-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (76)
صــــــــــ 131 الى صـــــــــــ135
( قال الشافعي ) :
في المرأة المعتدة من زوج له عليها الرجعة ، تهل بالحج إن راجعها فله منعها ، وإن لم يراجعها منعها حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة فهي مالكة لأمرها ويكون لها أن تتم على الحج ، وهكذا المالكة لأمرها الثيب تحرم يمنع وليها من حبسها ويقال لوليها : إن شئت فاخرج معها وإلا بعثنا بها مع نساء ثقات ، فإن لم تجد نساء ثقة لم يكن لها في سفر أن تخلو برجل ولا امرأة معها ، فإن قال قائل : كيف لم تبطل إحرامها إذا أحرمت في العدة ؟ قلت إذا كانت تجد السبيل إليه بحال لم أعجل بإبطاله حتى أعلم أن لا تجد السبيل إليه .
وإن أهلت في عدة من وفاة أو هي قد أتى على طلاقها لزمها الإهلال ومنعها الخروج حتى تتم عدتها ، فإن انقضت خرجت ، فإن أدركت حجا وإلا حلت بعمل عمرة ، فإن قال قائل : فلم لا تجعلها محصرة بمانعها ؟ قلت : له منعها إلى مدة ، فإذا بلغتها لم يكن له منعها وبلوغها أيام يأتي عليها ليس منعها بشيء إلى غيرها ولا يجوز لها الخروج حتى [ ص: 131 ] قيل قد يعتق قبل عتقه شيء يحدثه غيره له أو لا يحدثه وليس كالمعتدة فيما لمانعها من منعها فلو أهل عبد بحج فمنعه سيده حل ، وإن عتق بعدما يحل فلا حج عليه إلا حجة الإسلام ، وإن عتق قبل أن يحل مضى في إحرامه ، كما يحصر الرجل بعدو فيكون له أن يحل ، فإن لم يحل حتى يأمن العدو ، لم يكن له أن يحل وكان عليه أن يمضي في إحرامه ، ولو أن امرأة مالكة لأمرها أهلت بحج ثم نكحت ، لم يكن لزوجها منعها من الحج ; لأنه لزمها قبل أن يكون له منعها ولا نفقة لها عليه في مضيها ولا في إحرامها في الحج ; لأنها مانعة لنفسها بغير إذنه ، كان معها في حجها أو لم يكن ، ولا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم .
( قال الربيع ) : هذه المسألة فيها غلط ; لأن الشافعي يقول لا يجوز نكاح المحرمة ولا المحرم فلما أهلت هذه بحج ثم نكحت كان نكاحها باطلا ، ولم يكن لها زوج يمنعها وتمضي في حجها وليس لها زوج تلزمه النفقة لها ; لأنها ليست في أحكام الزوجات ، ولعل الشافعي إنما حكى هذا القول في قول من يجيز نكاح المحرم ; فأما قوله : فإنه لا يجوز نكاح المحرم ولا المحرمة ، وهذا له في كتاب الشغار .
( قال الشافعي ) :
وعلى ولي السفيهة البالغة إذا تطوع لها ذو محرم وكان لها مال أن يعطيها من مالها ما تحج به إذا شاءت ذلك ، وكان لها ذو محرم يحج بها أو خرجت مع نساء مسلمات .
باب المدة التي يلزم فيها الحج ولا يلزم
( قال الشافعي ) :
رحمه الله وإذا احتلم الغلام أو حاضت الجارية ، وإن لم يستكملا خمس عشرة سنة أو استكملا خمس عشرة سنة قبل البلوغ وهما غير مغلوبين على عقولهما واجدان مركبا وبلاغا ، مطيقان المركب ، غير محبوسين عن الحج بمرض ولا سلطان ولا عدو ، وهما في الوقت الذي بلغا فيه قادران بموضع ، لو خرجا منه ، فسارا بسير الناس قدرا على الحج فقد وجب عليهما الحج ، فإن لم يفعلا حتى ماتا فقد لزمهما الحج ، وعليهما بأنهما قادران عليه في وقت يجزئ عنهما لو مضيا فيه حتى يقضى عنهما الحج ، وإن كانا بموضع يعلمان أن لو خرجا عند بلوغهما ، لم يدركا الحج لبعد دارهما أو دنو الحج ، فلم يخرجا للحج ولم يعيشا حتى أتى عليهما حج قابل ، فلا حج عليهما ، ومن لم يجب الحج عليه فيدعه وهو لو حج أجزأه ، لم يكن عليه قضاؤه .
ولو كانا إذا بلغا فخرجا يسيران سيرا مباينا لسير الناس في السرعة حتى يسيرا مسيرة يومين في سير العامة في يوم ، ومسيرة ثلاث في يومين ، لم يلزمهما عندي والله أعلم أن يسيرا سيرا يخالف سير العامة ، فهذا كله لو فعلا كان حسنا ، ولو بلغا عاقلين ثم لم يأت عليهما مخرج أهل بلادهما حتى غلب على عقولهما ولم ترجع إليهما عقولهما في وقت لو خرجا فيه أدركا حجا ، لم يلزمهما أن يحج عنهما ، وإنما يلزمهما أن يحج عنهما إذا أتى عليهما وقت يعقلان فيه ثم لم تذهب عقولهما حتى يأتي عليهما وقت لو خرجا فيه إلى الحج بلغاه ، فإن قال قائل : ما فرق بين المغلوب على عقله وبين المغلوب بالمرض ؟ قيل الفرائض على المغلوب على عقله زائلة في مدتها كلها ، والفرائض على المغلوب بالمرض العاقل على بدنه غير زائلة في مدته ، ولوحج المغلوب على عقله لم يجز عنه لا يجزي عمل على البدن لا يعقل عامله قياسا على قول الله عز وجل { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ولو حج العاقل المغلوب بالمرض أجزأ عنه ، ولو كان بلوغهما في عام جدب الأغلب فيه على الناس خوف الهلكة بالعطش في سفر أهل ناحية هما فيها ، أو لم يكن ما لا بد لهم منه من علف موجود فيه ، أو في خوف من عدو [ ص: 132 ] لا يقوى جماعة حاج مصرهما عليه أو اللصوص كذلك ، أشبه هذا والله أعلم أن يكون من أراد فيه الحج غير مستطيع له ، فيكون غير لازم له بأنه غير مستطيع ، فإن مات قبل أن يمكنه الحج بتغير هذا ، لم يكن عليه حج ، وكذلك لو حج أول ما بلغ فأحصر بعدو فنحر وحل دون مكة ورجع فلم يمكنه الحج حتى يموت ، لم يكن عليه حج ، ولو كان ما وصفت من الحائل في البر ، وكان يقدر على الركوب في البحر ، فيكون له طريقا ، أحببت له ذلك ، ولا يبين لي أنه يجب عليه ركوب البحر للحج ; لأن الأغلب من ركوب البحر خوف الهلكة ، ولو بلغا مغلوبين على عقولهما فلم يفيقا فتأتي عليهما مدة يعقلان فيها ويمكنهما الحج لم يكن عليهما ، وإذا بلغا معا فمنعا الحج بعدو حائل بين أهل ناحيتهما معا وبين الحج ، ثم لم يأت عليهما مدة وقت الحج ، يقدران هما ولا غيرهما من أهل ناحيتهما فيه على الحج ، فلا حج عليهما يقضى عنهما إن ماتا قبل تمكنهما أو أحد من أهل ناحيتهما من الحج ، ولو حيل بينهما خاصة بحبس عدو أو سلطان أو غيره وكان غيرهما يقدر على الحج ثم ماتا ولم يحجا كان هذان ممن عليه الاستطاعة بغيرهما ويقضى الحج عنهما .
وكذلك لو كان حبس ببلده أو في طريقه بمرض أو زمن لا بعلة غيره وعاش حتى الحج غير صحيح ثم مات قبل أن يصح وجب عليه الحج ، وجماع هذا أن يكون البالغان إذا لم يقدرا بأي وجه ما كانت القدرة بأبدانهما وهما قادران بأموالهما وفي ناحيتهما من يقدر على الحج غيرهما ثم ماتا قبل أن يحجا فقد لزمهما الحج ، إنما يكون غير لازم لهما إذا لم يقدر أحد من أهل ناحيتهما على الحج ببعض ما وصفت ، فإن قال قائل : ما خالف بين هذا وبين المحصر بما ذكرت من عدو وحدث ؟ قيل ذلك لا يجد السبيل بنفسه إلى الحج ولا إلى أن يحج عنه غيره من ناحيته ، من قبل أن غيره في معناه في خوف العدو والهلكة بالجدب والزمن والمرض ، وإن كان معذورا بنفسه فقد يمكنه أن يحج عنه صحيح غيره ، ومثل هذا أن يحبسه سلطان عن حج أو لصوص وحده ، وغيره يقدر على الحج فيموت ، فعليه أن يحج عنه ، والشيخ الفاني أقرب من العذر من هذين ، وقد وجب عليه أن يحج عنه إذا وجد من يحج عنه .
باب الاستطاعة بنفسه وغيره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولما { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها } دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الله { من استطاع إليه سبيلا } على معنيين : أحدهما : أن يستطيعه بنفسه وماله والآخر أن يعجز عنه بنفسه بعارض كبر أو سقم أو فطرة خلقة ، لا يقدر معها على الثبوت على المركب ويكون من يطيعه إذا أمره بالحج عنه ، إما بشيء يعطيه إياه وهو واجد له ، وإما بغير شيء ، فيجب عليه أن يعطي إذا وجد ، أو يأمر إن أطيع ، وهذه إحدى الاستطاعتين ، وسواء في هذا الرجل يسلم ولا يقدر على الثبوت على المركب أو الصبي يبلغ كذلك أو العبد يعتق كذلك ، ويجب عليه إن قدر على الثبوت على المحمل بلا ضرر وكان واجدا له أو لمركب غيره ، وإن لم يثبت على غيره ، أن يركب المحمل أو ما أمكنه الثبوت عليه من المركب .
وإن كان واحد من هؤلاء لا يجد مطيعا ولا مالا ، فهو ممن لا يستطيع بالبدن ولا بالطاعة فلا حج عليه ، وجماع الطاعة التي توجب الحج وتفريعها اثنان : أحدهما : أن يأمر فيطاع بلا مال ، والآخر أن يجد مالا يستأجر به من يطيعه ، فتكون إحدى الطاعتين ، ولو تحامل فحج أجزأت عنه ورجوت أن يكون أعظم أجرا ممن [ ص: 133 ] يخف ذلك عليه ، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحج عن أبيها إذ أسلم وهو لا يستمسك على الراحلة فدل ذلك على أن عليه الفرض إذا كان مستطيعا بغيره ، إذا كان في هذه الحال ، والميت أولى أن يجوز الحج عنه ; لأنه في أكثر من معنى هذا الذي لو تكلف الحج بحال أجزأه ، والميت لا يكون فيه تكلف أبدا .
باب الحال التي يجوز أن يحج فيها الرجل عن غيره ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج الواجب أن يحج المرء عن غيره فاحتمل القياس على هذا وجهين : أحدهما : أن الله تعالى فرض على خلقه فرضين ، أحدهما فرض على البدن ، والآخر فرض في المال ، فلما كان ما فرض الله على الأبدان عليها لا يتجاوزها ، مثل الصلاة والحدود والقصاص وغيرها ، ولا يصرف عنها إلى غيرها بحال ، وكان المريض يصلي كما رأى ، ويغلب على عقله فيرتفع عنه فرض الصلاة ، وتحيض المرأة فيرتفع عنها فرض الصلاة في وقت الغلبة على العقل والحيض ، ولا يجزي المغلوب على عقله صلاة صلاها وهو مغلوب على عقله ، وكذلك الحائض لا تجزيها صلاة صلتها وهي حائض ، ولا يجب عليهما أن يصلي عنهما غيرهما في حالهما تلك ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء أن يحج عن غيره حجة الإسلام ، كان هذا كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الإسلام وعمرته ، وكل ما وجب على المرء بإيجابه على نفسه من حج وعمرة وكان ما سوى هذا من حج تطوع أو عمرة تطوع لا يجوز لأحد أن يحجه عن أحد ولا يعتمر في حياته ولا بعد موته ، ومن قال هذا ، كان وجها محتملا ولزمه أن يقول : لو أوصى رجلا أن يحج عنه تطوعا بطلت الوصية كما لو أوصى أن يصلي عنه بطلت الوصية ولزمه أن يقول : إن حج أحد عن أحد بوصية فهي في ثلثه والإجارة عليه فاسدة ، ثم يكون القول فيما أخذ من الإجارة على هذا واحدا من قولين : أحدهما : أن له أجر مثله ويرد الفضل مما أخذ عليه ويلحق بالفضل إن كان نقصه كما يقول في كل إجارة فاسدة ، والآخر أن لا أجرة له ; لأن عمله عن نفسه لا عن غيره .
والقول الثاني أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر المرء أن يحج عن غيره في الواجب ، دل هذا على أن يكون الفرض على الأبدان من وجهين ، أحدهما ما لا يعمله المرء عن غيره ، مثل الصلاة ، ولا يحمله عنه غيره مثل الحدود وغيرها ، والآخر النسك من الحج والعمرة فيكون للمرء أن يعمله عن غيره متطوعا عنه أو واجبا عليه إذا صار في الحال التي لا يقدر فيها على الحج ، ولا يشبه أن يكون له أن يتطوع عنه ، والمتطوع عنه يقدر على الحج ; لأن الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالحج عنه هي الحال التي لا يقدر فيها على أن يحج عن نفسه ولأنه لو تطوع عنه وهو يقدر على الحج لم يجز عنه من حجة الإسلام ، فلما كان هو لو تطوع عن نفسه كانت حجة الإسلام ، وإن لم ينوها فتطوع عنه غيره لم يجز عنه ، وقد ذهب عطاء مذهبا يشبه أن يكون أراد أنه يجزي عنه أن يتطوع عنه بكل نسك من حج أو عمرة إن عملهما مطيقا له أو غير مطيق ، وذلك أن سفيان أخبرنا عن يزيد مولى عطاء قال : ربما أمرني عطاء أن أطوف عنه .
( قال الشافعي ) :
فكأنه ذهب إلى أن الطواف من النسك وأنه يجزي أن يعمله المرء عن غيره في أي حال ما كان ، وليس نقول بهذا ، وقولنا لا يعمل أحد عن أحد إلا والمعمول عنه غير مطيق العمل ، بكبر أو مرض لا يرجى أن يطيق بحال ، أو بعد موته ، وهذا أشبه بالسنة والمعقول ، لما [ ص: 134 ] وصفت من أنه لو تطوع عنه رجل والمتطوع عنه يقدر على الحج لم يجز المحجوج عنه ( قال ) : ومن ولد زمنا لا يستطيع أن يثبت على مركب ، محمل ولا غيره ، أو عرض ذلك له عند بلوغه ، أو كان عبدا فعتق ، أو كافرا فأسلم فلم تأت عليه مدة يمكنه فيها الحج حتى يصير بهذه الحال ، وجب عليه إن وجد من يحج عنه بإجارة أو غير إجارة ، وإذا أمكنه مركب محمل أو شجار أو غيره فعليه أن يحج ببدنه ، وإن لم يقدر على الثبوت على بعير أو دابة إلا في محمل أو شجار وكيفما قدر على المركب وأي مركب قدر عليه ، فعليه أن يحج بنفسه ، لا يجزيه غيره ( قال ) : ومن كان صحيحا يمكنه الحج فلم يحج حتى عرض له هذا كان له أن يبعث من يحج عنه ; لأنه قد صار إلى الحال التي أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج فيها عمن بلغها ( قال ) : ولو كان به مرض يرجى البرء منه ، لم أر له أن يبعث أحدا يحج عنه حتى يبرأ فيحج عن نفسه ، أو يهرم فيحج عنه أو يموت فيحج عنه بعد الموت ، فإن قال قائل : ما الفرق بين هذا المريض المضنى وبين الهرم أو الزمن ؟ قيل له لم يصر أحد علمته بعد هرم لا يخلطه سقم غيره إلى قوة يقدر فيها على المركب ، والأغلب من أهل الزمانة أنهم كالهرم ، وأما أهل السقم فنراهم كثيرا يعودون إلى الصحة ( قال ) ولو حج رجل عن زمن ثم ذهبت زمانته ، ثم عاش مدة يمكنه فيها أن يحج عن نفسه ، كان عليه أن يحج عن نفسه ; لأنا إنما أذنا له على ظاهر أنه لا يقدر ، فلما أمكنته المقدرة على الحج لم يكن له تركه وهو يقدر على أن يعمله ببدنه والله أعلم .
( قال ) : ولو بعث السقيم رجلا يحج عنه فحج عنه ثم برئ وعاش بعد البرء مدة يمكنه أن يحج فيها فلم يحج حتى ماتكان عليه الحج ، وكذلك الزمن والهرم ( قال ) : والزمن والزمانة التي لا يرجى البرء منها والهرم ، في هذا المعنى . ثم يفارقهم المريض ، فلا نأمره أن يبعث أحدا يحج عنه ونأمر الهرم والزمن أن يبعثا من يحج عنهما ، فإن بعث المريض من يحج عنه ثم لم يبرأ حتى مات ففيها قولان ، أحدهما أن لا يجزئ عنه ; لأنه قد بعث في الحال التي ليس له أن يبعث فيها ، وهذا أصح القولين وبه آخذ . والثاني أنها مجزية عنه ; لأنه قد حج عنه حر بالغ وهو لا يطيق ، ثم لم يصر إلى أن يقوى على الحج بعد أن حج عنه غيره ، فيحج عن نفسه .
باب من ليس له أن يحج عن غيره أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن عطاء قال : { سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقول لبيك عن فلان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن كنت حججت فلب عن فلان وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه } أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة قال : سمع ابن عباس رجلا يقول " لبيك عن شبرمة " فقال ابن عباس " ويحك وما شبرمة ؟ " قال فذكر قرابة له فقال " أحججت عن نفسك " فقال : لا قال " فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " .
( قال الشافعي ) :
وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالحج عن أبيها ففي ذلك دلائل منها ما وصفنا من أنها إحدى الاستطاعتين ، وإذا أمرها بالحج عنه فكان في [ ص: 135 ] الحال التي أمر فيها بالحج عنه وكان كقضاء الدين عنه ، فأبان أن العمل عن بدنه في حاله تلك ، يجوز أن يعمله عنه غيره فيجزئ عنه ويخالف الصلاة في هذا المعنى . فسواء من حج عنه من ذي قرابة أو غيره ، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحج عن رجل وهما مجتمعان في الإحرام كله إلا اللبوس ، فإنهما يختلفان في بعضه ، فالرجل أولى أن يجوز حجه عن الرجل والمرأة من المرأة عن الرجل وكل جائز مع ما روي عن طاوس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مما كتبنا مما يستغنى فيه بنص الخبر ، ولو أن امرأ لم يجب عليه الحج إلا وهو غير مطيق ببدنه لم يكن على أحد غيره واجبا أن يحج عنه ، وأحب إلي أن يحج عنه ذو رحمه ، وإن كان ليس عليه أو يستأجر من يحج عن من كان ، ولو كان فقيرا لا يقدر على زاد ومركب ، وإن كان بدنه صحيحا فلم يزل كذلك حتى أيسر قبل الحج بمدة لو خرج فيها لم يدرك الحج ثم مات قبل أن يأتي عليه حج آخر لم يجب عليه حج يقضى ، ولو أيسر في وقت لا يمكنه فيه الحج فأقام موسرا إلى أن يأتي عليه أشهر الحج ، ولم يدن الوقت الذي يخرج فيه أهل بلده لموافاة الحج حتى صار لا يجد زادا ولا مركبا ثم مات قبل حجه ذلك أو قبل حج آخر يوسر فيه ، لم يكن عليه حج ، إنما يكون عليه حج إذا أتى عليه وقت حج بعد بلوغ ومقدرة ، ثم لم يحج حتى يفوته الحج ، ولو كان موسرا محبوسا عن الحج وجب عليه أن يحج عن نفسه غيره ، أو يحج عنه بعد موته وهذا مكتوب في غير هذا الموضع .
باب الإجارة على الحج
( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى للرجل أن يستأجر الرجل يحج عنه إذا كان لا يقدر على المركب لضعفه وكان ذا مقدرة بماله ولوارثه بعده ، والإجارة على الحج جائزة جوازها على الأعمال سواه ، بل الإجارة إن شاء الله تعالى على البر خير منها على ما لا بر فيه ، ويأخذ من الإجارة ما أعطى ، وإن كثر كما يأخذها على غيره لا فرق بين ذلك ، ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان دم القران على الأجير وكان زاد المحجوج عنه خيرا ; لأنه قد جاء بحج وزاد معه عمرة ولو استأجر الرجل الرجل يحج عنه أو عن غيره فالإجارة جائزة ، والحج عنه من حيث شرط أن يحرم عنه ، ولا تجوز الإجارة على أن يقول تحج عنه من بلد كذا حتى يقول تحرم عنه من موضع كذا ; لأنه يجوز الإحرام من كل موضع .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (77)
صــــــــــ 136 الى صـــــــــــ140
فإذا لم يقل هذا فالإجارة مجهولة ، وإذا وقت له موضعا يحرم منه فأحرم قبله ثم مات فلا إجارة له في شيء من سفره ، وتجعل الإجارة له من حين أحرم من الميقات الذي وقت له إلى أن يكمل الحج ، فإن أهل من وراء الميقات لم تحسب الإجارة إلا من الميقات ، وإن مر بالميقات غير محرم فمات قبل أن يحرم فلا إجارة له ; لأنه لم يعمل في الحج ، وإن مات بعدما أحرم من وراء الميقات حسبت له الإجارة من يوم أحرم من وراء الميقات ولم تحسب له من الميقات إذا لم يحرم منه ; لأنه ترك العمل فيه ، وإن خرج للحج فترك الإحرام والتلبية وعمل عمل الحج أو لم يعمله إذا قال لم أحرم بالحج أو قال اعتمرت ولم أحج أو قال استؤجرت على الحج فاعتمرت فلا شيء له ، وكذلك لو حج فأفسده ; لأنه تارك للإجارة مبطل لحق نفسه ، ولو استأجره ليحج عنه على أن يحرم من موضع فأحرم منه ثم مات في الطريق فله من الإجارة بقدر ما مضى من سفره أو استأجره على أن يهل من وراء الميقات ففعل فقد قضى بعض ما استأجره عليه ، وإذا استأجره ، فإنما عليه أن يحرم من الميقات ، وإحرامه قبل الميقات تطوع ، ولو استأجره على [ ص: 136 ] أن يحج عنه من اليمن فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى الميقات الذي استؤجر عليه فأهل بحج عن الذي استأجره ، فلا يجزيه إذا أهل بالعمرة عن نفسه إلا أن يخرج إلى ميقات المستأجر الذي شرط أن يهل منه فيهل عنه بالحج منه ، فإن لم يفعل وأهل بالحج من دون الميقات فكان عليه أن يهل فبلغ الميقات فأهل منه بالحج عنه أجزأ عنه وإلا أهراق دما ، وذلك من ماله دون مال المستأجر ، ويرد من الإجارة بقدر ما يصيب ما بين الميقات الموضع الذي أحرم منه ; لأنه شيء من عمله نقصه ، ولا يحسب الدم على المستأجر ; لأنه بعمله كان ويجزئه الحج على كل حال شرط عليه أن يهل من دون الميقات أو من وراء الميقات أو منه وكل شيء أحدثه الأجير في الحج لم يأمره به المستأجر مما يجب عليه فيه الفدية فالفدية عليه في ماله دون مال المستأجر ، ولو أهل بالحج بعد العمرة عن نفسه من ميقات المستأجر عن المستأجر ثم مات قبل أن يقضي الحج ، كان له من الإجارة بقدر ما عمل من الحج وقد قيل لا أجر له إلا أن يكمل الحج ، ومن قال هذا القول قاله في الحاج عن الرجل لا يستوجب من الإجارة شيئا إلا بكمال الحج وهذا قول يتوجه ، والقياس القول الأول ; لأن لكل حظا من الإجارة ولو استأجره يحج عنه فأفسد الحج كان عليه أن يرد جميع ما استأجره به ، وعليه أن يقضي عن نفسه من قابل من قبل أنه لا يكون حاجا عن غيره حجا فاسدا ، وإذا صار الحج الفاسد عن نفسه فعليه أن يقضيه عن نفسه ، فلو حجه عن غيره كان عن نفسه ، ولو أخذ الإجارة على قضاء الحج الفاسد ردها ; لأنها لا تكون عن غيره ، ولو كان إنما أصاب في الحج ما عليه فيه الفدية مما لا يفسد الحج كانت عليه الفدية فيما أصاب والإجارة له .
ولو استأجره للحج فأحصر بعدو ففاته الحج ثم دخل فطاف وسعى وحلق أن له من الإجارة بقدر ما بين أن أهل من الميقات إلى بلوغه الموضع الذي حبس فيه في سفره ; لأن ذلك ما بلغ من سفره في حجه الذي له الإجارة حتى صار غير حاج ، وإنما أخذ الإجارة على الحج وصار يخرج من الإحرام بعمل ليس من عمل الحج ولو استأجر رجل رجلا على أن يحج عنه فاعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن المستأجر خرج إلى ميقات المحجوج عنه فأهل عنه منه لا يجزيه غير ذلك ، فإن لم يفعل أهراق دما ولو استأجر رجل رجلا يحج عن رجل فاعتمر عن نفسه ثم خرج إلى ميقات المحجوج عنه الذي شرط أن يهل عنه منه إن كان الميقات الذي وقت له بعينه فأهل بالحج عنه أجزأت عن المحجوج عنه ، فإن ترك ميقاته وأحرم منمكة أجزأه الحج ، وكان عليه دم لترك ميقاته من ماله ورجع عليه مما استؤجر به بقدر ما ترك مما بين الميقات ومكة ولو استأجره على أن يتمتع عنه فأفرد أجزأت الحجة عنه ورجع بقدر حصة العمرة من الإجارة ; لأنه استأجره على عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يفرد فقرن عنه كان زاده عمرة وعلى المستأجر دم القران وهو كرجل استؤجر أن يعمل عملا فعمله ، وزاد آخر معه فلا شيء له في زيادة العمرة ; لأنه متطوع بها ، ولو استأجره على أن يقرن عنه فأفرد الحج أجزأ عنه الحج وبعث غيره يعتمر عنه إن كانت العمرة الواجبة ورجع عليه بقدر حصة العمرة من الإجارة ; لأنه استأجره على [ ص: 137 ] عملين فعمل أحدهما ولو استأجره على أن يحج عنه فأهل بعمرة عن نفسه وحجة عن المستأجر رد جميع الإجارة من قبل أن سفرهما وعملهما واحد ، وأنه لا يخرج من العمرة إلى الحج ولا يأتي بعمل الحج دون العمرة ; لأنه لا يكون له أن ينوي جامعا بين عملين أحدهما عن نفسه والآخر عن غيره ولا يجوز أن يكونا معا عن المستأجر ; لأنه نوى أحدهما عن نفسه فصارا معا عن نفسه ; لأن عمل نفسه أولى به من عمل غيره إذا لم يتميز عمل نفسه من عمل غيره ، ولو استأجر رجل رجلا يحج عن ميت فأهل بحج عن ميت ثم نواه عن نفسه كان الحج عن الذي نوى الحج عنه وكان القول في الأجرة واحدا من قولين : أحدهما أنه مبطل لها لترك حقه فيها ، والآخر أنها له ; لأن الحج عن غيره .
ولو استأجر رجلان رجلا يحج عن أبويهما ، فأهل بالحج عنهما معا كان مبطلا لإجارته ، وكان الحج عن نفسه ، لا عن واحد منهما ، ولو نوى الحج عن نفسه وعنهما أو عن أحدهما كان عن نفسه وبطلت إجارته .
وإذا مات الرجل وقد وجبت عليه حجة الإسلام ولم يحج قط فتطوع متطوع قد حج حجة الإسلام بأن يحج عنه فحج عنه أجزأ عنه ثم لم يكن لوصيه أن يخرج من ماله شيئا ليحج عنه غيره ولا أن يعطي هذا شيئا لحجه عنه ; لأنه حج عنه متطوعا ، وإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخثعمية أن تحج عن أبيها ورجلا أن يحج عن أمه ورجلا أن يحج عن أبيه لنذر نذره أبوه دل هذا دلالة بينة أنه يجوز أن تحرم المرأة عن الرجل ، ولو لم يكن فيه هذا كان أن يحرم الرجل عن الرجل والرجل عن المرأة أولى ، من قبل أن الرجل أكمل إحراما من المرأة وإحرامه كإحرام الرجل فأي رجل حج عن امرأة أو رجل أو امرأة حجت عن امرأة أو عن رجل أجزأ ذلك المحجوج عنه ، إذا كان الحاج قد حج حجة الإسلام .
باب من أين نفقة من مات ولم يحج ؟ ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وطاووس أنهما قالا : الحجة الواجبة من رأس المال .
( قال الشافعي ) :
وقال غيرهما لا يحج عنه إلا أن يوصي ، فإن أوصى حج عنه من ثلثه إذا بلغ ذلك الثلث وبدئ على الوصايا ; لأنه لازم ، فإن لم يوص لم يحج عنه من ثلث ولا من غيره إذا أنزلت الحج عنه وصيه حاص أهل الوصايا ولم يبدأ غيره من الوصايا ، ومن قال هكذا فكان يبدأ بالعتق بدأ عليه ( قال ) : والقياس في هذا أن حجة الإسلام من رأس المال ، فمن قال هذا قضى أن يستأجر عنه بأقل ما يقدر عليه ، وذلك أن يستأجر رجل من أهل ميقاته أو قربه لتخف مؤنته ولا يستأجر رجل من بلده إذا كان بلده بعيدا إلا أن يبدل ذلك بما يوجد به رجل قريب ، ومن قال هذا القول قاله في الحج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ورآه دينا عليه وقاله في كل ما كان في معناه وقاله في كل ما أوجبه الله عز وجل عليه فلم يكن له مخرج منه إلا بأدائه ولم يكن له خيار فيه مثل زكاة المال وما كان ، لا يكون أبدا إلا واجبا عليه شاء أو كره بغير شيء أحدثه هو ; لأن حقوق الآدميين إنما وجبت لهم من رأس المال وهذا من حقوق الآدميين ، أمر أن يؤديه إلى صنف منهم بعينه فجمع أن وجب وجوب الحج بفرض الله عز وجل ، وإن كان كما وصفت للآدميين ، ومن قال هذا بدأ هذا على جميع ما معه من الوصايا والتدبير وحاص به أهل الدين قبل الورثة إذا جعله الله واجبا وجوب [ ص: 138 ] ما للآدميين ، وهذا قول يصح والله أعلم ، ومن قال هذا قاله في الحج إن لم يبلغ إلا مريضا ثم لم يصح حتى مات مريضا أنه واجب عليه لا وصية ; لأن الواجب على المريض والصحيح سواء فأما ما لزمه من كفارة يمين أو غيره .
فإن أوصى به فقد قيل يكون في ثلثه كالوصايا وقيل بل لازم وما لزمه من شيء ألزمه نفسه من نذر أو كفارة قتل أو ظهار وهو واجد فقد يخالف ما لزمه بكل حال من قبل أنه قد كان ولم يجب عليه فإنما أوجبه على نفسه ، فيختلفان في هذا ، ويجتمعان في أنه قد أوجب كلا منهما فأوجب هذا وأوجب إقرار الآدمي فيحتمل أن يقال هما لازمان معا وأنا أستخير الله تعالى فيه .
باب الحج بغير نية
( قال الشافعي ) :
رحمه الله أحب أن ينوي الرجل الحج والعمرة عند دخوله فيهما كما أحب له في كل واجب عليه غيرهما ، فإن أهل بالحج ولم يكن حج حجة الإسلام ينوي أن يكون تطوعا أو ينوي أن يكون عن غيره أو أحرم فقال : إحرامي كإحرام فلان لرجل غائب عنه فكان فلان مهلا بالحج كان في هذا كله حاجا وأجزأ عنه من حجة الإسلام ، فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قلت فإن مسلم بن خالد وغيره أخبرنا عن ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع جابرا يقول : { قدم علي رضي الله عنه من سعايته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت يا علي ؟ قال : بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال فأهد وامكث حراما كما أنت قال : وأهدى له علي هديا } ( قال الشافعي ) : أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال { : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أتى البيداء فنظرت مد بصري من بين راكب وراجل من بين يديه وعن يمينه وعن شماله ومن ورائه كلهم يريد أن يأتم به يلتمس أن يقول كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينوي إلا الحج ولا يعرف غيره ولا يعرف العمرة فلما طفنا فكنا عند المروة قال : أيها الناس من لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت فحل من لم يكن معه هدي } ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية بنت شيبة عن { أسماء بنت أبي بكر قالت : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليقم على إحرامه ، ومن لم يكن معه هدي فليحلل ولم يكن معي هدي فحللت ، وكان مع الزبير هدي فلم يحلل } ، أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن { عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا أنه الحج فلما كنا بسرف أو قريبا منها أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت ما هذا ؟ قالوا ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه } ، قال يحيى فحدثت به القاسم بن محمد فقال : جاءتك والله بالحديث على وجهه ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة والقاسم مثل معنى حديث سفيان لا يخالف معناه ، أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن حمد عن أبيه عن { عائشة أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال مالك أنفست : فقلت : نعم فقال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت قالت [ ص: 139 ] وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر } أخبرنا سفيان قال حدثنا ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء ، فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة ، وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولكنني لبدت رأسي وسقت هديي فليس لي محل دون محل هديي فقام إليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال : لا ، بل لأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال ودخل علي من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : بم أهللت ؟ فقال أحدهما عن طاووس : إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر : لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين ينتظرون القضاء فعقدوا الإحرام ليس على حج ولا عمرة ولا قران ينتظرون القضاء ، فنزل القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر من لا هدي معه أن يجعل إحرامه عمرة ومن معه هدي أن يجعله حجا } .
( قال الشافعي ) :
ولبى علي وأبو موسى الأشعري باليمن وقالا في تلبيتهما " إهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما بالمقام على إحرامهما ، فدل هذا على الفرق بين الإحرام والصلاة ; لأن الصلاة لا تجزي عن أحد إلا بأن ينوي فريضة بعينها وكذلك الصوم ، ويجزئ بالسنة الإحرام ، فلما دلت السنة على أنه يجوز للمرء أن يهل ، وإن لم ينو حجا بعينه ويحرم بإحرام الرجل لا يعرفه دل على أنه إذا أهل متطوعا ولم يحج حجة الفريضة كانت حجة الفريضة ، ولما كان هذا كان إذا أهل بالحج عن غيره ولم يهلل بالحج عن نفسه كانت الحجة عن نفسه ، وكان هذا معقولا في السنة مكتفى به عن غيره ، وقد ذكرت فيه حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأيا لابن عباس رضي الله عنهما متصلا ( قال ) : ولا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حر بالغ مسلم ، ولا يجوز أن يحج عنه عبد بالغ ولا حر غير بالغ إذا كان حجهما لأنفسهما لا يجزئ عنهما من حجة الإسلام لم يجز عن غيرهما والله أعلم ( قال ) : وأمر الحج والعمرة سواء ، فيعتمر عن الرجل كما يحج عنه ، ولا يجزيه أن يعتمر عنه إلا من اعتمر عن نفسه من بالغ حر مسلم ( قال ) : ولو أن رجلا اعتمر عن نفسه ولم يحج فأمره رجل يحج عنه ويعتمر فحج عنه واعتمر أجزأت المعتمر عنه العمرة ولم تجز عنه الحجة ، وهكذا لو حج عن نفسه ولم يعتمر فحج عن غيره واعتمر ، أجزأت المحجوج عنه الحجة ولم تجز عنه العمرة ، ويجزيه أي النسكين كان العامل عمله عن نفسه ثم عمله عنه ، ولا يجزيه النسك الذي لم يعمله العامل عن نفسه .
وإذا كان ممن له أن يبعث من يحج عنه ويعتمر أجزأه أن يبعث رجلا واحدا يقرن عنه وأجزأه أن يبعث اثنين مفترقين يحج هذا عنه ويعتمر هذا عنه وكذلك امرأتين أو امرأة ورجلا ( قال ) : وهذا في فرض الحج والعمرة كما وصفت يجزي رجلا أن يحج عن رجل وقد قيل إذا أجزأ في الفرض أجزأ أن يتنفل بالحج عنه وقد قيل يحج الفرض فقط بالسنة ولا يحج عنه نافلة ولا يعتمر نافلة ( قال الشافعي ) : ومن قال يحج المرء عن المرء متطوعا قال : إذا كان أصل الحج مفارقا للصلاة والصوم ، وكان المرء يعمل عن المرء الحج فيجزي عنه بعد موته وفي الحال التي لا يطيق فيها الحج ، فكذلك يعمله عنه متطوعا ، وهكذا كل شيء من أمر النسك ، أخبرنا ابن عيينة عن يزيد مولى عطاء قال : ربما قال لي عطاء : طف عني .
( قال الشافعي ) :
وقد يحتمل أن يقال لا يجوز أن يحج رجل عن رجل إلا حجة الإسلام وعمرته ، ومن قال هذا قال الدلالة عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالحج عن الرجل في الحال التي لا يقدر فيها المحجوج عنه أن يحج عن نفسه ، [ ص: 140 ] وإني لا أعلم مخالفا في أن رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزي عنه من حجة الإسلام ، فإذا كان هذا عندهم هكذا دل على أنه إنما عذر في حال الضرورة بتأدية الفرض وما جاز في الضرورة دون غيرها ، لم يجز ، ما لم يكن ضرورة مثله ( قال الشافعي ) : ولو أهل رجل بحج ففاته فحل بطواف البيت وسعى بين الصفا والمروة لم يجز عنه من حجة الإسلام ; لأنه لم يدركها ولم تجز عنه من عمرة الإسلام ولا عمرة نذر عليه ; لأنها ليست بعمرة ، وإنما كان حجا لم يجز له أن يقيم عليه لوجهين : أحدهما : أنه حج سنة فلا يدخل في حج سنة غيرها ، والآخر أنه ليس له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ، ولو أهل بالحج في غير أشهر الحج كان إهلاله عمرة يجزئ عنه من عمرة الإسلام ; لأنه لا وجه للإهلال إلا بحج أو عمرة ، فلما أهل في وقت كانت العمرة فيه مباحة والحج محظورا كان مهلا بعمرة وليس هذا كالمهل بالحج والحج مباح له فيفوته ; لأن ابتداء ذلك الحج كان حجا ، وابتداء هذا الحج كان عمرة ، وإذا أجزأت العمرة بلا نية لها أنها عمرة أجزأت إذا أهل بحج وكان إهلاله عمرة .
( قال الشافعي ) :
والعمرة لا تفوت من قبل أنها تصلح في كل شهر والحج يفوت من قبل أنه لا يصلح إلا في وقت واحد من السنة ، فلو أن رجلا أهل بالعمرة في عام فحبسه مرض أو خطأ عدد أو غير ذلك ما خلا العدو أقام حراما حتى يحل متى حل ، ولم تفته العمرة متى وصل إلى البيت فعمل عملها ( قال ) : ولو حج رجل عن رجل بلا إجارة ثم أراد الإجارة لم يكن له وكان متطوعا عنه وأجزأت عنه حجته ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يعتمر عنه في شهر فاعتمر في غيره أو على أن يحج عنه في سنة فحج في غيرها كانت له الإجارة وكان مسيئا بما فعل ( قال ) : ولا بأس بالإجارة على الحج وعلى العمرة وعلى الخير كله ، وهي على عمل الخير أجوز منها على ما ليس بخير ولا بر من المباح ، فإن قال قائل : ما الحجة في جواز الإجارة على تعليم القرآن والخير ؟ قيل أخبرنا مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة بسورة من القرآن } ( قال ) : والنكاح لا يجوز إلا بما له قيمة من الإجارات والأثمان .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (78)
صــــــــــ 141 الى صـــــــــــ145
باب الوصية بالحج
( قال الشافعي ) :
رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل لم يحج أن يحج عنه وارث ولم يسم شيئا أحج عنه الوارث بأقل ما يوجد به أحد يحج عنه ، فإن لم يقبل ذلك فلا يزاد عليه ، ويحج عنه غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه به ممن هو أمين على الحج .
( قال الشافعي ) :
ولا يرد عن الوارث وصية بهذا إنما هذه إجازة ، ولكن لو قال أحجوه بكذا أبطل كل ما زاد على أقل ما يوجد به من يحج عنه ، فإن قبل ذلك لم أحج عنه غيره ( قال ) : ولو أوصى لغير وارث بمائة دينار يحج بها عنه ، فإن حج فذلك له وما زاد على أجر مثله وصية ، فإن امتنع لم يحج عنه أحدا لا بأقل ما يوجد به من يحج عنه ، ولو قال أحجوا عني من رأي فلان بمائة دينار فرأى فلان أن يحج عنه وارث له لم يحج عنه الوارث إلا بأقل ما يوجد به من يحج عنه ، فإن أبى قيل لفلان رأي غير وارث ، فإن فعل أجزنا ذلك ، وإن لم يفعل أحججت عنه رجلا [ ص: 141 ] بأقل ما يوجد به من يحج عنه ( قال ) : ولو قال رجل : أول واحد يحج عني فله مائة دينار فحج عنه غير وارث فله مائة دينار ، وإن حج عنه وارث فله أقل ما يوجد به من يحج عنه وما زاد على ذلك مردود ; لأنها وصية لوارث ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر بما شاء كان ذلك مالا من مال المستأجر إذا حج عنه أو اعتمر ، فإن استأجره على أن يحج عنه فأفسد الحج لم يقض ذلك من الرجل الحج وكان عليه أن يرد الإجارة كلها ، وكذلك لو أخطأ العدد ففاته الحج ، وكذلك الفساد في العمرة ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو يعتمر فاصطاد صيدا أو تطيب أو فعل في الحج أو العمرة شيئا تجب فيه الفدية فدى ذلك من ماله وكانت له الإجارة وانظر إلى كل ما كان يكون حجه لو حج عن نفسه قاضيا عنه وعليه فيه كفارة حج عن غيره جعلته قاضيا عن غيره وله الإجارة كاملة في ماله وعليه في ماله فدية كل ما أصاب ( قال ) : وهكذا ولي الميت إذا استأجر رجلا يحج عن الميت لا يختلفان في شيء ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه فقرن عنه كان زاده خيرا له ولم ينقصه وعليه في ماله دم القران ( قال ) : ولو استأجره يحج عنه فاعتمر أو يعتمر فحج رد الإجارة ; لأن الحاج إذا أمر أن يعتمر عمل عن نفسه غير ما أمر به والحج غير العمرة والعمرة غير الحج ( قال ) : ولو استأجره يحج عنه فاعتمر ثم عاد فحج عنه من ميقاته أجزأت عنه ( قال ) : ولو اعتمر عن نفسه ثم أراد الحج عن غيره ، لم تكن حجته كاملة عن غيره إلا بأن يخرج إلى ميقات المحجوج عنه ، يحج عنه من ميقاته ، فإن ترك ذلك وحج من دون ميقاته أهراق دما وأجزأت عنه ( قال ) : ولو خرج رجل حاجا عن رجل فسلك غير طريق المحجوج عنه وأتى على ميقات في طريقه غير ميقات الرجل فأهل منه ومضى على حجه أجزأت عنه حجة الإسلام إن شاء الله تعالى ( قال ) : ويجزي الحاج عن الرجل أن ينوي الحج عنه عند إحرامه ، وإن لم يتكلم به أجزأ عنه كما يجزئه ذلك في نفسه ، والمتطوع بالحج عن الرجل كالمستأجر في كل أمره يجزيه في كل ما أجزأه عنه كما يجزئه ذلك في نفسه كل ما أفسد عليه في كل إلا أن المتطوع لا يرد إجارة ; لأنه لم يأخذها ( قال ) : ولو استأجر رجل رجلا يحج عنه أو عن ميت فحج ولم يكن حج عن نفسه أجزأت عنه ولم تجز عنهما ورد الإجارة ( قال ) : ولا بأس أن يستأجر الوصي للميت إذا لم يحج الميت بعض ورثة الميت عنه أوصى بذلك الميت أو لم يوص ، والإجارة ليست بوصية منه ، وإن كان المستأجر وارثا أو غير وارث فسواء ويحج عن الميت الحجة والعمرة الواجبتان أوصى بهما أو لم يوص كما يؤدى عنه الواجب عليه من الدين ، وإن لم يوص به ( قال ) : ولو أوصى بثلثه للحاج اخترت أن يعطاه فقراء الحاج ولا أعلمه يحرم أن يعطاه غني منهم ( قال ) : ولو أوصى أن يحج عنه تطوعا ففيها قولان : أحدهما : أن ذلك جائز ، والآخر أن ذلك غير جائز كما لو أوصى أن يستأجر عنه من يصلي عنه لم يجز ، ومن قال لا يجوز رد وصيته فجعلها ميراثا ( قال ) : ولو قال رجل لرجل : حج عن فلان الميت بنفقتك ، دفع إليه النفقة أو لم يدفعها ، كان هذا غير جائز ; لأن هذه أجرة غير معلومة ، فإن حج أجزأت عنه وله أجرة مثله ، وسواء كان المستأجر وارثا أو غير وارث ، أوصى بذلك الميت أو لم يوص به ، غير أنه إن أوصى بذلك لوارث لم يجز أن يعطى من الإجارة ما زاد على أجرة مثله من الفضل ; لأن المحاباة وصية والوصية لا تجوز لوارث .
[ ص: 142 ] باب ما يؤدى عن الرجل البالغ الحج ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا وصل الرجل المسلم الحر البالغ إلى أن يحج أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن كان ممن لا مقدرة له بذات يده فحج ماشيا فهو محسن بتكلفه شيئا له الرخصة في تركه وحج في حين يكون عمله مؤديا عنه ، وكذلك لو آجر نفسه من رجل يخدمه وحج ، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا سأل ابن عباس فقال أؤاجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك هل يجزئ عني ؟ فقال ابن عباس : نعم { أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } .
( قال ) : وكذلك لو حج وغيره يكفيه مؤنته ; لأنه حاج في هذه الحالات عن نفسه لا عن غيره ( قال ) : وكذلك لو حج في عام أخطأ الناس فيه يوم عرفة ; لأن حجهم يوم يحجون كما فطرهم يوم يفطرون وأضحاهم يوم يضحون ; لأنهم إنما كلفوا الظاهر فيما يغيب عنهم فيما بينهم وبين الله عز وجل ، وهكذا لو أصاب رجل أهله بعد الرمي والحلاق كانت عليه بدنة وكان حجه تاما ، وهكذا لو دخل عرفة بعد الزوال وخرج منها قبل مغيب الشمس أجزأت عنه حجته وأهراق دما ، وهكذا كل ما فعل مما ليس له في إحرامه غير الجماع كفر وأجزأت عنه من حجة الإسلام .
باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم أخبرنا الربيع قال : ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا بلغ غلام أو عتق مملوك أو أسلم كافر بعرفة أو مزدلفة فأحرم أي هؤلاء صار إلى هذه الحال بالحج ثم وافى عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة ، واقفا بها أو غير واقف ، فقد أدرك الحج وأجزأ عنه من حجة الإسلام وعليه دم لترك الميقات ، ولو أحرم العبد والغلام الذي لم يبلغ بالحج ينويان بإحرامهما فرض الحج أو النافلة أو لا نية لهما ثم عتق هذا وبلغ هذا قبل عرفة أو بعرفة أو بمزدلفة أو أين كانا فرجعا إلى عرفة بعد البلوغ والعتق أجزأت عنهما من حجة الإسلام ، ولو احتاطا بأن يهريقا دما كان أحب إلي ، ولا يبين لي أن يكون ذلك عليهما ، وأما الكافر فلو أحرم من ميقاته ثم أسلم بعرفة لم يكن له بد من دم يهريقه ; لأن إحرامه ليس بإحرام ولو أذن الرجل لعبده فأهل بالحج ثم أفسده قبل عرفة ثم عتق فوافى عرفة لم تجز عنه من حجة الإسلام ; لأنه قد كان يجب عليه تمامها ; لأنه أحرم بإذن أهله وهي تجوز له ، وإن لم تجز عنه من حجة الإسلام ، فإذا أفسدها مضى فيها فاسدة وعليه قضاؤها ويهدي بدنة ، ثم إذا قضاها فالقضاء عنه يجزيه من حجة الإسلام ( قال الشافعي ) في الغلام المراهق لم يبلغ : يهل بالحج ثم يصيب امرأته قبل عرفة ثم يحتلم بعرفة يمضي في حجه ولا أرى هذه الحجة مجزئة عنه من حجة الإسلام من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل له حجا فالحاج إذا جامع أفسد وعليه البدل وبدنة ، فإذا جاء ببدل وبدنة أجزأت عنه من حجة الإسلام ( قال ) : ولو أهل ذمي أو كافر ما كان هذا بحج ثم جامع ثم أسلم قبل عرفة وبعد الجماع فجدد إحراما من الميقات أو دونه وأهراق دما لترك الميقات أجزأت عنه من حجة الإسلام ; لأنه لا يكون مفسدا في حال الشرك ; لأنه كان غير محرم ، فإن قال قائل : فإذا زعمت أنه كان في إحرامه غير محرم ، أفكان الفرض عنه موضوعا ؟ قيل : لا ، بل كان عليه وعلى كل أحد أن [ ص: 143 ] يؤمن بالله عز وجل وبرسوله ويؤدي الفرائض التي أنزلها الله تبارك وتعالى على نبيه ، غير أن السنة تدل وما لم أعلم المسلمين اختلفوا فيه أن كل كافر أسلم استأنف الفرائض من يوم أسلم ولم يؤمر بإعادة ما فرط فيه في الشرك منها وأن الإسلام يهدم ما قبله إذا أسلم ثم استقام ، فلما كان إنما يستأنف الأعمال ولا يكون عاملا عملا يكتب له إلا بعد الإسلام كان ما كان غير مكتوب له من إحرامه ليس إحراما والعمل يكتب للعبد البالغ ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصغير : له حج ، ففي ذلك دلالة على أنه حاج وأن حجه إن شاء الله تعالى مكتوب له .
باب الرجل ينذر الحج أو العمرة
( قال الشافعي ) :
فمن أوجب على نفسه حجا أو عمرة بنذر فحج أو اعتمر يريد قضاء حجته أو عمرته التي نذر ، كان حجته وعمرته التي نوى بها قضاء النذر حجة الإسلام وعمرته ثم كان عليه قضاء حجة النذر بعد ذلك ( قال الشافعي ) : فإذا مات ولم يقض النذر ولا الواجب قضي عنه الواجب أولا ، فإن كان في ماله سعة أو كان له من يحج عنه قضى النذر عنه بعده .
( قال الشافعي ) :
وإن حج عنه رجل بإجارة أو تطوع ينوي عنه قضاء النذر كان الحج الواجب عليه ثم قضى عنه النذر بعده إذا كان إحرام غيره عنه ، إذا أراد تأدية الفرض عنه يقوم مقام إحرام نفسه عنه في الأداء عنه ، فكذلك هو في النذر عنه والله أعلم ، ولو حج عنه رجلان هذا الفرض وهذا النذر ، كان أحب إلي وأجزأ عنه .
باب الخلاف في هذا الباب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
وقد خالفنا بعض الناس في هذا الباب فقال : نحن نوافقك على أن الرجل إذا حج تطوعا أو بغير نية كان ذلك عندنا حجة الإسلام للآثار والقياس فيه ولأن التطوع ليس بواجب عليه ، أفرأيت الواجب عليه من النذر إن كان واجبا وفرض الحج التطوع واجبا فكيف زعمت أنه إذا نوى النذر وهو واجب كان الحج الواجب كما قلته في التطوع والنذر غير تطوع ؟ فقلت له زعمته بأنه إذا كان مستطيعا من حين يبلغ إلى أن يموت فلم يكن وقت حج يأتي عليه إلا وفرض الحج لازم له بلا شيء ألزمه نفسه ولم يكن النذر لازما له إلا بعد إيجابه فكان في نفسه بمعنى من حج تطوعا وكان الواجب بكل حال أولى أن يكون المقدم من الذي لم يجب إلا بإيجابه على نفسه ، فإن قال ما يشبه النذر من النافلة ؟ قيل له إذا دخل فيه بعد حج الإسلام وجب عليه أن يتمه ولكنه لما كان إذا دخل فيه كان في حكمه في أنه يتمه كمبتدئ حج الإسلام ينويه كان دخوله فيه لم يوجبه عليه إنما أوجب على نفسه فرضا عليه وغيره لو أوجبه عليه فأمره بالخروج منه كما أمره بالخروج من الحج بالطواف وأمره بقضائه فقال : فإنك رويت أن ابن عباس وابن عمر سئلا فقال أحدهما : قضيتهما ورب الكعبة لمن نذر حجا فحجه قضاء النذر والحج المكتوب وقال الآخر هذه حجة الإسلام [ ص: 144 ] فليلتمس وفاء النذر ، فقلت فأنت تخالفهما جميعا فتزعم أن هذا النذر وعليه حجة الإسلام فكيف تحتج بما تخالف ؟ قال وأنت تخالف أحدهما ، فقلت إن خالفته خالفته بمعنى السنة وأوافق الآخر ، أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن الثوري عن زيد بن جبير ، قال : إني لعند عبد الله بن عمر إذ سئل عن هذه فقال : هذه حجة الإسلام فليلتمس أن يقضي نذره .
( قال الشافعي ) ولم نر عملين وجبا عليه ، فلم يكن له ترك واحد منهما على الابتداء يجزي عنه أن يأتي بأحدهما فنقول هذا في الحج ينذره الرجل وعليه حجة الإسلام ، فإن كان قضى حجة الإسلام وبقي عليه حجة نذره فحج متطوعا فهي حجة النذر ولا يتطوع بحج وعليه حج واجب ، وإذا أجزأ التطوع من الحجة المكتوبة لأنا نجعل ما تطوع به هو الواجب عليه من الفرض ، فكذلك إذا تطوع وعليه واجب من نذر لا فرق بين ذلك .
باب هل تجب العمرة وجوب الحج ؟
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } فاختلف الناس في العمرة فقال بعض المشرقيين : العمرة تطوع وقاله سعيد بن سالم واحتج بأن سفيان الثوري أخبره عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الحج جهاد والعمرة تطوع } فقلت له أثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال هو منقطع وهو وإن لم تثبت به الحجة فإن حجتنا في أنها تطوع أن الله عز وجل يقول { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ولم يذكر في الموضع الذي بين فيه إيجاب الحج إيجاب العمرة وأنا لم نعلم أحدا من المسلمين أمر بقضاء العمرة عن ميت فقلت له قد يحتمل قول الله عز وجل { وأتموا الحج والعمرة لله } أن يكون فرضها معا وفرضه إذا كان في موضع واحد يثبت ثبوته في مواضع كثيرة كقوله تعالى { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ثم قال { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } فذكرها مرة مع الصلاة وأفرد الصلاة مرة أخرى دونها فلم يمنع ذلك الزكاة أن تثبت وليس لك حجة في قولك لا نعلم أحدا أمر بقضاء العمرة عن ميت إلا عليك مثلها لمن أوجب العمرة بأن يقول ولا نعلم من السلف أحدا ثبت عنه أنه قال لا تقضى عمرة عن ميت ولا هي تطوع كما قلت ، فإن كان لا نعلم لك حجة كان قول من أوجب العمرة لا نعلم أحدا من السلف ثبت عنه أنه قال هي تطوع وأن لا تقضى عن ميت حجة عليك .
( قال ) ومن ذهب هذا المذهب أشبه أن يتأول الآية { وأتموا الحج والعمرة لله } إذا دخلتم فيهما ، وقال بعض أصحابنا : العمرة سنة لا نعلم أحدا أرخص في تركها ( قال ) وهذا قول يحتمل إيجابها إن كان يريد أن الآية تحتمل إيجابها وأن ابن عباس ذهب إلى إيجابها ولم يخالفه غيره من الأئمة ويحتمل تأكيدها لا إيجابها .
( قال الشافعي ) والذي هو أشبه بظاهر القرآن وأولى بأهل العلم عندي وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة ، فإن الله عز وجل قرنها مع الحج فقال { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } { وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل أن يحج } وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن إحرامها والخروج منها بطواف وحلاق وميقات ، وفي الحج زيادة عمل على العمرة ، فظاهر القرآن أولى إذا لم يكن دلالة على أنه باطن دون ظاهر ، ومع ذلك قول ابن عباس وغيره ، أخبرنا ابن عيينة [ ص: 145 ] عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أنه قال : والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله { وأتموا الحج والعمرة لله } ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : ليس من خلق الله تعالى أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان .
( قال الشافعي ) وقاله غيره من مكيينا وهو قول الأكثر منهم ( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قران العمرة مع الحج هديا ولو كان أصل العمرة تطوعا أشبه أن لا يكون لأحد أن يقرن العمرة مع الحج لأن أحدا لا يدخل في نافلة فرضا حتى يخرج من أحدهما قبل الدخول في الآخر ، وقد يدخل في أربع ركعات وأكثر نافلة قبل أن يفصل بينهما بسلام ، وليس ذلك في مكتوبة ونافلة من الصلاة فأشبه أن لا يلزمه بالتمتع أو القران هدي إذا كان أصل العمرة تطوعا بكل حال ، لأن حكم ما لا يكون إلا تطوعا بحال غير حكم ما يكون فرضا في حال .
( قال الشافعي ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائله عن الطيب والثياب افعل في عمرتك ما كنت فاعلا في حجتك } ( أخبرنا ) مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن العمرة هي الحج الأصغر ، قال ابن جريج : ولم يحدثني عبد الله بن أبي بكر عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم شيئا إلا قلت : له أفي شك أنتم من أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لا .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أن تقضي الحج عن أبيها ولم يحفظ عنه أن تقضي العمرة عنه ، قيل له إن شاء الله قد يكون في الحديث فيحفظ بعضه دون بعض ويحفظ كله فيؤدى بعضه دون بعض ، ويجيب عما يسأل عنه ويستغني أيضا بأن يعلم أن الحج إذا قضي عنه فسبيل العمرة سبيله فإن قال قائل وما يشبه ما قلت ؟ قيل روى عنه طلحة { أنه سئل عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة . وذكر الصيام ولم يذكر حجا ولا عمرة من الإسلام وغير هذا ما يشبه هذا } ، والله أعلم .
فإن قال قائل : ما وجه هذا ؟ قيل له : ما وصفت من أن يكون في الخبر فيؤدى بعضه دون بعض أو يحفظ بعضه دون بعض أو يكتفى بعلم السائل أو يكتفى بالجواب عن المسألة ثم يعلم السائل بعد ولا يؤدى ذلك في مسألة السائل ويؤدى في غيره ( قال ) وإذا أفرد العمرة فالميقات لها كالميقات في الحج ، والعمرة في كل شهر من السنة كلها إلا أنا ننهى المحرم بالحج أن يعتمر في أيام التشريق لأنه معكوف على عمل الحج ولا يخرج منه إلى الإحرام حتى يفرغ من جميع عمل الإحرام الذي أفرده .
( قال الشافعي ) ولو لم يحج رجل فتوقى العمرة حتى تمضي أيام التشريق كان وجها وإن لم يفعل فجائز له ، لأنه في غير إحرام نمنعه به من غيره لإحرام غيره .
( قال الشافعي ) ويجزيه أن يقرن الحج مع العمرة وتجزيه من العمرة الواجبة عليه ويهريق دما قياسا على قول الله عز وجل { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } فالقارن أخف حالا من المتمتع ، المتمتع إنما أدخل عمرة فوصل بها حجا فسقط عنه ميقات الحج وقد سقط عن هذا وأدخل العمرة في أيام الحج وقد أدخلها القارن ، وزاد المتمتع أن تمتع بالإحلال من العمرة إلى إحرام الحج ولا يكون المتمتع في أكثر من حال القارن فيما يجب عليه من الهدي ( قال ) وتجزئ العمرة قبل الحج والحج قبل العمرة من الواجبة عليه ( قال ) وإذا اعتمر قبل الحج ثم أقام بمكة حتى ينشئ الحج أنشأه من مكة لا من الميقات
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (79)
صــــــــــ 146 الى صـــــــــــ150
( قال ) وإن أفرد الحج فأراد العمرة بعد الحج خرج من الحرم ثم أهل من أين شاء وسقط عنه بإحرامه بالحج من الميقات ، فأحرم بها من أقرب المواضع من ميقاتها ، ولا ميقات [ ص: 146 ] لها دون الحل . كما يسقط ميقات الحج إذا قدم العمرة قبله لدخول أحدهما في الآخر وأحب إلى أن يعتمر من الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها ، فإن أخطأه ذلك اعتمر من التنعيم لأن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تعتمر منها وهي أقرب الحل إلى البيت } ، فإن أخطأه ذلك اعتمر من الحديبية لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها وأراد المدخل لعمرته منها ، أخبرنا ابن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت عمرو بن أوس الثقفي يقول أخبرني { عبد الرحمن بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة فيعمرها من التنعيم قال الشافعي وعائشة كانت قارنة فقضت الحج والعمرة الواجبتين عليها ، وأحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج ، فسألت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بإعمارها ، فكانت لها نافلة خيرا ، وقد كانت دخلت مكة بإحرام ، فلم يكن عليها رجوع إلى الميقات ، } أخبرنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن مزاحم عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد عن محرش الكعبي أو محرش { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا فاعتمر وأصبح بها كبائت } ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج هذا الحديث بهذا الإسناد ، وقال ابن جريج هو محرش .
( قال الشافعي ) وأصاب ابن جريج لأن ولده عندنا يقول بنو محرش ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك } ( أخبرنا ) سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وربما قال سفيان عن عطاء عن عائشة وربما قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة .
( قال الشافعي ) فعائشة كانت قارنة في ذي الحجة ثم اعتمرت بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعمارها بعد الحج فكانت لها عمرتان في شهر ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل الجعرانة عمرة القضية فكان متطوعا بعمرة الجعرانة ، فكان وإن دخل مكة عام الفتح بغير إحرام للحرب فليست عمرته من الجعرانة قضاء ولكنها تطوع ، والمتطوع يتطوع بالعمرة من حيث شاء خارجا من الحرم ( قال الشافعي ) ولو أهل رجل بحج ففاته خرج من حجه بعمل عمرة وكان عليه حج قابل والهدي ولم تجز هذه عنه من حجة ولا عمرة واجبة عليه لأنه إنما خرج من الحج بعمل العمرة ، لا أنه ابتدأ عمرة فتجزي عنه من عمرة واجبة عليه
باب الوقت الذي تجوز فيه العمرة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
يجوز أن يهل الرجل بعمرة في السنة كلها يوم عرفة وأيام منى وغيرها من السنة إذا لم يكن حاجا ولم يطمع بإدراك الحج وإن طمع بإدراك الحج أحببت له أن يكون إهلاله بحج دون عمرة أو حج مع عمرة وإن لم يفعل واعتمر جازت العمرة وأجزأت عنه عمرة الإسلام وعمرة إن كان أوجبها على نفسه من نذر أو أوجبه تبرر أو اعتمر عن غيره .
( قال الشافعي ) فإن قال [ ص: 147 ] قائل وكيف يجوز أن تكون العمرة في أيام الحج ؟ قيل قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فأدخلت الحج على العمرة فوافت عرفة ومنى حاجة معتمرة والعمرة لها متقدمة وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه هبار بن الأسود وأبا أيوب الأنصاري في يوم النحر وكان مهلا بحج أن يطوف ويسعى ويحلق ويحل فهذا عمل عمرة إن فاته الحج فإن أعظم الأيام حرمة أولاها أن ينسك فيها لله تعالى .
( قال الشافعي ) ولا وجه لأن ينهى أحد أن يعتمر يوم عرفة ولا ليالي منى إلا أن يكون حاجا فلا يدخل العمرة على الحج ولا يعتمر حتى يكمل عمل الحج كله ، لأنه معكوف بمنى على عمل من عمل الحج من الرمي والإقامة بمنى طاف للزيارة أو لم يطف ، فإن اعتمر وهو في بقية من إحرام حجه أو خارجا من إحرام حجه وهو مقيم على عمل من عمل حجه فلا عمرة له ولا فدية عليه لأنه أهل بالعمرة في وقت لم يكن له أن يهل بها فيه ( قال الشافعي ) والعمرة في السنة كلها فلا بأس بأن يعتمر الرجل في السنة مرارا ، وهذا قول العامة من المكيين وأهل البلدان ، غير أن قائلا من الحجازيين كره العمرة في السنة إلا مرة واحدة ، وإذا كانت العمرة تصلح في كل شهر فلا تشبه الحج الذي لا يصلح إلا في يوم من شهر بعينه إن لم يدرك فيه الحج فات إلى قابل فلا يجوز أن تقاس عليه وهي تخالفه في هذا كله ، فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ؟ قيل له عائشة ممن لم يكن معه هدي وممن دخل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون إحرامه عمرة فعركت فلم تقدر على الطواف للطمث فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تهل بالحج فكانت قارنة وكانت عمرتها في ذي الحجة ثم سألته أن يعمرها فأعمرها في ذي الحجة فكانت هذه عمرتين في شهر فكيف ينكر أحد بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعمرتين في شهر يزعم أن لا تكون في السنة إلا مرة ؟ أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في كل شهر عمرة ، أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن عائشة اعتمرت في سنة مرتين ، مرة من ذي الحليفة ومرة من الجحفة ، أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم اعتمرت في سنة مرتين قال صدقة : فقلت هل عاب ذلك عليها أحد ؟ فقال سبحان الله أم المؤمنين فاستحييت ، أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع قال اعتمر عبد الله بن عمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام ، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن حبيب المعلم قال سئل عطاء عن العمرة في كل شهر ؟ قال نعم ( قال الشافعي ) وفيما وصفت من عمرة عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها في ذي الحجة وفي أنه اعتمر في أشهر الحج بيان أن العمرة تجوز في زمان الحج وغيره وإذا جازت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم زايلت معنى الحج الذي لا يكون في السنة إلا مرة واحدة وصلحت في كل شهر ، وحين أراده صاحبه [ ص: 148 ] إلا أن يكون محرما بغيرها من حج أو عمرة فلا يدخل إحراما بغيره عليه قبل أن يكمله
( قال الشافعي ) وإذا أهل رجل بعمرة كان له أن يدخل الحج على العمرة ما لم يدخل في الطواف بالبيت فإذا دخل فيه فليس له أن يدخل عليه الحج ولو فعل لم يلزمه حج لأنه يعمل في الخروج من عمرته في وقت ليس له إدخال الحج فيه على عمل العمرة ولو كان إهلاله بحج لم يكن له أن يدخل عليه العمرة ولو فعل لم يكن مهلا بعمرة ولا عليه فدية
( قال ) ومن لم يحج اعتمر في السنة كلها ومن حج لم يدخل العمرة على الحج حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الأول فاعتمر يومئذ لزمته العمرة لأنه لم يبق عليه للحج عمل ولو أخره كان أحب إلي ولو أهل بالعمرة في يوم النفر الأول ولم ينفر كان إهلاله باطلا لأنه معكوف على عمل من عمل الحج فلا يخرج منه إلا بكماله والخروج منه ( قال ) وخالفنا بعض حجازيينا فقال لا يعتمر في السنة إلا مرة ، وهذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أعمر عائشة في شهر واحد من سنة واحدة مرتين وخلاف فعل عائشة نفسها وعلي بن أبي طالب وابن عمر وأنس رضي الله عنهم وعوام الناس وأصل قوله إن كان قوله : أن العمرة تصلح في كل السنة فكيف قاسها بالحج الذي لا يصلح إلا في يوم من السنة ؟ وأي وقت وقت للعمرة من الشهور ؟ فإن قال : أي وقت شاء ، فكيف لم يعتمر في أي وقت شاء مرارا ، وقول العامة على ما قلنا .
باب من أهل بحجتين أو عمرتين
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
من أهل بحجتين معا أو حج ثم أدخل عليه حجا آخر قبل أن يكمل الحج فهو مهل بحج واحد ولا شيء عليه في الثاني من فدية ولا قضاء ولا غيره ( قال ) وإكمال عمل الحج أن لا يبقى عليه طواف ولا حلاق ولا رمي ولا مقام بمنى ، فإن قال قائل فكيف قلت هذا ؟ قيل كان عليه في الحج أن يأتي بعمله على كماله فيدخل فيه حراما ويكون كماله أن يخرج منه حلالا من يوم النحر من بعضه دون بعض وبعد النحر من كله بكماله فلو ألزمناه الحجتين وقلنا : أكمل إحداهما أمرناه بالإحلال وهو محرم بحج ، ولو قلنا له لا تخرج من إحرام أحدهما إلا بخروجك من الآخر بكماله قلنا له ائت ببعض عمل الحج دون بعض فإن قال وما يبقى عليه من عمل الحج ؟ قيل الحلاق فأمرناه أن لا يكمل الحج انتظارا للذي بعده ولو جاز هذا جاز أن يقال له أقم في بلدك أو في مكة ولا تعمل لأحد حجيك حتى تعمل للآخر منهما كما يقال للقارن ، فيكون إنما عمل بحج واحد وبطل الآخر ولو قلنا بل يعمل لأحدهما ويبقى محرما بالآخر قلنا : فهو لم يكمل عمل أحدهما وأكمل عمل الآخر فكيف يجب عليه في أحدهما ما سقط عنه في الآخر ؟ فإن قلت بل يحل من أحدهما ، قيل فلم يلزمه أداء الآخر إذا جاز له أن يخرج من الأول لم يدخل في غيره إلا بتجديد دخول فيه .
( قال الشافعي ) وإذا كان عمر بن الخطاب وكثير ممن حفظنا عنه لم نعلم منهم اختلافا يقولون إذا أهل بحج ثم فاته عرفة لم يقم حراما وطاف وسعى وحلق ثم قضى الحج الفائت لم يجز أبدا في الذي لم يفته الحج أن يقيم حراما بعد الحج بحج وإذا لم يجز لم يجز إلا سقوط إحدى الحجتين والله أعلم وقد روي من وجه عن عطاء أنه قال إذا أهل بحجتين فهو مهل بحج وتابعه الحسن بن أبي الحسن ( قال ) والقول في العمرتين هكذا [ ص: 149 ] وكمال العمرة الطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلاق وأمرهم من فاته الحج أن يحل بطواف وسعي وحلاق ويقضي يدلان معا على أنه لا يجوز أن يهل بالحج في غير أشهر الحج لأن من فاته الحج قد يقدر أن يقيم حراما إلى قابل ولا أراهم أمروه بالخروج من إحرامه بالطواف ولا يقيم حراما لأنه لا يجوز له أن يقيم محرما بحج في غير أشهر الحج ويدل على أنه إذا خرج من حجه يعمل عمرة فليس أن حجه صار عمرة ولا يصير عمرة وقد ابتدأ حجا في وقت يجوز فيه الإهلال بالحج ولو جاز أن ينفسخ الحج عمرة جاز أن يكون من ابتدأ فأهل بحجتين مهلا بحج وعمرة لأنه يصلح أن يبتدأ حج وعمرة ولم يجز لمن قال يصير حجه عمرة إلا ما وصفت من أنه إذا ابتدأ فأهل بحجتين فهو مهل بحج وعمرة ، فأما من أهل بحج ثم أدخل عليه بعد إهلاله به حجا فبين في كل حال أن لا يكون مدخلا حجا على حج ولا تكون عمرة مع حج ، كما لو ابتدأ فأدخل عمرة على حج لم يدخل عليه ، ولو جاز أن يصرف الحج عمرة جاز أن تصرف العمرة حجا فيكون من أهل بعمرتين في أشهر الحج مهلا بحج وعمرة ، وصرفنا إحرامه إلى الذي يجوز له ، ولا يجوز شيء من هذا غير القول الأول من أن من أهل بحجتين فهو مهل بحج ومن أهل بعمرتين فهو مهل بعمرة ولا شيء عليه غير ذلك .
باب الخلاف فيمن أهل بحجتين أو عمرتين
( قال الشافعي ) رحمه الله وخلافنا رجلان من الناس ، فقال أحدهما : من أهل بحجتين لزمتاه فإذا أخذ في عملهما فهو رافض للآخر ، وقال الآخر : هو رافض للآخر حين ابتدأ الإهلال وأحسبهما قالا : وعليه في الرفض دم وعليه القضاء .
( قال الشافعي ) قد حكي لي عنهما معا أنهما قالا : من أجمع صيام يومين فصام أحدهما فليس عليه الآخر لأنه لا يجوز أن يدخل في الآخر إلا بعد الخروج من الأول ، وهكذا من فاتته صلوات فكبر ينوي صلاتين لم يكن إلا صلاة واحدة ، ولم يلزمه صلاتان معا ، لأنه لا يدخل في الآخر إلا من بعد الخروج من الأولى ( قال ) وكذلك لو نوى صلاتين تطوعا مما يفصل بينهما بسلام ، فإذا كان هذا هكذا في الصوم والصلاة فكيف لم يكن عندهما هكذا في الحج ؟ مع أنه يلزمهما أن يدعا قولهما في الحج ، إن زعما أن الحج يصير عمرة إذا فاتتعرفة أشبه أن يلزمهما إذا كان الإحرام بحجتين لازما أن يقولا هو حج وعمرة قالا يقضي أحدهما أو لم يقولاه .
( قال الشافعي ) وبهذا قلنا لا يقرن بين عملين إلا بحج وعمرة يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج إذا بدأ بالحج لأن الأصل أن لا نجمع بين عملين ، فلما جمع بينهما في حال سلم للخبر في الجمع بينهما ، ولم يجمع بينهما إلا على ما جاء فيه الخبر لا يخالفه ولا يقيس عليه .
[ ص: 150 ] في المواقيت ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن } قال ابن عمر : ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ويهل أهل اليمن من يلملم } أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال { أمر أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن } . قال ابن عمر : أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ويهل أهل اليمن من يلملم } أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال { : قام رجل من أهل المدينة في المسجد فقال : يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل ؟ قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن } قال لي نافع : ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ويهل أهل اليمن من يلملم } ( قال ) وأخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال . أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال سمعت ، ثم انتهى ، أراه يريد النبي صلى الله عليه وسلم يقول { يهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة وأهل المغرب ويهل أهل العراق من ذات عرق ويهل أهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم } .
( قال الشافعي ) ولم يسم جابر بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد يجوز أن يكون سمع عمر بن الخطاب ، قال ابن سيرين : يروى عن عمر بن الخطاب مرسلا أنه وقت لأهل المشرق ذات عرق ، ويجوز أن يكون سمع غير عمر بن الخطاب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا سعيد بن سالم قال : أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل المغرب الجحفة ولأهل المشرق ذات عرق ولأهل نجد قرنا ومن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم } أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال : فراجعت عطاء فقلت : أن النبي صلى الله عليه وسلم زعموا لم يوقت ذات عرق ولم يكن أهل المشرق حينئذ ، قال كذلك سمعنا أنه وقت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق قال : ولم يكن عراق ولكن لأهل المشرق ولم يعزه إلى أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه يأبى إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقته ، أخبرنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال : لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل مشرق ، فوقت الناس ذات عرق ( قال الشافعي ) ولا أحسبه إلا كما قال طاوس والله أعلم ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال : لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق ، أخبرنا الثقة عن أيوب عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب وقت ذات عرق لأهل المشرق .
( قال الشافعي ) وهذا عن عمر بن الخطاب مرسلا ، وذات عرق شبيه بقرن في القرب وألملم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (80)
صــــــــــ 151 الى صـــــــــــ155
( قال الشافعي ) فإن أحرم منها أهل المشرق رجوت أن يجزيهم قياسا على قرن ويلملم ، ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي ، أخبرنا سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت لأهلها ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد الحج والعمرة ومن كان أهله من دون [ ص: 151 ] الميقات فليهلل من حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة } أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت مثل معنى حديث سفيان في المواقيت ، أخبرنا سعيد بن سالم عن القاسم بن معن عن ليث عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس أنه قال : { وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرنا ومن كان دون ذلك فمن حيث يبدأ } . أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال ليستمتع المرء بأهله وثيابه حتى يأتي كذا وكذا للمواقيت } ، قلت : أفلم يبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا بلغوا كذا وكذا ؟ أهلوا ؟ قال : لا أدري .
باب تفريع المواقيت
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال : قال " ولم يسم عمرو القائل إلا أنا نراه ابن عباس " الرجل يهل من أهله ومن بعدما يجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم .
( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ ، وإذا أهل الرجل بالحج أو العمرة من دون ميقاته ثم رجع إلى ميقاته فهو محرم في رجوعه ذلك ، فإن قال قائل : فكيف أمرته بالرجوع وقد ألزمته إحراما قد ابتدأه من دون ميقاته ؟ أقلت ذلك اتباعا لابن عباس أم خبرا من غيره أو قياسا ؟ قلت : هو وإن كان اتباعا لابن عباس ففيه أنه في معنى السنة ، فإن قال : فاذكر السنة التي هو في معناها ، قلت : أرأيت إذ وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقيت لمن أراد حجا أو عمرة ، أليس المريد لهما مأمورا أن يكون محرما من الميقات لا يحل إلا بإتيان البيت والطواف والعمل معه ؟ قال : بلى .
قلت : افتراه مأذونا له قبل بلوغ الميقات أن يكون غير محرم ؟ قال : بلى . قلت : أفتراه أن يكون مأذونا له أن يكون بعض سفره حلالا وبعضه حراما ؟ قال : نعم . قلت أفرأيت إذا جاوز الميقات فأحرم أو لم يحرم ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه ، أما أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف بالبيت وعمل غيره ؟ قال : بلى . ولكنه إذا دخل في إحرام بعد الميقات فقد لزمه إحرامه وليس بمبتدئ إحراما من الميقات .
( قال الشافعي ) قلت إنه لا يضيق عليه أن يبتدئ الإحرام قبل الميقات كما لا يضيق عليه لو أحرم من أهله فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لأنه قد أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات إلى أن يحل بالطواف وعمل الحج ، وإذا كان هذا هكذا كان الذي جاوز الميقات ثم أحرم ثم رجع إليه في معنى هذا في أنه قد أتى على الميقات محرما ثم كان بعد محرما إلى أن يطوف ويعمل لإحرامه إلا أنه زاد على نفسه سفرا بالرجوع والزيادة لا تؤثمه ولا توجب عليه فدية إن شاء الله تعالى ، فإن قال : أفرأيت من كان أهله من دون الميقات أو كان من أهل الميقات ؟ قلت سفر ذلك كله إحرام وحاله إذا جاوز أهله حال من جاوز الميقات يفعل ما أمرنا به من جاوز الميقات .
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال [ ص: 152 ] عمرو بن دينار عن طاوس : من شاء أهل من بيته ومن شاء استمتع بثيابه حتى يأتي ميقاته ولكن لا يجاوزه إلا محرما يعني ميقاته ، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال : المواقيت في الحج والعمرة سواء ومن شاء أهل من ورائها ومن شاء أهل منها ولا يجاوزها إلا محرما وبهذا نأخذ ، أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء قال : ومن أخطأ أن يهل بالحج من ميقاته أو عمد ذلك فليرجع إلى ميقاته فليهلل منه إلا أن يحبسه أمر يعذر به من وجع أو غيره أو يخشى أن يفوته الحج إن رجع فليهرق دما ولا يرجع ، وأدنى ما يهريق من الدم في الحج أو غيره شاة ، أخبرنا مسلم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت الذي يخطئ أن يهل بالحج من ميقاته ويأتي وقد أزف الحج فيهريق دما أيخرج مع ذلك من الحرم فيهل بالحج من الحل ؟ قال : لا . ولم يخرج خشية الدم الذي يهريق .
( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ من أهل من دون ميقاته أمرناه بالرجوع إلى ميقاته ما بينه وبين أن يطوف بالبيت فإذا طاف بالبيت لم نأمره بالرجوع وأمرناه أن يهريق دما ، وإن لم يقدر على الرجوع إلى ميقاته بعذر أو تركه عامدا لم نأمره بأن يخرج إلى شيء دون ميقاته وأمرناه أن يهريق دما وهو مسيء في تركه أن يرجع إذا أمكنه عامدا ولو كان ميقات القوم قرية فأقل ما يلزمه في الإهلال أن لا يخرج من بيوتها حتى يحرم وأحب إلي إن كانت بيوتها مجتمعة أو متفرقة أن يتقصى فيحرم من أقصى بيوتها مما يلي بلده الذي هو أبعد من مكة وإن كان واديا فأحب إلى أن يحرم من أقصاه وأقربه ببلده وأبعده من مكة وإن كان ظهرا من الأرض فأقل ما يلزمه في ذلك أن يهل مما يقع عليه اسم الظهر أو الوادي أو الوضع أو القرية إلا أن يعلم موضعها فيهل منه وأحب إلي أن يحرم من أقصاه إلى بلده الذي هو أبعد من مكة ، فإنه إذا أتى بهذا فقد أحرم من الميقات يقينا أو زاد والزيادة لا تضر ، وإن علم أن القرية نقلت فيحرم من القرية الأولى ، وإن جاوز ما يقع عليه الاسم رجع أو أهراق دما ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري قال رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ميقات ذات عرق فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ثم قال : هذه ذات عرق الأولى ( قال الشافعي ) ومن سلك بحرا أو برا من غير وجه المواقيت أهل بالحج إذا حاذى المواقيت متأخيا وأحب إلي أن يحتاط فيحرم من وراء ذلك ، فإن علم أنه أهل بعدما جاوز المواقيت كان كمن جاوزها فرجع أو أهراق دما أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : من سلك بحرا أو برا من غير جهة المواقيت أحرم إذا حاذى المواقيت .
( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ ومن سلك كداء من أهل نجد والسراة أهل بالحج من قرن ، وذلك قبل أن يأتي ثنية كدى وذلك أرفع من قرن في نجد وأعلى وادي قرن وجماع ذلك ما قال عطاء أن يهل من جاء من غير جهة المواقيت ، إذا حاذى المواقيت وحديث طاوس في المواقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم أوضحها معنى وأشدها غنى عما دونه ، وذلك أنه أتى على المواقيت ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم { هن لأهلهن ولكل آت عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجا أو عمرة } وكان بينا فيه أن عراقيا أو شاميا لو مر بالمدينة يريد حجا أو عمرة كان ميقاته ذا الحليفة وإن مدنيا لو جاء من اليمن كان ميقاته يلملم وأن قوله يهل أهل المدينة من ذي الحليفة إنما هو لأنهم يخرجون من بلادهم ويكون ذو الحليفة طريقهم وأول ميقات يمرون به وقوله وأهل الشام من الجحفة لأنهم يخرجون من بلادهم والجحفة طريقهم وأول ميقات يمرون به ليست المدينة ولا ذو الحليفة طريقهم إلا أن يعرجوا إليها وكذلك قوله في أهل نجد واليمن لأن كل واحد منهم خارج من بلده وكذلك أول ميقات يمرون به وفيه معنى آخر أن أهل نجد اليمن يمرون بقرن ، [ ص: 153 ] فلما كانت طريقهم لم يكلفوا أن يأتوا يلملم وإنما ميقات يلملم لأهل غور اليمن تهمها ممن هي طريقهم .
( قال الشافعي ) ولا يجوز في الحديث غير ما قلت والله أعلم وذلك أنه لو كان على أهل المدينة أين كانوا فأرادوا الحج أن يهلوا من ذي الحليفة رجعوا من اليمن إلى ذي الحليفة ورجع أهل اليمن من المدينة إن أرادوا منها الحج إلى يلملم ، ولكن معناه ما قلت والله أعلم وهو موجود في الحديث معقول فيه ومعقول في الحديث في قوله " ولكل آت أتى عليها " ما وصفت وقوله " ممن أراد حجا أو عمرة " أنهن مواقيت لمن أتى عليهم يريد حجا أو عمرة ، فمن أتى عليهن لا يريد حجا ولا عمرة فجاوز الميقات ثم بدا له أن يحج أو يعتمر أهل بالحج من حيث يبدو له وكان ذلك ميقاته كما يكون ميقات أهله الذين أنشئوا منه يريدون الحج أو العمرة حين أنشئوا منه ، وهذا معنى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ممن أراد حجا أو عمرة لأن هذا جاوز الميقات لا يريد حجا ولا عمرة ومعنى قوله { ولكل آت أتى عليهن ممن أراد حجا أو عمرة } فهذه إنما أراد الحج أو العمرة بعدما جاوز المواقيت فأراد وهو ممن دون المواقيت المنصوبة وأراده وهو داخل في جملة المواقيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم { ومن كان أهله دون المواقيت فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة } فهذا جملة المواقيت ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من الفرع .
( قال الشافعي ) وهذا عندنا والله أعلم أنه مر بميقاته لم يرد حجا ولا عمرة ثم بدا له من الفرع فأهل منه أو جاء الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له الإهلال فأهل منها ولم يرجع إلى ذي الحليفة وهو روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت ، فلو أن بعض أهل المدينة أتى الطائف لحاجته عامدا لا يريد حجا ولا عمرة ثم خرج منها كذلك لا يريد حجا ولا عمرة حتى قارب الحرم ثم بدا له أن يهل بالحج أو العمرة أهل من موضعه ذلك ولم يرجع ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : إذا مر المكي بميقات أهل مصر فلا يجاوزه إلا محرما ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال طاوس : فإن مر المكي على المواقيت يريد مكة فلا يخلفها حتى يعتمر باب دخول مكة لغير إرادة حج ولا عمرة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } إلى قوله { والركع السجود } .
( قال الشافعي ) المثابة في كلام العرب الموضع يثوب الناس إليه ويئوبون يعودون إليه بعد الذهاب منه ، وقد يقال ثاب إليه اجتمع إليه ، فالمثابة تجمع الاجتماع ويئوبون يجتمعون إليه راجعين بعد ذهابهم منه ومبتدئين قال ورقة بن نوفل يذكر البيت .
مثابا لا فناء القبائل كلها تخب إليه اليعملات الذوامل
وقال خداش بن زهير النصري : [ ص: 154 ]
فما برحت بكر تثوب وتدعى ويلحق منهم أولون وآخر
وقال الله عز وجل { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } يعني والله أعلم ، آمنا من صار إليه لا يتخطف اختطاف من حولهم وقال لإبراهيم خليله { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق } .
( قال الشافعي ) فسمعت بعض من أرضى من أهل العلم يذكر أن الله تبارك وتعالى لما أمر بهذا إبراهيم عليه السلام ، وقف على المقام فصاح صيحة عباد الله أجيبوا داعي الله فاستجاب له حتى من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فمن حج البيت بعد دعوته فهو ممن أجاب دعوته ووقاه من وافاه يقولون لبيك داعي ربنا لبيك وقال الله عز وجل { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } الآية ، فكان ذلك دلالة كتاب الله عز وجل فينا وفي الأمم ، على أن الناس مندوبون إلى إتيان البيت بإحرام ، وقال الله عز وجل { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود } وقال { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } .
( قال الشافعي ) فكان مما ندبوا به إلى إتيان الحرم بالإحرام قال : وروي عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال { لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة طأطأه فشكا الوحشة إلى أصوات الملائكة فقال يا رب مالي لا أسمع حس الملائكة ؟ فقال خطيئتك ياآدم ولكن اذهب فإن لي بيتا بمكة فأته فافعل حوله نحو ما رأيت الملائكة يفعلون حول عرشي فأقبل يتخطى موضع كل قدم قرية وما بينهما مفازة فلقيته الملائكة بالردم فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام } أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن محمد بن كعب القرظي أو غيره قال { : حج آدم فلقيته الملائكة فقالت بر نسكك يا آدم لقد حججنا قبلك بألفي عام } .
( قال الشافعي ) وهو إن شاء الله تعالى كما قال ، وروى عن أبي سلمة وسفيان بن عيينة كان يشك في إسناده .
( قال الشافعي ) ويحكى أن النبيين كانوا يحجون فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاما له ومشوا حفاة ، ولم يحك لنا عن أحد من النبيين ولا الأمم الخالية أنه جاء أحد البيت قط إلا حراما ولم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة علمناه إلا حراما إلا في حرب الفتح فبهذا قلنا إن سنة الله تعالى في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وبأن من سمعناه من علمائنا قالوا فمن نذر أن يأتي البيت يأتيه محرما بحج أو عمرة ( قال ) ولا أحسبهم قالوه إلا بما وصفت وأن الله تعالى ذكر وجه دخول الحرم فقال { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام ، إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين } ( قال ) فدل على وجه دخوله للنسك وفي الأمن وعلى رخصة الله في الحرب وعفوه فيه عن النسك وأن فيه دلالة على الفرق بين من يدخل مكة وغيرها من البلدان وذلك أن جميع البلدان تستوي لأنها لا تدخل بإحرام وإن مكة تنفرد بأن من دخلها منتابا لها لم يدخلها إلا بإحرام .
. ( قال الشافعي ) إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين ومن مدخله إياها لمنافع أهلها والكسب لنفسه ورأيت أحسن ما يحمل عليه هذا القول إلى أن انتياب هؤلاء مكة انتياب كسب لا انتياب تبرر ، وأن ذلك متتابع كثير متصل فكانوا يشبهون المقيمين فيها ، ولعل حطابيهم كانوا مماليك غير مأذون لهم بالتشاغل بالنسك ، فإذا كان فرض الحج على المملوك ساقطا سقط عنه ما ليس بفرض من النسك ، فإن كانوا عبيدا ففيهم هذا المعنى الذي ليس في غيرهم مثله ، وإن كانت الرخصة لهم لمعنى أن قصدهم في دخول مكة ليس قصد النسك ولا التبرر وأنهم يجمعون أن دخولهم شبيه بالدائم [ ص: 155 ] فمن كان هكذا كانت له الرخصة ، فأما المرء يأتي أهله بمكة من سفر فلا يدخل إلا محرما لأنه ليس في واحد من المعنيين ، فأما البريد يأتي برسالة أو زور أهله وليس بدائم الدخول فلو استأذن فدخل محرما كان أحب إلي ، وإن لم يفعل ففيه المعنى الذي وصفت أنه يسقط به عنه ذلك ، ومن دخل مكة خائفا الحرب فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام ، فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ؟ قيل الكتاب والسنة ، فإن قال وأين ؟ قيل قال الله تبارك وتعالى { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } فأذن للمحرمين بحج أو عمرة أن يحلوا لخوف الحرب ، فكان من لم يحرم أولى إن خاف الحرب أن لا يحرم من محرم يخرج من إحرامه ، ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح غير محرم للحرب ، فإن قال قائل : فهل عليه إذا دخلها بغير إحرام لعدو وحرب أن يقضي إحرامه ؟ قيل : لا ، إنما يقضي ما وجب بكل وجه فاسد ، أو ترك فلم يعمل ، فأما دخوله مكة بغير إحرام فلما كان أصله أن من شاء لم يدخلها إذا قضى حجة الإسلام وعمرته كان أصله غير قرض فلما دخلها محلا فتركه كان تاركا لفضل وأمر لم يكن أصله فرضا بكل حال فلا يقضيه ، فأما إذا كان فرضا عليه إتيانها لحجة الإسلام أو نذر نذره فتركه إياه لا بد أن يقضيه أو يقضى عنه بعد موته أو في بلوغ الوقت الذي لا يستطيع أن يستمسك فيه على المركب ، ويجوز عندي لمن دخلها خائفا من سلطان أو أمر لا يقدر على دفعه ، ترك الإحرام إذا خافه في الطواف والسعي ، وإن لم يخفه فيهما لم يجز له والله أعلم ، ومن المدنيين من قال : لا بأس أن يدخل بغير إحرام واحتج بأن ابن عمر دخل مكة غير محرم .
( قال الشافعي ) وابن عباس يخالفه ومعه ما وصفنا واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها عام الفتح غير محرم وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها كما وصفنا محاربا ، فإن قال أقيس على مدخل النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : أفتقيس على إحصار النبي صلى الله عليه وسلم بالحرب ؟ فإن قال : لا ، لأن الحرب مخالفة لغيرها ، قيل : وهكذا افعل في الحرب حيث كانت ، لا تفرق بينهما في موضع وتجمع بينهما في آخر .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (81)
صــــــــــ 156 الى صـــــــــــ160
باب ميقات العمرة مع الحج
( قال الشافعي ) رحمه الله :
وميقات العمرة والحج واحد ومن قرن أجزأت عنه حجة الإسلام وعمرته وعليه دم القران ومن أهل بعمرة ثم بدا له أن يدخل عليها حجة فذلك له ما بينه وبين أن يفتتح الطواف بالبيت فإذا افتتح الطواف بالبيت فقد دخل في العمل الذي يخرجه من الإحرام ، فلا يجوز له أن يدخل في إحرام ولم يستكمل الخروج من إحرام قبله ، فلا يدخل إحراما على إحرام ليس مقيما عليه ، وهذا قول عطاء وغيره من أهل العلم ، فإذا أخذ في الطواف فأدخل عليه الحج لم يكن به محرما ولم يكن عليه قضاؤه ولا فدية لتركه ، فإن قال قائل : وكيف كان له أن يكون مفردا بالعمرة ثم يدخل عليها حجا ؟ قيل : لأنه لم يخرج من إحرامها ، وهذا لا يجوز في صلاة ولا صوم وقيل له إن شاء الله : { أهلت عائشة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون القضاء ، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القضاء فأمر من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة ، فكانت معتمرة بأن لم يكن معها هدي فلما حال المحيض بينها وبين الإحلال من عمرتها ورهقها الحج أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخل عليها الحج ففعلت فكانت قارنة } ، فبهذا قلنا يدخل الحج على العمرة ما لم يفتتح الطواف [ ص: 156 ] وذكرت له قران الحج والعمرة فإذا قال جائز قيل أفيجوز هذا في صلاتين أن تقرنا أو في صومين ؟ فإن قال : لا ، قيل فلا يجوز أن تجمع بين ما تفرق أنت بينه ( قال الشافعي ) ولو أهل بالحج ثم أراد أن يدخل عليه عمرة فإن أكثر من لقيت وحفظت عنه يقول : ليس ذلك له ، وإذا لم يكن ذلك له فلا شيء عليه في ترك العمرة من قضاء ولا فدية .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل فكيف إذا كانت السنة أنهما نسكان يدخل أحدهما في الآخر ويفترقان في أنه إذا أدخل الحج على العمرة فإنما زاد إحراما أكثر من إحرام العمرة ، فإذا أدخل العمرة على الحج زاد إحراما أقل من إحرام الحج وهذا وإن كان كما وصفت فليس بفرق يمنع أحدهما أن يكون قياسا على الآخر لأنه يقاس ما هو أبعد منه ، ولا أعلم حجة في الفرق بين هذا إلا ما وصفت من أنه الذي أحفظ عمن سمعت عنه ممن لقيت ، وقد يروى عن بعض التابعين ، ولا أدري هل يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء أم لا فإنه قد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس يثبت ، ومن رأى أن لا يكون معتمرا فلا يجزي عنه من عمرة الإسلام ولا هدي عليه ولا شيء لتركها ومن رأى له أن يدخل العمرة على الحج رأى أن يجزي عنه من حجة الإسلام وعمرته وإذا أهل الرجل بعمرة ثم أقام بمكة إلى الحج أنشأ الحج من مكة وإذا أهل بالحج ثم أراد العمرة أنشأ العمرة من أي موضع شاء إذا خرج من الحرم وقد أجدهما إذا أقام عامهما بمكة أهل كإهلال أهل الآفاق أن يرجعوا إلى مواقيتهم ، فإن قال قائل . ما الحجة فيما وصفت ؟ قيل أهل عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بعمرة ثم أمرهم يهلون بالحج إذا توجهوا إلى منى من مكة فكانت العمرة إذا حج قبلها قياسا على هذا ولم أعلم في هذا خلافا من أحد حفظت عنه ممن لقيته ، فإن قال قائل : قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر يعمر عائشة من التنعيم فعائشة كان إحرامها عمرة فأهلت بالحج من مكة وعمرتها من التنعيم نافلة ، فليست في هذا حجة عندنا لما وصفنا .
ومن أهل بعمرة من خارج الحرم فذلك مجزئ عنه ، فإن لم يكن دخل قبلها بحج أو عمرة ثم أقام بمكة فكانت عمرته الواجبة رجع إلى ميقاته وهو محرم في رجوعه ذلك ولا شيء عليه إذا جاء ميقاته محرما وإن لم يفعل أهراق دما فكانت عمرته الواجبة عليه مجزئة عنه .
ومن أهل بعمرة من مكة ففيها قولان ، أحدهما أنه إذا لم يخرج إلى الحل حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة لم يكن حلالا وكان عليه أن يخرج فيلبي بتلك العمرة خارجا من الحرم ثم يطوف بعدها ويسعى ويحلق أو يقصر ولا شيء عليه ، إن لم يكن حلق ، وإن كان حلق أهراق دما ، وإن كان أصاب النساء فهو مفسد لعمرته وعليه أن يلبي خارجا من الحرم ثم يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق وينحر بدنة ثم يقضي هذه العمرة إذا أفسدها بعمرة مستأنفة وإنما خروجه من الحرم لهذه العمرة المفسدة ، والقول الآخر أن هذه عمرة ويهريق دما لها ، والقول الأول أشبه بها والله أعلم ولكنه لو أهل بحج من مكة ولم يكن دخل مكة محرما ولم يرجع إلى ميقاته أهراق دما لتركه الميقات وأجزأت عنه من حجة الإسلام الحج من مكة لأن عماد الحج في غير الحرم وذلك عرفة وجميع عمل العمرة سوى الوقت في الحرم فلا يصلح أن يبتدئ من موضع منتهى عملها وعماده ، وأكره للرجل أن يهل بحج أو عمرة من ميقاته ثم يرجع إلى بلده أو يقيم بموضعه وإن فعل فلا فدية عليه ولكن أحب له أن يمضي [ ص: 157 ] لوجهه فيقصد قصد نسكه ( قال ) وكذلك أكره له أن يسلك غير طريقة مما هو أبعد منها لغير أمر ينوبه أو رفق به ، فإن نابه أمر أو كانت طريق أرفق من طريق فلا أكره ذلك له ولا فدية في أن يعرج وإن كان لغير عذر ومن أهل بعمرة في سنة فأقام بمكة أو في بلده أو في طريق سنة أو سنتين كان على إحرامه حتى يطوف بالبيت وكانت هذه العمرة مجزئة عنه لأن وقت العمرة في جميع السنة وليست كالحج الذي إذا فات في عامه ذلك لم يكن له المقام على إحرامه وخرج منه وقضاه وأكره هذا له للتعزير بإحرامه ولو أهل بعمرة مفيقا ثم ذهب عقله ثم طاف مفيقا أجزأت عنه وعماد العمرة الإهلال والطواف ولا يضر المعتمر ما بينهما من ذهاب عقله .
( قال الشافعي ) فقال قائل :
لم جعلت على من جاوز الميقات غير محرم أن يرجع إليه إن لم يخف فوت الحج ؟ قلت له لما أمر في حجه بأن يكون محرما من ميقاته وكان في ذلك دلالة على أنه يكون فيما بين ميقاته والبيت محرما ولا يكون عليه في ابتدائه الإحرام من أهله إلى الميقات محرما قلت له ارجع حتى تكون مهلا في الموضع الذي أمرت أن تكون مهلا به على الابتداء وإنما قلناه مع قول ابن عباس لما يشبه من دلالة السنة فإن قال قائل : فلم قلت إن لم يرجع إليه لخوف فوت ولا غير عذر بذلك ولا غيره أهراق دما عليه ؟ قلت له لما جاوز ما وقت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك أن يأتي بكمال ما عليه أمرناه أن يأتي بالبدل مما ترك فإن قال فكيف جعلت البدل من ترك شيء يلزمه في عمل يجاوزه ومجاوزته الشيء ليس له ثم جعلت البدل منه دما يهريقه وأنت إنما تجعل البدل في غير الحج شيئا عليه فتجعل الصوم بالصوم والصلاة بالصلاة ؟ قلت إن الصوم والصلاة مخالفان الحج مختلفان في أنفسهما قال فأنى اختلافهما ؟ قلت يفسد الحج فيمضي فيه ويأتي ببدنة والبدل وتفسد الصلاة فيأتي بالبدل ولا يكون عليه كفارة ويفوته يوم عرفة وهو محرم فيخرج من الحج بطواف وسعي ويحرم بالصلاة في وقت فيخرج الوقت فلا يخرج منها ويفوته الحج فلا يقضيه إلا في مثل يومه من سنته وتفوته الصلاة فيقضيها إذا ذكرها من ساعته ويفوته الصوم فيقضيه من غد ويفسده عندنا عندك بقيء وغيره فلا يكون عليه كفارة ويعود له ويفسده بجماع فيجب عليه عتق رقبة إن وجده وبدل مع اختلافهما فيما سوى ما سمينا فكيف تجمع بين المختلف حيث يختلف ؟ .
( قال الشافعي ) وقلت له الحجة في هذا أنا لم نعلم مخالفا في أن للرجل أن يهل قبل أن يأتي ميقاته ولا في أنه إن ترك الإهلال من ميقاته ولم يرجع إليه أجزأه حجه وقال أكثر أهل العلم يهريق دما وقال أقلهم لا شيء عليه وحجه مجزئ عنه ومن قول أكثرهم فيه أن قالوا في التارك البيتوتة بمنى وتارك مزدلفة يهريق دما ، وقلنا في الجمار يدعها يهريق دما فجعلنا وجعلوا الإبدال في أشياء من عمل الحج دما ( قال ) وإذا جاوز المكي ميقاتا أتى عليه يريد حجا أو عمرة ثم أهل دونه فمثل غيره يرجع أو يهريق دما ، فإن قال قائل : وكيف قلت هذا في المكي وأنت لا تجعل عليه دم المتعة ؟ قيل لأن الله عز وجل قال { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }
باب الغسل للإهلال
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الدراوردي وحاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال حدثنا { جابر بن عبد الله الأنصاري وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فلما كنا بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل والإحرام } .
( قال الشافعي ) فأستحب الغسل عند الإهلال للرجل والصبي والمرأة والحائض والنفساء وكل من أراد الإهلال اتباعا للسنة ومعقول أنه يجب إذا دخل المرء في نسك لم يكن فيه أن يدخله إلا بأكمل الطهارة وأن يتنظف له لامتناعه من إحداث الطيب في الإحرام وإذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة وهي نفساء لا يطهرها الغسل للصلاة فاختار لها الغسل كان من يطهره الغسل للصلاة أولى أن يختار له أو في مثل معناه أو أكثر منه وإذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء أن تغتسل وتهل وهي في الحال التي أمرها أن تهل فيها ممن لا تحل له الصلاة فلو أحرم من لم يغتسل من جنب أو غير متوضئ أو حائض أو نفساء أجزأ عنه الإحرام لأنه إذا كان يدخل في الإحرام والداخل فيه ممن لا تحل له الصلاة لأنه غير طاهر جاز أن يدخل فيه كل من لا تحل له الصلاة من المسلمين في وقته الذي دخل فيه ولا يكون عليه فيه فدية وإن كنت أكره ذلك له ، وأختار له الغسل وما تركت الغسل للإهلال ولقد كنت أغتسل له مريضا في السفر وإني أخاف ضرر الماء وما صحبت أحدا أقتدي به فرأيته تركه ولا رأيت منهم أحدا عدا به أن رآه اختيارا
( قال الشافعي ) وإذا كانت النفساء والحائض من أهل أفق فخرجتا طاهرتين فحدث لهما نفاس أو حيض أو كانتا نفساوين أو حائضين بمصرهما فجاء وقت حجهما فلا بأس أن تخرجا محرمتين بتلك الحال وإن قدرتا إذا جاءتا ميقاتهما أن تغتسلا فعلتا ، وإن لم تقدرا ولا الرجل على ماء أحببت لهم أن يتيمموا معا ثم يهلوا بالحج أو العمرة ، ولا أحب للنفساء والحائض أن تقدما إحرامهما قبل ميقاتهما وكذلك إن كان بلدهما قريبا آمنا وعليهما من الزمان ما يمكن فيه طهورهما وإدراكهما الحج بلا مفاوتة ولا علة أحببت استئخارهما لتطهرها فتهلا طاهرتين ، وكذلك إن كانتا من دون المواقيت أو من أهل المواقيت وكذلك إن كانتا مقيمتين بمكة لم تدخلاها محرمتين فأمرتهما بالخروج إلى ميقاتهما بحج أحببت إذا كان عليهما وقت أن لا تخرجا إلا طاهرتين أو قرب تطهرهما لتهلا من الميقات طاهرتين ، ولو أقامتا بالميقات حتى تطهرا كان أحب إلي وكذلك إن أمرتهما بالخروج لعمرة قبل الحج وعليهما ما لا يفوتهما معه الحج أو من أهلها أحببت لهما أن تهلا طاهرتين وإن أهلتا في هذه الأحوال كلها مبتدئتي وغير مبتدئتي سفر غير طاهرتين أجزأ عنهما ولا فدية على واحدة منهما وكل ما عملته الحائض من عمل الحج عمله الرجل جنبا وعلى غير وضوء والاختيار له أن لا يعمله كله إلا طاهرا وكل عمل الحج تعمله الحائض وغير الطاهر من الرجال إلا الطواف بالبيت والصلاة فقط .
باب الغسل بعد الإحرام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن [ ص: 159 ] إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس : يغسل المحرم رأسه ، وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه ، فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت فقال : من هذا ؟ فقلت أنا عبد الله أرسلني إليك ابن عباس أسألك { كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ قال فوضع أبو أيوب يديه على الثوب فطأطأ حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره عن أبيه يعلى بن أمية أنه قال : بينما عمر بن الخطاب يغتسل إلى بعير وأنا أستر عليه بثوب إذ قال عمر يا يعلى اصبب على رأسي ؟ فقلت : أمير المؤمنين أعلم ، فقال عمر بن الخطاب : والله لا يزيد الماء الشعر إلا شعثا فسمى الله ثم أفاض على رأسه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه بلغه أن ناسا تماقلوا بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو بساحل من السواحل وعمر ينظر إليهم فلم ينكره عليهم ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال : ربما قال لي عمر بن الخطاب تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون ؟ أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال الجنب المحرم وغير المحرم إذا اغتسل دلك جلده إن شاء ولم يدلك رأسه قال ابن جريج فقلت له لم يدلك جلده إن شاء ولا يدلك رأسه ؟ قال من أجل أنه يبدو له من جلده ما لا يبدو له من رأسه أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال : تماقل عاصم بن عمر وعبد الرحمن بن زيد وهما محرمان وعمر ينظر .
( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ فيغتسل المحرم من غير جنابة ولا ضرورة ويغسل رأسه ويدلك جسده بالماء وما تغير من جميع جسده لينقيه ويذهب تغيره بالماء وإذا غسل رأسه أفرغ عليه الماء إفراغا ، وأحب إلي هويه إن لم يغسله من جنابة أن لا يحركه بيديه فإن فعل رجوت أن لا يكون في ذلك ضيق وإذا غسله من جنابة أحببت أن يغسله ببطون أنامله ويديه ويزايل شعره مزايلة رفيقة ويشرب الماء أصول شعره ولا يحكه بأظفاره ويتوقى أن يقطع منه شيئا فإن حركه تحريكا خفيفا أو شديدا ، فخرج في يديه من الشعر شيء فالاحتياط أن يفديه ولا يجب عليه أن يفديه يستيقن أنه قطعه أو نتفه بفعله وكذلك ذلك في لحيته لأن الشعر قد ينتتف ويتعلق بين الشعر فإذا مس أو حرك خرج المنتتف منه ولا يغسل رأسه بسدر ولا خطمي لأن ذلك يرجله فإن فعل أحببت لو افتدى ولا أعلم ذلك واجبا ولا يغطس المحرم رأسه في الماء إذا كان قد لبده مرارا ليلين عليه ويدلك المحرم جسده دلكا شديدا إن شاء لأنه ليس في بدنه من الشعر ما يتوقى كما يتوفاه في رأسه ولحيته وإن قطع من الشعر شيئا من دلكه إياه فداه .
باب دخول المحرم الحمام
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) ولا أكره دخول الحمام للمحرم لأنه غسل ، والغسل مباح لمعنيين [ ص: 160 ] للطهارة والتنظيف ، وكذلك هو في الحمام والله أعلم ، ويدلك الوسخ عنه في حمام كان أو غيره ، وليس في الوسخ نسك ولا أمر نهي عنه ولا أكره للمحرم أن يدخل رأسه في ماء سخن ولا بارد جار ولا نافع .
باب الموضع الذي يستحب فيه الغسل
( قال الشافعي ) أستحب الغسل للدخول في الإهلال ولدخول مكة وللوقوف عشية عرفة وللوقوف بمزدلفة ولرمي الجمار سوى يوم النحر وأستحب الغسل بين هذا عند تغير البدن بالعرق وغيره تنظيفا للبدن ، وكذلك أحبه للحائض ، وليس من هذا واحد واجب ، وروى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عثمان بن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي طوى حتى صلى الصبح ثم اغتسل بها ودخل مكة } وروى عن أم هانئ بنت أبي طالب وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يغتسل بمنزله بمكة حين يقدم قبل أن يدخل المسجد ، وروى عن صالح بن محمد بن زائدة عن أم ذرة ، أن عائشة رضي الله عنها كانت تغتسل بذي طوى حين تقدم مكة .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا خرج حاجا أو معتمرا لم يدخل مكة حتى يغتسل ويأمر من معه فيغتسلوا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (82)
صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ165
باب ما يلبس المحرم من الثياب
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت أبا الشعثاء جابر بن زيد يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول { إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين وإذا لم يجد إزارا لبس سراويل } أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفين إلا لمن لا يجد نعلين ، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين } أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين } أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس ، وقال من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين } .
( قال الشافعي ) استثنى النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يجد نعلين أن يلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين .
( قال الشافعي ) ومن لم يجد إزارا لبس سراويل فهما سواء ، غير أنه لا يقطع من السراويل شيئا ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقطعه ، وأيهما لبس ثم وجد بعد ذلك نعلين ، لبس النعلين وألقى الخفين ، وإن وجد بعد أن لبس السراويل إزارا لبس الإزار وألقى السراويل ، فإن لم يفعل افتدى ، أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس [ ص: 161 ] المعصفرات المشبعات وهي محرمة ليس فيها زعفران ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي قال : أبصر عمر بن الخطاب على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال : ما هذه الثياب ؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما أخال أحدا يعلمنا السنة ، فسكت عمر .
باب ما تلبس المرأة من الثياب
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول : لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس الثياب المعصفرة ، ولا أرى المعصفر طيبا ، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتي النساء أن لا يقطعن ، فانتهى عنه .
( قال الشافعي ) لا تقطع المرأة الخفين ، والمرأة تلبس السراويل والخفين والخمار والدرع من غير ضرورة كضرورة الرجل ، وليست في هذا كالرجل ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال : في كتاب علي رضي الله عنه من لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما قلت : أتتيقن بأنه كتاب علي ؟ قال : ما أشك أنه كتابه ؟ قال : وليس فيه فليقطعهما ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : من لم يكن له إزار وله تبان أو سراويل فليلبسهما ، قال سعيد بن سالم : لا يقطع الخفان .
( قال الشافعي ) أرى أن يقطعا ، لأن ذلك في حديث ابن عمر ، وإن لم يكن في حديث ابن عباس ، وكلاهما صادق حافظ ، وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئا لم يؤده الآخر ، إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يؤده ، وإما سكت عنه وإما أداه فلم يؤد عنه لبعض هذه المعاني اختلافا ، وبهذا كله نقول إلا ما بينا أنا ندعه ، والسنة ، ثم أقاويل أكثر من حفظت عنه من أهل العلم تدل على أن الرجل والمرأة المحرمين يجتمعان في اللبس ويفترقان . فأما ما يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس ، وإذا لم يلبس ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس لأنهما طيب ، فصبغ الثوب بماء الورد أو المسك أو العنبر أو غير ذلك من الطيب الذي هو أطيب من الورس أو مثله ، أو ما يعد طيبا كان أولى أن لا يلبسانه ، كان ذلك مما له لون في الثوب أو لم يكن له ، إذا كانت له رائحة طيبة توجد والثوب جاف أو رطب ، ولو أخذ ماء ورد فصبغ به ثوبا فكان رائحته توجد منه والثوب جاف أو مبلول لأنه أثر طيب في الثوب لم يلبسه المحرمان وكذلك لو صعد له زعفران حتى يبيض لم يلبسه المحرمان وكذلك لو غمس في نضوح أو ضياع أو غير ذلك وكذلك لو عصر له الريحان العربي أو الفارسي أو شيئا من الرياحين التي كره للمحرم شمها فغمس في مائه لم يلبسه المحرمان ، وجماع هذا أن ينظر إلى كل ما كان طيبا لا يشمه المحرم فإذا استخرج ماؤه بأي وجه استخرج نيئا كان أو مطبوخا ثم غمس فيه الثوب فلا يجوز للمحرم ولا [ ص: 162 ] للمحرمة لبسه وما كان مما يجوز للمحرم والمحرمة شمه من نبات الأرض الذي لا يعد طيبا ولا ريحانا مثل الإذخر والضرو والشيح والقيصوم والبشام وما أشبهه ، أو ما كان من النبات المأكول الطيب الريح مثل الأترج والسفرجل والتفاح فعصر ماؤه خالصا فغمس فيه الثوب فلو توقاه المحرمان كان أحب إلي وإن لبساه فلا فدية عليهما ويجتمعان في أن لا يتبرقعان ولا يلبسان القفازين ويلبسان معا الثوب المصبوغ بالعصفر مشبعا كان أو غير مشبع ، وفي هذا دلالة على أن لم يمنع لبس المصبوغ بالورس والزعفران للونه وأن اللون إذا لم يكن طيبا لم يصنع شيئا ولكن إنما نهى عما كان طيبا والعصفر ليس بطيب ، والذي أحب لهما معا أن يلبسا البياض وأكره لهما كل شهرة من عصفر وسواد وغيره ، ولا فدية عليهما إن لبسا غير المطيب ويلبسان الممشق وكل صباغ بغير طيب ولو تركا ذلك ولبسا البياض كان أحب إلي الذي يقتدى به ولا يقتدى به ، أما الذي يقتدى به فلما قال عمر بن الخطاب " يراه الجاهل فيذهب إلى أن الصبغ واحد فيلبس المصبوغ بالطيب " وأما الذي لا يقتدى به فأخاف أن يساء الظن به حين يترك مستحقا بإحرامه ، وهذا وإن كان كما وصفت فالمقتدى به وغير المقتدى به يجتمعان ، فيترك العالم عند من جهل العلم مستحقا بإحرامه ، وإذا رأى الجاهل فلم ينكر عليه العالم رأى من يجهل أنه لم يقر الجاهل إلا وهذا جائز عند العالم فيقول الجاهل : قد رأيت فلانا العالم رأى من لبس ثوبا مصبوغا وصحبه فلم ينكر عليه ذلك ، ثم تفارق المرأة الرجل فيكون لها لبس الخفين ولا تقطعهما وتلبسهما وهي تجد نعلين من قبل أن لها لبس الدرع والخمار والسراويل ، وليس الخفان بأكثر من واحد من هذا ولا أحب لها أن تلبس نعلين وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها وإحرام الرجل في رأسه فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخي جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها حتى تغطي وجهها متجافيا كالستر على وجهها ولا يكون لها أن تنتقب أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال تدلي عليها من جلبابها ولا تضرب به ، قلت وما لا تضرب به ؟ فأشار إلي كما تجلبب المرأة ، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا ، ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال ، لتدل المرأة المحرمة ثوبها على وجهها ولا تنتقب .
( قال الشافعي ) ولا ترفع الثوب من أسفل إلى فوق ولا تغطي جبهتها ولا شيئا من وجهها إلا ما لا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها من وجهها مما يثبت الخمار ويستر الشعر لأن الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر ويكون لها الاختمار ولا يكون للرجل التعمم ولا يكون له لبس الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيلبسهما ويقطعهما أسفل من الكعبين ولا يكون له لبس السراويل إلا أن لا يجد إزارا فيلبسه ولا يقطع منه شيئا ويكون ذلك لها ويلبسان رقيق الوشي والعصب ودقيق القطن وغليظه والمصبوغ كله بالمدر لأن المدر ليس بطيب والمصبوغ بالسدر وكل صبغ عدا الطيب .
وإذا أصاب الثوب طيب فبقي ريحه فيه لم يلبساه وكان كالصبغ ولو صبغ ثوب بزعفران أو ورس فذهب ريح الزعفران أو الورس من الثوب لطول لبس أو غيره وكان إذا أصاب واحدا منهما [ ص: 163 ] الماء حرك ريحه شيئا وإن قل لم يلبسه المحرم وإن كان الماء إذا أصابهما لم يحرك واحدا منهما فلو غسلا كان أحب إلي وأحسن وأحرى أن لا يبقى في النفس منهما شيء وإن لم يغسلا رجوت أن يسع لبسهما إذا كانا هكذا لأن الصباغ ليس بنجس وإنما أردنا بالغسل ذهاب الريح فإن ذهب الريح بغير غسل رجوت أن يجزئ ولو كان أمره أن لا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران أو الورس بحال كان إن مسه ثم ذهب لم يجز لبسه بعد غسلات ولكنه إنما أمر أن لا يلبسه إذا كان الزعفران والورس موجودا في ذلك الحين فيه والله أعلم وما قلت موجود من ذلك في الخبر والله أعلم
( قال ) وكذلك لو صبغ ثوب بعد الزعفران والورس بسدر أو سواد فكانا إذا مسهما الماء لم يظهر للزعفران والورس ريح كان له لبسهما ولو كان الزعفران والورس إذا مسهما الماء يظهر لهما شيء من ريح الزعفران أو الورس لم يلبسهما ولو مس زعفران أو ورس بعض الثوب لم يكن للمحرم لبسه حتى يغسل ويعقد المحرم عليه إزاره لأنه من صلاح الإزار ، والإزار ما كان معقودا ولا يأتزر ذيلين ثم يعقد الذيلين من ورائه ولا يعقد رداءه عليه ولكن يغرز طرفي ردائه إن شاء في إزاره أو في سراويله إذا كان الرداء منشورا فإن لبس شيئا مما قلت ليس له لبسه ذاكرا عالما أنه لا يجوز له لبسه ، افتدى وقليل لبسه له وكثيره سواء . فإن قنع المحرم رأسه طرفة عين ذاكرا عالما أو انتقبت المرأة أو لبست ما ليس لها أن تلبسه فعليهما الفدية ولا يعصب المحرم رأسه من علة ولا غيرها فإن فعل افتدى وإن لم يكن ذلك لباسا . أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المحرم يلوي الثوب على بطنه من ضرورة أو من برد قال : إذا لواه من ضرورة فلا فدية ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال رأيت ابن عمر يسعى بالبيت وقد حزم على بطنه بثوب ، أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره أخبرنا سعيد بن سالم عن مسلم بن جندب قال : جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه قال " أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أعقده وأنا محرم " فقال عبد الله " لا تعقد شيئا " أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كره للمحرم أن يتوشح بالثوب ثم يعقد طرفيه من ورائه إلا من ضرورة ، فإن فعل من ضرورة لم يفتد ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا محتزما بحبل أبرق فقال انزع الحبل مرتين } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في المحرم : يجعل المكتل على رأسه ؟ فقال : نعم لا بأس بذلك وسألته عن العصابة يعصب بها المحرم رأسه ؟ فقال : لا العصابة تكفت شعرا كثيرا
( قال الشافعي ) لا بأس أن يرتدي المحرم ويطرح عليه القميص والسراويل والفرو وغير ذلك ما لم يلبسه لباسا وهو كالرداء ، ولا بأس أن يغسل المحرم ثيابه وثياب غيره ويلبس غير ما أحرم فيه من الثياب ما لم يكن من الثياب المنهي عن لبسها ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال " وليلبس المحرم من الثياب ما لم يهل فيه " أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بالممشق للمحرم بأسا أن يلبسه وقال : إنما هو مدرة ، أخبرنا سعيد بن سالم قال الربيع أظنه عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يلبس المحرم ساجا ما لم يزره عليه فإن زره عليه عمدا افتدى كما يفتدي إذا تقمص عمدا ( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ
( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى [ ص: 164 ] بلبس العصفر والزعفران للمحرم بأسا ما لم يجد ريحه .
( قال الشافعي ) أما العصفر فلا بأس به وأما الزعفران فإذا كان إذا مسه الماء ظهرت رائحته فلا يلبسه المحرم وإن لبسه افتدى ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أنها قالت كنا عند عائشة إذ جاءتها امرأة من نساء بني عبد الدار يقال لها تملك فقالت يا أم المؤمنين إن ابنتي فلانة حلفت أنها لا تلبس حليها في الموسم فقالت عائشة " قولي لها إن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله " أخبرنا سعيد عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة وعبد الله بن دينار قالا : من السنة أن تمسح المرأة يديها عند الإحرام بشيء من الحناء ولا تحرم وهي عفا ( قال الشافعي ) وكذلك أحب لها
( قال ) إن اختضبت المحرمة ولفت على يديها رأيت أن تفتدي وأما لو مسحت يديها بالحناء فإني لا أرى عليها فدية وأكرهه ، لأنه ابتداء زينة ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن ناسا سألوه عن الكحل الإثمد للمرأة المحرمة الذي ليس فيه طيب قال أكرهه لأنه زينة وإنما هي أيام تخشع وعبادة .
( قال الشافعي ) والكحل في المرأة أشد منه في الرجل فإن فعلا فلا أعلم على واحد منهما فدية ولكن إن كان فيه طيب فأيهما اكتحل به افتدى ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارا ، وأنه قال : يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد ، ما لم يكتحل بطيب ، ومن غير رمد ، ابن عمر القائل .
باب لبس المنطقة والسيف للمحرم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
يلبس المحرم المنطقة ولو جعل في طرفها سيورا فعقد بعضها على بعض لم يضره ويتقلد المحرم السيف من خوف ولا فدية عليه ويتنكب المصحف .
باب الطيب للإحرام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب " أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم قال { قالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع } ، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن { عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال سمعت { عائشة وبسطت يديها تقول أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لإحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن { عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 165 ] بيدي هاتين لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } أخبرنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة قال سمعت أبي يقول سمعت { عائشة تقول طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه ولحله فقلت لها بأي الطيب ؟ فقالت بأطيب الطيب } .
وقال عثمان ما روى هشام هذا الحديث إلا عني أخبرنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن إبراهيم عن الأسود عن { عائشة قالت رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع القاسم بن محمد وعروة يخبران عن { عائشة أنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي في حجة الوداع للحل والإحرام } أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان أنه سمع عائشة بنت سعد تقول طيبت أبي عند إحرامه بالسك والذريرة أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن زيد عن أبيه أنه قال رأيت ابن عباس محرما وأن على رأسه لمثل الرب من الغالية .
( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ فنقول :
لا بأس أن يتطيب الرجل قبل إحرامه بأطيب ما يجد من الطيب غالية ومجمر وغيرهما إلا ما نهي عنه الرجل من التزعفر ولا بأس على المرأة في التطيب بما شاءت من الطيب قبل الإحرام وكذلك لا بأس عليهما أن يفعلا بعد ما يرميان جمرة العقبة ، ويحلق الرجل وتقصر المرأة قبل الطواف بالبيت ، والحجة فيه ما وصفنا من تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحالين ، وكذلك لا بأس بالمجمر وغيره من الطيب لأنه أحرم وابتدأ الطيب حلالا وهو مباح له ، وبقاؤه عليه ليس بابتداء منه له ، وكذلك إن كان الطيب دهنا أو غيره ولكنه إذا أحرم فمس من الطيب شيئا قل أو كثر بيده أو أمسه جسده وهو ذاكر لحرمته غير جاهل بأنه لا ينبغي له ، افتدى .
وكل ما سمى الناس طيبا في هذه الحال من الأفاويه وغيرها وكل ما كان مأكولا إنما يتخذ ليؤكل أو يشرب لدواء أو غيره ، وإن كان طيب الريح ويصلح في الطيب فلا بأس بأكله ، وشمه وذلك مثل المصطكى والزنجبيل والدارصيني وما أشبه هذا ، وكذلك كل معلوف أو حطب من نبات الأرض مثل الشيح والقيصوم والإذخر وما أشبه هذا ، فإن شمه أو أكله أو دقه فلطخ به جسده فلا فدية عليه ، لأنه ليس بطيب ولا دهن ، والريحان عندي طيب ، وما طيب من الأدهان بالرياحين فبقي طيبا كان طيبا وما ربب بها عندي طيب إذا بقي طيبا مثل الزنبق والخيري والكاذي والبان المنشوش وليس البنفسج بطيب إنما يربب للمنفعة لا للطيب ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل : أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب ؟ فقال : لا ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال ما أرى الورد والياسمين إلا طيبا
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (83)
صــــــــــ 166 الى صـــــــــــ170
( قال الشافعي ) وما مس المحرم من رطب الطيب بشيء من بدنه افتدى وإن مس بيده منه شيئا يابسا لا يبقى له أثر في يده ولا له ريح كرهته له ولم أر عليه الفدية وإنما يفدي من الشم خاصة بما أثر من الطيب من الشم ، لأن غاية الطيب للتطيب وإن جلس إلى عطار فأطال ، أو مر به فوجد ريح الطيب أو وجد ريح الكعبة مطيبة أو مجمرة لم يكن عليه فدية وإن مس خلوق الكعبة جافا كان كما وصفت لا فدية عليه فيه لأنه لا يؤثر ولا يبقى ريحه في بدنه وكذلك الركن وإن مس الخلوق رطبا افتدى وإن انتضح عليه أو [ ص: 166 ] تلطخ به غير عامد له غسله ولا فدية عليه وكذلك لو أصاب ثوبه ولو عقد طيبا فحمله في خرقة أو غيرها وريحه يظهر منها لم يكن عليه فدية وكرهته له لأنه لم يمس الطيب نفسه ولو أكل طيبا أو استعط به أو احتقن به افتدى وإذا كان طعام قد خالطه زعفران أصابته نار أو لم تصبه فانظر ، فإن كان ريحه يوجد أو كان طعم الطيب يظهر فيه فأكله المحرم افتدى وإن كان لا يظهر فيه ريح ولا يوجد له طعم وإن ظهر لونه فأكله المحرم لم يفتد لأنه قد يكثر الطيب في المأكول ويمس النار فيظهر فيه ريحه وطعمه ويقل ولا تمسه نار فلا يظهر فيه طعمه ولا لونه وإنما الفدية وتركها من قبل الريح والطعم وليس للون معنى لأن اللون ليس بطيب وإن حشا المحرم في جرح له طيبا افتدى والأدهان دهنان ، دهن طيب فذلك يفتدي صاحبه إذا دهن به من جسده شيئا قل أو كثر وذلك مثل البان المنشوش بالطيب والزنبق وماء الورد وغيره ( قال ) ودهن ليس بطيب مثل سليخة البان غير المنشوش والشبرق والزيت والسمن والزبد ، فذلك إن دهن به أي جسده شاء غير رأسه ولحيته أو أكله أو شربه فلا فدية عليه فيه ، وإن دهن به رأسه أو لحيته افتدى ، لأنهما في موضع الدهن وهما يرجلان ويذهب شعثهما بالدهن فأي دهن أذهب شعثهما ورجلهما ، بقى فيهما طيبا أو لم يبق ، فعلى المدهن به فدية ، ولو دهن رأسه بعسل أو لبن لم يفتد لأنه لا طيب ولا دهن إنما هو يقذر لا يرجل ولا يهنئ الرأس ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال يدهن المحرم قدميه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء ، أنه سأله عن المحرم يتشقق رأسه أيدهن الشقاق منه بسمن ؟ قال : لا ، ولا بودك غير السمن ، إلا أن يفتدي ، فقلت له : إنه ليس بطيب ، قال : ولكنه يرجل رأسه ، قال : فقلت له : فإنه يدهن قدمه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا فقال : إن القدم ليست كالشعر إن الشعر يرجل قال عطاء : واللحية في ذلك مثل الرأس .
باب لبس المحرم وطيبه جاهلا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال { : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة يعني جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله : إني أحرمت بالعمرة وهذه علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجك ؟ قال كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل هذا الخلوق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها ( قال الشافعي ) والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء : أرأيت لو أن رجلا أهل من ميقاته وعليه جبة ثم سار أميالا ثم ذكرها فنزعها أعليه أن يعود إلى ميقاته فيحدث إحراما ؟ قال : لا ، حسبه الإحرام الأول .
( قال الشافعي ) وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى ، وقد أهل من ميقاته والجبة لا تمنعه أن يكون مهلا ، وبهذا كله نأخذ .
( قال الشافعي ) أحسب من نهى المحرم عن التطيب قبل الإحرام والإفاضة بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الأعرابي بغسل الخلوق عنه ونزع الجبة وهو محرم فذهب إلى أن النهي عن الطيب لأن الخلوق كان عنده طيبا وخفي عليهم ما [ ص: 167 ] روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو علموه فرأوه مختلفا فأخذوا بالنهي عن الطيب ، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي بغسل الخلوق عنه والله أعلم لأنه نهى أن يتزعفر الرجل ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إسماعيل الذي يعرف بابن علية قال أخبرني عبد العزيز بن صهيب عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل } ، فإن قال قائل : إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الجبة بغسل الخلوق يحتمل ما وصفت ويحتمل أن يكون إنما أمره بغسله لأنه طيب وليس للمحرم أن يبقي عليه الطيب ، وإن كان قبل الإحرام قيل له إن شاء الله تعالى فلو كان كما قلت كان منسوخا فإن قال وما نسخه ؟ قلنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي بالجعرانة والجعرانة في سنة ثمان وحديث عائشة أنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم لحله وحرمه في حجة الإسلام وهي سنة عشر .
فإن قال فقد نهى عنه عمر قلنا لعله نهى عنه على المعنى الذي وصفت إن شاء الله تعالى فإن قال أفلا تخاف غلط من روى عن عائشة ؟ قيل : هم أولى أن لا يغلطوا ممن روى عن ابن عمر عن عمر لأنه إنما روى هذا عن ابن عمر عن عمر رجل أو اثنان وروى هذا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة أو سبعة ، والعدد الكثير أولى أن لا يغلطوا من العدد القليل ، وكل عندنا لم يغلط إن شاء الله تعالى ولو جاز إذا خالف ما روي عن عمر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطيب أن يخاف غلط من روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يخاف غلط من روى هذا عن عمر ، وإذا كان ، علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب وأن عمر كره علما واحدا من جهة الخبر فلا يجوز لأحد أن يزعم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يترك بحال إلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا لقول غيره وقد خالف عمر سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وغيرهما وقد يترك من يكره الطيب للإحرام والإحلال لقول عمر أقاويل لعمر لقول الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل لعمر لا يخالفه فيها أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخالف عمر لرأي نفسه .
فإذا كان يصنع هذا في بعض قول عمر فكيف جاز أن يدع السنة التي فرض الله تعالى على الخلق اتباعها لقول من يفعل في قوله مثل هذا لعمري لئن جاز له أن يأخذ به فيدع السنة بخلافه فما لا سنة عليه فيه أضيق وأحرى أن لا يخرج من خلافه وهو يكثر خلافه فيما لا سنة فيه ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل بأن ينزع الجبة عنه ويغسل الصفرة ولم يأمره بالكفارة قلنا : من لبس ما ليس له لبسه قبل الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه ثم يثبت عليه أي مدة ما ثبت عليه بعد الإحرام أو ابتدأ لبسه بعد الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه أو مخطئا به وذلك أن يريد غيره فيلبسه نزع الجبة والقميص نزعا ولم يشقه ولا فدية عليه في لبسه وكذلك الطيب قياسا عليه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بغسله لما وصفنا من الصفرة وإن كان للطيب فهو أكثر أو مثله والصفر جامعة لأنها طيب وصفرة ، فإن قال قائل : كيف قلت هذا في الناسي والجاهل في اللبس والطيب ولم تقله فيمن جز شعره أو قتل صيدا ؟ قيل له إن شاء الله تعالى [ ص: 168 ] قلته خبرا وقياسا وأن في اللبس والطيب مخالفة حاله في جز الشعر وقتل الصيد ، فإن قال : فما فرق بين الطيب واللبس وقتل الصيد وجز الشعر وهو جاهل في ذلك كله ؟ قيل له الطيب واللبس شيء إذا أزاله عنه زال فكان إذا أزاله كحاله قبل أن يلبس ويتطيب لم يتلف شيئا حرم عليه أن يتلفه ولم يزل شيئا حرم عليه إزالته إنما أزال ما أمر بإزالته مما ليس له أن يثبت عليه وقاتل الصيد أتلف ما حرم عليه في وقته ذلك إتلافه وجاز الشعر والظفر أزال بقطعه ما هو ممنوع من إزالته في ذلك الوقت والإزالة لما ليس له إزالته إتلاف وفي الإتلاف لما نهي عن إتلافه عوض خطأ كان أو عمدا ، لما جعل الله في إتلاف النفس خطأ من الدية وليس ذلك غيره في الإتلاف كهو في الإتلاف ولكنه إذا فعله عالما بأنه لا يجوز له وذاكرا لإحرامه وغير مخطئ فعليه الفدية في قليل اللبس والطيب وكثيره على ما وصفت في الباب قبل هذا ولو فعله ناسيا أو جاهلا ثم علمه فتركه عليه ساعة وقد أمكنه إزالته عنه بنزع ثوب أو غسل طيب افتدى لأنه أثبت الثوب والطيب عليه بعد ذهاب العذر وإن لم يمكنه نزع الثوب لعلة مرض أو عطب في بدنه وانتظر من ينزعه فلم يقدر عليه فهذا عذر ومتى أمكنه نزعه نزعه وإلا افتدى إذا تركه بعد الإمكان ولا يفتدي إذا نزعه بعد الإمكان ولو لم يمكنه غسل الطيب وكان في جسده رأيت أن يمسحه بخرقة فإن لم يجد خرقة فبتراب إن أذهبه فإن لم يذهبه فبشجر أو حشيش ، فإن لم يقدر عليه أو قدر فلم يذهبه .
فهذا عذر ، ومتى أمكنه الماء غسله ولو وجد ماء قليلا إن غسله به لم يكفه لوضوئه غسله به وتيمم لأنه مأمور بغسله ولا رخصة له في تركه إذا قدر على غسله وهذا مرخص له في التيمم إذا لم يجد ماء ولو غسل الطيب غيره كان أحب إلي ، وإن غسله هو بيده لم يفتد من قبل أن عليه غسله وإن ماسه فإنما ماسه ليذهبه عنه لم يماسه ليتطيب به ولا يثبته ، وهكذا ما وجب عليه الخروج منه خرج منه كما يستطيع ، ولو دخل دار رجل بغير إذن لم يكن جائزا له وكان عليه الخروج منها ، ولم أزعم أنه يخرج بالخروج منها ، وإن كان يمشي فيما لم يؤذن له فيه لأن مشيه للخروج من الذنب لا للزيادة ، فيه فهكذا هذا الباب كله وقياسه .
باب الوقت الذي يجوز فيه الحج والعمرة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث } إلى قوله { في الحج } أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الرجل يهل بالحج قبل أشهر الحج ؟ فقال : لا ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لنافع أسمعت عن عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج ؟ فقال : نعم ، كان يسمي شوالا وذا القعدة وذا الحجة قلت لنافع : فإن أهل إنسان بالحج قبلهن ؟ قال : لم أسمع منه في ذلك شيئا ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال طاوس هي شوال وذو القعدة وذو الحجة ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنه قال لعطاء : أرأيت لو أن رجلا جاء مهلا بالحج في شهر رمضان كيف كنت قائلا له ؟ قال [ ص: 169 ] أقول له : اجعلها عمرة ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرنا عمر بن عطاء عن عكرمة أنه قال : لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله عز وجل { الحج أشهر معلومات } ولا ينبغي لأحد أن يلبي بحج ثم يقيم
باب هل يسمي الحج أو العمرة عند الإهلال أو تكفي النية منهما ؟
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فيما حكينا من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن نية الملبي كافية له من أن يظهر ما يحرم به كما تكون نية المصلي مكتوبة أو نافلة أو نذرا كافية له من إظهار ما ينوي منها بأي إحرام نوى ، ونية الصائم كذلك ، وكذلك لو حج أو اعتمر عن غيره كفته نيته من أن يسمي أن حجه هذا عن غيره ( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعيد بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله قال { ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجا قط ولا عمرة } .
( قال الشافعي ) ولو سمى المحرم ذلك لم أكرهه إلا أنه لو كان سنة سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من بعده ، ولو لبى المحرم فقال : لبيك بحجة وعمرة وهو يريد حجة كان مفردا ولو أراد عمرة كان معتمرا ولو سمى عمرة وهو يريد حجا كان حجا ولو سمى عمرة وهو يريد قرانا كان قرانا إنما يصير أمره إلى النية إذا أظهر التلبية معها ولا يلزمه إذا لم يكن له نية أن يكون عليه أكثر من لفظه ، وذلك أن هذا عمل لله خالصا لا شيء لأحد من الآدميين غيره فيه فيؤخذ فيه بما ظهر من قوله دون نيته ، ولو لبى رجل لا يريد حجا ولا عمرة لم يكن حاجا ولا معتمرا كما لو كبر لا يريد صلاة لم يكن داخلا في الصلاة ولو أكل سحرا لا يريد صوما لم يكن داخلا في الصوم وكذلك لو لم يأكل يوما كاملا ولا ينوي صوما لم يكن صائما ، وروي أن عبد الله بن مسعود لقي ركبا بالساحل محرمين فلبوا فلبى ابن مسعود وهو داخل إلى الكوفة والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل ، لا يضيق على أحد أن يقول ، ولا يوجب على أحد أن يدخل في إحرام إذا لم ينوه .
باب كيف التلبية ؟
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } قال نافع كان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل .
( قال الشافعي ) أخبرنا بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } وذكر الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك } ( قال الشافعي ) كما روى جابر وابن عمر { كانت أكثر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي أحب أن تكون تلبية المحرم لا يقصر عنها ولا يجاوزها } ، إلا أن يدخل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مثلها في المعنى لأنها تلبية والتلبية إجابة . فأبان أنه أجاب إله الحق بلبيك أولا وآخرا . أخبرنا [ ص: 170 ] سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها لبيك إن العيش عيش الآخرة قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة } .
( قال الشافعي ) وهذه تلبية كتلبيته التي رويت عنه وأخبر أن العيش عيش الآخرة لا عيش الدنيا ولا ما فيها ولا يضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية ولا يصل بها شيئا إلا ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعظم الله تعالى ويدعوه بعد قطع التلبية ، أخبرنا سعيد عن القاسم بن معن عن محمد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال سمع سعد بعض بني أخيه وهو يلبي يا ذا المعارج فقال : سعد المعارج ؟ إنه لذو المعارج ، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
باب رفع الصوت بالتلبية
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال } يريد أحدهما .
( قال الشافعي ) وبما أمر به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الرجال المحرمين وفيه دلالة على أن أصحابه هم الرجال دون النساء فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم فكأنا نكره قطع أصواتهم وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال فكان النساء مأمورات بالستر فإن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها وأستر لها ، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (84)
صــــــــــ 171 الى صـــــــــــ175
باب أين يستحب لزوم التلبية ؟
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع ، عند اضطمام الرفاق حتى تنضم وعند إشرافهم على الشيء وهبوطهم من بطون الأودية وعند هبوطهم من الشيء الذي يشرفون منه وعند الصلاة إذا فرغوا منها .
( قال الشافعي ) وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن جبريل عليه السلام أمره بأن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية وإذا كانت التلبية برا أمر الملبون برفع الصوت به فأولى المواضع أن يرفع الصوت به مجتمع الناس حيث كانوا من مساجد الجماعات والأسواق واضطمام الرفاق ، وأين كان اجتماعهم بما يجمع من ذلك [ ص: 171 ] من طاعتهم برفع الصوت ، وأن معنى رفع الصوت به كمعنى رفعه بالأذان الذي لا يسمعه شيء إلا شهد له به ، وإن في ذلك تنبيها للسامع له ، يحدث له الرغبة في العمل لله بنفسه ولسانه أو بعضها ، ويؤجر له المنبه له إليه .
باب الخلاف في رفع الصوت بالتلبية في المساجد
( قال الشافعي ) فإن قال قائل :
لا يرفع الملبي صوته بالتلبية في مساجد الجماعات إلا في مسجد مكة ومنى فهذا قول يخالف الحديث ثم لا يكون له معنى يجوز أن يذهب إليه أحد ، إذ حكي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية } ، فمتى كانت التلبية من الرجل فينبغي له أن يرفع صوته بها ولو جاز لأحد أن يقول يرفعها في حال دون حال جاز عليه أن يقول يرفعها حيث زعمت أنه يخفضها ويخفضها حيث زعمت أنه يرفعها ، وهذا لا يجوز عندنا لأحد ، وفي حديث ابن سابط عن السلف أنهم كانوا لا يدعون التلبية عند اضطمام الرفاق دليل على أنهم واظبوا عليها عند اجتماع الناس ، وإذا تحروا اجتماع الناس على الطريق كانت المساجد أولى أن يجهروا بذلك فيها أو في مثل معناها ؟ أرأيت الأذان أيترك رفع الصوت به في مسجد الجماعات ؟ فإن قيل : لا ، لأنه قد أمر برفع الصوت قيل وكذلك التلبية به أرأيت لو لم يعلم أحد من هؤلاء شيئا أكانت التلبية تعدو أن يرفع الصوت بها مع الجماعات فكل جماعة في ذلك سواء أو ينهى عنها في الجماعات لأن ذلك يشغل المصلي عن صلاته فهي في المسجد الحرام ومسجد منى أولى أن لا يرفع عليهم الصوت أو مثل غيرهم وإن كان ذلك كراهية رفع الصوت في المساجد أدبا وإعظاما لها ، فأولى المساجد أن يعظم ، المسجد الحرام ومسجد منى لأنه في الحرم .
باب التلبية في كل حال
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية } أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يلبي راكبا ونازلا ومضطجعا .
( قال الشافعي ) وبلغني عن محمد بن الحنفية أنه سئل أيلبي المحرم وهو جنب ؟ فقال : نعم .
( قال الشافعي ) والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل فيلبي المرء طاهرا وجنبا وغير متوضئ ، والمرأة حائضا وجنبا وطاهرا وفي كل حال ، وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة وعركت افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت } والتلبية مما يفعل الحاج .
باب ما يستحب من القول في أثر التلبية
( قال الشافعي ) استحب إذا سلم المصلي أن يلبي ثلاثا واستحب إذا فرغ من التلبية أن يتبعها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله جل ثناؤه رضاه والجنة والتعوذ من النار اتباعا ومعقولا أن الملبي وافد الله تعالى وأن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعي الله وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على [ ص: 172 ] النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ويتعوذ من النار فإن ذلك أعظم ما يسأل ويسأل بعدها ما أحب ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه برحمته من النار } ، أخبرنا إبراهيم بن محمد أن القاسم بن محمد كان يأمر إذا فرغ من التلبية أن يصلي على محمد النبي صلى الله عليه وسلم .
باب الاستثناء في الحج
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال أما تريدين الحج ؟ فقالت إني شاكية فقال لها حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني } أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة هل تستثني إذا حججت ؟ فقلت لها ماذا أقول ؟ فقالت : قل " اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرت فهو الحج وإن حبستني بحابس فهي عمرة " .
( قال الشافعي ) ولو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحجة فيه أن يكون المستثنى مخالفا غير المستثنى من محصر بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو خطأ عدد أو توان وكان إذا اشترط فحبس بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو ضعف عن البلوغ حل في الموضع الذي حبس فيه بلا هدي ولا كفارة غيره وانصرف إلى بلاده ولا قضاء عليه إلا أن يكون لم يحج حجة الإسلام فيحجها وكانت الحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بشرط إلا أن يكون على ما يأمر به وكان حديث عروة عن عائشة يوافقه في معنى أنها أمرت بالشرط وكان وجه أمرها بالشرط إن حبس عن الحج فهي عمرة أن يقول إن حبسني حابس عن الحج ووجدت سبيلا إلى الوصول إلى البيت فهي عمرة وكان موجودا في قولها أنه لا قضاء ولا كفارة عليه والله أعلم .
ومن لم يثبت حديث عروة لانقطاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم احتمل أن يحتج في حديث عائشة لأنها تقول : إن كان حج وإلا فهي عمرة ، وقال أستدل بأنها لم تره يحل إلا بالوصول إلى البيت ولو كانت إذا ابتدأت أن تأمره بشرط رأت له أن يحل بغير وصول إلى البيت أمرته به وذهب إلى أن الاشتراط وغيره سواء وذهب إلى أن على الحاج القضاء إذا حل بعمل عمرة كما روي عن عمر بن الخطاب ، والظاهر أنه يحتمل فيمن قال هذا أن يدخل عليه خلاف عائشة إذ أمره بالقضاء والجمع بين من اشترط ولم يشترط فلا يكون للشرط معنى وهذا مما أستخير الله تعالى فيه ، ولو جرد أحد خلاف عائشة ذهب إلى قول عمر فيمن فاته الحج يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويهدي ، وبعض أصحابنا يذهب إلى إبطال الشرط وليس يذهب في إبطاله إلى شيء عال أحفظه ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الاستثناء في الحج فأنكره ، ومن أبطل الاستثناء فعمل رجل به فحل من حج أو عمرة فأصاب النساء والطيب والصيد جعله [ ص: 173 ] مفسدا وجعل عليه الكفارة فيما أصاب وأن يعود حراما حتى يطوف بالبيت ثم يقضي حجا ، إن كان أحرم بحج أو عمرة ، إن كان أحرم بعمرة .
باب الإحصار بالعدو
( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله عز وجل { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } الآية .
( قال الشافعي ) فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحال المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده وسنذكر قصته وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدي محله وأمره ومن كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عز وجل { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } الآية وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر بعدو قضاء لأن الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره ( قال ) والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه وما تخلفوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تواطؤ أخبر أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية ، والحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل ، ومنه ما هو في الحرم ، فإنما نجر الهدي عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة فأنزل الله عز وجل { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } فبهذا كله نقول فنقول من أحصر بعدو حل حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديا .
وأقل ما يذبح شاة ، فإن اشترك سبعة في بدنة أو بقرة أجزأتهم أخرجوا معا ثمنها أو أحدهم ووهب لهم حصصهم منها قبل ذبحها فذبحوها ، فأما إن ذبحها ثم وهب لهم حصصهم منها فهي له ولا تجزيهم ولا قضاء على المحصر بعدو إذا خرج من إحرامه والحصر قائم عليه فإن خرج من إحرامه والعدو بحاله ثم زال العدو قبل أن ينصرف فكانوا على رجاء من الوصول إلى البيت بإذن العدو لهم أو زوالهم عن البيت أحببت أن لا يعجلوا بالإحلال ولو عجلوا به ولم ينتظروا جاز لهم إن شاء الله تعالى
ولو أقام المحصر متأنيا لأي وجه ما كان أو متوانيا في الإحلال فاحتاج إلى شيء مما عليه فيه الفدية ففعله افتدى لأن فدية الأذى نزلت في كعب بن عجرة وهو محصر ، فإن قال قائل ما قول الله عز وجل في الحديبية { حتى يبلغ الهدي محله } ؟ قيل والله أعلم .
أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر في الحل } فإن قال فقد قال الله عز وجل في البدن { ثم محلها إلى البيت العتيق } قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدي المحصر ؟ قيل : نعم ، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن { النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم } فإن قال فبأي شيء رددت ذلك وخبر عطاء وإن [ ص: 174 ] كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي ؟ قلت عطاء وغيره يذهبون إلى أن محل الهدي وغيره ممن خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدي الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر إلا في الحرم } ، فإن قال فهل من شيء يبين ما قلت ؟ قلت : نعم إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدي بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحرم فإن قال : وأين ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله } فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول { حتى يبلغ الهدي محله } قلت الله أعلم بمحله ها هنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما وصفت ومحله في غير الإحصار الحرم وهو كلام عربي واسع ، وخالفنا بعض الناس فقال : المحصر بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الإحرام .
وقال : عمرة النبي صلى الله عليه وسلم التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التي أحصر بها ، ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص ؟ فقيل لبعض من قال هذا القول : إن لسان العرب واسع فهي تقول : اقتضيت ما صنع بي واقتصصت ما صنع بي فبلغت ما منعت مما يجب لي وما لا يجب علي أن أبلغه وإن وجب لي ( قال الشافعي ) والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عز وجل اقتص لرسوله صلى الله عليه وسلم فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب عليه قال : أفتذكر في ذلك شيئا ؟ فقلت : نعم ، أخبرنا سفيان عن مجاهد .
( قال الشافعي ) فقال فهذا قول رجل لا يلزمني قوله ، قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا ، فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لي دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي ، فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا ، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة القضية فقال ما يقنعني هذا الجواب فادللني على الدلالة من القرآن قلت قال الله عز وجل { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قال فمن حجتي أن الله عز وجل قال قصاص والقصاص إنما يكون بواجب .
( قال الشافعي ) فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { والجروح قصاص } أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو ؟ قال : له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عز وجل { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فلو أن معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا أن نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد [ ص: 175 ] من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب
( قال الشافعي ) ومن أحصر في موضع كان له أن يرجع عن موضعه الذي أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان أو بعيدا إلا أني إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط ، غير أني أحب له إذا كان قريبا أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا .
ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الإتمام لأنه لم يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى ، وهذا قول من يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق ، ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الإحلال قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضي على وجهه ولو أحصر ومعه هدي قد ساقه متطوعا به أو واجبا عليه قبل الإحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية وقد أوجبه قبل أن يحصر ، وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدي أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدي لإحصاره سوى ما وجب قبل أن يحصر من هدي وجب عليه بكل حال
( قال الشافعي ) ولو وجب عليه هدي في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب الحصر كان أحب إلي ، لأنه شيء لم يجب عليه في فوره . وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعدما وجب عليه
( قال ) ولو أحصر ولا هدي معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل ، ولو وهب له أو ملكه بأي وجه ما كان فذبحه أجزأ عنه ، فإن كان موسرا لأن يشتري هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدي وقد أحصر ففيها قولان ، أحدهما لا يحل إلا بهدي ، والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على شيء خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه ، ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر ، فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر
( قال ) ويقال لا يجزئه إلا هدي ، ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام ، فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد الهدي ، وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان عليه .
وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم ، ثم الدراهم طعاما ، ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين ، أحدهما أن يحل قبل الصوم ، والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبههما بالقياس لأنه إذا أمر بالخروج من الإحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (85)
صــــــــــ 176 الى صـــــــــــ180
وإذا أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذي أحصر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لأن لهم ترك القتال إلا في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر للمسلمين قتلاهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية ، وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف عنهم بكل حال بعد الإحلال من الإحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الإحصار بالمسلمين إحصار يحل به المحرم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أحصر بمشركين ؟ قيل له إن شاء الله تعالى ذكر [ ص: 176 ] الله الإحصار بالعدو مطلقا لم يخصص فيه إحصارا بكافر دون مسلم وكان المعنى للذي في الشرك الحاضر الذي أحل به المحصر الخروج من الإحرام خوفا أن ينال العدو من المحرم ما ينال عدوه فكان معقولا في نص السنة أن من كان بهذه الحال كان للمحرم عذر بأن يخرج من إحرامه به ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا فقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) يعني أحللنا كما أحللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية .
وقول ابن عمر هذا في مثل المعنى الذي وصفت لأنه إنما كان بمكة ابن الزبير وأهل الشام فرأى أنهم إن منعوه أو خافهم إن لم يمنعوه أن ينال في غمار الناس فهو في حال من أحصر فكان له أن يحل وإن أحصر بمشركين أو غيرهم فأعطوهم الأمان على أن يأذنوا لهم في أن يحلوا لم يكن لهم الرجوع وكانوا كغير محصرين إلا أن يكونوا ممن لا يوثق بأمانه ويعرف غدرهم فيكون لهم الانصراف إذا كانوا هكذا بعد الإحلال ، ولو كانوا ممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جعل قليل أو كثير ، لم أر أن يعطوهم شيئا لأن لهم عذرا في الإحصار يحل لهم به الخروج من الإحرام وإني أكره أن ينال مشرك من مسلم أخذ شيء لأن المشركين المأخوذ منهم الصغار ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبوا المشركين من أموالهم ومباح للمحصر قتال من منعه من البيت من المشركين ومباح له الانصراف عنهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل الأمرين فقاتلهم وانصرف عنهم ولو قاتلهم المحصر فقتل وجرح وأصاب دواب إنسية فقتلها لم يكن عليه في ذلك غرم ولو قاتلهم فأصاب لهم صيدا يملكونه جزاه بمثله ولم يضمن لهم شيئا ، ولو كان الصيد لمن هو بين ظهرانيهم من المسلمين ممن لا يقاتلهم فأصابه جزاه بمثله وضمنه للمسلمين لأن مكة ليست بدار حرب فيباح ما فيها .
ولو كان الوحش لغير مالك جزاه المحرم بمثله إن شاء مكانه لأن الله جعل فدية الرأس في مكانه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها كعبا وجعل الهدي في مكانه ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ساق من الهدي تطوعا في مكانه فيكون حال الإحصار غير حال الوصول ولو كرهت أن يوصله إلى البيت لم أكره ذلك إلا لأن يحدث عليه حدث فلا يقضى عنه
ولو أحصر قوم بعدو فأرادوا الإحلال ثم قاتلوهم لم أر بذلك بأسا ولو أحصر قوم بعدو غير مقيمين بمكة أو في الموضع الذي أحصروا فيه فكان المحرم يؤمل انصرافهم ويأمنهم في مكانه لم أر أن ينصرف أياما ثلاثا ولو زاد كان أحب إلي ، ولو انصرف بعد إحلاله ولم يتم ثلاثا جاز له ذلك لأن معنى انصراف العدو مغيب وقد يريدون الانصراف ثم لا ينصرفون ولا يريدونه ثم ينصرفون وإنما كان مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية مراسلة المشركين ومهادنتهم ، ولو أحصر قوم بعدو دون مكة وكان للحاج طريق على غير العدو رأيت أن يسلكوا تلك الطريق إن كانوا يأمنون بها ولم يكن لهم رخصة في الإحلال وهم يأمنون فيها أن يصلوا إلى البيت ويقدروا فإن كانت طريقهم التي يأمنون فيها بحرا لا برا ، لم يلزمهم ركوب البحر لأنه مخوف تلف ولو فعلوا كان أحب إلي وإن كان طريقهم برا وكانوا غير قادرين عليه في أموالهم وأبدانهم كان لهم أن يحلوا إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى البيت محصرين بعدو فإن كان طريقهم برا يبعد وكانوا قادرين على الوصول إلى البيت بالأموال والأبدان وكان الحج يفوتهم وهم محرمون لم يكن لهم أن يحلوا [ ص: 177 ] حتى يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة ، لأن أول الإحلال من الحج الطواف ، والقول في أن عليهم الإعادة وأنها ليست عليهم واحد من قولين ، أحدهما أنه لا إعادة للحج عليهم لأنهم ممنوعون منه بعدو وقد جاءوا بما عليهم مما قدروا من الطواف ، ومن قال هذا قال وعليهم هدي لفوت الحج وهو الصحيح في القياس ، والقول الثاني أن عليهم حجا وهديا وهم كمن فاته الحج ممن أحصر بغير عدو إذا صاروا إلى الوصول إلى البيت ولهذا وجه ولو وصلوا إلى مكة وأحصروا فمنعوا عرفة حلوا بطواف وسعي وحلاق وذبح وكان القول في هذا كالقول في المسألة قبلها وسواء المكي المحصر ، إن أقبل من أفق محرما وغير المكي يجب على كل ما يجب على كل .
وإن أحصر المكي بمكة عن عرفة فهو كالغريب يحصر بمكة عن عرفة يذبحان ويطوفان ويسعيان ويحلان ، والقول في قضائهما كالقول في المسألتين قبل مسألتهما ولا يخرج واحد منهما من مكة إذا كان أهلا له بالحج ولو أهلا من مكة فلم يطوفا حتى أخرجا منها أو أحصرا في ناحيتهما ومنعا الطواف كانا كمن أحصر خارجا منها في القياس ، ولو تربصا لعلهما يصلان إلى الطواف كان احتياطا حسنا ولو أحصر حاج بعد عرفة بمزدلفة أو بمنى أو بمكة فمنع عمل مزدلفة ومنى والطواف كان له أن يذبح ويحلق أو يقصر ويحل إذا كان له الخروج من الإحرام كله كان له الخروج من بعضه فإن كانت حجة الإسلام فحل إلا النساء قضى حجة الإسلام وإن كانت غير حجة الإسلام فلا قضاء عليه لأنه محصر بعدو ولو أراد أن يمسك عن الإحلال حتى يصل إلى البيت فيطوف به ويهريق دما لترك مزدلفة ، ودما لترك الجمار ودما لترك البيتوتة بمنى ليالي منى أجزأ ذلك عنه من حجة الإسلام متى طاف بالبيت وإن بعد ذلك ، لأنه لو فعل هذا كله بعد إحصار ثم أهراق له دما أجزأ عنه من حجة الإسلام وكذلك لو أصاب صيدا فداه ، وإنما يفسد عليه أن يجزي عنه من حجة الإسلام النساء فقط ، لأن الذي يفسد الحج دون غيره مما فعل فيه ، والمحصر بعدو ، والمحبوس أي حبس ما كان نأمره بالخروج منه ، فإن كانوا مهلين بالحج فأصابوا النساء قبل يحلون فهم مفسدون للحج وعليهم معا بدنة وحج بعد الحج الذي أفسدوه ، وإذا أصابوا ما فيه الفدية كانت عليهم الفدية ما لم يحلوا فإذا حلوا فهم كمن لم يحرم .
باب الإحصار بغير حبس العدو
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) ولو أن رجلا أهل بالحج فحبسه سلطان فإن كان لحبسه غاية يرى أنه يدرك معها الحج وكانت طريقه آمنة بمكة لم يحلل فإن أرسل مضى وإن كان حبسه مغيبا عنه لا تدرى غايته أو كانت له غاية لا يدرك معها الحج إذا أرسل أو لا يمكنه المضي إلى بلده فله أن يحل كما يحل المحصر والقياس في هذا كله أنه محصر كحصر العدو ومثله المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها ومثلها العبيد يهلون فيمنعهم سادتهم
( قال الشافعي ) في الرجل يهل بالحج غير الفريضة فيمنعه والداه أو أحدهما : أرى واسعا له أن يحل محل المحصر .
( قال الشافعي ) وهذا إذا كانت حجة تطوع ، فأما الفريضة إذا أهل بها مضى فيها ولم يكن لواحد من والديه منعه بعد ما لزمته وأهل بها ، فإن قال قائل أرأيت العدو إذا كان مانعا مخوفا فأذنت للمحرم أن يحل بمنعه أفتجد أبا الرجل وأمه وسيد العبد وزوج المرأة في معناه ؟ قيل له : نعم ، هم في معناه أنهم مانعون وفي أكثر من معناه في أن لهم المنع وليس [ ص: 178 ] للعدو المنع ومخالفون له في أنهم غير مخوفين خوفه فإن قال : كيف جمعت بينهم وهم مفترقون في معنى وإن اجتمعوا في معنى غيره ؟ قلت اجتمعوا في معنى وارد هؤلاء أن لهم المنع وحفظت عن غير واحد أن المرأة إذا أهلت بالحج غير حجة الفريضة كان لزوجها منعها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل لامرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه } فكان هذا على التطوع دون الفريضة وكانت إذا لم يحل لها الصوم إلا بإذنه فكان له أن يفطرها وإن صامت لأنه لم يكن لها الصوم وكان هكذا الحج وكان سيد العبد أقدر عليه من زوج المرأة على المرأة ، وكان حق أحد والدي الرجل أعظم عليه من حق الزوج على المرأة وطاعتهما أوجب ، فبهذا قلت ما وصفت .
باب الإحصار بالمرض
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } .
( قال الشافعي ) فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت من أهل العلم بالتفسير في أنها نزلت بالحديبية وذلك إحصار عدو فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدي ، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يحل منه المحرم الإحصار بالعدو فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى الله ثم سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدو وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو ( قال الشافعي ) قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو ، لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو كأنه يريد مثل المعنى الذي وصفت والله أعلم ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه قال المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، فإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى .
( قال الشافعي ) يعني المحصر بالمرض والله أعلم ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدي ، أخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال : خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة ، أخبرنا إسماعيل ابن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذي أقام به الدثنة وحدث شبيها بمعنى حديث مالك ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول : المحرم لا يحله إلا البيت .
( قال الشافعي ) وسواء في هذا كله أي مرض ما كان ، وسواء ذهب عقله فيما لم يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوي به دووي وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء ، فإن قال قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدي عنه والقلم مرفوع عنه في حال تلك ؟ قيل له إن شاء الله إنما [ ص: 179 ] يداويه من يعقل والفدية لازمة بأن فاعلها يعقل وهي على المداوي له في ماله إن شاء ذلك المداوي لأنها جناية من المداوي على المداوى وإن غلب المحرم على عقله فأصاب صيدا ففيها قولان أحدهما أن عليه جزاءه من قبل أنه يلزم المحرم بإصابة الصيد جزاء لمساكين الحرم كما يلزمه لو قتله لرجل والقاتل مغلوب على عقله ولو أتلف لرجل مالا لزمته قيمته ويحتمل حلقه شعره هذا المعنى في الوجهين جميعا .
والقول الثاني لا شيء عليه من قبل أن القلم مرفوع عنه ، وأصل الصيد ليس بمحرم وكذلك حلق الشعر وإنما جعل هذا عقوبة على من أتاه تعبدا لله والمغلوب على عقله غير متعبد في حال غلبته وليس كأموال الناس الممنوعة بكل حال كالمباح إلا في حال ( قال ) ولو أصاب امرأته احتمل المعنيين وكان أخف لأنه ليس في إصابته لامرأته إتلاف لشيء فأما طيبه ولبسه فلا شيء عليه فيه من قبل أنا نضعه عن الجاهل العاقل والناسي العاقل وهذا أولى أن يوضع عنه وذلك أنه ليس في واحد منهما إتلاف لشيء وقد يحتمل الجماع من المغلوب العقل أن يقاس على هذا لأنه ليس بإتلاف شيء فإن قال قائل أفرأيت إذا غلب على عقله كيف لم تزعم أنه خارج من الإحرام كما أنه خارج من الصلاة ؟ قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والحج ، فإن قال قائل فأين اختلافهما ؟ قيل يحتاج المصلي إلى أن يكون طاهرا في صلاته عاقلا لها ويحتاج إلى أن يكون عاقلا لها كلها لأن كلها عمل لا يجزيه غيره والحاج يجوز له كثير من عمل الحج وهو جنب وتعمله الحائض كله إلا الطواف بالبيت فإن قال قائل : فما أقل ما يجزي الحاج أن يكون فيه عاقلا ؟ قيل له عمل الحج على ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة وهو يعقل فإذا جمع هذه الخصال وذهب عقله فما بينها فعمل عنه أجزأ عنه حجه إن شاء الله وهذا مكتوب في دخول عرفة
( قال الشافعي ) في مكي أهل بالحج من مكة أو غريب دخلها محرما فحل ثم أقام بها حتى أنشأ الحج منها فمنعهما مرض حتى فاتهما الحج يطوفان بالبيت وبين الصفا والمروة ويحلقان أو يقصران فإذا كان قابل حجا وأجزأ كل واحد منهما أن يخرج من الحرم إلى الحل لأنهما لم يكونا معتمرين قط إنما يخرجان بأقل ما يخرج به من عمل الحج إذا لم يكن لهما أن يعملا بعرفة ومنى ومزدلفة وذلك طواف وسعي وأخذ من شعره ، فإن قال قائل فكيف بما روي عن عمر من هذا ؟ قيل له على معنى ما قلت إن شاء الله وذلك أنه قال لسائله : اعمل ما يعمل المعتمر ولم يقل له : إنك معتمر وقال له احجج قابلا وأهد ولو انقلب إحرامه عمرة لم يكن عليه حج وكان مدركا للعمرة وفي أمره وأمرنا إياه بحج قابل دلالة على أن إحرامه حج وأنه لا ينقلب عمرة ، ولو انقلب عمرة لم يجز أن تأمره بحج قابل قضاء وكيف يقضي ما قد انقلب عنه ؟ ولكن آمره بالقضاء لأنه فائت له وقد جاء من فاته الحج فسأل عمر وهو ينحر ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد دخل الحرم قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فلو كان حجه صار عمرة حين طلع الفجر من ليلة النحر وكان الحج فائتا لأمره عمر أن يخرج بنفسه إلى الحل فيلبي منه ولكنه كما وصفت إن شاء الله لا كقول من قال صار عمرة وإنما قول من قال صار عمرة بغلط إلى قوله يعني صار عمله عمرة وسقط بعض عمل الحج إذا فاتت عرفة ولو كان صار عمرة أجزأ عنه من عمرة [ ص: 180 ] الإسلام وعمرة لو نذرها فنواها عند فوت الحج له وهو لا يجزي من واحد منهما
ومن أحرم بحج فحبس عن الحج بمرض أو ذهاب عقل أو شغل أو توان أو خطأ عدد ثم أفاق من المرض في حين يقدر على إتيان البيت لم يحلل من شيء من إحرامه حتى يصل إلى البيت فإن أدرك الحج عامه الذي أحرم فيه لم يحلل إلى يوم النحر وإن فاته حج عامه الذي أحرم فيه حل إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو قصر ، فإن كان إهلاله بحج فأدركه فلا شيء عليه ، وإن كان إهلاله بحج ففاته خرج منه بعمل عمرة وعليه حج قابل أو بعد ذلك وما استيسر من الهدي ، وإن كان قارنا فأدرك الحج فقد أدركه والعمرة فإن فاته الحج حج بالطواف والسعي والحلق أو التقصير وكان عليه أن يهل بحج وعمرة مقرونين لا يزيد على ذلك شيئا كما إذا فاته صلاة أو صوم أو عمرة أمرناه أن يقضي ذلك بمثله لا يزيد على قضائه شيئا غيره وإذا فاته الحج فجاء بعد عرفة لم يقم بمنى ولم يعمل من عمل الحج شيئا وقد خرج من عمل الحج مفردا كان أو قارنا بعمل عمرة من طواف وسعي وحلق أو تقصير وحج قابل أحب إلي ، فإن أخر ذلك فأداه بعد أجزأ عنه كما يؤخر حجة الإسلام بعد بلوغه أعواما فيؤديها عنه متى أداها وإن اضطر قبل الإحلال إلى شيء مما عليه فيه فدية إذا كان محرما أو أصابه فعليه فدية وكان إذا لم يصل إلى البيت كامل الإحرام قبل فوت الحج وبعده يجب عليه الفدية فيما فيه فدية والفساد فيما فيه فساد لا يختلف ذلك لأن الإحرام قائم عليه ولو كان ممن يذهب إلى أن المريض يحل بهدي يبعث به فبعث بهدي ونحر أو ذبح عنه وحل كان كمن حل ولم يبعث بهدي ولم ينحر ولم يذبح عنه حراما بحاله ، ولو رجع إلى بلده رجع حراما بحاله ولو صح وقد بعث بهدي فمضى إلى البيت من فوره ذلك وقد ذبح الهدي لم يجز ذلك الهدي عنه من شيء وجب عليه في إحرامه فدية حج ولا عمرة لأنه ذبحه عما لا يلزمه .
ولو أدرك الهدي قبل أن يذبح فحبسه كان ذلك له ما لم يتكلم بإيجابه ولو أدرك الهدي قبل أن ينحر أو يذبح وقد أوجبه بكلام يوجبه ، كان واجبا أن يذبح وكان كالمسألة الأولى وكان كمن أوجبه تطوعا وكان كمن أعتق عن شيء لم يلزمه فيه العتق فالعتق ماض تطوعا ، ولو لم يوجب الهدي بكلام وبعث به فأدركه قبل أن يذبح كان مالا من ماله ولو لم يوجبه بكلام وقلده وأشعره وبعث به فأدركه قبل أن يذبح فمن قال نيته في هديه وتجليله وتقليده وإعلامه أي علامات الحج أعلمه يوجبه عليه كان كالكلام به ومن قال هذا القول أشبه أن يفرق بين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الله تعالى وبين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الآدميين فلم يوجب عليه للآدميين إلا ما تكلم به ولم يلزمه فيما بينه وبينهم إلا ما تكلم به مما يكون فيه الكلام وقال فيما بينه وبين الله عز وجل تجزيه النية والعمل كما تجزيه في الصلاة والصوم والحج ولم يتكلم بفرض صلاة مكتوبة ولا صوم ولا حج إلا أنه نواه وعمله ، والمكي يهل بالحج من مكة أو الحل من ميقات أو غير ميقات ثم يمرض أو يغلب على عقله أو يفوته الحج بأي وجه ما كان مثل الغريب لا يزايله يحل بطواف وسعي وحلق أو تقصير ، ويكون عليه حج بعد حجه الذي فاته وأن يهدي ما استيسر من الهدي شاة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (86)
صــــــــــ 181 الى صـــــــــــ185
باب فوت الحج بلا حصر عدو ولا مرض ولا غلبة على العقل
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى من فاته الحج لا بحصر العدو ولا محبوسا بمرض ولا ذهاب عقل بأي وجه ما فاته من خطأ عدد أو إبطاء في مسيره أو شغل أو توان فسواء ذلك كله ، والمريض والذاهب العقل يفوته الحج يجب على كل الفدية والقضاء والطواف والسعي والحلاق أو التقصير وما وجب على بعضهم وجب على كل ، غير أن المتواني حتى يفوته الحج آثم إلا أن يعفو الله عنه فإن قال قائل فهل من أثر فيما قلت ؟ قلت نعم ، في بعضه وغيره في معناه .
( قال الشافعي ) أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بحيال عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا وليطف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء ، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله ، فإن أدركه الحج قابلا فليحجج إن استطاع وليهد في حجه فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني سليمان بن يسار أن أبا أيوب خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله وأنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر فذكر ذلك له فقال له اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركك الحج قابلا حج وأهد ما استيسر من الهدي أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود جاء وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال له عمر اذهب فطف ومن معك وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان قابل حجوا وأهدوا { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } .
( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ ، وفي حديث يحيى عن سليمان دلالة عن عمر أنه يعمل عمل معتمر لا أن إحرامه عمرة وإن كان الذي يفوته الحج قارنا حج قارنا وقرن وأهدى هديا لفوت الحج وهديا للقران ولو أراد المحرم بالحج إذا فاته الحج أن يقيم إلى قابل محرما بالحج لم يكن ذلك له وإذا لم يكن ذلك له فهذا دلالة على ما قلنا من أنه لا يكون لأحد أن يكون مهلا بالحج في غير أشهر الحج لأن أشهر الحج معلومات لقول الله عز وجل { الحج أشهر معلومات } فأشبه والله أعلم أن يكون حظر الحج في غيرها . فإن قال قائل فلم لم تقل أنه يقيم مهلا بالحج إلى قابل ؟ قيل لما وصفت من الآية والأثر عن عمر وابن عمر وما لا أعلم اختلفوا فيه وفي هذا دلالة على أنه لو كان له أن يقيم محرما بالحج إلى أن يحج قابلا كان عليه المقام ولم يكن له الخروج من عمل يقدر على المقام فيه حتى يكمله لأنا رأينا كذلك العمرة وكل صلاة وصوم كان له المقام فيها كان عليه أن يقيم فيها حتى يكملها إذا كانت مما يلزمه بكل حال وخالفنا بعض الناس وبعض مكيينا في محبوس عن الحج بمرض فقالوا هو والمحصر بعد ولا يفترقان في شيء وقال ذلك بعض من لقيت منهم وقال يبعث المحصر بالهدي ويواعده المبعوث بالهدي معه يوما يذبحه فيه عنه وقال بعضهم يحتاط يوما أو يومين بعد موعده ثم يحلق أو يقصر ثم يحل ويعود إلى بلده وعليه قضاء إحرامه الذي فاته وقال بعض مكيينا كما فاته لا يزيد عليه ، وقال بعض الناس بل إن كان مهلا بحج قضى حجا وعمرة لأن إحرامه بالحج صار عمرة وأحسبه قال : فإن كان قارنا فحجا وعمرتين لأن حجه صار عمرة .
