العرب في تصغير " آل " : " أويل " . وقد يقال : " فلان من آل النساء " يراد به أنه منهن خلق ، ويقال ذلك أيضا بمعنى أنه يريدهن ويهواهن ، كما قال الشاعر :
فإنك من آل النساء وإنما يكن لأدنى ; لا وصال لغائب
وأحسن أماكن " آل " أن ينطق به مع الأسماء المشهورة ، مثل قولهم : آل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وآل علي ، وآل عباس ، وآل عقيل . وغير مستحسن استعماله مع المجهول ، وفي أسماء الأرضين وما أشبه ذلك ; غير حسن عند أهل العلم بلسان العرب أن يقال : رأيت آل الرجل ، ورآني آل المرأة - ولا - : رأيت آل البصرة ، وآل الكوفة . وقد ذكر عن بعض العرب سماعا أنها تقول : " رأيت آل مكة وآل المدينة " . وليس ذلك في كلامهم بالفاشي المستعمل .
[ ص: 38 ] وأما " فرعون " فإنه يقال : إنه اسم كانت ملوك العمالقة بمصر تسمى به ، كما كانت ملوك الروم يسمى بعضهم " قيصر " وبعضهم " هرقل " ، وكما كانت ملوك فارس تسمى " الأكاسرة " واحدهم " كسرى " ، وملوك اليمن تسمى " التبابعة " ، واحدهم " تبع " .
وأما " فرعون موسى " الذي أخبر الله تعالى عن بني إسرائيل أنه نجاهم منه فإنه يقال : إن اسمه " الوليد بن مصعب بن الريان " ، وكذلك ذكر محمد بن إسحاق أنه بلغه عن اسمه .
888 - حدثنا بذلك محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : أن اسمه الوليد بن مصعب بن الريان .
وإنما جاز أن يقال : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) ، والخطاب به لمن لم يدرك فرعون ولا المنجين منه ، لأن المخاطبين بذلك كانوا أبناء من نجاهم من فرعون وقومه ، فأضاف ما كان من نعمه على آبائهم إليهم ، وكذلك ما كان من كفران آبائهم على وجه الإضافة ، كما يقول القائل لآخر : " فعلنا بكم كذا ، وفعلنا بكم كذا ، وقتلناكم وسبيناكم " ، والمخبر إما أن يكون يعني قومه وعشيرته بذلك ، أو أهل بلده ووطنه - كان المقول له ذلك أدرك ما فعل بهم من ذلك أو لم يدركه ، كما قال الأخطل يهاجي جرير بن عطية :
ولقد سما لكم الهذيل فنالكم بإراب ، حيث يقسم الأنفالا
[ ص: 39 ] في فيلق يدعو الأراقم ، لم تكن فرسانه عزلا ولا أكفالا
ولم يلحق جرير هذيلا ولا أدركه ، ولا أدرك إراب ولا شهده . ولكنه لما كان يوما من أيام قوم الأخطل على قوم جرير ، أضاف الخطاب إليه وإلى قومه . فكذلك خطاب الله عز وجل من خاطبه بقوله : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) لما كان فعله ما فعل من ذلك بقوم من خاطبه بالآية وآبائهم ، أضاف فعله ذلك الذي فعله بآبائهم إلى المخاطبين بالآية وقومهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( يسومونكم سوء العذاب )
وفي قوله : ( يسومونكم ) وجهان من التأويل ، أحدهما : أن يكون خبرا مستأنفا عن فعل فرعون ببني إسرائيل ، فيكون معناه حينئذ : واذكروا نعمتي عليكم إذ نجيتكم من آل فرعون وكانوا من قبل يسومونكم سوء العذاب . وإذا كان ذلك تأويله كان موضع " يسومونكم " رفعا .
والوجه الثاني : أن يكون " يسومونكم " حالا فيكون تأويله حينئذ : وإذ نجيناكم [ ص: 40 ] من آل فرعون سائميكم سوء العذاب ، فيكون حالا من آل فرعون .
وأما تأويل قوله : ( يسومونكم ) فإنه : يوردونكم ، ويذيقونكم ، ويولونكم ، يقال منه : " سامه خطة ضيم " ، إذا أولاه ذلك وأذاقه ، كما قال الشاعر :
إن سيم خسفا وجهه تربدا
فأما تأويل قوله : ( سوء العذاب ) فإنه يعني : ما ساءهم من العذاب . وقد قال بعضهم : أشد العذاب ; ولو كان ذلك معناه لقيل : أسوأ العذاب .
فإن قال لنا قائل : وما ذلك العذاب الذي كانوا يسومونهم الذي كان يسوؤهم ؟
قيل : هو ما وصفه الله تعالى في كتابه فقال : ( يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ) ، وقد قال محمد بن إسحاق في ذلك ما : -
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(77)
الحلقة (92)
صــ41إلى صــ45
889 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : أخبرنا ابن إسحاق ، قال : كان فرعون يعذب بني إسرائيل فيجعلهم خدما وخولا وصنفهم في أعماله ، فصنف يبنون ، [ وصنف يحرثون ] ، وصنف يزرعون له ، فهم في أعماله ، ومن لم يكن منهم في صنعة [ له ] من عمله : فعليه الجزية - فسامهم - كما قال الله عز وجل : سوء العذاب . [ ص: 41 ] وقال السدي : جعلهم في الأعمال القذرة ، وجعل يقتل أبناءهم ، ويستحيي نساءهم :
890 - حدثني بذلك موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي .
القول في تأويل قوله تعالى ( يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم )
قال أبو جعفر : وأضاف الله جل ثناؤه ما كان من فعل آل فرعون ببني إسرائيل من سومهم إياهم سوء العذاب ، وذبحهم أبناءهم ، واستحيائهم نساءهم إليهم ، دون فرعون - وإن كان فعلهم ما فعلوا من ذلك كان بقوة فرعون ، وعن أمره - لمباشرتهم ذلك بأنفسهم . فبين بذلك أن كل مباشر قتل نفس أو تعذيب حي بنفسه ، وإن كان عن أمر غيره ، ففاعله المتولي ذلك هو المستحق إضافة ذلك إليه ، وإن كان الآمر قاهرا الفاعل المأمور بذلك - سلطانا كان الآمر ، أو لصا خاربا ، أو متغلبا فاجرا . كما أضاف جل ثناؤه ذبح أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم إلى آل فرعون دون فرعون ، وإن كانوا بقوة فرعون وأمره إياهم بذلك ، فعلوا ما فعلوا ، مع غلبته إياهم وقهره لهم . فكذلك كل قاتل نفسا بأمر غيره ظلما ، فهو المقتول عندنا به قصاصا ، وإن كان قتله إياها بإكراه غيره له على قتله .
[ ص: 42 ] وأما تأويل ذبحهم أبناء بني إسرائيل ، واستحيائهم نساءهم ، فإنه كان فيما ذكر لنا عن ابن عباس وغيره كالذي : -
891 - حدثنا به العباس بن الوليد الآملي وتميم بن المنتصر الواسطي ، قالا حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، قال : حدثنا القاسم بن أيوب ، قال : حدثنا سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم خليله أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا وائتمروا ، وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل ، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ، ففعلوا . فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، وأن الصغار يذبحون ، قال : توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم ، فاقتلوا عاما كل مولود ذكر فتقل أبناؤهم ; ودعوا عاما . فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان ، فولدته علانية آمنة ، حتى إذا كان القابل حملت بموسى .
892 - وقد حدثنا عبد الكريم بن الهيثم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ، [ ص: 43 ] قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قالت الكهنة لفرعون : إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك . قال : فجعل فرعون على كل ألف امرأة مائة رجل ، وعلى كل مائة عشرة ، وعلى كل عشرة رجلا فقال : انظروا كل امرأة حامل في المدينة ، فإذا وضعت حملها فانظروا إليه ، فإن كان ذكرا فاذبحوه ، وإن كان أنثى فخلوا عنها . وذلك قوله : ( يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) .
893 - حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ) قال : إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة ، فقالت الكهنة : إنه سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه . فبعث في أهل مصر نساء قوابل فإذا ولدت امرأة غلاما أتي به فرعون فقتله ، ويستحيي الجواري .
894 - وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : ( وإذ نجيناكم من آل فرعون ) الآية ، قال : إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة ، وإنه أتاه آت ، فقال : إنه سينشأ في مصر غلام من بني إسرائيل ، فيظهر عليك ، ويكون هلاكك على يديه . فبعث في مصر نساء . فذكر نحو حديث آدم .
895 - وحدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا [ ص: 44 ] أسباط بن نصر عن السدي ، قال : كان من شأن فرعون أنه رأى في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر ، فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل ، وأخربت بيوت مصر . فدعا السحرة والكهنة والعافة والقافة والحازة ، فسألهم عن رؤياه فقالوا له : يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه - يعنون بيت المقدس - رجل يكون على وجهه هلاك مصر . فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه ، ولا تولد لهم جارية إلا تركت . وقال للقبط : انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا فأدخلوهم ، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة . فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم ، وأدخلوا غلمانهم ; فذلك حين يقول الله تبارك وتعالى : ( إن فرعون علا في الأرض ) - يقول : تجبر في الأرض - ( وجعل أهلها شيعا ) - ، يعني بني إسرائيل ، حين جعلهم في الأعمال القذرة - ، ( يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ) [ القصص : 4 ] فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح ، فلا يكبر الصغير . وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت ، فأسرع فيهم . فدخل رءوس القبط على فرعون ، فكلموه ، فقالوا : إن هؤلاء قد وقع فيهم الموت ، فيوشك أن يقع العمل على غلماننا ! بذبح أبنائهم ، فلا تبلغ الصغار وتفنى الكبار ! فلو أنك كنت تبقي من أولادهم ! فأمر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة . فلما كان في السنة التي لا يذبحون [ ص: 45 ] فيها ولد هارون ، فترك ; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى .
896 - حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذكر لي أنه لما تقارب زمان موسى أتى منجمو فرعون وحزاته إليه فقالوا له : تعلم أنا نجد في علمنا أن مولودا من بني إسرائيل قد أظلك زمانه الذي يولد فيه يسلبك ملكك ، ويغلبك على سلطانك ، ويخرجك من أرضك ، ويبدل دينك . فلما قالوا له ذلك ، أمر بقتل كل مولود يولد من بني إسرائيل من الغلمان ، وأمر بالنساء يستحيين . فجمع القوابل من نساء [ أهل ] مملكته ، فقال لهن : لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتلتنه . فكن يفعلن ذلك ، وكان يذبح من فوق ذلك من الغلمان ، ويأمر بالحبالى فيعذبن حتى يطرحن ما في بطونهن .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(79)
الحلقة (93)
صــ46إلى صــ50
897 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد قال ، لقد ذكر [ لي ] أنه كان ليأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار ، ثم يصف بعضه إلى بعض ، ثم يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل فيوقفهن عليه فيحز أقدامهن . حتى إن المرأة منهن لتمصع بولدها فيقع من بين رجليها فتظل تطؤه تتقي به حد القصب عن رجلها ، لما بلغ من جهدها ، حتى أسرف في ذلك وكاد يفنيهم ، فقيل له : أفنيت الناس [ ص: 46 ] وقطعت النسل ! وإنهم خولك وعمالك ! فأمر أن يقتل الغلمان عاما ويستحيوا عاما . فولد هارون في السنة التي يستحيا فيها الغلمان ، وولد موسى في السنة التي فيها يقتلون .
قال أبو جعفر : والذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العلم : كان ذبح آل فرعون أبناء بني إسرائيل واستحياؤهم نساءهم فتأويل قوله إذا - على ما تأوله الذين ذكرنا قولهم - : ( ويستحيون نساءكم ) ، يستبقونهن فلا يقتلونهن .
وقد يجب على تأويل من قال بالقول الذي ذكرنا عن ابن عباس وأبي العالية والربيع بن أنس والسدي في تأويل قوله : ( ويستحيون نساءكم ) ، أنه تركهم الإناث من القتل عند ولادتهن إياهن - أن يكون جائزا أن يسمى الطفل من الإناث في حال صباها وبعد ولادها : " امرأة " والصبايا الصغار وهن أطفال : " نساء " . لأنهم تأولوا قول الله عز وجل : ( ويستحيون نساءكم ) ، يستبقون الإناث من الولدان عند الولادة فلا يقتلونهن .
وقد أنكر ذلك من قولهم ابن جريج ، فقال بما : -
898 - حدثنا به القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين بن داود قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : ( ويستحيون نساءكم ) قال : يسترقون نساءكم . [ ص: 47 ] فحاد ابن جريج ، بقوله هذا ، عما قاله من ذكرنا قوله في قوله : ( ويستحيون نساءكم ) : إنه استحياء الصبايا الأطفال ، إذ لم يجدهن يلزمهن اسم " نساء " ثم دخل فيما هو أعظم مما أنكر بتأويله " ويستحيون " ، يسترقون ، وذلك تأويل غير موجود في لغة عربية ولا أعجمية . وذلك أن الاستحياء إنما هو استفعال من الحياة نظير " الاستبقاء " من " البقاء " ، و" الاستسقاء " من " السقي " . وهو من معنى الاسترقاق بمعزل .
وقد تأول آخرون : قوله ( يذبحون أبناءكم ) ، بمعنى يذبحون رجالكم آباء أبنائكم ، وأنكروا أن يكون المذبوحون الأطفال ، وقد قرن بهم النساء . فقالوا : في إخبار الله جل ثناؤه إن المستحيين هم النساء ، الدلالة الواضحة على أن الذين كانوا يذبحون هم الرجال دون الصبيان ، لأن المذبحين لو كانوا هم الأطفال ، لوجب أن يكون المستحيون هم الصبايا . قالوا : وفي إخبار الله عز وجل أنهم النساء ، ما بين أن المذبحين هم الرجال .
قال أبو جعفر : وقد أغفل قائلو هذه المقالة - مع خروجهم من تأويل أهل التأويل من الصحابة والتابعين - موضع الصواب . وذلك أن الله جل ثناؤه قد أخبر عن وحيه إلى أم موسى أنه أمرها أن ترضع موسى ، فإذا خافت عليه أن تلقيه في التابوت ، ثم تلقيه في اليم . فمعلوم بذلك أن القوم لو كانوا إنما يقتلون الرجال ويتركون النساء ، لم يكن بأم موسى حاجة إلى إلقاء موسى في اليم ، أو لو أن موسى كان رجلا لم تجعله أمه في التابوت . [ ص: 48 ] ولكن ذلك عندنا على ما تأوله ابن عباس ومن حكينا قوله قبل : من ذبح آل فرعون الصبيان وتركهم من القتل الصبايا . وإنما قيل : ( ويستحيون نساءكم ) ، إذ كان الصبايا داخلات مع أمهاتهن - وأمهاتهن لا شك نساء في الاستحياء ، لأنهم لم يكونوا يقتلون صغار النساء ولا كبارهن ، فقيل : ( ويستحيون نساءكم ) ، يعني بذلك الوالدات والمولودات ، كما يقال : " قد أقبل الرجال " وإن كان فيهم صبيان . فكذلك قوله : ( ويستحيون نساءكم ) . وأما من الذكور ، فإنه لما لم يكن يذبح إلا المولودون ، قيل : " يذبحون أبناءكم " ، ولم يقل : يذبحون رجالكم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ( 49 ) )
أما قوله : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، فإنه يعني : وفي الذي فعلنا بكم من إنجائناكم - مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون إياكم ، على ما وصفت - بلاء لكم من ربكم عظيم .
ويعني بقوله " بلاء " : نعمة ، كما : -
899 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : ( بلاء من ربكم عظيم ) ، قال : نعمة .
900 - وحدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، أما البلاء فالنعمة . [ ص: 49 ]
901 - وحدثنا سفيان قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، قال : نعمة من ربكم عظيمة .
902 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث سفيان .
903 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، قال : نعمة عظيمة .
وأصل " البلاء " في كلام العرب - الاختبار والامتحان ، ثم يستعمل في الخير والشر . لأن الامتحان والاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر ، كما قال ربنا جل ثناؤه : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ) [ الأعراف : 168 ] ، يقول : اختبرناهم ، وكما قال جل ذكره : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) [ الأنبياء : 35 ] . ثم تسمي العرب الخير " بلاء " والشر " بلاء " . غير أن الأكثر في الشر أن يقال : " بلوته أبلوه بلاء " ، وفي الخير : " أبليته أبليه إبلاء وبلاء " ، ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى :
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فجمع بين اللغتين ، لأنه أراد : فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده .
[ ص: 50 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ فرقنا بكم البحر )
أما تأويل قوله : ( وإذ فرقنا بكم ) ، فإنه عطف على : ( وإذ نجيناكم ) ، بمعنى : واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون ، وإذ فرقنا بكم البحر .
ومعنى قوله : ( فرقنا بكم ) : فصلنا بكم البحر . لأنهم كانوا اثني عشر سبطا ; ففرق البحر اثني عشر طريقا ، فسلك كل سبط منهم طريقا منها ، فذلك فرق الله بهم عز وجل البحر ، وفصله بهم ، بتفريقهم في طرقه الاثني عشر ، كما : -
904 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : لما أتى موسى البحر كناه " أبا خالد " ، وضربه فانفلق ، فكان كل فرق كالطود العظيم ، فدخلت بنو إسرائيل . وكان في البحر اثنا عشر طريقا في كل طريق سبط .
وقد قال بعض نحويي البصرة : معنى قوله : ( وإذ فرقنا بكم البحر ) ، فرقنا بينكم وبين الماء . يريد بذلك : فصلنا بينكم وبينه ، وحجزناه حيث مررتم به . وذلك خلاف ما في ظاهر التلاوة ، لأن الله جل ثناؤه إنما أخبر أنه فرق البحر بالقوم ، ولم يخبر أنه فرق بين القوم وبين البحر ، فيكون التأويل ما قاله قائلو هذه المقالة ، وفرقه البحر بالقوم ، إنما هو تفريقه البحر بهم ، على ما وصفنا من افتراق سبيله بهم ، على ما جاءت به الآثار .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(80)
الحلقة (94)
صــ 51إلى صــ55
[ ص: 51 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ( 50 ) )
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل وكيف غرق الله جل ثناؤه آل فرعون ونجى بني إسرائيل ؟
قيل له ، كما : -
905 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : لقد ذكر لي أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفا من دهم الخيل ، سوى ما في جنده من شهب الخيل .
وخرج موسى ، حتى إذا قابله البحر ولم يكن له عنه منصرف ، طلع فرعون في جنده من خلفهم ، ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال ) موسى ( كلا إن معي ربي سيهدين ) [ سورة الشعراء : 61 - 62 ] أي للنجاة ، وقد وعدني ذلك ولا خلف لوعده .
906 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق قال : أوحى الله إلى البحر - فيما ذكر لي : إذا ضربك موسى بعصاه فانفلق له . قال : فبات البحر يضرب بعضه بعضا فرقا من الله وانتظاره أمره . فأوحى الله جل وعز إلى موسى : أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه بها ، وفيها سلطان الله الذي أعطاه ، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، أي كالجبل على نشز من الأرض [ ص: 52 ] . يقول الله لموسى : ( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ) [ طه : 77 ] . فلما استقر له البحر على طريق قائمة يبس سلك فيه موسى ببني إسرائيل ، وأتبعه فرعون بجنوده .
907 - وحدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي قال : حدثت أنه لما دخلت بنو إسرائيل البحر فلم يبق منهم أحد ، أقبل فرعون وهو على حصان له من الخيل ، حتى وقف على شفير البحر ، وهو قائم على حاله ، فهاب الحصان أن ينفذ . فعرض له جبريل على فرس أنثى وديق ، فقربها منه فشمها الفحل ، فلما شمها قدمها ، فتقدم معها الحصان عليه فرعون . فلما رأى جند فرعون فرعون قد دخل ، دخلوا معه وجبريل أمامه ، وهم يتبعون فرعون ، وميكائيل على فرس من خلف القوم يسوقهم ، يقول : " الحقوا بصاحبكم " . حتى إذا فصل جبريل من البحر ليس أمامه أحد ، ووقف ميكائيل على ناحيته الأخرى ، وليس خلفه أحد ، طبق عليهم البحر ، ونادى فرعون - حين رأى من سلطان الله عز وجل وقدرته ما رأى وعرف ذله ، وخذلته نفسه - : ( لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) [ يونس : 90 ] . [ ص: 53 ] 908 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) ، قال : لما خرج موسى ببني إسرائيل ، بلغ ذلك فرعون فقال : لا تتبعوهم حتى يصيح الديك . قال : فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا : فدعا بشاة فذبحت ، ثم قال : لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط . فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط . ثم سار ، فلما أتى موسى البحر ، قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون : أين أمرك ربك يا موسى ؟ قال : أمامك . يشير إلى البحر . فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر ، فذهب به ، ثم رجع . فقال : أين أمرك ربك يا موسى ؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت : ففعل ذلك ثلاث مرات . ثم أوحى الله جل ثناؤه إلى موسى : ( أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) [ الشعراء : 63 ] - يقول : مثل جبل - قال : ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم ، حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم . فلذلك قال : ( وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) . قال معمر ، قال قتادة : كان مع موسى ستمائة ألف ، وأتبعه فرعون على ألف ألف ومائة ألف حصان .
909 - وحدثني عبد الكريم بن الهيثم قال ، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أوحى الله جل وعز إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون . قال : فسرى موسى ببني إسرائيل ليلا فاتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث ، وكان موسى في ستمائة ألف . فلما عاينهم فرعون قال : ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون ) [ الشعراء : 54 - 56 ] فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر ، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون ، فقالوا : يا موسى ، [ ص: 54 ] أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ! هذا البحر أمامنا ، وهذا فرعون قد رهقنا بمن معه ! قال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون . قال : فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، وأوحى إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع إذا ضربك . قال : فبات البحر له أفكل - يعني : له رعدة - لا يدري من أي جوانبه يضربه . قال : فقال يوشع لموسى : بماذا أمرت ؟ قال : أمرت أن أضرب البحر . قال : فاضربه . قال : فضرب موسى البحر بعصاه ، فانفلق فكان فيه اثنا عشر طريقا ، كل طريق كالطود العظيم ; فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه . فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض : ما لنا لا نرى أصحابنا ؟ قالوا لموسى : أين أصحابنا لا نراهم ؟ قال : سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم . قالوا : لا نرضى حتى نراهم .
قال سفيان ، قال عمار الدهني : قال موسى : اللهم أعني على أخلاقهم السيئة . قال : فأوحى الله إليه : أن قل بعصاك هكذا . وأومأ إبراهيم بيده يديرها على البحر . قال موسى بعصاه على الحيطان هكذا ، فصار فيها كوى ينظر بعضهم إلى بعض .
قال سفيان : قال أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : فساروا حتى خرجوا من البحر . فلما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان . فلما هجم على البحر ، هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق ، [ ص: 55 ] فلما رآها الحصان تقحم خلفها . وقيل لموسى : اترك البحر رهوا - قال : طرقا على حاله - قال : ودخل فرعون وقومه في البحر ، فلما دخل آخر قوم فرعون ، وجاز آخر قوم موسى ، أطبق البحر على فرعون وقومه ، فأغرقوا .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(81)
الحلقة (95)
صــ 56إلى صــ60
910 - حدثنا موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : أن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل ، فقال : أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون . فخرج موسى وهارون في قومهما ، وألقي على القبط الموت ، فمات كل بكر رجل ، فأصبحوا يدفنونهم ، فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس . فذلك حين يقول الله جل ثناؤه : ( فأتبعوهم مشرقين ) [ الشعراء : 60 ] فكان موسى على ساقة بني إسرائيل ، وكان هارون أمامهم يقدمهم فقال المؤمن لموسى : يا نبي الله ، أين أمرت ؟ قال : البحر . فأراد أن يقتحم ، فمنعه موسى ، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل ، لا يعدون ابن العشرين لصغره ، ولا ابن الستين لكبره ، وإنما عدوا ما بين ذلك ، سوى الذرية . وتبعهم فرعون وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ، ليس فيها ماذيانة - يعني الأنثى - وذلك حين يقول الله جل ثناؤه : ( فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) [ الشعراء : 53 - 54 ] يعني بني إسرائيل . فتقدم هارون فضرب البحر ، فأبى البحر أن ينفتح ، وقال : من هذا الجبار الذي يضربني ؟ حتى أتاه موسى فكناه " أبا خالد " وضربه فانفلق ، [ ص: 56 ] فكان كل فرق كالطود العظيم - يقول : كالجبل العظيم - ، فدخلت بنو إسرائيل . وكان في البحر اثنا عشر طريقا ، في كل طريق سبط - وكانت الطرق انفلقت بجدران - فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا ! فلما رأى ذلك موسى ، دعا الله ، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطيقان فنظر آخرهم إلى أولهم ، حتى خرجوا جميعا . ثم دنا فرعون وأصحابه ، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقا قال : ألا ترون البحر فرق مني ؟ قد انفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم ! فذلك حين يقول الله جل ثناؤه : ( وأزلفنا ثم الآخرين ) [ الشعراء : 64 ] يقول : قربنا ثم الآخرين ، يعني آل فرعون . فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم ، فنزل جبريل على ماذيانة ، فشامت الحصن ريح الماذيانة ، فاقتحم في أثرها ، حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم ، أمر البحر أن يأخذهم ، فالتطم عليهم .
911 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لما أخذ عليهم فرعون الأرض إلى البحر ، قال لهم فرعون : قولوا لهم يدخلون البحر إن كانوا صادقين ! فلما رآهم أصحاب موسى قالوا : إنا لمدركون ! قال كلا إن معي ربي سيهدين . فقال موسى للبحر : ألست تعلم أني رسول الله ؟ قال : بلى . قال ! وتعلم أن هؤلاء عباد من عباد الله أمرني أن آتي بهم ؟ قال : بلى . [ ص: 57 ] قال : أتعلم أن هذا عدو الله ؟ قال : بلى . قال : فافرق لي طريقا ولمن معي . قال : يا موسى ، إنما أنا عبد مملوك ، ليس لي أمر إلا أن يأمرني الله تعالى . فأوحى الله عز وجل إلى البحر : إذا ضربك موسى بعصاه فانفرق . وأوحى إلى موسى أن يضرب البحر ، وقرأ قول الله تعالى : ( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ) [ سورة طه : 77 ] وقرأ قوله : ( واترك البحر رهوا ) [ الدخان : 24 ] - سهلا ليس فيه نقر - فانفرق اثنتي عشرة فرقة ، فسلك كل سبط في طريق . قال : فقالوا لفرعون : إنهم قد دخلوا البحر . قال : ادخلوا عليهم . قال : وجبريل في آخر بني إسرائيل يقول لهم : ليلحق آخركم أولكم . وفي أول آل فرعون يقول لهم : رويدا يلحق آخركم أولكم . فجعل كل سبط في البحر يقولون للسبط الذين دخلوا قبلهم : قد هلكوا ! فلما دخل ذلك قلوبهم أوحى الله جل وعز إلى البحر فجعل لهم قناطر ، ينظر هؤلاء إلى هؤلاء ، حتى إذا خرج آخر هؤلاء ودخل آخر هؤلاء أمر الله البحر فأطبق على هؤلاء .
ويعني بقوله : ( وأنتم تنظرون ) ، أي تنظرون إلى فرق الله لكم البحر ، وإهلاكه آل فرعون في الموضع الذي نجاكم فيه ، وإلى عظيم سلطانه - في الذي أراكم من طاعة البحر إياه ، من مصيره ركاما فلقا كهيئة الأطواد الشامخة ، غير زائل عن حده ، انقيادا لأمر الله وإذعانا لطاعته ، وهو سائل ذائب قبل ذلك .
يوقفهم بذلك جل ذكره على موضع حججه عليهم ، ويذكرهم آلاءه عند أوائلهم ، ويحذرهم - في تكذيبهم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم - أن يحل [ ص: 58 ] بهم ما حل بفرعون وآله ، في تكذيبهم موسى صلى الله عليه وسلم .
وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى قوله : ( وأنتم تنظرون ) ، كمعنى قول القائل : " ضربت وأهلك ينظرون ، فما أتوك ولا أعانوك " بمعنى : وهم قريب بمرأى ومسمع ، وكقول الله تعالى : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) [ الفرقان : 45 ] ، وليس هناك رؤية ، إنما هو علم .
قال أبو جعفر : والذي دعاه إلى هذا التأويل ، أنه وجه قوله : ( وأنتم تنظرون ) ، أي وأنتم تنظرون إلى غرق فرعون ، فقال : قد كانوا في شغل من أن ينظروا - مما اكتنفهم من البحر - إلى فرعون وغرقه . وليس التأويل الذي تأوله تأويل الكلام ، إنما التأويل : وأنتم تنظرون إلى فرق الله البحر لكم - على ما قد وصفنا آنفا - والتطام أمواج البحر بآل فرعون ، في الموضع الذي صير لكم في البحر طريقا يبسا . وذلك كان ، لا شك نظر عيان لا نظر علم ، كما ظنه قائل القول الذي حكينا قوله .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ واعدنا )
اختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأ بعضهم : ( واعدنا ) بمعنى أن الله تعالى واعد موسى موافاة الطور لمناجاته ، فكانت المواعدة من الله لموسى ، ومن موسى لربه . وكان من حجتهم على اختيارهم قراءة ( واعدنا ) على " وعدنا " أن قالوا : كل اتعاد كان بين اثنين للالتقاء والاجتماع ، فكل واحد منهما [ ص: 59 ] مواعد صاحبه ذلك . فلذلك - زعموا - وجب أن يقضى لقراءة من قرأ ( واعدنا ) بالاختيار على قراءة من قرأ " وعدنا " .
وقرأ بعضهم : " وعدنا " بمعنى أن الله الواعد والمنفرد بالوعد دونه . وكان من حجتهم في اختيارهم ذلك أن قالوا : إنما تكون المواعدة بين البشر ، فأما الله جل ثناؤه ، فإنه المنفرد بالوعد والوعيد في كل خير وشر . قالوا : وبذلك جاء التنزيل في القرآن كله ، فقال جل ثناؤه : ( إن الله وعدكم وعد الحق ) [ إبراهيم : 22 ] وقال : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ) [ الأنفال : 7 ] . قالوا : فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله : " وإذ وعدنا موسى " .
والصواب عندنا في ذلك من القول : أنهما قراءتان قد جاءت بهما الأمة وقرأت بهما القرأة ، وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى ، وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة . فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان . وذلك أن من أخبر عن شخص أنه وعد غيره اللقاء بموضع من المواضع ، فمعلوم أن الموعود ذلك واعد صاحبه من لقائه بذلك المكان ، مثل الذي وعده من ذلك صاحبه ، إذا كان وعده ما وعده إياه من ذلك عن اتفاق منهما عليه . ومعلوم أن موسى صلوات الله عليه لم يعده ربه الطور إلا عن رضا موسى بذلك ، إذ كان موسى غير مشكوك فيه أنه كان بكل ما أمر الله به راضيا ، وإلى محبته فيه مسارعا . ومعقول أن الله تعالى لم يعد موسى ذلك ، إلا وموسى إليه مستجيب . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الله عز ذكره قد كان وعد موسى الطور ، ووعده موسى اللقاء . فكان الله عز ذكره لموسى واعدا مواعدا [ ص: 60 ] له المناجاة على الطور ، وكان موسى واعدا لربه مواعدا له اللقاء . فبأي القراءتين من " وعد " و" واعد " قرأ القارئ ، فهو للحق في ذلك - من جهة التأويل واللغة - مصيب ، لما وصفنا من العلل قبل .
ولا معنى لقول القائل : إنما تكون المواعدة بين البشر ، وأن الله بالوعد والوعيد منفرد في كل خير وشر . وذلك أن انفراد الله بالوعد والوعيد في الثواب والعقاب ، والخير والشر ، والنفع والضر الذي هو بيده وإليه دون سائر خلقه - لا يحيل الكلام الجاري بين الناس في استعمالهم إياه عن وجوهه ، ولا يغيره عن معانيه . والجاري بين الناس من الكلام المفهوم ما وصفنا : من أن كل اتعاد كان بين اثنين ، فهو وعد من كل واحد منهما صاحبه ، ومواعدة بينهما ، وأن كل واحد منهما واعد صاحبه مواعد ، وأن الوعد الذي يكون به الانفراد من الواعد دون الموعود ، إنما هو ما كان بمعنى " الوعد " الذي هو خلاف " الوعيد " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(82)
الحلقة (96)
صــ 61إلى صــ65
القول في تأويل قوله تعالى ( موسى )
وموسى - فيما بلغنا - بالقبطية كلمتان ، يعنى بهما : ماء وشجر . " فمو " ، هو الماء ، و" شا " هو الشجر . وإنما سمي بذلك - فيما بلغنا - لأن أمه لما جعلته في التابوت - حين خافت عليه من فرعون وألقته في اليم ، كما أوحى الله إليها ، وقيل : إن اليم الذي ألقته فيه هو النيل - دفعته أمواج اليم حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون ، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن ، فوجدن [ ص: 61 ] التابوت فأخذنه ، فسمي باسم المكان الذي أصيب فيه ، كان ذلك بمكان فيه ماء وشجر ، فقيل : موسى ، ماء وشجر . كذلك : -
912 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد ، عن أسباط بن نصر ، عن السدي .
وقال أبو جعفر : وهو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله ، فيما زعم ابن إسحاق .
913 - حدثني بذلك ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عنه .
القول في تأويل قوله تعالى ( أربعين ليلة )
ومعنى ذلك : وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة بتمامها . فالأربعون ليلة كلها داخلة في الميعاد .
وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معناه : وإذ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة ، أي رأس الأربعين ، ومثل ذلك بقوله : ( واسأل القرية ) [ يوسف : 82 ] وبقولهم : " اليوم أربعون منذ خرج فلان " ، " واليوم يومان " . أي اليوم تمام يومين ، وتمام أربعين .
قال أبو جعفر : وذلك خلاف ما جاءت به الرواية عن أهل التأويل ، وخلاف ظاهر التلاوة . فأما ظاهر التلاوة ، فإن الله جل ثناؤه قد أخبر أنه واعد موسى أربعين ليلة ، فليس لأحد إحالة ظاهر خبره إلى باطن ، بغير برهان دال على صحته .
[ ص: 62 ] وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره ، وهو ما : -
914 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قوله : ( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ) ، قال : يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة . وذلك حين خلف موسى أصحابه واستخلف عليهم هارون ، فمكث على الطور أربعين ليلة ، وأنزل عليه التوراة في الألواح - وكانت الألواح من برد - فقربه الرب إليه نجيا ، وكلمه ، وسمع صريف القلم . وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور .
915 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بنحوه .
916 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق قال : وعد الله موسى - حين أهلك فرعون وقومه ، ونجاه وقومه ثلاثين ليلة ، ثم أتمها بعشر ، فتم ميقات ربه أربعين ليلة ، يلقاه ربه فيها ما شاء . واستخلف موسى هارون على بني إسرائيل ، وقال : إني متعجل إلى ربي فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين . فخرج موسى إلى ربه متعجلا للقيه شوقا إليه ، وأقام هارون في بني إسرائيل ومعه السامري يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به .
917 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا [ ص: 63 ] أسباط عن السدي قال : انطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة ، وأتمها الله بعشر .
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 51 ) )
وتأويل قوله : ( ثم اتخذتم العجل من بعده ) ، ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها ، من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد . و" الهاء " في قوله " من بعده " عائدة على ذكر موسى .
فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل ، المكذبين به المخاطبين بهذه الآية - عن فعل آبائهم وأسلافهم ، وتكذيبهم رسلهم ، وخلافهم أنبياءهم ، مع تتابع نعمه عليهم ، وشيوع آلائه لديهم ، معرفهم بذلك أنهم - من خلاف محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وجحودهم لرسالته ، مع علمهم بصدقه - على مثل منهاج آبائهم وأسلافهم ، ومحذرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذبين بالرسل : من المسخ واللعن وأنواع النقمات .
وكان سبب اتخاذهم العجل ، ما : -
918 - حدثني به عبد الكريم بن الهيثم قال ، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال ، حدثنا سفيان بن عيينة قال ، حدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم [ ص: 64 ] ذنوب حصان ، فلما هجم على البحر ، هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق ، فلما رآها الحصان تقحم خلفها . قال : وعرف السامري جبريل ، لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه ، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه ، فيجد في بعض أصابعه لبنا ، وفي الأخرى عسلا وفي الأخرى سمنا ، فلم يزل يغذوه حتى نشأ . فلما عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه . قال : أخذ من تحت الحافر قبضة . - قال سفيان : فكان ابن مسعود يقرؤها : " فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول " [ طه : 96 ] .
قال أبو سعيد قال عكرمة ، عن ابن عباس : وألقي في روع السامري إنك لا تلقيها على شيء فتقول : " كن كذا وكذا " إلا كان . فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر . فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر ، وأغرق الله آل فرعون ، قال موسى لأخيه هارون : اخلفني في قومي وأصلح . ومضى موسى لموعد ربه . قال : وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون قد تعوروه ، فكأنهم تأثموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله . فلما جمعوه ، قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا ، فقذفها فيه - وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا - وقال : كن عجلا جسدا له خوار . فصار عجلا جسدا له خوار ، وكان تدخل الريح في دبره وتخرج من فيه ، يسمع له صوت ، فقال : هذا إلهكم وإله موسى . فعكفوا على العجل يعبدونه ، فقال هارون : يا قوم إنما فتنتم به ، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ! قالوا : لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .
919 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا [ ص: 65 ] أسباط بن نصر ، عن السدي : لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل - يعني من أرض مصر - أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا ، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط . فلما نجى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر ، وغرق آل فرعون ، أتى جبريل إلى موسى يذهب به إلى الله . فأقبل على فرس ، فرآه السامري فأنكره وقال : إنه فرس الحياة ! فقال حين رآه : إن لهذا لشأنا . فأخذ من تربة الحافر - حافر الفرس - فانطلق موسى ، واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة ، وأتمها الله بعشر . فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل ، إن الغنيمة لا تحل لكم ، وإن حلي القبط إنما هو غنيمة ، فاجمعوها جميعا ، واحفروا لها حفرة فادفنوها ، فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها ، وإلا كان شيئا لم تأكلوه . فجمعوا ذلك الحلي في تلك الحفرة ، وجاء السامري بتلك القبضة فقذفها ، فأخرج الله من الحلي عجلا جسدا له خوار . وعدت بنو إسرائيل موعد موسى ، فعدوا الليلة يوما واليوم يوما ، فلما كان تمام العشرين ، خرج لهم العجل . فلما رأوه قال لهم السامري : هذا إلهكم وإله موسى فنسي - يقول : ترك موسى إلهه هاهنا وذهب يطلبه . فعكفوا عليه يعبدونه ، وكان يخور ويمشي . فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل إنما فتنتم به - يقول : إنما ابتليتم به ، يقول : بالعجل - وإن ربكم الرحمن . فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم ، وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه ، فلما كلمه قال له : ما أعجلك عن قومك يا موسى ؟ قال : هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى . قال : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ، فأخبره خبرهم . قال موسى ; يا رب هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل ، أرأيت الروح من نفخها فيه ؟ قال الرب : أنا . قال : رب أنت إذا أضللتهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(83)
الحلقة (97)
صــ 66إلى صــ70
920 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : كان [ ص: 66 ] - فيما ذكر لي - أن موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عز وجل به : استعيروا منهم - يعني من آل فرعون - الأمتعة والحلي والثياب ، فإني منفلكم أموالهم مع هلاكهم . فلما أذن فرعون في الناس ، كان مما يحرض به على بني إسرائيل أن قال : حين ساروا لم يرضوا أن خرجوا بأنفسهم ، حتى ذهبوا بأموالكم معهم ! .
921 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان السامري رجلا من أهل باجرما ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان حب عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل . فلما فصل هارون في بني إسرائيل ، وفصل موسى إلى ربه ، قال لهم هارون : أنتم قد حملتم أوزارا من زينة القوم - آل فرعون - وأمتعة وحليا ، فتطهروا منها ، فإنها نجس . وأوقد لهم نارا فقال : اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها . قالوا : نعم .
فجعلوا يأتون بما كان فيهم من تلك الأمتعة وذلك الحلي ، فيقذفون به فيها . حتى إذا تكسر الحلي فيها ، ورأى السامري ، أثر فرس جبريل ، فأخذ ترابا من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار فقال لهارون : يا نبي الله ، ألقي ما في يدي ؟ قال : نعم . ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة ، فقذفه فيها وقال : " كن عجلا جسدا له خوار " ، فكان ، للبلاء والفتنة . فقال : هذا إلهكم وإله موسى . فعكفوا عليه ، وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط . يقول الله عز وجل : ( فنسي ) [ طه : 88 ] أي ترك ما كان عليه من الإسلام - يعني السامري - ( موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) [ طه : 89 ] وكان اسم السامري موسى بن ظفر ، وقع في أرض مصر ، فدخل في بني إسرائيل . فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال : ( يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) [ طه : 90 - 91 ] فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل ، وتخوف هارون ، إن سار بمن معه من المسلمين ، أن يقول له موسى : فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي . وكان له هائبا مطيعا .
922 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل من فرعون ، وأغرق فرعون ومن معه ، قال موسى لأخيه هارون : اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين . قال : لما خرج موسى وأمر هارون بما أمره وخرج موسى متعجلا مسرورا إلى الله ، قد عرف موسى أن المرء إذا أنجح في حاجة سيده ، كان يسره أن يتعجل إليه . قال : وكان حين خرجوا استعاروا حليا وثيابا من آل فرعون ، فقال لهم هارون : إن هذه الثياب والحلي لا تحل لكم ، فاجمعوا نارا ، فألقوه فيها فأحرقوه . قال : فجمعوا نارا . قال : وكان السامري قد نظر إلى أثر دابة جبريل ، وكان على فرس أنثى - وكان السامري في قوم موسى - قال : فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة ، فيبست عليها يده . فلما ألقى قوم موسى الحلي في النار ، وألقى السامري [ ص: 68 ] معهم القبضة ، صور الله جل وعز ذلك لهم عجلا ذهبا ، فدخلته الريح ، فكان له خوار ، فقالوا : ما هذا ؟ فقال : السامري الخبيث : ( هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) ، الآية ، إلى قوله : ( حتى يرجع إلينا موسى ) [ طه : 88 - 91 ] قال : حتى إذا أتى موسى الموعد ، قال الله : ( وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري ) فقرأ حتى بلغ : ( أفطال عليكم العهد ) [ طه : 86 ] .
923 - حدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : ( ثم اتخذتم العجل من بعده ) قال : العجل : حسيل البقرة . قال : حلي استعاروه من آل فرعون ، فقال لهم هارون : أخرجوه فتطهروا منه وأحرقوه . وكان السامري قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل فطرحه فيه ، فانسبك ، فكان له كالجوف تهوي فيه الرياح .
924 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إنما سمي العجل ، لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى .
925 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحو حديث القاسم عن الحسن .
926 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .
[ ص: 69 ] القول في تأويل قوله ( وأنتم ظالمون ( 51 ) )
يعني " وأنتم واضعو العبادة في غير موضعها ، لأن العبادة لا تنبغي إلا لله عز وجل ، وعبدتم أنتم العجل ظلما منكم ، ووضعا للعبادة في غير موضعها . وقد دللنا - في غير هذا الموضع مما مضى من كتابنا - أن أصل كل ظلم ، وضع الشيء في غير موضعه ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون ( 52 ) )
قال أبو جعفر : وتأويل قوله : ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك ) ، يقول : تركنا معاجلتكم بالعقوبة ، " من بعد ذلك " ، أي من بعد اتخاذكم العجل إلها . كما : -
927 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم العسقلاني قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ثم عفونا عنكم من بعد ذلك ) ، يعني من بعد ما اتخذتم العجل .
وأما تأويل قوله : ( لعلكم تشكرون ) ، فإنه يعني به : لتشكروا . ومعنى " لعل " في هذا الموضع معنى " كي " . وقد بينت فيما مضى قبل أن أحد معاني " لعل " " كي " ، بما فيه الكفاية عن إعادته في هذا الموضع .
فمعنى الكلام إذا : ثم عفونا عنكم من بعد اتخاذكم العجل إلها ، لتشكروني على عفوي عنكم ، إذ كان العفو يوجب الشكر على أهل اللب والعقل .
[ ص: 70 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ( 53 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وإذ آتينا موسى الكتاب ) : واذكروا أيضا إذ آتينا موسى الكتاب والفرقان . ويعني ب " الكتاب " : التوراة ، وب " الفرقان " : الفصل بين الحق والباطل ، كما : -
928 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ) ، قال : فرق به بين الحق والباطل .
929 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ) ، قال : الكتاب : هو الفرقان ، فرقان بين الحق والباطل .
930 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
931 - وحدثني القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ) ، قال : الكتاب هو الفرقان ، فرق بين الحق والباطل .
932 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، وقال ابن عباس : " الفرقان " : جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان .
وقال ابن زيد في ذلك بما : -
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(84)
الحلقة (98)
صــ 71إلى صــ75
933 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب . قال : [ ص: 71 ] سألته - يعني ابن زيد - عن قول الله عز وجل : ( وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ) فقال : أما " الفرقان " الذي قال الله جل وعز : ( يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ) [ الأنفال : 41 ] ، فذلك يوم بدر ، يوم فرق الله بين الحق والباطل ، والقضاء الذي فرق به بين الحق والباطل . قال : فكذلك أعطى الله موسى الفرقان ، فرق الله بينهم ، وسلمه وأنجاه ، فرق بينهم بالنصر . فكما جعل الله ذلك بين محمد صلى الله عليه وسلم والمشركين ، فكذلك جعله بين موسى وفرعون .
قال أبو جعفر : وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية ، ما روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد : من أن الفرقان الذي ذكر الله أنه آتاه موسى في هذا الموضع ، هو الكتاب الذي فرق به بين الحق والباطل ، وهو نعت للتوراة وصفة لها . فيكون تأويل الآية حينئذ : وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح وفرقنا بها بين الحق والباطل .
فيكون " الكتاب " نعتا للتوراة أقيم مقامها ، استغناء به عن ذكر التوراة ، ثم عطف عليه ب " الفرقان " ، إذ كان من نعتها .
وقد بينا معنى " الكتاب " فيما مضى من كتابنا هذا ، وأنه بمعنى المكتوب .
وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالآية ، وإن كان محتملا غيره من التأويل ، لأن الذي قبله من ذكر " الكتاب " ، وأن معنى " الفرقان " الفصل - وقد دللنا على ذلك فيما مضى من كتابنا هذا - ، فإلحاقه إذ كان كذلك ، بصفة ما وليه أولى من إلحاقه بصفة ما بعد منه . [ ص: 72 ] وأما تأويل قوله : ( لعلكم تهتدون ) ، فنظير تأويل قوله : ( لعلكم تشكرون ) ، ومعناه لتهتدوا .