وإن كان مهلا بعمرة قضى عمرة وقال لي بعض من ذهب إلى هذا القول : لا نخالفك في أن آية الإحصار نزلت في الحديبية وأنه إحصار عدو ، أفرأيت إذن الله تعالى [ ص: 182 ] للمحصر بما استيسر من الهدي ؟ ثم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذبح والإحلال كيف لم تجعل المحصر بالمرض قياسا على المحصر بالعدو أن تحكم له حكمك له ؟ فقلت له الأصل على الفرض إتمام الحج والعمرة لله والرخصة في الإحلال للمحصر بعدو فقلنا في كل بأمر الله عز وجل ولم نعد بالرخصة موضعها كما لم نعد بالرخصة المسح على الخفين ولم نجعل عمامة ولا قفازين قياسا على الخفين فقال فهل يفترق الحصار بالعدو والمرض ؟ قلت : نعم ، قال وأين ؟ قلت المحصر بعدو خائف القتل على نفسه إن أقدم عليه وغير عالم بما يصير إليه منه إذا أقدم عليه وقد رخص لمن لقي المشركين أن يتحرف للقتال أو يتحيز إلى فئة فإذا فارق المحصر موضعه راجعا صار إلى حال أحسن من حاله في التقدم والمقام لمزايلة الخوف إلى الأمن والمريض ليس في شيء من هذه المعاني ، لا هو خائف بشرا ولا صائر بالرجوع إلى أمن بعد خوف ولا حال ينتقل عنه إلا رجاء البر والذي يرجوه في تقدمه رجاؤه في رجوعه ومقامه حتى يكون الحال به معتدلا له في المقام والتقدم إلى البيت والرجوع ، فالمريض أولى أن لا يقاس على المحصر بعدو ، من العمامة والقفازين والبرقع على الخفين ولو جاز أن يجهل ما وصفنا من الأصل في إتمام الحج والعمرة وأن المستثنى المحصر بعدو فقلنا الحبس ما كان كالعدو جاز لنا لو ضل رجل طريقا أو أخطأ عددا حتى يفوته الحج أن يحل فقال بعضهم ، إنا إنما اعتمدنا في هذا على الشيء رويناه عن ابن مسعود وبه قلنا .
قلت لو لم يخالفه واحد ممن سمينا إنا قلنا بقوله أما كنت محجوجا به ؟ قال : ومن أين ؟ قلت ألسنا وإياكم نزعم أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو اختلفا فكان قول أحدهما أشبه بالقرآن كان الواجب علينا أن نصير إلى أشبه القولين بالقرآن فقولنا أشبه بالقرآن بما وصفت لك ، أو رأيت لو لم نستدل على قولنا وقولك بالقرآن وكان قولنا أصح في الابتداء والمتعقب من قولك أكان قولنا أولى أن يذهب إليه ؟ قال : بلى ، إن كان كما تقول قلت : فهو كما أقول ومعنا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثة أكثر عددا من واحد ، قال فأين هو أصح ؟ قلت أرأيت إذا مرض فأمرته أن يبعث بهدي ويواعده يوما يذبح فيه عنه الهدي ثم يحلق أو يقصر ويحل ألست قد أمرته بأن يحل وأنت لا تدري لعل الهدي لم يبلغ محله وأنت تعيب على الناس أن يأمروا أحدا بالخروج من شيء لزمهم بالظنون ؟ قال فإنا لا نقول بظن ولكن بالظاهر قلت : الظاهر في هذا ظن ، ولو خرج الظاهر في هذا من أن يكون ظنا كنت أيضا متناقض القول فيه قال ومن أين ؟ قلت إذا كان الحكم في أمرك المريض بالإحلال بالموعد بذبح الهدي وكان الظاهر عندك أنه قد حل بهذه المدة فكيف زعمت أنه إن بلغه أن الهدي عطب أو ضل أو سرق وقد أمرته بالإحلال فحل وجامع وصاد ( قال ) يكون عليه جزاء الصيد والفدية ويعود حراما كما كان قلت وهكذا لو بعث الهدي عشرين مرة وأصابه مثل هذا قال ؟ نعم ، قلت أفلست قد أبحت له الإحلال ثم جعلت عليه الفدية فيما أبحت له والفساد فيه وجعلته في موضع واحد حلالا أياما وحراما أياما ؟ فأي قول أشد تناقضا وأولى أن يترك من هذا ؟ وأي شيء يؤخذ من قول أولى أن ترده العقول من هذا ؟ وقال أيضا في الرجل تفوته عرفة ويأتي يوم النحر فقال كما قلنا يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وعليه حج قابل ثم خالفنا فقال لا هدي عليه وروى فيه حديثا عن عمر أنه لم يذكر فيه أمر بالهدي قال وسألت زيد بن ثابت بعد ذلك بعشرين سنة فقال كما قال عمر : وقال قد روينا هذا عن عمر ( قال ) فإلى قول من ذهبتم ؟ فقلت روينا عن عمر مثل قولنا
[ ص: 183 ] من أمره بالهدي .
قال رويتموه منقطعا وحديثنا متصل قلنا فحديثك المتصل يوافق حديثنا عن عمر ويزيد عليه الهدي ، والذي يزيد في الحديث أولى بالحفظ من الذي لم يأت بالزيادة عندنا وعندك قال لا أثبته لك بالحال عن عمر منقطعا فهل ترويه عن غير عمر ؟ قلنا : نعم عن ابن عمر كما قلنا متصلا قال فكيف اخترت ما رويت عن ابن عمر على ما روينا عن عمر ؟ قلنا روينا عن عمر مثل روايتنا عن ابن عمر وإن لم يكن متصلا قال أفذهبت فيما اخترت من قول ابن عمر إلى شيء غير تقليد ابن عمر فيكون لنا تقليد عمر على ابن عمر ؟ فقلت له : نعم ذهبت إلى ما يلزمك أنت خاصة أكثر مما يلزم الناس حتى يكون عليك ترك قولك لقولنا قال وأين ؟ قلت له زعمت أن الحائض إذا لم تطهر إلى عرفة وهي معتمرة رفضت العمرة وأهلت بالحج وأهراقت لرفض العمرة دما وكان عليها قضاؤها ثم قلتم هذا فيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين قال قد قلته في الحائض وفيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين ثم شككت في الرجال المعتمرين وأنا ثابت على الحائض بما روينا فيها فقلت له ولم شككت هل كان عليها أن تهريق دما عندك إلا لفوت العمرة ؟ قال فإن قلت ليس لفوت العمرة ؟ قلت فقل ما شئت قال لخروجها من العمرة بلا فوت لأنها لو شاءت أقامت على العمرة قلت فما تقول إن لم يرهقها الحج فأرادت الخروج من العمرة بدم تهريقه ثم تحج وتقضي العمرة ؟ قال ليس ذلك لها ، قلت فهل أمرتها بالخروج من العمرة إلا بفوتها عندك وهي لو أقامت على العمرة لم يكن عليها شيء والحاج عندك إذا فاته الحج لم يكن له المقام على الحج وكان قد خرج منه قبل يكمله كما خرجت الحائض من العمرة قبل تكملها فلم جعلت على الحائض دما لخروجها قبل إكمال الإحرام الذي لزمها ولم تجعل ذلك على الحاج وقد خرج منه قبل إكمال الإحرام الذي لزمه واجتمعا في هذا المعنى وفي أنهما يقضيان ما خرجا منه فكيف فرقت بينهما في الدم ؟ .
وقلتم عن ابن عمر إن رجلا لو كان عليه صوم من شهر رمضان فنسيه إلى أن يأتي رمضان آخر فصامه أنه يصوم بعده ما عليه من الشهر لرمضان الذي نسي ويتصدق عن كل يوم على مسكين لأنه لم يأت بالصوم في موضعه ، فالحاج يفوته الحج في مثل معناه وأولى أن تقولوا به فيه وخالفنا أيضا فقال إن كان الذي فاته الحج مفردا بالحج فعليه حج وعمرة وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان فقلت له أقلت هذا خبرا أم قياسا ؟ فلم يذكر خبرا نراه ولا عنده هو إذا أنصف حجة قال قياسا ، قلنا فعلى أي شيء قسته ؟ قال إن عمر قال اعمل ما يعمل المعتمر فدل هذا على أن حجه صار عمرة فقلت له لما لم يكن يخرج من الإحرام إلا بطواف وسعي في حج كان أو عمرة وكان الطواف والسعي كمال ما يخرج به من العمرة ، وعرفة والجمار ومنى والطواف كمال ما يخرج به من الحج ، فكان إذا فاتته عرفة لا حج له ولا عمل عليه من عمل الحج فقيل اخرج بأقل ما يخرج به من الإحرام وذلك عمل معتمر لا أن حجه صار عمرة أرأيت لو كانت عليه عمرة واجبة فنوى بهذا الحج عمرة ففاتته أيقضي العمرة الواجبة عنه ؟ قال : لا . لأنه عقده حجا قلت فإذا عقده حجا لم يصر عندك عمرة تجزي عنه ؟ قال لا . فقلت فمن أين زعمت أنه عمرة وهو لا يجزي عنه من عمرة واجبة ولو ابتدأ بإحرامه ابتدأ العمرة الواجبة عليه ؟ .
وقلت له ولو كان صار عمرة كان أبعد لقولك أن لا تقول عليه حج ولا عمرة لأنه قد قضى العمرة وإنما فاته الحج فلا يكون عليه حج وعمرة فقال إنما قلته لأن الحج تحول عمرة ففاته لما فاته الحج فقلت له : ما أعلمك تورد حجة إلا كانت عليك أرأيت إحرامه بالحج متى صار عمرة ؟ قال بعد عرفة ، قلت فلو ابتدأ الإحرام بعد عرفة بعمرة أيكون غير محرم بها أو محرما يجزيه العمل عنها ولا يقضيها ؟ قال فنقول ماذا ؟ قلت أيهما قلت فقد لزمك ترك ما [ ص: 184 ] احتججت به قال فدع هذا قلت أقاويلك متباينة قال وكيف ؟ قلت رويت عن عمر أنه أمر من فاته الحج يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويحج قابلا وقلت له كان عليه هدي أمره به ، وردت روايتنا عنه أنه أمر بالهدي ، فإن قلت هي مقطوعة فكيف إذا كان في روايتك عنه أنه أمره بحج قابل ولم يأمره بعمرة ، فلم لا تقول : لا عمرة عليه اتباعا لقول عمر وزيد بن ثابت وروايتنا عن ابن عمر ؟ ما أعلمك إلا قصدت قصد خلافهم معا ثم خالفتهم بمحال فقلت لرجل فاته الحج : عليك عمرة وحج وهل رأيت أحدا قط فاته شيء فكان عليه قضاء ما فاته وآخر معه ؟ والآخر ليس الذي فاته لأن الحج ليس عمرة والعمرة ليست بحج .
باب هدي الذي يفوته الحج
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في المحصر بعدو يسوق هديا واجبا أو هدي تطوع ، ينحر كل واحد منهما حيث أحصر ولا يجزي واحد منهما عنه من هدي الإحصار لأن كل واحد منهما وجب عليه الواجب بوجوبه والتطوع بإيجابه ، قبل أن يلزمه هدي الإحصار ، فإذا أحصر فعليه هدي سواهما يحل به ، فأما من فاته الحج بمرض أو غيره فلا يجزيه الهدي حتى يبلغ الحرم .
باب الغسل لدخول مكة
( قال الشافعي ) وإذا اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح لدخول مكة وهو حلال يصيب الطيب فلا أراه إن شاء الله ترك الاغتسال ليدخلها حراما وهو في الحرم لا يصيب الطيب ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل لدخول مكة .
( قال الشافعي ) وأحب الغسل لدخول مكة وإن تركه تارك لم يكن عليه فيه فدية لأنه ليس من الغسل الواجب
باب القول عند رؤية البيت
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت } أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام .
( قال الشافعي ) فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت وما قال من حسن أجزأه إن شاء الله تعالى .
[ ص: 185 ] باب ما جاء في تعجيل الطواف بالبيت حين يدخل مكة
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال { لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو ولم يعرج } .
( قال الشافعي ) رحمه الله لم يبلغنا أنه حين دخل مكة لوى لشيء ولا عرج في حجته هذه ولا عمرته كلها حتى دخل المسجد ولا صنع شيئا حين دخل المسجد لا ركع ولا صنع غير ذلك حتى بدأ بالبيت فطاف هذا أجمع في حجه وفي عمرته كلها أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عطاء فيمن قدم معتمرا فقدم المسجد لأن يطوف بالبيت فلا يمنع الطواف ولا يصلي تطوعا حتى يطوف ، وإن وجد الناس في المكتوبة فليصل معهم ولا أحب أن يصلي بعدها شيئا حتى يطوف بالبيت . وإن جاء قبل الصلاة فلا يجلس ولا ينتظرها وليطف فإن قطع الإمام طوافه فليتم بعد ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء : ألا أركع قبل تلك المكتوبة إن لم أكن ركعت ركعتين ؟ قال : لا ، إلا ركعتي الصبح إن لم تكن ركعتهما فاركعهما ثم طف لأنهما أعظم شأنا من غيرهما ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء : المرأة تقدم نهارا ؟ قال ما أبالي إن كانت مستورة أن تقدم نهارا .
( قال الشافعي ) وبما قال عطاء كله آخذ لموافقته السنة فلا أحب لأحد قدر على الطواف أن يبدأ بشيء قبل الطواف إلا أن يكون نسي مكتوبة فيصليها أو يقدم في آخر مكتوبة فيخاف فوتها فيبدأ بصلاتها أو خاف فوت ركعتي الفجر فيبدأ بهما أو نسي الوتر فليبدأ به ثم يطوف فإذا جاء وقد منع الناس الطواف ركع ركعتين لدخول المسجد إذا منع الطواف ، فإن جاء وقد أقيمت الصلاة بدأ بالصلاة ، فإن جاء وقد تقاربت إقامة الصلاة بدأ بالصلاة والرجال والنساء فيما أحببت من التعجيل حين يقدمون ليلا سواء وكذلك هم إذا قدموا نهارا إلا امرأة لها شباب ومنظر فإني أحب لتلك تؤخر الطواف حتى الليل ليستر الليل منها .
باب من أين يبدأ بالطواف ؟
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه رآه بدأ فاستلم الحجر ثم أخذ عن يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال : يلبي المعتمر حين يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (87)
صــــــــــ 186 الى صـــــــــــ190
( قال الشافعي ) لا اختلاف أن حد مدخل الطواف من الركن الأسود وأن إكمال الطواف إليه ، وأحب استلامه حين يدخل الرجل الطواف فإن دخل الطواف في موضع فلم يحاذ بالركن لم يعتد بذلك الطواف وإن استلم الركن بيده من موضع فلم يحاذ الركن لم يعتد بذلك الطواف بحال ، لأن الطواف على البدن كله لا على بعض البدن دون بعض ، وإذا حاذى الشيء من الركن ببدنه كله اعتد بذلك الطواف وكذلك إذا حاذى بشيء من الركن في السابع فقد أكمل الطواف ، وإن قطعه قبل أن يحاذي بشيء من الركن وإن استلمه ، فلم يكمل ذلك الطواف .
[ ص: 186 ] باب ما يقال عند استلام الركن
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرت { أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا الحجر ؟ قال قولوا باسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم } .
( قال الشافعي ) رحمه الله هكذا أحب أن يقول الرجل عند ابتداء الطواف ويقول كلما حاذى الركن بعد " الله أكبر ولا إله إلا الله " وما ذكر الله به وصلى على رسوله فحسن
باب ما يفتتح به الطواف وما يستلم من الأركان
( قال الشافعي ) وأحب أن يفتتح الطائف الطواف بالاستلام ، وأحب أن يقبل الركن الأسود وإن استلمه بيده قبل يده وأحب أن يستلم الركن اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله لأني لم أعلم أحدا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل إلا الحجر الأسود وإن قبله فلا بأس به ، ولا آمره باستلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود ولو استلمهما أو ما بين الأركان من البيت لم يكن عليه إعادة ولا فدية إلا أني أحب أن يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) وروي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن الأسود } فكذلك أحب ، ويجوز استلامه بلا تقبيل لأنه قد استلمه واستلامه دون تقبيله ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي جعفر قال رأيت ابن عباس جاء يوم التروية مسبدا رأسه فقبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات ، أخبرنا سعيد عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الركن إلا أن يراه خاليا ، قال وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات وسجد عليه على أثر كل تقبيلة .
( قال الشافعي ) وأنا أحب إذا أمكنني ما صنع ابن عباس من السجود على الركن لأنه تقبيل وزيادة سجود لله تعالى وإذا استلمه لم يدع تقبيله وإن ترك ذلك تارك فلا فدية عليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء : هل رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلموا قبلوا أيديهم ؟ قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم قلت وابن عباس ؟ قال : نعم حسبت كثيرا قلت : هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يدك ؟ قال فلم أستلمه إذا ؟ .
( قال الشافعي ) وإذا ترك استلام الركن لم أحب ذلك له ولا شيء عليه ، أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال : طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الأركان حتى فرغ من طوافه .
[ ص: 187 ] الركنان اللذان يليان الحجر
أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي : { أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح الأركان كلها ويقول : لا ينبغي لبيت الله تعالى أن يكون شيء منه مهجورا } ، وكان ابن عباس يقول : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .
( قال الشافعي ) الذي فعل ابن عباس أحب إلي لأنه كان يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود يدل على أن منهما مهجورا ، وكيف يهجر ما يطاف به ؟ ولو كان ترك استلامهما هجرانا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرانا لها
باب استحباب الاستلام في الوتر
أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه كان لا يكاد أن يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل وتر من طوافه ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس أنه قال : استلموا هذا لنا خامس .
( قال الشافعي ) أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما أستحب في كل شفع ، فإذا لم يكن زحام أحببت الاستلام في كل طواف .
الاستلام في الزحام
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحب الاستلام حين أبتدئ بالطواف بكل حال وأحب أن يستلم الرجل إذا لم يؤذ ولم يؤذ بالزحام ويدع إذا أوذي أو آذى بالزحام ولا أحب الزحام إلا في بدء الطواف وإن زاحم ففي الآخرة وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن " أصبت " أنه وصف له أنه استلم في غير زحام وترك في زحام لأنه لا يشبه أن يقول له أصبت في فعل وترك إلا إذا اختلف الحال في الفعل والترك وإن ترك الاستلام في جميع طوافه وهو يمكنه أو استلم وهو يؤذي ويؤذى بطوافه لم أحبه له ولا فدية ولا إعادة عليه ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : " إذا وجدت على الركن زحاما فانصرف ولا تقف " أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن منبوذ بن أبي سليمان عن أمه أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فدخلت عليها مولاة لها فقالت لها : يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة " لا أجرك الله لا أجرك الله تدافعين الرجال ؟ ألا كبرت ومررت " أخبرنا سعيد عن [ ص: 188 ] عثمان بن مقسم الربي عن عائشة بنت سعد أنها قالت كان أبي يقول لنا " إذا وجدتن فرجة من الناس فاستلمن وإلا فكبرن وامضين " فلما قالت عائشة أم المؤمنين وسعد آمر الرجال إذا استلم النساء أن لا يزاحموهن ويمضوا عنهن لأني أكره لكل زحاما عليه وأحب إذا أمكن الطائف الاستلام أن يستلم الركنين الحجر واليماني ويستلمهما بيده ويقبل يده ، وأحب إذا أمكنه الحجر أن يقبله بفيه ويستلم اليماني بيده فإن قال قائل : كيف أمرت بتقبيل الحجر ولم تأمر بتقبيل اليماني ؟ قيل له إن شاء الله روينا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن وأنه استلم الركن اليماني } ورأينا أهل العلم يقبلون هذا ويستلمون هذا ، فإن قال فلو قبله مقبل ؟ قلت حسن وأي البيت قبل فحسن غير أنا إنما نأمر بالاتباع وأن نفعل ما فعل زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، فإن قال فكيف لم تأمر باستلام الركنين اللذين يليان الحجر ؟ قلنا له لا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم استلمهما ورأينا أكثر الناس لا يستلمونهما فإن قال فإنا نرى ذلك قلنا الله أعلم أما الحجة في ترك استلامهما فهي كترك استلام ما بقي من البيت فقلنا نستلم ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه دون ما لم ير يستلمه وأما العلة فيهما فنرى أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم فكانا كسائر البيت إذا لم يكونا مستوظفا بهما البيت فإن مسحهما رجل كما يمسح سائر البيت فحسن ، أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي أن ابن عباس كان يمسح على الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح على الأركان كلها ويقول : لا ينبغي لبيت الله أن يكون شيء منه مهجورا . وكان ابن عباس يقول " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .
( قال الشافعي ) كان ابن عباس يخبر { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركن اليماني والحجر دون الشاميين } وبهذا نقول وقول ابن الزبير " لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجورا " ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت الله تعالى ولكنه استلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استلامه ، وقد ترك استلام ما سوى الأركان من البيت فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله شيئا ، أخبرنا سعيد بن سالم عن أبي مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال : ذكر ابن طاوس قال كان لا يدع الركنين أن يستلمهما ، قال : لكن أفضل منه كان يدعهما أبوه
القول في الطواف
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ، { فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وهذا من أحب ما يقال في الطواف إلي ، وأحب أن يقال في كله . }
باب إقلال الكلام في الطواف
أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه سمعه يقول سمعت ابن عمر يقول : أقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة .
( قال الشافعي ) فذهب إلى استحباب قلة الكلام وقوله " في صلاة " في طاعة لا يجوز أن يكون فيها إلا بطهارة الصلاة لأن الكلام يقطع الصلاة ولو كان يقطعه عنده نهى عن قليله وكثيره ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال طفت خلف ابن عمر وابن عباس فما سمعت واحدا منهما متكلما حتى فرغ من طوافه أخبرنا سعيد عن إبراهيم بن نافع الأعور قال طفت مع طاوس وكلمته في الطواف فكلمني ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يكره الكلام في الطواف إلا الشيء اليسير منه إلا ذكر الله وقراءة القرآن .
( قال الشافعي ) وبلغنا أن مجاهدا كان يقرأ القرآن في الطواف .
( قال الشافعي ) وأنا أحب القراءة في الطواف وقد بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في الطواف وكلم } ، فمن تكلم في الطواف فلا يقطع الكلام طوافه وذكر الله فيه أحب إلي من الحديث ، فإن قال قائل فلم إذا أبحت الكلام في الطواف استحببت إقلاله والإقبال على ذكر الله فيه ؟ قيل له إن شاء الله إني لأحب الإقلال من الكلام في الصحراء والمنازل وفي غير موضع منسك إلا بذكر الله عز وجل لتعود منفعة الذكر على الذاكر أو يكون الكلام في شيء من صلاح أمره ، فإذا كان هذا هكذا في الصحراء والبيوت فكيف قرب بيت الله مع عظيم رجاء الثواب فيه من الله ، فإن قال فهل من دليل من الآثار على ما قلت ؟ قلت : نعم . ما ذكرت لك عن ابن عمر وابن عباس " وأستحب القراءة في الطواف " والقراءة أفضل ما تكلم به المرء .
باب الاستراحة في الطواف
( قال الشافعي ) رحمه الله : لا بأس بالاستراحة في الطواف ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا بالاستراحة في الطواف وذكر الاستراحة جالسا
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (88)
صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ195
الطواف راكبا
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمعه يقول : { طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وأشرف لهم لأن الناس غشوه } ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته واستلم الركن بمحجته } ، أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا فقلت : لم ؟ قال لا أدري قال ثم نزل فصلى ركعتين } أخبرنا سفيان بن عيينة عن الأحوص بن حكيم قال رأيت أنس بن مالك يطوف بين الصفا والمروة راكبا على [ ص: 190 ] حمار { وطاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت والصفا والمروة راكبا من غير مرض ولكنه أحب أن يشرف للناس ليسألوه وليس أحد في هذا الموضع من الناس } ، وأكثر ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت والصفا والمروة لنسكه ماشيا ، فأحب إلي أن يطوف الرجل بالبيت والصفا والمروة ماشيا إلا من علة ، وإن طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية . باب الركوب من العلة في الطواف
( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا أكره ركوب المرأة في الطواف بين الصفا والمروة ولا حمل الناس إياها في الطواف بالبيت من علة وأكره أن يركب المرء الدابة حول البيت ، فإن فعل فطاف عليها أجزأه ( قال الشافعي ) فأخبر جابر عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف راكبا ، وأخبر أنه إنما فعل ليراه الناس } وفي هذا دلالة على أنه لم يطف من شكوى ولا أعلمه اشتكى صلى الله عليه وسلم في حجته تلك ، وقد قال سعيد بن جبير طاف من شكوى ولا أدري عمن قبله ، وقول جابر أولى أن يقبل من قوله لأنه لم يدركه .
( قال الشافعي ) أما سبعه الذي طاف لمقدمه فعلى قدميه لأن جابرا المحكي عنه فيه أنه رمل منه ثلاثة ومشى أربعة فلا يجوز أن يكون جابر يحكي عنه الطواف ماشيا وراكبا في ربع واحد وقد حفظ عنه أن سعيه الذي ركب فيه في طوافه يوم النحر ، أخبرنا سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا على راحلته يستلم الركن بمحجنه } وأحسبه قال : ويقبل طرف المحجن .
باب الاضطباع
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطبع بردائه حين طاف } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب استلم الركن ليسعى ثم قال لمن نبدي الآن مناكبنا ومن نرائي وقد أظهر الله الإسلام ؟ والله على ذلك لأسعين كما سعى .
( قال الشافعي ) رحمه الله يعني رمل مضطبعا ( قال الشافعي ) والاضطباع أن يشتمل بردائه على منكبه الأيسر ومن تحت منكبه الأيمن حتى يكون منكبه الأيمن بارزا حتى يكمل سبعة فإذا طاف الرجل ماشيا لا علة به تمنعه الرمل لم أحب أن يدع الاضطباع مع دخوله الطواف وإن تهيأ بالاضطباع قبل دخوله الطواف فلا بأس ، وإن كان في إزار وعمامة أحببت أن يدخلهما تحت منكبه الأيمن ، وكذلك إن كان مرتديا بقميص أو سراويل أو غيره ، وإن كان مؤتزرا لا شيء على منكبيه فهو بادي المنكبين لا ثوب عليه يضطبع فيه ثم يرمل حين يفتتح الطواف فإن ترك الاضطباع في بعض السبع اضطبع فيما بقي منه ، وإن لم يضطبع بحال كرهته له كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة ولا فدية عليه ولا إعادة ، أخبرنا سعيد عن عبد الله بن عمر عن نافع { عن ابن عمر أنه كان يرمل من الحجر إلى الحجر ثم يقول : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من سبعة ثلاثة أطواف خببا ليس بينهن مشي } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى في عمره كلهن الأربع بالبيت وبالصفا والمروة } إلا أنهم [ ص: 191 ] ردوه في الأولى والرابعة من الحديبية ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال : سعى أبو بكر عام حج ; إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر ثم عثمان والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك
( قال الشافعي ) والرمل الخبب لا شدة السعي ثلاثة أطواف لا يفصل بينهن بوقوف إلا أن يقف عند استلام الركنين ثم يمضي خببا ، فإذا كان زحام لا يمكنه معه أن يخب فكان إن وقف وجد فرجة وقف ، فإذا وجد الفرجة رمل ، وإن كان لا يطمع بفرجة لكثرة الزحام أحببت أن يصير حاشية في الطواف فيمكنه أن يرمل فإنه إذا صار حاشية أمكنه أن يرمل ولا أحب ترك الرمل وإن كان إذا صار حاشية منعه كثرة النساء أن يرمل رمل إذا أمكنه الرمل ، ومشى إذا لم يمكنه الرمل سجية مشيه ولم أحب أن يثب من الأرض وثوب الرمل ، وإنما يمشي مشيا ، ويرمل أول ما يبتدئ ثلاثة أطواف ويمشي أربعة ، فإن ترك الرمل في الطواف الأول رمل في الطوافين بعده ، وكذلك إن ترك الرمل في الطوافين الأولين رمل في الطواف بعدهما ، وإن ترك الرمل في الثلاثة لم يقضه في الأربعة ; لأنه هيئة في وقت ، فإذا مضى ذلك الوقت لم يضعه في غير موضعه ، ولم يكن عليه فدية ولا إعادة ; لأنه جاء بالطواف ، والطواف هو الفرض فإن ترك الذكر فيهما لم نحبه ولا إعادة عليه وإن ترك الرمل في بعض طواف رمل فيما بقي منه ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم فرق ما بين سبعة فرقين فرقا رمل فيه وفرقا مشى فيه } ، فلا يرمل حيث مشى النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلي لو لم يمش حيث رمل النبي صلى الله عليه وسلم
( قال الشافعي ) وترك الرمل عامدا ذاكرا وساهيا وناسيا وجاهلا سواء لا يعيد ولا يفتدي من تركه غير أني أكرهه للعامد ولا مكروه فيه على ساه ولا جاهل ، وسواء في هذا كله طواف نسك قبل عرفة وبعدها وفي كل حج وعمرة إذا كان الطواف الذي يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة فإن قدم حاجا أو قارنا فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم زار يوم النحر أو بعده لم يرمل ; لأنه طاف الطواف الذي يصل بينه وبين الصفا والمروة ، وإنما طوافه بعده لتحل له النساء ، وإن قدم حاجا فلم يطف حتى يأتي " منى " رمل في طوافه بالبيت بعد عرفة ، أخبرنا سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه رأى مجاهدا يرمل يوم النحر ، فإن قال قائل : فإنك قد تقول في أشياء يتركها المرء من نسكه يهريق دما فكيف لم تأمره في هذا بأن يهريق دما ؟ قلت إنما آمره إذا ترك العمل نفسه قال : أفليس هذا عمل نفسه ؟ قلت : لا .
الطواف العمل وهذا هيئة في العمل فقد أتى بالعمل على كماله وترك الهيئة فيه والسجود والركوع العمل فإن ترك التسبيح فيهما لم يكن تاركا لعمل يقضيه كما يقضي سجدة لو تركها أو تفسد بها عليه صلاته لو خرج منها قبل أن يكملها بل التسبيح في الركوع والسجود كان أولى أن يفسد من قبل أنه قول وعمل ، والقول عمل والاضطباع والرمل هيئة أخف من التسبيح في الركوع والسجود .
( قال ) وإذا رمل في الطواف فاشتد عليه الزحام تحرك حركة مشيه يقارب وإنما منعني من أن أقول له يقف حتى يجد فرجة ، أنه يؤذى بالوقوف من خلفه ولا أطمع له أن يجد فرجة بين يديه فلو كان في غير مجمع فازدحم الناس لفتح باب الكعبة أو عارض الطواف حيث لا يؤذى بالوقوف من خلفه ويطمع أن ينفرج له ما بين يديه أمرته أن يقف حتى ينفرج ما بين يديه فيمكنه أن يرمل ومتى أمكنه الرمل رمل ، وأحب إلي أن يدنو من البيت في الطواف ، وإن بعد عن البيت وطمع أن يجد السبيل إلى الرمل أمرته بالبعد
باب في الطواف بالراكب مريضا أو صبيا والراكب على الدابة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا طاف الرجل بالصبي أحببت أن يرمل به ، وإن طاف [ ص: 192 ] رجل برجل أحببت إن قدر على أن يرمل به أن يرمل به وإذا طاف النفر بالرجل في محفة أحببت إن قدروا على الرمل أن يرملوا ، وإذا طاف الرجل راكبا فلم يؤذ أحدا أحببت أن يحث دابته في موضع الرمل ، وهذا كله في الرجال
باب ليس على النساء سعي
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال : ليس على النساء سعي بالبيت ولا بين الصفا والمروة . أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء : أتسعى النساء ؟ فأنكره نكرة شديدة أخبرنا سعيد عن رجل عن مجاهد أنه قال رأت عائشة رضي الله عنها النساء يسعين بالبيت فقالت " أما لكن فينا أسوة ؟ ليس عليكن سعي " .
( قال الشافعي ) لا رمل على النساء ، ولا سعي بين الصفا والمروة ولا اضطباع وإن حملن لم يكن على من حملهن رمل بهن وكذلك الصغيرة منهن تحملها الواحدة ، والكبيرة تحمل في محفة ، أو تركب دابة ، وذلك أنهن مأمورات بالاستتار ، والاضطباع والرمل مفارقان للاستتار
باب لا يقال شوط ولا دور
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يكره أن يقول شوط دور للطواف ولكن يقول طواف طوافين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأكره من ذلك ما كره مجاهد ، لأن الله - عز وجل - قال { وليطوفوا بالبيت العتيق } فسمي طوافا ; لأن الله - تعالى - سمى جماعة طوافا .
باب كمال الطواف
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر { عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم ؟ فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال لولا حدثان قومك بالكفر لرددتها على ما كانت عليه } فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم . أخبرنا سفيان قال حدثنا هشام بن حجير عن طاوس فيما أحسب أنه قال عن ابن عباس أنه قال : " الحجر من البيت " قال الله - عز وجل - { وليطوفوا بالبيت العتيق } وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر أخبرنا سفيان قال حدثنا عبد الله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي قال أرسل عمر إلى شيخ من بني زهرة فجئت معه إلى عمر وهو في الحجر فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية فقال الشيخ : أما النطفة فمن فلان وأما الولد فعلى فراش فلان ، فقال عمر " صدقت ولكن { رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالولد للفراش } فلما ولى الشيخ دعاه عمر فقال " أخبرني عن [ ص: 193 ] بناء البيت فقال " إن قريشا كانت تقوت لبناء البيت فعجزوا فتركوا بعضها في الحجر فقال له عمر " صدقت " أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت وسمعت عددا من أهل العلم من قريش يذكرون أنه ترك من الكعبة في الحجر نحوا من ستة أذرع .
( قال الشافعي ) وكمال الطواف بالبيت أن يطوف الرجل من وراء الحجر فإن طاف فسلك الحجر لم يعتد بطوافه الذي سلك فيه الحجر وإن طاف على جدار الحجر لم يعتد بذلك الطواف ; لأنه لم يكمل الطواف بالبيت وكان كل طواف طافه على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جدار الحجر كما لم يطف ، وإذا ابتدأ الطائف الطواف استلم الركن ثم يدعه عن يساره ، ويطوف فإن استلم الركن وتركه عن يمينه وطاف فقد نكس الطواف ولا يعتد بما طاف بالبيت منكوسا ، ومن طاف سعا على ما نهيت عنه من نكس الطواف أو على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جداره كان في حكم من لم يطف ولا يختلفان
باب ما جاء في موضع الطواف
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحجر ووراء شاذروان الكعبة فإن طاف طائف بالبيت وجعل طريقه من بطن الحجر أعاد الطواف وكذلك لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد الطواف فإن قال قائل فإن الله - عز وجل - يقول " وليطوفوا بالبيت العتيق " فكيف زعمت أنه يطوف بالبيت وغيره ؟ قيل له إن شاء الله - تعالى ، أما الشاذروان فأحسبه منشأ على أساس الكعبة ثم مقتصرا بالبنيان عن استيظافه فإذا كان هذا هكذا كان الطائف عليه لم يستكمل الطواف بالبيت إنما طاف ببعضه دون بعض ، وأما الحجر فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت من قواعد إبراهيم فترك في الحجر أذرع من البيت ، فهدمه ابن الزبير وابتناه على قواعد إبراهيم وهدم الحجاج زيادة ابن الزبير التي استوظف بها القواعد ، وهم بعض الولاة بإعادته على القواعد ، فكره ذلك بعض من أشار عليه ، وقال : أخاف أن لا يأتي وال إلا أحب أن يرى له في البيت أثر ينسب إليه والبيت أجل من أن يطمع فيه ، وقد أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه بعده ( قال الشافعي ) والمسجد كله موضع للطواف .
باب في حج الصبي
أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن [ ص: 194 ] { رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت : ألهذا حج ؟ قال نعم ولك أجر } أخبرنا سعيد عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال قال ابن عباس " أيها الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه وإن عتق قبل أن يموت فليحجج ، وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه وإن بلغ فليحجج " أخبرنا سعيد ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال وتقضى حجة العبد عنه حتى يعتق فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة عليه .
( قال الشافعي ) هذا كما قال عطاء إن شاء الله في العبد ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول ابن عباس عندنا هكذا وقوله فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الإسلام لم يأمره أن يحج إذا عتق ويدل على أنه لا يراها واجبة عليه في عبوديته وذلك أنه وغيره من أهل الإسلام لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة لأن الله - عز وجل - يقول { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
باب في الطواف متى يجزئه ومتى لا يجزئه ؟
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والمسجد كله موضع للطواف فمن طاف في المسجد من دون السقاية وزمزم أو من ورائهما أو وراء سقايات المسجد التي أحدثت فحف بها المسجد حتى يكون الطائف من ورائها كلها فطوافه مجزئ عنه لأنه في موضع الطواف ، وأكثر الطائفين محول بينه وبين الطواف بالناس الطائفين والمصلين .
وإن خرج من المسجد فطاف من ورائه لم يعتد بشيء من طوافه خارجا من المسجد ; لأنه في غير موضع الطواف ولو أجزت هذا له أجزت له الطواف لو طافه وهو خارج من الحرم أو في الحرم ، ولو طاف بالبيت منكوسا لم يعتد بطوافه أو لا أحسب أحدا يطوف به منكوسا لأن بحضرته من يعلمه لو جهل ، ولو طاف بالبيت محرما وعليه طواف واجب ولا ينوي ذلك الطواف الواجب ولا ينوي به نافلة أو نذرا عليه من طوافه كان طوافه هذا طوافه الواجب وهكذا ما عمل من عمل حج أو عمرة لأنه إذا أجزأه في الحج والعمرة أن يبتدئه يريد به نافلة فيكون فرضا كان في بعض عمله أولى أن يجزيه ولو طاف بعض طوافه ثم أغمي عليه قبل إكماله فطيف به ما بقي عليه من الطواف لا يعقله من إغماء أو جنون أو عارض ما كان أو ابتدئ به في الطواف مغلوبا على عقله لم يجزه حتى يكون يعقل في السبع كله كما لا تجزئ الصلاة حتى يعقل في الصلاة كلها .
ولو طاف وهو يعقل ثم أغمي عليه قبل كمال الطواف ثم أفاق بعد ذلك ابتدأ الوضوء والطواف قريبا كان أو بعيدا ولو طاف على بعير أو فرس أجزأه ، وقد كثر الناس واتخذوا من يحملهم فيكون أخف على من معه في الطواف من أن يركب بعيرا أو فرسا ولو طاف بالبيت فيما لا يجوز للمحرم أن يلبسه من الثياب كان طوافه مجزئا عنه وكانت عليه الفدية فيما لبس مما ليس له لبسه وهو محرم وهكذا الطواف منتقبا أو متبرقعا .
باب الخلاف في الطواف على غير طهارة
( قال الشافعي ) رحمه الله : فزعم بعض الناس أن الطواف لا يجزي إلا طاهرا وأن المعتمر والحاج [ ص: 195 ] إن طاف بالبيت الطواف الواجب عليه على غير وضوء أمره بالإعادة فإن بلغ بلده لم يأمره بالإعادة ولو طاف جنبا أمره أن يعود من بلده حيث كان فقيل لبعض من يقول قوله : أيعدو الطواف قبل الطهارة أن يكون كما قلنا لا يطوف بالبيت إلا من تحل له الصلاة أو يكون كذكر الله وعمل الحج والعمرة غير الطواف ؟
قال : إن قلت هو كالصلاة وأنه لا يجزي إلا بوضوء قلت فالجنب وغير المتوضئ سواء لأن كلا غير طاهر وكلا غير جائز له الصلاة .
( قال الشافعي ) قلت أجل قال فلا أقوله وأقول هو كغيره من عمل الحج قلت : فلم أمرت من طاف على غير وضوء أن يعيد الطواف ، وأنت تأمره أن يبتدئ على غير وضوء ؟
قال : فإن قلت لا يعيد قلت إذا تخالف السنة قال فإن قلت إنما { أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن لا تطوف بالبيت لئلا يدخل المسجد حائض } .
قلت فأنت تزعم أن المشرك يدخل المسجد الحرام والجنب ، قال : فلا أقول هذا ولكني أقول إنه كالصلاة ولا تجوز إلا بطهارة ولكن الجنب أشد حالا من غير المتوضئ قلت أو تجد بينهما فرقا في الصلاة ؟ قال : لا ، قلت فأي شيء شئت فقل ولا تعدو أن تخالف السنة وقول أكثر أهل العلم ; لأنه لا يكون لغير الطاهر أن يطوف بالبيت ، أو تقول لا يطوف به إلا طاهر فيكون تركك أن تأمره أن يرجع حيث كان ويكون كمن لم يطف تركا لأصل قولك
باب كمال عمل الطواف أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك وعبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وأخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف بالبيت ومشى أربعة ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة } .
( قال الشافعي ) فمن طاف بالبيت أقل من سبعة أطواف بخطوة واحدة فلم يكمل الطواف ، وإن طاف بعده بين الصفا والمروة فهو في حكم من لم يسع بين الصفا والمروة ولا يجزيه أن يسعى بين الصفا والمروة إلا بعد كمال سبع تام بالبيت ، وإن كان معتمرا فصدر إلى أهله فهو محرم كما كان يرجع فيبتدئ أن يطوف سبعا بالبيت وبين الصفا والمروة سبعا ، ثم يحلق أو يقصر وإن كان حلق قبل ذلك فعليه دم للحلاق قبل أن يحل ولا أرخص له في قطع الطواف بالبيت إلا من عذر وذلك أن تقام الصلاة فيصليها ثم يعود فيبني على طوافه من حيث قطع عليه ، فإن بنى من موضع لم يعد فيه إلى الموضع الذي قطع عليه منه ألغي ذلك الطواف ولم يعتد به .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (89)
صــــــــــ 196 الى صـــــــــــ200
( قال الشافعي ) : أو يصيبه زحام فيقف لا يكون ذلك قطعا أو يعيا فيستريح قاعدا فلا يكون ذلك قطعا أو ينتقض وضوءه فيخرج فيتوضأ وأحب إلي إذا فعل أن يبتدئ الطواف ولا يبني على طوافه ، وقد قيل : يبني ويجزيه إن لم يتطاول فإذا تطاول ذلك لم يجزه إلا الاستئناف ولا يجزيه أن يطوف إلا في المسجد لأن المسجد موضع الطواف ويجزيه أن يطوف في المسجد ، وإن حال دون الكعبة شيء نساء أو جماعة ناس أو سقايات أو أساطين المسجد أجزأه ما لم يخرج من المسجد فإن خرج فطاف لم يعتد بما طاف خارجا من المسجد قل أو كثر ، ولو أجزت له أن يطوف خارجا من المسجد أجزت له أن يطوف من وراء الجبال إذا لم يخرج من الحرم ، فإن خرج من باب من أبواب المسجد ثم دخل من آخر فإن كان الباب الذي دخل منه يأتي على الباب الذي خرج منه ، اعتد بذلك الطواف لأنه قد أتى على [ ص: 196 ] الطواف ورجع في بعضه ، وإن كان لا يأتي عليه لم يعتد بذلك الطواف
باب الشك في الطواف ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي يشك أصلى ثلاثا أو أربعا ؟ أن يصلي ركعة فكان في ذلك إلغاء الشك والبناء على اليقين فكذلك إذا شك في شيء من الطواف صنع مثل ما يصنع في الصلاة فألغى الشك وبنى على اليقين إلا أنه ليس في الطواف سجود سهو ولا كفارة ( قال ) وكذلك إذا شك في وضوئه في الطواف ، فإن كان على يقين من وضوئه وشك من حدثه أجزأه الطواف كما تجزئه الصلاة ، فإن كان على يقين من حدثه وفي شك من وضوئه لم يجزه الطواف كما لا تجزيه الصلاة
باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا طاف في ثوب نجس أو على جسده نجاسة أو في نعليه نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد في الصلاة وكان في حكم من لم يطف وانصرف فألقى ذلك الثوب وغسل النجاسة عن جسده ثم رجع فاستأنف لا يجزيه من الطهارة في نفسه وبدنه وما عليه إلا ما يجزيه في الصلاة ومن طاف بالبيت فكالمصلي في الطهارة خاصة ، وإن رعف أو قاء انصرف فغسل الدم عنه والقيء ثم رجع فبنى ، وكذلك إن غلبه حدث انصرف فتوضأ ورجع فبنى وأحب إلي في هذا كله لو استأنف ( قال ) ولو طاف ببعض ما لا تجزيه به الصلاة ثم سعى أعاد الطواف والسعي ولا يكون له أن يعتد بالسعي حتى يكمل الطواف بالبيت ولو انصرف إلى بلده رجع حتى يطوف ويسعى هذا الطواف على الطهارة ، وجماع هذا أن يكون من طاف بغير كمال الطهارة في نفسه ولباسه فهو كمن لم يطف .
( قال الشافعي ) وأختار إن قطع الطائف الطواف فتطاول رجوعه أن يستأنف فإن ذلك احتياط وقد قيل : لو طاف اليوم طوافا وغدا آخر أجزأ عنه ; لأنه عمل بغير وقت .
باب الطواف بعد عرفة
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } .
( قال الشافعي ) فاحتملت الآية أن تكون على طواف الوداع ; لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث واحتملت أن تكون على الطواف بعد منى وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب وذلك قضاء التفث وذلك أشبه معنييها بها ; لأن الطواف بعد منى واجب على الحاج والتنزيل كالدليل على إيجابه والله أعلم ، وليس هكذا طواف الوداع ( قال الشافعي ) إن كانت نزلت في الطواف بعد " منى " دل ذلك على إباحة الطيب ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر الناس أن [ ص: 197 ] يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال " لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت " .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض أن تنفر قبل أن تطوف طواف الوداع دلالة على أن ترك طواف الوداع لا يفسد حجا ، والحج أعمال متفرقة منها شيء إذا لم يعمله الحاج أفسد حجه ، وذلك الإحرام وأن يكون عاقلا للإحرام وعرفة فأي هذا ترك لم يجزه عنه حجه .
( قال الشافعي ) ومنها ما إذا تركه لم يحل من كل إحرامه وكان عليه أن يعمله في عمره كله ، وذلك الطواف بالبيت والصفا والمروة الذي يحل به إلا النساء وأيهما ترك رجع من بلده وكان محرما من النساء حتى يقضيه ، ومنها ما يعمل في وقت فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بدله وعليه الفدية مثل المزدلفة والبيتوتة ب " منى " ورمي الجمار ، ومنها ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ولو لم يرجع لزمه الدم وذلك مثل الميقات في الإحرام ومثله - والله أعلم - طواف الوداع ; لأنهما عملان أمر بهما معا فتركهما فلا يتفرقان عندي فيما يجب عليه من الفدية في كل واحد منهما قياسا على مزدلفة ، والجمار والبيتوتة ليالي " منى " ; لأنه نسك قد تركه وقد أخبرنا عن ابن عباس أنه قال " من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما " فإن قال قائل : طواف الوداع طواف مأمور به ، وطواف الإحلال من الإحرام طواف مأمور به وعملان في غير وقت متى جاء بهما العامل أجزأ عنه فلم لم تقس الطواف بالطواف ؟ قيل له بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينهما والدلالة بما لا أعلم فيه مخالفا فإن قال قائل وأين الدلالة ؟ قيل له لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع وأرخص للحائض أن تنفر بلا وداع فاستدللنا على أن الطواف للوداع لو كان كالطواف للإحلال من الإحرام لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه ألا ترى أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن صفية : أطافت بعد النحر ؟ فقيل : نعم ، فقال : فلتنفر } .
( قال الشافعي ) وهذا إلزامها المقام للطواف بعد النحر وتخفيف طواف الوداع .
( قال الشافعي ) ولا يخفف ما لا يحل المحرم إلا به أولا ترى أن من طاف بعد الجمرة والنحر والحلاق حل له النساء وهو إذا حل له النساء خارج من أحرم الحج بكمال الخروج ومن خرج من إحرام الحج لم يفسده عليه ما تركه بعده وكيف يفسد ما خرج منه ؟ وهذا يبين أن ترك الميقات لا يفسد حجا ; لأنه يكون محرما وإن جاوز الميقات وأن من دون الميقات يهل فيجزي عنه ، والشيء المفسد للحج إذا ترك ما لا يجزي أحدا غير فعله وقد يجزي عالما أن يهلوا دون الميقات إذا كان أهلوهم دونه ، ويدل على أن ترك البيتوتة ليالي " منى " وترك رمي الجمار لا يفسد الحج
باب ترك الحائض الوداع
أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت { حاضت صفية بعد ما أفاضت فذكرت حيضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت يا رسول الله [ ص: 198 ] إنها حاضت بعد ما أفاضت قال فلا إذا } أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة { أن صفية بنت حيي حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك فقال فلا إذا } .
أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة { أن صفية حاضت يوم النحر فذكرت عائشة حيضتها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت : إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك قال فلتنفر إذا } أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها حابستنا فقالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال فلا إذا } .
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة قال عروة قالت عائشة ونحن نذكر ذلك فلم يقدم الناس نساءهم إن كان لا ينفعهم ولو كان ذلك الذي يقول لأصبح " بمنى " أكثر من ستة آلاف امرأة حائض .
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم { عن طاوس قال كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ؟ قال : نعم ، قال فلا تفت بذلك قال فقال ابن عباس إما لا ، فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال فرجع إليه زيد بن ثابت يضحك ويقول ما أراك إلا قد صدقت } ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي حسين قال { اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة الحائض فقال ابن عباس تنفر ، وقال زيد لا تنفر ، فقال له ابن عباس سل ، فسأل أم سليم وصواحباتها قال فذهب زيد فلبث عنه ثم جاءه وهو يضحك فقال القول ما قلت } أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن فإن حضن بعد ذلك لم تنتظر بهن أن يطهرن تنفر بهن وهن حيض .
أخبرنا سفيان عن أيوب عن القاسم بن محمد أن عائشة كانت تأمر النساء أن يعجلن الإفاضة مخافة الحيض ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال : جلست إلى ابن عمر فسمعته يقول { لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } فقلت ما له أما سمع ما سمع أصحابه ؟ ثم جلست إليه من العام المقبل فسمعته يقول زعموا أنه رخص للمرأة الحائض .
( قال الشافعي ) كأن ابن عمر - والله أعلم - سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة للحائض فقال به على العام وهكذا ينبغي له ولمن سمع عاما أن يقول به فلما بلغه الرخصة للحائض ذكرها وأخبرنا عن ابن شهاب قال جلت عائشة للنساء عن ثلاث ، لا صدر لحائض إذا أفاضت بعد المعرف ثم حاضت قبل الصدر وإذا طافت المرأة طواف الزيارة الذي يحلها لزوجها ثم حاضت نفرت بغير وداع ، ولا فدية عليها وإن طهرت قبل أن تنفر فعليها الوداع كما يكون على التي لم تحض من النساء ، وإن خرجت من بيوت مكة كلها قبل أن تطهر ثم طهرت لم يكن عليها الوداع ، وإن طهرت في البيوت كان عليها الوداع ، وكذلك لو رأت الطهر فلم تجد ماء كان عليها الوداع كما تكون عليها الصلاة ، فإن كانت مستحاضة طافت في الأيام التي تصلي فيها فإن بدأت بها الاستحاضة قلنا لها ، تقف حتى تعلم قدر حيضتها واستحاضتها فنفرت فعلمنا أن اليوم الذي نفرت فيه يوم طهر كان عليها دم لترك الوداع ، وإن كان يوم حيض لم يكن عليها دم
[ ص: 199 ] باب تحريم الصيد
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله - عز وجل { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } .
( قال الشافعي ) والبحر اسم جامع فكل ما كثر ماؤه واتسع قيل هذا بحر فإن قال قائل فالبحر المعروف البحر هو المالح قيل نعم ويدخل فيه العذب وذلك معروف عند العرب فإن قال فهل من دليل عليه في كتاب الله قيل نعم قال الله عز وجل { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا }
ففي الآية دلالتان إحداهما أن البحر العذب والمالح وأن صيدهما مذكور ذكرا واحدا فكل ما صيد في ماء عذب أو بحر قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمحرم حلال وحلال اصطياده وإن كان في الحرم لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمحرم لا يختلف ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أحل له ما يعيش في البحر من ذلك وأنه أحل كل ما يعيش في مائه لأنه صيده وطعامه عندنا ما ألقي وطفا عليه والله أعلم ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير تكلف كتكلف صيده فكان هذا داخلا في ظاهر جملة الآية والله أعلم فإن قال قائل فهل من خبر يدل على هذا قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سأل عن صيد الأنهار وقلات المياه أليس بصيد البحر قال بلى وتلا { هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا } أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء عن حيتان بركة القسري وهي بئر عظيمة في الحرم أتصاد قال نعم ولوددت أن عندنا منه
باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه
( قال الشافعي ) ذكر الله - عز وجل - صيد البحر جملة ومفسرا ، فالمفسر من كتاب الله - عز وجل - يدل على معنى المجمل منه بالدلالة المفسرة المبينة والله أعلم ، قال الله - تعالى - : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلما أثبت الله - عز وجل - إحلال صيد البحر وحرم صيد البر ما كانوا حرما ، دل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كانوا حرما ، ما كان أكله حلالا لهم قبل الإحرام ; لأنه - والله أعلم - لا يشبه أن يكون حرم بالإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله ، فأما ما كان محرما على الحلال فالتحريم الأول كف منه ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنى ما قلت وإن كان بينا في الآية والله أعلم .
أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور }
باب قتل الصيد خطأ
( قال الشافعي ) قال الله - تبارك وتعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا } ( قال الشافعي ) يجزي الصيد من قتله عمدا أو خطأ ، فإن قال قائل : إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد [ ص: 200 ] عمدا وكيف أوجبته على قاتله خطأ ؟ قيل له إن شاء الله : إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ ؟ قيل أوجبته في الخطأ قياسا على القرآن والسنة والإجماع فإن قال فأين القياس على القرآن ؟ قيل قال الله - عز وجل - في قتل الخطأ { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وقال { فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } فلما كانت النفسان ممنوعتين بالإسلام والعهد فأوجب الله - عز وجل - فيهما بالخطأ ديتين ورقبتين كان الصيد في الإحرام ممنوعا بقول الله - عز وجل - { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى { هديا بالغ الكعبة } .
ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان أو طائر أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى قال الله - عز وجل - { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلما كان الصيد محرما كله في الإحرام وكان الله - عز وجل - حكم في شيء منه بعدل بالغ الكعبة كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لا يتفرق كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطإ ، فإن قال قائل : فمن قال هذا معك ؟ قيل الحجة فيه ما وصفت وهي عندنا مكتفى بها وقد قاله ممن قبلنا غيرنا قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء قول الله - عز وجل - { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا } قلت له فمن قتله خطأ أيغرم ؟ قال : نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت الناس يغرمون في الخطإ .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل فهل شيء أعلى من هذا ؟ قيل شيء يحتمل هذا المعنى ، ويحتمل خلافه فإن قال ما هو ؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قريب ( قال الشافعي ) فيحتمل أن يكونا أوطآ الضب مخطئين بإيطائه وأوطآه عامدين له فقال لي قائل هل ذهب أحد في هذا خلاف مذهبك ؟ فقلت : نعم قال فاذكره قلت : أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول : ومن قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا لحرمه أو أراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفر عنه من النعم قال فما يعني بقوله فقد أحل ؟
قلت أحسبه يذهب إلى أحل عقوبة الله ، قال أفتراه يريد أحل من إحرامه ؟ قلت ما أراه ولو أراده كان مذهب من أحفظ عنه خلافه ولم يلزم بقوله حجة ، قال فما جماع معنى قوله في الصيد ؟ قلت إنه لا يكفر العمد الذي لا يخلطه خطأ ، ويكفر العمد الذي يخلطه الخطأ .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (90)
صــــــــــ 201 الى صـــــــــــ205
( قال ) فنصه ، قلت يذهب إلى أنه إن عمد قتله ونسي إحرامه ففي هذا خطأ من جهة نسيان الإحرام وإن عمد غيره فأصابه ففي هذا [ ص: 201 ] خطأ من جهة الفعل الذي كان به القتل ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { ومن قتله منكم متعمدا } لقتله ناسيا لحرمه فذلك الذي يحكم عليه ومن قتله متعمدا لقتله ذاكرا لحرمه لم يحكم عليه ، قال عطاء : يحكم عليه ويقول عطاء نأخذ ، فإن قال قائل فهل يخالف هذين المذهبين أحد ؟ قلت : نعم ، قال غيرهم من أهل العلم : يحكم على من قتله عمدا ، ولا يحكم على من قتله خطأ بحال
باب من عاد لقتل الصيد
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن قتل صيدا فحكم عليه ثم عاد لآخر قال يحكم عليه كلما عاد أبدا فإن قال قائل ومن أين قلته ؟ قلت إذا لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الأول لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الثاني وكل ما بعده كما يكون عليه لو قتل نفسا ديته وأنفسا بعده دية دية ، في كل نفس وكما يكون عليه لو أفسد متاعا لأحد ثم أفسد متاعا لآخر ثم أفسد متاعا كثيرا بعده قيمة ما أفسد في كل حال فإن قال فما قول الله - عز وجل - { ومن عاد فينتقم الله منه } ففي هذا دلالة على أنه لا يحكم عليه ؟ .
( قال الشافعي ) ما يبلغ علمي أن فيه دلالة على ذلك فإن قال قائل فما معناه ؟ قيل الله أعلم ما معناه أما الذي يشبه معناه - والله أعلم - فأن يجب عليه بالعود النقمة وقد تكون النقمة بوجوه ، في الدنيا المال وفي الآخرة النار .
فإن قال فهل تجد ما يدل على ما وصفت في غير هذه الآية أو على ما يشبهه ؟ قيل : نعم قال الله - تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } وجعل الله القتل على الكفار والقتل على القاتل عمدا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولي المقتول وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقط حكم غيرها في الدنيا قال الله - تبارك وتعالى - : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جلدا فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول ولو انبغى أن يفرقا كان في الزنا الآخر والقتل الآخر أولى ولم يطرح ، فإن قال أفرأيت من طرحه على معنى أنه عمد مأثم فأول ما قتل من الصيد عمدا يأثم به فكيف حكم عليه ؟
فقلت حكم الله - تعالى - عليه فيه ، ولو كان كما تقول كان أولى أن لا يعرض له في عمد المأثم فإذا كان الابتداء على أنه عمد مأثم فالثاني مثله فإن قال فهل قال هذا معك أحد غيرك ؟ قيل : نعم . فإن قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المحرم يقتل الصيد عمدا : يحكم عليه كلما قتل فإن قال قائل فما قول الله - عز وجل - { عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه } قيل - الله أعلم - بمعنى ما أراد فأما عطاء بن أبي رباح فيذهب إلى { عفا الله عما سلف } في الجاهلية ومن عاد في الإسلام بعد التحريم لقتل صيد مرة فينتقم الله منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله - عز وجل - { عفا الله عما سلف } قال عفا [ ص: 202 ] الله عما كان في الجاهلية قلت وقوله { ومن عاد فينتقم الله منه } قال ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه في ذلك الكفارة زيادة قال وإن عمد فعليه الكفارة ؟ قلت له : هل في العود من حد يعلم ؟ قال لا . قلت : أفترى حقا على الإمام أن يعاقبه فيه : قال : لا ، ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله - تعالى - ويفتدي
( قال الشافعي ) ولا يعاقبه الإمام فيه ; لأن هذا ذنب جعلت عقوبته فديته إلا أن يزعم أنه يأتي ذلك عامدا مستخفا
باب أين محل هدي الصيد ؟
( قال الشافعي ) قال الله - تعالى - { هديا بالغ الكعبة } ( قال الشافعي ) فلما كان كل ما أريد به هدي من ملك ابن آدم هديا كانت الأنعام كلها وكل ما أهدى فهو بمكة والله أعلم ولو خفي عن أحد أن هذا هكذا ما انبغى - والله أعلم - أن يخفى عليه إذا كان الصيد إذا جزى بشيء من النعم لا يجزئ فيه إلا أن يجزئ بمكة فعلم أن مكة أعظم أرض الله - تعالى - حرمة وأولاه أن تنزه عن الدماء لولا ما عقلنا من حكم الله في أنه للمساكين الحاضرين بمكة ، فإذا عقلنا هذا عن الله - عز وجل - فكان جزاء الصيد بطعام لم يجز - والله أعلم - إلا بمكة وكما عقلنا عن الله ذكر الشهادة في موضعين من القرآن بالعدل وفي مواضع فلم يذكر العدل وكانت الشهادات وإن افترقت تجتمع في أنه يؤخذ بها اكتفينا أنها كلها بالعدل ، ولم نزعم أن الموضع الذي لم يذكر الله - عز وجل - فيه العدل معفو عن العدل فيه ، فلو أطعم في كفارة صيد بغير مكة لم يجز عنه وأعاد الإطعام بمكة أو ب منى فهو من مكة ; لأنه لحاضر الحرم ومثل هذا كل ما وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى أو طيب أو لبس أو غيره لا يخالفه في شيء ; لأن كله من جهة النسك والنسك إلى الحرم ، ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم ( قال ) ومن حضر الكعبة حين يبلغها الهدي من النعم أو الطعام من مسكين كان له أهل بها أو غريب ; لأنهم إنما أعطوا بحضرتها ، وإن قل فكان يعطي بعضهم دون بعض أجزأه أن يعطي مساكين الغرباء دون أهل مكة ومساكين أهل مكة دون مساكين الغرباء وأن يخلط بينهم ، ولو آثر به أهل مكة ; لأنهم يجمعون الحضور والمقام لكان كأنه أسرى إلى القلب والله أعلم ، فإن قال قائل : فهل قال هذا أحد يذكر قوله ؟ قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء { فجزاء مثل ما قتل من النعم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين } قال من أجل أنه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال له مرة أخرى يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة قال الله - عز وجل - { هديا بالغ الكعبة } قال فيتصدق بمكة .
( قال الشافعي ) يريد عطاء : ما وصفت من الطعام ، والنعم كله هدي ، والله أعلم .
باب كيف يعدل الصيام
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { أو عدل ذلك صياما } الآية ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه [ ص: 203 ] قال لعطاء ما قوله { أو عدل ذلك صياما } ؟ قال إن أصاب ما عدله شاة فصاعدا أقيمت الشاة طعاما ثم جعل مكان كل مد يوما يصومه .
( قال الشافعي ) وهذا إن شاء الله كما قال عطاء وبه أقول وهكذا بدنة إن وجبت وهكذا مد إن وجب عليه في قيمة شيء من الصيد صام مكانه يوما وإن أصاب من الصيد ما قيمته أكثر من مد وأقل من مدين صام يومين وهكذا كل ما لم يبلغ مدا صام مكانه يوما أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء هذا المعنى .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل فمن أين قلت مكان المد صيام يوم وما زاد على مد مما لا يبلغ مدا آخر صوم يوم ؟ قلت قلته معقولا وقياسا ، فإن قال : فأين القياس به والمعقول فيه ؟ قلت أرأيت إذا لم يكن لمن قتل جرادة أن يدع أن يتصدق بقيمتها ثمرة أو لقمة ; لأنها محرمة مجزية لا تعطل بقلة قيمتها ثم جعل فيها قيمتها فإذا بدا له أن يصوم هل يجد من الصوم شيئا يجزيه أبدا أقل من يوم ؟ فإن قال : لا ، قلت فبذلك عقلنا أن أقل ما يجب من الصوم يوم وعقلنا وقسنا أن الطلاق إذا كان لا يتبعض فأوقع إنسان بعض تطليقة لزمته تطليقة ، وعقلنا أن عدة الأمة إذا كانت نصف عدة الحرة فلم تتبعض الحيضة نصفين فجعلنا عدتها حيضتين .
باب الخلاف في عدل الصيام والطعام
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله قال لي بعض الناس : إذا صام عن جزاء الصيد صام عن كل مد يوما ، وإذا أطعم منه في كفارة اليمين أطعم كل مسكين مدين وقال هل رويت في هذا عن أصحابك شيئا يوافق قولنا ويخالف قولك ؟ قلت نعم أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا كان يقول مكان كل مدين يوما فقال : وكيف لم تأخذ بقول مجاهد وأخذت بقول عطاء يطعم المسكين حيث وجب إطعامه مدا إلا في فدية الأذى فإنك قلت يطعمه مدين ولم لم تقل إذ قلت في فدية الأذى يطعمه مدين في كل موضع ؟ .
( قال الشافعي ) فقلت له يجمع بين مسألتيك جواب واحد إن شاء الله قال فاذكره .
( قال الشافعي ) أصل ما ذهبنا إليه نحن وأنت ومن نسبناه معنا إلى الفقه فالفرض عليه في تأدية ما يجب عليه من أن لا يقول إلا من حيث يعلم ويعلم أن أحكام الله جل ثناؤه ثم أحكام رسوله من وجهين يجمعهما معا أنهما تعبد ثم في التعبد وجهان فمنه تعبد لأمر أبان الله - عز وجل - أو رسوله سببه فيه أو في غيره من كتابه أو سنة رسوله فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه ومنه ما هو تعبد لما أراد الله عز شأنه مما علمه وعلمنا حكمه ولم نعرف فيه ما عرفنا مما أبان لنا في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فأدينا الفرض في القول به والانتهاء إليه ، ولم نعرف في شيء له معنى فنقيس عليه
وإنما قسنا على ما عرفنا ولم يكن لنا علم إلا ما علمنا الله جل ثناؤه فقال :
هذا كله كما وصفت لم أسمع أحدا من أهل التكشيف قال بغيره فقفني منه على أمر أعرفه فإن أصحابنا يعطون هذه الجملة كما وصفت لا يغادرون منها حرفا وتختلف أقاويلهم إذا فرعوا عليها فقلت فأقبل منهم الصواب وأرد عليهم الغفلة قال : إن ذلك للازم لي وما يبرأ آدمي رأيته من غفلة طويلة ولكن أنصب لما قلت مثالا فقلت : أرأيت إذ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة قلنا وقلت قيمتها خمسون دينارا وهو لو كان حيا كانت فيه ألف دينار أو ميتا لم يكن فيه شيء وهو لا يخلو أن يكون ميتا أو حيا فكان مغيب [ ص: 204 ] المعنى يحتمل الحياة والموت إذا جنى عليه فهل قسنا عليه ملففا أو رجلا في بيت يمكن فيهما الموت والحياة وهما مغيبا المعنى ؟
قال : لا ، قلت ولا قسنا عليه شيئا من الدماء ؟ قال : لا قلت ولم ؟ قال : لأنا تعبدنا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولم نعرف سبب ما حكم له به قلت فهكذا قلنا في المسح على الخفين لا يقاس عليهما عمامة ولا برقع ولا قفازان قال وهكذا قلنا فيه ; لأن فيه فرض وضوء وخص منه الخفان خاصة فهو تعبد لا قياس عليه قلت وقسنا نحن وأنت إذ قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الخراج بالضمان أن الخدمة كالخراج قال : نعم قلت : لأنا عرفنا أن الخراج حادث في ملك المشتري وضمنه منه ولم تقع عليه صفقة البيع قال : نعم ، وفي هذا كفاية من جملة ما أردت ودلالة عليه من أن سنة مقيس عليها وأخرى غير مقيس عليها ، وكذلك القسامة لا يقاس عليها غيرها ولكن أخبرني بالأمر الذي له اخترت أن لكل مسكين مدا إلا في فدية الأذى إذا ترك الصوم فإما أن يصوم مكان كل مد يوما فيكون صوم يوم مكان مد فإن ثبت لك المد صحيح لا أسألك عنه إلا فيما قلت إن صوم اليوم يقوم مقام إطعام مسكين فقلت له حكم الله - عز وجل - على المظاهر إذا عاد لما قال { فتحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } فكان معقولا أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يوما كإطعام ستين مسكينا وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم قال فهل من دليل مع هذا ؟ قلت نعم { أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصيب لأهله نهارا في شهر رمضان هل تجد ما تعتق ؟ قال : لا ، فسأله هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ فقال لا . فسأله هل تقدر أن تطعم ستين مسكينا ؟ فقال : لا ، فأعطاه عرق تمر فأمره أن يتصدق به على ستين مسكينا فأدى المؤدي } للحديث أن في العرق خمسة عشر صاعا قال أو عشرين ، ومعروف أن العرق يعمل على خمسة عشر صاعا ليكون الوسق به أربعة فذهبنا إلى أن إطعام المسكين مد طعام ومكان إطعام المسكين صوم يوم ، قال : أما صوم يوم مكان كل مسكين فكما قلت ، وأما إطعام المسكين مدا فإذا قال أو عشرين صاعا قلت فهذا مد وثلث لكل مسكين قال : فلم لا تقول به ؟ قلت فهل علمت أحدا قط قال إلا مدا أو مدين ؟ قال : لا قلت فلو كان كما قلت أنت كنت أنت قد خالفته ولكنه احتياط من المحدث ، وهذا كما قلت في العرق خمسة عشر صاعا
وعلى ذلك كانت تعمل فيما أخبرني غير واحد من أهل العلم باليمن أنهم كانوا يجعلونها معايير كالمكاييل على خمسة عشر صاعا بالتمر ، قال : فقد زعمت أن الكفارة في الطعام وإصابة المرأة تعبد لأمر قد عرفته وعرفناه معك فأبن أن الكفارة في فدية الأذى وغيرها تعبد لا يقاس عليه
قلت : أليس { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة في الطعام فرقا بين ستة مساكين } فكان ذلك مدين مدين ؟ قال : بلى قلت وأمره فقال : أو صم ثلاثة أيام ؟ قال : بلى
قلت : وقال : " أو انسك شاة " قال : بلى قلت : فلو قسنا الطعام على الصوم أما نقول صوم يوم مكان إطعام مسكينين ؟ قال : بلى ، قلت : ولو قسنا الشاة بالصوم كانت شاة عدل صيام ثلاثة أيام ؟ قال : بلى قلت : وقد قال الله - عز وجل - في المتمتع { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } فجعل البدل من شاة صوم عشرة أيام قال : نعم وقلت : قال الله - عز وجل - { فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية فجعل الرقبة مكان إطعام عشرة مساكين قال : نعم
قلت : والرقبة في الظهار والقتل مكان ستين يوما ، قال : نعم وقد بان أن صوم ستين يوما أولى بالقرب من الرقبة من صوم عشرة وبان لي أن صوم يوم أولى بإطعام مسكين منه بإطعام مسكينين ; لأن صوم يوم جوع يوم ، وإطعام مسكين إطعام يوم ، فيوم بيوم أولى أن يقاس عليه من يومين بيوم وأوضح من أنها أولى [ ص: 205 ] الأمور بالقياس قال : فهل فيه من أثر أعلى من قول عطاء ؟
قلت : نعم ، أخبرنا مالك ( قال الشافعي ) قال فهل خالفك في هذا غيرك من أهل ناحيتك ؟
فقلت : نعم زعم منهم زاعم ما قلت : من أن الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام قال فلعل مد هشام مدان فيكون أراد قولنا مدين وإنما جعل مد هشام علما
قلت : لا ، مد هشام ، مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد ونصف ( قال الشافعي ) فقال فالغني بالمسألة عن هذا القول - إذا كان كما وصفت - غني بما لا يعيد ولا يبدي كيف جاز لأحد أن يزعم أن الكفارات بمد مختلف ؟
أرأيت لو قال له إنسان هي بمد أكبر من مد هشام أضعافا ، والطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم وما سواه بمد محدث الذي هو أكبر من مد هشام ، أو رأيت الكفارات إذ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كيف جاز أن تكون بمد رجل لم يخلق أبوه ولعل جده لم يخلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال الناس هي مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فما أدخل مدا وكسرا ؟
هذا خروج من قول أهل الدنيا في الكفارات ( قال الشافعي ) وقلت له : وزعم بعض أهل ناحيتنا أيضا أن على غير أهل المدينة من الكفارات أكثر مما على أهل المدينة ; لأن الطعام فيهم أوسع منه بالمدينة قال : فما قلت : لمن قال هذا ؟
( قال الشافعي ) فقلت له : أرأيت الذين يقتاتون الفث والذين يقتاتون اللبن والذين يقتاتون الحنظل والذين يقتاتون الحيتان لا يقتاتون غيرها والذين السعر عندهم أغلى منه بالمدينة بكثير كيف يكفرون ينبغي في قولهم أن يكفروا أقل من كفارة أهل المدينة ويكفرون من الدخن وهو نبات يقتاته بعض الناس في الجدب ؟
وينبغي إذا كان سعر أهل المدينة أرخص من سعر أهل بلد أن يكون من يكفر في زمان غلاء السعر ببلد أقل كفارة من أهل المدينة إن كان إنما زعم أن هذا لغلاء سعر أهل المدينة وقيل له هل رأيت من فرائض الله شيئا خفف عن أحد أو اختلفوا في صلاة أو زكاة أو حد أو غيره ؟
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (91)
صــــــــــ 206 الى صـــــــــــ210
( قال الشافعي )
قلت : فما ينبغي أن يعارض بقول من قال هذا ( قال الشافعي ) وزعم زاعم غير قائل هذا أنه قال : الطعام حيث شاء المكفر في الحج والصوم كذلك .
( قال الشافعي ) فقيل له : لئن زعمت أن الدم لا يكون إلا بمكة ما ينبغي أن يكون الطعام إلا بمكة كما قلت ; لأنهما طعامان . قال فما حجتك في الصوم ؟
قلت : أذن الله للمتمتع أن يكون من صومه ثلاث في الحج وسبعة إذا رجع ولم يكن في الصوم منفعة لمساكين الحرم وكان على بدن الرجل فكان عملا بغير وقت فيعمله حيث شاء
باب هل لمن أصاب الصيد أن يفديه بغير النعم ؟
( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به [ ص: 206 ] ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } إلى قوله { صياما } فكان المصيب مأمورا بأن يفديه وقيل له من النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما فاحتمل أن يكون جعل له الخيار بأن يفتدي بأي ذلك شاء ولا يكون له أن يخرج من واحد منها وكان هذا أظهر معانيه ، وأظهرها الأولى بالآية ، وقد يحتمل أن يكون أمر بهدي إن وجده فإن لم يجده فطعام فإن لم يجده فصوم كما أمر في التمتع وكما أمر في الظهار ، والمعنى الأول أشبههما وذلك أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كعب بن عجرة بأن يكفر بأي الكفارات شاء في فدية الأذى } وجعل الله - تعالى - إلى المولى أن يفيء أو يطلق وإن احتمل الوجه الآخر فإن قال قائل : فهل قال ما ذهبت إليه غيرك ؟
قيل : نعم أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال { هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } قال عطاء فإن أصاب إنسان نعامة كان عليه إن كان ذا يسار أن يهدي جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما أيتهن شاء من أجل قول الله - عز وجل - { فجزاء } كذا وكذا وكل شيء في القرآن أو أو فليختر منه صاحبه ما شاء قال ابن جريج فقلت لعطاء أرأيت إن قدر على الطعام ألا يقدر على عدل الصيد الذي أصاب ؟ قال ترخيص الله عسى أن يكون عنده طعام وليس عنده ثمن الجزور وهي الرخصة
( قال الشافعي ) إذا جعلنا إليه ذلك كان له أن يفعل أية شاء وإن كان قادرا على اليسير معه والاختيار والاحتياط له أن يفدي بنعم فإن لم يجد فطعام ، وأن لا يصوم إلا بعد الإعواز منهما أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار في قول الله - عز وجل - { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } له أيتهن شاء .
أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال كل شيء في القرآن أو أو ، له أية شاء قال ابن جريج إلا في قوله { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } فليس بمخير فيها .
( قال الشافعي ) وكما قال ابن جريج وعمرو في المحارب وغيره في هذه المسألة أقول قيل للشافعي فهل قال أحد ليس هو بالخيار ؟
فقال : نعم ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم قال : من أصاب من الصيد ما يبلغ فيه شاة فذلك الذي قال الله { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وأما { أو كفارة طعام مساكين } فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي العصفور يقتل فلا يكون فيه هدي قال { أو عدل ذلك صياما } عدل النعامة وعدل العصفور قال ابن جريج فذكرت ذلك لعطاء ، فقال عطاء كل شيء في القرآن أو أو يختار منه صاحبه ما شاء .
( قال الشافعي ) وبقول عطاء في هذا أقول قال الله - عز وجل - في جزاء الصيد { هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } وقال جل ثناؤه { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وروي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لكعب بن عجرة ، أي ذلك فعلت أجزأك } .
( قال الشافعي ) ووجدتهما معا فدية من شيء أفيت قد منع المحرم من إفاتته الأول الصيد والثاني الشعر .
( قال الشافعي ) فكل ما أفاته المحرم سواهما كما نهى عن إفاتته فعليه جزاؤه وهو بالخيار بين أن يفديه من النعم أو الطعام أو الصوم أي ذلك شاء فعل كان واجدا وغير واجد قال الله - عز وجل - : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام } الآية ( قال الشافعي ) فكان التمتع بالعمرة إلى الحج ليس بإفاتة شيء جعل الله - عز وجل - فيه الهدي فما فعل المحرم من فعل تجب عليه فيه الفدية وكان ذلك الفعل ليس بإفاتة شيء فعليه أن يفديه من النعم إن بلغ النعم وليس له أن يفديه بغير النعم وهو يجد النعم وذلك مثل طيب ما تطيب به أو لبس ما ليس له لبسه أو جامع أو نال من امرأته أو ترك من نسكه أو ما معنى هذا .
( قال الشافعي ) فإن قال فما معنى قول الله - عز وجل - { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } ؟
قلت : الله أعلم أما الظاهر فإنه مأذون بحلاق [ ص: 207 ] الشعر للمرض والأذى في الرأس وإن لم يمرض فإذا جعلت عليه في موضع الفدية النعم فقلت لا يجوز إلا من النعم ما كانت موجودة فأعوز المفتدي من النعم لحاجة أو انقطاع من النعم فكان يقدر على طعام قوم الذي وجب عليه دراهم ، والدراهم طعاما ، ثم تصدق بالطعام على كل مسكين بمد وإن أعوز من الطعام صام عن كل مد يوما فإن قال قائل : فإذا قسته على هذه المتعة فكيف لم تقل فيه ما قلت : في المتمتع ؟
قيل له إن شاء الله قسته عليه في أنه جامعه في أنه فعل لا إفاتة وفرقت بينه وبينه أنه يختلف فيكون بدنة على قدر عظم ما أصاب وشاة دون ذلك فلما كان ينتقل فيقل ويكثر بقدر عظم ما أصاب فارق في هذا المعنى هدي المتعة الذي لا يكون على أحد إذا وجد أقل ولا أكثر منه وإن زاد عليه كان متطوعا .
( قال الشافعي ) فصرنا بالطعام والصوم إلى المعنى المعقول في القرآن من كفارة المظاهر والقتل والمصيب أهله في شهر رمضان ، ومن هذا ترك البيتوتة ب منى وترك المزدلفة والخروج قبل أن تغيب الشمس من عرفة وترك الجمار وما أشبهه
الإعواز من هدي المتعة ووقته
( قال الشافعي ) قال الله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } إلى قوله { عشرة كاملة } .
( قال الشافعي ) فدل الكتاب على أن يصوم في الحج وكان معقولا في الكتاب أنه في الحج الذي وجب به الصوم ، ومعقولا أنه لا يكون الصوم إلا بعد الدخول في الحج لا قبله في شهور الحج ولا غيرها .
( قال الشافعي ) { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } فإن أهل بالحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة كان له أن يصوم حين يدخل في الحج وعليه أن لا يخرج من الحج حتى يصوم إذا لم يجد هديا وأن يكون آخر ما له من الأيام في آخر صيامه الثلاث يوم عرفة وذلك أنه يخرج من الغد من يوم عرفة من الحج ويكون في يوم لا صوم فيه يوم النحر ، وهكذا روي عن عائشة وابن عمر ، أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنهما في المتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل يوم عرفة فليصم أيام منى ، أخبرنا إبراهيم عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثل ذلك .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول ، وهو معنى ما قلنا والله أعلم ويشبه القرآن .
( قال الشافعي ) واختلف عطاء وعمرو بن دينار في وجوب صوم المتمتع أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا يجب عليه الصوم حتى يوافي عرفة مهلا بالحج ، وقال عمرو بن دينار إذا أهل بالحج وجب عليه الصوم .
( قال الشافعي ) وبقول عمرو بن دينار نقول وهو أشبه بالقرآن ثم الخبر عن عائشة وابن عمر ( قال الشافعي ) فإذا أهل بالحج ثم مات من ساعته أو بعد قبل أن يصوم ففيها قولان :
أحدهما أن عليه دم المتعة ; لأنه دين عليه ; لأنه لم يصم ولا يجوز أن يصام عنه وهذا قول يحتمل
والقول الثاني لا دم عليه ولا صوم ; لأن الوقت الذي وجب عليه فيه الصوم وقت زال عنه فرض الدم وغلب على الصوم فإن كان بقي مدة يمكنه أن يصوم فيها ففرط تصدق عنه مكان الثلاثة الأيام ثلاثة أمداد حنطة ; لأن السبعة لا تجب عليه إلا بعد الرجوع إلى أهله ، ولو رجع إلى أهله ثم مات ولم يصم الثلاثة ولا السبع تصدق عنه في الثلاث وما أمكنه صومه من السبع فتركه يوما كان ذلك أو أكثر وهذا قول يصح قياسا ومعقولا والله أعلم .
( قال الشافعي ) في صوم المتمتع أيام منى : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام منى } ولا نجد السبيل إلى أن يكون النهي خاصة إذا لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم دلالة بأن نهيه إنما هو على [ ص: 208 ] ما لا يلزم من الصوم وقد يجوز أن يكون من قال يصوم المتمتع أيام منى ذهب عليه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنها فلا أرى أن يصوم أيام منى وقد كنت أراه وأسأل الله التوفيق .
( قال الشافعي ) ووجدت أيام منى خارجا من الحج يحل به إذا طاف بالبيت النساء فلم يجز أن أقول هذا في الحج ، وهو خارج منه وإن بقي عليه بعض عمله فإن قال قائل : فهل يحتمل اللسان أن يكون في الحج ؟
قيل : نعم يحتمله اللسان ما بقي عليه من الحج شيء احتمالا مستكرها باطنا لا ظاهرا ، ولو جاز هذا جاز إذا لم يطف الطواف الذي يحل به من حجه النساء شهرا أو شهرين يصومهن على أنه صامهن في الحج ( قال ) ولو جاز أن يصوم أيام منى جاز فيها يوم النحر ; لأنه منهي عن صومه وصومها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومها مرة كنهيه عن صوم يوم النحر مرة ومرارا
باب الحال التي يكون المرء فيها معوزا بما لزمه من فدية
( قال الشافعي ) إذا حج الرجل وقد وجبت عليه بدنة فليس له أن يخرج منها إذا كان قادرا عليها فإن قدر على الهدي لم يطعم ، وإن لم يقدر على الهدي أطعم ولا يكون الطعام والهدي إلا بمكة وإن لم يقدر على واحد منهما صام حيث شاء ، ولو صام في فوره ذلك كان أحب إلي ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في صيام المفتدي ما بلغني في ذلك شيء ، وإني لأحب أن يصنعه في فوره ذلك ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول فدية من صيام أو صدقة أو نسك في حجه ذلك أو عمرته أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن سليمان بن موسى قال في المفتدي بلغني أنه فيما بين أن صنع الذي وجبت عليه فيه الفدية وبين أن يحل إن كان حاجا أن ينحر ، وإن كان معتمرا بأن يطوف .
( قال الشافعي ) وهذا إن شاء الله هكذا فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟
قيل إن كانت الفدية شيئا وجبت بحج وعمرة فأحب إلي أن يفتدي في الحج والعمرة ، وذلك أن إصلاح كل عمل فيه كما يكون إصلاح الصلاة فيها وإن كان هذا يفارق الصلاة بأن الفدية غير الحج ، وإصلاح الصلاة من الصلاة فالاختيار فيه ما وصفت وقد روي أن ابن عباس أمر رجلا يصوم ولا يفتدي وقدر له نفقته فكأنه لولا أنه رأى الصوم يجزيه في سفره لسأله عن يسره ولقال آخر هذا حتى يصير إلى مالك إن كنت موسرا .
( قال الشافعي ) فأنظر إلى حال من وجبت عليه الفدية في حج أو عمرة في ذلك الحج أو العمرة فإن كان واجدا للفدية التي لا يجزيه إذا كان واجدا غيرها جعلتها عليه لا مخرج له منها فإذا جعلتها عليه فلم يفتد حتى أعوز كان دينا عليه حتى يؤديه متى قدر عليه . وأحب إلي أن يصوم احتياطا لا إيجابا ثم إذا وجد أهدى .
( قال الشافعي ) وإذا كان غير قادر تصدق فإن لم يقدر صام فإن صام يوما أو أكثر ثم أيسر في سفره أو بعد فليس عليه أن يهدي وإن فعل فحسن ( قال ) وإن كان معوزا حين وجبت فلم يتصدق ولم يصم حتى أيسر أهدى ولا بد له ; لأنه مبتدئ شيئا فلا يبتدئ صدقة ولا صوما وهو يجد هديا ( قال ) وإن رجع إلى بلده وهو معوز في سفره ولم يفتد حتى أيسر ثم أعوز كان عليه هدي لا بد له ; لأنه لم يخرج من الهدي إلى غيره حتى أيسر فلا بد من هدي وأحب إلي أن يصوم احتياطا لا واجبا ، وإذا جعلت الهدي دينا فسواء بعث به من بلده أو اشترى له بمكة فنحر عنه لا يجزي عنه حتى يذبح بمكة ويتصدق به وكذلك الطعام ، وأما الصوم فيقضيه حيث شاء إذا أخره عن سفره وهكذا كل واجب عليه من أي وجه كان من دم أو طعام لا يجزيه إلا بمكة
فدية النعام
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية رضي الله تعالى عنهم قالوا في النعامة يقتلها المحرم بدنة من الإبل .
( قال الشافعي ) هذا غير ثابت عند أهل العلم بالحديث وهو قول الأكثر ممن لقيت فبقولهم إن في النعامة بدنة وبالقياس قلنا في النعامة بدنة لا بهذا فإذا أصاب المحرم نعامة ففيها بدنة أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء فكانت ذات جنين حين سميتها أنها جزاء النعامة ثم ولدت فمات ولدها قبل أن يبلغ محله أغرمه ؟ قال : لا . قلت : فابتعتها ومعها ولدها فأهديتها فمات ولدها قبل أن يبلغ محله أغرمه ؟ قال : لا
( قال الشافعي ) وهذا يدل على أن عطاء يرى في النعامة بدنة وبقوله نقول في البدنة والجنين في كل موضع وجبت فيه بدنة فأوجبت جنينا معها فينحر معها ونقول في كل صيد يصاد ذات جنين ففيه مثله ذات جنين
باب بيض النعامة يصيبه المحرم
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : إن أصبت بيض نعامة وأنت لا تدري غرمتها تعظم بذلك حرمات الله تعالى .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول ; لأن بيضة من الصيد جزء منها ; لأنها تكون صيدا ولا أعلم في هذا مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت وقول عطاء هذا يدل على أن البيضة تغرم وأن الجاهل يغرم ; لأن هذا إتلاف قياسا على قتل الخطإ وبهذا نقول .
( قال الشافعي ) وفي بيض النعام قيمته ; لأنه حيث يصاب من قبل أنه خارج مما له مثل من النعم وداخل فيما له قيمة من الطير مثل الجرادة وغيرها قياسا على الجرادة فإن فيها قيمتها فقلت : للشافعي : فهل تروي فيها شيئا عاليا ؟
قال أما شيء يثبت مثله فلا ، فقلت : فما هو ؟
فقال أخبرني الثقة عن أبي الزناد عن الأعرج { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بيضة النعامة يصيبها المحرم قيمتها } أخبرنا سعيد بن سالم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن عبد الله بن الحصين عن أبي موسى الأشعري أنه قال : في بيضة النعامة يصيبها المحرم صوم يوم أو إطعام مسكين أخبرنا سعيد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود مثله فقلت للشافعي : أفرأيت إن كان في بيضة النعامة فرخ ؟
فقال لي : كل ما أصاب المحرم مما لا مثل له من النعم ولا أثر فيه من الطائر فعليه فيه قيمته بالموضع الذي أصابه فيه وتقومه عليه كما تقومه لو أصابه وهو لإنسان فتقوم البيضة لا فرخ فيها قيمة بيضة لا فرخ فيها ، والبيضة فيها فرخ قيمة بيضة فيها فرخ وهو أكثر من قيمة بيضة لا فرخ فيها
قلت : فإن كانت البيضة فاسدة ؟
قال : تقومها فاسدة إن [ ص: 210 ] كانت لها قيمة وتتصدق بقيمتها وإن لم يكن لها قيمة فلا شيء عليك فيها ؟
قلت : للشافعي أفيأكلها المحرم ؟
قال : لا ; لأنها من الصيد وقد يكون منها صيد
قلت : للشافعي فالصيد ممتنع وهو غير ممتنع .
( قال الشافعي ) وقد يكون من الصيد ما يكون مقصوصا وصغيرا فيكون غير ممتنع والمحرم يجزئه إذا أصابه فقلت : إن ذلك قد كان ممتنعا أو يؤول إلى الامتناع قال : وقد تؤول البيضة إلى أن يكون منها فرخ ثم يؤول إلى أن يمتنع .
الخلاف في بيض النعام
فقلت للشافعي : أخالفك أحد في بيض النعامة ؟
قال : نعم
قلت : قال ماذا قال ؟
قال قوم إذا كان في النعامة بدنة فتحمل على البدنة وروي هذا عن علي رضي الله عنه من وجه لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله ولذلك تركناه وبأن من وجب عليه شيء لم يجزه بمغيب يكون ولا يكون ، وإنما يجزيه بقائم
قلت : للشافعي : فهل خالفك غيره ؟
قال نعم رجل كأنه سمع هذا القول فاحتذى عليه
قلت : وما قال فيه ؟
قال : عليه عشر قيمة أمه كما يكون في جنين الأمة عشر قيمة الأمة
قلت : أفرأيت لهذا وجها ؟
قال : لا . البيضة إن كانت جنينا كان لم يصنع شيئا من قبل أنها مزايلة لأمها فحكمها حكم نفسها ، والجنين لو خرج من أمه ثم قتله إنسان وهو حي كانت فيه قيمة نفسه ولو خرج ميتا فقطعه إنسان لم يكن عليه شيء فإن شئت فاجعل البيضة في حال ميت أو حي فقد فرق بينهما وما للبيضة والجنين ؟
إنما حكم البيضة حكم نفسها فلا يجوز إذا كانت ليست من النعم إلا أن يحكم فيها بقيمتها ( قال الشافعي ) : ولقد قال للقائل : ما في هذه البيضة شيء ; لأنها مأكولة غير حيوان وللمحرم أكلها ولكن هذا خلاف مذهب أهل العلم
باب بقر الوحش وحمار الوحش والثيتل والوعل قلت : للشافعي أرأيت المحرم يصيب بقرة الوحش أو حمار الوحش ؟
فقال : في كل واحد منهما بقرة فقلت : للشافعي ومن أين أخذت هذا ؟
فقال قال الله - تبارك وتعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (92)
صــــــــــ 211 الى صـــــــــــ215
( قال الشافعي ) ومثل ما قتل من النعم يدل على أن المثل على مناظرة البدن فلم يجز فيه إلا أن ينظر إلى مثل ما قتل من دواب الصيد فإذا جاوز الشاة رفع إلى الكبش فإذا جاوز الكبش رفع إلى بقرة فإذا جاوز البقرة رفع إلى بدنة ولا يجاوز شيء مما يؤدي من دواب الصيد بدنة وإذا كان أصغر من شاة ثنية أو جذعة خفض إلى أصغر منها فهكذا القول في دواب الصيد أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : في بقرة الوحش بقرة وفي حمار الوحش بقرة وفي [ ص: 211 ] الأروى بقرة .
أخبرنا سعيد عن إسرائيل عن أبي إسحاق الهمداني عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال : في بقرة الوحش بقرة وفي الإبل بقرة .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول .
( قال الشافعي ) والأروى دون البقرة المسنة وفوق الكبش وفيه عضب ذكرا وأنثى أي ذلك شاء فداه به .
( قال الشافعي ) وإن قتل حمار وحش صغيرا أو ثيتلا صغيرا فداه ببقرة صغيرة ويفدى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى ( قال ) : وإذا أصاب أروى صغيرة خفضناه إلى أصغر منه من البقر حتى يجعل فيه ما لا يفوته وهكذا ما فدى من دواب الصيد .
( قال الشافعي ) إن كان ما أصيب من الصيد بقرة رقوبا فضربها فألقت ما في بطنها حيا فمات فداهما ببقرة وولد بقرة مولود ، وهكذا هذا في كل ذات حمل من الدواب .
( قال الشافعي ) وإن خرج ميتا وماتت أمه فأراد فداءه طعاما يقوم المصاب منه ماخضا بمثله من النعم ماخضا ، ويقوم ثمن ذلك المثل من النعم طعاما
باب الضبع أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش .
( قال الشافعي ) وهذا قول من حفظت عنه من مفتينا المكيين .
( قال الشافعي ) في صغار الضبع صغار الضأن وأخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول في الضبع كبش حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عكرمة مولى ابن عباس قال : { أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبعا صيدا وقضى فيها كبشا } .
( قال الشافعي ) : وهذا حديث لا يثبت مثله لو انفرد وإنما ذكرناه ; لأن مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال ابن أبي عمار : { سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أصيد هي ؟ قال : نعم . قلت أتؤكل ؟ قال : نعم . قلت : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم }
( قال الشافعي ) وفي هذا بيان أنه إنما يفدي ما يؤكل من الصيد دون ما لا يؤكل .
أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : الضبع صيد وفيها كبش إذا أصابها المحرم
باب في الغزال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب قضى في الغزال بعنز .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول والغزال لا يفوت العنز .
أخبرنا سعيد عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال : في [ ص: 212 ] الظبي تيس أعفر أو شاة مسنة .
( قال الشافعي ) يفدي الذكران بالذكران والإناث بالإناث مما أصيب والإناث في هذا كله أحب إلي أن يفدي به إلا أن يكون يصغر عن بدن المقتول فيفدي الذكر ويفدي بالذي يلحق بأبدانهما .
أخبرنا سعيد بن سالم عن إسرائيل بن يونس عن سماك عن عكرمة أن رجلا بالطائف أصاب ظبيا وهو محرم فأتى عليا فقال : اهد كبشا أو قال تيسا من الغنم . قال سعيد ولا أراه إلا قال تيسا ( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ لما وصفت قبله مما يثبت فأما هذا فلا يثبته أهل الحديث .
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : في الغزال شاة
باب الأرنب أخبرنا مالك وسفيان عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب قضى في الأرنب بعناق .
أخبرنا سعيد بن سالم عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال في الأرنب شاة .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا قال : في الأرنب شاة .
( قال الشافعي ) الصغيرة والكبيرة من الغنم يقع عليها اسم شاة فإن كان عطاء ومجاهد أرادا صغيرة فكذلك نقول ولو كانا أرادا مسنة خالفناهما وقلنا قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وما روي عن ابن عباس من أن فيها عناقا دون المسنة وكان أشبه بمعنى كتاب الله تعالى وقد روي عن عطاء ما يشبه قولهما أخبرنا سعيد بن سالم عن الربيع بن صبيح عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : في الأرنب عناق أو حمل
باب في اليربوع أخبرنا مالك وسفيان عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في اليربوع بجفرة .
أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أخبرنا سعيد عن الربيع بن صبيح عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : في اليربوع جفرة ( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ
باب الثعلب أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول في الثعلب شاة .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عياش بن عبد الله بن معبد أنه كان يقول : في الثعلب شاة
باب الضب أخبرنا ابن عيينة عن مخارق عن طارق بن شهاب قال : خرجنا حجاجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففقر ظهره فقدمنا على عمر فسأله أربد فقال له عمر احكم فيه يا أربد فقال : أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم فقال له عمر " إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني " فقال أربد : أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال عمر " فذاك فيه " .
أخبرنا سعيد بن سالم عن عطاء أنه قال : في الضب شاة .
( قال الشافعي ) إن كان عطاء أراد شاة صغيرة فبذلك نقول ، وإن كان أراد مسنة [ ص: 213 ] خالفناه وقلنا بقول عمر فيه وكان أشبه بالقرآن
باب الوبر أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : في الوبر إن كان يؤكل شاة ( قال الشافعي ) قول عطاء " إن كان يؤكل " يدل على أنه إنما يفدى ما يؤكل .
( قال الشافعي ) فإن كانت العرب تأكل الوبر ففيه جفرة وليس بأكثر من جفرة بدنا .
أخبرنا سعيد أن مجاهدا قال : في الوبر شاة
باب أم حبين أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان بن عفان قضى في أم حبين بحملان من الغنم .
( قال الشافعي ) يعني حملا ( قال الشافعي ) إن كانت العرب تأكلها فهي كما روي عن عثمان يقضى فيها بولد شاة حمل أو مثله من المعز مما لا يفوته .
باب دواب الصيد التي لم تسم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : كل دابة من الصيد المأكول سميناها ففداؤها على ما ذكر وكل دابة من دواب الصيد المأكول لم نسمها ففداؤها قياسا على ما سمينا فداءه منها لا يختلف فيما صغر عن الشاة منها أولاد الغنم يرفع في أولاد الغنم بقدر ارتفاع الصيد حتى يكون الصيد مجزيا بمثل بدنة من أولاد الغنم أو أكبر منه شيئا ، ولا يجزي دابة من الصيد إلا من النعم والنعم الإبل والبقر والغنم .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت والعرب تقول للإبل الأنعام وللبقر البقر وللغنم الغنم ؟
قيل هذا كتاب الله - تعالى - كما وصفت فإذا جمعتها
قلت : نعما كلها وأضفت الأدنى منها إلى الأعلى وهذا معروف عند أهل العلم بها وقد قال الله - تعالى - : { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } فلا أعلم مخالفا أنه عنى الإبل والبقر والغنم والضأن وهي الأزواج الثمانية قال الله - تعالى - : { من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين } الآية ، وقال { ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين } فهي بهيمة الأنعام وهي الأزواج الثمانية وهي الإنسية التي منها الضحايا والبدن التي يذبح المحرم ولا يكون ذلك من غيرها من الوحش
فدية الطائر يصيبه المحرم
فدية الحمام
أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن عبد الله بن كثير الداري عن طلحة بن أبي حفصة عن نافع بن عبد الحارث قال : قدم عمر بن الخطاب مكة فدخل دار الندوة في يوم الجمعة وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد فألقى رداءه على واقف في البيت فوقع عليه طير من هذا الحمام فأطاره فانتهزته حية فقتلته فلما صلى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان بن عفان فقال احكما علي في شيء صنعته اليوم ، إني دخلت هذه الدار وأردت أن أستقرب منها الرواح إلى المسجد فألقيت ردائي على هذا الواقف فوقع عليه طير من هذا الحمام فخشيت أن يلطخه بسلحه فأطرته عنه فوقع على هذا الواقف الآخر فانتهزته حية فقتلته فوجدت في نفسي أني أطرته من منزلة كان فيها آمنا إلى موقعة كان فيها حتفه فقلت : لعثمان كيف ترى في عنز ثنية عفراء نحكم بها على أمير المؤمنين ؟ قال إني أرى ذلك فأمر بها عمر
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن عثمان بن عبيد الله بن حميد قتل ابن له حمامة فجاء ابن عباس فقال له ذلك فقال ابن عباس اذبح شاة فتصدق بها قال ابن جريج فقلت لعطاء : أمن حمام مكة ؟
قال : نعم ( قال الشافعي ) ففي قول ابن عباس دلالتان :
إحداهما أن في حمام مكة شاة
والأخرى أنه يتصدق بالفداء على المساكين ، وإذا قال : يتصدق به فإنما يعني كله لا بعضه ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء ، وأخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في الحمامة شاة أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال : قال مجاهد : أمر عمر بن الخطاب بحمامة فأطيرت فوقعت على المروة فأخذتها حية فجعل فيها شاة .
( قال الشافعي ) من أصاب من حمام مكة بمكة حمامة ففيها شاة ، اتباعا لهذه الآثار التي ذكرنا عن عمر وعثمان وابن عباس وابن عمر وعاصم بن عمر وعطاء وابن المسيب لا قياسا .
في الجراد
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن أبي عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي مرت به رجل من جراد ، فأخذ جرادتين فملهما ونسي إحرامه ، ثم ذكر إحرامه فألقاهما . فلما قدمنا المدينة دخل القوم على عمر بن الخطاب ودخلت معهم . فقص كعب قصة الجرادتين على عمر فقال عمر من بذلك أمرك يا كعب قال : نعم قال إن حمير تحب الجراد قال ما جعلت في نفسك ؟ قال درهمين قال : بخ درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك
( قال الشافعي ) في هذا الحديث دلائل منها :
إحرام معاذ وكعب وغيرهم من بيت المقدس وهو وراء الميقات بكثير ، وفيه أن كعبا قتل الجرادتين حين أخذهما بلا ذكاة ، وهذا كله قد قص على عمر فلم ينكره وقول عمر درهمان خير من مائة جرادة ، أنك تطوعت بما ليس عليك فافعله متطوعا ، أخبرنا سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج قال سمعت القاسم بن محمد يقول كنت جالسا عند عبد الله بن عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم فقال : فيها قبضة من طعام ولنأخذن بقبضة جرادات ، ولكن ولو ، وهذا يدل على أنه إنما رأى عليه قيمة الجرادة وأمره بالاحتياط وفي الجرادة قيمتها في الموضع الذي يصيبها فيه كان تمرة أو أقل أو أكثر وهذا مذهب القوم - والله أعلم - ووجدت مذهب عمر وابن عباس وغيرهم في الجرادة أن فيها قيمتها ووجدت كذلك مذهبهم أن في دواب الصيد مثله من النعم بلا قيمة ; لأن الضبع لا يسوى كبشا .
والغزال قد يسوى عنزا ولا يسوى عنزا واليربوع لا يسوى جفرة والأرنب لا يسوى عناقا . قلما رأيتهم ذهبوا في دواب الصيد على تقارب الأبدان لا القيم لما وصفت ولأنهم حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتى ، ولو حكموا بالقيم لاختلفت أحكامهم لاختلاف البلدان والأزمان ولقالوا فيه قيمته كما قالوا في الجرادة ووجدت مذاهبهم مجتمعة على الفرق بين الحكم في الدواب والطائر لما وصفت من أن في الدواب مثلا من النعم وفي الجرادة من الطائر قيمة وفيما دون الحمام .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (93)
صــــــــــ 216 الى صـــــــــــ220
( قال الشافعي ) ثم وجدت مذاهبهم تفرق بين الحمام وبين الجرادة ; لأن العلم يحيط أن ليس يسوى حمام مكة شاة وإذا كان هذا هكذا فإنما فيه أتباعهم ; لأنا لا نتوسع في خلافهم ، إلا إلى مثلهم ولم نعلم مثلهم خالفهم .
والفرق بين حمام مكة وما دونه من صيد الطير يقتله المحرم لا يجوز فيه إلا أن يقال بما تعرف العرب من أن الحمام عندهم أشرف الطائر وأغلاه ثمنا بأنه الذي كانت تؤلف في منازلهم وتراه أعقل الطائر وأجمعه للهداية بحيث يؤلف ، وسرعة الألفة وأصواته التي لها عندهم فضل لاستحسانهم هديرها ، وأنهم كانوا يستمتعون بها لأصواتها وإلفها وهدايتها وفراخها وكانت مع هذا مأكولة ولم يكن شيء من مأكول الطائر ينتفع به عندها إلا لأن يؤكل فيقال كل شيء من الطائر سمته العرب حمامة ففيه شاة وذلك الحمام [ ص: 216 ] نفسه واليمام والقماري والدباسي والفواخت وكل ما أوقعت العرب عليه اسم حمامة .
( قال الشافعي ) وقد كان من العرب من يقول حمام الطائر ناس الطائر أي يعقل عقل الناس وذكرت العرب الحمام في أشعارها : فقال الهذلي :
وذكرني بكاي على تليد حمامة أن تجاوبت الحماما
وقال الشاعر :
أحن إذا حمامة بطن وج تغنت فوق مرقبة حنينا
وقال جرير :
إني تذكرني الزبير حمامة تدعو بمدفع رامتين هديلا
قال الربيع وقال الشاعر :
وقفت على الرسم المحيل فهاجني بكاء حمامات على الرسم وقع
( قال الشافعي ) مع شعر كثير قالوه فيها ، ذهبوا فيه إلى ما وصفت من أن أصواتها غناء وبكاء معقول عندهم وليس ذلك في شيء من الطائر غير ما وقع عليه اسم الحمام .
( قال الشافعي ) فيقال فيما وقع عليه اسم الحمام من الطائر ، فيه شاة لهذا الفرق باتباع الخبر عمن سميت في حمام مكة ولا أحسبه يذهب فيه مذهب أشبه بالفقه من هذا المذهب ، ومن ذهب هذا المذهب انبغى أن يقول ما لم يقع عليه اسم حمامة مما دونها أو فوقها ففيه قيمته في الموضع الذي يصاب فيه
الخلاف في حمام مكة
( قال الشافعي ) وقد ذهب ذاهب إلى أن في حمام مكة شاة وما سواه من حمام غير حمام مكة وغيره من الطائر قيمته .
( قال الشافعي ) ويدخل على الذي قال في حمام مكة شاة إن كان إنما جعله لحرمة الحمام نفسه أن يجعل على من قتل حمام مكة خارجا من الحرم وفي غير إحرام شاة ( قال الشافعي ) ولا شيء في حمام مكة إذا قتل خارجا من الحرم وقتله غير محرم وإذا كان هذا مذهبنا ومذهبه فليس لحمام مكة إلا ما لحمام غير مكة وإن كان ذهب إلى أنه جمع أنه في الحرم ومن حمام مكة انبغى أن يقول هذا في كل صيد غيره قتل في الحرم .
( قال الشافعي ) ومذهبنا ومذهبه أن الصيد يقتله المحرم القارن في الحرم كالصيد يقتله المحرم المفرد أو المعتمر خارجا من الحرم وما قال من هذا قول إذا كشف لم يكن له وجه ولا يصح أن يقول في حمام الحرم فيه شاة ولا يكون في غير حمام الحرم شاة إذا كان قوله إن حمام الحرم إذا أصيب خارجا منه في غير إحرام فلا شيء فيه أخبرنا سعيد بن سالم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أنه قال : إن أصاب المحرم حمامة خارجا من الحرم فعليه درهم وإن أصاب من حمام الحرم في الحرم فعليه شاة .
( قال الشافعي ) وهذا وجه من القول الذي حكيت قبله وليس له وجه يصح من قبل أنه يلزمه أن يجعل في حمام مكة إذا أصيب خارجا من الحرم وفي غير إحرام فدية ولا أحسبه يقول هذا ، ولا أعلم أحدا يقوله وقد ذهب عطاء في صيد الطير مذهبا يتوجه ومذهبنا الذي حكينا أصح منه لما وصفت والله أعلم . أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في كل شيء صيد من الطير الحمامة فصاعدا شاة وفي اليعقوب والحجلة والقطاة والكروان والكركي وابن الماء ودجاجة الحبش والخرب شاة شاة فقلت : لعطاء : أرأيت الخرب فإنه أعظم شيء رأيته قط من صيد الطير أيختلف أن يكون فيه شاة ؟ قال : لا . كل شيء من صيد الطير كان حمامة فصاعدا ففيه شاة
( قال الشافعي ) وإنما تركناه [ ص: 217 ] على عطاء لما وصفنا وأنه كان يلزمه إذا جعل في الحمامة شاة لا لفضل الحمامة ومباينتها ما سواها أن يزيد فيما جاوزها من الطائر عليها لا يستقيم إلا هذا إذا لم يفرق بينهما بما فرقنا به بينهما .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : في القمري والدبسي شاة شاة ( قال الشافعي ) وعامة الحمام ما وصفت ، ما عب في الماء عبا من الطائر فهو حمام ، وما شربه قطرة قطرة كشرب الدجاج فليس بحمام . وهكذا أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء .
بيض الحمام
( قال الشافعي ) رحمه الله وفي بيض حمام مكة وغيره من الحمام وغيره مما يبيض من الصيد الذي يؤدي فيه قيمته .
( قال الشافعي ) كما قلنا في بيض النعامة بالحال التي يكسرها بها ، فإن كسرها لا فرخ فيها ففيها قيمة بيضة وإن كسرها وفيها فرخ ففيها قيمة بيضة فيها فرخ لو كانت لإنسان فكسرها غيره وإن كسرها فاسدة فلا شيء عليه فيها كما لا يكون عليه شيء فيها لو كسرها لأحد ( قال الشافعي ) وقول عطاء . في بيض الحمام خلاف قولنا فيه أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء : كم في بيضة حمام مكة ؟ ( قال ) نصف درهم بين البيضتين درهم ، وإن كسرت بيضة فيها فرخ ففيها درهم
( قال الشافعي ) أرى عطاء أراد بقوله هذا القيمة يوم قاله ، فإن كان أراد هذا فالذي نأخذ به : قيمتها في كل ما كسرت . وإن كان أراد بقوله أن يكون قوله هذا حكما فيها ، فلا نأخذ به .
الطير غير الحمام
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لم أر الضوع أو الضوع شك الربيع فإن كان حماما ففيه شاة .
( قال الشافعي ) الضوع طائر دون الحمام وليس يقع عليه اسم الحمام ففيه قيمته وفي كل طائر أصابه المحرم غير حمام ففيه قيمته كان أكبر من الحمام أو أصغر وذلك أن الله - تبارك وتعالى - قال في الصيد { فجزاء مثل ما قتل } .
( قال الشافعي ) فخرج الطائر من أن يكون له مثل وكان معروفا بأنه داخل في التحريم فالمثل فيه بالقيمة إذا كان لا مثل له من النعم وفيه أن هذا قياس على قول عمر وابن عباس في الجرادة وقول من وافقهم فيها وفي الطائر دون الحمام ، وقد قال عطاء في الطائر قولا إن كان قاله ; لأنه يومئذ ثمن الطائر فهو موافق قولنا ، وإن كان قاله تحديدا له خالفناه فيه للقياس على قول عمر وابن عباس وقوله وقول غيره في الجراد ، وأحسبه عمد به إلى أن يحدد به ولا يجوز أن يحدد إلا بكتاب أو سنة أو أمر لم يختلف فيه أو قياس ولولا أنه لم يختلف في حمام مكة ما فديناه بشاة ; لأنه ليس بقياس وبذلك تركنا على عطاء تحديده في الطائر فوق الحمام ودونه وفي بيض الحمام ولم نأخذ ما أخذنا من قوله إلا بأمر وافق كتابا أو سنة أو أثرا لا مخالف له أو قياسا ، فإن قال قائل : ما حد ما قال عطاء فيه ؟
( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قال لي عطاء في العصافير قولا بين لي فيه وفسر قال : أما [ ص: 218 ] العصفور ففيه نصف درهم : قال عطاء وأرى الهدهد دون الحمامة وفوق العصفور ففيه درهم قال عطاء والكعيت عصفور .
( قال الشافعي ) ولما قال من هذا تركنا قوله إذا كان في عصفور نصف درهم عنده ، وفي هدهد درهم ; لأنه بين الحمامة وبين العصفور فكان ينبغي أن يجعل في الهدهد لقربه من الحمامة أكثر من درهم قال ابن جريج قال عطاء : فأما الوطواط وهو فوق العصفور ودون الهدهد ففيه ثلثا درهم
باب الجراد
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سأل ابن عباس عن صيد الجراد في الحرم فقال : لا ، ونهى عنه قال أنا قلت له : أو رجل من القوم فإن قومك يأخذونه وهم محتبون في المسجد ؟ فقال : لا يعلمون
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثله إلا أنه قال : منحنون .
( قال الشافعي ) ومسلم أصوبهما وروى الحفاظ عن ابن جريج منحنون أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : في الجرادة يقتلها وهو لا يعلم ؟ قال : إذا يغرمها ، الجرادة صيد
، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرنا بكير بن عبد الله قال سمعت القاسم بن محمد يقول كنت جالسا عند ابن عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم . فقال ابن عباس : فيها قبضة من طعام ولنأخذن بقبضة جرادات ولكن ولو .
( قال الشافعي ) وقوله ولنأخذن بقبضة جرادات إنما فيها القيمة وقوله " ولو " يقول تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد أن أعلمتك أنه أكثر مما عليك أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن أبي عمار أخبره أنه أقبل مع معاذ بن جبل ، وكعب روى الحديث وهو معاد ( قال الشافعي ) قول عمر " درهمان خير من مائة جرادة " يدل على أنه لا يرى في الجراد إلا قيمته وقوله " اجعل ما جعلت في نفسك أنك هممت بتطوع بخير فافعل لا أنه عليك " .
( قال الشافعي ) والدبا جراد صغار ففي الدباة منه أقل من تمرة إن شاء الذي يفديه أو لقمة صغيرة وما فدى به فهو خير منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن الدبا أقتله ؟ قال : لا ، ها الله إذا فإن قتلته فاغرم قلت : ما أغرم ؟ قال قدر ما تغرم في الجرادة ثم أقدر قدر غرامتها من غرامة الجرادة
أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت : لعطاء : قتلت وأنا حرام جرادة أو دبا وأنا لا أعلمه أو قتل ذلك بعيري وأنا عليه قال : اغرم كل ذلك تعظم بذلك حرمات الله
( قال الشافعي ) إذا كان المحرم على بعيره أو يقوده أو يسوقه غرم ما أصاب بعيره منه وإن كان بعيره متفلتا لم يغرم ما أصاب بعيره منه .
أخبرنا سعيد عن طلحة بن عمرو عن عطاء أنه قال في جرادة إذا ما أخذها المحرم ، قبضة من طعام
بيض الجراد
( قال الشافعي ) إذا كسر بيض الجراد فداه وما فدى به كل بيضة منه من طعام فهو خير منها وإن أصاب بيضا كثيرا احتاط حتى يعلم أنه أدى قيمته أو أكثر من قيمته قياسا على بيض كل صيد
[ ص: 219 ] باب العلل فيما أخذ من الصيد لغير قتله
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في إنسان أخذ حمامة يخلص ما في رجلها فماتت ؟ قال ما أرى عليه شيئا
( قال الشافعي ) ومن قال هذا القول قاله إذا أخذها ليخلصها من شيء ما كان من في هر أو سبع أو شق جدار لحجت فيه أو أصابتها لدغة فسقاها ترياقا أو غيره ليداويها وكان أصل أخذها ليطرح ما يضرها عنها أو يفعل بها ما ينفعها لم يضمن وقال : هذا في كل صيد ( قال الشافعي ) وهذا وجه محتمل ولو قال رجل هو ضامن له وإن كان أراد صلاحا فقد تلف على يديه كان وجها محتملا والله أعلم .
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء بيضة حمامة وجدتها على فراشي ؟ فقال : أمطها عن فراشك قال ابن جريج فقلت : لعطاء وكانت في سهوة أو في مكان في البيت كهيئة ذلك معتزل قال : فلا تمطها
أخبرنا سعيد عن طلحة عن عطاء قال : لا تخرج بيضة الحمامة المكية وفرخها من بيتك .
( قال الشافعي ) وهذا قول وبه آخذ . فإن أخرجها فتلفت ضمن وهذا وجه يحتمل من أن له أن يزيل عن فراشه إذا لم يكسره فلو فسدت بإزالته بنقل الحمام عنها لم يكن عليه فدية ، ويحتمل إن فسدت بإزالته أن تكون عليه فدية ، ومن قال هذا قال الحمام لو وقع على فراشه فأزاله عن فراشه فتلف بإزالته عن فراشه كانت عليه فيه فدية .
كما أزال عمر الحمام عن ردائه فتلف بإزالته ففداه
أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : وإن كان جراد أو دبا وقد أخذ طريقك كلها ولا تجد محيصا عنها ولا مسلكا فقتلته فليس عليك غرم ( قال الشافعي ) يعني إن وطئته ، فأما أن تقتله بنفسه بغير الطريق فتغرمه لا بد .
( قال الشافعي ) وقوله هذا يشبه قوله في البيضة تماط عن الفراش وقد يحتمل ما وصفت من أن هذا كله قياس على ما صنع عمر بن الخطاب في إزالته الحمام عن ردائه فأتلفته حية ففداه
نتف ريش الطائر
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن مجاهد عن أبيه وعن عطاء قالا من نتف ريش حمامة أو طير من طير الحرم فعليه فداؤه بقدر ما نتف .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول . يقوم الطائر عافيا ومنتوفا ثم يجعل فيه قدر ما نقصه من قيمته ما كان يطير ممتنعا من أن يؤخذ ولا شيء عليه غير ذلك فإن تلف بعد فالاحتياط أن يفديه بجميع ما فيه لا بما ذهب منه ; لأنه لا يدري لعله تلف من نتفه ، والقياس لا شيء عليه إذا طار ممتنعا حتى يعلم أنه مات من نتفه ( قال ) وإن كان المنتوف من الطائر غير ممتنع فحبسه في بيته أو حيث شاء فألقطه وسقاه حتى يطير ممتنعا فدى ما نقص النتف منه ولا شيء عليه غير ذلك .
( قال الشافعي ) وإن أخر فداءه فلم يدر ما يصنع فداه احتياطا والقياس أن لا يفديه حتى يعلمه تلف .
( قال الشافعي ) وما أصابه في حال نتفه فأتلفه ضمن فيه التالف ; لأنه منعه الامتناع ، وإن طار طيرانا غير ممتنع به كان [ ص: 220 ] كمن لا يطير في جميع جوابنا حتى يكون طيرانه طيرانا ممتنعا ومن رمى طيرا فجرحه جرحا يمتنع معه أو كسره كسرا لا يمتنع معه الجواب فيه كالجواب في نتف ريش الطائر سواء لا يخالفه ; فإن حبسه حتى يجبر ويصير ممتنعا قوم صحيحا ومكسورا ثم غرم فضل ما بين قيمتيه من قيمة جزائه وإن كان جبر أعرج لا يمتنع كله ; لأنه صيره غير ممتنع بحال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : إن رمى حرام صيدا فأصابه ثم لم يدر ما فعل الصيد فليغرمه .
( قال الشافعي ) وهذا احتياط وهو أحب إلي أخبرنا سعيد عن ابن جريج أراه عن عطاء قال في حرام أخذ صيدا ثم أرسله فمات بعدما أرسله يغرمه ; قال سعيد بن سالم إذا لم يدر لعله مات من أخذه إياه أو مات من إرساله له ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : إن أخذته ابنته فلعبت به فلم يدر ما فعل فليتصدق .
( قال الشافعي ) الاحتياط أن يجزيه ولا شيء عليه في القياس حتى يعلمه تلف
الجنادب والكدم
أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء كيف ترى في قتل الكدم والجندب أتراهما بمنزلة الجرادة ؟ قال : لا . الجرادة صيد يؤكل وهما لا يؤكلان وليستا بصيد فقلت : أقتلهما ؟ فقال : ما أحب فإن قتلتهما فليس عليك شيء
( قال الشافعي ) إن كانا لا يؤكلان فهما - كما قال عطاء - سواء . لا أحب أن يقتلا وإن قتلا فلا شيء فيهما وكل ما لا يؤكل لحمه فلا يفديه المحرم
قتل القمل أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح قال سمعت ميمون بن مهران قال كنت عند ابن عباس فسأله رجل فقال أخذت قملة فألقيتها ثم طلبتها فلم أجدها فقال ابن عباس " تلك ضالة لا تبتغى " .
( قال الشافعي ) من قتل من المحرمين قملة ظاهرة على جسده أو ألقاها أو قتل قملا حلال فلا فدية عليه والقملة ليست بصيد ولو كانت صيدا كانت غير مأكولة فلا تفدى وهي من الإنسان لا من الصيد ، وإنما قلنا إذا أخرجها من رأسه فقتلها أو طرحها افتدى بلقمة وكل ما افتدى به أكثر منها وإنما قلنا يفتدى إذا أخرجها من رأسه فقتلها أو طرحها ; لأنها كالإماطة للأذى فكرهناه كراهية قطع الظفر والشعر .
( قال الشافعي ) والصئبان كالقمل فيما أكره من قتلها وأجيز .
المحرم يقتل الصيد الصغير أو الناقص
( قال الشافعي ) قال الله - تبارك وتعالى - : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } .
( قال الشافعي ) والمثل مثل صفة ما قتل وشبهه ، الصحيح بالصحيح والناقص بالناقص والتام بالتام .
( قال الشافعي ) ولا تحتمل الآية إلا هذا ولو تطوع فأعطى بالصغير والناقص تاما كبيرا كان أحب إلي ولا يلزمه ذلك .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (94)
صــــــــــ 221 الى صـــــــــــ225
أخبرنا [ ص: 221 ] سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء : أرأيت لو قتلت صيدا فإذا هو أعور أو أعرج أو منقوص فمثله أغرم إن شئت ؟ قال : نعم . قال ابن جريج فقلت : له وواف أحب إليك ؟ قال : نعم .
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال إن قتلت ولد ظبي ففيه ولد شاة مثله أو قتلت ولد بقرة وحشي ففيه ولد بقرة إنسي مثله . قال : فإن قتلت ولد طائر ففيه ولد شاة مثله فكل ذلك على ذلك
ما يتوالد في أيدي الناس من الصيد وأهل بالقرى أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت كل صيد قد أهل بالقرى فتوالد بها من صيد الطير وغيره أهو بمنزلة الصيد ؟ قال : نعم . ولا تذبحه وأنت محرم ولا ما ولد في القرية ، أولادها بمنزلة أمهاتها
أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر ولم يسمعه منه أنه كان يرى داجنة الطير والظباء بمنزلة الصيد .
( قال الشافعي ) بهذا كله نأخذ ولا يجوز فيه إلا هذا ولو جاز إذا تحولت حال الصيد عن التوحش إلى الاستئناس أن يصير حكمه حكم الإنسي جاز للمحرم ذبحه وأن يضحي به ويجزي به ما قتل من الصيد وجاز إذا توحش الإنسي من الإبل والبقر والشاء أن يكون صيدا يجزيه المحرم لو ذبحه أو قتله ولا يضحي به ولا يجزي به غيره ، ولكن كل هذا على أصله ( قال الشافعي ) وإذا اشترك الوحشي في الولد أو الفرخ ، لم يجز للمحرم قتله فإن قتله فداه كله كاملا . وأي أبوي الولد والفرخ كان أما أو أبا وذلك أن ينزو حمار وحشي أتانا أهلية أو حمار أهلي أتانا وحشية فتلد أو يعقوب دجاجة أو ديك يعقوبة فتبيض أو تفرخ فكل هذا إذا قتله المحرم فداه من قبل أن المحرم منه على المحرم يختلط بالحلال له لا يتميز منه وكل حرام اختلط بحلال فلم يتميز منه حرم كاختلاط الخمر بالمأكول وما أشبه هذا ، وإن أشكل على قاتل شيء من هذا أخلطه وحشي أو لم يخلطه أو ما قتل منه وحشي أو إنسي فداه احتياطا ولم يجب فداؤه حتى يعلم أن قد قتل وحشيا أو ما خالطه وحشي أو كسر بيض وحشي أو ما خالطه وحشي
مختصر الحج المتوسط أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : ميقات أهل المدينة من ذي الحليفة ومن وراء المدينة من أهل الشام والمغرب ومصر وغيرها من الجحفة وأهل تهامة اليمن يلملم وأهل نجد اليمن وكل نجد قرن وأهل المشرق ، ذات عرق ، ولو أهلوا من العقيق كان أحب إلي والمواقيت لأهلها ولكل من مر عليها ممن أراد حجا أو عمرة فلو مر مشرقي أو مغربي أو شامي أو مصري أو غيره بذي الحليفة كانت ميقاته وهكذا لو مر مدني بميقات غير ميقاته ولم يأت من بلده كان ميقاته ميقات أهل البلد الذي مر به والمواقيت في الحج والعمرة والقران سواء ( قال ) ومن سلك على غير المواقيت برا أو بحرا أهل إذا حاذى المواقيت ويتأخر حتى يهل من جدر المواقيت أو من ورائه ، ولا بأس أن يهل [ ص: 222 ] أحد من وراء المواقيت إلا أنه لا يمر بالميقات إلا محرما فإن ترك الإحرام حتى يجاوز الميقات رجع إليه فإن لم يرجع إليه أهراق دما ( قال ) وإذا كان الميقات قرية أهل من أقصاها مما يلي بلده وهكذا إذا كان الميقات واديا أو ظهرا أهل من أقصاه مما يلي بلده من الذي هو أبعد من الحرم وأقل ما عليه فيه أن يهل من القرية لا يخرج من بيوتها أو من الوادي أو من الظهر إلا محرما ولو أنه أتى على ميقات من المواقيت لا يريد حجا ولا عمرة فجاوزه لم يحرم ثم بدا له أن يحرم أحرم من الموضع الذي بدا له ، وذلك ميقاته ومن كان أهله دون الميقات مما يلي الحرم فميقاته من حيث يخرج من أهله لا يكون له أن يجاوز ذلك إلا محرما فإن جاوزه غير محرم ثم أحرم بعدما جاوزه رجع حتى يهل من أهله وكان حراما في رجوعه ذلك ، وإن لم يرجع إليه أهراق دما .
الطهارة للإحرام
( قال الشافعي ) أستحب للرجل والمرأة الطاهر والحائض والنفساء الغسل للإحرام فإن لم يفعلوا فأهل رجل على غير وضوء أو جنبا فلا إعادة عليه ولا كفارة . وما كانت الحائض تفعله كان للرجل أن يفعله جنبا وغير متوضئ
اللبس للإحرام
( قال الشافعي ) يجتمع الرجل والمرأة في اللبوس في الإحرام في شيء ويفترقان في غيره فأما ما يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بطيب ولا ثوبا فيه طيب ، والطيب الزعفران والورس وغير ذلك من أصناف الطيب وإن أصاب ثوبا من ذلك شيء فغسل حتى يذهب ريحه فلا يوجد له ريح إذا كان الثوب يابسا أو مبلولا فلا بأس أن يلبسه وإن لم يذهب لونه ويلبسان الثياب المصبغة كلها بغير طيب مثل الصبغ بالسدر والمدر والسواد والعصفر وإن نفض ، وأحب إلي في هذا كله أن يلبس البياض وأحب إلي أن تكون ثيابهما جددا أو مغسولة وإن لم تكن جددا ولا مغسولة فلا يضرهما ويغسلان ثيابهما ويلبسان من الثياب ما لم يحرما فيه ، ثم لا يلبس الرجل عمامة ولا سراويل ولا خفين ولا قميصا ولا ثوبا مخيطا مما يلبس بالخياطة مثل القباء والدراعة وما أشبهه ولا يلبس من هذا شيئا من حاجة إليه إلا أنه إذا لم يجد إزارا لبس سراويل ولم يقطعه وإذا لم يجد نعلين لبس خفين وقطعهما أسفل من الكعبين أخبرنا سفيان قال سمعت عمرو بن دينار يقول سمعت أبا الشعثاء يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين وإذا لم يجد إزارا لبس سراويل } أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من لا يجد نعلين يلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين } .
( قال الشافعي ) وإذا اضطر المحرم إلى لبس شيء غير السراويل والخفين لبسه وافتدى ، والفدية صيام ثلاثة أيام أو نسك شاة أو صدقة على ستة مساكين مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وتلبس المرأة الخمار والخفين ولا تقطعهما والسراويل من غير ضرورة والدرع والقميص والقباء وحرمها من لبسها في وجهها فلا تخمر وجهها وتخمر رأسها .
فإن خمرت وجهها عامدة افتدت وإن خمر المحرم رأسه عامدا افتدى وله أن يخمر وجهه وللمرأة أن تجافي الثوب عن وجهها تستتر به [ ص: 223 ] وتجافي الخمار ثم تسدله على وجهها لا يمس وجهها ويلبس الرجل والمرأة المنطقة للدراهم والدنانير فوق الثياب وتحتها ( قال ) وإن لبست المرأة والرجل ما ليس لهما أن يلبساه ناسيين أو تطيبا ناسيين لإحرامهما أو جاهلين لما عليهما في ذلك غسلا الطيب ونزعا الثياب ولا فدية عليهما ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه { أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقطعة وبه أثر صفرة فقال أحرمت بعمرة وعلي ما ترى فقال النبي ما كنت فاعلا في حجك ؟ قال أنزع المنطقة واغسل هذه الصفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فافعل في عمرتك ما تفعل في حجك }
( قال الشافعي ) ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة ولا بأس أن تلبس المرأة المحرمة القفازين كان سعد بن أبي وقاص يأمر بناته أن يلبسن القفازين في الإحرام ولا تتبرقع المحرمة
( قال الشافعي ) وإذا مات المحرم لم يقرب طيبا وغسل بماء وسدر ولم يلبس قميصا وخمر وجهه ولم يخمر رأسه يفعل به في الموت كما يفعل هو بنفسه في الحياة أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير { عن ابن عباس قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فخر رجل محرم عن بعيره فوقص فمات فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما فإنه يبعث يوم القيامة مهللا أو ملبيا } قال سفيان وأخبرني إبراهيم بن أبي جرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فيه { ولا تقربوه طيبا } أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عثمان بن عفان فعل بابن له مات محرما شبيها بهذا .
( قال الشافعي ) ويستظل المحرم على المحمل والراحلة والأرض بما شاء ما لم يمس رأسه
الطيب للإحرام
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب وهشام بن عروة أو عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه { عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } ، وزاد عثمان بن عروة عن أبيه
قلت : بأي شيء ؟
قالت بأطيب الطيب .
أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن عائشة بنت سعد أنها طيبت أباها للإحرام بالسك والذريرة ، أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن زيد ولا أعلم إلا وقد سمعته من الحسن عن أبيه قال رأيت ابن عباس محرما وفي رأسه ولحيته مثل الرب من الغالية .
( قال الشافعي ) ولا بأس أن يتطيب المحرمان الرجل والمرأة بأقصى غاية الطيب الذي يبقى من غالية ونضوح وغيره ; لأن الطيب كان في الإحلال وإن بقي في الإحرام شيء فالإحرام شيء أحدث بعده .
وإذا أحرما فليس لهما أن يتطيبا ولا أن يمسا طيبا فإن مساه بأيديهما عامدين وكان يبقى أثره وريحه فعليهما الفدية . وسواء قليل ذلك وكثيره ، وإن كان يابسا وكان لا يبقى له أثر فإن بقي له ريح فلا فدية ولا بأس أن يجلسا عند العطار ويدخلا بيته ويشتريا الطيب ما لم يمساه بشيء من أجسادهما ، وأن يجلسا عند الكعبة وهي تجمر وأن يمساها ما لم تكن رطبة فإن مساها وهما لا يعلمان أنها رطبة فعلقت بأيديهما غسلا ذلك ولا شيء عليهما [ ص: 224 ] وإن عمدا أن يمساها رطبة فعلقت بأيديهما افتديا ولا يدهنان ولا يمسان شيئا من الدهن الذي يكون طيبا وذلك مثل البان المنشوش والزنبق والخيري والأدهان التي فيها الأبقال وإن مسا شيئا من هذا عامدين افتديا وإن شما الريحان افتديا وإن شما من نبات الأرض ما يكون طيبا مما لا يتخذه الناس طيبا فلا فدية وكذلك إن أكلا التفاح أو شماه أو الأترج أو السفرجل أو ما كان طعاما فلا فدية فيه وإن أدخلا الزعفران أو الطيب في شيء من الطعام فكان يوجد ريحه أو طعمه أو يصبغ اللسان فأكلاه افتديا وإن لم يوجد ريحه ولا طعمه ولا يصبغ اللسان فلا فدية ; لأنه قد صار مستهلكا في الطعام وسواء كان نيئا أو نضيجا لا فرق بين ذلك ويدهنان جميع أجسادهما بكل ما أكلا مما ليس بطيب من زيت وشيرق وسمن وزبد وسقسق ويستطيعان ذلك إذا اجتنبا أن يدهنا الرأس أو يدهن الرجل اللحية فإن هذين موضع الدهن فإن دهن الرجل أو المرأة الرأس أو الرجل اللحية بأي هذا كان افتدى وإن احتاجا إلى أن يتداويا بشيء من الطيب تداويا به وافتديا ( قال ) وكل ما كرهت للمحرم أن يشمه أو يلبسه من طيب أو شيء فيه طيب كرهت له النوم عليه وإن نام عليه مفضيا إليه بجلده افتدى ، وإن نام وبينه ثوب فلا فدية عليه .
التلبية
( قال الشافعي ) وإذا أراد الرجل أن يحرم كان ممن حج أو لم يكن فواسع له أن يهل بعمرة وواسع له أن يهل بحج وعمرة وواسع له أن يفرد ، وأحب إلي أن يفرد ; لأن الثابت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن { النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج } .
( قال الشافعي ) وتكفيه النية في هذا كله من أن يسمي حجا أو عمرة فإن سمى قبل الإحرام أو معه فلا بأس ( قال ) وإن لبى بحج وهو يريد عمرة فهو عمرة وإن لبى بعمرة وهو يريد حجا فهو حج ، وإن لبى لا يريد حجا ولا عمرة فليس بحج ولا عمرة وإن لبى ينوي الإحرام ولا ينوي حجا ولا عمرة فله الخيار أن يجعله أيهما شاء ، وإن لبى وقد نوى أحدهما فنسي فهو قارن لا يجزيه غير ذلك ; لأنه إن كان معتمرا فقد جاء بالعمرة وزاد حجا ، وإن كان حاجا فقد جاء بحج وعمرة وإن كان قارنا فقد جاء بالقران وإذا لبى قال " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " ولا أحب أن يزيد على هذا في التلبية حرفا إلا أن يرى شيئا يعجبه فيقول " لبيك إن العيش عيش الآخرة " فإنه لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاد في التلبية حرفا غير هذا عند شيء رآه فأعجبه وإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى رضاه والجنة واستعاذه برحمته من النار فإنه يروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال ) ويلبي قائما وقاعدا وراكبا ونازلا وجنبا ومتطهرا وعلى كل حال ويرفع صوته بالتلبية في جميع المساجد مساجد الجماعات وغيرها وفي كل موضع من المواضع ، وليس على المرأة رفع الصوت بالتلبية لتسمع نفسها وكان السلف يستحبون التلبية عند اضطمام الرفاق وعند الإشراف ، والهبوط وخلف الصلوات [ ص: 225 ] وفي الأسحار وفي استقبال الليل ونحن نبيحه على كل حال
الصلاة عند الإحرام
( قال الشافعي ) : وإذا أراد الرجل أن يبتدئ الإحرام أحببت له أن يصلي نافلة ثم يركب راحلته فإذا استقلت به قائمة وتوجهت للقبلة سائرة أحرم وإن كان ماشيا فإذا توجه ماشيا أحرم .
( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم { فإذا رحتم متوجهين إلى منى فأهلوا } .
( قال الشافعي ) وروى { ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يره يهل حتى تنبعث به راحلته } .
( قال الشافعي ) فإن أهل قبل ذلك أو أهل في إثر مكتوبة إذا صلى أو في غير إثر صلاة فلا بأس إن شاء الله - تعالى - ويلبي الحاج والقارن وهو يطوف بالبيت وعلى الصفا والمروة وفي كل حال وإذا كان إماما فعلى المنبر بمكة وعرفة ويلبي في الموقف بعرفة وبعدما يدفع وبالمزدلفة وفي موقف مزدلفة وحين يدفع من مزدلفة إلى أن يرمي الجمرة بأول حصاة ثم يقطع التلبية أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال أخبرني { الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من جمع إلى منى فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة } ، أخبرنا سفيان عن محمد بن أبي حرملة عن كريب عن ابن عباس عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
( قال الشافعي ) وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، ولبى عمر حتى رمى الجمرة وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى رمت الجمرة وابن عباس حتى رمى الجمرة وعطاء وطاوس ومجاهد ( قال ) ويلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم .
( قال ) وسواء في التلبية من أحرم من وراء الميقات أو الميقات أو دونه أو المكي أو غيره
الغسل بعد الإحرام
( قال الشافعي ) رحمه الله ولا بأس أن يغتسل المحرم متبردا أو غير متبرد يفرغ الماء على رأسه وإذا مس شعره رفق به لئلا ينتفه وكذلك لا بأس أن يستنقع في الماء ويغمس رأسه اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم محرما ، أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال ربما قال لي عمر " تعال أماقلك في الماء أينا أطول نفسا ؟ " ونحن محرمان
أخبرنا سفيان أن ابنا لعمر وابن أخيه تماقلا في الماء بين يديه وهما محرمان فلم ينههما .
( قال الشافعي ) ولا بأس أن يدخل المحرم الحمام أخبرنا الثقة إما سفيان وإما غيره عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم .
( قال الشافعي ) أخبرنا ابن أبي نجيح أن الزبير بن العوام أمر بوسخ في ظهره فحك وهو محرم
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (95)
صــــــــــ 226 الى صـــــــــــ230
غسل المحرم جسده
( قال الشافعي ) رحمه الله ولا بأس أن يدلك المحرم جسده بالماء وغيره ويحكه حتى يدميه إن شاء [ ص: 226 ] ولا بأس أن يحك رأسه ولحيته وأحب إذا حكهما أن يحكهما ببطون أنامله لئلا يقطع الشعر وإن حكهما أو مسهما فخرج في يديه من شعرهما أو شعر أحدهما شيء أحببت له أن يفتدي احتياطا ولا فدية عليه حتى يعلم أن ذلك خرج من فعله وذلك أنه قد يكون الشعر ساقطا في الرأس واللحية فإذا مسه تبعه ، والفدية في الشعرة مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة يتصدق به على مسكين وفي الاثنتين مدان على مسكينين وفي الثلاث فصاعدا دم ولا يجاوز بشيء من الشعر وإن كثر دم
ما للمحرم أن يفعله
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس أن { النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم } .
( قال الشافعي ) فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة ولا يحلق الشعر وكذلك يفتح العرق ويبط الجرح ويقطع العضو للدواء ولا شيء عليه في شيء من ذلك فلو احتاط إذا قطع عضوا فيه شعر افتدى كان أحب إلي وليس ذلك عليه بواجب ; لأنه لم يقطع الشعر إنما قطع العضو الذي له أن يقطعه ويختتن المحرم ويلصق عليه الدواء ولا شيء عليه ولو حج أغلف أجزأ عنه وإن داوى شيئا من قرحه وألصق عليه خرقة أو دواء فلا فدية عليه في شيء من الجسد إلا أن يكون ذلك في الرأس فتكون عليه الفدية
ما ليس للمحرم أن يفعله
( قال الشافعي ) رحمه الله وليس للمحرم أن يقطع شيئا من شعره ولا شيئا من أظفاره وإن انكسر ظفر من أظفاره فبقي متعلقا فلا بأس أن يقطع ما انكسر من الظفر وكان غير متصل ببقية الظفر ولا خير في أن يقطع منه شيء متصل بالبقية ; لأنه حينئذ ليس بثابت فيه وإذا أخذ ظفرا من أظفاره أو بعض ظفر أطعم مسكينا وإن أخذ ظفرا ثانيا أطعم مسكينين فإن أخذ ثلاثة في مقام واحد أهراق دما وإن أخذها متفرقة أطعم عن كل ظفر مدا وكذلك الشعر وسواء النسيان والعمد في الأظفار والشعر وقتل الصيد ; لأنه شيء يذهب فلا يعود ولا بأس على المحرم أن يقطع أظفار المحل وأن يحلق شعره وليس للمحل أن يقطع أظفار المحرم ولا يحلق شعره فإن فعل بأمر المحرم فالفدية على المحرم وإن فعله بغير أمر المحرم راقد أو مكره افتدى المحرم ورجع بالفدية على المحل
باب الصيد للمحرم
( قال الشافعي ) رحمه الله وصيد البر ثلاثة أصناف صنف يؤكل وكل ما أكل منه فهو صنفان طائر ودواب فما أصاب من الدواب نظر إلى أقرب الأشياء من المقتول من الصيد شبها من النعم ، والنعم الإبل والبقر والغنم فيجزى به ففي النعامة بدنة وفي بقرة الوحش بقرة وفي حمار الوحش بقرة وفي الثيتل بقرة وفي الغزال عنز وفي الضبع كبش ، وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة وفي صغار أولادها صغار [ ص: 227 ] أولاد هذه فإذا أصيب من هذا عور أو مكسور فدى مثله أعور أو مكسورا وأن يفديه بصحيح أحب إلي ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة ، أخبرنا سفيان عن مخارق عن طارق أن أربد أوطأ ضبا ففزر ظهره فأتى عمر فسأله فقال عمر ما ترى ؟ فقال جدي قد جمع الماء والشجر فقال : عمر فذاك فيه
أخبرنا سفيان عن مطرف عن أبي السفر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قضى في أم حبين بحملان من الغنم والحملان الحمل أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح أنه قال : لو كان معي حكم لحكمت في الثعلب بجدي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في صغار الصيد صغار الغنم وفي المعيب منها المعيب من الغنم ولو فداها بكبار صحاح من الغنم كان أحب إلي ( قال ) وإذا ضرب الرجل صيدا فجرحه فلم يدر أمات أم عاش ؟ فالذي يلزمه عندي فيه قيمة ما نقصه الجرح فإن كان ظبيا قوم صحيحا وناقصا فإن نقصه العشر فعليه العشر من ثمن شاة ، وهكذا إن كان بقرة أو نعامة ، وإن قتله إنسان بعد فعليه شاة مجروحة ، وإن فداه بصحيحة كان أحب إلي ، وأحب إلي إذا جرحه فغاب عنه أن يفديه احتياطا ، ولو كسره كان هكذا عليه أن يطعمه حتى يبرأ ويمتنع فإن لم يمتنع فعليه فدية تامة ولو أنه ضرب ظبيا ماخضا فمات كان عليه قيمة شاة ماخض يتصدق بها من قبل أني لو قلت : له أذبح شاة ماخضا كانت شرا من شاة غير ماخض للمساكين فإذا أردت الزيادة لهم لم أزدد لهم ما أدخل به النقص عليهم ولكني أزداد لهم في الثمن وأعطيهموه طعاما ( قال ) وإذا قتل المحرم الصيد الذي عليه جزاؤه جزاه إن شاء بمثله فإن لم يرد أن يجزيه بمثله قوم المثل دراهم ثم الدراهم طعاما ثم تصدق بالطعام وإذا أراد الصيام صام عن كل مد يوما ولا يجزيه أن يتصدق بالطعام ولا باللحم إلا بمكة أو منى فإن تصدق به بغير مكة أو منى أعاد بمكة أو منى ويجزيه في فوره ذلك قبل أن يحل وبعدما يحل فإن صدر ولم يجزه بعث بجزائه حتى يجزي عنه فإن جزاه بالصوم صام حيث شاء ; لأنه لا منفعة لمساكين الحرم في صيامه ، وإذا أصاب المحرم الصيد خطأ أو عمدا جزاه وإذا أصاب صيدا جزاه ثم كلما عاد جزى ما أصاب فإن أصابه ثم أكله فلا زيادة عليه في الأكل وبئس ما صنع وإذا أصاب المحرمان أو الجماعة صيدا فعليهم كلهم جزاء واحد
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قريب عن ابن سيرين أن عمر قضى هو ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك هو عبد الرحمن بن عوف على رجلين أوطآ ظبيا ففتلاه بشاة وأخبرني الثقة عن حماد بن سلمة عن زياد مولى بني مخزوم وكان ثقة أن قوما حرما أصابوا صيدا فقال لهم ابن عمر عليكم جزاء ، فقالوا على كل واحد منا جزاء أم علينا كلنا جزاء واحد ؟ فقال ابن عمر إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد
[ ص: 228 ] قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء في النفر يشتركون في قتل الصيد قال : عليهم كلهم جزاء واحد ( قال ) وهذا موافق لكتاب الله - عز وجل - لأن الله - تبارك وتعالى - يقول { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وهذا مثل ومن قال عليه مثلان فقد خالف معنى القرآن
طائر الصيد
( قال الشافعي ) الطائر صنفان حمام وغير حمام ، فما كان منه حماما ذكرا أو أنثى ففدية الحمامة منه شاة اتباعا وأن العرب لم تزل بين الحمام وغيره من الطائر وتقول الحمام سيد الطائر ، والحمام كل ما هدر وعب في الماء وهي تسميه أسماء جماعة الحمام ، وتفرق به بعد أسماء وهي الحمام واليمام والدباسي والقماري والفواخت وغيره مما هدر أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أنه قضى في حمامة من حمام مكة بشاة .
( قال الشافعي ) وقال ذلك عمر وعثمان ونافع بن عبد الحارث وعبد الله بن عمر وعاصم بن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء ( قال ) وهذا إذا أصيبت بمكة أو أصابها المحرم ( قال ) وما كان من الطائر ليس بحمام ففيه قيمته في الموضع الذي يصاب فيه
قلت : أو كسرت ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن بكير بن عبد الله عن القاسم عن ابن عباس أن رجلا سأله عن محرم أصاب جرادة فقال : يتصدق بقبضة من طعام وقال ابن عباس : وليأخذن بقبضة جرادات ولكن على ذلك رأي ( قال الشافعي ) وقال عمر في الجرادة تمرة .
( قال الشافعي ) وكل ما فدى من الصيد فباض مثل النعامة والحمامة وغيرها فأصيب بيضه ففيه قيمته في الموضع الذي يصاب فيه كقيمته لو أصيب لإنسان وما أصيب من الصيد لإنسان فعلى المحرم قيمته دراهم أو دنانير لصاحبه وجزاؤه للمساكين وما أصاب المحرم من الصيد في الحل والحرم قارنا كان أو مفردا أو معتمرا فجزاؤه واحد لا يزاد عليه في تباعد الحرم عليه ; لأن قليل الحرم وكثيره سواء إذ منع بها الصيد ، وكل ما أصاب المحرم إلى أن يخرج من إحرامه مما عليه فيه الفدية فداه وخروجه من العمرة بالطواف والسعي والحلق أو التقصير ، وخروجه من الحج خروجان :
فالأول الرمي والحلاق فلو أصاب صيدا خارجا من الحرم لم يكن عليه جزاؤه ; لأنه قد خرج من جميع إحرامه إلا النساء وهكذا لو طاف بالبيت أو حلق بعد عرفة وإن لم يرم ، ويأكل المحرم الصيد ما لم يصده أو يصد له ( قال الشافعي ) أخبرنا ابن أبي يحيى عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لحم الصيد حلال لكم في الإحرام ما لم تصيدوه أو يصد لكم } ( قال الشافعي ) وهكذا رواه سليمان بن بلال ( قال الشافعي ) وأخبرنا الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لحم الصيد حلال لكم في الإحرام ما لم تصيدوه أو يصد لكم } .
( قال الشافعي ) ابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي ( قال الشافعي ) ولو [ ص: 229 ] أن محرما صيد من أجله صيد فذبحه غيره فأكله هو أكل محرما عليه ولم يكن عليه جزاؤه ; لأن الله - تعالى - إنما جعل جزاءه بقتله وهو لم يقتله وقد يأكل الميتة ، وهي محرمة فلا يكون عليه جزاء ولو دل محرم حلالا على صيد أو أعطاه سلاحا أو حمله على دابة ليقتله فقتله لم يكن عليه جزاء وكان مسيئا كما أنه لو أمره بقتل مسلم كان القصاص على القاتل لا على الآمر ، وكان الآمر آثما ( قال ) ولو صاد حلال صيدا فاشتراه منه محرم أو اتهبه فذبحه كان عليه جزاؤه ; لأنه قاتل له ، والحلال يقتل الصيد في الحرم مثل المحرم يقتله في الحرم والإحرام ويجزيه إذا قتله .
قطع شجر الحرم
( قال الشافعي ) ومن قطع من شجر الحرم جزاه ، حلالا كان أو حراما ، وفي الشجرة الصغيرة شاة ، وفي الكبيرة بقرة ويروى هذا عن ابن الزبير وعطاء ( قال الشافعي ) وللمحرم أن يقطع الشجر في غير الحرم ; لأن الشجر ليس بصيد .
ما لا يؤكل من الصيد
( قال الشافعي ) وما لا يؤكل لحمه من الصيد صنفان صنف عدو عاد ، ففيه ضرر ، وفيه أنه لا يؤكل فيقتله المحرم ، وذلك مثل الأسد والذئب والنمر والغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ويبدأ هذا المحرم ويقتل صغاره وكباره ; لأنه صنف مباح ويبتدئه وإن لم يضره وصنف لا يؤكل ولا ضرر له مثل البغاثة والرخمة والحكاء والقطا والخنافس والجعلان ولا أعلم في مثل هذا قضاء فآمره بابتدائه وإن قتله فلا فدية عليه ; لأنه ليس من الصيد أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال : لا يفدي المحرم من الصيد إلا ما يؤكل لحمه ( قال ) وهذا موافق معنى القرآن والسنة ويقتل المحرم القردان والحمنان والحلم والكتالة والبراغيث والقملان إلا أنه إذا كان القمل في رأسه لم أحب أن يفلى عنه ; لأنه إماطة أذى وأكره له قتله وآمره أن يتصدق فيه بشيء وكل شيء تصدق به فهو خير منه من غير أن يكون واجبا وإذا ظهر له على جلده طرحه وقتله .
وقتله من الحلال ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن ميمون بن مهران قال : جلست إلى ابن عباس فجلس إليه رجل لم أر رجلا أطول شعرا منه فقال : أحرمت وعلي هذا الشعر فقال ابن عباس " اشتمل على ما دون الأذنين منه " قال " قبلت امرأة ليست بامرأتي " قال " زنا فوك " قال " رأيت قملة فطرحتها " قال " تلك الضالة لا تبتغى " أخبرنا مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب يقود بعيرا له في طين بالسقيا وهو محرم .
( قال الشافعي ) قال ابن عباس : لا بأس أن يقتل المحرم القراد والحلمة
صيد البحر
( قال الشافعي ) قال الله - تعالى - : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة } وقال الله - عز وجل - { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا } ( قال الشافعي ) فكل ما كان فيه صيد ، في بئر كان أو ماء مستنقع أو غيره ، فهو بحر وسواء كان في الحل والحرم يصاد ويؤكل ; لأنه مما لم يمنع بحرمة شيء وليس صيده إلا ما كان يعيش في أكثر عيشه ، فأما طائره فإنما يأوي إلى أرض فيه فهو من صيد البر إذا أصيب جزى
( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله تعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } - إلى قوله - { فجزاء مثل ما [ ص: 214 ] قتل من النعم } .
( قال الشافعي ) وقول الله - عز وجل - { مثل ما قتل من النعم } يدل على أنه لا يكون المثل من النعم إلا فيما له مثل منه والمثل لدواب الصيد ; لأن النعم دواب رواتع في الأرض والدواب من الصيد كهي في الرتوع في الأرض ، وأنها دواب مواش لا طوائر وأن أبدانها تكون مثل أبدان النعم ومقاربة لها وليس شيء من الطير بوافق خلق الدواب في حال ولا معانيها معانيها ، فإن قال قائل فكيف تفدي الطائر ، ولا مثل له من النعم ؟
قيل فديته بالاستدلال بالكتاب ثم الآثار ثم القياس والمعقول فإن قال فأين الاستدلال بالكتاب ؟
قيل قال الله - عز وجل { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فدخل الصيد المأكول كله في التحريم ووجدت الله - عز وجل - أمر فيما له مثل منه أن يفدى بمثله ، فلما كان الطائر لا مثل له من النعم وكان محرما ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي بقضاء في الزرع بضمانه ، والمسلمون يقضون فيما كان محرما أن يتلف بقيمته فقضيت في الصيد من الطائر بقيمته بأنه محرم في الكتاب وقياسا على السنة والإجماع وجعلت تلك القيمة لمن جعل الله له المثل من الصيد المحرم المقضي بجزائه ; لأنهما محرمان معا لا مالك لهما أمر بوضع المبدل منهما فيمن بحضرة الكعبة من المساكين ولا أرى في الطائر إلا قيمته بالآثار والقياس فيما أذكره إن شاء الله تعالى
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (96)
صــــــــــ 231 الى صـــــــــــ236
دخول مكة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أحب للرجل إذا أراد دخول مكة أن يغتسل في طرفها ثم يمضي إلى البيت ولا يعرج فيبدأ بالطواف ، وإن ترك الغسل أو عرج لحاجة فلا بأس عليه وإذا رأى البيت قال " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام فإذا انتهى إلى الطواف اضطبع فأدخل رداءه تحت منكبه الأيمن ورده على منكبه الأيسر حتى يكون منكبه الأيمن مكشوفا ثم استلم الركن الأسود إن قدر على استلامه وقال عند استلامه " اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ثم يمضي عن يمينه فيرمل ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ليس بينهما مشي ويمشي أربعة فإن كان الزحام شيئا لا يقدر على أن يرمل فكان إذا وقف لم يؤذ أحدا وقف حتى ينفرج له ما بين يديه ثم يرمل .
وإن كان يؤذي أحدا في الوقوف مشى مع الناس بمشيهم وكلما انفرجت له فرجة رمل ، وأحب إلي لو تطرف حتى يخرج من الناس حاشية ثم يرمل فإن ترك الرمل في طواف رمل في اثنين وإن تركه في اثنين رمل في واحد ، وإن تركه في الثلاثة لم يقض ، إذا ذهب موضعه لم يقضه فيما بقي ولا فدية عليه ولا إعادة ، وسواء تركه ناسيا أو عامدا إلا أنه مسيء في تركه عامدا وهكذا الاضطباع والاستلام إن تركه فلا فدية ولا إعادة عليه .
( قال ) : وأحب إلي أن يستلم فيما قدر عليه ، ولا يستلم من الأركان إلا الحجر ، واليماني يستلم اليماني بيده ثم يقبلها ولا يقبله ويستلم الحجر بيده ويقبلها ويقبله إن أمكنه التقبيل ولم يخف على عينيه ولا وجهه أن يجرح ، وأحب كلما حاذى به أن يكبر وأن يقول في رمله " اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا " ويقول في الأطواف الأربعة " اللهم اغفر وارحم واعف عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فإذا فرغ من طوافه صلى خلف المقام ركعتين فيقرأ في الأولى ب { قل يا أيها الكافرون } وفي الأخرى ب { قل هو الله أحد } وكل واحدة منهما بعد أم القرآن ثم يعود إلى الركن فيستلمه وحيثما صلى أجزأه وما قرأ مع أم القرآن أجزأه وإن ترك استلام الركن اليماني فلا شيء عليه ولا يجزيه الطواف بالبيت ولا الصلاة إلا طاهرا ولا يجزئه من الطواف بالبيت أقل من سبع تام فإن خرج قبل سبع فسعى بين الصفا والمروة ألغي سعيه حتى يكون سعيه بعد [ ص: 231 ] سبع كامل على طهارة وإن قطع عليه الطواف للصلاة بنى من حيث قطع عليه
وإن انتقض وضوءه أو رعف خرج فتوضأ ثم رجع فبنى من حيث قطع وهكذا إن انتقض وضوءه وإن تطاول ذلك استأنف الطواف وإن شك في طوافه فلم يدر خمسا طاف أو أربعا ؟
بنى على اليقين وألغى الشك حتى يستيقن أن قد طاف سبعا تاما أو أكثر
الخروج إلى الصفا .
( قال الشافعي ) : وأحب إلي أن يخرج إلى الصفا من باب الصفا ويظهر فوقه في موضع يرى منه البيت ثم يستقبل البيت فيكبر ويقول " الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما هدانا وأولانا ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ثم يدعو ويلبي ثم يعود فيقول مثل هذا القول حتى يقوله ثلاثا ، ويدعو فيما بين كل تكبيرتين بما بدا له في دين أو دنيا ثم ينزل يمشي حتى إذا كان دون الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع سعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد ودار العباس ثم يمشي حتى يرقى على المروة حتى يبدو له البيت إن بدا له ، ثم يصنع عليها ما صنع على الصفا حتى يكمل سبعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وأقل ما عليه في ذلك أن يستوفي ما بينهما مشيا أو سعيا .
وإن لم يظهر عليهما ولا على واحد منهما ، ولم يكبر ولم يدع ولم يسع في السعي فقد ترك فضلا ولا إعادة ولا فدية عليه ، وأحب إلي أن يكون طاهرا في السعي بينهما وإن كان غير طاهر جنبا أو على غير وضوء لم يضره ; لأن الحائض تفعله وإن أقيمت الصلاة وهو يسعى بين الصفا والمروة دخل فصلى ثم رجع فبنى من حيث قطع وإن رعف أو انتقض وضوءه انصرف فتوضأ ثم رجع فبنى ، والسعي بين الصفا والمروة واجب لا يجزي غيره ولو تركه رجل حتى جاء بلده فكان معتمرا كان حراما من كل شيء حتى يرجع ، وإن كان حاجا قد رمى الجمرة وحلق كان حراما من النساء حتى يرجع ولا يجزي بين الصفا والمروة إلا سبع كامل فلو صدر ولم يكمله سبعا فإن كان إنما ترك من السابع ذراعا كان كهيئته لو لم يطف ورجع حتى يبتدئ طوافا أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني بنت أبي تجزأة إحدى نساء بني عبد الدار قالت : { دخلت مع نسوة من قريش دار ابن أبي الحسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى إني لأقول إني لا أرى ركبتيه وسمعته يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي } .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال أخبرني من رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه يقوم في حوض في أسفل الصفا ولا يظهر عليه .
( قال الشافعي ) وليس على النساء رمل بالبيت ولا [ ص: 232 ] بين الصفا والمروة ويمشين على هينتهن وأحب للمشهورة بالجمال أن تطوف وتسعى ليلا ، وإن طافت بالنهار سدلت ثوبها على وجهها أو طافت في ستر ، ويطوف الرجل والمرأة بالبيت وبين الصفا والمروة ماشيين ولا بأس أن يطوفا محمولين من علة وإن طافا محمولين من غير علة فلا إعادة عليهما ولا فدية ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس أن { النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه } ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه أن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا وطاف بالبيت يستلم الركن بمحجنه أظنه قال : ويقبل طرف المحجن }
الرجل يطوف بالرجل يحمله
( قال الشافعي ) وإذا كان الرجل محرما فطاف بمحرم صبي أو كبير يحمله ينوي بذلك أن يقضي عن الكبير والصغير طوافه وعن نفسه فالطواف طواف المحمول لا طواف الحامل وعليه الإعادة وعليه أن يطوف ; لأنه كمن لم يطف .
ما يفعل المرء بعد الصفا والمروة .
( قال الشافعي ) إذا كان الرجل معتمرا فإن كان معه هدي أحببت له إذا فرغ من الصفا والمروة أن ينحره قبل أن يحلق أو يقصر وينحره عند المروة وحيثما نحره من مكة أجزأه وإن حلق أو قصر قبل أن ينحره فلا فدية عليه ، وينحر الهدي وسواء كان الهدي واجبا أو تطوعا وإن كان قارنا أو حاجا أمسك عن الحلق فلم يحلق حتى يرمي الجمرة يوم النحر ثم يحلق أو يقصر ، والحلق أحب إلي ، وإن كان الرجل أصلع ولا شعر على رأسه أو محلوقا أمر الموسى على رأسه ، وأحب إلي لو أخذ من لحيته وشاربيه حتى يضع من شعره شيئا لله ، وإن لم يفعل فلا شيء عليه ; لأن النسك إنما هو في الرأس لا في اللحية وليس على النساء حلق الشعر ويؤخذ من شعورهن قدر أنملة ويعم بالأخذ ، وإن أخذ أقل من ذلك أو من ناحية من نواحي الرأس ما كان ثلاث شعرات فصاعدا أجزأ عنهن وعن الرجال وكيفما أخذوا بحديدة أو غيرها أو نتفا أو قرضا ، أجزأ إذا وقع عليه اسم أخذ ، وكان شيء موضوعا منه لله - عز وجل - يقع عليه اسم جماع شعر وذلك ثلاث شعرات فصاعدا
ما يفعل الحاج والقارن
( قال الشافعي ) وأحب للحاج والقارن أن يكثر الطواف بالبيت وإذا كان يوم التروية أحببت أن [ ص: 233 ] يخرجا إلى " منى " ثم يقيما بها حتى يصليا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يغدوا إذا طلعت الشمس على ثبير وذلك أول بزوغها ثم يمضيا حتى يأتيا عرفة فيشهدا الصلاة مع الإمام ويجمعا بجمعه بين الظهر والعصر إذا زالت الشمس وأحب للإمام مثل ما أحببت لهما ولا يجهر يومئذ بالقراءة ; لأنها ليست بجمعة ويأتي المسجد إذا زالت الشمس فيجلس على المنبر فيخطب الخطبة الأولى فإذا جلس أخذ المؤذن في الآذان وأخذ هو في الكلام وخفف الكلام الآخر حتى ينزل بقدر فراغ المؤذن من الآذان فيقيم المؤذن فيصلي الظهر ثم يقيم المؤذن إذا سلم الإمام من الظهر فيصلي العصر ثم يركب فيروح إلى الموقف عند موقف الإمام عند الصخرات ثم يستقبل القبلة فيدعو حتى الليل ، ويصنع ذلك الناس وحيثما وقف الناس من عرفة أجزأهم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال { هذا الموقف وكل عرفة موقف } ويلبي في الموقف ويقف قائما وراكبا ولا فضل عندي للقيام على الركوب إن كانت معه دابة إلا أن يعلم أنه يقوى فلا يضعف فلا بأس أن ينزل فيقوم ولو نزل فجلس لم يكن عليه شيء وحيثما وقف من سهل أو جبل فسواء
وأقل ما يكفيه في عرفة حتى يكون به مدركا للحج أن يدخلها ، وإن لم يقف ولم يدع فيما بين الزوال إلى طلوع الفجر من ليلة النحر فمن لم يدرك هذا فقد فاته الحج ، وأحب إلي لو تفرغ يومئذ للدعاء ، ولو اتجر أو تشاغل عن الدعاء لم يفسد عليه حجه ولم يكن عليه فيه فدية ، ولو خرج من عرفة بعد الزوال وقبل مغيب الشمس كان عليه أن يرجع فيما بينه وبين طلوع الفجر فإن فعل فلا فدية عليه وإن لم يفعل فعليه الفدية
والفدية أن يهريق دما ، وإن خرج منها ليلا بعدما تغيب الشمس ، ولم يكن وقف قبل ذلك نهارا فلا فدية عليه وعرفة ما جاوز وادي عرنة الذي فيه المسجد ، وليس المسجد ولا وادي عرنة من عرفة إلى الجبال القابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحصن فإذا جاوزت ذلك فليس من عرفة وإن ترك الرجل المرور ب " منى " في البداءة فلا شيء عليه وكذلك إن مر بها وترك المنزل ، ولا يدفع من عرفة حتى تغيب الشمس ويبين مغيبها
باب ما يفعل من دفع من عرفة
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحب إذا دفع من عرفة أن يسير على هينته راكبا كان أو ماشيا وإن سار أسرع من هينته ولم يؤذ أحدا لم أكرهه وأكره أن يؤذي فإن أذى فلا فدية عليه وأحب أن يسلك بين المأزمين ، وإن سلك طريق ضب فلا بأس عليه ، ولا يصلي المغرب والعشاء حتى يأتي المزدلفة فيصليهما فيجمع بينهما بإقامتين ليس معهما آذان ، وإن أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلاهما دون المزدلفة والمزدلفة من حين يفضي من مأزمي عرفة وليس المأزمان من المزدلفة إلى أن يأتي قرن محسر وقرن محسر ما عن يمينك وشمالك من تلك المواطن القوابل والظواهر والشعاب والشجار ، كلها من المزدلفة ومزدلفة منزل فإذا خرج منه رجل بعد نصف الليل فلا فدية عليه وإن خرج قبل نصف الليل فلم يعد إلى المزدلفة افتدى ، والفدية شاة يذبحها ويتصدق بها
وأحب أن يقيم حتى يصلي الصبح في أول وقتها ثم يقف على قزح حتى يسفر وقبل تطلع الشمس ثم يدفع وحيثما وقف من مزدلفة أو نزل أجزأه
وإن استأخر من مزدلفة إلى أن تطلع الشمس أو بعد ذلك كرهت ذلك له ولا فدية عليه ، وإن ترك المزدلفة فلم ينزلها ولم يدخلها فيما بين نصف الليل الأول إلى صلاة الصبح افتدى وإن دخلها في ساعة من هذا الوقت فلا فدية عليه ثم يسير من المزدلفة على هينته كما وصفت السير من عرفة
وأحب أن يحرك في بطن محسر قدر [ ص: 234 ] رمية حجر فإن لم يفعل فلا شيء عليه ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه وأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة وزاد أحدهما على الآخر واجتمعا في المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولون : أشرق ثبير كيما نغير . فأخر الله - تعالى - هذه وقدم هذه . يعني قدم المزدلفة قبل أن تطلع الشمس وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس } ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وأخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر وعن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي الحويرث قال رأيت أبا بكر الصديق واقفا على قزح وهو يقول " أيها الناس أصبحوا أيها الناس أصبحوا " ثم دفع فرأيت فخذه مما يحرش بعيره بمحجنه ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقة ابن أبي يحيى أو سفيان أو هما عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر كان يحرك في بطن محسر ويقول : إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان أنه سمع عبيد الله بن أبي يزيد يقول سمعت { ابن عباس يقول كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم من ضعفة أهله ، يعني من المزدلفة إلى منى }
دخول منى
( قال الشافعي ) : أحب أن لا يرمي أحد حتى تطلع الشمس ولا بأس عليه أن يرمي قبل طلوع الشمس وقبل الفجر إذا رمى بعد نصف الليل أخبرنا داود بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه قال { دار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر إلى أم سلمة فأمرها أن تعجل الإفاضة من جمع حتى ترمي الجمرة وتوافي صلاة الصبح بمكة وكان يومها فأحب أن توافيه } .
أخبرنا الثقة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
( قال الشافعي ) : وهذا لا يكون إلا وقد رمت الجمرة قبل الفجر بساعة ولا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة وحدها ويرميها راكبا ، وكذلك يرميها يوم النفر راكبا ويمشي في اليومين الآخرين أحب إلي ، وإن ركب فلا شيء عليه أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني أيمن بن نابل قال أخبرني قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقته الصهباء ليس ضرب ولا طرد وليس قيل إليك إليك } .
( قال الشافعي ) وأحب إلي أن يأخذ حصى الجمرة يوم النحر من مزدلفة ومن حيثما أخذه أجزأه وكذلك في أيام منى كلها من حيث أخذه أجزأه إلا أني أكرهه من ثلاثة مواضع من المسجد لئلا يخرج حصى المسجد منه وأكرهه من الحش لنجاسته ومن كل موضع نجس وأكرهه من الجمرة ; لأنه حصى غير متقبل وأنه قد رمى به مرة وإن رماها بهذا كله أجزأه .
( قال ) ولا يجزي الرمي إلا بالحجارة وكل ما كان يقع عليه اسم حجر من مرو أو مرمر أو حجر برام أو كذان أو صوان أجزأه وكل ما لا يقع عليه اسم حجر لا يجزيه مثل الآجر والطين المجموع مطبوخا كان أو نيئا والملح والقوارير وغير ذلك مما لا يقع عليه اسم الحجارة ، فمن رمى بهذا أعاد وكان كمن لم يرم ومن رمى الجمار من فوقها أو تحتها أو بحذائها من أي وجه لم يكن عليه شيء ولا يرمي الجمار في شيء من أيام منى غير يوم النحر إلا بعد الزوال ومن رماها قبل الزوال أعاد ولا يرمى منها شيء بأقل من سبع حصيات [ ص: 235 ] فإن رماها بست ست أو كان معه حصى إحدى وعشرون فرمى الجمار ولم يدر : أي جمرة رمى بست عاد فرمى الأولى بواحدة حتى يكون على يقين من أنه قد أكمل رميها بسبع ثم رمى الاثنتين بسبع سبع ، وإن رمى بحصاة فأصابت إنسانا أو محملا ثم استنت حتى أصابت موضع الحصى من الجمرة أجزأت عنه ، وإن وقعت فنفضها الإنسان أو البعير فأصابت موقف الحصى لم تجز عنه ولو رمى إنسان بحصاتين أو ثلاث أو أكثر في مرة لم يكن إلا كحصاة واحدة وعليه أن يرمي سبع مرات ، وأقل ما عليه في الرمي أن يرمي حتى يوقع حصاه في موضع الحصى ، وإن رمى بحصاة فغابت عنه فلم يدر أين وقعت أعادها ولم تجز عنه حتى يعلم أنها قد وقعت في موضع الحصى ، ويرمي الجمرتين الأولى والوسطى يعلوهما علوا ومن حيث رماهما أجزأه ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ومن حيث رماها أجزأه وإذا رمى الجمرة الأولى تقدم عنها فجعلها في قفاه في الموضع الذي لا يناله ما تطاير من الحصى ثم وقف فكبر ، وذكر الله ودعا بقدر سورة البقرة ، ويصنع مثل ذلك عند الجمرة الوسطى إلا أنه يترك الوسطى بيمين ; لأنها على أكمة لا يمكنه غير ذلك ، ويقف في بطن المسيل منقطعا عن أن يناله الحصى ولا يصنع ذلك عند جمرة العقبة ويصنعه في أيام منى كلها ، وإن ترك ذلك فلا إعادة عليه ولا فدية ، ولا بأس إذا رمى الرعاء الجمرة يوم النحر أن يصدروا ويدعوا المبيت ب " منى " ويبيتوا في إبلهم ويقيموا ويدعوا الرمي الغد من بعد يوم النحر ثم يأتوا بعد الغد من يوم النحر ، وذلك يوم النحر الأول فيبتدئوا فيرموا لليوم الماضي الذي أعيوه في الإبل حتى إذا أكملوا الرمي أعادوا على الجمرة الأولى فاستأنفوا رمي يومهم ذلك فإن أرادوا الصدر فقد قضوا ما عليهم من الرمي ، وإن رجعوا إلى الإبل أو أقاموا بمنى لا يريدون الصدر رموا الغد ، وهو يوم النفر الآخر .
( قال ) ومن نسي رمي جمرة من الجمار نهارا رماها ليلا ولا فدية عليه وكذلك لو نسي رمي الجمار حتى يرميها في آخر أيام منى وسواء رمى جمرة العقبة إذا نسيه أو رمى الثلاث إذا رمى ذلك في أيام الرمي فلا شيء عليه ، وإن مضت أيام الرمي وقد بقيت عليه ثلاث حصيات لم يرم بهن أو أكثر من جميع الرمي فعليه دم ، وإن بقيت عليه حصاة فعليه مد ، وإن بقيت حصاتان فمدان وإن بقيت عليه ثلاث فدم وإذا تدارك عليه رميان ابتدأ الرمي الأول حتى يكمله ثم عاد فابتدأ الآخر ولا يجزيه أن يرمي في مقام واحد بأربع عشرة حصاة ، فإن أخر ذلك إلى آخر أيام منى فلم يكمل جميع ما عليه من الرمي إلى أن تغيب الشمس افتدى - كما وصفت - : الفدية في ثلاث حصيات فصاعدا دم ، ولا رمي إذا غابت الشمس ( قال ) : وكذلك لو نفر يوم النفر الأول ثم ذكر أنه قد بقي عليه الرمي أهراق دما ولو احتاط فرمى لم أكره ذلك ولا شيء عليه ; لأنه قطع الحج وله القطع ويرمي عن المريض الذي لا يستطيع الرمي وقد قيل يرمي المريض في يد الذي يرمي عنه ويكبر ، فإن فعل فلا بأس وإن لم يفعل فلا شيء عليه فإن صح في أيام منى فرمى ما رمى عنه أحببت ذلك له فإن لم يفعل فلا شيء عليه ويرمى عن الصبي الذي لا يستطيع الرمي فإن كان يعقل أن يرمي إذا أمر رمى عن نفسه وإذا رمى الرجل عن نفسه ورمى عن غيره أكمل الرمي عن نفسه ثم عاد فرمى عن غيره كما يفعل إذا تدارك عليه رميان ، وأحب إذا رمى أن يرفع يديه حتى يرى بياض ما تحت منكبيه ويكبر مع كل حصاة وإن ترك ذلك فلا فدية عليه .