وكأنه قال : واذكروا أيضا إذ آتينا موسى التوراة التي تفرق بين الحق والباطل لتهتدوا بها ، وتتبعوا الحق الذي فيها ، لأني جعلتها كذلك هدى لمن اهتدى بها واتبع ما فيها .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ( 54 ) )
وتأويل ذلك : اذكروا أيضا إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم . وظلمهم إياها كان فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه بها ، مما أوجب لهم العقوبة من الله تعالى . وكذلك كل فاعل فعلا يستوجب به العقوبة من الله تعالى فهو ظالم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالى . وكان الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسهم ، هو ما أخبر الله عنهم : من ارتدادهم باتخاذهم العجل ربا بعد فراق موسى إياهم .
ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم ، والإنابة إلى الله من ردتهم ، بالتوبة إليه ، والتسليم لطاعته فيما أمرهم به . وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم .
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى " التوبة " : الأوبة مما يكرهه الله إلى ما يرضاه [ ص: 73 ] من طاعته .
فاستجاب القوم لما أمرهم به موسى من التوبة مما ركبوا من ذنوبهم إلى ربهم ، على ما أمرهم به ، كما : -
934 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة بن الحجاج ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن أنه قال في هذه الآية : ( فاقتلوا أنفسكم ) قال : عمدوا إلى الخناجر ، فجعل يطعن بعضهم بعضا .
935 - حدثني عباس بن محمد قال ، حدثنا حجاج بن محمد ، قال ابن جريج ، أخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا قالا قام بعضهم إلى بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعضا لا يحن رجل على رجل قريب ولا بعيد ، حتى ألوى موسى بثوبه ، فطرحوا ما بأيديهم ، فتكشف عن سبعين ألف قتيل . وإن الله أوحى إلى موسى : أن حسبي فقد اكتفيت ! فذلك حين ألوى بثوبه .
936 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال ، حدثنا إبراهيم بن بشار قال ، حدثنا سفيان بن عيينة قال ، قال أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال موسى لقومه : ( توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) . قال : أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم ، قال : فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا ، [ ص: 74 ] وقام الذين لم يعكفوا على العجل ، وأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظلمة شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة .
937 - وحدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما رجع موسى إلى قومه قال : ( يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ) إلى قوله : ( فكذلك ألقى السامري ) [ طه : 86 - 87 ] . فألقى موسى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ( قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) [ طه : 94 ] . فترك هارون ومال إلى السامري ، ف ( قال فما خطبك يا سامري ) إلى قوله : ( ثم لننسفنه في اليم نسفا ) [ طه : 95 - 97 ] ثم أخذه فذبحه ، ثم حرقه بالمبرد ، ثم ذراه في اليم ، فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه . ثم قال لهم موسى : اشربوا منه . فشربوا ، فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب . فذلك حين يقول : ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) [ البقرة : 93 ] . فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى ، ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا : " لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين " . فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل ، إلا بالحال التي كرهوا أن يقاتلهم حين عبدوا العجل ، فقال لهم موسى : ( يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) . قال : فصفوا صفين ، ثم اجتلدوا بالسيوف . فاجتلد الذين عبدوه [ ص: 75 ] والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قتل من الفريقين شهيدا ، حتى كثر القتل ، حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل بينهم سبعون ألفا ، وحتى دعا موسى وهارون ربنا هلكت بنو إسرائيل ! ربنا البقية البقية ! ! فأمرهم أن يضعوا السلاح ، وتاب عليهم . فكان من قتل شهيدا ، ومن بقي كان مكفرا عنه . فذلك قوله : ( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) .
938 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : ( باتخاذكم العجل ) ، قال : كان موسى أمر قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر ، فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده ، فتاب الله عليهم .
939 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " باتخاذكم العجل " ، قال : كان أمر موسى قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا ، ولا يقتل الرجل أباه ولا أخاه . فبلغ ذلك في ساعة من نهار سبعين ألفا .
940 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم ) الآية ، قال : فصاروا صفين ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فبلغ القتلى ما شاء الله ، ثم قيل لهم : قد تيب على القاتل والمقتول .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(85)
الحلقة (99)
صــ 76إلى صــ80
941 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب قال ، لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها ، برزوا [ ص: 76 ] ومعهم موسى ، فاضطربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر ، وموسى رافع يديه . حتى إذا فتر ، أتاه بعضهم فقالوا : يا نبي الله ادع الله لنا . وأخذوا بعضديه يسندون يديه . فلم يزل أمرهم على ذلك ، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدي بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح . وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى : ما يحزنك ؟ ، أما من قتل منكم ، فحي عندي يرزق ; وأما من بقي ، فقد قبلت توبته ! فبشر بذلك موسى بني إسرائيل .
942 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الزهري وقتادة في قوله : ( فاقتلوا أنفسكم ) ، قال : قاموا صفين يقتل بعضهم بعضا ، حتى قيل لهم كفوا . قال قتادة : كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي .
943 - حدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين بن داود قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال لي عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول : قام بعضهم إلى بعض ، يقتل بعضهم بعضا ، ما يترابأ الرجل أخاه ولا أباه ولا ابنه ولا أحدا حتى نزلت التوبة . [ ص: 77 ] قال ابن جريج ، وقال ابن عباس : بلغ قتلاهم سبعين ألفا ، ثم رفع الله عز وجل عنهم القتل ، وتاب عليهم . قال ابن جريج : قاموا صفين فاقتتلوا بينهم ، فجعل الله القتل لمن قتل منهم شهادة ، وكانت توبة لمن بقي . وكان قتل بعضهم بعضا أن الله علم أن ناسا منهم علموا أن العجل باطل ، فلم يمنعهم أن ينكروا عليهم إلا مخافة القتال ، فلذلك أمر أن يقتل بعضهم بعضا .
944 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما رجع موسى إلى قومه ، وأحرق العجل وذراه في اليم ، وخرج إلى ربه بمن اختار من قومه ، فأخذتهم الصاعقة ، ثم بعثوا - سأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم . قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى : نصبر لأمر الله ! فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده . فجلسوا بالأفنية ، وأصلت عليهم القوم السيوف ، فجعلوا يقتلونهم . وبكى موسى ، وبهش إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم ، فتاب عليهم وعفا عنهم ، وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف .
945 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لما رجع موسى إلى قومه ، وكان سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه ، فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم . فقالوا : يا موسى ، أما من توبة ؟ قال : بلى ! ( اقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ) [ ص: 78 ] الآية . فاخترطوا السيوف والجرزة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابة ، قال : فجعلوا يتلامسون بالأيدي ، ويقتل بعضهم بعضا . قال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري ، ويتنادون فيها : رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه . وقرأ قول الله جل ثناؤه : ( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ) [ الدخان : 33 ] . قال : فقتلاهم شهداء ، وتيب على أحيائهم ، وقرأ : ( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) .
فالذي ذكرنا - عمن روينا عنه الأخبار التي رويناها - كان توبة القوم من الذنب الذي أتوه فيما بينهم وبين ربهم ، بعبادتهم العجل مع ندمهم على ما سلف منهم من ذلك .
وأما معنى قوله : ( فتوبوا إلى بارئكم ) ، فإنه يعني به : ارجعوا إلى طاعة خالقكم ، وإلى ما يرضيه عنكم ، كما : -
946 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( فتوبوا إلى بارئكم ) ، أي : إلى خالقكم .
وهو من " برأ الله الخلق يبرؤه فهو بارئ " . و" البرية " : الخلق . وهي " فعيلة " بمعنى " مفعولة " ، غير أنها لا تهمز . كما لا يهمز " ملك " وهو من " لأك " ، لكنه جرى بترك الهمزة كذلك قال نابغة بني ذبيان :
إلا سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فاحددها عن الفند
[ ص: 79 ] وقد قيل : إن " البرية " إنما لم تهمز لأنها " فعيلة " من " البرى " ، والبرى : التراب . فكأن تأويله على قول من تأوله كذلك أنه مخلوق من التراب .
وقال بعضهم : إنما أخذت " البرية " من قولك " بريت العود " . فلذلك لم يهمز .
قال أبو جعفر : وترك الهمز من " بارئكم " جائز ، والإبدال منها جائز . فإذ كان ذلك جائزا في " باريكم " فغير مستنكر أن تكون " البرية " من : " برى الله الخلق " بترك الهمزة .
وأما قوله : ( ذلكم خير لكم عند بارئكم ) ، فإنه يعني بذلك : توبتكم بقتلكم أنفسكم وطاعتكم ربكم ، خير لكم عند بارئكم ، لأنكم تنجون بذلك من عقاب الله في الآخرة على ذنبكم ، وتستوجبون به الثواب منه .
وقوله : ( فتاب عليكم ) ، أي : بما فعلتم مما أمركم به من قتل بعضكم بعضا . وهذا من المحذوف الذي استغنى بالظاهر منه عن المتروك . لأن معنى الكلام : فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ، ذلكم خير لكم عند بارئكم ، فتبتم ، فتاب عليكم . فترك ذكر قوله : " فتبتم " ، إذ كان في قوله : ( فتاب عليكم ) دلالة بينة على اقتضاء الكلام " فتبتم " .
ويعني بقوله : ( فتاب عليكم ) رجع لكم ربكم إلى ما أحببتم : من العفو عن ذنوبكم وعظيم ما ركبتم ، والصفح عن جرمكم ، ( إنه هو التواب الرحيم ) يعني : الراجع لمن أناب إليه بطاعته إلى ما يحب من العفو عنه . ويعني ب " الرحيم " ، العائد إليه برحمته المنجية من عقوبته .
[ ص: 80 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة )
قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : واذكروا أيضا إذ قلتم : يا موسى لن نصدقك ولن نقر بما جئتنا به ، حتى نرى الله جهرة - عيانا برفع الساتر بيننا وبينه ، وكشف الغطاء دوننا ودونه ، حتى ننظر إليه بأبصارنا ، كما تجهر الركية ، وذلك إذا كان ماؤها قد غطاه الطين ، فنقي ما قد غطاه حتى ظهر الماء وصفا . يقال منه : " قد جهرت الركية أجهرها جهرا وجهرة " . ولذلك قيل : " قد جاهر فلان بهذا الأمر مجاهرة وجهارا " ، " إذا أظهره لرأي العين وأعلنه ، كما قال الفرزدق بن غالب :
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(86)
الحلقة (100)
صــ 81إلى صــ85
[ ص: 81 ] 947 - وكما حدثنا به القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : ( حتى نرى الله جهرة ) ، قال : علانية .
948 - وحدثت عن عمار بن الحسن قال ، ثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : ( حتى نرى الله جهرة ) يقول : عيانا .
949 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( حتى نرى الله جهرة ) ، حتى يطلع إلينا .
950 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( حتى نرى الله جهرة ) ، أي عيانا .
فذكرهم بذلك جل ذكره اختلاف آبائهم ، وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم ، مع كثرة معاينتهم من آيات الله جل وعز وعبره ما تثلج بأقلها الصدور ، وتطمئن بالتصديق معها النفوس . وذلك مع تتابع الحجج عليهم ، وسبوغ النعم من الله لديهم ، وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله . ومرة يعبدون العجل من دون الله . ومرة يقولون : لا نصدقك حتى نرى الله جهرة . وأخرى يقولون له إذا دعوا إلى القتال : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا [ ص: 82 ] قاعدون . ومرة يقال لهم : قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطاياكم . فيقولون : حنطة في شعيرة ! ويدخلون الباب من قبل أستاههم ، مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم عليه السلام ، التي يكثر إحصاؤها .
فأعلم ربنا تبارك وتعالى ذكره الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنهم لن يعدوا أن يكونوا - في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وجحودهم نبوته ، وتركهم الإقرار به وبما جاء به ، مع علمهم به ، ومعرفتهم بحقيقة أمره - كأسلافهم وآبائهم الذين فصل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى ، وتوثبهم على نبيهم موسى صلوات الله وسلامه عليه تارة بعد أخرى ، مع عظيم بلاء الله جل وعز عندهم ، وسبوغ آلائه عليهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ( 55 ) )
اختلف أهل التأويل في صفة الصاعقة التي أخذتهم . فقال بعضهم بما : -
951 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فأخذتكم الصاعقة ) ، قال : ماتوا .
952 - وحدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( فأخذتكم الصاعقة ) قال : سمعوا صوتا فصعقوا ، يقول : فماتوا .
وقال آخرون بما : -
953 - حدثني موسى بن هارون الهمداني قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، [ ص: 83 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فأخذتكم الصاعقة ) ، والصاعقة : نار .
وقال آخرون بما : -
954 - حدثنا به ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أخذتهم الرجفة ، وهي الصاعقة ، فماتوا جميعا .
وأصل " الصاعقة " كل أمر هائل رآه [ المرء ] أو عاينه أو أصابه - حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب ، وإلى ذهاب عقل وغمور فهم ، أو فقد بعض آلات الجسم - صوتا كان ذلك أو نارا ، أو زلزلة ، أو رجفا . ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حي غير ميت ، قول الله عز وجل : ( وخر موسى صعقا ) [ الأعراف : 143 ] ، يعني مغشيا عليه ، ومنه قول جرير بن عطية :
وهل كان الفرزدق غير قرد أصابته الصواعق فاستدارا
فقد علم أن موسى لم يكن - حين غشي عليه وصعق ميتا ، لأن الله [ ص: 84 ] جل وعز أخبر عنه أنه لما أفاق قال : ( تبت إليك ) [ الأعراف : 143 ] - ولا شبه جرير الفرزدق وهو حي بالقرد ميتا . ولكن معنى ذلك ما وصفنا .
ويعني بقوله : ( وأنتم تنظرون ) ، وأنتم تنظرون إلى الصاعقة التي أصابتكم ، يقول : أخذتكم الصاعقة عيانا جهارا وأنتم تنظرون إليها .
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ( 56 ) )
يعني بقوله : ( ثم بعثناكم ) ثم أحييناكم .
وأصل " البعث " إثارة الشيء من محله . ومنه قيل : " بعث فلان راحلته " إذا أثارها من مبركها للسير ، كما قال الشاعر :
فأبعثها وهي صنيع حول كركن الرعن ، ذعلبة وقاحا
[ ص: 85 ] و" الرعن " : منقطع أنف الجبل ، و" الذعلبة " : الخفيفة ، و" الوقاح " : الشديدة الحافر أو الخف . ومن ذلك قيل : " بعثت فلانا لحاجتي " ، إذا أقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجه فيها . ومن ذلك قيل ليوم القيامة : " يوم البعث " ، لأنه يوم يثار الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب .
يعني بقوله : ( من بعد موتكم ) ، من بعد موتكم بالصاعقة التي أهلكتكم .
وقوله : ( لعلكم تشكرون ) ، يقول : فعلنا بكم ذلك لتشكروني على ما أوليتكم من نعمتي عليكم ، بإحيائي إياكم ، استبقاء مني لكم ، لتراجعوا التوبة من عظيم ذنبكم ، بعد إحلالي العقوبة بكم بالصاعقة التي أحللتها بكم ، فأماتتكم بعظيم خطئكم الذي كان منكم فيما بينكم وبين ربكم .
وهذا القول على تأويل من تأول قوله : ( ثم بعثناكم ) ثم أحييناكم .
وقال آخرون : معنى قوله : ( ثم بعثناكم ) ، أي بعثناكم أنبياء .
955 - حدثني بذلك موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط عن السدي .
قال أبو جعفر : وتأويل الكلام على ما تأوله السدي : فأخذتكم الصاعقة ، ثم أحييناكم من بعد موتكم ، وأنتم تنظرون إلى إحيائنا إياكم من بعد موتكم ، ثم بعثناكم أنبياء لعلكم تشكرون .
وزعم السدي أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير ، والمؤخر الذي معناه التقديم .
956 - حدثنا بذلك موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي .
وهذا تأويل يدل ظاهر التلاوة على خلافه ، مع إجماع أهل التأويل على تخطئته . والواجب على تأويل السدي الذي حكيناه عنه ، أن يكون معنى قوله : ( لعلكم تشكرون ) ، تشكروني على تصييري إياكم أنبياء .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(87)
الحلقة (101)
صــ 86إلى صــ 90
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ( 56 ) )
يعني بقوله : ( ثم بعثناكم ) ثم أحييناكم .
وأصل " البعث " إثارة الشيء من محله . ومنه قيل : " بعث فلان راحلته " إذا أثارها من مبركها للسير ، كما قال الشاعر :
فأبعثها وهي صنيع حول كركن الرعن ، ذعلبة وقاحا
[ ص: 85 ] و" الرعن " : منقطع أنف الجبل ، و" الذعلبة " : الخفيفة ، و" الوقاح " : الشديدة الحافر أو الخف . ومن ذلك قيل : " بعثت فلانا لحاجتي " ، إذا أقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجه فيها . ومن ذلك قيل ليوم القيامة : " يوم البعث " ، لأنه يوم يثار الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب .
يعني بقوله : ( من بعد موتكم ) ، من بعد موتكم بالصاعقة التي أهلكتكم .
وقوله : ( لعلكم تشكرون ) ، يقول : فعلنا بكم ذلك لتشكروني على ما أوليتكم من نعمتي عليكم ، بإحيائي إياكم ، استبقاء مني لكم ، لتراجعوا التوبة من عظيم ذنبكم ، بعد إحلالي العقوبة بكم بالصاعقة التي أحللتها بكم ، فأماتتكم بعظيم خطئكم الذي كان منكم فيما بينكم وبين ربكم .
وهذا القول على تأويل من تأول قوله : ( ثم بعثناكم ) ثم أحييناكم .
وقال آخرون : معنى قوله : ( ثم بعثناكم ) ، أي بعثناكم أنبياء .
955 - حدثني بذلك موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط عن السدي .
قال أبو جعفر : وتأويل الكلام على ما تأوله السدي : فأخذتكم الصاعقة ، ثم أحييناكم من بعد موتكم ، وأنتم تنظرون إلى إحيائنا إياكم من بعد موتكم ، ثم بعثناكم أنبياء لعلكم تشكرون .
وزعم السدي أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير ، والمؤخر الذي معناه التقديم .
956 - حدثنا بذلك موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي .
وهذا تأويل يدل ظاهر التلاوة على خلافه ، مع إجماع أهل التأويل على تخطئته . والواجب على تأويل السدي الذي حكيناه عنه ، أن يكون معنى قوله : ( لعلكم تشكرون ) ، تشكروني على تصييري إياكم أنبياء .
[ ص: 86 ] وكان سبب قيلهم لموسى ما أخبر الله جل وعز عنهم أنهم قالوه له ، من قولهم : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) ، ما : -
957 - حدثنا به محمد بن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق قال : لما رجع موسى إلى قومه ، ورأى ما هم فيه من عبادة العجل ، وقال لأخيه وللسامري ما قال ، وحرق العجل وذراه في اليم ، اختار موسى منهم سبعين رجلا الخير فالخير ، وقال : انطلقوا إلى الله عز وجل ، فتوبوا إليه مما صنعتم ، وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ; صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم . فقال له السبعون - فيما ذكر لي - حين صنعوا ما أمرهم به ، وخرجوا للقاء ربه : يا موسى ، اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا ، قال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود غمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه . فضرب دونه الحجاب . ودنا القوم ، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه : افعل ، ولا تفعل . فلما فرغ إليه من أمره ، انكشف عن موسى الغمام . فأقبل إليهم ، فقالوا لموسى : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) ، فأخذتهم [ ص: 87 ] الرجفة - وهي الصاعقة - [ فافتلتت أرواحهم ] فماتوا جميعا . وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ! قد سفهوا ، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما تفعل السفهاء منا ؟ - أي : إن هذا لهم هلاك ، اخترت منهم سبعين رجلا الخير فالخير ، أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد ! فما الذي يصدقوني به أو يأمنوني عليه بعد هذا ؟ ( إنا هدنا إليك ) . فلم يزل موسى يناشد ربه عز وجل ويطلب إليه ، حتى رد إليهم أرواحهم ، فطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم .
958 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل ، وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به ، أمر الله تعالى موسى أن يأتيه في ناس من بنى إسرائيل ، يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موعدا ، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عينه ، ثم ذهب بهم ليعتذروا . فلما أتوا ذلك المكان قالوا : " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " ، فإنك قد كلمته فأرناه : فأخذتهم الصاعقة فماتوا . فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ؟ رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ؟ فأوحى الله إلى موسى : إن هؤلاء السبعين ممن اتخذ العجل ، فذلك حين يقول موسى : ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ) [ إلى قوله ] [ ص: 88 ] ( إنا هدنا إليك ) [ الأعراف : 155 - 156 ] . [ يقول تبنا إليك ] . وذلك قوله : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ) . ثم إن الله جل ثناؤه أحياهم فقاموا وعاشوا رجلا رجلا ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون ، فقالوا : يا موسى أنت تدعو الله فلا تسأله شيئا إلا أعطاك ، فادعه يجعلنا أنبياء ! فدعا الله تعالى فجعلهم أنبياء ، فذلك قوله : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) ، ولكنه قدم حرفا وأخر حرفا .
959 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : قال لهم موسى لما - رجع من عند ربه بالألواح ، قد كتب فيها التوراة ، فوجدهم يعبدون العجل ، فأمرهم بقتل أنفسهم ، ففعلوا ، فتاب الله عليهم - ، : إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، فيه أمره الذي أمركم به ، ونهيه الذي نهاكم عنه . فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت ! لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله إلينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ، فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى ، فيقول : هذا كتابي فخذوه ؟ وقرأ قول الله تعالى : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) ، قال : فجاءت غضبة من الله ، فجاءتهم صاعقة بعد التوبة ، فصعقتهم فماتوا أجمعون . قال : ثم أحياهم الله من بعد موتهم ، وقرأ قول الله تعالى : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) . فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله . فقالوا : لا . فقال : أي شيء أصابكم ؟ قالوا : أصابنا أنا متنا ثم حيينا . قال : خذوا كتاب الله . قالوا : لا . فبعث الله تعالى ملائكة فنتقت الجبل [ ص: 89 ] فوقهم .
960 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم ) ، قال : أخذتهم الصاعقة ، ثم بعثهم الله تعالى ليكملوا بقية آجالهم .
961 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : ( فأخذتهم الصاعقة ) ، قال : هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه . قال : فسمعوا كلاما ، فقالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) . قال : فسمعوا صوتا فصعقوا - يقول : ماتوا - فذلك قوله : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) ، فبعثوا من بعد موتهم ، لأن موتهم ذاك كان عقوبة لهم ، فبعثوا لبقية آجالهم .
فهذا ما روي في السبب الذي من أجله قالوا لموسى : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قوله في سبب قيلهم ذلك لموسى ، تقوم به حجة فيسلم له . وجائز أن يكون ذلك بعض ما قالوه ، فإذ كان لا خبر بذلك تقوم به حجة ، فالصواب من القول فيه أن يقال : إن الله جل ثناؤه قد أخبر عن قوم موسى أنهم قالوا له : ( يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) ، كما أخبر عنهم أنهم قالوه . وإنما أخبر الله عز وجل بذلك عنهم الذين خوطبوا بهذه الآيات ، توبيخا لهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قامت حجته على من احتج به عليه ، ولا حاجة لمن [ ص: 90 ] انتهت إليه إلى معرفة السبب الداعي لهم إلى قيل ذلك . وقد قال الذين أخبرنا عنهم الأقوال التي ذكرناها ، وجائز أن يكون بعضها حقا كما قال .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(88)
الحلقة (102)
صــ 91إلى صــ 95
القول في تأويل قوله تعالى ( وظللنا عليكم الغمام )
( وظللنا عليكم الغمام ) عطف على قوله : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) . فتأويل الآية : ثم بعثناكم من بعد موتكم ، وظللنا عليكم الغمام - وعدد عليهم سائر ما أنعم به عليهم - لعلكم تشكرون .
و" الغمام " جمع " غمامة " ، كما السحاب جمع سحابة ، " والغمام " هو ما غم السماء فألبسها من سحاب وقتام ، وغير ذلك مما يسترها عن أعين الناظرين . وكل مغطى فالعرب تسميه مغموما .
وقد قيل : إن الغمام التي ظللها الله على بني إسرائيل لم تكن سحابا .
962 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( وظللنا عليكم الغمام ) ، قال : ليس بالسحاب .
963 - وحدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( وظللنا عليكم الغمام ) ، قال : ليس بالسحاب ، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، لم يكن إلا لهم .
964 - وحدثني محمد بن عمرو الباهلي قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه : ( وظللنا عليكم الغمام ) ، قال : هو بمنزلة السحاب .
965 - وحدثني القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : ( وظللنا عليكم الغمام ) [ ص: 91 ] ، قال : هو غمام أبرد من هذا وأطيب ، وهو الذي يأتي الله عز وجل فيه يوم القيامة في قوله : ( في ظلل من الغمام ) [ البقرة : 210 ] ، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر . قال ابن عباس : وكان معهم في التيه .
وإذ كان معنى الغمام ما وصفنا ، مما غم السماء من شيء يغطي وجهها عن الناظر إليها ، فليس الذي ظلله الله عز وجل على بني إسرائيل - فوصفه بأنه كان غماما - بأولى ، بوصفه إياه بذلك أن يكون سحابا ، منه بأن يكون غير ذلك مما ألبس وجه السماء من شيء .
وقد قيل : إنه ما ابيض من السحاب .
القول في تأويل قوله تعالى ( وأنزلنا عليكم المن )
اختلف أهل التأويل في صفة " المن " . فقال بعضهم بما : -
966 - حدثني به محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( وأنزلنا عليكم المن ) ، قال : المن صمغة .
967 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن [ ص: 92 ] أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
968 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) ، يقول : كان المن ينزل عليهم مثل الثلج .
وقال آخرون : هو شراب .
ذكر من قال ذلك :
969 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال : المن ، شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ، ثم يشربونه .
وقال آخرون : " المن " ، عسل .
ذكر من قال ذلك :
970 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : المن : عسل كان ينزل لهم من السماء .
971 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر قال : عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن .
وقال آخرون : " المن " الخبز الرقاق .
ذكر من قال ذلك :
972 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد قال : سمعت وهبا - وسئل : ما المن ؟ قال : خبز الرقاق ، مثل الذرة ، ومثل النقي .
وقال آخرون : " المن " ، الزنجبيل . ذكر من قال ذلك :
[ ص: 93 ] 973 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : المن كان يسقط على شجر الزنجبيل .
وقال آخرون : " المن " ، هو الذي يسقط على الشجر الذي يأكله الناس .
ذكر من قال ذلك :
974 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثتي حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : كان المن ينزل على شجرهم ، فيغدون عليه ، فيأكلون منه ما شاءوا .
975 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن عامر في قوله : ( وأنزلنا عليكم المن ) ، قال : المن : الذي يقع على الشجر .
976 - حدثت عن المنجاب بن الحارث قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( المن ) ، قال : المن الذي يسقط من السماء على الشجر فتأكله الناس .
977 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن عامر قال : المن ، هذا الذي يقع على الشجر .
وقد قيل . إن " المن " ، هو الترنجبين .
وقال بعضهم : " المن " ، هو الذي يسقط على الثمام والعشر ، وهو حلو كالعسل ، وإياه عنى الأعشى - ميمون بن قيس - بقوله :
[ ص: 94 ]
لو أطعموا المن والسلوى مكانهم ما أبصر الناس طعما فيهم نجعا
وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال :
978 - " الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين " .
وقال بعضهم : " المن " ، شراب حلو كانوا يطبخونه فيشربونه .
وأما أمية بن أبي الصلت ، فإنه جعله في شعره عسلا فقال يصف أمرهم في التيه وما رزقوا فيه :
فرأى الله أنهم بمضيع لا بذي مزرع ولا معمورا
[ ص: 95 ] فنساها عليهم غاديات ومرى مزنهم خلايا وخورا
عسلا ناطفا وماء فراتا وحليبا ذا بهجة مثمورا
المثمور : الصافي من اللبن . فجعل المن الذي كان ينزل عليهم عسلا ناطفا ، والناطف : هو القاطر .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(89)
الحلقة (103)
صــ 96إلى صــ 100
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( والسلوى )
قال أبو جعفر : و" السلوى " اسم طائر يشبه السمانى ، واحده وجماعه بلفظ واحد ، كذلك السمانى لفظ جماعها وواحدها سواء . وقد قيل : إن واحدة السلوى سلواة .
ذكر من قال ذلك :
979 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثني عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : السلوى طير يشبه السمانى .
980 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان طيرا أكبر من السمانى .
981 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : السلوى : طائر كانت تحشرها عليهم الريح الجنوب .
982 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : السلوى : طائر .
983 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : السلوى طير .
984 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد قال : سمعت وهبا - وسئل : ما السلوى ؟ فقال : طير سمين مثل الحمام .
[ ص: 97 ] 985 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : السلوى طير .
986 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : السلوى كان طيرا يأتيهم مثل السمانى .
987 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن عامر ، قال : السلوى السمانى .
988 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : السلوى ، هو السمانى .
989 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، أخبرنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن عامر قال : السلوى السمانى .
990 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عامر قال ، حدثنا قرة ، عن الضحاك قال : السمانى هو السلوى .
فإن قال قائل : وما سبب تظليل الله جل ثناؤه الغمام ، وإنزاله المن والسلوى على هؤلاء القوم ؟
قيل : قد اختلف أهل العلم في ذلك . ونحن ذاكرون ما حضرنا منه : -
991 - فحدثنا موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : لما تاب الله على قوم موسى ، وأحيا السبعين الذين اختارهم موسى بعد ما أماتهم ، أمرهم الله بالسير إلى أريحا ، وهي أرض بيت المقدس . فساروا حتى إذا كانوا قريبا منها بعث موسى اثني عشر نقيبا . فكان من أمرهم وأمر الجبارين وأمر قوم موسى ، ما قد قص الله في كتابه . [ ص: 98 ] فقال قوم موسى لموسى : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) . فغضب موسى فدعا عليهم فقال : ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) . فكانت عجلة من موسى عجلها ، فقال الله تعالى : ( إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ) . فلما ضرب عليهم التيه ، ندم موسى ، وأتاه قومه الذين كانوا معه يطيعونه فقالوا له : ما صنعت بنا يا موسى ؟ فلما ندم ، أوحى الله إليه : أن لا تأس على القوم الفاسقين - أي لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين - فلم يحزن ، فقالوا : يا موسى كيف لنا بماء هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن - فكان يسقط على شجر الترنجبين - والسلوى وهو طير يشبه السمانى فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير ، إن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه . فقالوا : هذا الطعام ، فأين الشراب ؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فشرب كل سبط من عين . فقالوا : هذا الطعام والشراب ؟ فأين الظل ؟ فظلل عليهم الغمام . فقالوا : هذا الظل ، فأين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ، ولا يتخرق لهم ثوب ، فذلك قوله : ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) وقوله : ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم ) . [ البقرة : 60 ] .
992 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما تاب الله عز وجل على بني إسرائيل ، وأمر موسى أن يرفع عنهم السيف من عبادة العجل ، أمر موسى أن يسير بهم إلى الأرض المقدسة ، وقال : إني قد كتبتها لكم دارا وقرارا ومنزلا فاخرج إليها ، وجاهد من فيها من العدو ، فإني ناصركم [ ص: 99 ] عليهم . فسار بهم موسى إلى الأرض المقدسة بأمر الله عز وجل . حتى إذا نزل التيه - بين مصر والشام ، وهي أرض ليس فيها خمر ولا ظل - دعا موسى ربه حين آذاهم الحر ، فظلل عليهم بالغمام ; ودعا لهم بالرزق ، فأنزل الله لهم المن والسلوى .
993 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبى جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس -
994 - وحدثت عن عمار بن الحسن ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( وظللنا عليكم الغمام ) ، قال : ظلل عليهم الغمام في التيه ، تاهوا في خمسة فراسخ أو ستة ، كلما أصبحوا ساروا غادين ، فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه . فكانوا كذلك حتى مرت أربعون سنة . قال : وهم في ذلك ينزل عليهم المن والسلوى ، ولا تبلى ثيابهم . ومعهم حجر من حجارة الطور يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا .
995 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد قال ، سمعت وهبا يقول : إن بني إسرائيل - لما حرم الله عليهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض - شكوا إلى موسى فقالوا : ما نأكل ؟ فقال : إن الله سيأتيكم بما تأكلون . قالوا : من أين لنا ؟ إلا أن يمطر علينا خبزا ! قال : إن الله عز وجل سينزل عليكم خبزا مخبوزا . فكان ينزل عليهم المن - سئل وهب : ما المن ؟ قال : خبز الرقاق مثل الذرة أو [ ص: 100 ] مثل النقي - قالوا : وما نأتدم ؟ وهل بد لنا من لحم ؟ قال : فإن الله يأتيكم به . فقالوا : من أين لنا ؟ إلا أن تأتينا به الريح ! قال : فإن الريح تأتيكم به . فكانت الريح تأتيهم بالسلوى - فسئل وهب : ما السلوى ؟ قال : طير سمين مثل الحمام ، كانت تأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت - قالوا : فما نلبس ؟ قال : لا يخلق لأحد منكم ثوب أربعين سنة . قالوا : فما نحتذي ؟ قال : لا ينقطع لأحدكم شسع أربعين سنة . قالوا : فإن يولد فينا أولاد ، فما نكسوهم ؟ قال : ثوب الصغير يشب معه . قالوا : فمن أين لنا الماء ؟ قال : يأتيكم به الله . قالوا : فمن أين ؟ إلا أن يخرج لنا من الحجر ! فأمر الله تبارك وتعالى موسى أن يضرب بعصاه الحجر . قالوا : فما نبصر ! تغشانا الظلمة ! فضرب لهم عمودا من نور في وسط عسكرهم ، أضاء عسكرهم كله ، قالوا : فبم نستظل ؟ فإن الشمس علينا شديدة ! قال : يظلكم الله بالغمام .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(90)
الحلقة (104)
صــ 101إلى صــ 105
996 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد ، فذكر نحو حديث موسى بن هارون ، عن عمرو بن حماد ، عن أسباط ، عن السدي .
997 - حدثني القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : قال عبد الله بن عباس : خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق [ ص: 101 ] ولا تدرن . قال ، وقال ابن جريج : إن أخذ الرجل من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت ، فلا يصبح فاسدا .
القول في تأويل قوله تعالى ( كلوا من طيبات ما رزقناكم )
وهذا مما استغني بدلالة ظاهره على ما ترك منه . وذلك أن تأويل الآية : وظللنا عليكم الغمام ، وأنزلنا عليكم المن والسلوى ، وقلنا لكم : كلوا من طيبات ما رزقناكم . فترك ذكر قوله : " وقلنا لكم " ، لما بينا من دلالة الظاهر في الخطاب عليه . وعنى جل ذكره بقوله : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) : كلوا من شهيات رزقنا الذي رزقناكموه . وقد قيل عنى بقوله : ( من طيبات ما رزقناكم ) : من حلاله الذي أبحناه لكم فجعلناه لكم رزقا .
والأول من القولين أولى بالتأويل ، لأنه وصف ما كان القوم فيه من هنيء العيش الذي أعطاهم ، فوصف ذلك ب " الطيب " ، الذي هو بمعنى اللذة ، أحرى من وصفه بأنه حلال مباح .
و" ما " التي مع " رزقناكم " ، بمعنى " الذي " . كأنه قيل : كلوا من طيبات الرزق الذي رزقناكموه .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 57 ) )
وهذا أيضا من الذي استغني بدلالة ظاهره على ما ترك منه . وذلك أن معنى [ ص: 102 ] الكلام : كلوا من طيبات ما رزقناكم . فخالفوا ما أمرناهم به وعصوا ربهم ، ثم رسولنا إليهم ، و" ما ظلمونا " ، فاكتفى بما ظهر عما ترك .
وقوله : ( وما ظلمونا ) يقول : وما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
ويعني بقوله : ( وما ظلمونا ) ، وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا ، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها . كما : -
999 - حدثنا عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) قال : يضرون .
وقد دللنا فيما مضى ، على أن أصل " الظلم " : وضع الشيء في غير موضعه - بما فيه الكفاية ، فأغنى ذلك عن إعادته .
وكذلك ربنا جل ذكره ، لا تضره معصية عاص ، ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم ، ولا تنفعه طاعة مطيع ، ولا يزيد في ملكه عدل عادل ، بل نفسه يظلم الظالم ، وحظها يبخس العاصي ، وإياها ينفع المطيع ، وحظها يصيب العادل .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية )
و" القرية " - التي أمرهم الله جل ثناؤه أن يدخلوها ، فيأكلوا منها رغدا حيث شاءوا - فيما ذكر لنا : بيت المقدس ذكر الرواية بذلك :
999 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أنبأنا عبد الرزاق قال ، أنبأنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( ادخلوا هذه القرية ) ، قال : بيت المقدس .
1000 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثني عمرو بن حماد قال ، حدثنا [ ص: 103 ] أسباط ، عن السدي : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ) أما القرية ، فقرية بيت المقدس .
1001 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ) ، يعني بيت المقدس .
1002 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب ، قال : سألته - يعني ابن زيد - عن قوله : ( ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم ) قال : هي أريحا ، وهي قريبة من بيت المقدس .
القول في تأويل قوله تعالى ( فكلوا منها حيث شئتم رغدا )
يعني بذلك : فكلوا من هذه القرية حيث شئتم عيشا هنيا واسعا بغير حساب . وقد بينا معنى " الرغد " فيما مضى من كتابنا ، وذكرنا أقوال أهل التأويل فيه .
القول في تأويل قوله تعالى ( فكلوا منها حيث شئتم رغدا )
يعني بذلك : فكلوا من هذه القرية حيث شئتم عيشا هنيا واسعا بغير حساب . وقد بينا معنى " الرغد " فيما مضى من كتابنا ، وذكرنا أقوال أهل التأويل فيه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(91)
الحلقة (105)
صــ 106إلى صــ 110
القول في تأويل قوله تعالى ( وقولوا حطة )
وتأويل قوله : ( حطة ) ، فعلة ، من قول القائل : " حط الله عنك خطاياك فهو يحطها حطة " ، بمنزلة الردة والحدة والمدة من حددت ومددت .
واختلف أهل التأويل في تأويله . فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
1009 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر : ( وقولوا حطة ) ، قال قال : الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا .
1010 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( وقولوا حطة ) ، [ ص: 106 ] يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطيئتكم .
1011 - حدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس : ( قولوا حطة ) قال : يحط عنكم خطاياكم .
1012 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : ( حطة ) ، مغفرة .
10113 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( حطة ) ، قال : يحط عنكم خطاياكم .
1014 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، أخبرني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال لي عطاء في قوله : ( وقولوا حطة ) ، قال : سمعنا أنه : يحط عنهم خطاياهم .
وقال آخرون : معنى ذلك : قولوا " لا إله إلا الله " ، كأنهم وجهوا تأويله : قولوا الذي يحط عنكم خطاياكم ، وهو قول لا إله إلا الله .
ذكر من قال ذلك :
1015 - حدثني المثنى بن إبراهيم وسعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قالا أخبرنا حفص بن عمر ، قال حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة : ( وقولوا حطة ) ، قال : قولوا ، " لا إله إلا الله " .
وقال آخرون بمثل معنى قول عكرمة ، إلا أنهم جعلوا القول الذي أمروا بقيله : الاستغفار .
ذكر من قال ذلك :
1016 - حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وقولوا حطة ) قال : أمروا أن يستغفروا .
[ ص: 107 ] وقال آخرون نظير قول عكرمة ، إلا أنهم قالوا : القول الذي أمروا أن يقولوه ، هو أن يقولوا : هذا الأمر حق كما قيل لكم .
ذكر من قال ذلك :
1017 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وقولوا حطة ) ، قال : قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم .
واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله رفعت " الحطة " .
فقال بعض نحويي البصرة : رفعت " الحطة " بمعنى " قولوا " ليكن منك حطة لذنوبنا ، كما تقول للرجل : سمعك .
وقال آخرون منهم : هي كلمة أمرهم الله أن يقولوها مرفوعة ، وفرض عليهم قيلها كذلك .
وقال بعض نحويي الكوفيين : رفعت " الحطة " بضمير " هذه " ، كأنه قال : وقولوا : " هذه " حطة .
وقال آخرون منهم : هي مرفوعة بضمير معناه الخبر ، كأنه قال : قولوا ما هو حطة ، فتكون " حطة " حينئذ خبرا ل " ما " .
قال أبو جعفر : والذي هو أقرب عندي في ذلك إلى الصواب ، وأشبه بظاهر الكتاب : أن يكون رفع حطة بنية خبر محذوف قد دل عليه ظاهر التلاوة ، وهو دخولنا الباب سجدا حطة ، فكفى من تكريره بهذا اللفظ ما دل عليه الظاهر من التنزيل ، وهو قوله : ( وادخلوا الباب سجدا ) ، كما قال جل ثناؤه : [ ص: 108 ] ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ) [ الأعراف : 164 ] ، يعني : موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم . فكذلك عندي تأويل قوله : ( وقولوا حطة ) ، يعني بذلك : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ، وادخلوا الباب سجدا ، وقولوا : دخولنا ذلك سجدا حطة لذنوبنا . وهذا القول على نحو تأويل الربيع بن أنس وابن جريج وابن زيد ، الذي ذكرناه آنفا .
قال أبوجعفر : وأما على تأويل قول عكرمة ، فإن الواجب أن تكون القراءة بالنصب في " حطة " ، لأن القوم إن كانوا أمروا أن يقولوا : " لا إله إلا الله " ، أو أن يقولوا : " نستغفر الله " ، فقد قيل لهم : قولوا هذا القول ، ف " قولوا " واقع حينئذ على " الحطة " ، لأن " الحطة " على قول عكرمة - هي قول " لا إله إلا الله " ، وإذا كانت هي قول " لا إله إلا الله " ، فالقول عليها واقع ، كما لو أمر رجل رجلا بقول الخير فقال له : " قل خيرا " نصبا ، ولم يكن صوابا أن يقول له : " قل خير " ، إلا على استكراه شديد .
وفي إجماع القرأة على رفع " الحطة " بيان واضح على خلاف الذي قاله عكرمة من التأويل في قوله : ( وقولوا حطة ) . وكذلك الواجب على التأويل الذي رويناه عن الحسن وقتادة في قوله : ( وقولوا حطة ) ، أن تكون القراءة في " حطة " نصبا . لأن من شأن العرب - إذا وضعوا المصادر مواضع الأفعال ، وحذفوا الأفعال - أن ينصبوا المصادر . كما قال الشاعر :
[ ص: 109 ] أبيدوا بأيدي عصبة وسيوفهم على أمهات الهام ضربا شآميا
وكقول القائل للرجل : " سمعا وطاعة " بمعنى : أسمع سمعا وأطيع طاعة ، وكما قال جل ثناؤه : ( معاذ الله ) [ يوسف : 23 ] بمعنى : نعوذ بالله .
القول في تأويل قوله تعالى ( نغفر لكم )
يعني بقوله : ( نغفر لكم ) نتغمد لكم بالرحمة خطاياكم ، ونسترها عليكم ، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها .
وأصل " الغفر " التغطية والستر ، فكل ساتر شيئا فهو غافره . ومن ذلك قيل للبيضة من الحديد التي تتخذ جنة للرأس " مغفر " ، لأنها تغطي الرأس وتجنه . ومثله " غمد السيف " ، وهو ما تغمده فواراه . ولذلك قيل لزئبر الثوب : " غفرة " ، لتغطيته الثوب ، وحوله بين الناظر والنظر إليه . ومنه قول أوس بن حجر :
[ ص: 110 ] فلا أعتب ابن العم إن كان جاهلا وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا
يعني بقوله : وأغفر عنه الجهل : أستر عليه جهله بحلمي عنه .
القول في تأويل قوله تعالى ( خطاياكم )
و" الخطايا " جمع " خطية " بغير همز ، كما " المطايا " جمع " مطية " ، والحشايا جمع حشية . وإنما ترك جمع " الخطايا " بالهمز ، لأن ترك الهمز في " خطيئة " أكثر من الهمز ، فجمع على " خطايا " ، على أن واحدتها غير مهموزة . ولو كانت " الخطايا " مجموعة على " خطيئة " بالهمز : لقيل خطائي على مثل قبيلة وقبائل ، وصحيفة وصحائف . وقد تجمع " خطيئة " بالتاء ، فيهمز فيقال " خطيئات " . و" الخطيئة " فعيلة ، من " خطئ الرجل يخطأ خطأ " ، وذلك إذا عدل عن سبيل الحق . ومنه قول الشاعر :
وإن مهاجرين تكنفاه لعمر الله قد خطئا وخابا
يعني : أضلا الحق وأثما .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(92)
الحلقة (106)
صــ 111إلى صــ 115
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( وسنزيد المحسنين ( 58 ) )
وتأويل ذلك ما روي لنا عن ابن عباس ، وهو ما : -
1018 - حدثنا به القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس : ( وسنزيد المحسنين ) ، من كان منكم محسنا زيد في إحسانه ، ومن كان مخطئا نغفر له خطيئته .
فتأويل الآية : وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية مباحا لكم كل ما فيها من الطيبات ، موسعا عليكم بغير حساب ; وادخلوا الباب سجدا ، وقولوا : سجودنا هذا لله حطة من ربنا لذنوبنا يحط به آثامنا ، نتغمد لكم ذنوب المذنب منكم فنسترها عليه ، ونحط أوزاره عنه ، وسنزيد المحسن منكم - إلى إحساننا السالف عنده - إحسانا . ثم أخبر الله جل ثناؤه عن عظيم جهالتهم ، وسوء طاعتهم ربهم وعصيانهم لأنبيائهم ، واستهزائهم برسله ، مع عظيم آلاء الله عز وجل عندهم ، وعجائب ما أراهم من آياته وعبره ، موبخا بذلك أبناءهم الذين خوطبوا بهذه الآيات ، ومعلمهم أنهم إن تعدوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وجحودهم نبوته ، مع عظيم إحسان الله بمبعثه فيهم إليهم ، وعجائب ما أظهر على يده من الحجج بين أظهرهم - أن يكونوا كأسلافهم الذين وصف صفتهم ، وقص علينا أنباءهم في [ ص: 112 ] هذه الآيات ، فقال جل ثناؤه : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء ) الآية .
القول في تأويل قوله تعالى ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم )
وتأويل قوله : ( فبدل ) ، فغير . ويعني بقوله : ( الذين ظلموا ) ، الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله . ويعني بقوله : ( قولا غير الذي قيل لهم ) ، بدلوا قولا غير الذي أمروا أن يقولوه ، فقالوا خلافه . وذلك هو التبديل والتغيير الذي كان منهم . وكان تبديلهم - بالقول الذي أمروا أن يقولوا - قولا غيره ، ما : -
1019 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرازق قال ، أخبرنا معمر عن همام بن منبه ، أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله لبني إسرائيل : " ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم " ، فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم ، وقالوا : حبة في شعيرة .
1020 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة وعلي بن مجاهد قالا حدثنا محمد بن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : -
1021 - وحدثت عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد [ ص: 113 ] بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : دخلوا الباب - الذي أمروا أن يدخلوا منه سجدا - يزحفون على أستاههم ، يقولون : حنطة في شعيرة .
1022 - وحدثني محمد بن عبد الله المحاربي قال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( حطة ) ، قال : بدلوا فقالوا : حبة .
1023 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي سعيد ، عن أبي الكنود ، عن عبد الله : ( ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ) قالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة . فأنزل الله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .
1024 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( ادخلوا الباب سجدا ) قال : ركوعا - من باب صغير ، فجعلوا يدخلون من قبل أستاههم ويقولون : حنطة . فذلك قوله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .
1025 - حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : أمروا [ ص: 114 ] أن يدخلوا ركعا ويقولوا : حطة . قال أمروا أن يستغفروا ، قال : فجعلوا يدخلون من قبل أستاههم من باب صغير ويقولون : حنطة - يستهزئون . فذلك قوله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .
1026 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أنبأنا عبد الرازق قال ، أنبأنا معمر ، عن قتادة والحسن : ( ادخلوا الباب سجدا ) قالا دخلوها على غير الجهة التي أمروا بها ، فدخلوها متزحفين على أوراكهم ، وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم ، فقالوا : حبة في شعيرة .
1027 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي . قال ، حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا : حطة ، وطؤطئ لهم الباب ليسجدوا ، فلم يسجدوا ، ودخلوا على أدبارهم ، وقالوا : حنطة .
1028 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا المسجد ويقولوا : حطة . وطؤطئ لهم الباب ليخفضوا رءوسهم ، فلم يسجدوا ودخلوا على أستاههم إلى الجبل - وهو الجبل الذي تجلى له ربه - وقالوا : حنطة . فذلك التبديل الذي قال الله عز وجل : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .
1029 - حدثني موسى بن هارون الهمداني قال ، حدثني عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود أنه قال : إنهم قالوا : " هطى سمقا يا ازبة هزبا " ، وهو بالعربية : حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء . فذلك قوله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .
1030 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، [ ص: 115 ] عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وادخلوا الباب سجدا ) قال : فدخلوا على أستاههم مقنعي رءوسهم .
1031 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي عن النضر بن عدي ، عن عكرمة : ( وادخلوا الباب سجدا ) فدخلوا مقنعي رءوسهم - ( وقولوا حطة ) فقالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة . فذلك قوله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .
1032 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : ( وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ) ، قال : فكان سجود أحدهم على خده . و ( قولوا حطة ) نحط عنكم خطاياكم ، فقالوا : حنطة . وقال بعضهم : حبة في شعيرة ، فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم .
1033 - وحدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ) يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطيئاتكم ، قال : فاستهزءوا به - يعني بموسى - وقالوا : ما يشاء موسى أن يلعب بنا إلا لعب بنا ، حطة حطة ! ! أي شيء حطة ؟ وقال بعضهم لبعض : حنطة .
1034 - حدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثني الحسين قال ، حدثني حجاج عن ابن جريج ، وقال ابن عباس : لما دخلوا قالوا : حبة في شعيرة .
1035 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي سعد بن محمد بن الحسن قال ، أخبرني عمي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما دخلوا الباب قالوا : حبة في شعيرة ، " فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/broken.gif رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(93)
الحلقة (107)
صــ 116إلى صــ 120
القول في تأويل قوله تعالى ( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء )
يعني بقوله : ( فأنزلنا على الذين ظلموا ) ، على الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله ، من تبديلهم القول - الذي أمرهم الله جل وعز أن يقولوه - قولا غيره ، ومعصيتهم إياه فيما أمرهم به ، وبركوبهم ما قد نهاهم عن ركوبه ، ( رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) .
و" الرجز " في لغة العرب ، العذاب ، وهو غير " الرجز " . وذلك أن الرجز : البثر ، ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون أنه قال : " إنه رجز عذب به بعض الأمم الذين قبلكم " .
1036 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال ، أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن هذا الوجع - أو السقم - رجز عذب به بعض الأمم قبلكم " .
1037 - وحدثني أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة قال ، حدثنا عمر بن حفص قال ، حدثنا أبي ، عن الشيباني ، عن رياح بن عبيدة ، عن عامر بن سعد قال : شهدت أسامة بن زيد عند سعد بن مالك يقول : قال رسول الله صلى [ ص: 117 ] الله عليه وسلم : إن الطاعون رجز أنزل على من كان قبلكم - أو على بني إسرائيل .
وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1038 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( رجزا ) ، قال : عذابا .
1039 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم العسقلاني قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء ) ، قال : الرجز ، الغضب .
1040 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لما قيل لبني إسرائيل : - ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ، فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم - بعث الله جل وعز عليهم الطاعون ، فلم يبق منهم أحدا . وقرأ : ( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) ، قال : وبقي الأبناء ففيهم الفضل والعبادة - التي توصف في بني إسرائيل - والخير وهلك الآباء كلهم ، أهلكهم الطاعون .
1041 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : الرجز العذاب . وكل شيء في القرآن " رجز " ، فهو عذاب . [ ص: 118 ] 1042 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( رجزا ) ، قال : كل شيء في كتاب الله من " الرجز " يعني به العذاب .
وقد دللنا على أن تأويل " الرجز " العذاب . وعذاب الله جل ثناؤه أصناف مختلفة . وقد أخبر الله جل ثناؤه أنه أنزل على الذين وصفنا أمرهم الرجز من السماء . وجائز أن يكون ذلك طاعونا ، وجائز أن يكون غيره . ولا دلالة في ظاهر القرآن ولا في أثر عن الرسول ثابت ، أي أصناف ذلك كان .
فالصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عز وجل : فأنزلنا عليهم رجزا من السماء بفسقهم .
غير أنه يغلب على النفس صحة ما قاله ابن زيد ، للخبر الذي ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الطاعون أنه رجز ، وأنه عذب به قوم قبلنا . وإن كنت لا أقول إن ذلك كذلك يقينا ، لأن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بيان فيه أي أمة عذبت بذلك . وقد يجوز أن يكون الذين عذبوا به ، كانوا غير الذين وصف الله صفتهم في قوله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( بما كانوا يفسقون ( 59 ) )
وقد دللنا - فيما مضى من كتابنا هذا - على أن معنى " الفسق " ، الخروج من الشيء .
[ ص: 119 ] فتأويل قوله : ( بما كانوا يفسقون ) إذا : بما كانوا يتركون طاعة الله عز وجل ، فيخرجون عنها إلى معصيته وخلاف أمره .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم )
يعني بقوله : ( وإذ استسقى موسى لقومه ) ، وإذ استسقانا موسى لقومه ، أي سألنا أن نسقي قومه ماء . فترك ذكر المسئول ذلك ، والمعنى الذي سأل موسى ، إذ كان فيما ذكر من الكلام الظاهر دلالة على معنى ما ترك .
وكذلك قوله : ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) ، مما استغني بدلالة الظاهر على المتروك منه . وذلك أن معنى الكلام : فقلنا اضرب بعصاك الحجر ، فضربه ، فانفجرت . فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر ، إذ كان فيما ذكر دلالة على المراد منه .
وكذلك قوله : ( قد علم كل أناس مشربهم ) ، إنما معناه : قد علم كل أناس منهم مشربهم . فترك ذكر " منهم " لدلالة الكلام عليه .
وقد دللنا فيما مضى على أن " أناس " جمع لا واحد له من لفظه ، وأن " الإنسان " لو جمع على لفظه لقيل : أناسي وأناسية .
[ ص: 120 ] وقوم موسى هم بنو إسرائيل ، الذين قص الله عز وجل قصصهم في هذه الآيات . وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي تاهوا فيها في التيه ، كما : -
1043 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة قوله : ( وإذ استسقى موسى لقومه ) الآية قال ، كان هذا إذ هم في البرية اشتكوا إلى نبيهم الظمأ ، فأمروا بحجر طوري - أي من الطور - أن يضربه موسى بعصاه . فكانوا يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط عين معلومة مستفيض ماؤها لهم .
1044 - حدثني تميم بن المنتصر قال ، حدثنا يزيد بن هارون قال ، حدثنا أصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ذلك في التيه ; ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع ، وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلاث عيون ، لكل سبط عين ; ولا يرتحلون منقلة إلا وجدوا ذلك الحجر معهم بالمكان الذي كان به معهم في المنزل الأول .
1045 - حدثني عبد الكريم قال ، أخبرنا إبراهيم بن بشار قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : ذلك في التيه . ضرب لهم موسى الحجر ، فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها .
1046 - وحدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) لكل سبط منهم عين . كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(94)
الحلقة (108)
صــ 121إلى صــ 125
1047 - حدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج [ ص: 121 ] ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( وإذ استسقى موسى لقومه ) ، قال : خافوا الظمأ في تيههم حين تاهوا ، فانفجر لهم الحجر اثنتي عشرة عينا ، ضربه موسى . قال ابن جريج : قال ابن عباس : " الأسباط " بنو يعقوب ، كانوا اثني عشر رجلا كل واحد منهم ولد سبطا ، أمة من الناس .
1048 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : استسقى لهم موسى في التيه ، فسقوا في حجر مثل رأس الشاة ، قال : يلقونه في جوانب الجوالق إذا ارتحلوا ، ويقرعه موسى بالعصا إذا نزل ، فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط منهم عين ، فكان بنو إسرائيل يشربون منه ، حتى إذا كان الرحيل استمسكت العيون ، وقيل به فألقي في جانب الجوالق . فإذا نزل رمى به ، فقرعه بالعصا ، فتفجرت عين من كل ناحية مثل البحر .
1049 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثني أسباط ، عن السدي قال : كان ذلك في التيه .
وأما قوله : ( قد علم كل أناس مشربهم ) ، فإنما أخبر الله عنهم بذلك . لأن معناهم - في الذي أخرج الله جل وعز لهم من الحجر ، الذي وصف جل ذكره في هذه الآية صفته - من الشرب كان مخالفا معاني سائر الخلق فيما أخرج الله لهم من المياه من الجبال والأرضين ، التي لا مالك لها سوى الله عز وجل . وذلك [ ص: 122 ] أن الله كان جعل لكل سبط من الأسباط الاثني عشر ، عينا من الحجر الذي وصف صفته في هذه الآية ، يشرب منها دون سائر الأسباط غيره ، لا يدخل سبط منهم في شرب سبط غيره . وكان مع ذلك لكل عين من تلك العيون الاثنتي عشرة ، موضع من الحجر قد عرفه السبط الذي منه شربه . فلذلك خص جل ثناؤه هؤلاء بالخبر عنهم : أن كل أناس منهم كانوا عالمين بمشربهم دون غيرهم من الناس . إذ كان غيرهم - في الماء الذي لا يملكه أحد - شركاء في منابعه ومسايله . وكان كل سبط من هؤلاء مفردا بشرب منبع من منابع الحجر - دون سائر منابعه - خاص لهم دون سائر الأسباط غيرهم . فلذلك خصوا بالخبر عنهم : أن كل أناس منهم قد علموا مشربهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( كلوا واشربوا من رزق الله )
وهذا أيضا مما استغني بذكر ما هو ظاهر منه ، عن ذكره ما ترك ذكره . وذلك أن تأويل الكلام : ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر ) ، فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، قد علم كل أناس مشربهم ، فقيل لهم : كلوا واشربوا من رزق الله . أخبر الله جل ثناؤه أنه أمرهم بأكل ما رزقهم في التيه من المن والسلوى ، وبشرب ما فجر لهم فيه من الماء من الحجر المتعاور ، الذي لا قرار له في الأرض ، ولا سبيل إليه [ إلا ] لمالكيه ، يتدفق بعيون الماء ، ويزخر بينابيع العذب الفرات ، بقدرة ذي الجلال والإكرام .
ثم تقدم جل ذكره إليهم - مع إباحتهم ما أباح ، وإنعامه بما [ ص: 123 ] أنعم به عليهم من العيش الهنيء - بالنهي عن السعي في الأرض فسادا ، والعثا فيها استكبارا ، فقال جل ثناؤه لهم : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( 60 ) )
يعني بقوله : ( لا تعثوا ) لا تطغوا ، ولا تسعوا في الأرض مفسدين . كما : -
1050 - حدثني به المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ، يقول : لا تسعوا في الأرض فسادا .
1051 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) لا تعث : لا تطغ .
1052 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ، أي لا تسيروا في الأرض مفسدين .
1053 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ، لا تسعوا في الأرض .
وأصل " العثا " شدة الإفساد ، بل هو أشد الإفساد . يقال منه : عثي فلان في الأرض " - إذا تجاوز في الإفساد إلى غايته - " يعثى عثا " مقصور ، وللجماعة : هم يعثون . وفيه لغتان أخريان ، إحداهما : " عثا يعثو عثوا " . ومن قرأها بهذه اللغة ، فإنه ينبغي له أن يضم الثاء من " يعثو " ، ولا أعلم قارئا يقتدى بقراءته [ ص: 124 ] قرأ به . ومن نطق بهذه اللغة مخبرا عن نفسه قال : " عثوت أعثو " ، ومن نطق باللغة الأولى قال : عثيت أعثى " .
والأخرى منهما : " عاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا ، كل ذلك بمعنى واحد . ومن " العيث " قول رؤبة بن العجاج :
وعاث فينا مستحل عائث : مصدق أو تاجر مقاعث
يعني بقوله : " عاث فينا " ، أفسد فينا .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها )
قد دللنا - فيما مضى قبل - على معنى " الصبر " وأنه كف النفس وحبسها عن الشيء . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية إذا : واذكروا إذ قلتم - يا معشر بني إسرائيل - : لن نطيق حبس أنفسنا على طعام واحد - وذلك " الطعام الواحد " ، هو ما أخبر الله جل ثناؤه أنه أطعمهموه في تيههم ، وهو " السلوى " [ ص: 125 ] في قول بعض أهل التأويل ، وفي قول وهب بن منبه هو " الخبز النقي مع اللحم " - فاسأل لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من البقل والقثاء ، وما سمى الله مع ذلك ، وذكر أنهم سألوه موسى .
وكان سبب مسألتهم موسى ذلك فيما بلغنا ، ما : -
1054 - حدثنا به بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ) قال : كان القوم في البرية قد ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، فملوا ذلك ، وذكروا عيشا كان لهم بمصر ، فسألوه موسى . فقال الله تعالى : ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) .
1055 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لن نصبر على طعام واحد ) ، قال : ملوا طعامهم ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك ، قالوا : ( ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ) الآية .
1056 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ) ، قال : كان طعامهم السلوى ، وشرابهم المن ، فسألوا ما ذكر ، فقيل لهم : ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) .
قال أبو جعفر : وقال قتادة : إنهم لما قدموا الشام فقدوا أطعمتهم التي كانوا يأكلونها ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) ، وكانوا قد ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، فملوا ذلك ، وذكروا عيشا كانوا فيه بمصر .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(95)
الحلقة (109)
صــ 126إلى صــ 130
1057 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى [ ص: 126 ] قال ، سمعت ابن أبي نجيح في قوله عز وجل : ( لن نصبر على طعام واحد ) ، المن والسلوى ، فاستبدلوا به البقل وما ذكر معه .
1058 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله سواء .
1059 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد بمثله .
1060 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : أعطوا في التيه ما أعطوا ، فملوا ذلك وقالوا : ( يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) .
1061 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أنبأنا ابن زيد قال : كان طعام بني إسرائيل في التيه واحدا ، وشرابهم واحدا . كان شرابهم عسلا ينزل لهم من السماء يقال له المن ، وطعامهم طير يقال له السلوى ، يأكلون الطير ويشربون العسل ، لم يكونوا يعرفون خبزا ولا غيره . فقالوا : يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها " ، فقرأ حتى بلغ : ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) .
وإنما قال جل ذكره : ( يخرج لنا مما تنبت الأرض ) - ولم يذكر الذي سألوه أن يدعو ربه ليخرج لهم من الأرض ، فيقول : قالوا ادع لنا ربك يخرج لنا كذا وكذا مما تنبته الأرض من بقلها وقثائها - لأن " من " تأتي بمعنى التبعيض لما بعدها ، فاكتفي بها عن ذكر التبعيض ، إذ كان معلوما بدخولها معنى ما أريد بالكلام الذي هي فيه . كقول القائل : أصبح اليوم عند فلان من الطعام " يريد شيئا منه .
وقد قال بعضهم : " من " هاهنا بمعنى الإلغاء والإسقاط . كأن معنى الكلام [ ص: 127 ] عنده : يخرج لنا ما تنبت الأرض من بقلها . واستشهد على ذلك بقول العرب : " ما رأيت من أحد " بمعنى : ما رأيت أحدا ، وبقول الله : ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) [ البقرة : 271 ] ، وبقولهم : " قد كان من حديث ، فخل عني حتى أذهب " ، يريدون : قد كان حديث .
وقد أنكر من أهل العربية جماعة أن تكون " من " بمعنى الإلغاء في شيء من الكلام ، وادعوا أن دخولها في كل موضع دخلت فيه ، مؤذن أن المتكلم مريد لبعض ما أدخلت فيه لا جميعه ، وأنها لا تدخل في موضع إلا لمعنى مفهوم .
فتأويل الكلام إذا - على ما وصفنا من أمر " من " - : فادع لنا ربك يخرج لنا بعض ما تنبت الأرض من بقلها وقثائها .
و" البقل " و" القثاء " و" العدس " و" البصل " ، هو ما قد عرفه الناس بينهم من نبات الأرض وحبها .
وأما " الفوم " ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه . فقال بعضهم : هو الحنطة والخبز .
ذكر من قال ذلك :
1062 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد ومؤمل قالا حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء قال : الفوم : ، الخبز .
1063 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ومجاهد قوله : ( وفومها ) قالا خبزها .
1064 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو قالا حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وفومها ) ، قال : الخبز . [ ص: 128 ] 1065 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة والحسن : الفوم ، هو الحب الذي يختبزه الناس .
1066 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن بمثله .
1067 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن أبي مالك في قوله : ( وفومها ) قال : الحنطة .
1068 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط بن نصر عن السدي : ( وفومها ) ، الحنطة .
1069 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن وحصين ، عن أبي مالك في قوله : ( وفومها ) ، الحنطة .
1070 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن قتادة قال : الفوم ، الحب الذي يختبز الناس منه .
1071 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال لي عطاء بن أبي رباح قوله : ( وفومها ) ، قال : خبزها ، قالها مجاهد .
1072 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال لي ابن زيد : الفوم ، الخبز .
1073 - حدثني يحيى بن عثمان السهمي قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( وفومها ) يقول : الحنطة والخبز .
1074 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وفومها ) قال : هو البر بعينه ، الحنطة .
1075 - حدثنا علي بن الحسن قال ، حدثنا مسلم الجرمي قال ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن رشدين بن كريب ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قول الله عز [ ص: 129 ] وجل : ( وفومها ) قال : الفوم ، الحنطة بلسان بني هاشم .
1076 - حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال ، حدثنا عبد العزيز بن منصور ، عن نافع بن أبي نعيم ، أن عبد الله بن عباس سئل عن قول الله : ( وفومها ) ، قال : الحنطة ، أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول :
قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوم
وقال آخرون : هو الثوم .
ذكر من قال ذلك :
1077 - حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد قال : هو هذا الثوم .
1078 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : الفوم ، الثوم .
وهو في بعض القراءات " وثومها " .
[ ص: 130 ] وقد ذكر أن تسمية الحنطة والخبز جميعا " فوما " من اللغة القديمة . حكي سماعا من أهل هذه اللغة : " فوموا لنا " ، بمعنى اختبزوا لنا .
وذكر أن ذلك قراءة عبد الله بن مسعود : " وثومها " بالثاء . فإن كان ذلك صحيحا ، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم : " وقعوا في عاثور شر : وعافور شر " وكقولهم " " للأثافي ، أثاثي ; وللمغافير ، مغاثير " وما أشبه ذلك مما تقلب الثاء فاء والفاء ثاء ، لتقارب مخرج الفاء من مخرج الثاء . و" المغافير " شبيه بالشيء الحلو ، يشبه بالعسل ، ينزل من السماء حلوا ، يقع على الشجر ونحوها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(96)
الحلقة (110)
صــ 131إلى صــ 135
القول في تأويل قوله تعالى ( قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير )
يعني بقوله : ( قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) ، قال : لهم موسى : أتأخذون الذي هو أخس خطرا وقيمة وقدرا من العيش ، بدلا بالذي هو خير منه خطرا وقيمة وقدرا ؟ وذلك كان استبدالهم .
وأصل " الاستبدال " : هو ترك شيء لآخر غيره مكان المتروك .
ومعنى قوله : ( أدنى ) أخس وأوضع وأصغر قدرا وخطرا . وأصله من قولهم : " هذا رجل دني بين الدناءة " و" إنه ليدني في الأمور " بغير همز ، إذا كان يتتبع خسيسها . وقد ذكر الهمز عن بعض العرب في ذلك ، سماعا منهم . يقولون : " ما كنت دانئا ، ولقد دنأت ، وأنشدني بعض أصحابنا عن غيره ، أنه سمع بعض بني كلاب ينشد بيت الأعشى [ ص: 131 ]
باسلة الوقع سرابيلها بيض إلى دانئها الظاهر
بهمز الدانئ ، وأنه سمعهم يقولون : " إنه لدانئ خبيث " بالهمز . فإن كان ذلك عنهم صحيحا ، فالهمز فيه لغة ، وتركه أخرى .
ولا شك أن من استبدل بالمن والسلوى البقل والقثاء والعدس والبصل والثوم ، فقد استبدل الوضيع من العيش بالرفيع منه .
وقد تأول بعضهم قوله : ( الذي هو أدنى ) بمعنى : الذي هو أقرب ، ووجه قوله : ( أدنى ) ، إلى أنه أفعل من " الدنو " الذي هو بمعنى القرب .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( الذي هو أدنى ) قاله عدد من أهل التأويل في تأويله .
ذكر من قال ذلك :
1079 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قال : ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) ، يقول : أتستبدلون الذي هو شر بالذي هو خير منه .
1080 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج [ ص: 132 ] عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( الذي هو أدنى ) قال : أردأ .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم )
وتأويل ذلك : فدعا موسى ، فاستجبنا له ، فقلنا لهم : " اهبطوا مصرا " ، وهو من المحذوف الذي اجتزئ بدلالة ظاهره على ذكر ما حذف وترك منه .
وقد دللنا - فيما مضى - على أن معنى " الهبوط " إلى المكان ، إنما هو النزول إليه والحلول به .
فتأويل الآية إذا : وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ، فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها . قال لهم موسى : أتستبدلون الذي هو أخس وأردأ من العيش ، بالذي هو خير منه . فدعا لهم موسى ربه أن يعطيهم ما سألوه ، فاستجاب الله له دعاءه ، فأعطاهم ما طلبوا ، وقال الله لهم : ( اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) .
ثم اختلف القرأة في قراءة قوله ( مصرا ) فقرأه عامة القرأة : " مصرا " بتنوين " المصر " وإجرائه . وقرأه بعضهم بترك التنوين وحذف الألف منه . فأما الذين نونوه وأجروه ، فإنهم عنوا به مصرا من الأمصار ، لا مصرا بعينه . فتأويله - على قراءتهم - : اهبطوا مصرا من الأمصار ، لأنكم في البدو ، والذي طلبتم لا يكون في البوادي والفيافي ، وإنما يكون في القرى والأمصار ، فإن لكم - إذا هبطتموه - ما سألتم من العيش . وقد يجوز أن يكون بعض من قرأ ذلك [ ص: 133 ] بالإجراء والتنوين ، كان تأويل الكلام عنده : " اهبطوا مصرا " البلدة التي تعرف بهذا الاسم ، وهي " مصر " التي خرجوا عنها . غير أنه أجراها ونونها اتباعا منه خط المصحف ، لأن في المصحف ألفا ثابتة في " مصر " ، فيكون سبيل قراءته ذلك بالإجراء والتنوين ، سبيل من قرأ : ( قواريرا قواريرا من فضة ) [ الإنسان : 15 - 16 ] منونة اتباعا منه خط المصحف . وأما الذي لم ينون " مصر " فإنه لا شك أنه عنى " مصر " التي تعرف بهذا الاسم بعينها دون سائر البلدان غيرها .
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك ، نظير اختلاف القرأة في قراءته .
1081 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : ( اهبطوا مصرا ) ، أي مصرا من الأمصار ، فإن لكم ما سألتم .
1082 - وحدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( اهبطوا مصرا ) من الأمصار ، فإن لكم ما سألتم . فلما خرجوا من التيه ، رفع المن والسلوى وأكلوا البقول .
1083 - وحدثني المثنى قال ، حدثني آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة في قوله : ( اهبطوا مصرا ) قال : يعني مصرا من الأمصار .
1084 - وحدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( اهبطوا مصرا ) قال : مصرا من الأمصار . زعموا أنهم لم يرجعوا إلى مصر .
1085 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( اهبطوا مصرا ) ، قال : مصرا من الأمصار . و" مصر " لا تجرى في الكلام . فقيل : أي مصر . فقال : الأرض المقدسة التي كتب الله لهم ، وقرأ قول الله جل ثناؤه : ( ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) [ المائدة : 21 ] .
[ ص: 134 ] وقال آخرون : هي مصر التي كان فيها فرعون .
ذكر من قال ذلك :
1086 - حدثني المثنى ، حدثنا آدم ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( اهبطوا مصرا ) قال : يعني به مصر فرعون .
1087 - حدثنا عن عمار بن الحسن ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
ومن حجة من قال إن الله جل ثناؤه إنما عنى بقوله : ( اهبطوا مصرا ) ، مصرا من الأمصار دون " مصر " فرعون بعينها - : أن الله جعل أرض الشام لبني إسرائيل مساكن بعد أن أخرجهم من مصر . وإنما ابتلاهم بالتيه بامتناعهم على موسى في حرب الجبابرة ، إذ قال لهم : ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) [ المائدة : 21 - 24 ] ، فحرم الله جل وعز على قائلي ذلك - فيما ذكر لنا - دخولها حتى هلكوا في التيه . وابتلاهم بالتيهان في الأرض أربعين سنة ، ثم أهبط ذريتهم الشأم ، فأسكنهم الأرض المقدسة ، وجعل هلاك الجبابرة على أيديهم مع يوشع بن نون - بعد وفاة موسى بن عمران . فرأينا الله جل وعز قد أخبر عنهم أنه كتب لهم الأرض المقدسة ، ولم يخبرنا عنهم أنه ردهم إلى مصر بعد إخراجه إياهم منها ، فيجوز لنا أن نقرأ : " اهبطوا مصر " ، ونتأوله أنه ردهم إليها . [ ص: 135 ] قالوا : فإن احتج محتج بقول الله جل ثناؤه : ( فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 57 - 59 ] قيل لهم : فإن الله جل ثناؤه إنما أورثهم ذلك ، فملكهم إياها ولم يردهم إليها ، وجعل مساكنهم الشأم .
وأما الذين قالوا : إن الله إنما عنى بقوله جل وعز : ( اهبطوا مصرا ) مصر ; فإن من حجتهم التي احتجوا بها الآية التي قال فيها : ( فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 57 - 59 ] وقوله : ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ) [ الدخان : 25 - 28 ] ، قالوا : فأخبر الله جل ثناؤه أنه قد ورثهم ذلك وجعلها لهم ، فلم يكونوا يرثونها ثم لا ينتفعون بها . قالوا : ولا يكونون منتفعين بها إلا بمصير بعضهم إليها ، وإلا فلا وجه للانتفاع بها ، إن لم يصيروا ، أو يصر بعضهم إليها . قالوا : وأخرى ، أنها في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود : " اهبطوا مصر " بغير ألف . قالوا : ففي ذلك الدلالة البينة أنها " مصر " بعينها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(96)
الحلقة (111)
صــ 136إلى صــ 140
قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك أنه لا دلالة في كتاب الله على الصواب من هذين التأويلين ، ولا خبر به عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقطع مجيئه العذر . وأهل التأويل متنازعون تأويله ، فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن موسى سأل ربه أن يعطي قومه ما سألوه من نبات الأرض - على ما بينه الله جل وعز في كتابه - وهم في الأرض تائهون ، فاستجاب الله لموسى دعاءه ، وأمره أن يهبط بمن معه من قومه [ ص: 136 ] قرارا من الأرض التي تنبت لهم ما سأل لهم من ذلك ، إذ كان الذي سألوه لا تنبته إلا القرى والأمصار ، وأنه قد أعطاهم ذلك إذ صاروا إليه . وجائز أن يكون ذلك القرار " مصر " ، وجائز أن يكون " الشأم " .
فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين : ( اهبطوا مصرا ) وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها ، لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين ، واتفاق قراءة القرأة على ذلك . ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه ، إلا من لا يجوز الاعتراض به على الحجة ، فيما جاءت به من القراءة مستفيضا بينهما .
القول في تأويل قوله تعالى ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وضربت ) أي فرضت . ووضعت عليهم الذلة وألزموها . من قول القائل : " ضرب الإمام الجزية على أهل الذمة " و" ضرب الرجل على عبده الخراج " يعني بذلك وضعه فألزمه إياه ، ومن قولهم : " ضرب الأمير على الجيش البعث " ، يراد به : ألزمهموه .
وأما " الذلة " فهي " الفعلة " من قول القائل : ذل فلان يذل ذلا وذلة " ، ك " الصغرة " من " صغر الأمر " ، و" القعدة " من " قعد " .
و" الذلة " هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن لا يعطوهم أمانا على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله - إلا أن يبذلوا الجزية عليه لهم ، فقال عز وجل : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ ص: 137 ] [ التوبة : 29 ] كما : -
1088 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : ( وضربت عليهم الذلة ) ، قالا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
وأما " المسكنة " فإنها مصدر " المسكين " . يقال : " ما فيهم أسكن من فلان " و" ما كان مسكينا " و" لقد تمسكن مسكنة " . ومن العرب من يقول : " تمسكن تمسكنا " . و" المسكنة " في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة ، وهي خشوعها وذلها ، كما : -
1089 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( والمسكنة ) قال : الفاقة .
1090 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) ، قال : الفقر .
1091 - وحدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) ، قال : هؤلاء يهود بني إسرائيل . قلت له : هم قبط مصر ؟ قال : وما لقبط مصر وهذا ، لا والله ما هم هم ، ولكنهم اليهود ، يهود بني إسرائيل .
فأخبرهم الله جل ثناؤه أنه يبدلهم بالعز ذلا وبالنعمة بؤسا ، وبالرضا عنهم غضبا ، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته ، وقتلهم أنبياءه ورسله ، اعتداء وظلما منهم بغير حق ، وعصيانهم له ، وخلافا عليه .
[ ص: 138 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وباؤوا بغضب من الله )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) ، انصرفوا ورجعوا . ولا يقال " باؤوا " إلا موصولا إما بخير ، وإما بشر . يقال منه : " باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء " . ومنه قول الله عز وجل ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) [ المائدة : 29 ] يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما ، قد صارا عليك دوني .
فمعنى الكلام إذا : ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم منه سخط . كما : -
1092 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) فحدث عليهم غضب من الله .
1093 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) قال : استحقوا الغضب من الله .
وقدمنا معنى غضب الله على عبده فيما مضى من كتابنا هذا ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 139 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ذلك " ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، وإحلاله غضبه بهم . فدل بقوله : " ذلك " - وهي يعني به ما وصفنا - على أن قول القائل : " ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها .
ويعني بقوله : ( بأنهم كانوا يكفرون ) ، من أجل أنهم كانوا يكفرون . يقول : فعلنا بهم - من إحلال الذل والمسكنة والسخط بهم - من أجل أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ، كما قال أعشى بني ثعلبة :
مليكية جاورت بالحجا ز قوما عداة وأرضا شطيرا بما قد تربع روض القطا
وروض التناضب حتى تصيرا
يعني بذلك : جاورت بهذا المكان ، هذه المرأة ، قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله - لمكان قربها كان منه ومن قومه وبلده - من تربعها روض القطا وروض التناضب . [ ص: 140 ] فكذلك قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ) ، يقول : كان ذلك منا بكفرهم بآياتنا ، وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا .
وقد بينا فيما مضى من كتابنا أن معنى " الكفر " : تغطية الشيء وستره ، وأن " آيات الله " حججه وأعلامه وأدلته على توحيده وصدق رسله .
فمعنى الكلام إذا : فعلنا بهم ذلك ، من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده وتصديق رسله ، ويدفعون حقيتها ، ويكذبون بها .
ويعني بقوله : ( ويقتلون النبيين بغير الحق ) : ويقتلون رسل الله الذين ابتعثهم - لإنباء ما أرسلهم به عنه - لمن أرسلوا إليه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(98)
الحلقة (112)
صــ 141إلى صــ 145
وهم جماع ، واحدهم " نبي " ، غير مهموز ، وأصله الهمز ، لأنه من " أنبأ عن الله فهو ينبئ عنه إنباء " ، وإنما الاسم منه ، " منبئ " ولكنه صرف وهو " مفعل " إلى " فعيل " ، كما صرف " سميع " إلى " فعيل " من " مسمع " ، و" بصير " من " مبصر " ، وأشباه ذلك ، وأبدل مكان الهمزة من " النبيء " الياء ، فقيل : " نبي " . هذا ويجمع " النبي " أيضا على " أنبياء " ، وإنما جمعوه كذلك ، لإلحاقهم " النبيء " ، بإبدال الهمزة منه ياء ، بالنعوت التي تأتي على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو . وذلك أنهم إذا جمعوا ما كان من النعوت على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو ، جمعوه على " أفعلاء " كقولهم : " ولي وأولياء " ، و" وصي وأوصياء " [ ص: 141 ] ، و" دعي وأدعياء " . ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله ، وعلى أن الواحد " نبيء " مهموز ، لجمعوه على " فعلاء " ، فقيل لهم " النبآء " ، على مثال " النبهاء " ، لأن ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من النعوت ، كجمعهم الشريك شركاء ، والعليم علماء ، والحكيم حكماء ، وما أشبه ذلك . وقد حكي سماعا من العرب في جمع " النبي " " النبآء " ، وذلك من لغة الذين يهمزون " النبيء " ، ثم يجمعونه على " النبآء " - على ما قد بينت . ومن ذلك قول عباس بن مرداس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم .
يا خاتم النبآء إنك مرسل بالخير كل هدى السبيل هداكا
فقال : " يا خاتم النبآء " ، على أن واحدهم " نبيء " مهموز . وقد قال بعضهم : " النبي " و" النبوة " غير مهموز ، لأنهما مأخوذان من " النبوة " ، وهي مثل " النجوة " ، وهو المكان المرتفع ، وكان يقول : إن أصل " النبي " الطريق ، ويستشهد على ذلك ببيت القطامي :
لما وردن نبيا واستتب بها مسحنفر كخطوط السيح منسحل
[ ص: 142 ] يقول : إنما سمى الطريق " نبيا " ، لأنه ظاهر مستبين ، من " النبوة " . ويقول : لم أسمع أحدا يهمز " النبي " . قال . وقد ذكرنا ما في ذلك ، وبينا ما فيه الكفاية إن شاء الله .
ويعني بقوله : ( ويقتلون النبيين بغير الحق ) ، أنهم كانوا يقتلون رسل الله ، بغير إذن الله لهم بقتلهم ، منكرين رسالتهم ، جاحدين نبوتهم .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 61 ) )
وقوله : ( ذلك ) ، رد على " ذلك " الأولى . ومعنى الكلام : وضربت عليهم الذلة والمسكنة ، وباؤوا بغضب من الله من أجل كفرهم بآيات الله ، وقتلهم النبيين بغير الحق ، من أجل عصيانهم ربهم ، واعتدائهم حدوده ، فقال جل ثناؤه . ( ذلك بما عصوا ) ، والمعنى : ذلك بعصيانهم وكفرهم معتدين .
و" الاعتداء " ، تجاوز الحد الذي حده الله لعباده إلى غيره . وكل متجاوز حد شيء إلى غيره فقد تعداه إلى ما جاوز إليه . ومعنى الكلام : فعلت بهم ما فعلت من ذلك ، بما عصوا أمري ، وتجاوزوا حدي إلى ما نهيتهم عنه .
[ ص: 143 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا )
قال أبو جعفر : أما " الذين آمنوا " ، فهم المصدقون رسول الله فيما أتاهم به من الحق من عند الله ، وإيمانهم بذلك تصديقهم به - على ما قد بيناه فيما مضى من كتابنا هذا .
وأما " الذين هادوا " ، فهم اليهود . ومعنى : " هادوا " ، تابوا . يقال منه : " هاد القوم يهودون هودا وهادة . وقيل : إنما سميت اليهود " يهود " ، من أجل قولهم : ( إنا هدنا إليك ) . [ سورة الأعراف : 156 ] .
1094 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا : ( إنا هدنا إليك ) .
القول في تأويل قوله عز وجل ( والنصارى )
قال أبو جعفر : و" النصارى " جمع ، واحدهم نصران ، كما واحد السكارى سكران ، وواحد النشاوى نشوان . وكذلك جمع كل نعت كان واحده على " فعلان " فإن جمعه على " فعالى " . إلا أن المستفيض من كلام العرب في واحد " النصارى " " نصراني " . وقد حكي عنهم سماعا " نصران " بطرح الياء ، ومنه قول الشاعر :
تراه إذا زار العشي محنفا ويضحي لديه وهو نصران شامس
[ ص: 144 ] وسمع منهم في الأنثى : " نصرانة " ، قال الشاعر :
فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف
يقال : أسجد ، إذا مال . وقد سمع في جمعهم " أنصار " ، بمعنى النصارى . قال الشاعر :
لما رأيت نبطا أنصارا شمرت عن ركبتي الإزارا
كنت لهم من النصارى جارا
وهذه الأبيات التي ذكرتها ، تدل على أنهم سموا " نصارى " لنصرة بعضهم بعضا ، وتناصرهم بينهم . وقد قيل إنهم سموا " نصارى " ، من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها " ناصرة " . [ ص: 145 ] 1095 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " النصارى " إنما سموا نصارى من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها " ناصرة " .
ويقول آخرون : لقوله : ( من أنصاري إلى الله ) [ سورة الصف : 14 ] .
وقد ذكر عن ابن عباس من طريق غير مرتضى أنه كان يقول : إنما سميت النصارى نصارى ، لأن قرية عيسى ابن مريم كانت تسمى " ناصرة " ، وكان أصحابه يسمون الناصريين ، وكان يقال لعيسى : " الناصري " .
1096 - حدثت بذلك عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .
1096 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : إنما سموا نصارى ، لأنهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى ابن مريم ، فهو اسم تسموا به ، ولم يؤمروا به .
1098 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( الذين قالوا إنا نصارى ) [ المائدة : 22 ] قال : تسموا بقرية يقال لها " ناصرة " ، كان عيسى ابن مريم ينزلها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(99)
الحلقة (113)
صــ 146إلى صــ 150
القول في تأويل قوله تعالى ( والصابئين )
قال أبو جعفر : و" الصابئون " جمع " صابئ " ، وهو المستحدث سوى دينه دينا ، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه . وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره ، تسميه العرب : " صابئا " . يقال منه : " صبأ فلان يصبأ صبأ " . ويقال : " صبأت النجوم " : إذا طلعت . " وصبأ علينا فلان موضع كذا وكذا " ، يعني به : طلع .
[ ص: 146 ] واختلف أهل التأويل فيمن يلزمه هذا الاسم من أهل الملل . فقال بعضهم : يلزم ذلك كل من خرج من دين إلى غير دين . وقالوا : الذين عنى الله بهذا الاسم ، قوم لا دين لهم
ذكر من قال ذلك :
1099 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي .
1100 - وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق جميعا ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى ، ولا دين لهم .
1101 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد مثله .
1102 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن الحجاج ، عن مجاهد قال : الصابئون بين المجوس واليهود ، لا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم .
1103 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن حجاج ، عن قتادة ، عن الحسن مثل ذلك .
1104 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح : " الصابئين " بين اليهود والمجوس لا دين لهم .
1105 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1106 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : قال مجاهد : " الصابئين " بين المجوس واليهود ، لا دين لهم . قال ابن جريج : قلت لعطاء : " الصابئين " زعموا أنها قبيلة من نحو السواد ، ليسوا بمجوس ولا يهود ولا نصارى . قال : قد سمعنا ذلك ، وقد قال المشركون للنبي : قد صبأ . [ ص: 147 ] 1107 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " والصابئين " قال : الصابئون ، [ أهل ] دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون : لا إله إلا الله ، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي ، إلا قول لا إله إلا الله . قال : ولم يؤمنوا برسول الله ، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : " هؤلاء الصابئون " ، يشبهونهم بهم .
وقال آخرون : هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة
ذكر من قال ذلك :
1108 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن قال : حدثني زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة ، ويصلون الخمس . قال : فأراد أن يضع عنهم الجزية . قال : فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة .
1109 - وحدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( والصابئين ) قال : الصابئون قوم يعبدون الملائكة ، يصلون إلى القبلة ، ويقرءون الزبور .
1110 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور . قال أبو جعفر الرازي : وبلغني أيضا أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ، ويقرءون الزبور ، ويصلون إلى القبلة .
وقال آخرون : بل هم طائفة من أهل الكتاب
ذكر من قال ذلك :
1111 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان قال : سئل السدي عن الصابئين ، فقال : هم طائفة من أهل الكتاب .
[ ص: 148 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر ) ، من صدق وأقر بالبعث بعد الممات يوم القيامة ، وعمل صالحا فأطاع الله ، فلهم أجرهم عند ربهم . يعني بقوله : ( فلهم أجرهم عند ربهم ) ، فلهم ثواب عملهم الصالح عند ربهم .
فإن قال لنا قائل : فأين تمام قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ) ؟
قيل : تمامه جملة قوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر ) . لأن معناه : من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، فترك ذكر " منهم " لدلالة الكلام عليه ، استغناء بما ذكر عما ترك ذكره .
فإن قال : وما معنى هذا الكلام ؟
قيل : إن معناه : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ، من يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلهم أجرهم عند ربهم .
فإن قال : وكيف يؤمن المؤمن ؟
قيل : ليس المعنى في المؤمن المعنى الذي ظننته ، من انتقال من دين إلى دين ، كانتقال اليهودي والنصراني إلى الإيمان وإن كان قد قيل إن الذين عنوا بذلك ، من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى وبما جاء به ، حتى أدرك محمدا صلى الله عليه وسلم فآمن به وصدقه ، فقيل لأولئك الذين كانوا مؤمنين بعيسى وبما جاء به ، إذ أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم : آمنوا بمحمد وبما جاء به ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع ، ثباته على إيمانه وتركه تبديله . وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين ، فالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما [ ص: 149 ] جاء به ، فمن يؤمن منهم بمحمد ، وبما جاء به واليوم الآخر ، ويعمل صالحا ، فلم يبدل ولم يغير حتى توفي على ذلك ، فله ثواب عمله وأجره عند ربه ، كما وصف جل ثناؤه .
فإن قال قائل : وكيف قال : " فلهم أجرهم عند ربهم " ، وإنما لفظه " من " لفظ واحد ، والفعل معه موحد ؟
قيل : " من " ، وإن كان الذي يليه من الفعل موحدا ، فإن معنى الواحد والاثنين والجمع ، والتذكير والتأنيث ، لأنه في كل هذه الأحوال على هيئة واحدة وصورة واحدة لا يتغير . فالعرب توحد معه الفعل - وإن كان في معنى جمع - للفظه ، وتجمع أخرى معه الفعل لمعناه ، كما قال جل ثناؤه : ( ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ) [ يونس : 42 - 43 ] . فجمع مرة مع " من " الفعل لمعناه ، ووحد أخرى معه الفعل لأنه في لفظ الواحد ، كما قال الشاعر :
ألما بسلمى عنكما إن عرضتما ، وقولا لها : عوجي على من تخلفوا
[ ص: 150 ] فقال : " تخلفوا " ، وجعل " من " بمنزلة " الذين " ، وقال الفرزدق :
تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فثنى " يصطحبان " لمعنى " من " . فكذلك قوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ) ، وحد " آمن وعمل صالحا " للفظ " من " ، وجمع ذكرهم في قوله : ( فلهم أجرهم ) ، لمعناه ، لأنه في معنى جمع .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(100)
الحلقة (114)
صــ 151إلى صــ 155
وأما قوله ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 62 ) )
فإنه يعني به جل ذكره : ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة ، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها ، عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده .
ذكر من قال عني بقوله : ( من آمن بالله ) ، مؤمنو أهل الكتاب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1112 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) الآية ، قال : نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي . وكان سلمان من جند يسابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا ، لا يقضي واحد منهم أمرا دون صاحبه ، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا . فبينما هما في الصيد ، إذ رفع لهما بيت من عباء ، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه [ ص: 151 ] وهو يبكي . فسألاه : ما هذا ؟ فقال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما . فنزلا إليه ، فقال لهما : هذا كتاب جاء من عند الله ، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته ، فيه : أن لا تزني ، ولا تسرق ، ولا تأخذ أموال الناس بالباطل . فقص عليهما ما فيه ، وهو الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى . فوقع في قلوبهما ، وتابعاه فأسلما . وقال لهما : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام .
فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه ، حتى كان عيد للملك ، فجعل طعاما ، ثم جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك فدعاه إلى صنيعه ليأكل مع الناس . فأبى الفتى ، وقال : إني عنك مشغول ، فكل أنت وأصحابك . فلما أكثر عليه من الرسل ، أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم . فبعث الملك إلى ابنه فدعاه . وقال : ما أمرك هذا ؟ قال : إنا لا نأكل من ذبائحكم ، إنكم كفار ، ليس تحل ذبائحكم . فقال له الملك : من أمرك بهذا ؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك . فدعا الراهب فقال : ماذا يقول ابني ؟ قال : صدق ابنك . قال له : لولا أن الدم فينا عظيم لقتلتك ، ولكن اخرج من أرضنا . فأجله أجلا . فقال سلمان : فقمنا نبكي عليه ، فقال لهما : إن كنتما صادقين ، فإنا في بيعة بالموصل مع ستين رجلا نعبد الله فيها ، فأتونا فيها .
فخرج الراهب ، وبقي سلمان وابن الملك : فجعل يقول لابن الملك : انطلق بنا ! وابن الملك يقول : نعم . وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز . فلما أبطأ على سلمان ، خرج سلمان حتى أتاهم ، فنزل على صاحبه ، وهو رب البيعة . [ ص: 152 ] وكان أهل تلك البيعة من أفضل الرهبان ، فكان سلمان : معهم يجتهد في العبادة ويتعب نفسه ، فقال له الشيخ : إنك غلام حدث تتكلف من العبادة ما لا تطيق ، وأنا خائف أن تفتر وتعجز ، فارفق بنفسك وخفف عليها . فقال له سلمان : أرأيت الذي تأمرني به ، أهو أفضل أو الذي أصنع ؟ قال : بل الذي تصنع . قال : فخل عني .
ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال : أتعلم أن هذه البيعة لي ، وأنا أحق الناس بها ، ولو شئت أن أخرج هؤلاء منها لفعلت ! ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء ، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من هؤلاء ، فإن شئت أن تقيم هاهنا فأقم ، وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق . قال له سلمان : أي البيعتين أفضل أهلا ؟ قال : هذه . قال سلمان : فأنا أكون في هذه . فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة عالم البيعة بسلمان ، فكان سلمان يتعبد معهم .
ثم إن الشيخ العالم أراد أن يأتي بيت المقدس ، فقال لسلمان : إن أردت أن تنطلق معي فانطلق ، وإن شئت أن تقيم فأقم . فقال له سلمان : أيهما أفضل ، أنطلق معك أم أقيم ؟ قال : لا بل تنطلق معي . فانطلق معه . فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى ، فلما رآهما نادى : يا سيد الرهبان ، ارحمني يرحمك الله ! فلم يكلمه ولم ينظر إليه . وانطلقا حتى أتيابيت المقدس ، فقال الشيخ لسلمان : اخرج فاطلب العلم ، فإنه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض . فخرج سلمان يسمع منهم ، فرجع يوما حزينا ، فقال له الشيخ : ما لك يا سلمان ؟ قال : أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم ! فقال له الشيخ : يا سلمان لا تحزن ، فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه ، ولا أراني أدركه ، وأما أنت فشاب لعلك أن تدركه ، وهو [ ص: 153 ] يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه . فقال له سلمان : فأخبرني عن علامته بشيء . قال : نعم ، هو مختوم في ظهره بخاتم النبوة ، وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة . ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد ، فناداهما فقال : يا سيد الرهبان ، ارحمني يرحمك الله ! فعطف إليه حماره ، فأخذ بيده فرفعه ، فضرب به الأرض ودعا له وقال : قم بإذن الله ! فقام صحيحا يشتد ، فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه يشتد . وسار الراهب فتغيب عن سلمان ، ولا يعلم سلمان .
ثم إن سلمان فزع فطلب الراهب . فلقيه رجلان من العرب من كلب ، فسألهما : هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ أحدهما راحلته ، قال : نعم راعي الصرمة هذا ! فحمله فانطلق به إلى المدينة .
قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط . فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوما وهذا يوما ، فكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم . فبينا هو يوما يرعى ، إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه ، فقال : أشعرت أنه قد قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي ؟ فقال له سلمان : أقم في الغنم حتى آتيك .
فهبط سلمان إلى المدينة ، فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار حوله . فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد ، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمه ، فلما رآه أتاه وكلمه . ثم انطلق فاشترى بدينار ، ببعضه شاة وببعضه خبزا ، ثم أتاه به . فقال : " ما هذا " ؟ قال سلمان : هذه صدقة قال : لا حاجة لي بها ، [ ص: 154 ] فأخرجها فليأكلها المسلمون " . ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا ؟ قال : هذه هدية . قال : فاقعد [ فكل ] فقعد فأكلا جميعا منها . فبينا هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال : كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك ستبعث نبيا . فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم ، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : يا سلمان ، هم من أهل النار . فاشتد ذلك على سلمان ، وقد كان قال له سلمان : لو أدركوك صدقوك واتبعوك ، فأنزل الله هذه الآية : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ) .
فكان إيمان اليهود : أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى ، حتى جاء عيسى . فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى - فلم يدعها ولم يتبع عيسى - كان هالكا . وإيمان النصارى : أنه من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه ، حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل - كان هالكا .
1113 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) الآية . قال [ ص: 155 ] سأل سلمان الفارسي النبي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى من أعمالهم ، قال : لم يموتوا على الإسلام . قال سلمان : فأظلمت علي الأرض ، وذكرت اجتهادهم ، فنزلت هذه الآية : " إن الذين آمنوا والذين هادوا " . فدعا سلمان فقال : نزلت هذه الآية في أصحابك " . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " من مات على دين عيسى ومات على الإسلام قبل أن يسمع بي ، فهو على خير ; ومن سمع بي اليوم ولم يؤمن بي فقد هلك " .
وقال ابن عباس بما : -
1114 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ) إلى قوله : ( ولا هم يحزنون ) . فأنزل الله تعالى بعد هذا : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) [ آل عمران : 85 ]
وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا - من اليهود والنصارى والصابئين - على عمله ، في الآخرة الجنة ، ثم نسخ ذلك بقوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) .
فتأويل الآية إذا على ما ذكرنا عن مجاهد والسدي : إن الذين آمنوا من هذه الأمة ، والذين هادوا ، والنصارى ، والصابئين - من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بالله واليوم الآخر - فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
والذي قلنا من التأويل الأول ، أشبه بظاهر التنزيل ، لأن الله جل ثناؤه لم [ ص: 156 ] يخصص - بالأجر على العمل الصالح مع الإيمان - بعض خلقه دون بعض منهم ، والخبر بقوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر ) ، عن جميع ما ذكر في أول الآية .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(101)
الحلقة (115)
صــ 156إلى صــ 160
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ أخذنا ميثاقكم )
قال أبو جعفر : " الميثاق " ، " المفعال " ، من " الوثيقة " ، إما بيمين ، وإما بعهد أو غير ذلك من الوثائق .
ويعني بقوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) الميثاق الذي أخبر جل ثناؤه أنه أخذ منهم في قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) [ البقرة : 83 - 85 ] الآيات التي ذكر معها . وكان سبب أخذ الميثاق عليهم - فيما ذكره ابن زيد - ما : -
1115 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لما رجع موسى من عند ربه بالألواح . قال لقومه بني إسرائيل : إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، فيه أمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه . فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت ؟ لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله إلينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ! فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى ، فيقول : هذا كتابي فخذوه ؟ قال : فجاءت غضبة من الله ، فجاءتهم صاعقة فصعقتهم ، فماتوا أجمعون . قال : ثم أحياهم الله بعد موتهم ، فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله . فقالوا : لا . قال : أي شيء أصابكم ؟ قالوا : متنا ثم حيينا ! قال : خذوا [ ص: 157 ] كتاب الله . قالوا : لا . فبعث ملائكته فنتقت الجبل فوقهم ، فقيل لهم : أتعرفون هذا ؟ قالوا : نعم ، هذا الطور ، قال : خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم . قال : فأخذوه بالميثاق ، وقرأ قول الله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) حتى بلغ : ( وما الله بغافل عما تعملون ) [ البقرة : 83 - 85 ] ، قال : ولو كانوا أخذوه أول مرة ، لأخذوه بغير ميثاق .
القول في تأويل قوله تعالى ( ورفعنا فوقكم الطور )
قال أبو جعفر : وأما " الطور " فإنه الجبل في كلام العرب ، ومنه قول العجاج :
دانى جناحيه من الطور فمر تقضي البازي إذا البازي كسر
وقيل : إنه اسم جبل بعينه . وذكر أنه الجبل الذي ناجى الله عليه موسى . وقيل : إنه من الجبال ما أنبت دون ما لم ينبت .
[ ص: 158 ] ذكر من قال : هو الجبل كائنا ما كان :
1116 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا : " حطة " وطؤطئ لهم الباب ليسجدوا ، فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم ، وقالوا حنطة . فنتق فوقهم الجبل - يقول : أخرج أصل الجبل من الأرض فرفعه فوقهم كالظلة و" الطور " ، بالسريانية ، الجبل تخويفا ، أو خوفا ، شك أبو عاصم ، فدخلوا سجدا على خوف ، وأعينهم إلى الجبل . هو الجبل الذي تجلى له ربه .
1117 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : رفع الجبل فوقهم كالسحابة ، فقيل لهم : لتؤمنن أو ليقعن عليكم . فآمنوا . والجبل بالسريانية : " الطور " .
1118 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) قال : الطور الجبل ; كانوا بأصله ، فرفع عليهم فوق رؤوسهم ، فقال : لتأخذن أمري ، أو لأرمينكم به .
1119 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( ورفعنا فوقكم الطور ) ، قال : الطور الجبل . اقتلعه الله فرفعه فوقهم ، فقال : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) فأقروا بذلك .
1120 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ورفعنا فوقكم الطور ) قال : رفع فوقهم الجبل ، يخوفهم به . [ ص: 159 ] 1121 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن النضر ، عن عكرمة قال : الطور الجبل .
1122 - وحدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : لما قال الله لهم : ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة . فأبوا أن يسجدوا ، أمر الله الجبل أن يقع عليهم ، فنظروا إليه وقد غشيهم ، فسقطوا سجدا على شق ، ونظروا بالشق الآخر ، فرحمهم الله فكشفه عنهم فذلك قوله : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ) [ الأعراف : 171 ] ، وقوله : ( ورفعنا فوقكم الطور ) .
1123 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : الجبل بالسريانية الطور .
وقال آخرون : " الطور " اسم للجبل الذي ناجى الله موسى عليه .
ذكر من قال ذلك :
1124 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : الطور ، الجبل الذي أنزلت عليه التوراة - يعني على موسى - وكانت بنو إسرائيل أسفل منه . قال ابن جريج : وقال لي عطاء : رفع الجبل على بني إسرائيل ، فقال : لتؤمنن به أو ليقعن عليكم . فذلك قوله : ( كأنه ظلة ) .
وقال آخرون : الطور ، من الجبال ، ما أنبت خاصة .
ذكر من قال ذلك :
1125 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( الطور ) قال : الطور من الجبال ما أنبت ، وما لم ينبت فليس بطور .
[ ص: 160 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( خذوا ما آتيناكم بقوة )
قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في تأويل ذلك . فقال بعض نحويي أهل البصرة : هو مما استغنى بدلالة الظاهر المذكور عما ترك ذكره له . وذلك أن معنى الكلام : ورفعنا فوقكم الطور ، وقلنا لكم : خذوا ما آتيناكم بقوة ، وإلا قذفناه عليكم .
وقال بعض نحويي أهل الكوفة : أخذ الميثاق قول فلا حاجة بالكلام إلى إضمار قول فيه ، فيكون من كلامين ، غير أنه ينبغي لكل ما خالف القول من الكلام - الذي هو بمعنى القول - أن يكون معه " أن " كما قال الله جل ثناؤه ( إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك ) [ نوح : 1 ] قال : ويجوز أن تحذف " أن " .
والصواب في ذلك عندنا : أن كل كلام نطق به - مفهوم به معنى ما أريد - ففيه الكفاية من غيره .
ويعني بقوله : ( خذوا ما آتيناكم ) ، ما أمرناكم به في التوراة .
وأصل " الإيتاء " ، الإعطاء .
ويعني بقوله : ( بقوة ) بجد في تأدية ما أمركم فيه وافترض عليكم ، كما : -
1126 - حدثت عن إبراهيم بن بشار قال ، : حدثنا ابن عيينة قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) . قال : تعملوا بما فيه .
1127 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(102)
الحلقة (116)
صــ 161إلى صــ 165
1128 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 161 ] الربيع ، عن أبي العالية : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) ، قال : بطاعة .
1129 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرازق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) . قال : " القوة " الجد ، وإلا قذفته عليكم . قال : فأقروا بذلك : أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة .
1130 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بقوة ) ، يعني : بجد واجتهاد .
1131 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد - وسألته عن قول الله : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) - قال : خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحق .
فتأويل الآية إذا : خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض ، فاقبلوه ، واعملوا باجتهاد منكم في أدائه ، من غير تقصير ولا توان . وذلك هو معنى أخذهم إياه بقوة ، بجد .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ( 63 ) )
قال أبو جعفر : يعني : واذكروا ما فيما آتيناكم من كتابنا من وعد ووعيد شديد ، وترغيب وترهيب ، فاتلوه ، واعتبروا به ، وتدبروه إذا فعلتم ذلك ، كي تتقوا وتخافوا عقابي ، بإصراركم على ضلالكم فتنتهوا إلى طاعتي ، وتنزعوا عما أنتم عليه من معصيتي . كما : -
1132 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثنا ابن إسحاق ، عن [ ص: 162 ] داود بن الحصين ، عن عكرمة عن ابن عباس : ( لعلكم تتقون ) ، قال : تنزعون عما أنتم عليه .
والذي آتاهم الله ، هو التوراة . كما : -
1133 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( واذكروا ما فيه ) يقول : اذكروا ما في التوراة .
1134 - كما حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( واذكروا ما فيه ) يقول : أمروا بما في التوراة .
1135 - وحدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سألت ابن زيد عن قول الله : ( واذكروا ما فيه ) ، قال : اعملوا بما فيه بطاعة لله وصدق . قال : وقال : اذكروا ما فيه ، لا تنسوه ولا تغفلوه .
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم توليتم من بعد ذلك )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ثم توليتم ) : ثم أعرضتم . وإنما هو " تفعلتم " من قولهم : " ولاني فلان دبره " إذا استدبر عنه وخلفه خلف ظهره . ثم يستعمل ذلك في كل تارك طاعة أمر بها ، ومعرض بوجهه . يقال : " قد تولى فلان عن طاعة فلان ، وتولى عن مواصلته " ، ومنه قول الله جل ثناؤه : ( فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ) [ التوبة : 76 ] ، يعني بذلك : خالفوا ما كانوا وعدوا الله من قولهم : ( لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) [ ص: 163 ] [ التوبة : 75 ] ، ونبذوا ذلك وراء ظهورهم .
ومن شأن العرب استعارة الكلمة ووضعها مكان نظيرها ، كما قال أبو خراش الهذلي :
فليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل
سوى الحق شيئا واستراح العواذل
يعني بقوله : " أحاطت بالرقاب السلاسل " ، أن الإسلام صار - في منعه إيانا ما كنا نأتيه في الجاهلية ، مما حرمه الله علينا في الإسلام - بمنزلة السلاسل المحيطة برقابنا ، التي تحول بين من كانت في رقبته مع الغل الذي في يده ، وبين ما حاول أن يتناوله .
ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى . فكذلك قوله : ( ثم توليتم من بعد ذلك ) ، [ ص: 164 ] يعني بذلك : أنكم تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجد واجتهاد ، بعد إعطائكم ربكم المواثيق على العمل به ، والقيام بما أمركم به في كتابكم ، فنبذتموه وراء ظهوركم .
وكنى بقوله جل ذكره : " ذلك " ، عن جميع ما قبله في الآية المتقدمة ، أعني قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ذكره : ( فلولا فضل الله عليكم ) ، فلولا أن الله تفضل عليكم بالتوبة بعد نكثكم الميثاق الذي واثقتموه - إذ رفع فوقكم الطور - بأنكم تجتهدون في طاعته ، وأداء فرائضه ، والقيام بما أمركم به ، والانتهاء عما نهاكم عنه في الكتاب الذي آتاكم ، فأنعم عليكم بالإسلام ورحمته التي رحمكم بها - وتجاوز عنكم خطيئتكم التي ركبتموها - بمراجعتكم طاعة ربكم لكنتم من الخاسرين .
وهذا ، وإن كان خطابا لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنما هو خبر عن أسلافهم ، فأخرج الخبر مخرج المخبر عنهم - على نحو ما قد بينا فيما مضى ، من أن القبيلة من العرب تخاطب القبيلة عند الفخار أو غيره ، بما مضى من فعل أسلاف المخاطب بأسلاف المخاطب ، فتضيف فعل أسلاف المخاطب إلى نفسها ، فتقول : فعلنا بكم ، وفعلنا بكم . وقد ذكرنا بعض الشواهد في ذلك من شعرهم فيما مضى .
[ ص: 165 ] وقد زعم بعضهم أن الخطاب في هذه الآيات ، إنما أخرج بإضافة الفعل إلى المخاطبين به ، والفعل لغيرهم ، لأن المخاطبين بذلك كانوا يتولون من كان فعل ذلك من أوائل بني إسرائيل ، فصيرهم الله منهم من أجل ولايتهم لهم .
وقال بعضهم : إنما قيل ذلك كذلك ، لأن سامعيه كانوا عالمين - وإن كان الخطاب خرج خطابا للأحياء من بني إسرائيل وأهل الكتاب - أن المعنى في ذلك إنما هو خبر عما قص الله من أنباء أسلافهم . فاستغنى بعلم السامعين بذلك ، عن ذكر أسلافهم بأعيانهم . ومثل ذلك يقول الشاعر :
إذ ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ، ولم تجدي من أن تقري به بدا
فقال : " إذا ما انتسبنا " ، و" إذا " تقتضي من الفعل مستقبلا ثم قال : " لم تلدني لئيمة " ، فأخبر عن ماض من الفعل . وذلك أن الولادة قد مضت وتقدمت . وإنما فعل ذلك - عند المحتج به - لأن السامع قد فهم معناه . فجعل ما ذكرنا - من خطاب الله أهل الكتاب الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بإضافة أفعال أسلافهم إليهم - نظير ذلك .
والأول الذي قلنا ، هو المستفيض من كلام العرب وخطابها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(103)
الحلقة (117)
صــ 166إلى صــ 170
[ ص: 166 ] وكان أبو العالية يقول في قوله : ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) - فيما ذكر لنا - نحو القول الذي قلناه .
1136 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو النضر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) ، قال : " فضل الله " ، الإسلام ، " ورحمته " ، القرآن .
1137 - وحدثت عن عمار ، قال ، حدثنا ابن أبي جعفر [ عن أبيه ] ، عن الربيع بمثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( لكنتم من الخاسرين ( 64 ) )
قال أبو جعفر : فلولا فضل الله عليكم ورحمته إياكم - بإنقاذه إياكم بالتوبة عليكم من خطيئتكم وجرمكم - لكنتم الباخسين أنفسكم حظوظها دائما ، الهالكين بما اجترمتم من نقض ميثاقكم ، وخلافكم أمره وطاعته .
وقد تقدم بياننا قبل بالشواهد ، عن معنى " الخسار " بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( ولقد علمتم ) ، ولقد عرفتم . كقولك :
[ ص: 167 ] قد علمت أخاك ولم أكن أعلمه " ، يعني عرفته ، ولم أكن أعرفه ، كما قال جل ثناؤه : ( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) [ الأنفال : 60 ] ، يعني : لا تعرفونهم الله يعرفهم .
وقوله : ( الذين اعتدوا منكم في السبت ) ، أي الذين تجاوزوا حدي ، وركبوا ما نهيتهم عنه في يوم السبت ، وعصوا أمري .
وقد دللت - فيما مضى - على أن " الاعتداء " ، أصله تجاوز الحد في كل شيء . بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
قال أبو جعفر : وهذه الآية وآيات بعدها تتلوها ، مما عدد جل ثناؤه فيها على بني إسرائيل - الذين كانوا بين خلال دور الأنصار زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين ابتدأ بذكرهم في أول هذه السورة من نكث أسلافهم عهد الله وميثاقه - ما كانوا يبرمون من العقود ، وحذر المخاطبين بها أن يحل بهم - بإصرارهم على كفرهم ، ومقامهم على جحود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتركهم اتباعه والتصديق بما جاءهم به من عند ربه - مثل الذي حل بأوائلهم من المسخ والرجف والصعق ، وما لا قبل لهم به من غضب الله وسخطه . كالذي : -
1138 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ) يقول : ولقد عرفتم . وهذا تحذير لهم من المعصية . يقول : احذروا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت ، إذ عصوني ، اعتدوا - يقول : اجترؤوا - في السبت . قال : لم يبعث الله نبيا إلا أمره بالجمعة ، [ ص: 168 ] وأخبره بفضلها وعظمها في السموات وعند الملائكة ، وأن الساعة تقوم فيها . فمن اتبع الأنبياء فيما مضى كما اتبعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ، قبل الجمعة وسمع وأطاع ، وعرف فضلها وثبت عليها ، كما أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم . ومن لم يفعل ذلك ، كان بمنزلة الذين ذكر الله في كتابه فقال : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . وذلك أن اليهود قالت لموسى - حين أمرهم بالجمعة ، وأخبرهم بفضلها - : يا موسى ، كيف تأمرنا بالجمعة وتفضلها على الأيام كلها ، والسبت أفضل الأيام كلها ، لأن الله خلق السموات والأرض والأقوات في ستة أيام ، وسبت له كل شيء مطيعا يوم السبت ، وكان آخر الستة ؟ قال : وكذلك قالت النصارى لعيسى ابن مريم - حين أمرهم بالجمعة - قالوا له : كيف تأمرنا بالجمعة وأول الأيام أفضلها وسيدها ، والأول أفضل ، والله واحد ، والواحد الأول أفضل ؟ فأوحى الله إلى عيسى : أن دعهم والأحد ، ولكن ليفعلوا فيه كذا وكذا . - مما أمرهم به . فلم يفعلوا ، فقص الله تعالى قصصهم في الكتاب بمعصيتهم . قال : وكذلك قال الله لموسى - حين قالت له اليهود ما قالوا في أمر السبت - : أن دعهم والسبت ، فلا يصيدوا فيه سمكا ولا غيره ، ولا يعملوا شيئا كما قالوا . قال : فكان إذا كان السبت ظهرت الحيتان على الماء ، فهو قوله : ( إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ) [ الأعراف : 163 ] ، يقول : ظاهرة على الماء ، ذلك لمعصيتهم موسى - وإذا كان غير يوم السبت ، صارت صيدا كسائر الأيام فهو قوله : ( ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ) [ الأعراف : 163 ] . ففعلت الحيتان ذلك ما شاء الله . فلما رأوها كذلك ، طمعوا في أخذها وخافوا العقوبة ، فتناول بعضهم [ ص: 169 ] منها فلم تمتنع عليه ، وحذر العقوبة التي حذرهم موسى من الله تعالى . فلما رأوا أن العقوبة لا تحل بهم ، عادوا ، وأخبر بعضهم بعضا بأنهم قد أخذوا السمك ولم يصبهم شيء ، فكثروا في ذلك ، وظنوا أن ما قال لهم موسى كان باطلا . وهو قول الله جل ثناؤه : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) - يقول : لهؤلاء الذين صادوا السمك - فمسخهم الله قردة بمعصيتهم . يقول : إذا لم يحيوا في الأرض إلا ثلاثة أيام . قال : ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل . وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة الأيام التي ذكر الله في كتابه . فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة ، وكذلك يفعل بمن شاء ، كما يشاء ، ويحوله كما يشاء .
1139 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل قال ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال ابن عباس : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم - يوم الجمعة - . فخالفوا إلى السبت فعظموه ، وتركوا ما أمروا به . فلما أبوا إلا لزوم السبت ، ابتلاهم الله فيه ، فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره . وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها " مدين " . فحرم الله عليهم في السبت الحيتان : صيدها وأكلها . وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعا إلى ساحل بحرهم ، حتى إذا ذهب السبت ذهبن ، فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا . حتى إذا كان يوم السبت أتين إليهم شرعا ، حتى إذا ذهب السبت ذهبن . فكانوا كذلك ، حتى إذا طال عليهم الأمد وقرموا إلى الحيتان ، عمد رجل منهم فأخذ حوتا سرا يوم السبت ، فخزمه بخيط ، ثم أرسله في الماء ، وأوتد له وتدا في الساحل فأوثقه ، ثم تركه . حتى إذا كان الغد ، جاء فأخذه - أي : إني لم آخذه في [ ص: 170 ] يوم السبت - ثم انطلق به فأكله . حتى إذا كان يوم السبت الآخر ، عاد لمثل ذلك ، ووجد الناس ريح الحيتان ، فقال أهل القرية : والله لقد وجدنا ريح الحيتان ! ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل . قال : ففعلوا كما فعل ، وأكلوا سرا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم بعقوبة ، حتى صادوها علانية وباعوها بالأسواق . وقالت طائفة منهم من أهل البقية : ويحكم ! اتقوا الله ! ونهوهم عما كانوا يصنعون . وقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ، ولم تنه القوم عما صنعوا : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) لسخطنا أعمالهم - ( ولعلهم يتقون ) [ الأعراف : 164 ] ، قال ابن عباس : فبينما هم على ذلك ، أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم ، وفقدوا الناس فلا يرونهم . فقال بعضهم لبعض : إن للناس لشأنا ! فانظروا ما هو ! فذهبوا ينظرون في دورهم ، فوجدوها مغلقة عليهم ، قد دخلوا ليلا فغلقوها على أنفسهم ، كما يغلق الناس على أنفسهم ، فأصبحوا فيها قردة ، وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد ، والمرأة بعينها وإنها لقردة ، والصبي بعينه وإنه لقرد . قال : يقول ابن عباس : فلولا ما ذكر الله أنه أنجى الذين نهوا عن السوء ، لقلنا أهلك الجميع منهم . قالوا : وهي القرية التي قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) الآية [ الأعراف : 163 ] .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(104)
الحلقة (118)
صــ 171إلى صــ 175
1140 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا ) [ ص: 171 ] ي : أحلت لهم الحيتان ، وحرمت عليهم يوم السبت بلاء من الله ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . فصار القوم ثلاثة أصناف : فأما صنف فأمسك ونهى عن المعصية ، وأما صنف فأمسك عن حرمة الله ، وأما صنف فانتهك حرمة الله ومرد على المعصية . فلما أبوا إلا الاعتداء إلى ما نهوا عنه ، قال الله لهم : ( كونوا قردة خاسئين ) فصاروا قردة لها أذناب ، تعاوى بعد ما كانوا رجالا ونساء .
1141 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ) ، قال : نهوا عن صيد الحيتان يوم السبت ، فكانت تشرع إليهم يوم السبت ، وبلوا بذلك ، فاعتدوا فاصطادوها ، فجعلهم الله قردة خاسئين .
1142 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) قال : فهم أهل " أيلة " ، وهي القرية التي كانت حاضرة البحر ، فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت - وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئا - لم يبق في البحر حوت إلا خرج ، حتى يخرجن خراطيمهن من الماء . فإذا كان يوم الأحد لزمن سفل البحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت . فذلك قوله : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ) [ الأعراف : 163 ] ، فاشتهى بعضهم السمك ، فجعل الرجل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهرا إلى البحر . فإذا كان يوم السبت فتح النهر ، فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة . ويريد الحوت أن يخرج ، فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر ، فيمكث فيها . فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه . فجعل الرجل يشوي [ ص: 172 ] السمك ، فيجد جاره ريحه ، فيسأله فيخبره ، فيصنع مثل ما صنع جاره . حتى إذا فشا فيهم أكل السمك ، قال لهم علماؤهم : ويحكم ! إنما تصطادون السمك يوم السبت وهو لا يحل لكم ! فقالوا : إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه ، فقال الفقهاء : لا ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل . فقالوا : لا ! وعتوا أن ينتهوا . فقال بعض الذين نهوهم لبعض : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) [ الأعراف : 164 ] ، يقول : لم تعظونهم ، وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم ؟ فقال بعضهم : ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) [ الأعراف : 164 ] . فلما أبوا قال المسلمون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة . فقسموا القرية بجدار ، ففتح المسلمون بابا والمعتدون في السبت بابا ، ولعنهم داود . فجعل المسلمون يخرجون من بابهم والكفار من بابهم . فخرج المسلمون ذات يوم ، ولم يفتح الكفار بابهم . فلما أبطئوا عليهم ، تسور المسلمون عليهم الحائط ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ، ففتحوا عنهم ، فذهبوا في الأرض . فذلك قول الله عز وجل : ( فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) [ الأعراف : 166 ] ، فذلك حين يقول : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) [ المائدة : 78 ] ، فهم القردة .
1143 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . قال : لم يمسخوا ، إنما هو مثل ضربه الله لهم ، مثل ما ضرب مثل الحمار يحمل أسفارا .
1144 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن [ ص: 173 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . قال : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم ، كمثل الحمار يحمل أسفارا .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله مجاهد ، قول لظاهر ما دل عليه كتاب الله مخالف . وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، كما أخبر عنهم أنهم قالوا لنبيهم : ( أرنا الله جهرة ) [ النساء : 153 ] ، وأن الله تعالى ذكره أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربهم ، وأنهم عبدوا العجل ، فجعل توبتهم قتل أنفسهم ، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة فقالوا لنبيهم : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) [ المائدة : 24 ] فابتلاهم بالتيه . فسواء قائل قال : هم لم يمسخهم قردة ، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير - وآخر قال : لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم - من الخلاف على أنبيائهم ، والنكال والعقوبات التي أحلها الله بهم . ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه ، سئل البرهان على قوله ، وعورض - فيما أنكر من ذلك - بما أقر به ، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح .
هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه . وكفى دليلا على فساد قول ، إجماعها على تخطئته .
[ ص: 174 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( 65 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فقلنا لهم ) أي : فقلنا للذين اعتدوا في السبت - يعني في يوم السبت .
وأصل " السبت " الهدو والسكون في راحة ودعة ، ولذلك قيل للنائم " مسبوت " لهدوه وسكون جسده واستراحته ، كما قال جل ثناؤه : ( وجعلنا نومكم سباتا ) [ النبأ : 9 ] أي راحة لأجسادكم . وهو مصدر من قول القائل : " سبت فلان يسبت سبتا " .
وقد قيل : إنه سمي " سبتا " ، لأن الله جل ثناؤه فرغ يوم الجمعة - وهو اليوم الذي قبله - من خلق جميع خلقه .
وقوله : ( كونوا قردة خاسئين ) ، أي : صيروا كذلك .
و " الخاسئ " المبعد المطرود ، كما يخسأ الكلب يقال منه : " خسأته أخسؤه خسأ وخسوءا ، وهو يخسأ خسوءا " . قال : ويقال : " خسأته فخسأ وانخسأ " . ومنه قول الراجز :
كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ
يعني : إن طردته انطرد ذليلا صاغرا .
فكذلك معنى قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) أي ، مبعدين من الخير أذلاء صغراء ، كما : -
1145 - حدثنا محمد بن بشار ، قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، [ ص: 175 ] حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) قال : صاغرين .
1146 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد مثله .
1147 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1148 - حدثني الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( خاسئين ) ، قال : صاغرين .
1149 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) ، أي أذلة صاغرين .
1150 - وحدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : خاسئا ، يعني ذليلا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(105)
الحلقة (119)
صــ 176إلى صــ 180
القول في تأويل قوله تعالى ( فجعلناها )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل " الهاء والألف " في قوله : ( فجعلناها ) ، وعلام هي عائدة ؟ فروي عن ابن عباس فيها قولان : أحدهما ما : -
1151 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة قال ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( فجعلناها ) فجعلنا تلك العقوبة - وهي المسخة - " نكالا " .
فالهاء والألف من قوله : ( فجعلناها ) - على قول ابن عباس هذا - كناية [ ص: 176 ] عن " المسخة " ، وهي " فعلة " مسخهم الله مسخة .
فمعنى الكلام على هذا التأويل : فقلنا لهم : كونوا قردة خاسئين ، فصاروا قردة ممسوخين ، ( فجعلناها ) ، فجعلنا عقوبتنا ومسخنا إياهم ، ( نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) .
والقول الآخر من قولي ابن عباس ، ما : -
1151 - حدثني به محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فجعلناها ) ، يعني الحيتان .
و " الهاء والألف " - على هذا القول - من ذكر الحيتان ، ولم يجر لها ذكر . ولكن لما كان في الخبر دلالة ، كني عن ذكرها . والدلالة على ذلك قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ) .
وقال آخرون : فجعلنا القرية التي اعتدى أهلها في السبت . ف " الهاء " و " الألف " - في قول هؤلاء - كناية عن قرية القوم الذين مسخوا .
وقال آخرون : معنى ذلك فجعلنا القردة الذين مسخوا " نكالا لما بين يديها وما خلفها " ، فجعلوا " الهاء والألف " كناية عن القردة .
وقال آخرون : ( فجعلناها ) ، يعني به : فجعلنا الأمة التي اعتدت في السبت " نكالا " .
القول في تأويل قوله تعالى ( نكالا )
و " النكال " مصدر من قول القائل : " نكل فلان بفلان تنكيلا ونكالا " . وأصل " النكال " ، العقوبة ، كما قال عدي بن زيد العبادي :
[ ص: 177 ]
لا يسخط الضليل ما يسع العب د ولا في نكاله تنكير
وبمثل الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس :
1152 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة قال ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( نكالا ) يقول : عقوبة .
1153 - حدثني المثنى قال ، حدثني إسحاق قال ، حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( فجعلناها نكالا ) ، أي عقوبة .
القول في تأويل قوله تعالى ( لما بين يديها وما خلفها )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : -
1154 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( لما بين يديها ) يقول : ليحذر من بعدهم عقوبتي . ( وما خلفها ) ، يقول : الذين كانوا بقوا معهم .
1155 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( لما بين يديها وما خلفها ) ، لما خلا لهم من الذنوب ، ( وما خلفها ) ، أي عبرة لمن بقي من الناس .
[ ص: 178 ] وقال آخرون بما :
1156 - حدثني ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال ابن عباس : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، أي من القرى .
وقال آخرون بما : -
1157 - حدثنا به بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال الله ( فجعلناها نكالا لما بين يديها ) - من ذنوب القوم - ( وما خلفها ) ، أي للحيتان التي أصابوا .
1158 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لما بين يديها ) ، من ذنوبها ، ( وما خلفها ) ، من الحيتان .
1159 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : ( لما بين يديها ) ، ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به .
1160 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، يقول : " بين يديها " ، ما مضى من خطاياهم ، ( وما خلفها ) خطاياهم التي هلكوا بها .
1161 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله - إلا أنه قال : ( وما خلفها ) ، خطيئتهم التي هلكوا بها .
وقال آخرون بما : -
1162 - حدثني به موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) قال : أما " ما بين يديها " فما سلف من عملهم ، ( وما خلفها ) ، فمن كان بعدهم من الأمم ، أن يعصوا فيصنع الله بهم مثل ذلك .
[ ص: 179 ] وقال آخرون بما : -
1163 - حدثني به ابن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ، ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، يعني الحيتان ، جعلها نكالا " لما بين يديها وما خلفها " ، من الذنوب التي عملوا قبل الحيتان ، وما عملوا بعد الحيتان . فذلك قوله : ( ما بين يديها وما خلفها ) .
قال أبو جعفر : وأولى هذه التأويلات بتأويل الآية ، ما رواه الضحاك عن ابن عباس . وذلك لما وصفنا من أن " الهاء والألف " - في قوله : ( فجعلناها نكالا ) - بأن تكون من ذكر العقوبة والمسخة التي مسخها القوم ، أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها . من أجل أن الله جل ثناؤه إنما يحذر خلقه بأسه وسطوته ، بذلك يخوفهم . وفي إبانته عز ذكره - بقوله : ( نكالا ) : أنه عنى به العقوبة التي أحلها بالقوم - ما يعلم أنه عنى بقوله : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، فجعلنا عقوبتنا التي أحللناها بهم عقوبة لما بين يديها وما خلفها - دون غيره من المعاني . وإذ كانت " الهاء والألف " - بأن تكون من ذكر المسخة والعقوبة ، أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها ; فكذلك العائد في قوله : ( لما بين يديها وما خلفها ) من " الهاء والألف " : أن يكون من ذكر " الهاء والألف " اللتين في قوله : ( فجعلناها ) ، أولى من أن يكون من ذكر غيره .
فتأويل الكلام - إذ كان الأمر على ما وصفنا - : فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ، فجعلنا عقوبتنا لهم عقوبة لما بين يديها من ذنوبهم السالفة منهم ، بمسخنا إياهم وعقوبتنا لهم - ولما خلف عقوبتنا لهم من أمثال ذنوبهم : أن يعمل بها عامل ، [ ص: 180 ] فيمسخوا مثل ما مسخوا ، وأن يحل بهم مثل الذي حل بهم ، تحذيرا من الله تعالى ذكره عباده : أن يأتوا من معاصيه مثل الذي أتى الممسوخون ، فيعاقبوا عقوبتهم .
وأما الذي قال في تأويل ذلك : ( فجعلناها ) ، يعني الحيتان ، عقوبة لما بين يدي الحيتان من ذنوب القوم وما بعدها من ذنوبهم - فإنه أبعد في الانتزاع . وذلك أن الحيتان لم يجر لها ذكر فيقال : ( فجعلناها ) . فإن ظن ظان أن ذلك جائز - وإن لم يكن جرى للحيتان ذكر - لأن العرب قد تكني عن الاسم ولم يجر له ذكر ، فإن ذلك وإن كان كذلك ، فغير جائز أن يترك المفهوم من ظاهر الكتاب - والمعقول به ظاهر في الخطاب والتنزيل - إلى باطن لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم منقول ، ولا فيه من الحجة إجماع مستفيض .
وأما تأويل من تأول ذلك : لما بين يديها من القرى وما خلفها ، فينظر إلى تأويل من تأول ذلك : بما بين يدي الحيتان وما خلفها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(106)
الحلقة (120)
صــ 181إلى صــ 185
القول في تأويل قوله تعالى ( وموعظة )
و " الموعظة " ، مصدر من قول القائل : " وعظت الرجل أعظه وعظا وموعظة " ، إذا ذكرته .
فتأويل الآية : فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وتذكرة للمتقين ، ليتعظوا بها ، ويعتبروا ، ويتذكروا بها ، كما : -
1164 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا [ ص: 181 ] بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وموعظة ) يقول : وتذكرة وعبرة للمتقين .
القول في تأويل قوله تعالى ( للمتقين ( 66 ) )
وأما " المتقون " ، فهم الذين اتقوا ، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، كما : -
1165 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة قال ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وموعظة للمتقين ) ، يقول : للمؤمنين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتي .
فجعل تعالى ذكره ما أحل بالذين اعتدوا في السبت من عقوبته ، موعظة للمتقين خاصة ، وعبرة للمؤمنين ، دون الكافرين به - إلى يوم القيامة - ، كالذي : -
1166 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس في قوله : ( وموعظة للمتقين ) ، إلى يوم القيامة .
1167 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وموعظة للمتقين ) ، أي : بعدهم .
1168 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
1169 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " موعظة للمتقين " ، فهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
1170 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وموعظة للمتقين ) ، قال : فكانت موعظة للمتقين خاصة . [ ص: 182 ] 1171 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسن قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : ( وموعظة للمتقين ) ، أي لمن بعدهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ( 67 ) )
قال أبو جعفر : وهذه الآية مما وبخ الله بها المخاطبين من بني إسرائيل ، في نقض أوائلهم الميثاق الذي أخذه الله عليهم بالطاعة لأنبيائه ، فقال لهم : واذكروا أيضا من نكثكم ميثاقي ، " إذ قال موسى لقومه " - وقومه بنو إسرائيل ، إذ ادارؤوا في القتيل الذي قتل فيهم إليه : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا ) .
و " الهزؤ " : اللعب والسخرية ، كما قال الراجز :
قد هزئت مني أم طيسله قالت أراه معدما لا شيء له
يعني بقوله : قد هزئت : قد سخرت ولعبت .
ولا ينبغي أن يكون من أنبياء الله - فيما أخبرت عن الله من أمر أو نهي - هزؤ أو لعب . فظنوا بموسى أنه في أمره إياهم - عن أمر الله تعالى ذكره بذبح البقرة عند تدارئهم في القتيل إليه - أنه هازئ لاعب . ولم يكن لهم أن يظنوا ذلك بنبي الله ، وهو يخبرهم أن الله هو الذي أمرهم بذبح البقرة .
[ ص: 183 ] وحذفت " الفاء " من قوله : ( أتتخذنا هزوا ) ، وهو جواب ، لاستغناء ما قبله من الكلام عنه ، وحسن السكوت على قوله : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، فجاز لذلك إسقاط " الفاء " من قوله : ( أتتخذنا هزوا ) ، كما جاز وحسن إسقاطها من قوله تعالى ( قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا ) [ الحجر : 57 - 58 ، الذاريات : 31 - 32 ] ، ولم يقل : فقالوا إنا أرسلنا . ولو قيل " فقالوا " كان حسنا أيضا جائزا . ولو كان ذلك على كلمة واحدة ، لم تسقط منه " الفاء " . وذلك أنك إذا قلت : " قمت ففعلت كذا وكذا " ، لم تقل : قمت فعلت كذا وكذا " لأنها عطف ، لا استفهام يوقف عليه .
فأخبرهم موسى - إذ قالوا له ما قالوا - أن المخبر عن الله جل ثناؤه بالهزؤ والسخرية ، من الجاهلين . وبرأ نفسه مما ظنوا به من ذلك فقال : ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) ، يعني من السفهاء الذين يروون عن الله الكذب والباطل .
وكان سبب قيل موسى لهم : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، ما : -
1172 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : كان في بني إسرائيل رجل عقيم - أو عاقر - قال : فقتله وليه ، ثم احتمله فألقاه في سبط غير سبطه . قال : فوقع بينهم فيه الشر حتى أخذوا السلاح . قال : فقال أولو النهى : أتقتتلون وفيكم رسول الله ؟ قال : فأتوا نبي الله ، فقال : اذبحوا بقرة ! فقالوا : أتتخذنا هزوا ، قال : " أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة ، إلى قوله : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) قال : فضرب ، فأخبرهم بقاتله . قال : ولم تؤخذ البقرة إلا بوزنها ذهبا ، قال : [ ص: 184 ] ولو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم . فلم يورث قاتل بعد ذلك .
1173 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثني أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قول الله ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) . قال : كان رجل من بني إسرائيل ، وكان غنيا ولم يكن له ولد ، وكان له قريب وارثه ، فقتله ليرثه ، ثم ألقاه على مجمع الطريق ، وأتى موسى فقال له : إن قريبي قتل وأتي إلي أمر عظيم ، وإني لا أجد أحدا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله . قال : فنادى موسى في الناس : أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا بينه لنا . فلم يكن عندهم علمه . فأقبل القاتل على موسى فقال : أنت نبي الله ، فاسأل لنا ربك أن يبين لنا . فسأل ربه ، فأوحى الله إليه : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) . فعجبوا وقالوا : ( أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ) - يعني : لا هرمة - ( ولا بكر ) - يعني : ولا صغيرة - ( عوان بين ذلك ) - أي : نصف ، بين البكر والهرمة - ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) - أي : صاف لونها - ( تسر الناظرين ) - أي تعجب الناظرين - ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ) أي : لم يذللها العمل - ( تثير الأرض ) - يعني ليست بذلول فتثير الأرض - ( ولا تسقي الحرث ) - يقول : ولا تعمل في الحرث - ( مسلمة ) ، يعني : مسلمة من العيوب ، ( لا شية فيها ) - يقول : لا بياض فيها - ( قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ) [ ص: 185 ] . قال : ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة ، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها ، لكانت إياها ، ولكنهم شددوا على أنفسهم ، فشدد الله عليهم . ولولا أن القوم استثنوا فقالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، لما هدوا إليها أبدا . فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم ، إلا عند عجوز عندها يتامى ، وهي القيمة عليهم . فلما علمت أنهم لا يزكو لهم غيرها ، أضعفت عليهم الثمن . فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة ، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها . فقال لهم موسى : إن الله قد كان خفف عليكم ، فشددتم على أنفسكم ، فأعطوها رضاها وحكمها . ففعلوا ، واشتروها فذبحوها . فأمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل . ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ، ثم عاد ميتا كما كان . فأخذوا قاتله - وهو الذي كان أتى موسى فشكى إليه ، - فقتله الله على أسوأ عمله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(107)
الحلقة (121)
صــ 186إلى صــ 190
1174 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) . قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُكْثِرًا مِنَ الْمَالِ ، وَكَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ ، وَكَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ مُحْتَاجٌ . فَخَطَبَ إِلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ ابْنَتَهُ ، فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهُ إِيَّاهَا ، فَغَضِبَ الْفَتَى وَقَالَ : وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ عَمِّي ، وَلَآخُذَنَّ مَالَهُ ، وَلَأَنْكِحَنَّ ابْنَتَهُ ، وَلَآكُلَنَّ دِيَتَهُ ! فَأَتَاهُ الْفَتَى ، وَقَدْ قَدِمَ تُجَّارٌ فِي أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، انْطَلِقْ مَعِي فَخُذْ لِي مِنْ تِجَارَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ، لَعَلِّي أُصِيبُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْكَ مَعِي أَعْطَوْنِي . فَخَرَجَ الْعَمُّ مَعَ الْفَتَى لَيْلًا فَلَمَّا بَلَغَ الشَّيْخُ ذَلِكَ السِّبْطَ ، قَتَلَهُ الْفَتَى ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ . [ ص: 186 ] فَلَمَّا أَصْبَحَ ، جَاءَ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ عَمَّهُ ، كَأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ ، فَلَمْ يَجِدْهُ . فَانْطَلَقَ نَحْوَهُ ، فَإِذَا هُوَ بِذَلِكَ السِّبْطِ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَهُمْ وَقَالَ : قَتَلْتُمْ عَمِّي فَأَدُّوا إِلَيَّ دِيَتَهُ . وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُنَادِي : وَاعَمَّاهُ ! فَرَفَعَهُمْ إِلَى مُوسَى ، فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ مَنْ صَاحِبُهُ ، فَيُؤْخَذُ صَاحِبُ الْجَرِيمَةِ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ دِيَتَهُ عَلَيْنَا لَهَيِّنَةٌ ، وَلَكِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نُعَيَّرَ بِهِ . فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) . فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) . قَالُوا : نَسْأَلُكَ عَنِ الْقَتِيلِ وَعَمَّنْ قَتَلَهُ ، وَتَقُولُ : اذْبَحُوا بَقَرَةً ! أَتَهْزَأُ بِنَا ؟ قَالَ مُوسَى : ( أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) - قَالَ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَلَوِ اعْتَرَضُوا بَقَرَةً فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا وَتَعَنَّتُوا مُوسَى فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ - فَقَالُوا : ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ) - وَالْفَارِضُ : الْهَرِمَةُ الَّتِي لَا تَلِدُ ، وَالْبِكْرُ : الَّتِي لَمْ تَلِدْ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا ، وَالْعَوَانُ : النَّصَفُ الَّتِي بَيْنَ ذَلِكَ ، الَّتِي قَدْ وُلِدَتْ وَوُلِدَ وَلَدُهَا - " فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ " ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) - قَالَ : تُعْجِبُ النَّاظِرِينَ - ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا ) - مِنْ بَيَاضٍ وَلَا سَوَادٍ وَلَا حُمْرَةٍ - ( قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) . فَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا .
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِأَبِيهِ ، وَإِنَّ رَجُلًا مَرَّ بِهِ مَعَهُ لُؤْلُؤٌ يَبِيعُهُ ، فَكَانَ أَبُوهُ نَائِمًا تَحْتَ رَأْسِهِ الْمِفْتَاحُ ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : تَشْتَرِي [ ص: 187 ] مِنِّي هَذَا اللُّؤْلُؤُ بِسَبْعِينَ أَلْفًا ؟ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى : كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أَبِي فَآخُذَهُ بِثَمَانِينَ أَلْفًا . فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ : أَيْقِظْ أَبَاكَ وَهُوَ لَكَ بِسِتِّينَ أَلْفًا . فَجَعَلَ التَّاجِرُ يَحُطُّ لَهُ حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَزَادَ الْآخَرُ عَلَى أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ أَبُوهُ ، حَتَّى بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ . فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، لَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِشَيْءٍ أَبَدًا ، وَأَبَى أَنْ يُوقِظَ أَبَاهُ . فَعَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤِ أَنْ جَعَلَ لَهُ تِلْكَ الْبَقَرَةَ . فَمَرَّتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَطْلُبُونَ الْبَقَرَةَ ، فَأَبْصَرُوا الْبَقَرَةَ عِنْدَهُ ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ إِيَّاهَا بَقَرَةً بِبَقَرَةٍ ، فَأَبَى ، فَأَعْطُوهُ ثِنْتَيْنِ فَأَبَى ، فَزَادُوهُ حَتَّى بَلَغُوا عَشْرًا ، فَأَبَى ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ حَتَّى نَأْخُذَهَا مِنْكَ . فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّا وَجَدْنَا الْبَقَرَةَ عِنْدَ هَذَا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَنَاهَا ، وَقَدْ أَعْطَيْنَاهُ ثَمَنًا . فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَعْطِهِمْ بَقَرَتَكَ . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَا أَحَقُّ بِمَالِي . فَقَالَ : صَدَقْتَ . وَقَالَ لِلْقَوْمِ : أَرْضُوا صَاحِبَكُمْ . فَأَعْطَوْهُ وَزْنَهَا ذَهَبًا فَأَبَى ، فَأَضْعَفُوا لَهُ مِثْلَ مَا أَعْطَوْهُ وَزْنَهَا ، حَتَّى أَعْطَوْهُ وَزْنَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ ، فَبَاعَهُمْ إِيَّاهَا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا . فَقَالَ : اذْبَحُوهَا . فَذَبَحُوهَا فَقَالَ : اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا . فَضَرَبُوهُ بِالْبَضْعَةِ الَّتِي بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ ، فَعَاشَ ، فَسَأَلُوهُ : مَنْ قَتَلَكَ ؟ فَقَالَ لَهُمُ : ابْنُ أَخِي ، قَالَ : أَقْتُلُهُ ، وَآخُذُ مَالَهُ ، وَأَنْكِحُ ابْنَتَهُ . فَأَخَذُوا الْغُلَامَ فَقَتَلُوهُ .