( قال ) وإذا كان الحصى نجسا أحببت غسله أو ذلك إن شككت في نجاسته لئلا ينجس اليد [ ص: 236 ] أو الإزار وإن لم يفعل ورمى به أجزأه ويرمي الجمار بقدر حصى الخذف لا يجاوز ذلك أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن { النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار بمثل حصى الخذف }
أخبرنا سفيان عن حميد بن قيس عن محمد عن إبراهيم بن الحارث التيمي عن رجل من قومه من بني تيم يقال له معاذ أو { ابن معاذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم ينزل الناس بمنى منازلهم وهو يقول : ارموا ارموا بمثل حصى الخذف } .
( قال الشافعي ) والخذف ما خذف به الرجل وقدر ذلك أصغر من الأنملة طولا وعرضا وإن رمى بأصغر من ذلك أو أكبر كرهت ذلك وليس عليه إعادة
ما يكون بمنى غير الرمي
( قال الشافعي ) وأحب للرجل إذا رمى الجمرة فكان معه هدي أن يبدأ فينحره أو يذبحه ثم يحلق أو يقصر ثم يأكل من لحم هديه ثم يفيض فإن ذبح قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح أو قدم نسكا قبل نسك مما يعمل يوم النحر فلا حرج ولا فدية ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو قال { وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال اذبح ولا حرج فجاءه رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج } .
( قال الشافعي ) : ولو أفاض قبل أن يرمي فطاف كان عليه أن يرمي ولم يكن عليه إعادة الطواف ، ولو أخر الإفاضة حتى تمضي أيام منى أو بعد ذلك لم يكن عليه فدية ولا وقت للعمل في الطواف .
( قال الشافعي ) : ولا يبيت أحد من الحاج إلا بمنى ومنى ما بين العقبة وليست العقبة من منى إلى بطن محسر وليس بطن محسر من منى وسواء سهل ذلك وجبله فيما أقبل على منى فأما ما أدبر من الجبال فليس من منى ولا رخصة لأحد في ترك المبيت عن منى إلا رعاء الإبل وأهل السقاية سقاية العباس بن عبد المطلب دون السقايات ولا رخصة فيها لأحد من أهل السقايات إلا لمن ولي القيام عليها منهم .
وسواء من استعملوا عليها من غيرهم أو هم ( قال الشافعي ) أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن { النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأهل السقاية من أهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى } ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء مثله وزاد عطاء من أجل سقايتهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (97)
صــــــــــ 237 الى صـــــــــــ242
( قال الشافعي ) ومن بات عن منى غير من سميت تصدق في ليلة بدرهم وفي ليلتين بدرهمين وفي ثلاث بدم ( قال ) : ولا بأس إذا كان الرجل أكثر ليله بمنى أن يخرج من أول ليله أو آخره عن منى .
( قال الشافعي ) : ولو أن رجلا لم يفض فأفاض فشغله الطواف حتى يكون ليله أكثره بمكة لم يكن عليه فدية من قبل أنه كان لازما له من عمل الحج وأنه كان له أن يعمل في ذلك الوقت ولو كان عمله إنما هو تطوع افتدى وكذلك لو كان إنما هو لزيارة أحد أو حديثه ، ومن غابت له الشمس يوم النفر الأول بمنى ولم يخرج منها نافرا فعليه أن يبيت تلك الليلة [ ص: 237 ] ويرمي من الغد ولكنه لو خرج منها قبل أن تغيب الشمس نافرا ثم عاد إليها مارا أو زائرا لم يكن عليه شيء إن بات ، ولم يكن عليه لو بات أن يرمي من الغد
طواف من لم يفض ومن أفاض .
( قال الشافعي ) ومن قدم طوافه للحج قبل عرفة بالبيت وبين الصفا والمروة فلا يحل حتى يطوف بالبيت سبعا وليس عليه أن يعود للصفا والمروة وسواء كان قارنا أو مفردا ومن أخر الطواف حتى يرجع من منى فلا بد أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وسواء كان قارنا أو مفردا ، والقارن والمفرد سواء في كل أمرهما إلا أن على القارن دما وليس ذلك على المفرد ولأن القارن قد قضى حجة الإسلام وعمرته وعلى المفرد إعادة عمرته ، فأما ما أصابا مما عليهما فيه الفدية فهما فيه سواء وسواء الرجل والمرأة في هذا كله إلا أن المرأة تخالف الرجل في شيء واحد فيكون على الرجل أن يودع البيت وإن طاف بعد منى ، ولا يكون على المرأة وداع البيت إذا طافت بعد منى إن كانت حائضا وإن كانت طاهرا فهي مثل الرجل لم يكن لها أن تنفر حتى تودع البيت وإذا كانت لم تطف بالبيت بعد منى لم يكن لها أن تنفر حتى تطوف وليس على كريها ، ولا على رفقائها أن يحتسبوا عليها ، وحسن لو فعلوا .
( قال ) : وإذا نفر الرجل قبل أن يودع البيت فإن كان قريبا - والقريب دون ما تقتصر فيه الصلاة - أمرته بالرجوع وإن بلغ ما تقصر فيه الصلاة بعث بدم يهراق عنه بمكة فلو أنه عمد ذلك كان مسيئا ولم يكن ذلك مفسدا لحجه وأجزأه من ذلك دم يهريقه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه رخص للمرأة الحائض .
( قال ) ولو طاف رجل بالبيت الطواف الواجب عليه ثم نسي الركعتين الواجبة حتى يسعى بين الصفا والمروة لم يكن عليه إعادة ، وهكذا تقول في كل عمل يصلح في كل موضع ، والصلاة في كل موضع وكان عليه أن يصلي ركعتي الطواف حيث ذكرهما من حل أو حرم .
الهدي
( قال الشافعي ) الهدي من الإبل والبقر والغنم ، وسواء البخت والعراب من الإبل والبقر والجواميس والضأن والمعز ، ومن نذر هديا فسمى شيئا لزمه الشيء الذي سمى صغيرا كان أو كبيرا ومن لم يسم شيئا أو لزمه هدي ليس بجزاء من صيد فيكون عدله فلا يجزيه من الإبل ولا البقر ولا المعز إلا ثني فصاعدا ويجزيه الذكر والأنثى ويجزي من الضأن وحده الجذع والموضع الذي يجب عليه فيه الحرم لا محل للهدي دونه إلا أن يسمي الرجل موضعا من الأرض فينحر فيه هديا أو يحصر رجل بعدو فينحر حيث أحصر ولا هدي إلا في الحرم لا في غير ذلك ( قال ) والاختيار في الهدي أن يتركه صاحبه مستقبل القبلة ثم يقلده نعلين ثم يشعره في الشق الأيمن . والإشعار [ ص: 238 ] في الهدي أن يضرب بحديدة في سنام البعير أو سنام البقر حتى يدمي والبقر والإبل في ذلك سواء ولا يشعر الغنم ويقلد الرقاع وخرب القرب ثم يحرم صاحب الهدي مكانه وإن ترك التقليد والإشعار فلا شيء عليه وإن قلد وأشعر وهو لا يريد الإحرام فلا يكون محرما ( قال ) وإذا ساق الهدي فليس له أن يركبه إلا من ضرورة وإذا اضطر إليه ركبه ركوبا غير فادح له ، وله أن يحمل الرجل المعيا والمضطر على هديه
وإذا كان الهدي أنثى فنتجت فإن تبعها فصيلها ساقه وإن لم يتبعها حمله عليها وليس له أن يشرب من لبنها إلا بعد ري فصيلها وكذلك ليس له أن يسقي أحدا وله أن يحمل فصيلها وإن حمل عليها من غير ضرورة فأعجفها غرم قيمة ما نقصها وكذلك إن شرب من لبنها ما ينهك فصيلها غرم قيمة اللبن الذي شرب .
وإن قلدها وأشعرها ووجهها إلى البيت أو وجهها بكلام فقال هذه هدي ، فليس له أن يرجع فيها ولا يبدلها بخير ولا بشر منها كانت زاكية أو غير زاكية وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها
وإنما أنظر في الهدي إلى يوم يوجب ، فإن كان وافيا ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج أو ما لا يكون به وافيا على الابتداء لم يضره إذا بلغ المنسك ، وإن كان يوم وجب ليس بواف ثم صح حتى يصير وافيا قبل أن ينحر لم يجز عنه ولم يكن له أن يحبسه ولا عليه أن يبدله إلا أن يتطوع بإبداله مع نحره أو يكون أصله واجبا فلا يجزي عنه فيه إلا واف ، والهدي هديان هدي أصله تطوع فذلك إذا ساقه فعطب فأدرك ذكاته فنحره أحببت له أن يغمس قلادته في دمه ثم يضرب بها صفحته ثم يخلي بين الناس وبينه يأكلونه ، فإن لم يحضره أحد تركه بتلك الحال وإن عطب فلم يدرك ذكاته فلا بدل عليه في واحدة من الحالين فإن أدرك ذكاته فترك أن يذكيه أو ذكاه فأكله أو أطعمه أغنياء أو باعه فعليه بدله وإن أطعم بعضه أغنياء وبعضه مساكين أو أكل بعضه وخلى بين الناس وبين ما بقي منه غرم قيمة ما أكل وما أطعم الأغنياء فيتصدق به على مساكين الحرم لا يجزيه غير ذلك ، وهدي واجب فذلك إذا عطب دون الحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه بذله بكل حال ولو تصدق به في موضعه على مساكين كان عليه بدله لأنه قد خرج من أن يكون هديا حين عطب قبل أن يبلغ محله
وإذا ساق المتمتع الهدي معه أو القارن لمتعته أو قرانه فلو تركه حتى ينحره يوم النحر كان أحب إلي وإن قدم فنحره في الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين فرض في الأبدان فلا يكون إلا بعد الوقت وفرض في بالأموال فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض وهكذا إن ساقه مفردا متطوعا به والاختيار إذا ساقه معتمرا أن ينحره بعدما يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يحلق عند المروة وحيث نحره من فجاج مكة أجزأه والاختيار في الحج أن ينحره يعني بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق وحيثما نحره من منى أو مكة إذا أعطاه مساكين الحرم أجزأه
ولو أن رجلين كان عليهما هديان واجبان فأخطأ كل واحد منهما بهدي صاحبه فذبحه ثم أدركه قبل أن يتصدق به أخذ كل واحد منهما هدي نفسه ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين الهديين حيين ومنحورين وأجزأ عنهما وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه ولو لم يدركاه حتى فات تصدقه ، ضمن كل واحد [ ص: 239 ] منهما لصاحبه قيمة الهدي حيا وكان على كل واحد منهما البدل ولا أحب أن يبدل واحد منهما إلا بجميع ثمن هديه وإن لم يجد بثمن هديه هديا زاد حتى يبدله هديا
ولو أن رجلا نحر هديه فمنع المساكين دفعه إليهم أو نحره بناحية ولم يحل بين المساكين وبينه حتى ينتن كان عليه أن يبدله والنحر يوم النحر وأيام منى كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيامها فإذا غابت الشمس فلا نحر إلا أن من كان عليه هدي واجب نحره وأعطاه مساكين الحرم قضاء ، ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين حاضرين فسواء وفي أي الحرم ذبحه ثم أبلغه مساكين الحرم أجزأه ، وإن كان ذبحه إياه في غير موضع ناس .
وينحر الإبل قياما غير معقولة فإن أحب عقل إحدى قوائمها وإن نحرها باركة أو مضطجعة أجزأت عنه وينحر الإبل ويذبح البقر والغنم وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الإبل كرهت له ذلك وأجزأت عنه ومن أطاق الذبح من امرأة أو رجل أجزأ أن يذبح النسيكة ، وهكذا من حلت ذكاته إلا أني أكره أن يذبح النسيكة يهودي أو نصراني فإن فعل فلا إعادة على صاحبه ، وأحب إلي أن يذبح النسيكة صاحبها أو يحضر الذبح فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة
( قال الشافعي ) وإذا سمى الله على النسيكة أجزأ عنه وإن قال اللهم تقبل مني أو تقبل عن فلان الذي أمره بذبحه فلا بأس ، وأحب أن يأكل من كبد ذبيحته قبل أن يفيض أو لحمها ، وإن لم يفعل فلا بأس وإنما آمره أن يأكل من التطوع والهدي هديان واجب وتطوع فكل ما كان أصله واجبا على إنسان ليس له حبسه فلا يأكل منه شيئا وذلك مثل هدي الفساد والطيب وجزاء الصيد والنذور والمتعة .
وإن أكل من الهدي الواجب تصدق بقيمة ما أكل منه وكل ما كان أصله تطوعا مثل الضحايا والهدايا تطوعا أكل منه وأطعم وأهدى وادخر وتصدق وأحب إلي أن لا يأكل ولا يحبس إلا ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث وإن لم يقلد هديه ولم يشعره قارنا كان أو غيره أجزأه أن يشتري هديا من " منى " أو مكة ثم يذبحه مكانه لأنه ليس على الهدي عمل إنما العمل على الآدميين والنسك لهم وإنما هذا مال من أموالهم يتقربون به إلى الله عز وجل ولا بأس أن يشترك السبعة المتمتعون في بدنة أو بقرة وكذلك لو كانوا سبعة وجبت على كل واحد منهم شاة أو محصرين ويخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر قال : { نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة } .
ما يفسد الحج ( قال الشافعي ) إذا أهل الرجل بعمرة ثم أصاب أهله فيما بين أن يهل إلى أن يكمل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة فهو مفسد وإذا أهل الرجل بحج أو بحج وعمرة ثم أصاب أهله فيما بينه وبين أن يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات ويطوف بالبيت وإن لم يرم جمرة العقبة بعد عرفة فهو مفسد والذي يفسد الحج الذي يوجب الحد من أن يغيب الحشفة ، لا يفسد الحج شيء غير ذلك من عبث ولا تلذذ وإن جاء الماء الدافق فلا شيء وما فعله الحاج مما نهي عنه من صيد أو غيره وإذا أفسد رجل الحج مضى في حجه كما كان يمضي فيه لو لم يفسده فإذا كان قابل حج وأهدى بدنة تجزي عنهما معا وكذلك لو [ ص: 240 ] كانت امرأته حلالا وهو حرام أجزأت عنه بدنة وكذلك لو كانت هي حراما وكان هو حلالا كانت عليه بدنة ويحجها من قابل من قبل أنه الفاعل وأن الآثار إنما جاءت ببدنة واحدة تجزي عن كليهما ولو وطئ مرارا كان واحدا من قبل أنه قد أفسده مرة ولو وطئ نساء كان واحدا من قبل أنه أفسده مرة إلا أنهن إن كن محرمات فقد أفسد عليهن ، وعليه أن يحجهن كلهن ثم ينحر عن كل واحدة منهن بدنة لأن إحرام كل واحدة منهن غير إحرام الأخرى وما تلذذ به من امرأته دون ما وصفت من شيء من أمر الدنيا فشاة تجزيه فيه وإذا لم يجد المفسد بدنة ذبح بقرة وإن لم يجد بقرة ذبح سبعا من الغنم وإذا كان معسرا عن هذا كله قومت البدنة له دراهم بمكة والدراهم طعاما ثم أطعم وإن كان معسرا عن الطعام صام عن كل مد يوما وهكذا كل ما وجب عليه فأعسر به مما لم يأت فيه نفسه نص خبر صنع فيه هكذا وما جاء فيه نص خبر فهو على ما جاء فيه ولا يكون الطعام ولا الهدي إلا بمكة ومنى ويكون الصوم حيث شاء لأنه لا منفعة لأهل الحرم في صيامه .
الإحصار
( قال الشافعي ) الإحصار الذي ذكره الله تبارك وتعالى فقال : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } نزلت يوم الحديبية { وأحصر النبي صلى الله عليه وسلم بعدو : ونحر عليه الصلاة والسلام في الحل } ، وقد قيل : نحر في الحرم وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل ; وبعضها في الحرم ، لأن الله عز وجل يقول { وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله } والحرام كله محله عند أهل العلم ، فحيثما أحصر الرجل ، قريبا كان أو بعيدا ، بعدو حائل ، مسلم أو كافر ، وقد أحرم ، ذبح شاة وحل ، ولا قضاء عليه ، إلا أن يكون حجه حجة الإسلام فيحجها ، وهكذا السلطان إن حبسه في سجن أو غيره ، وهكذا العبد يحرم بغير إذن سيده ، وكذلك المرأة تحرم بغير إذن زوجها ، لأن لهما أن يحبساهما وليس هذا للوالد على الولد ، ولا للولي على المولى عليه . ولو تأنى الذي أحصر رجاء أن يخلى ، كان أحب إلي ، فإذا رأى أنه لا يخلى حل ; وإذا حل ثم خلي ، فأحب إلي لو جدد إحراما ، وإن لم يفعل فلا شيء عليه ، لأني إذا أذنت له أن يحل بغير قضاء ، لم أجعل عليه العودة . وإذا لم يجد شاة يذبحها للفقراء ، فلو صام عدل الشاة قبل أن يحل ، كان أحب إلي ، وإن لم يفعل وحل ، رجوت أن لا يكون عليه شيء ، ومتى أصابه أذى وهو يرجو أن يخلي ; نحاه عنه وافتدى في موضعه كما يفتدي المحصر إذا خلي عنه في غير الحرم ، وكان مخالفا لما سواه لمن قدر على الحرم ، ذلك لا يجزيه إلا أن يبلغ هديه الحرم .
الإحصار بالمرض وغيره .
( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وغيره ، عن ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو وزاد أحدهما " ذهب الحصر الآن " .
( قال الشافعي ) : والذي يذهب إلي أن الحصر الذي ذكر الله عز وجل يحل منه صاحبه حصر العدو ، فمن حبس بخطأ عدد أو مرض ، فلا يحل من إحرامه ، وإن احتاج إلى دواء ، عليه فيه فدية أو تنحية أذى فعله [ ص: 241 ] وافتدى ، ويفتدي في الحرم بأن يفعله ويبعث بهدي إلى الحرم : فمتى أطاق المضي مضى فحل من إحرامه بالطواف والسعي ، فإن كان معتمرا فلا وقت عليه ، ويحل ويرجع وإن كان حاجا فأدرك الحج ، فذاك ، وإن لم يدرك ، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وعليه حج قابل وما استيسر من الهدي ، وهكذا من أخطأ العدد
( قال الشافعي ) ومن لم يدخل عرفة إلا مغمى عليه ، لم يعقل ساعة ولا طرفة عين وهو بعرفة ، فقد فاته الحج ، وإن طيف به وهو لا يعقل فلم يطف ، وإن أحرم وهو لا يعقل فلم يحرم ، وإذا عقل بعرفة ساعة ، أو عقل بعد الإحرام ساعة وهو محرم . ثم أغمي عليه فيما بين ذلك ، لم يضره . إلا أنه إن لم يعقل حتى تجاوز الوقت ، فعليه دم لترك الوقت ، ولا يجزي عنه في الطواف ولا في الصلاة إلا أن يكون عاقلا في هذا كله ، لأن هذا عمل لا يجزيه ، قليله من كثيره ، وعرفة يجزيه قليلها من كثيرها ، وكذلك الإحرام .
مختصر الحج الصغير أخبرنا الربيع بن سليمان قال : ( قال الشافعي ) من سلك على المدينة أهل من ذي الحليفة ، ومن سلك على الساحل ، أهل من الجحفة ، ومن سلك بحرا أو غير الساحل ، أهل إذا حاذى الجحفة ، ولا بأس أن يهل من دون ذلك إلى بلده ، وإن جاوز رجع إلى ميقاته ، وإن لم يرجع أهراق دما ، وهي شاة يتصدق بها على المساكين ( قال ) : وأحب للرجل والمرأة إذا كانت حائضا أو نفساء أن يغتسلا للإحرام ويأخذا من شعورهما وأظفارهما قبله ، فإن لم يفعلا وتوضآ أجزأهما ( قال ) : وأحب أن يهلا خلف الصلاة ، مكتوبة أو نافلة ، وإن لم يفعلا وأهلا على غير وضوء ، فلا بأس عليهما ( قال ) : وأحب للرجل أن يلبس ثوبين أبيضين جديدين أو غسيلين ، وللمرأة أن تلبس ثيابا كذلك ، ولا بأس عليهما فيما لبسا ، ما لم يكن مصبوغا بزعفران أو ورس أو طيب ، ويلبس الرجل الإزار والرداء ، أو ثوبا نظيفا يطرحه كما يطرح الرداء ، إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل ، وأن لا يجد نعلين فيلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين . ولا يلبس ثوبا مخيطا ولا عمامة . إلا أن يطرح ذلك على كتفيه أو ظهره طرحا ، وله أن يغطي وجهه ولا يغطي رأسه ، وتلبس المرأة السراويل والخفين والقميص والخمار ، وكل ما كانت تلبسه غير محرمة إلا ثوبا فيه طيب ، ولا تخمر وجهها ، وتخمر رأسها إلا أن تريد أن تستر وجهها ، فتجافي الخمار ، ثم تسدل الثوب على وجهها متجافيا ويستظل المحرم والمحرمة في القبة والكنيسة وغيرهما ويبدلان ثيابهما التي أحرما فيها ويلبسان غيرها ( قال ) وإذا مات المحرم غسل بماء وسدر ولم يقرب طيبا وكفن في ثوبيه ولم يقمص وخمر وجهه ولم يخمر رأسه ( قال ) وإذا ماتت المحرمة غسلت بماء وسدر وقمصت وأزرت وشد رأسها بالخمار وكشف عن وجهها ( قال ) ولا تلبس المحرمة قفازين ولا برقعا ( قال ) ولا بأس أن يتطيب المحرم والمحرمة بالغالية والنضوح والمجمر وما تبقى رائحته بعد الإحرام إن كان الطيب قبل الإحرام وكذلك يتطيبان إذا رميا جمرة العقبة ( قال ) وإذا أخذا من شعورهما قبل الإحرام فإذا أهلا فإن شاءا قرنا وإن شاءا أفردا الحج وإن شاءا تمتعا بالعمرة إلى الحج [ ص: 242 ] والتمتع أحب إلي ( قال ) وإذا تمتعا أو قرنا أجزأهما أن يذبحا شاة فإن لم يجداها صاما ثلاثة أيام فيما بين أن يهلا بالحج إلى يوم عرفة فإن لم يصوماها لم يصوما أيام منى وصاما ثلاثة بعد منى بمكة أو في سفرهما وسبعة بعد ذلك وأختار لهما التمتع ، وأيهما أراد أن يحرما به كفتهما النية وإن سمياه فلا بأس .
التلبية
لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " فإذا فرغ من التلبية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الله تعالى رضاه والجنة واستعاذه من سخطه والنار ويكثر من التلبية ويجهر بها الرجل صوته ما لم يفدحه وتخافت بها المرأة وأستحبها خلف الصلوات ومع الفجر ومع مغيب الشمس وعند اضطمام الرفاق والهبوط والإصعاد وفي كل حال أحبها ولا بأس أن يلبي على وضوء وعلى غير وضوء ، وتلبي المرأة حائضا ولا بأس أن يغتسل الرجل ويدلك جسده من الوسخ ولا يدلك رأسه لئلا يقطع شعره وأحب له الغسل لدخولمكة فإذا دخلها أحببت له أن لا يخرج حتى يطوف بالبيت .
( قال ) وأحب له إذا رأى البيت أن يقول " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا " وأن يستلم الركن الأسود ويضطبع بثوبه وهو أن يدخل رداءه من تحت منكبه الأيمن حتى يبرز منكبه ثم يهرول ثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ويمشي أربعة ويستلم الركن اليماني والحجر ولا يستلم غيرهما فإن كان الزحام كثيرا مضى وكبر ولم يستلم .
( قال ) وأحب أن يكون أكثر كلامه في الطواف { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } فإذا فرغ صلى خلف المقام أو حيثما تيسر ركعتين قرأ فيهما بأم القرآن و { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } وما قرأ به مع أم القرآن أجزأه ثم يصعد على الصفا صعودا لا يتوارى عنه البيت ثم يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ثم يدعو في أمر الدين والدنيا ويعيد هذا الكلام بين أضعاف كلامه حتى يقول ثلاث مرات ثم يهبط عن الصفا ، فإذا كان دون الميل الأخضر الذي في ركن المسجد بنحو من ستة أذرع عدا حتى يحاذي الميلين المتقابلين بفناء المسجد ودار العباس ثم يظهر على المروة جهده حتى يبدو له البيت إن بدا له ثم يصنع عليها مثل ما صنع على الصفا وما دعا به عليها أجزأه حتى يكمل الطواف بينهما سبعا ، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة .
وإن كان متمتعا أخذ من شعره وأقام حلالا فإذا أراد التوجه إلى منى توجه يوم التروية قبل الظهر فطاف بالبيت سبعا للوداع ثم أهل بالحج متوجها من المسجد ثم أتى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم غدا منها إلى عرفة فنزل حيث شاء وأختار له أن يشهد الظهر والعصر مع الإمام ويقف قريبا منه ويدعو ويجتهد فإذا غابت الشمس دفع وسار على هينته حتى يأتي المزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء والصبح ثم يغدو فيقف ثم يدعو ويدفع قبل أن تطلع الشمس إذا أسفر إسفارا بينا ويأخذ حصى جمرة واحدة سبع حصيات فيرمي جمرة العقبة وحدها بهن ، ويرمي من بطن المسيل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (98)
صــــــــــ 243 الى صـــــــــــ248
ومن حيث رمى أجزأه ، ثم قد حل له ما حرم عليه الحج إلا النساء ويلبي حتى يرمي جمرة العقبة بأول حصاة ثم يقطع التلبية فإذا طاف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا فقد حل له النساء وإن كان قارنا أو مفردا فعليه [ ص: 243 ] أن يقيم محرما بحاله ويصنع ما وصفت غير أنه إذا كان قارنا أو مفردا أجزأه إن طاف قبل منى وبين الصفا والمروة أن يطوف بالبيت سبعا واحدا بعد عرفة تحل له النساء ولا يعود إلى الصفا والمروة وإن لم يطف قبل منى فعليه بعد عرفة أن يطوف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة سبعا وأحب له أن يغتسل لرمي الجمار والوقوف بعرفة والمزدلفة وإن لم يفعل وفعل عمل الحج كله على غير وضوء أجزأه ، لأن الحائض تفعله إلا الصلاة والطواف بالبيت لأنه لا يفعله إلا طاهرا فإذا كان بعد يوم النحر فذبح شاة وجب عليه التصدق بجلدها ولحمها ولم يحبس منها شيئا وإن كانت نافلة تصدق منها وأكل وحبس ويذبح في أيام منى كلها ليلا ونهارا والنهار أحب إلي من الليل ويرمي الجمار أيام منى كلها وهي ثلاث كل واحدة منهن بسبع حصيات ولا يرميها حتى تزول الشمس في شيء من أيام منى كلها بعد يوم النحر وأحب إذا رمى أن يكبر مع كل حصاة ويتقدم عن الجمرة الدنيا حيث يرى الناس يقفون فيدعو ويطيل قدر قراءة سورة البقرة ويفعل ذلك عند الجمرة الوسطى ولا يفعله عند جمرة العقبة .
وإن أخطأ فرمى بحصاتين في مرة واحدة فهي حصاة واحدة حتى يرمي سبع مرات ويأخذ حصى الجمار من حيث شاء إلا من موضع نجس أو مسجد أو من الجمار فإني أكره له أن يأخذ من هذه المواضع ويرمي بمثل حصى الخذف وهو أصغر من الأنامل ولا بأس أن يطهر الحصى قبل أن يحمله وإن تعجل في يومين بعد يوم النحر فذلك له وإن غابت الشمس من اليوم الثاني أقام حتى يرمي الجمار من يوم الثالث بعد الزوال وإن تتابع عليه رميان بأن ينسى أو يغيب فعليه أن يرمي فإذا فرغ منه عاد فرمى رميا ثانيا ولا يرمي بأربع عشرة في موقف واحد فإذا صدر وأراد الرحيل عن مكة طاف بالبيت سبعا يودع به البيت يكون آخر كل عمل يعمله فإن خرج ولم يطف بعث بشاة تذبح عنه والرجل والمرأة في هذا سواء إلا الحائض فإنها تصدر بغير وداع إذا طافت الطواف الذي عليها وأحب له إذا ودع البيت أن يقف في الملتزم وهو بين الركن والباب فيقول : اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فاصحبني بالعافية في بدني والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أحييتني " وما زاد إن شاء الله تعالى أجزأه .
كتاب الضحايا أخبرنا الربيع قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى الضحايا سنة لا أحب تركها ومن ضحى فأقل ما يجزيه الثني من المعز والإبل والبقر ولا يجزي جذع إلا من الضأن وحدها ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة أو عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته كانت قد وقعت ثم اسم ضحية ولم تعطل وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضا .
( قال ) ووقت الضحايا انصراف الإمام من الصلاة فإذا أبطأ الإمام أو كان الأضحى ببلد لا إمام به ، فقدر ما تحل الصلاة ثم يقضي صلاته ركعتين وليس على الإمام إن أبطأ بالصلاة عن [ ص: 244 ] وقتها لأن الوقت إنما هو وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما أحدث بعده وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي أمره بإعادة ضحيته بضائنة جذعة فهي تجزي ، وإن كان أمره بجذعة غير الضأن فقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { تجزيك ولا تجزي أحدا بعدك } وأما سوى ما ذكرت فلا يعد ضحايا حتى يجتمع السن والوقت وما بعده من أيام منى خاصة فإذا مضت أيام " منى " فلا ضحية وما ذبح يومئذ فهي ذبيحة غير الضحية وإنما أمرنا بالضحية في أيام " منى " وزعمنا أنها لا تفوت لأنا حفظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { هذه أيام نسك ورمى فيها كلها الجمار } ورأينا المسلمين إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام منى نهوا عنها ونهوا عن العمرة فيها من كان حاجا لأنه في بقية من حجه فإن ذهب ذاهب إلى { أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضحى في يوم النحر } فذلك أفضل الأضحى وإن كان يجزي فيما بعده لأن { النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه أيام نسك } فلما قال المسلمون ما وصفنا لزمه أن يزعم أن اليوم الثالث كاليومين وإنما كرهنا أن يضحي بالليل على نحو ما كرهنا من الحداد بالليل لأن الليل سكن والنهار ينتشر فيه لطلب المعاش فأحببنا أن يحضر من يحتاج إلى لحوم الضحايا لأن ذلك أجزل عن المتصدق وأشبه أن لا يجد المتصدق في مكارم الأخلاق بدا من أن يتصدق على من حضره للحياء ممن حضره من المساكين وغيرهم مع أن الذي يلي الضحايا يليها بالنهار أخف عليه وأحرى أن لا يصيب نفسه بأذى ولا يفسد من الضحية شيئا وأهل الأمصار في ذلك مثل أهل " منى " فإذا غابت الشمس من آخر أيام التشريق ، ثم ضحى أحد ، فلا ضحية له .
باب ما تجزي عنه البدنة من العدد في الضحايا
( قال الشافعي ) رحمه الله أقول بحديث مالك عن أبي الزبير { عن جابر أنهم نحروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة } .
( قال الشافعي ) وكانوا محصرين قال الله تبارك وتعالى { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } فلما قال { فما استيسر من الهدي } شاة ، فأجزأت البدنة عن سبعة محصورين ومتمتعين وعن سبعة وجبت عليهم من قران أو جزاء صيد أو غير ذلك إذا كانت على كل واحد منهم شاة لأن هذا في معنى الشاة ولو أخرج كل واحد منهم حصته من ثمنها أجزأت عنهم وإذا ملكوها بغير بيع أجزأت عنهم وإذا ملكوها بثمن وسواء في ذلك كانوا أهل بيت أو غيرهم لأن أهل الحديبية كانوا من قبائل شتى وشعوب متفرقة ولا تجزئ عن أكثر من سبعة وإذا كانوا أقل من سبعة أجزأت عنهم وهم متطوعون بالفضل كما تجزي الجزور عمن لزمته شاة ويكون متطوعا بفضلها عن الشاة وإذا لم توجد البدنة كان عدلها سبعة من الغنم قياسا على هذا الحديث ، وكذلك البقرة ، وإذا زعم أنه قد سمى الله تعالى عند الذبح فهو أمين وللناس أن يأكلوها وهو أمين على أكثر من هذا : الإيمان والصلاة .
( قال الشافعي ) وكل ذبح كان واجبا على مسلم فلا أحب له أن [ ص: 245 ] يولي ذبحه النصراني ولا أحرم ذلك عليه إن ذبحه لأنه إذا حل له لحمه فذبيحته أيسر وكل ذبح ليس بواجب فلا بأس أن يذبحه النصراني والمرأة والصبي وإن استقبل الذابح القبلة فهو أحب إلي وإن أخطأ أو نسي فلا شيء عليه إن شاء الله وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به إلى الله تعالى فخير الدماء أحب إلي ، وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله عز وجل { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } استسمان الهدي واستحسانه { وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الرقاب أفضل ؟ قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها } .
( قال الشافعي ) والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقرب به إلى الله عز وجل إذا كان نفيسا كلما عظمت رزيته على المتقرب به إلى الله تبارك وتعالى كان أعظم لأجره .
الضحايا الثاني ( قال الشافعي ) رحمه الله : الضحايا الجذع من الضأن والثني من المعز والإبل والبقر ولا يكون شيء دون هذا ضحية . والضحية تطوع سنة فكل ما كان من تطوع فهو هكذا وكل ما كان من جزاء صيد صغير أو كبير إذا كان مثل الصيد أجزأ لأنه بدل والبدل مثل ما أصيب وهذا مكتوب بحججه في كتاب الحج
( قال الشافعي ) وقت الأضحى قدر ما يدخل الإمام في الصلاة حين تحل الصلاة وذلك إذا برزت الشمس فيصلي ركعتين ثم يخطب خطبتين خفيفتين فإذا مضى من النهار قدر هذا الوقت حل الأضحى وليس الوقت في عمل الرجال الذين يتولون الصلاة فيقدمونها قبل وقتها أو يؤخرونها بعد وقتها ، أرأيت لو صلى رجل تلك الصلاة بعد الصبح وخطب وانصرف مع الشمس أو قبلها أو أخر ذلك إلى الضحى الأعلى هل كان يجوز أن يضحي في الوقت الأول أو يحرم أن يضحي قبل الوقت الآخر لا وقت في شيء وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقته ، فأما تأخر الفعل وتقدمه عن فعله فلا وقت فيه .
( قال الشافعي ) وأهل البوادي وأهل القرى الذين لهم أئمة في هذا سواء ولا وقت إلا بقدر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فأما صلاة من بعده فليس فيها وقت لأن منهم من يؤخر ومنهم من يقدمها .
( قال الشافعي ) وليس في القرن نقص فيضحي بالجلحاء ، وإذا ضحى بالجلحاء فهي أبعد من القرن من مكسورة القرن وسواء كان قرنها يدمي أو صحيحا لأنه لا خوف عليها في دم قرنها فتكون به مريضة فلا تجزي من جهة المرض ولا يجوز فيها إلا هذا وإن كان قرنها مكسورا كسرا قليلا أو كثيرا يدمي أو لا يدمي فهو يجزي
( قال الشافعي ) ومن شاء من الأئمة أن يضحي في مصلاه ومن شاء ضحى في منزله وإذا صلى الإمام فقد علم من معه أن الضحية قد حلت فليسوا يزدادون علما بأن يضحي ولا يضيق عليهم أن يضحوا ، أرأيت لو لم يضح على حال أو أخر الضحية إلى بعض النهار أو إلى الغد أو بعده .
( قال الشافعي ) ولا تجزي المريضة أي مرض ما كان بينا في الضحية وإذا أوجب الرجل الشاة ضحية وإيجابها أن يقول هذه ضحية ليس شراؤها والنية أن يضحي بها إيجابا فإذا أوجبها لم يكن له أن يبدلها بخير ولا شر منها ولو أبدلها فذبح التي أبدل كان عليه أن يعود فيذبح الأولى ولم يكن له إمساكها ومتى لم يوجبها فله الامتناع من أن يضحي بها أبدلها أو لم يبدلها كما يشتري العبد ينوي أن يعتقه والمال ينوي أن يتصدق به فلا يكون عليه أن يعتق هذا ولا يتصدق بهذا ولو فعل كان خيرا له ( قال ) ولا تجزي الجرباء والجرب قليله وكثيره مرض بين مفسد للحم وناقص للثمن .
( قال الشافعي ) وإذا باع الرجل الضحية قد أوجبها فالبيع مفسوخ فإن فاتت فعليه أن يشتري بجميع ثمنها أضحية [ ص: 246 ] فيضحي بها فإن بلغ ثمنها أضحيتين اشتراهما لأن ثمنها بدل منها ولا يكون له أن يملك منه شيئا وإن بلغ أضحية وزاد شيئا لا يبلغ ثانية ضحى بالضحية وأسلك الفضل مسلك الضحية .
( قال الشافعي ) وأحب إلي لو تصدق به وإن نقص عن ضحية فعليه أن يزيد حتى يوفي ضحية ، لا يجزيه غير ذلك لأنه مستهلك الضحية فأقل ما يلزمه ضحية مثلها
( قال الشافعي ) الضحايا سنة لا يجب تركها فمن ضحى فأقل ما يكفيه جذع الضأن أو ثني المعز أو ثني الإبل والبقر ; والإبل أحب إلي أن يضحي بها من البقر والبقر أحب إلي أن يضحي بها من الغنم وكل ما غلا من الغنم كان أحب إلي مما رخص وكل ما طاب لحمه كان أحب إلي مما يخبث لحمه ( قال ) والضأن أحب إلي من المعز والعفر أحب إلي من السود وسواء في الضحايا أهل منى وأهل الأمصار ، فإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به إلى الله تعالى فخير الدماء أحب إلي ، وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله تعالى { ذلك ومن يعظم شعائر الله } استسمان الهدي واستحسانه { وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الرقاب أفضل ؟ فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها } والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقرب به إلى الله تعالى إذا كان نفيسا كلما عظمت رزيته على المتقرب به إلى الله تعالى كان أعظم لأجره وقد قال الله تعالى في المتمتع { فما استيسر من الهدي } وقال ابن عباس ما استيسر من الهدي شاة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يذبحوا شاة شاة وكان ذلك أقل ما يجزيهم لأنه إذا أجزأه أدنى الدم فأعلاه خير منه ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان بشاة أو عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته فقد وقع اسم ضحية عليه ولم تعطل ، وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضا ، ولا يلزم الرجل أن يضحي عن امرأة ولا ولد ولا نفسه وقد بلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما ليظن من رآهما أنها واجبة وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال اشتروا بهما لحما ثم قال هذه أضحية ابن عباس وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر ولا يعدو القول في الضحايا هذا أن تكون واجبة ، فهي على كل أحد صغير أو كبير لا تجزي غير شاة عن كل أحد ، فأما ما سوى هذا من القول فلا يجوز .
( قال الشافعي ) فإذا أوجب الضحية فولدت ذبح ولدها معها كما يوجب البدنة فتنتج فيذبح ولدها معها إذا لم يوجبها فقد كان له فيها إمساكها ، وولدها بمنزلتها إن شاء أمسكه وإن شاء ذبحه ، ومن زعم أنه ليس له أن يبدل الضحية بمثلها ولا دونها مما يجزي فقد جعلها في هذا الموضع واجبة فيلزمه أن يقول في هذا الموضع مثل ما قلنا ويلزم أن يقول ولا له أن يبدلها بما هو خير منها لأنه هكذا يقول في كل ما أوجب ولا تعدو الضحية إذا اشتريت أن يكون حكمها حكم واجب الهدي فلا يجوز أن تبدل بألف مثلها أو حكمها حكم ماله يصنع به ما شاء فلا بأس أن يبدلها بما شاء مما يجوز ضحية وإن كان دونها ويحبسها
( قال الشافعي ) وإذا أوجب الضحية لم يجز صوفها وما لم يوجبها فله أن يجز صوفها ، والضحية نسك من النسك مأذون في أكله وإطعامه وادخاره فهذا كله جائز في جميع الضحية جلدها ولحمها وأكره بيع شيء منه والمبادلة به بيع .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل ومن أين كرهت أن تباع وأنت لا تكره أن تؤكل وتدخر ؟ قيل له لما كان نسكا فكان الله حكم في البدن التي هي نسك فقال عز وجل { فكلوا منها وأطعموا } وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكل الضحايا والإطعام كان ما أذن الله فيه ورسوله صلى الله عليه وسلم مأذونا فيه فكان أصل ما أخرج الله عز وجل معقولا أن لا يعود إلى مالكه منه شيء إلا ما أذن الله فيه [ ص: 247 ] أو رسوله صلى الله عليه وسلم فاقتصرنا على ما أذن الله عز وجل فيه ثم رسوله ومنعنا البيع على أصل النسك أنه ممنوع من البيع فإن قال : أفتجد ما يشبه هذا ؟ قيل نعم الجيش يدخلون بلاد العدو فيكون الغلول محرما عليهم ويكون ما أصابوا من العدو بينهم وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصابوا في المأكول لمن أكله فأخرجناه من الغلول إذا كان مأكولا وزعمنا أنه إذا كان مبيعا إنه غلول وإن على بائعه رد ثمنه ولم أعلم بين الناس في هذا اختلافا أن من باع من ضحيته جلدا أو غيره أعاد ثمنه أو قيمة ما باع منه إن كانت القيمة أكثر من الثمن فيما يجوز أن تجعل فيه الضحية والصدقة به أحب إلي كما الصدقة بلحم الضحية أحب إلي ولبن الضحية كلبن البدنة إذا أوجبت الضحية لا يشرب منه صاحبه إلا الفضل عن ولدها وما لا ينهك لحمها ولو تصدق به كان أحب إلي ، فإذا لم يوجب صنع ما شاء .
( قال الشافعي ) ولا تجزي العوراء وأقل البياض في السواد على الناظر كان أو على غيره يقع به اسم العور البين ولا تجزئ العرجاء وأقل العرج بين أنه عرج إذا كان من نفس الخلقة أو عرج خارج ثابت فذلك العرج البين .
( قال ) ومن اشترى ضحية فأوجبها أو أهدى هديا ما كان فأوجبه وهو تام ثم عرض له نقص وبلغ المنسك أجزأ عنه إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه فيخرج من ماله إلى ما جعله له فإذا كان تاما وبلغ ما جعله له أجزأ عنه بتمامه عند الإيجاب وبلوغه أمده وما اشترى من هذا فلم يوجبه إلا بعد ما نقص فكان لا يجزئ ثم أوجبه ذبحه ولم يجز عنه لأنه أوجبه وهو غير مجزئ ، فما كان من ذلك لازما له فعليه أن يأتي بتام وما كان تطوعا فليس عليه بدله .
( قال الشافعي ) وإذا اشترى الرجل الضحية فأوجبها أو لم يوجبها فماتت أو ضلت أو سرقت فلا بدل عليه وليست بأكثر من هدي تطوع يوجبه صاحبه فيموت فلا يكون عليه بدل إنما تكون الأبدال في الواجب ولكنه إن وجدها بعدما أوجبها ذبحها وإن مضت أيام النحر كلها كما يصنع في البدن من الهدي تضل وإن لم يكن أوجبها فوجدها ، لم يكن علة ذبحها ولو ذبحها كان أحب إلي .
( قال الشافعي ) وإذا اشترى الرجل الضحية فلم يوجبها حتى أصابها ما لا تجوز معه بحضرة الذبح قبل أن يذبحها أو قبل ذلك لم تكن ضحية ولو أوجبها سالمة ثم أصابها ذلك وبلغت أيام الأضحى ضحى بها وأجزأت عنه إنما أنظر إلى الضحية في الحال التي أوجبها فيها وليس فيما أصابها بعد ذبحها شيء يسأل عنه أحد إنما هي حينئذ ذكية مذبوحة لا عين لها قائمة إلا وقد فارقها الروح لا يضرها ما كسرها ولا ما أصابها وإلى الكسر تصير .
( قال الشافعي ) وإذا زعمنا أن العرجاء والعوراء لا تجوز في الضحية كانت إذا كانت عوراء أو لا يد لها ولا رجل داخلة في هذا المعنى وفي أكثر منه وليس في القرن نقص وإذا خلقت لها أذن ما كانت أجزأت وإن خلقت لا أذن لها لم تجز ، وكذلك لو جدعت لم تجز لأن هذا نقص من المأكول منها .
( قال الشافعي ) فإذا أوجب الرجل ضحية أو هديا فذبحا عنه في وقتهما بغير إذنه فأدركهما قبل أن يستهلك لحمها أجزأتا معا عنه لأنهما ذكاتان ومذبوحتان في وقت وكان له أن يرجع على الذي تعدى بما بين قيمتهما قائمتين ومذبوحتين ثم يجعله في سبيل الهدي وفي سبيل الضحية ، لا يجزيه غير ذلك وإن ذبح له شاة وقد اشتراها ولم يوجبها في وقتها وأدركها فشاء أن تكون ضحية لم تجز عنه ورجع عليه بما بين قيمتها قائمة ومذبوحة وإن شاء أن يحبس لحمها حبسه لأنه لم يكن أوجبها فإن فات لحمها في هذا كله يرجع على الذابح بقيمتها حية وكان عليه أن يبتاع بما أخذه من قيمة الواجب منها ضحية أو هديا وإن نقص عن ثمنها زاده من عنده حتى يوفي أقل ما يلزمه فإن زاد جعله كله في سبيل الضحية والهدي حتى لا يكون حبس مما أخذ منها شيئا والجواب في هذا كله كالجواب في حاجين لو نحر كل واحد منهما هدي صاحبه ومضحيين لو [ ص: 248 ] ذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه
، ضمن كل واحد منهما هديه لصاحبه ، ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا ، وأجزأ عن كل واحد منهما هديه أو ضحيته إذا لم تفت وإن استهلك كل واحد منهما هدي صاحبه أو ضحيته ضمن كل واحد منهما قيمة ما استهلك حيا وكان على كل واحد منهما البدل في كل واجب .
( قال الشافعي ) والحاج المكي والمنتوي والمسافر والمقيم والذكر والأنثى ممن يجد ضحية سواء كلهم ، لا فرق بينهم إن وجبت على كل واحد منهم وجبت عليهم كلهم وإن سقطت عن واحد منهم سقطت عنهم كلهم ولو كانت واجبة على بعضهم دون بعض كان الحاج أولى أن تكون عليه واجبة لأنها نسك وعليه نسك وغيره لا نسك عليه ولكنه لا يجوز أن يوجب على الناس إلا بحجة ولا يفرق بينهم إلا بمثلهم ولست أحب لعبد ولا أجيز له ولا مدبر ولا مكاتب ولا أم ولد أن يضحوا لأنهم لا أموال لهم وإنما أموالهم لمالكيهم وكذلك لا أحب للمكاتب ولا أجيز له أن يضحي لأن ملكه على ماله ليس بتام لأنه يعجز فيرجع ماله إلى مولاه ويمنع من الهبة والعتق لأن ملكه لم يتم على ماله .
( قال الشافعي ) ولا يضحي عما في البطن .
( قال الشافعي ) والأضحية جائزة يوم النحر وأيام منى كلها لأنها أيام النسك وإن ضحى في الليل من أيام منى أجزأ عنه وإنما أكره له أن يضحي في الليل وينحر الهدي لمعنيين ، أحدهما خوف الخطأ في الذبح والنحر أو على نفسه أو من يقاربه أو خطأ المنحر والثاني أن المساكين لا يحضرونه في الليل حضورهم إياه في النهار فأما لغير هذا فلا أكرهه فإن قال قائل ما الحجة في أن أيام منى أيام أضحى كلها ؟ قيل كما كانت الحجة بأن يومين بعد يوم النحر يوما ضحية فإن قال قائل فكيف ذلك ؟ قيل { نحر النبي صلى الله عليه وسلم وضحى في يوم النحر } فلما لم يحظر على الناس أن يضحوا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله لأنه ينسك فيه ويرمي كما ينسك ويرمي فيهما فإن قال فهل في هذا من خبر ؟ قيل : نعم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه دلالة سنة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى - كتاب الصيد والذبائح
الحلقة (99)
صــــــــــ 249 الى صـــــــــــ254
كتاب الصيد والذبائح أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : الكلب المعلم الذي إذا [ ص: 249 ] أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل هذا مرة بعد مرة كان معلما يأكل صاحبه ما حبس عليه وإن قتل ما لم يأكل فإذا أكل فقد قيل يخرجه هذا من أن يكون معلما وامتنع صاحبه من أن يأكل من الصيد الذي أكل منه الكلب لأن الكلب أمسكه على نفسه وإن أكل منه صاحب الكلب أكل من صيد غير معلم ويحتمل القياس أن يأكل وإن أكل منه الكلب من قبل أنه إذا صار معلما صار قتله ذكاة فأكل ما لم يحرم أكله ما كان ذكيا كما لو كان مذبوحا فأكل منه كلب لم يحرم وطرح ما حول ما أكل وهذا قول ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وبعض أصحابنا وإنما تركنا هذا للأثر الذي ذكر الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول { فإذا أكل فلا تأكل } .
( قال الشافعي ) وإذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز تركه لشيء وإذا قلنا هذا في المعلم من الكلاب فأخذ المعلم فحبس بلا أكل فذلك يحل وإن قتله يقوم مقام الذكاة فإن حبس وأكل فذلك موضع ترك فيه أن يكون معلما فصار كهو على الابتداء لا يحل أكله كما كان لا يحل على الابتداء وهذا وجه يحتمله القياس ويصح فيه وفيه أن متأولا لو ذهب فقال إن الكلب إذا كان نجسا فأكل من شيء رطب قد يمكن أن يجري بعضه في بعض نجسه ولكن لا يجوز أن يقول حتى يكون آكلا والحياة فيه والدم بالروح يدور فيه فأما إذا كان بعد الموت فلا يدور فيه دم وإنما ينجس حينئذ موضع ما أكل منه وما قاربه قال الربيع وفيه قول آخر ولو نجسه كله كان له أن يغسله ويعصره كما يغسل الثوب ويعصر فيطهر ويغسل الجلد فيطهر فتذهب نجاسته وكذلك تذهب نجاسة اللحم فيأكله .
باب صيد كل ما صيد به من وحش أو طير
( قال الشافعي ) وتعليم الفهد وكل دابة علمت كتعليم الكلب لا فرق بينهما غير أن الكلب أنجسها ولا نجاسة في حي إلا الكلب والخنزير وتعليم الطائر كله واحد البازي والصقر والشاهين والعقاب وغيرها وهو أن يجمع أن يدعى فيجيب ويستشلى فيطير ويأخذ فيحبس فإذا فعلت هذا مرة بعد مرة فهي معلمة يؤكل ما أخذت وقتلت فإن أكلت فالقياس فيها كهو في الكلب ، زعم بعض المشرقيين أنه يؤكل ما قتلت وإن أكلت وزعم إنه إذا أكل الكلب لا يؤكل وزعم أن الفرق بينهما عنده أن الكلب يضرب والبازي لا يضرب فإذا زعم أنها تفترق في هذا فكيف زعم أن البازي لا يؤكل صيده حتى يكون يدعى فيجيب ويستشلى فيطير وأنه لو طار من نفسه فقتل لم يؤكل إذا لم يكن معلما ؟ أفرأيت إذا استجاز في معلمين يفرق بينهما فلو فرق بينهما رجل حيث جمع بينهما أو جمع بينهما حيث فرق بينهما هل كانت الحجة عليه إلا كهي عليه ؟
باب تسمية الله عز وجل عند إرسال ما يصطاد به
( قال الشافعي ) وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمي فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل لأنهما إذا كان قتلهما كالذكاة فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي وكذلك ما أصبت بشيء من سلاحك الذي يمور في الصيد
باب إرسال المسلم والمجوسي الكلب
( قال الشافعي ) وإذا أرسل المسلم والمجوسي كلبا واحدا أو كلبين متفرقين أو طائرين أو سهمين فأصابا الصيد ثم لم تدرك ذكاته فلا يؤكل فهو كذبيحة مسلم ومجوسي لا فرق بينهما فإذا دخل في الذبيحة ما لا يحل لم تحل وكذلك لو أعانه كلب غير معلم وسواء أنفذ السهم أو الكلب المعلم مقاتله أو لم ينفذها إذا أصابه على قتله غيره مما لا يحل لأن مقاتله قد تنفذ فيحيا إلا أن يكون قد بلغ منه ما يبلغ الذبح التام بالمذبوح مما لا يعيش بعده طرفة عين ومما تكون حركته كحركة المذبوح كحشاشة روح الحياة التي لم يتتام خروجه فإن خرج إلى هذا فلا يضره ما أصابه لأنه قد أصابه وهو ميت .
باب إرسال الصيد فيتوارى عنك ثم تجد الصيد مقتولا
( قال الشافعي ) وإذا رمى الرجل الصيد أو أرسل عليه بعض المعلمات فتوارى عنه ووجده قتيلا فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله من قبل أنه قد يمكن أن يكون قتله غير ما أرسل عليه من دواب الأرض وقد سئل ابن عباس فقال له قائل : إني أرمي فأصمي وأنمي فقال له ابن عباس " كل ما أصميت ودع ما أنميت " .
( قال الشافعي ) ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله فإن كان قد بلغ وهو يراه مثل ما وصفت من الذبح ثم تردى فتوارى أكله فأما إنفاذ المقاتل فقد يعيش بعدما ينفذ بعض المقاتل ولا يجوز فيه عندي إلا هذا إلا أن يكون جاء على النبي صلى الله عليه وسلم شيء فإني أتوهمه فيسقط كل شيء خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس فإن الله عز وجل قطع العذر بقوله صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) وإذا أصابت الرمية الصيد والرامي لا يراه فذبحته أو بلغت به ما شاءت لم يأكله ووجد به أثرا من غيرها أو لم يجده لأنه قد يقتله ما لا أثر له فيه وإذا أدرك الرجل الصيد ولم يبلغ سلاحه منه أو معلمه منه ما يبلغ الذبح من أن لا يبقى فيه حياة فأمكنه أن يذبحه فلم يذبحه فلا يأكله وإمكانه أن يكون ما يذكي به حاضرا ويأتي عليه مدة يمكنه فيها أن يذبحه فلا يذبحه لأن الذكاة ذكاتان إحداهما ما قدر عليه فذلك لا يذكى إلا بالنحر والذبح والأخرى ما لم يقدر عليه فيذكى بما يقدر عليه فإذا لم يبلغ ذكاته وقدر عليه فلا يجزي فيه إلا الذبح أو النحر فإن أغفل السكين وقدر على الذبح فرجع له فمات لم يأكله إنما يأكله إذا لم يقدر من حين يصيده على ذكاته ولو أجزنا له أكله بالرجوع بلا تذكية أجزنا له إن تعذر عليه ما يذكيه به يوما فمات قبل أن يجده أن يأكله وإذا أدركته ومعك ما تذكيه به فلم يمكنك مذبحه ولم تفرط فيه حتى مات فكله وإن أمكنك مذبحه فلم تفرط وأدنيت السكين فمات قبل أن تضعها على حلقه فكله وإن وضعتها على حلقه ولم تمرها حتى مات ولم تتوان فكله لأنه يمكنك في شيء من هذا ذكاته وإن أمررتها فكلت ومات فلا تأكله لأنه قد يكون قد مات خنقا والذكاة التي إذا بلغها الذابح أو الرامي أو المعلم أجزأت .
[ ص: 251 ] من الذبح أن يجتمع قطع الحلقوم والمريء لا شيء دون ذلك وتمامها الودجين ولو قطع الودجان ولم يقطع الحلقوم والمريء لم تكن ذكاة من قبل أن الودجين قد يقطعان من الإنسان ويحيا وأما الذكاة فيما لا حياة فيه إذا قطع فهو الحلقوم والمريء لأنهما أظهر منهما فإذا أتى عليهما حتى استؤصلا فلا يكون إلا بعد إبانة الحلقوم والمريء .
وإذا أرسل الرجل كلبه أو سهمه وسمى الله تبارك وتعالى وهو يرى صيدا فأصاب غيره فلا بأس بأكله من قبل أنه قد رأى صيدا ونواه وإن أصاب غيره وإن أرسلهما ولا يرى صيدا ونوى فلا يأكل ولا تعمل النية إلا مع عين تراه وهكذا لو رمى صيدا مجتمعا ونوى أنه أصاب أكل ما أصاب منه ولو كان لا يجوز أن يأكل إذا رمى إلا ما نوى بعينه كان العلم يحيط أن رجلا لو أرسل سهما على مائة طير أو كلبا على مائة ظبي لم يقتلها كلها وإذا نواها كلها فأصاب واحدا فالواحد المصاب غير منوي بعينه وكان يلزم من قال لا يأكل الصيد إلا أن يرميه بعينه أن لا يأكل من هذه شيئا لأن العلم يحيط أنه لا يقتلها كلها فإذا أحاط العلم بهذا فالذي نوى بغير عينه والله أعلم وكل ما أصاب كلب غير معلم أو حجر أو بندقة أو شيء غير سلاح لم يؤكل إلا أن تدرك ذكاته فيكون مأكولا بالذكاة كما تؤكل الموقوذة والمتردية والنطيحة إذا ذكيت .
( قال الشافعي ) وأكثر ما تكون كلاب الصيد في غير أيديهم إلا أنها تتبعهم وإذا استشلى الرجل كلبه على الصيد قريبا كان منه أو بعيدا فانزجر واستشلى باستشلائه فأخذ الصيد أكل وإن قتله ، وكان كإرساله إياه من يده وإن كان الكلب قد توجه للصيد قبل استشلاء صاحبه فمضى في سننه فأخذه فلا يأكله إلا بإدراك ذكاته إلا أن يكون يزجره فيقف أو ينعرج ثم يستشليه فيتحرك باستشلائه الآخر فيكون قد ترك الأمر الأول واستشلى باستشلاء مستأنف فيأكل ما أصاب كما يأكله لو أرسله فيقف على الابتداء وإن كان في سننه فاستشلاه فلم يحدث عرجة ولا وقوفا وازداد في سننه استشلاء فلا يأكل وسواء في ذلك استشلاء صاحبه أو غير صاحبه ممن تجوز ذكاته .
( قال الشافعي ) وصيد الصبي أسهل من ذبيحته فلا بأس بصيده لأن فعله الكلام والذكاة بغيره فلا بأس بذبيحته إذا أطاق الذبح وأتى منه على ما يكون ذكاة وكذلك المرأة وكل من تجوز ذكاته من نصراني ويهودي .
( قال الشافعي ) وإذا رمى لرجل الصيد أو طعنه أو ضربه أو أرسل إليه كلبه فقطعه قطعتين أو قطع رأسه أو قطع بطنه وصلبهوإن لم يكن من النصف أكل الطرفين معا وهذه ذكاته وكل ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة لكل عضو فيه ولكنه لو قطع منه يدا أو رجلا أو إربا أو شيئا يمكن لو لم يزد على ذلك أن يعيش بعده ساعة أو مدة أكثر منها بعد أن يكون ممتنعا ثم قتله بعد برمية أكل ما كان باقيا فيه من أعضائه ولم يأكل العضو الذي بان منه وفيه الحياة التي يبقى بعدها لأنه عضو مقطوع من حي ولا يؤكل ما قطع من حي أدركت ذكاته أو لم تدرك ولو كان موته من القطع الأول أكلهما معا وقال بعض الناس إذا ضربه فقطعه نصفين أكل وإن قطعه بأقل من النصف فكان الأقل مما يلي العجز أكل الذي يلي الرأس ولم يأكل الذي يلي العجز .
( قال الشافعي ) وإذا كانت الضربة التي مات منها ذكاة لبعضه كانت ذكاة لكله ولم يصلح أن يؤكل منهما واحد دون صاحبه .
( قال الشافعي ) وكل ما كان يعيش في الماء من حوت أو غيره فأخذه ذكاته لا ذكاة عليه ولو ذكاه لم يحرم ولو كان من شيء تطول حياته فذبحه لأن يستعجل موته ما كرهته وسواء من أخذه من مجوسي أو وثني لا ذكاة له لأنه ذكي في نفسه فلا يبالي من أخذه وسواء ما كان منه يموت حين يخرج من الماء وما كان يعيش إذا كان منسوبا إلى الماء وفيه أكثر عيشه وإذا كان هكذا فسواء ما لفظ البحر وطفا من ميتته وما أخرج منه وقد خالفنا بعض المشرقيين فزعم أنه لا بأس بما لفظ البحر ميتا وما أخذه الإنسان ميتا قبل أن يطفو فإذا طفا فلا [ ص: 252 ] خير فيه ولا أدري أي وجه لكراهية الطافي والسنة تدل على أكل ما لفظ البحر ميتا بضع عشرة ليلة وهو يقول ذلك والقياس أنه كله سواء ولكنه بلغنا أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " سمى جابرا أو غيره " كره الطافي فأتبعنا فيه الأثر .
( قال الشافعي ) قلنا لو كنت تتبع الآثار أو السنن حين تفرق بين المجتمع منها بالاتباع حمدناك ولكنك تتركها ثابتة لا مخالف لها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأخذ ما زعمت برواية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الطافي وقد أكل أبو أيوب سمكا طافيا وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زعمت القياس وزعمنا السنة وأنت تزعم أنه لو لم تكن سنة فقال الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا معه القياس وعدد منهم قولا يخالف كان علينا وعليك اتباع القول الذي يوافق القياس وقد تركته في هذا ومعه السنة والقياس ، وذكر أيوب عن محمد بن سيرين أن أبا أيوب أكل سمكا طافيا .
باب ما ملكه الناس من الصيد
( قال الشافعي ) كل ما كان له أصل في الوحش وكان في أيدي الناس منه شيء قد ملكوه فأصابه رجل فعليه رده فإن تلف في يده فعليه قيمته وذلك مثل الظباء والأروى وما أشبهه والقماري والدباسي والحجل وما أشبهها وكل ما صار إلى رجل من هذا بأن صاده أو صيد له أو صار إليه بوجه من الوجوه فلم يعرف له صاحبا فلا بأس عليه فيه لأن أصله مباح ولا يحرم عليه حتى يعلم أن غيره قد ملكه فإن أخذه فاستهلكه أو بقي في يديه فادعاه مدع فالورع أن يصدقه ويرده عليه أو قيمته والحكم أن ليس عليه تصديقه إلا ببينة يقيمها عليه وكل ما كان في أيدي الناس مما لا أصل له في الوحش مثل الحمام غير حمام مكة فهو كالشاة والبعير فليس لأحد أخذه بوجه من الوجوه لأنه لا يكون إلا مملوكا وكذلك لو أصابه في الجبل أو غيره قد فرخ فيه لم يكن له أخذه من قبل أن أفراخه لمالك أمهاته كما لو أصاب الحمر الأهلية مباحة لم يكن له أخذها لأنها لا تكون إلا لمالك وهذا عندنا كما وصفت فإن كان بلد فيه شيء من هذا معروفا أنه لغير مالك فهو كما وصفت من الحجل والقطا .
( قال الشافعي ) وإذا كان لرجلين برجان فتحول بعض حمام هذا إلى برج هذا فلازم له أن يرده كما يرد ضوال الإبل إذا أوت إلى إبله فإن لم يعرفها إلا بادعاء صاحبها لها كان الورع أن يصدقه فيما ادعى ما لم يعرفه ادعى ما ليس له والحكم أن لا يجبر على تصديقه إلا ببينة يقيمها ولا نحب له حبس شيء يشك فيه ونرى له إعطاءه ما عرف وتأخي ما لم يعرف واستحلال صاحبه فيما جهل ، والجواب في الحمام مثله في الإبل والبقر والرقيق .
( قال الشافعي ) فإذا ملك الرجل الصيد ساعة ثم انفلت منه فأخذه غيره كان عليه رده إليه كان ذلك من ساعة انفلت منه فأخذه أو بعد مائة سنة لا فرق بين ذلك ، ولا يجوز غير هذا أو يكون حين زايل يدا ، لا يملكه فلو أخذه من ساعته لم يرده إليه فأما يرده إذا انفلت قريبا ولا يرده إذا انفلت بعيدا فليس هذا مما يعذر أحد بجهالته .
وإذا أصاب الرجل الصيد مقلدا أو مقرطا أو موسوما أو به علامة لا يحدثها إلا الناس فقد علم أنه مملوك لغيره فلا يحل له إلا بما تحل به ضالة الغنم وذلك أن ضالة الغنم لا تغني عن نفسها قد تحل بالأرض المهلكة ويغرمها من أخذها إذا جاء صاحبها والوحش كله في معنى الإبل وقد [ ص: 253 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتي ربها } فقلنا كل ما كان ممتنعا بنفسه يعيش بغير راعيه كما يعيش للبعير فلا سبيل إليه والوحش كله في هذا المعنى فكذلك البقرة الإنسية وبقرة الوحش والظباء والطير كله .
( قال ) وما يدل عليه الكتاب ثم السنة ثم الآثار ثم القياس أنه لا يجزي المحرم من الصيد شيء لا يؤكل لحمه ويجزي ما كان لحمه مأكولا منه والبازي والصوائد كلها لا تؤكل لحومها كما لا تؤكل لحوم الغربان فإن قتل المحرم بازا لإنسان معلما ضمن له قيمته في الحال التي يقتله بها معلما كما يقتل له العبد الخباز أو الصباغ أو الكاتب فيضمن له قيمته في حاله التي قتله فيها ويقتل له البعير النجيب والبرذون الماشي فيضمن له قيمته في الحال التي قتله فيها ولا فدية في الإحرام عليه لأنه قتله وليس لأحد لم يكن عليه فيه فدية ولو قتل له ظبيا كانت عليه شاة يتصدق بها على مساكين الحرم وقيمته بالغة ما بلغت لصاحبه كانت أقل من شاة أو أكثر .
( قال الشافعي ) { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب } فلا يحل بيع كلب ضار ولا غيره وهكذا قال بعض أصحابنا وقال فإن قتله فعليه قيمته وقيمته بيع ذلك مردود لأنه ثمن المحرم والمحرم لا يكون إلا مردودا أعلم بذلك من ساعته أو بعد مائة سنة كما يكون الخمر والخنزير وما لا يحل ثمنه بحال مردودا وليس فيه إلا هذا أو ما قال المشرقيون بأن ثمنه يجوز كما يجوز ثمن الشاة فأما أن يزعم أن أصله محرم يرده إن قرب ولا يرده إن بعد فهذا لا يجوز لأحد ولا يعذر به ولو جاز هذا لأحد بلا خبر يلزم جاز عليه أن يرد الثمن إذا بعد ولا يرده إذا قرب فإن قال استحسنت في هذا ؟ قيل له ونحن نستحسن ما استقبحت ونستقبح ما استحسنت ولا يحرم بيع حي من دابة ولا طير ولا نجاسة في واحد منهما إلا الكلب والخنزير فإنهما نجسان حيين وميتين ولا يحل لهما ثمن بحال .
( قال الشافعي ) ومن قتل كلب زرع أو كلب ماشية أو صيد أو كلب الحرس لم يكن عليه قيمته من قبل أن الخبر إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ثمنه وهو حي لم يحل أن يكون له ثمن حيا ولا ميتا وأنا إذا أغرمت قاتله ثمنه فقد جعلت له ثمنا حيا وذلك ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو جاز أن يكون له ثمن في إحدى حالتيه كان ثمنه في الحياة مبيعا حين يقتنيه المشتري للصيد والماشية والزرع أجوز منه حين يكون لا منفعة فيه .
( قال الشافعي ) وإذا كان لك على نصراني حق من أي وجه ما كان ثم قضاكه من ثمن خمر أو خنزير تعلمه لم يحل لك أن تأخذه وسواء في ذلك حلاله وحرامه فيما قضاكه أو وهب لك أو أطعمك كما لو كان لك على مسلم حق فأعطاك من مال غصبه أو ربا أو بيع حرام لم يحل لك أخذه وإذا غاب عنك معناه من النصراني والمسلم فكان ما أعطاك من ذلك أو أطعمك أو وهب لك أو قضاك يحتمل أن يكون من حلال وحرام وسعك أن تأخذه على أنه حلال حتى تعلم أنه حرام والورع أن تتنزه عنه ولا يعدو ما أعطاك نصراني من ثمن خمر أو خنزير بحق لك أو تطوع منه عليك أن يكون حلالا لك لأنه حلال له إذا كان يستحله من أصل دينه أو يكون حراما عليك باختلاف حكمك وحكمه ولا فرق بين ما أعطاك من ذلك تطوعا أو بحق لزمه وأما أن يكون حلالا فحلال الله تعالى لجميع خلقه وحرامه عليهم واحد وكذلك هو في الخمر والخنزير وثمنهما محرمان على النصراني كهو على المسلم فإن قال قائل فلم لا تقول إن ثمن الخمر والخنزير حلال لأهل الكتاب وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به ؟ قيل قد أعلمنا الله عز وجل أنهم لا يؤمنون به ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله إلى قوله { وهم صاغرون } ( قال [ ص: 254 ] الشافعي ) فكيف يجوز لأحد عقل عن الله عز وجل أن يزعم أنها لهم حلال وقد أخبرنا الله تعالى أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ؟ فإن قال قائل فأنت تقرهم عليها ؟ قلت : نعم ، وعلى الشرك بالله لأن الله عز وجل أذن لنا أن نقرهم على الشرك واستحلالهم شربها وتركهم دين الحق بأن نأخذ منهم الجزية قوة لأهل دينه وحجة الله تعالى عليهم قائمة لا مخرج لهم منها ولا عذر لهم فيها حتى يؤمنوا بالله ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله وكل ما صاده حلال في غير حرم مما يكون بمكة من حمامها وغيره فلا بأس به لأنه ليس في الصيد كله ولا في شيء منه حرمة يمنع بها نفسه إنما يمنع بحرمة من غيره ، من بلد أو إحرام محرم أو بحرمة لغيره من أن يكون ملكه مالك ، فأما بنفسه فليس بممنوع .
باب ذبائح أهل الكتاب
( قال الشافعي ) رحمه الله : أحل الله طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله تعالى فهي حلال وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله تعالى مثل اسم المسيح أو يذبحونه باسم دون الله تعالى لم يحل هذا من ذبائحهم ولا أثبت أن ذبائحهم هكذا فإن قال قائل وكيف زعمت أن ذبائحهم صنفان وقد أبيحت مطلقة ؟ قيل قد يباح الشيء مطلقا وإنما يراد بعضه دون بعض فإذا زعم زاعم أن المسلم إن نسي اسم الله تعالى أكلت ذبيحته وإن تركه استخفافا لم تؤكل ذبيحته وهو لا يدعه للشرك كان من يدعه على الشرك أولى أن تترك ذبيحته ، وقد أحل الله عز وجل لحوم البدن مطلقة فقال { فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها } ووجدنا بعض المسلمين يذهب إلى أن لا يؤكل من البدنة التي هي نذر ولا جزاء صيد ولا فدية فلما احتملت هذه الآية ذهبنا إليه وتركنا الجملة ، لا أنها خلاف للقرآن ولكنها محتملة ومعقول أن من وجب عليه شيء في ماله لم يكن له أن يأخذ منه شيئا لأنا إذا جعلنا له أن يأخذ منه شيئا فلم نجعل عليه الكل إنما جعلنا عليه البعض الذي أعطى فهكذا ذبائح أهل الكتاب بالدلالة على شبيه ما قلنا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى - كتاب الصيد والذبائح
الحلقة (100)
صــــــــــ 255 الى صـــــــــــ260
ذبائح نصارى العرب
( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد الفلجة مولى عمر أو ابن سعد الفلجة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما نصارى العرب بأهل كتاب وما تحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقفي عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أنه قال " لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر " .
( قال الشافعي ) كأنهما ذهبا إلى أنهم لا يضبطون موضع الدين فيعقلون كيف الذبائح وذهبوا إلى أن أهل الكتاب هم الذين أوتوه لا من دان به بعد نزول القرآن وبهذا نقول لا تحل ذبائح نصارى العرب بهذا المعنى والله أعلم . وقد روى عكرمة عن ابن عباس أنه أحل ذبائحهم وتأول { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } وهو لو ثبت عن ابن عباس كان المذهب إلى قول عمر [ ص: 255 ] وعلي رضي الله تعالى عنهما أولى ومعه المعقول فأما { من يتولهم منكم فإنه منهم } فمعناها على غير حكمهم وهكذا القول في صيدهم من أكلت ذبيحته أكل صيده ومن لم تحل ذبيحته لم يحل صيده إلا بأن تدرك ذكاته .
ذبح نصارى العرب
( قال الشافعي ) رحمه الله لا خير في ذبائح نصارى العرب فإن قال قائل فما الحجة في ترك ذبائحهم ؟ فما يجمعهم من الشرك وأنهم ليسوا الذين أوتوا الكتاب فإن قال فقد نأخذ منهم الجزية قلنا ومن المجوس ولا نأكل ذبائحهم . ومعنى الذبائح معنى غير معنى الجزية فإن قال فهل من حجة من أثر يفزع إليه ؟ فنعم ثم ذكر حديثا أن عمر بن الخطاب قال " ما نصارى العرب بأهل كتاب ولا تحل لنا ذبائحهم " ذكره إبراهيم بن أبي يحيى ثم لم أكتبه فإن قال قائل فحديث ثور عن ابن عباس رضي الله عنهما ؟ قيل ثور ، روى عن عكرمة عن ابن عباس ولم يدرك ثور ابن عباس فإن قال قائل ما دل على الذي رواه عكرمة ؟ فحدثنا إبراهيم عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس بهذا الحديث قال وما أفرى الأوداج غير مثرد ذكي به غير الظفر والسن فإنه لا تحل الذكاة بهما لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الذكاة بهما .
المسلم يصيد بكلب المجوسي
( قال الشافعي ) رحمه الله في المسلم يصيد بكلب المجوسي المعلم يؤكل من قبل أن الصيد قد جمع المعنيين اللذين يحل بهما الصيد وهما أن الصائد المرسل هو الذي تجوز ذكاته وأنه قد ذكى بما تجوز به الذكاة وقد اجتمع الأمران اللذان يحل بهما الصيد وسواء تعليم المجوسي وتعليم المسلم لأنه ليس في الكلب معنى إلا أن يتأدب بالإمساك على من أرسله فإذا تأدب به فالحكم حكم المرسل لا حكم الكلب وكذلك كلب المسلم يرسله المجوسي فيقتل لا يحل أكله ، لأن الحكم حكم المرسل وإنما الكلب أداة من الأداة .
ذكاة الجراد والحيتان
( قال الشافعي ) أن ذوات الأرواح التي يحل أكلها صنفان صنف لا يحل إلا بأن يذكيه من تحل ذكاته والصيد والرمي ذكاة ما لا يقدر عليه ، وصنف يحل بلا ذكاة ميته ومقتوله إن شاء وبغير الذكاة وهو الحوت والجراد وإذا كان كل واحد منهما يحل بلا ذكاة حل ميتا فأي حال وجدتهما ميتا أكل لا فرق بينهما فمن فرق بينهما فالحوت كان أولى أن لا يحل ميتا لأن ذكاته أمكن من ذكاة الجراد [ ص: 256 ] فهو يحل ميتا والجرادة تحل ميتة ولا يجوز الفرق بينهما فإن فرق بينهما فارق فليدلل من سن له ذكاة الجراد أو أحل له بعضه ميتا وحرم عليه بعضه ميتا ؟ ما رأيت الميت يحل من شيء إلا الجراد والحوت ( قال الشافعي ) أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أحلت لنا ميتتان ودمان . أما الميتتان الحوت والجراد ، والدمان أحسبه قال - الكبد والطحال } . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا حاتم بن إسماعيل والدراوردي أو أحدهما عن جعفر عن أبيه رضي الله عنهما قال : النون والجراد ذكي
ما يكره من الذبيحة
( قال الشافعي ) رحمه الله : إذا عرفت في الشاة الحياة تتحرك بعد الذكاة أو قبلها أكلت وليس يتحرك بعد الذكاة ما مات قبلها إنما يتحرك بعدها ما كان فيه الروح قبلها ( قال ) وكل ما عرفت فيه الحياة ثم ذبحت بعده ، أكلت .
زكاة ما في بطن الذبيحة
( قال الشافعي ) في ذبح الجنين إنما ذبيحته تنظيف وإن لم يفعل فلا شيء عليه ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة الشاة ، تربط ثم ترمى بالنبل
ذبائح من اشترك في نسبه من أهل الملل وغيرهم
( قال الشافعي ) في الغلام أحد أبويه نصراني والآخر مجوسي يذبح أو يصيد لا تؤكل ذبيحته ولا صيده لأنه من أبويه وليس هذا كالمسلم يكون ابنه الصغير على دينه ولا كالمسلمة يكون ابنها على دينها من قبل أن حظ الإسلام إذا شرك حظ الكفر فيمن لم يدن كان حظ الإسلام أولى به ، وليس حظ النصرانية بأولى من حظ المجوسية ولا حظ المجوسية بأولى من حظ النصرانية كلاهما كفر بالله ولو ارتد نصراني إلى مجوسية أو مجوسي إلى نصرانية لم نستتبه ولم نقتله لأنه خرج من كفر إلى كفر ومن خرج من دين الإسلام إلى غيره قتلناه إن لم يتب فإذا بلغ هذا المولود فدان دين أهل الكتاب فهو منهم أكلت ذبيحته فإن ذهب رجل يقيس الإسلام بالكفر ألحق الولد بالنصرانية فزعم أن النصرانية تعمل ما يعمل الإسلام دخل عليه أن يفرق بين من يرتد من نصرانية إلى مجوسية ودخل لغيره عليه أن يقول ولد الأمة من الحر عبد حكمه حكم أمه ، وولد الحرة من العبد حر حكمه حكم أمه فجعل حكم الولد المسلم حكم الأم دون الأب فإن قال قائل المرتد عن الإسلام يقتل ، والإسلام غير الشرك ولا يؤكلصيد لم يصده مسلم ولا كتابي يقر على دينه ولا أعلم من الناس أحدا - مجوسيا ولا وثنيا - أشر ذبيحة منه من قبل أنه يجوز للحاكم أن يأخذ الجزية من المجوسي ويقره على دينه ويجوز له بعد القدرة على الحربي [ ص: 257 ] أن يدعه بلا قتل ولا يجوز له هذا في المرتد فيحل دمه بما يحل به دم المحارب ولا يحل فيه تركه كما يحل في المحارب لعظم ذنبه بخروجه من دين الله الذي ارتضى .
الذكاة وما أبيح أكله وما لم يبح
( قال الشافعي ) الذكاة وجهان : وجه فيما قدر عليه الذبح والنحر وفيما لم يقدر عليه ما ناله الإنسان بسلاح بيده أو رميه بيده فهي عمل يده أو ما أحل الله عز وجل من الجوارح ذوات الأرواح المعلمات التي تأخذ بفعل الإنسان كما يصيب السهم بفعله فأما المحفرة فإنها ليست واحدا من ذا - كان فيها سلاح يقتل أو لم يكن - ولو أن رجلا نصب سيفا أو رمحا ثم اضطر صيدا إليه فأصابه فذكاه لم يحل أكله لأنها ذكاة بغير قتل أحد وكذلك لو مرت شاة أو صيد فاحتكت بسيف فأتى على مذبحها لم يحل أكلها لأنها قاتلة نفسها لا قاتلها غيرها ممن له الذبح والصيد وإذا صاد رجل حيتانا وجرادا فأحب إلي لو سمى الله تعالى ولو ترك ذلك لم نحرمه إذا أحللته ميتا فالتسمية إنما هي من سنة الذكاة فإذا سقطت الذكاة حلت بترك التسمية والذكاة ذكاتان ، فأما ما قدر على قتله من إنسي أو وحشي فلا ذكاة إلا في اللبة والحلق وأما ما هرب منه من إنسي أو وحشي فما ناله به من السلاح فهو ذكاته إذا قتله ، ومثله البعير وغيره يتردى في البئر فلا يقدر على مذبحه ولا منحره فيضرب بالسكين على أي آرابه قدر عليه ويسمي وتكون تلك ذكاة له ( قال ) ولو حدد المعراض حتى يمور موران السلاح فلا بأس بأكله .
الصيد في الصيد
( قال الشافعي ) وإذا وجد الحوت في بطن حوت أو طائر أو سبع فلا بأس بأكل الحوت ولو وجد في ميت لم يحرم لأنه مباح ميتا ولو كنت أحرمه لأن حكمه حكم ما في بطنها لم يحل ما كان منه في بطن سبع لأن السبع لا يؤكل ولا في بطن طائر إلا إن أدرك ذكاته ثم ما كان لي أن أجعل ذكاته بذكاة الطائر لأنه ليس بمخلوق من الطائر إنما تكون ذكاة الجنين في البطن ذكاة أمه لأنه مخلوق منها وحكمه حكمها ما لم يزايلها في الآدميين والدواب فأما ما ازدرده طائر فلو ازدرد عصفورا ما كان حلالا بأن يذكي المزدرد وكان على ما وجده أن يطرحه فكذلك ما أصبنا في بطن طائر سوى الجراد والحوت فلا يؤكل لحما كان أو طائرا لأنه شيء من غيره فإنما تقع ذكاته على ما هو منه لا على ما هو من غيره فكذلك الحوت لو ازدرد شاة ، أكلنا الحوت وألقينا الشاة لأن الشاة غير الحوت .
إرسال الرجل الجارح
( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا أرسل الرجل الجارح طائرا كان أو دابة على الصيد فمضى ثم صرعه فرأى الصيد أو لم يره فإن كان إنما رجع عن سننه وأخذ طريقا إلى غيرها فهذا طالب غير راجع فإن قتل الصيد أكل ، وإذا رجع إلى صاحبه رأى الصيد أو لم يره ثم عاد بعد رجوعه فقتله لم يؤكل من قبل أن الإرسال الأول قد انقضى وهذا إحداث طلب بعد إرسال فإن زجره صاحبه برجوعه [ ص: 258 ] فانزجر أو في وقفة وقفها فاستقبل أو في طريق غير طريق الصيد فعاد في جريه فقتله وأكل وكان ذلك كإرساله إياه من يده .
( قال الشافعي ) وإذا رمى الصيد فأثبته إثباتا لا يقدر معه على أن يمتنع من أن يؤخذ أو كان مريضا أو مكسورا أو صغيرا لا يستطيع الامتناع من أن يؤخذ فرمى فقتل لم يحل أكله ولا يحل هذا إلا بالذكاة والذكاة وجهان ما كان من وحشي أو إنسي فما قدر عليه بغير الرمي والسلاح لم يحل إلا بذكاة ، وما لم يقدر عليه إلا برمي أو بسلاح فهو ذكاة له .
باب في الذكاة والرمي
( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال قلنا يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى أنذكي بالليط ؟ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم { ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله فكلوه إلا ما كان من سن أو ظفر فإن السن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبش } .
( قال الشافعي ) فإن كان رجل رمى صيدا فكسره أو قطع جناحه أو بلغ به الحال التي لا يقدر الصيد أن يمتنع فيها من أن يكون مأخوذا فرماه أحد فقتله كان حراما وكان على الرامي قيمته بالحال التي رماه بها مكسورا أو مقطوعا لأنه مستهلك لصيد قد صار لغيره ، ولو رماه فأصابه ثم أدرك ذكاته فذكى كان للرامي الأول وكان على الرامي الثاني ما نقصته الرمية في الحال التي أصابه فيها ولو رماه الأول فأصابه وكان ممتنعا بطيران إن كان طائرا أو بعد ، وإن كان دابة ، ثم رماه الثاني فأثبته حتى لا يستطيع أن يمتنع كان للثاني ولو رماه الأول في هذه الحال فقتله ضمن قيمته للثاني لأنه قد صار له دونه ، ولو رمياه معا فمضى ممتنعا ثم رماه ثالث فصيره غير ممتنع كان للثالث دون الأولين ، ولو رماه الأولان بعد رمية الثالث فقتلاه ضمناه ، ولو رمياه معا أو أحدهما قبل الآخر فأخطأته إحدى الرميتين وأصابته الأخرى كان الذي أصابته رميته ضامنا ولو أصابتاه معا أو إحداهما قبل الأخرى كانت الرميتان مستويتين أو مختلفتين إلا أنهما قد جرحتاه فأنفذت إحداهما مقاتله ولم تنفذه الأخرى كانا جميعا قاتلين له وكان الصيد بينهما كما يجرح الرجلان الرجل أحدهما الجرح الخفيف والآخر الجرح الثقيل أو عدد الجراح الكثيرة فيكونان جميعا قاتلين فإن كانت إحدى الرميتين أتت منه على ما لا يعيش منه طرفة عين مثل أن تقطع حلقومه أو مريئه أو رأسه أو تقطعه باثنين فإن كانت هي التي وقعت أولا ثم وقعت الرمية الأخرى آخرا فإنما رمى الآخر ميتا فلا ضمان عليه إلا أن يكون أفسد بالرمية جلدا أو لحما فيضمن قدر ما أفسد من الجلد أو اللحم ويكون الصيد للرامي الذي ذكاه ولو كانت الرمية التي لم تبلغ ذكاته أولا والرمية التي بلغت ذكاته آخرا كان للرامي الآخر لأنه الذي ذكاه ولم يكن على الرامي الأول شيء لأنه لم يجن عليه بعدما صار له ولا على الذي ذكاه شيء لأنه إنما رمى صيدا ممتنعا له رميه ولو كان رماه فبلغ أن لا يمتنع مثله وتحامل فدخل دار رجل فأخذه الرجل فذكاه كان للأول لأنه الذي بلغ به أن يكون غير ممتنع وكان على صاحب الدار ما نقصته الذكاة إن كانت نقصته شيئا ولو أخذه صاحب الدار ولم يذكه كان عليه رده إلى صاحبه ولو مات في يده قبل أن يرده كان ضامنا له من قبل أنه متعد بأخذه ومنع من صاحبه ذكاته ولو كانت الرمية لم تبلغ به أن يكون غير ممتنع وكان فيه ما يتحامل طائرا أو عاديا فدخل دار رجل فأخذه كان لصاحب الدار .
( قال الشافعي ) ولو رماه الأول ورماه الثاني فلم يدر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه [ ص: 259 ] بينهما نصفين كما نجعل القاتلين معا وهو على الذكاة حتى يعلم أنه قد صار إلى حال لا يقدر فيها على الامتناع ويكون مقدورا على ذكاته
( قال ) وإذا رمى الرجل طائرا يطير فأصابه أي إصابة ما كانت أو في أي موضع ما كان إذا جرحته فأدمته أو بلغت أكثر من ذلك فسقط إلى الأرض ووجدناه ميتا لم ندر أمات في الهواء أو بعدما صار إلى الأرض أكل من قبل أنه مما أحل من الصيد وأنه لا يوصل إلى أن يكون مأخوذا إلا بالوقوع ولو حرمنا هذا خوفا أن تكون الأرض قتلته حرمنا صيد الطير كله إلا ما أخذ منه فذكي وكذلك لو وقع على جبل أو غيره فلم يتحرك عنه حتى أخذ ولكنه لو وقع على جبل فتردى عن موضعه الذي وقع عليه قليلا أو كثيرا كان مترديا لا يؤكل إلا أن يذكى حتى يحيط العلم أنه مات قبل أن يتردى أو تجد الرمية قد قطعت رأسه أو ذبحته أو قطعته باثنين فيعلم حينئذ أنه لم يقع إلا ذكيا فإن وقع على موضع فتردى فمر بحجارة حداد أو شوك أو شيء يمكن أن يكون قطع رأسه أو نصفه أو أتى على ذلكلم يؤكل حتى يحيط العلم أنه لم يترد إلا بعد ما مات وإذا رمى الرجل بسهمه صيدا فأصاب غيره أو أصابه فأنفذه وقتل غيره فسواء ويأكل كل ما أصاب إذا قصد بالرمية قصد صيد يراه فقد جمع الرمية التي تكون بها الذكاة وإن نوى صيدا وإذا رمى الرجل الصيد بحجر أو بندقة فخرقت أو لم تخرق فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته لأن الغالب منها أنها غير ذكاة وواقذة وأنها إنما قتلت بالثقل دون الخرق وأنها ليست من معاني السلاح الذي يكون ذكاة ولو رمى بمعراض فأصاب بصفحه فقتل كان موقوذا لا يؤكل ولو أصاب بنصله وحده نصله محدد فخرق أكل من قبل أنه سهم إنما يقتل بالخرق لا بالثقل ولو رمى بعصا أو عود كان موقوذا لا يؤكل ولو خسق كل واحد منهما فإن كان الخاسق منهما محددا يمور مور السلاح بعجلة السلاح أكل وإن كان لا يمور إلا مستكرها نظرت فإن كان العود أو العصا خفيفين كخفة السهم أكلت لأنهما إذا خفا قتلا بالمور وإن أبطآ ، وإن كانا أثقل من ذلك بشيء متباين لم يؤكل من قبل أن الأغلب على أن القتل بالثقل فيكون موقوذا .
الذكاة
( قال الشافعي ) رحمه الله أحب الذكاة بالحديد وأن يكون ما ذكي به من الحديد موحيا أخف على المذكى وأحب أن يكون المذكي بالغا مسلما فقيها ومن ذكى من امرأة أو صبي من المسلمين جازت ذكاته وكذلك من ذكى من صبيان أهل الكتاب ونسائهم وكذلك كل ما ذكى به من شيء أنهر الدم وفرى الأوداج والمذبح ولم يثرد جازت به الذكاة إلا الظفر والسن فإن النهي جاء فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذكى بظفره أو سنه وهما ثابتان فيه أو زائلان عنه أو بظفر سبع أو سنه أو ما وقع عليه اسم الظفر من أظفار الطير أو غيره لم يجز الأكل به لنص السنة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق .
( قال الشافعي ) كمال الذكاة بأربع الحلقوم والمريء والودجين وأقل ما يكفي من الذكاة اثنان الحلقوم والمريء وإنما أحببنا أن يؤتى بالذكاة على الودجين من قبل أنه إذا أتى على الودجين فقد استوظف قطع الحلقوم والمريء حتى أبانهما وفيهما موضع الذكاة لا في الودجين لأن الودجين عرقان قد يسيلان من الإنسان ثم يحيا والمريء هو الموضع الذي يدخل فيه طعام كل خلق يأكل من بشر أو بهيمة والحلقوم موضع النفس وإذا بانا فلا حياة تجاوز طرفة عين فلو قطع الحلقوم والودجين دون المريء لم تكن ذكاة لأن الحياة قد تكون بعد هذا مدة وإن قصرت
[ ص: 260 ] وكذلك لو قطع المريء والودجين دون الحلقوم لم تكن ذكاة من قبل أن الحياة قد تكون بعد هذا مدة وإن قصرت فلا تكون الذكاة إلا ما يكون بعده حياة طرفة عين وهذا لا يكون إلا في اجتماع قطع الحلقوم والمريء دون غيرهما .
باب موضع الذكاة في المقدور على ذكاته وحكم غير المقدور عليه
( قال الشافعي ) الذكاة ذكاتان فذكاة ما قدر عليه من وحشي أو إنسي الذبح أو النحر وموضعهما اللبة والمنحر والحلق لا موضع غيره لأن هذا موضع الحلقوم والمريء والودجين فذلك الذكاة فيه بما جاءت السنة والآثار وما لم يقدر عليه فذكاته ذكاة الصيد إنسيا كان أو وحشيا فإن قال قائل بأي شيء قست هذا ؟ قيل قسته بالسنة والآثار وقد كتبت ذلك في غير هذا الموضع لأن السنة أنه أمر في الإنسي بالذبح والنحر إذا قدر على ذلك منه وفي الوحشي بالرمي والصيد بالجوارح فلما قدر على الوحشي فلم يحل إلا بما يحل به الإنسي كان معقولا عن الله تعالى أنه إنما أراد به الصيد في الحال التي لا يقدر عليها على أن يكون فيها مذكى بالذبح والنحر وكذلك لما أمر بالذبح والنحر في الإنسي فامتنع امتناع الوحشي كان معقولا أنه يذكى بما يذكى به الوحشي الممتنع فإن قال قائل لا أجد هذا في الإنسي قيل ولا يجد في الوحشي الذبح فإذا أحلته إلى الذبح والأصل الذي في الصيد غير الذبح حين صار مقدورا عليه فكذلك فأحل الإنسي حين صار إلى الامتناع إلى ذكاة الوحشي فإن قلت لا أحيل الإنسي وإن امتنع إلى ذكاة الوحشي جاز عليك لغيرك أن يقول لا أحيل الوحشي إذا قدر عليه إلى ذكاة الإنسي وأثبت على كل واحد منهما ذكاته في أي حال ما كان ولا أحيلهما عن حالهما بل هذا لصاحب الصيد أولى لأني لا أعلم في الصيد خبرا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا وأعلم في الإنسي يمتنع خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم يثبت بأنه رأى ذكاته كذكاة الوحشي كيف يجوز لأحد أن يفرق بين المجتمع ؟ ثم إذا فرق أبطل الثابت من جهة الخبر ويثبت غيره من غير جهة الخبر ؟
( قال ) وإذا رمى الرجل بسيف أو سكين صيدا فأصابه بحد السيف أو حد السكين فمار فيه فهو كالسهم يصيبه بنصله وإن أصابه بصفح السيف أو بمقبضه أو قفاه إن كان ذا قفا أو بنصاب السكين أو قفاه أو صفحه فانحرف الحد عليه حتى يمور فلا يأكله إلا أن يدرك ذكاته وهذا كالسهم يرمي به والخشبة والخنجر فلا يؤكل لأنه لا يدري أيهم قتله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى - كتاب الاطعمة
الحلقة (101)
صــــــــــ 261 الى صـــــــــــ266
( قال ) وإن رمى صيدا بعينه بسيف أو سهم ولا ينوي أن يأكله فله أن يأكله كما يذبح الشاة لا ينوي أن يأكلها فيجوز له أكلها ولو رمى رجل شخصا يراه يحسبه خشبة أو حجرا أو شجرا أو شيئا فأصاب صيدا فقتله كان أحب إلي أن يتنزه عن أكله ولو أكله ما رأيته محرما عليه وذلك أن رجلا لو أخطأ بشاة له فذبحها لا يريد ذكاتها أو أخذها بالليل فحز حلقها حتى أتى على ذكاتها وهو يراها خشبة لينة أو غيرها ما بلغ علمي أن يكون ذا محرما ما عليه ولو دخل علينا بالتحريم عليه إذا أتى على ما يكون ذكاة إذا لم ينو الذكاة دخل علينا أن يزعم أن رجلا لو أخذ شاة ليقتلها لا ليذكيها فذبحها وسمى لم يكن له أكلها ودخل علينا أن لو رمى ما لا يؤكل من الطائر والدواب فأصاب صيدا يؤكل لم يأكله من قبل أنه قصد بالرمية قصد غير الذكاة ولا نية المأكول ودخل علينا أن لو أراد ذبح شاة فأخطأ بغيرها فذبحه لم يكن له أكله ولو أضجع شاتين ليذبح إحداهما ولا يذبح الأخرى فسمى وأمر بالسكين فذبحهما حل له أكل التي نوى ذبحها ولم يحل له أكل التي لم ينو ذبحها ودخل علينا أكثر من هذا وأولى [ ص: 261 ] أن يدخل مما أدخله بعض أهل الكلام وذلك أن يذبح الرجل شاة غيره فيدركها الرجل المالك لها فزعم أنه لا يحل أكلها لواحد منهما من قبل أن ذابحها عاص لا يحل له أكلها ومالكها غير ذابح لها ولا آمر بذبحها وهذا قول لا يستقيم يخالف الآثار ولا أعلم في الأمر بالذبح ولا في النية عملا غير الذكاة ولقد دخل على قائل هذا القول منه ما تفاحش حتى زعم أن رجلا لو غصب سوطا من رجل فضرب به أمته حد الزنا ولو كان الغاصب السلطان فضرب به الحد لم يكن واحد من هذين محدودا وكان عليهما أن يقام عليهما الحد بسوط غير مغصوب فإذا كان هذا عند أهل العلم على غير ما قال فالنية أولى أن لا تكون في الذبائح والصيد تعمل شيئا والله أعلم
( قال الشافعي ) وما طلبته الكلاب أو البزاة فأتعبته فمات ولم تنله فلا يؤكل لأنه ميتة وإنما تكون الذكاة فيما نالت لأنها بما نالت تقوم مقام الذكاة ولو أن رجلا طلب شاة ليذبحها فأتعبها حتى ماتت لم يأكلها وما أصيب من الصيد بأي سلاح ما كان ولم يمر فيه فلا يؤكل حتى يبلغ أن يمر فيدمي أو يجاوز الإدماء فيخرق أو يهتك وما نالته الكلاب والصقور والجوارح كلها فقتلته ولم تدمه احتمل معنيين أحدهما أن لا يؤكل حتى يخرق شيئا لأن الجارح ما خرق وقد قال الله تبارك وتعالى " الجوارح " والمعنى الثاني أن فعلها كله ذكاة فبأي فعلها قتلت حل وقد يكون هذا جائزا فيكون فعلها غير فعل السلاح لأن فعل السلاح فعل الآدمي وأدنى ذكاة الآدمي ما خرق حتى يدمي وفعلها عمد القتل لا على أن في القتل فعلين أحدهما ذكاة والآخر غير ذكاة وقد تسمى جوارح لأنها تجرح فيكون اسما لازما وأكل ما أمسكن مطلقا فيكون ما أمسكن حلالا بالإطلاق ويكون الجرح إن جرحها هو اسم موضوع عليها لا أنها إن لم تجرح لم يؤكل ما قتلت وإذا أحرز الرجل الصيد فربطه وأقام عنده أو لم يقم فانفلت منه فصاده غيره من ساعته أو بعد دهر طويل فسواء ذلك كله وهو لصاحبه الذي أحرزه لأنه قد ملكه ملكا صحيحا كما يملك شاته ألا ترى أن رجلا لو قتله في يديه يضمن له قيمته كما يضمن له قيمة شاته فإذا كان هذا هكذا فقد ملكه ملك الشاة ألا ترى أن حمار الإنسي لو استوحش فأخذه رجل كان للمالك الأول وسنة الإسلام أن من ملك من الآدميين شيئا لم يخرج من ملكه إلا بأن يخرجه هو ولو كان هرب الوحشي من يديه يخرجه من ملكه كان هرب الإنسي يخرجه من ملكه ويسأل من خالف هذا القول إذا هرب خرج من ملكه بهرب نفسه يملك نفسه فلا يجوز لأحد غيره أن يملكه فإن قال لا وكيف تملك البهائم أنفسها ؟ قيل وهكذا لا يملكها غير من ملكها على من ملكها إلا بإخراجه إياها من يده ويسأل ما فرق بين أن يخرج من يده فيصير ممتنعا فإن أخذه غيره كان للأول إذا تقارب ذلك وإن تباعد كان للآخر أفرأيت إن قال قائل إذا تباعد كان للأول وإذا تقارب كان للآخر ما الحجة عليه ؟ هل هي إلا أن يقال لا يجوز إلا أن يكون للأول بكل حال وإذا انفلت كان لمن أخذه من ساعته ؟ وهكذا كل وحشي في الأرض من طائر أو غيره والحوت وكل ممتنع من الصيد .
( قال الشافعي ) وإذا ضرب الرجل الصيد أو رماه فأبان يده أو رجله فمات من تلك الضربة فسواء ذلك ولو أبان نصفه فيأكل النصفين واليد والرجل وجميع البدن لأن تلك الضربة إذا وقعت موقع الذكاة كانت ذكاة على ما بان وبقي كما لو ضربه أو ذبحه فأبان رأسه كانت الذكاة على الرأس وجميع البدن ولا تعدو الضربة أو الرمية أن تكون ذكاة والذكاة لا تكون على بعض البدن دون بعض أو لا تكون ذكاة فلا يؤكل منه شيء ولكنه لو أبان منه عضوا ثم أدرك ذكاته فذكاه لم [ ص: 262 ] يأكل العضو الذي أبان لأن الضربة الأولى صارت غير ذكاة وكانت الذكاة في الذبح ولا يقع إلا على البدن وما ثبت فيه منه ولم يزايله كان بمنزلة الميتة ألا ترى أنه لو ضرب منه عضوا ثم أدرك ذكاته فتركها لم يأكل منه شيئا لأن الذكاة قد أمكنته فصارت الضربة الأولى غير الذكاة ؟
باب فيه مسائل مما سبق
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكل ما كان مأكولا من طائر أو دابة فأن يذبح أحب إلي وذلك سنته ودلالة الكتاب فيه والبقر داخلة في ذلك لقوله عز وجل { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } وحكايته فقال { فذبحوها وما كادوا يفعلون } إلا الإبل فقط فإنها تنحر لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بدنه } ، فموضع النحر في الاختيار في السنة في اللبة ، وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل من اللحيين والذكاة في جميع ما ينحر ويذبح ما بين اللبة والحلق فأين ذبح من ذلك أجزأه فيه ما يجزيه إذا وضع الذبح في موضعه وإن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر كرهته له ولم أحرمه عليه وذلك أن النحر والذبح ذكاة كله غير أني أحب أن يضع كل شيء من ذلك موضعه لا يعدوه إلى غيره قال ابن عباس " الذكاة في اللبة والحلق لمن قدر " وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وزاد عمر ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق .
( قال الشافعي ) والذكاة ذكاتان فما قدر على ذكاته مما يحل أكله فذكاته في اللبة والحلق لا يحل بغيرهما إنسيا كان أو وحشيا وما لم يقدر عليه فذكاته أن ينال بالسلاح حيث قدر عليه إنسيا كان أو وحشيا فإن تردى بعير في نهر أو بئر فلم يقدر على منحره ولا مذبحه حيث يذكى فطعن فيه بسكين أو شيء تجوز الذكاة به فأنهر الدم منه ثم مات أكل وهكذا ذكاة ما لا يقدر عليه ، قد تردى بعير في بئر فطعن في شاكلته فسئل عنه ابن عمر فأمر بأكله وأخذ منه عشيرا بدرهمين ، وسئل ابن المسيب عن المتردي ينال بشيء من السلاح فلا يقدر على مذبحه فقال : حيثما نلت منه بالسلاح فكله ، وهذا قول أكثر المفتين
( قال الشافعي ) وأحب في الذبيحة أن توجه إلى القبلة إذا أمكن ذلك وإن لم يفعل الذابح فقد ترك ما أستحبه له ولا يحرمها ذلك .
( قال الشافعي ) نهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النخع وأن تعجل الأنفس أن تزهق والنخع أن يذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع الذبح لنخعه ولمكان الكسر فيه أو تضرب ليعجل قطع حركتها فأكره هذا وأن يسلخها أو يقطع شيئا منها ونفسها تضطرب أو يمسها بضرب أو غيره حتى تبرد ولا يبقى فيها حركة فإن فعل شيئا مما كرهت له بعد الإتيان على الذكاة كان مسيئا ولم يحرمها ذلك لأنها ذكية
( قال الشافعي ) ولو ذبح رجل ذبيحة فسبقته يده فأبان رأسها ، أكلها وذلك أنه أتى بالذكاة قبل قطع الرأس ولو ذبحها من قفاها أو أحد صفحتي عنقها ثم لم يعلم متى ماتت لم يأكلها حتى يعلم فإن علم أنها حييت بعد قطع القفا أو أحد صفحتي العنق حتى وصل بالمدية إلى الحلقوم والمريء فقطعهما وهي حية أكل وكان مسيئا بالجرح الأول كما لو جرحها ثم ذكاها كان مسيئا وكانت حلالا ولا يضره بعد قطع الحلقوم والمريء معا ، أقطع ما بقي من رأسها أو لم يقطعه ، إنما أنظر إلى الحلقوم والمريء فإذا وصل إلى قطعهما وفيها الحياة كانت ذكية وإذا لم يصل إلى ذلك وفيها الحياة كانت ميتة وإذا غاب ذلك عني وقد ابتدأ من غير جهتها جعلت الحكم على الذي ابتدأ منه إذا لم أستيقن بحياة بعد .
( قال الشافعي ) والتسمية على الذبيحة باسم الله فإذا زاد على ذلك شيئا من ذكر الله عز وجل فالزيادة خير ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول صلى الله على [ ص: 263 ] رسول الله بل أحبه له وأحب له أن يكثر الصلاة عليه فصلى الله عليه في كل الحالات لأن ذكر الله عز وجل والصلاة عليه إيمان بالله تعالى وعبادة له يؤجر عليها إن شاء الله تعالى من قالها ، وقد ذكر { عبد الرحمن بن عوف أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمه النبي صلى الله عليه وسلم قال فاتبعه فوجده عبد الرحمن ساجدا فوقف ينتظره فأطال ثم رفع فقال عبد الرحمن لقد خشيت أن يكون الله عز ذكره قد قبض روحك في سجودك فقال يا عبد الرحمن إني لما كنت حيث رأيت لقيني جبريل فأخبرني عن الله عز وجل أنه قال من صلى عليك صليت عليه فسجدت لله شكرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة } ( قال الربيع ) قال مالك لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة وإن ذا لعجب والشافعي يقول يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة .
( قال الشافعي ) ولسنا نعلم مسلما ولا نخاف عليه أن تكون صلاته عليه صلى الله عليه وسلم إلا الإيمان بالله ولقد خشيت أن يكون الشيطان أدخل على بعض أهل الجهالة النهي عن ذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة ليمنعهم الصلاة عليه في حال لمعنى يعرض في قلوب أهل الغفلة وما يصلي عليه أحد إلا إيمانا بالله تعالى وإعظاما له وتقربا إليه صلى الله عليه وسلم وقربنا بالصلاة عليه منه زلفى والذكر على الذبائح كلها سواء وما كان منها نسكا فهو كذلك فإن أحب أن يقول " اللهم تقبل مني " قاله وإن قال " اللهم منك وإليك فتقبل مني " وإن ضحى بها عن أحد فقال " تقبل من فلان " فلا بأس هذا دعاء له لا يكره في حال وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت مثله { أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر اسم الله عز وجل اللهم عن محمد وعن آل محمد وفي الآخر اللهم عن محمد وعن أمة محمد } ( قال الربيع ) رأيت الشافعي إذا حضر الجزار ليذبح الضحية حضره حتى يذبح .
باب الذبيحة وفيه من يجوز ذبحه
( قال الشافعي ) رحمه الله وذبح كل من أطاق الذبح من امرأة حائض وصبي من المسلمين أحب إلي من ذبح اليهودي والنصراني وكل حلال الذبيحة ، غير أني أحب للمرء أن يتولى ذبح نسكه فإنه يروى { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من أهله ، فاطمة أو غيرها أحضري ذبح نسيكتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة منها } .
( قال الشافعي ) وإن ذبح النسيكة غير مالكها أجزأت لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه ونحر بعضه غيره وأهدى هديا فإنما نحره من أهداه معه غير أني أكره أن يذبح شيئا من النسائك مشرك لأن يكون ما تقرب به إلى الله على أيدي المسلمين فإن ذبحها مشرك تحل ذبيحته أجزأت مع كراهتي لما وصفت ونساء أهل الكتاب إذا أطقن الذبح كرجالهم وما ذبح اليهود والنصارى لأنفسهم مما يحل للمسلمين أكله من الصيد أو بهيمة الأنعام وكانوا يحرمون منه شحما أو حوايا أو ما اختلط بعظم أو غيره إن كانوا يحرمونه فلا بأس على المسلمين في أكله لأن الله عز وجل إذا أحل طعامهم فكان ذلك عند أهل التفسير ذبائحهم فكل ما ذبحوا لنا ففيه شيء مما يحرمون فلو كان يحرم علينا إذا ذبحوه لأنفسهم من أصل دينهم بتحريمهم لحرم علينا إذا ذبحوه لنا ولو كان يحرم علينا بأنه ليس من طعامهم وإنما أحل لنا طعامهم وكان ذلك على ما يستحلون كانوا قد يستحلون محرما علينا [ ص: 264 ] يعدونه لهم طعاما ، فكان يلزمنا لو ذهبنا هذا المذهب أن نأكله لأنه من طعامهم الحلال لهم عندهم ولكن ليس هذا معنى الآية معناها ما وصفنا والله أعلم .
( قال الشافعي ) وقد أنزل الله عز ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم فما أحل فيه فهو حلال إلى يوم القيامة كان ذلك محرما قبله أو لم يكن محرما وما حرم فيه فهو حرام إلى يوم القيامة كان ذلك حراما قبله أو لم يكن ونسخ به ما خالفه من كل دين أدركه أو كان قبله وافترض على الخلق اتباعه غير أنه أذن جل ثناؤه بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وهم صاغرون غير عاذر لهم بتركهم الإيمان ولا محرم عليهم شيئا أحله في كتابه ولا محل لهم شيئا حرمه في كتابه وسواء ذبائح أهل الكتاب حربيين كانوا أو مستأمنين أو ذمة .
( قال الشافعي ) ولا أكره ذبيحة الأخرس المسلم ولا المجنون في حال إفاقته وأكره ذبيحة السكران والمجنون المغلوب في حال جنونه ولا أقول إنها حرام فإن قال قائل فلم زعمت أن الصلاة لا تجزي عن هذين لو صليا وأن ذكاتهما تجزي ؟ قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والذكاة ، الصلاة أعمال لا تجزي إلا من عقلها ولا تجزي إلا بطهارة وفي وقت وأول وآخر ، وهما مما لا يعقل ذلك والذكاة إنما أريد أن يؤتى عليها فإذا أتيا عليها لم أستطع أن أجعلهما فيها أسوأ حالا من مشرك ومشركة حائض أو صغيرة لا تعقل أو من لا تجب عليه الحدود ، وكل هؤلاء تجزي ذكاته ، فقلت بهذا المعنى : إنه إنما أريد الإتيان على الذكاة .
كتاب الأطعمة وليس في التراجم وترجم فيه ما يحل ويحرم
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أصل ما يحل أكله من البهائم والدواب والطير شيئان ، ثم يتفرقان فيكون منها شيء محرم نصا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشيء محرم في جملة كتاب الله عز وجل خارج من الطيبات ومن بهيمة الأنعام فإن الله عز وجل يقول { أحلت لكم بهيمة الأنعام } ويقول { أحل لكم الطيبات } فإن ذهب ذاهب إلى أن الله عز وجل يقول { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } فأهل التفسير أو من سمعت منه منهم يقول في قول الله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } يعني مما كنتم تأكلون فإن العرب كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث وتحل أشياء على أنها من الطيبات فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثنى منها وحرمت عليهم الخبائث عندهم قال الله عز وجل { ويحرم عليهم الخبائث } .
( قال الشافعي ) فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قيل لا يجوز في تفسير الآية إلا ما وصفت من أن تكون الخبائث معروفة عند من خوطب بها والطيبات كذلك إما في لسانها وإما في خبر يلزمها ولو ذهب إلى أن يقول كل ما حرم حرام بعينه وما لم ينص بتحريم فهو حلال أحل أكل العذرة والدود وشرب البول لأن هذا لم ينص فيكون محرما ولكنه داخل في معنى الخبائث التي حرموا فحرمت عليهم بتحريمهم وكان هذا في شر من حال الميتة والدم المحرمين لأنهما نجسان ينجسان ما ماسا وقد كانت الميتة قبل الموت غير نجسة فالبول والعذرة اللذان لم يكونا قط إلا نجسين أولى أن يحرما أن يؤكلا أو يشربا .
وإذا كان هذا هكذا ففيه كفاية مع أن ثم دلالة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور دل هذا على تحريم أكل ما أمر بقتله في الإحرام ولما كان هذا من الطائر [ ص: 265 ] والدواب كما وصفت دل هذا على أن أنظر إلى كل ما كانت العرب تأكله فيكون حلالا وإلى ما لم تكن العرب تأكله فيكون حراما فلم تكن العرب تأكل كلبا ولا ذئبا ولا أسدا ولا نمرا وتأكل الضبع فالضبع حلال ويجزيها المحرم بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صيد وتؤكل ، ولم تأكل الفأر ولا العقارب ولا الحيات ولا الحدأ ولا الغربان فجاءت السنة موافقة للقرآن بتحريم ما حرموا وإحلال ما أحلوا وإباحة أن يقتل في الإحرام ما كان غير حلال أن يؤكل ثم هذا أصله ، فلا يجوز أن يؤكل الرخم ولا البغاث ولا الصقور ولا الصوائد من الطائر كله مثل الشواهين والبزاة والبواشق ولا تؤكل الخنافس ولا الجعلان ولا العظاء ولا اللحكاء ولا العنكبوت ولا الزنابير ولا كل ما كانت العرب لا تأكله .
ويؤكل الضب والأرنب والوبر وحمار الوحش وكل ما أكلته العرب أو فداه المحرم في سنة أو أثر ، وتؤكل الضبع والثعلب ( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال سألت جابر بن عبد الله عن الضبع : أصيد هي ؟ فقال : نعم . قلت أتؤكل ؟ قال : نعم ، قلت : أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم .
( قال الشافعي ) وما يباع لحم الضباع بمكة إلا بين الصفا والمروة وكل ذي ناب من السباع لا يكون إلا ما عدا على الناس وذلك لا يكون إلا في ثلاثة أصناف من السباع الأسد والذئاب والنمور فأما الضبع فلا يعدو على الناس وكذلك الثعلب ويؤكل اليربوع والقنفذ .
( قال الشافعي ) والدواب والطير على أصولها ، فما كان منها أصله وحشيا واستؤنس فهو فيما يحل منه ويحرم كالوحش وذلك مثل حمار الوحش والظبي يستأنسان والحمار يستأنس فلا يكون للمحرم قتله فإن قتله فعليه جزاؤه ويحل أن يذبح حمار الوحش المستأنس فيؤكل وما كان لا أصل له في الوحش ، مثل الدجاج ، والحمر الأهلية ، والإبل ، والغنم ، والبقر . فتوحشت فقتلها المحرم ، لم يجزها ، ويغرم قيمتها للمالك ، إن كان لها ، لأنا صيرنا هذه الأشياء كلها على أصولها ، فإن قال قائل : في الوحش بقر وظباء مثل البقر والغنم ؟ قيل : نعم ، تخلق غير خلق الأهلية ، شبها لها معروفة منها . ولو أنا زعمنا أن حمار الوحش إذا تأهل لا يحل أكله ، دخل علينا أن لو قتله محرم لم يجزه . كما لو قتل حمارا أهليا لم يجزه ، ودخل علينا في الحمار الأهلي أن لو توحش كان حلالا ، وكل ما توحش من الأهلي ، في حكم الوحشي ، وما استؤنس من الوحشي ، في حكم الإنسي : فأما الإبل التي أكثر علفها العذرة اليابسة ، فكل ما صنع هذا من الدواب التي تؤكل ، فهي جلالة ، وأرواح العذرة توجد في عرقها وجرارها ، لأن لحومها تغتذي بها فتقلبها . وما كان من الإبل وغيرها ، أكثر علفه من غير هذا ، وكان ينال هذا قليلا ، فلا يبين في عرقه ولا جرره ، لأن اغتذاءه من غيره ، فليس بجلال منهي عنه .
والجلالة منهي عن لحومها حتى تعلف علفا غيره ما تصير به إلى أن يوجد عرقها وجررها منقلبا عما كانت تكون عليه فيعلم أن اغتذاءها قد انقلب ، فانقلب عرقها وجررها فتؤكل إذا كانت هكذا . ولا تجد شيئا نستطيع أن نجده فيها كلها أبين من هذا ، وقد جاء في بعض الآثار : أن البعير يعلف أربعين ليلة ، والشاة عددا أقل من هذا ، والدجاجة سبعا .
وكلهم فيما يرى إنما أراد المعنى الذي وصفت ، من تغيرها من الطباع المكروهة ، إلى الطباع غير المكروهة ، التي هي في فطرة الدواب
[ ص: 266 ] باب ذبائح بني إسرائيل أخبرنا الربيع قال : ( قال الشافعي ) : قال الله تبارك وتعالى { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } الآية وقال عز ذكره { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } .
( قال الشافعي ) : يعني والله تعالى أعلم - طيبات كانت أحلت لهم . وقال عز وجل { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } إلى قوله " لصادقون " .
( قال الشافعي ) : الحوايا ما حوى الطعام والشراب في البطن ، فلم يزل ما حرم الله تعالى على بني إسرائيل - اليهود خاصة ، وغيرهم عامة - محرما من حين حرمه حتى بعث الله جل جلاله محمدا صلى الله عليه وسلم ففرض الإيمان به ، وأمر باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة أمره ، وأعلم خلقه أن طاعته طاعته ، وأن دينه الإسلام الذي نسخ به كل دين كان قبله . وجعل من أدركه وعلم دينه فلم يتبعه كافرا به فقال { إن الدين عند الله الإسلام } فكان هذا في القرآن ، وأنزل عز وجل في أهل الكتاب من المشركين { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } إلى قوله { مسلمون } وأمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون إن لم يسلموا ، وأنزل فيهم { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } إلى قوله { والأغلال التي كانت عليهم } فقيل - والله أعلم - أوزارهم وما منعوا بما أحدثوا قبل ما شرع من دين محمد صلى الله عليه وسلم فلم يبق خلق يعقل - منذ بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم كتابي ولا وثني ولا حي ذو روح ، من جن ولا إنس - بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قامت عليه حجة الله عز وجل باتباع دينه ، وكان مؤمنا باتباعه وكافرا بترك اتباعه ، ولزم كل امرئ منهم آمن به أو كفر ، تحريم ما حرم الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كان مباحا قبله في شيء من الملل وأحل الله عز وجل طعام أهل الكتاب .
وقد وصف ذبائحهم ، ولم يستثن منها شيئا ، فلا يجوز أن تحرم منها ذبيحة كتابي وفي الذبيحة حرام على كل مسلم ، مما كان حرم على أهل الكتاب قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يبقى من شحم البقر والغنم . وكذلك لو ذبحها كتابي لنفسه وأباحها لمسلم لم يحرم على مسلم من شحم بقر ولا غنم منها شيء ولا يجوز أن يكون شيء حلالا من جهة الذكاة لأحد ، حراما على غيره ، لأن الله عز وجل أباح ما ذكر عاما لا خاصا . فإن قال قائل : هل يحرم على أهل الكتاب ما حرم عليهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الشحوم وغيرها إذا لم يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم ؟ فقد قيل ذلك كله محرم عليهم حتى يؤمنوا ، ولا ينبغي أن يكون محرما عليهم . وقد نسخ ما خالف دين محمد صلى الله عليه وسلم بدينه ، كما لا يجوز ، إن كانت الخمر حلالا لهم إلا أن تكون محرمة عليهم ، إذ حرمت على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وإن لم يدخلوا في دينه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى - كتاب الاطعمة
الحلقة (102)
صــــــــــ 267 الى صـــــــــــ272
ما حرم المشركون على أنفسهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله عز وجل أنها ليست حراما بتحريمهم . وقد ذكرت بعض ما ذكر الله تعالى منها ، وذلك مثل البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق ، فيحرمون ألبانها ولحومها وملكها ، وقد فسرته [ ص: 267 ] في غير هذا الموضع ، فقال تبارك وتعالى { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام } وقال { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين } وقال الله عز وجل وهو يذكر ما حرموا { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ، لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } إلى قوله { حكيم عليم } { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } الآية وقال { ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } الآية والآيتين بعدها فأعلمهم جل ثناؤه ، أنه لا يحرم عليهم ما حرموا . ويقال : نزلت فيهم { قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم } فرد إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأعلمهم أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم .
وقال { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } يعني والله أعلم من الميتة . ويقال : أنزل في ذلك { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } إلى قوله { فسقا أهل لغير الله به } وهذا يشبه ما قيل يعني { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } أي من بهيمة الأنعام إلا ميتة أو دما مسفوحا منها وهي حية أو ذبيحة كافر . وذكر تحريم الخنزير معها وقد قيل : ما كنتم تأكلون إلا كذا . وقال { فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا } إلى قوله { وما أهل لغير الله به } وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها .
ما حرم بدلالة النص .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } فيقال يحل لهم الطيبات عندهم ، ويحرم عليهم الخبائث عندهم . قال الله عز وجل { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } وكان الصيد ما امتنع بالتوحش كله ، وكانت الآية محتملة أن يحرم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد ، وهو يجزي بعض الصيد دون بعض .
فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من الصيد شيئا ليس على المحرم جزاؤه كل ما يباح للمحرم قتله . ولم يكن في الصيد شيء يتفرق إلا بأحد معنيين ، إما بأن يكون الله عز وجل أراد أن يفدي الصيد المباح أكله ولا يفدي ما لا يباح أكله ، وهذا أولى معنييه به والله أعلم لأنهم كانوا يصيدون ليأكلوا ، لا ليقتلوا ، وهو يشبه دلالة كتاب الله عز وجل قال الله تعالى { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم } وقال عز وجل { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } وقال { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فذكر جل ثناؤه إباحة صيد البحر للمحرم ومتاعا له ، يعني طعاما ، والله أعلم ، ثم حرم صيد البر فأشبه أن يكون إنما حرم عليه بالإحرام ما كان أكله مباحا له قبل الإحرام ، ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم أن يقتل الغراب ، والحدأة . والفأرة ، والكلب العقور ، والأسد ، والنمر ، والذئب الذي يعدو على الناس ، فكانت محرمة الأكل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ، فكان ما أبيح قتله معها ، يشبه أن يكون محرم الأكل لإباحته معها ، وأنه لا يضر ضررها ، وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الضبع ، وهو أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأرة أضعافا ، والوجه الثاني أن يقتل المحرم ما ضر ، ولا يقتل ما لا يضر ، ويفديه إن قتله ، وليس هذا معناه . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل أكل لحم الضبع ، وأن السلف والعامة عندهم [ ص: 268 ] فدوها . وهي أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأر . وكل ما لم تكن العرب تأكله من غير ضرورة .
وكانت تدعه على التقذر به محرم وذلك مثل الحدأ . والبغاث . والعقبان . والبزاة . والرخم . والفأرة . واللحكاء . والخنافس . والجعلان . والعظاء . والعقارب . والحيات . والذر . والذبان . وما أشبه هذا .
وكل ما كانت تأكله لم ينزل تحريمه . ولم يكن في معنى ما نص تحريمه . أو يكون على تحريمه دلالة .
فهو حلال . كاليربوع . والضبع . والثعلب . والضب وما كانت لا تأكله . ولم ينزل تحريمه مثل البول . والخمر . والدود . وما في هذا المعنى . وعلم هذا موجود عندها إلى اليوم . وكل ما قلت : حلال . حل ثمنه . ويحل بالذكاة . وكل ما قلت حرام . حرم ثمنه ولم يحل بالذكاة ولا يجوز أكل الترياق المعمول بلحوم الحيات . إلا أن يجوز في حال ضرورة . وحيث تجوز الميتة . ولا تجوز ميتة بحال .
الطعام والشراب أخبرنا الربيع بن سليمان قال .
( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله تبارك وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } " وقال { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } وقال عز وجل { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } فبين الله عز وجل في كتابه أن مال المرأة ممنوع من زوجها الواجب الحق عليها إلا بطيب نفسها وأباحه بطيب نفسها لأنها مالكة لمالها ، ممنوع بملكها ، مباح بطيب نفسها كما قضى الله عز وجل في كتابه ، وهذا بين أن كل من كان مالكا فماله ممنوع به محرم إلا بطيب نفسه بإباحته ، فيكون مباحا بإباحة مالكه له ، لا فرق بين المرأة والرجل ، وبين أن سلطان المرأة على مالها ، كسلطان الرجل على ماله إذا بلغت المحيض وجمعت الرشد وقول الله عز وجل { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } يدل - والله أعلم - إذا لم يستثن فيه إلا بطيب أنفس اليتامى ، على أن طيب نفس اليتيم لا يحل أكل ماله ، واليتيم واليتيمة في ذلك واحد ، والمحجور عليه عندنا كذلك لأنه غير مسلط على ماله والله أعلم لأن الناس في أموالهم واحد من اثنين ، مخلى بينه وبين ماله ، فما حل له فأحله لغيره ، حل ، أو ممنوع من ماله ، فما أباح منه لم يجز لمن أباحه له لأنه غير مسلط على إباحته له . فإن قال قائل : فهل للحجر في القرآن أصل يدل عليه ؟ قيل : نعم ، إن شاء الله ، قال الله عز وجل { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو ، فليملل وليه بالعدل } الآية ( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي ، قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر فينتقل متاعه } ؟ وقد روي حديث لا يثبت مثله { إذا دخل أحدكم الحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة } وما لا يثبت لا حجة فيه . ولبن الماشية [ ص: 269 ] أولى أن يكون مباحا . فإن لم يثبت هكذا من ثمر الحائط ، لأن ذلك اللبن يستخلف في كل يوم ، والذي يعرف الناس أنهم يبذلون منه ويوجبون من بذله ما لا يبذلون من الثمر ، ولو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا به ، ولم نخالفه .
جماع ما يحل من الطعام والشراب ويحرم
( قال الشافعي ) رحمه الله : أصل المأكول والمشروب إذا لم يكن لمالك من الآدميين . أو أحله مالكه من الآدميين ، حلال إلا ما حرم الله عز وجل في كتابه ، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .
فإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزم في كتاب الله عز وجل ، أن يحرم ويحرم ما لم يختلف المسلمون في تحريمه ، وكان في معنى كتاب أو سنة أو إجماع ، فإن قال قائل : فما الحجة في أن كل ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى يأذن فيه مالكه ؟ فالحجة فيه أن الله عز وجل قال { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال تبارك وتعالى { وآتوا اليتامى أموالهم } الآية . وقال { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } إلى قوله { هنيئا مريئا } مع آي كثيرة في كتاب الله عز وجل ، حظر فيها أموال الناس إلا بطيب أنفسهم ، إلا بما فرض في كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجاءت به حجة ( قال ) أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر ؟ } فأبان الله في كتابه أن ما كان ملكا لآدمي لم يحل بحال إلا بإذنه . وأبانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الحلال حلالا بوجه ، حراما بوجه آخر ، وأبانته السنة ، فإذا منع الله عز وجل مال المرأة إلا بطيب نفسها ، واسم المال يقع على القليل والكثير ، ففي ذلك معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللبن الذي تخف مؤنته على مالكه ، ويستخلف في اليوم مرة أو مرتين ، فحرم الأقل إلا بإذن مالكه كان الأكثر مثل الأقل أو أعظم تحريما بقدر عظمه ، على ما هو أصغر منه من مال المسلم .
ومثل هذا ما فرض الله عز وجل من المواريث بعد موت مالك المال ، فلما لم يكن لقريب أن يرث المال الذي قد صار مالكه غير مالك إلا بما ملك ، كان لأن يأخذ مال حي بغير طيب نفسه ، أو ميت بغير ما جعل الله له ، أبعد .
( قال الشافعي ) فالأموال محرمة بمالكها ، ممنوعة إلا بما فرض الله عز وجل في كتابه ، وبينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وبسنة رسوله ، فلزم خلقه بفرضه ، طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يجمع معنيين مما لله عز وجل ، طاعة بما أوجب في أموال الأحرار المسلمين ، طابت أنفسهم بذلك أو لم تطب ، من الزكاة وما لزمهم بإحداثهم وإحداث غيرهم ممن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم على من سن منهم أخذه من أموالهم ، والمعنى الثاني يبين أن ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلازم بفرض الله عز وجل فذلك مثل الدية على قاتل الخطأ ، فيكون على عاقلته الدية وإن لم تطب بها أنفسهم ، وغير ذلك مما هو موضوع في مواضعه من الزكاة والديات ، ولولا الاستغناء بعلم العامة بما وصفنا في هذا لأوضحنا من تفسيره أكثر مما كتبنا إن شاء الله تعالى ، فمن أمر لرجل بزرع أو تمر أو ماشية أو غير ذلك من ماله ، لم يكن له أخذ شيء منه إلا بإذنه ، لأن هذا مما لم يأت فيه كتاب ولا سنة ثابتة بإباحته ، فهو ممنوع بمالكه إلا بإذنه ، والله أعلم ، وقد قيل [ ص: 270 ] من مر بحائط ، فله أن يأكل ، ولا يتخذ خبنة ، وروي فيه حديث ، لو كان يثبت مثله عندنا ، لم نخالفه . والكتاب والحديث الثابت ، أنه لا يجوز أكل مال أحد إلا بإذنه . ولو اضطر رجل فخاف الموت ثم مر بطعام لرجل ، لم أر بأسا أن يأكل منه ، ما يرد من جوعه ، ويغرم له ثمنه ، ولم أر للرجل أن يمنعه في تلك الحال ، فضلا من طعام عنده ، وخفت أن يضيق ذلك عليه ، ويكون أعان على قتله ، إذا خاف عليه بالمنع القتل .
جماع ما يحل ويحرم أكله وشربه مما يملك الناس
( قال الشافعي ) رحمه الله : أصل ما يملك الناس مما يكون مأكولا ومشروبا ، شيئان . أحدهما ، ما فيه روح ، وذلك الذي فيه محرم وحلال ، ومنه ما لا روح فيه ، وذلك كله حلال ، إذا كان بحاله التي خلقه الله بها وكان الآدميون لم يحدثوا فيه صنعة خلطوه بمحرم ، أو اتخذوه مسكرا ، فإن هذا محرم ، وما كان منه سما يقتل رأيته محرما ، لأن الله عز وجل ، حرم قتل النفس على الآدميين . ثم قتلهم أنفسهم خاصة ، وما كان منه خبيثا قذرا فقد تركته العرب تحريما له بقذره . ويدخل في ذلك ، ما كان نجسا .
وما عرفه الناس سما يقتل ، خفت أن لا يكون لأحد رخصة في شربه ، لدواء ولا غيره ، وأكره قليله وكثيره ، خلطه غيره أو لم يخلطه . وأخاف منه على شاربه وساقيه ، أن يكون قاتلا نفسه ومن سقاه . وقد قيل : يحرم الكثير البحت منه ، ويحل القليل الذي الأغلب منه أن ينفع ولا يبلغ أن يكون قاتلا ، وقد سمعت بمن مات من قليل ، قد برأ منه غيره ، فلا أحبه ، ولا أرخص فيه بحال ، وقد يقاس بكثير السم ، ولا يمنع هذا أن يكون يحرم شربه .
تفريع ما يحل ويحرم
( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله تعالى { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم } فاحتمل قول الله تبارك وتعالى { أحلت لكم بهيمة الأنعام } إحلالها دون ما سواها ، واحتمل إحلالها بغير حظر ما سواها . واحتمل قول الله تبارك وتعالى { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وقوله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } وقوله { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } وما أشبه هؤلاء الآيات ، أن يكون أباح كل مأكول لم ينزل تحريمه في كتابه نصا ، واحتمل كل مأكول من ذوات الأرواح لم ينزل تحريمه بعينه نصا أو تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فيحرم بنص الكتاب وتحليل الكتاب بأمر الله عز وجل بالانتهاء إلى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فيكون إنما حرم بالكتاب في الوجهين . فلما احتمل أمر هذه المعاني ، كان أولاها بنا ، الاستدلال على ما يحل ويحرم بكتاب الله ثم سنة تعرب عن كتاب الله أو أمر أجمع المسلمون عليه ، فإنه لا يمكن في اجتماعهم أن يجهلوا لله حراما ولا حلالا إنما يمكن في بعضهم ، وأما في عامتهم فلا ، وقد وضعنا هذا مواضعه على التصنيف
ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب
( قال الشافعي ) رحمه الله : أصل التحريم ، نص كتاب أو سنة ، أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع قال الله تبارك وتعالى { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } وقال عز وجل { يسألونك ماذا أحل لهم } الآية . وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها ، وهم العرب الذين سألوا عن هذا ، ونزلت فيهم الأحكام ، وكانوا يكرهون من خبيث المآكل ما لا يكرهها غيرهم .
( قال الشافعي ) وسمعت بعض أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية : يعني مما كنتم تأكلون . في الآي التي ذكرت في هذا الكتاب وما في معناه ، ما يدل على ما وصفت . فإن قال قائل : ما يدل على ما وصفت ؟ قيل : أرأيت لو زعمنا أن الأشياء مباحة إلا ما جاء فيه نص خبر في كتاب أو سنة ، أما زعمنا أن أكل الدود والذبان والمخاط والنخامة والخنافس واللحكاء والعظاء والجعلان وخشاش الأرض والرخم والعقبان والبغاث والغربان والحدأ والفأر ، وما في مثل حالها ، حلال . فإن قال قائل : فما دل على تحريمها ؟ قيل : قال الله عز وجل { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فكان شيئان حلالين ، فأثبت تحليل أحدهما ؟ وهو صيد البحر وطعامه ؟ وطعامه مالحه .
وكل ما فيه متاع لهم يستمتعون بأكله ، وحرم عليهم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والله عز وجل لا يحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم قبل الإحرام ، والله أعلم . فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وقتل الحيات ، دل ذلك على أن لحوم هذه محرمة ، لأنه لو كان داخلا في جملة ما حرم الله قتله من الصيد في الإحرام ، لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، ودل على معنى آخر ، أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الإحرام شيئا ( قال ) فكل ما سئلت عنه ، مما ليس فيه نص تحريم ولا تحليل من ذوات الأرواح فانظر هل كانت العرب تأكله ، فإن كانت تأكله ولم يكن فيه نص تحريم ، فأحله ، فإنه داخل في جملة الحلال والطيبات عندهم ، لأنهم كانوا يحلون ما يستطيبون . وما لم تكن تأكله ، تحريما له باستقذاره فحرمه لأنه داخل في معنى الخبائث ، خارج من معنى ما أحل لهم ، مما كانوا يأكلون ، وداخل في معنى الخبائث التي حرموا على أنفسهم . فأثبت عليهم تحريمها .
( قال الشافعي ) ولست أحفظ عن أحد سألته من أهل العلم عمن ذهب مذهب المكيين خلافا . وجملة هذا لأن التحريم قد يكون مما حرمت العرب على أنفسها مما ليس داخلا في معنى الطيبات ، وإن كنت لا أحفظ هذا التفسير ، ولكن هذه الجملة . وفي تتابع من حفظت عنه من أهل العلم حجة .
ولولا الاختصار لأوضحته بأكثر من هذا وسيمر في تفاريق الأبواب إيضاح له إن شاء الله تعالى
[ ص: 272 ] تحريم أكل كل ذي ناب من السباع قال الربيع أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري ، ومالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع } . أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أكل كل ذي ناب من السباع حرام } .
( قال الشافعي ) وبهذا نقول ( قال الربيع ) قال الشافعي رحمه الله : إنما يحرم كل ذي ناب يعدو بنابه . الخلاف والموافقة في أكل كل ذي ناب من السباع وتفسيره ( قال الشافعي ) رحمه الله قال لي بعض من يوافقنا في تحريم كل ذي ناب من السباع ما لكل ذي ناب من السباع لا تحرمه دون ما خرج من هذه الصفة ؟ قلت له العلم يحيط إن شاء الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد قصد أن يحرم من السباع موصوفا . فإنما قصد قصد تحريم بعض السباع دون بعض السباع ، كما لو قلت قد أوصيت لكل شاب بمكة أو لكل شيخ بمكة . أو لكل حسن الوجه بمكة ، كنت قد قصدت بالوصية قصد صفة دون صفة . وأخرجت من الوصية من لم تصف أن له وصيتك . قال : أجل . ولولا أنه خص تحريم السباع . لكان أجمع وأقرب . ولكنه خص بعضا دون بعض بالتحريم .
( قال الشافعي ) فقلت له : هذه المنزلة الأولى من علم تحريم كل ذي ناب . فسل عن الثانية . قال : هل منها شيء مخلوق له ناب وشيء مخلوق لا ناب له ؟ قلت : ما علمته ، قال : فإن لم تكن تختلف . فتكون الأنياب لبعضها دون بعض . فكيف القول فيها ؟ قلت : لا معنى في خلق الأنياب في تحليل ولا تحريم . لأني لا أجد إذا كانت في خلق الأنياب سواء شيئا أنفيه خارجا من التحريم . ولا بد من إخراج بعضها من التحريم إذا كان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إخراجه . قال : أجل . هذا كما وصفت . ولكن ما أردت بهذا ؟ قلت : أردت أن يذهب غلطك إلى أن التحريم والتحليل في خلق الأنياب . قال : ففيم ؟ قلت : في معناه دون خلقه . فسل عن الناب الذي هو غاية علم كل ذي ناب . قال : فاذكره أنت ، قلت : كل ما كان يعدو منها على الناس بقوة ومكابرة في نفسه بنابه . دون ما لا يعدو . قال : ومنها ما لا يعدو على الناس بمكابرة دون غيره منها ؟ قلت : نعم . قال : فاذكر ما يعدو . قلت : يعدو الأسد والنمر والذئب . قال : فاذكر ما لا يعدو مكابرة على الناس . قلت الضبع والثعلب وما أشبهه . قال : فلا معنى له غير ما وصفت ؟ قلت : وهذا المعنى الثاني . وإن كانت كلها مخلوق له ناب .
( قال الشافعي ) وقلت له : سأزيدك في تبيينه . قال : ما أحتاج بعدما وصفت إلى زيادة . ولقلما يمكن إيضاح شيء إمكان هذا قلت : أوضحه لك ولغيرك ممن لم يفهم منه ما فهمت أو أفهمه فذهب إلى غيره . قال : فاذكره
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى - كتاب الاطعمة
الحلقة (103)
صــــــــــ 273 الى صـــــــــــ278
أكل الضبع
( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا سفيان ومسلم عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير .
( قال الشافعي ) ولحوم الضباع تباع عندنا بمكة بين الصفا والمروة ، لا أحفظ عن أحد من أصحابنا خلافا في إحلالها وفي مسألة ابن أبي عمار جابرا ، أصيد هي ؟ قال : نعم وسألته أتؤكل ؟ قال : نعم ، وسألته : أسمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . فهذا دليل على أن الصيد الذي نهى الله تعالى المحرم عن قتله ، ما كان يحل أكله من الصيد . وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه ، لا عبثا بقتله ، ومثل ذلك الدليل في حديث علي رضي الله عنه ، ولذلك أشباه في القرآن ، منها قول الله عز وجل { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين } أنه إنما يعني مما أحل الله أكله ، لأنه لو ذبح ما حرم الله عليه وذكر اسم الله عليه ، لم يحل الذبيحة ذكر اسم الله عليه . وفي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع دليل على ما قلنا ، من أن كان ذي ناب من السباع . ما عدا على الناس مكابرة . وإذا حل أكل الضبع ، وهي سبع ، لكنها لا تعدو مكابرة على الناس ، وهي أضر على مواشيهم من جميع السباع ، فأحلت أنها لا تعدو على الناس خاصة مكابرة . وفيه دلالة على إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم ينص فيه خبر وتحريم ما كانت تحرمه مما يعدو ، من قبل أنها لم تزل إلى اليوم تأكل الضبع ، ولم تزل تدع أكل الأسد والنمر والذئب تحريما بالتقذر ، فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب ، ما وصفت ، والله أعلم وفيه دلالة على أن المحرم إنما يجزي ما أحل أكله من الصيد دون ما لم يحل أكله . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلب العقور في الإحرام ، وهو ما عدا على الناس ، وهو لا يأمر بقتل ما لا يحل قتله ، ويضمن صاحبه بقتله شيئا فدل ذلك على أن الصيد الذي حرم الله قتله في الإحرام ، ما يؤكل لحمه ، ودل على ذلك حديث جابر بن عبد الله ، وعلى ما وصفت . ولا بأس بأكل كل سبع لا يعدو على الناس من دواب الأرض ، مثل الثعلب وغيره قياسا على الضبع . وما سوى السبع من دواب الأرض كلها تؤكل من معنيين ، ما كان سبعا لا يعدو .
فحلال أن يؤكل . وما كان غير سبع ، فما كانت العرب تأكله لغير ضرورة فلا بأس بأكله ، لأنه داخل في معنى الآية . خارج من الخبائث عند العرب . وما كانت تدعه على معنى تحريمه ، فإنه خبيث اللحم ، فلا يؤكل بحال . وكل ما أمر بأكله فداه المحرم إذا قتله . ومثل الضبع ما خلا كل ذي ناب من السباع من دواب الأرض وغيرها ، فلا بأس أن يؤكل منه ما كانت العرب تأكله ، وقد فسرته قبل هذا .
ما يحل من الطائر ويحرم
( قال الشافعي ) رحمه الله : والأصل فيما يحل ويحرم من الطائر وجهان ، أحدهما : أن ما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم بقتله ، منه ما لا يؤكل ، لأنه خارج من معنى الصيد الذي يحرم على [ ص: 274 ] المحرم قتله ليأكله . والعلم يكاد يحيط أنه إنما حرم على المحرم الصيد الذي كان حلالا له قبل الإحرام ، فإذا أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل بعض الصيد ، دل على أنه محرم أن يأكله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يحل قتل ما أحل الله عز وجل } فالحدأة والغراب مما أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله للمحرم . فما كان في مثل معناهما من الطائر ، فهو داخل في أن لا يجوز أكل لحمه ، كما لا يجوز أكل لحمهما ، لأنه في معناهما ، ولأنهما أيضا مما لم تكن تأكل العرب ، وذلك مثل ما ضر من ذوات الأرواح من سبع وطائر ، وذلك مثل العقاب والنسر والبازي والصقر والشاهين والبواشق ، وما أشبهها ، ما دام يأخذ حمام الناس وغيره من طائرهم ، فكل ما كان في هذا المعنى من الطائر فلا يجوز أكله للوجهين اللذين وصفت من أنه في معنى الحدأة والغراب ، وداخل في معنى ما لا تأكل العرب . وكل ما كان لا يبلغ أن يتناول للناس شيئا من أموالهم من الطائر ، فلم تكن العرب تحرمه إقذارا له ، فكله مباح أن يؤكل ، فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه . فإن قال قائل : نراك فرقت بين ما خرج من أن يكون ذا ناب من السبع ، مثل الضبع والثعلب ، فأحللت أكلها ، وهي تضر بأموال الناس أكثر من ضرر ما حرمت من الطائر . قلت إني وإن حرمته فليس للضرر فقط حرمته ، ولا لخروج الثعلب والضبع من الضرر أبحتها ، إنما أبحتها بالسنة ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن كل ذي ناب من السباع ، ففيه دلالة على أنه أباح ما كان غير ذي ناب من السباع ، وأنه أحل الضبع نصا ، وأن العرب لم تزل تأكلها ، والثعلب . وتترك الذئب والنمر والأسد فلا تأكله وأن العرب لم تزل تترك أكل النسر والبازي والصقر والشاهين والغراب والحدأة وهي ضرار ، وتترك ما لا يضر من الطائر فلم أجز أكله ، وذلك مثل الرخمة والنعامة ، وهما لا يضران ، وأكلهما لا يجوز ، لأنهما من الخبائث وخارجان من الطيبات . وقد قلت مثل هذا في الدود ، فلم أجز أكل اللحكاء ولا العظاء ولا الخنافس ، وليست بضارة ولكن العرب كانت تدع أكلها ، فكان خارجا من معنى الطيبات ، داخلا في معنى الخبائث عندها .
أكل الضب
( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا بأس بأكل الضب ، صغيرا أو كبيرا ، فإن قال قائل : قد رويتم { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضب فقال لست آكله ولا محرمه } قيل له إن شاء الله فهو لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضب شيئا غير هذا ، وتحليله أكله بين يديه ثابت . فإن قال قائل : فأين ذلك ؟ قيل : لما قال : { لست آكله ولا محرمه } دل على أن تركه أكله لا من جهة تحريمه ، وإذا لم يكن من جهة تحريمه ، فإنما ترك مباحا عافه ولم يشتهه . ولو عاف خبزا أو لحما أو تمرا أو غير ذلك كان ذلك شيئا من الطباع ، لا محرما لما عاف فقال لي بعض الناس : أرأيت إن قال هذا القول غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أيحتمل معنى غير المعنى الذي زعمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ؟ فزعمت أنه بين لا يحتمل معنى غيره ؟ قلت : نعم . قال : وإذا قلت من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معصوما ، قلت له : رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجه من التحليل فلا يجوز أن يسأل عن تحليل ولا تحريم فيجيب فيه إلا أحله أو حرمه . وليس هكذا أحد بعده ممن يعلم ويجهل ، ويقف ويجيب ، ثم لا يقوم جوابه مقام جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فما [ ص: 275 ] المعنى الذي قلت قد بين هذا الحديث من غيره ؟ قلت : { قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضب فامتنع من أكلها ، فقال خالد بن الوليد أحرام هي يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ، ولكن أعافها لم تكن ببلد قومي فاجترها خالد بن الوليد فأكلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر } ، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليست حراما فهي حلال ، وإذا أقر خالدا بأكلها ، فلا يدعه يأكل حراما ، وقد بين أن تركه إياها أنه عافها . لا حرمها .
أكل لحوم الخيل
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر قال : { أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ، ونهانا عن لحوم الحمر } . أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت : { نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه } ، أخبرنا سفيان عن عبد الكريم بن أبي أمية قال : أكلت فرسا على عهد ابن الزبير فوجدته حلوا .
( قال الشافعي ) كل ما لزمه اسم الخيل من العراب والمقاريف والبراذين ، فأكلها حلال .
أكل لحوم الحمر الأهلية أخبرنا مالك عن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي ، عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية } .
( قال الشافعي ) سمعت سفيان يحدث عن الزهري أخبرنا عبد الله والحسن ابنا محمد بن علي ، وكان الحسن أرضاهما ، عن علي رضي الله عنه .
( قال الشافعي ) في هذا الحديث دلالتان . إحداهما تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية والأخرى ، إباحة لحوم حمر الوحش ، لأنه لا صنف من الحمر إلا الأهلي والوحشي ، فإذا قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحريم قصد الأهلي ، ثم وصفه ، دل على أنه أخرج الوحشي من التحريم وهذا مثل نهيه عن كل ذي ناب من السباع . فقصد بالنهي .
قصد عين دون عين . فحرم ما نهى عنه . وحل ما خرج من تلك الصفة سواه . مع أنه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة أكل حمر الوحش . أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يقسم حمارا وحشيا قتله أبو قتادة بين الرفقة . وحديث طلحة أنهم أكلوا معه لحم حمار وحشي .
( قال الشافعي ) وخلق الحمر الأهلية يباين خلق الحمر الوحشية مباينة يعرفها أهل الخبرة بها . فلو توحش أهلي لم يحل أكله .
وكان على الأصل في التحريم . ولو استأهل وحشي لم يحرم أكله وكان على الأصل في التحليل . ولا يذبحه المحرم وإن استأهل . ولو نزا حمار أهلي على فرس أو فرس على أتان أهلية ، لم يحل أكل ما نتج بينهما . لست أنظر في ذلك إلى أيهما النازي . لأن الولد منهما . فلا يحل حتى يكون لحمهما معا حلالا . وكل ما عرف فيه حمار أهلي من قبل أب أو أم . لم يحل أكله بحال أبدا . ولا أكل نسله . ولو نزا حمار وحشي على فرس . أو فرس على أتان وحشي حل أكل ما ولد بينهما لأنهما مباحان معا . وهكذا لو أن غرابا أو ذكر حدأ أو بغاثا تجثم حبارى . أو ذكر حبارى أو طائر يحل لحمه تجثم غرابا أو حدأ أو [ ص: 276 ] صقرا أو ثيران فباضت وأفرخت . لم يحل أكل فراخها من ذلك التجثم . لاختلاط المحرم والحلال فيه . ألا ترى أن خمرا لو اختلطت بلبن . أو ودك خنزير بسمن . أو محرما بحلال فصارا لا يزيل أحدهما من الآخر حرم أن يكون مأكولا . ولو أن صيدا أصيب أو بيض صيد . فأشكلت خلقته . فلم يدر لعل أحد أبويه مما لا يحل أكله والآخر يحل أكله ، كان الاحتياط . الكف عن أكله . والقياس أن ينظر إلى خلقته فأيهما كان أولى بخلقته جعل حكمه حكمه . إن كان الذي يحل أكله أولى بخلقته أكله . وإن كان الذي يحرم أكله أولى بخلقته لم يأكله . وذلك مثل أن ينزو حمار إنسي أتانا وحشية أو أتانا إنسية . ولو نزا حمار وحشي فرسا أو فرس أتانا وحشيا لم يكن بأكله بأس . لأن كليهما مما يحل أكله . وإذا توحش واصطيد ، أكل بما يؤكل به الصيد . وهكذا القول في صغار أولاده وفراخه وبيضه ، لا يختلف . وما قتل المحرم من صيد يؤكل لحمه ، فداه وكذلك يفدي ما أصاب من بيضه . وما قتل من صيد لا يؤكل لحمه . أو أصاب من بيضه لم يفده . ولو أن ذئبا نزا على ضبع فجاءت بولد فإنها تأتي بولد لا يشبهها محضا ولا الذئب محضا يقال له السبع ، لا يحل أكله لما وصفت من اختلاط المحرم والحلال ، وأنهما لا يتميزان فيه .
ما يحل بالضرورة
( قال الشافعي ) قال الله عز وجل فيما حرم ولم يحل بالذكاة { وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وقال { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } إلى قوله { غفور رحيم } وقال في ذكر ما حرم { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } ( قال الشافعي ) فيحل ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر . والمضطر الرجل يكون بالموضع لا طعام فيه معه ولا شيء يسد فورة جوعه من لبن وما أشبهه ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته ، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين ، فأي هذا ناله فله أن [ يأكل من المحرم ] . وكذلك يشرب من المحرم غير المسكر ، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه . وأحب إلي أن يكون آكله إن أكل وشاربه إن شرب أو جمعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى ، وإن أجزأه دونه ، لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة . وإذا بلغ الشبع والري فليس له مجاوزته ، لأن مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع . ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد الضرورة وكذلك الري . ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه . فإذا وجد الغنى عنه طرحه .
ولو تزود معه ميتة فلقي مضطرا أراد شراءها منه ، لم يحل له ثمنها ، إنما حل له منها منع الضرر البين على بدنه لا ثمنها ، ولو اضطر ، ووجد طعاما ، لم يؤذن له به ، لم يكن له أكل الطعام ، وكان له أكل [ ص: 277 ] الميتة ، ولو اضطر ، ومعه ما يشتري به ما يحل ، فإن باعه بثمنه في موضعه أو بثمن ما يتغابن الناس بمثله ، لم يكن له أكل الميتة ، وإن لم يبعه إلا بما لا يتغابن الناس بمثله ، كان له أكل الميتة ، والاختيار أن يغالي به ويدع أكل الميتة . وليس له ، بحال ، أن يكابر رجلا على طعامه وشرابه وهو يجد ما يغنيه عنه من شراب فيه ميتة أو ميتة ، وإن اضطر فلم يجد ميتة ولا شرابا فيه ميتة ، ومع رجل شيء ، كان له أن يكابره ، وعلى الرجل أن يعطيه . وإذا كابره ، أعطاه ثمنه وافيا ، فإن كان إذا أخذ شيئا خاف مالك المال على نفسه ، لم يكن له مكابرته . وإن اضطر وهو محرم إلى صيد أو ميتة ، أكل الميتة وترك الصيد ، فإن أكل الصيد فداه ، إن كان هو الذي قتله . وإن اضطر فوجد من يطعمه أو يسقيه ، فليس له أن يمتنع من أن يأكل أو يشرب . وإذا وجد فقد ذهبت عنه الضرورة إلا في حال واحدة ، أن يخاف إن أطعمه أو سقاه ، أن يسمه فيه فيقتله ، فله ترك طعامه وشرابه بهذه الحال . وإن كان مريضا فوجد مع رجل طعاما أو شرابا ، يعلمه يضره ويزيد في مرضه ، كان له تركه ، وأكل الميتة وشرب الماء الذي فيه الميتة ، وقد قيل : إن من الضرورة وجها ثانيا ، أن يمرض الرجل المرض يقول له أهل العلم به ، أو يكون هو من أهل العلم به : قلما يبرأ من كان به مثل هذا إلا أن يأكل كذا ، أو يشرب كذا ، أو يقال له : إن أعجل ما يبرئك أكل كذا أو شرب كذا ، فيكون له أكل ذلك وشربه ، ما لم يكن خمرا إذا بلغ ذلك منها أسكرته ، أو شيئا يذهب العقل من المحرمات أو غيرها فإن إذهاب العقل محرم . ومن قال هذا ، قال : { أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأعراب أن يشربوا ألبان الإبل وأبوالها وقد يذهب الوباء بغير ألبانها وأبوالها } ، إلا أنه أقرب ما هنالك أن يذهبه عن الأعراب لإصلاحه لأبدانهم ، والأبوال كلها محرمة ، لأنها نجسة ، وليس له أن يشرب خمرا ، لأنها تعطش وتجيع . ولا لدواء لأنها تذهب بالعقل . وذهاب العقل منع الفرائض ، وتؤدي إلى إتيان المحارم . وكذلك ما أذهب العقل غيرها . ومن خرج مسافرا فأصابته ضرورة بجوع أو عطش ، ولم يكن سفره في معصية الله عز وجل ، حل له ما حرم عليه مما نصف إن شاء الله تعالى . ومن خرج عاصيا لم يحل له شيء مما حرم الله عز وجل عليه بحال ، لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل ما حرم بالضرورة ، على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم . ولو خرج عاصيا ثم تاب فأصابته الضرورة بعد التوبة رجوت أن يسعه أكل المحرم وشربه . ولو خرج غير عاص ، ثم نوى المعصية ، ثم أصابته الضرورة ونيته المعصية ، خشيت أن لا يسعه المحرم ، لأني أنظر إلى نيته في حال الضرورة ، لا في حال تقدمتها ولا تأخرت عنها
[ ص: 278 ] كتاب النذور باب النذور التي كفارتها كفارة أيمان
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن قال علي نذر ولم يسم شيئا فلا نذر ولا كفارة ، لأن النذر معناه معنى علي أن أبر وليس معناه معنى أني أثمت ولا حلفت ، فلم أفعل وإذا نوى بالنذر شيئا من طاعة الله ، فهو ما نوى .
( قال الشافعي ) فإنا نقول فيمن قال : " علي نذر ، إن كلمت فلانا ، أو علي نذر أن أكلم فلانا ، يريد هجرته ، أن عليه كفارة يمين . وأنه إن قال : " علي نذر أن أهجره ، يريد بذلك نذر هجرته نفسها ، لا يعني قوله أن أهجره أو لم أهجره . فإنه لا كفارة عليه ، وليكلمه ، لأنه نذر في معصية .
( قال الشافعي ) ومن حلف أن لا يكلم فلانا أو لا يصل فلانا ، فهذا الذي يقال له الحنث في اليمين خير لك من البر فكفر واحنث ، لأنك تعصي الله عز وجل في هجرته ، وتترك الفضل في موضع صلته . وهذا في معنى الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم { فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه } وهكذا كل معصية حلف عليها أمرناه أن يترك المعصية ويحنث ويأتي الطاعة . وإذا حلف على بر ، أمرناه أن يأتي البر ولا يحنث ، مثل قوله " والله لأصومن اليوم ، والله لأصلين كذا وكذا ركعة نافلة " فنقول له : بر يمينك وأطع ربك ، فإن لم يفعل ، حنث وكفر . وأصل ما نذهب إليه ، أن النذر ليس بيمين ، وأن من نذر أن يطيع الله عز وجل أطاعه ، ومن نذر أن يعصي الله لم يعصه ، ولم يكفر .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى - كتاب النذور
الحلقة (104)
صــــــــــ 279 الى صـــــــــــ284
من جعل شيئا من ماله صدقة أو في سبيل الله
( قال الشافعي ) رحمه الله وإذا حلف الرجل في كل شيء سوى العتق والطلاق من قوله : مالي هذا في سبيل الله أو داري هذه في سبيل الله أو غير ذلك مما يملك صدقة أو في سبيل الله إذا كان على [ ص: 279 ] معاني الأيمان فالذي يذهب إليه عطاء أنه يجزيه من ذلك كفارة يمين ومن قال هذا القول قاله في كل ما حنث فيه سوى عتق أو طلاق وهو مذهب عائشة رضي الله عنها والقياس ومذهب عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم ، وقال غيره : يتصدق بجميع ما يملك إلا أنه قال : ويحبس قدر ما يقوته ، فإذا أيسر تصدق بالذي حبس . وذهب غيره إلى أنه يتصدق بثلث ماله وذهب غيره إلى أنه يتصدق بزكاة ماله ، وسواء قال صدقة أو قال في سبيل الله إذا كانت على معاني الأيمان .
( قال الشافعي ) ومن حلف بصدقة ماله فحنث فإن كان أراد يمينا فكفارة يمين ، وإن أراد بذلك تبررا ، مثل أن يقول : لله علي أن أتصدق بمالي كله ، تصدق به كله . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من نذر أن يطيع الله عز وجل فليطعه } .
باب نذر التبرر وليس في التراجم وفيها من نذر أن يمشي إلى بيت الله عز وجل
( قال الشافعي ) رحمه الله : ومن نذر تبررا أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر على المشي وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا لأنه لم يأت بما نذر كما نذر والقياس أن لا يكون عليه دم من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه كما لا يطيق القيام في الصلاة فيسقط عنه ويصلي قاعدا ولا يطيق القعود فيصلي مضطجعا . وإنما فرقنا بين الحج والعمرة والصلاة أن الناس أصلحوا أمر الحج بالصيام والصدقة والنسك ولم يصلحوا أمر الصلاة إلا بالصلاة .
( قال الشافعي ) ولا يمشي أحد إلى بيت الله إلا حاجا أو معتمرا إلا بذلة منه ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر أنه إذا حلف أن يمشي إلى بيت الله الحرام فحنث فكفارة يمين تجزئه من ذلك إن أراد بذلك اليمين ( قال الربيع ) وسمعت الشافعي أفتى بذلك رجلا فقال : هذا قولك أبا عبد الله ؟ فقال هذا قول من هو خير مني قال : من هو ؟ قال : عطاء بن أبي رباح .
( قال الشافعي ) ومن حلف بالمشي إلى بيت الله ففيها قولان أحدهما معقول معنى قول عطاء أن كل من حلف بشيء من النسك صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا بفرض يؤديه من فروض الله عز وجل عليه أو تبررا يريد الله به فأما ما علا علو الإيمان فلا يكون تبررا وإنما يعمل التبرر لغير العلو وقد قال غير عطاء : عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبررا .
( قال الشافعي ) والتبرر أن يقول لله علي إن شفى الله فلانا أو قدم فلان من سفره أو قضى عني دينا أو كان كذا أن أحج له نذرا فهو التبرر . فأما إذا قال : إن لم أقضك حقك فعلي المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الأيمان لا معاني النذور وأصل معقول قول عطاء في معاني النذور من هذا أنه يذهب إلى أن من نذر نذرا في معصية الله لم يكن عليه قضاؤه ولا كفارة فهذا يوافق السنة وذلك أن يقول : لله علي إن شفاني أو شفى فلانا أن أنحر ابني أو أن أفعل كذا من الأمر الذي لا يحل له أن يفعله فمن قال هذا فلا شيء عليه فيه وفي السائبة ، وإنما أبطل الله عز وجل النذر في البحيرة والسائبة لأنها معصية ولم يذكر في ذلك كفارة وكان فيه دلالة على أن من نذر معصية الله عز وجل أن لا يفي ولا كفارة عليه وبذلك جاءت السنة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه } ( أخبرنا ) سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال كانت بنو عقيل [ ص: 280 ] حلفاء لثقيف في الجاهلية وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين ثم إن المسلمين أسروا رجلا من بني عقيل ومعه ناقة له وكانت ناقته قد سبقت الحاج في الجاهلية كذا وكذا مرة ، وكانت الناقة إذا سبقت الحاج في الجاهلية لم تمنع من كلإ ترتع فيه ولم تمنع من حوض تشرب منه .
( قال الشافعي ) { فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد فيم أخذتني وأخذت سابقة الحاج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بجريرة حلفائك ثقيف } ( قال الشافعي ) { وحبس حيث يمر به النبي صلى الله عليه وسلم فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقال له يا محمد إني مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قلتها وأنت تملك أمرك كنت قد أفلحت كل الفلاح قال ثم مر به النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال : يا محمد إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك حاجتك ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بدا له ففادى به الرجلين اللذين أسرت ثقيف وأمسك الناقة } ثم إنه أغار على المدينة عدو فأخذوا سرح النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوا الناقة فيها قال وقد كانت عندهم امرأة من المسلمين قد أسروها وكانوا يريحون النعم عشاء فجاءت المرأة ذات ليلة إلى النعم فجعلت لا تجيء إلى بعير إلا رغا حتى انتهت إليها فلم ترغ فاستوت عليها فنجت فلما قدمت المدينة قال الناس العضباء العضباء فقالت المرأة : إني نذرت إن الله أنجاني عليها أن أنحرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بئسما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم } أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين .
( قال الشافعي ) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها أو تنحرها ولا تكفر .
( قال ) وكذلك نقول إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال سقط النذر عنه لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما سواه أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم } وكان في حديث عبد الوهاب الثقفي بهذا الإسناد أن امرأة من الأنصار نذرت وهربت على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نجاها الله لتنحرنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول وأخذ ناقته ولم يأمرها بأن تنحر مثلها ولا تكفر فكذلك نقول إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك والنذر ساقط عنه وكذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال سقط النذر عنه لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما سواه .
( قال الشافعي ) وإذا نذر الرجل أن يحج ماشيا مشى حتى يحل له النساء ثم يركب بعد ، وذلك كمال حج هذا ، وإذا نذر أن يعتمر ماشيا مشى حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر وذلك كمال عمرة هذا ( قال الشافعي ) وإذا نذر أن يحج ماشيا فمشى ففاته الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ماشيا حل وعليه حج قابل ماشيا كما يكون عليه حج قابل إذا فاته هذا الحج ألا ترى أن حكمه لو كان متطوعا بالحج أو ناذرا له أو كان عليه حجة الإسلام وعمرته ألا يجزي هذا الحج من حج ولا عمرة ؟ فإذا كان حكمه أن يسقط ولا يجزي من حج ولا عمرة فكيف لا يسقط المشي الذي إنما هو هيئة في الحج والعمرة ؟ .
( قال الشافعي ) وإذا نذر الرجل أن يحج أو نذر أن يعتمر ولم يحج ولم يعتمر فإن كان نذر ذلك ماشيا فلا يمشي لأنهما جميعا حجة الإسلام وعمرته فإن مشى فإنما مشى حجة الإسلام وعمرته وعليه أن يحج ويعتمر ماشيا من قبل أن أول ما يعمل الرجل من حج وعمرة إذا لم يعتمر ويحج فإنما هو حجة الإسلام وإن لم ينو حجة الإسلام ونوى به نذرا أو حجا عن غيره أو تطوعا فهو كله حجة الإسلام [ ص: 281 ] وعمرته وعليه أن يعود لنذره فيوفيه كما نذر ماشيا أو غير ماش ( قال الربيع ) هذا إذا كان المشي لا يضر بمن يمشي فإذا كان مضرا به فيركب ولا شيء عليه على مثل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يتم صومه ويتنحى عن الشمس فأمره بالذي فيه البر ولا يضر به ونهاه عن تعذيب نفسه لأنه لا حاجة لله في تعذيبه وكذلك الذي يمشي إذا كان المشي تعذيبا له يضر به تركه ولا شيء عليه .
( قال الشافعي ) ولو أن رجلا قال : إن شفى الله فلانا فلله علي أن أمشي لم يكن عليه مشي حتى يكون نوى شيئا يكون مثله برا ، فإن لم ينو شيئا فلا شيء عليه لأنه ليس في المشي إلى غير مواضع البر بر .
( قال الشافعي ) ولو نذر فقال علي المشي إلى إفريقية أو العراق أو غيرهما من البلدان لم يكن عليه شيء لأنه ليس لله طاعة في المشي إلى شيء من البلدان وإنما يكون المشي إلى المواضع التي يرتجى فيها البر وذلك المسجد الحرام وأحب إلي لو نذر أن يمشي إلى مسجد المدينة أن يمشي وإلى مسجد بيت المقدس أن يمشي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس } ولا يبين لي أن أوجب المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس كما يبين لي أن أوجب المشي إلى بيت الله الحرام . وذلك أن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نافلتين وإذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشي إلى بيت الله الحرام ولا يجب ذلك عليه إلا بأن ينويه لأن المساجد بيوت الله وهو إذا نذر أن يمشي إلى مسجد مصر لم يكن عليه أن يمشي إليه ولو نذر برا أمرناه بالوفاء به ولم يجبر عليه .
وليس هذا كما يؤخذ للآدميين من الآدميين هذا عمل فيما بينه وبين الله عز وجل لا يلزمه إلا بإيجابه على نفسه بعينه وإذا نذر الرجل أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة وذلك أن النحر بمكة بر . وإن نذر أن ينحر بغيرها ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر أن يتصدق . وإنما أوجبته وليس في النحر في غيرها بر لأنه نذر أن يتصدق على مساكين ذلك البلد ، فإذا نذر أن يتصدق على مساكين بلد ، فعليه أن يتصدق عليهم .
وفي ترجمة الهدي المذكورة في تراجم مختصر الحج المتوسط نصوص تتعلق بالهدي المنذور
فمنها قول الشافعي رحمه الله : الهدي من الإبل والبقر والغنم . وسواء البخت والعراب من الإبل والبقر والجواميس والضأن والمعز ، ومن نذر هديا فسمى شيئا لزمه الشيء الذي سمى ، صغيرا كان أو كبيرا ، ومن لم يسم شيئا لزمه هدي ليس بجزاء من صيد ، فيكون عدله . فلا يجزيه من الإبل ولا البقر ولا المعز ، إلا ثني فصاعدا ويجزيه الذكر والأنثى . ويجزي من الضأن وحده الجذع : والموضع الذي يجب عليه فيه الحرم ، لا محل للهدي دونه ، إلا أن يسمي الرجل موضعا من الأرض ، فينحر فيه هديا ، أو يحصر رجل بعدو ، فينحر حيث أحصر ، ولا هدي إلا في الحرم لا في غير ذلك . وذكر هنا التقليد والإشعار ، وقد سبق في باب الهدي آخر الحج ، وهو يتعلق بالمنذور والتطوع .
( قال ) وإذا ساق [ ص: 282 ] الهدي ، فليس له أن يركبه إلا من ضرورة . وإذا اضطر إليه ، ركبه ركوبا غير فادح له ، وله أن يحمل الرجل المعيا والمضطر على هديه . وإذا كان الهدي أنثى فنتجت ، فإن تبعها فصيلها ساقه وإن لم يتبعها حمله عليها ، وليس له أن يشرب من لبنها إلا بعد ري فصيلها ، وكذلك ليس له أن يسقي أحدا . وله أن يحمل فصيلها . وإن حمل عليها من غير ضرورة فأعجفها ، غرم قيمة ما نقصها . وكذلك إن شرب من لبنها ما ينهك فصيلها ، غرم قيمة اللبن الذي شرب . وإن قلدها وأشعرها ووجهها إلى البيت ، أو وجهها بكلام فقيل هذه هديي فليس له أن يرجع فيها ، ولا يبدلها بخير ولا بشر منها ، كانت زاكية أو غير زاكية ، وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها ، وإنما أنظر في الهدي إلى يوم يوجب ، فإن كان وافيا ، ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج ، أو ما لا يكون به وافيا على الابتداء ، لم يضره إذا بلغ المنسك . وإن كان يوم وجب ليس بواف ثم صح حتى يصير وافيا قبل أن ينحر لم يجز عنه . ولم يكن له أن يحبسه ولا عليه أن يبدله إلا أن يتطوع بإبداله مع نحره ، أو يكون أصله واجبا ، فلا يجزي عنه فيه إلا واف .
( قال ) والهدي هديان ، هدي أصله تطوع ، فذكر في عطبه وإطعامه ما سبق في باب الهدي ( قال ) وهدي واجب فذلك إذا عطب دون الحرم صنع به صاحبه ما شاء من بيع وهبة وإمساك وعليه بدله بكل حال ولو تصدق به في موضعه على مساكين ، كان عليه بدله لأنه قد خرج من أن يكون هديا حين عطب قبل أن يبلغ محله . وذكر هنا دم التمتع والقران وغير ذلك مما ذكرناه في باب الهدي ( قال ) ولو أن رجلين كان عليهما هديان واجبان ، فأخطأ كل واحد منهما بهدي صاحبه فذبحه ثم أدركه قبل أن يتصدق به أخذ كل واحد منهما هدي نفسه ، ورجع كل واحد منهما على صاحبه بقيمة ما بين الهديين حيين ومنحورين وأجزأ عنهما وتصدقا بكل ما ضمن كل واحد منهما لصاحبه ولو لم يدركاه حتى فات بصدقة ضمن كل واحد منهما لصاحبه قيمة الهدي حيا ، وكان على كل واحد منهما البدل ولا أحب أن يبدل واحد منهما إلا بجميع ثمن هديه ، وإن لم يجد بثمن هديه هديا زاد حتى يبدله هديا ، ولو أن رجلا نحر هديا فمنع المساكين دفعه إليهم أو نحره بناحية ولم يحل بين المساكين وبينه حتى ينتن كان عليه أن يبدله . والنحر يوم النحر وأيام " منى " كلها حتى تغيب الشمس من آخر أيامها فإذا غابت الشمس .
فلا يجوز إلا أن من كان عليه هدي واجب نحره وأعطاه مساكين الحرم قضاء . ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون . فأما إذا أصاب الذبح فوجد مساكين حاضرين فسواء وفي أي الحرم ذبحه ثم أبلغه مساكين الحرم أجزأه وإن كان ذبحه إياه في غير موضع ناس .
وينحر الإبل قياما غير معقولة وإن أحب عقل إحدى قوائمها . وإن نحرها باركة أو مطلقة أجزأت عنه ، وينحر الإبل ويذبح البقر والغنم .
وإن نحر البقر والغنم أو ذبح الإبل كرهت له ذلك وأجزأت عنه . ومن أطاق الذبح من امرأة أو رجل أجزأ أن يذبح النسيكة وهكذا من حلت ذكاته إلا أني أكره أن يذبح النسيكة يهودي أو نصراني ، فإن فعل فلا إعادة على صاحبه . وأحب إلي أن يذبح النسيكة صاحبها أو يحضر الذبح فإنه يرجى عند سفوح الدم المغفرة .
( قال الشافعي ) وإذا سمى الله عز وجل على النسيكة أجزأ عنه وإن قال : " اللهم تقبل عني أو تقبل عن فلان " الذي أمره بذبحه فلا بأس ثم ذكر الأكل من هدي التطوع ، وقد ذكرناه في باب الهدي .
( قال ) والهدي هديان واجب وتطوع . فكل ما كان أصله واجبا على الإنسان ليس له حبسه فلا يأكل منه شيئا وذلك مثل هدي الفساد والطيب وجزاء الصيد والنذور والمتعة فإن أكل من الهدي الواجب تصدق بقيمة ما أكل منه ، ثم ذكر ما يتعلق بالتطوع وقد تقدم .
[ ص: 283 ] قال ) وإن لم يقلد هديه ولم يشعره ، قارنا كان أو غيره ، أجزأه أن يشتري هديا من " منى " أو من " مكة " ثم يذبحه مكانه لأنه ليس على الهدي عمل إنما العمل على الآدميين والنسك لهم ، وإنما هذا من أموالهم يتقربون به إلى الله عز وجل .
( قال الشافعي ) وإذا قال الرجل : غلامي حر إلا أن يبدو لي في ساعتي هذه أو في يومي هذا أو شاء أو يشاء فلان أن لا يكون حرا أو امرأته طالق إلا أن أشاء أن لا تكون طالقا في يومي هذا ، أو يشاء فلان فشاء أو شاء الذي استثنى مشيئته . لم يكن العبد حرا ولا المرأة طالقا ( قال ) وإذا قال الرجل : أنا أهدي هذه الشاة نذرا أو أمشي نذرا فعليه أن يهديها ، وعليه أن يمشي إلا أن يكون أراد : إني سأحدث نذرا أو إني سأهديها . فلا يلزمه ذلك وهو كما قاله لغير إيجاب . فإذا نذر الرجل أن يأتي موضعا من الحرم ماشيا أو راكبا ، فعليه أن يأتي الحرم حاجا أو معتمرا . ولو نذر أن يأتي عرفة أو مرا أو موضعا قريبا من الحرم ليس بحرم ، لم يكن عليه شيء لأن هذا نذر في غير طاعة ، وإذا نذر الرجل حجا ولم يسم وقتا فعليه حج ، يحرم به في أشهر الحج متى شاء .