1175 - حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ -
1176 - وَحَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ -
1177 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ قَالَ ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ -
1178 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ : أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَذْكُرُ -
1179 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ - وَحَجَّاجٌ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ - [ ص: 188 ] 1180 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ ، أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - فَذَكَرَ جَمِيعُهُمْ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، نَحْوَ السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ عُبَيْدَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالسُّدِّيُّ ، غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ الْقَتِيلَ الَّذِي اخْتُصِمَ فِي أَمْرِهِ إِلَى مُوسَى ، كَانَ أَخَا الْمَقْتُولِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ أَخِيهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرَثَةً اسْتَبْطَئُوا حَيَاتَهُ . إِلَّا أَنَّهُمْ جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مُوسَى إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ مِنْ أَجْلِ الْقَتِيلِ إِذِ احْتَكَمُوا إِلَيْهِ - عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ - فَقَالُوا لَهُ : وَمَا ذَبْحُ الْبَقَرَةِ ؟ يُبَيِّنُ لَنَا خُصُومَتَنَا الَّتِي اخْتَصَمْنَا فِيهَا إِلَيْكَ فِي قَتْلِ مَنْ قَتَلَ ، فَادُّعِيَ عَلَى بَعْضِنَا أَنَّهُ الْقَاتِلُ ! أَتَهْزَأُ بِنَا ؟ كَمَا : -
1181 - حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : قُتِلَ قَتِيلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَطُرِحَ فِي سِبْطٍ مِنَ الْأَسْبَاطِ ، فَأَتَى أَهْلُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ إِلَى ذَلِكَ السِّبْطِ فَقَالُوا : أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا . قَالُوا : لَا وَاللَّهِ . فَأَتَوْا مُوسَى فَقَالُوا : هَذَا قَتِيلُنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، وَهُمْ وَاللَّهِ قَتَلُوهُ ! فَقَالُوا : لَا وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، طُرِحَ عَلَيْنَا ! فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً . فَقَالُوا : أَتَسْتَهْزِئُ بِنَا ؟ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ) . قَالُوا : نَأْتِيكَ فَنَذْكُرُ قَتِيلَنَا وَالَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، فَتَسْتَهْزِئُ بِنَا ؟ فَقَالَ مُوسَى : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) .
[ ص: 189 ] 1182 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَجَّاجٌ ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ : لَمَّا أَتَى أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ وَالَّذِينَ ادَّعَوْا عَلَيْهِمْ قَتَلَ صَاحِبِهِمْ - مُوسَى وَقَصُّوا قِصَّتَهُمْ عَلَيْهِ ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَةً ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) . قَالُوا : وَمَا الْبَقَرَةُ وَالْقَتِيلُ ؟ قَالَ : أَقُولُ لَكُمْ : " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً " ، وَتَقُولُونَ : " أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا " .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ )
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَقَالَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) - بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا وَاسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ ، أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ مِنْ ذَبْحِ بَقَرَةٍ - جَدٌّ وَحَقٌّ ، ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ) ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ لَهُمْ مَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَفَاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمُ : " اذْبَحُوا بَقَرَةً " . لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ مِنَ الْبَقَرِ - أَيَّ بَقَرَةٍ شَاءُوا ذَبْحَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُرَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ نَوْعٍ أَوْ صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ - فَقَالُوا بِجَفَاءِ أَخْلَاقِهِمْ وَغِلَظِ طَبَائِعِهِمْ ، وَسُوءِ أَفْهَامِهِمْ ، وَتَكَلُّفِ مَا قَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَئُونَتَهُ ، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا : -
1183 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ مُوسَى : ( أَعُوَذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) . قَالُوا لَهُ يَتَعَنَّتُونَه ُ : ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ) .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(108)
الحلقة (122)
صــ 191إلى صــ 195
فَلَمَّا تَكَلَّفُوا جَهْلًا مِنْهُمْ مَا تَكَلَّفُوا مِنَ الْبَحْثِ عَمَّا كَانُوا قَدْ كُفُوهُ مِنْ صِفَةِ الْبَقَرَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا ، تَعَنُّتًا مِنْهُمْ نَبِيَّهُمْ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، بَعْدَ الَّذِي كَانُوا أَظْهَرُوا لَهُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ عَنِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، بِقَوْلِهِمْ : ( أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ) - عَاقَبَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ حَصْرَ ذَبْحَ مَا كَانَ أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهِ [ ص: 190 ] مِنَ الْبَقَرِ عَلَى نَوْعٍ مِنْهَا دُونَ نَوْعٍ ، فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ - إِذْ سَأَلُوهُ فَقَالُوا : مَا هِيَ ؟ مَا صِفَتُهَا ؟ وَمَا حِلْيَتُهَا ؟ حَلِّهَا لَنَا لِنَعْرِفَهَا ! - قَالَ : ( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ ) .
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( لَا فَارِضٌ ) لَا مُسِنَّةٌ هَرِمَةٌ . يُقَالُ مِنْهُ : فَرَضَتِ الْبَقَرَةُ تَفْرِضُ فُرُوضًا " ، يَعْنِي بِذَلِكَ : أَسَنَّتْ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَيَّ فَارِضِ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ
يُعْنَى بِقَوْلِهِ : " فَارْضِ " ، قَدِيمٌ . يَصِفُ ضِغْنًا قَدِيمًا . وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ :
لَهَا زِجَاجٌ وَلَهَاةٌ فَارِضُ حَدْلَاءُ كَالْوَطْبِ نَحَاهُ الْمَاخِضُ
[ ص: 191 ] وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ " فَارِضٍ " قَالَ الْمُتَأَوِّلُو نَ :
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1184 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ( لَا فَارِضٌ ) ، قَالَ : لَا كَبِيرَةٌ .
1185 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ ، شَكَّ شَرِيكٌ - : ( لَا فَارِضٌ ) ، قَالَ : الْكَبِيرَةُ .
1185 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ، أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : ( لَا فَارِضٌ ) ، الْفَارِضُ : الْهَرِمَةُ .
1186 - حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( لَا فَارِضٌ ) ، يَقُولُ : لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ هَرِمَةٍ .
1187 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيّ ِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( لَا فَارِضٌ ) ، الْهَرِمَةُ .
1188 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : " الْفَارِضُ " الْكَبِيرَةُ .
1189 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ ، [ ص: 192 ] حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ : ( لَا فَارِضٌ ) ، قَالَ : الْكَبِيرَةُ .
1190 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ : ( لَا فَارِضٌ ) ، يَعْنِي : لَا هَرِمَةٌ .
1191 - حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الرَّبِيعِ مِثْلَهُ .
1192 - حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ : " الْفَارِضُ " ، الْهَرِمَةُ .
1193 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ ، قَالَ مَعْمَرٌ ، قَالَ قَتَادَةُ : " الْفَارِضُ " الْهَرِمَةُ . يَقُولُ : لَيْسَتْ بِالْهَرِمَةِ وَلَا الْبِكْرِ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ .
1194 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : " الْفَارِضُ " ، الْهَرِمَةُ الَّتِي لَا تَلِدُ .
1195 - حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : " الْفَارِضُ " ، الْكَبِيرَةُ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَا بِكْرٌ )
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَ " الْبِكْرُ " مِنْ إِنَاثِ الْبَهَائِمِ وَبَنِي آدَمَ ، مَا لَمْ يَفْتَحِلْهُ الْفَحْلُ ، وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْبَاءِ ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ " فَعَلَ " وَلَا " يَفْعَلُ " . وَأَمَّا " الْبَكْرُ " بِفَتْحِ الْبَاءِ فَهُوَ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ .
وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَا بِكْرٌ ) وَلَا صَغِيرَةٌ لَمْ تَلِدْ ، كَمَا : -
1196 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، صَغِيرَةٌ . [ ص: 193 ] 1197 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ : " الْبِكْرُ " ، الصَّغِيرَةُ .
1198 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خَصِيفٍ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَوْ عِكْرِمَةَ ، شَكَّ - : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، قَالَ : الصَّغِيرَةُ .
1199 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيّ ِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، الصَّغِيرَةُ .
1200 - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ : ( وَلَا بِكْرٌ ) وَلَا صَغِيرَةٌ .
1201 - حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، وَلَا صَغِيرَةٌ ضَعِيفَةٌ .
1202 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ : ( وَلَا بِكْرٌ ) ، يَعْنِي : وَلَا صَغِيرَةٌ .
1203 - حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، مِثْلَهُ .
1204 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : فِي " الْبِكْرِ " ، لَمْ تَلِدْ إِلَّا وَلَدًا وَاحِدًا .
القول في تأويل قوله تعالى ( عوان )
قال أبو جعفر : " العوان " النصف التي قد ولدت بطنا بعد بطن ، وليست بنعت للبكر . يقال منه : " قد عونت " إذا صارت كذلك .
وإنما معنى الكلام أنه يقول : إنها بقرة لا فارض ولا بكر بل عوان [ ص: 194 ] بين ذلك . ولا يجوز أن يكون " عوان " إلا مبتدأ . لأن قوله ( بين ذلك ) ، كناية عن الفارض والبكر ، فلا يجوز أن يكون متقدما عليهما ، ومنه قول الأخطل :
وما بمكة من شمط محفلة وما بيثرب من عون وأبكار
وجمعها " عون " يقال : " امرأة عوان من نسوة عون " . ومنه قول تميم بن مقبل :
ومأتم كالدمى حور مدامعها لم تبأس العيش أبكارا ولا عونا
وبقرة " عوان ، وبقر عون " . قال : وربما قالت العرب : " بقر عون " مثل " رسل " يطلبون بذلك الفرق بين جمع " عوان " من البقر ، وجمع " عانة " من الحمر . ويقال : " هذه حرب عوان " ، إذا كانت حربا قد قوتل فيها مرة بعد مرة . يمثل ذلك بالمرأة التي ولدت بطنا بعد بطن . وكذلك يقال : " حاجة عوان " ، إذا كانت قد قضيت مرة بعد مرة . [ ص: 195 ] 1205 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب ، أن ابن زيد أنشده :
قعود لدى الأبواب طلاب حاجة عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
قال أبو جعفر : والبيت للفرزدق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1206 - حدثنا علي بن سعيد الكندي ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( عوان بين ذلك ) ، وسط ، قد ولدت بطنا أو بطنين .
1207 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( عوان ) ، قال : " العوان " : العانس النصف .
1208 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " العوان " ، النصف .
1209 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن عطية قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - أو عكرمة ، شك شريك - ( عوان ) ، قال : بين ذلك .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(109)
الحلقة (123)
صــ 196إلى صــ 200
1210 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( عوان ) ، قال : بين الصغيرة والكبيرة ، وهى أقوى [ ص: 196 ] ما تكون من البقر والدواب ، وأحسن ما تكون .
1211 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسن قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، عن عطاء الخراساني عن ابن عباس : ( عوان ) ، قال : النصف .
1212 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( عوان ) نصف .
1213 - وحدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله .
1214 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : " العوان " ، نصف بين ذلك .
1214 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد : ( عوان ) ، التي تنتج شيئا بشرط أن تكون التي قد نتجت بكرة أو بكرتين .
1215 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " العوان " ، النصف التي بين ذلك ، التي قد ولدت وولد ولدها .
1216 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : " العوان " ، بين ذلك ، ليست ببكر ولا كبيرة .
القول في تأويل قوله تعالى ( بين ذلك )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( بين ذلك ) بين البكر والهرمة ، كما : -
1217 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( بين ذلك ) ، أي بين البكر والهرمة .
فإن قال قائل : قد علمت أن " بين " لا تصلح إلا أن تكون مع شيئين [ ص: 197 ] فصاعدا ، فكيف قيل " بين ذلك " و " ذلك " واحد في اللفظ ؟
قيل : إنما صلحت مع كونها واحدة ، لأن " ذلك " بمعنى اثنين ، والعرب تجمع في " ذلك " و " ذاك " شيئين ومعنيين من الأفعال ، كما يقول القائل : " أظن أخاك قائما ، وكان عمرو أباك " ، ثم يقول : " قد كان ذاك ، وأظن ذلك " . فيجمع ب " ذلك " و " ذاك " الاسم والخبر ، الذي كان لا بد ل " ظن " و " كان " منهما .
فمعنى الكلام : قال : إنه يقول إنها بقرة لا مسنة هرمة ، ولا صغيرة لم تلد ، ولكنها بقرة نصف قد ولدت بطنا بعد بطن ، بين الهرم والشباب . فجمع " ذلك " معنى الهرم والشباب لما وصفنا ، ولو كان مكان الفارض والبكر اسما شخصين ، لم يجمع مع " بين " ذلك . وذلك أن " ذلك " لا يؤدي عن اسم شخصين ، وغير جائز لمن قال : " كنت بين زيد وعمرو " ، أن يقول : " كنت بين ذلك " ، وإنما يكون ذلك مع أسماء الأفعال دون أسماء الأشخاص .
القول في تأويل قوله تعالى ( فافعلوا ما تؤمرون ( 68 ) )
قال أبو جعفر : يقول الله لهم جل ثناؤه : افعلوا ما آمركم به ، تدركوا حاجاتكم وطلباتكم عندي ; واذبحوا البقرة التي أمرتكم بذبحها ، تصلوا - بانتهائكم إلى طاعتي بذبحها - إلى العلم بقاتل قتيلكم .
[ ص: 198 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء )
قال أبو جعفر : ومعنى ذلك : قال قوم موسى لموسى : ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ؟ أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها . وهذا أيضا تعنت آخر منهم بعد الأول ، وتكلف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الآخرة . وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية - إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها ، فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها ، فحصروا على نوع دون سائر الأنواع ، عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم ، تعنتا منهم له . ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون ، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء ، فقالوا - تعنتا منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن عباس - : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ) فقيل لهم عقوبة لهم : ( إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) . فحصروا على لون منها دون لون . ومعنى ذلك : أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها .
قال أبو جعفر : ومعنى قوله : ( يبين لنا ما لونها ) ، أي شيء لونها ؟ فلذلك كان اللون مرفوعا ، لأنه مرافع " ما " . وإنما لم ينصب " ما " بقوله " يبين لنا " ، لأن أصل " أي " و " ما " ، جمع متفرق الاستفهام . يقول القائل بين لنا أسوداء هذه البقرة أم صفراء ؟ فلما لم يكن لقوله : " بين لنا " أن يقع على الاستفهام متفرقا ، لم يكن له أن يقع على " أي " ، لأنه جمع ذلك المتفرق . وكذلك كل ما كان من نظائره فالعمل فيه واحد ، في " ما " و " أي " . [ ص: 199 ] واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( صفراء ) . فقال بعضهم : معنى ذلك سوداء شديدة السواد .
ذكر من قال ذلك منهم :
1218 - حدثني أبو مسعود إسماعيل بن مسعود الجحدري قال ، حدثنا نوح بن قيس ، عن محمد بن سيف ، عن الحسن : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : سوداء شديدة السواد .
1219 - حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة . والمثنى بن إبراهيم قالا حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا نوح بن قيس ، عن محمد بن سيف ، عن أبي رجاء ، عن الحسن مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : صفراء القرن والظلف
ذكر من قال ذلك :
1220 - حدثني هشام بن يونس النهشلي قال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن الحسن في قوله : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .
1221 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثني هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن في قوله : ( صفراء فاقع لونها ) ، قال : كانت وحشية . [ ص: 200 ] 1222 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن إبراهيم ، عن أبي حفص ، عن مغراء - أو عن رجل - ، عن سعيد بن جبير : ( بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : صفراء القرن والظلف .
1223 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : هي صفراء .
1224 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) ، قال : لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم .
قال أبو جعفر : وأحسب أن الذي قال في قوله : ( صفراء ) ، يعني به سوداء ، ذهب إلى قوله في نعت الإبل السود : " هذه إبل صفر ، وهذه ناقة صفراء " يعني بها سوداء . وإنما قيل ذلك في الإبل لأن سوادها يضرب إلى الصفرة ، ومنه قول الشاعر :
تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(110)
الحلقة (124)
صــ 201إلى صــ 205
يعني بقوله : " هن صفر " هن سود وذلك إن وصفت الإبل به ، فليس مما توصف به البقر . مع أن العرب لا تصف السواد بالفقوع ، وإنما تصف السواد - إذا وصفته بالشدة - بالحلوكة ونحوها ، فتقول : " هو أسود حالك وحانك وحلكوك ، وأسود غربيب ودجوجي " - ولا تقول : هو أسود فاقع . وإنما تقول : " هو أصفر فاقع " . فوصفه إياه بالفقوع ، من الدليل البين على خلاف التأويل الذي تأول قوله : ( إنها بقرة صفراء فاقع ) المتأول ، بأن معناه سوداء شديدة السواد .
القول في تأويل قوله تعالى ( فاقع لونها )
قال أبو جعفر : يعني خالص لونها . و " الفقوع " في الصفر ، نظير النصوع في البياض ، وهو شدته وصفاؤه ، كما : -
1225 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، قال قتادة : ( فاقع لونها ) ، هي الصافي لونها .
1226 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( فاقع لونها ) ، أي صاف لونها .
1227 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .
1228 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فاقع ) ، قال : نقي لونها .
1229 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فاقع لونها ) ، شديدة الصفرة ، تكاد [ ص: 202 ] من صفرتها تبيض . وقال أبو جعفر : أراه أبيض !
1230 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( فاقع لونها ) ، قال : شديدة صفرتها .
يقال منه : " فقع لونه يفقع ويفقع فقعا وفقوعا ، فهو فاقع ، كما قال الشاعر :
حملت عليه الورد حتى تركته ذليلا يسف الترب واللون فاقع
القول في تأويل قوله تعالى ( تسر الناظرين ( 69 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( تسر الناظرين ) ، تعجب هذه البقرة - في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها - الناظر إليها ، كما : -
1231 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( تسر الناظرين ) ، أي تعجب الناظرين .
1232 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا : ( تسر الناظرين ) ، إذا نظرت إليها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها .
1233 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( تسر الناظرين ) ، قال : تعجب الناطرين .
[ ص: 203 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ( 70 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( قالوا ) قال قوم موسى - الذين أمروا بذبح البقرة - لموسى . فترك ذكر موسى ، وذكر عائد ذكره ، اكتفاء بما دل عليه ظاهر الكلام . وذلك أن معنى الكلام : قالوا له : " ادع ربك " . فلم يذكر " له " لما وصفنا .
وقوله : ( يبين لنا ما هي ) ، خبر من الله عن القوم بجهلة منهم ثالثة . وذلك أنهم لو كانوا إذ أمروا بذبح البقرة ، ذبحوا أيتها تيسرت مما يقع عليه اسم بقرة ، كانت عنهم مجزئة ، ولم يكن عليهم غيرها ، لأنهم لم يكونوا كلفوها بصفة دون صفة . فلما سألوا بيانها بأي صفة هي ، بين لهم أنها بسن من الأسنان دون سن سائر الأسنان ، فقيل لهم : هي عوان بين الفارض والبكر والضرع . فكانوا - إذ بينت لهم سنها - لو ذبحوا أدنى بقرة بالسن التي بينت لهم ، كانت عنهم مجزئة ، لأنهم لم يكونوا كلفوها بغير السن التي حدت لهم ، ولا كانوا حصروا على لون منها دون لون . فلما أبوا إلا أن تكون معرفة لهم بنعوتها ، مبينة بحدودها التي تفرق بينها وبين سائر بهائم الأرض ، فشددوا على أنفسهم - شدد الله عليهم بكثرة سؤالهم نبيهم واختلافهم عليه . ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته : -
1234 - " ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم . فإذا أمرتكم بشيء فأتوه ، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ما استطعتم " . [ ص: 204 ] قال أبو جعفر : ولكن القوم لما زادوا نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم أذى وتعنتا ، زادهم الله عقوبة وتشديدا ، كما : -
1235 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثام بن علي ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها ، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم .
1236 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر قال ، سمعت أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : لو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم .
1237 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر عن أيوب -
1238 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن هشام بن حسان جميعا ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال : سألوا وشددوا فشدد الله عليهم .
1239 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال : لو أخذ بنو إسرائيل بقرة [ ص: 205 ] لأجزأت عنهم . ولولا قولهم : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، لما وجدوها .
1240 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، لو أخذوا بقرة ما كانت ، لأجزأت عنهم . ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) ، قال : لو أخذوا بقرة من هذا الوصف لأجزأت عنهم . ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ، قال : لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم . ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) الآية .
1241 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، وزاد فيه : ولكنهم شددوا فشدد عليهم .
1242 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثتي حجاج قال ، قال ابن جريج قال ، مجاهد : " لو أخذوا بقرة ما كانت أجزأت عنهم . قال ابن جريج ، قال لي عطاء : لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم . قال ابن جريج ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أمروا بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ; وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(111)
الحلقة (125)
صــ 206إلى صــ 210
1243 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : لو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة ، استعرضوا [ ص: 206 ] بقرة فذبحوها لكانت إياها ، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، لما هدوا إليها أبدا .
1244 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إنما أمر القوم بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم . والذي نفس محمد بيده ، لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد .
1245 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم .
1246 - حدثنا أبو كريب قال ، قال أبو بكر بن عياش ، قال ابن عباس : لو أن القوم نظروا أدنى بقرة - يعني بني إسرائيل - لأجزأت عنهم ، ولكن شددوا فشدد عليهم ، فاشتروها بملء جلدها دنانير .
1247 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لو أخذوا بقرة كما أمرهم الله كفاهم ذلك ، ولكن البلاء في هذه المسائل ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) ، فشدد عليهم ، فقال : ( إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ) ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ، قال : وشدد عليهم أشد من الأول ، فقرأ حتى بلغ : ( مسلمة لا شية فيها ) فأبوا أيضا فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ) فشدد عليهم ، فقال : ( إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ) ، [ ص: 207 ] قال : فاضطروا إلى بقرة لا يعلم على صفتها غيرها ، وهي صفراء ، ليس فيها سواد ولا بياض .
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه - من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم ، من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم - من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله ، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، على العموم الظاهر ، دون الخصوص الباطن ، إلا أن يخص ، بعض ما عمه ظاهر التنزيل ، كتاب من الله أو رسول الله ، وإن التنزيل أو الرسول ، إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر ، فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمت ذلك الجنس خاصة ، وسائر حكم الآية على العموم ; على نحو ما قد بيناه في كتابنا كتاب الرسالة من لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام - في قولنا في العموم والخصوص ، وموافقة قولهم في ذلك قولنا ، ومذهبهم مذهبنا ، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام ، وشهادتهم على فساد قول من قال : حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم ، ما لم يختص منها بعض ما عمته الآية . فإن خص منها بعض ، فحملك الآية حينئذ على الخصوص .
وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفا - ممن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنها وحليتها - رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى ذلك مخطئين ، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر - إذ أمروا بذبحها بقوله : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، فذبحوها - كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك [ ص: 208 ] مؤدين ، وللحق مطيعين ، إذ لم يكن القوم حصروا على نوع من البقر دون نوع ، وسن دون سن .
ورأوا مع ذلك أنهم - إذ سألوا موسى عن سنها فأخبرهم عنها ، وحصرهم منها على سن دون سن ، ونوع دون نوع ، وخص من جميع أنواع البقر نوعا منها - كانوا في مسألتهم إياه في المسألة الثانية ، بعد الذي خص لهم من أنواع البقر ، من الخطأ على مثل الذي كانوا عليه من الخطأ في مسألتهم إياه المسألة الأولى .
وكذلك رأوا أنهم في المسألة الثالثة على مثل الذي كانوا عليه من ذلك في الأولى والثانية ، وأن اللازم كان لهم في الحالة الأولى ، استعمال ظاهر الأمر ، وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة .
وكذلك رأوا أن اللازم كان لهم في الحال الثانية استعمال ظاهر الأمر وذبح أي بهيمة شاءوا مما وقع عليها اسم بقرة عوان لا فارض ولا بكر ، ولم يروا أن حكمهم - إذ خص لهم بعض البقر دون البعض في الحالة الثانية - انتقل عن اللازم الذي كان لهم في الحالة الأولى ، من استعمال ظاهر الأمر إلى الخصوص . ففي إجماع جميعهم على ما روينا عنهم من ذلك - مع الرواية التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموافقة لقولهم - دليل واضح على صحة قولنا في العموم والخصوص ، وأن أحكام الله جل ثناؤه في آي كتابه - فيما أمر ونهى - على العموم ، ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم له . وأنه إذا خص منه شيء ، فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر ، وسائر حكم الآية على ظاهرها العام - ومؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك ، وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه . [ ص: 209 ] وقد زعم بعض من عظمت جهالته ، واشتدت حيرته ، أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر ، لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك ، كما خصت عصا موسى في معناها ، فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها .
ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا ، لسهل عليه ما استصعب من القول . وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددا منهم في دينهم ، ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم . فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضا ، ويتعبدهم بعبادة ، ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به ، حتى يسألوا بيان ذلك لهم ! فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه ، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه ، فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض ، فنعوذ بالله من الحيرة ، ونسأله التوفيق والهداية .
وأما قوله : ( إن البقر تشابه علينا ) ، فإن " البقر " جماع بقرة .
وقد قرأ بعضهم : ( إن الباقر ) ، وذلك - وإن كان في الكلام جائزا ، لمجيئه في كلام العرب وأشعارها ، كما قال ميمون بن قيس :
وما ذنبه أن عافت الماء باقر وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
[ ص: 210 ] وكما قال أمية :
ويسوقون باقر السهل للط ود مهازيل خشية أن تبورا
- فغير جائزة القراءة به لمخالفته القراءة الجائية مجيء الحجة ، بنقل من لا يجوز - عليه فيما نقلوه مجمعين عليه - الخطأ والسهو والكذب .
وأما تأويل : ( تشابه علينا ) ، فإنه يعني به التبس علينا . والقرأة مختلفة في تلاوته . فبعضهم كانوا يتلونه : " تشابه علينا " ، بتخفيف الشين ونصب الهاء على مثال " تفاعل " ، ويذكر الفعل ، وإن كان " البقر " جماعا . لأن من شأن العرب تذكير كل فعل جمع كانت وحدانه بالهاء ، وجمعه بطرح الهاء - وتأنيثه ، كما قال الله تعالى في نظيره في التذكير : ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) [ القمر : 20 ] ، فذكر " المنقعر " وهو من صفة النخل ، لتذكير لفظ " النخل " - وقال في موضع آخر : ( كأنهم أعجاز نخل خاوية ) [ الحاقة : 7 ] ، فأنث " الخاوية " وهي من صفة " النخل " - بمعنى النخل . لأنها وإن كانت في لفظ الواحد المذكر - على ما وصفنا قبل - فهي جماع " نخلة " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(112)
الحلقة (126)
صــ 211إلى صــ 215
وكان بعضهم يتلوه : ( إن البقر تشابه علينا ) ، بتشديد الشين وضم الهاء ، فيؤنث الفعل بمعنى تأنيث " البقر " ، كما قال : ( أعجاز نخل خاوية ) ، ويدخل في أول " تشابه " تاء تدل على تأنيثها ، ثم تدغم التاء الثانية في " شين " " تشابه " لتقارب مخرجها ومخرج " الشين " فتصير " شينا " مشددة ، وترفع " الهاء " بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب .
وكان بعضهم يتلوه : ( إن البقر يشابه علينا ) ، فيخرج " يشابه " مخرج الخبر عن الذكر ، لما ذكرنا من العلة في قراءة من قرأ ذلك : ( تشابه ) بالتخفيف ونصب " الهاء " ، غير أنه كان يرفعه ب " الياء " التي يحدثها في أول " تشابه " التي تأتي بمعنى الاستقبال ، وتدغم " التاء " في " الشين " كما فعله القارئ في " تشابه " ب " التاء " والتشديد .
قال أبو جعفر : والصواب في ذلك من القراءة عندنا : ( إن البقر تشابه علينا ) ، بتخفيف " شين " " تشابه " ونصب " هائه " ، بمعنى " تفاعل " ، لإجماع الحجة من القراء على تصويب ذلك ، ودفعهم ما سواه من القراءات . ولا يعترض على الحجة بقول من يجوز عليه فيما نقل السهو والغفلة والخطأ .
وأما قوله : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، فإنهم عنوا : وإنا إن شاء الله لمبين لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة التي أمرنا بذبحها . ومعنى " اهتدائهم " في هذا الموضع معنى : " تبينهم " أي ذلك الذي لزمهم ذبحه مما سواه من أجناس البقر .
[ ص: 212 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث )
قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : قال موسى : إن الله يقول إن البقرة التي أمرتكم بذبحها بقرة لا ذلول .
ويعني بقوله : ( لا ذلول ) ، أي لم يذللها العمل . فمعنى الآية : إنها بقرة لم تذللها إثارة الأرض بأظلافها ، ولا سني عليها الماء فيسقى عليها الزرع . كما يقال للدابة التي قد ذللها الركوب أو العمل : " دابة ذلول بينة الذل " بكسر الذال . ويقال في مثله من بني آدم : " رجل ذليل بين الذل والذلة " .
1248 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إنها بقرة لا ذلول ) ، يقول : صعبة لم يذلها عمل ، ( تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) .
1249 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ) ، يقول : بقرة ليست بذلول يزرع عليها ، وليست تسقي الحرث .
1250 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( إنها بقرة لا ذلول ) ، أي لم يذللها العمل . ( تثير الأرض ) يعني : ليست بذلول فتثير الأرض . ( ولا تسقي الحرث ) يقول : ولا تعمل في الحرث .
1251 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن [ ص: 213 ] الربيع : ( إنها بقرة لا ذلول ) يقول : لم يذلها العمل ، ( تثير الأرض ) يقول : تثير الأرض بأظلافها ، ( ولا تسقي الحرث ) ، يقول : لا تعمل في الحرث .
1252 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال الأعرج ، قال مجاهد ، قوله : ( لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) ، يقول : ليست بذلول فتفعل ذلك .
1253 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ليست بذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث .
قال أبو جعفر : ويعني بقوله : ( تثير الأرض ) ، تقلب الأرض للحرث . يقال منه : " أثرت الأرض أثيرها إثارة " ، إذا قلبتها للزرع . وإنما وصفها جل ثناؤه بهذه الصفة ، لأنها كانت - فيما قيل - وحشية .
1254 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن قال : كانت وحشية .
القول في تأويل قوله تعالى ( مسلمة )
قال أبو جعفر : ومعنى " مسلمة " " مفعلة " من " السلامة " . يقال منه : " سلمت تسلم فهي مسلمة .
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي سلمت منه ، فوصفها الله بالسلامة منه . فقال مجاهد بما : -
1255 - حدثنا به محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " مسلمة " ، يقول : مسلمة من الشية ، و ( لا شية فيها ) ، [ ص: 214 ] لا بياض فيها ولا سواد .
1256 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1257 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد : ( مسلمة ) ، قال : مسلمة من الشية ، ( لا شية فيها ) لا بياض فيها ولا سواد .
وقال آخرون : مسلمة من العيوب .
ذكر من قال ذلك :
1258 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( مسلمة لا شية فيها ) ، أي مسلمة من العيوب .
1259 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( مسلمة ) ، يقول : لا عيب فيها .
1260 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( مسلمة ) ، يعني مسلمة من العيوب .
1261 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .
1262 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال ابن عباس قوله : ( مسلمة ) ، لا عوار فيها .
قال أبو جعفر : والذي قاله ابن عباس وأبو العالية ومن قال بمثل قولهما في تأويل ذلك أولى بتأويل الآية مما قاله مجاهد . لأن سلامتها لو كانت من سائر أنواع الألوان سوى لون جلدها ، لكان في قوله : ( مسلمة ) مكتفى عن قوله : ( لا شية فيها ) . وفي قوله : ( لا شية فيها ) ، ما يوضح عن أن معنى قوله : ( مسلمة ) ، غير معنى قوله : ( لا شية فيها ) ، وإذ كان ذلك كذلك ، فمعنى الكلام : إنه [ ص: 215 ] يقول : إنها بقرة لم تذللها إثارة الأرض وقلبها للحراثة ، ولا السنو عليها للمزارع ، وهي مع ذلك صحيحة مسلمة من العيوب .
القول في تأويل قوله تعالى ( لا شية فيها )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( لا شية فيها ) ، لا لون فيها يخالف لون جلدها . وأصله من " وشي الثوب " ، وهو تحسين عيوبه التي تكون فيه ، بضروب مختلفة من ألوان سداه ولحمته ، يقال منه : " وشيت الثوب فأنا أشيه شية ووشيا " ، ومنه قيل للساعي بالرجل إلى السلطان أو غيره : " واش " ، لكذبه عليه عنده ، وتحسينه كذبه بالأباطيل . يقال منه : " وشيت به إلى السلطان وشاية " . ومنه قول كعب بن زهير :
تسعى الوشاة جنابيها وقولهم إنك يابن أبي سلمى لمقتول
و " الوشاة جمع واش " ، يعني أنهم يتقولون بالأباطيل ، ويخبرونه أنه إن لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم قتله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(113)
الحلقة (127)
صــ 216إلى صــ 220
وقد زعم بعض أهل العربية أن " الوشي " ، العلامة . وذلك لا معنى له ، إلا أن يكون أراد بذلك تحسين الثوب بالأعلام . لأنه معلوم أن القائل : " وشيت بفلان إلى فلان " غير جائز أن يتوهم عليه أنه أراد : جعلت له عنده علامة . [ ص: 216 ] وإنما قيل : ( لا شية فيها ) وهي من " وشيت " ، لأن " الواو " لما أسقطت من أولها أبدلت مكانها " الهاء " في آخرها . كما قيل : " وزنته زنة " و " وسن سنة " و " وعدته عدة " و " وديته دية " .
وبمثل الذي قلنا في معنى قوله : ( لا شية فيها ) ، قال أهل التأويل :
1263 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( لا شية فيها ) ، أي لا بياض فيها .
1264 - حدثنا الحسن قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
1265 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( لا شية فيها ) ، يقول : لا بياض فيها .
1266 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لا شية فيها ) أي لا بياض فيها ولا سواد .
1267 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1268 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : ( لا شية فيها ) ، قال : لونها واحد ، ليس فيها سوى لونها .
1269 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( لا شية فيها ) ، من بياض ولا سواد ولا حمرة .
1270 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( لا شية فيها ) ، هي صفراء ، ليس فيها بياض ولا سواد .
1271 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( لا شية فيها ) ، يقول : لا بياض فيها .
[ ص: 217 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قالوا الآن جئت بالحق )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( قالوا الآن جئت بالحق ) . فقال بعضهم : معنى ذلك : الآن بينت لنا الحق فتبيناه ، وعرفنا أية بقرة عنيت . وممن قال ذلك قتادة :
1272 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( قالوا الآن جئت بالحق ) ، أي الآن بينت لنا .
وقال بعضهم : ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن القوم أنهم نسبوا نبي الله موسى صلوات الله عليه ، إلى أنه لم يكن يأتيهم بالحق في أمر البقرة قبل ذلك . وممن روي عنه هذا القول عبد الرحمن بن زيد :
1273 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : اضطروا إلى بقرة لا يعلمون على صفتها غيرها ، وهي صفراء ليس فيها سواد ولا بياض ، فقالوا : هذه بقرة فلان : ( الآن جئت بالحق ) ، وقبل ذلك والله قد جاءهم بالحق .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين عندنا بقوله : ( قالوا الآن جئت بالحق ) ، قول قتادة . وهو أن تأويله : الآن بينت لنا الحق في أمر البقر ، فعرفنا أيها الواجب علينا ذبحها منها . لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم قد أطاعوه فذبحوها ، بعد [ ص: 218 ] قيلهم هذا . مع غلظ مئونة ذبحها عليهم ، وثقل أمرها ، فقال : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، وإن كانوا قد قالوا - بقولهم : الآن بينت لنا الحق - هراء من القول ، وأتوا خطأ وجهلا من الأمر . وذلك أن نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم كان مبينا لهم - في كل مسألة سألوها إياه ، ورد رادوه في أمر البقر - الحق . وإنما يقال : " الآن بينت لنا الحق " لمن لم يكن مبينا قبل ذلك ، فأما من كان كل قيله - فيما أبان عن الله تعالى ذكره - حقا وبيانا ، فغير جائز أن يقال له في بعض ما أبان عن الله في أمره ونهيه ، وأدى عنه إلى عباده من فرائضه التي أوجبها عليهم : ( الآن جئت بالحق ) ، كأنه لم يكن جاءهم بالحق قبل ذلك !
وقد كان بعض من سلف يزعم أن القوم ارتدوا عن دينهم وكفروا بقولهم لموسى : ( الآن جئت بالحق ) ، ويزعم أنهم نفوا أن يكون موسى أتاهم بالحق في أمر البقرة قبل ذلك ، وأن ذلك من فعلهم وقيلهم كفر .
وليس الذي قال من ذلك عندنا كما قال ، لأنهم أذعنوا بالطاعة بذبحها ، وإن كان قيلهم الذي قالوه لموسى جهلة منهم وهفوة من هفواتهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ( 71 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فذبحوها ) ، فذبح قوم موسى البقرة ، التي وصفها الله لهم وأمرهم بذبحها .
ويعني بقوله : ( وما كادوا يفعلون ) ، أي : قاربوا أن يدعوا ذبحها ، ويتركوا فرض الله عليهم في ذلك .
ثم اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله كادوا أن يضيعوا فرض الله عليهم في ذبح ما أمرهم بذبحه من ذلك . فقال بعضهم : ذلك السبب كان [ ص: 219 ] غلاء ثمن البقرة التي أمروا بذبحها ، وبينت لهم صفتها .
ذكر من قال ذلك :
1274 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا أبو معشر المدني ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) قال : لغلاء ثمنها .
1275 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد الهلالي قال ، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، قال : من كثرة قيمتها .
1276 - حدثنا القاسم قال ، أخبرنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وحجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - في حديث فيه طول ، ذكر أن حديث بعضهم دخل في حديث بعض - قوله : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، لكثرة الثمن ، أخذوها بملء مسكها ذهبا من مال المقتول ، فكان سواء لم يكن فيه فضل فذبحوها .
1277 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) ، يقول : كادوا لا يفعلون ، ولم يكن الذي أرادوا ، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها : وكل شيء في القرآن " كاد " أو " كادوا " أو " لو " ، فإنه لا يكون . وهو مثل قوله : ( أكاد أخفيها ) [ طه : 20 ]
وقال آخرون : لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة ، إن أطلع الله على [ ص: 220 ] قاتل القتيل الذي اختصموا فيه إلى موسى .
قال أبو جعفر : والصواب من التأويل عندنا ، أن القوم لم يكادوا يفعلون ما أمرهم الله به من ذبح البقرة ، للخلتين كلتيهما : إحداهما غلاء ثمنها ، مع ما ذكر لنا من صغر خطرها وقلة قيمتها ; والأخرى خوف عظيم الفضيحة على أنفسهم ، بإظهار الله نبيه موسى صلوات الله عليه وأتباعه - على قاتله .
فأما غلاء ثمنها ، فإنه قد روي لنا فيه ضروب من الروايات .
1278 - فحدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : اشتروها بوزنها عشر مرات ذهبا ، فباعهم صاحبها إياها وأخذ ثمنها .
1279 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : اشتروها بملء جلدها دنانير .
1280 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كانت البقرة لرجل يبر أمه ، فرزقه الله أن جعل تلك البقرة له ، فباعها بملء جلدها ذهبا .
1281 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل قال ، حدثني خالد بن يزيد ، عن مجاهد قال : أعطوا صاحبها ملء مسكها ذهبا فباعها منهم .
1282 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل ، بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول : اشتروها منه على أن يملئوا له جلدها دنانير ، ثم ذبحوها فعمدوا إلى جلد البقرة فملئوه دنانير ، ثم دفعوها إليه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(114)
الحلقة (128)
صــ 221إلى صــ 225
1283 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي [ ص: 221 ] قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : وجدوها عند رجل يزعم أنه ليس بائعها بمال أبدا ، فلم يزالوا به حتى جعلوا له أن يسلخوا له مسكها فيملئوه له دنانير ، فرضي به فأعطاهم إياها .
1284 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : لم يجدوها إلا عند عجوز ، وإنها سألتهم أضعاف ثمنها ، فقال لهم موسى : أعطوها رضاها وحكمها . ففعلوا ، واشتروها فذبحوها .
1285 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : لم يجدوا هذه البقرة إلا عند رجل واحد ، فباعها بوزنها ذهبا ، أو ملء مسكها ذهبا - فذبحوها .
1286 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني قال : وجدوا البقرة عند رجل ، فقال : إني لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا ، فاشتروها بملء جلدها ذهبا .
1287 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : جعلوا يزيدون صاحبها حتى ملئوا له مسكها - وهو جلدها - ذهبا .
وأما صغر خطرها وقلة قيمتها ، فإن الحسن بن يحيى : -
1288 - حدثنا قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة قال ، حدثني محمد بن سوقة ، عن عكرمة قال : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير .
وأما ما قلنا من خوفهم الفضيحة على أنفسهم ، فإن وهب بن منبه كان يقول : إن القوم إذ أمروا بذبح البقرة ، إنما قالوا لموسى : ( أتتخذنا هزوا ) ، لعلمهم بأنهم سيفتضحون إذا ذبحت ، فحادوا عن ذبحها .
1289 - حدثت بذلك عن إسماعيل بن عبد الكريم ، عن عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه .
وكان ابن عباس يقول : إن القوم ، بعد أن أحيا الله الميت فأخبرهم بقاتله ، [ ص: 222 ] أنكرت قتلته قتله ، فقالوا : والله ما قتلناه ; بعد أن رأوا الآية والحق .
1290 - حدثني بذلك محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإذ قتلتم نفسا ) ، واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفسا . و " النفس " التي قتلوها ، هي النفس التي ذكرنا قصتها في تأويل قوله : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) .
وقوله : ( فادارأتم فيها ) ، يعني فاختلفتم وتنازعتم . وإنما هو " فتدارأتم فيها " على مثال " تفاعلتم " ، من الدرء . و " الدرء " : العوج ، ومنه قول أبي النجم العجلي :
خشية ضغام إذا هم جسر يأكل ذا الدرء ويقصي من حقر
يعني : ذا العوج والعسر . ومنه قول رؤبة بن العجاج :
أدركتها قدام كل مدره بالدفع عني درء كل عنجه
ومنه الخبر الذي : -
1291 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا مصعب بن المقدام ، عن إسرائيل ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد ، عن السائب قال : جاءني عثمان وزهير ابنا أمية ، فاستأذنا لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أعلم به منكما ، ألم تكن شريكي في الجاهلية ؟ قلت : نعم ، بأبي أنت وأمي ، فنعم الشريك كنت لا تماري ولا تداري " . [ ص: 224 ] يعني بقوله : " لا تداري ، لا تخالف رفيقك وشريكك ولا تنازعه ولا تشاره .
وإنما أصل ( فادارأتم ) ، فتدارأتم ، ولكن التاء قريبة من مخرج الدال - وذلك أن مخرج التاء من طرف اللسان وأصول الشفتين ، ومخرج الدال من طرف اللسان وأطراف الثنيتين - فأدغمت التاء في الدال ، فجعلت دالا مشددة كما قال الشاعر :
تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
يريد إذا ما تتابع القبل ، فأدغم إحدى التاءين في الأخرى . فلما أدغمت التاء في الدال فجعلت دالا مثلها سكنت ، فجلبوا ألفا ليصلوا إلى الكلام بها ، وذلك إذا كان قبله شيء ، لأن الإدغام لا يكون إلا وقبله شيء ، ومنه قول الله جل ثناؤه : ( حتى إذا اداركوا فيها جميعا ) [ الأعراف : 38 ] ، إنما هو " تداركوا " ، ولكن التاء منها أدغمت في الدال ، فصارت دالا مشددة ، وجعلت فيها ألف - إذ وصلت بكلام - قبلها ليسلم الإدغام . وإذا لم يكن قبل ذلك ما يواصله ، وابتدئ به ، قيل : تداركوا وتثاقلوا ، فأظهروا الإدغام . وقد قيل يقال : " اداركوا ، وادارءوا " .
وقد قيل إن معنى قوله : ( فادارأتم فيها ) ، فتدافعتم فيها . من قول القائل : " درأت هذا الأمر عني " ، ومن قول الله : ( ويدرأ عنها العذاب ) [ النور : 8 ] ، بمعنى [ ص: 225 ] يدفع عنها العذاب . وهذا قول قريب المعنى من القول الأول . لأن القوم إنما تدافعوا قتل قتيل ، فانتفى كل فريق منهم أن يكون قاتله ، كما قد بينا قبل فيما مضى من كتابنا هذا . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( فادارأتم فيها ) قال أهل التأويل .
1292 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( فادارأتم فيها ) ، قال : اختلفتم فيها .
1293 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1294 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ) قال بعضهم : أنتم قتلتموه . وقال الآخرون : أنتم قتلتموه .
1295 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( فادارأتم فيها ) ، قال : اختلفتم ، وهو التنازع ، تنازعوا فيه . قال : قال هؤلاء : أنتم قتلتموه . وقال هؤلاء : لا .
وكان تدارؤهم في النفس التي قتلوها كما : -
1296 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : صاحب البقرة رجل من بني إسرائيل ، قتله رجل فألقاه على باب ناس آخرين ، فجاء أولياء المقتول فادعوا دمه عندهم ، فانتفوا - أو انتفلوا - منه . شك أبو عاصم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(115)
الحلقة (129)
صــ 226إلى صــ 230
1297 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن [ ص: 226 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بمثله سواء - إلا أنه قال : فادعوا دمه عندهم فانتفوا - ولم يشك - منه .
1298 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قتيل كان في بني إسرائيل فقذف كل سبط منهم [ سبطا به ] ، حتى تفاقم بينهم الشر ، حتى ترافعوا في ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم . فأوحى الله إلى موسى : أن اذبح بقرة فاضربه ببعضها . فذكر لنا أن وليه الذي كان يطلب بدمه هو الذي قتله ، من أجل ميراث كان بينهم .