وإذا قال : علي نذر حج إن شاء فلان ، فليس عليه شيء ولو شاء فلان . إنما النذر ما أريد الله عز وجل به ، ليس على معاني العلو ولا مشيئة غير الناذر . وإذا نذر الرجل أن يهدي شيئا من النعم ، لم يجزه إلا أن يهديه . وإذا نذر أن يهدي متاعا لم يجزه ، إلا أن يهديه أو يتصدق به على مساكين الحرم ، فإن كانت نيته في هذه أن يعقله على البيت أو يجعل في طيب للبيت . جعله حيث نوى ، ولو نذر أن يهدي ما لا يحمل ، مثل الأرضين والدور ، باع ذلك فأهدى ثمنه . ويلي الذي نذر الصدقة بذلك وتعليقه على البيت وتطييبه به ، أو يوكل به ثقة يلي ذلك به . وإذا نذر أن يهدي بدنة ، لم يجزه منها إلا ثني من الإبل ، أو ثنية وسواء في ذلك الذكر والأنثى والخصي ، وأكثرها ثمنا أحبها إلي ، وإذا لم يجد بدنة أهدى بقرة ثنية فصاعدا . وإذا لم يجد بقرة ، أهدى سبعا من الغنم ثنيا فصاعدا ، إن كن معزى ، أو جذعا فصاعدا ، إن كن ضأنا . وإن كانت نيته على بدنة من الإبل دون البقر ، فلا يجزيه أن يهدي مكانها إلا بقيمتها . وإذا نذر الرجل هديا لم يسم الهدي ولم ينو شيئا ، فأحب إلي أن يهدي شاة وما أهدى من مد حنطة أو ما قوته أجزأه ، لأن كل هذا هدي ، ولو أهدى إنما كان أحب إلي ، لأن كل هذا هدي . ألا ترى إلى قول الله عز وجل { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا } فقد يقتل الصيد وهو صغير أعرج وأعمى ، وإنما يجزيه بمثله .
أولا ترى أنه يقتل الجرادة والعصفور ، وهما من الصيد فيجزي الجرادة بتمرة والعصفور بقيمته ؟ ولعله قبضة ، وقد سمى الله عز وجل هذا كله هديا . وإذا قال الرجل : شاتي هذه هدي إلى الحرم ، أو بقعة من الحرم ، أهدى . وإذا نذر الرجل بدنة لم تجزئه إلا بمكة ، فإن سمى موضعا من الأرض ينحرها فيه أجزأته .
وإذا نذر الرجل عدد صوم صامه إن شاء متفرقا ، وإن شاء متتابعا ( قال ) وإذا نذر صيام أشهر ، فما صام منها بالأهلة صامه ، عددا ما بين الهلالين ، إن كان تسعة وعشرين وثلاثين .
فإن صامه بالعدد ، صام عن كل شهر ثلاثين يوما . وإذا نذر صيام سنة بعينها ، صامها كلها إلا رمضان ، فإنه يصوم لرمضان ويوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ولا قضاء عليه . كما لو قصد بنذر أن يصوم هذه الأيام ، لم يكن عليه نذر ولا قضاء ، فإن نذر سنة بغير عينها ، قضى هذه الأيام كلها حتى يوفي صوم سنة كاملة ، وإن حال بينه وبينه مرض أو خطأ عدد أو نسيان أو توان ، قضاه إذا زعمت [ ص: 284 ] أنه يهل بالحج فيحصر بعدو فلا يكون عليه قضاء ، كان من نذر حجا بعينه مثله ، وما زعمت أنه إذا أحصر فإن عليه القضاء أمرته أن يقضيه إن نذره فأحصر . وهكذا إن نذر أن يصوم سنة بعينها فمرض ، قضاها إلا الأيام التي ليس له أن يصومها . فإن قال قائل فلم تأمر المحصر إذا أحصر بالهدي ولا تأمر به هذا ؟ قلت : آمره به للخروج من الإحرام ، وهذا لم يحرم فآمره بالهدي .
( قال ) وإذا أكل الصائم أو شرب في رمضان أو نذر أو صوم كفارة أو واجب بوجه من الوجوه أو تطوع ناسيا ، فصومه تام ولا قضاء عليه . وإذا تسحر بعد الفجر وهو لا يعلم ، أو أفطر قبل الليل وهو لا يعلم ، فليس بصائم في ذلك اليوم ، وعليه بدله . فإن كان صومه متتابعا فعليه أن يستأنفه . وإذا قال : لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان ، فقدم ليلا فليس عليه صوم صبيحة ذلك اليوم لأنه قدم في الليل ولم يقدم في النهار ، وأحب إلي لو صامه . ولو قدم الرجل نهارا ، وقد أفطر الذي نذر الصوم ، فعليه أن يقضيه لأنه نذر ، والنذر لا يجزيه إلا أن ينوي صيامه قبل الفجر ، وهذا احتياط وقد يحتمل القياس أن لا يكون عليه قضاؤه من قبل أنه لا يصلح له أن يكون فيه صائما عن نذره . وإنما قلنا بالاحتياط أن جائزا أن يصوم ، وليس هو كيوم الفطر ، وإنما كان عليه صومه بعد مقدم فلان فقلنا : عليه قضاؤه ، وهذا أصح في القياس من الأول . ولو أصبح فيه صائما من نذر غير هذا أو قضاء رمضان أحببت أن يعود لصوم نذره وقضائه ويعود لصومه لمقدم فلان . ولو أن فلانا قدم يوم الفطر أو يوم النحر أو التشريق لم يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه ، لأنه ليس في صوم ذلك اليوم طاعة فلا يقضي ما لا طاعة فيه . ولو قال : لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبدا ، فقدم فلان يوم الاثنين فإن عليه قضاء اليوم الذي قدم فيه وصوم الاثنين كلما استقبله . فإن تركه فيما يستقبل قضاه ، إلا أن يكون يوم الاثنين يوم فطر أو أضحى أو أيام التشريق فلا يصوم ولا يقضيه . وكذلك إن كان في رمضان لم يقضه وصامه في رمضان . كما لو أن رجلا نذر أن يصوم رمضان صام رمضان بالفريضة ولم يصمه بالنذر ولم يقضه . وكذلك لو نذر أن يصوم يوم الفطر أو الأضحى أو أيام التشريق . ولو كانت المسألة بحالها وقدم فلان يوم الاثنين وقد وجب عليه صوم شهرين متتابعين صامهما ، وقضى كل اثنين منهما ولا يشبه هذا شهر رمضان لأن هذا شيء أدخله على نفسه بعدما أوجب عليه صوم يوم الاثنين ، وصوم رمضان شيء أوجبه الله لا شيء أدخله على نفسه .
ولو كانت المسألة بحالها وكان الناذر امرأة فكالرجل وتقضي كل ما مر عليها من حيضها . وإذا قالت المرأة : لله علي أن أصوم كلما حضت أو أيام حيضي ، فليس عليها صوم ولا قضاء ، لأنها لا تكون صائمة وهي حائض .
وإذا نذر الرجل صلاة أو صوما ولم ينو عددا ، فأقل ما يلزمه من الصلاة ركعتان ، ومن الصوم يوم لأن هذا أقل ما يكون من الصلاة والصوم لا الوتر ( قال الربيع ) وفيه قول آخر يجزيه ركعة واحدة وذلك أنه مروي عن عمر : أنه تنفل بركعة ، { وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة بعد عشر ركعات } ، وأن عثمان أوتر بركعة .
( قال الربيع ) فلما كانت ركعة صلاة ونذر أن يصلي صلاة ولم ينو عددا فصلى ركعة ، كانت ركعة صلاة بما ذكرنا .
( قال الشافعي ) وإذا قال لله علي عتق رقبة فأي رقبة أعتق أجزأ .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (105)
صــــــــــ 3 الى صـــــــــــ10
{ كتاب البيوع }
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله : قال : قال الله تبارك وتعالى { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال الله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } .
( قال الشافعي ) وذكر الله البيع في غير موضع من كتابه بما يدل على إباحته فاحتمل إحلال الله عز وجل البيع معنيين : أحدهما : أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتبايعان جائزي الأمر فيما تبايعاه عن تراض منهما وهذا أظهر معانيه ( قال ) والثاني أن يكون الله عز وجل أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد فيكون هذا من الجمل التي أحكم الله فرضها بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه ، أو من العام الذي أراد به الخاص فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أريد بإحلاله منه وما حرم ، أو يكون داخلا فيهما ، أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم منه وما في معناه كما كان الوضوء فرضا على كل متوضئ لا خفي عليه لبسهما على كمال الطهارة ، وأي هذه المعاني كان فقد ألزمه الله تعالى خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسانه .
( قال الشافعي ) فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الجائزي الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه ، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى .
( قال الشافعي ) وجماع ما يجوز من كل بيع آجل وعاجل وما لزمه اسم بيع بوجه أنه لا يلزم البائع والمشتري حتى يجمعا أن يتبايعاه برضا منهما بالتبايع به ولا يعقداه بأمر منهي عنه ولا على أمر منهي عنه وأن يتفرقا بعد تبايعهما عن مقامهما الذي تبايعا فيه على التراضي بالبيع فإذا اجتمع هذا لزم كل واحد منهما البيع ولم يكن له رده إلا بخيار أو عيب يجده أو شرط يشرطه أو خيار رؤية وقال لا يجوز خيار الرؤية .
( قال الشافعي ) أصل البيع بيعان لا ثالث لهما بيع صفة مضمونة على بائعها ، فإذا جاء بها خيار للمشتري فيما إذا كانت على صفته ، وبيع عين مضمونة على بائعها بعينها يسلمها البائع للمشتري فإذا تلفت لم يضمن سوى العين التي باع ولا يجوز بيع غير هذين الوجهين ، وهذان مفترقان في كتاب البيوع
[ ص: 4 ] باب بيع الخيار قال ( الشافعي ) رحمه الله أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار } أخبرنا ابن جريج قال أملى علي نافع مولى ابن عمر أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { إذا تبايع المتبايعان البيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار } قال نافع وكان عبد الله إذا ابتاع البيع فأراد أن يوجب البيع مشى قليلا ثم رجع .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا وجبت البركة في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت البركة من بيعهما } أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن جميل بن مرة عن أبي الوضيء قال كنا في غزاة فباع صاحب لنا فرسا من رجل فلما أردنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبي برزة فقال له أبو برزة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } .
( قال الشافعي ) وفي الحديث ما يبين هذا أيضا لم يحضر الذي حدثني حفظه وقد سمعته من غيره أنهما باتا ليلة ثم غدوا عليه فقال لا أراكما تفرقتما وجعل له الخيار إذا باتا مكانا واحدا بعد البيع ( قال ) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال إذا وجب البيع خيره بعد وجوبه قال يقول " اختر إن شئت فخذ ، وإن شئت فدع " قال فقلت له فخيره بعد وجوب البيع فأخذ ثم ندم قبل أن يتفرقا من مجلسهما ذلك أتقبله منه لا بد ؟ قال لا أحسبه إذا خيره بعد وجوب البيع أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن شريح أنه قال شاهدان ذوا عدل إنكما افترقتما بعد رضا ببيع أو خير أحدكما صاحبه بعد البيع .
( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ وهو قول الأكثر من أهل الحجاز والأكثر من أهل الآثار بالبلدان ( قال ) وكل متبايعين في سلف إلى أجل أو دين أو عين أو صرف أو غيره تبايعا وتراضيا ولم يتفرقا عن مقامهما أو مجلسهما الذي تبايعا فيه فلكل واحد منهما فسخ البيع وإنما يجب على كل واحد منهما البيع حتى لا يكون له رده إلا بخيار أو شرط خيار أو ما وصفت إذا تبايعا فيه وتراضيا وتفرقا بعد البيع عن مقامهما الذي تبايعا فيه أو كان بيعهما عن خيار فإن البيع يجب بالتفرق والخيار ( قال ) واحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إلا بيع الخيار } معنيين أظهرهما عند أهل العلم باللسان وأولاهما بمعنى السنة والاستدلال بها والقياس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعل الخيار للمتبايعين فالمتبايعان اللذان عقدا البيع حتى يتفرقا إلا بيع الخيار فإن الخيار إذا كان لا ينقطع بعد عقد البيع في السنة حتى يتفرقا وتفرقهما هو أن يتفرقا عن مقامهما الذي تبايعا فيه كان بالتفرق أو بالتخيير وكان موجودا في اللسان والقياس إذا كان البيع يجب بشيء بعد البيع وهو الفراق أن يجب بالثاني بعد البيع فيكون إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع كان الخيار تجديد شيء يوجبه كما كان التفرق تجديد شيء يوجبه ولو لم يكن فيه سنة بينة بمثل ما ذهب إليه كان ما وصفنا أولى المعنيين أن يؤخذ به لما وصفت من القياس مع [ ص: 5 ] أن سفيان بن عيينة أخبرنا عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال { خير رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بعد البيع فقال الرجل : عمرك الله ممن أنت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امرؤ من قريش } قال وكان أبي يحلف ما الخيار إلا بعد البيع ( قال ) وبهذا نقول : وقد قال بعض أصحابنا : يجب البيع بالتفرق بعد الصفقة ويجب بأن يعقد الصفقة على خيار وذلك أن يقول الرجل لك بسلعتك كذا بيعا خيارا فيقول : قد اخترت البيع .
( قال الشافعي ) وليس نأخذ بهذا وقولنا الأول : لا يجب البيع إلا بتفرقهما أو تخيير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختاره ( قال ) : وإذا تبايع المتبايعان السلعة وتقابضا أو لم يتقابضا فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه بعد البيع ، فإذا خيره وجب البيع بما يجب به إذا تفرقا ، وإن تقابضا وهلكت السلعة في يد المشتري قبل التفرق أو الخيار فهو ضامن لقيمتها بالغا ما بلغ كان أقل أو أكثر من ثمنها ; لأن البيع لم يتم فيها .
( قال الشافعي ) : وإن هلكت في يد البائع قبل قبض المشتري لها وقبل التفرق أو بعده انفسخ البيع بينهما ولا تكون من ضمان المشتري حتى يقبضها ، فإن قبضها ثم ردها على البائع وديعة فهو كغيره ممن أودعه إياها ، وإن تفرقا فماتت فهي من ضمان المشتري وعليه ثمنها ، وإن كان المشترى أمة فأعتقها المشتري قبل التفرق أو الخيار فاختار البائع نقض البيع كان له ذلك وكان عتق المشتري باطلا لأنه أعتق ما لم يتم له ملكه ، وإذا أعتقها البائع كان عتقه جائزا لأنها لم تملك عليه ملكا يقطع الملك الأول عنها إلا بتفرق بعد البيع أو خيار وأن كل ما لم يتم فيه ملك المشتري فالبائع أحق به إذا شاء ; لأن أصل الملك كان له .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكذلك لو عجل المشتري فوطئها قبل التفرق في غفلة من البائع عنه فاختار البائع فسخ البيع كان له فسخه وكان على المشتري مهر مثلها للبائع ، وإن أحبلها فاختار البائع رد البيع كان له رده وكانت الأمة له وله مهر مثلها فأعتقنا ولدها بالشبهة وجعلنا على المشتري قيمة ولده يوم ولد ، وإن وطئها البائع فهي أمته والوطء كالاختيار منه لفسخ البيع .
( قال الشافعي ) : وإن مات أحد المتبايعين قبل أن يتفرقا قام ورثته مقامه وكان لهم الخيار في البيع ما كان له ، وإن خرس قبل أن يتفرقا أو غلب على عقله أقام الحاكم مقامه من ينظر له وجعل له الخيار في رد البيع أو أخذه فأيهما فعل ثم أفاق الآخر فأراد نقض ما فعله ما لم يكن له أن يمضي الحكم عليه به .
( قال الشافعي ) : وإن كان المشترى أمة فولدت أو بهيمة فنتجت قبل التفرق فهما على الخيار ، فإن اختارا إنفاذ البيع أو تفرقا فالولد للمشتري ; لأن عقد البيع وقع وهو حمل . وكذلك كل خيار بشرط جائز في أصل العقد
[ ص: 6 ] باب الخلاف فيما يجب به البيع
( قال الشافعي ) رحمه الله فخالفنا بعض الناس فيما يجب به البيع فقال : إذا عقد البيع وجب ولا أبالي أن لا يخير أحدهما صاحبه قبل بيع ولا بعده ولا يتفرقان بعده .
( قال الشافعي ) : فقيل لبعض من قال هذا القول إلى أي شيء ذهبت في هذا القول ؟ قال أحل الله البيع وهذا بيع وإنما أحل الله عز وجل منه للمشتري ما لم يكن يملك ولا أعرف البيع إلا بالكلام لا بتفرق الأبدان فقلت له : أرأيت لو عارضك معارض جاهل بمثل حجتك فقال مثل ما قلت أحل الله البيع ولا أعرف بيعا حلالا وآخر حراما وكل واحد منهما يلزمه اسم البيع ما الحجة عليه ؟ قال إذ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع فرسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد .
( قال الشافعي ) : قلت له ولك بهذا حجة في النهي فما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن سنة في البيوع أثبت من قوله { المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا } فإن ابن عمر وأبا برزة وحكيم بن حزام وعبد الله بن عمرو بن العاص يروونه ولم يعارضهم أحد بحرف يخالفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نهى عن الدينار بالدينارين ، فعارض ذلك أسامة بن زيد بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه ، فنهينا نحن وأنت عن الدينار بالدينارين وقلنا هذا أقوى في الحديث ومع من خالفنا مثل ما احتججت به أن الله تعالى أحل البيع وحرم الربا وأن نهيه عن الربا خلاف ما رويته ورووه أيضا عن سعد بن أبي وقاص وابن عباس وعروة وعامة فقهاء المكيين فإذا كنا نميز بين الأحاديث فنذهب إلى الأكثر والأرجح ، وإن اختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنرى لنا حجة على من خالفنا أفما نرى أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يخالفه أحد برواية عنه أولى أن يثبت ؟ قال بلى إن كان كما تقول قلت فهو كما أقول فهل تعلم معارضا له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه ؟ قال لا ولكني أقول إنه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت وبه أقول ولكن معناه على غير ما قلت ، قلت فاذكر لي المعنى الذي ذهبت إليه فيه قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا في الكلام قال فقلت له الذي ذهبت إليه محال لا يجوز في اللسان قال وما إحالته ؟ وكيف لا يحتمله اللسان ؟ قلت إنما يكونان قبل التساوم غير متساومين ثم يكونان [ ص: 7 ] متساومين قبل التبايع ثم يكونان بعد التساوم متبايعين ولا يقع عليهما اسم متبايعين حتى يتبايعا ويفترقا في الكلام على التبايع ( قال ) : فقال فادللني على ما وصفت بشيء أعرفه غير ما قلت الآن .
( قال الشافعي ) : فقلت له أرأيت لو تساومت أنا وأنت بسلعة رجل امرأته طالق إن كنتما تبايعتما فيها ؟ قال فلا تطلق من قبل أنكما غير متبايعين إلا بعقد البيع ، قلت وعقد البيع التفرق عندك في الكلام عن البيع ؟ قال نعم ، قلت أرأيت لو تقاضيتك حقا عليك ، فقلت والله لا أفارقك حتى تعطيني حقي متى أحنث ، قال إن فارقته ببدنك قبل أن يعطيك حقك ، قلت فلو لم تعرف من لسان العرب شيئا إلا هذا أما دلك على أن قولك محال وأن اللسان لا يحتمله بهذا المعنى ولا غيره ؟ قال فاذكر غيره ، فقلت له ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفا بمائة دينار ، قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتي خازني أو حتى تأتي خازنتي من الغابة .
( قال الشافعي ) : أنا شككت وعمر يسمع فقال عمر والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء } ، قلت له أفبهذا نقول نحن وأنت إذا تفرق المصطرفان عن مقامهما الذي تصارفا فيه انتقض الصرف وما لم يتفرقا لم ينتقض ؟ فقال : نعم قلت له فما بان لك وعرفت من هذا الحديث أن التفرق هو تفرق الأبدان بعد التبايع لا التفرق عن البيع ; لأنك لو قلت تفرق المتصارفان عن البيع قبل التقابض لبعض الصرف دخل عليك أن تقول لا يحل الصرف حتى يتراضيا ويتوازنا ويعرف كل واحد منهما ما يأخذ ويعطي ثم يوجبا البيع في الصرف بعد التقابض أو معه ، قال لا أقول هذا ، قلت ولا أرى قولك التفرق تفرق الكلام إلا جهالة أو تجاهلا باللسان ( قال الشافعي ) : قلت له أرأيت رجلا قال لك أقلدك فأسمعك تقول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا والتفرق عندك التفرق بالكلام وأنت تقول إذا تفرق المتصارفان قبل التقابض كان الصرف ربا وهما في معنى المتبايعين غيرهما ; لأن المتصارفين متبايعان ، وإذا تفرقا عن الكلام قبل التقابض فسد الصرف قال ليس هذا له ، قلت فيقول لك كيف صرت إلى نقض قولك ؟ قال إن عمر سمع طلحة ومالكا قد تصارفا فلم ينقض الصرف ورأى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم { هاء وهاء } إنما هو لا يتفرقا حتى تقاضا قلت تفرقا عن الكلام ، قال نعم : قلت فقال لك أفرأيت لو احتمل اللسان ما قلت وما قال من خالفك أما يكون من قال بقول الرجل الذي سمع الحديث أولى أن يصار إلى قوله ; لأنه الذي سمع الحديث فله فضل السماع والعلم بما سمع وباللسان ؟ قال بلى قلت فلم لم تعط هذا ابن عمر وهو سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } فكان إذا اشترى شيئا يعجبه أن يجب له فارق صاحبه فمشى قليلا ثم رجع ولم لم تعط هذا أبا برزة وهو سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم { البيعان بالخيار } وقضى به وقد تصادقا بأنهما تبايعا ثم كان معا لم لم يتفرقا في ليلتهما ثم غدوا إليه فقضى أن لكل واحد منهما الخيار في رد بيعه ؟ .
( قال الشافعي ) : ، فإن قال قائل تقول إن قولي محال ؟ قلت نعم قال فما أحسبني إلا قد اكتفيت بأقل مما ذكرت وأسألك قال فسل قلت أفرأيت إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار } أليس قد جعل إليهما الخيار إلى وقتين ينقطع الخيار إلى أيهما كان ؟ قال لي قلت فما الوقتان ؟ قال أن يتفرقا بالكلام ، قلت فما الوجه الثاني ؟ قال لا أعرف له وجها فدعه ، قلت أفرأيت إن بعتك بيعا ودفعته إليك ، فقلت أنت فيه بالخيار إلى الليل من يومك هذا وأن تختار إجازة البيع قبل الليل أجائز هذا البيع ؟ قال : نعم ، قلت فمتى ينقطع خيارك ويلزمك البيع فلا يكون لك رده ؟ قال إن انقضى اليوم ولم أختر رد البيع انقطع [ ص: 8 ] الخيار في البيع ، أو اخترت قبل الليل إجازة البيع انقطع الخيار في الرد ، قلت فكيف لا تعرف أن هذا قطع الخيار في المتبايعين أن يتفرقا بعد البيع أو يخير أحدهما صاحبه ؟ ( قال الشافعي ) : فقال ، دعه ، قلت نعم بعد العلم مني بأنك إنما عمدت ترك الحديث وأنه لا يخفى أن قطع الخيار البيع التفرق أو التخيير كما عرفته في جوابك قبله ، فقلت له أرأيت إن زعمت أن الخيار إلى مدة ، وزعمت أنها أن يتفرقا في الكلام ، أيقال للمتساومين أنتما بالخيار ؟ قال نعم ، السائم في أن يرد أو يدع ، والبائع في أن يوجب ، أو يدع ، قلت ألم يكونا قبل التساوم هكذا ؟ قال بلى ، قلت : فهل أحدث لهما التساوم حكما غير حكمهما قبله أو يخفى على أحد أنه مالك لماله إن شاء أعطاه ، وإن شاء منعه ؟ قال لا ، قلت : فيقال لإنسان أنت بالخيار في مالك الذي لم توجب فيه شيئا لغيرك فالسائم عندك لم يوجب في ماله شيئا لغيره إنك لتحيل فيما تجيب فيه من الكلام ، قال فلم لا أقول لك أنت بالخيار في مالك ؟ قلت لما وصفت لك ، وإن قلت ذلك إلى مدة تركت قولك ، قال وأين ؟ قلت وأنت تزعم أن من كان له الخيار إلى مدة فإذا اختار انقطع خياره كما قلت إذا جعلته بالخيار يوما ، فمضى اليوم انقطع الخيار ، قال أجل وكذلك إذا أوجب البيع فهو إلى مدة ، قلت لم ألزمه قبل إيجاب البيع شيئا فيكون فيه يختار ولو جاز أن يقال أنت بالخيار في مالك ما جاز أن يقال أنت بالخيار إلى مدة ، إنما يقال ، أنت بالخيار أبدا ، قال : فإن قلت المدة أن يخرجه من ملكه ؟ قلت ، وإذا أخرجه من ملكه ، فهو لغيره ، أفيقال ، لأحد أنت بالخيار في مال غيرك ؟ ( قال الشافعي ) : فقلت أرأيت لو أن رجلا جاهلا عارضك بمثل حجتك ، فقال قد قلت المتساومان يقع عليهما اسم متبايعين ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { هما بالخيار ما لم يتفرقا } والتفرق عندك يحتمل تفرق الأبدان والتفرق بالكلام ، فإن تفرقا بأبدانهما ، فلا خيار لهما ، وعلى صاحب المال أن يعطي بيعه ما بذل له منه ، وعلى صاحب السلعة أن يسلم سلعته له بما استام عليه ولا يكون له الرجوع عما بذلها به إذا تفرقا ، قال ليس ذلك له ، قلت ولا لك .
( قال الشافعي ) : قال أفليس يقبح أن أملك سلعتك وتملك مالي ثم يكون لكل واحد منا الرد بغير عيب أو ليس يقبح أن أبتاع منك عبدا ثم أعتقه قبل أن نتفرق ، ولا يجوز عتقي وأنا مالك ؟ ( قال الشافعي ) : قلت ليس يقبح في هذا شيء ، إلا دخل عليك أعظم منه ، قال ، وما ذلك ؟ قلت أرأيت إن بعتك عبدا بألف درهم وتقابضنا وتشارطنا أنا جميعا أو أحدنا بالخيار إلى ثلاثين سنة ؟ قال ، فجائز ، قلت ومتى شاء واحد منا نقض البيع نقضه ، وربما مرض العبد ولم ينتفع به سيده وانتفع البائع بالمال ، وربما المبتاع بالعبد حتى يستغل منه أكثر من ثمنه ثم يرده ، وإن كان أخذه بدين ولم ينتفع البائع بشيء من مال المبتاع وقد عظمت منفعة المبتاع بمال البائع ؟ قال نعم هو رضي بهذا ، قلت ، وإن أعتقه المشتري في الثلاثين سنة لم يجز ، وإن أعتقه البائع جاز ، قال نعم قلت فإنما جعلت له الخيار بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما لم يتفرقا } ، ولعل ذلك يكون في طرفة عين ، أو لا يبلغ يوما كاملا لحاجة الناس إلى الوضوء أو تفرقهم للصلاة وغير ذلك فقبحته ، وجعلت له الخيار ثلاثين سنة برأي نفسك فلم تقبحه ؟ قال : ذلك بشرطهما ، قلت فمن شرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يثبت له شرطه ممن شرط له بائع ومشتر ، وقلت له : أرأيت لو اشتريت منك كيلا من طعام موصوف بمائة درهم ؟ قال فجائز ، قلت وليس لي ولا لك نقض البيع قبل تفرق ؟ قال لا ، قلت ، وإن تفرقنا قبل التقابض انتقض البيع ؟ قال نعم قلت أفليس قد وجب لي عليك شيء لم يكن لي ولا لك نقضه ثم انتقض بغير رضا واحد منا بنقضه ؟ قال نعم إنما نقضناه استدلالا بالسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 9 ] { نهى عن الدين بالدين } ، قلت ، فإن قال لك قائل ، أهل الحديث يوهنون هذا الحديث ، ولو كان ثابتا لم يكن هذا دينا لأني متى شئت أخذت منك دراهمي التي بعتك بها إذا لم أسم لك أجلا ، والطعام إلى مدته ، قال : لا يجوز ذلك ، قلت ولم وعليك فيه لمن طالبك أمران ، أحدهما أنك تجيز تبايع المتبايعين العرض بالنقد ولا يسميان أجلا ويفترقان قبل التقابض ولا ترى بأسا ولا ترى هذا دينا بدين ، فإذا كان هذا هكذا عندك احتمل اللفظ أن يسلف في كيل معلوم بشرط سلعة وإن لم يدفعها ، فيكون حالا غير دين بدين ولكنه عين بدين قال : بل هو دين بدين قلت ، فإن قال لك قائل فلو كان كما وصفت أنهما إذا تبايعا في السلف فتفرقا قبل التقابض انتقض البيع بالتفرق ، ولزمك أنك قد فسخت العقدة المتقدمة الصحيحة بتفرقهما بأبدانهما .
والتفرق عندك في البيوع ليس له معنى إنما المعنى في الكلام ، أو لزمك أن تقول في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا : إن لتفرقهما بأبدانهما معنى يوجبه كما كان لتفرق هذين بأبدانهما معنى ينقضه ولا تقول هذا .
( قال الشافعي ) : فقال ، فإنا روينا عن عمر أنه قال ، البيع عن صفقة أو خيار ، قلت أرأيت إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفت لو كان قال رجل من أصحابه قولا يخالفه ألا يكون الذي تذهب إليه فيه أنه لو سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يخالفه إن شاء الله تعالى ، وتقول قد يعزب عن بعضهم بعض السنن ؟ قال : بلى قلت أفترى في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ؟ فقال عامة من حضره : لا ، قلت : ولو أجزت هذا خرجت من عامة سنن النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليك ما لا تعذر منه ، قال فدعه ، قلت فليس بثابت عن عمر ، وقد رويتم عن عمر مثل قولنا ، زعم أبو يوسف عن مطرف ، عن الشعبي أن عمر قال البيع عن صفقة أو خيار .
( قال الشافعي ) : وهذا مثل ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فهذا منقطع قلت وحديثك الذي رويت عن عمر غلط ، ومجهول ، أو منقطع ، فهو جامع لجميع ما ترد به الأحاديث ، قال لئن أنصفناك ما يثبت مثله ، فقلت احتجاجك به مع معرفتك بمن حدثه وعمن حدثه ترك النصفة .
( قال الشافعي ) : وقلت له : لو كان كما رويت ، كان بمعنى قولنا أشبه وكان خلاف قولك كله ، قال ومن أين ؟ قلت أرأيت إذ زعمت أن عمر قال البيع عن صفقة أو خيار أليس تزعم أن البيع يجب بأحد أمرين ، إما بصفقة ، وإما بخيار ؟ قال : بلى قلت أفيجب البيع بالخيار والبيع بغير خيار ؟ قال نعم : قلت ويجب بالخيار ، قال تريد ماذا ؟ قلت ما يلزمك قال وما يلزمني ؟ قلت تزعم أنه يجب الخيار بلا صفقة ; لأنه إذا زعم أنه يجب بأحد أمرين علمنا أنهما مختلفان كما تقول في المولى يفيء أو يطلق وفي العبد يجني يسلم أو يفدى وكل واحد منهما غير الآخر قال : ما يصنع الخيار شيئا إلا بصفقة تقدمه أو تكون معه والصفقة مستغنية عن الخيار فهي إن وقعت معها خيار أو بعدها أو ليس معها ولا بعدها وجبت قال نعم قلت وقد زعمت أن قوله أو خيار لا معنى له قال فدع هذا قلت نعم بعد العلم بعلمك إن شاء الله تعالى بأنك زعمت أن ما ذهبت إليه محال قال : فما معناه عندك ؟ قلت لو كان قوله هذا موفقا لما روى أبو يوسف .
[ ص: 10 ] عن مطرف عن الشعبي عنه وكان مثل معنى قوله فكان مثل البيع في معنى قوله فكان البيع عن صفقة بعدها تفرق أو خيار قال بعض من حضر ما له معنى يصح غيرها قال أما إنه لا يصح حديثه قلت أجل فلم استعنت به ؟ قال : فعارضنا غير هذا بأن قال فأقول إن ابن مسعود روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار } ( قال الشافعي ) : وهذا الحديث منقطع عن ابن مسعود والأحاديث التي ذكرناها ثابتة متصلة فلو كان هذا يخالفها لم يجز للعالم بالحديث أن يحتج به على واحد منها ; لأنه لا يثبت هو بنفسه فكيف يزال به ما يثبت بنفسه ويشده أحاديث معه كلها ثابتة ؟ .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : ولو كان هذا الحديث ثابتا لم يكن يخالف منها شيئا من قبل أن هذين متبايعان إن تصادقا على التبايع واختلفا في الثمن فكل واحد منهما يختار أن ينفذ البيع إلا أن تكون دعواهما مما يعقد به البيع مختلفة تنقض أصله ولم يجعل الخيار إلا للمبتاع في أن يأخذ أو يدع وحديث البيع بالخيار جعل الخيار لهما معا من غير اختلاف في ثمن ولا ادعاء من واحد منهما بشيء يفسد أصل البيع ولا ينقضه إنما أراد تحديد نقض البيع بشيء جعل لهما معا وإليهما إن شاءا فعلاه ، وإن شاءا تركاه .
( قال الشافعي ) : ولو غلط رجل إلى أن الحديث على المتبايعين اللذين لم يتفرقا من مقامهما لم يجز له الخيار لهما بعد تفرقهما من مقامهما ، فإن قال فما يغني في البيع اللازم بالصفقة أو التفرق بعد الصفقة ؟ قيل لو وجب بالصفقة استغني عن التفرق ولكنه لا يلزم إلا بهما ومعنى خياره بعد الصفقة كمعنى الصفقة والتفرق وبعد التفرق فيختلفان في الثمن فيكون للمشتري الخيار كما يكون له الخيار بعد القبض وقبل التفرق وبعد زمان إذا ظهر على عيب ، ولو جاز أن نقول إنما يكون له الخيار إذا اختلفا في الثمن لم يجز أن يكون له الخيار إذا ظهر على عيب وجاز أن يطرح كل حديث أشبه حديثا في حرف واحد لحروف أخر مثله ، وإن وجد لهما محمل يخرجان فيه فجاز عليه لبعض المشرقيين ما هو أولى أن يحوز من هذا فإنهم قالوا { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التمر بالتمر إلا مثلا بمثل } وعن المزابنة وهي الجزاف بالكيل من جنسها وعن الرطب بالتمر فحرمنا العرايا بخرصها من التمر ; لأنها داخلة في هذا المعنى وزعمنا نحن ومن قال هذا القول من أصحابنا أن العرايا حلال بإحلال النبي صلى الله عليه وسلم ووجدنا للحديثين معنى يخرجان عليه ولجاز هذا علينا في أكثر ما يقدر عليه من الأحاديث .
( قال الشافعي ) : وخالفنا بعض من وافقنا في الأصل أن البيع يجب بالتفرق والخيار فقال الخيار إذا وقع مع البيع جاز فليس عليه أن يخير بعد البيع والحجة عليه ما وصفت من أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بعد البيع ، ومن القياس إذا كانت بيعا فلا يتم البيع إلا بتفرق المتبايعين وتفرقهما شيء غير عقد البيع يشبه والله أعلم أن لا يكون يجب بالخيار إلا بعد البيع كما كان التفرق بعد البيع وكذلك الخيار بعده .
( قال الشافعي ) : وحديث مالك بن أوس بن الحدثان النصري عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن التفرق بين المتبايعين تفرق الأبدان ويدل على غيره وهو موضوع في موضعه قال وحديث النبي صلى الله عليه وسلم { لا يبع أحدكم على بيع أخيه } يدل على أنه في معنى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { المتبايعان بالخيار } لأني لو كنت إذا بعت رجلا سلعة تسوى مائة ألف لزم المشتري البيع حتى لا يستطيع أن ينقضه ما ضرني أن يبيعه رجل سلعة خيرا منها بعشرة ، ولكن في نهيه أن يبيع الرجل على بيع .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (106)
صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ16
أخيه دلالة على أن يبيع على بيع أخيه قبل أن يتفرقا ; لأنهما لا يكونان متبايعين إلا بعد البيع ولا يضر بيع الرجل على بيع أخيه إلا قبل التفرق حتى يكون للمشتري الخيار في رد البيع وأخذه فيها لئلا يفسد على البائع ولعله يفسد على البائع ثم يختار أن يفسخ البيع عليهما معا ولو لم يكن هذا لم يكن للحديث معنى أبدا ; لأن البيع إذا وجب على المشتري قبل التفرق أو بعده فلا يضر البائع من باع على بيعه ، ولو جاز أن يجعل هذا الحديث على غير هذا جاز أن لا يصير الناس إلى حديث إلا أحالهم غيرهم إلى حديث غيره
باب بيع الكلاب وغيرها من الحيوان غير المأكول أخبرنا الربيع قال ( الشافعي ) : أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن } ( قال ) : قال مالك فلذلك أكره بيع الكلاب الضواري وغير الضواري
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا نقص من عمله كل يوم قيراطان } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير وهو رجل من شنوءة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراطا } قالوا أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إي ورب هذا المسجد ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب } .
( قال الشافعي ) : وبهذا نقول لا يحل للكلب ثمن بحال ، وإذا لم يحل ثمنه لم يحل أن يتخذه إلا صاحب صيد أو حرث أو ماشية وإلا لم يحل له أن يتخذه ولم يكن له إن قتله أخذ ثمن إنما يكون الثمن فيما قتل مما يملك إذا كان يحل أن يكون له في الحياة ثمن يشترى به ويباع ( قال ) : ولا يحل اقتناؤه إلا لصاحب صيد أو زرع أو .
[ ص: 12 ] ماشية أو ما كان في معناه لما جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب يدل على أنها لو صلحت أن يكون لها أثمان بحال لما جاز قتلها ولكان لمالكها بيعها فيأخذ أثمانها لتصير إلى من يحل له قنيتهما ( قال ) : ولا يحل السلم فيها ; لأنه بيع وما أخذ في شيء يملك فيه بحال معجلا أو مؤخرا أو بقيمته في حياة أو موت فهو ثمن من الأثمان ولا يحل للكلب ثمن لما وصفنا من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمنه ولو حل ثمنه حل حلوان الكاهن ومهر البغي .
( قال ) : وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص كل يوم من عمله قيراطان } وقال { لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة } .
( قال ) : وقد نصب الله عز وجل الخنزير فسماه رجسا وحرمه فلا يحل أن يخرج له ثمن معجل ولا مؤخر ولا قيمة بحال ولو قتله إنسان لم يكن فيه قيمة وما لا يحل ثمنه مما يملك لا تحل قيمته ; لأن القيمة ثمن من الأثمان ( قال ) : وما كان فيه منفعة في حياته بيع من الناس غير الكلب والخنزير ، وإن لم يحل أكله فلا بأس بابتياعه وما كان لا بأس بابتياعه لم يكن بالسلف فيه بأس إذا كان لا ينقطع من أيدي الناس ، ومن ملكه فقتله غيره فعليه قيمته في الوقت الذي قتله فيه ، وما كان منه معلما فقتله معلما فقيمته معلما كما تكون قيمة العبد معلما وذلك مثل الفهد يعلم الصيد والبازي والشاهين والصقر وغيرها من الجوارح المعلمة ومثل الهر والحمار الإنسي والبغل وغيرها مما فيه منفعة حيا ، وإن لم يؤكل لحمه .
( قال ) : فأما الضبع والثعلب فيؤكلان ويباعان وهما مخالفان لما وصفت يجوز فيهما السلف إن كان انقطاعهما في الحين الذي يسلف فيهما مأمونا الأمان الظاهر عند الناس ، ومن قتلهما وهما لأحد غرم ثمنهما كما يغرم ثمن الظبي وغيره من الوحش المملوك غيرهما .
( قال الشافعي ) : وكل ما لا منفعة فيه من وحش مثل الحدأة والرخمة والبغاثة وما لا يصيد من الطير الذي لا يؤكل لحمه ومثل اللحكة والقطا والخنافس وما أشبه هذا فأرى والله تعالى أعلم أن لا يجوز شراؤه ولا بيعه بدين ولا غيره ، ولا يكون على أحد لو حبسه رجل عنده فقتله رجل له قيمة وكذلك الفأر والجرذان والوزغان ; لأنه لا معنى للمنفعة فيه حيا ولا مذبوحا ولا ميتا فإذا اشترى هذا أشبه أن يكون أكل المال بالباطل وقد نهى الله عز وجل عن أكل المال بالباطل ; لأنه إنما أجيز للمسلمين بيع ما انتفعوا به مأكولا أو مستمتعا به في حياته لمنفعة تقع موقعا ولا منفعة في هذا تقع موقعا ، وإذا نهي عن بيع ضراب الفحل وهو منفعة إذا تم ; لأنها ليست بعين تملك لمنفعة ، كان ما لا منفعة فيه بحال أولى أن ينهى عن ثمنه عندي والله تعالى أعلم .
باب الخلاف في ثمن الكلب
( قال الشافعي ) : فخالفنا بعض الناس فأجاز ثمن الكلب وشراءه وجعل على من قتله ثمنه قلت له أفيجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم ثمن الكلب وتجعل له ثمنا حيا أو ميتا ؟ أو يجوز أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ولها أثمان يغرمها قاتلها أيأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ما يغرمه قاتله وكل ما غرمه قاتله أثم من قتله ; لأنه استهلاك ما يكون مالا لمسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بمأثم ( وقال قائل ) : فإنا إنما أخذنا أن الكلب يجوز ثمنه خبرا وقياسا قلت له فاذكر الخبر قال أخبرني بعض أصحابنا عن محمد بن إسحاق عن عمران بن أبي أنس أن عثمان أغرم رجلا ثمن كلب قتله عشرين بعيرا ، قال ، وإذا جعل فيه مقتولا قيمة ، كان حياله ثمن لا يختلف ذلك ( قال ) : فقلت له أرأيت لو ثبت هذا عن عثمان كنت لم تصنع شيئا في احتجاجك على شيء ثبت عن .
[ ص: 13 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت عن عثمان خلافه قال فاذكره قلت أخبرنا الثقة عن يونس عن الحسن قال سمعت عثمان بن عفان يخطب وهو يأمر بقتل الكلاب .
( قال الشافعي ) : فكيف يأمر بقتل ما يغرم من قتله قيمته ؟ قال فأخذناه قياسا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه صاحب الزرع ولا الماشية عن اتخاذه وذكر له صيد الكلاب فقال فيه ولم ينه عنه فلما رخص في أن يكون الكلب مملوكا كالحمار حل ثمنه ولما حل ثمنه كانت قيمته على من قتله ( قال ) : فقلت له فإذا أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذه لصاحب الزرع والماشية ولم ينه عن صاحب الصيد وحرم ثمنه فأيهما أولى بنا وبك وبكل مسلم أن يتبعه في القولين فتحرم ما حرم ثمنه وتقتل الكلاب على من لم يبح له اتخاذها كما أمر بقتلها وتبيح اتخاذها لمن أباحه له ولم ينهه عنه أو تزعم أن الأحاديث فيها تضاد ؟ قال فما تقول أنت ؟ قلت أقول الحق إن شاء الله تعالى إثبات الأحاديث على ما جاءت كما جاءت إذا احتلمت أن تثبت كلها ولو جاز ما قلت من طرح بعضها لبعض جاز عليك ما أجزت لنفسك قال فيقول قائل لا نعرف الأحاديث قلت إذا كان يأثم بها من اتخذها لا أحل لأحد اتخاذها وأقتلها حيث وجدتها ثم لا يكون أولى بالصواب منه قال أفيجوز عندك أن يتخذها متخذ ولا ثمن لها ؟ قلت بل لا يجوز فيها غيره لو كان أصل اتخاذها حلالا حلت لكل أحد كما يحل لكل أحد اتخاذ الحمر والبغال ، ولكن أصل اتخاذها محرم إلا بموضع كالضرورة لإصلاح المعاش لأني لم أجد الحلال يحظر على أحد وأجد من المحرم ما يباح لبعض دون بعض ( قال ) : ومثل ماذا ؟ قلت الميتة والدم مباحان لذي الضرورة فإذا فارق الضرورة عاد أن يكونا محرمين عليه بأصل تحريمهما والطهارة بالتراب مباحة في السفر لمن لم يجد ماء فإذا وجده حرم عليه الطهارة بالتراب ; لأن أصل الطهارة إنما هي بالماء ومحرمة بما خالفه إلا في الضرورة بالإعواز والسفر أو المرض ولذلك إذا فارق رجل اقتناء الكلب للصيد أو الزرع أو الماشية حرم عليه اتخاذها قال فلم لا يحل ثمنها في الحين الذي يحل اتخاذها ؟ قلت لما وصفت لك من أنها مرجوعة على الأصل فلا ثمن لمحرم في الأصل ، وإن تنقلب حالاته بضرورة أو منفعة فإن إحلاله خاص لمن أبيح له قال فأوجدني مثل ما وصفت قلت أرأيت دابة الرجل ماتت فاضطر إليها بشر أيحل لهم أكلها ؟ قال نعم قلت أفيحل له بيعها منهم أو لبعضهم إن سبق بعضهم إليها ؟ قال إن قلت ليس ذلك له قلت فقد حرمت على مالك الدابة بيعها ، وإن قلت نعم قلت فقد أحللت بيع المحرم قلت نعم قال : فأقول لا يحل بيعها قلت ولو أحرقها رجل في الحين الذي أبيح لهؤلاء أكلها فيه لم يغرم ثمنها قال لا ، قلت فلو لم يدلك على النهي عن ثمن الكلب إلا ما وصفت لك انبغى أن يدلك قال أفتوجدني غير هذا أقوله ؟ قلت نعم زعمت أنه لو كان لك خمر حرم عليك اتخاذها وحل لك أن تفسدها بملح وماء وغير ذلك مما يصيرها خلا وزعمت أن رجلا لو أهراقها وقد أفسدها قبل أن تصير خلا لم يكن عليه في ثمنها شيء ; لأنها لم تحل بعد عن المحرم فتصير عينا غيره وزعمت أن ماشيتك لو موتت حل لك سلخها وحبس جلدها ، وإذا دبغتها حل ثمنها ولو حرقها رجل قبل أن تدبغها لم يكن عليه فيها قيمة ؟ قال إني لا أقول هذا ولكني أقول إذا صارت خلا وصارت مدبوغة كان لها ثمن وعلى من حرقها قيمته قلت ; لأنها تصير عندك عينا حلالا لكل أحد ؟ قال نعم قلت أفتصير الكلاب حلالا لكل أحد ؟ قال لا ، إلا بالضرورة أو طلب المنفعة ، والكلاب بالميتة أشبه والميتة لنا فيها ألزم قلت وهذا يلزمك في الحين الذي يحل لك فيه حبس الخمر والجلود ، فأنت لا تجعل .
[ ص: 14 ] في ذلك الحين لها ثمنا قال أجل ( قال الشافعي ) : ثم حكى أن قائلا قال لا ثمن لكلب الصيد ولا الزرع ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب جملة ثم قال ، وإن قتل إنسان لآخر كلبا غرم ثمنه ; لأنه أفسد عليه ماله .
( قال الشافعي ) : وما لم يكن له ثمن حيا بأن أصل ثمنه محرم كان ثمنه إذا قتل أولى أن يبطل أو مثل ثمنه حيا ، وكل ما وصفت حجة على من حكيت قوله وحجة على من قال هذا القول وعليه زيادة حجة من قوله من أنه إذا لم يحل ثمنها في الحال التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم اتخاذها كان إذا قتلت أحرى أن لا يكون بها حلالا قال فقال قائل : فإذا أخصى رجل كلب رجل أو جدعه ؟ قلت إذا لم يكن له ثمن ولم يكن على من قتله قيمة كان فيما أصيب مما دون القتل أولى ولم يكن عليه فيه غرم وينهى عنه ويؤدب إذا عاد
باب الربا باب الطعام بالطعام
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ، ثم قال حتى تأتي خازنتي أو خازني .
( قال الشافعي ) : أنا شككت بعدما قرأته عليه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع فقال عمر لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا ، إلا هاء وهاء } أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء } أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تبيعوا [ ص: 15 ] الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم } قال ونقص أحدهما التمر أو الملح .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وبهذا نأخذ وهو موافق للأحاديث في الصرف وبهذا تركنا قول من روى أن لا ربا إلا في نسيئة وقلنا الربا من وجهين في النسيئة والنقد وذلك أن الربا منه يكون في النقد بالزيادة في الكيل والوزن ويكون في الدين بزيادة الأجل ، وقد يكون مع الأجل زيادة في النقد ( قال ) : وبهذا نأخذ والذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل في بعضه على بعضه يدا بيد ، الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح ( قال ) : والذهب والورق مباينان لكل شيء ; لأنهما أثمان كل شيء ولا يقاس عليهما شيء من الطعام ولا من غيره .
( قال الشافعي ) : رحمه الله فالتحريم معهما من الطعام من مكيل كله مأكول ( قال ) : فوجدنا المأكول إذا كان مكيلا فالمأكول إذا كان موزونا في معناه ; لأنهما مأكولان معا وكذلك إذا كان مشروبا مكيلا أو موزونا ; لأن الوزن أن يباع معلوما عند البائع والمشتري كما كان الكيل معلوما عندهما بل الوزن أقرب من الإحاطة لبعد تفاوته من الكيل فلما اجتمعا في أن يكونا مأكولين ومشروبين وبيعا معلوما بمكيال أو ميزان كان معناهما معنى واحدا فحكمنا لهما حكما واحدا ، وذلك مثل حكم الذهب والفضة ; لأن مخرج التحريم والتحليل في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والنوى فيه ; لأنه لا إصلاح له إلا به والملح واحد لا يختلف ولا نخالف في شيء من أحكام ما نصت السنة من المأكول غيره وكل ما كان قياسا عليها مما هو في معناها وحكمه حكمها لم نخالف بين أحكامها وكل ما كان قياسا عليها مما هو في معناها حكمنا .
[ ص: 16 ] له حكمها من المأكول والمشروب والمكيل والموزون وكذلك في معناها عندنا والله أعلم ، كل مكيل ومشروب ، بيع عددا ، ; لأنا وجدنا كثيرا منها يوزن ببلدة ولا يوزن بأخرى ووجدنا عامة الرطب بمكة إنما يباع في سلال جزافا ، ووجدنا عامة اللحم إنما يباع جزافا ووجدنا أهل البدو إذا تبايعوا لحما أو لبنا لم يتبايعوه إلا جزافا وكذلك يتبايعون السمن والعسل والزبد وغيره ، وقد يوزن عند غيرهم ولا يمتنع من الوزن والكيل في بيع من باعه جزافا وما بيع جزافا أو عددا فهو في معنى الكيل والوزن من المأكول والمشروب عندنا والله أعلم . وكل ما يبقى منه ويدخر وما لا يبقى ولا يدخر سواء لا يختلف ، فلو نظرنا في الذي يبقى منه ويدخر ففرقنا بينه وبين ما لا يبقى ولا يدخر وجدنا التمر كله يابسا يبقى غاية ووجدنا الطعام كله لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللحم لا يبقى ذلك البقاء ووجدنا اللبن لا يبقى ولا يدخر ، فإن قال قد يوقط قيل وكذلك عامة الفاكهة الموزونة قد تيبس وقشر الأترج بما لصق فيه ييبس وليس فيما يبقى ، ولا يبقى معنى يفرق بينه إذا كان مأكولا ومشروبا فكله صنف واحد والله أعلم وما كان غير مأكول ولا مشروب لتفكه ولا تلذذ مثل الأسبيوش والثفاء والبزور كلها ، فهي ، وإن أكلت غير .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (107)
صــــــــــ 17 الى صـــــــــــ22
[ ص: 17 ] معنى القوت فقد تعد مأكولة ومشروبة وقياسها على المأكول القوت أولى من قياسها على ما فارقه مما يستمتع به لغير الأكل ثم الأدوية كلها إهليلجها وإيليلجها وسقمونيها وغاريقونها يدخل في هذا المعنى والله أعلم .
( قال ) : ووجدنا كل ما يستمتع به ليكون مأكولا أو مشروبا يجمعه أن المتاع به ليؤكل أو يشرب ووجدنا يجمعه أن الأكل والشرب للمنفعة ووجدنا الأدوية تؤكل وتشرب للمنفعة بل منافعها كثيرة أكثر من منافع الطعام فكانت أن تقاس بالمأكول والمشروب أولى من أن يقاس بها المتاع لغير الأكل من الحيوان والنبات والخشب وغير ذلك فجعلنا للأشياء أصلين أصل مأكول فيه الربا وأصل متاع لغير المأكول لا ربا في الزيادة في بعضه على بعض فالأصل في المأكول والمشروب إذا كان بعضه ببعض كالأصل في الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم ، وإذا كان منه صنف بصنف غيره فهو كالدنانير بالدراهم والدراهم بالدنانير لا يختلف إلا بعلة وتلك العلة لا تكون في الدنانير والدراهم بحال وذلك أن يكون الشيء منه رطب بيابس منه وهذا لا يدخل الذهب ولا الورق أبدا ( قال ) : ، فإن قال قائل كيف فرقتم بين الذهب والورق وبين المأكول في هذه الحال ؟ قلت الحجة فيه ما لا حجة معه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز أن تقيس شيئا بشيء مخالف له فإذا كانت الرطوبة موجودة في غير الذهب والفضة فلا يجوز أن يقاس شيء بشيء في الموضع الذي يخالفه ، فإن قال قائل فأوجدنا [ ص: 18 ] السنة فيه قيل إن شاء الله أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد أيتهما أفضل ؟ فقال البيضاء فنهى عن ذلك وقال { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس ؟ فقالوا نعم فنهى عن ذلك } .
( قال ) : ففي هذا الحديث رأي سعد نفسه أنه كره البيضاء بالسلت ، فإن كان كرهها بسنة فذلك موافق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ ولعله إن شاء الله كرهها لذلك ، فإن كان كرهها متفاضلة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز البر بالشعير متفاضلا وليس في قول أحد حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو القياس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ( قال ) : وهكذا كل ما اختلفت أسماؤه وأصنافه من الطعام فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة كالدنانير بالدراهم لا يختلف هو ، وهي وكذلك زبيب بتمر وحنطة بشعير وشعير بسلت وذرة بأرز وما اختلف أصنافه من المأكول أو المشروب ، هكذا كله وفي حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 19 ] دلائل منها أنه سأل أهل العلم بالرطب عن نقصانه فينبغي للإمام إذا حضره أهل العلم بما يرد عليه أن يسألهم عنه وبهذا صرنا إلى قيم الأموال بقول أهل العلم والقبول من أهلها ، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نظر في معتقب الرطب فلما كان ينقص لم يجز بيعه بالتمر ; لأن التمر من الرطب إذا كان نقصانه غير محدود وقد حرم أن يكون التمر بالتمر إلا مثلا بمثل وكانت فيها زيادة بيان النظر في المعتقب من الرطب فدلت على أنه لا يجوز رطب بيابس من جنسه لاختلاف الكيلين وكذلك دلت على أنه لا يجوز رطب برطب ; لأنه نظر في البيوع في المعتقب خوفا من أن يزيد بعضها على بعض فهما رطبان معناهما معنى واحد فإذا نظر في المعتقب فلم يجز رطب برطب ; لأن الصفقة وقعت ولا يعرف كيف يكونان في المعتقب وكان بيعا مجهولا الكيل بالكيل ولا يجوز الكيل ولا الوزن بالكيل والوزن من جنسه إلا مثلا بمثل
باب جماع تفريع الكيل والوزن بعضه ببعض
( قال الشافعي ) : معرفة الأعيان أن ينظر إلى الاسم الأعم الجامع الذي ينفرد به من جملة ما مخرجه مخرجها فذلك جنس ، فأصل كل ما أنبتت الأرض أنه نبات ثم يفرق به أسماء فيقال هذا حب ثم يفرق بالحب أسماء والأسماء التي تفرق بالحب من جماع التمييز فيقال تمر وزبيب ويقال حنطة وذرة وشعير وسلت فهذا الجماع الذي هو جماع التمييز وهو من الجنس الذي تحرم الزيادة في بعضه على بعض إذا كان من صنف واحد وهو في الذهب والورق هكذا وهما مخلوقان من الأرض أو فيها ثم هما تبر ثم يفرق [ ص: 21 ] بهما أسماء ذهب وورق والتبر وسواهما من النحاس والحديد وغيرهما .
( قال الشافعي ) : رحمه الله والحكم فيما كان يابسا من صنف واحد من أصناف الطعام حكم واحد لا اختلاف فيه كحكم الذهب بالذهب والورق بالورق ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الذهب والورق والحنطة والشعير والتمر والملح ذكرا واحدا وحكم فيها حكما واحدا فلا يجوز أن يفرق بين أحكامها بحال وقد جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم
باب تفريع الصنف من المأكول والمشروب بمثله قال الربيع ( قال الشافعي ) : الحنطة جنس ، وإن تفاضلت وتباينت في الأسماء كما يتباين الذهب ويتفاضل في الأسماء فلا يجوز ذهب بذهب إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد قال وأصل الحنطة الكيل وكل ما كان أصله كيلا لم يجز أن يباع بمثله وزنا بوزن ولا وزنا بكيل قال ولا بأس بالحنطة مثلا بمثل ويدا بيد ولا يفترقان حتى يتقابضا ، وإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما كما يكون ذلك في الذهب بالذهب لا يختلف قال ولا بأس بحنطة جيدة يسوى مدها دينارا بحنطة رديئة لا يسوى مدها سدس دينار ولا حنطة حديثة بحنطة قديمة ولا حنطة بيضاء صافية بحنطة سوداء قبيحة مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا إذا كانت حنطة أحدهما صنفا واحدا وحنطة بائعه صنفا واحدا وكل ما لم يجز إلا مثلا بمثل يدا بيد فلا خير في أن يباع منه شيء ومعه شيء غيره بشيء آخر لا خير في مد تمر عجوة ودرهم بمدي تمر عجوة ولا مد حنطة سوداء ودرهم بمدي حنطة محمولة حتى يكون الطعام بالطعام لا شيء مع واحد منهما غيرهما أو يشتري شيئا من غير صنفه ليس معه من صنفه شيء
باب في التمر بالتمر
( قال الشافعي ) : والتمر صنف ولا بأس أن يبتاع صاع تمر بصاع تمر يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا .
[ ص: 22 ] ولا بأس إذا كان صاع أحدهما صنفا واحدا وصاع الآخر صنفا واحدا أن يأخذه ، وإن كان برديء وعجوة بعجوة أو برديء وصيحاني بصيحاني ولا خير في أن يكون صاع أحدهما من تمرين مختلفين وصاع الآخر من تمر واحد ولا خير في أن يتبايعا التمر بالتمر موزونا في جلال كان أو قرب أو غير ذلك ولو طرحت عنه الجلال والقرب لم يجز أن يباع وزنا وذلك أن وزن التمر يتباين فيكون صاع وزنه أرطال وصاع آخر وزنه أكثر منها فلو كيلا كان ، صاع بأكثر من صاع كيلا وهكذا كل كيل لا يجوز أن يباع بمثله وزنا وكل وزن فلا يجوز أن يباع بمثله كيلا ، ، وإذا اختلف الصنفان فلا بأس أن يبتاع كيلا ، وإن كان أصله الوزن وجزافا ; لأنا إنما نأمر ببيعه على الأصل كراهية التفاضل فإذا كان ما يجوز فيه التفاضل فلا نبالي كيف تبايعاه إن تقابضاه قبل أن يتفرقا
باب ما في معنى التمر
( قال الشافعي ) : وهكذا كل صنف يابس من المأكول والمشروب فالقول فيه كما وصفت في الحنطة والتمر لا يختلف في حرف منه وذلك يخالف الشعير بالشعير والذرة بالذرة والسلت بالسلت والدخن بالدخن والأرز بالأرز وكل ما أكل الناس مما ينبتون أو لم ينبتوا مثل الفث وغيره من حب الحنظل وسكر العشر وغيره مما أكل الناس ولم ينبتوا وهكذا كل مأكول يبس من أسبيوش بأسبيوش وثفاء بثفاء وصعتر بصعتر فما بيع منه وزنا بشيء من صنفه لم يصرف إلى كيل وما بيع منه كيلا لم يصرف إلى وزن لما وصفت من اختلافه في يبسه وخفته وجفائه قال وهكذا وكل مأكول ومشروب أخرجه الله من شجر أو أرض فكان بحاله التي أخرجه الله تعالى بها إلى غيرها فأما ما لو تركوه لم يزل رطبا بحاله أبدا ففي هذا الصنف منه علة سأذكرها إن شاء الله تعالى فأما ما أحدث فيه الآدميون تجفيفا من الثمر فهو شيء استعجلوا به صلاحه ، وإن لم ينقلوه وتركوه جف وما أشبه هذا
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (108)
صــــــــــ 23 الى صـــــــــــ28
باب ما يجامع التمر وما يخالفه
( قال الشافعي ) : رحمه الله والزيتون مخلوق ثمرة لو تركها الآدميون صحيحة لم يخرج منها زيت ولما عصروها خرجت زيتا فإنما اشتق لها اسم الزيت بأن شجرتها زيتون فاسم ثمرة شجرتها التي منها الزيت زيتون فكل ما خرج من زيت الزيتون فهو صنف واحد يجوز فيه ما يجوز في الحنطة بالحنطة والتمر بالتمر ويرد منه ما يرد من الحنطة والتمر لا يختلف وقد يعصر من الفجل دهن يسمى زيت الفجل قال وليس مما يكون ببلادنا فيعرف له اسم بأمه ولست أعرفه يسمى زيتا إلا على معنى أنه دهن لا اسم له مستعمل في بعض ما يستعمل فيه الزيت وهو مباين للزيت في طعمه وريحه وشجرته وهو زرع والزيتون أصل قال : ويحتمل معنيين فالذي هو أليق به عندي والله تعالى أعلم أن لا يحكم بأن يكون زيتا . [ ص: 23 ] ولكن يحكم بأن يكون دهنا من الأدهان فيجوز أن يباع الواحد منه بالاثنين من زيت الزيتون وذلك أنه إذا قال رجل أكلت زيتا أو اشتريت زيتا عرف أنه يراد به زيت الزيتون ; لأن الاسم له دون زيت الفجل وقد يحتمل أن يقال هو صنف من الزيت فلا يباع بالزيت إلا مثلا بمثل والسليط دهن الجلجلان وهو صنف غير زيت الفجل وغير زيت الزيتون فلا بأس بالواحد منه بالاثنين من كل واحد منهما .
وكذلك دهن البزر والحبوب كلها ، كل دهن منه مخالف دهن غيره دهن الصنوبر ودهن الحب الأخضر ودهن الخردل ودهن السمسم ودهن نوى المشمش ودهن اللوز ودهن الجوز فكل دهن من هذه الأدهان خرج من حبة أو ثمرة فاختلف ما يخرج من تلك الثمرة أو تلك الحبة أو تلك العجمة فهو صنف واحد فلا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد وكل صنف منه خرج من حبة أو ثمرة أو عجمة فلا بأس به في غير صنفه الواحد منه بالاثنين ما لم يكن نسيئة لا بأس بدهن خردل بدهن فجل ودهن خردل بدهن لوز ودهن لوز بدهن جوز ، اردد أصوله كله إلى ما خرج منه فإذا كان ما خرج منه واحدا فهو صنف كالحنطة صنف .
وإذا خرج من أصلين مفترقين فهما صنفان مفترقان كالحنطة والتمر فعلى هذا جميع الأدهان المأكولة والمشروبة للغذاء والتلذذ لا يختلف الحكم فيها كهو في التمر والحنطة سواء ، فإن كان من هذه الأدهان شيء لا يؤكل ولا يشرب بحال أبدا لدواء ولا لغيره فهو خارج من الربا فلا بأس أن يباع واحد منه بعشرة منه يدا بيد ونسيئة وواحد منه بواحد من غيره وباثنين يدا بيد ونسيئة إنما الربا فيما أكل أو شرب بحال وفي الذهب والورق ، فإن قال قائل قد يجمعها اسم الدهن قيل وكذلك يجمع الحنطة والذرة والأرز اسم الحب فلما تباين حل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وليس للأدهان أصل اسم موضوع عند العرب إنما سميت بمعاني أنها تنسب إلى ما تكون منه فأما أصولها من السمسم والحب الأخضر وغيره فموضوع له أسماء كأسماء الحنطة لا بمعان .
فإن قيل فالحب الأخضر بمعنى فاسمه عند من يعرفه البطم والعسل الذي لا يعرف بالاسم الموضوع والذي إذا لقيت رجلا فقلت له عسل علم أن عسل النحل صنف وقد سميت أشياء من الحلاوة تسمى بها عسلا وقالت العرب للحديث الحلو حديث معسول وقالت للمرأة الحلوة الوجه معسولة الوجه وقالت فيما التذت هذا عسل وهذا معسول وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل لك حتى تذوقي عسيلته } يعني يجامعها ; لأن الجماع هو المستحلى من المرأة فقالوا لكل ما استحلوه عسل ومعسول على معنى أنه يستحلى استحلاء العسل قال فعسل النحل المنفرد بالاسم دون ما سواه من الحلو فإنما سميت على ما وصفت من الشبه والعسل فطرة الخالق لا صنعة للآدميين فيه وما سواه من الحلو فإنما يستخرج من قصب أو ثمرة أو حبة كما تستخرج الأدهان فلا بأس بالعسل بعصير قصب السكر ; لأنه لا يسمى عسلا إلا على ما وصفت فإنما يقال عصير قصب ولا بأس العسل بعصير العنب ولا برب العنب ولا بأس بعصير العنب بعصير قصب السكر ; لأنهما محدثان ومن شجرتين مختلفتين .
وكذلك رب التمر برب العنب متفاضلا وهكذا كل ما استخرج من شيء فكان حلوا فأصله على ما وصفت عليه أصول الأدهان مثل عصير الرمان بعصير السفرجل وعصير التفاح بعصير اللوز وما أشبه هذا ، فعلى هذا الباب كله وقياسه ولا يجوز منه صنف بمثله إلا يدا بيد وزنا بوزن إن كان يوزن وكيلا إن كان أصله الكيل بكيل ولا يجوز منه مطبوخ بنيء بحال ; لأنه إذا كان إنما يدخر مطبوخا فأعطيت منه نيئا بمطبوخ فالنيء إذا طبخ ينقص فيدخل فيه النقصان في النيء فلا يحل .
[ ص: 24 ] إلا مثلا بمثل ولا يباع منه واحد بآخر مطبوخين معا ; لأن النار تبلغ من بعضه أكثر مما تبلغ من بعض وليس للمطبوخ غاية ينتهي إليها كما يكون للتمر في اليبس غاية ينتهي إليها وقد يطبخ فيذهب منه جزء من مائة جزء ويطبخ فيذهب منه عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا فلا يجوز أن يباع منه مطبوخ بمطبوخ لما وصفت ولا مطبوخ بنيء ولا يجوز إلا نيء بنيء .
فإن كان منه شيء لا يعصر إلا مشوبا بغيره لم يجز أن يباع بصنفه مثلا بمثل ; لأنه لا يدرى ما حصة المشوب من حصة الشيء المبيع بعينه الذي لا يحل الفضل في بعضه على بعض
باب المأكول من صنفين شيب أحدهما بالآخر
( أخبرنا الربيع ) : قال : قال الشافعي وفي السنة خبر نصا ودلالة بالقياس عليها أنه إذا اختلف الصنفان فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وذلك في حديث عبادة بن الصامت بين ، وما سواه قياس عليه في مثل معناه ولا بأس بمد حنطة بمدي شعير ومد حنطة بمدي أرز ومد حنطة بمدي ذرة ومد حنطة بمدي تمر ومد تمر بمدي زبيب ومد زبيب بمدي ملح ومد ملح بمدي حنطة والملح كله صنف ملح جبل وبحر وما وقع عليه اسم ملح وهكذا القول فيما اختلفت أجناسه فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة مثل الذهب بالفضة سواء لا يختلفان فعلى هذا .
هذا الباب كله وقياسه وكل ما سكت عنه مما يؤكل أو يشرب بحال أبدا يباع بعضه ببعض صنف منه بصنف فهو كالذهب بالذهب أو صنف بصنف يخالفه فهو كالذهب بالورق لا يختلفان في حرف ولا يكون الرجل لازما للحديث حتى يقول هذا ; لأن مخرج الكلام فيما حل بيعه وحرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد ، وإذاتفرق المتبايعان الطعام بالطعام قبل أن يتقابضا انتقض البيع بينهما قال والعسل كله صنف واحد فلا بأس بواحد منه بواحد يدا بيد ولا خير فيه متفاضلا يدا بيد ولا مستويا ولا متفاضلا نسيئة ولا يباع عسل بعسل إلا مصفيين من الشمع وذلك أن الشمع غير العسل فلو بيعا وزنا وفي أحدهما الشمع كان العسل بأقل منه وكذلك لو باعه وزنا وفي كل واحد منهما شمع لم يخرجا من أن يكون ما فيهما من العسل من وزن الشمع مجهولا فلا يجوز مجهول بمجهول وقد يدخلهما أنهما عسل بعسل متفاضلا وكذلك لو بيعا كيلا بكيل ولا خير في مد حنطة فيها قصل أو فيها حجارة أو فيها زوان بمد حنطة لا شيء فيها من ذلك أو فيها تبن ; لأنها الحنطة بالحنطة متفاضلة ومجهولة كما وصفت في العسل بالعسل وهكذا كل صنف من هذه خلطه غيره مما يقدر على تمييزه منه لم يجز بعضه ببعض إلا خالصا مما يخلطه إلا أن يكون ما يخلط المكيل لا يزيد في كيله مثل قليل التراب وما دق من تبنه فكان مثل التراب فذلك لا يزيد في كيله فأما الوزن فلا خير في شيء من هذا فيه ; لأن كل هذا يزيد في الوزن وهكذا كل ما شابه غيره فبيع واحد منه بواحد من جنسه وزنا بوزن فلا خير فيه .
وإن بيع كيلا بكيل فكان ما شابه ينقص من كيل الجنس فلا خير فيه مثل ما وصفت من الحنطة معها شيء بحنطة [ ص: 25 ] وهي مثل لبن خلطه ماء بلبن خلطه ماء أو لم يخلطه ، وذلك أنه لا يعرف قدر ما دخله أو دخلها ما معا من الماء فيكون اللبن باللبن متفاضلا
باب الرطب بالتمر
( قال الشافعي ) : الرطب يعود تمرا ولا أصل للتمر إلا الرطب فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر وكان في الخبر عنه أن نهيه عنه أنه نظر في المعتقب وكان موجودا في سنته تحريم التمر بالتمر وغيره من المأكول إلا مثلا بمثل قلنا به على ما قاله وفسر لنا معناه فقلنا لا يجوز رطب برطب ; لأنه إذا نظر فيه في المعتقب فلا يخرج من الرطب بالرطب أبدا من أن يباع مجهول الكيل إذا عاد تمرا ولا خير في تمر بتمر مجهولي الكيل معا ولا أحدهما مجهول ; لأن نقصانهما أبدا يختلف فيكون أحد التمرين بالآخر وأحدهما أكثر كيلا من الآخر ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا .
( قال ) : فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يباع رطب منه كيلا برطب لما وصفت قياسا على الرطب بالتمر والتمر بالتمر واللحم كله صنف واحد وحشيه وطائره وإنسيه لا يحل الفضل في بعضه على بعض ولا يحل حتى يكون مثلا بمثل وزنا بوزن ويكون يابسا ويختلف فيكون لحم الوحش بلحم الطير واحد باثنين وأكثر ولا خير في تمر نخلة برطب نخلة بخرص ولا بتجر ولا غيره فالقسم والمبادلة وكل ما أخذ له عوض مثل البيع فلا يجوز أن يقاسم رجل رجلا رطبا في نخله ولا في الأرض ولا يبادله به ; لأن كلهما في معنى البيع ههنا إلا العرايا المخصوصة وهكذا كل صنف من الطعام الذي يكون رطبا ثم ييبس فلا يجوز فيه إلا ما جاز في الرطب بالتمر والرطب نفسه ببعض لا يختلف ذلك وهكذا ما كان رطبا فرسك وتفاح وتين وعنب وإجاص وكمثرى وفاكهة لا يباع شيء منها بشيء رطبا ولا رطب منها بيابس ولا جزاف منها بمكيل ولا يقسم رطب منها على الأرض بكيل ولا وزن ولا في شجرها ; لأن حكمها كما وصفت في الرطب بالتمر والرطب بالرطب وهكذا كل مأكول لو ترك رطبا ييبس فينقص وهكذا كل رطب لا يعود تمرا بحال وكل رطب من المأكول لا ينفع يابسا بحال مثل الخربز والقثاء والخيار والفقوس والجزر والأترج لا يباع منه شيء بشيء من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل لمعنى ما في الرطوبة من تغيره اختلف الصنفان منه فلا بأس ببطيخ بقثاء متفاضلا جزافا ووزنا وكيفما شاء إذا أجزت التفاضل في الوزن أجزت أن يباع جزافا ; لأنه لا معنى الجزاف يحرمه إلا التفاضل والتفاضل فيهما مباح وهكذا جزر بأترج ورطب بعنب في شجره وموضوعا جزافا ومكيلا كما قلنا فيما اختلف أصنافه من الحنطة والذرة والزبيب والتمر سواء في ذلك المعنى لا يخالفه وفي كل ما خرج من الأرض من مأكول ومن مشروب والرطب من المأكول والمشروب وجهان : أحدهما يكون رطبا ثم يترك بلا عمل من عمل الآدميين يغيره عن بنية خلقته مثل ما يطبخ فتنقصه النار ويحمل عليه غيره فيذهب رطوبته ويغيره مثل الرطب يعود تمرا واللحم يقدد بلا طبخ يغيره ولا عمل شيء حمل عليه غيره فكل ما كان من الرطب في هذا المعنى لم يجز أن يباع منه رطب بيابس من صنفه وزنا بوزن ولا كيلا بكيل ولا رطب برطب وزنا بوزن ولا كيلا بكيل كما وصفت في الرطب بالتمر ومثله كل فاكهة يأكلها الآدميون فلا يجوز رطب بيابس من صنفها ولا رطب برطب من صنفها لما وصفته من الاستدلال بالسنة
باب ما جاء في بيع اللحم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وهكذا اللحم لا يجوز منه بيع لحم ضائن بلحم ضائن رطلا برطل أحدهما يابس والآخر رطب ولا كلاهما رطب ; لأنه لا يكون اللحم ينقص نقصانا واحدا لاختلاف خلقته ومراعيه التي يغتذي منها لحمه فيكون منها الرخص الذي ينقص إذا يبس نقصانا كثيرا والغليظ الذي يقل نقصه ثم يختلف غلظهما باختلاف خلقته ورخصهما باختلاف خلقته فلا يجوز لحم أبدا إلا يابسا قد بلغ إناه بيبسه وزنا بوزن من صنف واحد كالتمر كيلا بكيل من صنف واحد ويدا بيد ولا يفترقان حتى يتقابضا ، فإن قال قائل فهل يختلف الوزن والكيل فيما بيع يابسا ؟ قيل يجتمعان ويختلفان ، فإن قيل قد عرفنا حيث يجتمعان فأين يختلفان ؟ قيل التمر إذا وقع عليه اسم اليبس ولم يبلغ إناه بيبسه فبيع كيلا بكيل لم ينقص في الكيل شيئا .
وإذا ترك زمانا نقص في الوزن ; لأن الجفوف كلما زاد فيه كان أنقص لوزنه حتى يتناهى قال وما بيع وزنا فإنما قلت في اللحم لا يباع حتى يتناهى جفوفه ; لأنه قد يدخله اللحم باللحم متفاضل الوزن أو مجهولا ، وإن كان ببلاد ندية فكان إذا يبس ثم أصابه الندى رطب حتى يثقل لم يبع وزنا بوزن رطبا من ندى حتى يعود إلى الجفوف وحاله إذا حدث الندى فزاد في وزنه كحاله الأولى ولا يجوز أن يباع حتى يتناهى جفوفه كما لم يجز في الابتداء والقول في اللحمان المختلفة واحد من قولين أحدهما أن لحم الغنم صنف ولحم الإبل صنف ولحم البقر صنف ولحم الظباء صنف ولحم كل ما تفرقت به أسماء دون الأسماء الجامعة صنف فيقال كله حيوان وكله دواب وكله من بهيمة الأنعام فهذا جماع أسمائه كله ثم تفرق أسماؤه فيقال لحم غنم ولحم إبل ولحم بقر ويقال لحم ظباء ولحم أرانب ولحم يرابيع ولحم ضباع ولحم ثعالب ثم يقال في الطير هكذا لحم كراكي ولحم حباريات ولحم حجل ولحم يعاقيب وكما يقال طعام ثم يقال حنطة وذرة وشعير وأرز وهذا قول يصح وينقاس فمن قال هذا قال الغنم صنف ضأنها ومعزاها وصغار ذلك وكباره وإناثه وفحوله وحكمها أنها تكون مثل البر المتفاضل صنفا والتمر المتباين المتفاضل صنفا فلا يباع منه يابس منتهى اليبس بيابس مثله إلا وزنا بوزن يدا بيد ، وإذا جاز الفضل في بعضه على بعض يدا بيد وزنا بوزن لم يكن للوزن معنى إلا أن يعرف المتبايعان ما اشتريا وباعا ولا بأس به جزافا وكيف شاء ما لم يدخله نسيئة كما قلنا في التمر بالزبيب والحنطة بالذرة ولا يختلف ذلك ثم هكذا القول في لحم الأنيس والوحش كله فلا خير في لحم طير بلحم طير إلا أن ييبس منتهى اليبس وزنا بوزن يدا بيد كما قلنا في لحم الغنم ولا بأس بلحم ظبي بلحم أرنب رطبا برطب ويابسا بيابس مثلا بمثل وبأكثر وزنا بجزاف وجزافا بجزاف لاختلاف الصنفين .
وهكذا الحيتان كله لا يجوز فيه أن أقول هو صنف ; لأنه ساكن الماء ولو زعمته زعمت أن ساكن الأرض كله صنف وحشيه وإنسيه أو كان أقل ما يلزمني أن أقول ذلك في وحشيه ; لأنه يلزمه اسم الصيد فإذا اختلف الحيوان فكل ما تملكه ويصير لك فلا بأس برطل من أحدهما بأرطال من الآخر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ولا بأس فيه يدا بيد وجزافا بجزاف وجزافا بوزن ولا خير في رطل لحم حوت تملكه رطبا برطل لحم تملكه رطبا ولا أحدهما رطب والآخر يابس ولا خير فيه حتى يملح ويجفف وينتهي نقصانه وجفوف ما كثر لحمه منه أن يملح ويسيل ماؤه فذلك انتهاء جفوفه فإذا انتهى بيع رطلا برطل وزنا بوزن يدا بيد من صنف فإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ، ولا خير فيه نسيئة .
[ ص: 27 ] وما رق لحمه من الحيتان إذا وضع جف جفوفا شديدا فلا خير في ذلك حتى يبلغ إبانه من الجفوف ويباع الصنف منه بمثله وزنا بوزن يدا بيد ، وإذا اختلف فالقول فيه كما وصفت قبله يباع رطبا جزافا برطب جزاف ويابس جزاف ومتفاضل في الوزن فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه لا يختلف والقول الثاني في هذا الوجه أن يقال اللحم كله صنف كما أن التمر كله صنف ومن قال هذا لزمه عندي أن يقول في الحيتان ; لأن اسم اللحم جامع لهذا القول ومن ذهب هذا المذهب لزمه إذا أخذه بجماع اللحم أن يقول هذا كجماع الثمر يجعل الزبيب والتمر وغيره من الثمار صنفا وهذا مما لا يجوز لأحد أن يقوله عندي والله تعالى أعلم ، فإن ذهب إلى أن حالفا لو حلف أن لا يأكل لحما حنث بلحم الإبل حنثه بلحم الغنم فكذلك لو حلف أن لا يأكل ثمرا حنث بالزبيب حنثه بالتمر وحنثه بالفرسك وليس الأيمان من هذا بسبيل الأيمان على الأسماء والبيوع على الأصناف والأسماء الخاصة دون الأسماء الجامعة والله تعالى أعلم
باب ما يكون رطبا أبدا
( قال الشافعي ) : رحمه الله الصنف من المأكول والمشروب الذي يكون رطبا أبدا إذا ترك لم ييبس مثل الزيت والسمن والشيرج والأدهان واللبن والخل وغيره مما لا ينتهي بيبس في مدة جاءت عليه أبدا إلا أن يبرد فيجمد بعضه ثم يعود ذائبا كما كان أو بأن ينقلب بأن يعقد على نار أو يحمل عليه يابس فيصير هذا يابسا بغيره وعقد نار فهذا الصنف خارج من معنى ما يكون رطبا بمعنيين أحدهما : أن رطوبة ما يبس من التمر رطوبة في شيء خلق مستجسدا إنما هو رطوبة طراءة كطراءة اغتذائه في شجره وأرضه فإذا زايل موضع الاغتذاء من منبته عاد إلى اليبس وما وصفت رطوبة مخرجة من إناث الحيوان أو ثمر شجر أو زرع قد زايل الشجر والزرع الذي هو لا ينقص بمزايلة الأصل الذي هو فيه نفسه ولا يجف به بل يكون ما هو فيه رطبا من طباع رطوبته والثاني أنه لا يعود يابسا كما يعود غيره إذا ترك مدة إلا بما وصفت من أن يصرف بإدخال غيره عليه بخلطه وإدخال عقد النار على ما يعقد منه فلما خالفه بأن لم تكن فيه الرطوبة التي رطوبته تفضي إلى جفوفه إذا ترك بلا عمل الآدميين لم يجز أن نقيسه عليه وجعلنا حكم رطوبته حكم جفوفه ; لأنا كذلك نجده في كل أحواله لا منتقلا إلا بنقل غيره فقلنا لا بأس بلبن حليب بلبن حامض وكيفما كان بلبن كيفما كان حليبا أو رائبا أو حامضا ولا حامض بحليب ولا حليب برائب ما لم يخلطه ماء فإذا خلطه ماء فلا خير فيه إذا خلط الماء أحد اللبنين أو كليهما ; لأن الماء غش لا يتميز فلو أجزناه أجزنا الغرر ولو تراضيا به لم يجز من قبل أنه ماء ولبن مختلطان لا تعرف حصة الماء من اللبن فنكون أجزنا اللبن باللبن مجهولا أو متفاضلا أو جامعا لهما وما كان يحرم الفضل في بعضه على بعض لم يجز أن يبتاع إلا معلوما كله كيلا بكيل أو وزنا بوزن فجماع علم بيع اللبن باللبن أنه يجوز كيفما كان اللبن باللبن لم يخلط واحدا منهما ماء ويردان خلطهما ماء أو واحدا منهما ولا يجوز إذا كان اللبن صنفا واحدا إلا يدا بيد مثلا بمثل كيلا بكيل والصنف الواحد لبن الغنم ماعزه وضائنه والصنف الذي يخالفه البقر دربانيه وعربيه وجواميسه والصنف الواحد الذي يخالفهما معا لبن الإبل أواركها وغواديها ومهريها وبختها وعرابها وأراه والله تعالى أعلم جائز أن يباع لبن الغنم بلبن البقر ولبن البقر بلبن الإبل ; لأنها مختلفة متفاضلا ومستويا وجزافا وكيف ما شاء المتبايعان يدا بيد لا خير في واحد منهما بالآخر نسيئة ولا خير في لبن مغلي .
[ ص: 28 ] بلبن على وجهه ; لأن الإغلاء ينقص اللبن ولا خير في لبن غنم بأقط غنم من قبل أن الأقط لبن معقود فإذا بعت اللبن بالأقط أجزت اللبن باللبن مجهولا ومتفاضلا أو جمعتهما معا فإذا اختلف اللبن والأقط فلا بأس بلبن إبل بأقط غنم ولبن بقر بأقط غنم لما وصفت من اختلاف اللبنين يدا بيد ولا خير فيه نسيئة قال ولا أحب أن يشتري زبدا من غنم بلبن غنم ; لأن الزبد شيء من اللبن وهما مأكولان في حالها التي يتبايعان فيها ولا خير في سمن غنم بزبد غنم بحال ; لأن السمن من الزبد بيع متفاضلا أو مجهولا وهما مكيلان أو موزونان في الحال التي يتبايعان ومن صنف واحد ، وإذا اختلف الزبد والسمن فكان زبد غنم بزبد بقر أو سمن غنم بزبد بقر فلا بأس لاختلافهما بأن يباعا كيف شاء المتبايعان إذا تقابضا قبل أن يتفرقا .
قال ولا بأس بلبن بشاة يدا بيد ونسيئة إذا كان أحدهما نقدا والدين منهما موصوفا قال ، وإن كانت الشاة لبونا وكان اللبن لبن غنم وفي الشاة حين تبايعا لبن ظاهر يقدر على حلبه في ساعته تلك فلا خير في الشراء من قبل أن في الشاة لبنا لا أدري كم حصته من اللبن الذي اشتريت به نقدا ، وإن كان اللبن نسيئة فهو أفسد للبيع ، فإن قال قائل وكيف جعلت للبن وهو مغيب حصة من الثمن ؟ قيل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للبن المصراة حصة من الثمن وإنما اللبن في الضروع كاللوز والجوز الرائع في قشره فيستخرجه صاحبه إذا شاء وليس كمولود لا يقدر آدمي على إخراجه ولا ثمرة لا يقدر آدمي على إخراجها ، فإن قال قائل كيف أجزت لبن الشاة بالشاة وقد يكون منها اللبن ؟ قال فيقال إن الشاة نفسها لا ربا فيها ; لأنها من الحيوان وليس بمأكول في حاله التي يباع فيها إنما تؤكل بعد الذبح والسلخ والطبخ والتجفيف فلا تنسب الغنم إلى أن تكون مأكولة إنما تنسب إلى أنها حيوان .
قال والآدام كلها سواء السمن واللبن والشيرج والزيت وغيره لا يحل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد إذا كان من صنف واحد فزيت الزيتون صنف وزيت الفجل صنف غيره ودهن كل شجرة تؤكل أو تشرب بعد الذي وصفت واحد لا يحل في شيء منه الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ، وإذا اختلف الصنفان منه حل الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولم يجز نسيئة ولا بأس بدهن الحب الأخضر بدهن الشيرج متفاضلا يدا بيد ولا خير فيه نسيئة قال والأدهان التي تشرب للدواء عندي في هذه الصفة دهن الخروع ودهن اللوز المر وغيره من الأدهان وما كان من الأدهان لا يؤكل ولا يشرب بحال فهو خارج من حد الربا وهو في معنى غير المأكول والمشروب لا ربا في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة ويحل أن يباع إذا كانت فيه منفعة ولم يكن محرما فأما ما فيه سم أو غيره فلا خير في شرائه ولا بيعه إلا أن يكون يوضع من ظاهر فيبرأ فلا يخاف منه التلف فيشترى للمنفعة فيه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (109)
صــــــــــ 29 الى صـــــــــــ34
قال وكل ما لم يجز أن يبتاع إلا مثلا بمثل وكيلا بكيل يدا بيد وزنا بوزن فالقسم فيه كالبيع لا يجوز أن يقسم ثمر نخل في شجره رطبا ولا يابسا ولا عنب كرم ولا حب حنطة في سنبله ولا غيره مما الفضل في بعضه على بعض الربا وكذلك لا يشترى بعضه ببعض ولا يبادل بعضه ببعض ; لأن هذا كله في معنى الشراء قال وكذلك لا يقتسمان طعاما موضوعا بالأرض بالحزر حتى يقتسماه بالكيل والوزن لا يجوز فيه غير ذلك بحال ولست أنظر في ذلك إلى حاجة رجل إلى ثمر رطب ; لأني لو أجزته رطبا للحاجة أجزته يابسا للحاجة وبالأرض للحاجة ومن احتاج إلى قسم شيء لم يحلل له بالحاجة ما لا يحل له في أصله وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات من خوف تلف النفس فأما غير ذلك فلا أعلمه يحل لحاجة والحاجة فيه وغير الحاجة سواء ، فإن قال قائل فكيف أجزت الخرص في العنب والنخل ثم تؤخذ صدقته كيلا ولا تجيز أن يقسم بالخرص ؟ .
قيل له إن شاء الله تعالى لافتراق ما تؤخذ به الصدقات والبيوع والقسم ، فإن قال فافرق بين [ ص: 29 ] الصدقات وغيرها قلت أرأيت رجلين بينهما ثمر حائط لأحدهما عشره والآخر تسعة أعشاره فأراد صاحب العشر أن يأخذ عشره من وسط الطعام أو أعلاه أو أردئه أيكون له ذلك ؟ ، فإن قال لا ولكنه شريك في كل شيء منه رديء أو جيد بالقسم قلنا فالجعرور ومصران الفأرة ؟ ، فإن قال نعم قيل فالمصدق لا يأخذ الجعرور ولا مصران الفأرة ويكون له أن يأخذ وسط التمر ولا يكون له أن يأخذ الصدقة خرصا إنما يأخذها كيلا والمقتسمان يأخذان كل واحد منهما خرصا فيأخذ أحدهما أكثر مما يأخذ الآخر ويأخذ كل واحد منهما مجهول الكيل أو رأيت لو كان بين رجلين غنم لأحدهما ربع عشرها وكانت منها تسع وثلاثون لبونا وشاة ثنية أكان على صاحب ربع العشر إن أراد القسم أن يأخذ شاة ثنية قيمتها أقل من قيمة نصف شاة من اللبن ؟ .
فإن قال لا قيل فهذا على المصدق أو رأيت لو كانت المسألة بحالها والغنم كلها أو أكثرها دون الثنية وفيها شاة ثنية أيأخذها ؟ ، فإن قال لا يأخذ إلا شاة بقيمة ويكون شريكا في منخفض الغنم ومرتفعه قيل فالمصدق يأخذها ولا يقاس بالصدقة شيء من البيوع ولا القسم ، المقاسم شريك في كل شيء مما يقاسم أبدا إلا أن يكون مما يكال من صنف واحد أو بقيمته إذا اختلف الأصناف مما لا يكال ولا يوزن ويكون شريكا فيما يكال أو يوزن بقدر حقه مما قل منه أو كثر ، ولا يقسم الرجلان الثمرة بلحا ولا طلعا ولا بسرا ورطبا ، ولا تمرا بحال ، فإن فعلا ففاتت طلعا أو بسرا أو بلحا ، فعلى كل واحد منهما قيمة ما استهلك ، يرده ويقتسمانه قال : وهكذا كل قسم فاسد يرجع على من استهلكه بمثل ما كان له مثل وقيمة ، ما لم يكن له مثل قال : ولو كانت بين رجلين نخل مثمرة فدعوا إلى اقتسامها قيل لهما إن شئتما قسمنا بينكما بالكيل .
قال : والبقل المأكول كله سواء ، لا يجوز الفضل في بعضه على بعض ، فلا يجوز أن يبيع رجل رجلا ركيب هندبا ، بركيب هندبا ، ولا بأكثر ، ولا يصلح إلا مثلا بمثل ، ولكن ركيب هندبا ، بركيب جرجير ، وركيب جرجير ، بركيب سلق ، وركيب سلق ، بركيب كراث ، وركيب كراث ، بركيب جرجير ، إذا اختلف الجنسان ، فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض ، يدا بيد ، ولا خير فيه نسيئة .
ولا يجوز أن يباع منه شيء إلا بجز مكانه ، فأما أن يباع على أن يترك مدة يطول في مثلها ، فلا خير فيه ، من قبل أنه لا يتميز المبيع منه من الحادث الذي لم يبع ولا يباع إلا جزة جزة عند جزازها ، كما قلنا في القصب .
باب الآجال في الصرف
( قال الشافعي ) : رحمه الله : أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه أخبره أنه التمس صرفا بمائة دينار ، قال : فدعاني طلحة بن عبيد الله ، فتراوضنا حتى اصطرف مني ، وأخذ الذهب يقلبها في يده ، ثم قال : حتى يأتي خازني من الغابة ، أو حتى تأتي خازنتي من الغابة ، وعمر بن الخطاب يسمع ، فقال عمر لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء } .
( قال الشافعي ) : قرأته على مالك صحيحا لا شك فيه ثم طال علي الزمان ولم أحفظ حفظا ، فشككت في خازنتي أو خازني ; وغيري يقول عنه : خازني .
[ ص: 30 ] ( أخبرنا ) ابن عيينة عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى حديث مالك وقال : " حتى يأتي خازني من الغابة " فحفظته لا شك فيه ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تبيعوا الذهب بالذهب ، إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تبيعوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز } .
( قال الشافعي ) : فحديث عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يدلان على معان ، منها تحريم الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ، ولا يباع منها غائب بناجز وحديث عمر يزيد على حديث أبي سعيد الخدري ، أن الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمي من المأكول المكيل كالذي حرم في الذهب والورق ، سواء لا يختلفان وقد ذكر عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناهما ، وأكثر وأوضح .
( قال الشافعي ) : وإنما حرمنا غير ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المأكول والمكيل ; لأنه في معنى ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وكذلك حرمنا المأكول والموزون ; لأن الكيل في معنى الوزن ; لأنه بيع معلوم عند البائع والمشتري ، بمثل ما علم بالكيل أو أكثر ; لأن الوزن أقرب من الإحاطة من الكيل فلا يوجد في الكيل والوزن معنى أقرب من الإحاطة منهما ، فاجتمعا على أنه أريد بهما أن يكونا معلومين ، وأنهما مأكولان ، فكان الوزن قياسا على الكيل في معناه ، وما أكل من الكيل ولم يسم ، قياسا على معنى ما سمي من الطعام ، في معناه .
( قال الشافعي ) : ولم يجز أن يقاس الوزن من المأكول على الوزن من الذهب ; لأن الذهب غير مأكول ، وكذلك الورق لو قسناه عليه وتركنا المكيل المأكول ، قسنا على أبعد منه مما تركنا أن نقيسه عليه ، ولا يجوز عند أهل العلم أن يقاس على الأبعد ويترك الأقرب ولزمنا أن لا نسلم دينارا في موزون من طعام أبدا ولا غيره ، كما لا يجوز أن نسلم دينارا في موزون من فضة ، ولا أعلم المسلمين اختلفوا في أن الدنانير والدراهم يسلمان في كل شيء ، إلا أن أحدهما لا يسلم في الآخر ، لا ذهب في ذهب ، ولا ورق في ورق ، إلا في الفلوس فإن منهم من كرهه
باب ما جاء في الصرف
( قال الشافعي ) : رحمه الله : لا يجوز الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا شيء من المأكول والمشروب ، بشيء من صنفه إلا سواء بسواء ، يدا بيد إن كان مما يوزن ، فوزن بوزن ، وإن كان مما يكال ، فكيل بكيل ، ولا يجوز أن يباع شيء وأصله الوزن بشيء من صنفه كيلا . ولا شيء أصله الكيل بشيء من صنفه وزنا لا يباع الذهب بالذهب كيلا ; لأنهما قد يملآن مكيالا ، ويختلفان في الوزن أو يجهل كم وزن هذا من وزن هذا ؟ ولا التمر بالتمر وزنا ; لأنهما قد يختلفان ، إذا كان وزنها واحدا في الكيل ، ويكونان مجهولا من الكيل بمجهول .
ولا خير في أن يتفرق المتبايعان بشيء من هذه الأصناف من مقامهما الذي يتبايعان فيه حتى يتقابضا ، ولا يبقى لواحد منهما قبل صاحبه من البيع شيء ، فإن بقي منه شيء ، فالبيع فاسد ، وسواء كان المشتري مشتريا لنفسه ، أو كان وكيلا لغيره وسواء تركه ناسيا أو عامدا في فساد البيع ، فإذا اختلف الصنفان من هذا ، وكان ذهبا بورق أو تمرا بزبيب ، أو حنطة بشعير ، فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض ، يدا بيد لا يفترقان من مقامهما الذي تبايعا فيه حتى يتقابضا ، فإن دخل في شيء من هذا تفرق قبل أن يتقابضا جميع المبيع ، فسد البيع كله ولا بأس بطول مقامهما في مجلسهما ، ولا بأس أن يصطحبا من مجلسهما إلى غيره ليوفيه ; لأنهما حينئذ لم يفترقا وحد الفرقة أن يتفرقا بأبدانهما وحد فساد البيع ، أن يتفرقا قبل أن يتقابضا وكل مأكول ومشروب من هذا الصنف قياسا عليه وكلما اختلف الصنفان فلا بأس أن يباع أحدهما بالآخر جزافا ; لأن أصل البيع إذا كان حلالا بالجزاف ، وكانت الزيادة إذا اختلف الصنفان حلال ، فليس في الجزاف معنى أكثر من أن يكون أحدهما أكثر من الآخر ولا يدرى أيهما أكثر ؟ فإذا عمدت أن لا أبالي أيهما كان أكثر ، فلا بأس بالجزاف في أحدهما بالآخر .
( قال الشافعي ) : فلا يجوز أن يشترى ذهب فيه حشو ، ولا معه شيء غيره بالذهب ، كان الذي معه قليلا أو كثيرا ; لأن أصل الذي نذهب إليه ، أن الذهب بالذهب مجهول أو متفاضل ، وهو حرام من كل واحد من الوجهين وهكذا الفضة بالفضة ، وإذا اختلف الصنفان ، فلا بأس أن يشترى أحدهما بالآخر ، ومع الآخر شيء ولا بأس أن يشترى بالذهب فضة منظومة بخرز ; لأن أكثر ما في هذا أن يكون التفاضل بالذهب والورق ، ولا بأس أن يشتري بالذهب فضة منظومة بحرز لأن أكثر ما في هذا أن يكون التفاضل بالذهب والورق ولا بأس بالتفاضل فيهما ، وكل واحد من المبيعين بحصته من الثمن .
( قال الشافعي ) : وإذا صرف الرجل الدينار بعشرين درهما ، فقبض تسعة عشر ، ولم يجد درهما ، فلا خير في أن يتفرقا قبل أن يقبض الدرهم ، ولا بأس أن يأخذ التسعة عشر بحصتها من الدينار ويناقصه بحصة الدرهم من الدينار . ثم إن شاء أن يشتري منه بفضل الدينار مما شاء ويتقابضا قبل أن يتفرقا ، ولا بأس أن يترك فضل الدينار عنده ، يأخذه متى شاء ( قال الربيع ) : قال أبو يعقوب البويطي : ولا بأس أن يأخذ الدينار حاضرا .
( قال الشافعي ) : وإذا صرف الرجل من الرجل دينارا بعشرة دراهم ، أو دنانير بدراهم ، فوجد فيها درهما زائفا ، فإن كان زاف من قبل السكة أو قبح الفضة ، فلا بأس على المشتري أن يقبله ، وله رده ، فإن رده رد البيع كله ; لأنها بيعة واحدة ، وإن شرط عليه أن له رده ، فالبيع جائز وذلك له ، شرطه أو لم يشرطه . وإن شرط أنه لا يرد الصرف فالبيع باطل ، إذا عقد على هذا عقدة البيع ( قال ) : وإن كان زاف من قبل أنه نحاس أو شيء غير فضة ، فلا يكون للمشتري أن يقبله ، [ ص: 32 ] من قبل أنه غير ما اشترى ، والبيع منتقض بينهما . ولا بأس أن يصرف الرجل من الصراف دراهم ، فإذا قبضها وتفرقا ، أودعه إياها ، وإذا صرف الرجل شيئا لم يكن له أن يفارق من صرف منه حتى يقبض منه ولا يوكل به غيره إلا أن يفسخ البيع ثم يوكل هذا بأن يصارفه ولا بأس إذا صرف منه وتقابضا أن يذهبا فيزنا الدراهم وكذلك لا بأس أن يذهب هو على الانفراد فيزنها .
وإذا رهن الرجل الدينار عند رجل بالدراهم ثم باعه الدينار بدراهم وقبضها منه فلا بأس أن يقبضه منها بعد أن يقبضها ، وإذا كان للرجل عند الرجل دنانير وديعة فصارفه فيها ولم يقر الذي عنده الدنانير أنه استهلكها حتى يكون ضامنا ولا أنها في يده حين صارفه فيها فلا خير في الصرف ; لأنه غير مضمون ولا حاضر وقد يمكن أن يكون هلك في ذلك الوقت فيبطل الصرف .
( قال الشافعي ) : وإذا رهن الرجل عند الرجل رهنا فتراضيا أن يفسخ ذلك الرهن ويعطيه مكانه غيره فلا بأس إن كان الرهن دنانير فأعطاه مكانها دراهم أو عبدا فأعطاه مكانه عبدا آخر غيره وليس في شيء من هذا بيع فيكره فيه ما يكره في البيوع ، ولا نحب مبايعة من أكثر ماله الربا أو ثمن المحرم ما كان أو اكتساب المال من الغصب والمحرم كله ، وإن بايع رجل رجلا من هؤلاء لم أفسخ البيع ; لأن هؤلاء قد يملكون حلالا فلا يفسخ البيع ولا نحرم حراما بينا إلا أن يشتري الرجل حراما يعرفه ، أو بثمن حرام يعرفه وسواء في هذا المسلم والذمي والحربي ، الحرام كله حرام .
( وقال ) : لا يباع ذهب بذهب مع أحد الذهبين شيء غير الذهب ولا بأس أن يباع ذهب وثوب بدراهم .
( قال الشافعي ) : وإذا تواعد الرجلان الصرف فلا بأس أن يشتري الرجلان الفضة ثم يقرانها عند أحدهما حتى يتبايعاها ويصنعا بها ما شاءا .
( قال الشافعي ) : ولو اشترى أحدهما الفضة ثم أشرك فيها رجلا آخر وقبضها المشترك ثم أودعها إياه بعد القبض فلا بأس ، ، وإن قال أشركك على أنها في يدي حتى نبيعها لم يجز .
( قال الشافعي ) : ومن باع رجلا ثوبا بنصف دينار ثم باعه ثوبا آخر بنصف دينار حالين أو إلى أجل واحد فله عليه دينار ، فإن شرط عليه عند البيعة الآخرة أن له عليه دينارا فالشرط جائز ، وإن قال دينارا لا يعطيه نصفين ولكن يعطيه واحدا جازت البيعة الأولى ولم تجز البيعة الثانية ، وإن لم يشترط هذا الشرط ثم أعطاه دينارا وافيا فالبيع جائز .
( قال الشافعي ) : وإذا كان بين الرجلين ذهب مصنوع فتراضيا أن يشتري أحدهما نصيب الآخر بوزنه أو مثل وزنه ذهبا يتقابضانه قبل أن يتفرقا فلا بأس ، ومن صرف من رجل صرفا فلا بأس أن يقبض منه بعضه ويدفع ما قبض منه إلى غيره أو يأمر الصراف أن يدفع باقيه إلى غيره إذا لم يتفرقا من مقامهما حتى يقبضا جميع ما بينهما أرأيت لو صرف منه دينارا بعشرين وقبض منه عشرة ، ثم قبض منه بعدها عشرة قبل أن يتفرقا ، فلا بأس بهذا .
( قال الشافعي ) : ومن اشترى من رجل فضة بخمسة دنانير ونصف فدفع إليه ستة وقال خمسة ونصف بالذي عندي ونصف وديعة فلا بأس به .
( قال الشافعي ) : وإذا وكل الرجل الرجل بأن يصرف له شيئا أو يبيعه فباعه من نفسه بأكثر مما وجد أو مثله أو أقل منه فلا يجوز ; لأن معقولا أن من وكل رجلا بأن يبيع له فلم يوكله بأن يبيع له من نفسه كما لو قال له بع هذا من فلان فباعه من غيره لم يجز البيع ; لأنه وكله بفلان ولم يوكله بغيره
( قال الشافعي ) : وإذا صرف الرجل من الرجل الدينار بعشرة فوزن له عشرة ونصفا فلا بأس أن يعطيه مكان النصف نصف فضة إذا كان في بيعه غير الشرط الأول ، وهكذا لو باعه ثوبا بنصف دينار فأعطاه دينارا وأعطاه صاحب الثوب نصف دينار ذهبا لم يكن بذلك بأس ; لأن هذا بيع حادث غير البيع الأول ولو كان عقد عقدة البيع على ثوب ونصف دينار بدينار كان فاسدا ; لأن الدينار مقسوم على نصف الدينار والثوب .
( قال الشافعي ) : ومن صرف من رجل دراهم بدنانير فعجزت . [ ص: 33 ] الدراهم فتسلف منه دراهم فأتمه جميع صرفه
فلا بأس .
( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يباع الذهب بالورق جزافا مضروبا أو غير مضروب ; لأن أكثر ما فيه أن يكون أحدهما أكثر من الآخر وهذا لا بأس به ، ولا بأس أن تشتري الدراهم من الصراف بذهب وازنة ثم تبيع تلك الدراهم منه أو من غيره بذهب وازنة أو ناقصة ; لأن كل واحدة من البيعتين غير الأخرى قال الربيع لا يفارق صاحبه في البيعة الأولى حتى يتم البيع بينهما .
( قال الشافعي ) : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب وما حرم معه إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد ، والمكيل من صنف واحد مع الذهب كيلا بكيل فلا خير في أن يأخذ منه شيئا بأقل منه وزنا على وجه البيع معروفا كان أو غير معروف والمعروف ليس يحل بيعا ولا يحرمه ، فإن كان وهب له دينارا وأثابه الآخر دينارا أوزن منه أو أنقص فلا بأس .
( قال الشافعي ) : فأما السلف ، فإن أسلفه شيئا ثم اقتضى منه أقل فلا بأس ; لأنه متطوع له بهبة الفضل ، وكذلك إن تطوع له القاضي بأكثر من وزن ذهبه فلا بأس ; لأن هذا ليس من معاني البيوع ، وكذلك لو كان عليه سلف ذهبا فاشترى منه ورقا فتقابضاه قبل أن يتفرقا ، وهذا كله إذا كان حالا ، فأما إذا كان له عليه ذهب إلى أجل فجاءه بها وأكثر منها فلا بأس به ، كان ذلك عادة أو غير عادة ، ومن كانت عليه دراهم لرجل وللرجل عليه دنانير فحلت أو لم تحل فتطارحاها صرفا ، فلا يجوز ; لأن ذلك دين بدين ، وقال مالك رحمه الله تعالى إذا حل فجائز ، وإذا لم يحل فلا يجوز .
( قال الشافعي ) : ومن كان له على رجل ذهب حالا فأعطاه دراهم على غير بيع مسمى من الذهب فليس ببيع والذهب كما هو عليه وعلى هذا دراهم مثل الدراهم التي أخذ منه ، وإن أعطاه دراهم بدينار منها أو دينارين فتقابضاه فلا بأس به ، ومن أكرى من رجل منزلا إلى أجل فتطوع له المكتري بأن يعطيه بعض حقه مما أكراه به وذلك ذهب فلا بأس به ، وإن تطوع له بأن يعطيه فضة من الذهب ولم يحل الذهب فلا خير فيه ، ومن حل له على رجل دنانير فأخرها عليه إلى أجل أو آجال فلا بأس به ، وله متى شاء أن يأخذها منه ; لأن ذلك موعد وسواء كانت من ثمن بيع أو سلف ، ومن سلف فلوسا أو دراهم أو باع بها ثم أبطلها السلطان فليس له إلا مثل فلوسه أو دراهمه التي أسلف أو باع بها .
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالسلف في الفلوس إلى أجل ; لأن ذلك ليس مما فيه الربا ومن أسلف رجلا دراهم على أنها بدينار أو بنصف دينار فليس عليه إلا مثل دراهمه وليس له عليه دينار ولا نصف دينار ، وإن استسلفه نصف دينار فأعطاه دينارا فقال خذ لنفسك نصفه وبع لي بدراهم ففعل ذلك كان له عليه نصف دينار ذهب ، ولو كان قال له بعه بدراهم ثم خذ لنفسك نصفه ورد علي نصفه كانت له عليه دراهم ; لأنه حينئذ إنما أسلفه دراهم لا نصف دينار .
( قال الشافعي ) : ومن باع رجلا ثوبا فقال أبيعكه بعشرين من صرف عشرين درهما بدينار فالبيع فاسد من قبل أن صرف عشرين ثمن غير معلوم بصفة ولا عين .
( قال الشافعي ) : ومن كانت عليه دنانير منجمة أو دراهم فأراد أن يقبضها جملة فذلك له ، ومن كان له على رجل فأعطاه شيئا يبيعه له غير ذهب ويقبض منه مثل ذهبه فليس في هذا من المكروه شيء إلا أن يقول لا أقضيك إلا بأن تبيع لي وما أحب من الاحتياط للقاضي ، ومن كان لرجل عليه دينار فكان يعطيه الدراهم تتهيأ عنده بغير مصارفة حتى إذا صار عنده قدر صرف دينار فأراد أن يصارفه فلا خير فيه ; لأن هذا دين بدين ، وإن أحضره إياها فدفعها إليه ثم باعه إياها فلا بأس ، ولا بأس بأن ينتفع بالدراهم إذا لم يكن أعطاه إياها على أنها بيع من الدينار وإنما هي حينئذ سلف له إن شاء أن يأخذ بها دراهم ، وإذا كانت الفضة مقرونة بغيرها خاتما فيه فص أو فضة أو حلية للسيف أو مصحف أو سكين فلا يشترى بشيء من الفضة قل أو كثر بحال ; لأنها .
[ ص: 34 ] حينئذ فضة بفضة مجهولة القيمة والوزن وهكذا الذهب ولكن إذا كانت الفضة مع سيف اشتري بذهب ، وإن كان فيه ذهب اشتري بفضة ، وإن كان فيه ذهب وفضة لم يشتر بذهب ولا فضة واشتري بالعرض .
( قال الربيع ) : وفيه قول آخر أنه لا يجوز أن يشترى شيء فيه فضة مثل مصحف أو سيف وما أشبهه بذهب ولا ورق ; لأن في هذه البيعة صرفا وبيعا لا يدرى كم حصة البيع من حصة الصرف .
( قال الشافعي ) : ولا خير في شراء تراب المعادن بحال ; لأن فيه فضة لا يدرى كم هي لا يعرفها البائع ولا المشتري وتراب المعدن والصاغة سواء ولا يجوز شراء ما خرج منه يوما ولا يومين ولا يجوز شراؤه بشيء ومن أسلف رجلا ألف درهم على أن يصرفها منه بمائة دينار ففعلا فالبيع فاسد حين أسلفه على أن يبيعه منه ويترادان ، والمائة الدينار عليه مضمونة ; لأنها بسبب بيع وسلف .
( قال الشافعي ) : ومن أمر رجلا أن يقضي عنه دينارا أو نصف دينار فرضي الذي له الدينار بثوب مكان الدينار أو طعام أو دراهم فللقاضي على المقضى عنه الأقل من دينار أو قيمة ما قضى عنه ومن اشترى حليا من أهل الميراث على أن يقاصوه من دين كان له على الميت فلا خير في ذلك .
( قال أبو يعقوب ) : معناها عندي أن يبيعه أهل الميراث وأن لا يقاصوه عند الصفقة ثم يقاصوه بعد فلا يجوز ; لأنه اشترى أولا حليا بذهب أو ورق إلى أجل وهو قول أبي محمد .
( قال الشافعي ) : ومن سأل رجلا أن يشتري فضة ليشركه فيه وينقد عنه فلا خير في ذلك كان ذلك منه على وجه المعروف أو غير ذلك .
( قال الشافعي ) : الشركة والتولية بيعان من البيوع يحلهما ما يحل البيوع ويحرمهما ما يحرم البيوع ، فإن ولى رجل رجلا حليا مصوغا أو أشركه فيه بعدما يقبضه المولى ويتوازناه ولم يتفرقا قبل أن يتقابضا جاز كما يجوز في البيوع ، وإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد ، وإذا كانت للرجل على الرجل الدنانير فأعطاه أكثر منها فالفضل للمعطي إلا أن يهبه للمعطى ولا بأس أن يدعه على المعطي مضمونا عليه حتى يأخذه منه متى شاء أو يأخذ به منه ما يجوز له أن يأخذه لو كان دينا عليه من غير ثمن بعينه ولا قضاء ، وإن أعطاه أقل مما له عليه فالباقي عليه دين ولا بأس أن يؤخره أو يعطيه به شيئا مما شاء مما يجوز أن يعطيه بدينه عليه ، وإن اشترى الرجل من الرجل السلعة من الطعام أو غيره بدينار فوجد ديناره ناقصا فليس على البائع أن يأخذه إلا وافيا ، وإن تناقضا البيع وباعه بعدما يعرف وزنه فلا بأس ، وإن أراد أن يلزمه البيع على أن ينقصه بقدره لم يكن ذلك على البائع ولا المشتري .
( قال الشافعي ) : والقضاء ليس ببيع فإذا كانت للرجل على رجل ذهب فأعطاه أو وزن منها متطوعا فلا بأس وكذلك إن تطوع الذي له الحق فقبل منه أنقص منها وهذا لا يحل في البيوع ومن اشترى من رجل ثوبا بنصف دينار فدفع إليه دينارا فقال اقبض نصفا لك وأقر لي النصف الآخر فلا بأس به ومن كان له على رجل نصف دينار فأتاه بدينار فقضاه نصفا وجعل النصف الآخر في سلعة متأخرة موصوفة قبل أن يتفرقا فلا بأس .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (110)
صــــــــــ 35 الى صـــــــــــ40
( قال الشافعي ) : في الرجل يشتري الثوب بدينار إلى شهر على أنه إذا حل الدينار أخذ به دراهم مسماة إلى شهرين فلا خير فيه وهو حرام من ثلاثة وجوه من قبل بيعتين في بيعة وشرطين في شرط وذهب بدراهم إلى أجل ومن راطل رجلا ذهبا فزاد مثقالا فلا بأس أن يشتري ذلك المثقال منه بما شاء من العرض نقدا أو متأخرا بعد أن يكون يصفه ولا بأس بأن يبتاعه منه بدراهم نقدا إذا قبضها منه قبل أن يتفرقا ، وإن رجحت إحدى الذهبين فلا بأس أن يترك صاحب الفضل منهما فضله لصاحبه ; لأن هذا غير الصفقة الأولى ، فإن نقص أحد الذهبين فترك صاحب الفضل فضله فلا بأس ، وإذا جمعت صفقة البيع شيئين مختلفي القيمة مثل تمر بردي وتمر عجوة بيعا معا بصاعي تمر وصاع من هذا بدرهمين وصاع من هذا بعشرة دراهم فقيمة البردي خمسة أسداس الاثني عشر وقيمة العجوة سدس الاثني [ ص: 35 ] عشر وهكذا لو كان صاع البرني وصاع العجوة بصاعي لون كل واحد منهما بحصته من اللون فكان البرني بخمسة أسداس صاعين والعجوة بسدس صاعين فلا يحل من قبل أن البرني بأكثر من كيله والعجوة بأقل من كيلها وهكذا ذهب بذهب كان مائة دينار مروانية وعشرة محمدية بمائة دينار وعشرة هاشمية فلا خير فيه من قبل أن قيم المروانية أكثر من قيم المحمدية وهذا الذهب بالذهب متفاضلا ; لأن المعنى الذي في هذا في الذهب بالذهب متفاضلا .
ولا بأس أن يراطل الدنانير الهاشمية التامة بالعتق الناقصة مثلا بمثل في الوزن ، وإن كان لهذه فضل وزنها وهذه فضل عيونها فلا بأس بذلك إذا كان وزنا بوزن ومن كانت له على رجل ذهب بوزن فلا بأس أن يأخذ بوزنها أكثر عددا منها ولا يجوز الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ويدا بيد وأقصى حد يدا بيد قبل أن يتفرقا ، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد بيعهما إن كانا تبايعا مثلا بمثل والموازنة أن يضع هذا ذهبه في كفة وهذا ذهبه في كفة فإذا اعتدل الميزان أخذ وأعطى ، فإن وزن له بحديدة واتزن بها منه كان ذلك لا يختلف إلا كاختلاف ذهب في كفة وذهب في كفة فهو جائز ولا أحسبه يختلف ، وإن كان يختلف اختلافا بينا لم يجز ، فإن قيل لم أجزته ؟ قيل كما أجيز مكيالا بمكيال ، وإذا كيل له مكيال ثم أخذ منه آخر ، وإذا اشترى رجل من رجل ذهبا بذهب فلا بأس أن يشتري منه بما أخذ منه كله أو بعضه دراهم أو ما شاء ، وإذا باع الرجل الرجل السلعة بمائة دينار مثاقيل فله مائة دينار مثاقيل أفراد ليس له أكثر منها ولا أقل إلا أن يجتمعا على الرضا بذلك ، وإذا كانت لرجل على رجل مائة دينار عتق فقضاه شرا منها أكثر من عددها أو وزنها فلا بأس إذا كان هذا متطوعا له بفضل عيون ذهبه على ذهبه وهذا متطوع له بفضل وزن ذهبه على ذهبه ، وإن كان هذا عن شرط عند البيع أو عند القضاء فلا خير فيه ; لأن هذا حينئذ ذهب بذهب أكثر منها ولا بأس أن يبيع الرجل الرجل الثوب بدينار إلا وزنا من الذهب معلوم ربع أو ثلث أو أقل أو أكثر ; لأنه باعه حينئذ الثوب بثلاثة أرباع دينار أو ثلثي دينار ولا خير في أن يبيعه الثوب بدينار إلا درهم ولا دينار إلا مد حنطة ; لأن الثمن حينئذ مجهول ولا بأس أن يبيعه ثوبا ودرهما يراه وثوبا ومد تمر يراه بدينار ( قال الربيع ) : فيه قول آخر أنه إذا باعه ثوبا وذهبا يراه فلا يجوز من قبل أن فيه صرفا وبيعا لا يدري حصة البيع من حصة الصرف فأما إذا باعه ثوبا ومد تمر بدينار يراه فجائز ; لأن هذا بيع كله .
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يسلم إليه دينارا إلا درهما ولكن يسلم دينارا ينقص كذا وكذا .
( قال الشافعي ) : من ابتاع بكسر درهم شيئا فأخذ بكسر درهمه مثل وزنه فضة أو سلعة من السلع فلا بأس بذلك وكذلك من ابتاع بنصف دينار متاعا فدفع دينارا وأخذ فضل ديناره مثل وزنه ذهبا أو سلعة من السلع فلا بأس بذلك وهذا في جميع البلدان سواء ولا يحل شيء من ذلك في بلد يحرم في بلد آخر وسواء الذي ابتاع به قليل من الدينار أو كثير ولا خير في أن يصارف الرجل الصائغ الفضة بالحلي الفضة المعمولة ويعطيه إجارته ; لأن هذا الورق بالورق متفاضلا ولا خير في أن يأتي الرجل بالفص إلى الصائغ فيقول له اعمله لي خاتما حتى أعطيك أجرتك وقاله مالك .
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يعطي الرجل الرجل مائة دينار بالمدينة على أن يعطيه مثلها بمكة إلى أجل مسمى أو غير أجل ; لأن هذا لا سلف ولا بيع ، السلف ما كان لك أخذه به وعليك قبوله وحيث أعطاكه والبيع في الذهب ما يتقابضاه مكانهما قبل أن يتفرقا فإذا أراد أن يصح هذا له فليسلفه ذهبا ، فإن كتب له بها إلى موضع فقبل فقبضها فلا بأس وأيهما أراد أن [ ص: 36 ] يأخذها من المدفوع إليه لم يكن للمدفوع إليه أن يمتنع وسواء في أيهما كان له فيه المرفق أو لم يكن ومن أسلف سلفا فقضى أفضل من ذلك في العدد والوزن معا فلا بأس بذلك إذا لم يكن ذلك شرطا بينهما في عقد السلف ومن ادعى على رجل مالا وأقام به شاهدا ولم يحلف والغريم يجحد ثم سأله الغريم أن يقر له بالمال إلى سنة ، فإن قال لا أقر لك به إلا على تأخير كرهت ذلك له إلا أن يعلم أن المال له عليه فلا أكره ذلك لصاحب المال وأكرهه للغريم
باب في بيع العروض
( قال الشافعي ) : رحمه الله قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أما { الذي نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض } وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله وهذا كما قال ابن عباس والله تعالى أعلم ; لأنه ليس في الطعام معنى ليس في غيره من البيوع ولا معنى يعرف إلا واحد وهو أني إذا ابتعت من الرجل شيئا فإنما أبتاع منه عينا أو مضمونا ، وإذا ابتعت منه مضمونا فليست بعين وقد يفلس فأكون قد بعت شيئا ضمانه على من اشتريته منه وإنما بعته قبل أن يصير في تصرفي وملكي تاما ولا يجوز أن أبيع ما لا أملك تاما ، وإن كان الذي اشتريته منه عينا فلو هلكت تلك العين انتقض البيع بيني وبينه فإذا بعتها ولم يتم ملكها إلي بأن يكون ضمانها مني بعته ما لم يتم لي ملكه ولا يجوز بيع ما لم يتم لي ملكه ومع هذا أنه مضمون على من اشتريته منه فإذا بعت ، بعت شيئا مضمونا على غيري ، فإن زعمت أني ضامن فعلي من الضمان ما على دون من اشتريت منه أرأيت إن هلك ذلك في يدي الذي اشتريته منه أيؤخذ مني شيء ؟ ، فإن قال لا ، قيل فقد بعت ما لا تضمن ولا يجوز بيع ما لا أضمن .
وإن قيل بل أنت ضامن فليس هكذا بيعه كيف أضمن شيئا قد ضمنته له على غيري ؟ ولو لم يكن في هذا شيء مما وصفت دلت عليه السنة وأنه في معنى الطعام .
( قال الشافعي ) : قال الله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } وقال { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فكل بيع كان عن تراض من المتبايعين جائز من الزيادة في جميع البيوع إلا بيعا حرمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا الذهب والورق يدا بيد والمأكول والمشروب في معنى المأكول فكل ما أكل الآدميون وشربوا فلا يجوز أن يباع شيء منه بشيء من صنفه إلا مثلا بمثل إن كان وزنا فوزن ، وإن كان كيلا فكيل يدا بيد وسواء في ذلك الذهب والورق وجميع المأكول ، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما وكذلك بيع العرايا ; لأنها من المأكول ، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع بينهما .
وإذا اختلف الصنفان مما ليس في بعضه ببعض الربا فلا بأس بواحد منه باثنين أو أكثر يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ، وإذا جاز الفضل في بعضه على بعض فلا بأس بجزاف منه بجزاف وجزاف بمعلوم وكل ما أكله الآدميون دواء فهو في معنى المأكول مثل الإهليلج والثفاء وجميع الأدوية ( قال ) : وما عدا هذا مما أكلته البهائم ولم يأكله الآدميون مثل القرظ والقضب والنوى والحشيش ومثل العروض التي لا تؤكل مثل القراطيس والثياب وغيرها ومثل الحيوان فلا بأس بفضل بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة تباعدت أو تقاربت ; لأنه داخل في معنى ما أحل الله من البيوع وخارج من معنى ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل في بعضه على بعض وداخل في نص إحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه من بعده .
( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن الليث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله { أن النبي [ ص: 37 ] صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين } ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه باع بعيرا له بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة .
( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه باع بعيرا يقال له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل .
( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأل عن بعير ببعيرين إلى أجل فقال لا بأس به ( قال الشافعي ) : أخبرنا ابن علية إن شاء الله شك الربيع عن سلمة بن علقمة شككت عن محمد بن سيرين أنه سأل عن بيع الحديد بالحديد فقال الله أعلم أما هم فكانوا يتبايعون الدرع بالأدراع .
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالبعير بالبعيرين مثله وأكثر يدا بيد ونسيئة فإذا تنحى عن أن يكون في معنى ما لا يجوز الفضل في بعضه على بعض فالنقد منه والدين سواء .
ولا بأس باستسلاف الحيوان كله إلا الولائد وإنما كرهت استسلاف الولائد ; لأن من استسلف أمة كان له أن يردها بعينها فإذا كان له أن يردها بعينها وجعلته مالكا لها بالسلف جعلته يطؤها ويردها وقد حاط الله جل ثناؤه ثم رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم المسلمون الفروج فجعل المرأة لا تنكح والنكاح حلال إلا بولي وشهود ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخلو بها رجل في حضر أو سفر ولم يحرم ذلك في شيء مما خلق الله غيرها جعل الأموال مرهونة ومبيعة بغير بينة ولم يجعل المرأة هكذا حتى حاطها فيما أحل الله لها بالولي والشهود ففرقنا بين حكم الفروج وغيرها بما فرق الله ورسوله ثم المسلمون بينهما .
وإذا باع الرجل غنما بدنانير إلى أجل فحلت الدنانير فأعطاه بها غنما من صنف غنمه أو غير صنفها فهو سواء ولا يجوز إلا أن يكون حاضرا ولا تكون الدنانير والدراهم في معنى ما ابتيع به من العروض فلا يجوز بيعه حتى يقبض ولا بأس بالسلف في الحيوان كله بصفة وأجل معلوم والسلف فيها اشتراء لها وشراؤها غير استلافها فيجوز ذلك في الولائد ولا خير في السلف إلا أن يكون مضمونا على المسلف مأمونا في الظاهر أن يعود .
ولا خير في أن يسلف في ثمر حائط بعينه ولا نتاج ماشية بعينها ; لأن هذا يكون ولا يكون ، ومن سلف في عرض من العروض أو شيء من الحيوان فلما حل أجله سأله بائعه أن يشتريه منه بمثل ثمنه أو أقل أو أكثر أو بعرض كان ذلك العرض مخالفا له أو مثله فلا خير في أن يبيعه بحال ; لأنه بيع ما لم يقبض .
وإذا سلف الرجل في عرض من العروض إلى أجل فعجل له المسلف قبل محل الأجل فلا بأس ولا خير في أن يعجله له على أن يضع عنه ولا في أن يعجله على أن يزيده المسلف ; لأن هذا بيع يحدثانه غير البيع الأولى ولا خير في أن يعطيه من غير الصنف الذي سلفه عليه ; لأن هذا بيع يحدثه وإنما يجوز أن يعطيه من ذلك الصنف بعينه مثل شرطهما أو أكثر فيكون متطوعا ، وإن أعطاه من ذلك الصنف أقل من شرطه على غير شرط فلا بأس كما أنه لو فعل بعد محله جاز ، وإن أعطاه على شرط فلا خير فيه ; لأنه ينقصه على أن يعجله وكذلك لا يأخذ بعض ما سلفه فيه وعرضا غيره ; لأن ذلك بيع ما لم يقبض بعضه ومن سلف في صنف فأتاه المسلف من ذلك الصنف بأرفع من شرطه فله قبضه منه ، وإن لم يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع إلا أن يتفاسخا البيع الأول ويشتري هذا شراء جديدا ; لأنه إذا لم يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع عجوة جيدة فله أدنى الجيد فجاءه بالغاية من الجيد وقال زدني شيئا فاشترى منه الزيادة والزيادة غير معلومة لا هي كيل زاده فيزيده ولا هي منفصلة من البيع الأول فيكون إذا زاده اشترى ما لا يعلم واستوفى ما لا يعلم وقد قيل إنه لو أسلفه في عجوة فأراد أن يعطيه صيحانيا مكان العجوة لم يجز ; لأن هذا بيع العجوة بالصيحاني قبل أن تقبض وقد { نهى [ ص: 38 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبض } .
وهكذا كل صنف سلف فيه من طعام أو عرض أو غيره له أن يقبضه أدنى من شرطه وأعلى من شرطه إذا تراضيا ; لأن ذلك جنس واحدة وليس له أن يقبض من غير جنس ما سلف فيه ; لأنه حينئذ بيع ما اشترى قبل أن يستوفيه ( قال ) : ولا يأخذ إذا سلف في جيد رديئا على أن يزداد شيئا والعلة فيه كالعلة في أن يزيده ويأخذ أجود ، وإذا أسلف رجل رجلا في عرض فدفع المسلف إلى المسلف ثمن ذلك العرض على أن يشتريه لنفسه ويقبضه كرهت ذلك فإذا اشتراه وقبضه برئ منه المسلف وسواء كان ذلك ببينة أو بغير بينة إذا تصادقا .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولا بأس بالسلف في كل ما أسلف فيه حالا أو إلى أجل إذا حل أن يشتري بصفة نقدا وقد قال هذا ابن جريج عن عطاء ثم رجع عنه ، وإذا سلف رجل في صوف لم يجز أن يسلف فيه إلا بوزن معلوم وصفة معلومة ولا يصلح أن يسلف فيه عددا لاختلافه ومن اشترى من رجل سلعة فسأله أن يقيله فيها بأن يعطيه البائع شيئا أو يعطيه المشتري نقدا أو إلى أجل فلا خير في الإقالة على ازدياد ولا نقص بحال ; لأنها إنما هي فسخ بيع وهكذا لو باعه إياها فاستقاله على أن ينظره بالثمن لم يجز ; لأن النظرة ازدياد ولا خير في الإقالة على زيادة ولا نقصان ولا تأخير في كراء ولا بيع ولا غيره وهكذا إن باعه سلعة إلى أجل فسأله أن يقيله فلم يقله إلا على أن يشركه البائع ولا خير فيه ; لأن الشركة بيع وهذا بيع ما لم يقبض ولكنه إن شاء أن يقيله في النصف أقاله .
ولا يجوز أن يكون شريكا له والمتبايعان بالسلف وغيره بالخيار ما لم يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه ، فإذا تفرقا أو خير أحدهما الآخر بعد البيع فاختار البيع فقد انقطع الخيار ومن سلف في طعام أو غيره إلى أجل فلما حل الأجل أخذ بعض ما سلف فيه وأقال البائع من الباقي فلا بأس وكذلك لو باع حيوانا أو طعاما إلى أجل فأعطاه نصف رأس ماله وأقاله المشتري من النصف وقبضه بلا زيادة ازدادها ولا نقصان ينقصه فلا بأس .
( قال ) : ولا يجوز من البيوع إلا ثلاثة بيع عين بعينها حاضرة وبيع عين غائبة فإذا رآها المشتري فهو بالخيار فيها ولا يصلح أن تباع العين الغائبة بصفة ولا إلى أجل ; لأنها قد تدرك قبل الأجل فيبتاع الرجل ما يمنع منه وهو يقدر على قبضه وأنها قد تتلف قبل أن تدرك فلا تكون قبل الأجل فيبتاع الرجل ما يمنع منه وهو يقدر على قبضه وأنها قد تتلف قبل أن تدرك فلا تكون مضمونة والبيع الثالث صفة مضمونة إذا جاء بها صاحبها على الصفة لزمت مشتريها ويكلف أن يأتي بها من حيث شاء .
( قال أبو يعقوب ) : الذي كان يأخذ به الشافعي ويعمل به أن البيع بيعان بيع عين حاضرة ترى أو بيع مضمون إلى أجل معلوم ولا ثالث لهما ( قال الربيع ) : قد رجع الشافعي عن بيع خيار الرؤية .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ومن باع سلعة من السلع إلى أجل من الآجال وقبضها المشتري فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراها بأقل من الثمن وزعم أن القياس في ذلك جائز ولكنه زعم تبع الأثر ومحمود منه أن يتبع الأثر الصحيح فلما سأل عن الأثر إذا هو أبو إسحاق عن امرأته عالية بنت أنفع أنها دخلت مع امرأة أبي السفر على عائشة رضي الله عنها فذكرت لعائشة أن زيد بن أرقم باع شيئا إلى العطاء ثم اشتراه بأقل مما باعه به فقالت عائشة أخبري زيد بن أرقم أن الله قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب .
( قال الشافعي ) : فقيل له ثبت هذا الحديث عن عائشة فقال أبو إسحاق رواه عن امرأته فقيل فتعرف امرأته بشيء يثبت به حديثها فما علمته قال شيئا فقلت ترد حديث بسرة بنت صفوان مهاجرة معروفة بالفضل [ ص: 39 ] بأن تقول : حديث امرأة وتحتج بحديث امرأة ليست عندك منها معرفة أكثر من أن زوجها روى عنها
ولو كان هذا من حديث من يثبت حديثه هل كان أكثر ما في هذا إلا أن زيد بن أرقم وعائشة اختلفا ; لأنك تعلم أن زيدا لا يبيع إلا ما يراه حلالا له ورأته عائشة حراما وزعمت أن القياس مع قول زيد فكيف لم تذهب إلى قول زيد ومعه القياس وأنت تذهب إلى القياس في بعض الحالات فتترك به السنة الثابتة ؟ قال أفليس قول عائشة مخالفا لقول زيد ؟ قيل ما تدري لعلها إنما خالفته في أنه باع إلى العطاء ونحن نخالفه في هذا الموضع ; لأنه أجل غير معلوم فأما إن اشتراها بأقل مما باعه بها فلعلها لم تخالفه فيه قط لعلها رأت البيع إلى العطاء مفسوخا ورأت بيعه إلى العطاء لا يجوز فرأته لم يملك ما باع ولا بأس في أن يسلف الرجل فيما ليس عنده أصله ، وإذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذي قال أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا ، وإن شاء تركه وهكذا إن قال اشتر لي متاعا ووصفه له أو متاعا أي متاع شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع الأول ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال أبتاعه وأشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر ، فإن جدداه جاز ، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين : أحدهما : أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع والثاني أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا ، وإن اشترى الرجل طعاما إلى أجل فقبضه فلا بأس أن يبيعه ممن اشتراه منه ومن غيره بنقد وإلى أجل وسواء في هذا المعينين وغير المعينين .
وإذا باع الرجل السلعة بنقد أو إلى أجل فتسوم بها المبتاع فبارت عليه أو باعها بوضع أو هلكت من يده فسأل البائع أن يضع عنه من ثمنها شيئا أو يهبها كلها فذلك إلى البائع إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل من قبل أن الثمن له لازم ، فإن شاء ترك له من الثمن اللازم ، وإن شاء لم يترك وسواء كان هذا عن عادة اعتادها أو غير عادة وسواء أحدثا هذا في أول بيعة تبايعا به أو بعد مائة بيعة ليس للعادة التي اعتادها معنى يحل شيئا ولا يحرمه وكذلك الموعد ، إن كان قبل العقد أو بعده ، فإن عقد البيع على موعد أنه إن وضع في البيع وضع عنه فالبيع مفسوخ ; لأن الثمن غير معلوم وليس تفسد البيوع أبدا ولا النكاح ولا شيء أبدا إلا بالعقد فإذا عقد عقدا صحيحا لم يفسده شيء تقدمه ولا تأخر عنه كما إذا عقدا فاسدا لم يصلحه شيء تقدمه ولا تأخر عنه إلا بتجديد عقد صحيح ، وإذا اشترى الرجل من الرجل طعاما بدينار على أن الدينار عليه إلى شهر إلا أن يبيع الطعام قبل ذلك فيعطيه ما باع من الطعام فلا خير فيه ; لأنه إلى أجل غير معلوم ولو باعه إلى شهر ولم يشرط في العقد شيئا أكثر من ذلك ثم قال له إن بعته أعطيتك قبل الشهر ، كان جائزا وكان موعدا ، إن شاء وفى له ، وإن شاء لم يف له ; لأنه لا يفسد حتى يكون في العقد ، وإذا ابتاع رجل طعاما سمى الثمن إلى أجل والطعام نقد وقبض الطعام فلا بأس أن يبيع الطعام بحداثة القبض وبعد زمان إذا صار من ضمانه من الذي اشترى منه ومن غيره وبنقد وإلى أجل ; لأن البيعة الآخرة غير البيعة الأولى ، وإذا سلف رجل في العروض والطعام الذي يتغير إلى أجل فليس عليه أن يقبضه حتى يحل أجله فإذا حل أجله جبر على قبضه وسواء عرضه عليه قبل أن يحل الأجل بساعة أو بسنة ، وإن اجتمعا على الرضا بقبضه فلا بأس وسواء كان ذلك قبل أن يحل الأجل بسنة أو بساعة .
وإذا ابتاع الرجل شيئا من الحيوان أو غيره غائبا عنه والمشتري يعرفه بعينه فالشراء جائز وهو [ ص: 40 ] مضمون من مال البائع حتى يقبضه المشتري فإذا كان المشتري لم يره فهو بالخيار إذا رآه من عيب ومن غير عيب وسواء وصف له أو لم يوصف إذا اشتراه بعينه غير مضمون على صاحبه فهو سواء وهو شراء عين ولو جاء به على الصفة إذا لم يكن رآه لم يلزمه أن يأخذ إلا أن يشاء وسواء أدركتها بالصفة حية أو ميتة ولو أنه اشتراه على صفة مضمونة إلى أجل معلوم فجاءه بالصفة لزمت المشتري أحب أو كره ، وذلك أن شراءه ليس بعين ولو وجد تلك الصفة في يد البائع فأراد أن يأخذها كان للبائع أن يمنعه إياها إذا أعطاه صفة غيرها وهذا فرق بين شراء الأعيان والصفات الأعيان لا يجوز أن يحول الشراء منها في غيرها إلا أن يرضى المبتاع والصفات يجوز أن تحول صفة في غيرها إذا أوفى أدنى صفة ويجوز النقد في الشيء الغائب وفي الشيء الحاضر بالخيار وليس هذا من بيع وسلف بسبيل ، وإذا اشترى الرجل الشيء إلى أجل ثم تطوع بالنقد فلا بأس ، وإذا اشترى ولم يسم أجلا فهو بنقد ولا ألزمه أن يدفع الثمن حتى يدفع إليه ما اشترى ، وإذا اشترى الرجل الجارية أو العبد وقد رآه وهو غائب عنه وأبرأ البائع من عيب به ثم أتاه به فقال قد زاد العيب فالقول قول المشتري مع يمينه ولا تباع السلعة الغائبة على أنها إن تلفت فعلى صاحبها مثلها ولا بأس أن يشتري الشيء لغائب بدين إلى أجل معلوم والأجل من يوم تقع الصفقة ، فإن قال أشتريها منك إلى شهر من يوم أقبض السلعة فالشراء باطل ; لأنه قد يقبضها في يومه ويقبضها بعد شهر وأكثر .
باب في بيع الغائب إلى أجل
( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا باع الرجل من الرجل عبدا له غائبا بذهب دينا له على آخر أو غائبة عنه ببلد فالبيع باطل ( قال ) : وكذلك لو باعه عبدا ودفعه إليه إلا أن يدفعه إليه ويرضي الآخر بحوالة على رجل فأما أن يبيعه إياه ويقول : خذ ذهبي الغائبة على أنه إن لم يجدها فالمشتري ضامن لها فالبيع باطل ; لأن هذا أجل غير معلوم وبيع بغير مدة ومحولا في ذمة أخرى .
( قال الشافعي ) : ومن أتى حائكا فاشترى ثوبا على منسجه قد بقي منه بعضه فلا خير فيه ، نقده أو لم ينقده ; لأنه لا يدري كيف يخرج باقي الثوب وهذا لا بيع عين يراها ولا صفة مضمونة قال ولا بأس بشراء الدار حاضرة وغائبة ونقد ثمنها ، ومذارعة وغير مذارعة ( قال ) : ولا بأس بالنقد في بيع الخيار .
( قال ) : وإذا اشترى الرجل بالخيار وقبض المشتري فالمشتري ضامن حتى يرد السلعة كما أخذها وسواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما معا ، وإذا باع الرجل السلعة وهو بالخيار فليس للذي عليه الخيار أن يرد إنما يرد الذي له الخيار .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (111)
صــــــــــ 41 الى صـــــــــــ46
( قال ) : وبيع الخيار جائز من باع جارية فللمشتري قبضها وليس عليه وضعها للاستبراء ويستبرئها المشتري عنده ، وإذا قبضها المشتري فهي من ضمانه وفي ملكه ، وإذا حال البائع بينه وبينها وضعها على يدي عدل يستبرئها فهي من ضمان البائع حتى يقبضها المشتري ثم يكون هو الذي يضعها ويجوز بيع المشتري فيها ولا يجوز بيع البائع حتى يردها المشتري أو يتفاسخا البيع ومن اشترى جارية بالخيار فمات قبل أن يختار فورثته يقومون مقامه ، وإذا باع الرجل السلعة لرجل واستثنى رضا المبيع له ما بينه وبين ثلاث ، فإن رضي المبيع له فالبيع جائز ، وإن أراد الرد فله الرد ، وإن جعل الرد إلى غيره فليس ذلك له إلا أن يجعله وكيلا برد أو إجازة فتجوز الوكالة عن أمره .
( قال الشافعي ) : ومن باع سلعة على رضا غيره كان للذي شرط له الرضا الرد ولم يكن للبائع ، فإن قال على أن أستأمر فليس له أن يرد حتى يقول قد [ ص: 41 ] استأمرت فأمرت بالرد .
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يشتري الرجل الدابة بعينها على أن يقبضها بعد سنة ; لأنها قد تتغير إلى سنة وتتلف ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط ركوبها قل ذلك أو كثر ( قال ) : ولا خير في أن يبيع الرجل الدابة ويشترط عقاقها ولو قال هي عقوق ولم يشرط ذلك لم يكن بذلك بأس ، وإذا باع الرجل ولد جاريته على أن عليه رضاعه ومؤنته سنة أو أقل فالبيع باطل ; لأنه قد يموت قبل سنة فلو كان مضمونا للمشتري فضل الرضاع لم يجز ; لأنه وقع لا يعرف حصته من حصة البيع ولو كان مضمونا من البائع كان عينا يقدر على قبضها ولا يقدر على قبضها إلا بعد سنة ويكون دونها وبيع وإجارة
باب ثمر الحائط يباع أصله أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع } ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع } .
( قال الشافعي ) : وهذا الحديث ثابت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نأخذ وفيه دلالات إحداها لا يشكل في أن الحائط إذا بيع وقد أبر نخله فالثمرة لبائعه إلا أن يشترطها مبتاعه فيكون مما وقعت عليه صفقة البيع ويكون لها حصة من الثمن .
( قال ) : والثانية أن الحائط إذا بيع ولم يؤبر نخله فالثمرة للمشتري ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حد فقال { إذا أبر فثمرته للبائع } فقد أخبر أن حكمه إذا لم يؤبر غير حكمه إذا أبر ولا يكون ما فيه إلا للبائع أو للمشتري لا لغيرهما ولا موقوفا فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشتري بغير شرط استدلالا موجودا بالسنة ( قال ) : ومن باع أصل فحل نخل أو فحول بعد أن تؤبر إناث النخل فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع فحلا قبل أن تؤبر إناث النخل فالثمرة للمشتري ( قال ) : والحوائط تختلف بتهامة ونجد والسقيف فيستأخر إبار كل بلد بقدر حرها وبردها وما قدر الله تعالى من إبانها فمن باع حائطا منها لم يؤبر فثمره للمبتاع ، وإن أبر غيره ; لأن حكمه به لا بغيره وكذلك لا يباع منها شيء حتى يبدو صلاحه ، وإن بدا صلاح غيره وسواء كان نخل الرجل قليلا أو كثيرا إذا كان في حظار واحد أو بقعة واحدة في غير حظار فبدا صلاح واحدة منه ، حل بيعه ولو كان إلى جنبه حائط له آخر أو لغيره فبدا صلاح حائط غيره الذي هو إلى جنبه لم يحل بيع ثمر حائطه بحلول بيع الذي إلى جنبه وأقل ذلك أن يرى في شيء منه الحمرة أو الصفرة وأقل الإبار أن يكون في شيء منه الإبار فيقع عليه اسم أنه قد أبر كما أنه إذا بدا صلاح شيء منه وقع عليه اسم أنه قد بدا صلاحه واسم أنه قد أبر فيحل بيعه ولا ينتظر آخره بعد أن يرى ذلك في أوله .
( قال ) : والإبار التلقيح وهو أن يأخذ شيئا من طلع الفحل فيدخله بين ظهراني طلع الإناث من النخل فيكون له بإذن الله صلاحا ( قال ) : والدلالة بالسنة في النخل قبل أن يؤبر وبعد الإبار في أنه داخل في البيع مثل الدلالة بالإجماع في جنين الأمة وذات الحمل من البهائم ، فإن الناس لم يختلفوا في أن كل ذات [ ص: 42 ] حمل من بني آدم ومن البهائم بيعت فحملها تبع لها كعضو منها داخل في البيع بلا حصة من الثمن ; لأنه لم يزايلها ، ومن باعها وقد ولدت فالولد غيرها ، وهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فيكون قد وقعت عليه الصفقة ، وكانت له حصة من الثمن ، ويخالف الثمر لم يؤبر الجنين في أن له حصة من الثمن ; لأنه ظاهر وليست للجنين ; لأنه غير ظاهر ولولا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لما كان الثمر قد طلع مثل الجنين في بطن أمه ; لأنه قد يقدر على قطعه والتفريق بينه وبين شجره ويكون ذلك مباحا منه والجنين لا يقدر على إخراجه حتى يقدر الله تعالى له ولا يباح لأحد إخراجه وإنما جمعنا بينهما حيث اجتمعا في بعض حكمهما بأن السنة جاءت في الثمر لم يؤبر كمعنى الجنين في الإجماع فجمعنا بينهما خبرا لا قياسا إذ وجدنا حكم السنة في الثمر لم يؤبر كحكم الإجماع في جنين الأمة وإنما مثلنا فيه تمثيلا ليفقهه من سمعه من غير أن يكون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يقاس على شيء بل الأشياء تكون له تبعا .
( قال ) : ولو باع رجل أصل حائط ، وقد تشقق طلع إناثه أو شيء منه فأخر إباره وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله كان حكمه حكم ما تأبر ; لأنه قد جاء عليه وقت الإبار وظهرت الثمرة ورئيت بعد تغييبها في الجف قال ، وإذا بدأ في إبار شيء منه كان جميع ثمر الحائط المبيع للبائع كما يكون إذا رئيت في شيء من الحائط الحمرة أو الصفرة حل بيع الثمرة ، وإن كان بعضه أو أكثره لم يحمر أو يصفر .
( قال ) : والكرسف إذا بيع أصله كالنخل إذا خرج من جوزه ولم ينشق فهو للمشتري ، وإذا انشق جوزه فهو للبائع كما يكون الطلع قبل الإبار وبعده ( قال ) : ، فإن قال قائل فإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الثمرة للبائع إذا أبر فكيف قلت يكون له إذا استأبر ، وإن لم يؤبر ؟ قيل له إن شاء الله تعالى لا معنى للإبار إلا وقته ولو كان الذي يوجب الثمرة للبائع أن يكون إنما يستحقها بأن يأبرها ، فاختلف هو والمشتري انبغى أن يكون القول قول المشتري ; لأن البائع يدعي شيئا قد خرج منه إلى المشتري وانبغى إن تصادقا أن يكون له ثمر كل نخلة أبرها ولا يكون له ثمر نخلة لم يأبرها .
( قال ) : وما قلت من هذا هو موجود في السنة في بيع الثمر إذا بدا صلاحه وذلك إذا احمر أو بعضه ، وذلك وقت يأتي عليه ، وهذا مذكور في بيع الثمار إذا بدا صلاحها .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء أخبره { أن رجلا باع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا مثمرا ولم يشترط المبتاع الثمر ولم يستثن البائع الثمر ولم يذكراه فلما ثبت البيع اختلفا في الثمر فاحتكما فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بالثمر للذي لقح النخل للبائع } ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه أنه كان يقول في العبد له المال وفي النخل المثمر يباعان ولا يذكران ماله ولا ثمره هو للبائع ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أرأيت لو أن إنسانا باع رقبة حائط مثمر لم يذكر الثمرة عند البيع لا البائع ولا المشتري أو عبدا له مال كذلك فلما ثبت البيع قال المبتاع إني أردت الثمر قال لا يصدق والبيع جائز وعن ابن جريج أنه قال لعطاء أن رجلا أعتق عبدا له مال ؟ قال نيته في ذلك إن كان نوى في نفسه أن ماله لا يعتق معه فماله كله لسيده وبهذا كله نأخذ في الثمرة والعبد .
( قال ) : وإذا بيعت رقبة الحائط وقد أبر شيء من نخله فثمرة ذلك النخل في عامه ذلك للبائع ، ولو كان منه ما لم [ ص: 43 ] يؤبر ولم يطلع ; لأن حكم ثمرة ذلك النخل في عامه ذلك حكم واحد كما يكون إذا بدا صلاحه ولم يؤبر ( قال ) : ولو أصيبت الثمرة في يدي مشتري رقبة الحائط بجائحة تأتي عليه أو على بعضه فلا يكون للمشتري أن يرجع بالثمرة المصابة ولا بشيء منها على البائع ، فإن قال قائل ولم لا يرجع بها ولها من الثمن حصة ؟ قيل ; لأنها إنما جازت تبعا في البيع ألا ترى أنها لو كانت تباع منفردة لم يحل بيعها حتى تحمر فلما كانت تبعا في بيع رقبة الحائط حل بيعها وكان حكمها حكم رقبة الحائط ونخله الذي يحل بيع صغيره وكبيره وكانت مقبوضة لقبض النخل وكانت المصيبة بها كالمصيبة بالنخل ، والمشتري لو أصيب بالنخل بعد أن يقبضها كانت المصيبة منه ، فإن ابتاع رجل حائطا فيه ثمر لم يؤبر كان له مع النخل أو شرطه بعدما أبر ، فكان له بالشرط مع النخل فلم يقبضه حتى أصيب بعض الثمر ففيها قولان أحدهما أنه بالخيار في رد البيع ; لأنه لم يسلم له كما اشترى ، أو أخذه بحصته من الثمن بحسب ثمن الحائط أو الثمرة فينظركم حصة المصاب منها ؟ فيطرح عن المشتري من أصل الثمن بقدره ، فإن كان الثمن مائة والمصاب عشر العشر مما اشترى طرح عنه دينار من أصل الثمن لا من قيمة المصاب ; لأنه شيء خرج من عقدة البيع بالمصيبة وهكذا كل ما وقعت عليه صفقة البيع بعينه من نبات ، أو نخل ، أو غيره ، فما أصيب منه شيء بعد الصفقة وقبل قبض المشتري ، فالمشتري بالخيار في رد البيع ; لأنه لم يسلم إليه كما اشترى بكماله أو أخذ ما بقي بحصته من الثمن ; لأنه قد ملكه ملكا صحيحا وكان في أصل الملك أن كل واحد منه بحصته من الثمن المسمى ولا يكون للمشتري في هذا الوجه خيار .
( قال ) : وهكذا الثمر يبتاع مع رقبة الحائط ، ويقبض فتصيبه الجائحة في قول من وضع الجائحة وفي القول الآخر الذي حكيت فيه قولا يخالفه سواء لا يختلفان ، والقول الثاني أن المشتري إن شاء رد البيع بالنقص الذي دخل عليه قبل القبض ، وإن شاء أخذه منه بجميع الثمن لا ينقص عنه منه شيء ; لأنها صفقة واحدة ( قال ) : ، فإن قال قائل فكيف أجزتم بيع الثمرة لم يبد صلاحها مع الحائط وجعلتم لها حصة من الثمن ولم تجيزوها على الانفراد ؟ قيل بما وصفنا من السنة ، فإن قال فكيف أجزتم بيع الدار بطرقها ومسيل مائها وأفنيتها وذلك غير معلوم ؟ قيل أجزناه ; لأنه في معنى الثمرة التي لم يبد صلاحها تبع في البيع ولو بيع من هذا شيء على الانفراد لم يجز ، فإن قال قائل فكيف يكون داخلا في جملة البيع وهو أن بعضا لم يجز بيعه على الانفراد ؟ قيل بما وصفنا لك ، فإن قال فهل يدخل في هذا العبد يباع ؟ قلت نعم في معنى ويخالفه في آخر ، فإن قال فما المعنى الذي يدخل به فيه ؟ قيل إذا بعناك عبدا بعناكه بكمال جوارحه ، وسمعه ، وبصره ، ولو بعناك جارحة من جوارحه تقطعها أو لا تقطعها لم يجز البيع ، فهي إذا كانت فيه جازت ، وإذا أفردت منه لم يحل بيعها ; لأن فيها عذابا عليه ، وليس فيها منفعة لمشتريه ولو لم تقطع وهذا الموضع الذي يخالف فيه العبد بما وصفنا من الطرق والثمر ، وفي ذلك أنه يحل تفريق الثمر وقطع الطرق ولا يحل قطع الجارحة إلا بحكمها .
( قال ) : وجميع ثمار الشجر في معنى ثمر النخل إذا رئي في أوله النضج حل بيع آخره ، وهما يكونان بارزين معا ولا يحل بيع واحد منهما حتى يرى في أولهما النضج ( قال ) : وتخالف الثمار من الأعناب وغيرها النخل فتكون كل ثمرة خرجت بارزة ترى في أول ما تخرج كما ترى في آخره لا مثل ثمر النخل في الطلعة يكون مغيبا وهو يرى يكون بارزا فهو في معنى ثمرة النخل بارزا فإذا باعه شجرا مثمرا فالثمر للبائع إلا أن يشترط المبتاع ; لأن الثمر قد فارق أن يكون مستودعا في الشجر ، كما يكون الحمل مستودعا في الأمة ذات الحمل ( قال ) : ومعقول في السنة إذا كانت الثمرة للبائع كان على المشتري تركها في شجرها إلى أن تبلغ الجذاذ والقطاف واللقاط من الشجر ( قال ) : وإذا كان لا يصلحها إلا [ ص: 44 ] السقي فعلى المشتري تخلية البائع وما يكفي الشجر من السقي إلى أن يجذ ويلقط ويقطع ، فإن انقطع الماء فلا شيء على المشتري فيما أصيب به البائع في ثمره ، وكذلك إن أصابته جائحة ، وذلك أنه لم يبعه شيئا فسأله تسليم ما باعه ( قال ) : وإن انقطع الماء فكان الثمر يصلح ترك ، حتى يبلغ ، وإن كان لا يصلح لم يمنعه صاحبه من قطعه ولا لو كان الماء كما هو ، ولو قطعه ، فإن أراد الماء لم يكن ذلك له إنما يكون له من الماء ما فيه صلاح ثمره فإذا ذهب ثمره فلا حق له في الماء ( قال ) : وإن انقطع الماء فكان بقاء الثمرة في النخل وغيره من الشجر المسقوي يضر بالنخل ففيها قولان ، أحدهما أن يسأل أهل ذلك الوادي الذي به ذلك الماء ، فإن قالوا ليس يصلح في مثل هذا من انقطاع الماء إلا قطع ثمره عنه وإلا أضر بقلوب النخل ضررا بينا فيها أخذ صاحبه بقطعه إلا أن يسقيه متطوعا وقيل قد أصبت وأصيب صاحب الأصل بأكثر من مصيبتك ، فإن قالوا هو لا يضر بها ضررا بينا ، والثمر يصلح إن ترك فيها ، وإن كان قطعه خيرا لها ترك إذا لم يكن فيه ضرر بين ، فإن قالوا لا يسلم الثمر إلا إن ترك أياما ترك أياما حتى إذا بلغ الوقت الذي يقولون فيه يهلك ، فلو قيل اقطعه ; لأنه خير لك ولصاحبك كان وجها ، وله تركه إذا لم يضر بالنخل ضررا بينا ، وإن قال صاحب عنب ليس له أصله أدع عنبي فيه ليكون أبقى له أو سفرجل ، أو تفاح ، أو غيره ، لم يكن له ذلك إذا كان القطاف ، واللقاط والجذاذ أخذ بجذاذ ثمره قطافه ، ولقاطه ، ولا يترك ثمره فيه بعد أن يصلح فيه القطاف ، والجذاذ ، واللقاط ( قال ) : وإن اختلف رب الحائط والمشتري في السقي حملا في السقي على ما لا غنى بالثمر ، ولا صلاح إلا به ، وما يسقي عليه أهل الأموال أموالهم في الثمار عامة لا ما يضر بالثمر ، ولا ما يزيد فيه مما لا يسقيه أهل الأموال إذا كانت لهم الثمار ( قال ) : ، فإن كان المبيع تينا أو غيره من شجر تكون فيه الثمرة ظاهرة ، ثم تخرج قبل أن تبلغ الخارجة ثمرة غيرها من ذلك الصنف ، فإن كانت الخارجة المشتراة تميز من الثمرة التي تحدث لم يقع عليها البيع فالبيع جائز للمشتري الثمرة الخارجة التي اشترى يتركها حتى تبلغ ، وإن كانت لا تميز مما يخرج بعدها من ثمرة الشجرة ، فالبيع مفسوخ ; لأن ما يخرج بعد الصفقة من الثمرة التي لم تدخل في البيع غير متميز من الثمرة الداخلة في الصفقة ، والبيوع لا تكون إلا معلومة ( قال الربيع ) : وللشافعي في مثل هذا قول آخر إن البيع مفسوخ إذا كان الخارج لا يتميز إلا أن يشاء رب الحائط أن يسلم ما زاد من الثمرة التي اختلطت بثمر المشتري يسلمه للمشتري فيكون قد صار إليه ثمره والزيادة إذا كانت الخارجة غير التي تطوع بها .
( قال الشافعي ) : فإن باعه على أن يلقط الثمرة أو يقطعها حتى يتبين بها فالبيع جائز وما حدث في ملك البائع للبائع وإنما يفسد البيع إذا ترك ثمرته فكانت مختلطة بثمرة المشتري لا تتميز منها
( قال ) : وإذا باع رجل رجلا أرضا فيها شجر رمان ، ولوز وجوز ، ورانج ، وغيره مما دونه قشر يواريه بكل حال فهو كما وصفت من الثمر البادي الذي لا قشر له يواريه إذا ظهرت ثمرته ، فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع ، وذلك أن قشر هذا لا ينشق عما في أجوفه ، وصلاحه في بقائه إلا أن صنفا من الرمان ينشق منه الشيء فيكون أنقص على مالكه ; لأن الأصلح له أن لا ينشق ; لأنه أبقى له ، والقول فيه كالقول في ثمر الشجر غير النخل من العنب والأترج وغيره لا يخافه والقول في تركه إلى بلوغه كالقول فيها وفي ثمر النخل لا يعجل مالكه عن بلوغ صلاحه ولا يترك ، وإن كان ذلك خيرا لمالكه إذا بلغ أن يقطف مثلها أو يلقط والقول في شيء إن كان يزيد فيها كالقول في التين لا يختلف وكذلك في ثمر كل شجر وهكذا القول في الباذنجان وغيره من الشجر الذي يثبت أصله وعلامة الأصل وذلك مثل القثاء والخربز والكرسف وغيره ، وما كان إنماء ثمرته [ ص: 45 ] مرة ، فمثل الزرع .
( قال ) : ومن باع أرضا فيها زرع قد خرج من الأرض ، فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإذا حصد فلصاحبه أخذه ، فإن كان الزرع مما يبقى له أصول في الأرض تفسدها فعلى صاحب الزرع نزعها عن رب الأرض إن شاء رب الأرض قال وهكذا إذا باعه أرضا فيها زرع يحصد مرة واحدة .
( قال ) : فأما القصب فإذا باعه أرضا فيها قصب قد خرج من الأرض فلمالكه من القصب جزة واحدة وليس له قلعه من أصله ; لأنه أصل ( قال ) : وكل ما يجز مرارا من الزرع فمثل القصب في الأصل والثمر ما خرج لا يخالفه .
( قال ) : وإذا باعه أرضا فيها موز قد خرج فله ما خرج من الموز قبل بيعه وليس له ما خرج مرة أخرى من الشجر الذي بجنب الموز وذلك أن شجرة الموز عندنا تحمل مرة وينبت إلى جنبها أربع فتقطع ويخرج في الذي حولها ( قال ) : فإذا كان شجر الموز كثيرا وكان يخرج في الموز منه الشيء اليوم وفي الأخرى غدا وفي الأخرى بعده حتى لا يتميز ما كان منه خارجا عند عقدة البيع مما خرج بعده بساعة أو أيام متتابعة فالقول فيها كالقول في التين وما تتابع ثمرته في الأصل الواحد أنه لا يصلح بيعه أبدا وذلك أن الموزة الحولي يتفرق ويكون بينه أولاده بعضها أشف من بعض فيباع وفي الحولي مثله موز خارج فيترك ليبلغ ويخرج في كل يوم من أولاده بقدر إدراكه متتابعا ، فلا يتفرق منه ما وقعت عليه عقدة البيع مما حدث بعدها ولم يدخل في عقدة البيع والبيع ما عرف المبيع منه من غير المبيع فيسلم إلى كل واحد من المتبايعين حقه ( قال ) : ولا يصح بيعه بأن يقول له ثمرة مائة شجرة موز منه من قبل أن ثمارها تختلف ويخطئ ويصيب وكذلك كل ما كان في معناه من ذي ثمر وزرع .
( قال ) : وكل أرض بيعت بحدودها فلمشتريها جميع ما فيها من الأصل والأصل ما وصفت مما له ثمرة بعد ثمرة من كل شجر وزروع مثمرة وكل ما يثبت من الشجر والبنيان وما كان مما يخف من البنيان مثل البناء بالخشب فإنما هذا مميز كالنبات والجريد فهو لبائعه إلا أن يدخله المشتري في صفقة البيع فيكون له بالشراء ( قال ) : وكل هذا إذا عرف المشتري والبائع ما في شجر الأرض من الثمر وفي أديم الأرض من الزرع ( قال ) : ، فإن كانت الأرض غائبة عند البيع عن البائع والمشتري أو عن المشتري دون البائع فوجد في شجرها ثمرا قد أبر وزرعا قد طلع فالمشتري بالخيار إذا علم هذا إن كان قد رأى الأرض قبل الشراء ورضيها ; لأن هذا عليه نقصا بانقطاع الثمرة عنه عامه ذلك وحبس شجره بالثمرة وشغل أرضه بالزرع وبالداخل فيها عليه إذا كانت له ثمرتها ; لأنه ليس له أن يمنعه الدخول عليه في أرضه لتعاهد ثمرته ولا يمنع من يصلح له أرضه من عمل له ، فإن أحب أجاز البيع ، وإن أحب رده .
( قال ) : وإذا اشترى وهو عالم بما خرج من ثمرها فلا خيار له ، وإذا باع الرجل الرجل أرضا فيها حب قد بذره ولم يعلم المشتري فالحب كالزرع قد خرج من الأرض لا يملكه المشتري ; لأنه تحت الأرض وما لم يملكه المشتري بالصفقة فهو للبائع وهو ينمي نماء الزرع فيقال للمشتري لك الخيار ، فإن شئت فأخر البيع ودع الحب حتى يبلغ فيحصد كما تدع الزرع ، وإن شئت فانقض البيع إذا كان يشغل أرضك ويدخل عليك فيهابه من ليس عليك دخوله إلا أن يشاء البائع أن يسلم الزرع للمشتري أو يقلعه عنه ويكون قلعه غير مضر بالأرض ، فإن شاء ذلك لم يكن للمشتري خيار ; لأنه قد زيد خيرا فإن قال قائل كيف لم تجعل هذا كما لم يخرج من ثمر الشجر وولاد الجارية ؟ قيل له إن شاء الله تعالى ، أما ثمر الشجر فأمر لا صنعة فيه للآدميين هو شيء يخلقه الله عز وجل كيف شاء ، لا شيء استودعه الآدميون الشجر لم يكن فيها فأدخلوه فيها وما خرج منه في عامه خرج في أعوام بعده مثله ; لأن خلقة الشجر كذلك والبذر ينثر في الأرض إنما هو شيء يستودعه الآدميون الأرض ويحصد فلا يعود إلا أن يعاد فيها غيره ولما رأيت ما كان مدفونا في الأرض من [ ص: 46 ] مال وحجارة وخشب غير مبنية كان للبائع ; لأنه شيء وضعه في الأرض غير الأرض لم يجز أن يكون البذر في أن البائع يملكه إلا مثله ; لأنه شيء وضعه البائع غير الأرض ، فإن قال قائل كيف لا يخرج زرعه كما يخرج ما دفن في الأرض من مال وخشب ؟ قيل دفن تلك فيها ليخرجها كما دفنها لا لتنمي بالدفن .
وإذا مر بالمدفون من الحب وقت فلو أخرجه لم ينفعه لقلب الأرض له وتلك لا تقلبها فأما ولد الجارية فشيء لا حكم له إلا حكم أمه ألا ترى أنها تعتق ولا يقصد قصده بعتق فيعتق وتباع ولا يباع فيملكه المشتري وأن حكمه في العتق والبيع حكم عضو منها ، وإن لم يسمه كان للمشتري الخيار لاختلاف الزرع في مقامه في الأرض وإفساده إياها ( قال ) : وإن كان البائع قد أعلم المشتري أن له في الأرض التي باعه بذرا سماه لا يدخل في بيعه فاشترى على ذلك فلا خيار للمشتري وعليه أن يدعه حتى يصرم ، فإن كان مما يثبت من الزرع تركه حتى يصرمه ثم كان للمشتري أصله ولم يكن للبائع قلعه ولا قطعه .
( قال ) : وإن عجل البائع فقلعه قبل بلوغ مثله لم يكن له أن يدعه ليستخلفه وهو كمن جذ ثمرة غضة فليس له أن ينتظر أخرى حتى تبلغ ; لأنه ، وإن لم يكن له مما خرج منه إلا مرة فتعجلها فلا يتحول حقه في غيرها بحال والقول في الزرع من الحنطة وغيرها مما لا يصرم إلا مرة أشبه أن يكون قياسا على الثمرة مرة واحدة في السنة إلا أنه يخالف الأصل فيكون الأصل مملوكا بما تملك به الأرض ولا يكون هذا مملوكا بما تملك به الأرض ; لأنه ليس بثابت فيها .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (112)
صــــــــــ 47 الى صـــــــــــ52
( قال ) : وما كان من الشجر يثمر مرارا فهو كالأصل الثابت يملك بما تملك به الأرض ، وإن باعه وقد صلح وقد ظهر ثمره فيه فثمره للبائع إلا أن يشترطها المبتاع كما يكون النخل الملقح ( قال ) : وذلك مثل الكرسف إذا باعه وقد تشقق جوز كرسفه عنه فالثمرة للبائع كما تشقق الطلعة فيكون للبائع ذلك حين يلقح ، فإن باعه قبل أن يتشقق من جوز كرسفه شيء فالثمرة للمشتري وما كان من الشجر هكذا يتشقق ثمره ليصلح مثل النخل وما كان يبقى بحاله فإذا خرجت الثمرة فخروجه كتشقق الطلع وجوز الكرسف فهو للبائع إلا أن يشترط المشتري .
( قال ) : وما أثمر منه في السنة مرارا فبيع وفيه ثمرة فهي للبائع وحدها فإذا انقضت فما خرج بعدها مما لم تقع عليه صفقة البيع فللمشتري الأصل مع الأرض وصنف من الثمرة فكان يخرج منه الشيء بعد الشيء حتى لا ينفصل ما وقعت عليه صفقة البيع وهو في شجره فكان للبائع ما لم يقع عليه صفقة البيع وكان للمشتري ما حدث ، فإن اختلط ما اشترى بما لم يشتر ولم يتميز ففيها قولان أحدهما لا يجوز البيع فيه إلا بأن يسلم البائع للمشتري الثمرة كلها فيكون قد أوفاه حقه وزيادة أو يترك المشتري له هذه الثمرة فيكون قد ترك له حقه ( قال ) : ومن أجاز هذا قال هذا كمن اشترى طعاما جزافا فألقى البائع فيه طعاما غيره ثم سلم البائع للمشتري جميع ما اشترى منه وزاده ما ألقاه في طعامه فلم يظلمه ولم ينقصه شيئا مما باعه وزاده الذي خلط ، وإن لم يعرف المبيع منه من غير المبيع قال في الوجه الذي يترك فيه المبتاع حقه هذا كرجل ابتاع من رجل طعاما جزافا فألقى المشتري فيه طعاما ثم أخذ البائع منه شيئا فرضي المشتري أن يأخذ ما بقي من الطعام بجميع الثمن ويترك له حقه فيما أخذ منه فإن الصفقة وقعت صحيحة إلا أن فيها خيارا للمشتري فأجيزها ويكون للمشتري ترك ردها بخياره والقول الثاني أنه يفسد البيع من قبل أنه ، وإن وقع صحيحا قد اختلط حتى لا يتميز الصحيح منه الذي وقعت عليه صفقة البيع مما لم تقع عليه صفقة البيع .
( قال ) : والقصب والقثاء وكل ما كان يصرم مرة بعد الأخرى من الأصول فللمشتري ملكه كما يملك النخل إذا اشترى الأصل وما خرج فيه من ثمرة مرة فتلك الثمرة للبائع وما بعدها للمشتري ، فأما القصب فللبائع أول صرمة منه وما بقي بعدها للمشتري فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه وهكذا البقول كلها إذا [ ص: 47 ] كانت في الأرض فللبائع منها أول جزة وما بقي للمشتري وليس للبائع أن يقلعها من أصولها ، وإن كانت تجز جزة واحدة ثم تنبت بعدها جزت فحكمها حكم الأصول تملك بما تملك به الأصول ، من شراء رقبة الأرض .
( قال ) : وما كان من نبات فإنما يكون مرة واحدة فهو كالزرع يترك حتى يبلغ ثم لصاحبه من نبات الأرض مما لم ينبته الناس وكان ينبت على الماء فلصاحبه فيه ماله في الزرع ، والأصل يأخذ ثمرة أول جزة منه إن كانت تنبت بعدها ويقلعه من أصله إن كان لا ينفع بعد جزة واحدة لا يختلف ذلك .
( قال ) : ولو باع رجل رجلا أرضا أو دارا فكان له فيها خشب مدفون أو حجارة مدفونة ليست بمبنية إن ملك الموضوع كله للبائع لا يملك المشتري منه شيئا إنما يملك الأرض بما خلق في الأرض من ماء وطين وما كان فيها من أصل ثابت من غرس أو بناء وما كان غير ثابت أو مستودع فيها فهو لبائعه ، وعلى بائعه أن ينقله عنه ( قال ) : فإن نقله عنه كان عليه تسوية الأرض حتى تعود مستوية لا يدعها حفرا ( قال ) : وإن ترك قلعه منه ثم أراد قلعه من الأرض من زرعه لم يكن ذلك له حتى يحصد الزرع ثم يقلعه إن شاء ، وإن كان له في الأرض خشب أو حجارة مدفونة ثم غرس الأرض على ذلك ثم باعه الأصل ثم لم يعلم المشتري بالحجارة التي فيها نظر ، فإن كانت الحجارة أو الخشب تضر بالغراس وتمنع عروقه كان المشتري بالخيار في الأخذ أو الرد ; لأن هذا عيب ينقص غرسه ، وإن كان لا ينقص الغراس ولا يمنع عروقه وكان البائع إذا أراد إخراج ذلك من الأرض قطع من عروق الشجر ما يضر به قيل لبائع الأرض أنت بالخيار بين أن تدع هذا وبين رد البيع ، فإن أحب تركه للمشتري تم البيع ، وإن امتنع من ذلك قيل للمشتري لك الخيار بين أن يقلعه من الأرض وما أفسد عليك من الشجر ، فعليه قيمته إن كانت له قيمة ، أو رد البيع
باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } .
( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } نهى البائع والمشتري .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي قيل يا رسول الله وما تزهي ؟ قال حتى تحمر } وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم { أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ } .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ثمرة النخل حتى تزهو قيل وما تزهو ؟ قال حتى تحمر } .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن عمرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة } .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عبد الله بن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن [ ص: 48 ] بيع الثمار حتى تذهب العاهة } ، قال عثمان فقلت لعبد الله متى ذاك ؟ قال طلوع الثريا .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي معبد قال الربيع أظنه عن ابن عباس أنه كان يبيع الثمر من غلامه قبل أن يطعم ، وكان لا يرى بينه وبين غلامه ربا .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن جابر إن شاء الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه } قال ابن جريج فقلت أخص جابر النخل أو الثمر ؟ قال بل النخل ولا نرى كل ثمرة إلا مثله .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن طاوس أنه سمع ابن عمر يقول لا يبتاع الثمر حتى يبدو صلاحه وسمعنا ابن عباس يقول لا تباع الثمرة حتى تطعم .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن بيع السنين } .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثله وبهذا كله نقول ، وفي سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل ، منها أن بدو صلاح الثمر الذي أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه أن يحمر أو يصفر ودلالة إذ قال { إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه ؟ } أنه إنما نهى عن بيع الثمرة التي تترك حتى تبلغ غاية إبانها إلا أنه نهى عما يقطع منها وذلك أن ما يقطع منها لا آفة تأتي عليه تمنعه إنما منع ما يترك مدة تكون فيها الآفة والبلح وكل ما دون البسر يحل بيعه ليقطع مكانه ; لأنه خارج عما نهى عنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من البيوع داخل فيما أحل الله من البيع .
( قال ) : ولا يحل بيعه قبل أن يبدو صلاحه ليترك حتى يبلغ إبانه ; لأنه داخل في المعنى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يباع حتى يبلغه .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال لا يباع حتى يؤكل من الرطب قليل أو كثير قال ابن جريج فقلت له أرأيت إن كان مع الرطب بلح كثير ؟ قال نعم سمعنا إذا أكل منه .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء الحائط تكون فيه النخلة فتزهى فيؤكل منها قبل الحائط ، والحائط بلح قال حسبه إذا أكل منه فليبع .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء وكل ثمرة كذلك لا تباع حتى يؤكل منها ؟ قال نعم قال ابن جريج فقلت من عنب أو رمان أو فرسك ؟ قال نعم قال ابن جريج فقلت له أرأيت إذا كان شيء من ذلك يخلص ويتحول قبل أن يؤكل منه أيبتاع قبل أن يؤكل منه ؟ قال لا ولا شيء حتى يؤكل منه . أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال كل شيء تنبته الأرض مما يؤكل من خربز أو قثاء أو بقل لا يباع حتى يؤكل منه كهيئة النخل قال سعيد إنما يباع البقل صرمة صرمة .
( قال الشافعي ) : والسنة يكتفى بها من كل ما ذكر معها غيرها فإذا { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر إلى أن يخرج من أن يكون غضا كله فأذن فيه إذا صار منه أحمر أو أصفر } فقد أذن فيه إذا بدا فيه النضج واستطيع أكله خارجا من أن يكون كله بلحا وصار عامته منه وتلك الحال التي أن يشتد اشتدادا يمنع في الظاهر من العاهة لغلظ نواته في عامه ، وإن لم يبلغ ذلك منه مبلغ الشدة ، وإن لم يبلغ هذا الحد فكل ثمرة من أصل فهي مثله لا تخالفه إذا خرجت ثمرة واحدة يرى معها كثمرة النخل يبلغ أولها أن يرى فيه أول النضج حل بيع تلك الثمرة كلها وسواء كل ثمرة من أصل يثبت أو لا يثبت ; لأنها في معنى ثمر النخل إذا كانت كما وصفت تنبت فيراها المشتري ثم لا ينبت بعدها في ذلك الوقت شيء لم يكن ظهر وكانت ظاهرة لا كمام دونها تمنعها من أن ترى كثمرة [ ص: 49 ] النخلة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء فما لا يؤكل منه الحناء والكرسف والقضب ؟ قال نعم لا يباع حتى يبدو صلاحه .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء القضب يباع منه ؟ قال لا إلا كل صرمة عند صلاحها فإنه لا يدري لعله تصيبه في الصرمة الأخرى عاهة أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء فقال الكرسف يجنى في السنة مرتين ؟ فقال لا إلا عند كل إجناءة .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن زيادا أخبره عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول في الكرسف تبيعه فلقة واحدة قال يقول : فلقة واحدة إجناءة واحدة إذا فتح قال ابن جريج وقال زياد والذي قلنا عليه إذا فتح الجوز بيع ولم يبع ما سواه قال تلك إجناءة واحدة إذا فتح .
( قال الشافعي ) : ما قال عطاء وطاوس من هذا كما قالا إن شاء الله تعالى ، وهو معنى السنة والله تعالى أعلم فكل ثمرة تباع من المأكول إذا أكل منها وكل ما لم يؤكل فإذا بلغ أن يصلح أن ينزع بيع ، قال وكل ما قطع من أصله مثل القضب فهو كذلك لا يصلح أن يباع إلا جزة عند صرامه وكذلك كل ما يقطع من أصله لا يجوز أن يباع إلا عند قطعه لا يؤخره عن ذلك ، وذلك مثل القضب والبقول والرياحين والقصل وما أشبهه ، وتفتيح الكرسف أن تنشق عنه قشرته حتى يظهر الكرسف ولا يكون له كمام تستره ، وهو عندي يدل على معنى ترك تجويز ما كان له كمام تستره من الثمرة ، فإن قيل كيف قلت لا يجوز أن يباع القضب إلا عند صرامه ؟ فصرامه بدو صلاحه قال فإن قيل فقد يترك الثمر بعد أن يبدو صلاحه قيل الثمرة تخالفه في هذا الموضع فيكون الثمن إذا بدا صلاحه لا يخرج منه شيء من أصل شجرته لم يكن خرج إنما يتزايد في النضج والقضب إذا ترك خرج منه شيء يتميز من أصل شجرته لم يقع عليه البيع ولم يكن ظاهرا يرى ، وإذا { حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها } ، وهي ترى كان بيع ما لم ير ولم يبد صلاحه أحرم ; لأنه يزيد عليها أن لا يرى ، وإن لم يبد صلاحه فيكون المشتري اشترى قضبا طوله ذراع أو أكثر فيدعه فيطول ذراعا مثله أو أكثر فيصير المشتري أخذ مثل ما اشترى مما لم يخرج من الأرض بعد ومما إذا خرج لم تقع عليه صفقة البيع وإذا ترك كان للمشتري منه ما ينفعه وليس في الثمرة شيء إذا أخذت غضة .
( قال ) : وإذا أبطلنا البيع في القضب على ما وصفنا كان أن يباع القضب سنة أو أقل أو أكثر أو صرمتين أبطل ; لأن ذلك بيع ما لم يخلق ومثل بيع جنين الأمة وبيع النخل معاومة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعن أن يحوز منه من الثمرة ثمرة قد رئيت إذا لم تصر إلى أن تنجو من العاهة
( قال ) : فأما بيع الخربز إذا بدا صلاحه فللخربز نضج كنضج الرطب فإذا رئي ذلك فيه جاز بيع خربزه في تلك الحال ، وأما القثاء فيؤكل صغارا طيبا فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه ثم يترك حتى تتلاحق صغاره إن شاء مشتريه كما يترك الخربز حتى تنضج صغاره إن شاء مشتريه ويأخذه واحدا بعد واحد كما يأخذ الرطب ولا وجه لقول من قال لا يباع الخربز ولا القثاء حتى يبدو صلاحهما ويجوز إذا بدا صلاحهما أن يشتريهما فيكون لصاحبهما ما ينبت أصلهما يأخذ كل ما خرج منهما فإن دخلهما آفة بشيء يبلغ الثلث وضع عن المشتري .
( قال ) : وهذا عندي والله تعالى أعلم من الوجوه التي لم أكن أحسب أحدا يغلط إلى مثلها ، وقد { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها } لئلا تصيبها العاهة فكيف لا ينهى عن بيع ما لم يخلق قط وما تأتي العاهة على شجره وعليه في أول خروجه وهذا محرم من مواضع من هذا ومن بيع السنين ومن بيع ما لم يملك وتضمين صاحبه وغير وجه فكيف لا يحل مبتدأ بيع القثاء والخربز حتى يبدو صلاحهما [ ص: 50 ] كما لا يحل بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وقد ظهرا ورئيا ويحل بيع ما لم ير منهما قط ولا يدرى يكون أم لا يكون ولا إن كان كيف يكون ولا كم ينبت أيجوز أن يشتري ثمر النخل قد بدأ صلاحه ثلاث سنين فيكون له فإن كان لا يجوز إلا عند كل ثمرة وبعد أن يبدو صلاحها لم يجز في القثاء والخربز إلا ذلك وليس حمل القثاء مرة يحل بيع حمله ثانية ولم يكن حمله بعد ولحمل النخل أولى أن لا يخلف في المواضع التي لا تعطش وأقرب من حمل القثاء الذي إنما أصله بقلة يأكلها الدود ويفسدها السموم والبرد وتأكلها الماشية ويختلف حملها ولو جاز هذا جاز شراء أولاد الغنم وكل أنثى وكان إذا اشترى ولد شاة قد رآه جاز أن يشتري ولدها ثانية ولم يره وهذا لا يجوز أو رأيت إذا جنى القثاء أول مرة ألف قثاء وثانية خمسمائة وثالثة ألفا ثم انقطع أصله كيف تقدر الجائحة فيما لم يخلق بعد ؟ أعلى ثلث اجتنائه مثل الأول أو أقل بكم ؟ أو أكثر بكم ؟ أو رأيت إذا اختلف نباته كان ينبت في بلد أكثر منه في بلد وفي بلد واحد مرة أكثر منه في بلد مرارا كيف تقدر الجائحة فيه ؟ وكيف إن جعلنا لمن اشتراه كثير حمله مرة أيلزمه قليل حمله في أخرى إن كان حمله يختلف ؟ وقد يدخله الماء فيبلغ حمله أضعاف ما كان قبله ويخطئه فيقل عما كان يعرف ويتباين في حمله تباينا بعيدا ؟ قال في القياس أن يلزمه ما ظهر ولا يكون له أن يرجع بشيء قلت أفتقوله ؟ قال : نعم أقول قلت وكذلكتقول لو اشتريت صدفا فيه اللؤلؤ بدنانير فإن وجدت فيه لؤلؤة فهي لك ، وإن لم تجد فالبيع لازم ؟ قال نعم هكذا أقول في كل مخلوق إذا اشتريت ظاهره على ما خلق فيه ، وإن لم يكن فيه فلا شيء لي قلت وهكذا إن باعه هذا السنبل في التبن حصيدا ؟ قال نعم والسنبل حيث كان قلت وهكذا إذا اشترى منه بيضا ورائجا اشترى ذلك بما فيه فإن كان فاسدا أو جيدا فهو له ؟ قال لا أقوله قلت إذا تترك أصل قولك قال فإن قلت اجعل له الخيار في السنبل من العيب ؟ قال قلت والعيب يكون فيما وصفت قبله وفيه .
( قال ) : فإن قلت أجعل له الخيار قلت فإذا يكون لمن اشترى السنبل أبدا الخيار ; لأنه لا يعرف فيه خفة الحمل من كثرته ولا يصل إلى ذلك إلا بمؤنة لها إجارة فإن كانت الإجارة علي كانت علي في بيع لم يوفنيه ، وإن كانت على صاحبي كانت عليه ولي الخيار إذا رأيت الخفة في أخذه وتركه لأني ابتعت ما لم أر ولا يجوز له أبدا بيعه في سنبله كما وصفت .
( قال ) : فقال بعض من حضره ممن وافقه قد غلطت في هذا وقولك في هذا خطأ قال ومن أين ؟ قال أرأيت من اشترى السنبل بألف دينار أتراه أراد كمامه التي لا تسوى دينارا كلها ؟ قال فنقول أراد ماذا ؟ قال أقول أراد الحب قال فنقول لك أراد مغيبا ؟ قال نعم قال فنقول لك أفله الخيار إذا رآه ؟ قال نعم قال فنقول لك فعلى من حصاده ودراسه ؟ قال على المشتري قال فنقول لك فإن اختار رده أيرجع بشيء من الحصاد والدراس ؟ قال لا وله رده من عيب وغير عيب قال فنقول لك فإن أصابته آفة تهلكه قبل يحصده ؟ قال فيكون من المشتري ; لأنه جزاف متى شاء أخذه كما يبتاع الطعام جزافا فإن خلاه وإياه فهلك كان منه .
( قال الشافعي ) : فقلت له أراك حكمت بأن لمبتاعه الخيار كما يكون له الخيار إذا ابتاع بزا في عدل لم يره وجارية في بيت لم يرها أرأيت لو احترق العدل أو ماتت الجارية وقد خلى بينه وبينها أيكون عليه الثمن أو القيمة ؟ قال فلا أقول وأرجع فأزعم أنه من البائع حتى يراه المشتري ويرضاه قال فقلت له فعلى من مؤنته حتى يراه المشتري ؟ قلت أرأيت إن اشترى مغيبا أليس عليه عندك أن يظهره ؟ قال بلى قلت أفهذا عدل مغيب ؟ قال فإن قلته ؟ قلت أفتجعل ما لا مؤنة فيه من قمح في غرارة أو بزفي عدل وإحضار عبد غائب كمثل ما فيه مؤنة الحصاد والدراس ؟ قال لعلي أقوله قلت فاجعله كهو قال غيره منهم ليس كهو وإنما أجزناه بالأثر قلت وما الأثر ؟ قال يروى عن النبي [ ص: 51 ] صلى الله عليه وسلم قلت أيثبت قال لا وليس فيما لم يثبت حجة قال ولكنا نثبته عن أنس بن مالك قلنا ، وهو عن أنس بن مالك ليس كما تريد ولو كان ثابتا لاحتمل أن يكون كبيع الأعيان المغيبة يكون له الخيار إذا رآها قال وكل ثمرة كانت ينبت ؟ منها الشيء فلا يجنى حتى ينبت منها شيء آخر قبل أن يؤتى على الأول لم يجز بيعها أبدا إذا لم يتميز من النبات الأول الذي وقعت عليه صفقة البيع بأن يؤخذ قبل أن يختلط بغيره مما لم يقع عليه صفقة البيع وكل ثمرة وزرع دونها حائل من قشر أو كمام ، وكانت إذا صارت إلى مالكيها أخرجوها من قشرتها وكمامها بلا فساد عليها إذا أخرجوها فالذي اختار فيها أن لا يجوز بيعها في شجرها ولا موضوعه للحائل دونها .
فإن قال قائل وما حجة من أبطل البيع فيه ؟ قيل له إن شاء الله تعالى الحجة فيه أني لا أعلم أحدا يجيز أن يشتري رجل لحم شاة ، وإن ذبحت إذا كان عليها جلدها من قبل ما تغيب منه وتغيب الكمام الحب المتفرق الذي بينه حائل من حب الحنطة والفول والدخن وكل ما كان في قرن منه حب وبينه شيء حائل من الحب أكثر من تغييب الجلد للحم وذلك أن تغيب الجلد للحم إنما يجيء عن بعض عجفه وقد يكون للشاة مجسة تدل على سمانتها وعجفها ولكنها مجسة لا عيان ولا مجسة للحب في أكمامه تدل على امتلائه وضمره وذلك فيه كالسمانة والعجف ولا على عينه بالسواد والصفرة في أكمامه وهذا قد يكون في الحب ولا يكون هذا في لحم الشاة ; لأن الحياة التي فيها حائلة دون تغير اللحم بما يحيله كما تحول الحبة عن البياض إلى السواد بآفة في كمامها ، وقد يكون الكمام يحمل الكثير من الحب والقليل ويكون في البيت من بيوت القرن الحبة ولا حبة في الآخر الذي يليه وهما يريان لا يفرق بينهما ومختلف حبه بالضمرة والامتلاء والتغير فيكون كل واحد من المتبايعين قد تبايعا بما لا يعرفان .
( قال الشافعي ) : ولم أجد من أمر أهل العلم أن يأخذوا عشر الحنطة في أكمامها ولا عشر الحبوب ذوات الأكمام في أكمامها ولم أجدهم يجيزون أن يتبايعوا الحنطة بالحنطة في سنبلها كيلا ولا وزنا لاختلاف الأكمام والحب فيها فإذا امتنعوا من أخذ عشرها في أكمامها وإنما العشر مقاسمة عمن جعل له العشر وحق صاحب الزرع بهذا المعنى وامتنعوا من قسمتها بين أهلها في سنبلها أشبه أن يمتنعوا به في البيع ولم أجدهم يجيزون بيع المسك في أوعيته ولا بيع الحب في الجرب والغرائر ولا جعلوا لصاحبه خيار الرؤية ولم ير الحب ولو أجازوه جزافا فالغرائر لا تحول دونه كمثل ما يحول دونه أكمامه ويجعلون لمن اشتراه الخيار إذا رآه ومن أجاز بيع الحب في أكمامه لم يجعل له الخيار إلا من عيب ولم أرهم أجازوا بيع الحنطة في التبن محصودة ومن أجاز بيعها قائمة انبغى أن يجيز بيعها في التبن محصودة ومدروسة وغير منقاة ، وانبغى أن يجيز بيع حنطة وتبن في غرارة فإن قال لا تتميز الحنطة فتعرف من التبن فكذلك لا تتميز قائمة فتعرف في سنبلها فإن قال فأجيز بيع الحنطة في سنبلها وزرعها ; لأنه يملك الحنطة وتبنها وسنبلها لزمه أن يجز بيع حنطة في تبنها وحنطة في تراب وأشباه هذا . .
( قال الشافعي ) : وجدت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ زكاة حمل النخل بخرص لظهوره ولا حائل دونه
ولم أحفظ عنه ولا عن أحد من أهل العلم أن شيئا من الحبوب تؤخذ زكاته بخرص ولو احتاج إليه أهله رطبا ; لأنه لا يدرك علمه كما يدرك علم ثمرة النخل والعنب مع أشياء شبيهة بهذا
( قال ) : وبيع التمر فيه النوى جائز من قبل أن المشترى المأكول من التمر ظاهر وأن النواة تنفع وليس من شأن أحد أن يخرج النوى من التمر وذلك أن التمرة إذا جنيت منزوعة النوى تغيرت بالسناخ والضمر ففتحت فتحا ينقص لونها وأسرع إليها الفساد ولا يشبه الجوز والرطب من الفاكهة الميبسة وذلك أنها إذا رفعت في قشورها ففيها رطوبتان رطوبة النبات التي تكون قبل البلوغ ورطوبة لا تزايلها من لين الطباع لا يمسك تلك [ ص: 52 ] الرطوبة عليها إلا قشورها فإذا زايلتها قشورها دخلها اليبس والفساد بالطعم والريح وقلة البقاء وليس تطرح تلك القشور عنها إلا عند استعمالها بالأكل وإخراج الدهن وتعجيل المنافع ولم أجدها كالبيض الذي إن طرحت قشرته ذهب وفسد ولا إن طرحت ، وهي منضج لم تفسد والناس إنما يرفعون هذا لأنفسهم في قشره والتمر فيه نواه ; لأنه لا صلاح له إلا به وكذلك يتبايعونه وليس يرفعون الحنطة والحبوب في أكمامها ولا كذلك يتبايعونه في أسواقهم ولا قراهم وليس بفساد على الحبوب طرح قشورها عنها كما يكون فسادا على التمر إخراج نواه والجوز واللوز والرانج وما أشبهه يسرع تغيره وفساده إذا ألقي ذلك عنه وادخر وعلى الجوز قشرتان قشرة فوق القشرة التي يرفعها الناس عليه ، ولا يجوز بيعه وعليه القشرة العليا . :
ويجوز وعليه القشرة التي إنما يرفع ، وهي عليه ; لأنه يصلح بغير العليا ولا يصلح بدون السفلى ، وكذلك الرانج وكل ما كانت عليه قشرتان ، وقد قال غيري يجوز بيع كل شيء من هذا إذا يبس في سنبله ، ويروى فيه عن ابن سيرين أنه أجازه وروى فيه شيئا لا يثبت مثله عمن هو أعلى من ابن سيرين ولو ثبت اتبعناه ولكنا لم نعرفه ثبت والله تعالى أعلم ولم يجز في القياس إلا إبطاله كله والله تعالى أعلم
قال ويجوز بيع الجوز واللوز والرانج وكل ذي قشرة يدخره الناس بقشرته مما إذا طرحت عنه القشرة ذهبت رطوبته وتغير طعمه ويسرع الفساد إليه مثل البيض والموز في قشوره فإن قال قائل ما فرق بين ما أجزت في قشوره وما لم تجز منه ؟ قيل له إن شاء الله تعالى إن هذا لا صلاح له مدخورا إلا بقشرة ولو طرحت عنه قشرته لم يصلح أن يدخر وإنما يطرح الناس عنه قشرته عندما يريدون أكله أو عصر ما عصر منه وليست تجمع قشرته إلا واحدة منه أو توأما لواحد وأن ما على الحب من الأكمام يجمع الحب الكثير تكون الحبة والحبتان منها في كمام غير كمام صاحبتها فتكون الكمام منها ترى ولا حب فيها والأخرى ترى وفيها الحب ثم يكون مختلفا أو يدق عن أن يكون تضبط معرفته كما تضبط معرفة البيضة التي تكون ملء قشرتها والجوزة التي تكون ملء قشرتها واللوزة التي قلما تفصل من قشرتها لامتلائها وهذا إنما يكون فساده بتغير طعمه أو بأن يكون لا شيء فيه وإذا كان هكذا رد مشتريه بما كان فاسدا منه على بيعه وكان ما فسد منه يضبط والحنطة قد تفسد بما وصفت ويكون لها فساد بأن تكون مستحشفة ولو قلت أرده بهذا لم أضبطه ولم أخلص بعض الحنطة من بعض ; لأنها إنما تكون مختلطة وليس من هذا واحد يعرف فساده إلا وحده فيرد مكانه ولا يعرف فساد حب الحنطة إلا مختلفا وإذا اختلط خفي عليك كثير من الحب الفاسد فأجزت عليه بيع ما لم ير وما يدخله ما وصفت
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (113)
صــــــــــ 53 الى صـــــــــــ58
باب الخلاف في بيع الزرع قائما .
( قال الشافعي ) : رحمه الله فخالفنا في بيع الحنطة في سنبلها وما كان في معناها بعض الناس اجتمعوا على إجازتها وتفرقوا في الحبوب في بعض ما سألناهم عنه من العلة في إجازتها فقلت لبعضهم أتجيزها على ما أجزت عليه بيع الحنطة القائمة على الموضع الذي اشتريتها فيه أو حاضرة ذلك الموضع غائبة عن نظر المشتري بغرارة أو جراب أو وعاء ما كان أو طبق ؟ قال لا وذلك أني لو أجزتها لذلك المعنى جعلت له الخيار إذا رآها قلت فبأي معنى أجزتها ؟ قال بأنه ملك السنبلة فله ما كان مخلوقا فيها إن كان فيها خلق ما كان الخلق وبأي حال معيبا وغير معيب كما يملك الجارية فيكون له ولدان كان فيها وكانت ذات ولد أو لم تكن أو كان ناقصا أو معيبا لم أرده بشيء ولم أجعل له خيارا ، فقلت له أما ذوات الأولاد فمقصود بالبيع قصد أبدانهن يشترين للمنافع بهن وما وصفت في أولادهن كما وصفت وفي الشجر كما وصفت أفي السنبلة شيء يشترى غير المغيب فيكون المغيب لا حكم له كالولد وذات الولد والثمرة في الشجرة أم لا ؟ قال وما تعني بهذا ؟ قلت أرأيت إذا اشتريت ذات ولد أليس إنما تقع الصفقة عليها دون ولدها ؟ فكذلك ذات حمل من الشجر فإن أثمرت أو ولدت الأمة كان لك بأنه لا حكم له إلا حكم أمه ، ولا للثمر إلا حكم شجره ولا حصة لواحد منهما من الثمن ، وإن لم يكونا لم ينقص الثمن ، وإن كان مثمرا كثيرا وسالما أو لم يكن أو معيبا فللمشتري أفهكذا الحنطة عندك في أكمامها ؟ قال فإن قلت نعم ؟ قلت فما البيع ؟ قال فإن قلت ما ترى ؟ قلت فإن لم أجد فيما أرى شيئا قال يلزمني أن أقول يلزمه كالجارية إذا لم يكن في بطنها ولد وليس كهي ; لأن المشترى الأمة لا حملها والمشترى الحب لا أكمامه فهما مختلفان هنا ومخالف للجوز وما أشبهه ; لأن ادخار الحب بعد خروجه من أكمامه وادخار اللوز وشبهه بقشره فهذا يدخله ما وصفت وليس يقاس بشيء من هذا ولكنا اتبعنا الأثر ، قلت : لو صح لكنا أتبع له
باب بيع العرايا
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع التمر بالتمر } قال عبد الله وحدثنا زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا : أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار { عن إسماعيل الشيباني أو غيره قال بعت ما في رءوس نخلي بمائة وسق إن زاد فلهم ، وإن نقص فعليهم فسألت ابن عمر فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا إلا أنه أرخص في بيع العرايا } .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت { أن رسول الله صلى الله تعالى وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها } .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق } ، شك داود قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق .
( قال الشافعي ) : وقيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم هذه ؟ قال فلان وفلان وسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضول من قوتهم من التمر فرخص لهم أن يتبايعوا العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبا .
( قال ) : وحديث سفيان يدل على مثل هذا الحديث .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار قال سمعت سهل بن أبي حثمة يقول { نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا } .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة } والمزابنة بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا .
( قال الشافعي ) : والأحاديث قبله تدل عليه إذا كانت العرايا داخلة في بيع الرطب بالتمر ، وهو منهي عنه في المزابنة وخارجة من أن يباع مثلا بمثل بالكيل فكانت داخلة في معان منهي عنها كلها خارجة منه منفردة بخلاف حكمه إما بأن لم يقصد بالنهي قصدها وإما بأن أرخص فيها من جملة ما نهى عنه والمعقول فيها أن يكون أذن لمن لا يحل له أن يبتاع بتمر من النخل ما يستجنيه رطبا كما يبتاعه بالدنانير والدراهم فيدخل في معنى الحلال أو يزايل معنى الحرام وقوله صلى الله عليه وسلم { يأكلها أهلها رطبا } خبر أن مبتاع العرية يبتاعها ليأكلها يدل على أنه لا رطب له في موضعها يأكله غيرها ولو كان صاحب الحائط هو المرخص له أن يبتاع العرية ليأكلها كان له حائطه معها أكثر من العرايا فأكل من حائطه ولم يكن عليه ضرر إلى أن يبتاع العرية التي هي داخلة في معنى ما وصفت من النهي
( قال ) : ولا يبتاع الذي يشتري العرية بالتمر العرية إلا بأن تخرص العرية كما تخرص للعشر فيقال فيها الآن ، وهي رطب كذا وإذا تيبس كان كذا ويدفع من التمر مكيلة حرزها تمرا يؤدي ذلك إليه قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل دفعه فسد البيع وذلك أنه يكون حينئذ تمر بتمر أحدهما غائب والآخر حاضر وهذا محرم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أكثر فقهاء المسلمين .
( قال ) : { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تباع العرايا إلا في خمسة أوسق أو دونها } دلالة على ما وصفت من أنه إنما رخص فيها لمن لا تحل له وذلك أنه لو كان كالبيوع غيره كان بيع خمسة ودونها [ ص: 55 ] وأكثر منها سواء ولكنه أرخص له فيه بما يكون مأكولا على التوسع له ولعياله ومنع ما هو أكثر منه ولو كان صاحب الحائط المرخص له خاصة لأذى الداخل عليه الذي أعراه وكان إنما أرخص له لتنحية الأذى كان أذى الداخل عليه في أكثر من خمسة أوسق مثل أو أكثر من أذاه فيما دون خمسة أوسق فإذا حظر عليه أن يشتري إلا خمسة أوسق لزمه الأذى إذا كان قد أعرى أكثر من خمسة أوسق .
( قال ) : فمعنى السنة والذي أحفظ عن أكثر من لقيت ممن أجاز بيع العرايا أنها جائزة لمن ابتاعها ممن لا يحل له في موضعها مثلها بخرصها تمرا وأنه لا يجوز البيع فيها حتى يقبض النخلة بثمرها ويقبض صاحب النخلة التمر بكيله .
( قال ) : ولا يصلح أن يبيعها بجزاف من التمر . :
; لأنه جنس لا يجوز في بعضه ببعض الجزاف وإذا بيعت العرية بشيء من المأكول أو المشروب غير التمر فلا بأس أن يباع جزافا ولا يجوز بيعها حتى يتقابضا قبل أن يتفرقا ، وهو حينئذ مثل بيع التمر بالحنطة والحنطة بالذرة ولا يجوز أن يبيع صاحب العرية من العرايا إلا خمسة أوسق أو دونها وأحب إلي أن يكون المبيع دونها ; لأنه ليس في النفس منه شيء .
( قال ) : وإذا ابتاع خمسة أوسق لم أفسخ البيع ولم أقسط له ، وإن ابتاع أكثر من خمسة أوسق فسخت العقدة كلها ; لأنها وقعت على ما يجوز وما لا يجوز .
( قال ) : ولا بأس أن يبيع صاحب الحائط من غير واحد عرايا كلهم يبتاعون دون خمسة أوسق ; لأن كل واحد منهم لم يحرم على الافتراق للترخيص له أن يبتاع هذه المكيلة وإذا حل ذلك لكل واحد منهم لم يحرم على رب الحائط أن يبيع ماله وكان حلالا لمن ابتاعه ولو أتى ذلك على جميع حائطه .
( قال ) : والعرايا من العنب كهي من التمر لا يختلفان ; لأنهما يخرصان معا .
( قال ) : وكل ثمرة ظاهرة من أصل ثابت مثل الفرسك والمشمش والكمثرى والإجاص ونحو ذلك مخالفة للتمر والعنب ; لأنها لا تخرص لتفرق ثمارها والحائل من الورق دونها وأحب إلي أن لا تجوز بما وصفت ولو قال رجل هي ، وإن لم تخرص فقد رخص منها فيما حرم من غيرها أن يباع بالتحري فأجيزه كان مذهبا والله أعلم .
( قال ) : فإذا بيعت العرايا بمكيل أو موزون من المأكول أو المشروب لم يجز أن يتفرقا حتى يتقابضا والمعدود من المأكول والمشروب عندي بمنزلة المكيل والموزون ; لأنه مأكول وموزون يحل وزنه أو كيله وموجود من يزنه ويكيله وإذا بيعت بعرض من العروض موصوف بمثل ثوب من جنس يذرع . :
وخشبة من جنس يذرع وحديد موصوف يوزن وصفر وكل ما عدا المأكول والمشروب مما تقع عليه الصفقة من ذهب أو ورق أو حيوان وقبض المشتري العرية وسمى أجلا للثمن كان حلالا والبيع جائز فيها كهو في طعام موضوع ابتيع بعرض وقبض الطعام ولم يقبض العرض إما كان حالا فكان لصاحبه قبضه من بيعه متى شاء وإما كان إلى أجل فكان له قبضه منه عند انقضاء مدة الأجل .
( قال ) : ولا تباع العرايا بشيء من صنفه جزافا لاتباع عرية النخل بتمره جزافا ولا بتمر نخلة مثلها ولا أكثر ; لأن هذا محرم إلا كيلا بكيل إلا العرايا خاصة ; لأن الخرص فيها يقوم مقام الكيل بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويباع تمر نخلة جزافا بثمر عنبة وشجرة غيرها جزافا ; لأنه لا بأس بالفضل في بعض هذا على بعض موضوعا بالأرض والذي أذهب إليه أن لا بأس أن يبتاع الرجل العرايا فيما دون خمسة أوسق ، وإن كان موسرا ; لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أحلها فلم يستثن فيها أنها تحل لأحد دون أحد ، وإن كان سببها بما وصفت فالخبر عنه صلى الله عليه وسلم جاء بإطلاق إحلالها ولم يحظره على أحد فنقول يحل لك ولمن كان مثلك كما قال في الضحية بالجذعة تجزيك ولا تجزي غيرك وكما حرم الله عز وجل الميتة فلم يرخص فيها إلا للمضطر ، وهي بالمسح على الخفين أشبه إذ { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا فلم يحرم على مقيم أن يمسح } ، وكثير من الفرائض قد نزلت بأسباب قوم فكان لهم وللناس عامة إلا ما بين [ ص: 56 ] الله عز وجل أنه أحل لمعنى ضرورة أو خاصة .
( قال ) : ولا بأس إذا اشترى رجل عرية أن يطعم منها ويبيع ; لأنه قد ملك ثمرتها ولا بأس أن يشتريها في الموضع من له حائط بذلك الموضع لموافقة ثمرتها أو فضلها أو قربها ; لأن الإحلال عام لا خاص إلا أن يخص بخبر لازم .
( قال ) : وإن حل لصاحب العرية شراؤها حل له هبتها وإطعامها وبيعها وادخارها وما يحل له من المال في ماله وذلك أنك إذا ملكت حلالا حل لك هذا كله فيه وأنت ملكت العرية حلالا .
( قال ) : والعرايا ثلاثة أصناف هذا الذي وصفنا أحدها وجماع العرايا كل ما أفرد ليأكله خاصة ولم يكن في جملة البيع من ثمر الحائط إذا بيعت جملته من واحد والصنف الثاني . :
أن يخص رب الحائط القوم فيعطي الرجل ثمر النخلة وثمر النخلتين وأكثر عرية يأكلها وهذه في معنى المنحة من الغنم يمنح الرجل الرجل الشاة أو الشاتين أو أكثر ليشرب لبنها وينتفع به وللمعرى أن يبيع ثمرها ويتمره ويصنع فيه ما يصنع في ماله ; لأنه قد ملكه .
( قال ) : والصنف الثالث من العرايا أن يعري الرجل الرجل النخلة وأكثر من حائطه ليأكل ثمرها ويهديه ويتمره ويفعل فيه ما أحب ويبيع ما بقي من ثمر حائطه فتكون هذه مفردة من المبيع منه جملة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وقد روي أن مصدق الحائط يأمر الخارص أن يدع لأهل البيت من حائطهم قدر ما يراهم يأكلون ولا يخرصه ليأخذ زكاته ، وقيل قياسا على ذلك أنه يدع ما أعرى للمساكين منها فلا يخرصه وهذا موضوع بتفسيره في كتاب الخرص
باب العرية
( قال الشافعي ) : رحمه الله والعرية التي { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعها أن قوما شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يحضر وليس عندهم ما يشترون به من ذهب ولا ورق وعندهم فضول تمر من قوت سنتهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتروا العرية بخرصها تمرا يأكلونها رطبا } ولا تشتري بخرصها إلا كما { سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرص رطبا } فيقال مكيلته كذا وينقص كذا إذا صار تمرا فيشتريها المشتري لها بمثل كيل ذلك التمر ويدفعه إليه قبل أن يتفرقا فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فالبيع فاسد ولا يشتري من العرايا إلا أقل من خمسة أوسق بشيء ما كان فإذا كان أقل من خمسة أوسق جاز البيع وسواء الغني والفقير في شراء العرايا ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نهى عن بيع الرطب بالتمر والمزابنة والعرايا تدخل في جملة اللفظ ; لأنها جزاف بكيل وتمر برطب استدللنا على أن العرايا ليست مما نهي عنه غني ولا فقير ولكن كان كلامه فيها جملة عام المخرج يريد به الخاص وكما نهى عن صلاة بعد الصبح والعصر وكان عام المخرج ولما أذن في الصلاة للطواف في ساعات الليل والنهار وأمر من نسي صلاة أن يصليها إذا ذكرها ، فاستدللنا على أن نهيه ذلك العام إنما هو على الخاص ، والخاص أن يكون نهى عن أن يتطوع الرجل فأما كل صلاة لزمته فلم ينه عنه وكما قال { البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه } وقضى بالقسامة وقضى باليمين مع الشاهد فاستدللنا على أنه إنما أراد بجملة المدعي والمدعى عليه خاصا وأن اليمين مع الشاهد والقسامة [ ص: 57 ] استثناء مما أراد ; لأن المدعي في القسامة يحلف بلا بينة والمدعي مع الشاهد يحلف ويستوجبان حقوقهما والحاجة في العرية والبيع وغيرهما سواء .
( قال الشافعي ) : ولا تكون العرايا إلا في النخل والعنب ; لأنه لا يضبط خرص شيء غيره ولا بأس أن يبيع ثمر حائطه كله عرايا إذا كان لا يبيع واحدا منهم إلا أقل من خمسة أوسق .
باب الجائحة في الثمرة .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح } .
( قال الشافعي ) : سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثيرا في طول مجالستي له لا أحصي ما سمعته يحدثه من كثرته لا يذكر فيه أمر بوضع الجوائح لا يزيد على { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين ثم زاد بعد ذلك وأمر بوضع الجوائح } .
( قال الشافعي ) : قال سفيان وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلاما قبل وضع الجوائح لا أحفظه فكنت أكف عن ذكر وضع الجوائح لأني لا أدري كيف كان الكلام وفي الحديث أمر بوضع الجوائح .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثله .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة أنه سمعها تقول { ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وأقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع عنه فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب المال ، فأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : هو له } .
( قال الشافعي ) : قال سفيان في حديثه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضع الجوائح ما حكيت فقد يجوز أن يكون الكلام الذي لم يحفظه سفيان من حديث محمد يدل على أن أمره بوضعها على مثل أمره بالصلح على النصف وعلى مثل أمره بالصدقة تطوعا حضا على الخير لا حتما وما أشبه ذلك ويجوز غيره فلما احتمل الحديث المعنيين معا ولم يكن فيه دلالة على أيهما أولى به لم يجز عندنا أن نحكم والله أعلم على الناس بوضع ما وجب لهم بلا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت بوضعه .
( قال الشافعي ) : وحديث مالك عن عمرة مرسل وأهل الحديث ، ونحن لا نثبت مرسلا .
( قال الشافعي ) : ولو ثبت حديث عمرة كانت فيه والله تعالى أعلم دلالة على أن لا توضع الجائحة لقولها قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { تألى أن لا يفعل خيرا } ولو كان الحكم عليه أن يضع الجائحة لكان أشبه أن يقول ذلك لازم له حلف أو لم يحلف وذلك أن كل من كان عليه حق قيل هذا يلزمك أن تؤديه إذا امتنعت من حق فأخذ منك بكل حال .
( قال ) : وإذا اشترى الرجل الثمرة فخلى بينه وبينها فأصابتها جائحة فلا نحكم له على البائع أن يضع عنه من ثمنها شيئا .
( قال ) : ولو لم يكن سفيان وهن حديثه بما وصفت وثبتت السنة بوضع الجائحة وضعت كل قليل وكثير أصيب من السماء بغير جناية أحد عليه فأما أن يوضع الثلث فصاعدا ولا يوضع ما دون الثلث فهذا لا خبر ولا قياس ولا معقول .
( قال ) : ولو صرت إلى وضع الجائحة ما كانت الحجة فيها إلا اتباع الخبر لو ثبت ولا أقول قياسا على الدار إذا تكاراها سنة أو أقل فأقبضها على الكراء فتنهدم الدار ولم يمض من السنة إلا يوم أو قد [ ص: 58 ] مضت إلا يوم ، فلا يجب علي إلا إجارة يوم أو يجب علي إجارة سنة إلا يوم وذلك أن الذي يصل إلى منفعة الدار ما كانت الدار في يدي فإذا انقطعت منفعة الدار بانهدامها يجب علي كراء ما لم أجد السبيل إلى أخذه فإن قال قائل فما منعك أن تجعل ثمرة النخل قياسا على ما وصفت من كراء الدار وأنت تجيز بيع ثمر النخل فيترك إلى غاية في نخله كما تجيز أن يقبض الدار ويسكنها إلى مدة ؟ .
( قال الشافعي ) : فقيل له إن شاء الله تعالى الدار تكترى سنة ثم تنهدم من قبل تمام السنة مخالفة للثمرة تقبض من قبل أن سكناها ليس بعين ترى إنما هي بمدة تأتي فكل يوم منها يمضي بما فيه ، وهي بيد المكتري يلزمه الكراء فيه ، وإن لم يسكنها إذا خلى بينه وبينها والثمرة إذا ابتيعت وقبضت وكلها في يد المشتري يقدر على أن يأخذها كلها من ساعته ويكون ذلك له وإنما يرى تركه إياها اختيارا لتبلغ غاية يكون له فيها أخذه قبلها وقد يكون رطبا يمكنه أخذه وبيعه وتيبيسه فيتركه ليأخذه يوما بيوم ورطبا ليكون أكثر قيمة إذا فرقه في الأيام وأدوم لأهله فلو زعمت أني أضع الجائحة بعد أن يرطب الحائط كله أو أكثره ويمكن فيه أن يقطع كله فيباع رطبا ، وإن كان ذلك أنقص لمالك الرطب أو ييبس تمرا ، وإن كان ذلك أنقص على مالكه زعمت أني أضع عنه الجائحة ، وهو تمر وقد ترك قطعه وتمييزه في وقت يمكنه فيه إحرازه وخالفت بينه وبين الدار التي إذا ترك سكناها سنة لزمه كراؤها كما يلزمه لو سكنها ; لأنه ترك ما كان قادرا عليه .
( قال ) : ولو جاز أن يقاس على الدار بما وصفت جاز ذلك ما لم يرطب ; لأن ذلك ليس وقت منفعتها والحين الذي لا يصلح أن يتمر فيه ، وأما بعد ما يرطب فيختلفان .
( قال ) : وهذا مما أستخير الله فيه ولو صرت إلى القول به صرت إلى ما وصفت من وضع قبضة رطبا أو بسرا لو ذهب منه كما أصير إلى وضع كراء يوم من الدار لو انهدمت قبله وكما أصير إلى وضع قبضة حنطة لو ابتاع رجل صاعا فاستوفاه إلا قبضة فاستهلكه لم يلزمه ثمن ما لم يصل إليه ، ولا يجوز أن يوضع عنه الكثير بمعنى أنه لم يصل إليه ولا يوضع عنه القليل ، وهو في معناه ولو صرت إلى وضعها فاختلفا في الجائحة فقال البائع لم تصبك الجائحة أو قد أصابتك فأذهبت لك فرقا وقال المشتري بل أذهبت لي ألف فرق كان القول قول البائع مع يمينه ; لأن الثمن لازم للمشتري ولا يصدق المشتري على البراءة منه بقوله وعلى المشتري البينة بما ذهب له .
( قال ) : وجماع الجوائح كل ما أذهب الثمرة أو بعضها بغير جناية آدمي .
( قال ) : ويدخل على من وضع الجائحة من قبل أن المشتري لم يقبض الثمرة زعم وأن جناية الآدميين جائحة توضع ; لأني إذا وضعت الجائحة زعمت أن البائع لا يستحق الثمن إلا إذا قبضت كما لا يستحق الكراء إلا ما كانت السلامة موجودة في الدار ، وهي في يدي وكان البائع ابتاع مهلك الثمرة بقيمة ثمرته أو يكون لمشتري الثمرة الخيار بين أن يوضع عنه أو لا يوضع ويبيع مهلك ثمرته بما أهلك منها كما يكون له الخيار في عبد ابتاعه فجنى عليه قبل أن يقبضه وهذا قول فيه ما فيه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فإن قال فهل من حجة لمن ذهب إلى أن لا توضع الجائحة ؟ قيل نعم فيما روي والله أعلم من { نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى ينجو من العاهة ويبدو صلاحه وما نهى عنه من قوله أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه } ولو كان مالك الثمرة لا يملك ثمن ما اجتيح من ثمرته ما كان لمنعه أن يبيعها معنى إذا كان يحل بيعها طلعا وبلحا ويلقط ويقطع إلا أنه أمره ببيعها في الحين الذي الأغلب فيها أن تنجو من العاهة لئلا يدخل المشتري في بيع لم يغلب أن ينجو من العاهة ولو لم يلزمه ثمن ما أصابته الجائحة فجاز البيع على أنه يلزمه على السلامة ما ضر ذلك البائع والمشتري .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (114)
صــــــــــ 59 الى صـــــــــــ64
( قال ) : ولو ثبت الحديث في وضع الجائحة لم يكن في هذا حجة وأمضى الحديث على وجهه فإن قال قائل فهل روي في وضع الجائحة أو ترك وضعها شيء عن بعض [ ص: 59 ] الفقهاء ؟ قيل نعم لو لم يكن فيها إلا قول لم يلزم الناس فإن قيل فأبنه قيل أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار فيمن باع ثمرا فأصابته جائحة قال ما أرى إلا أنه إن شاء لم يضع قال سعيد يعني البائع .
( قال الشافعي ) : وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه باع حائطا له فأصابت مشتريه جائحة فأخذ الثمن منه ولا أدري أيثبت أم لا ؟ قال ومن وضع الجائحة فلا يضعها إلا على معنى أن قبضها قبض إن كانت السلامة ولزمه إن أصاب ثمر النخل شيء يدخله عيب مثل عطش يضمره أو جمح يناله أو غير ذلك من العيوب أن يجعل للمشتري الخيار في أخذه معيبا أو رده فإن كان أخذ منه شيئا فقدر عليه رده ، وإن فات لزمه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وقال يحسب عليه ما أخذ بحصته من الثمن ويرد ما بقي بما يلزمه من الثمن إلا أن يختار أن يأخذه معيبا فإن أصابته جائحة بعد العيب . :
رجع بحصته من الثمن ; لأن الجائحة غير العيب .
( قال ) : ولعله يلزمه لو غصب ثمرته قبل أن يقطعها أو تعدى فيها عليه وال فأخذ أكثر من صدقته . :
أن يرجع على البائع ; لأنه لم يسلم له كما لو باعه عبدا لم يقبضه أو عبيدا قبض بعضهم ولم يقبض بعضا حتى عدا عاد على عبد فقتله أو غصبه أو مات موتا من السماء كان للمشتري فسخ البيع وللبائع اتباع الغاصب والجاني بجنايته وغصبه ومات العبد الميت من مال البائع وكان شبيها أن يكون جملة القول فيه أن يكون الثمر المبيع في شجره المدفوع إلى مبتاعه من ضمان البائع حتى يستوفي المشتري ما اشترى منه لا يبرأ البائع من شيء منه حتى يأخذه المشتري أو يؤخذ بأمره من شجره كما يكون من ابتاع طعاما في بيت أو سفينة كله على كيل معلوم فما استوفى المشتري برئ منه البائع وما لم يستوف حتى يسرق أو تصيبه آفة فهو من مال البائع وما أصابه من عيب فالمشتري بالخيار في أخذه أو رده .
( قال ) : وينبغي لمن وضع الجائحة أن يضعها من كل قليل وكثير أتلفها ويخير المشتري إن تلف منها شيء أن يرد البيع أو يأخذ الباقي بحصته من الثمن ما لم يرطب النخل عامة فإذا أرطبه عامة حتى يمكنه جدادها لا يضع من الجائحة شيئا .
( قال ) : وكذلك كل ما أرطبت عليه فأصابتها جائحة انبغى أن لا يضعها عنه ; لأنه قد خلى بينه وبين قبضها ووجد السبيل إلى القبض بالجداد فتركه إذا تركه بعد أن يمكنه أن يجده فيها حتى يكون أصل قوله فيها أن يزعم أن الثمرة مضمونة من البائع حتى يجتمع فيها خصلتان أن يسلمها إلى المشتري ويكون المشتري قادرا على قبضها بالغة صلاحها بأن ترطب فتجد ، لا يستقيم فيه عندي قول غير هذا وما أصيب فيها بعد إرطابه من مال المشتري .
( قال ) : وهذا يدخله أن المشتري قابض قادر على القطع ، وإن لم يرطب من قبل أنه لو قطعه قبل أن يرطب كان قطع ماله ولزمه جميع ثمنه .
باب في الجائحة
( قال الشافعي ) : وإذا اشترى الرجل الثمر فقبضه فأصابته جائحة فسواء من قبل أن يجف أو بعد ما جف ما لم يجده وسواء كانت الجائحة ثمرة واحدة أو أتت على جميع المال لا يجوز فيها إلا واحد من قولين : إما أن يكون لما قبضها وكان معلوما أن يتركها إلى الجداد كان في غير معنى من قبض فلا يضمن إلا ما قبض كما يشتري الرجل من الرجل الطعام كيلا فيقبض بعضه ويهلك بعضه قبل أن يقبضه فلا يضمن ما هلك ; لأنه لم يقبضه ويضمن ما قبض وإما أن يكون إذا قبض الثمرة كان مسلطا عليها إن شاء قطعها ، وإن شاء تركها فما هلك في يديه فإنما هلك من ماله لا من مال البائع فأما ما يخرج من هذا [ ص: 60 ] المعنى فلا يجوز أن يقال يضمن البائع الثلث إن أصابته جائحة فأكثر ولا يضمن أقل من الثلث وإنما هو اشتراها بيعة واحدة وقبضها قبضا واحدا فكيف يضمن له بعض ما قبض ولا يضمن له بعضا ؟ أرأيت لو قال رجل لا يضمن حتى يهلك المال كله ; لأنه حينئذ الجائحة أو قال إذا هلك سهم من ألف سهم هل الحجة عليهما إلا ما وصفنا ؟ .
( قال الشافعي ) : والجائحة من المصائب كلها كانت من السماء أو من الآدميين .
( قال الشافعي ) : الجائحة في كل ما اشترى من الثمار كان مما ييبس أو لا ييبس وكذلك هي في كل شيء اشتري فيترك حتى يبلغ أوانه فأصابته الجائحة دون أوانه فمن وضع الجائحة وضعه ; لأن كلا لم يقبض بكمال القبض وإذا باع الرجل الرجل ثمرة على أن يتركها إلى الجذاذ ثم انقطع الماء وكانت لا صلاح لها إلا به فالمشتري بالخيار بين أن يأخذ جميع الثمرة بجميع الثمن وبين أن يردها بالعيب الذي دخلها فإن ردها بالعيب الذي دخلها وقد أخذ منها شيئا كان ما أخذ منها بحصته من أصل الثمن ، وإن اختلفا فيه فالقول قول المشتري وإذا ابتاع الرجل من الرجل ثمر حائط فالسقي على رب المال ; لأنه لا صلاح للثمرة إلا به وليس على المشتري منه شيء فإن اختلفا في السقي فأراد المشتري منه أكثر مما يسقي البائع لم ينظر إلى قول واحد منهما ويسأل أهل العلم به فإن قالوا لا يصلحه من السقي إلا كذا جبرت البائع عليه ، وإن قالوا في هذا صلاحه ، وإن زيد كان أزيد في صلاحه لم أجبر البائع على الزيادة على صلاحه وإذا اشترط البائع على المشتري أن عليه السقي . :
فالبيع فاسد من قبل أن السقي مجهول ولو كان معلوما أبطلناه من قبل أنه بيع وإجارة .
باب الثنيا .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ربيعة أن القاسم بن محمد كان يبيع ثمر حائطه ويستثني منه .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو أن جده محمد بن عمرو باع حائطا له يقال له الإفراق بأربعة آلاف واستثنى منه بثمانمائة درهم ثمرا أو تمرا أنا أشك .
( قال الربيع ) : أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة أنها كانت تبيع ثمارها وتستثني منها .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك حائطي إلا خمسين فرقا أو كيلا مسمى ما كان ؟ قال لا ، قال ابن جريج فإن قلت هي من السواد سواد الرطب قال لا .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال ، قلت لعطاء أبيعك نخلي إلا عشر نخلات أختارهن قال لا إلا أن نستثني أيهن هي قبل البيع تقول هذه وهذه .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء أيبيع الرجل نخله أو عنبه أو بره أو عبده أو سلعته ما كانت على أني شريكك بالربع وبما كان من ذلك ؟ قال لا بأس بذلك .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي بمائة دينار فضلا عن نفقة الرقيق ؟ فقال لا من قبل أن نفقة الرقيق مجهولة ليس لها وقت فمن ثم فسد .
( قال الشافعي ) : ما قال عطاء من هذا كله كما قال إن شاء الله ، وهو في معنى السنة والإجماع والقياس عليهما أو على أحدهما وذلك أنهلا يجوز بيع بثمن مجهول ، وإن اشترى حائطا بمائة دينار ونفقة الرقيق فالثمن مسمى غير معلوم والبيع فاسد وإذا [ ص: 61 ] باع ثمر حائطه واستثنى مكيلة منه فليس ما باع منه بمعلوم وقد يكون يستثني مدا ولا يدري كم المد من الحائط أسهم من ألف أم مائة سهم أم أقل أم أكثر فإذا استثنى منه كيلا لم يكن ما اشترى منه بجزاف معلوم ولا كيل مضمون ولا معلوم وقد تصيبه الآفة فيكون المد نصف ثمر الحائط وقد يكون سهما من ألف سهم منه حين باعه وهكذا إذا استثنى عليه نخلات يختارهن أو يتشررهن فقد يكون في الخيار والشرار النخل بعضه أكثر ثمنا من بعض وخيرا منه بكثرة الحمل وجودة الثمر فلا يجوز أن يستثني من الحائط نخلا لا بعدد ولا كيل بحال ولا جزءا إلا جزءا معلوما ولا نخلا إلا نخلا معلوما .
( قال ) : وإن باعه الحائط إلا ربعه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه أو الحائط إلا نخلات يشير إليهن فإنما وقعت الصفقة على ما لم يستثن فكان الحائط فيه مائة نخلة استثنى منهن عشر نخلات فإنما وقعت الصفقة على تسعين بأعيانهن وإذا استثنى ربع الحائط فإنما وقعت الصفقة على ثلاثة أرباع الحائط والبائع شريك بالربع كما يكون رجال لو اشتروا حائطا مع شركاء فيما اشتروا من الحائط بقدر ما اشتروا منه .
( قال ) : ولو باع رجل ثمر حائطه بأربعة آلاف واستثنى منه بألف فإن كان عقد البيع على هذا فإنما باعه ثلاثة أرباع الحائط فإن قال : أستثني ثمرا بالألف بسعر يومه لم يجز ; لأن البيع وقع غير معلوم للبائع ولا للمشتري ولا لواحد منهما .
( قال الشافعي ) : وهكذا من باع رجلا غنما قد حال عليها الحول أو بقرا أو إبلا فأخذت الصدقة منها فالمشتري بالخيار في رد البيع ; لأنه لم يسلم له ما اشترى كاملا أو أخذ ما بقي بحصته من الثمن ولكن إن باعه إبلا دون خمسة وعشرين فالبيع جائز وعلى البائع صدقة الإبل التي حال عليها الحول في يده ولا صدقة على المشتري فيها .
( قال ) : ومثل هذا الرجل يبيع الرجل العبد قد حل دمه عنده بردة أو قتل عمد أو حل قطع يده عنده في سرقة فيقتل فينفسخ البيع ويرجع بما أخذ منه أو يقطع فله الخيار في فسخ البيع أو إمساكه ; لأن العيوب في الأبدان مخالفة نقص العدد ولو كان المشتري كيلا معينا كان هكذا إذا كان ناقصا في الكيل أخذ بحصته من الثمن إن شاء صاحبه ، وإن شاء فسخ فيه البيع ولو قال أبيعك ثمر نخلات تختارهن لم يجز ; لأن البيع قد وقع على غير معلوم وليس يفسد إلا من هذا الوجه فأما أن يكون بيع ثمر بأكثر منه ، فهو لم يجب له شيء فكيف يبيع ما لم يجب له ولكنه لا يصلح إلا معلوما ؟
باب صدقة الثمر .
( قال الشافعي ) : رحمه الله الثمر يباع ثمران ثمر فيه صدقة وثمر لا صدقة فيه فأما الثمر الذي لا صدقة فيه فبيعه جائز لا علة فيه ; لأنه كله لمن اشتراه ، وأما ما بيع مما فيه صدقة منه فالبيع يصح بأن يقول أبيعك الفضل من ثمر حائطي هذا عن الصدقة وصدقته العشر أو نصف العشر إن كان يسقى بنضح فيكون كما وصفنا في الاستثناء كأنه باعه تسعة أعشار الحائط أو تسعة أعشار ثمره ونصف عشر ثمره .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء أبيعك ثمر حائطي هذا بأربعمائة دينار فضلا عن الصدقة فقال نعم ; لأن الصدقة ليست لك إنما هي للمساكين .
( قال الشافعي ) : ولو باعه ثمر حائطه وسكت عما وصفت من أجزاء الصدقة وكم قدرها كان فيه قولان أحدهما أن يكون المشتري بالخيار في أخذ ما جاوز الصدقة بحصته من ثمن الكل وذلك تسعة أعشار الكل أو [ ص: 62 ] تسعة أعشار ونصف عشر الكل أو يرد البيع ; لأنه لم يسلم إليه كل ما اشترى والثاني إن شاء أخذ الفضل عن الصدقة بجميع الثمن ، وإن شاء ترك .
( قال الربيع ) : وللشافعي فيه قول ثالث إن الصفقة كلها باطلة من قبل أنه باعه ما ملك وما لم يملك فلما جمعت الصفقة حرام البيع وحلال البيع بطلت الصفقة كلها .
( قال الشافعي ) : ولو قال بائع الحائط الصدقة علي ، لم يلزم البيع المشتري إلا أن يشاء وذلك أن على السلطان أخذ الصدقة من الثمرة التي في يده وليس عليه أن يأخذ بمكيلتها ثمرا من غيرها قال وكذلك الرطب لا يكون ثمرا ; لأن للسلطان أن يأخذ عشر الرطب فإن صار السلطان إلى أن يضمن عشر رطبه ثمرا مثل رطبه لو كان يكون تمرا أو اشترى المشتري بعدها رجوت أن يجوز الشراء فأما إن اشترى قبل هذا فهو كمن اشترى من ثمر حائط فيه العشر لما وصفت من أن يؤخذ عشره رطبا وإن من الناس من يقول يأخذ عشر ثمن الرطب ; لأنه شريك له فيه فإذا كان هذا هكذا فالبيع وقع على الكل ولم يسلم له وله في أحد القولين الخيار بين أن يأخذ تسعة أعشاره بتسعة أعشار الثمن أو رده كله .
( قال ) : ومن أصحابنا من أجاز البيع بينهما ، إن كان قد عرف المتبايعان معا أن الصدقة في الثمرة فإنما اشترى هذا وباع هذا الفضل عن الصدقة والصدقة معروفة عندهما .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال إن بعت ثمرك ولم تذكر الصدقة أنت ولا بيعك فالصدقة على المبتاع قال إنما الصدقة على الحائط قال هي على المبتاع قال ابن جريج فقلت له : إن بعته قبل أن يخرص أو بعدما يخرص ؟ قال نعم .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال في مثل ذلك مثل قول عطاء إنما هي على المبتاع .
( قال الشافعي ) : وما قالا من هذا كما قالا إنما الصدقة في عين الشيء بعينه فحيثما تحول ففيه الصدقة ألا ترى أن رجلا لو ورث أخذت الصدقة من الحائط وكذلك لو وهب له ثمره أو تصدق به عليه أو ملكه بوجه من الوجوه .
( قال ) : وقد قيل في هذا شيء آخر : إن الثمرة إذا وجبت فيها الصدقة ثم باعها فالصدقة في الثمرة والمبتاع مخير ; لأنه باعه ماله وما للمساكين في أخذ غير الصدقة بحصته من الثمن أو رد البيع .
( قال ) : وأما إذا وهبها أو تصدق بها أو ورث الثمرة عن أحد وقد أوجبت فيها الصدقة أو لم تجب فهذا كله مكتوب في كتاب الصدقات بتفريعه .
( قال ) : وقد قال غير من وصفت قوله الصدقة على البائع والبيع جائز والثمرة كلها للمبتاع .
( قال ) : وإذا كان للوالي أن يأخذ الصدقة من الثمرة فلم تخلص الثمرة له كلها ، وإن قال يعطيه رب الحائط ثمرا مثلها فقد أحال الصدقة في غير العين التي وجبت فيها الصدقة والعين موجودة .
( قال ) : ومن قال هذا القول فإنما يقول هو لو وجب عليه في أربعين دينارا دينار كان له أن يعطي دينارا مثله من غيرها وكذلك قوله في الماشية وصنوف الصدقة .
( قال ) : قول الله عز وجل { خذ من أموالهم صدقة } يدل على أنه إذا كان في المال صدقة والشرط من الصدقة فإنما يؤخذ منه لا من غيره فبهذا أقول ، وبهذا اخترت القول الأول من أن البيع لازم فيما لا صدقة فيه وغير لازم فيما فيه الصدقة إذا عرفت عرف البائع والمشتري ما يبيع هذا ويشتري هذا .
( قال ) : وإذا سمى البائع للمشتري الصدقة وعرفاها فتعدى عليه الوالي فأخذ أكثر من هذا فالوالي كالغاصب فيما جاوز الصدقة والقول فيها كالقول في الغاصب فمن لم يضع الجائحة قال هذا رجل ظلم ماله ولا ذنب على بائعه في ظلم غيره وقد قبض ما ابتاع ومن وضع الجائحة كان إنما يضعها بمعنى أنها غير تامة القبض يشبه أن يلزمه أن يضع عنه بقدر العدوان عليه ويخيره بعد العدوان في رد البيع أو أخذه بحصته من الثمن ; لأنه لم يسلم إليه كما باعه .
( قال الشافعي ) : فإن قال قائل المظلمة ليست بجائحة قيل وما معنى الجائحة ؟ أليس ما أتلف من مال الرجل - فالمظلمة [ ص: 63 ] إتلاف فإن قال ما أصاب من السماء قيل أفرأيت ما ابتعت فلم أقبضه فأصابه من السماء شيء يتلفه أليس ينفسخ البيع ؟ فإن قال بلى قيل فإن أصابه من الآدميين فأنا بالخيار بين أن أفسخ البيع أو آخذه وأتبع الآدمي بقيمته فإن قال نعم قيل فقد جعلت ما أصاب من السماء في أكثر من معنى ما أصاب من الآدميين أو مثله ; لأنك فسخت به البيع ، وإن قال إذا ملكته فهو منك ، وإن لم تقبضه فإذا هلك هلك منك بالثمرة قد ابتعتها وقبضتها فهي أولى أن لا توضع عني بتلف أصابها .
باب في المزابنة
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة } والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي سعيد الخدري أو أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة والمحاقلة } والمزابنة اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة والمحاقلة } والمزابنة اشتراء التمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة قال ابن شهاب فسألت عن استكراء الأرض بالذهب والفضة فقال لا بأس بذلك .
( قال الشافعي ) : والمحاقلة في الزرع كالمزابنة في التمر .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما المحاقلة قال المحاقلة في الحرث كهيئة المزابنة في النخل سواء بيع الزرع وبالقمح قال ابن جريج فقلت لعطاء أفسر لكم جابر في المحاقلة كما أخبرتني قال نعم .
قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم منصوصا والله تعالى أعلم ويحتمل أن يكون على رواية من هو دونه والله تعالى أعلم .
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة } والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة والمزابنة أن يبيع التمر في رءوس النخل بمائة فرق والمخابرة كراء الأرض بالثلث والربع .
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه أخبره عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا تعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر } .
أخبرنا الربيع قال أخبر الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء سمعت من جابر بن عبد الله خبرا أخبرنيه أبو الزبير عنه في الصبرة قال حسبت قال فكيف ترى أنت في ذلك فنهى عنه .
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس أخبره عن أبيه أنه كان يكره أن تباع صبرة بصبرة من طعام لا تعلم مكيلهما أو تعلم مكيلة إحداهما ولا تعلم مكيلة الأخرى أو تعلم مكيلتهما جميعا هذه بهذه وهذه بهذه قال لا إلا كيلا بكيل يدا بيد .
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج إنه قال لعطاء ما المزابنة قال التمر في النخل يباع بالتمر فقلت إن علمت مكيلة التمر أو لم تعلم قال نعم قال ابن جريج فقال إنسان لعطاء أفبالرطب قال سواء التمر والرطب ذلك مزابنة .
قال [ ص: 64 ] الشافعي وبهذا نقول إلا في العرايا التي ذكرناها قبل هذا قال وجماع المزابنة أن تنظر كل ما عقدت بيعه مما الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ربا فلا يجوز فيه شيء يعرف كيله بشيء منه جزافا لا يعرف كيله ولا جزاف منه بجزاف وذلك لأنه يحرم عليه أن يأخذه إلا كيلا بكيل وزنا بوزن يدا بيد فإذا كان جزافا بجزاف لم يستويا في الكيل وكذلك إذا كان جزافا بمكيل فلا بد أن يكون أحدهما أكثر وذلك محرم فيهما عندنا لا يجوز لأن الأصل أن لا يكونا إلا كيلا بكيل أو وزنا بوزن فكل ما عقد على هذا مفسوخ .
( قال ) : ولو تبايعا جزافا بكيل أو جزافا بجزاف من جنسه ثم تكايلا فكانا سواء كان البيع مفسوخا ; لأنه عقد غير معلوم أنه كيل بكيل .
( قال ) : ولو عقدا بيعهما على أن يتكايلا هذين الطعامين جميعا بأعيانهما مكيالا بمكيال فتكايلاه فكانا مستويين جاز ، وإن كانا متفاضلين ففيها قولان أحدهما أن للذي نقصت صبرته الخيار في رد البيع ; لأنه بيع كيل شيء فلم يسلم له ; لأنه لا يحل له أخذه أو رد البيع والقول الثاني أن البيع مفسوخ ; لأنه وقع على شيء بعضه حرام وبعضه حلال فالبيع مفسوخ وبهذا أقول والقول الذي حكيت ضعيف ليس بقياس إنما يكون له الخيار فيما نقص مما لا ربا في زيادة بعضه على بعض فأما ما فيه الربا فقد انعقد البيع على الكل فوجد البعض محرما أن يملك بهذه العقدة فكيف يكون له الخيار في أن يأخذ بعض بيعة وفيها حرام ؟ .
( قال ) : وما وصفت من المزابنة جامع لجميعها كاف من تفريعها ، ومن تفريعها أن أبتاع منك مائة صاع تمر بتمر مائة نخلة لي أو أكثر أو أقل . :
فهذا مفسوخ من وجهين : أحدهما : أنه رطب بتمر وجزاف بكيل من جنسه ومن ذلك أن آخذ منك تمرا لا أعرف كيله بصاع تمر أو بصبرة تمر لا أعرف كيلها ; لأن الأصل أنه محرم الفضل في بعضه على بعض وأنه لم يبح إلا مثلا بمثل يدا بيد .
( قال ) : وهكذا هذا في الحنطة وكل ما في الفضل في بعضه على بعض الربا .
( قال ) : فأما ثمر نخل بحنطة مقبوضة كيلا . :
أو صبرة تمر بصبرة حنطة أو صنف بغير صنفه جزاف بكيل أو كيل بجزاف يدا بيد مما لا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد فلا بأس .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (115)
صــــــــــ 65 الى صـــــــــــ70
( قال ) : فأما الرجل يقول للرجل وعنده صبرة تمر له أضمن لك هذه الصبرة بعشرين صاعا فإن زادت على عشرين صاعا فلي فإن كانت عشرين فهي لك ، وإن نقصت من عشرين فعلي إتمام عشرين صاعا لك فهذا لا يحل من قبل أنه من أكل المال بالباطل الذي وصفت قبل هذا وهذا بالمخاطرة والقمار أشبه وليس من معنى المزابنة بسبيل ليس المزابنة إلا ما وصفت لا تجاوزه .
( قال ) : وهذا جماعه ، وهو كاف من تفريعه ، ومن تفريعه ما وصفت فأما أن يقول الرجل للرجل عد قثاءك أو بطيخك هذا المجموع فما نقص من مائة فعلي تمام مائة مثله وما زاد فلي أو اقطع ثوبك هذا قلانس أو سراويلات على قدر كذا ، فما نقص ، من كذا وكذا قلنسوة أو سراويل فعلي وما زاد فلي أو اطحن حنطتك هذه فما زاد على مد دقيق فلي وما نقص فعلي فهذا كله مخالف للمزابنة ومحرم من أنه أكل المال بالباطل ، لا هو تجارة عن تراض ، ولا هو شيء أعطاه مالك المال المعطى ، وهو يعرفه فيؤخر فيه أو يحمد ولا هو شيء أعطاه إياه على منفعة فأخذها منه ولا على وجه خير من الوجه المأذون فيه دون غيره الذي هو من وجوه البر قال ولا بأس بثمر نخلة بثمر عنبة أو بثمر فرسكة كلاهما قد طابت كان ذلك موضوعا بالأرض أو في شجرة أو بعضه موضوعا بالأرض إذا خالفه وكان الفضل يحل في بعضه على بعض حالا وكان يدا بيد فإن [ ص: 65 ] دخلت النسيئة فسد أو تفرقا بعد البيع قبل أن يتقابضا فسد البيع
( قال ) : وكذلك لا بأس أن يبيع ثمر نخلة في رأسها بثمر شجرة فرسك في رأسها أو يبيع ثمر نخلة في رأسها بفرسك موضوع في الأرض أو يبيع رطبا في الأرض بفرسك موضوع في الأرض جزافا .
( قال ) : وجماعه أن تبيع الشيء بغير صنفه يدا بيد كيف شئت .
( قال الشافعي ) : وما كان بصفة واحدة لم يحل إلا مثلا بمثل كيلا بكيل وزنا بوزن يدا بيد ولا يتفرقان حتى يتقابضا ولا يباع منه رطب بيابس ولا رطب يبس برطب إلا العرايا خاصة .
( قال الشافعي ) : وكذلك لا يجوز أن يدخل في صفقة شيئا من الذي فيه الربا في الفضل في بعضه على بعض يدا بيد ومن ذلك أن يشتري صبرة تمر مكيلة أو جزافا بصبرة حنطة مكيلة أو جزافا ومع الحنطة من التمر قليل أو كثير وذلك أن الصفقة في الحنطة تقع على حنطة وتمر بتمر وحصة التمر غير معروفة من قبل أنها إنما تكون بقيمتها والحنطة بقيمتها والتمر بالتمر لا يجوز إلا معلوما كيلا بكيل .
باب وقت بيع الفاكهة .
( أخبرنا الربيع ) : قال .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وقت بيع جميع ما يؤكل من ثمر الشجر أن يؤكل من أوله الشيء ويكون آخره قد قارب أوله كمقاربة ثمر النخل بعضه لبعض فإذا كان هكذا حل بيع ثمرته الخارجة فيه مرة واحدة والشجر منه الثابت الأصل كالنخل لا يخالفه في شيء منه إلا في شيء سأذكره يباع إذا طاب أوله الكمثرى والسفرجل والأترج والموز وغيره إذا طاب منه الشيء الواحد فبلغ أن ينضج بيعت ثمرته تلك كلها قال ، وقد بلغني أن التين في بعض البلدان ينبت منه الشيء اليوم ثم يقيم الأيام ثم ينبت منه الشيء بعد حتى يكون ذلك مرارا والقثاء والخربز حتى يبلغ بعضه وفي موضعه من شجر القثاء والخربز ما لم يخرج فيه شيء فكان الشجر يتفرق مع ما يخرج فيه ، ولم يبع ما لم يخرج فيه فإن كان لا يعرف لم يجز بيعه لاختلاط المبيع منه بغير المبيع فيصير المبيع غير معلوم فيأخذ مشتريه كله أو ما حمل مما لم يشتر فإن بيع ، وهو هكذا فالبيع مفسوخ .
( قال الشافعي ) : في موضع آخر إلا أن يشاء البائع أن يسلم ما زاد على ما باع فيكون قد أعطاه حقه وزاده قال فينظر من القثاء والخربز في مثل ما وصفت من التين فإن كان ببلد يخرج الشيء منه في جميع شجره فإذا ترك في شجره لتتلاحق صغاره خرج من شجره شيء منه كان كما وصفت في التين إن استطيع تمييزه جاز ما خرج أولا ولم يدخل ما خرج بعده في البيع ، وإن لم يستطع تمييزه لم يجز فيه البيع بما وصفت قال ، وإن حل بيع ثمرة من هذا الثمر نخل أو عنب أو قثاء أو خربز أو غيره لم يحل أن تباع ثمرتها التي تأتي بعدها بحال فإن قال قائل : ما الحجة في ذلك ؟ قلنا لما { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين ونهى عن بيع الغرر ونهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه } كان بيع ثمرة لم تخلق بعد أولى في جميع هذا .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو عن جابر قال نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة ، قال فإذا { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل والتمر بلحا شديدا لم تر فيه صفرة } ; لأن العاهة قد تأتي [ ص: 66 ] عليه كان بيع ما لم ير منه شيء قط من قثاء أو خربز أدخل في معنى الغرر ، وأولى أن لا يباع مما قد رئي فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعه وكيف يحرم أن يباع قثاء أو خربز حين بدا قبل أن يطيب منه شيء وقد روى رجل أن يبتاع ولم يخلق قط ؟ وكيف أشكل على أحد أنه لا يكون بيع أبدا أولى بالغرر من هذا البيع ؟ الطائر في السماء ، والعبد الآبق ، والجمل الشارد ، أقرب من أن يكون الغرر فيه أضعف من هذا ; ولأن ذلك شيء قد خلق وقد يوجد وهذا لم يخلق بعد . وقد يخلق فيكون غاية في الكثرة ، وغاية في القلة وفيما بين الغايتين منازل . أو رأيت إن أصابته الجائحة بأي شيء يقاس ؟ أبأول حمله فقد يكون ثانيه أكثر وثالثه فقد يختلف ويتباين فهذا عندنا محرم بمعنى السنة والأثر والقياس عليهما والمعقول ، والذي يمكن من عيوبه أكثر مما حكينا وفيما حكينا كفاية إن شاء الله تعالى .
( قال ) : فكل ما كيل من هذا أو وزن أو بيع عددا كما وصفت في الرطب بالتمر لا يحل التمر منه برطب ولا جزاف منه بكيل ولا رطب برطب عندي بحال ولا يحل إلا يابسا بيابس ، كيلا بكيل أو ما يوزن وزنا بوزن ، ولا يجوز فيه عدد لعدد ، ولا يجوز أصلا إذا كان شيء منه رطبا يشتري بصنفه رطب فرسك بفرسك ، وتبن بتبن ، وصنف بصنفه ، فإذا اختلف الصنفان فبعه كيف شئت يدا بيد ، جزافا بكيل ، ورطبا بيابس ، وقليله بكثيره ، لا يختلف هو ، وما وصفت من ثمر النخل والعنب في هذا المعنى ، ويختلف هو وثمر النخل والعنب في العرايا ، ولا يجوز في شيء سوى النخل ، والعنب العرية بما يجوز فيه بيع العرايا من النخل والعنب ، لا يجوز أن يشتري ثمر تينة في رأسها بمكيلة من التين موضوعا بالأرض ، ولا يجوز أن يشتري من غير تينة في رأسها بثمر منها يابس موضوع بالأرض ولا في شجره أبدا جزافا ولا كيلا ولا بمعنى ، فإن قال قائل فلم لم تجزه ؟ قلت ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سن الخرص في التمر ، والعنب وفيهما أنهما مجتمعا التمر لا حائل دونه يمنع الإحاطة وكان يكون في المكيال مستجمعا كاستجماعه في نبته كان له معان لا يجمع أحد معانيه شيء سواه وغيره ، وإن كان يجتمع في المكيال فمن فوق كثير منه حائل من الورق ولا يحيط البصر به ، وكذلك الكمثرى وغيره ، وأما الأترج الذي هو أعظمه فلا يجتمع في مكيال وكذلك الخربز ، والقثاء ، وهو مختلف الخلق لا يشبههما وبذلك لم يجتمع في المكيال ولا يحيط به البصر إحاطته بالعنب ، والتمر ولا يوجد منه شيء يكون مكيلا يخرص بما في رءوس شجره لغلظه وتجافي خلقته عن أن يكون مكيلا ، فلذلك لم يصلح أن يباع جزافا بشيء منه كما يباع غيره من النخل ، والعنب إذا خالفه ، ومن أراد أن يبتاع منه شيئا فيستعريه ابتاعه بغير صنفه ثم استعراه كيف شاء .
باب ما ينبت من الزرع .
( قال الشافعي ) : رحمه الله كل ما كان من نبات الأرض بعضه مغيب فيها وبعضه ظاهر فأراد صاحبه بيعه لم يجز بيع شيء منه إلا الظاهر منه يجز مكانه ، فأما المغيب فلا يجوز بيعه ، وذلك مثل الجزر ، والفجل ، والبصل ، وما أشبهه فيجوز أن يباع ورقه الظاهر مقطعا مكانه ، ولا يجوز أن يباع ما في داخله ، فإن وقعت الصفقة عليه كله لم يجز البيع فيه إذا كان بيع نبات ، وبيع النبات بيع الإيجاب وذلك لو أجزت بيعه لم أجزه إلا على أحد معان إما على ما يجوز عليه بيع العين الغائبة فتلك إذا رآها المشتري فله الخيار في أخذها أو تركها ، فلو أجزت البيع على هذا فقلع جزرة أو فجلة ، أو بصلة ، [ ص: 67 ] فجعلت للمشتري الخيار كنت قد أدخلت على البائع ضررا في أن يقلع ما في ركيبه وأرضه التي اشترى ثم يكون له أن يرده من غير عيب فيبطل أكثره على البائع .
( قال ) : وهذا يخالف العبد يشترى غائبا والمتاع وذلك أنهما قد يريان فيصفهما للمشتري من يثق به فيشتريهما ثم يكون له خيار الرؤية فلا يكون على البائع ضرر في رؤية المشتري لهما كما يكون عليه ضرر فيما قلع من زرعه ولو أجزت بيعه على أن لم يكن فيه عيب لزم المشتري كان فيه الصغير والكبير والمختلف الخلقة فكان المشتري اشترى ما لم ير وألزمته ما لم يرض بشرائه قط ، ولو أجزته على أن يبيعه إياه على صفة موزونا كنت أجزت بيع الصفات غير مضمونة وإنما تباع الصفة مضمونة .
( قال ) : ولو أسلم إليه في شيء منه موصوف موزون ، فجاء به على الصفة جاز السلف ، وذلك أنه مأخوذ به يأتي به حيث شاء لا من أرض قد يخطئ زرعها ويصيب فلا يجوز في شيء من هذا بيع إلا بصفة مضمون موزون أو حتى يقلع فيراه المشتري .
( قال ) : ولا يشبه الجوز ، والبيض وما أشبهه هذا لا صلاح له في الأرض إلا بالبلوغ ثم يخرج فيبقى ما بقي منه ويباع ما لا يبقى مثل البقل ، وذلك لا صلاح له ، إلا ببقائه في قشره ، وذلك إذا رئي قشره استدل على قدره في داخله وهذا لا دلالة على داخله ، وإن رئي خارجه قد يكون الورق كبيرا والرأس صغيرا وكبيرا .
باب ما اشتري مما يكون مأكوله داخله .
( قال الشافعي ) : من اشترى رانجا ، أو جوزا ، أو لوزا ، أو فستقا أو بيضا فكسره فوجده فاسدا أو معيبا فأراد رده والرجوع بثمنه ففيها قولان : أحدهما : أن له أن يرده والرجوع بثمنه من قبل أنه لا يصل إلى معرفة عيبه وفساده ، وصلاحه إلا بكسره ، وإذا كان المقصود قصده بالبيع داخله فبائعه سلطه عليه ، وهذا قول .
( قال ) : ومن قال هذا القول انبغى أن يقول على المشتري الكاسر أن يرد القشر على البائع إن كانت له قيمة ، وإن قلت إن كان يستمتع به كما يستمتع بقشر الرانج ويستمتع بما سواه أو يرد فإن لم يفعل أقيم قشرها فكانت للقشر قيمة منه وداخله على أنه صحيح وطرح عنه حصة ما لم يرده من قشره من الثمن ويرجع بالباقي ولو كانت حصة القشر سهما من ألف سهم منه ، والقول الثاني إنه إذا كسره لم يكن له رده إلا أن يشاء البائع ، ويرجع بما بين قيمته صحيحا وقيمته فاسدا ، وبيض الدجاج كله لا قيمة له فاسدا ; لأن قشره ليس فيه منفعة فإذا كسره رجع بالثمن ، وأما بيض النعام فلقشرته ثمن فيلزم المشتري بكل حال ; لأن قشرتها ربما كانت أكثر ثمنا من داخلها ، فإن لم يرد قشرتها صحيحة رجع عليه بما بين قيمتها غير فاسدة وقيمتها فاسدة ، وفي القول الأول يردها ولا شيء عليه ; لأنه سلطه على سرها إلا أن يكون أفسدها بالكسر ، وقد كان يقدر على كسر لا يفسد ، فيرجع بما بين القيمتين ولا يردها .
( قال الشافعي ) : فأما القثاء والخربز وما رطب فإنه يذوقه بشيء دقيق من حديد أو عود فيدخله فيه فيعرف طعمه إن كان مرا أو كان الخربز حامضا فله رده ، ولا شيء عليه في نقبه في القولين ; لأنه سلطه على ذلك أو أكثر منه ولا فساد في النقب الصغير عليه . وكان يلزم من قال لا يرده [ ص: 68 ] إلا كما أخذه بأن يقول يرجع بما بين قيمته سالما من الفساد وقيمته فاسدا .
( قال ) : ولو كسرها لم يكن له ردها ورجع عليه بنقصان ما بين قيمته صحيحا وفاسدا ما كان ذلك الفضل إلا أن يشاء البائع أن يأخذه مكسورا . ويرد عليه الثمن ; لأنه قد كان يقدر على أن يصير إليه طعمه من ثقبه صحيحا ليس كالجوز لا يصل إلى طعمه من نقبه وإنما يصل إليه ريحه لا طعمه صحيحا فأما الدود فلا يعرف بالمذاقة فإذا كسره ووجد الدود كان له في القول الأول رده ، وفي القول الثاني الرجوع بفضل ما بين القيمتين . ولو اشترى من هذا شيئا رطبا من القثاء والخربز فحبسه حتى ضمر وتغير وفسد عنده ثم وجده فاسدا بمرارة أو دود كان فيه فإن كان فساده من شيء يحدث مثله عند المشتري فالقول قول البائع في فساده مع يمينه ، وذلك مثل البيض يقيم عند الرجل زمانا ثم يجده فاسدا وفساد البيض يحدث . والله تعالى أعلم .
مسألة بيع القمح في سنبله
أخبرنا الربيع قال : قلت للشافعي إن علي بن معبد روى لنا حديثا عن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز بيع القمح في سنبله إذا ابيض } ، فقال الشافعي : إن ثبت الحديث قلنا به فكان الخاص مستخرجا من العام ، لأن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر } ، وبيع القمح في سنبله غرر ; لأنه لا يرى ، وكذلك بيع الدار والأساس لا يرى ، وكذلك بيع الصبرة بعضها فوق بعض أجزنا ذلك كما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم فكان هذا خاصا مستخرجا من عام وكذلك نجيز بيع القمح في سنبله إذا ابيض إن ثبت الحديث كما أجزنا بيع الدار والصبرة .
باب بيع القصب والقرط .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في القصب لا يباع إلا جزة أو قال صرمة .
( قال الشافعي ) : وبهذا نقول ، لا يجوز أن يباع القرط إلا جزة واحدة عند بلوغ الجزاز ويأخذ صاحبه في جزازه عند ابتياعه فلا يؤخره مدة أكثر من قدر ما يمكنه جزازه فيه من يومه .
( قال الشافعي ) : فإن اشتراه ثابتا على أن يدعه أياما ليطول أو يغلط أو غير ذلك فكان يزيد في تلك الأيام فلا خير في الشراء ، والشراء مفسوخ ; لأن أصله للبائع وفرعه الظاهر للمشتري .
فإن كان يطول فيخرج من مال البائع إلى مال المشتري منه شيء لم يقع عليه صفقة البيع فيملكه كنت قد أعطيت المشتري ما لم يشتر ، وأخذت من البائع ما لم يبع منه أعطيته منه شيئا مجهولا - لا يرى بعين ولا يضبط بصفة ولا يتميز ما للبائع فيه مما للمشتري فيفسد من وجوه .
( قال ) : ولو اشتراه ليقطعه فتركه وقطعه له ممكن مدة يطول في مثلها كان البيع مفسوخا إذا كان على ما شرط في أصل البيع أن يدعه لما وصفت مما اختلط به من مال البائع مما لا يتميز ، كما لو اشترى حنطة جزافا وشرط له أنها إن انهال له عليها حنطة فهي داخلة في البيع فانهالت عليها حنطة للبائع لم يبعها انفسخ البيع فيها ; لأن ما اشترى لا يتميز ولا يعرف قدره مما لم يشتر فيعطي ما اشترى ويمنع ما لم يشتر ، وهو في هذا كله بائع شيء قد كان [ ص: 69 ] وشيء لم يكن غير مضمون على أنه إن كان دخل في البيع ، وإن لم يكن لم يدخل فيه وهذا البيع مما لا يختلف المسلمون في فساده ; لأن رجلا لو قال أبيعك شيئا إن نبت في أرضي بكذا فإن لم ينبت أو نبت قليلا لزمك الثمن منك مفسوخا ، وكذلك لو قال أبيعك شيئا إن جاءني من تجارتي بكذا ، وإن لم يأت لزمك الثمن .
( قال ) : ولكنه لو اشتراه كما وصفت وتركه بغير شرط أياما وقطعه يمكنه في أقل منها كان المشتري منه بالخيار في أن يدع له الفضل الذي له بلا ثمن أو ينقض البيع .
( قال ) : كما يكون إذا باعه حنطة جزافا فانهالت عليها حنطة له ، فالبائع بالخيار في أن يسلم ما باعه وما زاد في حنطته أو يرد البيع لاختلاط ما باع بما لم يبع .
( قال ) : وما أفسدت فيه البيع فأصاب القصب فيه آفة تتلفه في يدي المشتري فعلى المشتري ضمانه بقيمته وما أصابته آفة تنقصه فعلى المشتري ضمان ما نقصته والزرع لبائعه وعلى كل مشتر شراء فاسدا أن يرده كما أخذه أو خيرا مما أخذه وضمانه إن تلف وضمان نقصه إن نقص في كل شيء
باب حكم المبيع قبل القبض وبعده
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أما { الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض : الطعام } قال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله .
( قال الشافعي ) : وبهذا نأخذ ، فمن ابتاع شيئا كائنا ما كان فليس له أن يبيعه حتى يقبضه ، وذلك أن من باع ما لم يقبض فقد دخل في المعنى الذي يروي بعض الناس { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعتاب بن أسيد حين وجهه إلى أهل مكة انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا } .
( قال الشافعي ) : هذا بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن ، وهذا القياس على حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن بيع الطعام حتى يقبض } ، ومن ابتاع طعامه كيلا فقبضه أن يكتاله ومن ابتاعه جزافا فقبضه أن ينقله من موضعه إذا كان مثله ينقل ، وقد روى ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتبايعون الطعام جزافا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأمرهم بانتقاله من الموضع الذي ابتاعوه فيه إلى موضع غيره } ، وهذا لا يكون إلا لئلا يبيعوه قبل أن ينقل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (116)
صــــــــــ 71 الى صـــــــــــ76
( قال الشافعي ) : ومن ملك طعاما بإجازة بيع من [ ص: 71 ] البيوع فلا يبيعه حتى يقبضه ، ومن ملكه بميراث كان له أن يبيعه ، وذلك أنه غير مضمون على غيره بثمن ، وكذلك ما ملكه من وجه غير وجه البيع كان له أن يبيعه قبل أن يقبضه إنما لا يكون له بيعه إذا كان مضمونا على غيره بعوض يأخذه منه إذا فات ، والأرزاق التي يخرجها السلطان للناس يبيعها قبل أن يقبضها ولا يبيعها الذي يشتريها قبل أن يقبضها ; لأن مشتريها لم يقبض ، وهي مضمونة له على بائعها بالثمن الذي ابتاعه إياها به حتى يقبضها أو يرد البائع إليه الثمن ، ومن ابتاع من رجل طعاما فكتب إليه المشتري أن يقبضه له من نفسه فلا يكون الرجل قابضا له من نفسه ، وهو ضامن عليه حتى يقبضه المبتاع أو وكيل المبتاع غير البائع ، وسواء أشهد على ذلك أو لم يشهد ، وإذا وكل الرجل الرجل أن يبتاع له طعاما فابتاعه ثم وكله أن يبيعه له من غيره فهو بنقد لا بدين حتى يبيح له الدين فهو جائز كأنه هو ابتاعه وباعه ، وإن وكله أن يبيعه من نفسه لم يجز البيع من نفسه ، وإن قال قد بعته من غيري فهلك الثمن أو هرب المشتري فصدقه البائع فهو كما قال ، وإن كذبه فعليه البينة أنه قد باعه ، ولا يكون [ ص: 72 ] ضامنا لو هرب المشتري أو أفلس أو قبض الثمن منه فهلك ; لأنه في هذه الحالة أمين .
( قال الشافعي ) : ومن باع طعاما من نصراني فباعه النصراني قبل أن يستوفيه فلا يكيله له البائع حتى يحضر النصراني أو وكيله فيكتاله لنفسه .
( قال ) : ومن سلف في طعام ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه لم يجز ، وإن باع طعاما بصفة ونوى أن يقضيه من ذلك الطعام فلا بأس ; لأن له أن يقضيه من غيره ; لأن ذلك الطعام لو كان على غير الصفة لم يكن له أن يعطيه منه ، ولو قبضه وكان على الصفة كان له أن يحبسه ولا يعطيه إياه ، ولو هلك كان عليه أن يعطيه مثل صفة طعامه الذي باعه ( قال ) : ومن سلف في طعام أو باع طعاما فأحضر المشتري عند اكتياله من بائعه وقال أكتاله لك لم يجز ; لأنه بيع طعام قبل أن يقبض ، فإن قال : أكتاله لنفسي وخذه بالكيل الذي حضرت لم يجز ; لأنه باع كيلا فلا يبرأ حتى يكتاله من يشتريه ويكون له زيادته وعليه نقصانه ، وهكذا روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان } فيكون له زيادته وعليه نقصانه .
( قال الشافعي ) : ومن باع [ ص: 73 ] طعاما مضمونا عليه فحل عليه الطعام فجاء بصاحبه إلى طعام مجتمع فقال : أي طعام رضيت من هذا اشتريت لك فأوفيتك . كرهت ذلك له ، وإن رضي طعاما فاشتراه له فدفعه إليه بكيله لم يجز ; لأنه ابتاعه فباعه قبل أن يقبضه ، وإن قبضه لنفسه ثم كاله له بعد جاز ، وللمشتري له بعد رضاه به أن يرده عليه إن لم يكن من صفته وذلك أن الرضا إنما يلزمه بعض القبض .
( قال الشافعي ) : ومن حل عليه طعام فلا يعطي الذي له عليه الطعام ثمن طعام يشتري به لنفسه من قبل أنه لا يكون وكيلا لنفسه مستوفيا لها قابضا لها منها وليوكل غيره حتى يدفع إليه .
ومن اشترى طعاما فخرج من يديه قبل أن يستوفيه بهبة أو صدقة أو قضاه رجلا من سلف أو أسلفه آخر قبل أن يستوفيه فلا يبيعه أحد ممن صار إليه على شيء من هذه الجهات حتى يستوفيه من قبل أنه صار إنما يقبض عن المشتري كقبض وكيله .
( قال الشافعي ) : ومن كان بيده ثمر فباعه واستثنى شيئا منه بعينه فالبيع واقع على المبيع لا على المشترى والمستثنى على مثل ما كان في ملكه لم يبع قط ، فلا بأس أن يبيعه صاحبه ; لأنه لم يشتره إنما يبيعه على الملك الأول .
( قال الشافعي ) : ولا يصلح السلف حتى يدفع المسلف إلى المسلف الثمن قبل أن يتفرقا من مقامهما الذي تبايعا فيه وحتى يكون السلف بكيل معلوم بمكيال عامة يدرك علمه ولا يكون بمكيال خاصة إن هلك لم يدرك علمه أو بوزن عامة كذلك وبصفة معلومة جيد نقي وإلى أجل معلوم إن كان إلى أجل ويستوفى في موضع معلوم ويكون من أرض لا يخطئ مثلها أرض عامة لا أرض خاصة ويكون جديدا طعام عام أو طعام عامين ولا يجوز أن يقول أجود ما يكون من الطعام ; لأنه لا يوقف على حده ولا أردأ ما يكون ; لأنه لا يوقف على حده فإن الرديء يكون بالغرق وبالسوس وبالقدم فلا يوقف على حده ولا بأس بالسلف في الطعام حالا وآجلا ، إذا حل أن يباع الطعام بصفة إلى أجل كان حالا ، أو إلى أن يحل .
( قال الشافعي ) : وإن سلف رجل دنانير على طعام إلى آجال معلومة بعضها قبل بعض لم يجز عندي حتى يكون الأجل واحدا وتكون الأثمان متفرقة من قبل أن الطعام الذي إلى الأجل القريب أكثر قيمة من الطعام الذي إلى الأجل البعيد ، وقد أجازه غيري على مثل ما أجاز عليه ابتياع العروض المتفرقة ، وهذا مخالف للعروض المتفرقة ; لأن العروض المتفرقة نقد وهذا إلى أجل ، والعروض شيء متفرق وهذا من شيء واحد .
( قال الشافعي ) : وإذا ابتاع الرجلان طعاما مضمونا موصوفا حالا أو إلى أجل فتفرقا قبل أن يقبض الثمن فالبيع مفسوخ ; لأن هذا دين بدين .
( قال الشافعي ) : وإن اشترى الرجل طعاما موصوفا مضمونا عند الحصاد وقبل الحصاد وبعده فلا بأس ، وإذا اشترى منه من طعام أرض بعينها غير موصوف فلا خير فيه ; لأنه قد يأتي جيدا أو رديئا .
( قال ) : وإن اشتراه منه من الأندر مضمونا عليه فلا خير فيه ; لأنه قد يهلك قبل أن يذريه .
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالسلف في الطعام إلى سنة قبل أن يزرع إذا لم يكن في زرع بعينه
( قال الشافعي ) : ولا خير في السلف في الفدادين القمح ولا في القرط ; لأن ذلك يختلف
( قال الشافعي ) : ومن سلف رجلا في طعام يحل فأراد الذي عليه الطعام أن يحيل صاحب الطعام على رجل له عليه طعام مثله من بيع ابتاعه منه فلا خير فيه ، وهذا هو نفس بيع الطعام قبل أن يقبض ، ولكنه إن أراد أن يجعله وكيلا يقبض له الطعام فإن هلك في يديه كان أمينا فيه ، وإن لم يهلك وأراد أن يجعله قضاء جاز .
( قال ) : وكذلك لو ابتاع منه طعاما فحل فأحاله على رجل له عليه طعام أسلفه إياه من قبل أن أصل ما كان له عليه بيع والإحالة بيع منه له بالطعام الذي عليه بطعام على غيره
( قال الشافعي ) : ومن ابتاع طعاما بكيل فصدقه المشتري بكيله فلا يجوز إلى أجل ، وإذا قبض الطعام فالقول في كيل الطعام قول القابض مع يمينه ، وإن ذكر نقصانا كثيرا أو قليلا أو زيادة قليلة أو كثيرة ، وسواء [ ص: 74 ] اشتراه بالنقد كان أو إلى أجل ، وإنما لم أجز هذا لما وصفت من حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وإني ألزم من شرط لرجل شرطا من كيل أو صفة أن يوفيه شرطه بالكيل والصفة فلما شرط له الكيل لم يجز إلا أن يوفيه شرطه ، فإن قال قائل فقد صدقه فلم لا يبرأ كما يبرأ من العيب ؟ قيل لو كان تصديقه يقوم مقام الإبراء من العيب فشرط له مائة فوجد فيه واحدا لم يكن له أن يرجع عليه بشيء كما يشترط له السلامة فيجد العيب فلا يرجع عليه به إذا أبرأه منه .
( قال الشافعي ) : وإذا ابتاع الرجل الطعام كيلا لم يكن له أن يأخذه وزنا إلا أن ينقض البيع الأول ويستقبل بيعا بالوزن وكذلك لا يأخذه بمكيال إلا بالمكيال الذي ابتاعه به إلا أن يكون يكيله بمكيال معروف مثل المكيال الذي ابتاعه به فيكون حينئذ إنما أخذه بالمكيال الذي ابتاعه به ، وسواء كان الطعام واحدا أو من طعامين مفترقين وهذا فاسد من وجهين : أحدهما أنه أخذه بغير شرطه ، والآخر أنه أخذه بدلا قد يكون أقل أو أكثر من الذي له والبدل يقوم مقام البيع وأقل ما فيه أنه مجهول لا يدرى أهو مثل ما له أو أقل أو أكثر ؟ .
( قال الشافعي ) : ومن سلف في حنطة موصوفة فحلت فأعطاه البائع حنطة خيرا منها بطيب نفسه أو أعطاه حنطة شرا منها فطابت نفس المشتري فلا بأس بذلك وكل واحد منهما متطوع بالفضل وليس هذا بيع طعام بطعام ، ولو كان أعطاه مكان الحنطة شعيرا أو سلتا أو صنفا غير الحنطة لم يجز ، وكان هذا بيع طعام بغيره قبل أن يقبض ، وهكذا التمر وكل صنف واحد من الطعام .
( قال الشافعي ) : ومن سلف في طعام إلى أجل فعجله قبل أن يحل الأجل طيبة به نفسه مثل طعامه أو شرا منه فلا بأس ، ولست أجعل للتهمة أبدا موضعا في الحكم إنما أقضي على الظاهر .
( قال الشافعي ) : ومن سلف في قمح فحل الأجل فأراد أن يأخذ دقيقا أو سويقا فلا يجوز ، وهذا فاسد من وجهين : أحدهما : أني أخذت غير الذي أسلفت فيه ، وهو بيع الطعام قبل أن يقبض ، وإن قيل هو صنف واحد فقد أخذت مجهولا من معلوم فبعت مد حنطة بمد دقيق ولعل الحنطة مد وثلث دقيق ويدخل السويق في مثل هذا ، ومن سلف في طعام فحل فسأل الذي حل عليه الطعام الذي له الطعام أن يبيعه طعاما إلى أجل ليقبضه إياه فلا خير فيه إن عقدا عقد البيع على هذا من قبل أنا لا نجيز أن يعقد على رجل فيما يملك أن يمنع منه أن يصنع فيه ما يصنع في ماله ; لأن البيع ليس بتام ، ولو أنه باعه إياه بلا شرط بنقد أو إلى أجل فقضاه إياه فلا بأس ، وهكذا لو باعه شيئا غير الطعام ، ولو نويا جميعا أن يكون يقضيه ما يبتاع منه بنقد أو إلى أجل لم يكن بذلك بأس ما لم يقع عليه عقد البيع .
( قال الشافعي ) : وهكذا لو أسلفه في طعام إلى أجل فلما حل الأجل قال له بعني طعاما بنقد أو إلى أجل حتى أقضيك فإن وقع العقد على ذلك لم يجز ، وإن باعه على غير شرط فلا بأس بذلك كان البيع نقدا أو إلى أجل .
( قال الشافعي ) : ومن سلف في طعام فقبضه ثم اشتراه منه الذي قضاه إياه بنقد أو نسيئة إذا كان ذلك بعد القبض فلا بأس ; لأنه قد صار من ضمان القابض وبرئ المقبوض منه ، ولو حل طعامه عليه فقال له : اقضني على أن أبيعك فقضاه مثل طعامه أو دونه لم يكن بذلك بأس وكان هذا موعدا وعده إياه إن شاء وفى له به ، وإن شاء لم يف ، ولو أعطاه خيرا من طعامه على هذا الشرط لم يجز ; لأن هذا شرط غير لازم ، وقد أخذ عليه فضلا لم يكن له والله أعلم
[ ص: 75 ] باب النهي عن بيع الكراع والسلاح في الفتنة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى تعالى أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحا في الظاهر لم أبطله بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين وأجزته بصحة الظاهر وأكره لهما النية إذا كانت النية لو أظهرت كانت تفسد البيع ، وكماأكره للرجل أن يشتري السيف على أن يقتل به ولا يحرم على بائعه أن يبيعه ممن يراه أنه يقتل به ظلما ; لأنه قد لا يقتل به ولا أفسد عليه هذا البيع ، وكما أكره للرجل أن يبيع العنب ممن يراه أنه يعصره خمرا ولا أفسد البيع إذا باعه إياه ; لأنه باعه حلالا ، وقد يمكن أن لا يجعله خمرا أبدا ، وفي صاحب السيف أن لا يقتل به أحدا أبدا ، وكما أفسد نكاح المتعة .
ولو نكح رجل امرأة عقدا صحيحا ، وهو ينوي أن لا يمسكها إلا يوما أو أقل أو أكثر لم أفسد النكاح إنما أفسده أبدا بالعقد الفاسد .
باب السنة في الخيار
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس ببيع الطعام كله جزافا ما يكال منه وما يوزن وما يعد ، كان في وعاء أو غير وعاء ، إلا أنه إذا كان في وعاء فلم ير عينه فله الخيار إذا رآه .
( قال الربيع ) : رجع الشافعي فقال : ولا يجوز بيع خيار الرؤية ولا بيع الشيء الغائب بعينه ; لأنه قد يتلف ولا يكون عليه أن يعطيه غيره ، ولو باعه إياه جزافا على الأرض ، فلما انتقل وجده مصبوبا على دكان أو ربوة أو حجر كان هذا نقصا يكون للمشتري فيه الخيار إن شاء أخذه ، وإن شاء رده ، ولا بأس بشراء نصف الثمار جزافا ويكون المشتري بنصفها شريكا للذي له النصف الآخر ، ولا يجوز إذا أجزنا الجزاف في الطعام نسيئة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يجوز الجزاف في كل شيء من رقيق وماشية وغير ذلك ، إلا أن للمشتري الخيار في كل واحد منهم إذا رآه والرد بالعيب من قبل أن كل واحد منهم غير الآخر والمكيل والموزون من الطعام إذا كان من صنف واحد كاد أن يكون مشتبها
( قال ) : ولا بأس أن يقول الرجل : أبتاع منك جميع هذه الصبرة كل إردب بدينار ، ، وإن قال أبتاع منك هذه الصبرة كل إردب بدينار على أن تزيدني ثلاثة أرادب ، أو على أن أنقصك منها إردبا فلا خير فيه من قبل أني لا أدري كم قدرها فأعرف الإردب الذي نقص كم هو منها ، والأرادب التي زيدت كم هي عليها
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن أبتاع منك جزافا ولا كيلا ولا عددا ولا بيعا كائنا ما كان على أن أشتري منك مدا بكذا ، وعلى أن تبيعني كذا ، بكذا حاضرا كان ذلك أو غائبا ، مضمونا كان ذلك أو غير مضمون ، وذلك من بيعتين في بيعة ومن أني إذا اشتريت منك عبدا بمائة على أن أبيعك دارا بخمسين فثمن العبد مائة وحصته من الخمسين من الدار مجهولة ، وكذلك ثمن الدار خمسون وحصته من العبد مجهولة ، ولا خير في الثمن إلا معلوما
( قال الشافعي ) : وإن كان قد علم كيله ثم انتقض منه شيء قل أو كثر إلا أنه لا يعلم مكيلة ما انتقص فلا أكره له بيعه جزافا .
( قال الشافعي ) : ومن كان له على رجل طعام حالا من غير بيع فلا بأس أن يأخذ به شيئا من غير صنفه إذا تقابضا من قبل أن يتفرقا من ذهب أو ورق أو غير صنفه ، ولا أجيزه قبل حلول الأجل بشيء من الطعام خاصة فأما بغير الطعام فلا بأس به
( قال الشافعي ) : ومن كان له على رجل طعام من قرض فلا بأس أن يأخذ بالطعام من صنفه أجود أو أردأ أو مثله إذا طابا بذلك نفسا ولم يكن شرطا في أصل القرض ، وكذلك لا بأس أن يأخذ بالطعام [ ص: 76 ] غيره من غير صنفه اثنين بواحد أكثر إذا تقابضا قبل أن يتفرقا ولو كان هذا من بيع لم يجز له أن يأخذ به من غير صنفه ; لأنه بيع الطعام قبل أن يقبض فلا بأس أن يأخذ به من صنفه أجود أو أردأ قبل محل الأجل أو بعده ، إذا طاب بذلك نفسا .
( قال الشافعي ) : في الرجل يشتري من الرجل طعاما موصوفا فيحل فيسأله رجل أن يسلفه إياه فيأمره أن يتقاضى ذلك الطعام فإذا صار في يده أسلفه إياه أو باعه فلا بأس بهذا إذا كان إنما وكله بأن يقبضه لنفسه ثم أحدث بعد القبض السلف أو البيع وإنما كان أولا وكيلا له وله منعه السلف والبيع وقبض الطعام من يده ولو كان شرط له أنه إذا تقاضاه أسلفه إياه أو باعه إياه لم يكن سلفا ولا بيعا وكان له أجر مثله في التقاضي
( قال ) : ولو أن رجلا جاء إلى رجل له زرع قائم فقال : ولني حصاده ودراسه ثم أكتاله فيكون علي سلفا لم يكن في هذا خير وكان له أجر مثله في الحصاد والدراس إن حصده ودرسه ولصاحب الطعام أخذ الطعام من يديه ، ولو كان تطوع له بالحصاد والدراس ثم أسلفه إياه لم يكن بذلك بأس ، وسواء القليل في هذا والكثير في كل حلال وحرام
( قال الشافعي ) : ومن أسلف رجلا طعاما فشرط عليه خيرا منه أو أزيد أو أنقص فلا خير فيه ، وله مثل ما أسلفه إن استهلك الطعام ، فإن أدرك الطعام بعينه أخذه ، فإن لم يكن له مثل فله قيمته ، ، وإن أسلفه إياه لا يذكر من هذا شيئا فأعطاه خيرا منه متطوعا أو أعطاه شرا منه فتطوع هذا بقبوله فلا بأس بذلك ، وإن لم يتطوع واحد منهما فله مثل سلفه .
( قال الشافعي ) : ولو أن رجلا أسلف رجلا طعاما على أن يقبضه إياه ببلد آخر كان هذا فاسدا وعليه أن يقبضه إياه في البلد الذي أسلفه فيه .
( قال ) : ولو أسلفه إياه ببلد فلقيه ببلد آخر فتقاضاه الطعام أو كان استهلك له طعاما فسأل أن يعطيه ذلك الطعام في البلد الذي لقيه فيه فليس ذلك عليه ، ويقال إن شئت فاقبض منه طعاما مثل طعامك بالبلد الذي استهلكه لك أو أسلفته إياه فيه ، وإن شئت أخذناه لك الآن بقيمة ذلك الطعام في ذلك البلد .
( قال الشافعي ) : ولو أن الذي عليه الطعام دعا إلى أن يعطي طعاما بذلك البلد فامتنع الذي له الطعام لم يجبر الذي له الطعام على أن يدفع إليه طعاما مضمونا له ببلد غيره ، وهكذا كل ما كان لحمله مؤنة
( قال الشافعي ) : وإنما رأيت له القيمة في الطعام يغصبه ببلد فيلقى الغاصب ببلد غيره أني أزعم أن كل ما استهلك لرجل فأدركه بعينه أو مثله أعطيته المثل أو العين ، فإن لم يكن له مثل ولا عين أعطيته القيمة ; لأنها تقوم مقام العين إذا كانت العين والمثل عدما فلما حكمت أنه إذا استهلك له طعاما بمصر فلقيه بمكة أو بمكة فلقيه بمصر لم أقض له بطعام مثله ; لأن من أصل حقه أن يعطى مثله بالبلد الذي ضمن له بالاستهلاك لما في ذلك من النقص والزيادة على كل واحد منهما وما في الحمل على المستوى فكان الحكم هذا أنه لا عين ولا مثل له أقضي به وأجبره على أخذه فجعلته كما لا مثل له فأعطيته قيمته إذا كنت أبطل الحكم له بمثله ، وإن كان موجودا .
( قال الشافعي ) : ولو كان هذا من بيع كان الجواب في ذلك أن لا أجبر واحدا منهما على أخذه ولا دفعه ببلد غير البلد الذي ضمنه وضمن له فيه هذا ، ولا أجعل له القيمة من قبل أن ذلك يدخله بيع الطعام قبل أن يقبض وأجبره على أن يمضي فيقبضه أو يوكل من يقبضه بذلك البلد وأؤجله فيه أجلا فإن دفعه إليه إلى ذلك الأجل وإلا حبسته حتى يدفعه إليه أو إلى وكيله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (117)
صــــــــــ 77 الى صـــــــــــ82
( قال الشافعي ) : السلف كله حال سمى له المسلف أجلا أو لم يسمه ، وإن سمى له أجلا ثم دفعه إليه المسلف قبل الأجل جبر على أخذه ; لأنه لم يكن له إلى أجل قط إلا أن يشاء أن يبرئه منه ، ولو كان من بيع لم يجبر على أخذه حتى يحل أجله ، وهذا في كل ما كان يتغير بالحبس في يدي صاحبه من قبل أنه يعطيه إياه بالصفة قبل يحل الأجل فيتغير عن الصفة عند محل الأجل فيصير بغير الصفة ، [ ص: 77 ] ولو تغير في يدي صاحبه جبرناه على أن يعطيه طعاما غيره ، وقد يكون يتكلف مؤنة في خزنه ويكون حضور حاجته إليه عند ذلك الأجل ، فكل ما كان لخزنه مؤنة أو كان يتغير في يدي صاحبه لم يجبر على أخذه قبل حلول الأجل وكل ما كان لا يتغير ولا مؤنة في خزنه مثل الدراهم والدنانير وما أشبههما جبر على أخذه قبل محل الأجل
( قال الشافعي ) : السلف كله حال سمى له المسلف أجلا أو لم يسمه ، وإن سمى له أجلا ثم دفعه إليه المسلف قبل الأجل جبر على أخذه ; لأنه لم يكن له إلى أجل قط إلا أن يشاء أن يبرئه منه ، ولو كان من بيع لم يجبر على أخذه حتى يحل أجله ، وهذا في كل ما كان يتغير بالحبس في يدي صاحبه من قبل أنه يعطيه إياه بالصفة قبل يحل الأجل فيتغير عن الصفة عند محل الأجل فيصير بغير الصفة ، [ ص: 77 ] ولو تغير في يدي صاحبه جبرناه على أن يعطيه طعاما غيره ، وقد يكون يتكلف مؤنة في خزنه ويكون حضور حاجته إليه عند ذلك الأجل ، فكل ما كان لخزنه مؤنة أو كان يتغير في يدي صاحبه لم يجبر على أخذه قبل حلول الأجل وكل ما كان لا يتغير ولا مؤنة في خزنه مثل الدراهم والدنانير وما أشبههما جبر على أخذه قبل محل الأجل
( قال الشافعي ) : ومن سلف رجلا دابة أو عرضا في طعام إلى أجل فلما حل الأجل فسأله أن يقيله منه فلا بأس بذلك كانت الدابة قائمة بعينها أو فائتة ; لأنه لو كانت الإقالة بيعا للطعام قبل أن يقبض لم يكن له إقالته فيبيعه طعاما له عليه بدابة للذي عليه الطعام ولكنه كان فسخ البيع وفسخ البيع إبطاله لم يكن بذلك بأس كانت الدابة قائمة أو مستهلكة فهي مضمونة وعليه قيمتها إذا كانت مستهلكة .
( قال الشافعي ) : ومن أقال رجلا في طعام وفسخ البيع وصارت له عليه دنانير مضمونة فليس له أن يجعلها سلفا في شيء قبل أن يقبضها ، كما لو كانت له عليه دنانير سلف أو كانت له في يديه دنانير وديعة لم يكن له أن يجعلها سلفا في شيء قبل أن يقبضها ، ومن سلف مائة في صنفين من التمر وسمى رأس مال كل واحد منهما فأراد أن يقيل في أحدهما دون الآخر فلا بأس ; لأن هاتين بيعتان مفترقتان ، وإن لم يسم رأس مال كل واحد منهما فهذا بيع أكرهه ، وقد أجازه غيري ، فمن أجازه لم يجعل له أن يقيل من البعض قبل أن يقبض من قبل أنهما جميعا صفقة لكل واحد منهما حصة من الثمن لا تعرف إلا بقيمة والقيمة مجهولة .
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن أبيعك تمرا بعينه ولا موصوفا بكذا على أن تبتاع مني تمرا بكذا ، وهذان بيعتان في بيعة ; لأني لم أملك هذا بثمن معلوم إلا وقد شرطت عليك في ثمنه ثمنا لغيره فوقعت الصفقة على ثمن معلوم وحصة في الشرط في هذا البيع مجهولة وكذلك وقعت في البيع الثاني ، والبيوع لا تكون إلا بثمن معلوم .
( قال الشافعي ) : ومن سلف رجلا في مائة إردب فاقتضى منه عشرة أو أقل أو أكثر ثم سأله الذي عليه الطعام أن يرد عليه العشرة التي أخذ منه أو ما أخذ ويقيله ، فإن كان متطوعا بالرد عليه تمت الإقالة فلا بأس ، وإن كان ذلك على شرط أني لا أرده عليك إلا أن تفسخ البيع بيننا فلا خير في ذلك ، ومن كانت له على رجل دنانير فسلف الذي عليه الدنانير رجلا غيره دنانير في طعام فسأله الذي له عليه الدنانير أن يجعل له تلك الدنانير في سلفه أو يجعلها له تولية فلا خير في ذلك ; لأن التولية بيع وهذا بيع الطعام قبل أن يقبض ودين بدين ، وهو مكروه في الآجل والحال .
( قال الشافعي ) : ومن ابتاع من رجل [ ص: 78 ] مائة إردب طعام فقبضها منه ثم سأله البائع الموفي أن يقيله منها كلها أو بعضها فلا بأس بذلك ، وقال مالك : لا بأس أن يقيله من الكل ولا يقيله من البعض .
( قال الشافعي ) : ولو أن نفرا اشتروا من رجل طعاما فأقاله بعضهم وأبى بعضهم فلا بأس بذلك ، ومن ابتاع من رجل طعاما كيلا فلم يكله ورضي أمانة البائع في كيله ثم سأله البائع أو غيره أن يشركه فيه قبل كيله فلا خير في ذلك ; لأنه لا يكون قابضا حتى يكتاله ، وعلى البائع أن يوفيه الكيل ، فإن هلك في يد المشتري قبل أن يوفيه الكل فهو مضمون على المشتري بكيله ، والقول في الكيل قول المشتري مع يمينه ، فإن قال المشتري لا أعرف الكيل فأحلف عليه ، قيل للبائع ادع في الكيل ما شئت ، فإذا ادعى قيل للمشتري إن صدقته فله في يديك هذا الكيل ، وإن كذبته فإن حلفت على شيء تسميه فأنت أحق باليمين ، وإن أبيت فأنت راد لليمين عليه حلف على ما ادعى وأخذه منك .
( قال الشافعي ) : الشركة والتولية بيع من البيوع يحل فيه ما يحل في البيوع ويحرم فيه ما يحرم في البيوع فمن ابتاع طعاما أو غيره فلم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا أو يوليه إياه فالشركة باطلة والتولية ، وهذا بيع الطعام قبل أن يقبض ، والإقالة فسخ للبيع .
( قال الشافعي ) : ومن ابتاع طعاما فاكتال بعضه ونقد ثمنه ثم سأل أن يقيله من بعضه فلا بأس بذلك .
( قال الشافعي ) : ومن سلف رجلا في طعام فاستغلاه فقال له البائع أنا شريكك فيه فليس بجائز
( قال الشافعي ) : ومن باع من رجل طعاما بثمن إلى أجل فقبضه المبتاع وغاب عليه ثم ندم البائع فاستقاله وزاده فلا خير فيه من قبل أن الإقالة ليست ببيع ، فإن أحب أن يجدد فيه بيعا بذلك فجائز ، وقال مالك لا بأس به ، وهو بيع محدث .
( قال الشافعي ) : ومن باع طعاما حاضرا بثمن إلى أجل فحل الأجل فلا بأس أن يأخذ في ذلك الثمن طعاما ، ألا ترى أنه لو أخذ طعاما فاستحق رجع بالثمن لا بالطعام ؟ وهكذا إن أحاله بالثمن على رجل قال مالك لا خير فيه كله .
( قال الشافعي ) : ومن ابتاع بنصف درهم طعاما على أن يعطيه بنصف درهم طعاما حالا أو إلى أجل أو يعطي بالنصف ثوبا أو درهما أو عرضا فالبيع حرام لا يجوز ، وهذا من بيعتين في بيعة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولو باع طعاما بنصف درهم الدرهم نقدا أو إلى أجل فلا بأس أن يعطيه درهما يكون نصفه له بالثمن ويبتاع منه بالنصف طعاما أو ما شاء إذا تقابضا من قبل أن يتفرقا وسواء كان الطعام من الصنف الذي باع منه أو غيره ; لأن هذه بيعة جديدة ليست في العقدة الأولى
( قال الشافعي ) : وإذا ابتاع الرجل من الرجل طعاما بدينار حالا فقبض الطعام ولم يقبض البائع الدينار ثم اشترى البائع من المشتري طعاما بدينار فقبض الطعام ولم يقبض الدينار فلا بأس أن يجعل الدينار قصاصا من الدينار ، وليس أن يبيع الدينار بالدينار فيكون دينا بدين ولكن يبرئ كل واحد منهما صاحبه من الدينار الذي عليه بلا شرط ، فإن كان بشرط فلا خير فيه .
باب بيع الآجال .
( قال الشافعي ) : وأصل ما ذهب إليه من ذهب في بيوع الآجال أنهم رووا أن عالية بنت أنفع أنها [ ص: 79 ] سمعت عائشة أو سمعت امرأة أبي السفر تروي { عن عائشة أن امرأة سألتها عن بيع باعته من زيد بن أرقم بكذا وكذا إلى العطاء ثم اشترته منه بأقل من ذلك نقدا ، فقالت عائشة : بئس ما اشتريت وبئس ما ابتعت ، أخبري زيد بن أرقم أن الله عز وجل قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب } .
( قال الشافعي ) : قد تكون عائشة لو كان هذا ثابتا عنها عابت عليها بيعا إلى العطاء ; لأنه أجل غير معلوم ، وهذا مما لا تجيزه ، لا أنها عابت عليها ما اشترت منه بنقد وقد باعته إلى أجل ، ولو اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فقال بعضهم فيه شيئا وقال بعضهم بخلافه كان أصل ما نذهب إليه أنا نأخذ بقول الذي معه القياس ، والذي معه القياس زيد بن أرقم ، وجملة هذا أنا لا نثبت مثله على عائشة مع أن زيد بن أرقم لا يبيع إلا ما يراه حلالا ، ولا يبتاع مثله ، فلو أن رجلا باع شيئا أو ابتاعه نراه نحن محرما ، وهو يراه حلالا لم نزعم أن الله يحبط من عمله شيئا ، فإن قال قائل فمن أين القياس مع قول زيد ؟ قلت أرأيت البيعة الأولى أليس قد ثبت بها عليه الثمن تاما ؟ فإن قال بلى ، قيل : أفرأيت البيعة الثانية أهي الأولى ؟ فإن قال : لا قيل : أفحرام عليه أن يبيع ماله بنقد ، وإن كان اشتراه إلى أجل ؟ فإن قال : لا ، إذا باعه من غيره ، قيل : فمن حرمه منه ؟ فإن قال : كأنها رجعت إليه السلعة أو اشترى شيئا دينا بأقل منه نقدا ، قيل إذا قلت : كان لما ليس هو بكائن ، لم ينبغ لأحد أن يقبله منك ، أرأيت لو كانت المسألة بحالها فكان باعها بمائة دينار دينا واشتراها بمائة أو بمائتين نقدا ؟ فإن قال : جائز ، قيل : فلا بد أن تكون أخطأت كان ثم أو ههنا ; لأنه لا يجوز له أن يشتري منه مائة دينار دينا بمائتي دينار نقدا .
فإن قلت : إنما اشتريت منه السلعة ، قيل فهكذا كان ينبغي أن تقول أولا ولا تقول كان لما ليس هو بكائن ، أرأيت البيعة الآخرة بالنقد لو انتقضت أليس ترد السلعة ويكون الدين ثابتا كما هو فتعلم أن هذه بيعة غير تلك البيعة ؟ فإن قلت : إنما اتهمته ، قلنا هو أقل تهمة على ماله منك ، فلا تركن عليه إن كان خطأ ثم تحرم عليه ما أحل الله له ; لأن الله عز وجل أحل البيع وحرم الربا وهذا بيع وليس بربا ، وقد رويإجازة البيع إلى العطاء عن غير واحد ، وروي عن غيرهم خلافه ، وإنما اخترنا أن لا يباع إليه ; لأن العطاء قد يتأخر ويتقدم ، وإنما الآجال معلومة بأيام موقوتة أو أهلة وأصلها في القرآن ، قال الله عز وجل { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } ، وقال تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات } ، وقال عز وجل : { فعدة من أيام أخر } ، فقد وقت بالأهلة كما وقت بالعدة وليس العطاء من مواقيته تبارك وتعالى ، وقد يتأخر الزمان ويتقدم وليس تستأخر الأهلة أبدا أكثر من يوم ، فإذا اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقد أقل أو أكثر مما اشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوي ، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل ، ألا ترى أنه كان للمشتري البيعة الأولى إن كانت أمة أن يصيبها أو يهبها أو يعتقها أو يبيعها ممن شاء غير بيعه بأقل أو أكثر مما اشتراها به نسيئة ؟ فإذا كان هكذا فمن حرمها على الذي اشتراها ؟ وكيف يتوهم أحد ؟ وهذا إنما تملكها ملكا جديدا بثمن لها لا بالدنانير المتأخرة ؟ أن هذا كان ثمنا للدنانير المتأخرة وكيف إن جاز هذا على الذي باعها لا يجوز على أحد لو اشتراها ؟
( قال الشافعي ) : المأكول والمشروب كله مثل الدنانير والدراهم لا يختلفان في شيء وإذا بعت منه صنفا بصنفه ، فلا يصلح إلا مثلا بمثل يدا بيد ، إن كان كيلا فكيل ، وإن كان وزنا فوزن ، كما لا تصلح الدنانير بالدنانير إلا يدا بيد وزنا بوزن ، ولا تصلح كيلا بكيل وإذا اختلف الصنفان منه فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة [ ص: 80 ] كما يصلح الذهب بالورق متفاضلا . :
ولا يجوز نسيئة ، وإذا اختلف الصنفان فجاز الفضل في أحدهما على الآخر فلا بأس أن يشتري منه جزافا بجزاف ; لأن أكثر ما في الجزاف أن يكون متفاضلا والتفاضل لا بأس به ، وإذا كان شيء من الذهب أو الفضة أو المأكول أو المشروب فكان للآدميين فيه صنعة يستخرجون بها من الأصل شيئا يقع عليه اسم دون اسم فلا خير في ذلك الشيء بشيء من الأصل ، وإن كثرت الصنعة فيه ، كما لو أن رجلا عمد إلى دنانير فجعلها طستا أو قبة أو حليا ما كان لم تجز بالدنانير أبدا إلا وزنا بوزن ، وكما لو أن رجلا عمد إلى تمر فحشاه في شن أو جرة أو غيرها نزع نواه أو لم ينزعه لم يصلح أن يباع بالتمر وزنا بوزن ; لأن أصلهما الكيل ، والوزن بالوزن قد يختلف في أصل الكيل ، فكذلك لا يجوز حنطة بدقيق . :
; لأن الدقيق من الحنطة وقد يخرج من الحنطة من الدقيق ما هو أكثر من الدقيق الذي بيع بها وأقل ذلك أن يكون مجهولا بمعلوم من صنف فيه الربا ، وكذلك حنطة بسويق . :
وكذلك حنطة بخبز ، وكذلك حنطة بفالوذج إن كان نشا سععه من حنطة وكذلك دهن سمسم بسمسم وزيت بزيتون لا يصلح هذا لما وصفت ، وكذلك لا يصلح التمر المنثور بالتمر المكبوس . :
; لأن أصل التمر الكيل .
( قال الشافعي ) : وإذا بعت شيئا من المأكول أو المشروب أو الذهب أو الورق بشيء من صنفه فلا يصلح إلا مثلا بمثل ، وأن يكون ما بعت منه صنفا واحدا جيدا أو رديئا ، ويكون ما اشتريت منه صنفا واحدا ، ولا يبالي أن يكون أجود أو أردأ مما اشتريته به ، ولا خير في أن يأخذ خمسين دينارا مروانية وخمسين حدبا بمائة هاشمية ولا بمائة غيرها ، وكذلك لا خير في أن يأخذ صاع بردي وصاع لون بصاعي صيحاني وإنما كرهت هذا من قبل أن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفين فكل واحد منهما مبيع بحصته من الثمن ، فيكون ثمن صاع البردي بثلاثة دنانير ، وثمن صاع اللون دينارا ، وثمن صاع الصيحاني يسوى دينارين ، فيكون صاع البردي بثلاثة أرباع صاعي الصيحاني وذلك صاع ونصف وصاع اللون بربع صاعي الصيحاني وذلك نصف صاع صيحاني فيكون هذا التمر بالتمر متفاضلا ، وهكذا هذا في الذهب والورق وكل ما كان فيه الربا في التفاضل في بعضه على بعض .
( قال الشافعي ) : وكل شيء من الطعام يكون رطبا ثم ييبس فلا يصلح منه رطب بيابس ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا يبس ؟ فقال : نعم ، فنهى عنه } فنظر في المعتقب فكذلك ننظر في المعتقب فلا يجوز رطب برطب ; لأنهما إذا تيبسا اختلف نقصهما فكانت فيهما الزيادة في المعتقب ، وكذلك كل مأكول لا ييبس إذا كان مما ييبس فلا خير في رطب منه برطب كيلا بكيل ولا وزنا بوزن ولا عددا بعدد ، ولا خير في أترجة بأترجة ولا بطيخة ببطيخة وزنا ولا كيلا ولا عددا ، فإذا اختلف الصنفان فلا بأس بالفضل في بعضه ولا خير فيه نسيئة ، ولا بأس بأترجة ببطيخة وعشر بطيخات وكذلك ما سواهما ، فإذا كان من الرطب شيء لا ييبس بنفسه أبدا مثل الزيت والسمن والعسل واللبن فلا بأس ببعضه على بعض ، إن كان مما يوزن فوزنا ، وإن كان مما يكال فكيلا مثلا بمثل ، ولا تفاضل فيه حتى يختلف الصنفان ، ولا خير في التمر بالتمر حتى يكون ينتهي يبسه ، وإن انتهى يبسه إلا أن بعضه أشد انتفاخا من بعض فلا يضره إذا انتهى يبسه كيلا بكيل
( قال الشافعي ) : وإذا كان منه شيء مغيب مثل الجوز واللوز وما يكون مأكوله في [ ص: 81 ] داخله فلا خير في بعضه ببعض عددا ولا كيلا ولا وزنا ، فإذا اختلف فلا بأس به من قبل أن مأكوله مغيب وأن قشره يختلف في الثقل والخفة فلا يكون أبدا إلا مجهولا بمجهول ، فإذا كسر فخرج مأكوله فلا بأس في بعضه ببعض يدا بيد مثلا بمثل ، وإن كان كيلا فكيلا ، وإن كان وزنا فوزنا ، ولا يجوز الخبز بعضه ببعض . :
عددا ولا وزنا ولا كيلا من قبل أنه إذا كان رطبا فقد ييبس فينقص ، وإذا انتهى يبسه فلا يستطاع أن يكتال وأصله الكيل فلا خير فيه وزنا ; لأنا لا نحيل الوزن إلى الكيل .
( أخبرنا الربيع ) : قال .
( قال الشافعي ) : وأصله الوزن والكيل بالحجاز ، فكل ما وزن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأصله الوزن وكل ما كيل فأصله الكيل ، وما أحدث الناس منه مما يخالف ذلك رد إلى الأصل
( قال الشافعي ) : وإذا ابتاع الرجل ثمر النخلة أو النخل بالحنطة فتقابضا فلا بأس بالبيع ; لأنه لا أجل فيه ، وإني أعد القبض في رءوس النخل قبضا كما أعد قبض الجزاف قبضا إذا خلى المشتري بينه وبينه لا حائل دونه فلا بأس فإن تركته أنا فالترك من قبلي ولو أصيب كان علي ; لأني قابض له ولو أني اشتريته على أن لا أقبضه إلى غد أو أكثر من ذلك فلا خير فيه لأني إنما اشتريت الطعام بالطعام إلى أجل ، وهكذا اشتراؤه بالذهب والفضة لا يصلح أن اشتريه بهما على أن أقبضه في غد أو بعد غد ; لأنه قد يأتي غد أو بعد غد فلا يوجد ، ولا خير في اللبن الحليب باللبن المضروب . :
; لأن في المضروب ماء فهو ماء ولبن ، ولو لم يكن فيه ماء فأخرج زبده لم يجز بلبن لم يخرج زبده ; لأنه قد أخرج منه شيء هو من نفس جسده ومنفعته ، وكذلك لا خير في تمر قد عصر وأخرج صفوه بتمر لم يخرج صفوه كيلا بكيل .
: من قبل أنه قد أخرج منه شيء من نفسه ، وإذا لم يغير عن خلقته فلا بأس به .
( قال الشافعي ) : ولا يجوز اللبن باللبن إلا مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد ولا يجوز إذا خلط في شيء منه ماء بشيء قد خلط فيه ماء ولا بشيء لم يخلط فيه ماء ; لأنه ماء ولبن بلبن مجهول ، والألبان مختلفة ، فيجوز لبن الغنم بلبن الغنم الضأن والمعز وليس لبن الظباء منه ، ولبن البقر بلبن الجواميس والعراب وليس لبن البقر الوحش منه ، ويجوز لبن الإبل بلبن الإبل العراب والبخت . :
، وكل هذا صنف : الغنم صنف ، والبقر صنف ، والإبل صنف ، وكل صنف غير صاحبه فيجوز بعضه ببعض متفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة ، ويجوز أنسيه بوحشيه متفاضلا وكذلك لحومه مختلفة يجوز الفضل في بعضها على بعض يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، ويجوز رطب بيابس إذا اختلف ، ورطب برطب ، ويابس ، بيابس ، فإذا كان منها شيء من صنف واحد مثل لحم غنم بلحم غنم لم يجز رطب برطب ولا رطب بيابس ، وجاز إذا يبس فانتهى يبسه بعضه ببعض وزنا ، والسمن مثل اللبن .
( قال الشافعي ) : ولا خير في مد زبد ومد لبن بمدي زبد ولا خير في جبن بلبن لأنه قد يكون من اللبن جبن ، إلا أن يختلف اللبن والجبن فلا يكون به بأس .
( قال الشافعي ) : وإذا أخرج زبد اللبن فلا بأس بأن يباع بزبد وسمن ; لأنه لا زبد في اللبن ولا سمن ، وإذا لم يخرج زبده فلا خير فيه بسمن ولا زبد ، ولا خير في الزيت إلا مثلا بمثل يدا بيد إذا كان من صنف واحد ، فإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ولا خير فيه نسيئة ، ولا بأس بزيت الزيتون بزيت الفجل ، وزيت الفجل بالشيرج متفاضلا .
( قال الشافعي ) : ولا خير في خل العنب بخل العنب
إلا سواء ، ولا بأس بخل العنب بخل التمر ، وخل القصب ; لأن أصوله مختلفة ، فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض . وإذا كان خل لا يوصل إليه إلا بالماء مثل خل التمر وخل الزبيب فلا خير فيه بعضه ببعض من قبل أن الماء يكثر ويقل ، ولا بأس به إذا اختلف ، والنبيذ الذي لا يسكر مثل الخل .
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالشاة الحية التي لا لبن فيها حين تباع باللبن يدا بيد ولا خير فيها إن [ ص: 82 ] كان فيها لبن حين تباع باللبن ; لأن للبن الذي فيها حصة من اللبن الموضوع لا تعرف ، وإن كانت مذبوحة لا لبن فيها فلا بأس بها بلبن ولا خير فيها مذبوحة بلبن إلى أجل ولا بأس بها قائمة لا لبن فيها بلبن إلى أجل ; لأنه عرض بطعام ; ولأن الحيوان غير الطعام فلا بأس بما سميت من أصناف الحيوان بأي طعام شئت إلى أجل ; لأن الحيوان ليس من الطعام ولا مما فيه ربا ولا بأس بالشاة للذبح بالطعام إلى أجل .
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالشاة باللبن إذا كانت الشاة لا لبن فيها ، من قبل أنها حينئذ بمنزلة العرض بالطعام ، والمأكول كل ما أكله بنو آدم وتداووا به حتى الإهليلج والصبر فهو بمنزلة الذهب بالذهب والورق بالذهب وكل ما لم يأكله بنو آدم وأكلته البهائم فلا بأس ببعضه ببعض متفاضلا يدا بيد وإلى أجل معلوم .
( قال الشافعي ) : والطعام بالطعام إذا اختلف بمنزلة الذهب بالورق سواء ، يجوز فيه ما يجوز فيه ، ويحرم فيه ما يحرم فيه .
( قال الشافعي ) : وإذا اختلف أجناس الحيتان فلا بأس ببعضها ببعض متفاضلا وكذلك لحم الطير إذا اختلف أجناسها ولا خير في اللحم الطري بالمالح والمطبوخ .
ولا باليابس على كل حال ولا يجوز الطري بالطري ولا اليابس بالطري حتى يكونا يابسين أو حتى تختلف أجناسهما فيجوز على كل حال كيف كان .
( قال الربيع ) : ومن زعم أن اليمام من الحمام فلا يجوز لحم اليمام بلحم الحمام متفاضلا .
ولا يجوز إلا يدا بيد مثلا بمثل ، إذا انتهى يبسه ، وإن كان من غير الحمام ، فلا بأس به متفاضلا .
( قال الشافعي ) : ولا يباع اللحم بالحيوان على كل حال ، كان من صنفه أو من غير صنفه .
( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم } .
( قال الشافعي ) : أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن القاسم بن أبي بزة قال قدمت المدينة فوجدت جزورا قد جزرت فجزئت أجزاء كل جزء منها بعناق فأردت أن أبتاع منها جزءا فقال لي رجل من أهل المدينة : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع حي بميت } فسألت عن ذلك الرجل فأخبرت عنه خيرا قال أخبرنا ابن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق أنه كره بيع الحيوان باللحم .
( قال الشافعي ) : سواء كان الحيوان يؤكل لحمه أو لا يؤكل .
( قال الشافعي ) : سواء اختلف اللحم والحيوان أو لم يختلف ولا بأس بالسلف في اللحم إذا دفعت ما سلفت فيه قبل أن تأخذ من اللحم شيئا وتسمي اللحم ما هو والسمانة والموضع والأجل فيه ، فإن تركت من هذا شيئا لم يجز ولا خير في أن يكون الأجل فيه إلا واحدا فإذا كان الأجل فيه واحدا ثم شاء أن يأخذ منه شيئا في كل يوم أخذه ، وإن شاء أن يترك ترك
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يأخذ مكان لحم ضأن قد حل لحم بقر ; لأن ذلك بيع الطعام ، قبل أن يستوفى .
( قال الشافعي ) : ولا خير في السلف في الرءوس .
ولا في الجلود من قبل أنه لا يوقف للجلود على ذرع وأن خلقتها تختلف فتتباين في الرقة والغلظ وأنها لا تستوي على كيل ولا وزن ، ولا يجوز السلف في الرءوس ; لأنها لا تستوي على وزن ولا تضبط بصفة فتجوز كما تجوز الحيوانات المعروفة بالصفة ، ولا يجوز أن تشترى إلا يدا بيد .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (118)
صــــــــــ 83 الى صـــــــــــ88
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالسلف في الطري من الحيتان إن ضبط بوزن وصفة من صغر وكبر وجنس من الحيتان مسمى لا يختلف في الحال التي يحل فيها فإن أخطأ من هذا شيئا لم يجز .
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالسلف في الحيوان كله في الرقيق والماشية والطير إذا كان تضبط صفته ولا يختلف في الحين الذي يحل فيه وسواء كان مما يستحيا أو مما لا يستحيا فإذا حل من هذا شيء ، وهو من أي شيء ابتيع لم يجز لصاحبه أن يبيعه قبل أن يقبضه ولا يصرفه إلى غيره ولكنه يجوز له أن يقيل من أصل البيع ويأخذ الثمن ولا يجوز أن يبيع الرجل الشاة ويستثني شيئا منها جلدا ولا غيره في سفر ولا حضر ولو كان الحديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 83 ] في السفر أجزناه في السفر والحضر .
( قال الشافعي ) : فإن تبايعا على هذا فالبيع باطل ، وإن أخذ ما استثنى من ذلك وفات رجع البائع على المشتري فأخذ منه قيمة اللحم يوم أخذه .
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يسلف رجل في لبن غنم بأعيانها ، سمى الكيل أو لم يسمه كما لا يجوز أن يسلف في طعام أرض بعينها ، فإن كان اللبن من غنم بغير أعيانها فلا بأس وكذلك إن كان الطعام من غير أرض بعينها فلا بأس .
( قال ) : ولا يجوز أن يسلف في لبن غنم بعينها الشهر ولا أقل من ذلك ولا أكثر بكيل معلوم كما لا يجوز أن يسلف في ثمر حائط بعينه ولا زرع بعينه ، ولا يجوز السلف بالصفة إلا في الشيء المأمون أن ينقطع من أيدي الناس في الوقت الذي يحل فيه ولا يجوز أن يباع لبن غنم بأعيانها شهرا يكون للمشتري ولا أقل من شهر ولا أكثر من قبل أن الغنم يقل لبنها ويكثر وينفذ وتأتي عليه الآفة وهذا بيع ما لم يخلق قط وبيع ما إذا خلق كان غير موقوف على حده بكيل ; لأنه يقل ويكثر وبغير صفة ; لأنه يتغير فهو حرام من جميع جهاته وكذلك لا يحل بيع المقاثي بطونا ، وإن طاب البطن الأول ; لأن البطن الأول ، وإن رئي فحل بيعه على الانفراد فما بعده من البطون لم ير ، وقد يكون قليلا فاسدا ولا يكون وكثيرا جيدا وقليلا معيبا وكثيرا بعضه أكثر من بعض فهو محرم في جميع جهاته ولا يحل البيع إلا على عين يراها صاحبها أو بيع مضمون على صاحبه بصفة يأتي بها على الصفة ولا يحل بيع ثالث
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يكتري الرجل البقرة ويستثني حلابها ; لأن ههنا بيعا حراما وكراء
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يشتري الرجل من الرجل الطعام الحاضر على أن يوفيه إياه بالبلد ويحمله إلى غيره ; لأن هذا فاسد من وجوه ، أما أحدها إذا استوفاه بالبلد خرج البائع من ضمانه وكان على المشتري حمله فإن هلك قبل أن يأتي البلد الذي حمله إليه لم يدر ، كم حصة البيع من حصة الكراء ؟ فيكون الثمن مجهولا والبيع لا يحل بثمن مجهول فأما أن يقول هو من ضمان الحامل حتى يوفيه إياه بالبلد الذي شرط له أن يحمله إليه فقد زعم أنه إنما اشتراه على أن يوفيه ببلد فاستوفاه ولم يخرج البائع من ضمانه ولا أعلم بائعا يوفي رجلا بيعا إلا خرج من ضمانه ثم إن زعم أنه مضمون ثانية ، فبأي شيء ضمن بسلف أو بيع أو غصب فهو ليس في شيء من هذه المعاني فإن زعم أنه ضمن بالبيع الأول فهذا شيء واحد بيع مرتين وأوفي مرتين والبيع في الشيء الواحد لا يكون مقبوضا مرتين .
( قال الشافعي ) : ولا خير في كل شيء كان فيه الربا في الفضل بعضه على بعض وإذا اشترى الرجل السمن أو الزيت وزنا بظروفه ، فإن شرط الظرف في الوزن فلا خير فيه ، وإن اشتراها وزنا على أن يفرغها ثم يزن الظرف فلا بأس وسواء الحديد والفخار والزقاق .
( قال الشافعي ) : ومن اشترى طعاما يراه في بيت أو حفرة أو هري أو طاقة فهو سواء فإذا وجد أسفله متغيرا عما رأى أعلاه فله الخيار في أخذه أو تركه ; لأن هذا عيب وليس يلزمه العيب إلا أن يشاء كثر ذلك أو قل .
( قال الشافعي ) : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } فإذا كان الحائط للرجل وطلعت الثريا واشتدت النواة واحمر بعضه أو اصفر ، حل بيعه على أن يترك إلى أن يجد وإذا لم يظهر ذلك في الحائط لم يحل بيعه ، وإن ظهر ذلك فيما حوله ; لأنه غير ما حوله وهذا إذا كان الحائط نخلا كله ولم يختلف النخل ، فأما إذا كان نخلا وعنبا أو نخلا وغيره من الثمر فبدا صلاح صنف منه فلا يجوز أن يباع الصنف الآخر الذي لم يبد [ ص: 84 ] صلاحه ولا يجوز شراء ما كان المشترى منه تحت الأرض مثل الجزر والبصل والفجل وما أشبه ذلك ويجوز شراء ما ظهر من ورقه ; لأن المغيب منه يقل ويكثر ويكون ولا يكون ويصغر ويكبر وليس بعين ترى فيجوز شراؤها ولا مضمون بصفة فيجوز شراؤه ولا عين غائبة فإذا ظهرت لصاحبها كان له الخيار ولا أعلم البيع يخرج من واحدة من هذه الثلاث .
( قال الشافعي ) : وإذا كان في بيع الزرع قائما خبر يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجازه في حال دون حال فهو جائز في الحال التي أجازه فيها وغير جائز في الحال التي تخالفه ، وإن لم يكن فيه خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز بيعه على حال ; لأنه مغيب يقل ويكثر ويفسد ويصلح كما لا يجوز بيع حنطة في جراب ولا غرارة وهما كانا أولى أن يجوزا منه . ولا يجوز بيع القصيل إلا على أن يقطع مكانه إذا كان القصيل مما يستخلف ، وإن تركه انتقض فيه البيع ; لأنه يحدث منه ما ليس في البيع ، وإن كان القصيل مما لا يستخلف ولا يزيد لم يجز أيضا بيعه إلا على أن يقطعه مكانه فإن قطعه أو نتفه فذلك له ، وإن لم ينتفه فعليه قطعه إن شاء رب الأرض والثمرة له ; لأنه اشترى أصله ومتى ما شاء رب الأرض أن يقلعه عنه قلعه ، وإن تركه رب الأرض حتى تطيب الثمر فلا بأس وليس للبائع من الثمرة شيء .
( قال ) : وإذا ظهر القرط أو الحب فاشتراه على أن يقطعه مكانه فلا بأس وإذا اشترط أن يتركه فلا خير فيه ، وإذا اشترى الرجل ثمرة لم يبد صلاحها على أن يقطعها فالبيع جائز وعليه أن يقطعها متى شاء رب النخل ، وإن تركه رب النخل متطوعا فلا بأس والثمرة للمشتري ومتى أخذه بقطعها قطعها فإن اشتراها على أن يتركه إلى أن يبلغ فلا خير في الشراء فإن قطع منها شيئا فكان له مثل رد مثله ولا أعلم له مثلا ، وإذا لم يكن له مثل رد قيمته والبيع منتقض ولا خير في شراء التمر إلا بنقد أو إلى أجل معلوم والأجل المعلوم يوم بعينه من شهر بعينه أو هلال شهر بعينه فلا يجوز البيع إلى العطاء ولا إلى الحصاد ولا إلى الجداد ; لأن ذلك يتقدم ويتأخر وإنما قال الله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } وقال عز وجل { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } فلا توقيت إلا بالأهلة أو سني الأهلة .
( قال ) : ولا خير في بيع قصيل الزرع كان حبا أو قصيلا على أن يترك إلا أن يكون في ذلك خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فيه خبر فلا خير فيه .
( قال الشافعي ) : ومن اشترى نخلا فيها ثمر قد أبرت فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، فإن اشترطها المبتاع فجائز ، من قبل أنها في نخله ، وإن كانت لم تؤبر فهي للمبتاع ، وإن اشترطها البائع فذلك جائز ; لأن صاحب النخل ترك له كينونة الثمرة في نخله حين باعه إياها إذا كان استثنى على أن يقطعها فإن استثنى على أن يقرها فلا خير في البيع ; لأنه باعه ثمرة لم يبد صلاحها على أن تكون مقرة إلى وقت قد تأتي عليها الآفة قبله ولو استثنى بعضها لم يجز إلا أن يكون للنصف معلوما فيستثنيه على أن يقطعه ثم إن تركه بعد لم يحرم عليه والاستثناء مثل البيع يجوز فيه ما يجوز في البيع ويفسد فيه ما يفسد فيه .
( قال ) : وإذا أبر من النخل واحدة فثمرها للبائع ، وإن لم يؤبر منها شيء فثمرها للمبتاع كما إذا طاب من النخل واحدة يحل بيعه ، وإن لم يطب الباقي منه ، فإن لم يطب منه شيء لم يحل بيعه ولا شيء مثل ثمر النخل أعرفه إلا الكرسف فإنه يخرج في أكمامه كما يخرج الطلع في أكمامه ثم ينشق فإذا انشق منه شيء فهو كالنخل يؤبر وإذا انشق النخل ولم يؤبر فهي كالإبار ; لأنهم يبادرون به إبارته إنما يؤبر ساعة ينشق وإلا فسد فإن كان من الثمر شيء يطلع في أكمامه ثم ينشق فيصير في انشقاقه فهو كالإبار في النخل وما كان من الثمر يطلع كما هو لا كمام عليه أو يطلع عليه كمام ثم لا يسقط كمامه فطلوعه كإبار النخل ; لأنه ظاهر فإذا باعه رجل ، وهو كذلك فالثمرة له إلا أن يشترطه المبتاع ومن باع أرضا فيها زرع تحت الأرض أو فوقها بلغ [ ص: 85 ] أو لم يبلغ فالزرع للبائع والزرع غير الأرض .
( قال الشافعي ) : ومن باع ثمر حائطه فاستثنى منه مكيلة ، قلت أو كثرت ، فالبيع فاسد ; لأن المكيلة قد تكون نصفا أو ثلثا أو أقل أو أكثر فيكون المشتري لم يشتر شيئا يعرفه ولا البائع ، ولا يجوز أن يستثني من جزاف باعه شيئا إلا ما لا يدخله في البيع وذلك مثل نخلات يستثنين بأعيانهن فيكون باعه ما سواهن أو ثلث أو ربع أو سهم من أسهم جزاف فيكون ما لم يستثن داخلا في البيع وما استثني خارجا منه فأما أن يبيعه جزافا لا يدري كم هو ويستثني منه كيلا معلوما فلا خير فيه ; لأن البائع حينئذ لا يدري ما باع والمشتري لا يدري ما اشترى ، ومن هذا أن يبيعه الحائط فيستثني منه نخلة أو أكثر لا يسميها بعينها فيكون الخيار في استثنائها إليه فلا خير فيه ; لأن لها حظا من الحائط لا يدري كم هو ; وهكذا الجزاف كله .
( قال الشافعي ) : ولا يجوز لرجل أن يبيع رجلا شيئا ثم يستثني منه شيئا لنفسه ولا لغيره إلا أن يكون ما استثنى منه خارجا من البيع لم يقع عليه صفقة البيع كما وصفت ، وإن باعه ثمر حائط على أن له ما سقط من النخل فالبيع فاسد من قبل أن الذي يسقط منها قد يقل ويكثر أرأيت لو سقطت كلها أتكون له ؟ فأي شيء باعه إن كانت له ؟ أو رأيت لو سقط نصفها أيكون له النصف بجميع الثمن ؟ فلا يجوز الاستثناء إلا كما وصفت .
( قال الشافعي ) : ومن باع ثمر حائط رجل وقبضه منه وتفرقا ثم أراد أن يشتريه كله أو بعضه فلا بأس به
( قال الشافعي ) : وإذا اكترى الرجل الدار وفيها نخل قد طاب ثمره على أن له الثمرة فلا يجوز من قبل أنه كراء وبيع وقد ينفسخ الكراء بانهدام الدار ويبقى ثمر الشجر الذي اشترى فيكون بغير حصة من الثمن معلوما والبيوع لا تجوز إلا معلومة الأثمان فإن قال قد يشتري العبد والعبدين والدار والدارين صفقة واحدة ؟ قيل نعم فإذا انتقض البيع في أحد الشيئين المشتريين انتقض في الكل ، وهو مملوك الرقاب كله والكراء ليس بمملوك الرقبة إنما هو مملوك المنفعة والمنفعة ليست بعين قائمة ، فإذا أراد أن يشتري ثمرا ويكتري دارا تكارى الدار على حدة واشترى الثمرة على حدة ثم حل في شراء الثمرة ما يحل في شراء الثمرة بغير كراء ويحرم فيه ما يحرم فيه .
( قال الشافعي ) : ولا بأس ببيع الحائطين أحدهما بصاحبه استويا أو اختلفا إذا لم يكن فيهما ثمر فإن كان فيهما تمر فكان التمر مختلفا فلا بأس به إذا كان الثمر قد طاب أو لم يطب ، وإن كان ثمره واحدا فلا خير فيه .
( قال الربيع ) : إذا بعتك حائطا بحائط وفيهما جميعا ثمر فإن كان الثمران مختلفين مثل أن يكون كرم فيه عنب أو زبيب بحائط نخل فيه بسر أو رطب بعتك الحائط بالحائط على أن لكل واحد حائطا بما فيه فإن البيع جائز ، وإن كان الحائطان مستويي الثمر مثل النخل ونخل فيهما الثمر فلا يجوز من قبل أني بعتك حائطا وثمرا بحائط وثمر والثمر بالثمر لا يجوز .
( قال الربيع ) : معنى القصيل عندي الذي ذكره الشافعي إذا كان قد سنبل فأما إذا لم يسنبل وكان بقلا فاشتراه على أن يقطعه فلا بأس .
( قال الشافعي ) : { عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على الشطر وخرص بينهم وبينه ابن رواحة وخرص النبي صلى الله عليه وسلم تمر المدينة وأمر بخرص أعناب أهل الطائف فأخذ العشر منهم بالخرص والنصف من أهل خيبر بالخرص } فلا بأس أن يقسم ثمر العنب والنخل بالخرص ولا خير في أن يقسم ثمر غيرهما بالخرص ; لأنهما الموضعان اللذان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص فيهما ولم نعلمه أمر بالخرص في غيرهما [ ص: 86 ] وأنهما مخالفان لما سواهما من الثمر باستجماعهما وأنه لا حائل دونهما من ورق ولا غيره وأن معرفة خرصهما تكاد أن تكون بائنة ولا تخطئ ولا يقسم شجر غيرهما بخرص ولا ثمره بعدما يزايل شجره بخرص
( قال الشافعي ) : وإذا كان بين القوم الحائط ، فيه الثمر لم يبد صلاحه فأرادوا اقتسامه فلا يجوز قسمه بالثمرة بحال وكذلك إذا بدا صلاحها لم يجز قسمه من قبل أن للنخل والأرض حصة من الثمن وللثمرة حصة من الثمن فتقع الثمرة بالثمرة مجهولة لا بخرص ولا بيع ولا يجوز قسمه إلا أن يكونا يقتسمان الأصل وتكون الثمرة بينهما مشاعة إن كانت لم تبلغ أو كانت قد بلغت غير أنها إذا بلغت فلا بأس أن يقتسماها بالخرص قسما منفردا ، وإن أرادا أن يكونا يقتسمان الثمرة مع النخل اقتسماها ببيع من البيوع فقوما كل سهم بأرضه وشجره وثمره ثم أخذا بهذا البيع لا بقرعة .
( قال الشافعي ) : وإذا اختلف فكان نخلا وكرما . :
فلا بأس أن يقسم أحدهما بالآخر وفيهما ثمرة ; لأنه ليس في تفاضل الثمرة بالثمرة تخالفها ربا في يد بيد ، وما جاز في القسم على الضرورة جاز في غيرها وما لم يجز في الضرورة لم يجز في غيرها
( قال الشافعي ) : ولا يصلح السلم في ثمر حائط بعينه ; لأنه قد ينفذ ويخطئ ولا يجوز السلم في الرطب من الثمر إلا بأن يكون محله في وقت تطيب الثمرة فإذا قبض بعضه ونفدت الثمرة الموصوفة قبل قبض الباقي منها كان للمشتري أن يأخذ رأس ماله كله ويرد عليه مثل قيمة ما أخذ منه ، وقيل يحسب عليه ما أخذ بحصته من الثمن فكان كرجل اشترى مائة إردب فأخذ منها خمسين وهلكت خمسون فله أن يرد الخمسين وله الخيار في أن يأخذ الخمسين بحصته من الثمن ويرجع بما بقي من رأس ماله وله الخيار في أن يؤخره حتى يقبض منه رطبا في قابل بمثل صفة الرطب الذي بقي له ومكيلته كما يكون له الحق من الطعام في وقت لا يجده فيه فيأخذه بعده .
( قال الشافعي ) : ولا خير في الرجل يشتري من الرجل له الحائط النخلة أو النخلتين أو أكثر أو أقل على أن يستجنيها متى شاء على أن كل صاع بدينار ; لأن هذا لا بيع جزاف فيكون من مشتريه إذا قبضه ، ولا بيع كيل يقبضه صاحبه مكانه وقد يؤخره فيضمن إذا قرب أن يثمر ، وهو فاسد من جميع جهاته .
( قال الشافعي ) : ولا خير في أن يشتري شيئا يستجنيه بوجه من الوجوه إلا أن يشتري نخلة بعينها أو نخلات بأعيانهن ويقبضهن فيكون ضمانهن منه ويستجدهن كيف شاء ويقطع ثمارها متى شاء أو يشتريهن وتقطعن له مكانه فلا خير في شراء إلا شراء عين تقبض إذا اشتريت لا حائل دون قابضها أو صفة مضمونة على صاحبها وسواء في ذلك الأجل القريب والحال والبعيد لا اختلاف بين ذلك ولا خير في الشراء إلا بسعر معلوم ساعة يعقدان البيع .
وإذا أسلف الرجل الرجل في رطب أو تمر أو ما شاء فكله سواء ، فإن شاء أن يأخذ نصف رأس ماله ونصف سلفه فلا بأس إذا كان له أن يقيله من السلف كله ويأخذ منه السلف كله فلم لا يكون له أن يأخذ النصف من سلفه والنصف من رأس ماله ؟ فإن قالوا كره ذلك ابن عمر فقد أجازه ابن عباس ، وهو جائز في القياس ولا يكون له أن يأخذ نصف سلفه ويشتري منه بما بقي طعاما ولا غيره ; لأنه له عليه طعاما وذلك بيع الطعام قبل أن يقبض ولكن يفاسخه البيع حتى يكون له عليه دنانير حالة
وإذا سلف الرجل الرجل في رطب إلى أجل معلوم فنفد الرطب قبل أن يقبض هذا حقه بتوان أو ترك من المشتري أو البائع أو هرب من البائع فالمشتري بالخيار بين أن يأخذ رأس ماله ; لأنه معوز بماله في كل حال لا يقدر عليه وبين أن يؤخره إلى أن يمكن الرطب بتلك الصفة فيأخذه به وجائز أن يسلف في ثمر رطب في غير أوانه إذا اشترط أن يقبضه في زمانه ولا خير أن يسلف في شيء إلا في شيء مأمون لا يعوز في الحال التي اشترط قبضه فيها فإن سلفه في شيء يكون في حال ولا يكون لم أجز فيه السلف وكان كمن سلف في حائط بعينه وأرض بعينها [ ص: 87 ] فالسلف في ذلك مفسوخ ، وإن قبض سلفه رد عليه ما قبض منه وأخذ رأس ماله .
[ ص: 88 ] باب الشهادة في البيوع قال الله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فاحتمل أمر الله جل وعز بالإشهاد عند البيع أمرين أحدهما : أن تكون الدلالة على ما فيه الحظ بالشهادة ومباح تركها لا حتما يكون من تركه عاصيا بتركه واحتمل أن يكون حتما منه يعصي من تركه بتركه والذي أختار أن لا يدع المتبايعان الإشهاد وذلك أنهما إذا أشهدا لم يبق في أنفسهما شيء ; لأن ذلك إن كان حتما فقد أدياه ، وإن كان دلالة فقد أخذا بالحظ فيها وكل ما ندب الله تعالى إليه من فرض أو دلالة فهو بركة على من فعله ألا ترى أن الإشهاد في البيع إن كان فيه دلالة كان فيه أن المتبايعين أو أحدهما إن أراد ظلما قامت البينة عليه فيمنع من الظلم الذي يأثم به ، وإن كان تاركا لا يمنع منه ولو نسي أو وهم فجحد منع من المأثم على ذلك بالبينة وكذلك ورثتهما بعدهما ، أو لا ترى أنهما أو أحدهما لو وكل وكيلا أن يبيع فباع هذا رجلا وباع وكيله آخر ولم يعرف أي البيعين أول ؟ لم يعط الأول من المشتريين بقول البائع ولو كانت بينة فأثبتت أيهما أول أعطي الأول فالشهادة سبب قطع التظالم وتثبت الحقوق وكل أمر الله جل وعز ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير الذي لا يعتاض منه من تركه فإن قال قائل فأي المعنيين أولى بالآية الحتم بالشهادة أم الدلالة ؟ فإن الذي يشبه والله أعلم وإياه أسأل التوفيق أن يكون دلالة لا حتما يخرج من ترك الإشهاد فإن قال ما دل على ما وصفت ؟ قيل : قال الله عز وجل وأحل الله البيع وحرم الربا فذكر أن البيع حلال ولم يذكر معه بينة وقال عز وجل في آية الدين { إذا تداينتم بدين } والدين تبايع وقد أمر فيه بالإشهاد فبين المعنى الذي أمر له به فدل ما بين الله عز وجل في الدين على أن الله عز وجل إنما أمر به على النظر والاحتياط لا على الحتم قلت قال الله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل [ ص: 89 ] مسمى فاكتبوه } ثم قال في سياق الآية { ، وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن أمانته } فلما أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن ثم أباح ترك الرهن وقال { فإن أمن بعضكم بعضا } دل على أن الأمر الأول دلالة على الحض لا فرض منه يعصي من تركه والله أعلم .
وقد حفظ { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بايع أعرابيا في فرس فجحد الأعرابي بأمر بعض المنافقين ولم يكن بينهما بينة } فلو كان حتما لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا بينة وقد حفظت عن عدة لقيتهم مثل معنى قولي من أنه لا يعصي من ترك الإشهاد وأن البيع لازم ، إذا تصادقا لا ينقضه أن لا تكون بينة كما ينقض النكاح ، لاختلاف حكمهما .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (119)
صــــــــــ 89 الى صـــــــــــ94
باب السلف والمراد به السلم ( قال الشافعي ) : رحمه الله قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى [ ص: 90 ] فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل } - إلى قوله - { وليتق الله ربه } ( قال الشافعي ) : فلما أمر الله عز وجل بالكتاب ثم رخص في الإشهاد إن كانوا على سفر ولم يجدوا كاتبا احتمل أن يكون فرضا وأن يكون دلالة فلما قال الله جل ثناؤه { فرهان مقبوضة } والرهن غير الكتاب والشهادة ثم قال { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه } دل كتاب الله عز وجل على أن أمره بالكتاب ثم الشهود ثم الرهن إرشاد لا فرض عليهم لأن قوله { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } إباحة لأن يأمن بعضهم بعضا فيدع الكتاب والشهود والرهن ( قال ) : وأحب الكتاب والشهود ، لأنه إرشاد من الله ونظر للبائع والمشتري وذلك أنهما إن كانا أمينين فقد يموتان أو أحدهما فلا يعرف حق [ ص: 91 ] البائع على المشتري فيتلف على البائع أو ورثته حقه وتكون التباعة على المشتري في أمر لم يرده ، وقد يتغير عقل المشتري فيكون هذا والبائع وقد يغلط المشتري فلا يقر فيدخل في الظلم من حيث لا يعلم ويصيب ذلك البائع فيدعي ما ليس له فيكون الكتاب والشهادة قاطعا هذا عنهما وعن ورثتهما ولم يكن يدخله ما وصفت انبغى لأهل دين الله اختيار ما ندبهم الله إليه إرشادا ومن تركه فقد ترك حزما وأمرا لم أحب تركه من غير أن أزعم أنه محرم عليه بما وصفت من الآية بعده ( قال الشافعي ) : قال الله عز وجل { ، ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله } يحتمل أن يكون حتما على من دعي للكتاب فإن تركه تارك كان عاصيا ، ويحتمل أن يكون كما وصفنا في كتاب جماع العلم على من حضر من الكتاب أن لا يعطلوا كتاب حق بين رجلين فإذا قام به واحد أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفيها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم ، ولو ترك كل من حضر من الكتاب خفت أن .
[ ص: 92 ] يأثموا بل كأني لا أراهم يخرجون من المأثم وأيهم قام به أجزأ عنهم ( قال الشافعي ) : وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) : وقول الله جل ذكره { ، ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } يحتمل ما وصفت من أن يأبى كل شاهد ابتدئ فيدعى ليشهد ويحتمل أن يكون فرضا على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكفاية للشهادة فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم ، وإن ترك من حضر الشهادة خفت حرجهم بل لا أشك فيه وهذا أشبه معانيه به والله تعالى أعلم .
قال فأما من سبقت شهادته بأن أشهد أو علم حقا لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق ( قال الشافعي ) : والقول في كل دين سلف أو غيره كما وصفت ، وأحب الشهادة في كل حق لزم من بيع وغيره نظرا في المتعقب لما وصفت وغيره من تغير العقول .
( قال الشافعي ) : في قول الله عز وجل { فليملل وليه بالعدل } دلالة على تثبيت الحجر وهو موضوع في كتاب الحجر ( قال الشافعي ) : وقول الله [ ص: 93 ] تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } يحتمل كل دين ويحتمل السلف خاصة ، وقد ذهب فيه ابن عباس إلى أنه في السلف ( أخبرنا ) الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن قتادة عن أبي حسان الأعرج .
[ ص: 94 ] عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه وأذن فيه ثم قال { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } .
( قال الشافعي ) : وإن كان كما قال ابن عباس في السلف قلنا به في كل دين قياسا عليه لأنه في معناه ، والسلف جائز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار وما لا يختلف فيه أهل العلم علمته ( قال الشافعي ) : أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين وربما قال السنتين والثلاث فقال " من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم } ( قال الشافعي ) : حفظته كما وصفت من سفيان مرارا ( قال الشافعي ) : وأخبرني من أصدقه عن سفيان أنه قال كما قلت وقال في الأجل إلى أجل معلوم ( أخبرنا ) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول لا نرى بالسلف بأسا الورق في الورق نقدا ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن ابن عمر كان يجيزه .
( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع أنه كان يقول لا بأس أن يسلف الرجل في طعام موصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى .
( قال الشافعي ) : أخبرنا ابن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين أنه سئل عن الرهن في السلف فقال إذا كان البيع حلالا فإن الرهن مما أمر به ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا بالرهن والحميل في السلم وغيره ( قال الشافعي ) : والسلم السلف وبذلك أقول لا بأس فيه بالرهن والحميل لأنه بيع من البيوع وقد أمر الله جل ثناؤه بالرهن فأقل أمره تبارك وتعالى أن يكون إباحة له فالسلم بيع من البيوع ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يسلف الرجل في شيء يأخذ فيه رهنا أو حميلا ( قال الشافعي ) : ويجمع الرهن والحميل ويتوثق ما قدر عليه حقه .
( أخبرنا ) سعيد بن سالم عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر } ( قال الشافعي ) : أخبرنا إبراهيم بن محمد عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يبيع الرجل شيئا إلى أجل ليس عنده أصله .
( قال ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر مثله .
( قال الشافعي ) : ففي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دلائل ، منها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز أن يسلف إذا كان ما يسلف فيه كيلا معلوما ويحتمل معلوم الكيل ومعلوم الصفة ، وقال ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم } فدل ذلك على أن قوله ووزن معلوم إذا أسلف في كيل أن يسلف في كيل معلوم ، وإذا سمى أن يسمي أجلا معلوما ، وإذا سلف في وزن أن يسلف في وزن معلوم ، وإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف في التمر السنتين بكيل ووزن وأجل معلوم كله والتمر قد يكون رطبا ، وقد أجاز أن يكون في الرطب سلفا مضمونا في غير حينه الذي يطيب فيه لأنه إذا سلف سنتين كان بعضها في غير حينه .
( قال ) : والسلف قد يكون بيع ما ليس عند البائع فلما { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيما عن بيع ما ليس عنده وأذن في السلف } استدللنا على أنه لا ينهى عما أمر به ، وعلمنا أنه إنما نهى حكيما عن بيع ما ليس عنده إذا لم يكن مضمونا عليه ، وذلك بيع الأعيان ( قال ) : ويجتمع السلف وهو بيع الصفات وبيع الأعيان في أنه لا يحل فيهما بيع منهي عنه ، ويفترقان في أن الجزاف يحل فيما رآه صاحبه ، ولا يحل في السلف إلا معلوم بكيل أو وزن أو صفة .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (120)
صــــــــــ 95 الى صـــــــــــ100
( قال الشافعي ) : والسلف بالصفة والأجل ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم حفظت عنه ( قال الشافعي ) : وما كتبت من الآثار بعدما كتبت [ ص: 95 ] من القرآن والسنة والإجماع ليس لأن شيئا من هذا يزيد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة ، ولا لو خالفها ولم يحفظ معها يوهنها بل هي التي قطع الله بها العذر ولكنا رجونا الثواب في إرشاد من سمع ما كتبنا فإن فيما كتبنا بعض ما يشرح قلوبهم لقبوله ولو تنحت عنهم الغفلة لكانوا مثلنا في الاستغناء بكتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما احتاجوا إذا أمر الله عز وجل بالرهن في الدين إلى أن يقول قائل هو جائز في السلف ; لأن أكثر ما في السلف أن يكون دينا مضمونا .
( قال الشافعي ) : فإذا أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الطعام بصفة إلى أجل كان - والله تعالى أعلم - بيع الطعام بصفة حالا أجوز ; لأنه ليس في البيع معنى إلا أن يكون بصفة مضمونا على صاحبه فإذا ضمن مؤخرا ضمن معجلا وكان معجلا أعجل منه مؤخرا ، والأعجل أخرج من معنى الغرر وهو مجامع له في أنه مضمون له على بائعه بصفة .
باب ما يجوز من السلف
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : لا يجوز جماع السلف حتى يجمع خصالا ، أن يدفع المسلف ثمن ما سلف لأن في قول النبي صلى الله عليه وسلم { من سلف فليسلف } إنما قال فليعط ولم يقل ليبايع ، ولا يعطي ، ولا يقع اسم التسليف فيه حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يفارق من سلفه وأن يشرط عليه أن يسلفه فيما يكال كيلا أو فيما يوزن وزنا ومكيال وميزان معروف عند العامة ، فأما ميزان يريه إياه أو مكيال يريه فيشترطان عليه فلا يجوز ، وذلك لأنهما لو اختلفا فيه أو هلك لم يعلم ما قدره ، ولا يبالي كان مكيالا قد أبطله السلطان أو لا إذا كان معروفا ، وإن كان تمرا قال تمر صيحاني أو بردي أو عجوة أو جنيب أو صنف من التمر معروف فإن كان حنطة قال شامية أو ميسانية أو مصرية أو موصلية أو صنفا من الحنطة موصوفا ، وإن كان ذرة قال حمراء أو نطيس أو هما أو صنف منها معروف ، وإن كان شعيرا قال من شعير بلد كذا ، وإن كان يختلف سمى صفته وقال في كل واحد من هذا جيدا أو رديئا أو وسطا وسمى أجلا معلوما إن كان لما سلف أجل ، وإن لم يكن له أجل كان حالا .
( قال الشافعي ) : وأحب أن يشترط الموضع الذي يقبضه فيه ( قال الشافعي ) : وإن كان ما سلف فيه رقيقا قال عبد نوبي خماسي أو سداسي أو محتلم أو وصفه بشيته وأسود هو أو أصفر أو أسحم وقال نقي من العيوب وكذلك ما سواه من الرقيق بصفة وسن ولون وبراءة من العيوب إلا أن يشاء أن يقول إلا الكي والحمرة والشقرة وشدة السواد والحمش ، وإن سلف في بعير قال بعير من نعم بني فلان ثني غير مودن نقي من العيوب سبط الخلق أحمر مجفر الجنبين رباعي أو بازل وهكذا الدواب يصفها بنتاجها وجنسها وألوانها وأسنانها وأنسابها وبراءتها من العيوب إلا أن يسمي عيبا يتبرأ البائع منه ( قال ) : ويصف الثياب بالجنس : من كتان أو قطن ونسج بلد وذرع من عرض وطول وصفاقة ودقة وجودة أو رداءة أو وسط وعتيق من الطعام كله أو جديد أو غير جديد ، ولا عتيق وأن يصف ذلك بحصاد عام مسمى أصح ( قال ) : وهكذا النحاس يصفه : أبيض أو شبها أو أحمر .
[ ص: 96 ] ويصف الحديد : ذكرا أو أنيثا أو بجنس إن كان له والرصاص .
( قال ) : وأقل ما يجوز فيه السلف من هذا أن يوصف ما سلف فيه بصفة تكون معلومة عند أهل العلم إن اختلف المسلف والمسلف ، وإذا كانت مجهولة لا يقام على حدها أو إلى أجل غير معلوم أو ذرع غير معلوم أو لم يدفع المسلف الثمن عند التسليف وقبل التفرق من مقامهما فسد السلف ، وإذا فسد رد إلى المسلف رأس ماله ( قال ) : فكل ما وقعت عليه صفة يعرفها أهل العلم بالسلعة التي سلف فيها جاز فيها السلف ( قال ) : ولا بأس أن يسلف الرجل في الرطب قبل أن يطلع للنخل الثمر إذا اشترط أجلا في وقت يمكن فيه الرطب وكذلك الفواكه المكيلة الموصوفة وكذلك يسلف إلى سنة في طعام جديد إذا حل حقه ( قال الشافعي ) : والجدة في الطعام والثمر مما لا يستغنى عن شرطه لأنه قد يكون جيدا عتيقا ناقصا بالقدم ( قال الشافعي ) : ولو اشترط في شيء مما سلف أجود طعام كذا أو أردأ طعام كذا أو اشترط ذلك في ثياب أو رقيق أو غير ذلك من السلع كان السلف فاسدا ; لأنه لا يوقف على أجوده ، ولا أدناه أبدا ويوقف على جيد ورديء ; لأنا نأخذه بأقل ما يقع عليه اسم الجودة والرداءة .
باب في الآجال في السلف والبيوع
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من سلف فليسلف في كيل معلوم وأجل معلوم } يدل على أن الآجال لا تحل إلا أن تكون معلومة وكذلك قال الله جل ثناؤه { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } ( قال الشافعي ) : ولا يصلح بيع إلى العطاء ، ولا حصاد ، ولا جداد ، ولا عيد النصارى وهذا غير معلوم ; لأن الله تعالى حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الإسلام فقال تبارك وتعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } وقال جل ثناؤه { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقال جل وعز : { الحج أشهر معلومات } وقال : { يسألونك عن الشهر الحرام } وقال : { واذكروا الله في أيام معدودات } ( قال الشافعي ) : فأعلم الله تعالى بالأهلة جمل المواقيت وبالأهلة مواقيت الأيام من الأهلة ولم يجعل علما لأهل الإسلام إلا بها فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله أعلم ( قال الشافعي ) : ولو لم يكن هكذا ما كان من الجائز أن تكون العلامة بالحصاد والجداد فخلافه وخلافه قول الله عز وجل أجل مسمى والأجل المسمى ما لا يختلف والعلم يحيط أن الحصاد والجداد يتأخران ويتقدمان بقدر عطش الأرض وريها وبقدر برد الأرض والسنة وحرها ولم يجعل الله فيما استأخر أجلا إلا معلوما والعطاء إلى السلطان يتأخر ويتقدم وفصح النصارى عندي يخالف حساب الإسلام وما أعلم الله تعالى به فقد يكون عاما في شهر وعاما في غيره فلو أجزناه إليه أجزناه على أمر مجهول فكره ; لأنه مجهول وأنه خلاف ما أمر الله به ورسوله أن نتأجل فيه ولم يجز فيه إلا قول النصارى على حساب يقيسون فيه أياما فكنا إنما أعلمنا في ديننا بشهادة النصارى الذين لا نجيز شهادتهم على شيء وهذا عندنا غير حلال لأحد من المسلمين ( قال الشافعي ) : فإن قال قائل فهل قال فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا ما نحتاج إلى شيء مع ما وصفت من دلائل الكتاب والسنة والقياس وقد روى فيه رجل لا يثبت حديثه كل الثبت شيئا ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال . [ ص: 97 ] لا تبيعوا إلى العطاء ، ولا إلى الأندر ، ولا إلى الدياس
( أخبرنا ) سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء سئل عن رجل باع طعاما فإن أجلت على الطعام فطعامك في قابل سلف قال لا إلا إلى أجل معلوم وهذان أجلان لا يدري إلى أيهما يوفيه طعامه ( قال الشافعي ) : ولو باع رجل عبدا بمائة دينار إلى العطاء أو إلى الجداد أو إلى الحصاد كان فاسدا ولو أراد المشتري إبطال الشرط وتعجيل الثمن لم يكن ذلك له ; لأن الصفقة انعقدت فاسدة فلا يكون له ، ولا لهما إصلاح جملة فاسدة إلا بتجديد بيع غيرها .
( قال الشافعي ) : فالسلف بيع مضمون بصفة فإن اختار أن يكون إلى أجل جاز وأن يكون حالا وكان الحال أولى أن يجوز لأمرين أحدهما أنه مضمون بصفة كما كان الدين مضمونا بصفة والآخر أن ما أسرع المشتري في أخذه كان الخروج من الفساد بغرور وعارض أولى من المؤجل ( أخبرنا ) سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سأل عطاء فقال له رجل سلفته ذهبا في طعام يوفيه قبل الليل ودفعت إليه الذهب قبل الليل وليس الطعام عنده قال : لا من أجل الشف وقد علم كيف السوق وكم السعر قال ابن جريج فقلت له لا يصلح السلف إلا في الشيء المستأخر قال لا إلا في الشيء المستأخر الذي لا يعلم كيف يكون السوق إليه يربح أو لا يربح قال ابن جريج ثم رجع عن ذلك بعد ( قال الشافعي ) : يعني أجاز السلف حالا ( قال الشافعي ) : وقوله الذي رجع إليه أحب إلي من قوله الذي قاله أولا وليس في علم واحد منهما كيف السوق شيء يفسد بيعا ، ولا في علم أحدهما دون الآخر أرأيت لو باع رجل رجلا ذهبا وهو يعرف سوقها أو سلعة ، ولا يعلمه المشتري أو يعلمه المشتري ، ولا يعلمه البائع أكان في شيء من هذا ما يفسد البيع ؟ ( قال الشافعي ) : ليس في شيء من هذا شيء يفسد بيعا معلوما نسيئة ، ولا حالا .
( قال الشافعي ) : فمن سلف إلى الجداد أو الحصاد فالبيع فاسد .
( قال الشافعي ) : وما أعلم إما إلا والجداد يستأخر فيه حتى لقد رأيته يجد في ذي القعدة ثم رأيته يجد في المحرم ومن غير علة بالنخل فأما إذا اعتلت النخل أو اختلفت بلدانها فهو يتقدم ويتأخر بأكثر من هذا .