1299 - حدثني ابن سعد قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في شأن البقرة . وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى كان مكثرا من المال وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم ، وكان الشيخ لا ولد له ، وكان بنو أخيه ورثته . فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله ! وإنه لما تطاول عليهم أن لا يموت عمهم ، أتاهم الشيطان ، فقال : هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم ، فترثوا ماله ، وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته ؟ - وذلك أنهما كانتا مدينتين ، كانوا في إحداهما ، فكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين ، قيس ما بين القتيل وما بين المدينتين ، فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية - وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك ، وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم ، عمدوا إليه فقتلوه ، ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها . فلما أصبح أهل المدينة ، جاء بنو أخي الشيخ ، فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم ، فوالله لتغرمن لنا دية عمنا . قال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا . وأنهم عمدوا إلى موسى ، فلما أتوا قال بنو أخي الشيخ : عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم . وقال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلناه ، ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا . وأن جبريل جاء بأمر ربنا السميع العليم إلى موسى ، [ ص: 227 ] فقال : قل لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها .
1300 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا حسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد - وحجاج عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، قالوا : إن سبطا من بني إسرائيل ، لما رأوا كثرة شرور الناس ، بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس ، فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه ، وإذا أصبحوا قام رئيسهم فنظر وتشرف ، فإذا لم ير شيئا فتح المدينة ، فكانوا مع الناس حتى يمسوا . وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ، ولم يكن له وارث غير ابن أخيه ، فطال عليه حياته ، فقتله ليرثه ، ثم حمله فوضعه على باب المدينة ، ثم كمن في مكان هو وأصحابه . قال : فتشرف رئيس المدينة على باب المدينة ، فنظر فلم ير شيئا . ففتح الباب ، فلما رأى القتيل رد الباب : فناداه ابن أخي المقتول وأصحابه : هيهات ! قتلتموه ثم تردون الباب ؟ وكان موسى لما رأى القتل كثيرا في أصحابه بني إسرائيل ، كان إذا رأى القتيل بين ظهري القوم أخذهم . فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال ، حتى لبس الفريقان السلاح ، ثم كف بعضهم عن بعض . فأتوا موسى فذكروا له شأنهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب . وقال أهل المدينة : يا رسول الله ، قد عرفت اعتزالنا الشرور ، وبنينا مدينة - كما رأيت - نعتزل شرور الناس ، ما قتلنا ولا علمنا قاتلا . فأوحى الله تعالى ذكره إليه : أن يذبحوا بقرة ، فقال لهم موسى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .
1301 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : كان في بني إسرائيل رجل عقيم وله مال كثير ، فقتله ابن أخ له ، فجره فألقاه على باب ناس آخرين . [ ص: 228 ] ثم أصبحوا ، فادعاه عليهم ، حتى تسلح هؤلاء وهؤلاء ، فأرادوا أن يقتتلوا ، فقال ، ذوو النهى منهم : أتقتتلون وفيكم نبي الله ؟ فأمسكوا حتى أتوا موسى ، فقصوا عليه القصة ، فأمرهم أن يذبحوا بقرة فيضربوه ببعضها ، فقالوا : أتتخذنا هزوا ؟ قال : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين .
1302 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : قتيل من بني إسرائيل ، طرح في سبط من الأسباط ، فأتى أهل ذلك السبط إلى ذلك السبط فقالوا : أنتم والله قتلتم صاحبنا . فقالوا : لا والله . فأتوا إلى موسى فقالوا : هذا قتيلنا بين أظهرهم ، وهم والله قتلوه . فقالوا : لا والله يا نبي الله ، طرح علينا . فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .
قال أبو جعفر : فكان اختلافهم وتنازعهم وخصامهم بينهم - في أمر القتيل الذي ذكرنا أمره ، على ما روينا من علمائنا من أهل التأويل - هو " الدرء " الذي قال الله جل ثناؤه لذريتهم وبقايا أولادهم : ( فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ( 72 ) )
قال أبو جعفر : ويعني بقوله : ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) ، والله معلن ما كنتم تسرونه من قتل القتيل الذي قتلتم ، ثم ادارأتم فيه .
ومعنى " الإخراج " - في هذا الموضع - الإظهار والإعلان لمن خفي ذلك عنه ، وإطلاعهم عليه ، كما قال الله تعالى ذكره : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ) [ النمل : 25 ] يعني بذلك : يظهره ويطلعه من مخبئه بعد خفائه .
والذي كانوا يكتمونه فأخرجه ، هو قتل القاتل القتيل . لما كتم ذلك [ ص: 229 ] القاتل ومن علمه ممن شايعه على ذلك ، حتى أظهره الله وأخرجه ، فأعلن أمره لمن لا يعلم أمره .
وعنى جل ذكره بقوله : ( تكتمون ) ، تسرون وتغيبون ، كما :
1303 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) ، قال : تغيبون .
1304 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ما كنتم تكتمون ) ، ما كنتم تغيبون .
القول في تأويل قوله تعالى ( فقلنا اضربوه ببعضها )
قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله : فقلنا لقوم موسى الذين ادارءوا في القتيل - الذي قد تقدم وصفنا أمره - : اضربوا القتيل . و " الهاء " التي في قوله : ( اضربوه ) من ذكر القتيل ; ( ببعضها ) أي : ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها .
ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، وأي عضو كان ذلك منها . فقال بعضهم : ضرب بفخذ البقرة القتيل .
ذكر من قال ذلك :
1305 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : ضرب بفخذ البقرة فقام حيا ، فقال : قتلني فلان . ثم عاد في ميتته . [ ص: 230 ] 1306 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : ضرب بفخذ البقرة ، ثم ذكر مثله .
1307 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) ، قال : بفخذها ، فلما ضرب بها عاش ، وقال : قتلني فلان . ثم عاد إلى حاله .
1308 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن خالد بن يزيد ، عن مجاهد قال : ضرب بفخذها الرجل ، فقام حيا فقال : قتلني فلان . ثم عاد في ميتته .
1309 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر قال ، قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : ضربوا المقتول ببعض لحمها - وقال معمر ، عن قتادة - : ضربوه بلحم الفخذ فعاش ، فقال : قتلني فلان .
1310 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها ، فأحياه الله فأنبأ بقاتله الذي قتله ، وتكلم ثم مات .
وقال آخرون : الذي ضرب به منها هو البضعة التي بين الكتفين .
ذكر من قال ذلك :
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(116)
الحلقة (130)
صــ 231إلى صــ 235
1311 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) ، فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه : من قتلك ؟ فقال لهم : ابن أخي . [ ص: 231 ] وقال آخرون : الذي أمروا أن يضربوه به منها ، عظم من عظامها .
ذكر من قال ذلك :
1312 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل . ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ، ثم عاد ميتا كما كان . فأخذ قاتله ، وهو الذي أتى موسى فشكا إليه ، فقتله الله على أسوأ عمله .
وقال آخرون بما : -
1313 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ضربوا الميت ببعض آرابها فإذا هو قاعد - قالوا : من قتلك ؟ قال : ابن أخي . قال : وكان قتله وطرحه على ذلك السبط ، أراد أن يأخذ ديته .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل قوله عندنا : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) ، أن يقال : أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب . ولا دلالة في الآية ، ولا [ في ] خبر تقوم به حجة ، على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به . وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضر*بوه به هو الفخذ***** ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف ، وغير ذلك من أبعاضها . ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل ، ولا ينفع العلم به ، مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فأحياه الله .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها ؟ قيل : ليحيا فينبئ نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادارءوا فيه - من قاتله .
[ ص: 232 ] فإن قال قائل : وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك ؟ قيل : ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه - نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى . ومعنى الكلام : فقلنا : اضربوه ببعضها ليحيا ، فضربوه فحيي - كما قال جل ثناؤه : ( أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ) [ الشعراء : 63 ] ، والمعنى : فضرب فانفلق - دل على ذلك قوله : ( كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( كذلك يحيي الله الموتى )
قال أبو جعفر : وقوله : ( كذلك يحيي الله الموتى ) ، مخاطبة من الله عباده المؤمنين ، واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث ، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا . فقال لهم تعالى ذكره : أيها المكذبون بالبعث بعد الممات اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته ، فإني كما أحييته في الدنيا ، فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم ، فأبعثهم يوم البعث .
وإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب ، وهم قوم أميون لا كتاب لهم ، لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم ، وفيهم نزلت هذه الآيات ، فأخبرهم جل ذكره بذلك ، ليتعرفوا علم من قبلهم .
[ ص: 233 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ويريكم آياته لعلكم تعقلون ( 73 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ذكره : ويريكم الله أيها الكافرون المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله - من آياته وآياته : أعلامه وحججه الدالة على نبوته لتعقلوا وتفهموا أنه محق صادق ، فتؤمنوا به وتتبعوه .
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك )
قال أبو جعفر : يعني بذلك كفار بني إسرائيل ، وهم - فيما ذكر - بنو أخي المقتول ، فقال لهم : " ثم قست قلوبكم " : أي جفت وغلظت وعست ، كما قال الراجز :
وقد قسوت وقسا لداتي
يقال : " قسا " و " عسا " و " عتا " بمعنى واحد ، وذلك إذا جفا وغلظ وصلب . يقال : منه : قسا قلبه يقسو قسوا وقسوة وقساوة وقساء .
ويعني بقوله : ( من بعد ذلك ) ، من بعد أن أحيا المقتول لهم الذي - ادارءوا [ ص: 234 ] في قتله ، فأخبرهم بقاتله ، وبالسبب الذي من أجله قتله ، كما قد وصفنا قبل على ما جاءت الآثار والأخبار - وفصل الله تعالى ذكره بخبره بين المحق منهم والمبطل . وكانت قساوة قلوبهم التي وصفهم الله بها ، أنهم - فيما بلغنا - أنكروا أن يكونوا هم قتلوا القتيل الذي أحياه الله ، فأخبر بني إسرائيل بأنهم كانوا قتلته ، بعد إخباره إياهم بذلك ، وبعد ميتته الثانية ، كما : -
1314 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما ضرب المقتول ببعضها - يعني ببعض البقرة - جلس حيا ، فقيل له : من قتلك ؟ فقال : بنو أخي قتلوني . ثم قبض فقال بنو أخيه حين قبض : والله ما قتلناه ! فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه ، فقال الله : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) - يعني بني أخي الشيخ - ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) .
1315 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) ، يقول : من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ، وبعد ما أراهم من أمر القتيل - ما أراهم ، " فهي كالحجارة أو أشد قسوة " .
القول في تأويل قوله تعالى ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فهي ) : " قلوبكم " . يقول : ثم صلبت قلوبكم - بعد إذ رأيتم الحق فتبينتموه وعرفتموه - عن الخضوع له والإذعان لواجب حق الله عليكم ، فقلوبكم كالحجارة صلابة ويبسا وغلظا وشدة ، أو أشد قسوة " ، [ ص: 235 ] يعني : قلوبهم - عن الإذعان لواجب حق الله عليهم ، والإقرار له باللازم من حقوقه لهم - أشد صلابة من الحجارة .
فإن سأل سائل فقال : وما وجه قوله : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ، و " أو " عند أهل العربية ، إنما تأتي في الكلام لمعنى الشك ، والله تعالى جل ذكره غير جائز في خبره الشك ؟
قيل : إن ذلك على غير الوجه الذي توهمته ، من أنه شك من الله جل ذكره فيما أخبر عنه ، ولكنه خبر منه عن قلوبهم القاسية ، أنها - عند عباده الذين هم أصحابها ، الذين كذبوا بالحق بعد ما رأوا العظيم من آيات الله - كالحجارة قسوة أو أشد من الحجارة ، عندهم وعند من عرف شأنهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(117)
الحلقة (131)
صــ 236إلى صــ 240
وقد قال في ذلك جماعة من أهل العربية أقوالا فقال بعضهم : إنما أراد الله جل ثناؤه بقوله : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ، وما أشبه ذلك من الأخبار التي تأتي ب " أو " ، كقوله : ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ، وكقول الله جل ذكره : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [ سبأ : 24 ] [ الإبهام على من خاطبه ] فهو عالم أي ذلك كان . قالوا : ونظير ذلك قول القائل : أكلت بسرة أو رطبة ، وهو عالم أي ذلك أكل ، ولكنه أبهم على المخاطب ، كما قال أبو الأسود الدؤلي :
أحب محمدا حبا شديدا وعباسا وحمزة والوصيا [ ص: 236 ] فإن يك حبهم رشدا أصبه
ولست بمخطئ إن كان غيا
قالوا : ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى - رشد ، ولكنه أبهم على من خاطبه به . وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات قيل له : شككت ! فقال : كلا والله ! ثم انتزع بقول الله عز وجل : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ، فقال : أوكان شاكا - من أخبر بهذا - في الهادي من الضلال .
وقال بعضهم : ذلك كقول القائل : " ما أطعمتك إلا حلوا أو حامضا " ، وقد أطعمه النوعين جميعا . فقالوا : فقائل ذلك لم يكن شاكا أنه قد أطعم صاحبه الحلو والحامض كليهما ، ولكنه أراد الخبر عما أطعمه إياه أنه لم يخرج عن هذين النوعين . قالوا : فكذلك قوله : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ، إنما معناه : فقلوبهم لا تخرج من أحد هذين المثلين ، إما أن تكون مثلا للحجارة في القسوة ، وإما أن تكون أشد منها قسوة . ومعنى ذلك على هذا التأويل : فبعضها كالحجارة قسوة ، وبعضها أشد قسوة من الحجارة .
وقال بعضهم : " أو " في قوله : ( أو أشد قسوة ) ، بمعنى ، وأشد قسوة ، كما قال تبارك وتعالى : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) [ الإنسان : 24 ] بمعنى : وكفورا ، وكما قال جرير بن عطية :
نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر
يعني : نال الخلافة ، وكانت له قدرا ، وكما قال النابغة :
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد
يريد . ونصفه
وقال آخرون : " أو " في هذا الموضع بمعنى " بل " ، فكان تأويله عندهم : فهي كالحجارة بل أشد قسوة ، كما قال جل ثناؤه : ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ، بمعنى : بل يزيدون .
وقال آخرون : معنى ذلك : فهي كالحجارة ، أو أشد قسوة عندكم .
قال أبو جعفر : ولكل مما قيل من هذه الأقوال التي حكينا وجه ومخرج في كلام العرب . غير أن أعجب الأقوال إلي في ذلك ما قلناه أولا ثم القول الذي ذكرناه عمن وجه ذلك إلى أنه بمعنى : فهي أوجه في القسوة : إما أن تكون كالحجارة ، أو أشد ، على تأويل أن منها كالحجارة ، ومنها أشد قسوة . لأن " أو " ، وإن استعملت في أماكن من أماكن " الواو " حتى يلتبس معناها ومعنى " الواو " ، لتقارب معنييهما في بعض تلك الأماكن - فإن أصلها أن تأتي بمعنى أحد الاثنين . فتوجيهها إلى أصلها - ما وجدنا إلى ذلك سبيلا أعجب إلي من إخراجها عن أصلها ، ومعناها المعروف لها .
قال أبو جعفر : وأما الرفع في قوله : ( أو أشد قسوة ) فمن وجهين : أحدهما : أن يكون عطفا على معنى " الكاف " في قوله : ( كالحجارة ) ، لأن معناها الرفع . وذلك أن معناها معنى " مثل " ، [ فيكون تأويله ] فهي مثل الحجارة أو أشد قسوة من الحجارة . [ ص: 238 ] والوجه الآخر : أن يكون مرفوعا ، على معنى تكرير " هي " عليه . فيكون تأويل ذلك : فهي كالحجارة ، أو هي أشد قسوة من الحجارة .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ذكره : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) : وإن من الحجارة حجارة يتفجر منها الماء الذي تكون منه الأنهار ، فاستغنى بذكر الأنهار عن ذكر الماء . وإنما ذكر فقال " منه " ، للفظ " ما " .
و " التفجر " : " التفعل " من " تفجر الماء " ، وذلك إذا تنزل خارجا من منبعه . وكل سائل شخص خارجا من موضعه ومكانه ، فقد " انفجر " ، ماء كان ذلك أو دما أو صديدا أو غير ذلك ، ومنه قول عمر بن لجأ :
ولما أن قرنت إلى جرير أبى ذو بطنه إلا انفجارا
يعني : إلا خروجا وسيلانا .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : وإن منها لما يشقق " ، [ ص: 239 ] وإن من الحجارة لحجارة يشقق . وتشققها : تصدعها . وإنما هي : لما يتشقق ، ولكن التاء أدغمت في الشين فصارت شينا مشددة .
وقوله : ( فيخرج منه الماء ) فيكون عينا نابعة وأنهارا جارية .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن منها لما يهبط من خشية الله )
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإن من الحجارة لما يهبط - أي يتردى من رأس الجبل إلى الأرض والسفح - من خوف الله وخشيته . وقد دللنا على معنى " الهبوط " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
قال أبو جعفر : وأدخلت هذه " اللامات " اللواتي في " ما " ، توكيدا للخبر .
وإنما وصف الله تعالى ذكره الحجارة بما وصفها به - من أن منها المتفجر منه الأنهار ، وأن منها المتشقق بالماء ، وأن منها الهابط من خشية الله ، بعد الذي جعل منها لقلوب الذين أخبر عن قسوة قلوبهم من بني إسرائيل مثلا - معذرة منه جل ثناؤه لها ، دون الذين أخبر عن قسوة قلوبهم من بني إسرائيل إذ كانوا بالصفة التي وصفهم الله بها من التكذيب لرسله ، والجحود لآياته ، بعد الذي أراهم من الآيات والعبر ، وعاينوا من عجائب الأدلة والحجج ، مع ما أعطاهم تعالى ذكره من صحة العقول ، ومن به عليهم من سلامة النفوس التي لم [ ص: 240 ] يعطها الحجر والمدر ، ثم هو مع ذلك منه ما يتفجر بالأنهار ، ومنه ما يتشقق بالماء ، ومنه ما يهبط من خشية الله ، فأخبر تعالى ذكره أن من الحجارة ما هو ألين من قلوبهم لما يدعون إليه من الحق ، كما : -
1316 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1317 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) ، قال : كل حجر يتفجر منه الماء ، أو يتشقق عن ماء ، أو يتردى من رأس جبل ، فهو من خشية الله عز وجل ، نزل بذلك القرآن .
1318 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1319 - حدثني بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ثم عذر الحجارة ولم يعذر شقي ابن آدم . فقال : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) .
1320 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
1321 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : ثم عذر الله الحجارة فقال : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ) .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(118)
الحلقة (132)
صــ 241إلى صــ 245
1322 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن [ ص: 241 ] جريج أنه قال فيها كل حجر انفجر منه ماء ، أو تشقق عن ماء ، أو تردى من جبل ، فمن خشية الله . نزل به القرآن .
قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في معنى هبوط ما هبط من الحجارة من خشية الله .
فقال بعضهم : إن هبوط ما هبط منها من خشية الله تفيؤ ظلاله .
وقال آخرون : ذلك الجبل الذي صار دكا إذ تجلى له ربه .
وقال بعضهم : ذلك كان منه ويكون ، بأن الله جل ذكره أعطى بعض الحجارة المعرفة والفهم ، فعقل طاعة الله فأطاعه .
1324 - كالذي روي عن الجذع الذي كان يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب ، فلما تحول عنه حن .
1325 - وكالذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن حجرا كان يسلم علي في الجاهلية إني لأعرفه الآن " . [ ص: 242 ] وقال آخرون : بل قوله : ( يهبط من خشية الله ) كقوله : ( جدارا يريد أن ينقض ) ولا إرادة له . قالوا وإنما أريد بذلك أنه من عظم أمر الله ، يرى كأنه هابط خاشع من ذل خشية الله ، كما قال زيد الخيل :
بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم منه سجدا للحوافر
وكما قال سويد بن أبي كاهل يصف عدوا له :
ساجد المنخر لا يرفعه خاشع الطرف أصم المستمع
يريد أنه ذليل .
وكما قال جرير بن عطية :
لما أتى خبر الرسول تضعضعت سور المدينة والجبال الخشع
وقال آخرون : معنى قوله : ( يهبط من خشية الله ) ، أي : يوجب الخشية لغيره ، بدلالته على صانعه ، كما قيل : " ناقة تاجرة " ، إذا كانت من نجابتها وفراهتها تدعو الناس إلى الرغبة فيها ، كما قال جرير بن عطية :
[ ص: 243 ]
وأعور من نبهان ، أما نهاره فأعمى ، وأما ليله فبصير
فجعل الصفة لليل والنهار ، وهو يريد بذلك صاحبه النبهاني الذي يهجوه ، من أجل أنه فيهما كان ما وصفه به .
وهذه الأقوال ، وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل ، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها ، فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها .
وقد دللنا فيما مضى على معنى " الخشية " ، وأنها الرهبة والمخافة ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما الله بغافل عما تعملون ( 74 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وما الله بغافل عما تعملون ) ، وما الله بغافل - يا معشر المكذبين بآياته ، والجاحدين نبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، والمتقولين عليه الأباطيل من بني إسرائيل وأحبار اليهود - عما تعملون من أعمالكم الخبيثة ، وأفعالكم الرديئة ، ولكنه محصيها عليكم ، فمجازيكم بها في الآخرة ، أو معاقبكم بها في الدنيا . [ ص: 244 ] وأصل " الغفلة " عن الشيء ، تركه على وجه السهو عنه ، والنسيان له .
فأخبرهم تعالى ذكره أنه غير غافل عن أفعالهم الخبيثة ، ولا ساه عنها ، بل هو لها محص ، ولها حافظ .
القول في تأويل قوله تعالى ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( أفتطمعون ) يا أصحاب محمد ، أي : أفترجون يا معشر المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمصدقين ما جاءكم به من عند الله ، أن يؤمن لكم يهود بني إسرائيل ؟
ويعني بقوله : ( أن يؤمنوا لكم ) ، أن يصدقوكم بما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم محمد من عند ربكم ، كما : -
1326 - حدثت عن عمار بن الحسن ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) ، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، " أن يؤمنوا لكم " يقول : أفتطمعون أن يؤمن لكم اليهود ؟ .
1327 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) الآية ، قال : هم اليهود .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقد كان فريق منهم )
قال أبو جعفر : أما " الفريق " فجمع ، كالطائفة ، لا واحد له من لفظه . وهو " فعيل " من " التفرق " سمي به الجماع ، كما سميت الجماعة ب " الحزب " ، من " التحزب " ، وما أشبه ذلك . ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
[ ص: 245 ]
أجدوا فلما خفت أن يتفرقوا فريقين ، منهم مصعد ومصوب
يعني بقوله : ( منهم ) ، من بني إسرائيل . وإنما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعدهم من بني إسرائيل ، من اليهود الذين قال الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ) - لأنهم كانوا آباءهم وأسلافهم ، فجعلهم منهم ، إذ كانوا عشائرهم وفرطهم وأسلافهم ، كما يذكر الرجل اليوم الرجل ، وقد مضى على منهاج الذاكر وطريقته . وكان من قومه وعشيرته ، فيقول : " كان منا فلان " ، يعني أنه كان من أهل طريقته أو مذهبه ، أو من قومه وعشيرته . فكذلك قوله : ( وقد كان فريق منهم ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ( 75 ) )
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(119)
الحلقة (133)
صــ 246إلى صــ 250
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) . فقال بعضهم بما : -
1328 - حدثني به محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ، [ ص: 246 ] فالذين يحرفونه والذين يكتمونه ، هم العلماء منهم .
1329 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .
1330 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ) ، قال : هي التوراة ، حرفوها .
1331 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) ، قال : التوراة التي أنزلها عليهم ، يحرفونها ، يجعلون الحلال فيها حراما ، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا ، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب ، فهو فيه محق . وإن جاء أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء ، أمروه بالحق . فقال لهم : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) [ البقرة : 44 ] .
وقال آخرون في ذلك بما : -
1332 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، أخبرنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ، فكانوا يسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوة ، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون .
1333 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ) الآية ، قال : ليس قوله : ( يسمعون كلام الله ) ، يسمعون التوراة . كلهم قد سمعها ، ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها . [ ص: 247 ] 1334 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : بلغني عن بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى : يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله عز وجل ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك . فطلب ذلك موسى إلى ربه فقال : نعم ، فمرهم فليتطهروا ، وليطهروا ثيابهم ، ويصوموا . ففعلوا . ثم خرج بهم حتى أتى الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى عليه السلام [ أن يسجدوا ] فوقعوا سجودا ، وكلمه ربه فسمعوا كلامه ، يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا ما سمعوا . ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل . فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل : إن الله قد أمركم بكذا وكذا ، قال ذلك الفريق الذي ذكرهم الله : إنما قال كذا وكذا - خلافا لما قال الله عز وجل لهم . فهم الذين عنى الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية ، وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة ، ما قاله الربيع بن أنس ، والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم : من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل ، سماع موسى إياه منه ، ثم حرف ذلك وبدل ، من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه . وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله عز وجل ، استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان ، بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان ، وإيذانا منه تعالى ذكره عباده المؤمنين قطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى ، فقال لهم : كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم - بالذي تخبرونهم من الأنباء عن الله عز وجل - عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه ، ثم يبدله ويحرفه ويجحده ، فهؤلاء الذين بين [ ص: 248 ] أظهركم من بقايا نسلهم ، أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق ، وهم لا يسمعونه من الله ، وإنما يسمعونه منكم - وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدلوه ، وهم به عالمون ، فيجحدوه ويكذبوا - من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه ، ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف .
ولو كان تأويل الآية على ما قاله الذين زعموا أنه عني بقوله : ( يسمعون كلام الله ) ، يسمعون التوراة ، لم يكن لذكر قوله : ( يسمعون كلام الله ) معنى مفهوم . لأن ذلك قد سمعه المحرف منهم وغير المحرف ، فخصوص المحرف منهم بأنه كان يسمع كلام الله - إن كان التأويل على ما قاله الذين ذكرنا قولهم - دون غيرهم ممن كان يسمع ذلك سماعهم لا معنى له .
فإن ظن ظان [ أنه ] إنما صلح أن يقال ذلك لقوله : ( يحرفونه ) ، فقد أغفل وجه الصواب في ذلك . وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقيل : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون . ولكنه جل ثناؤه أخبر عن خاص من اليهود ، كانوا أعطوا - من مباشرتهم سماع كلام الله - ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل ، ثم بدلوا وحرفوا ما سمعوا من ذلك . فلذلك وصفهم بما وصفهم به ، للخصوص الذي كان خص به هؤلاء الفريق الذي ذكرهم في كتابه تعالى ذكره .
ويعني بقوله : ( ثم يحرفونه ) ، ثم يبدلون معناه وتأويله ويغيرونه . وأصله من " انحراف الشيء عن جهته " ، وهو ميله عنها إلى غيرها . فكذلك قوله : ( يحرفونه ) [ ص: 249 ] أي يميلونه عن وجهه ومعناه الذي هو معناه ، إلى غيره . فأخبر الله جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على علم منهم بتأويل ما حرفوا ، وأنه بخلاف ما حرفوه إليه . فقال : ( يحرفونه من بعد ما عقلوه ) ، يعني : من بعد ما عقلوا تأويله ، ( وهم يعلمون ) ، أي : يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون . وذلك إخبار من الله جل ثناؤه عن إقدامهم على البهت ، ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى صلى الله عليه وسلم ، وأن بقاياهم - من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا - على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك في عصر موسى عليه الصلاة والسلام .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا )
قال أبو جعفر : أما قوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، فإنه خبر من الله جل ذكره عن الذين أيأس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من إيمانهم - من يهود بني إسرائيل ، الذين كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون - وهم الذين إذا لقوا الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا . يعني بذلك : أنهم إذا لقوا الذين صدقوا بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله ، قالوا : آمنا - أي صدقنا بمحمد وبما صدقتم به ، وأقررنا بذلك . أخبر الله عز وجل أنهم تخلقوا بأخلاق المنافقين ، وسلكوا منهاجهم ، كما : -
1335 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، وذلك أن نفرا من اليهود كانوا إذا لقوا محمدا صلى الله عليه وسلم قالوا : [ ص: 250 ] آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم .
1336 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، يعني المنافقين من اليهود ، كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا .
وقد روي عن ابن عباس في تأويل ذلك قول آخر وهو ما : -
1337 - حدثنا به ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، أي : بصاحبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه إليكم خاصة .
1338 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) الآية ، قال : هؤلاء ناس من اليهود ، آمنوا ثم نافقوا .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ( 76 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض ) أي : إذا خلا بعض هؤلاء اليهود - الذين وصف الله صفتهم - إلى بعض منهم ، فصاروا في خلاء من الناس غيرهم ، وذلك هو الموضع الذي ليس فيه غيرهم - " قالوا " يعني : قال بعضهم لبعض - : " أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(120)
الحلقة (134)
صــ 251إلى صــ 255
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( بما فتح الله عليكم ) . فقال بعضهم بما : -
1339 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن [ ص: 251 ] عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، يعني : بما أمركم الله به . فيقول الآخرون : إنما نستهزئ بهم ونضحك .
وقال آخرون بما : -
1340 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) ، أي : بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم . فأنزل الله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) ، أي : تقرون بأنه نبي ، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجده في كتابنا ؟ اجحدوه ولا تقروا لهم به . يقول الله : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
1341 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، أي بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم .
1342 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : ( قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، أي : بما من الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا به عليكم ، ( أفلا تعقلون ) .
[ ص: 252 ] 1343 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، ليحتجوا به عليكم .
1344 - حدثني المثنى قال ، حدثني آدم قال ، حدثنا أبو جعفر قال ، قال قتادة : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، يعني : بما أنزل الله عليكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته .
وقال آخرون في ذلك بما : -
1345 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) قال : قول يهود بني قريظة ، حين سبهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم إخوة القردة والخنازير ، قالوا : من حدثك ؟ هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا ، فقال : يا إخوة القردة والخنازير .
1346 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله - إلا أنه قال : هذا ، حين أرسل إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وآذوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اخسئوا يا إخوة القردة والخنازير " .
1347 - حدثنا القاسم قال ، حدثني الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ، [ ص: 253 ] قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم فقال : " يا إخوان القردة ، ويا إخوان الخنازير ، ويا عبدة الطاغوت . فقالوا : من أخبر هذا محمدا ؟ ما خرج هذا إلا منكم ! ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) ! بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم . قال ابن جريج ، عن مجاهد : هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون بما : -
1348 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) - من العذاب - " ليحاجوكم به عند ربكم " هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا ، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به ، فقال بعضهم لبعض : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب ، ليقولوا نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم ؟
وقال آخرون بما : -
1349 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) : قال : كانوا إذا سئلوا عن الشيء قالوا : أما تعلمون في التوراة كذا وكذا ؟ قالوا : بلى ! - قال : وهم يهود - فيقول لهم رؤساؤهم الذين يرجعون إليهم : ما لكم تخبرونهم بالذي أنزل الله عليكم فيحاجوكم به عند ربكم ؟ أفلا تعقلون ؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن . فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق : اذهبوا فقولوا آمنا ، واكفروا إذا رجعتم . قال : فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر وقرأ قول الله : ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) [ آل عمران : 72 ] . وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة : نحن مسلمون . ليعلموا خبر رسول الله صلى الله [ ص: 254 ] عليه وسلم وأمره ، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر . فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهم ، قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون وكان المؤمنون الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يظنون أنهم مؤمنون ، فيقولون لهم : أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون : بلى ! فإذا رجعوا إلى قومهم [ يعني الرؤساء ] - قالوا : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم " ، الآية .
وأصل " الفتح " في كلام العرب : النصر والقضاء ، والحكم . يقال منه : " اللهم افتح بيني وبين فلان " ، أي احكم بيني وبينه ، ومنه قول الشاعر :
ألا أبلغ بني عصم رسولا بأني عن فتاحتكم غني
قال أبو جعفر : قال : ويقال للقاضي : " الفتاح " ومنه قول الله عز وجل : ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) [ الأعراف : 89 ] أي احكم بيننا وبينهم .
فإذا كان معنى الفتح ما وصفنا ، تبين أن معنى قوله : ( قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) إنما هو أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم ، وقضاه فيكم ؟ ومن حكمه جل ثناؤه عليهم ما أخذ به ميثاقهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به في التوراة . ومن قضائه فيهم أن جعل منهم القردة والخنازير ، وغير ذلك من أحكامه وقضائه فيهم . وكل ذلك كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به حجة على المكذبين من اليهود [ ص: 255 ] المقرين بحكم التوراة ، وغير ذلك [ من أحكامه وقضائه ] .
فإذ كان كذلك . فالذي هو أولى عندي بتأويل الآية قول من قال : معنى ذلك : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى خلقه ؟ لأن الله جل ثناؤه إنما قص في أول هذه الآية الخبر عن قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه : آمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ; فالذي هو أولى بآخرها أن يكون نظير الخبر عما ابتدئ به أولها .
وإذا كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون تلاومهم كان فيما بينهم فيما كانوا أظهروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه من قولهم لهم : آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به . وكان قيلهم ذلك ، من أجل أنهم يجدون ذلك في كتبهم ، وكانوا يخبرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . فكان تلاومهم - فيما بينهم إذا خلوا - على ما كانوا يخبرونهم بما هو حجة للمسلمين عليهم عند ربهم . وذلك أنهم كانوا يخبرونهم عن وجود نعت محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم ، ويكفرون به ، وكان فتح الله الذي فتحه للمسلمين على اليهود ، وحكمه عليهم لهم في كتابهم ، أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث . فلما بعث كفروا به ، مع علمهم بنبوته .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(121)
الحلقة (135)
صــ 256إلى صــ 260
قال أبو جعفر : وقوله : ( أفلا تعقلون ) ، خبر من الله تعالى ذكره - عن اليهود اللائمين إخوانهم على ما أخبروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله لهم عليهم - أنهم قالوا لهم : أفلا تفقهون أيها القوم وتعقلون ، أن إخباركم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما في كتبكم أنه نبي مبعوث ، حجة لهم عليكم عند ربكم ، يحتجون بها عليكم ؟ أي : فلا تفعلوا ذلك ، ولا تقولوا لهم مثل ما قلتم ، ولا تخبروهم [ ص: 256 ] بمثل ما أخبرتموهم به من ذلك . فقال جل ثناؤه : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( 77 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ، أولا يعلم - هؤلاء اللائمون من اليهود إخوانهم من أهل ملتهم ، على كونهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وعلى إخبارهم المؤمنين بما في كتبهم من نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ، القائلون لهم : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم - أن الله عالم بما يسرون ، فيخفونه عن المؤمنين في خلائهم من كفرهم ، وتلاومهم بينهم على إظهارهم ما أظهروا لرسول الله وللمؤمنين به من الإقرار بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى قيلهم لهم : آمنا ، ونهي بعضهم بعضا أن يخبروا المؤمنين بما فتح الله للمؤمنين عليهم ، وقضى لهم عليهم في كتبهم ، من حقيقة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ومبعثه وما يعلنون ، فيظهرونه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين به إذا لقوهم ، من قيلهم لهم : آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، نفاقا وخداعا لله ولرسوله وللمؤمنين ؟ كما : -
1350 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ) ، من كفرهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم إذا خلا بعضهم إلى بعض ، ( وما يعلنون ) إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا ليرضوهم بذلك .
1351 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 257 ] الربيع ، عن أبي العالية : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) ، يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبهم به ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم ، ( وما يعلنون ) ، يعني : ما أعلنوا حين قالوا للمؤمنين : آمنا .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومنهم أميون )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ومنهم أميون ) ، ومن هؤلاء - اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات ، وأيأس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيمانهم فقال لهم : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم إذا لقوكم قالوا : آمنا ، كما : -
1352 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ومنهم أميون ) ، يعني : من اليهود .
1353 - وحدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
1354 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( ومنهم أميون ) ، قال : أناس من يهود .
قال أبو جعفر : يعني ب " الأميين " ، الذين لا يكتبون ولا يقرءون .
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " يقال منه : " رجل أمي بين الأمية " . كما : -
1356 - حدثني المثنى قال ، حدثني سويد بن نصر قال ، أخبرنا ابن [ ص: 258 ] المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ) ، قال : منهم من لا يحسن أن يكتب .
1357 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( ومنهم أميون ) قال : أميون لا يقرءون الكتاب من اليهود .
وروي عن ابن عباس قول خلاف هذا القول ، وهو ما : -
1358 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ومنهم أميون ) ، قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، [ ص: 259 ] ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله . وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم كتب الله ورسله .
قال أبو جعفر : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم ، وذلك أن " الأمي " عند العرب : هو الذي لا يكتب .
قال أبو جعفر : وأرى أنه قيل للأمي " أمي " ; نسبة له بأنه لا يكتب إلى " أمه " ، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء ، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال - إلى أمه - في جهله بالكتابة ، دون أبيه ، كما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ، وكما قال : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) [ الجمعة : 2 ] . فإذا كان معنى " الأمي " في كلام العرب ما وصفنا ، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي ، من أن معنى قوله : ( ومنهم أميون ) : ومنهم من لا يحسن أن يكتب .
القول في تأويل قوله تعالى ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( لا يعلمون الكتاب ) ، لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله ، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه ، كهيئة البهائم ، كالذي : -
1359 - حدثني الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا [ ص: 260 ] معمر ، عن قتادة في قوله ، ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) : إنما هم أمثال البهائم ، لا يعلمون شيئا .
1360 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لا يعلمون الكتاب ) ، يقول : لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه .
1361 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( لا يعلمون الكتاب ) لا يدرون ما فيه .
1362 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( لا يعلمون الكتاب ) قال : لا يدرون بما فيه .
1363 - حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : ( لا يعلمون الكتاب ) ، لا يعلمون شيئا ، لا يقرءون التوراة . ليست تستظهر ، إنما تقرأ هكذا . فإذا لم يكتب أحدهم ، لم يستطع أن يقرأ .
1364 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله ، ( لا يعلمون الكتاب ) ، قال : لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله .
قال أبو جعفر : وإنما عني ب " الكتاب " : التوراة ، ولذلك أدخلت فيه " الألف واللام " لأنه قصد به كتاب معروف بعينه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(122)
الحلقة (136)
صــ 261إلى صــ 265
ومعناه : ومنهم فريق لا يكتبون ، ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه الذي هو عندهم - وهم ينتحلونه ويدعون الإقرار به - من أحكام الله وفرائضه ، وما فيه من حدوده التي بينها فيه .
[ واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ] ( إلا أماني ) فقال بعضهم بما : - [ ص: 261 ] 1365 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( إلا أماني ) ، يقول : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا .
1366 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) : إلا كذبا .
1367 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون بما : -
1368 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إلا أماني ) ، يقول : يتمنون على الله ما ليس لهم .
1369 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( إلا أماني ) ، يقول : يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم .
1370 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح ، [ عن معاوية بن صالح ] ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، يقول : إلا أحاديث .
1371 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، قال : أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا ، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ، ويقولون : هو من الكتاب أماني يتمنونها .
1372 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( إلا أماني ) ، يتمنون على الله ما ليس لهم .
1373 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( إلا أماني ) ، قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب . وليسوا منهم .
[ ص: 262 ] قال أبو جعفر : وأولى ما روينا في تأويل قوله : ( إلا أماني ) ، بالحق ، وأشبهه بالصواب ، الذي قاله ابن عباس - الذي رواه عنه الضحاك - وقول مجاهد : إن " الأميين " الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية ، أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئا ، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتقولون الأباطيل كذبا وزورا .
و " التمني " في هذا الموضع ، هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله . يقال منه : " تمنيت كذا " ، إذا افتعلته وتخرصته . ومنه الخبر الذي روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ما تغنيت ولا تمنيت " ، يعني بقوله : " ما تمنيت " ، ما تخرصت الباطل ، ولا اختلقت الكذب والإفك .
والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك - وأنه أولى بتأويل قوله : ( إلا أماني ) من غيره من الأقوال - قول الله جل ثناؤه : ( وإن هم إلا يظنون ) . فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب ، ظنا منهم لا يقينا . ولو كان معنى ذلك أنهم " يتلونه " ، لم يكونوا ظانين ، وكذلك لو كان معناه : " يشتهونه " . لأن الذي يتلوه ، إذا تدبره علمه . ولا يستحق - الذي يتلو كتابا قرأه ، وإن لم يتدبره بتركه التدبر أن يقال : هو ظان لما يتلو ، إلا أن يكون شاكا في نفس ما يتلوه ، لا يدري أحق هو أم باطل . ولم يكن القوم - الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود - فيما بلغنا - [ ص: 263 ] شاكين في التوراة أنها من عند الله . وكذلك " المتمني " الذي هو في معنى " المشتهي " غير جائز أن يقال : هو ظان في تمنيه . لأن التمني من المتمني ، إذا تمنى ما قد وجد عينه . فغير جائز أن يقال : هو شاك ، فيما هو به عالم . لأن العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه ، لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد . والمتمني في حال تمنيه ، موجود تمنيه ، فغير جائز أن يقال : هو يظن تمنيه .
وإنما قيل : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، والأماني من غير نوع " الكتاب " ، كما قال ربنا جل ثناؤه : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) [ النساء : 157 ] و " الظن " من " العلم " بمعزل . وكما قال : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) [ الليل : 19 - 20 ] ، وكما قال الشاعر :
ليس بيني وبين قيس عتاب غير طعن الكلى وضرب الرقاب
وكما قال نابغة بني ذبيان :
حلفت يمينا غير ذي مثنوية ، ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
[ ص: 264 ] في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب .
ويخرج ب " إلا " ما بعدها من معنى ما قبلها ومن صفته ، وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه . ويسمي ذلك بعض أهل العربية " استثناء منقطعا " ، لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد " إلا " عن معنى ما قبلها . وإنما يكون ذلك كذلك ، في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان " إلا " " لكن " ; فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول ، ألا ترى أنك إذا قلت : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ثم أردت وضع " لكن " مكان " إلا " وحذف " إلا " ، وجدت الكلام صحيحا معناه صحته وفيه " إلا " ؟ وذلك إذا قلت : ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني . يعني : لكنهم يتمنون . وكذلك قوله : ( ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ) ، لكن اتباع الظن ، بمعنى : لكنهم يتبعون الظن . وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا .
وقد ذكر عن بعض القرأة أنه قرأ : ( إلا أماني ) مخففة . ومن خفف ذلك وجهه إلى نحو جمعهم " المفتاح " " مفاتح " ، و " القرقور " ، " قراقر " ، وأن [ ص: 265 ] ياء الجمع لما حذفت خففت الياء الأصلية - أعني من " الأماني " - كما جمعوا " الأثفية " " أثافي " مخففة ، كما قال زهير بن أبي سلمى :
أثافي سفعا في معرس مرجل ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم
وأما من ثقل : ( أماني ) فشدد ياءها ، فإنه وجه ذلك إلى نحو جمعهم " المفتاح مفاتيح ، والقرقور قراقير ، والزنبور زنابير " ، فاجتمعت ياء " فعاليل " ولامها ، وهما جميعا ياآن ، فأدغمت إحداهما في الأخرى ، فصارتا ياء واحدة مشددة .
فأما القراءة التي لا يجوز غيرها عندي لقارئ في ذلك ، فتشديد ياء " الأماني " ، لإجماع القرأة على أنها القراءة التي مضى على القراءة بها السلف - مستفيض ذلك بينهم ، غير مدفوعة صحته - وشذوذ القارئ بتخفيفها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك . وكفى دليلا على خطأ قارئ ذلك بتخفيفها ، إجماعها على تخطئته .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن هم إلا يظنون ( 78 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإن هم إلا يظنون ) ، وما هم ، كما قال جل ثناؤه : ( قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ) [ إبراهيم : 11 ] ، يعني بذلك : ما نحن إلا بشر مثلكم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(123)
الحلقة (137)
صــ 266إلى صــ 270
ومعنى قوله : ( إلا يظنون ) : إلا يشكون ، ولا يعلمون حقيقته وصحته . و " الظن " - في هذا الموضع - الشك . [ ص: 266 ] فمعنى الآية : ومنهم من لا يكتب ولا يخط ولا يعلم كتاب الله ولا يدري ما فيه ، إلا تخرصا وتقولا على الله الباطل ، ظنا منه أنه محق في تخرصه وتقوله الباطل .
وإنما وصفهم الله تعالى ذكره بأنهم في تخرصهم على ظن أنهم محقون وهم مبطلون ، لأنهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورا حسبوها من كتاب الله ، ولم تكن من كتاب الله ، فوصفهم جل ثناؤه بأنهم يتركون التصديق بالذي يوقنون به أنه من عند الله مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتبعون ما هم فيه شاكون ، وفي حقيقته مرتابون ، مما أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤهم وأحبارهم عنادا منهم لله ولرسوله ، ومخالفة منهم لأمر الله ، واغترارا منهم بإمهال الله إياهم . وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : ( وإن هم إلا يظنون ) ، قال فيه المتأولون من السلف :
1374 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وإن هم إلا يظنون ) إلا يكذبون .
1375 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1376 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
1377 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) ، أي لا يعلمون ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون نبوتك بالظن .
1378 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وإن هم إلا يظنون ) ، قال : يظنون الظنون بغير الحق .
1379 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 267 ] الربيع ، عن أبي العالية قال : يظنون الظنون بغير الحق .
1380 - حدثت عن عمار قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( فويل )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فويل ) . فقال بعضهم بما : -
1381 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس ( فويل ) ، يقول : فالعذاب عليهم .
وقال آخرون بما : -
1382 - حدثنا به ابن بشار قال ، حدثنا ابن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن زياد بن فياض قال : سمعت أبا عياض يقول : الويل : ما يسيل من صديد في أصل جهنم .
1383 - حدثنا بشر بن أبان الحطاب قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض في قوله : ( فويل ) ، قال : صهريج في أصل جهنم ، يسيل فيه صديدهم . [ ص: 268 ] 1384 - حدثنا علي بن سهل الرملي قال ، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء قال ، حدثنا سفيان عن زياد بن فياض ، عن أبي عياض قال : الويل ، واد من صديد في جهنم .
1385 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا مهران ، عن شقيق قال : ( ويل ) ، ما يسيل من صديد في أصل جهنم .
وقال آخرون بما : -
1386 - حدثنا به المثنى قال ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح التستري . قال ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة بن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الويل جبل في النار " . [ ص: 269 ] 1387 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ويل " واد في جهنم ، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ إلى قعره " .
قال أبو جعفر : فمعنى الآية - على ما روي عمن ذكرت قوله في تأويل ( ويل ) - : فالعذاب الذي هو شرب صديد أهل جهنم في أسفل الجحيم لليهود الذين يكتبون الباطل بأيديهم ، ثم يقولون : هذا من عند الله .
[ ص: 270 ] القول في تأويل قوله تعالى ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا )
قال أبو جعفر : يعني بذلك الذين حرفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل ، وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم ، مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها ، ولا بما في التوراة ، جهال بما في كتب الله - لطلب عرض من الدنيا خسيس ، فقال الله لهم : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ، كما : -
1388 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) ، قال : كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم ، يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا به ثمنا قليلا .