( قال ) : والبيع إلى الصدر جائز والصدر يوم النفر من منى " فإن قال وهو ببلد غير مكة إلى مخرج الحاج أو إلى أن يرجع الحاج فالبيع فاسد ; لأن هذا غير معلوم فلا يجوز أن يكون الأجل إلى فعل يحدثه الآدميون ; لأنهم قد يعجلون السير ويؤخرونه للعلة التي تحدث ، ولا إلى ثمرة شجرة وجدادها ; لأنه يختلف في الشهور التي جعلها الله علما فقال { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا } فإنما يكون الجداد بعد الخريف وقد أدركت الخريف يقع مختلفا في شهورنا التي وقت الله لنا يقع في عام شهرا ثم يعود في شهر بعده فلا يكون الوقت فيما يخالف شهورنا التي وقت لنا ربنا عز وجل ، ولا بما يحدثه الآدميون ، ولا يكون إلا إلى ما لا عمل للعباد في تقديمه ، ولا تأخيره مما جعله الله عز وجل وقتا .
( قال ) : ولو سلفه إلى شهر كذا فإن لم يتهيأ فإلى شهر كذا كان فاسدا حتى يكون الأجل واحدا معلوما .
( قال ) : ولا يجوز الأجل إلا مع عقد البيع وقبل تفرقهما عن موضعهما الذي تبايعا فيه فإن تبايعا وتفرقا عن غير أجل ثم ألقيا فجددا أجلا لم يجز إلا أن يجددا بيعا ( قال ) : وكذلك لو أسلفه مائة درهم في كيل من طعام يوفيه إياه في شهر كذا فإن لم يتيسر كله ففي شهر كذا كان غير جائز ; لأن هذين أجلان لا أجل واحد فإن قال أوفيكه فيما بين إن دفعته إلي إلى منتهى رأس الشهر كان هذا أجلا غير محدود حدا واحدا وكذلك لو قال أجلك فيه شهر كذا أوله وآخره ، ولا يسمي أجلا واحدا فلا يصلح حتى يكون أجلا واحدا ( قال الشافعي ) : ولو سلفه إلى شهر كذا فإن حبسه فله كذا كان بيعا فاسدا ، وإذا سلف فقال إلى شهر رمضان من سنة كذا كان جائزا والأجل حين يرى هلال شهر رمضان أبدا حتى يقول إلى انسلاخ شهر رمضان أو مضيه أو كذا وكذا يوما يمضي منه .
. [ ص: 98 ] قال الشافعي ) : ولو قال أبيعك إلى يوم كذا لم يحل حتى يطلع الفجر من ذلك اليوم ، وإن قال إلى الظهر فإذا دخل وقت الظهر في أدنى الأوقات ولو قال إلى عقب شهر كذا : كان مجهولا فاسدا ( قال الشافعي ) : ولو تبايعا عن غير أجل ثم لم يتفرقا عن مقامهما حتى جددا أجلا فالأجل لازم ، وإن تفرقا قبل الأجل عن مقامهما ثم جددا أجلا لم يجز إلا بتجديد بيع وإنما أجزته أولا ; لأن البيع لم يكن تم فإذا تم بالتفرق لم يجز أن يجدداه إلا بتجديد بيع .
. [ ص: 98 ] قال الشافعي ) : ولو قال أبيعك إلى يوم كذا لم يحل حتى يطلع الفجر من ذلك اليوم ، وإن قال إلى الظهر فإذا دخل وقت الظهر في أدنى الأوقات ولو قال إلى عقب شهر كذا : كان مجهولا فاسدا ( قال الشافعي ) : ولو تبايعا عن غير أجل ثم لم يتفرقا عن مقامهما حتى جددا أجلا فالأجل لازم ، وإن تفرقا قبل الأجل عن مقامهما ثم جددا أجلا لم يجز إلا بتجديد بيع وإنما أجزته أولا ; لأن البيع لم يكن تم فإذا تم بالتفرق لم يجز أن يجدداه إلا بتجديد بيع .
( قال ) : وكذلك لو تبايعا على أجل ثم نقضاه قبل التفرق كان الأجل الآخر ، وإن نقضا الأجل بعد التفرق بأجل غيره ولم ينقضا البيع فالبيع الأول لازم تام على الأجل الأول والآخر موعد ، إن أحب المشتري وفى به ، وإن أحب لم يف به .
( قال الشافعي ) : ولا يجوز أن يسلفه مائة دينار في عشرة أكرار خمسة منها في وقت كذا وخمسة في وقت كذا لوقت بعده لم يجز السلف ; لأن قيمة الخمسة الأكرار المؤخرة أقل من قيمة الأكرار المقدمة فتقع الصفقة لا يعرف كم حصة كل واحدة من الخمستين من الذهب فوقع به مجهولا وهو لا يجوز مجهولا والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) : ، ولا يجوز أن يسلم ذهب في ذهب ، ولا فضة في فضة ، ولا ذهب في فضة ، ولا فضة في ذهب ويجوز أن يسلم كل واحد منهما في كل شيء خلافهما من نحاس وفلوس وشبه ورصاص وحديد وموزون ومكيل مأكول أو مشروب وغير ذلك من جميع ما يجوز أن يشترى .
( قال الشافعي ) : وإنما أجزت أن يسلم في الفلوس بخلافه في الذهب والفضة بأنه لا زكاة فيه وأنه ليس بثمن للأشياء كما تكون الدراهم والدنانير أثمانا للأشياء المسلفة فإن في الدنانير والدراهم الزكاة وليس في الفلوس زكاة وإنما انظر في التبر إلى أصله وأصل النحاس مما لا ربا فيه فإن قال قائل فمن أجاز السلم في الفلوس ؟ قلت غير واحد ( قال الشافعي ) : أخبرنا القداح عن محمد بن أبان عن حماد بن إبراهيم أنه قال لا بأس بالسلم في الفلوس وقال سعيد القداح لا بأس بالسلم في الفلوس والذين أجازوا السلف في النحاس يلزمهم أن يجيزوه في الفلوس والله تعالى أعلم . فإن قال قائل فقد تجوز في البلدان جواز الدنانير والدراهم قيل : في بعضها دون بعض وبشرط وكذلك الحنطة تجوز بالحجاز التي بها سنت السنن جواز الدنانير والدراهم ، ولا تجوز بها الفلوس فإن قال الحنطة ليست بثمن لما استهلك قيل وكذلك الفلوس ولو استهلك رجل لرجل قيمة درهم أو أقل لم يحكم عليه به إلا من الذهب والفضة لا من الفلوس فلو كان من كرهها إنما كرهها لهذا انبغى له أن يكره السلم في الحنطة ; لأنها ثمن بالحجاز وفي الذرة ; لأنها ثمن باليمن فإن قال قائل إنما تكون ثمنا بشرط فكذلك الفلوس لا تكون ثمنا إلا بشرط ألا ترى رجلا لو كان له على رجل دانق لم يجبره على أن يأخذ منه فلوسا وإنما يجبره على أن يأخذ الفضة وقد بلغني أن أهل سويقة في بعض البلدان أجازوا بينهم خزفا مكان الفلوس والخزف فخار يجعل كالفلوس أفيجوز أن يقال يكره السلف في الخزف ؟ ( قال الشافعي ) : رحمه الله : أرأيت الذهب والفضة مضروبين دنانير أو دراهم أمثلهما غير دنانير أو دراهم لا يحل الفضل في واحد منهما على صاحبه لا ذهب بدنانير ، ولا فضة بدراهم إلا مثلا بمثل وزنا بوزن وما ضرب منهما وما لم يضرب سواء لا يختلف وما كان ضرب منهما ولم يضرب منهما ثمن ، ولا غير ثمن سواء لا يختلف ; لأن الأثمان دراهم ودنانير لا فضة ، ولا يحل الفضل في مضروبه على غير مضروبه ، الربا في مضروبه وغير مضروبه سواء فكيف يجوز أن يجعل مضروب الفلوس [ ص: 99 ] مخالفا غير مضروبها ؟ وهذا لا يكون في الذهب والفضة .
( قال الشافعي ) : وكل ما كان في الزيادة في : بعضه على بعض الربا فلا يجوز أن يسلم شيء منه في شيء منه إلى أجل ، ولا شيء منه مع غيره في شيء منه وحده ، ولا مع غيره ، ولا يجوز أن يسلم شاة فيها لبن بلبن إلى أجل حتى يسلمها مستحلبا بلا لبن ، ولا سمن ، ولا زبد ; لأن حصة اللبن الذي في الشاة بشيء من اللبن الذي إلى أجل لا يدري كم هو لعله بأكثر أو أقل واللبن لا يجوز إلا مثلا بمثل ويدا بيد وهكذا هذا الباب كله وقياسه .
( قال الشافعي ) : ولا يحل عندي استدلالا بما وصفت من السنة والقياس أن يسلف شيء يؤكل أو يشرب مما يكال فيما يوزن مما يؤكل أو يشرب ، ولا شيء يوزن فيما يكال لا يصلح أن يسلف مد حنطة في رطل عسل ، ولا رطل عسل في مد زبيب ، ولا شيء من هذا وهذا كله قياسا على الذهب الذي لا يصلح أن يسلم في الفضة ، والفضة التي لا يصلح أن تسلم في الذهب والقياس على الذهب والفضة أن لا يسلف مأكول موزون في مكيل مأكول ، ولا مكيل مأكول في موزون مأكول ، ولا غيره مما أكل أو شرب بحال وذلك مثل سلف الدنانير في الدراهم ، ولا يصلح شيء من الطعام بشيء من الطعام نسيئة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله ولا بأس أن يسلف العرض في العرض مثله إذا لم يكن مأكولا ، ولا مشروبا أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا بأس أن يبيع السلعة بالسلعة إحداهما ناجزة والأخرى دين أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال له أبيع السلعة بالسلعة كلتاهما دين ؟ فكرهه قال وبهذا نقول لا يصلح أن يبيع دينا بدين وهذا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ( قال الشافعي ) : وكل ما جاز بيع بعضه ببعض متفاضلا من الأشياء كلها جاز أن يسلف بعضه في بعض ما خلا الذهب في الفضة والفضة في الذهب والمأكول والمشروب كل واحد منهما في صاحبه : فإنها خارجة من هذا المعنى ، ولا بأس أن يسلف مد حنطة في بعير وبعير في بعيرين وشاة في شاتين وسواء اشتريت الشاة والجدي بشاتين يراد بهما الذبح أو لا يراد ; لأنهما يتبايعان حيوانا لا لحما بلحم ، ولا لحما بحيوان وما كان في هذا المعنى وحشية في وحشيتين موصوفتين ما خلا ما وصفت .
( قال الشافعي ) : وما أكل أو شرب مما لا يوزن ، ولا يكال قياسا عندي على ما يكال ويوزن مما يؤكل أو يشرب فإن قال قائل فكيف قست ما لا يكال ، ولا يوزن من المأكول والمشروب على ما يكال ويوزن منهما ؟ قلت وجدت أصل البيوع شيئين ، شيئا في الزيادة في بعضه على بعض الربا ، وشيئا لا ربا في الزيادة في بعضه على بعض ، فكان الذي في الزيادة في بعضه على بعض ، الربا ، ذهب وفضة وهما بائنان من كل شيء لا يقاس عليهما غيرهما لمباينتهما ما قيس عليهما بما وصفنا من أنهما ثمن لكل شيء وجائز أن يشترى بهما كل شيء عداهما يدا بيد ونسيئة وبحنطة وشعير وتمر وملح وكان مأكولا مكيلا موجودا في السنة تحريم الفضل في كل صنف منه على الشيء من صنفه فقسنا المكيل والموزون عليهما ووجدنا ما يباع غير مكيل ، ولا موزون فتجوز الزيادة في بعضه على بعض من الحيوان والثياب وما أشبه ذلك مما لا يوزن فلما كان المأكول غير المكيل عند العامة ، الموزون عندها مأكولا فجامع المأكول المكيل الموزون في هذا المعنى ووجدنا أهل البلدان يختلفون فمنهم من يزن وزنا ووجدنا كثيرا من أهل البلدان يزن اللحم وكثيرا لا يزنه ووجدنا كثيرا من أهل البلدان يبيعون الرطب جزافا فكانت أفعالهم فيه متباينة واحتمل كله الوزن والكيل ومنهم من يكيل منه الشيء لا يكيله غيره ووجدنا كله يحتمل الوزن ووجدنا كثيرا من أهل العلم يزن اللحم وكثيرا منهم لا يزنه ووجدنا كثيرا من أهل العلم يبيعون الرطب جزافا وكانت أفعالهم فيه متباينة واحتمل كلها الوزن أو الكيل أو كلاهما كان أن يقاس بالمأكول والمشروب المكيل والموزون أولى بنا من أن يقاس على ما يباع عددا من .
[ ص: 100 ] غير المأكول من الثياب وغيرها ; لأنا وجدناها تفارقه فيما وصفت وفي أنها لا تجوز إلا بصفة وذرع وجنس وسن في الحيوان وصفة لا يوجد في المأكول مثلها ( قال الشافعي ) : ولا يصلح على قياس قولنا هذا ، رمانة برمانتين عددا لا وزنا ، ولا سفرجلة بسفرجلتين ، ولا بطيخة ببطيختين ، ولا يصلح أن يباع منه جنس بمثله إلا وزنا بوزن يدا بيد كما نقول في الحنطة والتمر ، وإذا اختلف فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ، ولا خير فيه نسيئة ، ولا بأس برمانة بسفرجلتين وأكثر عددا ووزنا كما ألا يكون بأس بمد حنطة بمدي تمر وأكثر ، ولا مد حنطة بتمر جزافا أقل من الحنطة أو أكثر ; لأنه إذا لم يكن في الزيادة فيه يدا بيد الربا لم أبال أن لا يتكايلاه ; لأني إنما آمرهما يتكايلانه إذا كان لا يحل إلا مثلا بمثل فأما إذا جاز فيه التفاضل فإنما منع إلا بكيل كي لا يتفاضل فلا معنى فيه - إن ترك الكيل - يحرمه ، وإذا بيع منه جنس بشيء من جنسه لم يصلح عددا ولم يصلح إلا وزنا بوزن وهذا مكتوب في غير هذا الموضع بعلله ( قال ) : ولا يسلف مأكولا ، ولا مشروبا في مأكول ، ولا مشروب بحال كما لا يسلف الفضة في الذهب ، ولا يصلح أن يباع إلا يدا بيد كما يصلح الفضة بالفضة والذهب بالذهب .
( قال الشافعي ) : ولا يصلح في شيء من المأكول أن يسلم فيه عددا ; لأنه لا صفة له كصفة الحيوان وذرع الثياب والخشب ، ولا يسلف إلا وزنا معلوما أو كيلا معلوما إن صلح أن يكال ، ولا يسلف في جوز ، ولا بيض ، ولا رانج ، ولا غيره عددا لاختلافه وأنه لا حد له يعرف كما يعرف غيره ( قال ) : وأحب إلي أن لا يسلف جزاف من ذهب ، ولا فضة ، ولا طعام ، ولا ثياب ، ولا شيء ، ولا يسلف شيء حتى يكون موصوفا إن كان دينارا فسكته وجودته ووزنه ، وإن كان درهما فكذلك وبأنه وضح أو أسود أو ما يعرف به فإن كان طعاما قلت تمر صيحاني جيد كيله كذا وكذلك إن كانت حنطة ، وإن كان ثوبا قلت مروي طوله كذا وعرضه كذا رقيق صفيق جيد ، وإن كان بعيرا قلت ثنيا مهريا أحمر سبط الخلق جسيما أو مربوعا تصف كل ما أسلفته كما تصف كل ما أسلفت فيه وبعث به عرضا دينا لا يجزئ في رأيي غيره فإن ترك منه شيئا أو ترك في السلف دينا خفت أن لا يجوز وحال ما أسلفته غير حال ما أسلفت فيه وهذا الموضع الذي يخالف فيه السلف بيع الأعيان ألا ترى أنه لا بأس أن يشتري الرجل إبلا قد رآها البائع والمشتري ولم يصفاها بثمر حائط قد بدا صلاحه ورأياها وأن الرؤية منهما في الجزاف وفيما لم يصفاه من الثمرة أو المبيع كالصفة فيما أسلف فيه وأن هذا لا يجوز في السلف أن أقول أسلفك في ثمر نخلة جيدة من خير النخل حملا أو أقله أو أوسطه من قبل أن حمل النخل يختلف من وجهين : أحدهما : من السنين فيكون في سنة أحمل منه في الأخرى من العطش ومن شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل ويكون بعضها مخفا وبعضها موقرا فلما لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أنهم يجيزون في بيع الأعيان الجزاف والعين غير موصوفة ; لأن الرؤية أكثر من الصفة ويردونه في السلف ففرقوا بين حكمهما وأجازوا في بيع العين أن يكون إلى غير أجل ولم يجيزوا في بيع السلف المؤجل أن يكون كان والله تعالى أعلم أن يقول كما لا يكون المبيع المؤجل إلا معلوما بما يعلم به مثله من صفة وكيل ووزن وغير ذلك فكذلك ينبغي أن يكون ما ابتيع به معروفا بصفة وكيل ووزن فيكون الثمن معروفا كما كان المبيع معروفا ، ولا يكون السلم مجهول الصفة والوزن في مغيب لم ير فيكون مجهولا بدين .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (121)
صــــــــــ 101 الى صـــــــــــ106
( قال الشافعي ) : ومن ذهب هذا المذهب ذهب إلى أن السلف إن انتقض عرف المسلف رأس ماله ويكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة ، ولا يكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة عينا مجهولا ، ولا يكون معلوم [ ص: 101 ] الصفة عينا .
( قال الشافعي ) : وقد نجد خلاف من قال هذا القول مذهبا محتملا ، وإن كنا قد اخترنا ما وصفنا وذلك أن يقول قائل إن بيع الجزاف إنما جاز إذا عاينه المجازف فكان عيان المجازف مثل الصفة فيما غاب أو أكثر ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يبتاع ثمر حائط جزافا بدين ، ولا يحل أن يكون الدين إلا موصوفا إذا كان غائبا فإن كان الثمر حاضرا جزافا كالموصوف غائبا ؟ ( قال الشافعي ) : ومن قال هذا القول الآخر انبغى أن يجيز السلف جزافا من الدنانير والدراهم وكل شيء ويقول إن انتقض السلف فالقول قول البائع ; لأنه المأخوذ منه مع يمينه كما يشتري الدار بعينها بثمر حائط فينتقض البيع فيكون القول في الثمن قول البائع ومن قال القول الأول في أن لا يجوز في السلف إلا ما كان مقبوضا موصوفا كما يوصف ما سلف فيه غائبا قال ما وصفنا ( قال ) : والقول الأول أحب القولين إلي والله أعلم . وقياس هذا القول الذي اخترت أن لا يسلف مائة دينار في مائة صاع حنطة ومائة صاع تمر موصوفين إلا أن يسمى رأس مال كل واحد منهما ; لأن الصفقة وقعت وليس ثمن كل واحد منهما معروفا .
( قال الشافعي ) : ولو سلف مائتي صاع حنطة مائة بينهما إلى شهر كذا ومائة إلى شهر مسمى بعده لم يجز في هذا القول من قبل أنه لم يسم لكل واحد منهما ثمنا على حدته وأنهما إذا أقيما كانت مائة صاع أقرب أجلا من مائة صاع أبعد أجلا منها أكثر في القيمة وانعقدت الصفقة على مائتي صاع ليست تعرف حصة كل واحد منهما من الثمن .
( قال الشافعي ) : وقد أجازه غيرنا وهو يدخل عليه ما وصفنا وأنه إن جعل كل واحد منهما بقيمة يوم يتبايعان قومه قبل أن يجب على بائعه دفعه وإنما يقوم ما وجب دفعه وهذا لم يجب دفعه فقد انعقدت الصفقة وهو غيره معلوم ( قال ) : ولا يجوز في هذا القول أن تسلف أبدا في شيئين مختلفين ، ولا أكثر إذا سميت رأس مال كل واحد من ذلك الصنف وأجله حتى يكون صفقة جمعت بيوعا مختلفة ( قال ) : فإن فعل فأسلف مائة دينار في مائتي صاع حنطة منهما مائة بستين دينارا إلى كذا وأربعون في مائة صاع تحل في شهر كذا جاز ; لأن هذه وإن كانت صفقة فإنها وقعت على بيعتين معلومتين بثمنين معلومين .
( قال الشافعي ) : وهذا مخالف لبيوع الأعيان في هذا الموضع ولو ابتاع رجل من رجل بمائة دينار مائة صاع حنطة ومائة صاع تمرا ومائة صاع جلجلان ومائة صاع بلسن جاز ، وإن لم يسم لكل صنف منه ثمنه وكان كل صنف منه بقيمته من المائة ، ولا يجوز أن يسلف في كيل فيأخذ بالكيل وزنا ، ولا في وزن فيأخذ بالوزن كيلا ; لأنك تأخذ ما ليس بحقك إما أنقص منه وإما أزيد لاختلاف الكيل والوزن عندما يدخل في المكيال وثقله فمعنى الكيل مخالف في هذا المعنى الوزن .
( قال الشافعي ) : وهكذا إن أسلم إليه في ثوبين أحدها هروي والآخر مروي موصوفين لم يجز السلف في واحد منهما حتى يسمى رأس مال كل واحد منهما وكذلك ثوبين مرويين ; لأنهما لا يستويان ليس هذا كالحنطة صنفا ، ولا كالتمر صنفا ; لأن هذا لا يتباين وأن بعضه مثل بعض ولكن لو أسلم في حنطتين سمراء ومحمولة مكيلتين لم يجز حتى يسمي رأس مال كل واحد منهما ; لأنهما يتباينان . .
باب جماع ما يجوز فيه السلف وما لا يجوز والكيل
( قال الشافعي ) : رحمه الله وأصل ما بنيت عليه في السلف وفرقت بينه داخل في نص السنة [ ص: 102 ] ودلالتها والله أعلم . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر بالسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم فموجود في أمره صلى الله عليه وسلم أن ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يكون علم البائع والمشتري في صفته سواء ( قال ) : وإذا وقع السلف على هذا جاز ، وإذا اختلف علم البائع والمشتري فيه أو كان مما لا يحاط بصفته : لم يجز ; لأنه خارج من معنى ما أذن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تبايع الناس بالكيل والوزن على معنى ما وصفت بين أنه معلوم عندهم أن الميزان يؤدي ما ابتيع معلوما والمكيال معلوم كذلك أو قريب منه وأن ما كيل ثم ملأ المكيال كله ولم يتجاف فيه شيء حتى يكون يملأ المكيال ومن المكيال شيء فارغ جاز ولو جاز أن يكال ما يتجافى في المكيال حتى يكون المكيال يرى ممتلئا وبطنه غير ممتلئ لم يكن للمكيال معنى وهذا مجهول ; لأن التجافي يختلف فيها يقل ويكثر فيكون مجهولا عند البائع والمشتري والبيع في السنة والإجماع لا يجوز أن يكون مجهولا عند واحد منهما فإن لم يجز بأن يجهله أحد المتبايعين لم يجز بأن يجهلاه معا ( قال ) : وموجود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهاهم عن السلف إلا بكيل ووزن وأجل معلوم كما وصفت قبل هذا وأنهم كانوا يسلفون في التمر السنة والسنتين والتمر يكون رطبا والرطب لا يكون في السنتين كلتيهما موجودا وإنما يوجد في حين من السنة دون حين وإنما أجزنا السلف في الرطب في غير حينه إذا تشارطا أخذه في حين يكون فيه موجودا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز السلف في السنتين والثلاث موصوفا ; لأنه لم ينه أن يكون إلا بكيل ووزن وأجل ولم ينه عنه في السنتين والثلاث ومعلوم أنه في السنة والسنتين غير موجود في أكثر مدتهما ، ولا يسلف في قبضة ، ولا مد من رطب من حائط بعينه إلى يوم واحد ; لأنه قد تأتي عليه الآفة ، ولا يوجد في يوم ، وإذا لم يجز في أكثر من يوم وإنما السلف فيما كان مأمونا وسواء القليل والكثير ولو أجزت هذا في مد رطب بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حائط بعينه أجزته في ألف صاع إذا كان يحمل مثلها ، ولا فرق بين الكثير والقليل في هذا .
باب السلف في الكيل
( قال الشافعي ) : رحمه الله أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال لا دق ، ولا رذم ، ولا زلزلة ( قال الشافعي ) : من سلف في كيل فليس له أن يدق ما في المكيال ، ولا يزلزله ، ولا يكنف بيديه على رأسه فله ما أخذ المكيال وليس له أن يسلف في كيل شيء يختلف في المكيال مثل ما تختلف خلقته ويعظم ويصلب ; لأنه قد يبقى فيما بين لك خواء لا شيء فيه فيكون كل واحد منهما لا يدري كم أعطي وكم أخذ إنما المكيال ليملأ وما كان هكذا لم يسلف فيه إلا وزنا ، ولا يباع أيضا إذا كان هكذا كيلا بحال ; لأن هذا إذا بيع كيلا لم يستوف المكيال ، ولا بأس أن يسلف في كيل بمكيال قد عطل وترك إذا كان معرفته عامة عند أهل العدل من أهل العلم به ، فإن كان لا يوجد عدلان يعرفانه أو أراه مكيالا فقال تكيل لي به لم يجز السلف فيه وهكذا القول في الميزان ; لأنه قد يهلك ، ولا يعرف قدره ويختلفان فيه فيفسد السلف فيه ، ومن الناس من أفسد السلم في هذا وأجازه في أن يسلف الشيء جزافا ومعناهما واحد ، ولا خبر في السلف في مكيل إلا موصوفا كما وصفنا في صفات الكيل والوزن . .
. [ ص: 103 ] باب السلف في الحنطة
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى السلف في البلدان كلها سواء ، قل طعام البلدان أو كثر ، فإذا كان الذي يسلف فيه في الوقت الذي يحل فيه لا يختلف ، ووصف الحنطة فقال محمولة أو مولدة أو بوزنجانية وجيدة أو رديئة من صرام عامها أو من صرام عام أول ويسمي سنته وصفاته جاز السلف ، وإن ترك من هذا شيئا لم يجز من قبل اختلافها وقدمها وحداثتها وصفائها ( قال الشافعي ) : ويصف الموضع الذي يقبضها فيه والأجل الذي يقبضها إليه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ( قال الشافعي ) : وقال غيرنا إن ترك صفة الموضع الذي يقبضها فيه فلا بأس ويقبضها حيث أسلفه ( قال الشافعي ) : وقد يسلفه في سفر في بلدة ليست بدار واحد منهما ، ولا قربها طعام فلو يكلف الحمل إليها أضر به وبالذي سلفه ويسلفه في سفر في بحر ( قال ) : وكل ما كان لحمله مؤنة من طعام وغيره لم يجز عندي أن يدع شرط الموضع الذي يوفيه إياه فيه كما قلت في الطعام وغيره لما وصفت ، وإذا سلف في حنطة بكيل فعليه أن يوفيه إياها نقية من التبن والقصل والمدر والحصى والزوان والشعير وما خالطها من غيرها ; لأنا لو قضينا عليه أن يأخذها وفيها من هذا شيء كنا لم نوفه مكيله قسطه حين خلطها بشيء من هذا ; لأن له موقعا من مكيال فكان لو أجبر على أخذ هذا أجبر على أخذ أقل من طعامه بأمر لا يعرفه ومكيلة لم يسلف فيها من هذا لا يعرفها .
( قال الشافعي ) : ولا يأخذ شيئا مما أسلف فيه متعيبا بوجه من الوجوه كسوس ، ولا ما أصابه ، ولا غيره ، ولا مما إذا رآه أهل العلم به قالوا هذا عيب فيه .
باب السلف في الذرة
( قال الشافعي ) : رحمه الله : والذرة كالحنطة توصف بجنسها ولونها وجودتها ورداءتها وجدتها وعتقها وصرام عام كذا أو عام كذا ومكيلتها وأجلها فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ( قال الشافعي ) : وقد تدفن الذرة ، وبعض الدفن عيب لها فما كان منه لها عيبا لم يكن للبائع أن يدفعه إلى المبتاع وكذلك كل عيب لها وعليه أن يدفع إليه ذرة بريئة نقية من حشرها إذا كان الحشر عليها كما كمام الحنطة عليها .
( قال الشافعي ) : وما كان منها إلى الحمرة ما هو بالحمرة لون لأعلاه كلون أعلى التفاح والأرز وليس بقشرة عليه تطرح عنه لا كما تطرح نخالة الحنطة بعد الطحن ، فأما قبل الطحن والهرس فلا يقدر على طرحها ، وإنما قلنا لا يجوز السلف في الحنطة في أكمامها وما كان من الذرة في حشرها ; لأن الحشر والأكمام غلافان فوق القشرة التي هي من نفس الحبة التي هي إنما هي للحبة كما هي من خلقتها لا تتميز ما كانت الحبة قائمة إلا بطحن أو هرس فإذا طرحت بهرس لم يكن للحبة بقاء ; لأنها كمال خلقتها كالجلد تكمل به الخلقة لا يتميز منها والأكمام والحشر يتميز ، ويبقى الحب بحاله لا يضر به طرح ذلك عنه ( قال ) : فإن شبه على أحد بأن يقول في الجوز واللوز يكون عليه القشر : فالجوز واللوز مما له قشر لا صلاح له إذا رفع إلا بقشره ; لأنه إذا طرح عنه قشره ثم ترك عجل فساده والحب يطرح قشره الذي هو [ ص: 104 ] غير خلقته فيبقى لا يفسد ( قال الشافعي ) : والقول في الشعير كهو في الذرة تطرح عنه أكمامه وما بقي فهو كقشر حبة الحنطة المطروح عنها أكمامها فيجوز أن يدفع بقشره اللازم لخلقته كما يجوز في الحنطة ( قال الشافعي ) : ويوصف الشعير كما توصف الذرة والحنطة : إذا اختلف أجناسه ويوصف كل جنس من الحب ببلده فإن كان حبه مختلفا في جنس واحد وصف بالدقة والحدارة لاختلاف الدقة والحدارة حتى يكون صفة من صفاته إن تركت أفسدت السلف وذلك أن اسم الجودة يقع عليه وهو دقيق ويقع عليه وهو حادر ويختلف في حاليه فيكون الدقيق أقل ثمنا من الحادر .
باب العلس :
( قال الشافعي ) : رحمه الله العلس صنف من الحنطة يكون فيه حبتان في كمام فيترك كذلك ; لأنه أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل فيلقى في رحى خفيفة فيلقى عنه كمامه ويصير حبا صحيحا ثم يستعمل ( قال الشافعي ) : والقول فيه كالقول في الحنطة في أكمامها لا يجوز السلف فيه إلا ملقى عنه كمامه بخصلتين اختلاف الكمام وتغيب الحب فلا يعرف بصفة والقول في صفاته وأجناسه إن كانت له وحدارته ودقته كالقول في الحنطة والذرة والشعير يجوز فيه ما يجوز فيها ويرد منه ما يرد منها .
باب القطنية :
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى لا يجوز أن يسلف في شيء من القطنية كيل في أكمامه حتى تطرح فيرى ، ولا يجوز حتى يسمى حمصا أو عدسا أو جلبانا أو ماشا وكل صنف منها على حدته ، وإن اختلف ذلك وصف كل صنف منه باسمه الذي يعرف به جنسه كما قلنا في الحنطة والشعير والذرة ويجوز فيه ما جاز فيها ويرد منه ما رد منها وهكذا كل صنف من الحبوب أرز أو دخن أو سلت أو غيره يوصف كما توصف الحنطة ويطرح عنه كمامه وما جاز في الحنطة والشعير جاز فيها وما انتقض فيها انتقض فيه ( قال الشافعي ) : وكل الحبوب صنف بما يدخلها مما يفسدها أو يجبرها ، وقشوره عليه كقشور الحنطة عليها يباع بها ; لأن القشور ليست بأكمام .
باب السلف في الرطب والتمر
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى والقول في التمر كالقول في الحبوب لا يجوز أن يسلف في تمر حتى يصفه برنيا أو عجوة أو صيحانيا أو برديا ، فإذا اختلفت هذه الأجناس في البلدان فتباينت لم يجز أن يسلف فيها حتى يقول من بردي بلاد كذا أو من عجوة بلاد كذا ، ولا يجوز أن يسمي بلدا إلا بلدا من الدنيا ضخما واسعا كثير النبات الذي يسلم فيه يؤمن بإذن الله تعالى أن تأتي الآفة عليه كله فتنقطع ثمرته في الجديد إن اشترط جديده أو رطبه إذا سلف في رطبه ( قال ) : ويوصف فيه حادرا أو عبلا ودقيقا وجيدا ورديئا ; لأنه قد يقع اسم الجودة على ما فيه الدقة وعلى ما هو أجود منه ويقع اسم الرداءة على الحادر فمعنى رداءته غير الدقة .
( قال الشافعي ) : وإذا سلف في تمر لم يكن عليه أن يأخذه إلا جافا ; لأنه لا [ ص: 105 ] يكون تمرا حتى يجف وليس له أن يأخذ تمرا معيبا وعلامة العيب أن يراه أهل البصر به فيقولون هذا عيب فيه ، ولا عليه أن يأخذ فيه حشفة واحدة ; لأنها معيبة وهي نقص من ماله ، ولا غير ذلك من مستحشفه وما عطش وأضر به العطش منه ; لأن هذا كله عيب فيه ولو سلف فيه رطبا لم يكن عليه أن يأخذ في الرطب يسرا ، ولا مذنبا ، ولا يأخذ إلا ما أرطب كله ، ولا يأخذ مما أرطب كله مشدخا ، ولا قديما قد قارب أن يثمر ، أو يتغير ; لأن هذا إما غير الرطب وإما عيب الرطب وهكذا أصناف الرطب والتمر كله وأصناف العنب وكل ما أسلم فيه رطبا أو يابسا من الفاكهة ( قال الشافعي ) : ولا يصلح السلف في الطعام إلا في كيل أو وزن فأما في عدد فلا ، ولا بأس أن يسلف في التين يابسا وفي الفرسك يابسا وفي جميع ما ييبس من الفاكهة يابسا بكيل كما يسلف في التمر ، ولا بأس أن يسلف فيما كيل منه رطبا كما يسلم في الرطب والقول في صفاته وتسميته وأجناسه كالقول في الرطب سواء لا يختلف فإن كان فيه شيء بعض لونه خير من بعض لم يجز حتى يوصف اللون كما لا يجوز في الرقيق إلا صفة الألوان ( قال ) : وكل شيء اختلف فيه جنس من الأجناس المأكولة فتفاضل بالألوان أو بالعظم لم يجز فيه إلا أن يوصف بلونه وعظمه فإن ترك شيء من ذلك لم يجز ، وذلك أن اسم الجودة يقع على ما يدق ويعظم منه ويقع على أبيضه وأسوده وربما كان أسوده خيرا من أبيضه وأبيضه خير من أسوده وكل الكيل والوزن يجتمع في أكثر معانيه وقليل ما يباين به جملته إن شاء الله تعالى
( قال الشافعي ) : ولو أسلم رجل في جنس من التمر فأعطي أجود منه أو أردأ بطيب نفس من المتبايعين لا إبطال للشرط بينهما ، لم يكن بذلك بأس وذلك أن هذا قضاء لا بيع ولكن لو أعطي مكان التمر حنطة أو غير التمر ، لم يجز ; لأنه أعطاه من غير الصنف الذي له فهذا بيع ما لم يقبض ، بيع التمر بالحنطة .
( قال الشافعي ) : ولا خير في السلف في شيء من المأكول عددا ; لأنه لا يحاط فيه بصفة كما يحاط في الحيوان بسن وصفة وكما يحاط في الثياب بذرع وصفة ، ولا بأس أن يسلم فيه كله بصفة ووزن فيكون الوزن فيه يأتي على ما يأتي عليه الذرع في الثوب ، ولا بأس أن يسلف في صنف من الخربز بعينه ويسمي منه عظاما أو صغارا أو خربز بلد وزن كذا وكذا ، فما دخل الميزان فيه من عدد ذلك لم ينظر فيه إلى العدد إذا وقعت على ما يدخل الميزان أقل الصفة ونظر إلى الوزن كما لا ينظر في موزون من الذهب والفضة إلى عدد ، وإذا اختلفا في عظامه وصغاره فعليه أن يعطيه أقل ما يقع عليه اسم العظم وأقل ما يقع اسم صفته ثم يستوفيه منه موزونا وهكذا السفرجل والقثاء والفرسك وغيره مما يبيعه الناس عددا وجزافا في أوعيته لا يصلح السلف فيه إلا موزونا ; لأنه يختلف في المكيال وما اختلف في المكيال حتى يبقى من المكيال شيء فارغ ليس فيه شيء لم يسلف فيه كيلا ( قال ) : وإن اختلف فيه أصناف ما سلف من قثاء وخربز وغيره مما لا يكال سمي كل صنف منها على حدته وبصفته لا يجزئه غير ذلك فإن ترك ذلك فالسلف فاسد والقول في إفساده وإجازته إذا اختلفت أجناسه كالقول فيما وصفنا قبله من الحنطة والتمر وغيرهما .
باب جماع السلف في الوزن
( قال الشافعي ) : رحمه الله والميزان مخالف للمكيال في بعض معانيه والميزان أقرب من الإحاطة .
[ ص: 106 ] وأبعد من أن يختلف فيه أهل العلم من المكيال ; لأن ما يتجافى ولم يتجاف في الميزان سواء ; لأنه إنما يصار فيه كله إلى أن يوجد بوزنه والمتجافي في المكيال يتباين تباينا بينا فليس في شيء مما وزن اختلاف في الوزن يرد به السلف من قبل اختلافه في الوزن كما يكون فيما وصفنا من الكيل ، ولا يفسد شيء مما سلف فيه وزنا معلوما إلا من قبل غير الوزن ، ولا بأس أن يسلف في شيء وزنا ، وإن كان يباع كيلا ، ولا في شيء كيلا ، وإن كان يباع وزنا إذا كان مما لا يتجافى في المكيال مثل الزيت الذي هو ذائب إن كان يباع بالمدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وزنا فلا بأس أن يسلف فيه كيلا ، وإن كان يباع كيلا فلا بأس أن يسلف فيه وزنا ومثل السمن والعسل وما أشبهه من الإدام فإن قال قائل كيف كان يباع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا الله أعلم أما الذي أدركنا المتبايعين به عليه فأما ما قل منه فيباع كيلا والجملة الكثيرة تباع وزنا ودلالة الأخبار على مثل ما أدركنا الناس عليه . قال عمر رضي الله عنه : لا آكل سمنا ما دام السمن يباع بالأواقي وتشبه الأواقي أن تكون كيلا ، ولا يفسد السلف الصحيح العقد في الوزن إلا من قبل الصفة فإن كانت الصفة لا تقع عليه وكان إذا اختلف صفاته تباينت جودته واختلفت أثمانه لم يجز ; لأنه مجهول عند أهل العلم به وما كان مجهولا عندهم لم يجز .
( قال الشافعي ) : وإن سلف في وزن ثم أراد إعطاءه كيلا لم يجز من قبل أن الشيء يكون خفيفا ويكون غيره من جنسه أثقل منه فإذا أعطاه إياه بالمكيال أقل أو أكثر مما سلفه فيه فكان أعطاه الطعام الواجب من الطعام الواجب متفاضلا أو مجهولا وإنما يجوز أن يعطيه معلوما فإن أعطاه حقه فذلك الذي لا يلزمه غيره ، وإن أعطاه حقه وزاده تطوعا منه على غير شيء كان في العقد فهذا نائل من قبله فإن أعطاه أقل من حقه وأبرأه المشتري مما بقي عليه فهذا شيء تطوع به المشتري فلا بأس به ، فأما أن لا يعمدا تفضلا ويتجازفا مكان الكيل يتجازفان وزنا ، فإذا جاز هذا جاز أن يعطيه أيضا جزافا ، وفاء من كيل لا عن طيب أنفس منهما عن فضل عرفه أحدهما قبل صاحبه .
الوزن من العسل
( قال الشافعي ) : رحمه الله أقل ما يجوز به السلف في العسل أن يسلف المسلف في كيل أو وزن معلوم وأجل معلوم وصفة معلومة جديدا ويقول عسل وقت كذا ، للوقت الذي يكون فيه فيكون يعرف يوم يقبضه جدته من قدمه وجنس كذا وكذا منه ( قال ) : والصفة أن يقول عسل صاف أبيض من عسل بلد كذا أو رديء ( قال ) : ولو ترك قوله في العسل صافيا جاز عندي من قبل أنه إذا كان له عسل لم يكن عليه أن يأخذ شمعا في العسل وكان له أن يأخذ عسلا والعسل الصافي ، والصافي وجهان صاف من الشمع وصاف في اللون .
( قال الشافعي ) : وإن سلف في عسل صاف فأتى بعسل قد صفي بالنار لم يلزمه ; لأن النار تغير طعمه فينقص ثمنه ولكن يصفيه له بغير نار فإن جاءه بعسل غير صافي اللون فذلك عيب فيه فلا يلزمه أخذه إذا كان عيبا فيه .
( قال الشافعي ) : فإن سلف في عسل فجاءه بعسل رقيق أريه أهل العلم بالعسل فإن قالوا هذه الرقة في هذا الجنس من هذا العسل عيب ينقص ثمنه لم يكن عليه أن يأخذه ، وإن قالوا هكذا يكون هذا العسل وقالوا رق لحر البلاد أو لعلة غير عيب في نفس العسل لزمه أخذه ( قال ) : ولو قال عسل بر ، أو قال عسل صعتر أو عسل صرو أو عسل عشر ووصف لونه وبلده فأتاه باللون والبلد وبغير الصنف الذي شرط له أدنى أو أرفع لم يكن عليه أخذه إنما يرده بأحد أمرين أحدهما .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (122)
صــــــــــ 107 الى صـــــــــــ112
نقصان عما سلف فيه والآخر أن كل جنس من هذه قد يصلح لما لا يصلح له غيره أو يجزئ فيما لا يجزئ فيه غيره أو يجمعهما ، ولا يجوز أن يعطي غير ما شرط إذا اختلفت منافعهما ( قال ) : وما وصفت من عسل بر وصعتر وغيره من كل جنس من العسل في العسل كالأجناس المختلفة في السمن لا تجزئ إلا صفته في السلف وإلا فسد السلف ألا ترى أني لو أسلمت في سمن ووصفته ولم أصف جنسه فسد من قبل أن سمن المعزى مخالف سمن الضأن ، وأن سمن الغنم كلها مخالف البقر والجواميس فإذا لم تقع الصفة على الجنس مما يختلف فسد السلف كما يفسد لو سلفته في حنطة ولم أسم جنسها فأقول مصرية أو يمانية أو شامية وهكذا لو ترك أن يصفه العسل بلونه فسد من قبل أن أثمانها تتفاضل على جودة الألوان وموقعها من الأعمال يتباين بها وهكذا لو ترك صفة بلده فسد لاختلاف أعمال البلدان كاختلاف طعام البلدان وكاختلاف ثياب البلدان من مروي وهروي ورازي وبغدادي وهكذا لو ترك أن يقول عسل حديث من عسل وقت كذا من قبل اختلاف ما قدم من العسل وحدث ، وإذا قال عسل وقت كذا فكان ذلك العسل يكون في رجب وسمي أجله رمضان فقد عرف كم مر عليه وهذا هكذا في كل من يختلف فيه قديمه وجديده من سمن أو حنطة أو غيرهما .
( قال الشافعي ) : وكل ما كان عند أهل العلم به عيب في جنس ما سلف فيه لم يلزمه السلف وكذلك كل ما خالف الصفة المشروطة منه فلو شرط عسلا من عسل الصرو وعسل بلد كذا فأتى بالصفة في اللون وعسل البلد فقيل ليس هذا صروا خالصا وهذا صرو وغيره لم يلزمه كما يكون سمن بقر لو خلطه بسمن الغنم لم يلزم من سلف واحدا من السمنين ولو قال أسلمت إليك في كذا وكذا رطلا من عسل أو في مكيال عسل بشمعه كان فاسدا لكثرة الشمع وقلته وثقله وخفته وكذا لو قال أسلم إليك في شهد بوزن أو عدد ; لأنه لا يعرف ما فيه من العسل والشمع .
باب السلف في السمن
( قال الشافعي ) : رحمه الله : والسمن كما وصفت من العسل وكل مأكول كان في معناه كما وصفت منه ويقول في السمن سمن ماعز أو سمن ضأن أو سمن بقر ، وإن كان سمن الجواميس يخالفها قال : سمن جواميس لا يجزئ غير ذلك ، وإن كان ببلد يختلف سمن الجنس منه قال سمن غنم كذا وكذا كما يقال بمكة : سمن ضأن نجدية وسمن ضأن تهامية ، وذلك أنهما يتباينان في اللون والصفة والطعم والثمن ( قال ) : والقول فيه كالقول في العسل قبله ، فما كان عيبا وخارجا من صفة السلف لم يلزم السلف ، والقديم من السمن يتبين من القديم من العسل ; لأنه أسرع تغيرا منه ، والسمن منه ما يدخن ومنه ما لا يدخن ، فلا يلزم المدخن ; لأنه عيب فيه .
السلف في الزيت
( قال الشافعي ) : رحمه الله : والزيت إذا اختلف لم يجز فيه إلا أن يوصف بصفته وجنسه ، وإن كان قدمه يغيره وصفه بالجدة أو سمي عصير عام كذا حتى يكون قد أتى عليه ما يعرفه المشتري والبائع ، والقول في عيوبه واختلافه كالقول في عيوب السمن والعسل ( قال ) : والآدام كلها التي هي أوداك السليط وغيره إن اختلف ، نسب كل واحد منها إلى جنسه ، وإن اختلف عتيقها وحديثها نسب إلى .
[ ص: 108 ] الحداثة والعتق فإن باينت العسل والسمن في هذا فكانت لا يقلبها الزمان ، ولا تغير قلت عصير سنة كذا وكذا لا يجزئه غير ذلك والقول في عيوبها كالقول في عيوب ما قبلها كل ما نسبه أهل العلم إلى العيب في جنس منها لم يلزم مشتريه إلا أن يشاء هو متطوعا .
( قال ) : ولا خير في أن يقول في شيء من الأشياء أسلم إليك في أجود ما يكون منه ; لأنه لا يوقف على حد أجود ما يكون منه أبدا فأما أردأ ما يكون منه فأكرهه ، ولا يفسد به البيع من قبل أنه إن أعطى خيرا من أردأ ما يكون منه كان متطوعا بالفضل وغير خارج من صفة الرداءة كله .
( قال ) : وما اشتري من الآدام كيلا اكتيل وما اشتري وزنا بظروفه لم يجز شراؤه بالوزن في الظروف لاختلاف الظروف وأنه لا يوقف على حد وزنها فلو اشترى جزافا وقد شرط وزنا فلم يأخذ ما عرف من الوزن المشترى إلا أن يتراضيا ، البائع والمشتري ، بعد وزن الزيت في الظروف بأن يدع ما يبقى له من الزيت ، وإن لم يتراضيا وأراد اللازم لهما وزنت الظروف قبل أن يصب فيها الإدام ثم وزنت بما يصب فيها ثم يطرح وزن الظروف ، وإن كان فيها زيت وزن ثم فرغت وزنت الظروف ثم ألقي من الزيت وما أسلف فيه من الإدام فهو له صاف من الرب والعكر وغيره مما خالف الصفاء .
السلف في الزبد
( قال الشافعي ) : رحمه الله : السلف في الزبد كهو في السمن يسمى زبد ماعز أو زبد ضأن أو زبد بقر ويقول نجدي أو تهامي لا يجزئ غيره ويشرطه مكيلا أو موزونا ويشرطه زبد يومه ; لأنه يتغير في غده بتهامة حتى يحمض ويتغير في الحر ويتغير في البرد تغيرا دون ذلك وبنجد يؤكل غير أنه لا يكون زبد يومه كزبد غده ، فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه وليس للمسلف أن يعطيه زبدا نجيخا وذلك أنه حينئذ ليس بزبد يومه إنما هو زبد تغير فأعيد في سقاء فيه لبن مخض ليذهب تغيره فيكون عيبا في الزبد ; لأنه جدده وهو غير جديد ومن أن الزبد يرق عن أصل خلقته ويتغير طعمه والقول فيما عرفه أهل العلم به عيبا أنه يرد به كالقول فيما وصفنا قبله .
السلف في اللبن
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ويجوز السلف في اللبن كما يجوز في الزبد ويفسد كما يفسد في الزبد بترك أن يقول ماعز أو ضأن أو بقر ، وإن كان إبلا أن يقول لبن غواد أو أوراك أو خميصة ويقول في هذا كله لبن الراعية والمعلفة لاختلاف ألبان الرواعي والمعلفة وتفاضلها في الطعم والصحة والثمن فأي هذا سكت عنه لم يجز معه السلم ولم يجز إلا بأن يقول حليبا أو يقول لبن يومه ; لأنه يتغير في غده .
( قال الشافعي ) : والحليب ما يحلب من ساعته وكان منتهى حد صفة الحليب أن تقل حلاوته فذلك حين ينتقل إلى أن يخرج من اسم الحليب .
( قال ) : وإذا أسلف فيه بكيل : فليس له أن يكيله برغوته ; لأنها تزيد في كيله وليست بلبن تبقى بقاء اللبن ولكن إذا سلف فيه وزنا : فلا بأس عندي أن يزنه برغوته ; لأنها لا تزيد في وزنه فإن زعم أهل العلم أنها تزيد في وزنه فلا يزنه حتى تسكن كما لا يكيله حتى تسكن .
[ ص: 109 ] قال ) : ولا خير في أن يسلف في لبن مخيض ; لأنه لا يكون مخيضا إلا بإخراج زبده وزبده لا يخرج إلا بالماء ، ولا يعرف المشتري كم فيه من الماء لخفاء الماء في اللبن وقد يجهل ذلك البائع ; لأنه يصب فيه بغير كيل ويزيده مرة بعد مرة والماء غير اللبن فلا يكون على أحد أن يسلف في مد لبن فيعطي تسعة أعشار المد لبنا وعشره ماء ; لأنه لا يميز بين مائه حينئذ ولبنه ، وإذا كان الماء مجهولا كان أفسد له ; لأنه لا يدري كم أعطى من لبن وماء .
( قال ) : ولا خير في أن يسلف في لبن ويقول حامض ; لأنه قد يسمى حامضا بعد يوم ويومين وأيام وزيادة حموضته زيادة نقص فيه ليس كالحلو الذي يقال له حلو فيأخذ له أقل ما يقع عليه اسم الحلاوة مع صفة غيرها وما زاد على أقل ما يقع عليه اسم الحلاوة زيادة خير للمشتري وتطوع من البائع ، وزيادة حموضة اللبن كما وصفت نقص على المشتري ، وإذا شرط لبن يوم أو لبن يومين فإنما يعني ما حلب من يومه وما حلب من يومين فيشترط غير حامض وفي لبن الإبل غير قارص فإن كان ببلد لا يمكن فيه إلا أن يحمض في تلك المدة فلا خير في السلف فيه بهذه الصفة لما وصفت من أنه لا يوقف على حد الحموضة ، ولا حد قارص فيقال هذا أول وقت حمض فيه أو قرص فيلزمه إياه وزيادة الحموضة فيه نقص للمشتري كما وصفنا في المسألة قبله
، ولا خير في بيع اللبن في ضروع الغنم ، وإن اجتمع فيها حلبة واحدة ; لأنه لا يدرى كم هو ، ولا كيف هو ، ولا هو بيع عين ترى ، ولا شيء مضمون على صاحبه بصفة وكيل وهذا خارج مما يجوز في بيوع المسلمين ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أنه كان يكره بيع الصوف على ظهور الغنم واللبن في ضروع الغنم إلا بكيل .
السلف في الجبن رطبا ويابسا
( قال الشافعي ) : رحمه الله والسلف في الجبن رطبا طريا كالسلف في اللبن لا يجوز إلا بأن يشرط صفة جبن يومه أو يقول جبنا رطبا طريا ; لأن الطراء منه معروف والغاب منه مفارق للطري فالطراء فيه صفة يحاط بها ، ولا خير في أن يقول غاب ; لأنه يقول إذا زايل الطراء كان غابا ، وإذا مرت له أيام كان غابا ومرور الأيام نقص له كما كثرة الحموضة نقص في اللبن لا يجوز أن يقال غاب ; لأنه لا ينفصل أول ما يدخل في الغبوب من المنزلة التي بعدها فيكون مضبوطا بصفة والجواب : فيه كالجواب في حموضة اللبن ، ولا خير في السلف فيه إلا بوزن فأما بعدد فلا خير فيه ; لأنه لا يختلف فلا يقف البائع ، ولا المشتري منه على حد معروف ويشترط فيه جبن ماعز أو جبن ضائن أو جبن بقر كما وصفنا في اللبن وهما سواء في هذا المعنى ( قال ) : والجبن الرطب لبن يطرح فيه الأنافح فيتميز ماؤه ويعزل خاثر لبنه فيعصر فإذا سلف فيه رطبا فلا أبالي ، أسمى صغارا أم كبارا ويجوز إذا وقع عليه اسم الجبن ( قال ) : ولا بأس بالسلف في الجبن اليابس وزنا وعلى ما وصفت من جبن ضائن أو بقر فأما الإبل فلا أحسبها يكون لها جبن ويسميه جبن بلد من البلدان ; لأن جبن البلدان يختلف وهو أحب إلي لو قال ما جبن منذ شهر أو منذ كذا أو جبن عامه إذا كان هذا يعرف ; لأنه قد يكون إذا دخل في حد اليبس أثقل منه إذا تطاول جفوفه ( قال ) : ولو ترك هذا لم يفسده ; لأنا نجيز مثل هذا في اللحم واللحم حين يسلخ أثقل منه بعد ساعة من جفوفه والثمر في أول ما ييبس يكاد يكون أقل نقصانا منه بعد شهر أو أكثر ، ولا يجوز إلا أن يقال جبن غير قديم فكل ما أتاه به فقال أهل العلم به ليس يقع على هذا اسم قديم أخذه ، وإن كان بعضه أطرى من بعض ; لأن .
[ ص: 110 ] السلف أقل ما يقع عليه اسم الطراءة والمسلف متطوع بما هو أكثر منه ، ولا خير في أن يقول جبن عتيق ، ولا قديم ; لأن أقل ما يقع عليه اسم العتيق والقديم غير محدود وكذلك آخره غير محدود وكل ما تقدم في اسم العتيق فازدادت الليالي مرورا عليه كان نقصا له كما وصفنا قبله في حموضة اللبن وكل ما كان عيبا في الجبن عند أهل العلم به من إفراط ملح أو حموضة طعم أو غيره ، لم يلزم المشتري .
السلف في اللبأ
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس بالسلف في اللبأ بوزن معلوم ، ولا خير فيه إلا موزونا ، ولا يجوز مكيلا من قبل تكبسه وتجافيه في المكيال والقول فيه كالقول في اللبن والجبن يصف ماعزا أو ضائنا أو بقرا أو طريا فيكون له أقل ما يقع عليه اسم الطراءة ويكون البائع متطوعا بما هو خير من ذلك ، ولا يصلح أن يقول غير الطري ; لأن ذلك كما وصفت غير محدود الأول والآخر والتزيد في البعد من الطراءة نقص على المشتري .
الصوف والشعر
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا خير في أن يسلم في صوف غنم بأعيانها ، ولا شعرها إذا كان ذلك إلى يوم واحد فأكثر وذلك أنه قد تأتي الآفة عليه فتذهبه أو تنقصه قبل اليوم وقد يفسد من وجه غير هذا ، ولا خير في أن يسلم في ألبان غنم بأعيانها ، ولا زبدها ، ولا سمنها ، ولا لبئها ، ولا جبنها ، وإن كان ذلك بكيل معلوم ووزن معلوم من قبل أن الآفة تأتي عليها فتهلكها فينقطع ما أسلف فيه منها وتأتي عليها بغير هلاكها فتقطع ما يكون منه ما أسلم فيه منها أو تنقصه وكذلك لا خير فيه ولو حلبت لك حين تشتريها ; لأن الآفة تأتي عليها قبل الاستيفاء ( قال الشافعي ) : وذلك أنا لو أجزنا هذا فجاءت الآفة عليها بأمر يقطع ما أسلم فيه منها أو بعضه فرددناه على البائع بمثل الصفة التي أسلفه فيها كنا ظلمناه ; لأنه بائع صفة من غنم بعينها فحولناها إلى غنم غيرها وهو لو باعه عينا فهلكت لم نحوله إلى غيرها ولو لم نحوله إلى غيرها كنا أجزنا أن يشتري غير عين بعينها وغير مضمون عليه بصفة يكلف الإتيان به متى حل عليه فأجزنا في بيوع المسلمين ما ليس منها ، إنما بيوع المسلمين بيع عين بعينها يملكها المشتري على البائع أو صفة بعينها يملكها المشتري على البائع ويضمنها حتى يؤديها إلى المشتري ( قال ) : وإذا لم يجز أن يسلم الرجل إلى الرجل في ثمر حائط بعينه ، ولا في حنطة أرض بعينها لما وصفت من الآفات التي تقع في الثمرة والزرع كان لبن الماشية ونسلها كله في هذا المعنى تصيبها الآفات كما تصيب الزرع والثمر وكانت الآفات إليه في كثير من الحالات أسرع ( قال ) : وهكذا كل ما كان من سلك في عين بعينها تقطع من أيدي الناس ، ولا خير في السلف حتى يكون في الوقت الذي يشترط فيه محله موجودا في البلد الذي يشترط فيه لا يختلف فيه بحال فإن كان يختلف فلا خير فيه ; لأنه حينئذ غير موصول إلى أدائه ، فعلى هذا كل ما .
[ ص: 111 ] سلف وقياسه ، ولا بأس أن تسلف في شيء ليس في أيدي الناس حين تسلف فيه إذا شرطت محله في وقت يكون موجودا فيه بأيدي الناس .
السلف في اللحم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله : كل لحم موجود ببلد من البلدان لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه فالسلف فيه جائز وما كان في الوقت الذي يحل فيه يختلف فلا خير فيه ، وإن كان يكون لا يختلف في حينه الذي يحل فيه في بلد ويختلف في بلد آخر جاز السلف فيه في البلد الذي لا يختلف وفسد السلف في البلد الذي يختلف فيه إلا أن يكون مما لا يتغير في الحمل فيحمل من بلد إلى بلد مثل الثياب وما أشبهها ، فأما ما كان رطبا من المأكول وكان إذا حمل من بلد إلى بلد تغير لم يجز فيه السلف في البلد الذي يختلف فيه ، وهكذا كل سلعة من السلع إذا لم تختلف في وقتها في بلد جاز فيه السلف ، وإذا اختلفت ببلد لم يجز السلف فيه في الحين الذي تختلف فيه إذا كانت من الرطب من المأكول .
صفة اللحم وما يجوز فيه وما لا يجوز
( قال الشافعي ) : رحمه الله : من أسلف في لحم فلا يجوز فيه حتى يصفه يقول : لحم ماعز ذكر خصي أو ذكر ثني فصاعدا أو جدي رضيع أو فطيم وسمين أو منق ومن موضع كذا ويشترط الوزن أو يقول لحم ماعزة ثنية فصاعدا أو صغيرة يصف لحمها وموضعها ويقول لحم ضائن ويصفه هكذا ، ويقول في البعير خاصة بعير راع من قبل اختلاف الراعي والمعلوف وذلك أن لحمان ذكورها وإناثها وصغارها وكبارها وخصيانها وفحولها تختلف ومواضع لحمها تختلف ويختلف لحمها فإذا حد بسمانة كان للمشتري أدنى ما يقع عليه اسم السمانة ، وكان البائع متطوعا بأعلى منه إن أعطاه إياه ، وإذا حده منقيا كان له أدنى ما يقع عليه اسم الإنقاء والبائع متطوع بالذي هو أكثر منه ، وأكره أن يشترطه أعجف بحال وذلك أن الأعجف يتباين والزيادة في العجف نقص على المشتري والعجف في اللحم كما وصفت من الحموضة في اللبن ليست بمحدودة الأعلى ، ولا الأدنى ، وإذا زادت كان نقصا غير موقوف عليه الزيادة في السمانة شيء يتطوع به البائع المشتري ( قال ) : فإن شرط موضعا من اللحم وزن ذلك الموضع بما فيه من عظم ; لأن العظم لا يتميز من اللحم كما يتميز التبن والمدر والحجارة من الحنطة ، ولو ذهب بميزه أفسد اللحم على آخذه وبقي منه على العظام ما يكون فسادا واللحم أولى أن لا يميز وأن يجوز بيع عظامه معه لاختلاط اللحم بالعظم من النوى في التمر إذا اشترى وزنا ; لأن النواة تميز من التمرة غير أن التمرة إذا أخرجت نواتها لم تبق بقاءها إذا كانت نواتها فيها .
( قال الشافعي ) : { تبايع الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر كيلا وفيه نواه } ولم نعلمهم تبايعوا اللحم قط إلا فيه عظامه ، فدلت السنة إذا جاز بيع التمر بالنوى على أن بيع اللحم بالعظام في معناها أو أجوز فكانت قياسا وخبرا وأثرا لم أعلم الناس اختلفوا فيه .
( قال ) : وإذا أسلف في شحم البطن أو الكلى ووصفه وزنا فهو جائز ، وإن قال شحم لم يجز لاختلاف شحم البطن وغيره ، وكذلك إن سلف في الأليات فتوزن ، وإذا سلف في شحم سمي شحما ، صغيرا أو كبيرا ، وماعزا أو ضائنا
[ ص: 112 ] لحم الوحش
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولحم الوحش كله كما وصفت من لحم الأنيس ، إذا كان ببلد يكون بها موجودا لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه بحال جاز السلف فيه ، وإذا كان يختلف في حال ويوجد في أخرى لم يجز السلف فيه إلا في الحال التي لا يختلف فيها قال ، ولا أحسبه يكون موجودا ببلد أبدا إلا هكذا وذلك أن من البلدان ما لا وحش فيه ، وإن كان به منها وحش فقد يخطئ صائده ويصيبه والبلدان ، وإن كان منها ما يخطئه لحم يجوز فيه في كل يوم أو بها بعض اللحم دون بعض فإن الغنم تكاد أن تكون موجودة والإبل والبقر فيأخذ المسلف البائع بأن يذبح فيوفي صاحبه حقه ; لأن الذبح له ممكن بالشراء ، ولا يكون الصيد له ممكنا بالشراء والأخذ كما يمكنه الأنيس فإن كان ببلد يتعذر به لحم الأنيس أو شيء منه في الوقت الذي يسلف فيه لم يجز السلف فيه في الوقت الذي يتعذر فيه ، ولا يجوز السلف في لحم الوحش إذا كان موجودا ببلد إلا على ما وصفت من لحم الأنيس أن يقول لحم ظبي أو أرنب أو ثيتل أو بقر وحش أو حمر وحش أو صنف بعينه ويسميه صغيرا أو كبيرا ويوصف اللحم كما وصفت وسمينا أو منقيا كما وصفت في اللحم لا يخالفه في شيء إلا أن تدخله خصلة لا تدخل لحم الأنيس إن كان منه شيء يصاد بشيء يكون لحمه معه طيبا وآخر يصاد بشيء يكون لحمه معه غير طيب شرط صيد كذا دون صيد كذا ، فإن لم يشرط مثل أهل العلم به فإن كانوا يبينون في بعض اللحم الفساد فالفساد عيب ، ولا يلزم المشتري ، فإن كانوا يقولون ليس بفساد ولكن صيد كذا أطيب فليس هذا بفساد ، ولا يرد على البائع ويلزم المشتري وهذا يدخل الغنم فيكون بعضها أطيب لحما من بعض ، ولا يرد من لحمه إلا من فساد ( قال ) : ومتى أمكن السلف في الوحش فالقول فيه كالقول في الأنيس فإنما يجوز بصفة وسن وجنس .
ويجوز السلف في لحم الطير كله بصفة وسمانة ، وإنقاء ووزن غير أنه لا سن له وإنما يباع بصفة مكان السن بكبير وصغير وما احتمل أن يباع مبعضا بصفة موصوفة وما لم يحتمل أن يبعض لصغره وصف طائره وسمانته وأسلم فيه بوزن لا يجوز أن يسلم فيه بعدد وهو لحم إنما يجوز العدد في الحي دون المذبوح والمذبوح طعام لا يجوز إلا موزونا ، وإذا أسلم في لحم طير وزنا لم يكن عليه أن يأخذ في الوزن رأسه ، ولا رجليه من دون الفخذين ; لأن رجليه لا لحم فيهما وأن رأسه إذا قصد اللحم كان معروفا أنه لا يقع عليه اسم اللحم المقصود قصده
الحيتان
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : الحيتان إذا كان السلف يحل فيها في وقت لا ينقطع ما أسلف فيه من أيدي الناس بذلك البلد جاز السلف فيها ، وإذا كان الوقت الذي يحل فيه في بلد ينقطع ، ولا يوجد فيه فلا خير في السلف فيها كما قلنا في لحم الوحش والأنيس ( قال ) : وإذا أسلم فيها أسلم في مليح بوزن أو طري بوزن معلوم ، ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى كل حوت منه بجنسه فإنه يختلف اختلاف اللحم وغيره ، ولا يجوز أن يسلف في شيء من الحيتان إلا بوزن فإن قال قائل فقد تجيز السلف في الحيوان عددا موصوفا فما فرق بينه وبين الحيتان ؟ قيل الحيوان يشترى بمعنيين أحدهما المنفعة به في الحياة وهي المنفعة العظمى فيه الجامعة والثانية ليذبح فيؤكل فأجزت شراءه حيا للمنفعة العظمى ولست أجيز .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (123)
صــــــــــ 113 الى صـــــــــــ118
شراءه مذبوحا بعدد ألا ترى أنه إن قال أبيعك لحم شاة ثنية ماعزة ولم يشترط وزنا لم أجزه ؟ ; لأنه لا يعرف قدر اللحم بالصفة ، وإنما يعرف قدره بالوزن ; ولأن الناس إنما اشتروا من كل ما يؤكل ويشرب الجزاف مما يعاينون فأما ما يضمن فليس يشترونه جزافا ( قال ) : والقياس في السلف في لحم الحيتان يوزن ، لا يلزم المشتري أن يوزن عليه الذنب من حيث يكون لا لحم فيه ويلزمه ما يقع عليه اسم ذنب مما عليه لحم ، ولا يلزمه أن يوزن عليه في الرأس ، ويلزمه ما بين ذلك إلا أن يكون من حوت كبير فيسمي وزنا من الحوت مما أسلف فيه موضعا منه لا يجوز أن يسلف فيه إلا في موضع إذا احتمل ما تحتمل الغنم من أن يكون يوجد في موضع منه ما سلف فيه ويصف لموضع الذي سلف فيه ، وإذا لم يحتمل كان كما وصفت في الطير .
الرءوس والأكارع
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز عندي السلف في شيء من الرءوس من صغارها ، ولا كبارها ، ولا الأكارع ; لأنا لا نجيز السلف في شيء سوى الحيوان حتى نجده بذرع أو كيل أو وزن فأما عدد منفرد فلا وذلك أنه قد يكون يشتبه ما يقع عليه اسم الصغير وهو متباين وما يقع عليه اسم الكبير وهو متباين فإذا لم نجد فيه كما حددنا في مثله من الوزن والذرع والكيل أجزناه غير محدود وإنما نرى الناس تركوا وزن الرءوس لما فيها من سقطها الذي يطرح ، ولا يؤكل مثل الصوف والشعر عليه ومثل أطراف مشافره ومناخره وجلود خديه وما أشبه ذلك مما لا يؤكل ، ولا يعرف قدره منه غير أنه فيه غير قليل فلو وزنوه وزنوا معه غير ما يؤكل من صوف وشعر وغيره ، ولا يشبه النوى في التمر ; لأنه قد ينتفع بالنوى ، ولا القشر في الجوز ; لأنه قد ينتفع بقشر الجوز وهذا لا ينتفع به في شيء ( قال ) : ولو تحامل رجل فأجازه لم يجز عندي أن يؤمر أحد بأن يجيزه إلا موزونا . والله تعالى أعلم ، ولإجازته وجه يحتمل بعض مذاهب أهل الفقه ما هو أبعد منه .
( قال الشافعي ) : وقد وصفت في غير هذا الموضع أن البيوع ضربان : أحدهما : بيع عين قائمة فلا بأس أن تباع بنقد ودين إذا قبضت العين أو بيع شيء موصوف مضمون على بائعه يأتي به لا بد عاجلا أو إلى أجل وهذا لا يجوز حتى يدفع المشتري ثمنه قبل أن يتفرق المتبايعان وهذان مستويان إذا شرط فيه أجل أو ضمان أو يكون أحد البيعين نقدا والآخر دينا أو مضمونا قال وذلك أني إذا بعتك سلعة ودفعتها إليك وكان ثمنها إلى أجل فالسلعة نقد والثمن إلى أجل معروف .
وإذا دفعت إليه مائة دينار في طعام موصوف إلى أجل فالمائة نقد والسلعة مضمونة يأتي بها صاحبها لا بد ، ولا خير في دين بدين ولو اشترى رجل ثلاثين رطلا لحما بدينار ودفعه يأخذ كل يوم رطلا فكان أول محلها حين دفع وآخره إلى شهر وكانت صفقة واحدة كانت فاسدة ورد مثل اللحم الذي أخذ أو قيمته إن لم يكن له مثل وذلك أن هذا دين بدين ولو اشترى رطلا منفردا وتسعة وعشرين بعده في صفقة غير صفقته كان الرطل جائزا والتسعة والعشرون منتقضة وليس أخذه أولها إذا لم يأخذها في مقام واحد بالذي يخرجه من أن يكون دينا .
ألا ترى أنه ليس له أنه أن يأخذ رطلا بعد الأول إلا بمدة تأتي عليه ؟ ، ولا يشبه هذا الرجل يشتري الطعام بدين ويأخذ في اكتياله ; لأن محله واحد وله أخذه كله في مقامه إلا أنه لا يقدر على أخذه إلا هكذا لا أجل له ، ولو جاز هذا ، جاز أن يشتري بدينار ثلاثين صاعا حنطة يأخذ كل يوم صاعا .
( قال ) : وهذا هكذا في الرطب والفاكهة وغيرها كل شيء لم يكن له قبضه ساعة يتبايعانه معا [ ص: 114 ] ولم يكن لبائعه دفعه عن شيء منه حين يشرع في قبضه كله لم يجز أن يكون دينا ( قال ) : ولو جاز هذا في اللحم جاز في كل شيء من ثياب وطعام وغيره ( قال الشافعي ) : ولو قال قائل هذا في اللحم جائز وقال هذا مثل الدار يتكاراها الرجل إلى أجل فيجب عليه من كرائها بقدر ما سكن .
( قال ) : وهذا في الدار وليس كما قال ، ولو كان كما قال أن يقيس اللحم بالطعام أولى به من أن يقيسه بالسكن لبعد السكن من الطعام في الأصل والفرع فإن قال : فما فرق بينهما في الفرع ؟ قيل أرأيتك إذا أكريتك دارا شهرا ودفعتها إليك فلم تسكنها أيجب عليك الكراء ؟ قال نعم قلت ودفعتها إليك طرفة عين إذا مرت المدة التي اكتريتها إليها أيجب عليك كراؤها ؟ قال نعم قلت أفرأيت إذا بعتك ثلاثين رطلا لحما إلى أجل ودفعت إليك رطلا ثم مرت ثلاثون يوما ولم تقبض غير الرطل الأول أبرأ من ثلاثين رطلا كما برئت من سكن ثلاثين يوما ؟ .
فإن قال لا قيل ; لأنه يحتاج في كل يوم إلى أن يبرأ من رطل لحم يدفعه إليك لا يبرئه ما قبله ولا المدة منه إلا بدفعه قال نعم ويقال له : ليس هكذا الدار فإذا قال لا قيل أفما تراهما مفترقين في الأصل والفرع والاسم ؟ فكيف تركت أن تقيس اللحم بالمأكول الذي هو في مثل معناه من الربا والوزن والكيل وقسته بما لا يشبهه ؟ أو رأيت إذا أكريتك تلك الدار بعينها فانهدمت أيلزمني أن أعطيك دارا بصفتها ؟ .
فإن قال لا : قيل فإذا باعك لحما بصفة وله ماشية فماتت ماشيته أيلزمه أن يعطيك لحما بالصفة ؟ فإذا قال نعم قيل أفتراهما مفترقين في كل أمرهما ؟ فكيف تقيس أحدهما بالآخر ؟ .
وإذا أسلف من موضع في اللحم الماعز بعينه بوزن أعطي من ذلك الموضع من شاة واحدة فإن عجز ذلك الموضع عن مبلغ صفة السلم أعطاه من شاة غيرها مثل صفتها ولو أسلفه في طعام غيره فأعطاه بعض طعامه أجود من شرطه لم يكن له عليه أن يعطيه ما بقي منه أجود من شرطه إذا أوفاه شرطه وليس عليه أكثر منه . .
باب السلف في العطر وزنا
( قال الشافعي ) : رحمه الله : وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس من العطر وكانت له صفة يعرف بها ووزن جاز السلف فيه فإذا كان الاسم منه يجمع أشياء مختلفة الجودة لم يجز حتى يسمي ما أسلف فيه منها كما يجمع التمر اسم التمر ويفرق بها أسماء تتباين فلا يجوز السلف فيها إلا بأن يسمي الصنف الذي أسلم فيه ويسمي جيدا منه ورديئا فعلى هذا أصل السلف في العطر وقياسه فالعنبر منه الأشهب والأخضر والأبيض وغيره .
ولا يجوز السلف فيه حتى يسمى أشهب أو أخضر جيدا ورديئا وقطعا صحاحا وزن كذا ، وإن كنت تريده أبيض سميت أبيض ، وإن كنت تريده قطعة واحدة سميته قطعة واحدة ، وإن لم تسم هكذا أو سميت قطعا صحاحا لم يكن لك ذلك مفتتا وذلك أنه متباين في الثمن ويخرج من أن يكون بالصفة التي سلف ، وإن سميت عنبرا ووصفت لونه وجودته كان لك عنبر في ذلك اللون والجودة صغارا أعطاه أو كبارا ، وإن كان في العنبر شيء مختلف بالبلدان ويعرف ببلدانه أنه لم يجز حتى يسمى عنبر بلد كذا كما لا يجوز في الثياب حتى يقول مرويا أو هرويا .
( قال ) : وقد زعم بعض أهل العلم بالمسك أنه سرة دابة كالظبي تلقيه في وقت من الأوقات وكأنه ذهب إلى أنه دم يجمع فكأنه يذهب إلى أن لا يحل التطيب به لما وصفت ( قال ) : كيف جاز لك أن تجيز التطيب بشيء وقد أخبرك أهل العلم أنه ألقي من حي وما ألقي من حي كان عندك في معنى الميتة فلم تأكله ؟ ( قال ) : فقلت له قلت به خبرا وإجماعا [ ص: 115 ] وقياسا قال فاذكر فيه القياس قلت الخبر أولى بك قال سأسألك عنه فاذكر فيه القياس قلت قال الله تبارك وتعالى { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين } فأحل شيئا يخرج من حي إذا كان من حي يجمع معنيي الطيب ، وأن ليس بعضو منه ينقصه خروجه منه حتى لا يعود مكانه مثله وحرم الدم من مذبوح وحي فلم يحل لأحد أن يأكل دما مسفوحا من ذبح أو غيره فلو كنا حرمنا الدم ; لأنه يخرج من حي أحللناه من المذبوح ولكنا حرمناه لنجاسته ونص الكتاب به مثل البول والرجيع من قبل أنه ليس من الطيبات قياسا على ما وجب غسله مما يخرج من الحي من الدم وكان في البول والرجيع يدخل به طيبا ويخرج خبيثا ووجدت الولد يخرج من حي حلالا ووجدت البيضة تخرج من بائضتها حية فتكون حلالا بأن هذا من الطيبات .
فكيف أنكرت في المسك الذي هو غاية من الطيبات ، إذا خرج من حي أن يكون حلالا ؟ وذهبت إلى أن تشبهه بعضو قطع من حي والعضو الذي قطع من حي لا يعود فيه أبدا ويبين فيه نقصا وهذا يعود زعمت بحاله قبل أن يسقط منه أفهو باللبن والبيضة والولد أشبه أم هو بالدم والبول والرجيع أشبه ؟ فقال بل باللبن والبيضة والولد أشبه إذا كانت تعود بحالها أشبه منه بالعضو يقطع منها ، وإن كان أطيب من اللبن والبيضة والولد يحل وما دونه في الطيب من اللبن والبيض يحل ; لأنه طيب كان هو أحل ; لأنه أعلى في الطيب ، ولا يشبه الرجيع الخبيث ( قال ) : فما الخبر ؟ قلت ( أخبرنا ) الزنجي عن موسى بن عقبة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى للنجاشي أواقي مسك فقال لأم سلمة إني قد أهديت للنجاشي أواقي مسك ، ولا أراه إلا قد مات قبل أن يصل إليه فإن جاءتنا وهبت لك كذا فجاءته فوهب لها ولغيرها منه } ( قال ) : وسئل ابن عمر عن المسك أحنوط هو ؟ فقال أوليس من أطيب طيبكم ؟ وتطيب سعد بالمسك والذريرة وفيه المسك وابن عباس بالغالية قبل أن يحرم وفيها المسك ولم أر الناس عندنا اختلفوا في إباحته ( قال ) : فقال لي قائل خبرت أن العنبر شيء ينبذه حوت من جوفه فكيف أحللت ثمنه ؟ قلت أخبرني عدد ممن أثق به أن العنبر نبات يخلقه الله تعالى في حشاف في البحر فقال لي منهم نفر حجبتنا الريح إلى جزيرة فأقمنا بها ونحن ننظر من فوقها إلى حشفة ; خارجة من الماء منها عليها عنبرة أصلها مستطيل كعنق الشاة والعنبرة ممدودة في فرعها ثم كنا نتعاهدها فنراها تعظم فأخرنا أخذها رجاء أن تزيد عظما فهبت ريح فحركت البحر فقطعتها فخرجت مع الموج ولم يختلف على أهل العلم بأنه كما وصفوا وإنما غلط من قال : إنه يجده حوت أو طير فيأكله للينه وطيب ريحه وقد زعم بعض أهل العلم أنه لا تأكله دابة إلا قتلها فيموت الحوت الذي يأكله فينبذه البحر فيؤخذ فيشق بطنه فيستخرج منه .
قال فما تقول فيما استخرج من بطنه ؟ قلت يغسل عنه شيء أصابه من أذاه ويكون حلالا أن يباع ويتطيب به من قبل أنه مستجسد غليظ غير منفر لا يخالطه شيء أصابه فيذهب فيه كله إنما يصيب ما ظهر منه كما يصيب ما ظهر من الجلد فيغسل فيطهر ويصيب الشيء من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد فيغسل فيطهر والأديم ( قال ) : فهل في العنبر خبر ؟ قلت لا أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أنه لا بأس ببيع العنبر ، ولا أحد من أهل العلم بالعنبر قال في العنبر إلا ما قلت لك من أنه نبات والنبات لا يحرم منه شيء ( قال ) : فهل فيه أثر ؟ .
قلت نعم ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان .
[ ص: 116 ] عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس سئل عن العنبر فقال إن كان فيه شيء ففيه الخمس .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة أن ابن عباس قال ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء دسره البحر .
( قال الشافعي ) : ولا يجوز بيع المسك وزنا في فارة ; لأن المسك مغيب ، ولا يدرى كم وزنه من وزن جلوده والعود يتفاضل تفاضلا كثيرا فلا يجوز حتى يوصف كل صنف منه وبلده وسمته الذي يميزه به بينه وبين غيره كما لا يجوز في الثياب إلا ما وصفت من تسمية أجناسه وهو أشد تباينا من التمر وربما رأيت المنا منة بمائتي دينار والمنا من صنف غيره بخمسة دنانير وكلاهما ينسب إلى الجودة من صنفه وهكذا القول في كل متاع العطارين مما يتباين منه ببلد أو لون أو عظم لم يجز السلف فيه حتى يسمى ذلك وما لا يتباين بشيء من هذا وصف بالجودة والرداءة وجماع الاسم والوزن .
ولا يجوز السلف في شيء منه يخلطه عنبرا لا خليا من العنبر أو الغش ، الشك من الربيع فإن شرط شيئا بترابه أو شيئا بقشوره وزنا إن كانت قشوره ليست مما تنفعه أو شيئا يختلط به غيره منه لا يعرف قدر هذا من قدر هذا لم يجز السلف فيه ( قال ) : وفي الفأر إن كان من صيد البحر مما يعيش في البحر فلا بأس بها ، وإن كانت تعيش في البر وكانت فأرا لم يجز بيعها وشراؤها إذا لم تدبغ ، وإن دبغت فالدباغ لها طهور فلا بأس ببيعها وشرائها وقال في كل جلد على عطر وكل ما خفي عليه من عطر ودواء الصيادلة وغيره مثل هذا القول إلا أنه لا يحل بيع جلد من كلب ، ولا خنزير ، وإن دبغ ، ولا غير مدبوغ ، ولا شيء منهما ، ولا من واحد منهما .
باب متاع الصيادلة
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ومتاع الصيادلة كله من الأدوية كمتاع العطارين : لا يختلف فما يتباين بجنس أو لون أو غير ذلك يسمى ذلك الجنس وما يتباين ويسمى وزنا وجديدا وعتيقا فإنه إذا تغير لم يعمل عمله جديدا وما اختلط منه بغيره لم يجز كما قلت في متاع العطارين ، ولا يجوز أن يسلف في شيء منه إلا وحده أو معه غيره كل واحد منهما معروف الوزن ويأخذهما متميزين فأما أن يسلف منه في صنفين مخلوطين أو أصناف مثل الأدوية المحببة أو المجموعة بعضها إلى بعض بغير عجن ، ولا تحبيب فلا يجوز ذلك ; لأنه لا يوقف على حده ، ولا يعرف وزن كل واحد منه ، ولا جودته ، ولا رداءته إذا اختلط .
( قال الشافعي ) : وما يوزن مما لا يؤكل ، ولا يشرب إذا كان هكذا قياسا على ما وصفت لا يختلف ، وإذا اختلف سمي أجناسه ، وإذا اختلف في ألوانه سمي ألوانه ، وإذا تقارب سمي وزنه فعلى هذا ، هذا الباب وقياسه ( قال ) : وما خفيت معرفته من متاع الصيادلة وغيره مما لا يخلص من الجنس الذي يخالفه وما لم يكن منها إذا رئي عمت معرفته عند أهل العلم العدول من المسلمين لم يجز السلف فيه ولو كانت معرفته عامة عند الأطباء غير المسلمين والصيادلة غير المسلمين أو عبيد المسلمين أو غير عدول لم أجز السلف فيه وإنما أجيزه فيما أجد معرفته عامة عند عدول من المسلمين من أهل العلم به وأقل ذلك أن أجد عليه عدلين يشهدان على تمييزه وما كان من متاع الصيادلة من شيء محرم : لم يحل بيعه ، ولا شراؤه وما لم يحل شراؤه لم [ ص: 117 ] يجز السلف فيه ; لأن السلف بيع من البيوع ، ولا يحل أكله ، ولا شربه وما كان منها مثل الشجر الذي ليس فيه تحريم إلا من جهة أن يكون مضرا فكان سما لم يحل شراء السم ليؤكل ، ولا يشرب فإن كان يعالج به من ظاهر شيء لا يصل إلى جوف ويكون إذا كان طاهرا مأمونا لا ضرر فيه على أحد موجود المنفعة في داء فلا بأس بشرائه ، ولا خير في شراء شيء يخالطه لحوم الحيات الترياق وغيره ; لأن الحيات محرمات ; لأنهن من غير الطيبات ; ولأنه مخالطه ميتة ، ولا لبن ما لا يؤكل لحمه من غير الآدميين ، ولا بول ما لا يؤكل لحمه ، ولا غيره والأبوال كلها نجسة لا تحل إلا في ضرورة فعلى ما وصفت هذا الباب كله وقياسه ( قال ) : وجماع ما يحرم أكله في ذوات الأرواح خاصة إلا ما حرم من المسكر ، ولا في شيء من الأرض والنبات حرام إلا من جهة أن يضر كالسم وما أشبهه فما دخل في الدواء من ذوات الأرواح فكان محرم المأكول فلا يحل وما لم يكن محرم المأكول فلا بأس .
باب السلف في اللؤلؤ وغيره من متاع أصحاب الجوهر .
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز عندي السلف في اللؤلؤ ، ولا في الزبرجد ، ولا في الياقوت ، ولا في شيء من الحجارة التي تكون حليا من قبل أني لو قلت سلفت في لؤلؤة مدحرجة صافية وزنها كذا وكذا وصفتها مستطيلة ووزنها كذا كان الوزن في اللؤلؤة مع هذه الصفة تستوي صفاته وتتباين ; لأن منه ما يكون أثقل من غيره فيتفاضل بالثقل والجودة وكذلك الياقوت وغيره فإذا كان هكذا فيما يوزن كان اختلافه لو لم يوزن في اسم الصغير والكبير أشد اختلافا ولو لم أفسده من قبل للصفاء ، وإن تباين وأعطيته أقل ما يقع عليه اسم الصفاء أفسد من حيث وصفت ; لأن بعضه أثقل من بعض فتكون الثقيلة الوزن بينا وهي صغيرة وأخرى أخف منها وزنا بمثل وزنها وهي كبيرة فيتباينان في الثمن تباينا متفاوتا ، ولا أضبط أن أصفها بالعظم أبدا إذا لم توزن ; لأن اسم العظم لا يضبط إذا لم يكن معه وزن فلما تباين اختلافهما بالوزن كان اختلافهما غير موزونين أشد تباينا . والله تعالى أعلم .
باب السلف في التبر غير الذهب والفضة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس أن يسلف ذهبا أو فضة أو عرضا من العروض ما كان في تبر نحاس أو حديد أو آنك بوزن معلوم وصفة معلومة والقول فيه كله كالقول فيما وصفت من الإسلاف فيه إن كان في الجنس منه شيء يتباين في ألوانه فيكون صنف أبيض وآخر أحمر وصف اللون الذي سلف فيه وكذلك إن كان يتباين في اللون في أجناسه وكذلك إن كان يتباين في لينه وقسوته وكذلك إن كان يتباين في خلاصه وغير خلاصه لم يجز أن يترك من هذه الصفة شيئا إلا وصفه فإن ترك منه شيئا واحدا فسد السلف وكذلك إن ترك أن يقول جيدا أو رديئا فسد السلف وهكذا ، هذا في الحديد والرصاص والآنك والزاووق فإن الزاووق يختلف مع هذا في رقته وثخانته يوصف ذلك وكل صنف منه اختلف في شيء في غيره وصف حيث يختلف كما قلنا في الأمر الأول وهكذا هذا في الزرنيخ وغيره وجميع ما يوزن مما يقع عليه اسم الصنف من الشب والكبريت وحجارة الأكحال وغيرها القول فيها قول واحد كالقول في السلف فيما قبلها وبعدها
[ ص: 118 ] باب السلف في صمغ الشجر
( قال الشافعي ) : رحمه الله : وهكذا السلف في اللبان والمصطكى والغراء وصمغ الشجر كله ما كان منه من شجرة واحدة كاللبان وصف بالبياض وأنه غير ذكر فإن كان منه شيء يعرفه أهل العلم به يقولون له ذكر إذا مضغ فسد وما كان منه من شجر شتى مثل الغراء وصف شجره وما تباين منه ، وإن كان من شجرة واحدة وصف كما وصفت في اللبان وليس في صغير هذا وكبيره تباين يوصف بالوزن وليس على صاحبه أن يوزن له فيه قرفة أو في شجرة مقلوعة مع الصمغة لا توزن له الصمغة إلا محضة .
باب الطين الأرمني وطين البحيرة والمختوم :
( قال الشافعي ) : رحمه الله : وقد رأيت طينا يزعم أهل العلم به أنه طين أرمني ومن موضع منها معروف وطين يقال له طين البحيرة والمختوم ويدخلان معا في الأدوية وسمعت من يدعي العلم بهما يزعم أنهما يغشان بطين غيرهما لا ينفع منفعتهما ، ولا يقع موقعهما ، ولا يسوي مائة رطل منه رطلا من واحد منهما طينا عندنا بالحجاز من طين الحجاز يشبه الطين الذي رأيتهم يقولون : إنه أرمني .
( قال الشافعي ) : فإن كان مما رأيت ما يختلط على المخلص بينه وبين ما سمعت ممن يدعي من أهل العلم به فلا يخلص فلا يجوز السلف فيه بحال ، وإن كان يوجد عدلان من المسلمين يخلصان معرفته بشيء يبين لهما جاز السلف فيه وكان كما وصفنا مما يسلف فيه من الأدوية والقول فيه كالقول في غيره إن تباين بلون أو جنس أو بلد لم يجز السلف فيه حتى يوصف لونه وجنسه ويوصف بوزن معلوم .
باب بيع الحيوان والسلف فيه
( قال الشافعي ) : رحمه الله : أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فجاءته إبل من الصدقة فقال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت يا رسول الله إني لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء } ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهل عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه ( قال الشافعي ) : فهذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه آخذ وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن بعيرا بصفة وفي هذا ما دل على أنه يجوز أنه يضمن الحيوان كله بصفة في السلف وفي بيع بعضه ببعض وكل أمر لزم فيه الحيوان بصفة وجنس وسن فكالدنانير بصفة وضرب ووزن وكالطعام بصفة وكيل وفيه دليل على أنه لا بأس أن يقضي أفضل مما عليه متطوعا من غير شرط وفيه أحاديث سوى هذا ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال { جاء عبد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يسمع أنه عبد فجاء سيده يريده فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعه فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بعده حتى يسأله : أعبد هو أم حر } ( قال ) : وبهذا نأخذ وهو إجازة عبد بعبدين وإجازة أن .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (124)
صــــــــــ 119 الى صـــــــــــ124
يدفع ثمن شيء في يده فيكون كقبضه ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عبد الكريم الجزري أخبره أن زياد بن أبي مريم مولى عثمان بن عفان أخبره { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصدقا له فجاءه بظهر مسان فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال هلكت وأهلكت فقال يا رسول الله : إني كنت أبيع البكرين والثلاثة بالبعير المسن يدا بيد وعلمت من حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذاك إذن } ( قال الشافعي ) : وهذا منقطع لا يثبت مثله وإنما كتبناه أن الثقة أخبرنا عن عبد الله بن عمر بن حفص أو أخبرنيه عبد الله بن عمر بن حفص .
( قال الشافعي ) : قول النبي صلى الله عليه وسلم { إن كان قال هلكت وأهلكت أثمت وأهلكت أموال الناس } يعني أخذت منهم ما ليس عليهم وقوله { عرفت حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الظهر } يعني ما يعطيه أهل الصدقة في سبيل الله ويعطى ابن السبيل منهم وغيرهم من أهل السهمان عند نزول الحاجة بهم إليها والله تعالى أعلم .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه سئل عن بعير ببعيرين فقال قد يكون بعير خيرا من بعيرين .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك أنه سأل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل ؟ فقال لا بأس به ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهي من الحيوان عن ثلاث عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة والمضامين ما في ظهور الجمال والملاقيح ما في بطون الإناث وحبل الحبلة بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم ينتج ما في بطنها .
( قال الشافعي ) : وما نهي عنه من هذا كما نهي عنه والله أعلم وهذا لا بيع عين ، ولا صفة ومن بيوع الغرر ، ولا يحل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن بيع حبل الحبلة } وهو موضوع في غير هذا الموضع ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال وليبتع البعير بالبعيرين يدا بيد وعلى أحدهما زيادة ورق والورق نسيئة قال وبهذا كله أقول ، ولا بأس أن يسلف الرجل في الإبل وجميع الحيوان بسن وصفة وأجل كما يسلف في الطعام ، ولا بأس أن يبيع الرجل البعير بالبعيرين مثله أو أكثر يدا بيد وإلى أجل وبعيرا ببعيرين وزيادة دراهم يدا بيد ونسيئة إذا كانت إحدى البيعتين كلها نقدا أو كلها نسيئة .
ولا يكون في الصفقة نقد ونسيئة لا أبالي أي ذلك كان نقدا ، ولا أنه كان نسيئة ، ولا يقارب البعير ، ولا يباعده ; لأنه ربا في حيوان بحيوان استدلالا بأنه مما أبيح من البيوع ولم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه خارج من معنى ما حرم مخصوص فيه بالتحليل ومن بعده ممن ذكرنا وسكتنا عن ذكره ( قال ) : وإنما كرهت في التسليم أن تكون إحدى البيعتين مبعضة بعضها نقد وبعضها نسيئة ; لأني لو أسلفت بعيرين أحدا للذين أسلفت نقدا والآخر نسيئة في بعيرين نسيئة كان في البيعة دين بدين ولو أسلفت بعيرين نقدا في بعيرين نسيئة إلى أجلين . [ ص: 120 ] مختلفين
كانت قيمة البعيرين المختلفين إلى الأجل مجهولة من قيمة البعيرين النقد ; لأنهما لو كانا على صفة واحدة كان المستأخر منهما أقل قيمة من المتقدم قبله فوقعت البيعة المؤخرة لا تعرف حصة ما لكل واحد من البعيرين منهما وهكذا لا يسلم دنانير في شيء إلى أجلين في صفقة واحدة وكذلك بعير بعشرين بعيرا يدا بيد ونسيئة لا ربا في الحيوان ، ولا بأس أن يصدق الحيوان ويصالح عليه ويكاتب عليه والحيوان بصفة وسن كالدنانير والدراهم والطعام لا يخالفه كل ما جاز ثمنا من هذا بصفة أو كيل أو وزن جاز الحيوان فيه بصفة وسن ويسلف الحيوان في الكيل والوزن والدنانير والدراهم ، والعروض كلها من الحيوان من صنفه وغير صنفه إلى أجل معلوم ويباع بها يدا بيد لا ربا فيها كلها ، ولا ينهى من بيعه عن شيء بعقد صحيح إلا بيع اللحم بالحيوان اتباعا دون ما سواه .
( قال ) : وكل ما لم يكن في التبايع به ربا في زيادته في عاجل أو آجل فلا بأس أن يسلف بعضه في بعض من جنس وأجناس وفي غيره مما تحل فيه الزيادة . والله أعلم .
باب صفات الحيوان إذا كانت دينا
( قال الشافعي ) : رحمه الله : إذا سلف رجل في بعير لم يجز السلف فيه إلا بأن يقول : من نعم بني فلان كما يقول ثوب مروي وتمر بردي وحنطة مصرية لاختلاف أجناس البلاد واختلاف الثياب والتمر والحنطة ويقول رباعي أو سداسي أو بازل أو أي سن أسلف فيها فيكون السن إذا كان من حيوان معروفا فيما يسمى من الحيوان كالذرع فيما يذرع من الثياب والكيل فيما يكال من الطعام ; لأن هذا أقرب الأشياء من أن يحاط به فيه كما الكيل والذرع أقرب الأشياء في الطعام والثوب من أن يحاط به فيه ويقول لونه كذا ; لأنها تتفاضل في الألوان وصفة الألوان في الحيوان كصفة وشي الثوب ولون الخز والقز والحرير وكل يوصف بما أمكن فيه من أقرب الأشياء بالإحاطة به فيه ويقول ذكر أو أنثى لاختلاف الذكر والأنثى فإن ترك واحدا من هذا فسد السلف في الحيوان .
( قال ) : وأحب إلي أن يقول نقي من العيوب ، وإن لم يقله لم يكن له عيب وأن يقول جسيما فيكون له أقل ما يقع عليه اسم صفة الجسيم ، وإن لم يقله لم يكن له مودن ; لأن الإيدان عيب وليس له مرض ، ولا عيب ، وإن لم يشترطه ( قال ) : وإن اختلف نعم بني فلان كان له أقل ما يقع عليه صفة من أي نعمهم شاء فإن زادوه فهم متطوعون بالفضل وقد قيل إذا تباين نعمهم فسد السلف إلا بأن يوصف جنس من نعمهم ( قال ) : والحيوان كله مثل الإبل لا يجزئ في شيء منه إلا ما أجزأ في الإبل ( قال ) : وإن كان السلف في خيل أجزأ فيها ما أجزأ في الإبل وأحب إن كان السلف في الفرس أن يصف شيته مع لونه فإن لم يفعل فله اللون بهيما ، وإن كان له شية فهو بالخيار في أخذها وتركها والبائع بالخيار في تسليمها وإعطائه اللون بهيما .
( قال الشافعي ) : رحمه الله : وهكذا . هذا في ألوان الغنم إن وصف لونها وصفتها غرا أو كدرا وبما يعرف به اللون الذي يريد من الغنم ، وإن تركه فله اللون الذي يصف جملته بهيما وهكذا جميع الماشية حمرها وبغالها وبراذينها وغيرها مما يباع فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه وهكذا ، هذا في العبيد والإماء يصف أسنانهن بالسنين وألوانهن وأجناسهن وتحليتهن بالجعودة والسبوطة .
( قال ) : وإن أتى على السن واللون والجنس أجزأه ، وإن ترك واحدا من هذا فسد السلف والقول في هذا وفي الجواري والعبيد كالقول فيما قبله والتحلية أحب إلي ، وإن لم يفعل فليس له عيب كما لا يكون له في البيع عيب إلا أنهما يختلفان في خصلة إن جعدت له .
[ ص: 121 ] وقد اشتراها نقدا بغير صفة كان بالخيار في ردها إذا علم أنها سبطة ; لأنه اشتراها على أنه يرى أنها جعدة والجعدة أكثر ثمنا من السبطة ولو اشتراها سبطة ثم جعدت ثم دفعت إلى المسلف لم يكن له ردها ; لأنها تلزمه سبطة ; لأن السبوطة ليست بعيب ترد منه إنما في تقصير عن حسن أقل من تقصيرها بخلاف الحسن عن الحسن والحلاوة عن الحلاوة .
( قال ) : ولا خير في أن يسلم في جارية بصفة على أن يوفاها وهي حبلى ، ولا في ذات رحم من الحيوان على ذلك من قبل أن الحمل ما لا يعلمه إلا الله وأنه شرط فيها ليس فيها وهو شراء ما لا يعرف وشراؤه في بطن أمه لا يجوز ; لأنه لا يعرف ، ولا يدري أيكون أم لا ، ولا خير في أن يسلف في ناقة بصفة ومعها ولدها موصوفا ، ولا في وليدة ، ولا في ذات رحم من حيوان كذلك ( قال ) : ولكن إن أسلف في وليدة أو ناقة أو ذات رحم من الحيوان بصفة ووصف بصفة ولم يقل ابنها أو ولد ناقة أو شاة ولم يقل ولد الشاة التي أعطاها جاز وسواء أسلفت في صغير أو كبير موصوفين بصفة وسن تجمعهما أو كبيرين كذلك ( قال ) : وإنما أجزته في أمة ووصيف يصفه لما وصفت من أنه يسلم في اثنين وكرهت أن يقال ابنها ، وإن كان موصوفا ; لأنها قد تلد ، ولا تلد وتأتي على تلك الصفة ، ولا تأتي وكرهته لو قال معها ابنها ، وإن لم يوصف ; لأنه شراء عين بغير صفة وشيء غير مضمون على صاحبه ألا ترى أني لا أجيز أن أسلف في أولادها سنة ; لأنها قد تلد ، ولا تلد ويقل ولدها ويكثر والسلف في هذا الموضع يخالف بيع الأعيان .
( قال ) : ولو سلف في ناقة موصوفة أو ماشية أو عبد موصوف على أنه خباز أو جارية موصوفة على أنها ماشطة كان السلف صحيحا وكان له أدنى ما يقع عليه اسم المشط وأدنى ما يقع عليه اسم الخبز إلا أن يكون ما وصفت غير موجود بالبلد الذي يسلف فيه بحال فلا يجوز .
( قال ) : ولو سلف في ذات در على أنها لبون كان فيها قولان أحدهما أنه جائز ، وإذا وقع عليها أنها لبون كانت له كما قلنا في المسائل قبلها ، وإن تفاضل اللبن كما يتفاضل المشي والعمل والثاني لا يجوز من قبل أنها شاة بلبن ; لأن شرطه ابتياع له واللبن يتميز منها ، ولا يكون بتصرفها إنما هو شيء يخلقه الله عز وجل فيها كما يحدث فيها البعر وغيره فإذا وقعت على هذا صفة المسلف كان فاسدا كما يفسد أن يقول أسلفك في ناقة يصفها ولبن معها غير مكيل ، ولا موصوف وكما لا يجوز أن أسلفك في وليدة حبلى وهذا أشبه القولين بالقياس والله أعلم ( قال ) : والسلف في الحيوان كله وبيعه بغيره وبعضه ببعض هكذا لا يختلف مرتفعهم وغير مرتفعهم والإبل والبقر والغنم والخيل والدواب كلها وما كان موجودا من الوحش منها في أيدي الناس مما يحل بيعه سواء كله ويسلف كله بصفة إلا الإناث من النساء فإنا نكره سلفهن دون ما سواهن من الحيوان .
ولا نكره أن يسلف فيهن إنما نكره أن يسلفن وإلا الكلب والخنزير فإنهما لا يباعان بدين ، ولا عين .
( قال ) : وما لم ينفع من السباع فهو مكتوب في غير هذا الموضع وكل ما لم يحل بيعه لا يحل السلف فيه والسلف بيع ( قال ) : وكل ما أسلفت من حيوان وغيره وشرطت معه غيره فإن كان المشروط معه موصوفا يحل فيه السلف على الانفراد جاز فكنت إنما أسلفت فيه وفي الموصوف معه ، وإن لم يكن يجوز السلف فيه على الانفراد فسد السلف ، ولا يجوز أن يسلف في حيوان موصوف من حيوان رجل بعينه أو بلد بعينه ولإنتاج ماشية رجل بعينه ، ولا يجوز أن يسلف فيه إلا فيما لا ينقطع من أيدي الناس كما قلنا في الطعام وغيره .
( قال الربيع ) : ( قال الشافعي ) : ولا يجوز أن أقرضك جارية ويجوز أن أقرضك كل .
[ ص: 122 ] شيء سواها من دراهم ودنانير ; لأن الفروج تحاط بأكثر مما يحاط به غيرها فلما كنت إذا أسلفتك جارية كان لي نزعها منك لأني لم آخذ منك فيها عوضا لم يكن لك أن تطأ جارية لي نزعها منك . والله أعلم .
باب الاختلاف في أن يكون الحيوان نسيئة أو يصلح منه اثنان بواحد
( قال الشافعي ) : رحمه الله فخالفنا بعض الناس في الحيوان فقال لا يجوز أن يكون الحيوان نسيئة أبدا قال وكيف أجزتم أن جعلتم الحيوان دينا وهو غير مكيل ، ولا موزون والصفة تقع على العبدين وبينهما دنانير وعلى البعيرين وبينهما تفاوت في الثمن ؟ قال نقلناه قلنا بأولى الأمور بنا أن نقول به بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في استسلافه بعيرا وقضائه إياه والقياس على ما سواها من سنته ولم يختلف أهل العلم فيه ( قال ) : فاذكر ذلك قلت أما السنة النص ، فإنه استسلف بعيرا وأما السنة التي استدللنا بها فإنه قضى بالدية مائة من الإبل ولم أعلم المسلمين اختلفوا أنها بأسنان معروفة وفي مضي ثلاث سنين وأنه صلى الله عليه وسلم افتدى كل من لم يطب عنه نفسا من قسم له من سبي هوازن بإبل سماها ست أو خمس إلى أجل .
( قال ) : أما هذا فلا أعرفه قلنا : فما أكثر ما لا تعرفه من العلم ، قال : أفثابت ؟ قلت نعم ولم يحضرني إسناده قال ولم أعرف الدية من السنة قلت وتعرف مما لا تخالفنا فيه أن يكاتب الرجل على الوصفاء بصفة وأن يصدق الرجل المرأة العبيد والإبل بصفة ؟ قال نعم وقال : ولكن الدية تلزم بغير أعيانها .
قلت وكذلك الدية من الذهب تلزم بغير أعيانها ولكن نقد البلاد ووزن معلوم غير مردود فكذلك تلزم الإبل إبل العاقلة وسن معلومة وغير معيبة ولو أراد أن ينقص من أسنانها سنا لم تجز فلا أراك إلا حكمت بها مؤقتة وأجزت فيها أن تكون دينا وكذلك أجزت في صداق النساء لوقت وصفة وفي الكتابة لوقت وصفة ولو لم يكن روينا فيه شيئا إلا ما جامعتنا عليه من أن الحيوان يكون دينا في هذه المواضع الثلاث أما كنت محجوجا بقولك لا يكون الحيوان دينا وكانت علتك فيه زائلة ؟ .
( قال ) : وإن النكاح يكون بغير مهر ؟ قلت له فلم تجعل فيه مهر مثل المرأة إذا أصيبت وتجعل الإصابة كالاستهلاك في السلعة في البيع الفاسد تجعل فيه قيمته ؟ قال فإنما كرهنا السلم في الحيوان ; لأن ابن مسعود كرهه قلنا يخالف السلم سلفه أو البيع به أم هما شيء واحد ؟ .
قال بل كل ذلك واحد إذا جاز أن يكون دينا في حال جاز أن يكون دينا في كل حال قلت قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا في السلف والدية ولم تخالفنا في أنه يكون في موضعين آخرين دينا في الصداق والكتابة فإن قلت ليس بين العبد وسيده ربا قلت أيجوز أن يكاتبه على حكم السيد وعلى أن يعطيه ثمرة لم يبد صلاحها وعلى أن يعطيه ابنه المولود معه في كتابته كما يجوز لو كان عبدا له ويكون للسيد يأخذ ماله ؟ قال ما حكمه حكم العبيد قلنا فقلما نراك تحتج بشيء إلا تركته والله المستعان وما نراك أجزت في الكتابة إلا ما أجزت في البيوع فكيف أجزت في الكتابة أن يكون الحيوان نسيئة ولم تجزه في السلف فيه ؟ أرأيت لو كان ثابتا عن ابن مسعود أنه كره السلم في الحيوان غير مختلف عنه فيه والسلم عندك إذا كان دينا كما وصفنا من إسلافه وغير ذلك أكان يكون في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الناس حجة ؟ قال لا قلت فقد جعلته حجة على ذلك متظاهرا متأكدا في غير موضع وأنت تزعم في أصل قولك أنه ليس بثابت عنه قال ومن أين ؟ قلت وهو منقطع عنه ويزعم الشعبي الذي هو أكبر من الذي روي عنه كراهته أنه إنما أسلف .
[ ص: 123 ] له في لقاح فحل إبل بعينه وهذا مكروه عندنا وعند كل أحد هذا بيع الملاقيح والمضامين أو هما وقلت لمحمد بن الحسن أنت أخبرتني عن أبي يوسف عن عطاء بن السائب عن أبي البحتري أن بني عم لعثمان أتوا واديا فصنعوا شيئا في إبل رجل قطعوا به لبن إبله وقتلوا فصالها فأتى عثمان وعنده ابن مسعود فرضي بحكم ابن مسعود فحكم أن يعطي بواديه إبلا مثل إبله وفصالا مثل فصاله فأنفذ ذلك عثمان فيروى عن ابن مسعود أنه يقضي في حيوان بحيوان مثله دينا ; لأنه إذا قضي به بالمدينة وأعطيه بواديه كان دينا ويزيد أن يروي عن عثمان أنه يقول بقوله وأنتم تروون عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال أسلم لعبد الله بن مسعود في وصفاء أحدهم أبو زائدة مولانا فلو اختلف قول ابن مسعود فيه عندك فأخذ رجل ببعضه دون بعض ألم يكن له ؟ قال بلى قلت ولو لم يكن فيه غير اختلاف قول ابن مسعود ؟ قال نعم قلت فلم خالفت ابن مسعود ومعه عثمان ومعنى السنة والإجماع ؟ قال فقال منهم قائل فلو زعمت أنه لا يجوز السلم فيه ويجوز إسلامه وأن يكون دية وكتابة ومهرا وبعيرا ببعيرين نسيئة قلت فقله إن شئت قال فإن قلته ؟ قلت يكون أصل قولك لا يكون الحيوان دينا خطأ بحاله قال فإن انتقلت عنه ؟ قلت فأنتم تروون عن ابن عباس أنه أجاز السلم في الحيوان وعن رجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال إنا لنرويه قلت فإن ذهب رجل إلى قولهما أو قول أحدهما دون قول ابن مسعود أيجوز له ؟ قال نعم قلت فإن كان مع قولهما أو قول أحدهما القياس على السنة والإجماع ؟ قال فذلك أولى أن يقال به قلت أفتجد مع من أجاز السلم في الحيوان القياس فيما وصفت ؟ قال نعم وما دريت لأي معنى تركه أصحابنا قلت أفترجع إلى إجازته ؟ قال أقف فيه قلت فيعذر غيرك في الوقف عما بان له ؟ ( قال ) : ورجع بعضهم ممن كان يقول قولهم من أهل الآثار إلى إجازته وقد كان يبطله ( قال الشافعي ) : قال محمد بن الحسن فإن صاحبنا قال إنه يدخل عليكم خصلة تتركون فيها أصل قولكم إنكم لم تجيزوا استسلاف الولائد خاصة وأجزتم بيعهن بدين والسلف فيهن قال قلت أرأيت لو تركنا قولنا في خصلة واحدة ولزمناه في كل شيء أكنا معذورين ؟ قال لا قلت ; لأن ذلك خطأ ؟ قال نعم قلت فمن أخطأ قليلا أمثل حالا أم أخطأ كثيرا ؟ قال بل من أخطأ قليلا ، ولا عذر له قلت فأنت تقر بخطأ كثير وتأبى أن تنتقل عنه ونحن لم نخطئ أصل قولنا إنما فرقنا بينه بما تتفرق الأحكام عندنا وعندك بأقل منه قال فاذكره قلت أرأيت إذا اشتريت منك جارية موصوفة بدين أملكت عليك إلا الصفة ؟ ولو كانت عندك مائة من تلك الصفة لم تكن في واحدة منهن بعينها وكان لك أن تعطي أيتهن شئت فإذا فعلت فقد ملكتها حينئذ ؟ قال نعم قلت ، ولا يكون لك أخذها مني كما لا يكون لك أخذها لو بعتها مكانك وانتقدت ثمنها ؟ قال نعم وكل بيع بيع بثمن ملك هكذا قال : نعم قلت : أفرأيت إذا أسلفتك جارية إلى أخذها منك بعدما قبضتها من ساعتي وفي كل ساعة ؟ قال نعم قلت فلك أن تطأ جارية متى شئت أخذتها أو استبرأتها ووطئتها ؟ قال فما فرق بينها وبين غيرها ؟ قلت الوطء قال فإن فيها لمعنى في الوطء ما هو في رجل ، ولا في شيء من البهائم قلت فبذلك المعنى فرقت بينهما ؟ قال فلم لم يجز له أن يسلفها فإن وطئها لم يردها ورد مثلها ؟ قلت أيجوز أن أسلفك شيئا ثم يكون لك أن تمنعني منه ولم يفت قال لا قلت فكيف تجيز إن وطئها أن لا يكون لي عليها سبيل وهي غير فائتة ، ولو جاز لم يصح فيه قول ؟ قال وكيف إن أجزته لا يصح فيه قول ؟ قلت : لأني إذا سلطته على إسلافها فقد أبحت فرجها للذي سلفها فإن لم يطأها حتى يأخذها السيد أبحته للسيد فكان الفرج حلالا لرجل ثم حرم عليه بلا إخراج له من ملكه ، ولا تمليكه رقبة الجارية غيره ، ولا طلاق ( أخبرنا الربيع ) : قال .
( قال الشافعي ) : وكل فرج حل فإنما يحرم بطلاق أو إخراج ما ملكه إلى [ ص: 124 ] ملك غيره أو أمور ليس المستسلف في واحد منها قال أفتوضحه بغير هذا مما نعرفه ؟ قلت نعم قياسا على أن السنة فرقت بينه قال فاذكره قلت أرأيت المرأة نهيت أن تسافر إلا مع ذي رحم محرم ونهيت أن يخلو بها رجل وليس معها ذو محرم ونهيت عن الحلال لها من التزويج إلا بولي ؟ قال نعم قلت أفتعرف في هذا معنى نهيت له إلا ما خلق في الآدميين من الشهوة للنساء وفي الآدميات من الشهوة للرجال فحيط في ذلك لئلا ينسب إلى المحرم منه ، ثم حيط في الحلال منه لئلا ينسب إلى ترك الحظ فيه أو الدلسة ؟ قال ما فيه معنى إلا هذا أو في معناه قلت أفتجد إناث البهائم في شيء من هذه المعاني أو ذكور الرجال أو البهائم من الحيوان ؟ قال لا قلت فبان لك فرق الكتاب والسنة بينهن وأنه إنما نهي عنه للحياطة لما خلق فيهن من الشهوة لهن ؟ قال نعم قلت فبهذا فرقنا وغيره مما في هذا كفاية منه إن شاء الله تعالى ، قال أفتقول بالذريعة ؟ قلت لا ، ولا معنى في الذريعة إنما المعنى في الاستدلال بالخبر اللازم أو القياس عليه أو المعقول .
باب السلف في الثياب
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي ، قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه سئل ابن شهاب عن ثوب بثوبين نسيئة فقال لا بأس به ولم أعلم أحدا يكرهه ( قال الشافعي ) : وما حكيت من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل على أهل نجران ثيابا معروفة عند أهل العلم بمكة ونجران ، ولا أعلم خلافا في أنه يحل أن يسلم في الثياب بصفة ، قال والصفات في الثياب التي لا يستغنى عنها ، ولا يجوز السلف حتى تجمع أن يقول لك الرجل أسلم إليك في ثوب مروي أو هروي أو رازي أو بلخي أو بغدادي طوله كذا وعرضه كذا صفيقا دقيقا أو رقيقا فإذا جاء به على أدنى ما تلزمه هذه الصفة لزمه وهو متطوع بالفضل في الجودة إذا لزمتها الصفة وإنما قلت دقيقا ; لأن أقل ما يقع عليه اسم الدقة غير متباين الخلاف في أدق منه وأدق منه زيادة في فضل الثوب ولم أقل صفيقا مرسلة ; لأن اسم الصفاقة قد يقع على الثوب الدقيق والغليظ فيكون إن أعطاه غليظا أعطاه شرا من دقيق ، وإن أعطاه دقيقا أعطاه شرا من غليظ وكلاهما يلزمه اسم الصفاقة قال وهو كما وصفت في الأبواب قبله إذا ألزم أدنى ما يقع عليه الاسم من الشرط شيئا وكان يقع الاسم على شيء مخالف له هو خير منه لزم المشتري ; لأن الخير زيادة يتطوع بها البائع ، وإذا كان يقع على ما هو شر منه لم يلزمه ; لأن الشر نقص لا يرضى به المشتري ( قال ) : فإن شرطه صفيقا ثخينا لم يكن له أن يعطيه دقيقا ، وإن كان خيرا منه ; لأن في الثياب علة أن الصفيق الثخين يكون أدفأ في البرد وأكن في الحر وربما كان أبقى فهذه علة تنقصه ، وإن كان ثمن الأدق أكثر فهو غير الذي أسلف فيه وشرط لحاجته ( أخبرنا الربيع ) : قال ( قال الشافعي ) : وإن أسلم في ثياب بلد بها ثياب مختلفة الغزل والعمل يعرف كلها باسم سوى اسم صاحبه لم يجز السلف حتى يصف فيه ما وصفت قبل ويقول ثوب كذا وكذا من ثياب بلد كذا ومتى ترك من هذا شيئا لم يجز السلف ; لأنه بيع مغيب غير موصوف كما لا يجوز في التمر حتى يسمى جنسه ( قال ) : وكل ما أسلم فيه من أجناس الثياب هكذا كله إن كان وشيا نسبه يوسفيا أو نجرانيا أو فارعا أو باسمه الذي يعرف به ، وإن كان غير وشي من العصب والحبرات وما أشبهه ، وصفه ثوب حبرة من عمل بلد كذا دقيق البيوت ، أو متركا مسلسلا أو صفته أو جنسه الذي هو جنسه وبلده فإن اختلف عمل ذلك البلد قال من عمل كذا للعمل الذي .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (125)
صــــــــــ 125 الى صـــــــــــ130
يعرف به لا يجزئ في السلم دونه وكذلك في ثياب القطن كما وصفت في العصب قبلها وكذلك البياض والحرير والطيالسة والصوف كله والإبريسم وإذا عمل الثوب من قز أو من كتان أو من قطن وصفه ، وإن لم يصف غزله إذا عمل من غزول مختلفة أو من كرسف مروي أو من كرسف خشن لم يصح ، وإن كان إنما يعمل من صنف واحد ببلده الذي سلف فيه لم يضره أن لا يصف غزله إذا وصف الدقة والعمل والذرع وقال في كل ما يسلم فيه جيد أو رديء ولزمه كل ما يقع عليه اسم الجودة أو الرداءة أو الصفة التي يشترط قال ، وإن سلف في وشي لم يجز حتى يكون للوشي صفة يعرفها أهل العدل من أهل العلم ، ولا خير في أن يريه خرقة ويتواضعانها على يد عدل يوفيه الوشي عليها إذا لم يكن الوشي معروفا كما وصفت ; لأن الخرقة قد تهلك فلا يعرف الوشي . .
باب السلف في الأهب والجلود
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز السلف في جلود الإبل ، ولا البقر ، ولا أهب الغنم ، ولا جلد ، ولا إهاب من رق ، ولا غيره ، ولا يباع إلا منظورا إليه قال وذلك أنه لم يجز لنا أن نقيسه على الثياب ; لأنا لو قسناه عليها لم يحل إلا مذروعا مع صفته وليس يمكن فيه الذرع لاختلاف خلقته عن أن يضبط بذرع بحال ولو ذهبنا نقيسه على ما أجزنا من الحيوان بصفة لم يصح لنا وذلك أنا إنما نجيز السلف في بعير من نعم بني فلان ثني أو جذع موصوف فيكون هذا فيه كالذرع في الثوب ويقول رباع وبازل وهو في كل سن من هذه الأسنان أعظم منه في السن قبله حتى يتناهى عظمه وذلك معروف مضبوط كما يضبط الذرع وهذا لا يمكن في الجلود لا يقدر على أن يقال جلد بقرة ثنية أو رباع ، ولا شاة كذلك ، ولا يتميز فيقال بقرة من نتاج بلد كذا ; لأن النتاج يختلف في العظم فلما لم يكن الجلد يوقع على معرفته كما يوقع على معرفة ما كان قائما من الحيوان فيعرف بصفة نتاج بلده عظمه من صغره خالفت الجلود الحيوان في هذا وفي أن من الحيوان ما يكون السن منه أصغر من السن مثله والأصغر خير عند التجار فيكون أمشى وأحمل ما كانت فيه الحياة فيشتري البعير بعشرين بعيرا أو أكثر كلها أعظم منه لفضل التجار للمشي ويدرك بذلك صفته وجنسه وليس هذا في الجلود هكذا الجلود لا حياة فيها وإنما تفاضلها في ثخانتها وسعتها وصلابتها ومواضع منها فلما لم نجد خبرا نتبعه ، ولا قياسا على شيء مما أجزنا السلف فيه لم يجز أن نجيز السلف فيه والله تعالى أعلم . ورأيناه لما لم يوقف على حده فيها رددنا السلم فيه ولم نجزه نسيئة وذلك أن ما بيع نسيئة لم يجز إلا معلوما وهذا لا يكون معلوما بصفة بحال .
باب السلف في القراطيس
( قال الشافعي ) : رحمه الله : إن كانت القراطيس - تعرف بصفة كما تعرف الثياب بصفة وذرع وطول وعرض وجودة ورقة وغلظ واستواء صنعة أسلف فيها على هذه الصفة ، ولا يجوز حتى تستجمع هذه الصفات كلها ، وإن كانت تختلف في قرى أو رساتيق لم يجز حتى يقال صنعة قرية كذا أو كورة كذا أو رستاق كذا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والقول فيها كالقول فيما أجزنا فيه السلف غيرها ، وإن .
[ ص: 126 ] كانت لا تضبط بهذا فلا خير في السلف فيها ، ولا أحسبها بهذا إلا مضبوطة أو ضبطها أصح من ضبط الثياب أو مثله .
باب السلف في الخشب ذرعا
( قال الشافعي ) : رحمه الله : من سلف في خشب الساج فقال ساج سمح طول الخشبة منه كذا وغلظها كذا وكذا ولونها كذا فهذا جائز ، وإن ترك من هذا شيئا لم يجز وإنما أجزنا هذا لاستواء نبتته وأن طرفيه لا يقربان وسطه ، ولا جميع ما بين طرفيه من نبتته ، وإن اختلف طرفاه تقاربا ، وإذا شرط له غلظا فجاءه بأحد الطرفين على الغلظ والآخر أكثر فهو متطوع بالفضل ، ولزم المشتري أخذه ، فإن جاء به ناقصا من طول ، أو ناقص أحد الطرفين من غلظ لم يلزمه ; لأن هذا نقص من حقه ( قال ) : وكل ما استوت نبتته حتى يكون ما بين طرفيه منه ليس بأدق من طرفيه وأحدهما من السمح أو تربع رأسه فأمكن الذرع فيه أو تدور تدورا مستويا فأمكن الذرع فيه وشرط فيه ما وصفت في الساج جاز السلف فيه وسمى جنسه فإن كان منه جنس يختلف فيكون بعضه خيرا من بعض مثل الدوم فإن الخشبة منه تكون خيرا من الخشب مثلها للحسن لم يستغن عن أن يسمى جنسه كما لا يستغنى أن يسمى جنس الثياب فإن ترك تسمية جنسه فسد السلف فيه وما لم يختلف أجزنا السلف فيه بالصفة والذرع على نحو ما وصفت قال وما كان منه طرفاه أو أحدهما أجل من الآخر ونقص ما بين طرفيه أو مما بينهما لم يجز السلف فيه ; لأنه حينئذ غير موصوف العرض كما لا يجوز أن يسلف في ثوب موصوف الطول غير موصوف العرض قال فعلى هذا السلف في الخشب الذي يباع ذرعا كله وقياسه لا يجوز حتى تكون كل خشبة منه موصوفة محدودة كما وصفت وهكذا خشب الموائد يوصف طولها وعرضها وجنسها ولونها ( قال ) : ولا بأس بإسلام الخشب في الخشب ، ولا ربا فيما عدا الكيل والوزن من المأكول والمشروب كله والذهب والورق وما عدا هذا فلا بأس بالفضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة سلما وغير سلم كيف كان إذا كان معلوما .
باب السلم في الخشب وزنا
( قال الربيع ) : ( قال الشافعي ) : وما صغر من الخشب لم يجز السلف فيه عددا ، ولا حزما ، ولا يجوز حتى يسمى الجنس منه فيقول ساسما أسود أو آبنوسا يصف لونه بنسبته إلى الغلظ من ذلك الصنف أو إلى أن يكون منه دقيقا أما إذا اشتريت جملة قلت دقاقا أو أوساطا أو غلاظا وزن كذا وكذا وأما إذا اشتريته مختلفا قلت كذا وكذا رطلا غليظا وكذا وكذا وسطا وكذا وكذا رقيقا لا يجوز فيه غير هذا فإن تركت من هذا شيئا فسد السلف وأحب لو قلت سمحا فإن لم تقله فليس لك فيه عقد ; لأن العقد تمنعه السماح وهي عيب فيه تنقصه وكل ما كان فيه عيب ينقصه لما يراد له لم يلزم المشتري وهكذا كل ما اشتري للتجارة على ما وصفت لك لا يجوز إلا مذروعا معلوما أو موزونا معلوما بما وصفت ( قال ) : وما اشتري منه حطبا يوقد به وصف حطب سمر أو سلم أو حمض أو أراك أو قرظ أو عرعر ووصف بالغلظ والوسط والدقة وموزونا فإن ترك من هذا شيئا لم يجز ، ولا يجوز أن يسلف عددا ، ولا حزما ، ولا غير موصوف [ ص: 127 ] موزون بحال ، ولا موزون غير موصوف بغلظه ودقته وجنسه فإن ترك من هذا شيئا فسد السلف ( قال ) : فأما عيدان القسي فلا يجوز السلف فيها إلا بأمر قلما يكون فيها موجودا فإذا كان فيها موجودا جاز ، وذلك أن يقول عود شوحطة جذل من نبات أرض كذا السهل منها أو الجبل أو دقيق أو وسط طوله كذا وعرضه كذا وعرض رأسه كذا ويكون مستوى النبتة وما بين الطرفين من الغلظ فكل ما أمكنت فيه هذه الصفة منه جاز وما لم يمكن لم يجز وذلك أن عيدان الأرض تختلف فتباين والسهل والجبل منها يتباين والوسط والدقيق يتباين وكل ما فيه هذه الصفة من شريان أو نبع أو غيره من أصناف عيدان القسي جاز وقال فيه خوطا أو فلقة والفلقة أقدم نباتا من الخوط والخوط الشاب ، ولا خير في السلفة في قداح النبل شوحطا كانت أو قنا أو غير ذلك ; لأن الصفة لا تقع عليها وإنما تفاضل في الثخانة وتباين فيها فلا يقدر على ذرع ثخانتها ، ولا يتقارب فنجيز أقل ما تقع عليه الثخانة كما نجيزه في الثياب .
باب السلف في الصوف
( قال الشافعي ) : رحمه الله : لا يجوز السلف في الصوف حتى يسمى صوف ضأن بلد كذا لاختلاف أصواف الضأن بالبلدان ويسمى لون الصوف لاختلاف ألوان الأصواف ويسمى جيدا ونقيا ومغسولا لما يعلق به مما يثقل وزنه ويسمى طوالا أو قصارا من الصوف لاختلاف قصاره وطواله ويكون بوزن معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا فسد السلف فيه ، وإذا جاء بأقل مما يقع عليه اسم الطول من الصوف وأقل ما يقع عليه اسم الجودة وأقل ما يقع عليه اسم البياض وأقل ما يقع عليه اسم النقاء وجاء به من صوف ضأن البلد الذي سمى لزم المشتري قال ولو اختلف صوف الإناث والكباش ثم كان يعرف بعد الجزاز لم يجز حتى يسمى صوف فحول أو إناث ، وإن لم يتباين ولم يكن يتميز فيعرف بعد الجزاز فوصفه بالطول وما وصفت جاز السلف فيه ، ولا يجوز أن يسلف في صوف غنم رجل بعينها ; لأنها قد تتلف وتأتي الآفة على صوفها ، ولا يسلف إلا في شيء موصوف مضمون موجود في وقته لا يخطئ ، ولا يجوز في صوف غنم رجل بعينها ; لأنه يخطئ ويأتي على غير الصفة ولو كان الأجل فيها ساعة من النهار ; لأن الآفة قد تأتي عليها أو على بعضها في تلك الساعة وكذلك كل سلف مضمون لا خير في أن يكون في شيء بعينه ; لأنه يخطئ ، ولا خير في أن يسلفه في صوف بلا صفة ويريه صوفا فيقول أستوفيه منك على بياض هذا ونقائه وطوله ; لأن هذا قد يهلك فلا يدري كيف صفته فيصير السلف في شيء مجهول قال ، وإن أسلم في وبر الإبل أو شعر المعزى لم يجز إلا كما وصفت في الصوف ويبطل منه ما يبطل منه في الصوف لا يختلف .
باب السلف في الكرسف
( قال الشافعي ) : رحمه الله : لا خير في السلف في كرسف بجوزه ; لأنه ليس مما صلاحه في أن يكون مع جوزه إنما جوزه قشرة تطرح عنه ساعة يصلح ، ولا خير فيه حتى يسمى كرسف بلد كذا وكذا ويسمى جيدا أو رديئا ويسمى أبيض نقيا أو أسمر وبوزن معلوم وأجل معلوم فإن ترك من هذا شيئا واحدا لم يجز السلف فيه وذلك أن كرسف البلدان يختلف فيلين ويخشن ويطول شعره ويقصر ويسمى ألوانها .
[ ص: 128 ] ولا خير في السلم في كرسف أرض رجل بعينها كما وصفنا قبله ولكن يسلم في صفة مأمونة في أيدي الناس ، وإن اختلف قديم الكرسف وجديده سماه قديما أو جديدا من كرسف سنة أو سنتين ، وإن كان يكون نديا سماه جافا لا يجزئ فيه غير ذلك ولو أسلم فيه منقى من حبه كان أحب إلي ، ولا أرى بأسا أن يسلم فيه بحبه وهو كالنوى في التمر .
باب السلف في القز والكتان
( قال الشافعي ) : رحمه الله : وإذا ضبط القز بأن يقال قز بلد كذا ويوصف لونه وصفاؤه ونقاؤه وسلامته من العيب ووزنه فلا بأس بالسلف فيه ، ولا خير في أن يترك من هذا شيئا واحدا فإن لم يجز فيه السلف ، وإن كان لا يضبط هذا فيه لم يجز فيه السلف ، وهكذا الكتان ، ولا خير في أن يسلف منه في شيء على عين يأخذها عنده ; لأن العين تهلك وتتغير ، ولا يجوز السلف في هذا وما كان في معناه إلا بصفة تضبط ، وإن اختلف طول القز والكتان فتباين طوله سمي طوله ، وإن لم يختلف جاء الوزن عليه وأجزأه إن شاء الله تعالى وما سلف فيه كيلا لم يستوف وزنا لاختلاف الوزن والكيل وكذلك ما سلف فيه وزنا لم يستوف كيلا .
باب السلف في الحجارة والأرحية وغيرها من الحجارة
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس بالسلف في حجارة البنيان والحجارة تفاضل بالألوان والأجناس والعظم فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى منها أخضر أو أبيض أو زنبريا أو سبلانيا باسمه الذي يعرف به وينسبه إلى الصلابة وأن لا يكون فيه عرق ، ولا كلا والكلا حجارة محلوقة مدورة صلاب لا تجيب الحديد إذا ضربت تكسرت من حيث لا يريد الضارب ، ولا تكون في البنيان إلا غشا ( قال ) : ويصف كبرها بأن يقول ما يحمل البعير منها حجرين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة بوزن معلوم وذلك أن الأحمال تختلف وأن الحجرين يكونان على بعير فلا يعتدلان حتى يجعل مع أحدهما حجر صغير وكذلك ما هو أكثر من حجرين فلا يجوز السلف في هذا إلا بوزن أو أن يشتري وهو يرى فيكون من بيوع الجزاف التي ترى ، قال وكذلك لا يجوز السلف في النقل والنقل حجارة صغار إلا بأن يصف صغارا من النقل أو حشوا أو دواخل فيعرف هذا عند أهل العلم به ، ولا يجوز إلا موزونا ; لأنه لا يكال لتجافيه ، ولا تحيط به صفة كما تحيط بالثوب والحيوان وغيره مما يباع عددا ، ولا يجوز حتى يقال صلاب ، وإذا قال صلاب فليس له رخو ، ولا كذان ، ولا متفتت قال ، ولا بأس بشراء الرخام ويصف كل رخامة منه بطول وعرض وثخانة وصفاء وجودة ، وإن كانت تكون لها تساريع مختلفة يتباين فضلها منها وصف تساريع ، وإن لم يكن اكتفى بما وصفت فإن جاءه بها فاختلف فيها أريها أهل البصر فإن قالوا يقع عليها اسم [ ص: 129 ] الجودة والصفاء وكانت بالطول والعرض والثخانة التي شرط لزمته ، وإن نقص واحد من هذه لم تلزمه قال : ولا بأس بالسلف في حجارة المرمر بعظم ووزن كما وصفت في الحجارة قبله وبصفاء فإن كانت له أجناس تختلف وألوان وصفه بأجناسه وألوانه ، قال ، ولا بأس أن يشتري آنية من مرمر بصفة طول وعرض وعمق وثخانة وصنعة إن كانت تختلف فيه الصنعة وصف صنعتها ولو وزن مع هذا كان أحب إلي ، وإن ترك وزنه لم يفسده إن شاء الله تعالى ، وإن كان من الأرحاء شيء يختلف بلده فتكون حجارة بلد خيرا من حجارة بلد لم يجز حتى يسمي حجارة بلد ويصفها وكذلك إن اختلفت حجارة بلد وصف جنس الحجارة .
باب السلف في القصة والنورة
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا بأس بالسلف في القصة والنورة ومتاع البنيان فإن كانت تختلف اختلافا شديدا فلا يجوز السلف فيها حتى يسمى نورة أرض كذا أو قصة أرض كذا ويشترط جودة أو رداءة أو يشترط بياضا أو سمرة أو أي لون كان إذا تفاضلت في ألوان ويشترطها بكيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم ، ولا خير في السلف فيها أحمالا ، ولا مكايل ; لأنها تختلف ( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يشتريها أحمالا ومكايل وجزافا في غير أحمال ، ولا مكايل إذا كان المبتاع حاضرا والمتبايعان حاضرين قال وهكذا المدر لا بأس بالسلف فيه كيلا معلوما ، ولا خير فيه أحمالا ، ولا مكايل ، ولا جزافا ، ولا يجوز إلا بكيل وصفة جيد أو رديء ومدر موضع كذا فإن اختلفت ألوان المدر في ذلك الموضع وكان لبعضها على بعض فضل وصف المدر أخضر أو أشهب أو أسود قال ، وإذا وصفه جيدا أتت الجودة على البراءة من كل ما خالفها فإن كان فيه سبخ أو كذان أو حجارة أو بطحاء لم يكن له ; لأن هذا مخالف للجودة وكذلك إن كانت النورة أو القصة هي المسلف فيها لم يصلح إلا كما وصفت بصفة قال ، وإن كانت القصة والنورة مطيرتين لم يلزم المشتري ; لأن المطير عيب فيهما وكذلك إن قدمتا قدما يضر بهما لم يلزم المشتري ; لأن هذا عيب والمطر لا يكون فسادا للمدر إذا عاد جافا بحاله .
باب السلف في العدد
( أخبرنا الربيع ) : قال قال الشافعي رحمه الله : لا يجوز السلف في شيء عددا إلا ما وصفت من الحيوان الذي يضبط سنه وصفته وجنسه والثياب التي تضبط بجنسها وحليتها وذرعها والخشب الذي يضبط بجنسه وصفته وذرعه وما كان في معناه لا يجوز السلف في البطيخ ، ولا القثاء ، ولا الخيار ، ولا الرمان ، ولا السفرجل ، ولا الفرسك ، ولا الموز ، ولا الجوز ، ولا البيض أي بيض كان دجاج أو حمام أو غيره وكذلك ما سواه مما يتبايعه الناس عددا غير ما استثنيت وما كان في معناه لاختلاف العدد ، ولا شيء يضبط من صفة أو بيع عدد فيكون مجهولا إلا أن يقدر على أن يكال أو يوزن فيضبط بالكيل والوزن .
[ ص: 130 ] باب السلم في المأكول كيلا أو وزنا .
( قال الشافعي ) : رحمه الله : أصل السلف فيما يتبايعه الناس أصلان فما كان منه يصغر وتستوي خلقته فيحتمله المكيال ، ولا يكون إذا كيل تجافى في المكيال فتكون الواحدة منه بائنة في المكيال عريضة الأسفل دقيقة الرأس أو عريضة الأسفل والرأس دقيقة الوسط فإذا وقع شيء إلى جنبها منعه عرض أسفلها من أن يلصق بها ووقع في المكيال وما بينها وبينه متجاف ثم كانت الطبقة التي فوقه منه هكذا لم يجز أن يكال واستدللنا على أن الناس إنما تركوا كيله لهذا المعنى ، ولا يجوز أن يسلف فيه كيلا وفي نسبته بهذا المعنى ما عظم واشتد فصار يقع في المكيال منه الشيء ثم يقع فوقه منه شيء معترضا وما بين القائم تحته متجاف فيسد المعترض الذي فوقه الفرجة التي تحته ويقع عليه فوقه غيره فيكون من المكيال شيء فارغ بين الفراغ وذلك مثل الرمان والسفرجل والخيار والباذنجان وما أشبهه مما كان في المعنى الذي وصفت ، ولا يجوز السلف في هذا كيلا ولو تراضى عليه المتبايعان سلفا وما صغر وكان يكون في المكيال فيمتلئ به المكيال ، ولا يتجافى التجافي البين مثل التمر وأصغر منه مما لا تختلف خلقته اختلافا متباينا مثل السمسم وما أشبهه أسلم فيه كيلا ( قال ) : وكل ما وصفت لا يجوز السلم فيه كيلا فلا بأس بالسلم فيه وزنا وأن يسمى كل صنف منه اختلف باسمه الذي يعرف به ، وإن شرط فيه عظيما أو صغيرا فإذا أتى به أقل ما يقع عليه اسم العظم ووزنه جاز على المشتري فأما الصغير فأصغره يقع عليه اسم الصغر ، ولا أحتاج إلى المسألة عنه ( قال ) : وذلك مثل أن يقول : أسلم إليك في خربز خراساني أو بطيخ شامي أو رمان إمليسي أو رمان حراني ، ولا يستغنى في الرمان عن أن يصف طعمه حلوا أو مرا أو حامضا فأما البطيخ فليس في طعمه ألوان ويقول عظام أو صغار ويقول في القثاء هكذا فيقول قثاء طوال وقثاء مدحرج وخيار يصفه بالعظم والصغر والوزن ، ولا خير في أن يقول قثاء عظام أو صغار ; لأنه لا يدري كم العظام والصغار منه ، إلا أن يقول كذا وكذا رطلا منه صغارا وكذا وكذا رطلا منه كبارا وهكذا الدباء وما أشبهه فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه .
( قال الشافعي ) : ولا بأس بالسلف في البقول كلها إذا سمي كل جنس منها وقال هندبا أو جرجيرا أو كراثا أو خسا وأي صنف ما أسلف فيه منها وزنا معلوما لا يجوز إلا موزونا فإن ترك تسمية الصنف منه أو الوزن لم يجز السلف ( قال الشافعي ) : وإن كان منه شيء يختلف صغاره وكباره لم يجز إلا أن يسمى صغيرا أو كبيرا كالقنبيط تختلف صغاره وكباره وكالفجل وكالجزر وما اختلف صغاره وكباره في الطعم والثمن ( قال ) : ويسلف في الجوز وزنا ، وإن كان لا يتجافى في المكيال كما وصفت أسلم فيه كيلا والوزن أحب إلي وأصح فيه قال وقصب السكر : إذا شرط محله في وقت لا ينقطع من أيدي الناس في ذلك البلد فلا بأس بالسلف فيه وزنا ، ولا يجوز السلف فيه وزنا حتى يشترط صفة القصب إن كان يتباين ، وإن كان أعلاه مما لا حلاوة فيه ، ولا منفعة فلا يتبايع إلا أن يشترط أن يقطع أعلاه الذي هو بهذه المنزلة ، وإن كان يتبايع ويطرح ما عليه من القشر ويقطع مجامع عروقه من أسفله قال ، ولا يجوز أن يسلف فيه حزما ، ولا عددا ; لأنه لا يوقف على حده بذلك وقد رآه ونظر إليه قال : ولا خير في أن يشتري قصبا ، ولا بقلا ، ولا غيره مما يشبهه بأن يقول : أشتري منك زرع كذا وكذا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (126)
صــــــــــ 131 الى صـــــــــــ137
فدانا ، ولا كذا وكذا حزما من بقل إلى وقت كذا وكذا ; لأن زرع ذلك يختلف فيقل ويكثر ويحسن ويقبح وأفسدناه لاختلافه في القلة والكثرة لما وصفت من أنه غير مكيل ، ولا موزون ، ولا معروف القلة والكثرة ، ولا يجوز أن يشتري هذا إلا منظورا إليه وكذلك القصب والقرط وكل ما أنبتت الأرض لا يجوز السلف فيه إلا وزنا أو كيلا بصفة مضمونة لا من أرض بعينها فإن أسلف فيه من أرض بعينها فالسلف فيه منتقض ( قال ) : وكذلك لا يجوز في قصب ، ولا قرط ، ولا قصيل ، ولا غيره بحزم ، ولا أحمال ، ولا يجوز فيه إلا موزونا موصوفا وكذلك التين وغيره لا يجوز إلا مكيلا أو موزونا ومن جنس معروف إذا اختلفت أجناسه فإن ترك من هذا شيئا لم يجز السلف فيه والله أعلم .
باب بيع القصب والقرط
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في القصب لا يباع إلا جزة أو قال صرمة ( قال الشافعي ) : وبهذا نقول لا يجوز أن يباع القرط إلا جزة واحدة عند بلوغ الجزاز ويأخذ صاحبه في جزازه عند ابتياعه فلا يؤخره مدة أكثر من قدر ما يمكنه جزازه فيه من يومه .
( قال الشافعي ) : فإن اشتراه ثابتا على أن يدعه أياما ليطول أو يغلظ أو غير ذلك فكان يزيد في تلك الأيام فلا خير في الشراء والشراء مفسوخ ; لأن أصله للبائع وفرعه الظاهر للمشتري فإذا كان يطول فيخرج من مال البائع إلى مال المشتري منه شيء لم تقع عليه صفقة البيع فيملكه كنت قد أعطيت المشتري ما لم يشتر وأخذت من البائع ما لم يبع ثم أعطيته منه شيئا مجهولا لا يرى بعين ، ولا يضبط بصفة ، ولا يتميز فيعرف ما للبائع فيه مما للمشتري فيفسد من وجوه ( قال ) : ولو اشتراه ليقطعه فتركه وقطعه ممكن له مدة يطول في مثلها كان البيع فيه مفسوخا إذا كان على ما شرط في أصل البيع أن يدعه لما وصفت مما اختلط به من مال البائع مما لا يتميز كما لو اشترى حنطة جزافا وشرط له أنها إن انهالت عليها حنطة له فهي داخلة في البيع فانهالت عليها حنطة للبائع لم يبتعها انفسخ البيع فيها ; لأن ما اشترى لا يتميز ، ولا يعرف قدره مما لم يشتر فيعطى ما اشترى ويمنع ما لم يشتر ، وهو في هذا كله بائع شيء قد كان وشيء لم يكن غير مضمون . على أنه إن كان دخل في البيع ، وإن لم يكن لم يدخل معه وهذا البيع مما لا يختلف المسلمون في فساده ; لأن رجلا لو قال أبيعك شيئا إن نبت في أرضي بكذا فإن لم ينبت أو نبت قليلا لزمك الثمن كان مفسوخا ، وكذلك لو قال أبيعك شيئا إن جاءني من تجارتي بكذا ، وإن لم يأت لزمك الثمن قال ولكنه لو اشتراه كما وصفت وتركه بغير شرط أياما وقطعه يمكنه في أقل منها كان المشتري منه بالخيار في أن يدع له الفضل الذي له بلا ثمن أو ينقض البيع قال : كما يكون إذا باعه حنطة جزافا فانهالت عليها حنطة له فالبائع بالخيار في أن يسلم ما باعه وما زاد في حنطته أو يرد البيع لاختلاط ما باع بما لم يبع قال وما أفسدت فيه البيع فأصاب القصب فيه آفة تتلفه في يدي المشتري فعلى المشتري ضمانه بقيمته وما أصابته آفة تنقصه فعلى المشتري ضمان ما نقصه والزرع لبائعه .
[ ص: 132 ] وعلى كل مشتر شراء فاسدا أن يرده كما أخذه أو خيرا مما أخذه وضمانه إن تلف وضمان نقصه إن نقص في كل شيء .
باب السلف في الشيء المصلح لغيره
( قال الشافعي ) رحمه الله : كل صنف حل السلف فيه وحده فخلط منه شيء بشيء غير جنسه مما يبقى فيه فلا يزايله بحال سوى الماء وكان الذي يختلط به قائما فيه وكان مما يصلح فيه السلف وكانا مختلطين لا يتميزان فلا خير في السلف فيهما من قبل أنهما إذا اختلطا فلم يتميز أحدهما من الآخر لم أدر كم قبضت من هذا وهذا ؟ فكنت قد أسلفت في شيء مجهول وذلك مثل أن أسلم في عشرة أرطال سويق لوز فليس يتميز السكر من دهن اللوز ، ولا اللوز إذا خلط به أحدهما فيعرف القابض المبتاع كم قبض من السكر ودهن اللوز واللوز فلما كان هكذا كان بيعا مجهولا وهكذا إن أسلم إليه في سويق ملتوت مكيل ; لأني لا أعرف قدر السويق من الزيت والسويق يزيد كيله باللتات ولو كان لا يزيد كان فاسدا من قبل أني ابتعت سويقا وزيتا والزيت مجهول ، وإن كان السويق معروفا .
( قال الشافعي ) : في أكثر من هذا المعنى الأولى أن لا يجوز إن أسلم إليك في فالوذج ولو قلت ظاهر الحلاوة أو ظاهر الدسم لم يجز لأني لا أعرف قدر النشاستج من العسل والسكر والدهن الذي فيه سمن أو غيره ، ولا أعرف حلاوته أمن عسل نحل كان أو غيره ، ولا من أي عسل وكذلك دسمه فهو لو كان يعرف ويعرف السويق الكثير اللتات كان كما يخالط صاحبه فلا يتميز غير معروف وفي هذا المعنى لو أسلم إليه في أرطال حيس ; لأنه لا يعرف قدر التمر من الأقط والسمن ( قال ) : وفي مثل هذا المعنى اللحم المطبوخ بالأبزار والملح والخل وفي مثله الدجاج المحشو بالدقيق والأبزار أو الدقيق وحده أو غيره ; لأن المشتري لا يعرف قدر ما يدخل من الأبزار ، ولا الدجاج من الحشو لاختلاف أجوافها والحشو فيها ولو كان يضبط ذلك بوزن لم يجز ; لأنه إن ضبط وزن الجملة لم يضبط وزن ما يدخله ، ولا كيله ( قال ) : وفيه معنى يفسده سوى هذا وذلك أنه إذا اشترط نشاستجا جيدا أو عسلا جيدا لم يعرف جودة النشاستج معمولا ، ولا العسل معمولا لقلب النار له واختلاط أحدهما بالآخر فلا يوقف على حده أنه من شرطه هو أم لا ( قال ) : ولو سلف في لحم مشوي بوزن أو مطبوخ لم يجز ; لأنه لا يجوز أن يسلف في اللحم إلا موصوفا بسمانة وقد تخفى مشويا إذا لم تكن سمانة فاخرة وقد يكون أعجف فلا يخلص أعجفه من سمينه ، ولا منقيه من سمينه إذا تقارب ، وإذا كان مطبوخا فهو أبعد أن يعرف أبدا سمينه ; لأنه قد يطرح أعجفه مع سمينه ويكون مواضع من سمينه لا يكون فيها شحم ، وإذا كان موضع مقطوع من اللحم كانت في بعضه دلالة على سمينه ومنقيه وأعجفه فكل ما اتصل به منه مثله ( قال ) : ولا خير في أن يسلم في عين على أنها تدفع إليه مغيرة بحال ; لأنه لا يستدل على أنها تلك العين اختلف كيلها أو لم يختلف وذلك مثل أن يسلفه في صاع حنطة على أن يوفيه إياها دقيقا اشترط كيل الدقيق أو لم يشترطه وذلك أنه إذا وصف جنسا من حنطة وجودة فصارت دقيقا أشكل الدقيق من معنيين : أحدهما أن تكون الحنطة المشروطة مائية فتطحن حنطة تقاربها من حنطة الشام وهو .
[ ص: 133 ] غير المائي ، ولا يخلص هذا ، والآخر أنه لا يعرف مكيلة الدقيق ; لأنه قد يكثر إذا طحن ويقل وأن المشتري لم يستوف كيل الحنطة وإنما يقبل فيه قول البائع ( قال ) : وقد يفسده غيرنا من وجه آخر من أن يقول لطحنه إجارة لها قيمة لم تسم في أصل السلف فإذا كانت له إجازة فليس يعرف ثمن الحنطة من قيمة الإجارة فيكون سلفا مجهولا ( قال الشافعي ) : وهذا وجه آخر يجده من أفسده فيه مذهبا والله تعالى أعلم .
( قال ) : وليس هذا كما يسلفه في دقيق موصوف ; لأنه لا يضمن له حنطة موصوفة وشرط عليه فيها عملا بحال إنما ضمن له دقيقا موصوفا وكذلك لو أسلفه في ثوب موصوف بذرع يوصف به الثياب جاز ، وإن أسلفه في غزل موصوف على أن يعمله له ثوبا لم يجز من قبل أن صفة الغزل لا تعرف في الثوب ، ولا تعرف حصة الغزل من حصة العمل ، وإذا كان الثوب موصوفا عرفت صفته ( قال ) : وكل ما أسلم فيه وكان يصلح بشيء منه لا بغيره فشرطه مصلحا فلا بأس به كما يسلم إليه في ثوب وشي أو مسير أو غيرهما من صبغ الغزل وذلك أن الصبغ فيه كأصل لون الثوب في السمرة والبياض وأن الصبغ لا يغير صفة الثوب في دقة ، ولا صفاقة ، ولا غيرهما كما يتغير السويق والدقيق باللتات ، ولا يعرف لونهما وقد يشتريان عليه ، ولا طعمهما وأكثر ما يشتريان عليه ، ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب موصوف على أن يصبغه مضرجا من قبل أنه لا يوقف على حد التضريج وأن من الثياب ما يأخذ من التضريج أكثر مما يأخذ مثله في الذرع وأن الصفقة وقعت على شيئين متفرقين أحدهما ثوب والآخر صبغ فكان الثوب ، وإن عرف مصبوغا بجنسه قد عرفه فالصبغ غير معروف قدره وهو مشترى ، ولا خير في مشترى إلى أجل غير معروف وليس هذا كما يسلم في ثوب عصب ; لأن الصبغ زينة له وأنه لم يشتر الثوب إلا وهذا الصبغ قائم فيه قيام العمل من النسج ولون الغزل فيه قائم لا يغيره عن صفته فإذا كان هكذا جاز ، وإذا كان الثوب مشترى بلا صبغ ثم أدخل الصبغ قبل أن يستوفي الثوب ويعرف الصبغ لم يجز لما وصفت من أنه لا يعرف غزل الثوب ، ولا قدر الصبغ .
( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يسلفه في ثوب موصوف يوفيه إياه مقصورا قصارة معروفة أو مغسولا غسلا نقيا من دقيقه الذي ينسج به ، ولا خير في أن يسلم إليه في ثوب قد لبس أو غسل غسلة من قبل أنه يغسله غسلة بعدما ينهكه وقبل فلا يوقف على حد هذا ، ولا خير في أن يسلم في حنطة مبلولة ; لأن الابتلال لا يوقف على حد ما يريد في الحنطة وقد تغير الحنطة حتى لا يوقف على حد صفتها كما يوقف عليها يابسة ، ولا خير في السلف في مجمر مطرى ولو وصف وزن للتطرية ; لأنه لا يقدر على أن يزن التطرية فيخلص وزنها من وزن العود ، ولا يضبط ; لأنه قد يدخله الغير بما يمنع له الدلالة التطرية له على جودة العود وكذلك لا خير في السلف في الغالية ، ولا شيء من الأدهان التي فيها الأثقال ; لأنه لا يوقف على صفته ، ولا قدر ما يدخل فيه ، ولا يتميز ما يدخل فيه ( قال ) : ولا بأس بالسلف في دهن حب البان قبل أن ينش بشيء وزنا وأكرهه منشوشا ; لأنه لا يعرف قدر النش منه ولو وصفه بريح كرهته من قبل أنه لا يوقف على حد الريح قال وأكرهه في كل دهن طيب قبل أن يستوفى وكذلك لو سلفه في دهن مطيب أو ثوب مطيب ; لأنه لا يوقف على حد الطيب كما لا يوقف على الألوان وغيرها مما ذكرت فيه أن أدهان البلدان تتفاضل في بقاء طيف الريح على الماء والعرق والقدم في الحنو وغيره ولو شرط دهن بلد كان قد نسبه فلا يخلص كما تخلص الثياب فتعرف ببلدانها المجسية واللون وغير ذلك قال : ولا بأس أن يسلفه في طست أو تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شبه أو رصاص أو حديد ويشترطه بسعة معروفة ومضروبا أو مفرغا وبصنعة معروفة ويصفه بالثخانة أو الرقة ويضرب له أجلا كهو في الثياب ، وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصفة والشرط لزمه ولم يكن له رده ( قال ) : وكذلك كل .
[ ص: 134 ] إناء من جنس واحد ضبطت صفته فهو كالطست والقمقم قال : ولو كان يضبط أن يكون مع شرط السعة وزن كان أصح ، وإن لم يشترط وزنا صح إذا اشترط سعة كما يصح أن يبتاع ثوبا بصنعة وشيء وغيره بصفة وسعة ، ولا يجوز فيه إلا أن يدفع ثمنه وهذا شراء صفة مضمونة فلا يجوز فيها إلا أن يدفع ثمنها وتكون على ما وصفت ( قال ) : ولو شرط أن يعمل له طستا من نحاس وحديد أو نحاس ورصاص لم يجز ; لأنهما لا يخلصان فيعرف قدر كل واحد منهما وليس هذا كالصبغ في الثوب ; لأن الصبغ في ثوبه زينة لا يغيره أن تضبط صفته وهذا زيادة في نفس الشيء المصنوع قال وهكذا كل ما استصنع ، ولا خير في أن يسلف في قلنسوة محشوة وذلك أنه لا يضبط وزن حشوها ، ولا صفته ، ولا يوقف على حد بطانتها ، ولا تشترى هذه إلا يدا بيد ، ولا خير في أن يسلفه في خفين ، ولا نعلين مخروزين وذلك أنهما لا يوصفان بطول ، ولا عرض ، ولا تضبط جلودهما ، ولا ما يدخل فيهما وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين ويستأجر على الحذو وعلى خراز الخفين ، ولا بأس أن يبتاع منه صحافا أو قداحا من نحو معروف وبصفة معروفة وقدر معروف من الكبر والصغر والعمق والضيق ويشترط أي عمل ، ولا بأس إن كانت من قوارير ويشترط جنس قواريرها ورقته وثخانته ولو كانت القوارير بوزن مع الصفة كان أحب إلي وأصح للسلف وكذلك كل ما عمل فلم يخلط بغيره والذي يخلط بغيره النبل فيها ريش ونصال وعقب ورومة والنصال لا يوقف على حده فأكره السلف فيه ، ولا أجيزه قال ، ولا بأس أن يبتاع آجرا بطول وعرض وثخانة ويشترط من طين معروف وثخانة معروفة ولو شرط موزونا كان أحب إلي ، وإن تركه فلا بأس إن شاء الله تعالى وذلك أنه إنما هو بيع صفة وليس يخلط بالطين غيره مما يكون الطين غير معروف القدر منه إنما هو يخلطه الماء والماء مستهلك فيه والنار شيء ليس منه ، ولا قائم فيه إنما لها فيه أثر صلاح وإنما باعه بصفة ، ولا خير في أن يبتاع منه لبنا على أن يطبخه فيوفيه إياه آجرا وذلك أنه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من الحطب وأنه قد يتلهوج ويفسد فإن أبطلناه على المشتري كنا ، قد أبطلنا شيئا استوجبه ، وإن ألزمناه إياه ألزمناه بغير ما شرط لنفسه
باب السلف يحل فيأخذ المسلف بعض رأس ماله وبعض سلفه .
( قال الشافعي ) رحمه الله : من سلف ذهبا في طعام موصوف فحل السلف قائما له طعام في ذمة بائعه فإن شاء أخذه به كله حتى يوفيه إياه ، وإن شاء تركه كما يترك سائر حقوقه إذا شاء ، وإن شاء أخذ بعضه وأنظره ببعض ، وإن شاء أقاله منه كله ، وإذا كان له أن يقيله من كله إذا اجتمعا على الإقالة كان له إذا اجتمعا أن يقيله من بعضه فيكون ما أقاله منه كما لم يتبايعا فيه ، وما لم يقله منه كما كان لازما له بصفته فإن شاء أخذه ، وإن شاء تركه ، ولا فرق بين السلف في هذا وبين طعام له عليه من وجه غير السلف ، وقال ولكن إن حل له طعام فقال أعطيك مكان ما لك من الطعام علي طعاما غيره أو عرضا من العروض لم يجز ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه } .
، وإنما لهذا المسلف طعام فإذا أخذ غيره به فقد باعه قبل أن يستوفيه ، وإذا أقاله منه أو من بعضه فالإقالة ليست ببيع إنما هي نقض بيع تراضيا بنقض العقدة الأولى التي وجبت لكل واحد منهما على صاحبه فإن قال قائل ما الحجة في هذا ؟ فالقياس لمعقول مكتفى به فيه فإن قال فهل فيه أثر عن أحد من أصحاب رسول الله [ ص: 135 ] صلى الله عليه وسلم ؟ قيل روي عن ابن عباس وعن عطاء وعمرو بن دينار ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن عطاء كان لا يرى بأسا أن يقبل رأس ماله منه أو ينظره أو يأخذ بعض السلعة وينظره بما بقي ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج أنه قال لعطاء أسلفت دينارا في عشرة أفراق فحلت أفأقبض منه إن شئت خمسة أفراق وأكتب نصف الدينار عليه دينا ؟ فقال : نعم .
( قال الشافعي ) ; لأنه إذا أقاله منه فله عليه رأس مال ما أقاله منه وسواء انتقده أو تركه ; لأنه لو كان عليه مال حال جاز أن يأخذه وأن ينظره به متى شاء ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ بعض رأس ماله وبعضا طعاما أو يأخذ بعضا طعاما ويكتب ما بقي من رأس المال ( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن سلمة بن موسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ذلك المعروف أن يأخذ بعضه طعاما وبعضه دنانير .
( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء رجل أسلف بزا في طعام فدعا إلى ثمن البز يومئذ فقال لا إلا رأس ماله أو بزه ( قال الشافعي ) : قول عطاء في البز أن لا يباع البز أيضا حتى يستوفى فكأنه يذهب مذهب الطعام ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء طعام أسلفت فيه فحل فدعاني إلى طعام غيره فرق بفرق ليس للذي يعطيني على الذي كان لي عليه فضل قال : لا بأس بذلك ليس ذلك ببيع إنما ذلك قضاء ( قال الشافعي ) : هذا كما قال عطاء إن شاء الله - تعالى - .
وذلك أنه سلفه في صفة ليست بعين فإذا جاءه بصفته فإنما قضاه حقه قال سعيد بن سالم : ولو أسلفه في بر الشام فأخذ منه برا غيره فلا بأس به وهذا كتجاوزه في ذهبه ( قال الشافعي ) : وهذا إن شاء الله كما قال سعيد قال ولكن لو حلت له مائة فرق اشتراها بمائة دينار فأعطاه بها ألف درهم لم يجز ، ولم يجز فيه إلا إقالته فإذا أقاله صار له عليه رأس ماله فإذا برئ من الطعام ، وصارت له عليه ذهب تبايعا بعد بالذهب ما شاء أو تقابضا قبل أن يتفرقا من عرض أو غيره .
باب صرف السلف إلى غيره
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال : روي عن ابن عمر وأبي سعيد أنهما قالا من سلف في بيع فلا يصرفه إلى غيره ، ولا يبيعه حتى يقبضه قال : وهذا كما روي عنهما إن شاء الله - تعالى - وفيه دلالة على أن لا يباع شيء ابتيع حتى يقبض ، وهو موافق قولنا في كل بيع أنه لا يباع حتى يستوفى ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن رجل ابتاع سلعة غائبة ونقد ثمنها فلما رآها لم يرضها فأرادا أن يحولا بيعهما في سلعة غيرها قبل أن يقبض منه الثمن قال لا يصلح قال كأنه جاءه بها على غير الصفة وتحويلهما بيعهما في سلعة غيرها بيع للسلعة قبل أن تقبض .
قال ولو سلف رجل رجلا دراهم في مائة صاع حنطة وأسلفه صاحبه دراهم في مائة صاع حنطة وصفة الحنطتين واحدة ، ومحلهما واحد أو مختلف لم يكن بذلك بأس وكان لكل واحد منهما على صاحبه مائة صاع بتلك الصفة ، وإلى ذلك الأجل ، ولا يكون واحد منهما قصاصا من الآخر من قبل أني لو جعلت الحنطة بالحنطة قصاصا كان بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع الدراهم بالدراهم ; لأن دفعهما في يومين مختلفين نسيئة ، ومن أسلف في طعام بكيل أو وزن فحل السلف فقال الذي له السلف : كل طعامي [ ص: 136 ] زنه واعزله عندك حتى آتيك فأنقله ففعل فسرق الطعام فهو من ضمان البائع ، ولا يكون هذا قبضا من رب الطعام ، ولو كاله البائع للمشتري بأمره حتى يقبض أو يقبضه وكيل له فيبرأ البائع من ضمانه حينئذ .
باب الخيار في السلف .
( قال الشافعي ) : رحمه الله : ولا يجوز الخيار في السلف لو قال رجل لرجل أبتاع منك بمائة دينار أنقدكها مائة صاع تمرا إلى شهر على أني بالخيار بعد تفرقنا من مقامنا الذي تبايعنا فيه أو أنت بالخيار أو كلانا بالخيار لم يجز فيه البيع كما يجوز أن يتشارطا الخيار ثلاثا في بيوع الأعيان .
وكذلك لو قال أبتاع منك مائة صاع تمرا بمائة دينار على أني بالخيار يوما إن رضيت أعطيتك الدنانير ، وإن لم أرض فالبيع بيني وبينك مفسوخ لم يجز ; لأن هذا بيع موصوف والبيع الموصوف لا يجوز إلا بأن يقبض صاحبه ثمنه قبل أن يتفرقا ; لأن قبضه ما سلف فيه قبض ملك ، وهو لو قبض مال الرجل على أنه بالخيار لم يكن قبضه قبض ملك ، ولا يجوز أن يكون الخيار لواحد منهما ; لأنه إن كان للمشتري فلم يملك البائع ما دفع إليه ، وإن كان للبائع فلم يملكه البائع ما باعه ; لأنه عسى أن ينتفع بماله ثم يرده إليه فلا يجوز البيع فيه إلا مقطوعا بلا خيار .
وكذلك لا يجوز أن يسلف رجل رجلا مائة دينار على أن يدفع إليه مائة صاع موصوف إلى أجل كذا فإذا حل الأجل فالذي عليه الطعام بالخيار في أن يعطه ما أسلفه أو يرد إليه رأس ماله حتى يكون البيع مقطوعا بينهما ، ولا يجوز أن يقول : فإن حبستني عن رأس مالي فلي زيادة كذا . فلا يجوز شرطان حتى يكون الشرط فيهما واحدا معروفا .
باب ما يجب للمسلف على المسلف من شرطه
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا أحضر المسلف السلعة التي أسلف فكانت طعاما فاختلفا فيه دعا له أهل العلم به فإن كان شرط المشتري طعاما جيدا جديدا قيل هذا جيد جديد ؟ فإن قالوا نعم قيل ويقع عليه اسم الجودة ؟ فإن قالوا نعم لزم المسلف أخذ أقل ما يقع عليه اسم الصفة من الجودة وغيرها ويبرأ المسلف ويلزم المسلف أخذه .
وهكذا هذا في الثياب يقال هذا ثوب من وشي صنعاء والوشي الذي يقال له يوسفي وبطول كذا وبعرض كذا ودقيق أو صفيق أو جيد أو هما ويقع عليه اسم الجودة ؟ فإذا قالوا نعم فأقل ما يقع عليه اسم الجودة يبرأ منه الذي سلف فيه ويلزم المسلف ويقال في الدقيق من الثياب وكل شيء هكذا إذا ألزمه في كل صنف منه صفة وجودة فأدنى ما يقع عليه اسم الصفة من دقة وغيرها واسم الجودة يبرئه منه . وكذلك إن شرطه رديئا فالرديء يلزمه .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن عطاء قال إذا أسلفت فإياك إذا حل حقك بالذي سلفت فيه كما اشترطت ونقدت فليس لك خيار إذا أوفيت شرطك وبيعك ( قال الشافعي ) : وإن جاء به على غاية من الجودة أكثر من أقل ما يقع عليه اسم الجودة فهو متطوع بالفضل ويلزم المشتري ; لأن الزيادة فيما يقع عليه اسم الجودة خير له إلا في موضع سأصف لك منه إن شاء الله - تعالى - .
باب اختلاف المتبايعين بالسلف إذا رآه المسلف
( قال الشافعي ) رحمه الله : لو أن رجلا سلف رجلا ذهبا في طعام موصوف حنطة أو زبيب أو تمر أو شعير أو غيره فكان أسلفه في صنف من التمر رديء فأتاه بخير من الرديء أو جيد فأتاه بخير مما يلزمه اسم الجيد بعد أن لا يخرج من جنس ما سلفه فيه إن كان عجوة أو صيحانيا أو غيره لزم المسلف أن يأخذه ; لأن الرديء لا يغني غناء إلا أغناه الجيد وكان فيه فضل عنه ، وكذلك إذا ألزمناه أدنى ما يقع عليه اسم الجودة فأعطاه أعلى منها فالأعلى يغني أكثر من غناء الأسفل فقد أعطي خيرا مما لزمه ، ولم يخرج له مما يلزمه اسم الجيد فيكون أخرجه من شرطه إلى غير شرطه فإذا فارق الاسم أو الجنس لم يجبر عليه ، وكان مخيرا في تركه وقبضه .
( قال الشافعي ) : وهكذا القول في كل صنف من الزبيب والطعام المعروف كيله قال وبيان هذا القول أنه لو أسلفه في عجوة فأعطاه برديا ، وهو خير منها أضعافا لم أجبره على أخذه ; لأنه غير الجنس الذي أسلفه فيه قد يريد العجوة لأمر لا يصلح له البردي ، وهكذا الطعام كله إذا اختلفت أجناسه ; لأن هذا أعطاه غير شرطه ، ولو كان خيرا منه ( قال الشافعي ) : وهكذا العسل ، ولا يستغنى في العسل عن أن يصفه ببياض أو صفرة أو خضرة ; لأنه يتباين في ألوانه في القيمة ، وهكذا كل ما له لون يتباين به ما خالف لونه من حيوان وغيره . قال : ولو سلف رجل رجلا عرضا في فضة بيضاء جيدة فجاء بفضة بيضاء أكثر مما يقع عليه أدنى اسم الجودة أو سلفه عرضا في ذهب أحمر جيد فجاء بذهب أحمر أكثر من أدنى ما يقع عليه أدنى اسم الجودة لزمه ، وكذا لو سلفه في صفر أحمر جيد فجاءه بأحمر بأكثر مما يقع عليه أقل اسم الجودة لزمه .
ولكن لو سلفه في صفر أحمر فأعطاه أبيض والأبيض يصلح لما لا يصلح له الأحمر لم يلزمه إذا اختلف اللونان فيما يصلح له أحد اللونين ، ولا يصلح له الآخر لم يلزمه المشترى إلا ما يلزمه اسم الصفة ، وكذلك إذا اختلفا فيما تتباين فيه الأثمان بالألوان لم يلزم المشتري إلا ما يلزمه بصفة ما سلف فيه فأما ما لا تتباين فيه بالألوان مما لا يصلح له المشترى فلا يكون أحدهما أغنى فيه من الآخر ، ولا أكثر ثمنا ، وإنما يفترقان لاسمه فلا أنظر فيه إلى الألوان .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (127)
صــــــــــ 138 الى صـــــــــــ144
باب ما يلزم في السلف مما يخالف الصفة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولو سلفه في ثوب مروي ثخين فجاء برقيق أكثر ثمنا من ثخين لم ألزمه إياه ; لأن الثخين يدفئ أكثر مما يدفئ الرقيق وربما كان أكثر بقاء من الرقيق ; ولأنه مخالف لصفته خارج منها قال : وكذلك لو سلفه في عبد بصفة ، وقال وضيء فجاءه بأكثر من صفته إلا أنه غير وضيء لم ألزمه إياه ; لمباينته من أنه ليس بوضيء وخروجه من الصفة ، وكذلك لو سلفه في عبد بصفة فقال غليظ شديد الخلق فجاء بوضيء ليس بشديد الخلق أكثر منه ثمنا لم يلزمه ; لأن الشديد يغني غير غناء الوضيء وللوضيء ثمن أكثر منه ، ولا ألزمه أبدا خيرا من شرطه حتى يكون منتظما لصفته زائدا عليها . فأما إذا زاد [ ص: 138 ] عليها في القيمة ، وقصر عنها في بعض المنفعة أو كان هذا خارجا منها بالصفة فلا ألزمه إلا ما شرط فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه .
باب ما يجوز فيه السلف ، وما لا يجوز .
( قال الشافعي ) : رحمه الله ولا يجوز السلف في حنطة أرض رجل بعينها بصفة ; لأن الآفة قد تصيبها في الوقت الذي يحل فيه السلف فلا يلزم البائع أن يعطيه صفته من غيرها ; لأن البيع ، وقع عليها ويكون قد انتفع بماله في أمر لا يلزمه والبيع ضربان لا ثالث لهما بيع عين إلى غير أجل وبيع صفة إلى أجل أو غير أجل فتكون مضمونة على البائع فإذا باعه صفة من عرض بحال فله أن يأخذ منها من حيث شاء قال : وإذا كان خارجا من البيوع التي أجزت كان بيع ما لا يعرف أولى أن يبطل .
( قال الشافعي ) : وهكذا ثمر حائط رجل بعينه ونتاج رجل بعينه ، وقرية بعينها غير مأمونة ونسل ماشية بعينها فإذا شرط المسلف من ذلك ما يكون مأمونا أن ينقطع أصله لا يختلف في الوقت الذي يحل فيه جاز ، وإذا شرط الشيء الذي الأغلب منه أن لا يؤمن انقطاع أصله لم يجز . قال : وهكذا لو أسلفه في لبن ماشية رجل بعينه وبكيل معلوم وصفة لم يجز ، وإن أخذ في كيله وحلبه من ساعته ; لأن الآفة قد تأتي عليه قبل أن يفرغ من جميع ما أسلف فيه ، ولا نجيز في شيء من هذا إلا كما وصفت لك في أن يكون بيع عين لا يضمن صاحبها شيئا غيرها إن هلكت انتقض البيع أو بيع صفة مأمونة أن تنقطع من أيدي الناس في حين محله .
فأما ما كان قد ينقطع من أيدي الناس فالسلف فيه فاسد ( قال الشافعي ) : وإن أسلف سلفا فاسدا ، وقبضه رده ، وإن استهلكه رد مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ورجع برأس ماله فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه .
باب اختلاف المسلف والمسلف في السلم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله ولو اختلف المسلف والمسلف في السلم فقال المشتري أسلفتك مائة دينار في مائتي صاع حنطة ، وقال البائع أسلفتني مائة دينار في مائة صاع حنطة أحلف البائع بالله ما باعه بالمائة التي قبض منه إلا مائة صاع فإذا حلف قيل للمشتري إن شئت فلك عليه المائة الصاع التي أقر بها ، وإن شئت فاحلف ما ابتعت منه مائة صاع ، وقد كان بيعك مائتي صاع ; لأنه مدع عليك أنه ملك عليك المائة الدينار بالمائة الصاع وأنت منكر ؟ فإن حلف تفاسخا البيع .
( قال الشافعي ) : وكذلك لو اختلفا فيما اشترى منه فقال : أسلفتك مائتي دينار في مائة صاع تمرا ، وقال : بل أسلفتني في مائة صاع ذرة أو قال أسلفتك في مائة صاع برديا ، وقال بل أسلفتني في مائة صاع عجوة أو قال أسلفتك في سلعة موصوفة ، وقال الآخر بل أسلفتني في سلعة غير موصوفة كان القول فيه كما وصفت لك يحلف البائع ثم يخير المبتاع بين أن يأخذ بما أقر له البائع بلا يمين أو يحلف فيبرأ من دعوى البائع ويتفاسخان .
( قال الربيع ) : إن أخذه المبتاع ، وقد ناكره البائع فإن أقر المبتاع ثم قال البائع : حل له أن يأخذها ، وإلا فلا [ ص: 139 ] يحل له إذا أنكره ، والسلف ينفسخ بعد أن يتصالحا .
( قال الشافعي ) : وكذلك لو تصادقا في السلعة واختلفا في الأجل فقال المسلف هو إلى سنة ، وقال البائع هو إلى سنتين حلف البائع وخير المشتري فإن رضي ، وإلا حلف وتفاسخا فإن كان الثمن في هذا كله دنانير أو دراهم رد مثلها أو طعاما رد مثله فإن لم يوجد رد قيمته .
وكذلك لو كان سلفه سلعة غير مكيلة ، ولا موزونة ففاتت رد قيمتها قال : وهكذا القول في بيوع الأعيان إذا اختلفا في الثمن أو في الأجل أو اختلفا في السلعة المبيعة فقال البائع بعتك عبدا بألف واستهلكت العبد ، وقال المشتري اشتريته منك بخمسمائة ، وقد هلك العبد تحالفا ورد قيمة العبد ، وإن كانت أقل من الخمسمائة أو أكثر من ألف ( قال الشافعي ) : وهكذا كل ما اختلفا فيه من كيل وجودة وأجل قال ، ولو تصادقا على البيع والأجل فقال البائع لم يمض من الأجل شيء أو قال مضى منه شيء يسير ، وقال المشتري بل قد مضى كله أو لم يبق منه إلا شيء يسير كان القول قول البائع مع يمينه وعلى المشتري البينة .
( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا ينفسخ بيعهما في هذا من قبل تصادقهما على الثمن والمشترى والأجل فأما ما يختلفان فيه في أصل العقد فيقول المشتري اشتريت إلى شهر ويقول البائع بعتك إلى شهرين فإنهما يتحالفان ويترادان من قبل اختلافهما فيما يفسخ العقدة والأولان لم يختلفا .
( قال الشافعي ) : وكرجل استأجر رجلا سنة بعشرة دنانير فقال الأجير : قد مضت ، وقال المستأجر : لم تمض فالقول قول المستأجر وعلى الأجير البينة ; لأنه مقر بشيء يدعي المخرج منه .
باب السلف في السلعة بعينها حاضرة أو غائبة .
( قال الشافعي ) : رحمه الله ولو سلف رجل رجلا مائة دينار في سلعة بعينها على أن يقبض السلعة بعد يوم أو أكثر كان السلف فاسدا ، ولا تجوز بيوع الأعيان على أنها مضمونة على بائعها بكل حال ; لأنه لا يمتنع من فوتها ، ولا بأن لا يكون لصاحبها السبيل على أخذها متى شاء هو لا يحول بائعها دونها إذا دفع إليه ثمنها ، وكان إلى أجل ; لأنها قد تتلف في ذلك الوقت ، وإن قل فيكون المشتري قد اشترى غير مضمون على البائع بصفة موجودة بكل حال يكلفها بائعها ، ولا ملكه البائع شيئا بعينه يتسلط على قبضه حين وجب له ، وقدر على قبضه .
( قال الشافعي ) : وكذلك لا يتكارى منه راحلة بعينها معجلة الكراء على أن يركبها بعد يوم أو أكثر ; لأنها قد تتلف ويصيبها ما لا يكون فيها ركوب معه ، ولكن يسلفه على أن يضمن له حمولة معروفة وبيوع الأعيان لا تصلح إلى أجل إنما المؤجل ما ضمن من البيوع بصفة ، وكذلك لا يجوز أن يقول أبيعك جاريتي هذه بعبدك هذا على أن تدفع إلي عبدك بعد شهر ; لأنه قد يهرب ويتلف وينقص إلى شهر .
( قال الشافعي ) : وفساد هذا خروجه من بيع المسلمين ، وما وصفت وأن الثمن فيه غير معلوم ; لأن المعلوم ما قبضه المشتري أو ترك قبضه ، وليس للبائع أن يحول دونه قال : ولا بأس أن أبيعك عبدي هذا أو أدفعه إليك بعبد موصوف أو عبدين أو بعير أو بعيرين أو خشبة أو خشبتين إذا كان ذلك موصوفا مضمونا ; لأن حقي في صفة مضمونة على المشتري لا في عين تتلف أو تنقص أو تفوت فلا تكون مضمونة عليه .
باب امتناع ذي الحق من أخذ حقه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا حل حق المسلم وحقه حال بوجه من الوجوه فدعا الذي [ ص: 140 ] عليه الحق الذي له الحق إلى أخذ حقه فامتنع الذي له الحق فعلى الوالي جبره على أخذ حقه ليبرأ ذو الدين من دينه ويؤدي إليه ما له عليه غير منتقص له بالأداء شيئا ، ولا مدخل عليه ضررا إلا أن يشاء رب الحق أن يبرئه من حقه بغير شيء يأخذه منه فيبرأ بإبرائه إياه ( قال الشافعي ) : فإن دعاه إلى أخذه قبل محله ، وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ، ولا مشروب ، ولا ذي روح يحتاج إلى العلف أو النفقة جبرته على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه ; لأنه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله ، ولست أنظر في هذا إلى تغير قيمته فإن كان يكون في وقته أكثر قيمة أو أقل قلت للذي له الحق : إن شئت حبسته ، وقد يكون في وقت أجله أكثر منه حين يدفعه وأقل .
( قال الشافعي ) : فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قلت أخبرنا أن أنس بن مالك كاتب غلاما له على نجوم إلى أجل فأراد المكاتب تعجيلها ليعتق فامتنع أنس من قبولها ، وقال لا آخذها إلا عند محلها فأتى المكاتب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فذكر ذلك له فقال عمر إن أنسا يريد الميراث فكان في الحديث فأمره عمر بأخذها منه وأعتقه .
( قال الشافعي ) : وهو يشبه القياس ( قال ) : وإن كان ما سلف فيه مأكولا أو مشروبا لا يجبر على أخذه ; لأنه قد يريد أكله وشربه جديدا في وقته الذي سلف إليه فإن عجله ترك أكله وشربه وأكله وشربه متغير بالقدم في غير الوقت الذي أراد أكله أو شربه فيه .
( قال الشافعي ) : وإن كان حيوانا لا غناء به عن العلف أو الرعي لم يجبر على أخذه قبل محله ; لأنه يلزمه فيه مؤنة العلف أو الرعي إلى أن ينتهي إلى وقته فدخل عليه بعض مؤنة ، وأما ما سوى هذا من الذهب والفضة والتبر كله ، والثياب والخشب والحجارة ، وغير ذلك فإذا دفعه برئ منه وجبر المدفوع إليه على أخذه من الذي هو له عليه .
( قال الشافعي ) فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه لا أعلمه يجوز فيه غير ما وصفت أو أن يقال لا يجبر أحد على أخذ شيء هو له حتى يحل له فلا يجبر على دينار ، ولا درهم حتى يحل له وذلك أنه قد يكون لا حرز له ، ويكون متلفا لما صار في يديه فيختار أن يكون مضمونا على مليء من أن يصير إليه فيتلف من يديه بوجوه منها ما ذكرت . ومنها أن يتقاضاه ذو دين أو يسأله ذو رحم لو لم يعلم ما صار إليه لم يتقاضاه ، ولم يسأله فإنما منعنا من هذا أنا لم نر أحدا خالف في أن الرجل يكون له الدين على الرجل فيموت الذي عليه الدين فيدفعون ماله إلى غرمائه ، وإن لم يريدوه لئلا يحبسوا ميراث الورثة ووصية الموصي لهم ويجبرونهم على أخذه ; لأنه خير لهم والسلف يخالف دين الميت في بعض هذا .
باب السلف في الرطب فينفد .
( قال الشافعي ) : رحمه الله إذا سلف رجل رجلا في رطب أو عنب إلى أجل يطيبان له فهو جائز فإن نفد الرطب أو العنب حتى لا يبقى منه شيء بالبلد الذي سلفه فيه فقد قيل المسلف بالخيار فإن شاء رجع بما بقي من سلفه كأن سلف مائة درهم في مائة مد فأخذ خمسين فيرجع بخمسين ، وإن شاء أخذ ذلك إلى رطب قابل ثم أخذ بيعه بمثل صفة رطبه ، وكيله ، وكذلك العنب وكل فاكهة رطبة تنفد في وقت من الأوقات ، وهذا وجه . قال : وقد قيل إن سلفه مائة درهم في عشرة آصع من رطب فأخذ [ ص: 141 ] خمسة آصع ثم نفذ الرطب كانت له الخمسة آصع بخمسين درهما ; لأنها حصتها من الثمن فانفسخ البيع فيما بقي من الرطب فرد إليه خمسين درهما .
( قال الشافعي ) : وهذا مذهب والله - تعالى - أعلم . ولو سلفه في رطب لم يكن عليه أن يأخذ فيه بسرا ، ولا مختلفا ، وكان له أن يأخذ رطبا كله ، ولم يكن عليه أن يأخذه إلا صحاحا غير منشدخ ، ولا معيب بعفن ، ولا عطش ، ولا غيره ، وكذلك العنب لا يأخذه إلا نضيجا غير معيب ، وكذلك كل شيء من الفاكهة الرطبة يسلف فيها فلا يأخذ إلا صفته غير معيبة .
قال : وهكذا كل شيء أسلفه فيه لم يأخذه معيبا إن أسلف في لبن مخيض لم يأخذه رائبا ، ولا مخيضا وفي المخيض ماء لا يعرف قدره والماء غير اللبن .
( قال الشافعي ) : ولو أسلفه في شيء فأعطاه إياه معيبا والعيب مما قد يخفى فأكل نصفه أو أتلفه وبقي نصفه كأن كان رطبا فأكل نصفه أو أتلفه وبقي نصفه يأخذ النصف بنصف الثمن ويرجع عليه بنقصان ما بين الرطب معيبا وغير معيب ، وإن اختلفا في العيب والمشترى قائم في يد المشتري ، ولم يستهلكه فقال : دفعته إليك بريئا من العيب ، وقال المشتري : بل دفعته معيبا فالقول قول البائع إلا أن يكون ما قال عيب لا يحدث مثله ، وإن كان أتلفه فقال البائع ما أتلفت منه غير معيب ، وما بقي معيب فالقول قوله إلا أن يكون شيئا واحدا لا يفسد منه شيء إلا بفساده كله كبطيخة واحدة أو دباءة واحدة . وكل ما قلت القول فيه قوله فعليه فيه اليمين .
كتاب الرهن الكبير - إباحة الرهن .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال قال الله - تبارك وتعالى - { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل } ، وقال - عز وجل - { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فكان بينا في الآية الأمر بالكتاب في الحضر والسفر ، وذكر الله - تبارك اسمه - الرهن إذا كانوا مسافرين ، ولم يجدوا كاتبا فكان معقولا - والله أعلم - فيها : أنهم أمروا بالكتاب والرهن احتياطا لمالك الحق بالوثيقة والمملوك عليه بأن لا ينسى ويذكر لا أنه فرض عليهم أن يكتبوا ، ولا أن يأخذوا رهنا ; لقول الله - عز وجل - { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } فكان معقولا أن الوثيقة في الحق في السفر والإعواز غير محرمة - والله أعلم - في الحضر وغير الإعواز ، ولا بأس بالرهن في الحق الحال والدين في الحضر والسفر ، وما قلت من هذا مما لا أعلم فيه خلافا .
وقد روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رهن درعه في الحضر عند أبي الشحم اليهودي } وقيل في سلف والسلف حال ( قال [ ص: 142 ] الشافعي ) : أخبرنا الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال { رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي } ( قال الشافعي ) : وروى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة } .
( قال الشافعي ) فأذن الله - جل ثناؤه - بالرهن في الدين ، والدين حق لازم فكل حق مما يملك أو لزم بوجه من الوجوه جاز الرهن فيه ، ولا يجوز الرهن فيما لا يلزم .
فلو ادعى رجل على رجل حقا فأنكره وصالحه ورهنه به رهنا كان الرهن مفسوخا ; لأنه لا يلزم الصلح على الإنكار ، ولو قال أرهنك داري على شيء إذا داينتني به أو بايعتني ثم داينه أو بايعه لم يكن رهنا ; لأن الرهن كان ، ولم يكن للمرتهن حق ، وإذن الله - عز وجل - به فيما كان للمرتهن من الحق دلالة على أن لا يجوز إلا بعد لزوم الحق أو معه فأما قبله فإذا لم يكن حق فلا رهن .
باب ما يتم به الرهن من القبض . قال الله - عز وجل - { فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فلما كان معقولا أن الرهن غير مملوك الرقبة للمرتهن ملك البيع ، ولا مملوك المنفعة له ملك الإجارة لم يجز أن يكون رهنا إلا بما أجازه الله - عز وجل - به من أن يكون مقبوضا ، وإذا لم يجز فللراهن ما لم يقبضه المرتهن منه منعه منه ، وكذلك لو أذن له في قبضه فلم يقبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن كان ذلك له ; لما وصفت من أنه لا يكون رهنا إلا بأن يكون مقبوضا ، وكذلك كل ما لم يتم إلا بأمرين فليس يتم بأحدهما دون الآخر مثل الهبات التي لا تجوز إلا مقبوضة ، وما في معناها .
ولو مات الراهن قبل أن يقبض المرتهن الرهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، وكان هو والغرماء فيه أسوة سواء ، ولو لم يمت الراهن ، ولكنه أفلس قبل أن يقبض المرتهن الرهن كان المرتهن والغرماء فيه أسوة ; لأنه لا يتم له ، ولو خرس الراهن أو ذهب عقله قبل أن يقبض المرتهن الرهن ، ولا سلطه على قبضه لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، ولو أقبضه الراهن إياه في حال ذهاب عقله لم يكن له قبضه ، ولا يكون له قبض حتى يكون جائز الأمر في ماله يوم رهنه ويوم يقبضه الراهن إياه .
ولو رهنه إياه ، وهو محجور ثم أقبضه إياه ، وقد فك الحجر عنه فالرهن الأول لم يكن رهنا إلا بأن يجدد له رهنا ويقبضه إياه بعد أن يفك الحجر عنه ، وكذلك لو رهنه ، وهو غير محجور فلم يقبضه حتى حجر عليه لم يكن له قبضه منه . ولو رهنه عبدا فلم يقبضه حتى هرب العبد وسلطه على قبضه فإن لم يقدر عليه حتى يموت الراهن أو يفلس فليس برهن ، وإن لم يقدر على قبضه حتى رجع الراهن في الرهن لم يكن للمرتهن له قبضه ، ولو رهنه عبدا فارتد العبد عن الإسلام فأقبضه إياه مرتدا أو أقبضه إياه غير مرتد فارتد فالعبد رهن بحاله إن تاب فهو رهن ، وإن قتل على الردة قتل بحق لزمه وخرج من ملك الراهن والمرتهن .
ولو رهنه عبدا ، ولم يقبضه حتى رهنه من غيره وأقبضه إياه كان الرهن للثاني الذي أقبضه صحيحا ، والرهن الذي لم يقبض كما لم يكن . وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى أعتقه كان حرا خارجا من الرهن .
وكذلك لو رهنه إياه فلم يقبضه حتى كاتبه كان خارجا من الرهن . وكذلك لو وهبه أو أصدقه امرأة أو أقر به لرجل أو دبره كان خارجا من الرهن في هذا كله ( قال الربيع ) وفيه قول آخر أنه لو رهنه فلم يقبضه المرتهن حتى دبره أنه لا يكون خارجا من الرهن بالتدبير ; لأنه لو رهنه بعدما دبره كان الرهن جائزا ; لأن له أن يبيعه بعدما دبره فلما كان له بيعه كان له أن يرهنه .
( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا عبدا ، ومات [ ص: 143 ] المرتهن قبل أن يقبضه كان لرب الرهن منعه من ورثته فإن شاء سلمه لهم رهنا ، ولو لم يمت المرتهن ، ولكنه غلب على عقله فولى الحاكم ماله رجلا فإن شاء الراهن منعه الرجل المولى ; لأنه كان له منعه المرتهن ، وإن شاء سلمه له بالرهن الأول كما كان له أن يسلمه للمرتهن ويمنعه إياه . ولو رهن رجل رجلا جارية فلم يقبضه إياها حتى وطئها ثم أقبضه إياها بعد الوطء فظهر بها حمل أقر به الراهن كانت خارجة من الرهن ; لأنها لم تقبض حتى حبلت فلم يكن له أن يرهنها حبلى منه .
وهكذا لو وطئها قبل الرهن ثم ظهر بها حمل فأقر به خرجت من الرهن ، وإن كانت قبضت ; لأنه رهنها حاملا ، ولو رهنه إياها غير ذات زوج فلم يقبضها حتى زوجها السيد ثم أقبضه إياها فالتزويج جائز ، وهي رهن بحالها ، ولا يمنع زوجها من وطئها بحال ، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن ; لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق بيعها ، وكذلك المرتهن فأيهما زوج فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا عليه ، ولو رهن رجل رجلا عبدا وسلطه على قبضه فآجره المرتهن قبل أن يقبضه من الراهن أو غيره لم يكن مقبوضا .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت عبدا فآجرته قبل أن أقبضه قال ليس بمقبوض ( قال الشافعي ) ليس الإجارة بقبض ، وليس برهن حتى يقبض ، وإذا قبض المرتهن الرهن لنفسه أو قبضه له أحد بأمره فهو قبض كقبض وكيله له .
( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال : إذا ارتهنت عبدا فوضعته على يد غيرك فهو قبض .
( قال الشافعي ) : وإذا ارتهن ولي المحجور له أو الحاكم للمحجور فقبض الحاكم ، وقبض ولي المحجور للمحجور كقبض غير المحجور لنفسه ، وكذلك قبض الحاكم له ، وكذلك إن وكل الحاكم من قبض للمحجور أو ، وكل ولي المحجور من يقبض له فقبضه له كقبض الرجل غير المحجور لنفسه وللراهن منع الحاكم وولي المحجور من الرهن ما لم يقبضاه ويجوز ارتهان ولي المحجور عليه له ورهنهما عليه في النظر له .
وذلك أن يبيع لهما فيفضل ويرتهن . فأما أن يسلف مالهما ويرتهن فلا يجوز عليهما ، وهو ضامن ; لأنه لا فضل لهما في السلف ، ولا يجوز رهن المحجور لنفسه ، وإن كان نظرا له كما لا يجوز بيعه ، ولا شراؤه لنفسه ، وإن كان نظرا له .
قبض الرهن ، وما يكون بعد قبضه مما يخرجه من الرهن ، وما لا يخرجه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله قال الله - تعالى - { فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) إذا قبض الرهن مرة واحدة فقد تم وصار المرتهن أولى به من غرماء الراهن ، ولم يكن للراهن إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما في الرهن من الحق كما يكون المبيع مضمونا من البائع فإذا قبضه المشتري مرة صار في ضمانه فإن رده إلى البائع بإجارة أو وديعة فهو من مال المبتاع ، ولا ينفسخ ضمانه بالبيع ، وكما تكون الهبات ، وما في معناها غير تامة فإذا قبضها الموهوب له مرة ثم أعارها إلى الواهب أو أكراها منه أو من غيره لم يخرجها من الهبة .
وسواء إذا قبض المرتهن الرهن مرة ، ورده على الراهن بإجارة أو عارية أو غير ذلك ما لم يفسخ الراهن الرهن أو كان في يده ; لما وصفت ( قال الشافعي ) : أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ارتهنت رهنا فقبضته ثم آجرته منه قال نعم هو عندك إلا أنك آجرته منه قال ابن جريج فقلت لعطاء فأفلس فوجدته عنده ؟ قال أنت أحق به من غرمائه .
( قال الشافعي ) : يعني لما وصفت من أنك إذا قبضته مرة ثم آجرته من راهنه فهو كعبد لك آجرته منه ; لأن رده إليه بعد القبض لا يخرجه من الرهن [ ص: 144 ] قال : ولا يكون الرهن مقبوضا إلا أن يقبضه المرتهن أو أحد غير الراهن بأمر المرتهن فيكون وكيله في قبضه فإن ارتهن رجل من رجل رهنا ووكل المرتهن الراهن أن يقبضه له من نفسه فقبضه له من نفسه لم يكن قبضا ، ولا يكون وكيلا على نفسه لغيره في قبض كما لو كان له عليه حق فوكله بأن يقبضه له من نفسه ففعل فهلك لم يكن بريئا من الحق كما يبرأ منه لو قبضه وكيل غيره ، ولا يكون وكيلا على نفسه في حال إلا الحال التي يكون فيها وليا لمن قبض له وذلك أن يكون له ابن صغير فيشتري له من نفسه ويقبض له أو يهب له شيئا ويقبضه فيكون قبضه من نفسه قبضا لابنه ; لأنه يقوم مقام ابنه .
وكذلك إذا رهن ابنه رهنا فقبضه له من نفسه فإن كان ابنه بالغا غير محجور لم يجز من هذا شيء إلا أن يقبضه ابنه لنفسه أو وكيل لابنه غير أبيه .
وإذا كان للرجل عبد في يد رجل وديعة أو دار أو متاع فرهنه إياه وأذن له بقبضه فجاءت عليه مدة يمكنه فيها أن يقبضه ، وهو في يده فهو قبض فإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن فصدقه المرتهن أو ادعى قبضه فالرهن مقبوض ، وإن لم يره الشهود . وسواء كان الرهن غائبا أو حاضرا وذلك أن الرهن قد يقبضه المرتهن بالبلد الذي هو به فيكون ذلك قبضا إلا في خصلة أن يتصادقا على أمر لا يمكن أن يكون مثله مقبوضا في ذلك الوقت وذلك أن يقول اشهدوا أني قد رهنته اليوم داري التي بمصر ، وهما بمكة ، وقبضها فيعلم أن الرهن إن كان اليوم لم يمكن أن يقبض له بمكة من يومه هذا ، وما في هذا المعنى .
ولو كانت الدار في يده بكراء أو وديعة كانت كهي لو لم تكن في يده لا يكون قبضا حتى تأتي عليها مدة يمكن أن تكون في يده بالرهن دون الكراء أو الوديعة أو الرهن معهما أو مع أحدهما ، وكينونتها في يده بغير الرهن غير كينونتها في يده بالرهن فأما إذا لم يؤقت وقتا وأقر بأنه رهنه داره بمكة ، وقبضها ثم قال الراهن إنما رهنته اليوم ، وقال المرتهن بل رهنتنيها في وقت يمكن في مثله أن يكون قبضها قابض بأمره وعلم القبض فالقول قول المرتهن أبدا حتى يصدق الراهن بما وصفت من أنه لم يكن مقبوضا . ولو أراد الراهن أن أحلف له المرتهن على دعواه بأنه أقر له بالقبض ، ولم يقبض منه فعلت ; لأنه لا يكون رهنا حتى يقبضه . والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
ما يكون قبضا في الرهن ، ولا يكون ، ، وما يجوز أن يكون رهنا .
( قال الشافعي ) : رحمه الله كل ما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن والهبات والصدقات لا يختلف ذلك فيجوز رهن الدابة والعبد والدنانير والدراهم والأرضين وغير ذلك ويجوز رهن الشقص من الدار والشقص من العبد ، ومن السيف ، ومن اللؤلؤة ، ومن الثوب كما يجوز أن يباع هذا كله والقبض فيه أن يسلم إلى مرتهنه لا حائل دونه كما يكون القبض في البيع قبض العبد والثوب ، وما يجوز أن يأخذه مرتهنه من يد راهنه .
وقبض ما لا يحول من أرض ودار وغراس أن يسلم لا حائل دونه ، وقبض الشقص مما لا يحول كقبض الكل أن يسلم لا حائل دونه ، وقبض الشقص مما يحول مثل السيف واللؤلؤة ، وما أشبههما أن يسلم للمرتهن فيها حقه حتى يضعها المرتهن والراهن على يد عدل أو في يد الشريك فيها الذي ليس براهن أو يد المرتهن ، فإذا كان بعض هذا فهو قبض ، وإن صيرها المرتهن إلى الراهن أو إلى غيره بعد القبض فليس بإخراج لها من الرهن كما وصفت لا يخرجها إلا فسخ الرهن أو البراءة من الحق الذي به الرهن .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (128)
صــــــــــ 145 الى صـــــــــــ151
وإذا أقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك المرتهن حكم له بأن الرهن تام بإقرار الراهن ودعوى المرتهن ، ولو كان الرهن في الشقص غائبا فأقر الراهن أن المرتهن قد قبض الرهن وادعى ذلك [ ص: 145 ] المرتهن أجزت الإقرار ; لأنه قد يقبض له ، وهو غائب عنه فيكون قد قبضه بقبض من أمره بقبضه له .
ولو كان لرجل عبد في يدي رجل بإجارة أو وديعة فرهنه إياه وأمره بقبضه كان هذا رهنا إذا جاءت عليه ساعة بعد ارتهانه إياه ، وهو في يده ; لأنه مقبوض في يده بعد الرهن ، ولو كان العبد الرهن غائبا عن المرتهن لم يكن قبضا حتى يحضره فإذا أحضره بعدما أذن له بقبضه فهو مقبوض كما يبيعه إياه ، وهو في يديه ويأمره بقبضه فيقبضه بأنه في يديه فيكون البيع تاما ، ولو مات مات من مال المشتري ، ولو كان غائبا لم يكن مقبوضا حتى يحضر المشتري بعد البيع فيكون مقبوضا بعد حضوره ، وهو في يديه . ولو كانت له عنده ثياب أو شيء مما لا يزول بنفسه وديعة أو عارية أو بإجارة فرهنه إياها ، وأذن له في قبضها قبل القبض ، وهي غير غائبة عن منزله كان هذا قبضا ، وإن كانت غائبة عن منزله لم يكن قبضا حتى يحدث لها قبضا ، وإن كان رهنه إياها في سوق أو مسجد ، وهي في منزله وأذن له في قبضها لم يكن قبضا حتى يصير إلى منزله ، وهي فيه فيكون لها حينئذ قابضا ; لأنها قد تخرج من منزله بخلافه إلى سيدها وغيره ، ولا يكون القبض إلا ما حضره المرتهن لا حائل دونه أو حضره وكيله كذلك .
ولو كان الرهن أرضا أو دارا غائبة عن المرتهن ، وهي وديعة في يديه ، وقد وكل بها فأذن له في قبضها لم يكن مقبوضا حتى يحضرها المرتهن أو وكيله بعد الرهن مسلمة لا حائل دونها ; لأنها إذا كانت غائبة عنه فقد يحدث لها مانع منه فلا تكون مقبوضة أبدا إلا بأن يحضرها المرتهن أو وكيله لا حائل دونها ، ولو جاءت عليه في هذه المسائل مدة يمكنه أن يبعث رسولا إلى الرهن حيث كان يقبضه فادعى المرتهن أنه قبضه كان مقبوضا ; لأنه يقبض له ، وهو غائب عنه .
وإذا رهن الرجل رهنا وتراضى الراهن والمرتهن بعدل يضعانه على يديه فقال العدل قد قبضته لك ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن : لم يقبضه لك العدل ، وقال المرتهن قد قبضه لي فالقول قول الراهن وعلى المرتهن البينة أن العدل قد قبضه له ; لأنه وكيل له فيه ، ولا أقبل فيه شهادته ; لأنه يشهد على فعل نفسه ، ولا يضمن المأمور بقبض الرهن بغروره المرتهن شيئا من حقه ، وكذا لو أفلس غريمه أو هلك الرهن الذي ارتهنه فقال قبضته ، ولم يقبضه ; لأنه لم يضمن له شيئا ، وقد أساء في كذبه .
ولو كان كل ما ذكرت من الرهن في يدي المرتهن بغصب الراهن فرهنه إياه قبل أن يقبضه منه وأذن له في قبضه فقبضه كان رهنا ، وكان مضمونا على الغاصب بالغصب حتى يدفعه إلى المغصوب فيبرأ أو يبرئه المغصوب من ضمان الغصب ، ولا يكون أمره له بالقبض لنفسه براءة من ضمان الغصب ، وكذلك لو كان في يديه بشراء فاسد ; لأنه لا يكون وكيلا لرب المال في شيء على نفسه ألا ترى أنه لو أمره أن يقبض لنفسه من نفسه حقا فقبضه ، وهلك لم يبرأ منه ، ولكنه لو رهنه إياه وتواضعاه على يدي عدل كان الغاصب والمشتري شراء فاسدا بريئين من الضمان بإقرار وكيل رب العبد أنه قد قبضه بأمر رب العبد ، وكان كإقرار رب العبد أنه قد قبضه ، وكان رهنا مقبوضا ؟ .
ولو قال الموضوع على يديه الرهن بعد قوله قد قبضته : لم أقبضه لم يصدق على الغاصب ، ولا المشتري شراء فاسدا ، وكان بريئا من الضمان كما يبرأ لو قال رب العبد : قد قبضته منه ، وكان مقبوضا بإقرار الموضوع على يديه الرهن أنه قبضه . ولو رهن رجل رجلا عبدين أو عبدا وطعاما أو عبدا ودارا أو دارين فقبض أحدهما ، ولم يقبض الآخر كان الذي قبض رهنا بجميع الحق ، وكان الذي لم يقبض خارجا من الرهن حتى يقبضه إياه الراهن ، ولا يفسد الذي قبض بأن لم يقبض [ ص: 146 ] الذي معه في عقدة الرهن ، وليس كالبيوع في هذا .
وكذلك لو قبض أحدهما ، ومات الآخر أو قبض أحدهما ، ومنعه الآخر كان الذي قبض رهنا والذي لم يقبض خارجا من الرهن ، وكذلك لو وهب له دارين أو عبدين أو دارا وعبدا فأقبضه أحدهما ، ومنعه الآخر كان له الذي قبض ، ولم يكن له الذي منعه ، وكذلك لو لم يمنعه ، ولكنه غاب عنه أحدهما لم تكن الهبة في الغائب تامة حتى يسلطه على قبضه فيقبضه بأمره . وإذا رهنه رهنا فأصاب الرهن عيب إما كان عبدا فاعور أو قطع أو أي عيب أصابه فأقبضه إياه فهو رهن بحاله فإن قبضه ثم أصابه ذلك العيب عند المرتهن فهو رهن بحاله ، وهكذا لو كانت دارا فانهدمت أو حائطا فتقعر نخله وشجره وانهدمت عينه كان رهنا بحاله ، وكان للمرتهن منع الراهن من بيع خشب نخله وبيع بناء الدار ; لأن ذلك كله داخل في الرهن .
إلا أن يكون ارتهن الأرض دون البناء والشجر فلا يكون له منع ما لم يدخل في رهنه ، ولو رهنه أرض الدار ، ولم يسم له البناء في الرهن أو حائطا ، ولم يسم له الغراس في الرهن كانت الأرض له رهنا دون البناء والغراس ، ولا يدخل في الرهن إلا ما سمي داخلا فيه ، ولو قال رهنتك بناء الدار كانت الدار له رهنا دون أرضها ، ولا يكون له الأرض والبناء حتى يقول رهنتك أرض الدار وبناءها وجميع عمارتها . ولو قال : رهنتك نخلي كانت النخل رهنا ، ولم يكن ما سواها من الأرض ، ولا البناء عليها رهنا حتى يكتب : رهنتك حائطي بحدوده أرضه وغراسه وبنائه وكل حق له فيكون جميع ذلك رهنا .
ولو قال رهنتك بعض داري أو رهنتك شقصا أو جزءا من داري لم يكن هذا رهنا ، ولو أقبضه جميع الدار حتى يسمي كم ذلك البعض أو الشقص أو الجزء ربعا أو أقل أو أكثر منه كما لا يكون بيعا ، وكذلك لو أقبضه الدار ، ولو قال : رهنتكها إلا ما شئت أنا وأنت منها أو إلا جزءا منها لم يكن رهنا .
ما يكون إخراجا للرهن من يدي المرتهن ، وما لا يكون .
( قال الشافعي ) رحمه الله : وجماع ما يخرج الرهن من يدي المرتهن أن يبرأ الراهن من الحق الذي عليه الرهن بدفع أو إبراء من المرتهن له أو يسقط الحق الذي به الرهن بوجه من الوجوه فيكون الرهن خارجا من يدي المرتهن عائدا إلى ملك راهنه كما كان قبل أن يرهن أو بقول المرتهن قد فسخت الرهن أو أبطلته أو أبطلت حقي فيه ، ولو رهن رجل رجلا أشياء مثل دقيق ، وإبل وغنم وعروض ودراهم ودنانير بألف درهم أو ألف درهم ، ومائة دينار أو ألف درهم ، ومائتي دينار أو بعيرا وطعاما فدفع الراهن إلى المرتهن جميع ماله في الرهون كلها إلا درهما واحدا أو أقل منه أو ويبة حنطة أو أقل منها كانت الرهون كلها بالباقي .
وإن قل لا سبيل للراهن على شيء منها ، ولا لغرمائه ، ولا لورثته لو مات حتى يستوفي المرتهن كل ماله فيها ; لأن الرهون صفقة واحدة لا يفك بعضها قبل بعض . ولو رهن رجل رجلا جارية فقبضها المرتهن ثم أذن للراهن في عتقها فلم يعتقها أو أذن له في وطئها فلم يطأها أو وطئها فلم تحمل فهي رهن بحالها لا يخرجها من الرهن إلا بأن يأذن له فيما وصفت كما لو أمره أن يعتق عبدا لنفسه فأعتقه عتق [ ص: 147 ] وإن لم يعتقه فهو على ملكه بحاله ، وكذلك لو ردها المرتهن إلى الراهن بعد قبضه إياها بالرهن مرة واحدة فقال استمتع من وطئها وخدمتها كانت مرهونة بحالها لا تخرج من الرهن فإن حملت الجارية من الوطء فولدت أو أسقطت سقطا قد بان من خلقه شيء فهي أم ولد لسيدها الراهن وخارجة من الرهن ، وليس على الراهن أن يأتيه برهن غيرها ; لأنه لم يتعد في الوطء .
، وهكذا لو أذن له في أن يضربها فضربها فماتت لم يكن له عليه أن يأتيه ببدل منها يكون رهنا مكانها ; لأنه لم يتعد عليه في الضرب . وإذا رهن الرجل الرجل أمة فآجره إياها فوطئها الراهن أو اغتصبها الراهن نفسها فوطئها فإن لم تلد فهي رهن بحالها ، ولا عقر للمرتهن على الراهن ; لأنها أمة الراهن ، ولو كانت بكرا فنقصها الوطء كان للمرتهن أخذ الراهن بما نقصها يكون رهنا معها أو قصاصا من الحق إن شاء الراهن كما تكون جنايته عليها ، وهكذا لو كانت ثيبا فأفضاها أو نقصها نقصا له قيمة ، وإن لم ينقصها الوطء فلا شيء للمرتهن على الراهن في الوطء ، وهي رهن كما هي .
وإن حبلت وولدت ، ولم يأذن له في الوطء ، ولا مال له غيرها ففيها قولان . أحدهما : أنها لا تباع ما كانت حبلى ، فإذا ولدت بيعت ، ولم يبع ولدها ، وإن نقصتها الولادة شيئا فعلى الراهن ما نقصتها الولادة ، وإن ماتت من الولادة فعلى الراهن أن يأتي بقيمتها صحيحة تكون رهنا مكانها أو قصاصا متى قدر عليها ، ولا يكون إحباله إياها أكبر من أن يكون رهنها ثم أعتقها ، ولا مال له غيرها فأبطل العتق وتباع بالحق ، وإن كانت تسوى ألفا ، وإنما هي مرهونة بمائة بيع منها بقدر المائة وبقي ما بقي رقيقا لسيدها ليس له أن يطأها وتعتق بموته في قول من أعتق أم الولد بموت سيدها ، ولا تعتق قبل موته ، ولو كان رهنه إياها ثم أعتقها ، ولم تلد ، ولا مال له بيع منها بقدر الدين وعتق ما بقي مكانه . وإن كان عليه دين يحيط بما له عتق ما بقي ، ولم يبع لأهل الدين .
والقول الثاني : أنه إذا أعتقها فهي حرة أو أولدها فهي أم ولد له لا تباع في واحدة من الحالين ; لأنه مالك ، وقد ظلم نفسه ، ولا يسعى في شيء من قيمتها ، وهكذا القول فيما رهن من الرقيق كلهم ذكورهم ، وإناثهم ، وإذا بيعت أم الولد في الرهن بما وصفت فملكها السيد فهي أم ولد له بذلك الولد ، ووطؤه إياها ، وعتقه بغير إذن المرتهن مخالف له بإذن المرتهن .
ولو اختلفا في الوطء والعتق فقال الراهن : وطئتها أو أعتقتها بإذنك ، وقال المرتهن : ما أذنت لك فالقول قول المرتهن مع يمينه فإن نكل المرتهن حلف الراهن لقد أذن له ثم كانت خارجة من الرهن ، وإن لم يحلف الراهن أحلفت الجارية فقد أذن له بعتقها أو وطئها ، وكانت حرة أو أم ولد ، وإن لم تحلف هي ، ولا السيد كانت رهنا بحالها .
ولو مات المرتهن فادعى الراهن عليه أنه أذن له في عتقها أو وطئها ، وقد ولدت منه أو أعتقها كانت عليه البينة فإن لم يقم بينة فهي رهن بحالها ، وإن أراد أن يحلف له ورثة الميت أحلفوا ما علموا أباهم أذن له لم يزادوا على ذلك في اليمين ، ولو مات الراهن فادعى ورثة هذا أحلف لهم المرتهن ما أذن للراهن في الوطء والعتق كما وصفت أولا .
وهذا كله إذا كان مفلسا فأما إذا كان الراهن موسرا فتؤخذ قيمة الجارية منه في العتق والإيلاد ثم يخير بين أن تكون قيمتها رهنا مكانها ، وإن كان أكثر من الحق أن قصاصا من الحق فإن اختار أن يكون قصاصا من الحق ، وكان فيه فضل عن الحق رد ما فضل عن الحق عليه . وإذا أقر المرتهن أنه أذن للراهن في وطء أمته ثم قال : هذا الحبل ليس منك هو من زوج زوجتها إياه أو من عبد فادعاه الراهن فهو ابنه ، ولا يمين عليه ; لأن النسب لاحق به ، وهي أم ولد له بإقراره ، ولا يصدق المرتهن على نفي الولد عنه ، وإنما منعني من إحلافه أنه لو أقر بعد دعوته الولد أنه ليس منه ألحقت الولد به وجعلت الجارية أم ولد فلا معنى ليمينه إذا حكمت بإخراج أم الولد من الرهن .
ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن : أذنت لي في وطئها فولدت لي ، وقال المرتهن : ما أذنت لك ، كان [ ص: 148 ] القول قول المرتهن فإن كان الراهن معسرا والجارية حبلى لم تبع حتى تلد ثم تباع ، ولا يباع ، ولدها ، ولو قامت بينة أن المرتهن أذن للراهن منذ مدة ذكروها في وطء أمته وجاءت بولد يمكن أن يكون من السيد في مثل تلك المدة فادعاه فهو ولده ، وإن لم يمكن أن يكون من السيد بحال ، وقال المرتهن هو من غيره بيعت الأمة ، ولا يباع الولد بحال ، ولا يكون الولد رهنا مع الأمة ، وإذا رهن رجل رجلا أمة ذات زوج أو زوجها بعد الرهن بإذن المرتهن لم يمنع زوجها من وطئها والبناء بها ، فإن ولدت فالولد خارج من الرهن ، وإن حبلت ففيها قولان . أحدهما : لا تباع حتى تضع حملها ثم تكون الجارية رهنا والولد خارجا من الرهن ، ومن قال هذا قال : إنما يمنعني من بيعها حبلى وولدها مملوك أن الولد لا يملك بما تملك به الأم إذا بيعت في الرهن ، فإن سأل الراهن أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن فذلك له .
والقول الثاني : أنها تباع حبلى ، وحكم الولد حكم الأم حتى يفارقها فإذا فارقها فهو خارج من الرهن ، وإذا رهن الرجل الرجل جارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن ; لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق من بيعها ، وكذلك ليس للمرتهن أن يزوجها ; لأنه لا يملكها ، وكذلك العبد الرهن ، وأيهما زوج العبد أو الأمة فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا على التزويج قبل عقدة النكاح .
وإذا رهن الرجل الرجل رهنا إلى أجل فاستأذن الراهن المرتهن في بيع الرهن فأذن له فيه فباعه فالبيع جائز ، وليس للمرتهن أن يأخذ من ثمنه شيئا ، ولا أن يأخذ الراهن برهن مكانه ، وله ما لم يبعه أن يرجع في إذنه له بالبيع فإن رجع فباعه بعد رجوعه في الإذن له فالبيع مفسوخ ، وإن لم يرجع ، وقال : إنما أذنت له في أن يبيعه على أن يعطيني ثمنه ، وإن كنت لم أقل له أنفذت البيع ، ولم يكن له أن يعطيه من ثمنه شيئا ، ولا أن يجعل له رهنا مكانه ، ولو اختلفا فقال : أذنت له وشرطت أن يعطيني ثمنه ، وقال الراهن : أذن لي ، ولم يشترط حتى يجعلها رهنا مكانه ، ولو تصادقا على أنه أذن له ببيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له أن يبيعه ; لأنه لم يأذن له في بيعه إلا على أن يعجل له حقه قبل محله .
ولو قامت بينة على أنه أذن له أن يبيعه ويعطيه ثمنه فباعه على ذلك فسخت البيع من قبل فساد الشرط في دفعه حقه قبل محله بأخذ الرهن فإن فات العبد في يدي المشتري بموت فعلى المشتري قيمته ; لأن البيع فيه كان مردودا وتوضع قيمته رهنا إلى الأجل الذي إليه الحق إلا أن يتطوع الذي عليه الحق بتعجيله قبل محله تطوعا مستأنفا لا على الشرط الأول .
ولو أذن له أن يبيعه على أن يكون المال رهنا لم يجز البيع ، وكان كالمسألة قبلها التي أذن له فيها أن يبيعه على أن يقبضه ثمنه في رد البيع فكان فيه غير ما في المسألة الأولى أنه أذن له أن يبيعه على أن يرهنه ثمنه وثمنه شيء غيره غير معلوم ، ولو كان الرهن بحق حال فأذن الراهن للمرتهن أن يبيع الرهن على أن يعطيه حقه فالبيع جائز وعليه أن يدفع إليه ثمن الرهن ، ولا يحبس عنه منه شيئا ، فإن هلك في يده أخذه بجميع الحق في ماله كان أقل أو أكثر من ثمن الرهن ، وإنما أجزناه ها هنا ; لأنه كان عليه ما شرط عليه من بيعه ، وإيفائه حقه قبل شرط ذلك عليه .
ولو كانت المسألة بحالها فأذن له في بيع الرهن ، ولم يشترط عليه أن يعطيه ثمنه كان عليه أن يعطيه ثمنه إلا أن يكون الحق أقل من ثمنه فيعطيه الحق ، ولو أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن ، ولم يحل كان له الرجوع في إذنه له ما لم يبعه فإذا باعه وتم البيع ، ولم يقبض ثمنه أو قبضه فأراد المرتهن أخذ ثمنه منه على أصل الرهن لم يكن ذلك له ; لأنه أذن له في البيع ، وليس له البيع ، وقبض الثمن لنفسه فباع فكان كمن أعطي عطاء ، وقبضه أو كمن أذن له في فسخ الرهن ففسخه ، وكان ثمن العبد مالا من مال الراهن يكون المرتهن فيه وغيره من غرمائه أسوة .
ولو أذن له في بيعه فهو على الراهن ، وله الرجوع في الإذن له إلا أن يكون قال قد فسخت فيه الرهن أو أبطلته ، فإذا [ ص: 149 ] قاله لم يكن له الرجوع في الرهن ، وكان في الرهن كغريم غيره ، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية ، ثم وطئها المرتهن أقيم عليه الحد فإن ولدت فولده رقيق ، ولا يثبت نسبهم ، وإن كان أكرهها فعليه المهر ، وإن لم يكرها فلا مهر عليه ، وإن ادعى جهالة لم يعذر بها إلا أن يكون ممن أسلم حديثا أو كان ببادية نائية أو ما أشبهه .
ولو كان رب الجارية أذن له ، وكان يجهل درئ عنه الحد ، ولحق الولد وعليه قيمتهم يوم سقطوا ، وهم أحرار ، وفي المهر قولان . أحدهما : أن عليه مهر مثلها . والآخر : لا مهر عليه ; لأنه أباحها ، ومتى ملكها لم تكن له أم ولد وتباع الجارية ويؤدب هو والسيد للإذن .
( قال الربيع ) : إن ملكها يوما ما كانت أم ولد له بإقراره أنه أولدها ، وهو يملكها .
( قال الشافعي ) : ولو ادعى أن الراهن المالك ، وهبها له قبل الوطء أو باعه إياها أو أعمره إياها أو تصدق بها عليه أو اقتصه كانت أم ولد له وخارجة من الرهن إذا صدقه الراهن أو قامت عليه بينة بذلك كان الراهن حيا أو ميتا ، وإن لم تقم له بينة بدعواه فالجارية وولدها رقيق إذا عرف ملكها للراهن لم تخرج من ملكه إلا ببينة تقوم عليه .
وإذا أراد المرتهن أحلف له ورثة الراهن على علمهم فيما ادعى من خروجها من ملك الراهن إليه ( قال الربيع ) : وله في ولده قول آخر إنه حر بالقيمة ويدرأ عنه الحد ويغرم صداق مثلها .
جواز شرط الرهن .
( قال الشافعي ) رحمه الله : أذن الله - تبارك وتعالى - في الرهن مع الدين ، وكان الدين يكون من بيع وسلف وغيره من وجوه الحقوق ، وكان الرهن جائزا مع كل الحقوق شرط في عقدة الحقوق أو ارتهن بعد ثبوت الحقوق ، وكان معقولا أن الرهن زيادة وثيقة من الحق لصاحب الحق مع الحق مأذون فيها حلال ، وأنه ليس بالحق نفسه ، ولا جزء من عدده فلو أن رجلا باع رجلا شيئا بألف على أن يرهنه شيئا من ماله يعرفه الراهن والمرتهن كان البيع جائزا ، ولم يكن الرهن تاما حتى يقبضه الراهن المرتهن أو من يتراضيان به معا ، ومتى ما أقبضاه إياه قبل أن يرفعا إلى الحاكم فالبيع لازم له ، وكذلك إن سلمه ; ليقبضه فتركه البائع كان البيع تاما .
( قال الشافعي ) : وإن ارتفعا إلى الحاكم وامتنع الراهن من أن يقبضه المرتهن لم يجبره الحاكم على أن يدفعه إليه ; لأنه لا يكون رهنا إلا بأن يقبضه إياه .
وكذلك لو وهب رجل لرجل هبة فلم يدفعها إليه لم يجبره الحاكم على دفعها إليه ; لأنها لا تتم له إلا بالقبض ، وإذا باع الرجل الرجل على أن يرهنه رهنا فلم يدفع الراهن الرهن إلى البائع المشترط له فللبائع الخيار في إتمام البيع بلا رهن أو رد البيع ; لأنه لم يرض بذمة المشتري دون الرهن ، وكذلك لو رهنه رهونا فأقبضه بعضها ، ومنعه بعضها ، وهكذا لو باعه على أن يعطيه حميلا بعينه فلم يحمل له بها الرجل الذي اشترط حمالته حتى مات كان له الخيار في إتمام البيع بلا حميل أو فسخه ; لأنه لم يرض بذمته دون الحميل .
ولو كانت المسألة بحالها فأراد المشتري فسخ البيع فمنعه الرهن أو الحميل لم يكن ذلك له ; لأنه لم يدخل عليه هو نقص يكون له به الخيار ; لأن البيع كان في ذمته وزيادة رهن أو ذمة غيره فيسقط ذلك عنه فلم يزد عليه في ذمته شيء لم يكن عليه ، ولم يكن في هذا فساد للبيع ; لأنه لم ينتقص من الثمن شيء يفسد به البيع إنما انتقص شيء غير الثمن وثيقة للمرتهن لا ملك ، ولم يشترط شيئا فاسدا فيفسد به البيع .
وهكذا هذا في كل حق كان لرجل على رجل فشرط له فيه رهنا أو حميلا فإن كان الحق بعوض أعطاه إياه فهو كالبيع ، وله الخيار في أخذ [ ص: 150 ] العوض كما كان له في البيع . ، وإن كان الرهن في أن أسلفه سلفا بلا بيع أو كان له عليه حق قبل أن يرهنه بلا رهن ثم رهنه شيئا فلم يقبضه إياه فالحق بحاله ، وله في السلف أخذه متى شاء به ، وفي حقه غير السلف أخذه متى شاء إن كان حالا .
ولو باعه شيئا بألف على أن يرهنه رهنا يرضيه حميلا ثقة أو يعطيه رضاه من رهن وحميل أو ما شاء المشتري والبائع أو ما شاء أحدهما من رهن وحميل بغير تسمية شيء بعينه كان البيع فاسدا لجهالة البائع والمشتري أو أحدهما بما تشارطا . ألا ترى أنه لو جاءه بحميل أو رهن فقال لا أرضاه لم يكن عليه حجة بأنه رضي رهنا بعينه أو حميلا بعينه فأعطاه ، ولو كان باعه بيعا بألف على أن يعطيه عبدا له يعرفانه رهنا له فأعطاه إياه رهنا فلم يقبله لم يكن له نقض البيع ; لأنه لم ينقصه شيئا من شرطه الذي عرفا معا . وهكذا لو باعه بيعا بألف على أن يرهنه ما أفاد في يومه أو من قدم عليه من غيبته من رقيقه أو ما أشبه هذا كان البيع مفسوخا بمثل معنى المسألة قبلها أو أكثر .
وإذا اشترى منه شيئا على أن يرهنه شيئا بعينه ثم مات المشتري قبل أن يدفع الرهن إلى المرتهن لم يكن الرهن رهنا ، ولم يكن على ورثته دفعه إليه ، وإن تطوعوا ، ولا وارث معهم ، ولا صاحب وصية فدفعوه إليه فهو رهن ، وله بيعه مكانه ; لأن دينه قد حل ، وإن لم يفعلوا فالبائع بالخيار في نقض البيع أو إتمامه ، ولو كان البائع المشترط الرهن هو الميت كان دينه إلى أجله إن كان مؤجلا أو حالا إن كان حالا ، وقام ورثته مقامه فإن دفع المشتري إليهم الرهن فالبيع تام ، وإن لم يدفعه إليهم فلهم الخيار في نقض البيع كما كان لأبيهم فيه أو إتمامه إذا كان الرهن فائتا .
( قال الشافعي ) : إذا كان الرهن فائتا أو السلعة المشتراة فائتة جعلت له الخيار بين أن يتمه فيأخذ ثمنه أو ينقضه فيأخذ قيمته كما أجعله له لو باعه عبدا فمات فقال المشتري اشتريته بخمسمائة ، وقال البائع بعته بألف وجعلت له إن شاء أن يأخذ ما أقر له به المشتري ، وإن شاء أن يأخذ قيمته بعد أن يحلف على ما ادعى المشتري ، ولا أحلفه ها هنا ; لأنه لا يدعي عليه المشتري براءة من شيء كما ادعى هناك المشتري براءة مما زاد على خمسمائة .
( قال الشافعي ) : ولو باع رجل رجلا بيعا بثمن حال أو إلى أجل أو كان له عليه حق فلم يكن له رهن في واحد منهما ، ولا شرط الرهن عند عقده واحدا منهما ثم تطوع له المشتري بأن يرهنه شيئا بعينه فرهنه إياه فقبضه ثم أراد الراهن إخراج الرهن من الرهن ; لأنه كان متطوعا به لم يكن له ذلك إلا أن يشاء المرتهن كما لا يكون له لو كان الرهن بشرط ، وكذا لو كان رهنه بشرط فأقبضه إياه ثم زاده رهنا آخر معه أو رهونا فأقبضه إياها ثم أراد إخراجها أو إخراج بعضها لم يكن ذلك له ، ولو كانت الرهون تسوى أضعاف ما هي مرهونة به ، ولو زاده رهونا أو رهنه رهونا مرة واحدة فأقبضه بعضها ، ولم يقبضه بعضها كان ما أقبضه رهنا ، وما لم يقبضه غير رهن ، ولم ينتقض ما أقبضه بما لم يقبضه .
وإذا باع الرجل الرجل البيع على أن يكون المبيع نفسه رهنا للبائع فالبيع مفسوخ من قبل أنه لم يملكه السلعة إلا بأن تكون محتبسة عن المشتري ، وليس هذا كالسلعة لنفسه برهنه إياها ألا ترى أنه لو وهب له سلعة لنفسه جاز ، وهو لو اشترى منه شيئا على أن يهبه له لم يجز وسواء تشارطا وضع الرهن على يدي البائع أو عدل غيره ، وإذا مات المرتهن فالرهن بحاله فلورثته فيه ما كان له ، وإذا مات الراهن فالرهن بحاله لا ينتقض بموته ، ولا موتهما ، ولا بموت واحد منهما قال ولورثة الراهن إذا مات فيه ما للراهن من أن يؤدوا ما فيه ويخرج من الرهن أو يباع عليهم بأن دين أبيهم قد حل ، ولهم أن يأخذوا المرتهن ببيعه ويمنعوه من حبسه عن البيع ; لأنه قد يتغير في حبسه ويتلف فلا تبرأ ذمة أبيهم ، وقد يكون فيه الفضل عما رهن به فيكون ذلك لهم .
ولو كان المرتهن غائبا أقام الحاكم من يبيع الرهن ويجعل حقه على يدي عدل إن لم يكن له وكيل يقوم بذلك . وإذا كان للرجل على الرجل الحق بلا رهن ثم رهنه رهنا فالرهن جائز [ ص: 151 ] كان الحق حالا أو إلى أجل فإن كان الحق حالا أو إلى أجل فقال الراهن : أرهنك على أن تزيدني في الأجل ففعل فالرهن مفسوخ والحق الحال كما كان والمؤجل إلى أجله الأول بحاله والأجل الآخر باطل وغرماء الراهن في الرهن الفاسد أسوة المرتهن ، وكذلك لو لم يشترط عليه تأخير الأجل وشرط عليه أن يبيعه شيئا أو يسلفه إياه أو يعمله له بثمن على أن يرهنه ، ولم يرهنه لم يجز الرهن ، ولا يجوز الرهن في حق واجب قبله حتى يتطوع به الراهن بلا زيادة شيء على المرتهن ، ولو قال له : بعني عبدك بمائة على أن أرهنك بالمائة وحقك الذي قبلها رهنا كان الرهن والبيع مفسوخا كله ، ولو هلك العبد في يدي المشتري كان ضامنا لقيمته ، ولو أقر المرتهن أن الموضوع على يديه الرهن قبضه جعلته رهنا ، ولم أقبل قول العدل : لم أقبضه إذا قال المرتهن قد قبضه العدل .
اختلاف المرهون والحق الذي يكون به الرهن . ( قال الشافعي ) : رحمه الله : وإذا كانت الدار أو العبد أو العرض في يدي رجل فقال رهنيه فلان على كذا ، وقال فلان ما رهنتكه ، ولكني أودعتك إياه أو وكلتك به أو غصبتنيه فالقول قول رب الدار والعرض والعبد ; لأن الذي في يده يقر له بملكه ويدعي عليه فيه حقا فلا يكون فيه بدعواه إلا ببينة ، وكذلك لو قال الذي هو في يديه رهنتنيه بألف ، وقال المدعى عليه لك علي ألف ، ولم أرهنك به ما زعمت كان القول قوله وعليه ألف بلا رهن كما أقر ، ولو كانت في يدي رجل داران فقال : رهننيهما فلان بألف ، وقال فلان : رهنتك إحداهما وسماها بعينها بألف كان القول قول رب الدار الذي زعم أنها ليست برهن غير رهن .
، وكذلك لو قال له رهنتك إحداهما بمائة لم يكن رهنا إلا بمائة ، ولو قال الذي هما في يديه : رهنتنيهما بألف ، وقال رب الدارين : بل رهنتك إحداهما بغير عينها بألف لم تكن واحدة منهما رهنا ، وكانت عليه ألف بإقراره بلا رهن ; لأنه لا يجوز في الأصل أن يقول رجل لرجل : أرهنك إحدى داري هاتين ، ولا يسميها ، ولا أحد عبدي هذين ، ولا أحد ثوبي هذين ، ولا يجوز الرهن حتى يكون مسمى بعينه .
ولو كانت دار في يدي رجل فقال رهنيها فلان بألف ودفعها إلي ، وقال فلان رهنته إياها بألف ، ولم أدفعها إليه فعدا عليها فغصبها أو تكاراها مني رجل فأنزله فيها أو تكاراها مني هو فنزلها ، ولم أدفعها إليه قبضا بالرهن فالقول قول رب الدار ، ولا تكون رهنا إذا كان يقول ليست برهن فيكون القول قوله ، وهو إذا أقر بالرهن ، ولم يقبضه المرتهن فليس برهن ، ولو كانت الدار في يدي رجل فقال : رهنيها فلان بألف دينار وأقبضنيها . وقال فلان : رهنته إياها بألف درهم أو ألف فلس وأقبضته إياها كان القول قول رب الدار ، ولو كان في يدي رجل عبد فقال : رهنيه فلان بمائة وصدقه العبد . وقال رب العبد : ما رهنته إياه بشيء . فالقول قول رب العبد ، ولا قول للعبد ، ولو كانت المسألة بحالها فقال ما رهنتكه بمائة ، ولكني بعتكه بمائة لم يكن العبد رهنا ، ولا بيعا إذا اختلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (129)
صــــــــــ 152 الى صـــــــــــ158
ولو أن عبدا بين رجلين فقال رجل : رهنتمانيه بمائة ، وقبضته فصدقه أحدهما . وقال الآخر : ما رهنتكه بشيء كان نصفه رهنا بخمسين ونصفه خارجا من الرهن فإن شهد شريك صاحب العبد عليه بدعوى المرتهن ، وكان عدلا عليه أحلف المرتهن معه ، وكان نصيبه منه رهنا بخمسين ، ولا شيء في شهادة صاحب الرهن يجر بها إلى نفسه ، ولا يدفع بها عنه فأرد بها [ ص: 152 ] شهادته ، ولا أرد شهادته لرجل له عليه شيء لو شهد له على غيره .
ولو كان العبد بين اثنين ، وكان في يدي اثنين وادعيا أنهما ارتهناه معا بمائة فأقر الرجلان لأحدهما أنه رهن له وحده بخمسين وأنكرا دعوى الآخر لزمهما ما أقرا به ، ولم يلزمهما ما أنكرا من دعوى الآخر ، ولو أقرا لهما معا بأنه لهما رهن ، وقالا : هو رهن بخمسين وادعيا مائة لم يلزمهما إلا ما أقرا به . ولو قال أحد الراهنين لأحد المرتهنين رهناكه أنت بخمسين ، وقال الآخر للآخر المرتهن رهناكه أنت بخمسين كان نصف حق كل واحد منهما من العبد ، وهو ربع العبد رهنا للذي أقر له بخمسة وعشرين تجيز إقراره على نفسه ، ولا تجيز إقراره على غيره ، ولو كانا ممن تجوز شهادته فشهد كل واحد منهما على صاحبه ونفسه أجزت شهادتهما وجعلت على كل واحد منهما خمسة وعشرين دينارا بإقراره وخمسة وعشرين أخرى بشهادة صاحبه إذا حلف المدعي مع شاهده .
وإذا كانت في يدي رجل ألف دينار فقال : رهنيها بمائة دينار أو بألف درهم ، وقال الراهن رهنتكها بدينار واحد أو بعشرة دراهم فالقول قول الراهن ; لأن المرتهن مقر له بملك الألف دينار ، ومدع عليه حقا فالقول قوله فيما ادعى عليه من الدنانير إذا كان القول قول رب الرهن المدعى عليه الحق في أنه ليس برهن بشيء كان إقراره بأنه رهن بشيء أولى أن يكون القول قوله فيه . وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن رهنتني عبدك سالما بمائة ، وقال الراهن بل رهنتك عبدي موفقا بعشرة حلف الراهن ، ولم يكن سالم رهنا بشيء ، وكان لصاحب الحق عليه عشرة دنانير إن صدقه بأن موفقا رهن بها فهو رهن . وإن كذبه ، وقال : بل سالم رهن بها لم يكن موفق ، ولا سالم رهنا ; لأنه يبرئه من أن يكون موفق رهنا .
ولو قال : رهنتك داري بألف ، وقال : الذي يخالفه بل اشتريتها منك بألف وتصادقا على قبض الألف تحالفا ، وكانت الألف على الذي أخذها بلا رهن ، ولا بيع ، وهكذا لو قال : لو رهنتك داري بألف أخذتها منك . وقال : المقر له بالرهن بل اشتريت منك عبدك بهذه الألف تحالفا ، ولم تكن الدار رهنا ، ولا العبد بيعا ، وكانت له عليه ألف بلا رهن ، ولا بيع ، ولو قال : رهنتك داري بألف ، وقبضت الدار ، ولم أقبض الألف منك ، وقال : المقر له بالرهن ، وهو المرتهن بل قبضت الألف فالقول قول الراهن بأنه لم يقر بأن عليه ألفا فتلزمه ويحلف ما أخذ الألف ثم تكون الدار خارجة من الرهن ; لأنه لم يأخذ ما يكون به رهنا ، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها دارا فقال الراهن رهنتك هذه الدار بألف درهم إلى سنة ، وقال : المرتهن بل ألف درهم حالة كان القول قول الراهن وعلى المرتهن البينة .
وكذلك لو قال : رهنتكها بألف درهم ، وقال المرتهن : بل بألف دينار فالقول قول الراهن وكل ما لم أثبته عليه إلا بقوله جعلت القول فيه قوله ; لأنه لو قال : لم أرهنكها كان القول قوله ، وإذا كان لرجل على رجل ألفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضاه ألفا ثم اختلفا فقال القاضي قضيتك الألف التي بالرهن ، وقال : المقتضي بل الألف التي بلا رهن فالقول قول الراهن القاضي . ألا ترى أنه لو جاءه بألف فقال هذه الألف التي رهنتك بها فقبضها كان عليه استلام رهنه ، ولم يكن له حبسه عنه بأن يقول لي عليك ألف أخرى ، ولو حبسه عنه بعد قبضه كان متعديا بالحبس . وإن هلك الرهن في يديه ضمن قيمته فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكون القول إلا قول دافع المال . والله أعلم .
جماع ما يجوز رهنه .
( قال : الشافعي ) : رحمه الله كل من جاز بيعه من بالغ حر غير محجور عليه جاز رهنه ، ومن جاز له [ ص: 153 ] أن يرهن أو يرتهن من الأحرار البالغين غير المحجور عليهم جاز له أن يرتهن على النظر وغير النظر ; لأنه يجوز له بيع ماله ، وهبته بكل حال فإذا جازت هبته في ماله كان له رهنه بلا نظر ، ولا يجوز أن يرتهن الأب لابنه ، ولا ولي اليتيم له إلا بما فيه فضل لهما فأما أن يسلف مالهما برهن فلا يجوز له وأيهما فعل فهو ضامن لما أسلف من ماله ويجوز للمكاتب والمأذون له في التجارة أن يرتهنا إذا كان ذلك صلاحا لمالهما وازديادا فيه فأما أن يسلفا ويرتهنا فلا يجوز ذلك لهما ، ولكن يبيعان فيفضلان ويرتهنان ، ومن قلت لا يجوز ارتهانه إلا فيما يفضل لنفسه أو يتيمه أو ابنه من أب ولد وولي يتيم ، ومكاتب وعبد مأذون له فلا يجوز أن يرهن شيئا ; لأن الرهن أمانة والدين لازم فالرهن بكل حال نقص عليهم ، ولا يجوز أن يرهنوا إلا حيث يجوز أن يودعوا أموالهم من الضرورة بالخوف إلى تحويل أموالهم ، وما أشبه ذلك ، ولا نجيز رهن من سميت لا يجوز رهنه إلا في قول من زعم أن الرهن مضمون كله فأما ما لا يضمن منه فرهنه غير نظر ; لأنه قد يتلف ، ولا يبرأ الراهن من الحق والذكر والأنثى والمسلم والكافر من جميع ما وصفنا يجوز رهنه ، ولا يجوز سواء ويجوز أن يرهن المسلم الكافر والكافر المسلم ، ولا أكره من ذلك شيئا إلا أن يرهن المسلم الكافر مصحفا فإن فعل لم أفسخه ووضعناه له على يدي عدل مسلم وجبرت على ذلك الكافر إن امتنع .
وأكره أن يرهن من الكافر العبد المسلم صغيرا أو كبيرا لئلا يذل المسلم بكينونته عنده بسبب يتسلط عليه الكافر ولئلا يطعم الكافر المسلم خنزيرا أو يسقيه خمرا فإن فعل فرهنه منه لم أفسخ الرهن قال : وأكره رهن الأمة البالغة أو المقاربة البلوغ التي يشتهى مثلها من مسلم إلا على أن يقبضها المرتهن ويقرها في يدي مالكها أو يضعها على يدي امرأة أو محرم للجارية فإن رهنها مالكها من رجل ، وأقبضها إياه لم أفسخ الرهن ، وهكذا لو رهنها من كافر غير أني أجبر الكافر على أن يضعها على يدي عدل مسلم وتكون امرأة أحب إلي ، ولو لم تكن امرأة وضعت على يدي رجل عدل معه امرأة عدل ، وإن رضي الراهن والمرتهن على أن يضعا الجارية على يدي رجل غير مأمون عليها جبرتهما أن يرضيا بعدل توضع على يديه فإن لم يفعلا اخترت لهما عدلا إلا أن يتراضيا أن تكون على يدي مالكها أو المرتهن فأما ما سوى بني آدم فلا أكره رهنه من مسلم ، ولا كافر حيوان ، ولا غيره .
وقد { رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند أبي الشحم اليهودي } ، وإن كانت المرأة بالغة رشيدة بكرا أو ثيبا جاز بيعها ورهنها ، وإن كانت ذات زوج جاز رهنها وبيعها بغير إذن زوجها ، وهبتها له ولها من مالها إذا كانت رشيدة ما لزوجها من ماله ، وإن كانت المرأة أو رجل مسلم أو كافر حر أو عبد محجورين لم يجز رهن واحد منهما كما لا يجوز بيعه ، وإذا رهن من لا يجوز رهنه فرهنه مفسوخ ، وما عليه ، وما رهن كما لم يرهن من ماله لا سبيل للمرتهن عليه .
وإذا رهن المحجور عليه رهنا فلم يقبضه هو ، ولا وليه من المرتهن ، ولم يرفع إلى الحاكم فيفسخه حتى يفك عنه الحجر فرضي أن يكون رهنا بالرهن الأول لم يكن رهنا حتى يبتدئ رهنا بعد فك الحجر ويقبضه المرتهن فإذا فعل فالرهن جائز . وإذا رهن الرجل الرهن ، وقبضه المرتهن ، وهو غير محجور ثم حجر عليه فالرهن بحاله وصاحب الرهن أحق به حتى يستوفي حقه ويجوز رهن الرجل الكثير الدين حتى يقف السلطان ماله كما يجوز بيعه حتى يقف السلطان ماله ، وإذا رهن الرجل غير المحجور عليه الرجل المحجور عليه الرهن فإن كان من بيع فالبيع مفسوخ وعلى الراهن رده بعينه إن وجد أو قيمته إن لم يوجد ، والرهن مفسوخ إذا انفسخ الحق الذي به الرهن كان الرهن مفسوخا بكل حال وهكذا إن أكراه دارا أو أرضا أو دابة ورهن المكتري المكرى المحجور عليه بذلك رهنا فالرهن مفسوخ والكراء مفسوخ ، وإن سكن أو ركب أو عمل له فعليه أجر مثله وكراء مثل الدابة والدار بالغا ما بلغ ، وهكذا لو أسلفه المحجور مالا ورهنه غير المحجور رهنا كان الرهن مفسوخا ; لأن السلف [ ص: 154 ] باطل وعليه رد السلف بعينه ، وليس له إنفاق شيء منه فإن أنفقه فعليه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وأي رهن فسخته من جهة الشرط في الرهن أو فساد الرهن أو فساد البيع الذي ، وقع به الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره بحال ، وكذلك إن كان الشرط في الرهن والبيع صحيحا واستحق الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره قال : وإذا تبايع الرجلان غير المحجورين البيع الفاسد ورهن أحدهما به صاحبه رهنا فالبيع مفسوخ ، والرهن مفسوخ وجماع علم هذا أن ينظر كل حق كان صحيح الأصل فيجوز به الرهن وكل بيع كان غير ثابت فيفسد فيه الرهن إذا لم يملك المشتري ، ولا المكتري ما بيع أو أكرى لم يملك المرتهن الحق في الرهن إنما يثبت الرهن للراهن بما يثبت به عليه ما أعطاه به فإذا بطل ما أعطاه به بطل الرهن .
وإذا بادل رجل رجلا عبدا بعبد أو دارا بدار أو عرضا ما كان بعرض ما كان وزاد أحدهما الآخر دنانير آجلة على أن يرهنه الزائد بالدنانير رهنا معلوما فالبيع والرهن جائز إذا قبض . وإذا ارتهن الرجل من الرجل الرهن ، وقبضه لنفسه أو قبضه له غيره بأمره وأمر صاحب الرهن فالرهن جائز ، وإن كان القابض ابن الراهن أو امرأته أو أباه أو من كان من قرابته ، وكذلك لو كان ابن المرتهن أو واحدا ممن سميت أو عبد المرتهن فالرهن جائز فأما عبد الراهن فلا يجوز قبضه للمرتهن ; لأن قبض عبده عنه كقبضه عن نفسه . وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فأنفق عليه المرتهن بغير أمر الراهن كان متطوعا . وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ ; لأنها غير مملوكة فإن كان فيها غراس أو بناء للراهن فالغراس والبناء رهن ، وإن أدى عنها الخراج فهو متطوع بأداء الخراج عنها لا يرجع به على الراهن إلا أن يكون دفعه بأمره فيرجع به عليه ، ومثل هذا الرجل يتكارى الأرض من الرجل قد تكاراها فيدفع المكتري الأرض كراءها عن المكتري الأول فإن دفعه بإذنه رجع به عليه ، وإن دفعه بغير إذنه فهو متطوع به ، ولا يرجع به عليه ويجوز الرهن بكل حق لزم صداق أو غيره وبين الذمي والحربي المستأمن والمستأمن والمسلم كما يجوز بين المسلمين لا يختلف ، وإذا كان الرهن بصداق فطلق قبل الدخول بطل نصف الحق والرهن بحاله كما يبطل الحق الذي في الرهن إلا قليلا والرهن بحاله . وإذا ارتهن الرجل من الرجل رهنا بتمر أو حنطة فحل الحق فباع الموضوع على يديه الرهن بتمر أو حنطة فالبيع مردود ، فلا يجوز بيعه إلا بالدنانير أو الدراهم ثم يشترى بها قمح أو تمر فيقضاه صاحب الحق ، ولا يجوز رهن المقارض ; لأن الرهن غير مضمون إلا أن يأذن رب المال للمقارض أن يرهن بدين له معروف ، وكذلك لا يجوز ارتهانه إلا أن يأذن له رب المال أن يبيع بالدين فإذا باع بالدين فالرهن ازدياد له ، ولا يجوز ارتهانه إلا في مال صاحب المال فإن رهن عن غيره فهو ضامن ، ولا يجوز الرهن .
العيب في الرهن .
( قال : الشافعي ) : رحمه الله تعالى : الرهن رهنان فرهن في أصل الحق لا يجب الحق إلا بشرطه وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع على أن يرهنه الرهن يسميانه فإذا كان هكذا فكان بالرهن عيب في بدنه أو عيب في فعله ينقص ثمنه وعلم المرتهن العيب قبل الارتهان فلا خيار له والرهن والبيع ثابتان ، وإن لم يعلمه المرتهن فعلمه بعد البيع فالمرتهن بالخيار بين فسخ البيع ، وإثباته ، وإثبات الرهن للنقص عليه في الرهن كما يكون هذا في البيوع . والعيب الذي يكون له به الخيار كل ما نقص ثمنه من شيء قل أو كثر حتى الأثر الذي لا يضر بعمله والفعل فإذا كان قد علمه فلا خيار له . ولو كان قتل أو ارتد وعلم ذلك [ ص: 155 ] المرتهن ثم ارتهنه كان الرهن ثابتا فإن قتل في يديه فالبيع ثابت ، وقد خرج الرهن من يديه ، وإن لم يقتل فهو رهن بحاله ، وكذلك لو سرق فقطع في يديه كان رهنا بحاله ، ولو كان المرتهن لم يعلم بارتداده ، ولا قتله ، ولا سرقته فارتهنه ثم قتل في يده أو قطع كان له فسخ البيع .
ولو لم يكن الراهن دلس للمرتهن فيه بعيب ودفعه إليه سالما فجنى في يديه جناية أو أصابه عيب في يديه كان على الرهن بحاله ، ولو أنه دلس له فيه بعيب ، وقبضه فمات في يديه موتا قبل أن يختار فسخ البيع لم يكن له أن يختار فسخه لما فات من الرهن ، وليس هذا كما يقتل بحق في يديه أو يقطع في يديه ، وهكذا كل عيب في رهن ما كان حيوان أو غيره . ولو اختلف الراهن والمرتهن في العيب فقال الراهن : رهنتك الرهن ، وهو بريء من العيب ، وقال : المرتهن ما رهنتنيه إلا معيبا فالقول قول الراهن مع يمينه إذا كان العيب مما يحدث مثله ، وعلى المرتهن البينة فإن أقامها فللمرتهن الخيار كما وصفت .
وإذا رهن الرجل الرجل العبد أو غيره على أن يسلفه سلفا فوجد بالرهن عيبا أو لم يجده فسواء ، وله الخيار في أخذ سلفه حالا ، وإن كان سماه مؤجلا ، وليس السلف كالبيع ورهن يتطوع به الراهن وذلك أن يبيع الرجل الرجل البيع إلى أجل بغير شرط رهن فإذا وجب بينهما البيع وتفرقا ثم رهنه الرجل فالرجل متطوع بالرهن فليس للمرتهن إن كان بالرهن عيب ما كان أن يفسخ البيع ; لأن البيع كان تاما بلا رهن ، وله إن شاء أن يفسخ الرهن ، وكذلك له إن شاء لو كان في أصل البيع أن يفسخه ; لأنه كان حقا له فتركه ويجوز رهن العبد المرتد والقاتل والمصيب للحد ; لأن ذلك لا يزيل عنه الرق فإذا قتل فقد خرج من الرهن فإذا ارتد الرجل عن الإسلام ثم رهن عبدا له فمن أجاز بيع المرتد أجاز رهنه ، ومن رد بيعه رد رهنه .
( قال الربيع ) : كان الشافعي يجيز رهن المرتد كما يجوز بيعه .
الرهن يجمع الشيئين المختلفين من ثياب وأرض وبناء وغيره .
( قال : الشافعي ) : رحمه الله تعالى إذا رهن الرجل الرجل أرضه ، ولم يقل ببنائها فالأرض رهن دون البناء ، وكذلك إن رهنه أرضه ، ولم يقل بشجرها فكان فيها شجر مبدد أو غير مبدد فالأرض رهن دون الشجر ، وكذلك لو رهنه شجرا وبين الشجر بياض فالشجر رهن دون البياض ، ولا يدخل في الرهن إلا ما سمي ، وإذا رهنه ثمرا قد خرج من نخلة قبل أن يحل بيعه ونخله معه فقد رهنه نخلا وثمرا معها فهما رهن جائز من قبل أنه يجوز له لو مات الراهن أو كان الحق حالا أن يبيعهما من ساعته . وكذلك لو كان إلى أجل ; لأن الراهن يتطوع ببيعه قبل أن يحل أو يموت فيحل الحق . وإذا كان الحق في هذا الرهن جائزا إلى أجل فبلغت الثمرة وبيعت خير الراهن بين أن يكون ثمنها قصاصا من الحق أو مرهونا مع النخل حتى يحل الحق .
ولو حل الحق فأراد بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها دون النخل لم يكن له . وكذلك لو أراد قطعها وبيعها لم يكن له إذا لم يأذن له الراهن في ذلك ، ولو رهنه الثمرة دون النخل طلعا أو مؤبرة أو في أي حال قبل أن يبدو صلاحها لم يجز الرهن كان الدين حالا أو مؤجلا إلا أن يتشارطا أن للمرتهن إذا حل حقه قطعها أو بيعها فيجوز الرهن ، وذلك أن المعروف من الثمرة أنها تترك إلى أن تصلح .
ألا ترى { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه } ; لمعرفة الناس أنه يترك حتى يبدو صلاحه ، وأن حلالا أن تباع الثمرة على أن تقطع قبل أن يبدو صلاحها ; لأنه ليس المعنى الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا كل ثمرة وزرع رهن قبل أن يبدو صلاحه ما لم يجز بيعه فلا يجوز رهنه إلا [ ص: 156 ] على أن يقطع إذا حل الحق فيباع مقطوعا بحاله . وإذا حل بيع الثمر حل رهنه إلى أجل كان الحق أو حالا ، وإذا بلغ ، ولم يحل الحق لم يكن للراهن بيعه إذا كان يبس إلا برضا المرتهن فإذا رضي قيمته رهن إلا أن يتطوع الراهن فيجعله قصاصا ، ولا أجعل دينا إلى أجل حالا أبدا إلا أن يتطوع به صاحب الدين ، وإذا رهنه ثمرة فزيادتها في عظمها وطيبها رهن له ، كما أن زيادة الرهن في يديه رهن له ، فإن كان من الثمن شيء يخرج فرهنه إياه ، وكان يخرج بعده غيره منه فلا يتميز الخارج عن الأول المرهون لم يجز الرهن في الأول ، ولا في الخارج ; لأن الرهن حينئذ ليس بمعروف ، ولا يجوز الرهن فيه حتى يقطع مكانه أو يشترط أنه يقطع في مدة قبل أن تخرج الثمرة التي تخرج بعده أو بعدما تخرج قبل أن يشكل أهي من الرهن الأول أم لا ، فإذا كان هذا جاز .
وإن ترك حتى تخرج بعده ثمرة لا يتميز حتى تعرف ، ففيها قولان . أحدهما : أنه يفسد الرهن كما يفسد البيع ; لأني لا أعرف الرهن من غير الرهن . والثاني : أن الرهن لا يفسد ، والقول قول الراهن في قدر الثمرة المرهونة من المختلطة بها كما لو رهنه حنطة أو تمرا فاختلطت بحنطة للراهن ، أو تمر كان القول قوله في قدر الحنطة التي رهن مع يمينه .
( قال الربيع ) : وللشافعي قول آخر في البيع إنه إذا باعه ثمرا فلم يقبضه حتى حدثت ثمرة أخرى في شجرها لا تتميز الحادثة من المبيع قبلها كان البائع بالخيار بين أن يسلم له الثمرة الحادثة مع المبيع الأول فيكون قد زاده خيرا أو ينقض البيع ; لأنه لا يدري كم باع مما حدث من الثمرة .
والرهن عندي مثله فإن رضي أن يسلم ما زاد مع الرهن الأول لم يفسخ الرهن ، وإذا رهنه زرعا على أن يحصده إذا حل الحق بأي حال ما كان فيبيعه فإن كان الزرع يزيد بأن ينبت منه ما لم يكن نابتا في يده إذا تركه لم يجز الرهن ; لأنه لا يعرف الرهن منه الخارج دون ما يخرج بعده . فإن قال : قائل ما الفرق بين الثمرة تكون طلعا وبلحا صغارا ، ثم تصير رطبا عظاما وبين الزرع ؟ قيل : الثمرة واحدة ، إلا أنها تعظم كما يكبر العبد المرهون بعد الصغر ويسمن بعد الهزال .
وإذا قطعت لم يبق منها شيء يستخلف والزرع يقطع أعلاه ، ويستخلف أسفله ويباع منه شيء قصلة بعد قصلة فالخارج منه غير الرهن ، والزائد في الثمرة من الثمرة ، ولا يجوز أن يباع منه ما يقصل إلا أن يقصل مكانه قصلة ، ثم تباع القصلة الأخرى بيعة أخرى ، وكذلك لا يجوز رهنه إلا كما يجوز بيعه . وإذا رهنه ثمرة فعلى الراهن سقيها وصلاحها وجدادها وتشميسها كما يكون عليه نفقة العبد . وإذا أراد الراهن أن يقطعها قبل أوان قطعها أو أراد المرتهن ذلك منع كل واحد منهما ذلك حتى يجتمعا عليه ، وإذا بلغت إبانها جبر الراهن على قطعها ; لأن ذلك من صلاحها ، وكذلك لو أبى المرتهن جبر ، فإذا صارت تمرا وضعت على يدي الموضوع على يديه الرهن أو غيره فإن أبى العدل الموضوع على يديه بأن يتطوع أن يضعها في منزله إلا بكراء قيل للراهن عليك لها منزل تحرز فيه ; لأن ذلك من صلاحها فإن جئت به ، وإلا يكتري عليك منها .
ولا يجوز أن يرتهن الرجل شيئا لا يحل بيعه حين يرهنه إياه ، وإن كان يأتي عليه مدة يحل بعدها ، وهو مثل أن يرهنه جنين الأمة قبل أن يولد على أنها إذا ولدته كان رهنا ، ومثل أن يرهنه ما ولدت أمته أو ماشيته أو ما أخرجت نخله على أن يقطعه مكانه ، ولا يجوز أن يرهنه ما ليس ملكه له بتام . وذلك مثل أن يرهنه ثمرة قد بدا صلاحها لا يملكها بشراء ، ولا أصول نخلها . وذلك مثل أن يتصدق عليه وعلى قوم بصفاتهم بثمرة نخل ، وذلك أنه قد يحدث في الصدقة معه من ينقص حقه ، ولا يدري كم رهنه .
ولا يجوز أن يرهن الرجل الرجل جلود ميتة لم تدبغ ; لأن ثمنها لا يحل ما لم تدبغ ويجوز أن يرهنه إياها إذا دبغت ; لأن ثمنها بعد دباغها يحل ، ولا يرهنه إياها قبل الدباغ ، ولو رهنه إياها قبل الدباغ ثم دبغها الراهن كانت خارجة من الرهن ; لأن عقدة رهنها كان وبيعها لا يحل .
وإذا [ ص: 157 ] وهب للرجل هبة أو تصدق عليه بصدقة غير محرمة فرهنها قبل أن يقبضها ، ثم قبضها فهي خارجة من الرهن ; لأنه رهنها قبل أن يتم له ملكها فإذا أحدث فيها رهنا بعد القبض جازت ، قال : وإذا أوصى له بعبد بعينه فمات الموصي فرهنه قبل أن تدفعه إليه الورثة فإن كان يخرج من الثلث فالرهن جائز ; لأنه ليس للورثة منعه إياه إذا خرج من الثلث والقبض وغير القبض فيه سواء . وللواهب والمتصدق منعه من الصدقة ما لم يقبض .
وإذا ورث من رجل عبدا ، ولا وارث له غيره فرهنه فالرهن جائز ; لأنه مالك للعبد بالميراث ، وكذلك لو اشتراه فنقد ثمنه ثم رهنه قبل أن يقبضه . وإذا رهن الرجل مكاتبا له فعجز المكاتب قبل الحكم بفسخ الرهن فالرهن مفسوخ ; لأني إنما أنظر إلى عقد الرهن لا إلى الحكم ، وإن اشترى الرجل عبدا على أنه بالخيار ثلاثا فرهنه فالرهن جائز ، وهو قطع لخياره ، وإيجاب للبيع في العبد ، وإذا كان الخيار للبائع أو للبائع والمشتري فرهنه قبل مضي الثلاث ، وقبل اختيار البائع إنفاذ البيع ثم مضت الثلاث أو اختار المشتري إنفاذ البيع فالرهن مفسوخ ; لأنه انعقد ، وملكه على العبد غير تام .
ولو أن رجلين ورثا رجلا ثلاثة أعبد فلم يقتسماهم حتى رهن أحدهما عبدا من العبيد الثلاثة أو عبدين ، ثم قاسم شريكه واستخلص منه العبد الذي رهن أو العبدين ، كانت أنصافهما مرهونة له ; لأن ذلك الذي كان يملك منهما وأنصافهما التي ملك بعد الرهن خارجة من الرهن إلا أن يجدد فيهما رهنا ، ولو استحق صاحب وصية منهما شيئا خرج ما استحق منهما من الرهن وبقي ما لم يستحق من أنصافهما مرهونا ( قال : الربيع ) وفيه قول آخر إنه إذا رهن شيئا له بعضه ولغيره بعضه فالرهن كله مفسوخ ; لأن صفقة الرهن جمعت شيئين ما يملك ، وما لا يملك فلما جمعتهما الصفقة بطلت كلها ، وكذلك في البيع ( قال ) وهذا أشبه بجملة قول الشافعي : ولو أن رجلا له أخ هو وارثه فمات أخوه فرهن داره ، وهو لا يعلم أنه مات ثم قامت البينة بأنه كان ميتا قبل رهن الدار كان الرهن باطلا .
ولا يجوز الرهن حتى يرهنه ، وهو مالك له ويعلم الراهن أنه مالك ، وكذلك لو قال : قد وكلت بشراء هذا العبد فقد رهنتكه إن كان اشتري لي فوجد قد اشتري له لم يكن رهنا ، قال : فإن ارتهن قد علم أنه قد صار له بميراث أو شراء قبل أن يرهنه أحلف الراهن فإن حلف فسخ الرهن ، وإن نكل فحلف المرتهن على ما ادعى ثبت الرهن .
وكذلك لو رأى شخصا لا يثبته فقال إن كان هذا فلانا فقد رهنتكه لم يكن رهنا ، وإن قبضه حتى يجدد له مع القبض أو قبله أو بعده رهنا ، وهكذا إن رأى صندوقا فقال : قد كانت فيه ثياب كذا . الثياب يعرفها الراهن والمرتهن فإن كانت فيه فهي لك رهن فلا تكون رهنا ، وإن كانت فيه ، وكذلك لو كان الصندوق في يدي المرتهن وديعة وفيه ثياب فقال : قد كنت جعلت ثيابي التي كذا في هذا الصندوق فهي رهن ، وإن كانت فيه ثياب غيرها أو ثياب معها فليس برهن فكانت فيه الثياب التي قال : إنها رهن لا غيرها فليست برهن .
وهكذا لو قال : قد رهنتك ما في جرابي وأقبضه إياه والراهن لا يعرفه لم يكن رهنا ، وهكذا إن كان الراهن يعرفه والمرتهن لا يعرفه ، ولا يكون الرهن أبدا إلا ما عرفه الراهن والمرتهن وعلم الراهن أنه ملك له يحل بيعه .
ولا يجوز أن يرهنه ذكر حق له على رجل ; لأن ذكر الحق ليس بشيء يملك إنما هو شهادة على رجل بشيء في ذمته والشيء الذي في ذمته ليس بعين قائمة يجوز رهنها إنما ترهن الأعيان القائمة ثم لا يجوز حتى تكون معلومة عند الراهن والمرتهن مقبوضة . ولو أن رجلا جاءته بضاعة أو ميراث كان غائبا عنه لا يعرف قدره فقبضه له رجل بأمره أو بغير أمره ثم رهنه المالك القابض والمالك لا يعرف قدره لم يجز الرهن ، وإن قبضه المرتهن حتى يكون عالما بما رهنه علم المرتهن . والله أعلم .
الزيادة في الرهن والشرط فيه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا رهن رجل رجلا رهنا ، وقبضه المرتهن ثم أراد أن يرهن ذلك الرهن من غير المرتهن أو فضل ذلك الرهن لم يكن ذلك له ، وإن فعل لم يجز الرهن الآخر ; لأن المرتهن الأول صار يملك أن يمنع رقبته حتى تباع فيستوفي حقه ، ولو رهنه إياه بألف ثم سأل الراهن المرتهن أن يزيده ألفا ويجعل الرهن الأول رهنا بها مع الألف الأولى ففعل لم يجز الرهن الآخر ، وكان مرهونا بالألف الأولى وغير مرهون بالألف الآخرة ; لأنه كان رهنا بكماله بالألف الأولى فلم يستحق بالألف الآخرة من منع رقبته على سيده ، ولا غرمائه إلا ما استحق أولا ، ولا يشبه هذا الرجل يتكارى المنزل سنة بعشرة ثم يتكاراه السنة التي تليها بعشرين ; لأن السنة الأولى غير السنة الآخرة ، ولو انهدم بعد السنة الأولى رجع بالعشرين التي هي حظ السنة الآخرة ، وهذا رهن واحد لا يجوز الرهنان فيه إلا معا لا مفترقين ، ولا أن يرهن مرتين بشيئين مختلفين قبل أن يفسخ كما لا يجوز مرتين أن يتكارى الرجل دارا سنة بعشرة ثم يتكاراها تلك السنة بعينها بعشرين إلا أن يفسخ الكراء الأول ، ولا يبتاعها بمائة ثم يبتاعها بمائتين إلا أن يفسخ البيع الأول ويجدد بيعا فإن أراد أن يصح له الرهن الآخر مع الأول فسخ الرهن الأول وجعل الرهن بألفين .
ولو لم يفسخ الرهن وأشهد المرتهن أن هذا الرهن بيده بألفين جازت الشهادة ، وكان الرهن بألفين إذا لم يعرف كيف كان ذلك فإذا تصادقا بأن هذا رهن ثان بعد الرهن الأول لم يفسخ لما وصفت ، وكان رهنا بالألف ، وكانت الألف الأخرى بغير رهن ، ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها بعد شيئا جاز الرهن ; لأنها كانت غير واجبة عليه ، وكذلك لو زاده ألفا أخرى ورهنه بهما رهنا كان الرهن جائزا ، ولو أعطاه ألفا ورهنه بها ثم قال : له بعد الرهن اجعل لي الألف التي قبل هذا رهنا معها ففعل لم يجز إلا بما وصفت من فسخ الرهن وتجديد رهن بهما معا . ولو كانت لرجل على رجل ألف درهم بلا رهن ثم قال : له زدني ألفا على أن أرهنك بهما معا رهنا يعرفانه ففعل كان الرهن مفسوخا ; لأنه أسلفه الآخرة على زيادة رهن في الأولى ، ولو كان قال : بعني عبدا بألف على أن أعطيك بها وبالألف التي لك علي بلا رهن داري رهنا ففعل كان البيع مفسوخا ، وإذا شرط في الرهن هذا الشرط لم يجز ; لأنها زيادة في سلف أو حصة من بيع مجهولة ، ولو أن رجلا ارتهن من رجل رهنا بألف ، وقبضه ثم زاده رهنا آخر مع رهنه بتلك الألف كان الرهن الأول والآخر جائزا ; لأن الرهن الأول بكماله بالألف والرهن الآخر زيادة معه ، لم تكن للمرتهن حتى جعلها له الراهن فكان جائزا كما جاز أن يكون له حق بلا رهن ثم برهنه به شيئا فيجوز .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (130)
صــــــــــ 159 الى صـــــــــــ165
باب ما يفسد الرهن من الشرط .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى يروى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه { الرهن مركوب ومحلوب } ، وهذا لا يجوز فيه إلا أن يكون الركوب والحلب لمالكه الراهن لا للمرتهن ; لأنه إنما يملك الركوب والحلب من ملك الرقبة والرقبة غير المنفعة التي هي الركوب والحلب ، وإذا رهن الرجل الرجل عبدا أو دارا أو غير ذلك فسكنى الدار ، وإجارة العبد وخدمته للراهن ، وكذلك منافع الرهن للراهن ليس للمرتهن منها شيء فإن شرط المرتهن على الراهن أن له سكنى الدار أو خدمة العبد أو منفعة الرهن أو [ ص: 159 ] شيئا من منفعة الرهن ما كانت أو من أي الرهن كانت دارا أو حيوانا أو غيره فالشرط باطل ، وإن كان أسلفه ألفا على أن يرهنه بها رهنا وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن فالشرط باطل ; لأن ذلك زيادة في السلف ، وإن كان باعه بيعا بألف وشرط البائع للمشتري أن يرهنه بألفه رهنا وأن للمرتهن منفعة الرهن فالشرط فاسد والبيع فاسد ; لأن لزيادة منفعة الرهن حصة من الثمن غير معروفة والبيع لا يجوز إلا بما يعرف .
ألا ترى أنه لو رهنه دارا على أن للمرتهن سكناها حتى يقضيه حقه كان له أن يقضيه حقه من الغد وبعد سنين ، ولا يعرف كم ثمن السكن وحصته من البيع وحصة البيع لا تجوز إلا معروفة مع فساده من أنه بيع وإجارة ، ولو جعل ذلك معروفا فقال : أرهنك داري سنة على أن لك سكناها في تلك السنة كان البيع والرهن فاسدا من قبل أن هذا بيع ، وإجارة لا أعرف حصة الإجارة . ألا ترى أن الإجارة لو انتقضت بأن يستحق المسكن أو ينهدم فلو قلت تقوم السكنى وتقوم السلعة المبيعة بالألف فتطرح عنه حصة السكنى من الألف وأجعل الألف بيعا بهما ، ولا أجعل للمشتري خيارا دخل عليك أن شيئين ملكا بألف فاستحق أحدهما فلم تجعل للمشتري خيارا في هذا الباقي ، وهو لم يشتره إلا مع غيره . أولا ترى أنك لو قلت بل أجعل له الخيار دخل عليك أن ينقص بيع الرقبة بأن يستحق معها كراء ليس هو ملك رقبة ؟ .
ألا ترى أن المسكن إذا انهدم في أول السنة فإن قومت كراء السنة في أولها لم يعرف قيمة كراء آخرها ; لأنه قد يغلو ويرخص ؟ ، وإنما يقوم كل شيء بسوق يومه ، ولا يقوم ما لم يكن له سوق معلوم ؟ فإن قلت بل أقوم كل وقت مضى وأترك ما بقي حتى يحضر فأقومه ، قيل لك : أفتجعل مال هذا محتبسا في يد هذا إلى أجل ، وهو لم يؤجله ؟ قال : فإن شبه على أحد بأن يقول قد تجيز هذا في الكراء إذا كان منفردا فيكتري منه المنزل سنة ثم ينهدم المنزل بعد شهر فيرده عليه بما بقي ؟ .
قيل نعم ، ولكن حصة الشهر الذي أخذه معروفة ; لأنا لا نقومه إلا بعد ما يعرف بأن يمضي ، وليس معها بيع ، وهي إجارة كلها ، ولو رهن رجل رجلا رهنا على أنه ليس للمرتهن بيعه عند محل الحق إلا بكذا ، أو ليس له بيعه إلا بعد أن يبلغ كذا أو يزيد عليه أو ليس له بيعه إن كان رب الرهن غائبا أو ليس له بيعه إلا أن يأذن له فلان أو يقدم فلان ، أو ليس له بيعه إلا بما رضي الراهن أو ليس له بيعه إن هلك الراهن قبل الأجل أو ليس له بيعه بعد ما يحل الحق إلا بشهر كان هذا الرهن في هذا كله فاسدا لا يجوز ، حتى لا يكون دون بيعه حائل عند محل الحق .
( قال الشافعي ) : ولو رهنه عبدا على أن الحق إن حل والرهن مريض لم يبعه حتى يصح أو أعجف لم يبعه حتى يسمن أو ما أشبه هذا كان الرهن في هذا كله مفسوخا . ولو رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الأرض فهو داخل في الرهن أو ماشية على أن ما نتجت فهو داخل في الرهن كان الرهن المعروف بعينه من الحائط والأرض والماشية رهنا ، ولم يدخل معه ثمر الحائط ، ولا زرع الأرض ، ولا نتاج الماشية إذا كان الرهن بحق واجب قبل الرهن .
( قال : الربيع ) وفيه قول آخر إذا رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الأرض فهو داخل في الرهن فالرهن مفسوخ كله من قبل أنه رهنه ما يعرف ، وما لا يعرف ، وما يكون ، وما لا يكون ، ولا إذا كان يعرف قدر ما يكون فلما كان هكذا كان الرهن مفسوخا .
( قال الربيع ) : الفسخ أولى به ( قال الشافعي ) : وهذا كرجل رهن دارا على أن يزيده معها دارا مثلها أو عبدا قيمته كذا غير أن البيع إن وقع على شرط هذا الرهن فسخ الرهن ، وكان للبائع الخيار ; لأنه لم يتم له ما اشترط ، ولو رهنه ماشية على أن لربها لبنها ونتاجها أو حائطا على أن لربه ثمره أو عبدا على أن لسيده خراجه أو دارا على أن لمالكها كراءها كان الرهن جائزا ; لأن هذا لسيده ، وإن لم يشترطه .
( قال الشافعي ) : كل شرط [ ص: 160 ] اشترطه المشتري على البائع هو للمشتري لو لم يشترطه كان الشرط جائزا كهذا الشرط وذلك أنه له لو لم يشترطه .
جماع ما يجوز أن يكون مرهونا ، وما لا يجوز .
( قال الشافعي ) : رحمه الله الرهن المقبوض ممن يجوز رهنه ، ومن يجوز ارتهانه ؟ ثلاث أصناف صحيح وآخر معلول وآخر فاسد . فأما الصحيح منه : فكل ما كان ملكه تاما لراهنه ، ولم يكن الرهن جنى في عنق نفسه جناية ويكون المجني عليه أحق برقبته من مالكه حتى يستوفي ، ولم يكن الملك أوجب فيه حقا لغير مالكه من رهن ، ولا إجارة ، ولا بيع ، ولا كتابة ، ولا جارية أولدها أو دبرها ، ولا حقا لغيره يكون أحق به من سيده حتى تنقضي تلك المدة ، فإذا رهن المالك هذا رجلا ، وقبضه المرتهن فهذا الرهن الصحيح الذي لا علة فيه .
وأما المعلول : فالرجل يملك العبد أو الأمة أو الدار فيجني العبد أو الأمة على آدمي جناية عمدا أو خطأ أو يجنيان على مال آدمي فلا يقوم المجني عليه ، ولا ولي الجناية عليهما حتى يرهنهما مالكيهما ويقبضها المرتهن فإذا ثبتت البينة على الجناية قبل الرهن أو أقر بها الراهن والمرتهن فالرهن باطل مفسوخ ، وكذلك لو أبطل رب الجناية الجناية عن العبد أو الأمة أو صالحه سيدهما منهما على شيء كان الرهن مفسوخا ; لأن ولي الجناية كان أولى بحق في رقابهما من مالكهما حتى يستوفي حقه في رقابهما أرش جنايته أو قيمة ماله فإذا كان أولى بثمن رقابهما من مالكهما حتى يستوفي حقه في رقابهما لم يجز لمالكهما رهنهما .
ولو كانت الجناية تسوى دينارا ، وهما يسويان ألوفا لم يكن ما فضل منهما رهنا ، وهذا أكثر من أن يكون مالكهما رهنهما بشيء ثم رهنهما بعد الرهن بغيره فلا يجوز الرهن الثاني ; لأنه يحول دون بيعهما ، وإدخال حق على حق صاحبهما المرتهن الأول الذي هو أحق به من مالكهما . وسواء ارتهنهما المرتهن بعد علمه بالجناية أو قبل علمه بها ، أو قال : أرتهن منك ما يفضل عن الجناية ، أو لم يقله فلا يجوز الرهن ، وفي رقابهما جناية بحال ، وكذلك لا يجوز ارتهانهما وفي رقابهما رهن بحال ، ولا فضل من رهن بحال .
ولو رهن رجل رجلا عبدا أو دارا بمائة فقضاه إياها إلا درهما ثم رهنها غيره لم تكن رهنا للآخر ; لأن الدار والعبد قد ينقص ، ولا يدري كم انتقاصه يقل أو يكثر ، ولو رهن رجل رجلا عبدا أو أمة فقبضهما المرتهن ثم أقر الراهن أنهما جنيا قبل الرهن جناية وادعى ذلك ولي الجناية ففيها قولان ، أحدهما أن القول للراهن ; لأنه يقر بحق في عنق عبده ، ولا تبرأ ذمته من دين المرتهن وقيل يحلف المرتهن ما علم الجناية قبل رهنه فإذا حلف وأنكر المرتهن أو لم يقر بالجناية قبل رهنه كان القول في إقرار الراهن بأن عبده جنى قبل أن يرهنه واحدا من قولين . أحدهما : أن العبد رهن ، ولا يؤخذ من ماله شيء ، وإن كان موسرا ; لأنه إنما أقر في شيء واحد بحقين لرجلين أحدهما من قبل الجناية والآخر من قبل الرهن ، وإذا فك من الرهن ، وهو له فالجناية في رقبته بإقرار سيده إن كانت خطأ أو عمدا لا قصاص فيها ، وإن كانت عمدا فيها قصاص لم يقبل قوله على العبد إذا لم يقر بها .
والقول الثاني : إنه إن كان موسرا أخذ من السيد الأقل من قيمة العبد أو الجناية فدفع إلى المجني عليه ; لأنه يقر بأن في عنق عبده حقا أتلفه على المجني عليه برهنه إياه ، وكان كمن أعتق عبده ، وقد جنى ، وهو موسر وقيل يضمن الأقل من قيمته أو الجناية ، وهو رهن بحاله ، ولا يجوز أن يخرج من الرهن ، وهو غير مصدق على المرتهن ، وإنما أتلف على المجني عليه لا على [ ص: 161 ] المرتهن ، وإن كان معسرا فهو رهن بحاله ، ومتى خرج من الرهن ، وهو في ملكه فالجناية في عنقه ، وإن خرج من الرهن ببيع ففي ذمة سيده الأقل من قيمته أو الجناية .
ولو شهد شاهد على جنايتهما قبل الرهن والرهن عبدان حلف ولي المجني عليه مع شاهده ، وكانت الجناية أولى بهما من الرهن حتى يستوفي المجني عليه جنايته ثم يكون ما فضل من ثمنهما رهنا مكانهما ، ولو أراد الراهن أن يحلف لقد جنيا لم يكن ذلك له ; لأن الحق بالجناية في رقابهما لغيره ، ولا يحلف على حق غيره ، ولو رهن رجل رجلا عبدا فلم يقبضه حتى أقر بعتقه أو بجناية لرجل أو برهن فيه قبل الرهن فإقراره جائز ; لأن العبد لم يكن مرهونا تام الرهن إنما يتم الرهن فيه إذا قبض . ولو رهنه ، وقبضه المرتهن ثم أقر الراهن بأنه أعتقه كان أكثر من إقراره بأنه جنى جناية فإن كان موسرا أخذت منه قيمته فجعلت رهنا ، وإن كان معسرا وأنكر المرتهن بيع له منه بقدر حقه ، فإن فضل فضل عتق الفضل منه ، وإن برئ العبد من الرهن في ملك المقر بالعتق عتق ، وإن بيع فملكه سيده بأي وجه ملكه عتق عليه ; لأنه مقر أنه حر .
ولو رهنه جارية ، وقبضها ثم أقر بوطئها قبل الرهن فإن لم تأت بولد فهي رهن بحالها ، وكذلك لو قامت بينة على وطئه إياها قبل الرهن لم تخرج من الرهن حتى تأتي بولد فإذا جاءت بولد ، وقد قامت بينة على إقراره بوطئه إياها قبل الرهن خرجت من الرهن ، وإن أقر بوطئها قبل الرهن وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم كان الرهن فهو ابنه ، وهي خارجة من الرهن .
( قال الربيع ) : قال أبو يعقوب البويطي ، وكذلك عندي إن جاءت بولد لأكثر ما تلد له النساء وذلك لأربع سنين ألحق به الولد ، وإن كان إقراره بالوطء قبل الرهن قال الربيع : وهو قولي أيضا .
( قال الشافعي ) : وإن جاءت بولد لستة أشهر من يوم كان الرهن أو أكثر فأقر الراهن بالوطء كان كإقرار سيدها بعتقها أو أضعف ، وهي رهن بحالها ، ولا تباع حتى تلد وولدها ولد حر بإقراره ، ومتى ملكها فهي أم ولد له ، ولو لم يقر المرتهن في جميع المسائل ، ولم ينكر قيل إن أنكرت وحلفت جعلنا الرهن رهنك ، وإن لم تحلف أحلفنا الراهن ، لكان ما قال : قبل رهنك وأخرجنا الرهن من الرهن بالعتق والجارية بأنها أم ولد له ، وكذلك إن أقر فيها بجناية فلم يحلف المرتهن على علمه كان المجني عليه أولى بها منه إذا حلف المجني عليه أو وليه ، ولو اشترى أمة فرهنها وقبضت ثم قال : هو أو البائع : إنك اشتريتها مني على شرط فذكر أنه كان الشراء على ذلك الشرط فاسدا كان فيها قولان . أحدهما : أن الرهن مفسوخ ; لأنه لا يرهن إلا ما يملك ، وهو لم يملك ما رهن ، وهكذا لو رهنها ثم أقر أنه غصبها من رجل أو باعه إياها قبل الرهن وعلى الراهن اليمين بما ذكر للمرتهن ، وليس على المقر له يمين .
والقول الثاني : أن الرهن جائز بحاله ، ولا يصدق على إفساد الرهن . وفيما أقر به قولان . أحدهما : أن يغرم للذي أقر له بأنه غصبها منه قيمتها فإن رجعت إليه دفعت إلى الذي أقر له بها إن شاء ويرد القيمة ، وكانت إذا رجعت إليه بيعا للذي أقر أنه باعها إياه ، ومردودة على الذي أقر أنه اشتراها منه شراء فاسدا قال الربيع ، وهذا أصح القولين ( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا عبدا أو أمة قد ارتدا عن الإسلام وأقبضهما المرتهن كان الرهن فيهما صحيحا ويستتابان فإن تابا ، وإلا قتلا على الردة ، وهكذا لو كانا قطعا الطريق قتلا إن قتلا ، وهكذا لو كانا سرقا قطعا ، وهكذا لو كان عليهما حد أقيم ، وهما على الرهن ، في هذا كله لا يختلفان سقط عنهما الحد أو عطل بحال ; لأن هذا حق لله - تعالى - عليهما ليس بحق لآدمي في رقابهم ، وهكذا لو أتيا شيئا مما ذكرت بعد الرهن لم يخرجا من الرهن بحال ، ولو رهنهما ، وقد جنيا جناية كان صاحب الجناية أولى بهما من السيد الراهن فإن أعفاهما أو فداهما سيدهما أو كانت الجناية قليلة فبيع فيها أحدهما فليس برهن من قبل أن صاحب الجناية كان أحق بهما من المرتهن حين كان الرهن ، ولو كانا رهنا ، وقبضا ثم جنيا بعد الرهن ثم برئا من الجناية بعفو من المجني [ ص: 162 ] عليه أو وليه أو صلح أو أي وجه برئا من البيع فيهما كانا على الرهن بحالهما ; لأن أصل الرهن كان صحيحا وأن الحق في رقابهما قد سقط عنهما .
ولو أن رجلا دبر عبده ثم رهنه كان الرهن مفسوخا ; لأنه قد أثبت للعبد عتقا قد يقع بحال قبل حلول الرهن فلا يسقط العتق والرهن غير جائز فإن قال : قد رجعت في التدبير أو أبطلت التدبير ثم رهنه ففيها قولان . أحدهما : أن يكون الرهن جائزا ، وكذلك لو قال : بعد الرهن قد رجعت في التدبير قبل أن أرهنه كان الرهن جائزا ، ولو قال : بعد الرهن قد رجعت في التدبير وأثبت الرهن لم يثبت إلا بأن يجدد رهنا بعد الرجوع في التدبير .
والقول الثاني : أن الرهن غير جائز ، وليس له أن يرجع في التدبير إلا بأن يخرج العبد من ملكه ببيع أو غيره فيبطل التدبير ، وإن ملكه ثانية فرهنه ، جاز رهنه ; لأنه ملكه بغير الملك الأول ويكون هذا كعتق إلى غاية لا يبطل إلا بأن يخرج العبد من ملكه قبل أن يقع ، وهكذا المعتق إلى وقت من الأوقات . ولو قال : إن دخلت الدار فأنت حر ثم رهنه كان هكذا ، ولو كان رهنه عبدا ثم دبره بعد الرهن كان التدبير موقوفا حتى يحل الحق ثم يقال إن أردت إثبات التدبير فاقض الرجل حقه أو أعطه قيمة العبد المدبر قضاء من حقه ، وإن لم ترده فارجع في التدبير بأن تبيعه فإن أثبت الرجوع في التدبير بعد محل الحق أخذنا منك قيمته فدفعناها إليه فإن لم نجدها بيع العبد المدبر حتى يقضي الرجل حقه ، وإنما يمنعني أن آخذ القيمة منه قبل محل الحق أن الحق كان إلى أجل لو كان العبد سالما من التدبير لم يكن للمرتهن بيعه ، ولم يكن التدبير عتقا واقعا ساعته تلك ، وكان يمكن أن يبطل فتركت أخذ القيمة منه حتى يحل الحق فيكون الحكم حينئذ .
ولو رهن رجل عبده ثم دبره ثم مات الراهن المدبر فإن كان له وفاء يقضي صاحب الحق حقه منه عتق المدبر من الثلث ، وإن لم يكن له ما يقضي حقه منه ، ولم يدع مالا إلا المدبر بيع من المدبر بقدر الحق فإن فضل منه فضل عتق ثلث ما بقي من المدبر بعد قضاء صاحب الحق حقه ، وإن كان له ما يقضي صاحب الحق بعض حقه قضيته وبيع له من العبد الرهن المدبر بقدر ما يبقى من دينه وعتق ما يبقى منه في الثلث .
( قال الشافعي ) : ولو رهن رجل رجلا عبدا له قد أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان الرهن مفسوخا للعتق الذي فيه ، وهذا في حال المدبر أو أكثر حالا منه لا يجوز الرهن فيه بحال ، ولو رهنه ثم أعتقه إلى سنة أو أكثر من سنة كان القول فيه كالقول في العبد يرهنه ثم يدبره ، وإذا رهنه عبدا اشتراه شراء فاسدا فالرهن باطل ; لأنه لم يملك ما رهنه ، ولو لم يرفع الراهن الحكم إلى الحاكم حتى يملك العبد بعد فأراد إقراره على الرهن الأول لم يكن ذلك لهما حتى يجددا فيه رهنا مستقبلا بعد الملك الصحيح ، ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا لرجل غائب حي أو لرجل ميت ، وقبضه المرتهن ثم علم بعد ذلك أن الميت أوصى به للراهن فالرهن مفسوخ ; لأنه رهنه ، ولا يملكه ، ولو قبله الراهن كان الرهن مفسوخا لا يجوز حتى يرهنه ، وهو يملكه ، ولو لم تقم بينة وادعى المرتهن أن الراهن رهنه إياه ، وهو يملكه كان رهنا وعلى المرتهن اليمين ما رهنه منه إلا وهو يملكه فإن نكل عن اليمين حلف الراهن ما رهنه ، وهو يملكه ثم كان الرهن مفسوخا . ولو رهن رجل رجلا عصيرا حلوا كان الرهن جائزا ما بقي عصيرا بحاله فإن حال إلى أن يكون خلا أو مزا أو شيئا لا يسكر كثيره فالرهن بحاله ، وهذا كعبد رهنه ثم دخله عيب أو رهنه معيبا فذهب عنه العيب أو مريضا فصح فالرهن بحاله لا يتغير بتغير حاله ; لأن بدن الرهن بعينه ، وإن حال إلى أن يصير مسكرا لا يحل بيعه فالرهن مفسوخ ; لأنه حال إلى أن يصير حراما لا يصح بيعه كهو لو رهنه عبدا فمات العبد .
ولو رهنه عصيرا فصب فيه الراهن خلا أو ملحا أو ماء فصار خلا كان رهنا بحاله ، ولو صار خمرا ثم صب فيه الراهن خلا أو ملحا أو ماء فصار خلا خرج من الرهن حين صار خمرا ، ولم يحل لمالكه ، ولا تحل الخمر عندي والله - تعالى - أعلم [ ص: 163 ] أبدا إذا فسدت بعمل آدمي فإن صار العصير خمرا ثم صار خلا من غير صنعة آدمي فهو رهن بحاله ، ولا أحسبه يعود خمرا ثم يعود خلا بغير صنعة آدمي إلا بأن يكون في الأصل خلا فلا ينظر إلى تصرفه فيما بين أن كان عصيرا إلى أن كان خلا ويكون انقلابه عن الحلاوة والحموضة منزلة انقلب عنها كما انقلب عن الحلاوة الأولى إلى غيرها ثم يكون حكمه حكم مصيره إذا كان بغير صنعة آدمي . ولو تبايعا الراهن والمرتهن على أن يرهنه عصيرا بعينه فرهنه إياه ، وقبضه ثم صار في يديه خمرا خرج من أن يكون رهنا ، ولم يكن للبائع أن يفسخ البيع لفساد الرهن كما لو رهنه عبدا فمات لم يكن له أن يفسخه بموت العبد .
ولو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إياه ، فإذا هو من ساعته خمر كان له الخيار ; لأنه لم يتم له الرهن . ولو اختلفا في العصير فقال الراهن رهنتكه عصيرا ثم عاد في يديك خمرا ، وقال : المرتهن بل رهنتنيه خمرا ففيها قولان . أحدهما : أن القول قول الراهن ; لأن هذا يحدث كما لو باعه عبدا فوجد به عيبا يحدث مثله فقال المشتري : بعتنيه وبه العيب ، وقال البائع : حدث عندك كان القول قوله مع يمينه ، ومن قال هذا القول قال : يهراق الخمر ، ولا رهن له والبيع لازم .
والقول الثاني : أن القول قول المرتهن ; لأنه لم يقر له أنه قبض منه شيئا يحل ارتهانه بحال ; لأن الخمر محرم بكل حال ، وليس هذا كالعيب الذي يحل ملك العبد ، وهو به والمرتهن بالخيار في أن يكون حقه ثابتا بلا رهن أو يفسخ البيع ، وإذا رهن الرجل الرجل الرهن على أن ينتفع المرتهن بالرهن إن كانت دارا سكنها أو دابة ركبها فالشرط في الرهن باطل ، ولو كان اشترى منه على هذا فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إقراره بالرهن ، ولا شرط له فيه ، ولا يفسد هذا الرهن إن شاء المرتهن ; لأنه شرط زيادة مع الرهن بطلت لا الرهن .
( قال الربيع ) : وفيها قول آخر : إن البيع إذا كان على هذا الشرط فالبيع منتقض بكل حال ، وهو أصحهما . ( قال الشافعي ) : ولا بأس أن يرهن الرجل الرجل الأمة ، ولها ولد صغير ; لأن هذا ليس بتفرقة منه .
الرهن الفاسد ( قال الشافعي ) : رحمه الله والرهن الفاسد أن يرتهن الرجل من الرجل مكاتبه قبل أن يعجز ، ولو عجز لم يكن على الرهن حتى يجدد له رهنا يقبضه بعد عجزه ، ولو ارتهن منه أم ولده كان الرهن فاسدا في قول من لا يبيع أم الولد أو يرتهن من الرجل ما لا يحل له بيعه مثل الخمر والميتة والخنزير أو يرتهن منه ما لا يملك فيقول أرهنك هذه الدار التي أنا فيها ساكن ويقبضه إياها ، أو هذا العبد الذي هو في يدي عارية أو بإجارة ويقبضه إياه على أني اشتريته ثم يشتريه فلا يكون رهنا ، ولا يكون شيء رهنا حتى ينعقد الرهن والقبض فيه والراهن مالك لا يجوز بيعه قبل الرهن وبيعه معه ، ولو عقد الرهن ، وهو لا يجوز له رهنه ثم أقبضه إياه ، وهو يجوز رهنه لم يكن رهنا حتى يجتمع الأمران معا ، وذلك مثل أن يرهنه الدار ، وهي رهن ثم ينفسخ الرهن فيها فيقبضه إياها ، وهي خارجة من الرهن الأول فلا يجوز الرهن فيها حتى يحدث له رهنا يقبضها به ، وهي خارجة من أن تكون رهنا لرجل أو ملكا لغير الراهن ، ولا يجوز أن يرهن رجل رجلا ذكر حق له على رجل ، قبل ذلك الذي عليه ، ذكر الحق أو لم يقبله ; لأن إذكار الحقوق ليست بعين قائمة للراهن فيرهنها المرتهن ، وإنما هي شهادة بحق في ذمة الذي عليه الحق فالشهادة ليست ملكا والذمة بعينها ليست ملكا فلا يجوز والله - تعالى - أعلم أن يجوز الرهن فيها في قول من أجاز بيع الدين [ ص: 164 ] ومن لم يجزه .
أرأيت إن قضى الذي عليه ذكر الحق المرهون صاحب الحق حقه أما يبرأ من الدين ؟ فإذا برئ منه انفسخ المرتهن للدين بغير فسخه له ، ولا اقتضائه لحقه ، ولا إبرائه منه ، ولا يجوز أن يكون رهن إلى الراهن فسخه بغير أمر المرتهن فإن قيل فيتحول رهنه فيما اقتضى منه قيل فهو إذا رهنه مرة كتابا ، ومالا والرهن لا يجوز إلا معلوما ، وهو إذا كان له مال غائب فقال : أرهنك مالي الغائب لم يجز حتى يقبض والمال كان غير مقبوض حين رهنه إياه ، وهو فاسد من جميع جهاته . ولو ارتهن رجل من رجل عبدا ، وقبضه ثم إن المرتهن رهن رجلا أجنبيا العبد الذي ارتهن أو قال : حقي في العبد الذي ارتهنت لك رهن ، وأقبضه إياه لم يجز الرهن فيه ; لأنه لا يملك العبد الذي ارتهن ، وإنما له شيء في ذمة مالكه جعل هذا الرهن وثيقة منه إذا أداه المالك انفسخ من عنق هذا . أو رأيت إن أدى الراهن الأول الحق أو أبرأه منه المرتهن أما ينفسخ الرهن ؟ .
( قال ) فإن قال قائل فيكون الحق الذي كان فيه رهنا إذا قبضه مكانه ، قيل فهذا إذا مع أنه رهن عبدا لا يملكه رهن مرة في عبد وأخرى في دنانير بلا رضا المرتهن الآخر . أرأيت لو رهن رجل رجلا عبدا لنفسه ثم أراد أن يعطي المرتهن مكان العبد خيرا منه وأكثر ثمنا أكان ذلك له ؟ فإن قال : ليس هذا له فإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يرهن عبدا لغيره ، وإن كان رهنا له ; لأنه إذا اقتضاه ما فيه خرج من الرهن ، وإن لم يقبض ارتهنه ما له فيه . وإن قال : رجل لرجل قد رهنتك أول عبد لي يطلع علي أو على عبد وجدته في داري فطلع عليه عبد له أو وجد عبدا في دار فأقبضه إياه فالرهن مفسوخ لا يجوز الرهن حتى ينعقد على شيء بعينه ، وكذلك ما خرج من صدفي من اللؤلؤ ، وكذلك ما خرج من حائطي من الثمر ، وهو لا ثمر فيه ، فالرهن في هذا كله مفسوخ حتى يجدد له رهنا بعدما يكون عينا تقبض .
ولو قال : رهنتك أي دوري شئت أو أي عبيدي شئت فشاء بعضهم وأقبضه إياها لم يكن رهنا بالقول الأول حتى يجدد فيه رهنا ، ولو رهن رجل رجلا سكنى دار له معروفة وأقبضه إياها لم يكن رهنا ; لأن السكنى ليست بعين قائمة محتبسة وأنه لو حبس المسكن لم يكن فيه منفعة للحابس ، وكان فيه ضرر على الرهن . ولو قال : رهنتك سكنى منزلي يعني يكريه ويأخذ كراءه كان إنما رهنه شيئا لا يعرفه يقل ويكثر ويكون ، ولا يكون ، ولو قال : أرهنك سكنى منزلي يعني يسكنه لم يكن هذا كراء جائزا ، ولا رهنا ; لأن الرهن ما لم ينتفع المرتهن منه إلا بثمنه فإن سكن على هذا الشرط فعليه كراء مثل السكنى الذي سكن .
ولو كان لرجل عبد فرهنه من رجل ثم قال : لرجل آخر قد رهنتك من عبدي الذي رهنت فلانا ما فضل عن حقه ورضي بذلك المرتهن الأول وسلم العبد فقبضه المرتهن الآخر أو لم يرض ، وقد قبض المرتهن الآخر الرهن أو لم يقبضه فالرهن منتقض ; لأنه لم يرهنه ثلثا ، ولا ربعا ، ولا جزءا معلوما من عبد ، وإنما رهنه ما لا يدري كم هو من العبد ، ولا كم هو من الثمن ، ولا يجوز الرهن على هذا ، وهو رهن للمرتهن الأول ، ولو رهن رجل رجلا عبدا بمائة ثم زاده مائة ، وقال : اجعل لي الفضل عن المائة الأولى رهنا بالمائة الآخرة ففعل كان العبد مرهونا بالمائة الأولى ، ولا يكون مرهونا بالمائة الأخرى ، وهي كالمسألة قبلها ، ولو أقر الراهن أن العبد ارتهن بالمائتين معا في صفقة واحدة وادعى ذلك المرتهن أو أن هذين الرجلين ارتهنا العبد معا بحقيهما وسمياه وادعيا ذلك معا أجزت ذلك فإذا أقر بأنه رهنه رهنا بعد رهن لم يقبل ، ولم يجز الرهن قال : ولو كانت لرجل على رجل مائة فرهنه بها دارا ثم سأله أن يزيده رهنا فزاده رهنا غير الدار وأقبضه إياه فالرهن جائز ، وهذا كرجل كان له على رجل حتى بلا رهن ثم رهنه به رهنا وأقبضه إياه فالرهن جائز ، وهو خلاف المسألتين قبلها .
ولو أن رجلا رهن رجلا دارا بألف فأقر المرتهن لرجل غيره أن هذا الدار رهن بينه وبينه بألفين هذه الألف وألف سواها فأقر الراهن بألف لهذا المدعي الرهن المقر له المرتهن بلا رهن [ ص: 165 ] وأنكر الراهن فالقول قول رب الرهن ، والألف التي لم يقر فيها بالرهن عليه بلا رهن في هذا الرهن والأولى بالرهن الذي أقر به ، ولو كان المرتهن أقر أن هذه الدار بينه وبين رجل ونسب ذلك إلى أن الألف التي باسمه بينه وبين الذي أقر له لزمه إقراره ، وكانت الألف بينهما نصفين ، وهو كرجل له على رجل حق فأقر أن ذلك الحق لرجل غيره فذلك الحق لرجل غيره على ما أقر به .
ولو دفع رجل إلى رجل حقا فقال قد رهنتكه بما فيه ، وقبضه المرتهن ورضي كان الرهن بما فيه إن كان فيه شيء منفسخا من قبل أن المرتهن لا يدري ما فيه أرأيت لو لم يكن فيه شيء أو كان فيه شيء لا قيمة له فقال المرتهن : قبلته وأنا أرى أن فيه شيئا ذا ثمن ألم يكن ارتهن ما لم يعلم والرهن لا يجوز إلا معلوما ، وكذلك جراب بما فيه وخريطة بما فيها وبيت بما فيه من المتاع ، ولو رهنه في هذا كله الحق دون ما فيه أو قال الحق ، ولم يسم شيئا كان الحق رهنا ، وكذلك البيت دون ما فيه ، وكذلك كل ما سمي دون ما فيه ، وكان المرتهن بالخيار في فسخ الرهن والبيع إن كان عليه أو ارتهان الحق دون ما فيه ، وهذا في أحد القولين .
والقول الثاني : أن البيع إن كان عليه مفسوخ بكل حال فأما الخريطة فلا يجوز الرهن فيها إلا بأن يقول دون ما فيها ; لأن الظاهر من الحق والبيت أن لهما قيمة والظاهر من الخريطة أن لا قيمة لها ، وإنما يراد بالرهن ما فيها قال : ولو رهن رجل من رجل نخلا مثمرا ، ولم يسم الثمر فالثمر خارج من الرهن كان طلعا أو بسرا أو كيف كان فإن كان قد خرج طلعا كان أو غيره فاشترطه المرتهن مع النخل فهو جائز ، وهو رهن مع النخل ; لأنه عين ترى ، وكذلك لو ارتهن الثمر بعدما خرج ورئي جاز الرهن ، وله تركه في نخله حتى يبلغ وعلى الراهن سقيه والقيام بما لا بد له منه مما لا يثبت إلا به ويصلح في شجره إلا به كما يكون عليه نفقة عبده إذا رهنه ، ولو رهن رجل رجلا نخلا لا ثمرة فيها على أن ما خرج من ثمرها رهن أو ماشية لا نتاج معها على أن ما نتجت رهن كان الرهن في الثمرة والنتاج فاسدا ; لأنه ارتهن شيئا معلوما وشيئا مجهولا .
ومن أجاز هذا في الثمرة لزمه - والله أعلم - أن يجيز أن يرهن الرجل الرجل ما أخرجت نخله العام ، وما نتجت ماشيته العام ، ولزمه أن يقول : أرهنك ما حدث لي من نخل أو ماشية أو ثمرة نخل أو أولاد ماشية وكل هذا لا يجوز فإن ارتهنه على هذا فالرهن فاسد ، وإن أخذ من الثمرة شيئا فهو مضمون عليه حتى يرد مثله ، وكذلك ولد الماشية أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ولا يفسد الرهن في النخل والماشية التي هي بأعيانها بفساد ما شرط معها في قول من أجاز أن يرهنه عبدين فيجد أحدهما حرا أو عبدا أو زق خمر فيجيز الجائز ويرد المردود معه .
وفيها قول آخر : إن الرهن كله يفسد في هذا كما يفسد في البيوع لا يختلف فإذا جمعت صفقة الرهن شيئين أحدهما جائز والآخر غير جائز فسدا معا وبه أخذ الربيع ، وقال : هو أصح القولين .
( قال الشافعي ) : وإذا رهن الرجل رجلا كلبا لم يجز ; لأنه لا ثمن له ، وكذلك كل ما لا يحل بيعه لا يجوز رهنه ، ولو رهنه جلود ميتة لم تدبغ لم يجز الرهن ، ولو دبغت بعد لم يجز فإن رهنه إياها بعدما دبغت جاز الرهن ; لأن بيعها في تلك الحال يحل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (131)
صــــــــــ 166 الى صـــــــــــ172
ولو ورث رجل مع ورثة غيب دارا فرهن حقه فيها لم يجز حتى يسميه نصفا أو ثلثا أو سهما من أسهم فإذا سمى ذلك ، وقبضه المرتهن جاز . وإذا رهن الرجل الرجل شيئا على أنه إن لم يأت بالحق عند محله فالرهن بيع للمرتهن فالرهن مفسوخ والمرتهن فيه أسوة الغرماء ، ولا يكون بيعا له بما قال : لأن هذا لا رهن ، ولا بيع كما يجوز الرهن أو البيع ، ولو هلك في يدي المرتهن قبل محل الأجل لم يضمنه المرتهن ، وكان حقه بحاله كما لا يضمن الرهن الصحيح ، ولا الفاسد ، وإن هلك بعد محل الأجل في يديه ضمنه بقيمته ، وكانت قيمته حصصا بين أهل الحق ; لأنه في يديه ببيع فاسد ، ولو كان هذا الرهن الذي فيه هذا الشرط أرضا فبنى فيها قبل محل الحق قلع بناءه منها ; لأنه بنى قبل أن يجعله بيعا فكان بانيا قبل أن يؤذن له بالبناء [ ص: 166 ] فلذلك قلعه ، ولو بناها بعد محل الحق فالبقعة لراهنها والعمارة للذي عمر متى أعطى صاحب البقعة قيمة العمارة قائمة أخرجه منها ، وليس له أن يخرجه بغير قيمة العمارة ; لأن بناءه كان بإذنه على البيع الفاسد ، ولا يخرج من بنائه بإذن رب البقعة إلا بقيمته قائما ، وإذا دفع الرجل إلى الرجل المتاع ثم قال : كل ما اشتريت منك أو اشترى منك فلان في يومين أو سنتين أو أكثر أو على الأبد فهذا المتاع مرهون به فالرهن مفسوخ ، ولا يجوز الرهن حتى يكون معلوما بحق معلوم ، وكذلك لو دفعه إليه رهنا بعشرة عن نفسه أو غيره ثم قال : كل ما كان لك علي من حق فهذا المتاع مرهون به مع العشرة أو كل ما صار لك علي من حق فهذا مرهون لك به كان رهنا بالعشرة المعلومة التي قبض عليها ، ولم يكن مرهونا بما صار له عليه وعلى فلان ; لأنه كان غير معلوم حين دفع الرهن به فإن هلك المتاع في يدي المدفوع في يديه قبل أن يشتري منه شيئا أو يكون له على فلان شيء أو بعد فهو غير مضمون عليه كما لا يضمن الرهن الصحيح ، ولا الفاسد إذا هلك ، ولو أنه دفع إليه دارا رهنها بألف ثم ازداد منه ألفا فجعل الدار رهنا بألفين كانت الدار رهنا بالألف الأولى ، ولم تكن رهنا بالألف الآخرة ، وإن كان عليه دين بيعت الدار فبدي المرتهن بالألف الأولى من ثمن الدار وحاص الغرماء بالألف الآخرة في ثمن الدار وفي مال إن كان للغريم سواها فإذا أراد أن يصح له أن تكون الدار رهنا بألفين فسخ الرهن الأول ثم استأنف أن تكون مرهونة بألفين ، ولو رهنه إياها بألف ثم تقارا على أنها رهن بألفين ألزمتهما إقرارهما ; لأن الرهن الأول مفسوخ وتجدد فيها رهن صحيح بألفين .
وإذا كان الإقرار ألزمته صاحبه قال : وإذا رهن الرجل الرجل ما يفسد من يومه أو غده أو بعد يومين أو ثلاثة أو مدة قصيرة ، ولا ينتفع به يابسا مثل البقل والبطيخ والقثاء والموز ، وما أشبهه فإن كان الحق حالا فلا بأس بارتهانه ويباع على الراهن ، وإن كان الرهن إلى أجل يتباقى إليه فلا يفسد فلا بأس ، وإن كان إلى أجل يفسد إليه الرهن كرهته ، ولم أفسخه ، وإنما منعني من فسخه أن للراهن بيعه قبل محل الحق على أن يعطي صاحب الحق حقه بلا شرط ، وإن الراهن قد يموت من ساعته فيباع فإن تشارطا في الرهن أن لا يبيعه إلى أن يحل الحق أو أن الراهن إن مات لم يبعه إلى يوم كذا ، وهو يفسد إلى تلك المدة فالرهن مفسوخ .
ولو رهنه ما يصلح بعد مدة مثل اللحم الرطب ييبس والرطب ييبس ، وما أشبهه كان الرهن جائزا لا أكرهه بحال ، ولم يكن للمرتهن تيبيسه حتى يأذن بذلك الراهن فإن سأل المرتهن في المسائل كلها بيع الرهن خوف فساده إذا لم يأذن للمرتهن بتيبيس ما يصلح للتيبيس منه لم يكن ذلك له إلا أن يأذن الراهن ، وكذلك كرهت رهنه ، وإن لم أفسخه .
زيادة الرهن .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا رهن الرجل الرجل الجارية حبلى فولدت أو غير حبلى فحبلت وولدت فالولد خارج من الرهن ; لأن الرهن في رقبة الجارية دون ما يحدث منها ، وهكذا إذا رهنه الماشية مخاضا فنتجت أو غير مخاض فمخضت ونتجت فالنتاج خارج من الرهن ، وكذلك لو رهنه شاة فيها لبن فاللبن خارج من الرهن ; لأن اللبن غير الشاة ( قال الربيع ) : وقد قيل اللبن إذا كان فيها حين رهنها فهو [ ص: 167 ] رهن معها كما يكون إذا باعها كان اللبن لمشتريها ، وكذلك نتاج الماشية إذا كانت مخاضا وولد الجارية إذا كانت حبلى يوم يرهنها فما حدث بعد ذلك من اللبن فليس برهن ( قال الشافعي ) : ولو رهنه جارية عليها حلي كان الحلي خارجا من الرهن . وهكذا لو رهنه نخلا أو شجرا فأثمرت كانت الثمرة خارجة من الرهن ; لأنها غير الشجرة . قال : وأصل معرفة هذا أن للمرتهن حقا في رقبة الرهن دون غيره ، وما يحدث منه مما قد يتميز منه غيره .
وهكذا لو رهنه عبدا فاكتسب العبد كان الكسب خارجا من الرهن ; لأنه غير العبد ، والولاد والنتاج واللبن ، وكسب الرهن كله للراهن ليس للمرتهن أن يحبس شيئا عنه . وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فدفعه إليه فهو على يديه رهن ، ولا يمنع سيده من أن يؤجره ممن شاء فإن شاء المرتهن أن يحضر إجارته حضرها ، وإن أراد سيده أن يخدمه خلى بينه وبينه فإذا كان الليل أوى إلى الذي هو على يديه ، وإن أراد سيده إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه إلا بإذن المرتهن ، وهكذا إن أراد المرتهن إخراجه من البلد لم يكن له إخراجه منه ، وإذا مرض العبد أخذ الراهن بنفقته ، وإذا مات أخذ بكفنه ; لأنه مالكه دون المرتهن .
وأكره رهن الأمة إلا أن توضع على يدي امرأة ثقة لئلا يغب عليها رجل غير مالكها ، ولا أفسخ رهنها إن رهنها فإن كان للرجل الموضوعة على يديه أهل أقررتها عندهم ، وإن لم يكن عنده نساء وسأل الراهن أن لا يخلو الذي هي على يديه بها أقررتها رهنا ، ومنعت الرجل غير سيدها المغب عليها ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى أن يخلو الرجل بامرأة } وقلت إن تراضيا بامرأة تغيب عليها .
وإن أراد سيدها أخذها لتخدمه لم يكن ذلك لئلا يخلو بها خوف أن يحبلها فإن لم يرد ذلك الراهن فيتواضعانها على يدي امرأة بحال ، وإن لم يفعلا جبرا على ذلك ، ولو شرط السيد للمرتهن أن تكون على يديه أو يد رجل غيره ، ولا أهل لواحد منهما ثم سأل إخراجها أخرجتها إلى امرأة ثقة ، ولم أجز أبدا أن يخلو بها رجل غير مالكها وعلى سيد الأمة نفقتها حية ، وكفنها ميتة .
وهكذا إن رهنه دابة تعلف فعليه علفها وتأوي إلى المرتهن أو إلى الذي وضعت على يديه ، ولا يمنع مالك الدابة من كرائها وركوبها ، وإذا كان في الرهن در ، ومركب فللراهن حلب الرهن وركوبه .
( أخبرنا ) سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : { الرهن مركوب ، ومحلوب } .
( قال الشافعي ) : يشبه قول أبي هريرة - والله تعالى أعلم - أن من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن درها وظهرها ; لأن له رقبتها ، وهي محلوبة ، ومركوبة كما كانت قبل الرهن ، ولا يمنع الراهن برهنه إياها من الدر والظهر الذي ليس هو الرهن بالرهن الذي هو غير الدر والظهر .
وهكذا إذا رهنه ماشية راعية فعلى ربها رعيها ، وله حلبها ونتاجها وتأوي إلى المرتهن أو الموضوعة على يديه ، وإذا رهنه ماشية ، وهو في بادية فأجدب موضعها وأراد المرتهن حبسها فليس ذلك له ويقال له إن رضيت أن ينتجع بها ربها ، وإلا جبرت أن تضعها على يدي عدل ينتجع بها إذا طلب ذلك ربها ، وإذا أراد رب الماشية النجعة من غير جدب والمرتهن المقام قيل لرب الماشية ليس لك إخراجها من البلد الذي رهنتها به إلا من ضرر عليها ، ولا ضرر عليه فوكل برسلها من شئت .
وإن أراد المرتهن النجعة من غير جدب قيل له ليس لك تحويلها من البلد الذي ارتهنتها به وبحضرة مالكها إلا من ضرورة فتراضيا من شئتما ممن يقيم في الدار ما كانت غير مجدبة فإن لم يفعلا جبرا على رجل تأوي إليه ، وإن كانت الأرض التي رهنها بها غير مجدبة وغيرها أخصب منها لم يجبر واحد منهما على نقلها منها فإن أجدبت فاختلفت نجعتهما إلى بلدين مشتبهين في الخصب فسأل رب الماشية أن تكون معه وسأل المرتهن أن تكون معه قيل إن اجتمعتما معا ببلد فهي مع المرتهن أو الموضوعة على يديه ، وإن اختلفت داركما فاختلفتما جبرتما على عدل تكون على يديه في البلد الذي ينتجع إليه رب الماشية ; لينتفع برسلها وأيهما دعا إلى بلد فيه عليها ضرر لم يجب عليه الحق الراهن في رقابها ورسلها وحق المرتهن في رقابها .
وإذا رهنه ماشية عليها صوف [ ص: 168 ] أو شعر أو وبر فإن أراد الراهن أن يجزه فذلك له ; لأن صوفها وشعرها ووبرها غيرها كاللبن والنتاج وسواء كان الدين حالا أو لم يكن أو قام المرتهن ببيعه أو لم يقم كما يكون ذلك سواء في اللبن .
( قال الربيع ) : وقد قيل إن صوفها إذا كان عليها يوم رهنها فهو رهن معها ويجز ويكون معها مرهونا لئلا يختلط به ما يحدث من الصوف ; لأن ما يحدث للراهن .
( قال الشافعي ) : وإذا رهنه دابة أو ماشية فأراد أن ينزي عليها وأبى ذلك المرتهن فليس ذلك للمرتهن فإن كان رهنه منها ذكرانا فأراد أن ينزيها فله أن ينزيها ; لأن إنزاءها من منفعتها ، ولا نقص فيه عليها ، وهو يملك منافعها وإذا كان فيها ما يركب ويكرى لم يمنع أن يكريه ويعلفه .
وإذا رهنه عبدا فأراد الراهن أن يزوجه أو أمة فأراد أن يزوجها فليس ذلك له ; لأن ثمن العبد أو الأمة ينتقص بالتزويج ويكون مفسدة لها بينة وعهدة فيها ، وكذلك العبد ، ولو رهنه عبدا أو أمة صغيرين لم يمنع أن يعذرهما ; لأن ذلك سنة فيهما ، وهو صلاحهما وزيادة في أثمانهما ، وكذلك لو عرض لهما ما يحتاجان فيه إلى فتح العروق وشرب الدواء أو عرض للدواب ما تحتاج به إلى علاج البياطرة من توديج وتبزيغ وتعريب ، وما أشبهه لم يمنعه ، وإن امتنع الراهن أن يعالجها بدواء أو غيره لم يجبر عليه فإن قال المرتهن : أنا أعالجها وأحسبه على الراهن فليس ذلك له ، وهكذا إن كانت ماشية فجربت لم يكن للمرتهن أن يمنع الراهن من علاجها ، ولم يجبر الراهن على علاجها ، وما كان من علاجها ينفع ، ولا يضر مثل أن يملحها أو يدهنها في غير الحر بالزيت أو يمسحها بالقطران مسحا خفيفا أو يسعط الجارية أو الغلام أو يمرخ قدميه أو يطعمه سويقا قفارا أو ما أشبه هذا فتطوع المرتهن بعلاجها به لم يمنع منه ، ولم يرجع على الراهن به .
وما كان من علاجها ينفع أو يضر مثل فتح العروق وشرب الأدوية الكبار التي قد تقتل فليس للمرتهن علاج العبد ، ولا الدابة ، وإن فعل وعطبت ضمن إلا أن يأذن السيد له به ، وإذا كان الرهن أرضا لم يمنع الراهن من أن يزرعها الزرع الذي يقلع قبل محل الحق أو معه وفيما لا ينبت من الزرع قبل محل الحق قولان . أحدهما : أن يمنع الراهن في قول من لا يجيز بيع الأرض منزوعة دون الزرع من زرعها ما ينبت فيها بعد محل الحق ، وإذا تعدى فزرعها بغير إذن المرتهن ما ينبت فيها بعد محل الحق لم يقلع زرعه حتى يأتي محل الحق فإن قضاه ترك زرعه ، وإن بيعت الأرض مزروعة فبلغت وفاء حقه لم يكن له قلع زرعه ، وإن لم تبلغ وفاء حقه إلا بأن يقلع الزرع أمر بقلعه إلا أن يجد من يشتريها منه بحقه على أن يقلع الزرع ثم يدعه إن شاء متطوعا . وهذا في قول من أجاز بيع الأرض مزروعة .
والقول الثاني : لا يمنع من زرعها بحال ويمنع من غراسها وبنائها إلا أن يقول : أنا أقلع ما أحدثت إذا جاء الأجل فلا يمنعه . وإذا رهنه الأرض فأراد أن يحدث فيها عينا أو بئرا فإن كانت العين أو البئر تزيد فيها أو لا تنقص ثمنها لم يمنع ذلك ، وإن كانت تنقص ثمنها ، ولا يكون فيما يبقى منها عوض من نقص موضع البئر أو العين بأن يصير إذا كانا فيه أقل ثمنا منه قبل يكونان فيه منعه ، وإن تعدى بعمله فهو كما قلت في الزرع لا يدفن عليه حتى يحل الحق ثم يكون القول فيه القول في الزرع والغراس ، وهكذا كلما أراد أن يحدث في الأرض المرهونة إن كان لا ينقصها لم يمنعه ، وإن كان ينقصها منعه ما يبقى ، ولا يكون ما أحدث فيها داخلا في الرهن إلا أن يدخله الراهن فكان إذا أدخله لم ينقص الرهن لم يمنعه ، وإن كان ينقصه منعه ، وإذا رهنه نخلا لم يمنعه أن يأبرها ويصرمها يعني يقطع جريدها ، وكرانيفها وكل شيء انتفع به منها لا يقتل النخل ، ولا ينقص ثمنه نقصا بينا ويمنع ما قتل النخل وأضر به من ذلك .
وإن رهنه نخلا في الشربة منه نخلات فأراد تحويلهن إلى موضع غيره وامتنع المرتهن سئل أهل العلم بالنخل فإن زعموا أن الأكثر لثمن الأرض والنخل أن يتركن لم يكن له تحويلهن ، وإن زعموا أن الأكثر بثمن الأرض والنخل أن يحول بعضهن ، ولو ترك مات ; لأنهن إذا كان بعضهن مع بعض قتله أو منع منفعته حول من الشربة حتى يبقى فيها ما لا يضر بعضه بعضا ، وإن زعموا أن لو حول كله كان خيرا للأرض في العاقبة وأنه قد لا يثبت لم يكن لرب الأرض أن يحوله كله ; لأنه قد لا يثبت ، وإنما له أن يحول منه ما لا نقص في تحويله على الأرض لو هلك كله .
وهكذا لو أراد أن يحول مساقيه فإن لم يكن في ذلك نقص النخل أو الأرض ترك ، وإن كان فيه نقص الأرض أو النخل أو هما لم يترك [ ص: 169 ] فإن كانت في الشربة نخلات فقيل الأكثر لثمن الأرض أن يقطع بعضهن ترك الراهن وقطعه ، وكان جميع النخلة المقطوعة جذعها وجمارها رهنا بحاله ، وكذلك قلوبها ، وما كان من جريدها لو كانت قائمة لم يكن لرب النخلة قطعها ، وكان ما سوى ذلك من ثمرها وجريدها الذي لو كانت قائمة كان لرب النخلة نزعه من كرانيف وليف لرب النخلة خارجا من الرهن ، وإذا قلع منها شيئا فثبته في الأرض التي هي رهن فهو رهن فيها ; لأن الرهن ، وقع عليه .
وإذا أخرجه إلى أرض غيرها لم يكن ذلك له إن كان له ثمن ، وكان عليه أن يبيعه فيجعل ثمنه رهنا أو يدعه بحاله ، ولو قال : المرتهن في هذا كله للراهن أقلع الضرر من نخلك لم يكن ذلك عليه ; لأن حق الراهن بالملك أكثر من حق المرتهن بالرهن .
( قال الشافعي ) : وإذا رهنه أرضا لا نخل فيها فأخرجت نخلا فالنخل خارج من الرهن ، وكذلك ما نبت فيها ، ولو قال : المرتهن له اقلع النخل ، وما خرج قيل إن أدخله في الرهن متطوعا لم يكن عليه قلعها بكل حال ; لأنها تزيد الأرض خيرا فإن قال : لا أدخلها في الرهن لم يكن عليه قلعها حتى يحل الحق فإن بلغت الأرض دون النخل حق المرتهن لم يقلع النخل ، وإن لم تبلغه قيل لرب النخل إما أن توفيه حقه بما شئت من أن تدخل معي الأرض النخل أو بعضه ، وإما إن تقلع عنه النخل .
وإن فلس بديون الناس ، والمسألة بحالها بيعت الأرض بالنخل ثم قسم الثمن على أرض بيضاء بلا نخل وعلى ما بلغت قيمة الأرض والنخل فأعطى مرتهن الأرض ما أصاب الأرض وللغرماء ما أصاب النخل ، وهكذا لو كان هو غرس النخل أو أحدث بناء في الأرض ، وهكذا جميع الغراس والبناء والزرع ، ولو رهنه أرضا ونخلا ثم اختلفا فقال الراهن قد نبت في هذه الأرض نخل لم أكن رهنتكه ، وقال : المرتهن ما نبت فيه إلا ما كان في الرهن أريه أهل العلم به فإن قالوا قد ينبت مثل هذا النخل بعد الرهن كان القول قول الراهن مع يمينه ، وما نبت خارج من الرهن ، ولا ينزع حتى يحل الحق ثم يكون القول فيه كما وصفت فإن قالوا لا ينبت مثل هذا في هذا الوقت لم يصدق ، وكان داخلا في الرهن لا يصدق إلا على ما يكون مثله .
وإذا ادعى أنه غراس لا بواسطة منبت سئلوا أيضا فإن كان يمكن أن يكون من الغراس ما قال : فهو خارج من الرهن ، وإن لم يكن يمكن فهو داخل في الرهن ، ولو كان ما اختلفا فيه بنيانا فإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون يبنى في مثلها بحال فالقول قول الراهن ، وإن كانت لم تأت عليه مدة يمكن أن يكون يبني في مثلها بحال ، فالبناء داخل في الرهن ، وإن كانت جاءت عليه مدة يمكن أن يكون بعض البناء فيها ، وبعض لا يمكن أن يكون فيها كان البناء الذي لا يمكن أن يكون فيها داخلا في الرهن والبناء الذي يمكن أن يكون فيها خارجا من الرهن مثل أن يكون جدار طوله عشرة أذرع يمكن أن يكون أساسه ، وقدر ذراع منه ، كان قبل الرهن ، وما فوق ذلك يمكن أن يكون بعد الرهن .
وإذا رهنه شجرا صغارا فكبر فهو رهن بحاله ; لأنه رهنه بعينه ، وكذلك لو رهنه ثمرا صغارا فبلغ كان رهنا بحاله ، وإذا رهنه أرضا ونخلا فانقطعت عينها أو انهدمت ودثر مشربها لم يجبر الراهن أن يصلح من ذلك شيئا ، ولم يكن للمرتهن أن يصلحه على أن يرجع به على الراهن ، كان الراهن غائبا أو حاضرا ، وإن أصلحه فهو متطوع بإصلاحه ، وإن أراد إصلاحه بشيء يكون صلاحا مرة وفسادا أخرى فليس له أن يصلح به وعليه الضمان إن فسد به ; لأنه متعد بما صنع منه . وإذا رهنه عبدا أو أمة فغاب الراهن أو مرض فأنفق عليهما فهو متطوع ، ولا تكون له النفقة حتى يقضي بها الحاكم على الغائب ويجعلها دينا عليه ; لأنه لا يحل أن تمات ذوات الأرواح بغير حق ، ولا حرج في إماتة ما لا روح فيه من أرض ونبات ، والدواب ذوات الأرواح كلها كالعبيد إذا كانت مما تعلف فإن كانت سوائم رعيت ، ولم يؤمر بعلفها ; لأن السوائم هكذا تتخذ .
ولو تساوكت هزلا ، وكان الحق حالا فللمرتهن أخذ الراهن ببيعها ، وإن كان الحق إلى أجل فقال المرتهن مروا الراهن بذبحها فيبيع لحومها وجلودها لم يكن ذلك على الراهن ; لأن الله - عز وجل - قد يحدث لها الغيث فيحسن حالها به ، ولو أصابها مرض جرب أو غيره لم يكلف علاجها ; لأن ذلك قد يذهب بغير العلاج ، ولو أجدب مكانها حتى تبين ضرره عليها كلف ربها النجعة بها إذا كانت النجعة موجودة [ ص: 170 ] لأنها إنما تتخذ على النجعة ، ولو كان بمكانها عصم من عضاه تماسك بها ، وإن كانت النجعة خيرا لها لم يكلف صاحبها النجعة بها ; لأنها لا تهلك على العصم ، ولو كانت الماشية أوارك أو خميصة أو غوادي فاستؤنيت مكانها فسأل المرتهن الراهن أن ينتجع بها إلى موضع غيره لم يكن ذلك له على الراهن ; لأن المرض قد يكون من غير المرعى فإذا كان الرعي موجودا لم يكن عليه إبدالها غيره ، وكذلك الماء ، وإن كان غير موجود كلف النجعة إذا قدر عليها إلا أن يتطوع بأن يعلفها . فإذا ارتهن الرجل العبد وشرط ماله رهنا كان العبد رهنا ، وما قبض من ماله رهن ، وما لم يقبض خارج من الرهن .
ضمان الرهن .
( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه } ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه لا يخالفه ( قال الشافعي ) : وبهذا نأخذ وفيه دليل على أن جميع ما كان رهنا غير مضمون على المرتهن ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : { الرهن من صاحبه الذي رهنه فمن كان منه شيء فضمانه منه لا من غيره } ثم زاد فأكد له فقال { له غنمه وعليه غرمه } وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه فلا يجوز فيه إلا أن يكون ضمانة من مالكه لا من مرتهنه .
ألا ترى أن رجلا لو ارتهن من رجل خاتما بدرهم يسوى درهما فهلك الخاتم فمن قال : يذهب درهم المرتهن بالخاتم كان قد زعم أن غرمه على المرتهن ; لأن درهمه ذهب به ، وكان الراهن بريئا من غرمه ; لأنه قد أخذ ثمنه من المرتهن ثم لم يغرم له شيئا وأحال ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله - والله تعالى أعلم - { لا يغلق الرهن } لا يستحقه المرتهن بأن يدع الراهن قضاء حقه عند محله ، ولا يستحق مرتهنه خدمته ، ولا منفعة فيه بارتهانه إياه ، ومنفعته لراهنه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { هو من صاحبه الذي رهنه } ، ومنافعه من غنمه ، وإذا لم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { هو من صاحبه الذي رهنه } ، ومنافعه من غنمه ، وإذا لم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم رهنا دون رهن فلا يجوز أن يكون من الرهن مضمون ، ومنه غير مضمون ; لأن الأشياء لا تعدو أن تكون أمانة أو في حكمها فما ظهر هلاكه وخفي من الأمانة سواء أو مضمونة فما ظهر هلاكه وخفي من المضمون سواء .
ولو لم يكن في الرهن خبر يتبع ما جاز في القياس إلا أن يكون غير مضمون ; لأن صاحبه دفعه غير مغلوب عليه وسلط المرتهن على حبسه ، ولم يكن له إخراجه من يديه حتى يوفيه حقه فيه فلا وجه لأن يضمن من قبل أنه إنما يضمن ما تعدى الحابس بحبسه من غصب أو بيع عليه تسليمه فلا يسلمه أو عارية ملك الانتفاع بها دون مالكها فيضمنها كما يضمن السلف والرهن ليس في شيء من هذه المعاني .
فإذا رهن الرجل الرجل شيئا فقبضه المرتهن فهلك الرهن في يدي القابض فلا ضمان عليه والحق ثابت كما كان قبل الرهن ( قال الشافعي ) : لا يضمن المرتهن ، ولا الموضوع على يديه الرهن من الرهن شيئا إلا فيما يضمنان فيه الوديعة والأمانات من التعدي فإن تعديا فيه فهما ضامنان ، وما لم يتعديا فالرهن بمنزلة الأمانة .
فإذا دفع الراهن إلى المرتهن الرهن ثم سأله الراهن أن يرده إليه فامتنع المرتهن فهلك الرهن في يديه لم يضمن شيئا ; لأن ذلك كان له . وإذا قضى الراهن المرتهن الحق أو أحاله به على غيره ورضي [ ص: 171 ] المرتهن بالحوالة أو أبرأه المرتهن منه بأي وجه كان من البراءة ثم سأله الرهن فحبسه عنه ، وهو يمكنه أن يؤديه إليه فهلك الرهن في يدي المرتهن فالمرتهن ضامن لقيمة الرهن بالغة ما بلغت إلا أن يكون الرهن كيلا أو وزنا يوجد مثله فيضمن مثل ما هلك في يديه ; لأنه متعد بالحبس . وإن كان رب الرهن آجره فسأل المرتهن أخذه من عند من آجره ورده إليه فلم يمكنه ذلك أو كان الرهن غائبا عنه بعلم الراهن فهلك في الغيبة بعد براءة الراهن من الحق ، وقبل تمكن المرتهن أن يرده لم يضمن .
وكذلك لو كان عبدا فأبق أو جملا فشرد ثم برئ الراهن من الحق لم يضمن المرتهن ; لأنه لم يحبسه ورده يمكنه ، والصحيح من الرهن والفاسد في أنه غير مضمون سواء كما تكون المضاربة الصحيحة والفاسدة في أنها غير مضمونة سواء ، ولو شرط الراهن على المرتهن أنه ضامن للرهن إن هلك كان الشرط باطلا ، كما لو قارضه أو أودعه فشرط أنه ضامن كان الشرط باطلا . وإذا دفع الراهن الرهن على أن المرتهن ضامن فالرهن فاسد ، وهو غير مضمون إن هلك ، وكذلك إذا ضاربه على أن المضارب ضامن فالمضاربة فاسدة غير مضمونة .
وكذلك لو رهنه وشرط له إن لم يأته بالحق إلى كذا فالرهن له بيع فالرهن فاسد والرهن لصاحبه الذي رهنه ، وكذلك إن رهنه دارا بألف على أن يرهنه أجنبي داره إن عجزت دار فلان عن حقه أو حدث فيها حدث ينقص حقه ; لأن الدار الآخرة مرة رهن ، ومرة غير رهن ، ومرهونة بما لا يعرف ويفسد الرهن ; لأنه إنما زيد معه شيء فاسد . ولو كان رهنه داره بألف على أن يضمن له المرتهن داره إن حدث فيها حدث فالرهن فاسد ; لأن الراهن لم يرض بالرهن إلا على أن يكون له مضمونا ، وإن هلكت الدار لم يضمن المرتهن شيئا .
التعدي في الرهن ( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا دفع الرجل إلى الرجل متاعا له رهنا فليس له أن يخرجه من البلد الذي ارتهنه به ، إلا بإذن سيده فإن أخرجه بغير إذن سيد المتاع فهلك فهو ضامن لقيمته يوم أخرجه ; لأنه يومئذ تعدى فيه فإذا أخذت قيمته منه خير صاحب المتاع أن تكون قصاصا من حقه عليه أو تكون مرهونة حتى يحل حق صاحب الحق ، ولو أخرجه من البلد ثم رده إلى صاحبه ، ولم يفسخ الرهن فيه برئ من الضمان ، وكان له قبضه بالرهن فإن قال صاحب المتاع : دفعته إليك وأنت عندي أمين فتغيرت أمانتك بتعديك بإخراجك إياه فأنا مخرجه من الرهنلم يكن له إخراجه من الرهن وقيل إن شئت أن تخرجه إلى عدل تجتمع أنت ، وهو على الرضا به أخرجناه إلا أن يشاء أن يقره في يديه . وهكذا لو لم يتعد بإخراجه فتغيرت حاله عما كان عليه إذ دفع الرهن إليه إما بسوء حال في دينه أو إفلاس ظهر منه . ولو امتنع المرتهن في هذه الحالات من أن يرضى بعدل يقوم على يديه جبر على ذلك ; لتغيره عن حاله حين دفع إليه إذا أبى الراهن أن يقره في يديه .
ولو لم يتغير المرتهن عن حاله بالتعدي ، ولا غيره مما يغير الأمانة وسأل الراهن أن يخرج من يديه الرهن لم يكن ذلك له ، وهكذا الرجل يوضع على يديه الرهن فيتغير حاله عن الأمانة فأيهما دعا إلى إخراج الرهن من يديه كان له . الراهن ; لأنه ماله أو المرتهن ; لأنه مرهون بماله ، ولو لم يتغير حاله فدعا أحدهما إلى إخراجه من يديه لم يكن له ذلك إلا باجتماعهما عليه . ولو اجتمعا على إخراجه من يديه فأخرجاه ثم أراد رب الرهن فسخ الرهن لم يكن له فسخه أو أراد المرتهن قبضه لم يكن له ، وإن كان أمينا ; لأن الراهن لم يرض أمانته ، وإذا دعوا إلى رجل بعينه فتراضيا به [ ص: 172 ] أو اثنين أو امرأة فلهما وضعه على يدي من تراضيا به ، وإن اختلفا فيمن يدعوان إليه قيل لهما اجتمعا فإن لم يفعلا اختار الحاكم الأفضل من كل من دعا واحد منهما إليه إن كان ثقة فدفعه إليه ، وإن لم يكن واحد ممن دعوا إليه ثقة قيل ادعوا إلى غيره فإن لم يفعلا اختار الحاكم له ثقة فدفعه إليه .
وإذا أراد العدل الذي على يديه الرهن الذي هو غير الراهن والمرتهن رده بلا علة أو لعلة والمرتهن والراهن حاضران فله ذلك ، ولا يجبر على حبسه ، وإن كانا غائبين أو أحدهما لم يكن له إخراجه من يدي نفسه فإن فعل بغير أمر الحاكم فهلك ضمن ، وإن جاء الحاكم فإن كان له عذر أخرجه من يديه وذلك أن يبدو له سفر أو يحدث له - وإن كان مقيما - شغل أو علة ، وإن لم يكن له عذر أمره بحبسه إن كانا قريبا حتى يقدما أو يوكلا فإن كانا بعيدا لم أر عليه أن يضطره إلى حبسه .
وإنما هي وكالة وكل بها بلا منفعة له ويسأله ذلك فإن طابت نفسه بحبسه ، وإلا أخرجه إلى عدل وغيره ، وتعدي العدل الموضوع على يديه الرهن في الرهن ، وتعدي المرتهن سواء يضمن مما يضمن منه المرتهن إذا تعدى فإذا تعدى فأخرج الرهن فتلف ضمن ، وإن تعدى المرتهن والرهن موضوع على يدي العدل فأخرج الرهن ضمن حتى يرده على يدي العدل فإذا رده على يدي العدل برئ من الضمان كما يبرأ منه لو رده إلى الراهن ; لأن العدل وكيل الراهن .
وإذا أعار الموضوع على يديه الرهن فهلك فهو ضامن ; لأنه متعد والقول في قيمته قوله مع يمينه فإن قال : كان الرهن لؤلؤة صافية وزنها كذا قيمتها كذا ، قومت بأقل ما تقع عليه تلك الصفة ثمنا وأردئه فإن كان ما ادعى مثله أو أكثر قبل قوله ، وإن ادعى ما لا يكون مثله لم يقبل قوله وقومت تلك الصفة على أقل ما تقع عليه ثمنا وأردئه يغرمه مع يمينه .
وهكذا إن مات فأوصى بالرهن إلى غيره كان لأيهما شاء إخراجه ; لأنهما رضيا أمانته ، ولم يجتمعا على الرضا بأمانة غيره ، وإن كان من أسند ذلك إليه إذا غاب أو عند موته ثقة ويجتمعان على من تراضيا أو ينصب لهما الحاكم ثقة كما وصفت ، وإذا مات المرتهن فإن كان ورثته بالغين قاموا مقامه ، وإن كان فيهم صغير قام الوصي مقامه ، وإن لم يكن وصي ثقة قام الحاكم مقامه في أن يصير الرهن على يدي ثقة .
بيع الرهن ، ومن يكون الرهن على يديه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا ارتهن الرجل من الرجل العبد وشرط عليه أن له إذا حل حقه أن يبيعه لم يجز له بيعه إلا بأن يحضر رب العبد أو يوكل معه ، ولا يكون وكيلا بالبيع لنفسه فإن باع لنفسه فالبيع مردود بكل حال ويأتي الحاكم حتى يأمر من يبيع ويحضره وعلى الحاكم إذا ثبت عنده ببينة أن يأمر رب العبد أن يبيع فإن امتنع أمر من يبيع عليه ، وإذا كان الحق إلى أجل فتعدى الموضوع على يديه الرهن فباعه قبل محل الحق فالبيع مردود ، وهو ضامن لقيمته إن فات ، ولا يكون الدين حالا كان البائع المرتهن أو عدلا الرهن على يديه ، ولا يحل الحق المؤجل بتعدي بائع له . وكذلك لو تعدى بأمر الراهن . ولو كان الرهن على يدي عدل
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (132)
صــــــــــ 173 الى صـــــــــــ178
لا حق له في المال ووكله الراهن والمرتهن ببيعه كان له أن يبيعه ما لم يفسخا ، وكالته وأيهما فسخ وكالته لم يكن له البيع بعد فسخ الوكالة وببيع الحاكم على الراهن إذا سأل ذلك المرتهن ، وإذا باع الموضوع على يديه الرهن بإذن الراهن والمرتهن والحاكم بالبيع بما لا يتغابن أهل البصر به فالبيع مردود . وكذلك إن باع الحاكم بذلك فبيعه مردود ، وإذا باع بما يتغابن الناس بمثله بإذن الراهن والمرتهن بالبيع فالبيع لازم ، وإن وجد أكثر مما باع به ، ولو باع بشيء يجوز فلم يفارق بيعه حتى يأتيه من [ ص: 173 ] يزيده قبل الزيادة ورد البيع فإن لم يفعل فبيعه مردود ; لأنه قد باع له بشيء قد وجد أكثر منه ، وله الرد .
وإذا حل الحق وسأل الراهن بيع الرهن وأبى ذلك المرتهن أو المرتهن وأبى الراهن أمرهما الحاكم بالبيع فإن امتنعا أمر عدلا فباع ، وإذا أمر القاضي عدلا فباع أو كان الرهن على يدي غير المرتهن فباع بأمر الراهن والمرتهن فهلك الثمن لم يضمن البائع شيئا من الثمن الذي هلك في يديه ، وإن سأل الموضوع على يديه الرهن البائع أجر مثله لم يكن له ; لأنه كان متطوعا بذلك كان ممن يتطوع مثله أو لا يتطوع ، ولا يكون له أجر إلا بشرط ، وليس للحاكم إن كان يجد عدلا يبيع إذا أمره متطوعا أن يجعل لغيره أجرا ، وإن كان عدلا في بيعه ويدعو الراهن والمرتهن بعدل وأيهما جاءه بعدل يتطوع ببيع الرهن أمره ببيعه وطرح المؤنة ، وإن لم يجده استأجر على الرهن من يبيعه وجعل أجره في ثمن الرهن ; لأنه من صلاح الرهن إلا أن يتطوع به الراهن أو المرتهن .
وإذا تعدى البائع بحبس الثمن بعد قبضه إياه أو باعه بدين فهرب المشتري أو ما أشبه هذا ضمن قيمة الرهن ، قال أبو يعقوب وأبو محمد : عليه في حبس الثمن مثله وفي بيعه بالدين قيمته .
( قال الشافعي ) : وإذا بيع الرهن فالمرتهن أولى بثمنه حتى يستوفي حقه فإن لم يكن فيه وفاء حقه حاص غرماء الراهن بما بقي من ماله غير مرهون ، وإذا أراد أن يحاصهم قبل أن يباع رهنه لم يكن له ذلك ووقف مال غريمه حتى يباع رهنه ثم يحاصهم بما فضل عن رهنه ، وإن هلك رهنه قبل أن يباع أو ثمنه قبل أن يقبضه حاصهم بجميع رهنه .
وإذا بيع الرهن لرجل فهلك ثمنه فثمنه من الراهن حتى يقبضه المرتهن .
وهكذا لو بيع ما لغرمائه بطلبهم بيعه فوقف ; ليحسب بينهم فهلك هلك من مال المبيع عليه دون غرمائه ، وهو من مال المبيع عليه حتى يستوفي غرماؤه . وإذا رهن الرجل دارا بألف فمات الراهن فطلب المرتهن بيعها فأمر الحاكم ببيعها فبيعت من رجل بألف فهلكت الألف في يدي العدل الذي أمره الحاكم بالبيع وجاء رجل فاستحق الدار على الميت لا يضمن الحاكم ، ولا العدل من الألف التي قبض العدل شيئا بهلاكها في يده ; لأنه أمين وأخذ المستحق الدار ، وكانت ألف المرتهن في ذمة الراهن متى وجد مالا أخذها ، وكذلك ألف المشتري في ذمة الراهن ; لأنها أخذت بثمن مال له فلم يسلم له المال فمتى وجد له مالا أخذها وعهدته على الميت الذي بيعت عليه الدار وسواء كان المبيعة عليه الدار لا يجد شيئا غير الدار أو موسرا في أن العهدة عليه كهي عليه لو باع على نفسه ، وليس الذي بيع له الرهن بأمره من العهدة بسبيل ( قال الشافعي ) : وبيع الرباع والأرضين والحيوان وغيرها من الرهون سواء إذا سلط الراهن والمرتهن العدل الذي لا حق له في الرهن على بيعها باع بغير أمر السلطان ( قال الشافعي ) : ويتأنى بالرباع والأرضين للزيادة أكثر من تأنيه بغيرها فإن لم يتأن وباع بما يتغابن الناس بمثله جاز بيعه ، وإن باع بما لا يتغابن الناس بمثله لم يجز ، وكذلك لو تأنى فباع بما لا يتغابن الناس بمثله لم يجز ، وإن باع بما يتغابن الناس بمثله جاز ; لأنه قد تمكنه الفرصة في عجلته البيع ، وقد يتأنى فيحابي في البيع والتأني بكل حال أحب إلي في كل شيء بيع غير الحيوان وغير ما يفسد .
فأما الحيوان ورطب الطعام فلا يتأنى به ، وإذا باع العدل الموضوع على يديه الرهن الرهن ، وقال : قد دفعت ثمنه إلى المرتهن وأنكر ذلك المرتهن فالقول قول المرتهن وعلى البائع البينة بالدفع ، ولو باعه ثم قال : هلك الثمن من يدي كان القول قوله فيما لا يدعى فيه الدفع ، ولو قيل له بع ، ولم يقل له بع بدين فباع بدين فهلك الدين كان ضامنا ; لأنه تعدى في البيع ، وكذلك لو قال له بع بدراهم والحق دراهم فباع بدنانير أو كان الحق دنانير فقيل له بع بدنانير فباع بدراهم فهلك الثمن كان له ضامنا ، وإن لم يهلك فالبيع في هذا كله مفسوخ ; لأنه بيع تعد ، ولا يملك مال رجل بخلافه . ولو اختلف عليه الراهن والمرتهن فقال الراهن بع بدنانير ، وقال : المرتهن بع بدراهم لم [ ص: 174 ] يكن له أن يبيع بواحد منهما لحق المرتهن في ثمن الرهن وحق الراهن في رقبته وثمنه وجاء الحاكم حتى يأمره أن يبيع بنقد البلد ثم يصرفه فيما الرهن فيه إن كان دنانير أو دراهم ، ولو باع بعد اختلافهما بما الرهن به كان ضامنا ، وكان البيع مردودا ; لأن لكليهما حقا في الرهن .
ولو باع على الأمر الأول ، ولم يختلفا بعد عليه بما الحق به كان البيع جائزا . ولو بعث بالرهن إلى بلد فبيع فيه واستوفى الثمن كان البيع جائزا ، وكان ضامنا إن هلك ثمنه ، وإنما أجزت البيع ; لأنه لم يتعد في البيع إنما تعدى في إخراج المبيع فكان كمن باع عبدا فأخرج ثمنه فيجوز البيع بإذن سيده ويضمن ثمنه بإخراجه بلا أمر سيده .
رهن الرجلين الشيء الواحد .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا رهن الرجلان العبد رجلا ، وقبضه المرتهن منهما فالرهن جائز فإن رهناه معا ثم أقبضه أحدهما العبد ، ولم يقبضه الآخر فالنصف المقبوض مرهون والنصف غير المقبوض غير مرهون حتى يقبض فإذا قبض كان مرهونا ، وإذا أبرأ المرتهن أخذ الراهنين من حقه أو اقتضاه منه فالنصف الذي يملكه البريء من الحق خارج من الرهن ، والنصف الباقي مرهون حتى يبرأ راهنه من الحق الذي فيه ، وهكذا كل ما رهناه معا عبدا كان أو عبيدا أو متاعا أو غيره . وإذا رهناه عبدين رهنا واحدا فهو كالعبد الواحد فإن تراضى الراهنان بأن يصير أحد العبدين رهنا لأحدهما والآخر للآخر فقضاه أحدهما وسأل أن يفك له العبد الذي صار إليه لم يكن ذلك له ونصف كل واحد من العبدين خارج من الرهن ، والنصف الآخر في الرهن ; لأنهما دفعا الرهن صفقة فكل واحد من الرهنين مرهون النصف عن كل واحد منهما فليس لهما أن يقتسماه عليه ، ولا يخرجان حقه من نصف واحد منهما إلى غيره وحظ القاضي منهما الرهن خارج من الرهن .
فلو كان كل واحد منهما رهنه أحد العبدين على الانفراد ثم تقارا في العبدين فصار الذي رهنه عبد الله ملكا لزيد والذي رهنه زيد ملكا لعبد الله فقضاه عبد الله وسأله فك عبده الذي رهنه زيد ; لأنه صار له لم يكن ذلك له وعبد عبد الله الذي رهنه فصار لزيد خارج من الرهن وعبد زيد الذي صار له مرهون بحاله حتى يفتكه زيد ; لأن زيدا رهنه ، وهو يملكه فلا يخرج من رهن زيد حتى يفتكه زيد أو يبرأ زيد من الحق الذي فيه ، ولو كان عبدان بين رجلين فرهناهما رجلا فقالا مبارك رهن عن محمد ، وميمون رهن عن عبد الله كانا كما قال : وأيهما أدى فك له العبد الذي رهن بعينه ، ولم يفك له شيء من غيره .
ولو كانت المسألة بحالها وزاد فيها شرطا أن أينا أدى إليك قبل صاحبه فله أن يفك نصف العبدين أو له أن يفك أي العبدين شاء كان الرهن مفسوخا ; لأن كل واحد منهما لم يجعل الحق محضا في رهنه دون رهن صاحبه فكل واحد منهما في شرط صاحبه مرهون مرة على الكمال وخارج من الرهن بغير براءة من راهنه من جميع الحق ، ولو كانت المسألة بحالها وشرط له الراهنان أنه إذا قضى أحدهما ما عليه فلا يفك له رهنه حتى يقضي الآخر ما عليه كان الشرط فيه باطلا ; لأن الحق أن يكون خارجا من الرهن إذا لم يكن فيه رهن غيره ، وأن لا يكون رهنا إلا بأمر معلوم لا أن يكون مرهونا بأمر غير معلوم وشرط فيه مرة أنه رهن بشيء غير معلوم على المخاطرة فيكون مرة خارجا من الرهن إذا قضيا معا وغير خارج من الرهن إذا لم يقض أحدهما ، ولا يدري ما يبقى على الآخر ، وقد كانا رهنين متفرقين .
ولو كانت المسألة بحالها فتشارطوا أن أحدهما إذا أدى ما عليه دون ما على صاحبه خرج [ ص: 175 ] الرهنان معا ، وكان ما يبقى من المال بغير رهن كان الرهن فاسدا ; لأنهما في هذا الشرط رهن مرة وأحدهما خارج من الرهن أخرى بغير عينه ; لأني لا أدري أيهما يؤدي وعلى أيهما يبقى الدين ، ولو رهن رجل رجلا عبدا إلى سنة على أنه إن جاءه بالحق إلى سنة ، وإلا فالعبد خارج من الرهن كان الرهن فاسدا ، وكذلك لو رهنه عبدا على أنه إن جاءه بحقه عند محله ، وإلا خرج العبد من الرهن وصارت داره رهنا لم تكن الدار رهنا ، وكان الرهن في العبد مفسوخا ; لأنه داخل في الرهن مرة وخارج منه أخرى بغير براءة من الحق الذي فيه ، ولو رهنه رهنا على أنه إن جاءه بالحق ، وإلا فالرهن له بيع فالرهن مفسوخ ; لأنه شرط أنه رهن في حال وبيع في أخرى .
رهن الشيء الواحد من رجلين .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا رهن الرجل العبد من رجلين بمائة فنصفه مرهون لكل واحد منهما بخمسين فإذا دفع إلى أحدهما خمسين فهي له دون المرتهن معه ونصف العبد الذي كان مرهونا عن القاضي منهما خارج من الرهن ، وكذلك لو أبرأ الراهن من حقه كانت البراءة له تامة دون صاحبه ، وكان نصف العبد خارجا من الرهن ونصفه مرهونا ، وإذا دفع إليهما معا خمسين أو تسعين فالعبد كله مرهون بما بقي لهما لا يخرج منه شيء من الرهن حتى يستوفي أحدهما جميع حقه فيه ، فيخرج حقه من الرهن أو يستوفيا معا فتخرج حقوقهما معا والاثنان الراهنان والمرتهنان يخالفان الواحد كما يكون الرجلان يشتريان العبد فيجدان به عيبا فيريد أحدهما الرد بالعيب والآخر التمسك بالشراء فيكون ذلك لهما ، ولو كان المشتري واحدا فأراد رد نصف العبد ، وإمساك نصفه لم يكن له ذلك .
رهن العبد بين الرجلين . ( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا كان العبد بين الرجلين فأذنا لرجل أن يرهنه رجلين بمائة فرهنه بها ووكل المرتهنان رجلا يقبض حقهما فأعطاه الراهن خمسين على أنها حق فلان عليه فهي من حق فلان ونصف العبد خارج من الرهن ; لأن كل واحد منهما مرتهن نصفه فسواء ارتهنا العبد معا أو أحدهما نصفه ثم الآخر نصفه بعده ، وهكذا لو دفعها إلى أحدهما دون الآخر ، ولو دفعها إلى وكيلهما ، ولم يسم لمن هي ثم قال : هي لفلان فهي لفلان فإن قال : هذه قضاء مما علي ، ولم يدفعها الوكيل إلى واحد منهما ثم قال : ادفعها إلى أحدهما كانت للذي أمره أن يدفعها إليه ، وإن دفعها الوكيل إليهما معا فأخذاها ثم قال : هي لفلان لم يكن لأحدهما أن يأخذ من الآخر ما قبض من مال غريمه .