1389 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله " ليشتروا به ثمنا قليلا " . قال : عرضا من عرض الدنيا .
1390 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) ، قال : هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله ، يحرفونه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(124)
الحلقة (138)
صــ 271إلى صــ 275
1391 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه قال : ثم يحرفونه . [ ص: 271 ] 1392 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد ، عن قتادة : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) الآية ، وهم اليهود .
1393 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) ، قال : كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ، ليتأكلوا الناس ، فقالوا : هذا من عند الله ، وما هو من عند الله .
1394 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) ، قال : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه ، يبتغون بذلك عرضا من عرض الدنيا ، فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .
1395 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام قال ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ، الويل : جبل في النار ، وهو الذي أنزل في اليهود ، لأنهم حرفوا التوراة ، وزادوا فيها ما يحبون ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة . فلذلك غضب الله عليهم ، فرفع بعض التوراة ، فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .
1396 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني سعيد بن أبي [ ص: 272 ] أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار . قال : ويل ، واد في جهنم ، لو سيرت فيه الجبال لانماعت من شدة حره .
قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : ما وجه قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد ، حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة ، إلى أن يخبروا عن هؤلاء - القوم الذين قص الله قصتهم - أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ؟ .
قيل له : إن الكتاب من بني آدم ، وإن كان منهم باليد ، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه فيقال : كتب فلان إلى فلان بكذا " ، وإن كان المتولي كتابته بيده ، غير المضاف إليه الكتاب ، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب . فأعلم ربنا بقوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) عباده المؤمنين ، أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم ، على علم منهم وعمد للكذب على الله ، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله ، تكذبا على الله وافتراء عليه . فنفى جل ثناؤه بقوله : ( يكتبون الكتاب بأيديهم ) ، أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم . وذلك نظير قول القائل : " باعني فلان عينه كذا وكذا ، فاشترى فلان نفسه كذا " ، يراد بإدخال " النفس والعين " في ذلك ، نفي اللبس عن سامعه ، أن يكون المتولي بيع ذلك أو شراءه ، غير الموصوف له أمره ،
ويوجب حقيقة الفعل للمخبر [ ص: 273 ] عنه ، فكذلك قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) .
القول في تأويل قوله تعالى ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ( 79 ) )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم ) ، أي فالعذاب - في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم - لهم ، يعني : للذين يكتبون الكتاب ، الذي وصفنا أمره ، من يهود بني إسرائيل محرفا ، ثم قالوا : هذا من عند الله ، ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم .
وقوله : ( مما كتبت أيديهم ) ، يقول : من الذي كتبت أيديهم من ذلك ، وويل لهم أيضا ( مما يكسبون ) ، يعني : مما يعملون من الخطايا ، ويجترحون من الآثام ، ويكسبون من الحرام ، بكتابهم الذي يكتبونه بأيديهم ، بخلاف ما أنزل الله ، ثم يأكلون ثمنه ، وقد باعوه ممن باعوه منهم على أنه من كتاب الله ، كما : -
1397 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وويل لهم مما يكسبون ) ، يعني : من الخطيئة .
1398 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( فويل لهم ) ، يقول : فالعذاب عليهم . قال : يقول : من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ، ( وويل لهم مما يكسبون ) ، يقول : مما يأكلون به من السفلة وغيرهم .
قال أبو جعفر : وأصل " الكسب " : العمل . فكل عامل عملا بمباشرة منه لما عمل ومعاناة باحتراف ، فهو كاسب لما عمل ، كما قال لبيد بن ربيعة :
[ ص: 274 ]
لمعفر قهد تنازع شلوه غبس كواسب لا يمن طعامها
القول في تأويل قوله ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وقالوا ) ، اليهود ، يقول : وقالت اليهود : ( لن تمسنا النار ) ، يعني لن تلاقي أجسامنا النار ولن ندخلها ، " إلا أياما معدودة " . وإنما قيل " معدودة " وإن لم يكن مبينا عددها في التنزيل ، لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم بذلك وهم عارفون عدد الأيام ، التي يوقتونها لمكثهم في النار . فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيام ، وسماها " معدودة " لما وصفنا .
ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ الأيام المعدودة التي عينها اليهود ، القائلون ما أخبر الله عنهم من ذلك فقال بعضهم بما : -
1399 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال ذلك أعداء الله اليهود ، قالوا : لن يدخلنا الله النار إلا [ ص: 275 ] تحلة القسم ، الأيام التي أصبنا فيها العجل : أربعين يوما ، فإذا انقضت عنا تلك الأيام ، انقطع عنا العذاب والقسم .
1400 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قالوا : أياما معدودة بما أصبنا في العجل .
1401 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال : قالت اليهود : إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة ، حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقيتنا ، نادى مناد : أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل . فلذلك أمرنا أن نختتن . قالوا : فلا يدعون منا في النار أحدا إلا أخرجوه .
1402 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : قالت اليهود : إن ربنا عتب علينا في أمرنا ، فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة ، ثم يخرجنا . فأكذبهم الله .
1403 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة قال : قالت اليهود : لن ندخل النار إلا تحلة القسم ، عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(125)
الحلقة (139)
صــ 276إلى صــ 280
1404 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية ، قال ابن عباس : ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوبا ، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم - وكان ابن عباس يقول : إن الجحيم سقر ، وفيه شجرة الزقوم - فزعم أعداء الله ، [ ص: 276 ] أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياما معدودة - وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم - فقالوا : إذا خلا العدد انتهى الأجل . فلا عذاب ، وتذهب جهنم وتهلك . فذلك قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، يعنون بذلك الأجل . فقال ابن عباس : لما اقتحموا من باب جهنم ، ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة ، قال لهم خزان سقر : زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة ! فقد خلا العدد وأنتم في الأبد ! فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون .
1405 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، إلا أربعين ليلة .
1406 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا حفص بن عمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا فيها قوم آخرون - يعنون محمدا وأصحابه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم " بل أنتم فيها خالدون ، لا يخلفكم فيها أحد . فأنزل الله جل ثناؤه : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) .
1407 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : اجتمعت يهود يوما تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، [ ص: 277 ] - وسموا أربعين يوما - ثم يخلفنا ، أو يلحقنا ، فيها أناس . فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كذبتم ، بل أنتم فيها خالدون مخلدون ، لا نلحقكم ولا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدا " .
1408 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا علي بن معبد ، عن أبي معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال : قالت اليهود : لا نعذب في النار يوم القيامة إلا أربعين يوما مقدار ما عبدنا العجل .
1409 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : " أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء ، من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة ؟ وقالوا : إن ربهم غضب عليهم غضبة ، فنمكث في النار أربعين ليلة ، ثم نخرج فتخلفوننا فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم والله ، لا نخلفكم فيها أبدا " . فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا ) إلى قوله : ( هم فيها خالدون ) .
وقال آخرون في ذلك بما : -
1410 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت يهود يقولون : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا من أيام الآخرة ، وإنها سبعة أيام . فأنزل الله في ذلك من [ ص: 278 ] قولهم : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية .
1411 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ويهود تقول : إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما يعذب الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة ، فإنما هي سبعة أيام ، ثم ينقطع العذاب . فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم : ( لن تمسنا النار ) الآية .
1412 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، قال : كانت تقول : إنما الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما .
1413 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله - إلا أنه قال : كانت اليهود تقول : إنما الدنيا ، وسائر الحديث مثله .
1414 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج ، قال مجاهد : وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة من الدهر . وسموا عدة سبعة آلاف سنة ، من كل ألف سنة يوما . يهود تقوله .
القول في تأويل قوله تعالى ( قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ( 80 ) )
قال أبو جعفر : لما قالت اليهود ما قالت من قولها : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [ ص: 279 ] - على ما قد بينا من تأويل ذلك - قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد ، لمعشر اليهود : ( أتخذتم عند الله عهدا ) : أأخذتم بما تقولون من ذلك من الله ميثاقا ، فالله لا ينقض ميثاقه ، ولا يبدل وعده وعقده ، أم تقولون على الله الباطل جهلا وجراءة عليه ؟ كما : -
1415 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قل أتخذتم عند الله عهدا ) أي : موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون .
1416 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1417 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة قال : قالت اليهود : لن ندخل النار إلا تحلة القسم ، عدة الأيام التي عبدنا فيها العجل ، فقال الله : ( أتخذتم عند الله عهدا ) ، بهذا الذي تقولونه ؟ ألكم بهذا حجة وبرهان ؟ فلن يخلف الله عهده ، فهاتوا حجتكم وبرهانكم ، أم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟
1418 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : لما قالت اليهود ما قالت ، قال الله جل ثناؤه لمحمد ، قل " أتخذتم عند الله عهدا " ، يقول : أدخرتم عند الله عهدا ؟ يقول : أقلتم لا إله إلا الله لم تشركوا ولم تكفروا به ؟ فإن كنتم قلتموها فارجوا بها ، وإن كنتم لم تقولوها ، فلم تقولون على الله ما لا تعلمون ؟ يقول : لو كنتم قلتم لا إله إلا الله ولم تشركوا به شيئا ، ثم متم على ذلك ، لكان لكم ذخرا عندي ، ولم أخلف وعدي لكم : أني أجازيكم بها .
1419 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط عن السدي قال : لما قالت اليهود ما قالت ، قال الله عز وجل : ( قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ) [ ص: 280 ] - وقال في مكان آخر : ( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) . [ آل عمران : 24 ] ، ثم أخبر الخبر فقال : ( بلى من كسب سيئة ) .
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي رويناها عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، بنحو ما قلنا في تأويل قوله : ( قل أتخذتم عند الله عهدا ) ؛ لأن مما أعطاه الله عباده من ميثاقه : أن من آمن به وأطاع أمره ، نجاه من ناره يوم القيامة . ومن الإيمان به الإقرار بأن لا إله إلا الله . وكذلك من ميثاقه الذي واثقهم به : أن من أتى الله يوم القيامة بحجة تكون له نجاة من النار ، فينجيه منها . وكل ذلك ، وإن اختلفت ألفاظ قائليه ، فمتفق المعاني على ما قلنا فيه ، والله تعالى أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( بلى من كسب سيئة )
قال أبو جعفر : وقوله : ( بلى من كسب سيئة ) تكذيب من الله القائلين من اليهود : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) وإخبار منه لهم أنه معذب من أشرك ومن كفر به وبرسله ، وأحاطت به ذنوبه ، فمخلده في النار ؛ فإن الجنة لا يسكنها إلا أهل الإيمان به وبرسوله ، وأهل الطاعة له ، والقائمون بحدوده كما : -
1420 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ) أي : من عمل مثل أعمالكم ، وكفر بمثل ما كفرتم به ، حتى يحيط كفره بما له من حسنة ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(126)
الحلقة (140)
صــ 281إلى صــ 285
قال أبو جعفر : وأما ( بلى ) ، فإنها إقرار في كل كلام في أوله جحد ، كما [ ص: 281 ] "نعم " إقرار في الاستفهام الذي لا جحد فيه . وأصلها "بل " التي هي رجوع عن الجحد المحض في قولك : "ما قام عمرو بل زيد " . فزيد فيها " الياء " ليصلح عليها الوقوف ، إذ كانت "بل " لا يصلح عليها الوقوف ، إذ كانت عطفا ورجوعا عن الجحد . ولتكون - أعني "بلى " - رجوعا عن الجحد فقط ، وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد ، فدلت "الياء " منها على معنى الإقرار والإنعام . ودل لفظ "بل " على الرجوع عن الجحد .
قال أبو جعفر : وأما "السيئة " التي ذكر الله في هذا المكان ، فإنها الشرك بالله كما : -
1421 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان قال : حدثني عاصم ، عن أبي وائل : ( بلى من كسب سيئة ) ، قال : الشرك بالله .
1422 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بلى من كسب سيئة ) شركا .
1423 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
1424 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ، قال : أما السيئة فالشرك .
1425 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .
1426 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 282 ] السدي : ( بلى من كسب سيئة ) ، أما السيئة ، فهي الذنوب التي وعد عليها النار .
1427 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قلت لعطاء : ( بلى من كسب سيئة ) ، قال : الشرك - قال ابن جريج قال : قال مجاهد : ( سيئة ) شركا .
1428 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ، يعني : الشرك .
قال أبو جعفر : وإنما قلنا : إن "السيئة " - التي ذكر الله - جل ثناؤه - أن من كسبها وأحاطت به خطيئته ، فهو من أهل النار المخلدين فيها - في هذا الموضع ، إنما عنى الله بها بعض السيئات دون بعض ، وإن كان ظاهرها في التلاوة عاما ؛ لأن الله قضى على أهلها بالخلود في النار ، والخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان به ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل الإيمان لا يخلدون فيها ، وأن الخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان . فإن الله جل ثناؤه قد قرن بقوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) - قوله - ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) . فكان معلوما بذلك أن الذين لهم الخلود في النار من أهل السيئات غير الذين لهم الخلود في الجنة من أهل الإيمان .
فإن ظن ظان أن الذين لهم الخلود في الجنة من الذين آمنوا ، هم الذين عملوا الصالحات ، دون الذين عملوا السيئات ، فإن في إخبار الله أنه مكفر - باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه سيئاتنا ، ومدخلنا المدخل الكريم ما ينبئ عن صحة ما قلنا في تأويل قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ، بأن ذلك على خاص من السيئات دون عامها .
فإن قال لنا قائل : فإن الله - جل ثناؤه - إنما ضمن لنا تكفير سيئاتنا باجتنابنا [ ص: 283 ] كبائر ما ننهى عنه ، فما الدلالة على أن الكبائر غير داخلة في قوله : ( بلى من كسب سيئة ) ؟
قيل : لما صح من أن الصغائر غير داخلة فيه ، وأن المعني بالآية خاص دون عام ، ثبت وصح أن القضاء والحكم بها غير جائز لأحد على أحد ، إلا على من وقفه الله عليه بدلالة من خبر قاطع عذر من بلغه . وقد ثبت وصح أن الله تعالى ذكره قد عنى بذلك أهل الشرك والكفر به ، بشهادة جميع الأمة . فوجب بذلك القضاء على أن أهل الشرك والكفر ممن عناه الله بالآية . فأما أهل الكبائر ، فإن الأخبار القاطعة عذر من بلغته ، قد تظاهرت عندنا بأنهم غير معنيين بها . فمن أنكر ذلك - ممن دافع حجة الأخبار المستفيضة والأنباء المتظاهرة - فاللازم له ترك قطع الشهادة على أهل الكبائر بالخلود في النار ، بهذه الآية ونظائرها التي جاءت بعمومهم في الوعيد ؛ إذ كان تأويل القرآن غير مدرك إلا ببيان من جعل الله إليه بيان القرآن ، وكانت الآية يأتي عاما في صنف ظاهرها ، وهي خاص في ذلك الصنف باطنها .
ويسأل مدافعو الخبر بأن أهل الكبائر من أهل الاستثناء ، سؤالنا منكر رجم الزاني المحصن ، وزوال فرض الصلاة عن الحائض في حال الحيض ؛ فإن السؤال عليهم ، نظير السؤال على هؤلاء ، سواء .
[ ص: 284 ]
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأحاطت به خطيئته )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وأحاطت به خطيئته ) ، اجتمعت عليه فمات عليها ، قبل الإنابة والتوبة منها .
وأصل "الإحاطة بالشيء " ، الإحداق به ، بمنزلة "الحائط " الذي تحاط به الدار فتحدق به . ومنه قول الله جل ثناؤه : ( نارا أحاط بهم سرادقها ) [ الكهف : 29 ] .
فتأويل الآية إذا : من أشرك بالله ، واقترف ذنوبا جمة فمات عليها قبل الإنابة والتوبة ، فأولئك أصحاب النار هم فيها مخلدون أبدا . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال المتأولون .
ذكر من قال ذلك :
1429 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي روق ، عن الضحاك : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : مات بذنبه .
1430 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جرير بن نوح قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : مات عليها .
1431 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال ، أخبرني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : يحيط كفره بما له من حسنة .
1432 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثني عيسى ، [ ص: 285 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : ما أوجب الله فيه النار .
1433 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : أما الخطيئة فالكبيرة الموجبة .
1434 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق [ قال : أخبرنا معمر ] ، عن قتادة : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : الخطيئة : الكبائر .
1435 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا وكيع ويحيى بن آدم ، عن سلام بن مسكين قال : سأل رجل الحسن عن قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) ، فقال : ما ندري ما الخطيئة ، يا بني ، اتل القرآن ، فكل آية وعد الله عليها النار ، فهي الخطيئة .
1436 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ) ، قال : كل ذنب محيط ، فهو ما وعد الله عليه النار .
1437 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي رزين : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : مات بخطيئته .
1438 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا الأعمش قال : حدثنا مسعود أبو رزين ، عن الربيع بن خثيم في قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب .
1439 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : قال وكيع : سمعت الأعمش يقول في قوله : ( وأحاطت به خطيئته ) ، مات بذنوبه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(127)
الحلقة (141)
صــ 286إلى صــ 291
1440 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وأحاطت به خطيئته ) ، الكبيرة الموجبة .
[ ص: 286 ] 1441 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( أحاطت به خطيئته ) ، فمات ولم يتب .
1442 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حسان ، عن ابن جريج قال ، قلت لعطاء : ( وأحاطت به خطيئته ) ، قال : الشرك ، ثم تلا ( ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ) [ النمل : 90 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 81 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " فأولئك الذين كسبوا السيئات وأحاطت بهم خطيئاتهم ، أصحاب النار هم فيها خالدون .
ويعني بقوله جل ثناؤه : ( أصحاب النار ) ، أهل النار ، وإنما جعلهم لها أصحابا لإيثارهم - في حياتهم الدنيا ما يوردهموها ويوردهم سعيرها - على الأعمال التي توردهم الجنة فجعلهم - جل ذكره - بإيثارهم أسبابها على أسباب الجنة لها أصحابا ، كصاحب الرجل الذي يصاحبه مؤثرا صحبته على صحبة غيره ، حتى يعرف به .
( هم فيها ) ، يعني : هم في النار خالدون . ويعني بقوله : ( خالدون ) مقيمون كما :
1443 - حدثني محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( هم فيها خالدون ) ، أي خالدون أبدا .
1444 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، [ ص: 287 ] عن السدي : ( هم فيها خالدون ) لا يخرجون منها أبدا .
القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( 82 ) )
قال أبو جعفر : ويعني بقوله : ( والذين آمنوا ) ، أي صدقوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . ويعني بقوله : ( وعملوا الصالحات ) ، أطاعوا الله فأقاموا حدوده ، وأدوا فرائضه ، واجتنبوا محارمه . ويعني بقوله : ( فأولئك ) ، فالذين هم كذلك ( أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ، يعني : أهلها الذين هم أهلها ، هم فيها ( خالدون ) ، مقيمون أبدا .
وإنما هذه الآية والتي قبلها إخبار من الله عباده عن بقاء النار وبقاء أهلها فيها ، [ وبقاء الجنة وبقاء أهلها فيها ] ، ودوام ما أعد في كل واحدة منهما لأهلها ، تكذيبا من الله - جل ثناؤه - القائلين من يهود بني إسرائيل : إن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة ، وأنهم صائرون بعد ذلك إلى الجنة . فأخبرهم بخلود كفارهم في النار ، وخلود مؤمنيهم في الجنة كما : -
1445 - حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ، أي من آمن بما كفرتم به ، وعمل بما تركتم من دينه ، فلهم الجنة خالدين فيها . يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبدا لا انقطاع له أبدا .
1446 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال ، [ ص: 288 ] قال ابن زيد : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه - "أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله )
قال أبو جعفر : قد دللنا - فيما مضى من كتابنا هذا - على أن "الميثاق " "مفعال " من "التوثق باليمين " ونحوها من الأمور التي تؤكد القول . فمعنى الكلام إذا : واذكروا أيضا يا معشر بني إسرائيل ، إذ أخذنا ميثاقكم لا تعبدون إلا الله ، كما : -
1447 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) - أي ميثاقكم - ( لا تعبدون إلا الله ) .
قال أبو جعفر : والقرأة مختلفة في قراءة قوله ( لا تعبدون ) . فبعضهم يقرؤها بالتاء ، وبعضهم يقرؤها بالياء ، والمعنى في ذلك واحد . وإنما جازت القراءة بالياء والتاء ، وأن يقال ( لا تعبدون ) و ( لا يعبدون ) وهم غيب ؛ لأن أخذ الميثاق ، بمعنى الاستحلاف . فكما تقول : "استحلفت أخاك ليقومن " فتخبر عنه خبرك عن الغائب لغيبته عنك . وتقول : "استحلفته لتقومن " ، فتخبر عنه خبرك عن المخاطب ؛ لأنك قد كنت خاطبته بذلك - فيكون ذلك صحيحا جائزا .
[ ص: 289 ] فكذلك قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) و ( لا يعبدون ) . من قرأ ذلك "بالتاء " فمعنى الخطاب ، إذ كان الخطاب قد كان بذلك . ومن قرأ " بالياء " فلأنهم ما كانوا مخاطبين بذلك في وقت الخبر عنهم .
وأما رفع "لا تعبدون " ، فبالتاء التي في "تعبدون " ، ولا ينصب ب "أن " التي كانت تصلح أن تدخل مع ( لا تعبدون إلا الله ) . لأنها إذا صلح دخولها على فعل فحذفت ولم تدخل ، كان وجه الكلام فيه الرفع ، كما قال جل ثناؤه : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) [ الزمر : 64 ] ، فرفع "أعبد " ؛ إذ لم تدخل فيها "أن " - بالألف الدالة على معنى الاستقبال ، وكما قال الشاعر :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فرفع "أحضر " وإن كان يصلح دخول "أن " فيها - إذ حذفت ، بالألف التي تأتي بمعنى الاستقبال .
وإنما صلح حذف "أن " من قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون ) ؛ لدلالة ما ظهر من الكلام عليها ، فاكتفى - بدلالة الظاهر عليها منها .
وقد كان بعض نحويي البصرة يقول : معنى قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، حكاية ، كأنك قلت : استحلفناهم : لا تعبدون ، أي قلنا لهم : والله لا تعبدون - وقالوا : والله لا يعبدون . والذي قال من ذلك ، قريب معناه من معنى القول الذي قلنا في ذلك .
[ ص: 290 ] وبنحو الذي قلنا في قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1448 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ، وأن لا يعبدوا غيره .
1449 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : أخبرنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، قال : أخذنا ميثاقهم أن يخلصوا لله ولا يعبدوا غيره .
1450 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) ، قال : الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا )
قال أبو جعفر : وقوله جل ثناؤه : ( وبالوالدين إحسانا ) عطف على موضع "أن " المحذوفة في ( لا تعبدون إلا الله ) . فكان معنى الكلام : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا . فرفع ( لا تعبدون ) لما حذف "أن " ، ثم عطف بالوالدين على موضعها ، كما قال الشاعر :
معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا
[ ص: 291 ] فنصب "الحديدا " على العطف به على موضع "الجبال " ، لأنها لو لم تكن فيها "باء " خافضة كانت نصبا ، فعطف ب "الحديدا " على معنى "الجبال " ، لا على لفظها . فكذلك ما وصفت من قوله : ( وبالوالدين إحسانا ) .
وأما "الإحسان " فمنصوب بفعل مضمر يؤدي معناه قوله : ( وبالوالدين ) ، إذ كان مفهوما معناه ، فكان معنى الكلام - لو أظهر المحذوف - : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، بأن لا تعبدوا إلا الله ، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا ، فاكتفى بقوله : ( وبالوالدين ) من أن يقال : وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا ، إذ كان مفهوما أن ذلك معناه بما ظهر من الكلام .
وقد زعم بعض أهل العربية في ذلك أن معناه : وبالوالدين فأحسنوا إحسانا ، فجعل "الباء " التي في "الوالدين " من صلة الإحسان ، مقدمة عليه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(128)
الحلقة (142)
صــ 292إلى صــ 297
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن لا تعبدوا إلا الله ، وأحسنوا بالوالدين إحسانا . فزعموا أن "الباء " التي في "الوالدين " من صلة المحذوف - أعني أحسنوا - فجعلوا ذلك من كلامين . وإنما يصرف الكلام إلى ما ادعوا من ذلك ، إذا لم يوجد لاتساق الكلام على كلام واحد وجه . فأما وللكلام وجه مفهوم على اتساقه على كلام واحد ، فلا وجه لصرفه إلى كلامين . وأخرى : أن القول في ذلك لو كان على ما قالوا ، لقيل : وإلى الوالدين إحسانا ، لأنه إنما يقال : "أحسن [ ص: 292 ] فلان إلى والديه " ولا يقال : أحسن بوالديه ، إلا على استكراه للكلام .
ولكن القول فيه ما قلنا ، وهو : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بكذا ، وبالوالدين إحسانا - على ما بينا قبل ، فيكون الإحسان حينئذ مصدرا من الكلام لا من لفظه ، كما بينا فيما مضى من نظائره .
فإن قال قائل : وما ذلك "الإحسان " الذي أخذ عليهم بالوالدين الميثاق؟ قيل : نظير ما فرض الله على أمتنا لهما من فعل المعروف لهما ، والقول الجميل ، وخفض جناح الذل رحمة بهما ، والتحنن عليهما ، والرأفة بهما ، والدعاء بالخير لهما ، وما أشبه ذلك من الأفعال التي ندب الله عباده أن يفعلوا بهما .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وذي القربى واليتامى والمساكين )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وذي القربى ) ، وبذي القربى أن يصلوا قرابته منهم ورحمه .
و "القربى " مصدر على تقدير "فعلى " ، من قولك ، "قربت مني رحم فلان قرابة وقربى وقربا " ، بمعنى واحد .
وأما "اليتامى " . فهم جمع " يتيم " ، مثل "أسير وأسارى " . ويدخل في اليتامى الذكور منهم والإناث .
ومعنى ذلك : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وحده دون من سواه من الأنداد ، وبالوالدين إحسانا ، وبذي القربى : أن تصلوا رحمه ، وتعرفوا حقه ، وباليتامى : أن تتعطفوا عليهم بالرحمة والرأفة ، وبالمساكين : أن تؤتوهم حقوقهم التي ألزمها الله أموالكم .
[ ص: 293 ] و "المسكين " ، هو المتخشع المتذلل من الفاقة والحاجة ، وهو "مفعيل " من "المسكنة " . و "المسكنة " هي ذل الحاجة والفاقة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقولوا للناس حسنا )
قال أبو جعفر : إن قال قائل : كيف قيل : ( وقولوا للناس حسنا ) ، فأخرج الكلام أمرا ولما يتقدمه أمر ، بل الكلام جار من أول الآية مجرى الخبر؟ قيل : إن الكلام ، وإن كان قد جرى في أول الآية مجرى الخبر ، فإنه مما يحسن في موضعه الخطاب بالأمر والنهي . فلو كان مكان : "لا تعبدون إلا الله " ، لا تعبدوا إلا الله - على وجه النهي من الله لهم عن عبادة غيره - كان حسنا صوابا . وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعب . وإنما حسن ذلك وجاز - لو كان مقروءا به ؛ لأن أخذ الميثاق قول .
فكان معنى الكلام - لو كان مقروءا كذلك - : وإذ قلنا لبني إسرائيل : لا تعبدوا إلا الله ، كما قال جل ثناؤه في موضع آخر : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ) [ البقرة : 63 ] . فلما كان حسنا وضع الأمر والنهي في موضع : ( لا تعبدون إلا الله ) ، عطف بقوله : ( وقولوا للناس حسنا ) ، على موضع ( لا تعبدون ) ، وإن كان مخالفا كل واحد منهما معناه معنى ما فيه ؛ لما وصفنا من جواز وضع الخطاب بالأمر والنهي موضع "لا تعبدون " . فكأنه قيل : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله ، وقولوا للناس حسنا . وهو نظير ما قدمنا البيان عنه : من أن العرب تبتدئ الكلام أحيانا على وجه الخبر عن الغائب في موضع الحكاية لما أخبرت عنه ، ثم تعود إلى الخبر على [ ص: 294 ] وجه الخطاب; وتبتدئ أحيانا على وجه الخطاب ، ثم تعود إلى الإخبار على وجه الخبر عن الغائب ، لما في الحكاية من المعنيين ، كما قال الشاعر :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت
يعني : تقليت .
وأما "الحسن " فإن القرأة اختلفت في قراءته . فقرأته عامة قرأة الكوفة غير عاصم : ( وقولوا للناس حسنا ) بفتح الحاء والسين . وقرأته عامة قراء المدينة : ( حسنا ) بضم الحاء وتسكين السين . وقد روي عن بعض القرأة أنه كان يقرأ : "وقولوا للناس " حسنى " على مثال "فعلى " .
واختلف أهل العربية في فرق ما بين معنى قوله : "حسنا " و "حسنا " . فقال بعض البصريين : هو على أحد وجهين : إما أن يكون يراد ب "الحسن " "الحسن " وكلاهما لغة ، كما يقال : "البخل والبخل " ، وإما أن يكون جعل "الحسن " هو "الحسن " في التشبيه . وذلك أن الحسن "مصدر " و "الحسن " هو الشيء الحسن . ويكون ذلك حينئذ كقولك : "إنما أنت أكل وشرب " ، وكما قال الشاعر :
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
[ ص: 295 ] فجعل "التحية " ضربا .
وقال آخر : بل "الحسن " هو الاسم العام الجامع جميع معاني الحسن . و"الحسن " هو البعض من معاني "الحسن " . قال : ولذلك قال جل ثناؤه إذ أوصى بالوالدين : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) [ العنكبوت : 8 ] يعني بذلك أنه وصاه فيهما بجميع معاني الحسن ، وأمر في سائر الناس ببعض الذي أمره به في والديه ، فقال : ( وقولوا للناس حسنا ) ، يعني بذلك بعض معاني الحسن .
قال أبو جعفر : والذي قاله هذا القائل في معنى "الحسن " بضم الحاء وسكون السين ، غير بعيد من الصواب ، وأنه اسم لنوعه الذي سمي به . وأما "الحسن " فإنه صفة وقعت لما وصف به ، وذلك يقع بخاص ، وإذا كان الأمر كذلك ، فالصواب من القراءة في قوله : ( وقولوا للناس حسنا ) ، لأن القوم إنما أمروا في هذا العهد الذي قيل لهم : "وقولوا للناس " باستعمال الحسن من القول ، دون سائر معاني الحسن الذي يكون بغير القول . وذلك نعت لخاص من معاني الحسن ، وهو القول . فلذلك اخترت قراءته بفتح الحاء والسين ، على قراءته بضم الحاء وسكون السين .
وأما الذي قرأ ذلك : ( وقولوا للناس حسنى ) فإنه خالف بقراءته إياه كذلك ، قراءة أهل الإسلام . وكفى شاهدا على خطأ القراءة بها كذلك ، خروجها من قراءة أهل الإسلام ، لو لم يكن على خطئها شاهد غيره . فكيف وهي مع ذلك خارجة من المعروف من كلام العرب؟ وذلك أن العرب لا تكاد أن تتكلم ب "فعلى " "وأفعل " إلا بالألف واللام أو بالإضافة . لا يقال : "جاءني أحسن " ، حتى يقولوا : "الأحسن " . ولا يقال : "أجمل " ، حتى يقولوا ، "الأجمل " . وذلك أن "الأفعل" والفعلى " ، لا يكادان يوجدان صفة إلا لمعهود معروف ، كما تقول : بل أخوك الأحسن - وبل أختك الحسنى " . وغير جائز أن يقال : امرأة حسنى ، ورجل أحسن .
وأما تأويل القول الحسن الذي أمر الله به الذين وصف أمرهم من بني إسرائيل [ ص: 296 ] في هذه الآية ، أن يقولوه للناس ، فهو ما : -
1451 - حدثنا به أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وقولوا للناس حسنا ) ، أمرهم أيضا بعد هذا الخلق : أن يقولوا للناس حسنا : أن يأمروا ب "لا إله إلا الله " من لم يقلها ورغب عنها ، حتى يقولوها كما قالوها ، فإن ذلك قربة من الله جل ثناؤه . وقال الحسن أيضا : لين القول ، من الأدب الحسن الجميل والخلق الكريم ، وهو مما ارتضاه الله وأحبه .
1452 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وقولوا للناس حسنا ) ، قال : قولوا للناس معروفا .
1453 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : ( وقولوا للناس حسنا ) ، قال : صدقا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم .
1454 - وحدثت عن يزيد بن هارون قال ، سمعت سفيان الثوري يقول في قوله : ( وقولوا للناس حسنا ) ، قال : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر .
1455 - حدثني هارون بن إدريس الأصم قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال : حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال ، سألت عطاء بن أبي رباح ، عن قول الله جل ثناؤه : ( وقولوا للناس حسنا ) ، قال : من لقيت من الناس فقل له حسنا من القول . قال : وسألت أبا جعفر ، فقال مثل ذلك .
1456 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا القاسم قال : أخبرنا عبد الملك ، [ ص: 297 ] عن أبي جعفر وعطاء بن أبي رباح في قوله : ( وقولوا للناس حسنا ) ، قال : للناس كلهم .
1457 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وأقيموا الصلاة ) ، أدوها بحقوقها الواجبة عليكم فيها كما : -
1458 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن مسعود قال : ( وأقيموا الصلاة ) هذه وإقامة الصلاة " تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع ، والإقبال عليها فيها .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وآتوا الزكاة )
قال أبو جعفر : قد بينا فيما مضى قبل ، معنى "الزكاة " وما أصلها .
وأما الزكاة التي كان الله أمر بها بني إسرائيل الذين ذكر أمرهم في هذه الآية ، فهي ما : -
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(129)
الحلقة (143)
صــ 298إلى صــ 303
1459 - حدثنا به أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وآتوا الزكاة ) ، قال : إيتاء الزكاة ، ما كان الله فرض عليهم في أموالهم من الزكاة ، وهي سنة كانت لهم غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم . كانت زكاة أموالهم قربانا تهبط إليه نار [ ص: 298 ] فتحملها ، فكان ذلك تقبله . ومن لم تفعل النار به ذلك كان غير متقبل ، وكان الذي قرب من مكسب لا يحل : من ظلم أو غشم ، أو أخذ بغير ما أمره الله به وبينه له .
1460 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وآتوا الزكاة ) ، يعني "بالزكاة " : طاعة الله والإخلاص .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ( 83 ) )
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن يهود بني إسرائيل ، أنهم نكثوا عهده ونقضوا ميثاقه ، بعدما أخذ الله ميثاقهم على الوفاء له ، بأن لا يعبدوا غيره ، وأن يحسنوا إلى الآباء والأمهات ، ويصلوا الأرحام ، ويتعطفوا على الأيتام ، ويؤدوا حقوق أهل المسكنة إليهم ، ويأمروا عباد الله بما أمرهم الله به ويحثوهم على طاعته ، ويقيموا الصلاة بحدودها وفرائضها ، ويؤتوا زكاة أموالهم - فخالفوا أمره في ذلك كله ، وتولوا عنه معرضين ، إلا من عصمه الله منهم ، فوفى لله بعهده وميثاقه ، كما : -
1461 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس قال : لما فرض الله جل وعز عليهم - يعني : على هؤلاء الذين وصف الله أمرهم في كتابه من بني إسرائيل - هذا الذي ذكر أنه أخذ ميثاقهم به ، أعرضوا عنه استثقالا له وكراهية ، وطلبوا ما خف عليهم إلا قليلا منهم ، وهم الذين استثنى الله فقال : ( ثم توليتم ) ، يقول : أعرضتم عن طاعتي ، ( إلا قليلا منكم ) ، قال : القليل الذين اخترتهم [ ص: 299 ] لطاعتي ، وسيحل عقابي بمن تولى وأعرض عنها يقول : تركها استخفافا بها . .
1462 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ) ، أي تركتم ذلك كله .
وقال بعضهم : عنى الله جل ثناؤه بقوله : ( وأنتم معرضون ) ، اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعنى بسائر الآية أسلافهم . كأنه ذهب إلى أن معنى الكلام : ( ثم توليتم إلا قليلا منكم ) : ثم تولى سلفكم إلا قليلا منهم ، ولكنه جعل خطابا لبقايا نسلهم - على ما ذكرناه فيما مضى قبل - ثم قال : وأنتم يا معشر بقاياهم معرضون أيضا عن الميثاق الذي أخذ عليكم بذلك ، وتاركوه ترك أوائلكم .
وقال آخرون : بل قوله : ( ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ) ، خطاب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل ، وذم لهم بنقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم في التوراة ، وتبديلهم أمر الله ، وركوبهم معاصيه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم )
قال أبو جعفر : قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ) في المعنى والإعراب نظير قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) . [ ص: 300 ] وأما "سفك الدم " ، فإنه صبه وإراقته .
فإن قال قائل : وما معنى قوله : ( لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) ؟ وقال : أو كان القوم يقتلون أنفسهم ويخرجونها من ديارها ، فنهوا عن ذلك؟ قيل : ليس الأمر في ذلك على ما ظننت ، ولكنهم نهوا عن أن يقتل بعضهم بعضا . فكان في قتل الرجل منهم الرجل قتل نفسه ؛ إذ كانت ملتهما [ واحدة ، فهما ] بمنزلة رجل واحد ، كما قال عليه السلام :
1463 - "إنما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم بينهم بمنزلة الجسد الواحد ، إذا اشتكى بعضه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " .
وقد يجوز أن يكون معنى قوله : ( لا تسفكون دماءكم ) ، أي : لا يقتل الرجل منكم الرجل منكم ، فيقاد به قصاصا ، فيكون بذلك قاتلا نفسه ؛ لأنه كان الذي سبب لنفسه ما استحقت به القتل . فأضيف بذلك إليه قتل ولي المقتول إياه قصاصا بوليه . كما يقال للرجل يركب فعلا من الأفعال يستحق به العقوبة ، فيعاقب العقوبة : "أنت جنيت هذا على نفسك " .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1464 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ) ، أي : لا يقتل بعضكم بعضا ، ( ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) ، ونفسك يا ابن آدم أهل ملتك .
[ ص: 301 ] 1465 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ) ، يقول : لا يقتل بعضكم بعضا ، ( ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) ، يقول : لا يخرج بعضكم بعضا من الديار .
1466 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة في قوله : ( لا تسفكون دماءكم ) ، يقول : لا يقتل بعضكم بعضا بغير حق ، ( ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) ، فتسفك - يا ابن آدم - دماء أهل ملتك ودعوتك .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ثم أقررتم )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( ثم أقررتم ) ، بالميثاق الذي أخذنا عليكم : لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ، كما : -
1467 - حدثنا المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ثم أقررتم ) ، يقول : أقررتم بهذا الميثاق .
1468 - وحدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأنتم تشهدون ( 84 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن خوطب بقوله : ( وأنتم تشهدون ) . فقال بعضهم : ذلك خطاب من الله تعالى ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام هجرته إليه ، مؤنبا لهم على تضييع أحكام ما في أيديهم من التوراة التي كانوا يقرون بحكمها ، فقال الله تعالى لهم : ( ثم أقررتم ) ، [ ص: 302 ] يعني بذلك ، إقرار أوائلكم وسلفكم ، ( وأنتم تشهدون ) على إقرارهم بأخذ الميثاق عليهم ، بأن لا يسفكوا دماءهم ، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم ، وتصدقون بأن ذلك حق من ميثاقي عليهم . وممن حكي معنى هذا القول عنه ، ابن عباس .
1469 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ) أن هذا حق من ميثاقي عليكم .
وقال آخرون : بل ذلك خبر من الله - جل ثناؤه عن أوائلهم ، ولكنه تعالى ذكره أخرج الخبر بذلك عنهم مخرج المخاطبة ، على النحو الذي وصفنا في سائر الآيات التي هي نظائرها ، التي قد بينا تأويلها فيما مضى .
وتأولوا قوله : ( وأنتم تشهدون ) ، على معنى : وأنتم شهود .
ذكر من قال ذلك :
1470 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : ( وأنتم تشهدون ) ، يقول : وأنتم شهود .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب عندي : أن يكون قوله : ( وأنتم تشهدون ) خبرا عن أسلافهم ، وداخلا فيه المخاطبون منهم ، الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كان قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) خبرا عن أسلافهم ، وإن كان خطابا للذين أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله تعالى أخذ ميثاق الذين كانوا على عهد رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل - على سبيل ما قد بينه لنا في كتابه - فألزم جميع من بعدهم من ذريتهم من حكم التوراة ، مثل الذي ألزم منه من كان على عهد موسى منهم . ثم أنب الذين خاطبهم بهذه الآيات على نقضهم ونقض سلفهم [ ص: 303 ] ذلك الميثاق ، وتكذيبهم ما وكدوا على أنفسهم له بالوفاء من العهود ، بقوله : ( ثم أقررتم وأنتم تشهدون ) . فإذ كان خارجا على وجه الخطاب للذين كانوا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم منهم ، فإنه معني به كل من واثق بالميثاق منهم على عهد موسى ومن بعده ، وكل من شهد منهم بتصديق ما في التوراة ؛ لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بقوله : ( ثم أقررتم وأنتم تشهدون ) - وما أشبه ذلك من الآي - بعضهم دون بعض ، والآية محتملة أن يكون أريد بها جميعهم . فإذا كان ذلك كذلك ، فليس لأحد أن يدعي أنه أريد بها بعض منهم دون بعض . وكذلك حكم الآية التي بعدها ، أعني قوله : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) الآية . لأنه قد ذكر لنا أن أوائلهم قد كانوا يفعلون من ذلك ما كان يفعله أواخرهم الذين أدركوا عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان )
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(130)
الحلقة (144)
صــ 304إلى صــ 309
قال أبو جعفر : ويتجه في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء ) وجهان : أحدهما أن يكون أريد به : ثم أنتم يا هؤلاء ، فترك "يا " استغناء بدلالة الكلام عليه ، كما قال : ( يوسف أعرض عن هذا ) [ يوسف : 29 ] ، وتأويله : يا يوسف أعرض عن هذا . فيكون معنى الكلام حينئذ : ثم أنتم يا معشر يهود بني إسرائيل - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم : لا تسفكون دماءكم ، ولا تخرجون أنفسكم [ ص: 304 ] من دياركم ، ثم أقررتم بعد شهادتكم على أنفسكم بأن ذلك حق لي عليكم ، لازم لكم الوفاء لي به - تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، متعاونين عليهم ، في إخراجكم إياهم ، بالإثم والعدوان! .
والتعاون هو "التظاهر " . وإنما قيل للتعاون "التظاهر " ، لتقوية بعضهم ظهر بعض ؛ فهو "تفاعل " من "الظهر " ، وهو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعض .
والوجه الآخر : أن يكون معناه : ثم أنتم قوم تقتلون أنفسكم ؛ فيرجع إلى الخبر عن "أنتم " . وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم "بهؤلاء " ، كما تقول العرب : "أنا ذا أقوم ، وأنا هذا أجلس " ، وإذا قيل : "أنا هذا أجلس " كان صحيحا جائزا كذلك : أنت ذاك تقوم " .
وقد زعم بعض البصريين أن قوله : "هؤلاء " في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء ) ، تنبيه وتوكيد ل "أنتم " . وزعم أن "أنتم " وإن كانت كناية أسماء جماع المخاطبين ، فإنما جاز أن يؤكدوا ب "هؤلاء " و "أولاء " ؛ لأنها كناية عن المخاطبين ، كما قال خفاف بن ندبة :
أقول له والرمح يأطر متنه : تبين خفافا إنني أنا ذلكا
يريد : أنا هذا ، وكما قال جل ثناؤه : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس : 22 ]
[ ص: 305 ] ثم اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية ، نحو اختلافهم فيمن عني بقوله : ( وأنتم تشهدون ) ذكر اختلاف المختلفين في ذلك :
1471 - حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) إلى أهل الشرك ، حتى تسفكوا دماءهم معهم ، وتخرجوهم من ديارهم معهم . قال : أنبهم الله [ على ذلك ] من فعلهم ، وقد حرم عليهم في التوراة سفك دمائهم ، وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ، فكانوا فريقين : طائفة منهم من بني قينقاع حلفاء الخزرج ، والنضير وقريظة حلفاء الأوس . فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس ، يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه ، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة ، يعرفون منها ما عليهم وما لهم . والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان ، لا يعرفون جنة ولا نارا ، ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حراما ولا حلالا فإذا وضعت الحرب أوزارها ، افتدوا أسراهم ؛ تصديقا لما في التوراة ، وأخذا به ، بعضهم من بعض . يفتدي بنو قينقاع ما كان من أسراهم في أيدي الأوس ، [ ص: 306 ] وتفتدي النضير وقريظة ما كان في أيدي الخزرج منهم ، ويطلون ما أصابوا من الدماء ، وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم ؛ مظاهرة لأهل الشرك عليهم . يقول الله تعالى ذكره ، حين أنبهم بذلك : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، أي تفادونه بحكم التوراة وتقتلونه - وفي حكم التوراة أن لا يقتل ، ولا يخرج من داره ، ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ويعبد الأوثان من دونه ؛ ابتغاء عرض من عرض الدنيا .
ففي ذلك من فعلهم مع الأوس والخزرج - فيما بلغني - نزلت هذه القصة .
1472 - وحدثني موسى بن هارون قال : حدثني عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ) قال : إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة : أن لا يقتل بعضهم بعضا ، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه ، فأعتقوه ، فكانت قريظة حلفاء الأوس ، والنضير حلفاء الخزرج ، فكانوا يقتتلون في حرب سمير . فيقاتل بنو قريظة مع حلفائها ، النضير وحلفاءها . وكانت النضير تقاتل قريظة وحلفاءها ، فيغلبونهم ، فيخربون بيوتهم ، ويخرجونهم منها ، فإذا أسر الرجل من الفريقين كليهما ، جمعوا له حتى [ ص: 307 ] يفدوه ، فتعيرهم العرب بذلك ، ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم ، وحرم علينا قتالهم . قالوا : فلم تقاتلونهم؟ قالوا : إنا نستحيي أن تستذل حلفاؤنا . فذلك حين عيرهم - جل وعز - فقال : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ) .
1473 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كانت قريظة والنضير أخوين ، وكانوا بهذه المثابة ، وكان الكتاب بأيديهم ، وكانت الأوس والخزرج أخوين فافترقا ، وافترقت قريظة والنضير ، فكانت النضير مع الخزرج ، وكانت قريظة مع الأوس ، فاقتتلوا ، وكان بعضهم يقتل بعضا ، فقال الله جل ثناؤه : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ) الآية .
وقال آخرون بما : -
1474 - حدثني به المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : كان في بني إسرائيل : إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم . وقد أخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم .
قال أبو جعفر : وأما "العدوان " فهو "الفعلان " من "التعدي " ، يقال منه : "عدا فلان في كذا عدوا وعدوانا ، واعتدى يعتدي اعتداء " ، وذلك إذا جاوز حده ظلما وبغيا .
وقد اختلف القرأة في قراءة : ( تظاهرون ) . فقرأها بعضهم : "تظاهرون " على مثال "تفاعلون " فحذف التاء الزائدة وهي التاء الآخرة . وقرأها آخرون : [ ص: 308 ] ( تظاهرون ) ، فشدد ، بتأويل : ( تتظاهرون ) ، غير أنهم أدغموا التاء الثانية في الظاء ، لتقارب مخرجيهما ، فصيروهما ظاء مشددة . وهاتان القراءتان ، وإن اختلفت ألفاظهما ، فإنهما متفقتا المعنى ؛ فسواء بأي ذلك قرأ القارئ ؛ لأنهما جميعا لغتان معروفتان ، وقراءتان مستفيضتان في أمصار الإسلام بمعنى واحد ، ليس في إحداهما معنى تستحق به اختيارها على الأخرى ، إلا أن يختار مختار "تظاهرون " المشددة طلبا منه تتمة الكلمة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ) اليهود . يوبخهم بذلك ، ويعرفهم به قبيح أفعالهم التي كانوا يفعلونها ، فقال لهم : ثم أنتم - بعد إقراركم بالميثاق الذي أخذته عليكم : أن لا تسفكوا دماءكم ، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم - تقتلون أنفسكم يعني به : يقتل بعضكم بعضا وأنتم - مع قتلكم من تقتلون منكم - إذا وجدتم الأسير منكم في أيدي غيركم من أعدائكم ، تفدونه ، ويخرج بعضكم بعضا من دياره! وقتلكم إياهم وإخراجكموهم من ديارهم ، حرام عليكم ، وتركهم أسرى في أيدي عدوكم [ حرام عليكم ] ، فكيف تستجيزون قتلهم ، ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم؟ أم كيف لا تستجيزون ترك فدائهم ، وتستجيزون قتلهم؟! وهما جميعا في اللازم لكم من الحكم فيهم - سواء ؛ لأن الذي حرمت عليكم [ ص: 309 ] من قتلهم وإخراجهم من دورهم ، نظير الذي حرمت عليكم من تركهم أسرى في أيدي عدوهم ، أفتؤمنون ببعض الكتاب - الذي فرضت عليكم فيه فرائضي ، وبينت لكم فيه حدودي ، وأخذت عليكم بالعمل بما فيه ميثاقي - فتصدقون به ، فتفادون أسراكم من أيدي عدوكم; وتكفرون ببعضه ، فتجحدونه ، فتقتلون من حرمت عليكم قتله من أهل دينكم ومن قومكم ، وتخرجونهم من ديارهم؟ وقد علمتم أن الكفر منكم ببعضه نقض منكم عهدي وميثاقي؟ كما : -
1475 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، [ أفتؤمنون ببعض الكتاب فادين ، وتكفرون ببعض قاتلين ومخرجين ] ؟ والله إن فداءهم لإيمان ، وإن إخراجهم لكفر . فكانوا يخرجونهم من ديارهم ، وإذا رأوهم أسارى في أيدي عدوهم افتكوهم .
1476 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وإن يأتوكم أسارى تفدوهم ) ، قد علمتم أن ذلكم عليكم في دينكم ، ( وهو محرم عليكم ) في كتابكم ( إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، أتفادونهم مؤمنين بذلك ، وتخرجونهم كفرا بذلك .
1477 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وإن يأتوكم أسارى تفدوهم ) يقول : إن وجدته في يد غيرك فديته ، وأنت تقتله بيدك!
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(131)
الحلقة (145)
صــ 310إلى صــ 315
1478 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر قال : قال أبو جعفر : كان قتادة يقول في قوله : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، فكان إخراجهم كفرا ، وفداؤهم إيمانا .
1479 - حدثنا المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) الآية ، قال : كان في بني إسرائيل : إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم ، وقد أخذ عليهم الميثاق : أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم ، وأخذ عليهم الميثاق : إن أسر بعضهم أن يفادوهم ، فأخرجوهم من ديارهم ، ثم فادوهم ، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض . آمنوا بالفداء ففدوا ، وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوا .
1480 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر قال : حدثنا الربيع بن أنس قال ، أخبرني أبو العالية : أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه العرب ، ولا يفادي من وقع عليه العرب ، فقال له عبد الله بن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك : أن فادوهن كلهن .
1481 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، قال : كفرهم القتل والإخراج ، وإيمانهم الفداء . قال ابن جريج : يقول : إذا كانوا عندكم تقتلونهم وتخرجونهم من ديارهم ، وأما إذا أسروا تفدونهم؟ وبلغني أن عمر بن الخطاب قال في قصة بني إسرائيل : إن بني إسرائيل قد مضوا ، وإنكم أنتم تعنون بهذا الحديث .
قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة قوله : ( وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ) [ ص: 311 ] فقرأه بعضهم : ( أسرى تفدوهم ) ، وبعضهم : ( أسارى تفادوهم ) ، وبعضهم ( أسارى تفدوهم ) ، وبعضهم : ( أسرى تفادوهم ) .
قال أبو جعفر : فمن قرأ ذلك : ( وإن يأتوكم أسرى ) ، فإنه أراد جمع "الأسير " ، إذ كان على "فعيل " ، على مثال جمع أسماء ذوي العاهات التي يأتي واحدها على تقدير "فعيل " ، إذ كان "الأسر " شبيه المعنى - في الأذى والمكروه الداخل على الأسير - ببعض معاني العاهات ، وألحق جمع المستلحق به بجمع ما وصفنا ، فقيل : أسير وأسرى " ، كما قيل : "مريض ومرضى ، وكسير وكسرى ، وجريح وجرحى " .
وقال أبو جعفر : وأما الذين قرءوا ذلك : ( أسارى ) ، فإنهم أخرجوه على مخرج جمع "فعلان " ، إذ كان جمع "فعلان " الذي له "فعلى " قد يشارك جمع "فعيل " كما قالوا : "سكارى وسكرى ، وكسالى وكسلى " ، فشبهوا "أسيرا " - وجمعوه مرة "أسارى " ، وأخرى "أسرى " - بذلك .
وكان بعضهم يزعم أن معنى "الأسرى " مخالف معنى "الأسارى " ، ويزعم أن معنى "الأسرى " استئسار القوم بغير أسر من المستأسر لهم ، وأن معنى "الأسارى " معنى مصير القوم المأسورين في أيدي الآسرين بأسرهم وأخذهم قهرا وغلبة .
قال أبو جعفر : وذلك ما لا وجه له يفهم في لغة أحد من العرب . ولكن ذلك على ما وصفت من جمع "الأسير " مرة على "فعلى " لما بينت من العلة ، ومرة على "فعالى " ، لما ذكرت : من تشبيههم جمعه بجمع "سكران وكسلان " وما أشبه ذلك .
وأولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأ ( وإن يأتوكم أسرى ) ، لأن "فعالى " في جمع "فعيل " غير مستفيض في كلام العرب ، فإذا كان ذلك غير مستفيض في كلامهم ، وكان مستفيضا فاشيا فيهم جمع ما كان من الصفات - التي بمعنى [ ص: 312 ] الآلام والزمانة - وواحده على تقدير "فعيل " ، على "فعلى " ، كالذي وصفنا قبل ، وكان أحد ذلك "الأسير " ، كان الواجب أن يلحق بنظائره وأشكاله ، فيجمع جمعها دون غيرها ممن خالفها .
وأما من قرأ : ( تفادوهم ) ، فإنه أراد : أنكم تفدونهم من أسرهم ، ويفدي منكم - الذين أسروهم ففادوكم بهم - أسراكم منهم .
وأما من قرأ ذلك ( تفدوهم ) ، فإنه أراد : إنكم يا معشر اليهود ، إن أتاكم الذين أخرجتموهم منكم من ديارهم أسرى فديتموهم فاستنقذتموهم .
وهذه القراءة أعجب إلي من الأولى - أعني : ( أسرى تفادوهم ) - لأن الذي على اليهود في دينهم فداء أسراهم بكل حال ، فدى الآسرون أسراهم منهم أم لم يفدوهم .
وأما قوله : ( وهو محرم عليكم إخراجهم ) ، فإن في قوله : ( وهو ) وجهين من التأويل . أحدهما : أن يكون كناية عن الإخراج الذي تقدم ذكره . كأنه قال : وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، وإخراجهم محرم عليكم ، ثم كرر "الإخراج " الذي بعد "وهو محرم عليكم " تكريرا على "هو " ؛ لما حال بين "الإخراج " و"هو " كلام .
والتأويل الثاني : أن يكون عمادا ، لما كانت " الواو " التي مع "هو " تقتضي اسما يليها دون الفعل ؛ فلما قدم الفعل قبل الاسم - الذي تقتضيه "الواو " أن يليها - أوليت "هو " ؛ لأنه اسم ، كما تقول : "أتيتك وهو قائم أبوك " ، بمعنى : "وأبوك قائم " ؛ إذ كانت "الواو " تقتضي اسما ، فعمدت ب "هو " ، إذ سبق الفعل الاسم ليصلح الكلام . كما قال الشاعر :
[ ص: 313 ]
فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيته على العيس في آباطها عرق يبس بأن السلامي الذي بضرية
أمير الحمى ، قد باع حقي ، بني عبس بثوب ودينار وشاة ودرهم
فهل هو مرفوع بما ههنا رأس
فأوليت "هل " "هو " لطلبها الاسم العماد .
[ ص: 314 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم ) : فليس لمن قتل منكم قتيلا ؛ فكفر بقتله إياه ، بنقض عهد الله الذي حكم به عليه في التوراة - وأخرج منكم فريقا من ديارهم مظاهرا عليهم أعداءهم من أهل الشرك ظلما وعدوانا وخلافا لما أمره الله به في كتابه الذي أنزله إلى موسى جزاء - يعني "بالجزاء " : الثواب ، وهو العوض مما فعل من ذلك والأجر عليه - إلا خزي في الحياة الدنيا . و"الخزي " : الذل والصغار ، يقال منه : "خزي الرجل يخزى خزيا " ، ( في الحياة الدنيا ) ، يعني : في عاجل الدنيا قبل الآخرة .
ثم اختلف في الخزي الذي أخزاهم الله بما سلف من معصيتهم إياه . فقال بعضهم : ذلك هو حكم الله الذي أنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : من أخذ القاتل بمن قتل ، والقود به قصاصا ، والانتقام للمظلوم من الظالم .
وقال آخرون : بل ذلك ، هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على دينهم ، ذلة لهم وصغارا .
وقال آخرون : بل ذلك الخزي الذي جوزوا به في الدنيا : إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم النضير من ديارهم لأول الحشر ، وقتل مقاتلة قريظة وسبي ذراريهم ، فكان ذلك خزيا في الدنيا ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم .
[ ص: 315 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ) : ويوم تقوم الساعة يرد من يفعل ذلك منكم - بعد الخزي الذي يحل به في الدنيا جزاء على معصية الله - إلى أشد العذاب الذي أعد الله لأعدائه .
وقد قال بعضهم : معنى ذلك : ويوم القيامة يردون إلى أشد من عذاب الدنيا .
ولا معنى لقول قائل ذلك . ذلك بأن الله - جل ثناؤه - إنما أخبر أنهم يردون إلى أشد معاني العذاب ، ولذلك أدخل فيه "الألف واللام " ؛ لأنه عنى به جنس العذاب كله ، دون نوع منه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وما الله بغافل عما تعملون ( 85 ) )
قال أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعضهم : ( وما الله بغافل عما يعملون ) ب "الياء " ، على وجه الإخبار عنهم ، فكأنهم نحوا بقراءتهم معنى : ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون ) ، يعني : عما يعمله الذين أخبر الله عنهم أنه ليس لهم جزاء على فعلهم إلا الخزي في الحياة الدنيا ، ومرجعهم في الآخرة إلى أشد العذاب .
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(132)
الحلقة (146)
صــ 316إلى صــ 321
وقرأه آخرون : ( وما الله بغافل عما تعملون ) ب "التاء " على وجه المخاطبة . [ ص: 316 ] قال : فكأنهم نحوا بقراءتهم : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) . وما الله بغافل ، يا معشر اليهود ، عما تعملون أنتم .
وأعجب القراءتين إلي قراءة من قرأ ب "الياء " ، اتباعا لقوله : ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم ) ، ولقوله : ( ويوم القيامة يردون ) ؛ لأن قوله : ( وما الله بغافل عما يعملون ) إلى ذلك ، أقرب منه إلى قوله : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) ، فاتباعه الأقرب إليه ، أولى من إلحاقه بالأبعد منه ، والوجه الآخر غير بعيد من الصواب .
وتأويل قوله : "وما الله بغافل عما يعملون" ، وما الله بساه عن أعمالهم الخبيثة ، بل هو محص لها وحافظها عليهم حتى يجازيهم بها في الآخرة ، ويخزيهم في الدنيا ، فيذلهم ويفضحهم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ( 86 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه أولئك الذين أخبر عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ، فيفادون أسراهم من اليهود ، ويكفرون ببعض ، فيقتلون من حرم الله عليهم قتله من أهل ملتهم ، ويخرجون من داره من حرم الله عليهم إخراجه من داره ، نقضا لعهد الله وميثاقه في التوراة إليهم . فأخبر جل ثناؤه أن هؤلاء [ هم ] الذين اشتروا رياسة الحياة الدنيا على الضعفاء وأهل الجهل والغباء من أهل ملتهم ، وابتاعوا المآكل الخسيسة الرديئة فيها بالإيمان ، الذي كان يكون لهم به في الآخرة - لو كانوا أتوا به مكان الكفر - الخلود في الجنان . وإنما وصفهم الله جل ثناؤه [ ص: 317 ] بأنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ، لأنهم رضوا بالدنيا بكفرهم بالله فيها ، عوضا من نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين . فجعل حظوظهم من نعيم الآخرة بكفرهم بالله ، ثمنا لما ابتاعوه به من خسيس الدنيا ، كما : -
1482 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) ، استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة .
قال أبو جعفر : ثم أخبر الله جل ثناؤه أنهم إذ باعوا حظوظهم من نعيم الآخرة - بتركهم طاعته ، وإيثارهم الكفر به والخسيس من الدنيا عليه - لا حظ لهم في نعيم الآخرة ، وأن الذي لهم في الآخرة العذاب ، غير مخفف عنهم فيها العذاب ؛ لأن الذي يخفف عنه فيها من العذاب ، هو الذي له حظ في نعيمها ، ولا حظ لهؤلاء ، لاشترائهم - بالذي كان في الدنيا - دنياهم بآخرتهم .
وأما قوله : ( ولا هم ينصرون ) فإنه أخبر عنهم أنه لا ينصرهم في الآخرة أحد ، فيدفع عنهم بنصرته عذاب الله - لا بقوته ولا بشفاعته ولا غيرهما .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( آتينا موسى الكتاب ) : أنزلناه إليه . وقد بينا أن معنى "الإيتاء " الإعطاء ، فيما مضى قبل .
[ ص: 318 ] و " الكتاب " الذي آتاه الله موسى عليه السلام ، هو التوراة .
وأما قوله : ( وقفينا ) ، فإنه يعني : وأردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض ، كما يقفو الرجل الرجل : إذا سار في أثره من ورائه . وأصله من "القفا " ، يقال منه : "قفوت فلانا : إذا صرت خلف قفاه ، كما يقال : "دبرته " : إذا صرت في دبره .
ويعني بقوله : ( من بعده ) ، من بعد موسى .
ويعني ب ( الرسل ) : الأنبياء ، وهم جمع "رسول " . يقال : "هو رسول وهم رسل " ، كما يقال : "هو صبور وهم قوم صبر ، وهو رجل شكور وهم قوم شكر .
وإنما يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( وقفينا من بعده بالرسل ) ، أي أتبعنا بعضهم بعضا على منهاج واحد وشريعة واحدة ؛ لأن كل من بعثه الله نبيا بعد موسى صلى الله عليه وسلم إلى زمان عيسى ابن مريم ، فإنما بعثه يأمر بني إسرائيل بإقامة التوراة ، والعمل بما فيها ، والدعاء إلى ما فيها ؛ فلذلك قيل : ( وقفينا من بعده بالرسل ) ، يعني على منهاجه وشريعته ، والعمل بما كان يعمل به .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات ) ، أعطينا عيسى ابن مريم .
ويعني ب " البينات " التي آتاه الله إياها : ما أظهر على يديه من الحجج والدلالة على نبوته : من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه ، ونحو ذلك من الآيات ، التي أبانت منزلته من الله ، ودلت على صدقه وصحة نبوته ، كما : -
1483 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثنا محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن [ ص: 319 ] عباس : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات ) : أي الآيات التي وضع على يديه : من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير ، ثم ينفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله ، وإبراء الأسقام ، والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم ، وما رد عليهم من التوراة ، مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأيدناه بروح القدس )
قال أبو جعفر : أما معنى قوله : ( وأيدناه ) ، فإنه قويناه فأعناه ، كما : -
1484 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( وأيدناه ) ، يقول : نصرناه . يقال منه : "أيدك الله " ، أي قواك ، "وهو رجل ذو أيد ، وذو آد " ، يراد : ذو قوة . ومنه قول العجاج :
من أن تبدلت بآدي آدا
يعني : بشبابي قوة المشيب ، ومنه قول الآخر :
إن القداح إذا اجتمعن فرامها بالكسر ذو جلد وبطش أيد
[ ص: 320 ] يعني بالأيد : القوي .
ثم اختلف في تأويل قوله : ( بروح القدس ) . فقال بعضهم : "روح القدس " الذي أخبر الله تعالى ذكره أنه أيد عيسى به ، هو جبريل عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
1485 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( وأيدناه بروح القدس ) قال : هو جبريل .
1486 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( وأيدناه بروح القدس ) ، قال : هو جبريل عليه السلام .
1487 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( وأيدناه بروح القدس ) ، قال : روح القدس ، جبريل .
1488 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وأيدناه بروح القدس ) ، قال : أيد عيسى بجبريل ، وهو روح القدس .
1489 - وقال ابن حميد ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي ، عن شهر بن حوشب الأشعري : أن نفرا من اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : أخبرنا عن الروح . قال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه جبريل؟ وهو [ الذي ] [ ص: 321 ] يأتيني؟ قالوا : نعم .
وقال آخرون : الروح الذي أيد الله به عيسى ، هو الإنجيل .
ذكر من قال ذلك :
1490 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وأيدناه بروح القدس ) ، قال : أيد الله عيسى بالإنجيل روحا ، كما جعل القرآن روحا كلاهما روح الله ، كما قال الله : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) [ الشورى : 52 ] .
وقال آخرون : هو الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى .
ذكر من قال ذلك :
1491 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وأيدناه بروح القدس ) ، قال : هو الاسم الذي كان يحيي عيسى به الموتى .
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(133)
الحلقة (147)
صــ 322إلى صــ 327
قال أبو جعفر : وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال : "الروح " في هذا الموضع جبريل ؛ لأن الله - جل ثناؤه - أخبر أنه أيد عيسى به ، كما أخبر في قوله : ( إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق ) [ المائدة : 110 ] ، فلو كان الروح الذي أيده الله به هو الإنجيل ، لكان قوله : "إذ أيدتك بروح القدس " ، و "إذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " ، تكرير قول لا معنى له . وذلك أنه على تأويل قول من قال : معنى ( إذ أيدتك بروح القدس ) ، إنما هو : إذ أيدتك بالإنجيل - وإذ علمتك الإنجيل ، وهو لا يكون به مؤيدا إلا وهو معلمه ، فذلك تكرير كلام واحد ، من غير زيادة معنى في أحدهما على الآخر . وذلك خلف من الكلام ، والله تعالى ذكره يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة . وإذ كان ذلك كذلك ، فبين فساد قول من زعم أن "الروح " في هذا الموضع ، الإنجيل ، وإن كان جميع كتب الله التي أوحاها إلى رسله روحا منه لأنها تحيا بها القلوب الميتة ، وتنتعش بها النفوس المولية ، وتهتدي بها الأحلام الضالة .
وإنما سمى الله تعالى جبريل "روحا " وأضافه إلى "القدس " ، لأنه كان بتكوين الله له روحا من عنده ، من غير ولادة والد ولده ، فسماه بذلك "روحا " ، وأضافه إلى "القدس " - و "القدس " ، هو الطهر - كما سمي عيسى ابن مريم "روحا " لله من أجل تكوينه له روحا من عنده من غير ولادة والد ولده .
وقد بينا فيما مضى من كتابنا هذا ، أن معنى "التقديس " : التطهير ، و"القدس " - الطهر ، من ذلك . وقد اختلف أهل التأويل في معناه في هذا الموضع نحو اختلافهم في الموضع الذي ذكرناه .
1492 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : القدس ، البركة .
1493 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه قال : القدس ، وهو الرب تعالى ذكره .
[ ص: 323 ] 1494 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( وأيدناه بروح القدس ) ، قال : الله ، القدس ، وأيد عيسى بروحه ، قال : نعت الله القدس ، وقرأ قول الله جل ثناؤه : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس ) [ الحشر : 23 ] ، قال : القدس والقدوس ، واحد .
1495 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، [ عن هلال ] بن أسامة ، عن عطاء بن يسار قال : قال كعب : الله ، القدس .
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ( 87 ) )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم ) ، اليهود من بني إسرائيل .
1496 - حدثني بذلك محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .
قال أبو جعفر : يقول الله - جل ثناؤه - لهم : يا معشر يهود بني إسرائيل ، لقد آتينا موسى التوراة ، وتابعنا من بعده بالرسل إليكم ، وآتينا عيسى ابن مريم [ ص: 324 ] البينات والحجج ، إذ بعثناه إليكم ، وقويناه بروح القدس ، وأنتم كلما جاءكم رسول من رسلي بغير الذي تهواه نفوسكم استكبرتم عليهم - تجبرا وبغيا - استكبار إمامكم إبليس ، فكذبتم بعضا منهم ، وقتلتم بعضا! فهذا فعلكم أبدا برسلي .
وقوله : ( أفكلما ) ، وإن كان خرج مخرج التقرير في الخطاب ، فهو بمعنى الخبر .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالوا قلوبنا غلف )
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعضهم : ( وقالوا قلوبنا غلف ) مخففة اللام ساكنة . وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار . وقرأه بعضهم : "وقالوا قلوبنا غلف " مثقلة اللام مضمومة .
فأما الذين قرأوها بسكون اللام وتخفيفها ، فإنهم تأولوها ، أنهم قالوا : قلوبنا في أكنة وأغطية وغلف . و"الغلف " - على قراءة هؤلاء - جمع "أغلف " ، وهو الذي في غلاف وغطاء ، كما يقال للرجل الذي لم يختتن "أغلف " ، والمرأة "غلفاء " . وكما يقال للسيف إذا كان في غلافه : "سيف أغلف " ، وقوس غلفاء " وجمعهما "غلف " ، وكذلك جمع ما كان من النعوت ذكره على "أفعل " وأنثاه على "فعلاء " ، يجمع على "فعل " مضمومة الأول ساكنة الثاني ، مثل : " أحمر وحمر ، وأصفر وصفر " ، فيكون ذلك جماعا للتأنيث والتذكير . ولا يجوز تثقيل عين "فعل " منه ، إلا في ضرورة شعر ، كما قال طرفة بن العبد :
أيها الفتيان في مجلسنا جردوا منها ورادا وشقر [ ص: 325 ]
يريد : شقرا ، إلا أن الشعر اضطره إلى تحريك ثانيه فحركه . ومنه الخبر الذي : -
1497 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن عمرو بن مرة الجملي ، عن أبي البختري ، عن حذيفة قال : القلوب أربعة - ثم ذكرها - فقال فيما ذكر : وقلب أغلف معصوب عليه ، فذلك قلب الكافر .
ذكر من قال ذلك ، يعني أنها في أغطية .
1498 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق [ ص: 326 ] قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، أي في أكنة .
1499 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( قلوبنا غلف ) ، أي في غطاء .
1500 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، فهي القلوب المطبوع عليها .
1501 - حدثني عباس بن محمد قال : حدثنا حجاج قال : قال ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قوله : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، عليها غشاوة .
1502 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل قال ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، عليها غشاوة .
1503 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا شريك عن الأعمش قوله : ( قلوبنا غلف ) ، قال : هي في غلف .
1504 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، أي لا تفقه .
1505 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : هو كقوله : ( قلوبنا في أكنة ) [ فصلت : 5 ] .
1506 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( قلوبنا غلف ) قال : عليها طابع ، قال : هو كقوله : ( قلوبنا في أكنة ) .
1507 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( قلوبنا غلف ) ، أي لا تفقه .
[ ص: 327 ] 1508 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : يقولون : عليها غلاف ، وهو الغطاء .
1509 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قلوبنا غلف ) ، قال : يقول : قلبي في غلاف ، فلا يخلص إليه مما تقول شيء ، وقرأ : ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) [ فصلت : 5 ] .
قال أبو جعفر : وأما الذين قرأوها "غلف " بتحريك اللام وضمها ، فإنهم تأولوها أنهم قالوا : قلوبنا غلف للعلم ، بمعنى أنها أوعية .
قال : و"الغلف " على تأويل هؤلاء جمع "غلاف " . كما يجمع "الكتاب : كتب ، والحجاب : حجب ، والشهاب : شهب . فمعنى الكلام على تأويل قراءة من قرأ "غلف " بتحريك اللام وضمها ، وقالت اليهود : قلوبنا غلف للعلم ، وأوعية له ولغيره .
ذكر من قال ذلك :
1510 - حدثني عبيد بن أسباط بن محمد قال : حدثنا أبي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : أوعية للذكر .
1511 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية في قوله : ( قلوبنا غلف ) قال : أوعية للعلم .
1512 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل ، عن عطية مثله .
1513 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : مملوءة علما ، لا تحتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره .
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(134)
الحلقة (148)
صــ 328إلى صــ 333
والقراءة التي لا يجوز غيرها في قوله : ( قلوبنا غلف ) ، هي قراءة من قرأ ( غلف ) [ ص: 328 ] بتسكين اللام - بمعنى أنها في أغشية وأغطية ؛ لاجتماع الحجة من القرأة وأهل التأويل على صحتها ، وشذوذ من شذ عنهم بما خالفه ، من قراءة ذلك بضم "اللام " .
وقد دللنا على أن ما جاءت به الحجة متفقة عليه ، حجة على من بلغه . وما جاء به المنفرد ، فغير جائز الاعتراض به على ما جاءت به الجماعة التي تقوم بها الحجة نقلا وقولا وعملا في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا المكان . .
القول في تأويل قوله تعالى : ( بل لعنهم الله بكفرهم )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( بل لعنهم الله ) ، بل أقصاهم الله وأبعدهم وطردهم وأخزاهم وأهلكهم بكفرهم ، وجحودهم آيات الله وبيناته ، وما ابتعث به رسله ، وتكذيبهم أنبياءه . فأخبر - تعالى ذكره - أنه أبعدهم منه ومن رحمته بما كانوا يفعلون من ذلك .
وأصل "اللعن " الطرد والإبعاد والإقصاء يقال : "لعن الله فلانا يلعنه لعنا ، وهو ملعون " . ثم يصرف "مفعول " : فيقال : هو "لعين " . ومنه قول الشماخ بن ضرار :
ذعرت به القطا ونفيت عنه مكان الذئب كالرجل اللعين
قال أبو جعفر : في قول الله تعالى ذكره : ( بل لعنهم الله بكفرهم ) تكذيب منه للقائلين من اليهود : ( قلوبنا غلف ) ؛ لأن قوله : ( بل ) دلالة على جحده جل [ ص: 329 ] ذكره وإنكاره ما ادعوا من ذلك ؛ إذ كانت "بل " لا تدخل في الكلام إلا نقضا لمجحود . فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن معنى الآية : وقالت اليهود : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه يا محمد ، فقال الله تعالى ذكره : ما ذلك كما زعموا ، ولكن الله أقصى اليهود وأبعدهم من رحمته ، وطردهم عنها ، وأخزاهم بجحودهم له ولرسله ، فقليلا ما يؤمنون .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فقليلا ما يؤمنون ( 88 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) . فقال بعضهم ، معناه فقليل منهم من يؤمن ، أي لا يؤمن منهم إلا قليل .
ذكر من قال ذلك :
1514 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ) ، فلعمري لمن رجع من أهل الشرك أكثر ممن رجع من أهل الكتاب ، إنما آمن من أهل الكتاب رهط يسير .
1515 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، قال : لا يؤمن منهم إلا قليل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم .
ذكر من قال ذلك :
1516 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، قال : لا يؤمن منهم إلا قليل . قال معمر : وقال غيره : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلات في قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) بالصواب ، [ ص: 330 ] ما نحن متقنوه إن شاء الله . وهو أن الله - جل ثناؤه - أخبر أنه لعن الذين وصف صفتهم في هذه الآية ، ثم أخبر عنهم أنهم قليلو الإيمان بما أنزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . ولذلك نصب قوله : ( فقليلا ) ، لأنه نعت للمصدر المتروك ذكره . ومعناه : بل لعنهم الله بكفرهم ، فإيمانا قليلا ما يؤمنون ، فقد تبين إذا بما بينا فساد القول الذي روي عن قتادة في ذلك؛ لأن معنى ذلك ، لو كان على ما روي من أنه يعني به : فلا يؤمن منهم إلا قليل ، أو فقليل منهم من يؤمن ، لكان "القليل " مرفوعا لا منصوبا . لأنه إذا كان ذلك تأويله ، كان "القليل " حينئذ مرافعا "ما " . فإذ نصب "القليل " - و"ما " في معنى "من " أو "الذي " - [ فقد ] بقيت "ما " لا مرافع لها . وذلك غير جائز في لغة أحد من العرب .
فأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في معنى "ما " التي في قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) . فقال بعضهم : هي زائدة لا معنى لها ، وإنما تأويل الكلام : فقليلا يؤمنون ، كما قال جل ذكره : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) [ آل عمران : 159 ] وما أشبه ذلك ، فزعم أن "ما " في ذلك زائدة ، وأن معنى الكلام : فبرحمة من الله لنت لهم ، وأنشد في ذلك محتجا لقوله ذلك - بيت مهلهل :
لو بأبانين جاء يخطبها خضب ما أنف خاطب بدم
وزعم أنه يعني : خضب أنف خاطب بدم ، وأن "ما " زائدة .
وأنكر آخرون ما قاله قائل هذا القول في "ما " ، في الآية وفي البيت الذي [ ص: 331 ] أنشده ، وقالوا : إنما ذلك من المتكلم على ابتداء الكلام بالخبر عن عموم جميع الأشياء ، إذ كانت "ما " كلمة تجمع كل الأشياء ، ثم تخص وتعم ما عمته بما تذكره بعدها .
وهذا القول عندنا أولى بالصواب؛ لأن زيادة ما لا يفيد من الكلام معنى في الكلام غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه .
ولعل قائلا أن يقول : هل كان للذين أخبر الله عنهم أنهم قليلا ما يؤمنون - من الإيمان قليل أو كثير ، فيقال فيهم : "فقليلا ما يؤمنون "؟
قيل : إن معنى "الإيمان " هو التصديق ، وقد كانت اليهود التي أخبر الله عنها هذا الخبر تصدق بوحدانية الله ، وبالبعث والثواب والعقاب ، وتكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وكل ذلك كان فرضا عليهم الإيمان به ، لأنه في كتبهم ، ومما جاءهم به موسى ، فصدقوا ببعض - وذلك هو القليل من إيمانهم - وكذبوا ببعض ، فذلك هو الكثير الذي أخبر الله عنهم أنهم يكفرون به .
وقد قال بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء ، وإنما قيل : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : "قلما رأيت مثل هذا قط " . وقد روي عنها سماعا منها : مررت ببلاد قلما تنبت إلا الكراث والبصل " يعني : ما تنبت غير الكراث والبصل ، وما أشبه ذلك من الكلام الذي ينطق به بوصف الشيء ب "القلة " ، والمعنى فيه نفي جميعه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم )
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ، [ ص: 332 ] ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف - جل ثناؤه - صفتهم - ( كتاب من عند الله ) يعني ب "الكتاب " القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم ( مصدق لما معهم ) ، يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن ، كما : -
1518 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ، وهو القرآن الذي أنزل على محمد ، مصدقا لما معهم من التوراة والإنجيل .
1518 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ، وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، أي : وكان هؤلاء اليهود - الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان ، كفروا به - يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم ومعنى "الاستفتاح " ، الاستنصار يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه ، أي من قبل أن يبعث ، كما : -
1519 - حدثني ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق ، عن [ ص: 333 ] عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم قالوا : فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار ، وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم - نزلت هذه القصة يعني : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قالوا : كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية - ونحن أهل الشرك ، وهم أهل الكتاب - فكانوا يقولون : إن نبيا الآن مبعثه قد أظل زمانه ، يقتلكم قتل عاد وإرم ، فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه ، كفروا به . يقول الله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) .
1520 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ، كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة : يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبروننا أنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته! فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله - جل ثناؤه - في ذلك من قوله : ( ما يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .
1521 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس مثله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(135)
الحلقة (149)
صــ 334إلى صــ 339
1522 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب - يعني بذلك أهل الكتاب - فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم ، كفروا به وحسدوه .
1523 - وحدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن علي الأزدي في قول الله : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، قال : اليهود ، كانوا يقولون : اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس ، يستفتحون - يستنصرون - به على الناس .
1524 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن علي الأزدي - وهو البارقي - في قول الله جل ثناؤه : ( وكانوا من قبل يستفتحون ) ، فذكر مثله .
1525 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، كانت اليهود [ ص: 335 ] تستفتح بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب من قبل ، وقالوا : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم! فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فرأوا أنه بعث من غيرهم ، كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) .
1526 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب ، يقولون : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ويقتلهم! فلما بعث الله محمدا ، ورأوا أنه من غيرهم ، كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم *! فقال الله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .
1527 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) . قال : كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم ، وكانوا يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم في التوراة ، ويسألون الله أن يبعثه فيقاتلوا معه العرب ، فلما جاءهم محمد كفروا به ، حين لم يكن من بني إسرائيل .
1528 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، قال : كانوا يستفتحون على كفار العرب بخروج النبي صلى الله عليه وسلم ، ويرجون أن يكون منهم . فلما خرج ورأوه ليس منهم ، كفروا وقد عرفوا أنه الحق ، وأنه النبي . قال : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) .
1529 - قال حدثنا ابن جريج ، وقال مجاهد : يستفتحون بمحمد صلى الله [ ص: 336 ] عليه وسلم تقول : إنه - يخرج . ( فلما جاءهم ما عرفوا ) - وكان من غيرهم - كفروا به .
1530 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج - وقال ابن عباس : كانوا يستفتحون على كفار العرب .
1531 - حدثني المثنى قال : حدثني الحماني قال : حدثني شريك ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير قوله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ، قال : هم اليهود عرفوا محمدا أنه نبي وكفروا به .
1532 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ، قال : كانوا يستظهرون ، يقولون : نحن نعين محمدا عليهم ، وليسوا كذلك ، يكذبون .
1533 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ، سألت ابن زيد عن قول الله عز وجل : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) . قال : كانت يهود يستفتحون على كفار العرب ، يقولون : أما والله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى وعيسى ، أحمد ، لكان لنا عليكم! وكانوا يظنون أنه منهم ، والعرب حولهم ، وكانوا يستفتحون عليهم به ، ويستنصرون به ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وحسدوه ، وقرأ قول الله - جل ثناؤه : ( كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) [ سورة البقرة : 109 ] . قال : قد تبين لهم أنه رسول ، فمن هنالك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيا خارج .
قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فأين جواب قوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) ؟
قيل : قد اختلف أهل العربية في جوابه . فقال بعضهم : هو مما ترك جوابه ، استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه ، وبما قد ذكر من أمثاله في سائر القرآن . [ ص: 337 ] وقد تفعل العرب ذلك إذا طال الكلام ، فتأتي بأشياء لها أجوبة ، فتحذف أجوبتها ، لاستغناء سامعيها - بمعرفتهم بمعناها - عن ذكر الأجوبة ، كما قال جل ثناؤه : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا ) [ سورة الرعد : 31 ] ، فترك جوابه . والمعنى : "ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسيرت بهذا القرآن - استغناء بعلم السامعين بمعناه . . قالوا : فكذلك قوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) .
وقال آخرون : جواب قوله : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله ) في "الفاء " التي في قوله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ، وجواب الجزاءين في "كفروا به " ، كقولك : "لما قمت ، فلما جئتنا أحسنت " ، بمعنى : لما جئتنا إذ قمت أحسنت .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلعنة الله على الكافرين ( 89 ) )
قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على معنى اللعنة ، وعلى معنى "الكفر " ، بما فيه الكفاية .
فمعنى الآية : فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحق عليهم لله ولأنبيائه ، المنكرين لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ففي إخبار الله عز وجل عن اليهود - بما أخبر الله عنهم بقوله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) - البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، بعد قيام الحجة بنبوته عليهم ، وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم .
[ ص: 338 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا )
قال أبو جعفر ومعنى قوله جل ثناؤه : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) : ساء ما اشتروا به أنفسهم .
وأصل "بئس " "بئس " من "البؤس " ، سكنت همزتها ، ثم نقلت حركتها إلى "الباء " ، كما قيل في "ظللت " " ظلت " ، وكما قيل "للكبد " ، "كبد " - فنقلت حركة "الباء " إلى "الكاف " لما سكنت "الباء " .
وقد يحتمل أن تكون "بئس" ، وإن كان أصلها "بئس " ، من لغة الذين ينقلون حركة العين من "فعل " إلى الفاء ، إذا كانت عين الفعل أحد حروف الحلق الستة ، كما قالوا من "لعب " "لعب " ، و من "سئم " "سئم " ، وذلك - فيما يقال - لغة فاشية في تميم .
ثم جعلت دالة على الذم والتوبيخ ، ووصلت ب "ما " .
واختلف أهل العربية في معنى "ما " التي مع "بئسما " . فقال بعض نحويي البصرة : هي وحدها اسم ، و"أن يكفروا " تفسير له ، نحو : نعم رجلا زيد ، و"أن ينزل الله " بدل من "أنزل الله " .
وقال بعض نحويي الكوفة : معنى ذلك : بئس الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا ، ف "ما " اسم "بئس " ، و "أن يكفروا " الاسم الثاني ، وزعم أن : "أن يكفروا " إن شئت جعلت "أن " في موضع رفع ، وإن شئت في موضع خفض ، أما الرفع : فبئس الشيء هذا أن يفعلوه ، وأما الخفض : فبئس [ ص: 339 ] الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا . قال : وقوله : ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم ) [ سورة المائدة : 80 ] كمثل ذلك ، والعرب تجعل "ما " وحدها في هذا الباب بمنزلة الاسم التام ، كقوله : ( فنعما هي ) [ سورة البقرة : 271 ] ، و "بئسما أنت " ، واستشهد لقوله ذلك برجز بعض الرجاز :
لا تعجلا في السير وادلوها لبئسما بطء ولا نرعاها
قال أبو جعفر : والعرب تقول : لبئسما تزويج ولا مهر " ، فيجعلون "ما " وحدها اسما بغير صلة ، وقائل هذه المقالة لا يجيز أن يكون الذي يلي "بئس " معرفة موقتة ، وخبره معرفة موقتة ، وقد زعم أن "بئسما " بمنزلة : بئس الشيء اشتروا به أنفسهم؛ فقد صارت "ما" بصلتها اسما موقتا؛ لأن "اشتروا " فعل ماض من صلة "ما " ، في قول قائل هذه المقالة . وإذا وصلت بماض من الفعل ، كانت معرفة موقتة معلومة ، فيصير تأويل الكلام حينئذ : "بئس شراؤهم كفرهم " . وذلك عنده غير جائز : فقد تبين فساد هذا القول .
وكان آخر منهم يزعم أن "أن " في موضع خفض إن شئت ، ورفع إن شئت! فأما الخفض : فأن ترده على "الهاء " التي في "به " على التكرير على كلامين : كأنك قلت : اشتروا أنفسهم بالكفر ، وأما الرفع : فأن يكون مكرورا على موضع "ما " التي تلي "بئس " . قال : ولا يجوز أن يكون رفعا على قولك : "بئس الرجل عبد الله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg
-
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/12/28.jpg
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(136)
الحلقة (150)
صــ 340إلى صــ 345
وقال بعضهم : "بئسما " شيء واحد يرافع ما بعده كما حكي عن العرب : [ ص: 340 ] " بئسما تزويج ولا مهر " فرافع "تزويج " "بئسما " ، كما يقال : "بئسما زيد ، وبئس ما عمرو " ، فيكون "بئسما " رفعا بما عاد عليها من "الهاء" . كأنك قلت : بئس شيء الشيء اشتروا به أنفسهم ، وتكون "أن " مترجمة عن "بئسما " .
وأولى هذه الأقوال بالصواب ، قول من جعل "بئسما " مرفوعا بالراجع من "الهاء " في قوله : ( اشتروا به ) ، كما رفعوا ذلك ب "عبد الله " إذ قالوا : "بئسما عبد الله " ، وجعل "أن يكفروا " مترجمة عن "بئسما " . فيكون معنى الكلام حينئذ : بئس الشيء باع اليهود به أنفسهم ، كفرهم بما أنزل الله بغيا وحسدا أن ينزل الله من فضله ، وتكون "أن " التي في قوله : "أن ينزل الله " ، في موضع نصب؛ لأنه يعني به "أن يكفروا بما أنزل الله " من أجل أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده . موضع "أن " جزاء . وكان بعض أهل العربية من الكوفيين يزعم أن "أن " في موضع خفض بنية "الباء " ، وإنما اخترنا فيها النصب لتمام الخبر قبلها ، ولا خافض معها يخفضها . والحرف الخافض لا يخفض مضمرا .
وأما قوله : ( اشتروا به أنفسهم ) ، فإنه يعني به : باعوا أنفسهم كما : -
1534 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) ، يقول : باعوا أنفسهم "أن يكفروا بما أنزل الله بغيا " .
1535 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسن قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال مجاهد : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) ، يهود ، شروا الحق [ ص: 341 ] بالباطل ، وكتمان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بأن يبينوه .
قال أبو جعفر : والعرب تقول : "شريته " ، بمعنى بعته ، و"اشتروا " ، في هذا الموضع ، "افتعلوا " من "شريت " . وكلام العرب - فيما بلغنا - أن يقولوا : "شريت " بمعنى : بعت ، و"اشتريت " بمعنى : ابتعت ، وقيل : إنما سمي "الشاري " ، "شاريا " ، لأنه باع نفسه ودنياه بآخرته .
ومن ذلك قول يزيد بن مفرغ الحميري :
وشريت بردا ليتني من قبل برد كنت هامه
ومنه قول المسيب بن علس :
يعطى بها ثمنا فيمنعها ويقول صاحبها ألا تشري؟
[ ص: 342 ]
يعني به : بعت بردا . وربما استعمل "اشتريت " بمعنى : بعت ، و"شريت " في معنى : "ابتعت " . والكلام المستفيض فيهم هو ما وصفت .
وأما معنى قوله : ( بغيا ) ، فإنه يعني به : تعديا وحسدا ، كما : -
1536 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( بغيا ) ، قال : أي حسدا ، وهم اليهود .
1537 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بغيا ) ، قال : بغوا على محمد صلى الله عليه وسلم وحسدوه ، وقالوا : إنما كانت الرسل من بني إسرائيل ، فما بال هذا من بني إسماعيل؟*! فحسدوه أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده .
1538 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( بغيا ) ، يعني : حسدا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، وهم اليهود كفروا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
1539 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
قال أبو جعفر : فمعنى الآية : بئس الشيء باعوا به أنفسهم ، الكفر بالذي أنزل الله في كتابه على موسى - من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والأمر بتصديقه واتباعه - من أجل أن أنزل الله من فضله وفضله : حكمته وآياته ونبوته على من يشاء من عباده - يعني به : على محمد صلى الله عليه وسلم - بغيا وحسدا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، من أجل أنه كان من ولد إسماعيل ، ولم يكن من بني إسرائيل .
فإن قال قائل : وكيف باعت اليهود أنفسها بالكفر ، فقيل : ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله ) ؟ وهل يشترى بالكفر شيء؟
قيل : إن معنى : "الشراء " و "البيع " عند العرب ، هو إزالة مالك ملكه [ ص: 343 ] إلى غيره ، بعوض يعتاضه منه . ثم تستعمل العرب ذلك في كل معتاض من عمله عوضا ، شرا أو خيرا ، فتقول : " نعم ما باع به فلان نفسه " و"بئس ما باع به فلان نفسه " ، بمعنى : نعم الكسب أكسبها ، وبئس الكسب أكسبها - إذا أورثها بسعيه عليها خيرا أو شرا . فكذلك معنى قوله جل ثناؤه : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) لما أوبقوا أنفسهم بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فأهلكوها ، خاطبهم الله والعرب بالذي يعرفونه في كلامهم ، فقال : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) ، يعني بذلك : بئس ما أكسبوا أنفسهم بسعيهم ، وبئس العوض اعتاضوا ، من كفرهم بالله في تكذيبهم محمدا ، إذ كانوا قد رضوا عوضا من ثواب الله وما أعد لهم - لو كانوا آمنوا بالله وما أنزل على أنبيائه - بالنار وما أعد لهم بكفرهم بذلك .
وهذه الآية - وما أخبر الله فيها عن حسد اليهود محمدا صلى الله عليه وسلم وقومه من العرب ، من أجل أن الله جعل النبوة والحكمة فيهم دون اليهود من بني إسرائيل ، حتى دعاهم ذلك إلى الكفر به ، مع علمهم بصدقه ، وأنه نبي لله مبعوث ورسول مرسل - نظيره الآية الأخرى في سورة النساء ، وذلك قوله ، ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) [ سورة النساء : 51 - 54 ] .
[ ص: 344 ] القول في تأويل قوله ( أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده )
قال أبو جعفر : قد ذكرنا تأويل ذلك وبينا معناه ، ولكنا نذكر الرواية بتصحيح ما قلنا فيه : -
1540 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم ، قوله : ( بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) ، أي أن الله تعالى جعله في غيرهم . .
1541 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : هم اليهود . لما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فرأوا أنه بعث من غيرهم ، كفروا به - حسدا للعرب - وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة .
1542 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية مثله .
1543 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
1544 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قالوا : إنما كانت الرسل من بني إسرائيل ، فما بال هذا من بني إسماعيل؟
1545 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن علي الأزدي . قال : نزلت في اليهود .
[ ص: 345 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فباءوا بغضب على غضب )
قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، فرجعت اليهود من بني إسرائيل - بعد الذي كانوا عليه من الاستنصار بمحمد صلى الله عليه وسلم والاستفتاح به ، وبعد الذي كانوا يخبرون به الناس من قبل مبعثه أنه نبي مبعوث - مرتدين على أعقابهم حين بعثه الله نبيا مرسلا فباءوا بغضب من الله استحقوه منه بكفرهم بمحمد حين بعث ، وجحودهم نبوته ، وإنكارهم إياه أن يكون هو الذي يجدون صفته في كتابهم ؛ عنادا منهم له وبغيا وحسدا له وللعرب على غضب سالف ، كان من الله عليهم قبل ذلك ، سابق غضبه الثاني ؛ لكفرهم الذي كان قبل عيسى ابن مريم ، أو لعبادتهم العجل ، أو لغير ذلك من ذنوب كانت لهم سلفت ، يستحقون بها الغضب من الله ، كما : -
1546 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل قال : حدثني ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، فيما روى عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، فالغضب على الغضب ، غضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله إليهم .
1547 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا حدثنا سفيان ، عن أبي بكير ، عن عكرمة : ( فباءوا بغضب على غضب ) قال : كفر بعيسى ، وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2022/02/2.jpg