ألا ترى أنه لو وجد لغريمه مالا فأخذه لم يكن لغريمه إخراجه من يديه . وإذا كان المرتهن عالما بأن العبد لرجلين ، وكان الرهن على بيع لم يكن له خيار في نقض البيع ، وإن افتك المرتهن حق أحدهما دون الآخر كما لو رهنه رجلان عبدا كان لأحدهما أن يفتك دون الآخر ، ولا خيار للمرتهن ، وإن كان المرتهن جاهلا أن العبد لاثنين فقضاه الغريم ما قضاه مجتمعا فلا خيار له ، وإن قضاه عن أحدهما دون الآخر ففيها قولان . أحدهما : أن له الخيار في نقض البيع [ ص: 176 ] لأن العبد إذا لم يفك إلا معا كان خيرا للمرتهن . والآخر : لا خيار له ; لأن العبد مرهون كله والله أعلم .
رهن الرجل الواحد الشيئين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا رهن الرجل الرجل عبدين أو عبدا ودارا أو عبدا ، ومتاعا بمائة فقضاه خمسين فأراد أن يخرج من الرهن شيئا قيمته من الرهن أقل من نصف الرهن أو نصفه لم يكن ذلك له ، ولا يخرج منه شيئا حتى يوفيه آخر حقه ، وهكذا لو رهنه دنانير أو دراهم أو طعاما واحدا فقضاه نصف حقه فأراد أن يخرج نصف الطعام أو الدنانير أو الدراهم أو أقل من الدراهم لم يكن ذلك له ، ولا يفك من الرهن شيئا إلا معا ; لأنه قد يعجل بالقضاء التماس فك جميع الرهن أو موضع حاجته منه . ولو كان رجلان رهنا معا شيئا من العروض كلها العبيد أو الدور أو الأرضين أو المتاع بمائة فقضاه أحدهما ما عليه فأراد القاضي والراهن معه الذي لم يقض أن يخرج عبدا من أولئك العبيد قيمته أقل من نصف الرهن لم يكن له ذلك ، وكان عليه أن يكون نصيبه رهنا حتى يستوفي المرتهن آخر حقه ونصيب كل واحد مما رهنا خارج من الرهن وذلك نصيب الذي قضى حقه .
ولو كان ما رهنا دنانير أو دراهم أو طعاما سواء فقضاه أحدهما ما عليه فأراد أن يأخذ نصف الرهن ، وقال الذي أدع في يديك مثل ما آخذ منك بلا قيمة فذلك له ، ولا يشبه الاثنان في الرهن في هذا المعنى الواحد فإذا رهنا الذهب والفضة والطعام الواحد فأدى أحدهما ورضي شريكه مقاسمته كان على المرتهن دفع ذلك إليه ; لأنه قد برئت حصته كلها من الرهن وأن ليس في حصته إشكال إذ ما أخذ منها كما بقي وأنها لا تحتاج إلى أن تقوم بغيرها ، ولا يجوز أن يحبس رهن أحدهما ، وقد قضي ما فيه برهن آخر لم يقض ما فيه .
إذن الرجل للرجل في أن يرهن عنه ما للآذن .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عنه عبدا للآذن فإن لم يسم بكم يرهنه أو سمى شيئا يرهنه فرهنه بغيره ، وإن كان أقل قيمة منه لم يجز الرهن ، ولا يجوز حتى يسمي مالك العبد ما يرهنه به ويرهنه الراهن بما سمى أو بأقل منه مما أذن له به كأن أذن له أن يرهنه بمائة دينار فرهنه بخمسين ; لأنه قد أذن له بالخمسين وأكثر ، ولو رهنه بمائة دينار ودينار لم يجز من الرهن شيء . وكذلك لو أبطل المرتهن حقه من الرهن فيما زاد على المائة لم يجز . وكذلك لو أذن له أن يرهنه بمائة دينار فرهنه بمائة درهم لم يجز الرهن كما لو أمره أن يبيعه بمائة درهم فباعه بمائة دينار أو بمائة شاة لم يجز البيع للخلاف . ولو قال المرتهن : قد أذنت له أن يرهنه فرهنه بمائة دينار . وقال مالك العبد ما أذنت له أن يرهنه إلا بخمسين دينارا أو مائة درهم كان القول قول رب العبد مع يمينه والرهن مفسوخ .
ولو أذن له أن يرهنه بمائة دينار فرهنه بها إلى أجل ، وقال مالك العبد : لم آذن له إلا على أن يرهنه بها نقدا كان القول قول مالك العبد مع يمينه والرهن مفسوخ . وكذلك لو قال : أذنت له أن يرهنه إلى شهر فرهنه إلى شهر ويوم كان القول قوله مع يمينه والرهن مفسوخ . ولو قال : ارهنه بما شئت فرهنه بقيمته أو أقل أو أكثر كان الرهن مفسوخا ; لأن الرهن بالضمان أشبه منه بالبيوع ; لأنه أذن له أن يجعله مضمونا في عنق عبده فلا يجوز أن يضمن عن غيره إلا ما علم قبل ضمانه ، ولو قال : ارهنه بمائة دينار فرهنه بها إلى سنة فقال أردت أن يرهنه [ ص: 177 ] نقدا كان الرهن مفسوخا ; لأن له أن يأخذه إذا كان الحق في الرهن نقدا بافتداء الرهن مكانه .
وكذلك لو رهنه بالمائة نقدا فقال : أذنت له أن يرهنه بالمائة إلى وقت يسميه كان القول قوله ، والرهن مفسوخ ; لأنه قد يؤدي المائة على الرهن بعد سنة فيكون أيسر عليه من أن تكون حالة ، ولا يجوز إذن الرجل للرجل بأن يرهن عبده حتى يسمي ما يرهنه به والأجل فيما يرهنه به . وهكذا لو قال رجل لرجل ما كان لك على فلان من حق فقد رهنتك به عبدي هذا أو داري فالرهن مفسوخ حتى يكون علم ما كان له على فلان ، والقول قوله أبدا وكل ما جعلت القول فيه قوله فعليه اليمين فيه ، ولو علم ماله على فلان فقال لك أي مالي شئت رهن وسلطه على قبض ما شاء منه فقبضه كان الرهن مفسوخا حتى يكون معلوما ، ومقبوضا بعد العلم لا أن يكون الخيار إلى المرتهن .
وكذلك لو قال : الراهن قد رهنتك أي مالي شئت فقبضه ألا ترى أن الراهن لو قال : أردت أن أرهنك داري ، وقال المرتهن : أردت أن أرتهن عبدك أو قال الراهن : اخترت أن أرهنك عبدي ، وقال المرتهن : اخترت أن ترهنني دارك لم يكن الرهن وقع على شيء يعرفانه معا ، ولو قال : أردت أن أرهنك داري فقال المرتهن : فأنا أقبل ما أردت لم تكن الدار رهنا حتى يجدد له بعد ما يعلمانها معا فيها رهنا ويقبضه إياه .
وإذا أذن له أن يرهن عبده بشيء مسمى فلم يقبضه المرتهن حتى رجع الراهن في الرهن لم يجز له أن يقبضه إياه ، وإن فعل فالرهن مفسوخ .
( قال الشافعي ) : ولو أذن له فأقبضه إياه ثم أراد فسخ الرهن لم يكن ذلك له ، وإن أراد الآذن أخذ الراهن بافتكاكه فإن كان الحق حالا كان له أن يقوم بذلك عليه ويبيع في ماله حتى يوفي الغريم حقه ، وإن لم يرد ذلك الغريم أن يسلم ما عنده من الرهن ، وإن كان أذن له أن يرهنه إلى أجل لم يكن له أن يقوم عليه إلى محل الأجل فإذا حل الأجل فذلك له كما كان في الحال الأول .
الإذن بالأداء عن الراهن .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولو أدى الدين الحال أو الدين المؤجل بإذنه رجع به الآذن في الرهن على الراهن حالا ، ولو أداه بغير إذنه حالا كان الدين أو مؤجلا كان متطوعا بالأداء ، ولم يكن له الرجوع به على الراهن ، ولو اختلفا فقال الراهن الذي عليه الحق : أديت عني بغير أمري ، وقال الآذن له في الرهن : قد أديت عنك بأمرك كان القول قول الراهن المؤدى عنه ; لأنه الذي عليه الحق ; ولأن المؤدى عنه يريد أن يلزمه ما لا يلزمه إلا بإقراره أو ببينة تثبت عليه ، ولو شهد المرتهن الذي أدى إليه الحق على الراهن الذي عليه الحق أن مالك العبد الآذن له في الرهن أدى عنه بأمره كانت شهادته جائزة ويحلف مع شهادته إذا لم يبق من الحق شيء ، وليس ها هنا شيء يجره صاحب الحق إلى نفسه ، ولا يدفع عنها فأرد شهادته له ، وكذلك لو كان بقي من الحق شيء فشهد صاحب الحق المرتهن للمؤدى إليه أنه أدى بإذن الراهن الذي عليه الحق جازت شهادته له ، وكان في المعنى الأول .
ولو أذن الرجل أن يرهن عبدا له بعينه فرهن عبدا له آخر ثم اختلفا فقال مالك العبد : أذنت لك أن ترهن سالما فرهنت مباركا ، وقال الراهن : ما رهنت إلا مباركا ، وهو الذي أذنت لي به ، فالقول قول مالك العبد ، ومبارك خارج من الرهن . ولو اجتمعا على أنه أذن له أن يرهن سالما بمائة حالة فرهنه بها ، وقال مالك العبد : أمرتك أن ترهنه من فلان فرهنته من غيره كان القول قوله والرهن مفسوخ ; لأنه قد يأذن في الرجل الثقة بحسن مطالبته ، ولا يأذن في غيره ، وكذلك لو قال له : بعه من فلان بمائة فباعه من غيره بمائة أو أكثر لم يجز بيعه ; لأنه أذن له في [ ص: 178 ] بيع فلان ، ولم يأذن له في بيع غيره .
وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عبده فلانا وأذن لآخر أن يرهن ذلك العبد بعينه فرهنه كل واحد منهما على الانفراد وعلم أيهما رهنه أولا فالرهن الأول جائز والآخر مفسوخ ، وإن تداعيا المرتهنان في الرهن فقال أحدهما : رهني أول ، وقال الآخر : رهني أول وصدق كل واحد منهما الذي رهنه أو كذبه أو صدق الراهنان المأذون لهما بالرهن أحدهما ، وكذبا الآخر فلا يقبل قول الراهنين ، ولا شهادتهما بحال ; لأنهما يجران إلى أنفسهما ويدفعان عنها . أما ما يجران إليها فالذي يدعي أن رهنه صحيح يجر إلى نفسه جواز البيع على الراهن ، وأن يكون ثمن البيع في الرهن ما كان الرهن قائما دون ماله سواه وأما الذي يدفع أن رهنه صحيح فأن يقول رهني آخر فيدفع أن يكون لمالك الرهن الآذن له في الرهن أن يأخذه بافتكاك الرهن ، وإن تركه الغريم . وإن صدق مالك العبد المرهون أحد الغريمين فالقول قوله ; لأن الرهن ماله وفي ارتهانه نقص عليه لا منفعة له ، وإن لم يعلم ذلك مالك العبد ، ولم يدر أي الرهنين أولا فلا رهن في العبد ، ولو كان العبد المرهون حين تنازعا في أيديهما معا أو أقام كل واحد منهما بينة أنه كان في يده ، ولم توقت البينتان وقتا يدل على أنه كان رهنا في يد أحدهما قبل الآخر فلا رهن ، وإن وقتت وقتا يدل على أنه كان رهنا لأحدهما قبل الآخر كان رهنا للذي كان في يديه أولا .
وأي المرتهنين أراد أن أحلف له الآخر على دعواه أحلفته له ، وإن أراد أن أحلف لهما المالك أحلفته على علمه ، وإن أرادا أو أحدهما أن أحلف له راهنه لم أحلفه ; لأنه لو أقر بشيء أو ادعاه لم ألزمه إقراره ، ولم آخذ له بدعواه . ولو أن رجلا رهن عبده رجلين وأقر لكل واحد منهما بقبضه كله بالرهن ، فادعى كل واحد منهما أن رهنه ، وقبضه كان قبل رهن صاحبه ، وقبضه ، ولم يقم لواحد منهما بينة على دعواه ، وليس الرهن في يدي واحد منهما فصدق الراهن أحدهما بدعواه فالقول قول الراهن ، ولا يمين عليه للذي زعم أن رهنه كان آخرا ، ولو قامت بينة للذي زعم الراهن أن رهنه كان آخرا بأن رهنه كان أولا كانت البينة أولى من قول الراهن ، ولم يكن على الراهن أن يعطيه رهنا غيره ، ولا قيمة رهن ، ولو أن الراهن أنكر معرفة أيهما كان أولا وسأل كل واحد منهما يمينه وادعى علمه أنه كان أولا أحلف بالله ما يعلم أيهما كان أولا ، وكان الرهن مفسوخا ، وكذلك لو كان في أيديهما معا ، ولو كان في يد أحدهما دون الآخر وصدق الراهن الذي ليس الرهن في يديه كان فيها قولان . أحدهما : أن القول قول الراهن كان الحق الذي أقر له الراهن في العبد أقل من حق الذي زعم أن رهنه كان آخرا أو أكثر ; لأن ذمته لا تبرأ من حق الذي أنكر أن يكون رهنه آخرا ، ولا تصنع كينونة الرهن ها هنا في يده شيئا ; لأن الرهن ليس يملك بكينونته في يده . والآخر : أن القول قول الذي في يديه الرهن ; لأنه يملك بالرهن مثل ما يملك المرتهن غيره .
الرسالة في الرهن
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا دفع الرجل إلى الرجل متاعا فقال له : ارهنه عند فلان فرهنه عنده فقال الدافع : إنما أمرته أن يرهنه عندك بعشرة ، وقال المرتهن : جاءني برسالتك في أن أسلفك عشرين فأعطيته إياها فكذبه الرسول فالقول قول الرسول والمرسل ولا أنظر إلى قيمة الرهن ، ولو صدقه الرسول فقال : قد قبضت منك عشرين ، ودفعتها إلى المرسل ، وكذبه المرسل كان القول قول المرسل مع يمينه ما أمره إلا بعشرة ولا دفع إليه إلا هي ، وكان الرهن بعشرة ، وكان الرسول ضامنا للعشرة التي أقر [ ص: 179 ] بقبضها مع العشرة التي أقر المرسل بقبضها .
ولو دفع إليه ثوبا فرهنه عند رجل ، وقال الرسول : أمرتني برهن الثوب عند فلان بعشرة فرهنته ، وقال المرسل : أمرتك أن تستسلف من فلان عشرة بغير رهن ولم آذن لك في رهن الثوب فالقول قول صاحب الثوب والعشرة حالة عليه ، ولو كانت المسألة بحالها فقال : أمرتك بأخذ عشرة سلفا في عبدي فلان ، وقال الرسول : بل في ثوبك هذا أو عبدك هذا العبد غير الذي أقر به الآمر فالقول قول الآمر ، والعشرة حالة عليه ولا رهن فيما رهن به الرسول ولا فيما أقر به الآمر ; لأنه لم يرهن إلا أن يجددا فيه رهنا ولو كانت المسألة بحالها فدفع المأمور الثوب أو العبد الذي أقر الآمر أنه أمره برهنه كان العبد مرهونا والثوب الذي أنكر الآمر أنه أمره برهنه خارجا من الرهن ولو أقام المرتهن البينة أن الآمر أمر برهن الثوب وأقام الآمر البينة أنه أمر برهن العبد دون الثوب ولم يرهن المأمور العبد أو أنه نهى عن رهن الثوب كانت البينة بينة المرتهن وأجزت له ما أقام عليه البينة رهنا لأني إذا جعلت بينهما صادقة معا ، لم تكذب إحداهما الأخرى ; لأن بينة المرتهن بأن رب الثوب أكره برهنه قد تكون صادقة بلا تكذيب لبينة الراهن أنه نهى عن رهنه ولا أنه أمر برهن غيره ; لأنه قد ينهى عن رهنه بعد ما يأذن فيه ويرهن فلا ينفسخ ذلك الرهن وينهى عن رهنه قبل أن يرهن ثم يأذن فيه ، فإذا رهنه فلا يفسخ ذلك الرهن ، فإذا كانتا صادقتين بحال لم يحكم لهما حكم المتضادتين اللتين لا تكونان أبدا إلا وإحداهما كاذبة .
شرط ضمان الرهن
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا رهن الرجل الرجل عبدا بمائة ووضع الرهن على يدي عدل على أنه إن حدث في الرهن حدث ينقص ثمنه من المائة ، أو فات الرهن أو تلف فالمائة مضمونة على أجنبي أو ما نقص الرهن مضمون على أجنبي أو على الذي على يديه الرهن حتى يستوفي صاحب الحق رهنه أو يضمن الموضوع على يديه الرهن أو أجنبي ما نقص الرهن كان الضمان في ذلك كله ساقطا ; لأنه لا يجوز الضمان إلا بشيء معلوم ; ألا ترى أن الرهن إن وفى لم يكن ضامنا لشيء وإن نقص ضمن في شرطه فيضمن مرة دينارا ومرة مائتي دينار ومرة مائة وهذا ضمان مرة ولا ضمان أخرى وضمان غير معلوم ولا يجوز الضمان حتى يكون بأمر معلوم ، ولو رهن رجل رجلا رهنا بمائة وضمن له رجل المائة عن الراهن كان الضمان له لازما ، وكان للمضمون له أن يأخذه بضمانه دون الذي عليه الحق ، وقيل يباع الرهن ، وإذا كان لرجل على رجل حق إلى أجل فزاده في الأجل على أن يرهنه رهنا فرهنه إياه فالرهن مفسوخ والدين إلى أجله الأول .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث - كتاب البيوع
الحلقة (133)
صــــــــــ 179 الى صـــــــــــ186
تداعي الراهن وورثة المرتهن
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا مات المرتهن وادعى ورثته في الرهن شيئا ، فالقول قول الراهن ، وكذلك القول قوله لو كان المرتهن حيا فاختلفا ، وكذلك قول ورثة الراهن ، وإذا مات المرتهن فادعى الراهن أو ورثته أن الميت اقتضى حقه أو برأه منه فعليهم البينة فالقول قول ورثة الذي له الحق إذا عرف لرجل حقا أبدا فهو لازم لمن كان عليه لا يبرأ منه إلا بإبراء صاحب الحق له أو ببينة تقوم عليه [ ص: 180 ] بشيء يثبتونه بعينه فيلزمه . ولو رهن رجل رجلا رهنا بمائة دينار ثم مات المرتهن أو غلب على عقله فأقام الراهن البينة على أنه قضاه من حقه الذي به الرهن عشرة وبقيت عليه تسعون فإذا أداها ، فك له الرهن ، وإلا بيع الرهن عند محله واقتضيت منه التسعون ، ولو قالت البينة : قضاه شيئا ما نثبته أو قالت البينة : أقر عندنا المرتهن أنه اقتضى منه شيئا ما نثبته كان القول قول ورثته إن كان ميتا قيل أقروا فيها بشيء ما كان واحلفوا ما تعلمون أنه أكثر منه وخذوا ما بقي من حقكم ، ولو كان الراهن الميت والمرتهن الحي كان القول قول المرتهن فإن قال المرتهن قد قضاني شيئا من الحق ما أعرفه قيل للراهن إن كان حيا وورثته إن كان ميتا ادعيتم شيئا تسمونه أحلفناه لكم فإن حلف برئ منه ، وقلنا أقر بشيء ما كان فما أقر به وحلف ما هو أكثر منه ، قبلنا قوله فيه .
جناية العبد المرهون على سيده وملك سيده عمدا أو خطأ .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا رهن الرجل عبده فجنى العبد على سيده جناية تأتي على نفسه فولي سيده بالخيار بين القصاص منه وبين العفو بلا شيء في رقبته فإن اقتص منه فقد بطل الرهن فيه ، وإن عفا عنه بلا شيء يأخذه منه فالعبد مرهون بحاله ، وإن عفا عنه بأخذ ديته من رقبته ففيها قولان . أحدهما : أن جنايته على سيده إذا أتت على نفس سيده كجنايته على الأجنبي لا تختلف في شيء ومن قال هذا قال : إنما منعني إذا ترك الولي القود على أخذ المال أن أبطل الجناية أن الجناية التي لزمت العبد مال للوارث والوارث ليس بمالك للعبد يوم جنى فيبطل حقه في رقبته بأنه ملك له .
والقول الثاني : أن الجناية هدر من قبل أن الوارث إنما يملكها بعدما يملكها المجني عليه ، ومن قال هذا قال : لولا أن الميت مالك ما قضى بها دينه ، ولو كان للسيد وارثان فعفا أحدهما عن الجناية بلا مال كان العفو في القول الأول جائزا ، وكان العبد مرهونا بحاله ، وإن عفا الآخر بمال يأخذه بيع نصفه في الجناية ، وكان للذي لم يعف ثمن نصفه إن كان مثل الجناية أو أقل ، وكان نصفه مرهونا وسواء الذي عفا عن المال والذي عفا عن غير شيء فيما وصفت . ولو كانت المسألة بحالها وللسيد المقتول ورثة صغار وبالغون وأراد البالغون قتله لم يكن لهم قتله حتى يبلغ الصغار ، ولو أراد المرتهن بيعه عند محل الحق قبل أن يعفو أحد من الورثة لم يكن ذلك له ، وكان له أن يقوم في مال الميت بماله قيام من لا رهن له فإن حاص الغرماء فبقي من حقه شيء ثم عفا بعض ورثة الميت البالغين بلا مال يأخذه كان حق العافين من العبد رهنا له يباع له دون الغرماء حتى يستوفي حقه .
وإذا عفا أحد الورثة البالغين عن القود فلا سبيل إلى القود ويباع نصيب من لم يبلغ من الورثة ، ولم يعف ، إن كان البيع نظرا له في قول من قال إن ثمن العبد يملك بالجناية على مالكه حتى يستوفوا مواريثهم من الدية إلا أن يكون في ثمنه فضل عنها فيرد رهنا . ولو كانت جناية العبد المرهون على سيده الراهن عمدا فيها قصاص لم يأت على النفس كان للسيد الراهن الخيار في القود أو العفو فإن عفا على غير شيء فالعبد رهن بحاله ، وإن قال أعفوا على أن آخذ أرش الجناية من رقبته فليس له ذلك والعبد رهن بحاله ، ولا يكون له على عبده دين . وإن كانت جنايته على سيده عمدا لا قود فيها أو خطأ فهي هدر ; لأنه لا يستحق بجنايته عليه من العبد إلا ما كان له قبل جنايته ، ولا يكون له دين عليه ; لأنه مال له ، ولا يكون له على ماله دين .
وإن جنى العبد المرهون على عبد للسيد جناية في نفس أو ما دونها فالخيار إلى السيد الراهن فإن شاء اقتص منه في القتل وغيره مما فيه القصاص ، وإن شاء عفا وبأي [ ص: 181 ] الوجهين عفا فالعبد رهن بحاله إن عفا على غير شيء أو عفا على مال يأخذه فالعبد رهن بحاله ، ولا مال له في رقبة عبده ، ولو كانت جناية العبد المرهون على عبد للراهن مرهون عند آخر كان للسيد الخيار في القود أو في العفو بلا شيء يأخذه فأيهما اختار فذلك له ليس لمرتهن العبد المجني عليه أن يمنعه من ذلك .
وإن اختار العفو على مال يأخذه فالمال مرهون في يدي مرتهن العبد المجني عليه . وإن اختار سيد العبد عفو المال بعد اختياره إياه لم يكن ذلك له لحق المرتهن فيه .
( قال الشافعي ) : وبحق المرتهن أجزت للسيد الراهن أن يأخذ جناية المرتهن على عبده من عتق عبده الجاني ، ولا يمنع المرتهن السيد العفو على غير مال ; لأن المال لا يكون على الجاني عمدا حتى يختاره ولي الجناية .
وإذا جنى العبد المرهون على أم ولد للراهن أو مدبر أو معتق إلى أجل فهي كجنايته على مملوكه والعبد مرهون بحاله فإن جنى على مكاتب السيد فقتله عمدا فللسيد القود أو العفو فإن ترك القود فالعبد رهن بحاله ، وإن كانت الجناية على المكاتب جرحا فللمكاتب القود أو العفو على مال يأخذه ، وإذا عفاه عنه على مال بيع العبد الجاني فدفع إلى المكاتب أرش الجناية عليه ، وإذا حكم للمكاتب بأن يباع له العبد في الجناية عليه ثم مات المكاتب قبل بيعه أو عجز فلسيد المكاتب بيعه في الجناية حتى يستوفيها فيكون ما فضل من ثمنه أو رقبته رهنا ; لأنه إنما يملك بيعه عن مكاتبه بملك غير الملك الأول . ولو بيع والمكاتب حي ثم اشتراه السيد لم يكن عليه أن يعيده رهنا ; لأنه ملكه بغير الملك الأول .
وإذا جنى العبد المرهون على ابن للراهن أو أخ أو مولى جناية تأتي على نفسه والراهن وارث المجني عليه فللراهن القود أو العفو على الدية أو غير الدية فإذا عفا على الدية بيع العبد وخرج من الرهن فإن اشتراه الراهن فهو مملوك له لا يجبر أن يعيده إلى الرهن ; لأنه ملكه بغير الملك الأول .
وإن قال المرتهن : أنا أسلم العبد وأفسخ الرهن فيه وحقي في ذمة الراهن قيل : إن تطوعت بذلك ، وإلا لما تكره عليه وبلغنا الجهد في بيعه فإن فضل من ثمنه فضل فهو رهن لك ، وإن لم يفضل فالحق أتى على رهنه ، وإن ملكه الراهن بشراء أو ترك منه للرهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا ; لأنه ملكه بملك غير الأول وبطل الأول وبطل الرهن بفسخك الرهن ألا ترى أن رجلا لو رهن رجلا عبدا فاستحقه عليه رجل كان خارجا من الرهن ، وإن ملكه الراهن لم يكن عليه أن يعيده رهنا لمعنيين . أحدهما : أنه إذا كان رهنه ، وليس له فلم يكن رهنا كما لو رهنه رهنا فاسدا لم يكن رهنا . والآخر : أن هذا الملك غير الملك الأول ، وإنما يمنعني أن أبطل جناية العبد المرهون إذا جنى على ابن سيده أو على أحد السيد وارثه أن الجناية إنما وجبت للمجني عليه والمجني عليه غير سيد الجاني ، ولا راهنه ، وإنما ملكها سيده الراهن عن المجني عليه بموت المجني عليه وهذا ملك غير ملك السيد الأول .
ولو أن رجلا رهن عبده ثم عدا العبد المرهون على ابن لنفسه مملوك الراهن فقتله عمدا أو خطأ أو جرحه جرحا عمدا أو خطأ فلا قود بين الرجل وبين ابنه والجناية مال في عنق العبد المرهون فلا يكون للسيد بيعه بها ، ولا إخراجه من الرهن ; لأنه لا يكون له في عنق عبده دين وهكذا لو كانت أمة فقتلت ابنها ، ولو كان الابن المقتول رهنا لرجل غير المرتهن للأب بيع العبد الأب القاتل فجعل ثمن العبد المرهون المقتول رهنا في يدي المرتهن مكانه . ولو كان الابن مرهونا لرجل غير مرتهن الأب بيع الأب فجعل ثمن الابن رهنا مكانه ، ولم يكن للسيد عفوه ; لأن هذا لم يجب عليه قود قط إنما وجب في عتقه مال فليس لسيده أن [ ص: 182 ] يعفوه لحق المرتهن فيه .
ولو كان الأب والابن مملوكين لرجل ورهن كل واحد منهما رجلا على حدة فقتل الابن الأب كان لسيد الأب أن يقتل الابن أو يعفو عن القتل بلا مال ، وكذلك لو كان جرحه جرحا فيه قود كان له القود أو العفو بلا مال فإن اختار العفو بالمال بيع الابن وجعل ثمنه رهنا مكان ما لزمه من أرش الجناية . وإذا كان هذا القتل خطأ والعبدان مرهونان لرجلين مفترقين فلا شيء للسيد من العفو ويباع الجاني فيجعل ثمنه رهنا لمرتهن العبد المجني عليه ; لأنه لم يكن في أعناقهما حكم إلا المال لا خيار فيه لولي الجناية أجنبيا كان أو سيدا .
وإن جنى العبد المرهون على نفسه جناية عمدا أو خطأ فهي هدر ، وإن جنى العبد المرهون على امرأته أو أم ولده جناية فألقت جنينا ميتا فإن كانت الأمة لرجل فنكحها العبد فالجناية لمالك الجارية يباع فيها الرهن فيعطى قيمة الجنين إلا أن يكون في العبد الرهن فضل عن قيمة الجنين فيباع منه بقدر الجنين وجنايته على الجنين كجنايته على غيره خطأ ليس للسيد عفوها لحق المرتهن فيها ويكون ما بقي منه رهنا .
وإذا جنى العبد المرهون عن حر جناية عمدا فاختار المجني عليه أو أولياؤه العقل ببيع العبد المرهون بذهب أو ورق ثم اشترى بثمنه إبلا فدفعت إلى المجني عليه إن كان حيا أو أوليائه إن كان ميتا ، وكذلك إذا جناها خطأ ، وإن اختار أولياؤه العفو عن الجناية على غير شيء يأخذونه فالعبد مرهون بحاله .
إقرار العبد المرهون بالجناية
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإن رهن الرجل الرجل عبدا وأقبضه المرتهن فادعى عليه المرتهن أنه جنى عليه أو على رجل هو وليه جناية عمدا في مثلها قود فأقر بذلك العبد المرهون وأنكر الراهن ذلك أو لم يقر به ، ولم ينكره فإقرار العبد لازم له وهو كقيام البينة عليه ، ولا يكون قبوله أن يرتهنه وهو جان عليه إبطالا لدعواه لجناية كانت قبل الرهن أو بعده أو معه ، وله الخيار في أخذ القود أو العفو بلا مال أو العفو بمال فإن اختار القود فذلك ، وإن اختار العفو بلا مال فالعبد مرهون بحاله ، وإن اختار المال بيع العبد في الجناية فما فضل من ثمنه كان رهنا . وإن أقر العبد بجناية خطأ أو عمدا لا قود فيها بحال أو كان العبد مسلما والمرتهن كافرا فأقر عليه بجناية عمدا أو أقر بجناية على ابن نفسه وكل من لا يقاد منه بحال فإقراره باطل ; لأنه أقر في عبوديته بمال في عنقه ، وإقراره بمال في عنقه كإقراره بمال على سيده ; لأن عتقه وما بيعت به عتقه مال لسيده ما كان مملوكا لسيده وسواء كان ما وصفت من الإقرار على المرتهن أو أجنبي غير المرتهن . ولو كان مكان الأجنبي والمرتهن سيد العبد الراهن فأقر العبد بجناية على سيده قبل الرهن أو بعده ، وكذبه المرتهن فإن كانت الجناية مما فيه قصاص جازت على العبد فإن اقتص فذلك ، وإن لم يقتص فالعبد مرهون بحاله .
فإن كانت الجناية عمدا على ابن الراهن أو من الراهن وليه فأتت على نفسه فأقر بها العبد المرهون فإقراره جائز ولسيده الراهن قتله أو العفو على مال يأخذه في عنقه كما يكون ذلك له في الأجنبي والعفو على غير مال فإن عفا على غير مال فهو رهن بحاله ، ولا يجوز إقرار العبد الرهن ، ولا غير الرهن على نفسه حتى يكون ممن تقوم عليه الحدود فإذا كان ممن تقوم عليه الحدود فلا يجوز إقراره على نفسه إلا فيما فيه القود . وإذا أقر العبد المرهون على نفسه بأنه جنى جناية خطأ على غير سيده وصدقه المرتهن ، وكذبه مالك العبدفالقول قول مالك العبد مع يمينه والعبد مرهون بحاله ، وإذا بيع بالرهن [ ص: 183 ] لم يحكم على المرتهن بأن يعطي ثمنه ، ولا شيئا منه للمجني عليه ، وإن كان في إقراره أنه أحق بثمن العبد منه ; لأن إقراره يجمع معنيين . أحدهما : أنه أقر به في مال غيره ، ولا يقبل إقراره في مال غيره . والآخر : أنه إنما أقر للمجني عليه بشيء إذا ثبت له فماله ليس في ذمة الراهن فلما سقط أن يكون ماله في ذمة الراهن دون العبد سقط عنه الحكم بإخراج ثمن العبد من يديه والورع للمرتهن أن يدفع من ثمنه إلى المجني عليه قدر أرش الجناية ، وإن جحده حل له أن يأخذ أرش ذلك من ثمن العبد ، ولا يأخذه إن قدر من مال الراهن غير ثمن العبد .
وهكذا لو أنكر العبد الجناية وسيده وأقر بها المرتهن ، ولو ادعى المرتهن أن العبد المرهون في يديه جنى عليه جناية خطأ وأقر بذلك العبد وأنكر الراهن كان القول قوله ، ولم يخرج العبد من الرهن وحل للمرتهن أخذ حقه في الرهن من وجهين من أصل الحق والجناية إن كان يعلمه صادقا . ولو ادعى الجناية على العبد المرهون خطأ لابن له هو وليه وحده أو معه ولي غيره والجناية خطأ وأقر بذلك العبد وأنكره السيد فالقول فيه قول السيد والعبد مرهون بحاله ، وهي كالمسألة في دعوى الأجنبي على العبد الجناية خطأ ، وإقرار العبد والمرتهن بها وتكذيب المالك له .
جناية العبد المرهون على الأجنبيين .
( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا جنى العبد المرهون أو جني عليه فجنايته والجناية عليه كجناية العبد غير المرهون والجناية عليه ومالكه الراهن الخصم فيه فيقال له إن فديته بجميع أرش الجناية فأنت متطوع والعبد مرهون بحاله ، وإن لم تفعل لم تجبر على أن تفديه وبيع العبد في جنايته ، وكانت الجناية أولى به من الرهن كما تكون الجناية أولى به من ملكك فالرهن أضعف من ملكك ; لأنه إنما يستحق فيه شيء بالرهن بملكك فإن كانت الجناية لا تبلغ قيمة العبد المرهون ، ولم يتطوع مالكه بأن يفديه لم يجبر سيده ، ولا المرتهن على أن يباع منه إلا بقدر الجناية ويكون ما بقي منه مرهونا ، ولا يباع كله إذا لم تكن الجناية تحيط بقيمته إلا باجتماع الراهن والمرتهن على بيعه فإذا اجتمعا على بيعه بيع فأديت الجناية وخير مالكه بين أن يجعل ما بقي من ثمنه قصاصا من الحق عليه أو يدعه رهنا مكان العبد ; لأنه يقوم مقامه ، ولا يكون تسليم المرتهن بيع العبد الجاني كله ، وإن كان فيه فضل كبير عن الجناية فسخا منه لرهنه ، ولا ينفسخ فيه الرهن إلا بأن يبطل حقه فيه أو يبرأ الراهن من الحق الذي به الرهن ، ولا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون ثمن عبده رهنا غير مضمون على أن يكون قصاصا من دينه وتبرأ ذمته مما قبض منه .
وإذا اختار أن يكون رهنا لم يكن للمرتهن الانتفاع بثمنه ، وإن أراد الراهن قبضه ; لينتفع به لم يكن ذلك له ، وليس المنفعة بالثمن الذي هو دنانير ودراهم كالمنفعة بالعبد الذي هو عين لو باعه لم يجز بيعه ورد بحاله ، وإذا بيع العبد المرهون في الجناية أو بعضه لم يكلف الراهن أن يجعل مكانه رهنا ; لأنه بيع بحق لزمه لا إتلاف منه هو له ، وإن أراد المرتهن أن يفديه بالجناية قيل له إن فعلت فأنت متطوع ، وليس لك الرجوع بها على مالك العبد والعبد رهن بحاله ، وإن فداه بأمر سيده وضمن له : ما فداه به رجع بما فداه به على سيده ، ولم يكن رهنا إلا أن يجعله له رهنا به فيكون رهنا به مع الحق الأول .
( قال الربيع ) : معنى قول الشافعي إلا أن يريد أن ينفسخ الرهن الأول فيجعله رهنا بما كان مرهونا وبما فداه به بإذن سيده .
( قال الشافعي ) : وإن كانت جناية العبد الرهن عمدا فأراد المجني عليه أو وليه أن يقتص منه فذلك له ، ولا يمنع الرهن حقا عليه في عنقه ، ولا في بدنه ، ولو كان جنى قبل أن يرهن ثم قام عليه المجني عليه كان ذلك له كما يكون له لو جنى [ ص: 184 ] بعد أن كان رهنا لا يختلف ذلك ، ولا يخرجه من الرهن أن يجني قبل أن يكون رهنا ثم يرهن ، ولا بعد أن يكون رهنا إذا لم يبع في الجناية .
وإذا جنى العبد المرهون ، وله مال أو اكتسب بعد الجناية مالا أو وهب له فماله لسيده الراهن دون المرتهن وجنايته في عنقه كهي في عنق العبد غير المرهون . ولو بيع العبد المرهون فلم يتفرق البائع والمشتري حتى جنى كان للمشتري رده ; لأن هذا عيب حدث به ، وله رده بلا عيب . ولو جنى ثم بيع فعلم المشتري قبل التفرق أو بعده بجنايته كان له رده ; لأن هذا عيب دلس له ، ولو بيع وتفرق المتبايعان أو خير أحدهما صاحبه بعد البيع فاختار إمضاء البيع ثم جنى كان من المشترى ، ولم يرد البيع ; لأن هذا حادث في ملكه بعد تمام البيع بكل حال له ، ولو جنى العبد الرهن جناية عمدا كان للمجني عليه أو وليه الخيار بين الأرش والقصاص فإن اختار الأرش كان في عنق العبد يباع فيه كما يباع في الجناية خطأ ، وإن اختار القصاص كان له .
وإذا جنى العبد المرهون فلم يقده سيده بالجناية فبيع فيها لم يكلف سيده أن يأتي برهن سواه ; لأنه بيع عليه بحق لا جناية للسيد فإن كان السيد أمر العبد بالجناية ، وكان بالغا يعقل فهو آثم ، ولا يكلف السيد إذا بيع فيها أو قتل أن يأتي برهن غيره ، وإن كان العبد صبيا أو أعجميا فبيع في الجناية كلف السيد أن يأتي بمثل قيمته ثمنا ويكون رهنا مكانه إلا أن يشاء أن يجعلها قصاصا من الحق ، وإذا تم الرهن بالقبض كان المرتهن أولى به من غرماء السيد وورثته إن مات وأهل وصاياه حتى يستوفي فيه ثم يكون لهم الفضل عن حقه .
وإذا أذن الرجل للرجل أن يرهن عبدا للإذن فرهنه فجنى العبد المرهون جناية فجنايته في عنقه والقول في هل يرجع سيد العبد الآذن على الراهن المأذون له بما لزم عبده من جنايته وبتلف إن أصابه في يديه قبل أن يفديه كما يرجع عليه لو أن العبد المرهون عارية في يديه لا رهن أو لا يرجع ؟ قولان . أحدهما : أنه عارية فهو ضامن له كما تضمن العارية . والآخر : أنه لا يضمن شيئا مما أصابه ومن قال هذا قال : فليس كالعارية ; لأن خدمته لسيده والرهن في عنقه كضمان سيده لو ضمن عن الراهن والعارية ما كانت منفعتها مشغولة عن معيرها ومنفعة هذا له قائمة ومن ضمن الراهن ضمن رجلا لو رهن الرجل عن الرجل متاعا له بأمر المرهون ، وكان هذا عندي أشبه القولين . والله تعالى أعلم .
الجناية على العبد المرهون فيما فيه قصاص
( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا رهن الرجل الرجل عبده ، وقبضه المرتهن فجنى على العبد المرهون عبد للراهن أو للمرتهن أو لغيرهما جناية أتت على نفسه فالخصم في الجناية سيد العبد الراهن ، ولا ينتظر الحاكم المرتهن ، ولا وكيله ليحضر السيد ; لأن القصاص إلى السيد دون المرتهن وعلى الحاكم إذا ثبت ما فيه القصاص أن يخير سيد العبد الراهن بين القصاص وأخذ قيمة عبده إلا أن يعفو فإن اختار القصاص دفع إليه قاتل عبده فإن قتله قتله بحقه ، ولم يكن عليه أن يبدل المرتهن شيئا مكانه كما لا يكون عليه لو مات أن يبدله مكانه .
ولو عفا عنه بلا مال يأخذه منه كان ذلك له ; لأنه دم ملكه فعفاه ، وإن اختار أخذ قيمة عبده أخذه القاضي بأن يدفعه إلى المرتهن إن كان الرهن على يديه أو من على يديه الرهن إلا أن يشاء أن يجعله قصاصا من حق المرتهن عليه ، وإن اختار ترك القود على أخذ قيمة عبده ثم [ ص: 185 ] أراد عفوا بلا أخذ قيمة عبده لم يكن ذلك له وأخذت قيمة عبده فجعلت رهنا . وكذلك لو اختار أخذ المال ثم قال : أنا أقتل قاتل عبدي فليس ذلك له ، وإن اختار أخذ المال بطل القصاص ; لأنه قد أخذ أحد الحكمين وترك الآخر .
وإن عفا المال الذي وجب له بعد اختياره أو أخذه وهو أكثر من قيمة عبده أو مثله أو أقل لم يجز عفوه ; لأنه وهب شيئا قد وجب رهنا لغيره ، وإذا برئ من المال بأن يدفع الحق إلى المرتهن من مال له غير المال المرهون أو أبرأه منه المرتهن رد المال الذي عفاه عن العبد الجاني على سيد الجاني ; لأن العفو براءة من شيء بيد المعفو عنه فهو كالعطية المقبوضة ، وإنما رددتها لعلة حق المرتهن فيها فإذا ذهبت تلك العلة فهي تامة لسيد العبد الجاني بالعفو المتقدم ، وإذا قضى المرتهن حقه مما أخذ من قيمة عبده لم يغرم من المال الذي قضاه شيئا للمعفو عنه .
وإن فضل في يديه فضل عن حقه رده على سيد العبد المعفو عنه الجناية ، والمال ، وإن أراد مالك العبد الراهن أن يهب للمرتهن ما فضل عن حقه لم يكن ذلك له ، وإن قضي بقيمة العبد المقتول المرهون دراهم ، وحق المرتهن دنانير وأخذها الراهن فدفعها إلى المرتهن فأراد الراهن أن يدعها للمرتهن بحقه ، ولم يرد ذلك المرتهن لم يكن ذلك له وبيعت فأعطي صاحب الحق وسيد العبد المعفو عنه ما فضل من أثمانها .
وإنما منعني لو كان الراهن موسرا أن أسلم عفوه عن المال بعد أن اختاره وأصنع فيه ما أصنع في العبد لو أعتقه وهو موسر أن حكم العتق مخالف جميع ما سواه أنا إذا وجدت السبيل إلى العتق ببدل منه أمضيته وعفو المال مخالف له فإذا عفا ما غيره أحق به حتى يستوفى حقه كان عفوه في حق غيره باطلا كما لو وهب عبده المرهون لرجل وأقبضه إياه أو تصدق به عليه صدقة محرمة وأقبضه إياه كان ما صنع من ذلك مردودا حتى يقبض المرتهن حقه من ثمن رهنه والبدل من رهنه يقوم مقام رهنه لا يختلفان .
ولو جنى على العبد المرهون ثلاثة أعبد كان على الحاكم أن يخير سيد العبد المقتول بين القصاص وبين أخذ قيمة عبده أو العفو فإن اختار القصاص فيهم فذلك له في قول من قتل أكثر من واحد بواحد ، وإن اختار أن يقتص من أحدهم ويأخذ ما لزم الاثنين من قيمة عبده كان له ويباعان فيها كما وصفت ويكون ثمن عبده من ثمنهما رهنا كما ذكرت ، وإن اختار أن يأخذ ثمن عبده منهما ثم أراد عفوا عنهما أو عن أحدهما كان الجواب فيها كالجواب في المسألة قبلها في العبد الواحد إذا اختار أخذ قيمة عبده من رقبته ثم عفاها وأحب أن يحضر الحاكم المرتهن أو وكيله احتياطا لئلا يختار الراهن أخذ المال ثم يدعه أو يفرط فيه فيهرب العبد الجاني . وإن اختار الراهن أخذ المال من الجاني على عبده ثم فرط فيه حتى يهرب الجاني لم يغرم الراهن شيئا بتفريطه ، ولم يكن عليه أن يضع رهنا مكانه ، وكان كعبده لو رهنه رجلا فهرب ، ولا أجعل الحق حالا بحال وهو إلى أجل ، ولو تعدى فيه الراهن .
ولو جنى حر وعبد على عبد مرهون جناية عمدا كان نصف قيمة العبد المرهون على الحر في ماله حالة تؤخذ منه فتكون رهنا إلا أن يتطوع الراهن بأن يجعلها قصاصا إذا كانت دنانير أو دراهم وخير في العبد كما وصفت بين قتله أو العفو عنه أو أخذ قيمة عبده من عنقه فإن مات العبد الجاني فقد بطل ما عليه من الجناية ، وإن مات الحر فنصف قيمته في ماله ، وإن أفلس الحر فهو غريم وكل ما أخذ منه كان مرهونا والحق كله في ذمة الراهن لا يبرأ منه بتلف الرهن وتلف العوض منه بحال .
ولو كانت الجناية على العبد المرهون جناية دون النفس مما فيه القصاص كان القول فيها كالقول في الجناية في النفس لا يختلف بتخيير السيد الراهن بين أخذ القصاص لعبده ، أو العفو عن القصاص بلا شيء أو أخذ العقل فإن اختار أخذ العقل كان كما وصفت ، ولا خيار للعبد المجني عليه ، إنما الخيار لمالكه لا له ; لأنه يملك بالجناية مالا والملك لسيده دونه . ولو كان الجاني على العبد المرهون عبدا للراهن أو عبدا له وعبدا لغيره [ ص: 186 ] ابن أو غيره كان القول في عبد غيره ابنه كان أو غيره كالقول في المسائل التي قبله وخير في عبده الجاني على عبده كما يخير في عبيد غيره بين القود أو العفو عن القود بلا شيء يأخذه ; لأنه إنما يدعي قودا جعل إليه تركه .
وإن لم يعف القود إلا على اختيار العوض من المال كان عليه أن يفدي عبده الجاني إن كان منفردا بجميع أرش الجناية فإذا فعل خير بين أن يجعلها قصاصا أو يسلمها رهنا فإن كان أرش الجناية ذهبا أو ورقا كالحق عليه فشاء أن يجعله قصاصا فعل ، وإن كانت إبلا أو شيئا غير الحق فشاء أن يبيعها ويقضي المرتهن منها حتى يستوفي حقه أو لا يبقي من ثمنها شيئا فعل .
وإن شاء أن يبيعها ويجعل ثمنها رهنا لم يكن له ذلك ; لأن البدل من العبد المرهون يقوم مقامه ، ولا يكون له أن يبيع البدل منه كما لا يكون له أن يبيعه ويجعل ثمنه رهنا ، ولا يبدله بغيره فإن قضى بجناية العبد دنانير والحق دراهم كانت الدنانير رهنا ، ولا يكون للمرتهن أن يجعل ثمن العبد المبيع في الجناية دراهم كالحق ثم يجعلها رهنا وعليه أن يجعلها رهنا كما بيع عبده بهما فإذا كانت جناية عبد الراهن غير المرهون على عبده المرهون في شيء فيه قصاص دون النفس فهكذا لا يختلف .
ولو أن رجلا رهن رجلا عبدا ورهن آخر عبدا فعدا أحد عبديه على الآخر فقتله أو جنى عليه جناية دون النفس فيها قود فالقول فيها كالقول في عبد غير مرهون وعبد أجنبي يجني على عبده يخير بين قتله أو القصاص من جراحه أو العفو بلا أخذ شيء فإن عفا فالعبد مرهون بحاله ، وإن اختار أخذ المال بيع العبد المرهون ثم جعلت قيمة العبد المرهون المقتول رهنا مكانه إلا أن يشاء الراهن أن يجعلها قصاصا .
وإن كانت جرحا جعل أرش جرح العبد المرهون رهنا مع العبد المرهون كشيء من أصل الرهن ، وإن كانت الجناية جرحا لا يبلغ قيمة العبد المرهون الجاني جبر الراهن والمرتهن على أن يباع منه بقدر أرش الجناية ، ولم يجبرا على بيعه إلا أن يشاءا ذلك ، وكان ما يبقى من العبد رهنا بحاله ، ولو رضي صاحب الحق المجني على رهنه وسيد العبد المرهون الجاني ومرتهنه بأن يكون سيد العبد المجني عليه شريكا للمرتهن في العبد الجاني بقدر قيمة الجناية لم يجز ذلك ; لأن العبد المجني عليه ملك للراهن لا للمرتهن وجبر على بيع قدر الرهن إلا أن يعفو المرتهن حقه .
وإذا رهن الرجل عبدا فأقر العبد بجناية عمدا فيها القود ، وكذبه الراهن والمرتهن فالقول قول العبد والمجني عليه بالخيار في القصاص أو أخذ المال ، وإن كانت عمدا لا قصاص فيها أو خطأ فإقرار العبد ساقط عنه في حال العبودية ، ولو أقر سيد العبد المرهون أو غير المرهون على عبده أنه جنى جناية فإن كانت مما فيه قصاص فإقراره ساقط عن عبده إذا أنكر العبد ، وإن كانت مما لا قصاص فيه فإقراره لازم لعبده ; لأنها مال ، وإنما أقر في ماله .
( قال أبو محمد ) وفيها قول آخر أنه لا يخرج العبد من يدي المرتهن بإقرار السيد أن عبده قد لزمه جناية لا قصاص فيها ; لأنه إنما يقر في عبد المرتهن أحق برقبته حتى يستوفي حقه فإذا استوفى حقه كان للذي أقر له السيد بالجناية أن يكون أحق بالعبد حتى يستوفي جنايته .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -الرهن الصغير
الحلقة (134)
صــــــــــ 187 الى صـــــــــــ193
الجناية على العبد المرهون فيما فيه العقل .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا جنى أجنبي على عبد مرهون جناية لا قود فيها على الجاني بحال مثل أن يكون الجاني حرا فلا يقاد منه لمملوك أو يكون الجاني أب العبد المجني عليه أو جده أو أمه أو جدته أو يكون الجاني لم يبلغ أو معتوها أو تكون الجناية مما لا قود فيه بحال مثل المأمومة والجائفة أو [ ص: 187 ] تكون الجناية خطأ فمالك العبد المرهون الخصم في الجناية ، وإن أحب المرتهن حضر الخصومة . وإذا قضي على الجاني بالأرش في العبد المرهون لم يكن لسيد العبد الراهن عفوها ، ولا أخذ أرش الجناية دون المرتهن وخير الراهن بين أن يكون أرش الجناية قصاصا من الدين الذي في عنق العبد أو يكون موضوعا للمرتهن على يدي من كان الرهن على يديه إلى أن يحل الحق .
ولا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون أرش الجناية موضوعا غير مضمون على أن يكون قصاصا وسواء أتت الجناية على نفس العبد المرهون أو لم تأت عليها إذا كانت جناية لها أرش لا قود فيها ، وإن كان أرش الجناية ذهبا أو فضة فسأل الراهن أن يتركه والانتفاع بها كما يترك خدمة العبد وركوب الدابة المرهونة وسكنى الدار وكراءها لم يكن ذلك له ; لأن العبد والدابة والدار عين قائمة معلومة لا تتغير والعبد والدابة ينفعان بلا ضرر عليهما ويردان إلى مرتهنهما والدار لا تحول ، ولا ضرر في سكنها على مرتهنها والدنانير والدراهم لا مؤنة فيها على راهنها ، ولا منفعة لها إلا بأن تصرف في غيرها .
وليس للراهن صرف الرهن في غيره ; لأن ذلك إبداله ، ولا سبيل له إلى إبدالها ، وهي تختلط وتسبك ، ولا تعرف عينها . وإن كان صلحا برضا المرتهن كن أرش جنايته على إبل وهي موضوعة على يدي من الرهن على يديه ، وعلى الراهن علفها وصلاحها ، وله أن يكريها وينتفع بها كما يكون ذلك له في إبل له لو رهنها ، وإن سأل المرتهن أن تباع الإبل فتجعل ذهبا أو ورقا لم يكن ذلك له ; لأن ذلك كعين رهنه إذ رضي به ، كما لو سأل الراهن إبدال الرهن لم يكن ذلك له .
وإن أراد الراهن مصالحة الجاني على عبده بشيء غير ما وجب له لم يكن ذلك له ; لأن ما وجب له يقوم مقامه ومصالحته بغيره إبدال له كأن وجب له دنانير فأراد مصالحته بدراهم إلا أن يرضى بذلك المرتهن فإذا رضي به فما أخذ بسبب الجناية على رهنه فهو رهن له .
وإن أراد سيد العبد المرهون العفو عن أرش الجناية على عبده لم يكن ذلك له إلا أن يبرئه المرتهن أو يوفيه الراهن حقه متطوعا به ، ولو كانت الجناية على العبد أكثر من حق المرتهن مرارا لم يكن له أن يضع شيئا من الجناية كما لو زاد العبد في يديه لم يكن له أن يخرج قيمة زيادته من رقبته إلا أن يتطوع مالك العبد الراهن بأن يدفع إلى المرتهن جميع حقه في العبد حالا ، فإن فعل فذلك له فإن أراد المرتهن ترك الرهن وأن لا يأخذ حقه حالا لم يكن ذلك له وجبر على أخذه إلا أن يشاء إبطال حقه فيبطل إذا أبطله .
( قال ) : والجناية على الأمة المرهونة كالجناية على العبد المرهون ، لا تختلف في شيء إلا في الجناية عليها بما يقع على غيرها فإن ذلك في الأمة ، وليس في العبد بحال وذلك مثل أن يضرب بطنها فتلقي جنينا فيؤخذ أرش الجنين ويكون لمالكه لا يكون مرهونا معها ، وإن نقصها نقصا له قيمة بلا جرح له أرش يبقى أثره لم يكن على الجاني شيء سوى أرش الجنين ; لأن الجنين المحكوم فيه ، وإن جنى على الأمة جناية لها جرح له عقل معلوم أو فيه حكومة وألقت جنينا أخذ من الجاني أرش الجرح أو حكومته فكان رهنا مع الجارية ; لأن حكمه بها دون الجنين ، وكان عقل الجنين لمالكها الراهن ; لأنه غير داخل في الرهن .
والجناية على كل رهن من الدواب كهي على كل رهن من الرقيق لا يختلف في شيء إلا أن في الدواب ما نقصها وجراح الرقيق في أثمانهم كجراح الأحرار في دياتهم ، وفي خصلة واحدة أن من جنى على أنثى من البهائم فألقت جنينا ميتا فإنما يضمن الجاني عليها ما نقصتها الجناية عن قيمتها تقوم يوم جني عليها وحين ألقت الجنين فنقصت ، ثم يغرم الجاني ما نقصها فيكون مرهونا معها ، وإن جنى عليها فألقت جنينا حيا ، ثم مات مكانه ففيها قولان .
أحدهما : أن عليه قيمة الجنين حين سقط ; لأنه جان عليه ، ولا يضمن إن كان إلقاؤه نقص أمه شيئا أكثر [ ص: 188 ] من قيمة الجنين إلا أن يكون جرحا يلزم عيبه فيضمنه مع قيمة الجنين كما قيل في الأمة لا يختلفان . والثاني : أن عليه الأكثر من قيمة الجنين وما نقص أمه ويخالف بينها وبين الأمة يجني عليها فيختلفان في أنه لا قود بين البهائم بحال على جان عليها وللآدميين قود على بعض من يجنى عليهم .
وكل جناية على رهن غير آدمي ، ولا حيوان لا تختلف سواء فيما جنى على الرهن ما نقصه لا يختلف ويكون رهنا مع ما بقي من المجني عليه إلا أن يشاء الراهن أن يجعله قصاصا ، وقيمة ما جنى على الرهن غير الآدميين ذهب أو فضة إلا أن يكون كيل أو وزن يوجد مثله فيتلف منه شيء فيؤخذ بمثله وذلك مثل حنطة رهن يستهلكها رجل فيضمن مثلها ، ومثل ما في معناها .
وإن جنى على الحنطة المرهونة جناية تضر عينها بأن تعفن أو تحمر أو تسود ضمن ما نقص الحنطة تقوم صحيحة غير معيبة كما كانت قبل الجناية وبالحال التي صارت إليها بعد الجناية ثم يغرم الجاني ما نقصها من الدنانير أو الدراهم وأي نقد كان الأغلب بالبلد الذي جنى به جبر عليه ، ولم يكن له الامتناع منه إن كان الأغلب بالبلد الذي جنى به دنانير بدنانير ، وإن كان الأغلب دراهم فدراهم وكل قيمة فإنما هي بدنانير أو بدراهم .
والجناية على العبيد كلها دنانير أو دراهم لا إبل ، ولا غير الدنانير والدراهم إلا أن يشاء ذلك الجاني ، والراهن والمرتهن أخذ إبل وغيرها بما يصح فيكون ما أخذ رهنا مكان العبد المجني عليه إن تلف أو معه إن نقص ويكون ما غرم رهنا مع أصل الرهن إلا أن يشاء الراهن أن يجعله قصاصا كما وصفت .
وإذا جنى الراهن على عبده المرهون كانت جنايته كجناية الأجنبي لا تبطل عنه بأنه مالك له ; لأن فيه حقا لغيره ، ولا تترك بنقص حق غيره ويؤخذ بأرش الجناية على عبده وأمته كما يؤخذ بها الأجنبي فإن شاء أن يجعلها قصاصا من الحق بطل عن المرتهن بقدر أرش الجناية وهكذا لو جنى ابن الراهن أو أبوه أو امرأته على عبده المرهون .
ولو جنى عبد للراهن غير مرهون على عبده المرهون خير الراهن بين أن يفدي عبده بجميع أرش الجناية على عبده المرهون متطوعا أو يجعلها قصاصا من الحق أو يباع عبده فيؤدى أرش الجناية على المرهون فيكون رهنا معه ، ولا تبطل الجناية على عبده عن عبده ; لأن في ذلك نقصا للرهن على المرتهن إلا في أن يرهن الرجل الرجل الواحد العبدين فيجني أحدهما على الآخر والجناية خطأ أو عمد لا قود فيه .
لأن الراهن المالك لا يستحق من ملك عبده المرهون إلا ما كان له قبل الجناية ، وأن المرتهن لا يستحق من العبد الجاني المرهون بالرهن إلا ما كان له قبل الجناية فبهذا صارت الجناية هدرا . وهكذا لو أن رجلا رهن عبدا له بألف درهم ورهنه أيضا عبدا له آخر بمائة دينار أو بحنطة مكيلة فجنى أحدهما على الآخر كانت الجناية هدرا ; لأن المرتهن مستحق لهما معا بالرهن والراهن مالك لهما معا فحالهما قبل الجناية وبعدها في الرهن والملك سواء .
ولو أن رجلا رهن عبدا له رجلا ورهن عبدا له آخر رجلا غيره فجنى أحدهما على الآخر كانت جنايته عليه كجناية عبد أجنبي مرهون ويخير السيد بين أن يفدي العبد الجاني بجميع رأس جناية المجني عليه فإن فعل فالعبد الجاني رهن بحاله ، وإن لم يفعل بيع العبد الجاني فأديت الجناية ، وكانت رهنا فإن فضل منها فضل كان رهنا لمرتهن الجاني ، وإن كان في الجاني فضل عن أرش الجناية فشاء الراهن والمرتهن العبد الجاني بيعه معا بيع ورد فضله رهنا إلا أن يتطوع السيد أن يجعله قصاصا .
وإن دعا أحدهما إلى بيعه وامتنع الآخر لم يجبر على بيعه كله إذا كان في ثمن بعضه ما يؤدي أرش الجناية وجناية المرتهن وأب المرتهن وابنه من كان منه بسبيل وعبده على الرهن كجناية الأجنبي لا فرق بينهما ، وإن كان [ ص: 189 ] الحق حالا فشاء أن تكون جنايته قصاصا كانت ، وإن كان إلى أجل فشاء الراهن أن يجعله قصاصا فعل ، وإن لم يشأ الراهن أخرج المرتهن قيمة جنايته فكانت موضوعة على يدي العدل الموضوع على يديه الرهن ، وإن كان الرهن على يدي المرتهن فشاء الراهن أن يخرج الرهن وأرش الجناية من يديه ، وكانت الجناية عمدا فذلك له ; لأن الجناية عمدا تغير من حال الموضوع على يديه الرهن .
وإن كانت خطأ لم يكن له إخراجها من يديه إلا أن يتغير حاله عن حالة الأمانة إلى حال تخالفها ، وإذا كان العبد مرهونا فجني عليه فسواء برئ الراهن مما في العبد من الرهن إلا درهما أو أقل ، وكان في العبد فضل أو لم يبرأ من شيء منه ، ولم يكن في العبد فضل ; لأنه إذا كان مرهونا بكله فلا يخرجه من الرهن إلا أن لا يبقى فيه شيء من الرهن ، وكذلك لا يخرج شيئا من أرش الجناية عليه ; لأنها كهو ، وكذلك لو كانوا عبيدا مرهونين معا لا يخرج شيء من الرهن إلا بالبراءة من آخر الحق .
ولو رهن رجل رجلا نصف عبده ثم جنى عليه الراهن ضمن نصف أرش جنايته للمرتهن كما وصفت وبطل عنه نصف جنايته ; لأن الجناية على نصفين نصف له لا حق لأحد فيه فلا يلزمه لنفسه غرم ونصف للمرتهن فيه حق فلا يبطل عنه ، وإن كان مالكه لحق المرتهن فيه ، ولو جنى عليه أجنبي جناية كان نصفها رهنا ونصفها مسلما لمالك العبد ، ولو عفا مالك العبد الجناية كلها كان عفوه في نصفها جائزا ; لأنه مالك لنصفه ، ولا حق لأحد معه فيه وعفوه في النصف الذي المرتهن فيه حق مردود .
ولو عفا المرتهن عن الجناية دون الراهن كان عفوه باطلا ; لأنه لا يملك الجناية إنما ملكها للراهن ، وإنما ملك احتباسها بحقه حتى يستوفيه وسواء كان حق المرتهن حالا أو إلى أجل فإن كان إلى أجل فقال : أنا أجعل الجناية قصاصا من حقي لم يكن ذلك له ; لأن حقه غير حال ، وإن كان حالا كان ذلك له إن كان حقه دنانير ، وقضي بالجناية دنانير أو دراهم فقضي بالجناية دراهم ; لأن ما وجب لسيد العبد مثل ما للمرتهن ، وإن قضي بأرش الجناية دراهم والحق على الغريم دنانير فقال : أجعل الجناية قصاصا من حقي لم يكن ذلك له ; لأن الجناية غير حقه ، وكذلك لو قضي بالجناية دراهم وحقه دنانير أو دنانير ، وله دراهم لم يكن له أن يجعل الجناية قصاصا من حقه ; لأن أرش الجناية غير حقه ، وإنما يكون قصاصا ما كان مثلا فأما ما لم يكن مثلا فلا يكون قصاصا ، ولو كان حقه أكثر من قيمة أرش الجناية إذا لم أكره أحدا على أن يبيع ماله بأكثر من قيمته لم أكره رب العبد أن يأخذ بدنانير طعاما ، ولا بطعام دنانير .
وإذا جنى عبد على عبد مرهون فأراد سيد العبد الجاني أن يسلمه مسترقا بالجناية لم يكن ذلك على الراهن إلا أن يشاء ، وإن يشاء الراهن ذلك ، ولم يشأه المرتهن لم يجبر على ذلك المرتهن ، وكذلك لو شاء ذلك المرتهن ، ولم يشأه الراهن لم يجبر عليه ; لأن حقهم في رقبته أرش لا رقبة عبد ورقبة العبد عرض ، وكذلك لو شاء الراهن والمرتهن أن يأخذ العبد الجاني بالجناية ، والجناية مثل قيمة العبد أو أكثر أضعافا وأبى ذلك رب العبد الجاني لم يكن ذلك لهما ; لأن الحق في الجناية شيء غير رقبته ، وإنما تباع رقبته فيصير الحق فيها كما يباع الرهن فيصير ثمنا يقضي منه الغريم حقه .
الرهن الصغير .
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أصل إجازة الرهن في كتاب الله - عز وجل - { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : فالسنة تدل على إجازة الرهن [ ص: 190 ] ولا أعلم مخالفا في إجازته . أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه } .
( قال الشافعي ) : فالحديث جملة على الرهن ، ولم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا رهنا دون رهن واسم الرهن يقع على ما ظهر هلاكه وخفي ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم - والله تعالى أعلم - { لا يغلق الرهن بشيء } أي إن ذهب لم يذهب بشيء ، وإن أراد صاحبه افتكاكه ، ولا يغلق في يدي الذي هو في يديه كأن يقول المرتهن قد أوصلته إلي فهو لي بما أعطيتك فيه ، ولا يغير ذلك من شرط تشارطا فيه ، ولا غيره ، والرهن للراهن أبدا حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح إخراجه له .
والدليل على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { الرهن من صاحبه الذي رهنه } ثم بينه وأكده فقال { له غنمه وعليه غرمه } .
( قال الشافعي ) : وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه .
( قال ) : ولو كان إذا رهن رهنا بدرهم وهو يسوى درهما فهلك ذهب الدرهم فلم يلزم الراهن كان إنما هلك من مال المرتهن لا مال الراهن ; لأن الراهن قد أخذ درهما وذلك ثمن رهنه فإذا هلك رهنه فلم يرجع المرتهن بشيء فلم يغرم شيئا إنما ذهب له مثل الذي أخذ من مال غيره فغرمه حينئذ على المرتهن لا على الراهن .
قال : وإذا كان غرمه على المرتهن فهو من المرتهن لا من الراهن وهذا القول خلاف ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) : فلا أعلم بين أحد من أهل العلم خلافا في أن الرهن ملك للراهن وأنه إن أراد إخراجه من يدي المرتهن لم يكن ذلك له بما شرط فيه وأنه مأخوذ بنفقته ما كان حيا وهو مقره في يدي المرتهن ومأخوذ بكفنه إن مات ; لأنه ملكه .
( قال الشافعي ) : وإذا كان الرهن في السنة ، وإجماع العلماء ملكا للراهن فكان الراهن دفعه لا مغصوبا عليه ، ولا بائعا له ، وكان الراهن إن أراد أخذه لم يكن له وحكم عليه بإقراره في يدي المرتهن بالشرط فأي وجه لضمان المرتهن والحاكم يحكم له بحبسه للحق الذي شرط له مالكه فيه وعلى مالكه نفقته ، وإنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو منع شيئا في يديه ملكه لغيره مما ملكه المالك غيره مما عليه تسليمه ، وليس له حبسه .
وذلك مثل أن يبتاع الرجل العبد من الرجل فيدفع إليه ثمنه ويمنعه البائع العبد فهذا يشبه الغصب ، والمرتهن ليس في شيء من هذه المعاني لا هو مالك للرهن فأوجب عليه فيه بيعا فمنعه من ملكه إياه وعليه تسليمه إليه ، وإنما ملك الرهن للراهن فلا هو متعد بأخذ الرهن من الراهن ، ولا بمنعه إياه فلا موضع للضمان عليه في شيء من حالاته إنما هو رجل اشترط لنفسه على مالك الرهن في الرهن شرطا حلالا لازما استوثق فيه من حقه طلب المنفعة لنفسه والاحتياط على غريمه لا مخاطرا بالارتهان ; لأنه لو كان الرهن إذا هلك هلك حقه كان ارتهانه مخاطرة إن سلم الرهن فحقه فيه ، وإن تلف تلف حقه .
ولو كان هكذا كان شرا للمرتهن في بعض حالاته ; لأن حقه إذا كان في ذمة الراهن وفي جميع ماله لازما أبدا كان خيرا له من أن يكون في شيء من ماله بقدر حقه فإن هلك ذلك الشيء بعينه هلك من المرتهن وبرئت ذمة الراهن قال ، ولم نر ذمة رجل تبرأ إلا بأن يؤدي إلى غريمه ما له عليه أو عوضا منه يتراضيان عليه فيملك الغريم العوض ويبرأ به غريمه وينقطع مالكه عنه أو يتطوع صاحب الحق بأن يبرئ منه صاحبه والمرتهن والراهن ليسا في واحد من معاني البراءة ، ولا البواء .
( قال الشافعي ) : فإن قال قائل : ألا ترى أن أخذ المرتهن الرهن كالاستيفاء لحقه قلت لو كان استيفاء لحقه ، وكان الرهن جارية كان قد ملكها وحل له وطؤها ، ولم يكن له ردها على الراهن ، ولا عليه ، ولو أعطاه ما فيه إلا أن يتراضيا بأن يتبايعا فيها بيعا جديدا ، ولم يكن مع هذا للمرتهن أن يكون حقه إلى سنة فيأخذه اليوم بلا رضا من الذي عليه الحق قال ما هو باستيفاء .
ولكن كيف ؟ قلت [ ص: 191 ] إنه محتبس في يدي المرتهن بحق له ، ولا ضمان عليه فيه ؟ . فقيل له بالخبر ، وكما يكون المنزل محتبسا بإجارة فيه ثم يتلف المنزل بهدم أو غيره من وجوه التلف فلا ضمان على المكتري فيه ، وإن كان المكتري سلف الكراء رجع به على صاحب المنزل ، وكما يكون العبد مؤجرا أو البعير مكرى فيكون محتبسا بالشرط ، ولا ضمان في واحد منهما ، ولا في حر لو كان مؤجرا فهلك .
( قال الشافعي ) : إنما الرهن وثيقة كالحمالة فلو أن رجلا كانت له على رجل ألف درهم فكفل له بها جماعة عند وجوبها أو بعده كان الحق على الذي عليه الحق ، وكان الحملاء ضامنين له كلهم فإن لم يؤد الذي عليه الحق كان للذي له الحق أن يأخذ الحملاء كما شرط عليهم ، ولا يبرأ ذلك الذي عليه الحق من شيء حتى يستوفي آخر حقه ، ولو هلك الحملاء أو غابوا لم ينقص ذلك حقه ورجع به على من عليه أصل الحق .
وكذلك الرهن لا ينقص هلاكه ، ولا نقصانه حق المرتهن وأن السنة المبينة بأن لا يضمن الرهن ، ولو لم يكن فيه سنة كأنا لم نعلم الفقهاء اختلفوا فيما وصفنا من أنه ملك للراهن وأن للمرتهن أن يحبسه بحقه لا متعديا بحبسه دلالة بينة أن الرهن ليس بمضمون .
( قال الشافعي ) قال بعض أصحابنا قولنا في الرهن إذا كان مما يظهر هلاكه مثل الدار والنخل والعبيد وخالفنا بعضهم فيما يخفى هلاكه من الرهن ( قال الشافعي ) واسم الرهن جامع لما يظهر هلاكه ويخفى ، وإنما جاء الحديث جملة ظاهرا وما كان جملة ظاهرا فهو على ظهوره وجملته إلا أن تأتي دلالة عمن جاء عنه أو يقول العامة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر ، ولم نعلم دلالة جاءت بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصير إليها . ولو جاز هذا بغير دلالة جاز لقائل أن يقول الرهن الذي يذهب به إذا هلك هلك حق صاحبه المرتهن الظاهر الهلاك ; لأن ما ظهر هلاكه فليس في موضع أمانة فهو كالرضا منهما بأنه بما فيه أو مضمون بقيمته .
وأما ما خفي هلاكه فرضي صاحبه بدفعه إلى المرتهن ، وقد يعلم أن هلاكه خاف فقد رضي فيه أمانته فهو أمينه فإن هلك لم يهلك من مال المرتهن شيء فلا يصح في هذا قول أبدا على هذا الوجه إذا جاز أن يصير خاصا بلا دلالة .
( قال الشافعي ) : والقول الصحيح فيه عندنا ما قلنا من أنه أمانة كله لما وصفنا من دفع صاحبه إياه برضاه وحق أوجبه فيه كالكفالة ، ولا يعدو الرهن أن يكون أمانة فلا اختلاف بين أحد أن ما ظهر وخفي هلاكه من الأمانة سواء غير مضمون أو أن يكون مضمونا فلا اختلاف بين أحد أن ما كان مضمونا فما ظهر وخفي هلاكه من المضمون سواء أو يفرق بين ذلك سنة أو أثر لازم لا معارض له مثله ، وليس نعرفه مع من قال هذا القول من أصحابنا .
( قال الشافعي ) : وقد قال هذا القول معهم بعض أهل العلم ، وليس في أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة .
( قال الشافعي ) : وخالفنا بعض الناس في الرهن فقال فيه إذا رهن الرجل رهنا بحق له فالرهن مضمون فإن هلك الرهن نظرنا فإن كانت قيمته أقل من الدين رجع المرتهن على الراهن بالفضل ، وإن كانت قيمة الرهن مثل الدين أو أكثر لم يرجع على الراهن بشيء ، ولم يرجع الراهن عليه بشيء .
( قال الشافعي ) : كأنه في قولهم رجل رهن رجلا ألف درهم بمائة درهم فإن هلكت الألف فمائة بمائة وهو في التسعمائة أمين أو رجل رهن رجلا مائة بمائة فإن هلكت المائة فالرهن بما فيه ; لأن مائة ذهبت بمائة أو رجل رهن رجلا خمسين درهما بمائة درهم فإن هلكت الخمسون ذهبت بخمسين ثم رجع صاحب الحق المرتهن على الراهن بخمسين .
( قال الشافعي ) : وكذلك في قولهم عرض يسوى ما وصفنا بمثل هذا .
( قال الشافعي ) : فقيل لبعض من قال هذا القول هذا قول لا يستقيم بهذا الموضع عند أحد من أهل العلم فقال من جهة الرأي ; لأنكم جعلتم رهنا واحدا مضمونا مرة كله ومضمونا مرة بعضه ومرة بعضه بما فيه ومرة يرجع بالفضل فيه فهو في قولكم لا مضمونا بما يضمن به ما ضمن ; لأن ما [ ص: 192 ] ضمن إنما يضمن بعينه فإن فات فقيمته ، ولا بما فيه من الحق فمن أين قلتم ؟ فهذا لا يقبل إلا بخبر يلزم الناس الأخذ به ، ولا يكون لهم إلا تسليمه ؟ .
قالوا روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يترادان الفضل قلنا فهو إذا قال يترادان الفضل فقد خالف قولكم وزعم أنه ليس منه شيء بأمانة ، وقول علي إنه مضمون كله كان فيه فضل أو لم يكن مثل جميع ما يضمن مما إذا فات ففيه قيمته .
( قال الشافعي ) : فقلنا قد رويتم ذلك عن علي - كرم الله تعالى وجهه - وهو ثابت عندنا برواية أصحابنا فقد خالفتموه ، وقال فأين ؟ قلنا زعمتم أنه قال يترادان الفضل وأنت تقول إن رهنه ألفا بمائة درهم فمائة بمائة وهو في التسعمائة أمين والذي رويت عن علي رضي الله عنه فيه أن الراهن يرجع على المرتهن بتسعمائة .
قال فقد روينا عن شريح أنه قال : الرهن بما فيه ، وإن كان خاتما من حديد . قلنا فأنت أيضا تخالفه قال وأين ؟ قلنا : أنت تقول إن رهنه مائة بألف أو خاتما يسوى درهما بعشرة فهلك الرهن رجع صاحب الحق المرتهن على الراهن بتسعمائة من رأس ماله وبتسعة في الخاتم من رأس ماله وشريح لا يرد واحدا منهما على صاحبه بحال . فقال : فقد روى مصعب بن ثابت عن عطاء { أن رجلا رهن رجلا فرسا فهلك الفرس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذهب حقك } .
( قال الشافعي ) : فقيل له أخبرنا إبراهيم عن مصعب بن ثابت عن عطاء قال زعم الحسن كذا ثم حكى هذا القول قال إبراهيم كان عطاء يتعجب مما روى الحسن وأخبرني به غير واحد عن مصعب عن عطاء عن الحسن وأخبرني بعض من أثق به أن رجلا من أهل العلم رواه عن مصعب عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وسكت عن الحسن . فقيل له أصحاب مصعب يروونه عن عطاء عن الحسن فقال نعم ، وكذلك حدثنا ، ولكن عطاء مرسل اتفق من الحسن مرسل .
( قال الشافعي ) ومما يدل على وهن هذا عند عطاء إن كان رواه أن عطاء يفتي بخلافه ويقول فيه بخلاف هذا كله ويقول فيما ظهر هلاكه أمانة وفيما خفي يترادان الفضل وهذا أثبت الرواية عنه ، وقد روي عنه يترادان مطلقه وما شككنا فيه فلا نشك أن عطاء إن شاء الله - تعالى - لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مثبتا عنده ويقول بخلافه مع أني لم أعلم أحدا روى هذا عن عطاء يرفعه إلا مصعب والذي روى هذا عن عطاء يرفعه يوافق قول شريح " إن الرهن بما فيه " قال ، وكيف يوافقه ؟ قلنا : قد يكون الفرس أكثر مما فيه من الحق ومثله وأقل ، ولم يرو أنه سأل عن قيمة الفرس وهذا يدل على أنه إن كان قاله رأى أن الرهن بما فيه . قال فكيف لم تأخذ به ؟ .
قلنا : لو كان منفردا لم يكن من الرواية التي تقوم بمثلها حجة فكيف ، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا بينا مفسرا مع ما فيه من الحجة التي ذكرنا وصمتنا عنها قال فكيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ، ولم تقبلوه عن غيره ؟ . قلنا : لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ، ولا أثره عن أحد فيما عرفناه عنه إلا ثقة معروف فمن كان بمثل حاله قبلنا منقطعه ورأينا غيره يسمي المجهول ويسمي من يرغب عن الرواية عنه ويرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بعض من لم يلحق من أصحابه المستنكر الذي لا يوجد له شيء يسدده ففرقنا بينهم لافتراق أحاديثهم ، ولم نحاب أحدا ، ولكنا قلنا في ذلك بالدلالة البينة على ما وصفناه من صحة روايته .
وقد أخبرني غير واحد من أهل العلم عن يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن أبي ذئب قال فكيف لم تأخذوا بقول علي فيه ؟ . قلنا : إذا ثبت عندنا عن علي رضي الله عنه لم يكن عندنا وعندك وعند أحد من أهل العلم لنا أن نترك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما جاء عن غيره . قال : فقد روى عبد الأعلى التغلبي عن علي بن أبي طالب شبيها بقولنا قلنا الرواية عن علي رضي الله عنه بأن يترادان الفضل أصح [ ص: 193 ] عنه من رواية عبد الأعلى ، وقد رأينا أصحابكم يضعفون رواية عبد الأعلى التي لا يعارضها معارض تضعيفا شديدا فكيف بما عارضه فيه من هو أقرب من الصحة وأولى بها ؟ ، .
( قال الشافعي ) : وقيل لقائل هذا القول قد خرجت فيه مما رويت عن عطاء يرفعه ومن أصح الروايتين عن علي رضي الله عنه وعن شريح وما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول رويته عن إبراهيم النخعي ، وقد روي عن إبراهيم خلافه وإبراهيم لو لم تختلف الرواية عنه فيما زعمت لا يلزم قوله . وقلت قولا متناقضا خارجا عن أقاويل الناس ، وليس للناس فيه قول إلا ، وله وجه ، وإن ضعف إلا قولكم فإنه لا وجه له يقوى ، ولا يضعف ثم لا تمتنعون من تضعيف من خالف قول من قال يترادان الفضل أن يقول لم يدفعه أمانة ، ولا بيعا ، وإنما دفعه محتبسا بشيء فإن هلك ترادا فضله وهكذا كل مضمون بعينه إذا هلك ضمن من ضمنه قيمته .
( قال الشافعي ) وهذا ضعيف إذ كيف يترادان فضله وهو إن كان كالبيع فهو بما فيه ، وإن كان محتبسا بحق فما معنى أنه مضمون وهو لا غصب من المرتهن ، ولا عدوان عليه في حبسه وهو يبيح له حبسه ؟ .
( قال الشافعي ) : ووجه قول من قال : الرهن بما فيه أن يقول قد رضي الراهن والمرتهن أن يكون الحق في الرهن فإذا هلك هلك بما فيه ; لأنه كالبدل من الحق وهذا ضعيف ، وما لم يتراضيا تبين ملك الراهن على الرهن إلى أن يملكه المرتهن ، ولو ملكه لم يرجع إلى الراهن .
( قال الشافعي ) : والسنة ثابتة عندنا - والله تعالى أعلم بها - قلنا ، وليس مع السنة حجة ، ولا فيها إلا اتباعها مع أنها أصح الأقاويل مبتدأ ومخرجا .
( قال ) : وقيل لبعض من قال هذا القول الذي حكينا : أنت أخطأت بخلاف السنة وأخطأت بخلافك ما قلت . قال : وأين خالفت ما قلت ؟ قلت عبت علينا أن زعمنا أنه أمانة وحجتنا فيه ما ذكرنا وغيرها مما فيما ذكرنا كفاية منه فكيف عبت قولا قلت ببعضه ؟ . قال لي وأين ؟ قلت : زعمت أن الرهن مضمون . قال نعم قلنا : فهل رأيت مضمونا قط بعينه فهلك إلا أدى الذي ضمنه قيمته بالغة ما بلغت ؟ قال لا غير الرهن قلنا فالرهن إذا كان عندك مضمونا لم لم يكن هكذا إذا كان يسوى ألفا وهو رهن بمائة ؟ ؟ .
لم لم يضمن المرتهن تسعمائة لو كان مضمونا كما ذكرت . قال هو في الفضل أمين . قلنا : ومعنى الفضل غير معنى غيره ؟ قال نعم ; لأن الفضل ليس برهن ؟ قال إن قلت ليس برهن . قلت أفيأخذه مالكه . قال : فليس لمالكه أن يأخذه حتى يؤدى ما فيه قلنا لم ؟ قال ; لأنه رهن قلنا فهو رهن واحد محتبس بحق واحد بعضه مضمون وبعضه أمانة . قال : نعم . قلنا : أفتقبل مثل هذا القول ممن يخالفك فلو قال هذا غيرك ضعفته تضعيفا شديدا فيما ترى ، وقلت وكيف يكون الشيء الواحد مدفوعا بالأمر الواحد بعضه أمانة وبعضه مضمون .
( قال الشافعي ) : وقلنا أرأيت جارية تسوى ألفا رهنت بمائة وألف درهم رهنت بمائة أليست الجارية بكمالها رهنا بمائة والألف الدرهم رهن بكمالها بمائة ؟ قال بلى قلنا الكل مرهون منهما ليس له أخذه ، ولا إدخال أحد برهن معه فيه من قبل أن الكل مرهون بالمائة مدفوع دفعا واحدا بحق واحد فلا يخلص بعضه دون بعض قال نعم قلنا وعشر الجارية مضمون وتسعة أعشارها أمانة ومائة مضمون وتسعمائة أمانة ؟ قال نعم قلنا فأي شيء عبت من قولنا ليس بمضمون وهذا أنت تقول في أكثره ليس بمضمون ؟ .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -الرهن الصغير
الحلقة (135)
صــــــــــ 194 الى صـــــــــــ200
( قال الشافعي ) : وقيل له إذا كانت الجارية دفعت خارجا تسعة أعشارها من الضمان والألف كذلك فما تقول إن نقصت الجارية في ثمنها حتى تصير تسوى مائة ؟ قال الجارية كلها مضمونة قيل فإن زادت بعد النقصان حتى صارت تسوى ألفين ؟ قال تخرج الزيادة من الضمان ويصير نصف عشرها مضمونا وتسعة عشر جزءا من عشرين سهما غير مضمون قلنا ثم هكذا إن نقصت أيضا حتى صارت تسوى مائة ؟ قال نعم تعود كلها مضمونة قال : وهكذا جوار ولو رهن يسوين عشرة آلاف بألف كانت تسعة [ ص: 194 ] أعشارهن خارجة من الرهن بضمان وعشر مضمون عنده . فقلت لبعضهم لو قال هذا غيركم كنتم شبيها أن تقولوا ما يحل لك أن تتكلم في الفتيا وأنت لا تدري ما تقول كيف يكون رهن واحد بحق واحد بعضه أمانة وبعضه مضمون ثم يزيد فيخرج ما كان مضمونا منه من الضمان ; لأنه إن دفع عندكم بمائة وهو يسوى مائة كان مضمونا كله ، وإن زاد خرج بعضه من الضمان ثم إن نقص عاد إلى الضمان .
وزعمت أنه إن دفع جارية رهنا بألف وهي تسوى ألفا فولدت أولادا يساوون آلافا فالجارية مضمونة كلها والأولاد رهن كلهم غير مضمونين لا يقدر صاحبهم على أخذهم ; لأنهم رهن ، وليسوا بمضمونين ثم إن ماتت أمهم صاروا مضمونين بحساب فهم كلهم مرة رهن خارجون من الضمان ومرة داخل بعضهم في الضمان خارج بعض .
( قال الشافعي ) : فقيل لمن قال هذا القول ما يدخل على أحد أقبح من قولكم أعلمه وأشد تناقضا . أخبرني من أثق به عن بعض من نسب إلى العلم منهم أنه يقول : لو رهن الجارية بألف ثم أدى الألف إلى المرتهن ، وقبضها منه ثم دعاه بالجارية فهلكت قبل أن يدفعها إليه هلكت من مال الراهن ، وكانت الألف مسلمة للمرتهن ; لأنها حقه فإن كان هذا فقد صاروا فيه إلى قولنا وتركوا جميع قولهم ، وليس هذا بأنكر مما وصفنا وما يشبهه مما سكتنا عنه .
( قال الشافعي ) : فقال لي قائل من غيرهم نقول : الرهن بما فيه ألا ترى أنه لما دفع الرهن يعني بشيء بعينه ففي هذا دلالة على أنه قد رضي الراهن والمرتهن بأن يكون الحق في الرهن قلنا ليس في ذلك دلالة على ما قلت . قال : وكيف ؟ . قلنا : إنما تعاملا على أن الحق على مالك الرهن والرهن وثيقة مع الحق كما تكون الحمالة قال كأنه بأن يكون رضا أشبه ؟ قلنا إنما الرضا بأن يتبايعانه فيكون ملكا للمرتهن فيكون حينئذ رضا منهما به ، ولا يعود إلى ملك الراهن إلا بتجديد بيع منه وهذا في قولنا ، وقولكم ملك للراهن فأي رضا منهما وهو ملك للراهن بأن يخرج من ملك الراهن إلى ملك المرتهن ؟ فإن قلت إنما يكون الرضا إذا هلك فإنما ينبغي أن يكون الرضا عند العقدة والدفع فالعقدة والدفع كان وهو ملك للراهن ، ولا يتحول حكمه عما دفع به ; لأن الحكم عندنا وعندك في كل أمر فيه عقدة إنما هو على العقدة .
رهن المشاع . ( قال الشافعي ) رحمه الله : لا بأس بأن يرهن الرجل نصف أرضه ونصف داره وسهما من أسهم من ذلك مشاعا غير مقسوم إذا كان الكل معلوما ، وكان ما رهن منه معلوما ، ولا فرق بين ذلك وبين البيوع ، وقال بعض الناس لا يجوز الرهن إلا مقبوضا مقسوما لا يخالطه غيره وأحتج بقول الله - تبارك وتعالى - { فرهان مقبوضة } ( قال الشافعي ) : قلنا فلم لم يجز الرهن إلا مقبوضا مقسوما ، وقد يكون مقبوضا وهو مشاع غير مقسوم ؟ قال قائل فكيف يكون مقبوضا وأنت لا تدري أي الناحيتين هو ؟ ، وكيف يكون مقبوضا في العبد وهو لا يتبعض ؟ .
فقلت كان القبض إذا كان اسما واحدا لا يقع عندك إلا بمعنى واحد ، وقد يقع على معان مختلفة قال بل هو بمعنى واحد قلت أوما تقبض الدنانير والدراهم وما صغر باليد ؟ وتقبض الدور بدفع المفاتيح والأرض بالتسليم ؟ قال بلى فقلت فهذا مختلف قال يجمعه كله أنه منفصل لا يخالطه شيء قلت فقد تركت القول الأول ، وقلت آخر وستتركه إن شاء الله - تعالى - . وقلت فكأن القبض عندك لا يقع أبدا إلا على منفصل لا يخالطه شيء قال نعم قلت فما تقول في نصف دار ونصف أرض [ ص: 195 ] ونصف عبد ونصف سيف اشتريته منك بثمن معلوم ؟ قال جائز قلت ، وليس علي دفع الثمن حتى تدفع إلى ما اشتريت فأقبضه ؟ قال نعم قلت فإني لما اشتريت أردت نقض البيع فقلت باعني نصف دار مشاعا لا أدري أشرقي الدار يقع أم غربيها ونصف عبد لا ينفصل أبدا ، ولا ينقسم وأنت لا تجيزني على قسمه ; لأن فيه ضررا فأنا أفسخ البيع بيني وبينك . قال : ليس ذلك لك ، وقبض نصف الدار ونصف الأرض ونصف العبد ونصف السيف أن يسلمه ، ولا يكون دونه حائل قلت أنت لا تجيز البيع إلا معلوما وهذا غير معلوم قال هو ، وإن لم يكن معلوما بعينه منفصلا فالكل معلوم ونصيبك من الكل محسوب قلت : وإن كان محسوبا فإني لا أدري أين يقع قال : أنت شريك في الكل قلت : فهو غير مقبوض ; لأنه ليس بمنفصل وأنت تقول فيما ليس بمنفصل لا يكون مقبوضا فيبطل به الرهن . وتقول : القبض أن يكون منفصلا قال قد يكون منفصلا وغير منفصل .
قلت ، وكيف يكون مقبوضا وهو غير منفصل ؟ قال ; لأن الكل معلوم ، وإذا كان الكل معلوما فالبعض بالحساب معلوم قلت فقد تركت قولك الأول وتركت قولك الثاني فلم إذا كان هذا كما وصفت يجوز البيع فيه والبيع لا يجوز إلا معلوما فجعلته معلوما ويتم بالقبض ; لأن البيع عندك لا يتم حتى يقضي على صاحبه بدفع الثمن إلا مقبوضا فكان هذا عندك قبضا زعمت أنه في الرهن غير قبض فلا يعدو أن تكون أخطأت بقولك لا يكون في الرهن قبضا أو بقولك يكون في البيع قبضا .
( قال الشافعي ) : فالقبض اسم جامع وهو يقع بمعان مختلفة كيف ما كان الشيء معلوما أو كان الكل معلوما والشيء من الكل جزء معلوم من أجزاء وسلم حتى لا يكون دونه حائل فهو قبض فقبض الذهب والفضة والثياب في مجلس الرجل والأرض أن يؤتى في مكانها فتسلم لا تحويها يد ، ولا يحيط بها جدار والقبض في كثير من الدور والأرضين إسلافها بأعلافها ، والعبيد تسليمهم بحضرة القابض ، والمشاع من كل أرض وغيرها أن لا يكون دونه حائل فهذا كله قبض مختلف يجمعه اسم القبض ، وإن تفرق الفعل فيه غير أنه يجمعه أن يكون مجموع العين والكل جزء من الكل معروف ، ولا حائل دونه فإذا كان هكذا فهو مقبوض والذي يكون في البيع قبضا يكون في الرهن قبضا لا يختلف ذلك .
( قال الشافعي ) : ولم أسمع أحدا عندنا مخالفا فيما قلت من أنه يجوز فيه الرهن والذي يختلف لا يحتج فيه بمتقدم من أثر فيلزم اتباعه ، وليس بقياس ، ولا معقول فيغيبون في الاتباع الذي يلزمهم أن يفرقوا بين الشيئين إذا فرقت بينهما الآثار حتى يفارقوا الآثار في بعض ذلك ; لأن يجزئوا الأشياء زعموا على مثال ثم تأتي أشياء ليس فيها أثر فيفرقون بينها وهي مجتمعة بآرائهم ونحن وهم نقول في الآثار تتبع كما جاءت وفيما قلت ، وقلنا بالرأي لا نقبل إلا قياسا صحيحا على أثر .
( قال الشافعي ) : وإن تبايع الراهن والمرتهن على شرط الرهن وهو أن يوضع على يدي المرتهن فجائز ، وإن وضعاه على يدي عدل فجائز ، وليس لواحد منهما إخراجه من حيث يضعانه إلا باجتماعهما على الرضا بأن يخرجاه ( قال الشافعي ) فإن خيف الموضوع على يديه فدعا أحدهما إلى إخراجه من يديه فينبغي للحاكم إن كانت تغيرت حاله عما كان عليه من الأمانة حتى يصير غير أمين أن يخرجه ثم يأمرهما أن يتراضيا فإن فعلا ، وإلا رضي لهما كما يحكم عليهما فيما لم يتراضيا فيه بما لزمهما . قال : وإن مات الموضوع على يديه الرهن فكذلك يتراضيان أو يرضى لهما القاضي إن أبيا التراضي .
( قال الشافعي ) : وإن مات المرتهن والرهن على يديه ، ولم يرض الراهن وصية ، ولا وارثه قيل لوارثه - إن كان بالغا أو لوصيه إن لم يكن بالغا - : تراض أنت وصاحب الرهن فإن فعلا ، وإلا صيره الحاكم إلى عدل وذلك أن الراهن لم يرض بأمانة الوارث ، ولا الوصي .
ولما كان للوارث حق في احتباس الرهن حتى يستوفي حقه كان له ما وصفنا من الرضا فيه إذا كان له أمر في ماله .
( قال الشافعي ) : وإن مات الراهن [ ص: 196 ] فالدين حال ويباع الرهن فإن أدى ما فيه فذلك ، وإن كان في ثمنه فضل رد على ورثة الميت ، وإن نقص الرهن من الدين رجع صاحب الحق بما بقي من حقه في تركة الميت ، وكان أسوة الغرماء فيما يبقى من دينه .
( قال الشافعي ) : وليس لأحد من الغرماء أن يدخل معه في ثمن رهنه حتى يستوفيه ، وله أن يدخل مع الغرماء بشيء إن بقي له في مال الميت غير المرهون إذا باع رهنه فلم يف .
( قال الشافعي ) : وإذا كان الرهن على يدي عدل فإن كانا وضعاه على يدي العدل على أن يبيعه فله بيعه إذا حل الأجل فإن باعه قبل أن يحل الأجل بغير أمرهما معا فالبيع مفسوخ ، وإن فات ضمن القيمة إن شاء الراهن والمرتهن ، وكانت القيمة أكثر مما باع به ، وإن شاء فللراهن ما باع به الرهن قل أو كثر ثم إن تراضيا أن تكون القيمة على يديه إلى محل الأجل ، وإلا تراضيا أن تكون على يدي غيره ; لأن بيعه للرهن قبل محل الحق خلاف الأمانة ، وإن باعه بعد محل الحق بما لا يتغابن الناس بمثله رد البيع إن شاء فإن فات ففيها قولان . أحدهما : يضمن قيمته ما بلغت فيه فيؤدي إلى ذي الحق حقه ويكون لمالك الرهن فضلها . والقول الآخر : يضمن ما حط مما لا يتغابن الناس بمثله ; لأنه لو باع بما يتغابن الناس بمثله جاز البيع فإنما يضمن ما كان لا يجوز له بحال .
( قال الشافعي ) : وحد ما يتغابن الناس بمثله يتفاوت تفاوتا شديدا فيما يرتفع وينخفض ويخص ويعم فيدعى رجلان عدلان من أهل البصر بتلك السلعة المبيعة فقال أيتغابن أهل البصر بالبيع في البيع بمثل هذا ؟ فإن قالوا نعم جاز ، وإن قالوا : لا . رد إن قدر عليه ، وإن لم يقدر عليه فالقول فيه ما وصفت .
( قال الشافعي ) : ولا يلتفت إلى ما يتغابن به غير أهل البصر ، وإلى ترك التوقيت فيما يتغابن الناس بمثله رجع بعض أصحابه وخالفه صاحبه ، وكان صاحبه يقول حد ما يتغابن الناس بمثله العشرة ثلاثة فإن جاوز ثلاثة لم يتغابن أهل البصر بأكثر من ثلاثة .
( قال الشافعي ) : وأهل البصر بالجوهر والوشي وعليه الرقيق يتغابنون بالدرهم ثلاثة وأكثر ، ولا يتغابن أهل البصر بالحنطة والزيت والسمن والتمر في كل خمسين بدرهم وذلك لظهوره وعموم البصر به مع اختلاف ما يدق وظهور ما يجل .
( قال الشافعي ) : وإن باع الموضوع على يديه الرهن فهلك الثمن منه فهو أمين والدين على الراهن .
( قال الشافعي ) : وإن اختلف مالك الرهن والمرتهن والمؤتمن والبائع فقال : بعت بمائة ، وقال بعت بخمسين فالقول قوله ومن جعلنا القول قوله فعليه اليمين إن أراد الذي يحالفه يمينه قال : وإن اختلف الراهن والمرتهن في الرهن فقال الراهن رهنتكه بمائة ، وقال المرتهن رهنتنيه بمئتين فالقول قول الراهن .
( قال الشافعي ) : وإن اختلفا في الرهن فقال الراهن : رهنتك عبدا يساوي ألفا ، وقال المرتهن : رهنتني عبدا يساوي مائة فالقول قول المرتهن ( قال الشافعي ) : ولو قال مالك العبد : رهنتك عبدي بمائة أو هو في يديك وديعة ، وقال الذي هو في يديه بل رهنتنيه بألف في الحالين كان القول قول مالك العبد في ذلك ; لأنهما يتصادقان على ملكه ويدعي الذي هو في يديه فضلا على ما كان يقر به مالكه فيه أو حقا في الرهن لا يقر به مالكه .
( قال الشافعي ) : وليس في كينونة العبد في يدي المرتهن دلالة على ما يدعي من فضل الرهن .
( قال الشافعي ) : ولو قال رهنتكه بألف ودفعتها إليك ، وقال المرتهن لم تدفعها إلى كان القول قول المرتهن ; لأنه يقر بألف يدعي منها البراءة .
( قال الشافعي ) : ولو قال رهنتك عبدا فأتلفته ، وقال المرتهن مات كان القول قول المرتهن ، ولا يصدق الراهن على تضمينه ، ولو قال : رهنتك عبدا بألف وأتلفته ، وليس بهذا . وقال المرتهن : هو هذا فلا يصدق الراهن على تضمين المرتهن العبد الذي ادعى ، ولا يكون العبد الذي ادعى فيه المرتهن الرهن رهنا ; لأن مالك العبد لم يقر بأنه رهنه إياه بعينه ويتحالفان معا ألا ترى أنهما لو تصادقا على أن له عليه ألف درهم ، وقال صاحب الألف رهنتني بها دارك ، وقال صاحب الدار : لم أرهنك كان القول قوله .
( قال الشافعي ) [ ص: 197 ] ويجوز رهن الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم كان الرهن مثلا أو أقل أو أكثر من الحق ، وليس هذا ببيع .
( قال الشافعي ) : وإذا استعار رجل من رجل عبدا يرهنه فرهنه فالرهن جائز إذا تصادقا على ذلك أو قامت به بينة كما يجوز لو رهنه مالك العبد فإن أراد مالك العبد أن يخرجه من الرهن فليس له ذلك إلا أن يدفع الراهن أو مالك العبد متطوعا الحق كله ( قال الشافعي ) : ولمالك الرهن أن يأخذ الراهن بافتكاكه له متى شاء ; لأنه أعاره له بلا مدة كان ذلك محل الدين أو بعده ( قال الشافعي ) : فإن أعاره إياه فقال : ارهنه إلى سنة ففعل ، وقال افتكه قبل السنة ففيها قولان . أحدهما : أن له أن يأخذه ببيع ما له عليه في ماله حتى يعيده إليه كما أخذه منه ومن حجة من قال هذا أن يقول لو أعرتك عبدي يخدمك سنة كان لي أخذه الساعة ، ولو أسلفتك ألف درهم إلى سنة كان لي أخذها منك الساعة . والقول الآخر : أنه ليس له أخذه إلى السنة ; لأنه قد أذن له أن يصير فيه حقا لغيرهما فهو كالضامن عنه مالا ، ولا يشبه إذنه برهنه إلى مدة عاريته إياه ، ولا سلفه له .
( قال الشافعي ) : ولو تصادقا على أنه أعاره إياه يرهنه ، وقال أذنت لك في رهنه بألف ، وقال الراهن والمرتهن : أذنت لي بألفينفالقول قول مالك العبد في أنه بألف والألف الثانية على الراهن في ماله للمرتهن ( قال الشافعي ) : ولو استعار رجلان عبدا من رجل فرهناه من رجل بمائة ثم أتى أحدهما بخمسين فقال هذا ما يلزمني من الحق لم يكن واحد منهما ضامنا عن صاحبه ، وإن اجتمعا في الرهن فإن نصفه مفكوك ونصفه مرهون ( قال الشافعي ) : وإذا استعار رجل من رجلين عبدا فرهنه بمائة ثم جاء بخمسين فقال هذه فكاك حق فلان من العبد وحق فلان مرهون ففيها قولان . أحدهما : أنه لا يفك إلا معا .
ألا ترى أنه لو رهن عبدا لنفسه بمائة ثم جاء بتسعين فقال فك تسعة أعشاره واترك العشر مرهونا لم يكن منه شيء مفكوكا وذلك أنه رهن واحد بحق واحد فلا يفك إلا معا . والقول الآخر : أن الملك لما كان لكل واحد منهما على نصفه جاز أن يفك نصف أحدهما دون نصف الآخر كما لو استعار من رجل عبدا ومن آخر عبدا فرهنهما جاز أن يفك أحدهما دون الآخر والرجلان ، وإن كان ملكهما في واحد لا يتجزأ فأحكامهما في البيع والرهن حكم مالكي العبدين المفترقين .
( قال الشافعي ) : ولولي اليتيم أو وصيه أن يرهنا عنه كما يبيعان عليه فيما لا بد له منه وللمأذون له في التجارة وللمكاتب والمشترك والمستأمن أن يرهن ، ولا بأس أن يرهن المسلم عند المشرك والمشرك عند المسلم كل شيء ما خلا المصحف والرقيق من المسلمين فإنا نكره أن يصير المسلم تحت يدي المشرك بسبب يشبه الرق . والرهن ، وإن لم يكن رقا فإن الرقيق لا يمتنع إلا قليلا من الذل لمن صار تحت يديه بتصيير مالكه .
( قال الشافعي ) : ولو رهن العبد لم نفسخه ، ولكنا نكرهه ; لما وصفنا ، ولو قال قائل آخذ الراهن بافتكاكه حتى يوفى المرتهن المشرك حقه متطوعا أو يصير في يديه بما يجوز له ارتهانه فإن لم يتراضيا فسخت البيع كان مذهبا فأما ما سواهم فلا بأس برهنه من المشركين فإن رهن المصحف قلنا إن رضيت أن ترد المصحف ويكون حقك عليه فذلك لك أو تتراضيان على ما سوى المصحف مما يجوز أن يكون في يديك ، وإن لم تتراضيا فسخنا البيع بينكما ; لأن القرآن أعظم من أن يترك في يدي مشرك يقدر على إخراجه من يديه ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسه من المسلمين إلا طاهر ونهى أن يسافر به إلى بلاد العدو .
( أخبرنا ) إبراهيم وغيره عن جعفر عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي } .
( قال الشافعي ) : ويوقف على المرتد ماله فإن رهن منه شيئا بعد الوقف فلا يجوز في قول بعض أصحابنا على حال وفي قول بعضهم لا يجوز إلا أن يرجع إلى الإسلام فيملك ماله فيجوز الرهن ، وإن رهنه قبل وقف ماله فالرهن جائز كما يجوز للمشرك ببلاد الحرب ما صنع في ماله قبل أن [ ص: 198 ] يؤخذ عنه ، وكما يجوز للرجل من أهل الإسلام والذمة ما صنع في ماله قبل أن يقوم عليه غرماؤه فإذا قاموا عليه لم يجز ما صنع في ماله حتى يستوفوا حقوقهم أو يبرئوه منها .
( قال الشافعي ) : وليس للمقارض أن يرهن ; لأن الملك لصاحب المال كان في المقارضة فضل عن رأس المال أو لم يكن ، وإنما ملك المقارض الراهن شيئا من الفضل شرطه له إن سلم حتى يصير رأس مال المقارض إليه أخذ شرطه ، وإن لم يسلم لم يكن له شيء . قال : وإن كان عبد بين رجلين فأذن أحدهما للآخر أن يرهن العبد فالرهن جائز وهو كله رهن بجميع الحق لا يفك بعضه دون بعض .
وفيها قول آخر أن الراهن إن فك نصيبه منه فهو مفكوك ويجبر على فك نصيب شريكه في العبد إن شاء ذلك شريكه فيه ، وإن فك نصيب صاحبه منه فهو مفكوك صاحب الحق على حقه في نصف العبد الباقي ، وإن لم يأذن شريك العبد لشريكه في أن يرهن نصيبه من العبد فرهن العبد فنصفه مرهون ونصف شريكه الذي لم يأذن له في رهنه من العبد غير مرهون . ألا ترى أن رجلا لو تعدى فرهن عبد رجل بغير إذنه لم يكن له رهنا ، وكذلك يبطل الرهن في النصف الذي لا يملكه الراهن .
( قال الشافعي ) : ويجوز رهن الاثنين الشيء الواحد
( قال الشافعي ) : فإن رهن رجل رجلا أمة فولدت أو حائطا فأثمر أو ماشية فتناتجت فاختلف أصحابنا في هذا ، فقال بعضهم : لا يكون ولد الجارية ، ولا نتاج الماشية ، ولا ثمرة الحائط رهنا ، ولا يدخل في الرهن شيء لم يرهنه مالكه قط ، ولم يوجب فيه حقا لأحد ، وإنما يكون الولد تبعا في البيوع إذا كان الولد لم يحدث قط إلا في ملك المشتري ، وإن كان الحمل كان في ملك البائع وتبعا في العتق ; لأن العتق كان ، ولم يولد المملوك فلم يصر إلى أن يكون مملوكا ; لأنه لم يصر إلى حكم الحياة الظاهر إلا بعد العتق لأمه وهو تبع لأمه . وثمر الحائط إنما يكون تبعا في البيع ما لم يؤبر ، وإذا أبر فهو للبائع إلا أن يشترط المبتاع .
( قال الشافعي ) : والعتق والبيع مخالف للرهن ألا ترى أنه إذا باع فقد حول رقبة الأمة والحائط والماشية من ملكه وحوله إلى ملك غيره ؟ ، وكذلك إن أعتق الأمة فقد أخرجها من ملكه لشيء جعله الله وملكت نفسها ، والرهن لم يخرجه من ملكه قط هو في ملكه بحاله إلا أنه محول دونه بحق حبسه به لغيره أجازه المسلمون كما كان العبد له ، وقد أجره من غيره ، وكان المستأجر أحق بمنفعته إلى المدة التي شرطت له من مالك العبد والملك له ، وكما لو آجر الأمة فتكون محتبسة عنه بحق فيها ، وإن ولدت أولادا لم تدخل الأولاد في الإجارة فكذلك لم تدخل الأولاد في الرهن ، والرهن بمنزلة ضمان الرجل عن الرجل ، ولا يدخل في الضمان إلا من أدخل نفسه فيه وولد الأمة ونتاج الماشية وثمر الحائط مما لم يدخل في الرهن قط .
وقد أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن معاذ بن جبل قضى فيمن ارتهن نخلا مثمرا فليحسب المرتهن ثمرها من رأس المال وذكر سفيان بن عيينة شبيها به .
( قال الشافعي ) : وأحسب مطرفا قاله في الحديث من عام حج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) : وهذا كلام يحتمل معاني فأظهر معانيه أن يكون الراهن والمرتهن تراضيا أن تكون الثمرة رهنا أو يكون الدين حالا ويكون الراهن سلط المرتهن على بيع الثمرة واقتضائها من رأس ماله أو أذن له بذلك ، وإن كان الدين إلى أجل ، ويحتمل غير هذا المعنى فيحتمل أن يكونا تراضيا أن الثمرة للمرتهن فتأداها على ذلك فقال هي من رأس المال لا للمرتهن ويحتمل أن يكونوا صنعوا هذا متقدما فأعلمهم أنها لا تكون للمرتهن ويشبه هذا لقوله من عام حج رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهم كانوا يقضون بأن الثمرة للمرتهن قبل حج النبي صلى الله عليه وسلم وظهور حكمه فردهم إلى أن لا تكون للمرتهن فلما لم يكن له ظاهر مقتصرا عليه وصار إلى التأويل لم يجز لأحد فيه شيء إلا جاز عليه وكل يحتمل معنى لا يخالف معنى قول من قال لا تكون الثمرة رهنا مع [ ص: 199 ] الحائط إذا لم يشترط .
( قال الشافعي ) : فإن قال قائل : وكيف لا يكون له ظاهر مخالف يحكم به ؟ قلت أرأيت رجلا رهن رجلا حائطا فأثمر الحائط للمرتهن بيع الثمرة وحسابها من رأس المال فيكون بائعا لنفسه بلا تسليط من الراهن ، وليس في الحديث أن الراهن سلط المرتهن على بيع الثمرة أو يجوز للمرتهن أن يقبضها من رأس ماله إن كان الدين إلى أجل قبل محل الدين ، ولا يجيز هذا أحد علمته فليس وجه الحديث في هذا إلا بالتأويل ( قال الشافعي ) : فلما كان هذا الحديث هكذا كان أن لا تكون الثمرة رهنا ، ولا الولد ، ولا النتاج أصح الأقاويل عندنا والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) : ولو قال قائل إلا أن يتشارطا عند الرهن أن يكون الولد والنتاج والثمر رهنا فيشبه أن يجوز عندي ، وإنما أجزته على ما لم يكن أنه ليس بتمليك فلا يجوز أن يملك ما لا يكون وهذا يشبه معنى حديث معاذ والله تعالى أعلم . وإن لم يكن بالبين جدا كان مذهبا ، ولولا حديث معاذ ما رأيته يشبه أن يكون عند أحد جائزا .
( قال الربيع ) : وفيه قول آخر : أنه إذا رهنه ماشية أو نخلا على أن ما حدث من النتاج أو الثمرة رهن كان الرهن باطلا ; لأنه رهنه ما لا يعرف ، ولا يضبط ويكون ، ولا يكون ، ولا إذا كان كيف يكون وهذا أصح الأقاويل على مذهب الشافعي .
( قال الشافعي ) : وقال بعض أصحابنا الثمرة والنتاج وولد الجارية رهن مع الجارية والماشية والحائط ; لأنه منه وما كسب الرهن من كسب أو وهب له من شيء فهو لمالكه ، ولا يشبه كسبه الجناية عليه ; لأن الجناية ثمن له أو لبعضه .
( قال الشافعي ) : وإذا دفع الراهن الرهن إلى المرتهن أو إلى العدل فأراد أن يأخذه من يديه لخدمة أو غيرها فليس له ذلك فإن أعتقه فإن مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء في العبد يكون رهنا فيعتقه سيده فإن العتق باطل أو مردود .
( قال الشافعي ) : وهذا له وجه ، ووجهه أن يقول قائله إذا كان العبد بالحق الذي جعله فيه محولا بينه وبين أن يأخذه ساعة يخدمه فهو من أن يعتقه أبعد فإذا كان في حال لا يجوز له فيها عتقه وأبطل الحاكم فيها عتقه ثم فكه بعد لم يعتق بعتق قد أبطله الحاكم .
( وقال ) : بعض أصحابنا إذا أعتقه الراهن نظرت فإن كان له مال يفي بقيمة العبد أخذت قيمته منه فجعلتها رهنا وأنفذت عتقه ; لأنه مالك . قال : وكذلك إن أبرأه صاحب الدين أو قضاه فرجع العبد إلى مالكه وانفسخ الدين الذي في عتقه أنفذت عليه العتق ; لأنه مالك ، وإنما العلة التي منعت بها عتقه حق غيره في عتقه فلما انفسخ ذلك أنفذت فيه العتق .
( قال الشافعي ) : وقد قال بعض الناس هو حر ويسعى في قيمته والذي يقول هو حر يقول ليس لسيد العبد أن يبيعه وهو مالك له ، ولا يرهنه ، ولا يقبضه ساعة ، وإذا قيل له لم وهو مالك قد باع بيعا صحيحا قال فيه حق لغيره حال بينه وبين أن يخرجه من الرهن فقيل له فإذا منعته أن يخرجه من الرهن بعوض يأخذه لعله أن يؤديه إلى صاحبه أو يعطيه إياه رهنا مكانه أو قال أبيعه لا يتلف ثم أدفع الثمن رهنا فقلت لا إلا برضا المرتهن ومنعته وهو مالك أن يرهنه من غيره فأبطلت الرهن إن فعل ومنعته وهو مالك أن يخدمه ساعة ، وكانت حجتك فيه أنه قد أوجب فيه شيئا لغيره فكيف أجزت له أن يعتقه فيخرجه من الرهن الإخراج الذي لا يعود فيه أبدا لقد منعته من الأقل وأعطيته الأكثر فإن قال استسعيه فالاستسعاء أيضا ظلم للعبد وللمرتهن .
أرأيت إن كانت أمة تساوي ألوفا ويعلم أنها عاجزة عن اكتساب نفقتها في أي شيء تسعى . أو رأيت إن كان الدين حالا أو إلى أي يوم فأعتقه ، ولعل العبد يهلك ، ولا مال له والأمة فيبطل حق هذا أو يسعى فيه مائة سنة ثم لعله لا يؤدي منه كبير شيء ، ولعل الراهن مفلس لا يجد درهما فقد أتلفت حق صاحب الرهن ، ولم ينتفع برهنه فمرة تجعل الدين يهلك إذا هلك الرهن ; لأنه فيه زعيم ومرة تنظر إلى الذي فيه الدين فتجيز فيه عتق صاحبه وتتلف فيه حق الغريم وهذا قول متباين ، وإنما يرتهن الرجل بحقه فيكون أحسن حالا ممن لم [ ص: 200 ] يرتهن والمرتهن في أكثر قول من قال هذا أسوأ حالا من الذي لم يرتهن وما شيء أيسر على من يستخف بذمته من أن يسأل صاحب الرهن أن يعيره إياه إما يخدمه أو يرهنه فإذا أبى قال لأخرجنه من يدك فأعتقه فتلف حق المرتهن ، ولم يجد عند الراهن وفاء .
( قال الشافعي ) : ولا أدري أيراه يرجع بالدين على الغريم المعتق أم لا ( قال الشافعي ) : فإن قال قائل لم أجزت العتق فيه إذا كان له مال ، ولم تقل ما قال فيه عطاء ؟ قيل له كل مالك يجوز عتقه إلا لعلة حق غيره فإذا كان عتقه إياه يتلف حق غيره لم أجزه ، وإذا لم يكن يتلف لغيره حقا وكنت آخذ العوض منه وأصيره رهنا كهو فقد ذهبت العلة التي بها كنت مبطلا للعتق ، وكذلك إذا أدى الحق الذي فيه استيفاء من المرتهن أو إبراء ، ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا ، وإن رهنه رهنا فما قبضه هو ، ولا عدل يضعه على يديه فالرهن مفسوخ والقبض ما وصفت في صدر الكتاب مختلف .
قال : وإن قبضه ثم أعاره إياه أو آجره إياه هو أو العدل ، فقال بعض أصحابنا : لا يخرجه هذا من الرهن ; لأنه إذا أعاره إياه فمتى شاء أخذه ، وإذا آجره فهو كالأجنبي يؤاجر الرهن إذا أذن له سيده والإجارة للمالك فإذا كانت للمالك فلصاحب الرهن أن يأخذ الرهن ; لأن الإجارة منفسخة وهكذا تقول ( قال الشافعي ) : فإن تبايعا على أن يرهنه فرهنه ، وقبض أو رهنه بعد البيع فكل ذلك جائز ، وإذا رهنه فليس له إخراجه من الرهن فهو كالضمان يجوز بعد البيع وعنده . ( قال الشافعي ) فإن تبايعا على أن يرهنه عبدا فإذا هو حر فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إثباته ; لأنه قد بايعه على وثيقة فلم تتم له ، وإن تبايعا على رهنه فلم يقبضه فالرهن مفسوخ ; لأنه لا يجوز إلا مقبوضا .
جناية الرهن .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا جنى الأجنبي على العبد المرهون جناية تتلفه أو تتلف بعضه أو تنقصه فكان لها أرش فمالك العبد الراهن الخصم فيها ، وإن أحب المرتهن حضوره أحضره فإذا قضي له بأرش الجناية دفع الأرش إلى المرتهن إن كان الرهن على يديه أو إلى العدل الذي على يديه ، وقيل للراهن إن أحببت فسلمه إلى المرتهن قصاصا من حقه عليك ، وإن شئت فهو موقوف في يديه رهنا ، أو في يدي من على يديه الرهن إلى محل الحق .
( قال الشافعي ) لا أحسب أحدا يعقل يختار أن يكون من ماله شيء يقف لا يقبضه فينتفع به إلى محل الدين ، ولا شيء له بوجه من الوجوه موقوفا غير مضمون إن تلف بلا ضمان على الذي هو في يديه ، وكان أصل الحق ثابتا كما كان عليه على أن يكون قصاصا من دينه .
( قال الشافعي ) : فإن قال الراهن أنا آخذ الأرش ; لأن ملك العبد لي فليس ذلك له من قبل أن ما كان من أرش العبد فهو ينقص من ثمنه وما أخذ من أرشه فهو يقوم مقام بدنه ; لأنه عوض من بدنه والعوض من البدن يقوم مقام البدن إذا لم يكن لمالكه أخذ بدن العبد فكذلك لا يكون له أخذ أرش بدنه ، ولا أرش شيء منه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -التفليس
الحلقة (136)
صــــــــــ 201 الى صـــــــــــ207
( قال الشافعي ) : وإن جنى عليه ابن المرتهن فجنايته كجناية الأجنبي ، وإن جنى عليه المرتهن فجنايته أيضا كجناية الأجنبي إلا أن مالك العبد يخير أن يجعل ما يلزمه من ثمن عقل [ ص: 201 ] العبد قصاصا من دينه أو يقره رهنا في يديه إن كان الرهن على يديه ، وإن كان موضوعا على يدي عدل أخذ ما لزمه من عقله فدفع إلى العدل .
( قال الشافعي ) : فإن جنى عليه عبد المرتهن قيل للمرتهن افد عبدك بجميع الجناية أو أسلمه يباع فإن فداه فالراهن بالخيار بين أن يكون الفداء قصاصا من الدين أو يكون رهنا كما كان العبد ، وإن أسلم العبد بيع العبد ثم كان ثمنه رهنا كما كان العبد المجني عليه .
( قال الشافعي ) : وإن جنى عبد المرتهن على عبد الراهن المرهون جناية لا تبلغ النفس فالقول فيها كالقول في الجناية في النفس يخير بين أن يفديه بجميع أرش الجناية أو يسلمه يباع فإن أسلمه بيع ثم كان ثمنه كما وصفت لك .
( قال الشافعي ) : وإن كان في الرهن عبدان فجنى أحدهما على الآخر فالجناية هدر ; لأن الجناية في عنق العبد لا في مال سيده فإذا جنى أحدهما على الآخر فكأنما جنى على نفسه ; لأن المالك الراهن لا يستحق إلا ما هو له رهن لغيره فالسيد لا يستحق من العبد الجاني إلا ماله والمرتهن لا يستحق من العبد الجاني إلا ما هو ملك لمن رهنه وما هو رهن له .
( قال الشافعي ) : وإن كان الرهن أمة فولدت ولدا فجنى عليها ولدها كعبد للسيد ، لو جنى عليها ; لأنه خارج من الرهن .
( قال الشافعي ) : وإن جنى عبد للراهن على عبده المرهون قيل له قد أتلف عبدك عبدك وعبدك المتلف كله أو بعضه مرهون بحق لغيرك فيه فأنت بالخيار في أن تفدي عبدك بجميع أرش الجناية فإن فعلت فأنت بالخيار في أن يكون قصاصا من الدين أو رهنا مكان العبد المرهون ; لأن البدل من الرهن يقوم مقامه أو تسلم العبد الجاني فيباع ، ثم يكون ثمنه رهنا مكان المجني عليه .
( قال الشافعي ) : فإن جنى الراهن على عبده المرهون فقد جنى على عبد لغيره فيه حق برهنه ; لأنه يمنع منه سيده ويبيعه فيكون المرتهن أحق بثمنه من سيده ومن غرمائه فيقال أنت ، وإن كنت جنيت على عبدك فجنايتك عليه إخراج له من الرهن أو نقص له فإن شئت فأرش جنايتك عليه ما بلغت قصاصا من دينك ، وإن شئت فسلمه يكون رهنا مكان العبد المرهون . قال وذلك إذا كان الدين حالا فأما إذا كان إلى أجل فيؤخذ الأرش فيكون رهنا إلا أن يتراضيا الجاني الراهن والمرتهن بأن يكون قصاصا .
( قال الشافعي ) : وإن كانت الجناية من أجنبي عمدا فلمالك العبد الراهن أن يقتص له من الجاني إن كان بينهما قصاص ، وإن عرض عليه الصلح من الجناية فليس يلزمه أن يصالح ، وله أن يأخذ القود ، ولا يبدل مكانه غيره ; لأنه ثبت له القصاص ، وليس بمتعد في أخذه القصاص . وقال بعض الناس : ليس له أن يقتص وعلى الجاني أرش الجناية أحب أو كره .
( قال الشافعي ) : وهذا القول بعيد من قياس قوله هو يجيز عتق الراهن إذا أعتق العبد ويسعى العبد والذي يقول هذا القول يقتص للعبد من الحر ويزعم أن الله - عز وجل - حكم بالقصاص في القتلى وساوى النفس بالنفس ويزعم أن ولي القتيل لو أراد أن يأخذ في القتل العمد الدية لم يكن ذلك له من قبل أن الله - عز وجل - أوجب له القصاص إلا أن يشاء ذلك القاتل وولي المقتول فيصطلحا عليه .
( قال الشافعي ) فإذا زعم أن القتل يجب فيه بحكم الله - تعالى - في القتل ، وكان وليه يريد للقتل فمنعه إياه فقد أبطل ما زعم أن فيه حكما ومنع السيد من حقه .
( قال الشافعي ) : فإن قال : فإن القتل يبطل حق المرتهن فكذلك قد أبطل حق الراهن ، وكذلك لو قتل نفسه أو مات بطل حق المرتهن فيه وحق المرتهن في كل حال على مالك العبد فإن كان إنما ذهب إلى أن هذا أصلح لهما معا فقد بدأ بظلم القاتل على نفسه فأخذ منه مالا ، وإنما عليه عنده قصاص ومنع السيد مما زعم إنه أوجب له ، وقد يكون العبد ثمنه عشرة دنانير والحق إلى سنة فيعطيه به رجل لرغبته فيه ألف دينار فيقال لمالك العبد هذا فضل كثير تأخذه فتقضي دينك ويقول ذلك له الغريم ومالك العبد محتاج فيزعم قائل هذا القول الذي أبطل القصاص للنظر للمالك وللمرتهن أنه لا [ ص: 202 ] يكره مالك العبد على بيعه ، وإن كان ذلك نظرا لهما معا ، ولا يكره الناس في أموالهم على إخراجها من أيديهم بما لا يريدون إلا أن يلزمهم حقوق للناس ، وليس للمرتهن في بيعه حق حتى يحل الأجل .
( قال الشافعي ) : فإن جنى العبد الرهن جناية فسيده يخير بين أن يفديه بأرش الجناية فإن فعل فالعبد رهن بحاله أو يسلمه يباع فإن أسلمه لم يكلف أن يجعل مكانه غيره ; لأنه إنما أسلمه بحق وجب فيه .
( قال الشافعي ) : فإن كان أرش الجناية أقل من قيمة العبد المسلم فأسلمه فبيع دفع إلى المجني عليه أرش جنايته ورد ما بقي من ثمن العبد رهنا .
[ ص: 203 ] التفليس ( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزام عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به } .
( قال الشافعي ) : وأخبرنا عبد الوهاب الثقفي أنه سمع يحيى بن سعيد يقول أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز حدثه أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به } .
( أخبرنا ) محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب قال حدثني أبو المعتمر بن عمرو بن رافع عن ابن خلدة الزرقي ، وكان قاضيا بالمدينة أنه قال جئنا أبا هريرة رضي الله عنه في صاحب لنا قد أفلس فقال هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه } .
( قال الشافعي ) : وبحديث مالك بن أنس وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد وحديث ابن أبي ذئب عن أبي المعتمر في التفليس نأخذ وفي حديث ابن أبي ذئب ما في حديث مالك والثقفي من جملة التفليس ويتبين أن ذلك في الموت والحياة سواء وحديثاهما ثابتان متصلان وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم { من أدرك ماله بعينه فهو أحق به } بيان على أنه جعل لصاحب السلعة إذا كانت سلعته قائمة بعينها نقض البيع الأول فيها إن شاء كما جعل للمستشفع الشفعة إن شاء ; لأن كل من جعل له شيء فهو إليه إن شاء أخذه ، وإن شاء تركه ، وإن أصاب السلعة نقص في بدنها عوار أو قطع أو غيره أو زادت فذلك كله سواء ، يقال لرب السلعة : أنت أحق بسلعتك من الغرماء إن شئت ; لأنا إنما نجعل ذلك إن اختاره رب السلعة نقضا للعقدة الأولى بحال السلعة الآن . قال : وإذا لم أجعل لورثة المفلس ، ولا له في حياته دفعه عن سلعته إذا لم يكن هو بريء الذمة بأدائه عن نفسه لم أجعل لغرمائه أن يدفعوا عن السلعة إن شاءوا وما لغرمائه يدفعون عنه .
وما يعدو غرماؤه أن يكونوا متطوعين للغريم بما يدفعون عنه فليس على الغريم أن يأخذ ماله من غير صاحب دينه كما لو كان لرجل على رجل دين فقال له رجل : أقضيك عنه لم يكن عليه أن يقتضي ذلك منه وتبرأ ذمة صاحبه أو يكون هذا لهم لازما فيأخذه منهم ، وإن لم يريدوه فهذا ليس لهم بلازم ومن قضى عليه أن يأخذ المال منهم خرج من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا ; لأنه قد وجد عين ماله عند مفلس فإذا منعه إياه فقد منعه ما جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاه شيئا محالا ظلم فيه المعطى والمعطي .
وذلك أن المعطي لو أعطى ذلك الغريم حتى يجعله مالا من ماله يدفعه إلى [ ص: 204 ] صاحب السلعة فيكون عنده غير مفلس يحقه وجبره على قبضه فجاء غرماء آخرون رجعوا به عليه فكان قد منعه سلعته التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الغرماء كلهم وأعطاه العوض منها والعوض لا يكون إلا لما فات والسلعة لم تفت فقضى ها هنا قضاء محالا إذ جعل العوض من شيء قائم ثم زاد أن قضى بأن أعطاه ما لا يسلم له ; لأن الغرماء إذا جاءوا ودخلوا معه فيه ، وكانوا أسوته وسلعته قد كانت له منفردة دونهم عن المعطي فجعله يعطي على أن يأخذ فضل السلعة ثم جاء غرماء آخرون فدخلوا عليه في تلك السلعة .
فإن قال قائل لم أدخل ذلك عليه وهو تطوع به قيل له : فإذا كان تطوع به فلم جعلت له فيما تطوع عوض السلعة والمتطوع من لا يأخذ عوضا ما زدت على أن جعلته له بيعا لا يجوز وغررا لا يفعل .
( قال الشافعي ) : وإذا باع الرجل من الرجل نخلا فيه ثمر أو طلع قد أبر استثناه المشتري ، وقبضها المشتري وأكل الثمر ثم أفلس المشتري كان للبائع أن يأخذ حائطه ; لأنه عين ماله ويكون أسوة الغرماء في حصة الثمر الذي وقع عليه البيع فاستهلكه المشتري من أصل الثمن يقسم الثمن على الحائط والثمر فينظر كم قيمة الثمر من أصل البيع فإن كان الربع أخذ الحائط بحصته وهو ثلاثة أرباع الثمن ورجع بقيمة الثمر وهو الربع ، وإنما قيمته يوم قبضه لا يوم أكله ; لأن الزيادة كانت في ماله .
ولو قبضه سالما والمسألة بحالها ثم أصابته جائحة رجع بحصته من الثمن ; لأنها أصابته في ملكه بعد قبضه ، ولو كان باعه الحائط والثمر قد أخضر ثم أفلس المشتري والثمر رطب أو ثمر قاتم أو بسر زائد عن الأخضر كان له أن يأخذه والنخل ; لأنه عين ماله ، وإن زاد كما يبيعه الجارية الصغيرة فيأخذها كبيرة زائدة ، ولو أكل بعضه وأدرك بعضه زائدا بعينه أخذ المدرك وتبعه بحصة ما باع من الثمر يوم باعه إياه مع الغرماء .
( قال الشافعي ) : وهكذا لو باعه وديا صغارا أو نوى قد خرج أو زرعا قد خرج أو لم يخرج مع أرض فأفلس وذلك كله زائد مدرك أخذ الأرض وجميع ما باعه زائدا مدركا ، وإذا فات رجع بحصته من الثمن يوم وقع البيع كما يكون .
لو اشترى منه جارية أو عبدا بحال صغر أو مرض فمات في يديه أو أعتقه رجع بثمنه الذي اشتراه به منه ، ولو كبر العبد أو صح ، وقد اشتراه سقيما صغيرا كان للبائع أخذه صحيحا كبيرا ; لأنه عين ماله والزيادة فيه منه لا من صنعة الآدميين ، وكذلك لو باعه فعلمه أخذه معلما ، ولو كسا المشتري العبد أو وهب له مالا أخذ البائع العبد وأخذ الغرماء مال العبد ، وليس بالعبد ; لأنها غيره ومال من مال المشتري لا يملكه البائع ، ولو كان العبد المبيع بيع ، وله مال استثناه المشتري فاستهلك المشتري ماله أو هلك في يد العبد فسواء ويرجع البائع بالعبد فيأخذه دون الغرماء وبقيمة المال من البيع يحاص به الغرماء .
ولو باعه حائطا لا ثمر فيه فأثمر ثم فلس المشتري فإن كان الثمر يوم فلس المشتري مأبورا أو غير مأبور فسواء والثمر للمشتري ثم يقال لرب النخل إن شئت فالنخل لك على أن نقر الثمر فيها إلى الجداد ، وإن شئت فدع النخل وكن أسوة الغرماء . وهكذا لو باعه أمة فولدت ثم فلس كانت له الأمة ، ولم يكن له الولد ، ولو فلس والأمة حامل كانت له الأمة والحمل تبع يملكها كما يملك به الأمة .
ولو كانت السلعة أمة فولدت له أولادا قبل إفلاس الغريم ثم أفلس الغريم رجع بالأم ، ولم يرجع بالأولاد ; لأنهم ولدوا في ملك الغريم ، وإنما نقضت البيع الأول بالإفلاس الحادث واختيار البيع نقضه لا بأن أصل البيع كان مفسوخا من الأصل ، ولو كانت السلعة دارا فبنيت أو بقعة فغرست ثم أفلس والغريم رددت البائع بالدار كما كانت والبقعة كما [ ص: 205 ] كانت حين باعها ، ولم أجعل له الزيادة ; لأنها لم تكن في صفقة البيع ، وإنما هي شيء متميز من الأرض من مال المشتري ثم خيرته بين أن يعطى قيمة العمارة والغراس ويكون ذلك له أو يكون له ما كان من الأرض لا عمارة فيها وتكون العمارة الحادثة تباع للغرماء سواء بينهم إلا أن يشاء الغرماء والغريم أن يقلعوا البناء والغراس ويضمنوا لرب الأرض ما نقص الأرض القلع فيكون ذلك لهم .
ولو كانت السلعة شيئا متفرقا مثل عبيد أو إبل أو غنم أو ثياب أو طعام فاستهلك المشتري بعضه ووجد البائع بعضه كان له البعض الذي وجد بحصته من الثمن إن كان نصفا قبض النصف ، وكان غريما من الغرماء في النصف الباقي وهكذا إن كان أكثر أو أقل . قال : وإذا جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل ; لأنه عين ماله فالبعض عين ماله وهو أقل من الكل ومن ملك الكل ملك البعض إلا أنه إذا ملك البعض نقص من ملكه والنقص لا يمنعه الملك .
ولو باع رجل من رجل أرضا فغرسها ثم فلس الغريم فأبى رب الأرض أن يأخذ الأرض بقيمة الغراس وأبى الغريم أن يقلعوا الغراس ويسلموا الأرض إلى ربها لم يكن لرب الأرض بالخيار إن شاء أن يأخذ أرضه ويبقي الثمر فيها إلى الجداد إن أراد الغريم والغرماء أن يبقوه فيها إلى الجداد فذلك له ، وليس للغريم منعه ، وإن أراد أن يدعها ويضرب مع الغرماء بما كان له فعل ، وكذلك لو باعه أرضا بيضاء فزرعها ثم فلس كان مثل الحائط يبيعه ثم يثمر النخل فإن أراد رب الأرض أو رب النخل أن يقبلها ويبقي فيها الزرع إلى الحصاد والثمار إلى الجداد ثم عطبت النخل قبل ذلك بأي وجه ما عطبت بفعل الآدميين أو بأمر من السماء أو جاء سيل فخرق الأرض وأبطلها فضمان ذلك من ربها الذي قبلها لا من المفلس ; لأنه عندما قبلها صار مالكا لها إن أراد أن يبيع باع ، وإن أراد أن يهب وهب .
فإن قيل ومن أين يجوز أن يملك المرء شيئا لا يتم له جميع ملكه فيه ; لأن هذا لم يملكه الذي جعلت له أخذه ملكا تاما ; لأنه محول بينه وبين جمار النخل والجريد وكل ما أضر بثمر المفلس ومحول بينه وبين أن يحدث في الأرض بئرا أو شيئا مما يضر ذلك بزرع المفلس ؟ قيل له بدلالة قول النبي صلى الله عليه وسلم { من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع } فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يملك المبتاع النخل ويملك البائع الثمر إلى الجداد . قال : ولو سلم رب الأرض الأرض للمفلس فقال الغرماء احصد الزرع وبعه بقلا ، وأعطنا ثمنه . وقال المفلس : لست أفعل وأنا أدعه إلى أن يحصد ; لأن ذلك أنمى لي والزرع لا يحتاج إلى الماء ، ولا المؤنة كان القول قول الغرماء في أن يباع لهم .
ولو كان يحتاج إلى السقي والعلاج فتطوع رجل للغريم بالإنفاق عليه فأخرج نفقة ذلك وأسلمها إلى من يلي الإنفاق عليه وزاد حتى ظن أن ذلك إن سلم لم يكن للغريم إبقاء الزرع إلى الحصاد ، وكان للغرماء بيعه ، وإذا جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الكل ; لأنه عين ماله فالبعض عين ماله وهو أقل من الكل ومن ملك الكل ملك البعض إلا أنه إذا ملك البعض نقص من ملكه والنقص لا يمنعه الملك قال : ولو كانت السلعة عبدا فأخذ نصف ثمنه ثم أفلس الغريم كان له نصف العبد شريكا به للغريم ويباع النصف الذي كان للغريم لغرمائه دونه على المثال الذي ذكرت ، ولا يرد مما أخذ شيئا ; لأنه مستوف لما أخذه ، ولو زعمت أنه يرد شيئا مما أخذ جعلت له لو أخذ الثمن كله أن يرده ويأخذ سلعته ومن قال هذا فهذا خلاف السنة ، والقياس عليها .
ولو كانا عبدين أو ثوبين فباعهما بعشرين فقبض عشرة وبقي من ثمنهما عشرة كان شريكا فيهما بالنصف يكون نصفهما له والنصف للغرماء يباع في دينه ، ولو كانت المسألة بحالها فاقتضى نصف الثمن وهلك نصف المبيع وبقي أحد الثوبين أو أحد العبدين ، وقيمتهما سواء كان أحق به من الغرماء من قبل أنه عين ماله عند معدم ، والذي قبض من الثمن إنما هو بدل ، فكما كان لو كانا قائمين أخذهما ثم أخذ [ ص: 206 ] بعض البدل وبقي بعض السلعة كان ذلك كقيامهما معا فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول البدل منهما معا فقد أخذ نصف ثمن ذا ونصف ثمن ذا ، فهل من شيء يبين ما قلت غير ما ذكرت ؟ .
قيل نعم أن يكونا جميعا ثمن ذا مثل ثمن ذا مستويي القيمة فيباعان صفقة واحدة ويقبضان ويقبض البائع من ثمنهما خمسين ويهلك أحد الثوبين ويجد بالآخر عيبا فيرده بالنصف الباقي ، ولا يرد شيئا مما أخذ ويكون ما أخذ ثمن الهالك منهما ، ولو لم يكونا بيعا ، وكانا رهنا بمائة فأخذ تسعين وفات أحدهما كان الآخر رهنا بالعشرة الباقية ، وكذلك يكون لو كانا قائمين ، ولا يبعض الثمن عليهما ، ولكنه يجعل الكل في كليهما والباقي في كليهما .
وكما يكون ذلك في الرهن لو كانوا عبيدا رهنا بمائة فأدى تسعين كانوا معا رهنا بعشرة لا يخرج منهم أحد من الرهن ، ولا شيء منه حتى يستوفي آخر حقه فلما كان البيع في دلالة حكم النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا فإن أخذ ثمنه ، وإلا رجع بيعه فأخذه فكان كالمرتهن قيمته وفي أكثر من حال المرتهن في أنه أخذه كله لا يباع عليه كما يباع الرهن فيستوفي حقه ويرد فضل الثمن على مالكه فكان في معنى السنة .
التفليس
( قال الشافعي ) : في الشريكين يفلس أحدهما : لا يلزم الشريك الآخر من الدين شيء إلا أن يقر أنه أدانه له بإذنه أو هما معا فيكون كدين أدانه له بإذنه بلا شركة كانت ، وشركة المفاوضة باطلة لا شركة إلا واحدة .
قال الله - تبارك وتعالى - { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { مطل الغني ظلم } فلم يجعل على ذي دين سبيلا في العسرة حتى تكون الميسرة ، ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مطله ظلما إلا بالغنى فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر ، وإذا لم يكن عليه سبيل فلا سبيل على إجارته ; لأن إجارته عمل بدنه ، وإذا لم يكن على بدنه سبيل ، وإنما السبيل على ماله لم يكن إلى استعماله سبيل ، وكذلك لا يحبس ; لأنه لا سبيل عليه في حاله هذه .
وإذا قام الغرماء على رجل فأرادوا أخذ جميع ماله ترك له من ماله قدر ما لا غناء به عنه ، وأقل ما يكفيه وأهله يومه من الطعام والشراب ، وقد قيل إن كان لقسمه حبس أنفق عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم حتى يفرغ من قسم ماله ويترك لهم نفقتهم يوم يقسم آخر ماله ، وأقل ما يكفيه من كسوته في شتاء كان ذلك أو صيف فإن كان له من الكسوة ما يبلغ ثمنا كثيرا بيع عليه ، وترك له ما وصفت لك من أقل ما يكفيه منها . فإن كانت ثيابه كلها غوالي مجاوزة القدر اشتري له من ثمنها أقل ما يكفيه مما يلبس أقصد من هو في مثل حاله ومن تلزمه مؤنته في ، وقته ذلك شتاء كان أو صيفا ، وإن مات كفن من ماله قبل الغرماء وحفر قبره بأقل ما يكفيه ثم اقتسم فضل ماله ويباع عليه مسكنه وخادمه ; لأن له من الخادم بدا ، وقد يجد المسكن قال : وإذا جنيت عليه جناية قبل التفليس فلم يأخذ أرشها إلا بعد التفليس فالغرماء أحق بها منه إذا قبضها ; لأنها مال من ماله لا ثمن لبعضه .
ولو وهب له بعد التفليس هبة لم يكن عليه أن يقبلها فلو قبلها كانت لغرمائه دونه ، وكذلك كل ما أعطاه أحد من الآدميين متطوعا به فليس عليه قبوله ، ولا يدخل ماله شيء إلا بقبوله إلا الميراث ، فإنه لو ورث كان مالكا ، ولم يكن له دفع الميراث ، وكان لغرمائه أخذه من يده .
ولو جنيت عليه جناية عمدا فكان له الخيار بين أخذ الأرش أو القصاص كان له أن يقتص ، ولم يكن عليه أن يأخذ المال ; لأنه لا يكون مالكا للمال إلا بأن يشاء ، وكذلك لو عرض عليه من جنى عليه المال .
ولو استهلك له شيئا قبل التفليس ثم صالح منه على شيء بعد التفليس فإن كان ما صالح قيمة ما استهلك له بشيء معروف القيمة فأراد مستهلكه أن يزيده على قيمته لم يكن عليه أن يقبل الزيادة ; لأن الزيادة في موضع الهبة .
فإن فلس الغريم ، وقد شهد له شاهد بحق على آخر فأبى أن يحلف مع شاهده [ ص: 207 ] أبطلنا حقه إذا أحلفنا المشهود عليه ، ولم نجعل للغرماء أن يحلفوا ; لأنه لا يملك إلا بعد اليمين فلما لم يكن مالكا لم يكن عليه أن يحلف ، وكذلك لو ادعى عليه فأبى أن يحلف ورد اليمين فامتنع المفلس من اليمين بطل حقه ، وليس للغرماء في حال أن يحلفوا ; لأنهم ليسوا مالكين إلا ما ملك ، ولا يملك إلا بعد اليمين .
ولو جنى هو بعد التفليس جناية عمدا أو استهلك مالا كان المجني عليه والمستهلك له أسوة الغرماء في ماله الموقوف لهم ، بيع أو لم يبع ما لم يقتسموه فإذا اقتسموه نظرنا فإن كانت الجناية قبل القسم دخل معهم فيما اقتسموا ; لأن حقه لزمه قبل أن يقسم ماله ، وإن كانت الجناية بعد القسم لم يدخل معهم ; لأنهم قد ملكوا ما قسم لهم وخرج عن ملك المفلس والجناية والاستهلاك دين عليه سواء .
ولو أن القاضي حجر عليه وأمر بوقف ماله ليباع فجنى عبد له جناية لم يكن له أن يفديه وأمر القاضي ببيع الجاني في الجناية حتى يوفي المجني عليه أرشها فإن فضل فضل رده في ماله حتى يعطيه غرماءه ، وإن لم يفضل من ثمنه شيء ، ولم يستوف صاحب الجناية جنايته بطلت جنايته ; لأنها كانت في رقبة العبد دون ذمة سيده ، ولو كان عبد المفلس مجنيا عليه كان سيده الخصم له فإذا ثبت الحق عليه ، وكان الجاني عليه عبدا فله أن يقتص إن كانت الجناية فيها قصاص وأن يأخذ الأرش من رقبة العبد الجاني فإن أراد الغرماء ترك القصاص وأخذ المال فليس ذلك لهم ; لأنه لا يملك المال إلا بعد اختياره لهم ، وإن كانت الجناية مما لا قصاص فيه إنما فيه الأرش لم يكن لسيد العبد عفو الأرش ; لأنه مال من ماله وجب له بكل حال فليس له هبته هو مردود في ماله يقضي به عن دينه .
وإذا باع الرجل من الرجل الحنطة أو الزيت أو السمن أو شيئا مما يكال أو يوزن فخلطه بمثله أو خلطه بأردأ منه من جنسه ثم فلس غريمه كان له أن يأخذ متاعه بعينه ; لأنه قائم كما كان ويقاسم الغرماء بكيل ماله أو وزنه ، وكذلك إن كان خلطه فيما دونه إن شاء ; لأنه لا يأخذ فضلا إنما يأخذ نقصا فإن كان خلطه بما هو خير منه ففيها قولان أحدهما أن لا سبيل له ; لأنا لا نصل إلى دفع ماله إليه إلا زائدا بمال غريمه ، وليس لنا أن نعطيه الزيادة ، وكان هذا أصح القولين والله أعلم وبه أقول .
قال : ولا يشبه هذا ، الثوب يصبغ ، ولا السويق يلت الثوب يصبغ والسويق يلت متاعه بعينه فيه زيادة مختلطة فيه وهذا إذا اختلط انقلب حتى لا توجد عين ماله إلا غير معروفة من عين مال غيره وهكذا كل ذائب . والقول الثاني : أن ينظر إلى قيمة عسله ، وقيمة العسل المخلوط به متميزين ثم يخير البائع بأن يكون شريكا بقدر قيمة عسله من عسل البائع ويترك فضل كيل عسله أو يدع ويكون غريما كأن عسله كان صاعا يسوى دينارين ، وعسل شريكه كان صاعا يسوى أربعة دنانير فإن اختار أن يكون شريكا بثلثي صاع من عسله وعسل شريكه كان له ، وكان تاركا لفضل صاع ومن قال هذا قال ليس هذا ببيع إنما هذا وضيعة من مكيلة كانت له ، ولو باعه حنطة فطحنها كان فيها قولان هذا أشبههما عندي والله أعلم وبه أقول . وهو أن له أن يأخذ الدقيق ويعطي الغرماء قيمة الطحن ; لأنه زائد على ماله .
وكذلك لو باعه ثوبا فصبغه كان له ثوبه وللغرماء صبغه يكونون شركاء بما زاد الصبغ في قيمة الثوب وهكذا لو باعه ثوبا فخاطه كان له أن يأخذ ثوبه وللغرماء ما زادت الخياطة . وهكذا لو باعه إياه فقصره كان له أن يأخذ ثوبه وللغرماء بعدما زادت القصارة فيه فإن قال قائل : فأنت تزعم أن الغاصب لا يأخذ في القصارة شيئا ; لأنها أثر قلنا المفلس مخالف للغاصب من قبل أن المفلس إنما عمل فيما يملك ويحل له العمل فيه والغاصب عمل فيما لا يملك ، ولا يحل له العمل فيه ألا ترى أن المفلس يشتري البقعة فيبنيها ، ولا يهدم بناؤه ويهدم بناء الغاصب ويشتري الشيء فيبيعه فلا يرد بيعه ويرد بيع الغاصب ويشتري العبد فيعتقه فنجيز عتقه ، ولا نجيز عتق الغاصب .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -التفليس
الحلقة (137)
صــــــــــ 208 الى صـــــــــــ214
( قال الشافعي ) : ولو كانت المسألة بحالها فأفلس الرجل ، وقد [ ص: 208 ] قصر الثوب قصار أو خاطه خياط أو صبغه صباغ بأجرة فاختار صاحب الثوب أن يأخذ ثوبه أخذه فإن زاد عمل القصار فيه خمسة دراهم ، وكانت إجارته فيه درهما أخذ الدرهم ، وكان شريكا به في الثوب لصاحب الثوب ، وكان صاحب الثوب أحق به من الغرماء ، وكانت الأربعة الدراهم للغرماء شركاء بها للقصار وصاحب الثوب ، وإن كان عمله زاد في الثوب درهما ، وإجارته خمسة دراهم كان شريكا لصاحب الثوب بالدرهم وضرب مع الغرماء في مال المفلس بأربعة دراهم .
ولو كانت تزيد في الثوب خمسة دراهم والإجارة درهم أعطينا القصار درهما يكون به شريكا في الثوب ؟ وللغرماء أربعة يكونون بها في الثوب شركاء فإن قال قائل : كيف جعلته أحق بإجارته من الغرماء في الثوب . فإنما جعلته أحق بها إذا كانت زائدة في الثوب فمنعها صاحب الثوب لم يكن للغرماء أن يأخذوا ما زاد عمل هذا في الثوب دونه ; لأنه عين ماله ، فإن قالوا : فما بالها إذا كانت أزيد من إجارته لم تدفعها إليه كلها ، وإذا كانت أنقص من إجارته لم تقتصر به عليها كما تجعلها في البيوع ؟ قلنا : إنها ليست بعين بيع يقع فاجعلها هكذا ، وإنما كانت إجارة من الإجارات لزمت الغريم المستأجر فلما وجدت تلك الإجارة قائمة جعلته أحق بها ; لأنها من إجارته كالرهن له ألا ترى أنه لو كان له رهن يسوى عشرة بدرهم أعطيته منها درهما والغرماء تسعة ، ولو كان رهن يسوى درهما بعشرة دراهم أعطيته منها درهما وجعلته يحاص الغرماء بتسعة فإن قال فما باله يكون في هذا الموضع أولى بالرهن منه بالبيع ؟ .
قلت كذلك تزعم أنت في الثوب يخيطه الرجل أو يغسله له أن يحبسه عن صاحبه حتى يعطيه أجره كما يكون له أن يحبسه في الرهن حتى يعطيه ما فيه ; لأن له فيه عملا قائما فلا يسلمه إليه حتى يوفيه العمل فإن قال قائل : فما تقول أنت ؟ قلت لا أجعل له حبسه ، ولا لصاحب الثوب أخذه وآمر ببيع الثوب فأعطي كل واحد منهما حقه إذا أفلس فإن أفلس صاحب الثوب كان الخياط أحق بما زاد عمله في الثوب فإن كانت إجارته أكثر مما زاد عمله في الثوب أخذ ما زاد عمله في الثوب ; لأنه عين ماله ، وكانت بقية الإجارة دينا على الغريم يحاص به الغرماء .
وإن لم يفلس ، وقد عمل له ثوب فلم يرض صاحب الثوب بكينونة الثوب في يد الخياط أخذ مكانه منهما حتى يقضي بينهما بما وصفت أو يباع عليه الثوب فيعطى إجارته من ثمنه وبه أقول . والقول الثاني : إنه غريم في إجارته ; لأن ما عمل في الثوب ليس بعين ، ولا شيء من ماله زائد في الثوب إنما هو أثر في الثوب وهذا يتوجه .
قال : وإذا استأجر الرجل أجيرا في حانوت أو زرع أو شجر بإجارة معلومة ليست مما استأجره عليه إما بمكيلة طعام مضمون ، وإما بذهب أو ورق أو استأجر حانوتا يبيع فيه بزا أو استأجر رجلا يعلم له عبدا أو يرعى له غنما أو يروض له بعيرا ثم أفلس فالأجير أسوة الغرماء من قبل أنه ليس لواحد من هؤلاء الأجراء شيء من ماله مختلط بهذا زائد فيه كزيادة الصبغ والقصارة في الثوب وهو من مال الصباغ وزيادة الخياطة في الثوب من مال الخياط وعمله وكل شيء من هذا غير ما استؤجر عليه وغير شيء قائم فيما استؤجر عليه .
ألا ترى أن قيمة الثوب غير مصبوغ ، وقيمته مصبوغا ، وقيمته غير مخيط وغير مقصور ، وقيمته مخيطا ومقصورا معروفة حصة زيادة العامل فيه ، وليس في الثياب التي في الحانوت ، ولا في الماشية التي ترعى ، ولا في العبد الذي يعلمه شيء قائم من صنعة غيره فيعطي ذلك صنعته أو ماله ، وإنما هو غريم من الغرماء . أولا ترى أنه لو تولى الزرع كان الزرع والماء والأرض من مال المستأجر ، وكانت صنعته فيه إنما هي إلقاء في الأرض ليست بشيء زائد فيه والزيادة فيه بعد شيء من قدر الله - عز وجل - ومن مال المستأجر لا صنعة فيها للأجير . أولا ترى أن الزرع لو هلك كانت له إجارته والثوب لو هلك في يديه لم يكن له إجارته ; لأنه لم يسلم عمله إلى من استأجره ؟ .
ولو تكارى رجل من رجل أرضا واشترى من [ ص: 209 ] آخر ماء ثم زرع الأرض ببذره ثم فلس الغريم بعد الحصاد كان رب الأرض ورب الماء شريكين للغرماء ، وليسا بأحق بما يخرج من الأرض ، ولا بالماء وذلك أنه ليس لهما فيه عين مال الحب الذي نما من مال الغريم لا من مالهما فإن قال قائل : فقد نما بماء هذا وفي أرض هذا قلنا عين المال للغريم لا لهما والماء مستهلك في الأرض والزرع عين موجودة والأرض غير موجودة في الزرع وتصرفه فيها ليس بكينونة منها فيه فنعطيه عين ماله ، ولو عنى رجل فقال أجعلهما أحق بالطعام من الغرماء دخل عليه أنه أعطاهما غير عين مالهما ثم أعطاهما عطاء محالا ، فإن قال قائل فما المحال فيه ؟ . قلنا : إن زعم أن صاحب الزرع وصاحب الأرض وصاحب الماء شركاء فكم يعطى صاحب الأرض وصاحب الماء وصاحب الطعام ؟ فإن زعم أنه لهما حتى يستوفيا حقهما فقد أبطل حصة الغرماء من مال الزارع وهو لا يكون أحق بذلك من الغرماء إلا بعد ما يفلس الغريم فالغريم فلس وهذه حنطته ليست فيها أرض ، ولا ماء ، ولو أفلس والزرع بقل في أرضه كان لصاحب الأرض أن يحاص الغرماء بقدر ما أقامت الأرض في يدي الزارع إلى أن أفلس ثم يقال للمفلس وغرمائه ليس لك ، ولا لهم أن تستمتعوا بأرضه ، وله أن يفسخ الإجارة الآن إلا أن تطوعوا فتدفعوا إليه إجارة مثل الأرض إلى أن يحصد الزرع فإن لم تفعلوا فاقلعوا عنه الزرع إلا أن يتطوع بتركه لكم وذلك أنا نجعل التفليس فسخا للبيع وفسخا للإجارة فمتى فسخنا الإجارة كان صاحب الأرض أحق بها إلا أن يعطي إجارة مثلها ; لأن الزارع كان غير متعد .
قال : ولو باع رجل من رجل عبدا فرهنه ثم فلس كان المرتهن أحق به من الغرماء يباع له منه بقدر حقه فإن بقي من العبد بقية كان البائع أحق بها فإن قال قائل فإذا جعلت هذا في الرهن فكيف لم تجعله في القصارة والغسالة كالرهن فتجعله أحق به من رب الثوب ؟ قيل له لافتراقهما فإن قال قائل وأين يفترقان ؟ قلنا القصارة والغسالة شيء يزيده القصار والغسال في الثوب فإذا أعطيناه إجارته والزيادة في الثوب فقد أوفيناه ماله بعينه فلا نعطيه أكثر في الثوب ونجعل ما بقي من ماله في مال غريمه .
قال : ولو هلك الثوب عند القصار أو الخياط لم نجعل له على المستأجر شيئا من قبل أنه إنما هو زيادة يحدثها فمتى لم يوفها رب الثوب لم يكن له والرهن مخالف لهذا ليس بزيادة في العبد ، ولكنه إيجاب شيء في رقبته يشبه البيع فإن مات العبد كان ذلك في ذمة مولاه الراهن لا يبطل بموت العبد كما تبطل الإجارة بهلاك الثوب فإن قال فقد يجتمعان في موضع ويفترقان في آخر قيل : نعم فنجمع بينهما حيث اجتمعا ونفرق بينهما حيث افترقا . ألا ترى أنه إذا رهن العبد فجعلنا المرتهن أحق به حتى يستوفي حقه من البائع والغرماء فقد حكمنا له فيه ببعض حكم البيع ، ولو مات العبد رددنا المرتهن بحقه ، ولو كان هذا حكم البيع بكماله لم يرد المرتهن بشيء فإنما جمعنا بينه وبين البيع حيث اشتبها وفرقنا بينهما حيث افترقا .
ولو استأجر رجل أرضا فقبض صاحب الأرض إجارتها كلها وبقي الزرع فيها لا يستغني عن السقي والقيام عليه وفلس الزارع وهو الرجل قيل لغرمائه إن تطوعتم بأن تنفقوا على الزرع إلى أن يبلغ ثم تبيعوه وتأخذوا نفقتكم مع مالكم فذلك لكم ، ولا يكون ذلك لكم إلا بأن يرضاه رب الزرع المفلس فإن لم يرضه فشئتم أن تطوعوا بالقيام عليه والنفقة ، ولا ترجعوا بشيء فعلتم ، وإن لم تشاءوا وشئتم فبيعوه بحاله تلك لا تجبرون على أن تنفقوا على ما لا تريدون قال وهكذا لو كان عبد فمرض بيع مريضا بحاله ، وإن قل ثمنه .
قال : وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا أو دارا أو متاعا أو شيئا ما كان بعينه فلم يقبضه حتى فلس البائع فالمشتري أحق به بما باعه يلزمه ذلك ويلزم له كره أو كره الغرماء . ولو اشترى منه شيئا موصوفا من ضرب السلف من رقيق موصوفين أو إبل موصوفة أو طعام أو غيره من بيوع الصفة ودفع إليه الثمن كان أسوة الغرماء فيما له وعليه ، ولو كان الثمن [ ص: 210 ] لبعض ما اشترى من هذا عبدا بعينه أو دارا بعينها أو ثيابا بعينها بطعام موصوف إلى أجل أو غيره كان البائع للدار المشترى بها الطعام أحق بداره ; لأنه بائع مشتر ليس بخارج من بيعه ، وكذلك لو سلف في الطعام فضة مصوغة معروفة أو ذهبا أو دنانير بأعيانها فوجدها قائمة يقر بها الغرماء أو البائع كان أحق بها فإن كانت مما لا يعرف أو استهلكت فهو أسوة الغرماء .
وإذا اكترى الرجل من الرجل الدار ثم فلس المكري فالكراء ثابت إلى مدته ثبوت البيع مات المفلس أو عاش وهكذا قال بعض أهل ناحيتنا في الكراء وزعم في الشراء أنه إذا مات فإنما هو أسوة الغرماء ، وقد خالفنا غير واحد من الناس في الكراء ففسخه إذا مات المكتري أو المكري ; لأن ملك الدار قد تحول لغير المكري والمنفعة قد تحولت لغير المكتري ، وقال ليس الكراء كالبيوع ألا ترى أن الرجل يكتري الدار فتنهدم فلا يلزم المكري أن يبنيها ويرجع المكتري بما بقي من حصة الكراء ؟ ، ولو كان هذا بيعا لم يرجع بشيء فيثبت صاحبنا - والله يرحمنا وإياه - الكراء الأضعف ; لأنا ننفرد به دون غيرنا في مال المفلس ، وإن مات يجعله للمكتري وأبطل البيع فلم يجعله للبائع ، ولو فرق بينهما لكان البيع أولى أن يثبت للبائع من الكراء للمكتري ; لأنه ليس بملك تام ، وإذا جمعنا نحن بينهما لم ينبغ له أن يفرق بينهما .
قال : وإذا تكارى الرجل من الرجل حمل طعام إلى بلد من البلدان ثم أفلس المكتري أو مات فكل ذلك سواء يكون المكري أسوة الغرماء ; لأنه ليس له في الطعام صنعة ، ولو كان أفلس قبل أن يحمل الطعام كان له أن يفسخ الكراء ; لأنه ليس للمكتري أن يعطيه من ماله شيئا دون غرمائه ، ولا أجبر المكري أن يأخذ شيئا من غريم المفلس إلا أن يشاء غرماؤه ، ولو حمله بعض الطريق ثم أفلس كان له بقدر ما حمله من الكراء يحاص به الغرماء ، وكان له أن يفسخ الحمولة في موضعه ذلك - إن شاء - إن كان موضع لا يهلك فيه الطعام مثل الصحراء أو ما أشبهها .
وإذا تكارى النفر الإبل بأعيانها من الرجل فمات بعض إبلهم لم يكن على المكري أن يأتيه بإبل بدلها فإذا كان هذا هكذا فلو أفلس المكري ، ومات بعض إبلهم لم يرجع على أصحابه ، ولا في مال المكري بشيء إلا بما بقي مما دفع إليه من كرائه يكون فيه أسوة الغرماء وتكون الإبل التي أكتريت على الكراء فإذا انقضى كانت مالا من مال المكري المفلس ، ولو كانوا تكاروا منه حمولة مضمونة على غير إبل بأعيانها يدفع إلى كل رجل منهم إبلا بأعيانها كان له نزعها من أيديهم ، وإبدالهم غيرها فإذا كان هذا هكذا فحقهم في ذمته مضمون عليه فلو ماتت إبل كان يحمل عليها واحد منهم فأفلس الغريم كانوا جميعا أسوة فيما بقي من الإبل بقدر حمولتهم ; لأنها مضمونة في ماله لا في إبل بأعيانها فيكون إذا هلكت لم يرجع ، وإن كان معهم غرماء غيرهم من غرمائه بأي وجه كان لهم الدين عليه ضرب هؤلاء بالحمولة وهؤلاء بديونهم وحاصوهم .
وإذا اكترى الرجل من الرجل الإبل ثم هرب منه فأتى المتكاري السلطان فأقام عنده البينة على ذلك فإن كان السلطان ممن يقضي على الغائب أحلف المتكاري أن حقه عليه لثابت في الكراء ما يبرأ منه بوجه من الوجوه وسمى الكراء والحمولة ثم تكارى له على الرجل كما يبيع له في مال الرجل إذا كانت الحمولة مضمونة عليه ، وإن كانت الحمولة إبلا بأعيانها لم يتكار له عليه ، وقال القاضي للمكتري أنت بالخيار بين أن تكتري من غيره وأردك بالكراء عليه ; لفراره منك أو آمر عدلا فيعلف الإبل أقل ما يكفيها ويخرج ذلك متطوعا به غير مجبور عليه وأردك به على صاحب الإبل دينا عليه وما أعلف الإبل قبل قضاء القاضي فهو متطوع به .
وإن كان للجمال فضل من إبل باع عليه وأعلف إبله إذا كان ممن [ ص: 211 ] يقضي على الغائب ، ولم يأمر أحدا ينفق عليها ، ولم يفسخ الكراء إنما يفعل هذا إذا لم يكن له فضل إبل . قال : وإذا باع عليه فضلا من إبله ومالا له سوى الإبل ثم جاء الجمال لم يرد بيعه ودفع إليه ماله وأمره بالنفقة على إبله قال : والاحتياط لمن تكارى من جمال أن يأخذه بأن يوكل رجلا ثقة ويجيز أمره في بيع ما رأى من إبله ومتاعه فيعلف إبله من ماله ويجعله مصدقا فيما أدان على إبله وعلفها به لازما له ذلك ويحلفه لا يفسخ ، وكالته فإن غاب قام بذلك الوكيل .
قال : وإذا تكارى القوم من الجمال إبلا بأعيانها ثم أفلس فلكل واحد منهم أن يركب إبله بأعيانها ، ولا تباع حتى يستوفوا الحمولة ، وإن كانت بغير أعيانها ودفع إلى كل إنسان بعيرا دخل بعضهم على بعض إذا ضاقت الحمولة كما يدخل بعضهم على بعض في سائر ماله حتى يتساووا في الحمولة ودخل عليهم غرماؤه الذين لا حمولة لهم حتى يأخذوا من إبله بقدر مالهم وأهل الحمولة بقيمة حمولتهم .
ومن أصدق امرأة عبدا بعينه فقبضته أو لم تقبضه ثم أفلس فهو لها ، وكذلك لو باعه أو تصدق به صدقة محرمة ، وكذلك لو أقر أنه غصبه إياه أو أقر أنه له فإن وهبه لرجل أو نحله أو تصدق به صدقة غير محرمة فلم يقبضه الموهوب له حتى فلس فليس له دفعه إليه ، ولا للموهوب له قبضه فإن قبضه بعد أن وقف القاضي ماله كان مردودا ; لأن ملك هذا لا يتم إلا بالقبض من الهبة والصدقة والنحل .
وإذا أفلس الغريم بمال لقوم قد عرفه الغريم كله وعرف كل واحد من الغرماء ما لكل واحد منهم فدفع إلى غرمائه ما كان له قل أو كثر فإن كانوا ابتاعوا ما دفع إليهم من ماله بما لهم عليه أو أبرءوه مما لهم عليه حين قبضوه منه فهو برئ بلغ ذلك من حقوقهم ما بلغ قليلا كان أو كثيرا ولكل واحد منهم من ذلك المال بقدر ما له على الغريم فلصاحب المائتين سهمان ولصاحب المائة سهم ، وإن كان دفعه إليهم ، ولم يتبايعوه ، ولم يبرئوه وبقي عليه مالا يبلغه ثمن ماله فهذا لا بيع لهم ، ولا رهن فإن لم يكن بيع فجاء غرماء آخرون دخلوا معهم فيه ، وكذلك لو كان إنما أفلس بعد دفعه إليهم والمال ماله بحاله إلا أنهم ضامنون له بقبولهم إياه على الاستيفاء له فإن لم يفت استؤنف فيه البيع ودخل من حدث من غرمائه معهم فيه ، وإن كان بيع فالمفلس بالخيار بين أن يكون له جميع ما بيع به يقبضونه ومن حدث من غرمائه داخل عليهم فيه أو يضمنهم قيمة المال إن كان فات يقاصهم به من دينه وما كان قائما بعينه فالبيع مردود فيه إلا أن يكون وكلهم ببيعه فيجوز عليه البيع كما يجوز على من وكل بيع وكيله .
وإذا بيع مال المفلس لغرماء أقاموا عليه بينة ثم أفاد بعد مالا واستحدث دينا فقام عليه أهل الدين الآخر وأهل الدين الأول ببقايا حقوقهم فكلهم فيما أفاد من مال سواء قديمهم وحديثهم وكل دين أدانه قبل يحجر عليه القاضي لزمه يضرب فيه كل واحد منهم بقدر ما له عليه وهكذا لو حجر عليه القاضي ثم باع ماله ، وقضى غرماءه ثم أفاد مالا وأدان دينا كان الأولون والآخرون من غرمائه سواء في ماله ، وليس بمحجور عليه بعد الحجر الأول وبيع المال ; لأنه لم يحجر عليه لسفه إنما حجر في وقت لبيع ماله فإذا مضى فهو على غير الحجر .
قال : ولو كانت المسألة بحالها وحضر له غرماء كانوا غيبا داينوه قبل تفليسه الأول أدخلنا الغرماء الذين داينوه قبل تفليسه الأول في ماله الأول على الغرماء الذين اقتسموا ماله بقدر ما لكل واحد عليه ثم أدخلنا هؤلاء الذين كانوا والآخرين المدخل هؤلاء عليهم والغرماء الآخرين معا في المال المستحدث الذي فلسناه فيه الثانية بقدر ما بقي لأولئك وما لهؤلاء عليه سواء .
وإذا باع الرجل الرجل السلعة ، وقبضها المشتري على أنهما بالخيار ثلاثا ففلس البائع أو المشتري أو هما قبل الثلاث فذلك كله سواء ، ولهما إجازة البيع ورده لأيهما شاء رده ، وإنما زعمت أن لهما إجازة البيع ; لأنه ليس ببيع حادث ألا ترى أنهما لو لم يتكلما في البيع برد ، ولا إجازة حتى تمضي الثلاث جاز ، ولو لم يختارا ، ولم يردا ، ولا واحد [ ص: 212 ] منهما حتى تمضي الثلاث كان البيع لازما كالبيع بلا خيار .
قال : ومن وجد عين ماله عند مفلس كان أحق به إن شاء ، وسواء كان مفلسا فتركه أو أراد الغرماء أخذه أو غير مفلس ; لأنه لا يملكه إلا أن يشاء فلا أجبره على ملك ما لا يشاء إلا الميراث فإنه لو ورث شيئا فرده لم يكن له ، وكان للغرماء أخذه كما يأخذون سائر ماله ولكل واحد منهما إجازة البيع ورده في أيام الخيار أحب ذلك الغرماء أو كرهوا ; لأن البيع ، وقع على عين فيها خيار .
قال : ومن وجد عين ماله عند مفلس كان أحق به إن شاء ، وسواء كان مفلسا فتركه أو أراد الغرماء أخذه أو غير مفلس ; لأنه لا يملكه إلا أن يشاء فلا أجبره على ملك ما لا يشاء إلا الميراث فإنه لو ورث شيئا فرده لم يكن له ، وكان للغرماء أخذه كما يأخذون سائر ماله ولكل واحد منهما إجازة البيع ورده في أيام الخيار أحب ذلك الغرماء أو كرهوا ; لأن البيع ، وقع على عين فيها خيار .
باب : كيف ما يباع من مال المفلس .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ينبغي للحاكم إذا أمر بالبيع على المفلس أن يجعل أمينا يبيع عليه ويأمر المفلس بحضور البيع أو التوكيل بحضوره إن شاء ويأمر بذلك من حضر من الغرماء فإن ترك ذلك المبيع عليه والمبيع له أو بعضهم باع الأمين وما يباع من مال ذي الدين ضربان . أحدهما : مرهون قبل أن يقام عليه . والآخر : غير مرهون . فإذا باع المرهون من ماله دفع ثمنه إلى المرتهن ساعة يبيعه إذا كان قد أثبت رهنه عند الحاكم وحلف على ثبوت حقه فإن فضل عن رهنه شيء ، وقفه وجميع ما باع مما ليس برهن حتى يجتمع ماله وغرماؤه فيفرق عليهم . قال : وإذا باع الرجل رهنه فعجز عن مبلغ حقه دفع إليه ما نقص من ثمن رهنه ، وكان فيما بقي من حقه أسوة الغرماء . ولو كان ذو الدين رهن غريمه رهنا فلم يقبضه المرتهن حتى قام عليه الغرماء كان الرهن مفسوخا ، وكان الغرماء فيه أسوة .
وكذلك لو رهنه رهنا ، وقبضه ثم فسخه صاحب الحق أو رهنه رهنا فاسدا بوجه من الوجوه لم يكن رهنا ، وكان فيه أسوة الغرماء . ولو رهنه رجلين معا كانا كالرجل الواحد ، ولو رهنه رجلا فقبضه ثم رهنه آخر بعده فأعطى الأول جميع حقه وبقيت من ثمن الرهن بقية لم يكن للآخر فيها إلا ما لسائر الغرماء ; لأنه لا يجوز له أن يرهن الآخر شيئا قد رهنه فصار غير جائز لأمر فيه . قال ولو رهن رجل رهنا فلم يقبضه المرتهن وأفلس الرجل الراهن فالرهن مفسوخ وكل رهن مفسوخ بوجه فهو مال من مال المفلس ليس أحد من غرمائه أحق به من أحدهم فيه معا أسوة . قال : ولا يجوز رهن الثمر في رءوس النخل ، ولا الزرع قائما ; لأنه لا يقبض ، ولا يعرف ، ويجوز بعد ما يجد ويحصد فيقبض .
باب ما جاء فيما يجمع مما يباع من مال صاحب الدين .
( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا ينبغي للحاكم أن يأمر من يبيع مال الغريم حتى يحضره ويحضر من حضر من غرمائه فيسألهم فيقول ارتضوا بمن أضع ثمن ما بعت على غريمكم لكم حتى أفرقه عليكم [ ص: 213 ] وعلى غريم إن كان له حق معكم فإن اجتمعوا على ثقة لم يعده ، وإن اجتمعوا على غير ثقة لم يقبله ; لأن عليه أن لا يولي إلا ثقة ; لأن ذلك مال الغريم حتى يقضي عنه ، ولو فضل منه فضل كان له ، ولو كان فيه نقص كان عليه ، ولعله يطرأ عليه دين لغيرهم كبعض من لم يرض بهذا الموضوع على يديه ، وإن تفرقوا فدعوا إلى ثقتين ضمهما . قال : وكذلك أكثر إذا قبلوا ، ولم يكن منهم أحد يطلب على ذلك جعلا ، وإن طلبوا جعلا جعله إلى واحد ليكون أقل في الجعل ، وكان عليه أن يختار خيرهم لهم ولغائب إن كان معهم ويقول للغرماء : أحضروه فأحصوا أو وكلوا من شئتم ويقول ذلك للذي عليه الدين ويطلب أن يكون الموضوع على يديه المال ضامنا بأن يسلفه سلفا حالا فإن فعل لم يجعله أمانة وهو يجد السبيل إلى أن يكون مضمونا ، وإن وجد ثقة مليا يضمنه ووجد أوثق منه لا يضمنه دفعه إلى الذي ضمنه ، وإن لم يدعوا إلى أحد أو دعوا إلى غير ثقة اختار لهم .
قال وأحب إلي فيمن ولي هذا أن يرزق من بيت المال فإن لم يكن لم يجعل له شيئا حتى يشارطوه هم فإن لم يتفقوا اجتهد لهم فلم يعطه شيئا وهو يجد ثقة يقبل أقل منه وهكذا يقول لهم فيمن يصيح على ما يباع عليه بمن يزيد ، وفي أحد إن كال منه طعاما أو نقله إلى موضع بسوق وكل ما فيه صلاح المبيع إن جاء رب المال أو هم بمن يكفي ذلك لم يدخل عليهم غيرهم ، وإن لم يأتوا استأجر عليه من يكفيه بأقل ما يجد ، وإذا بيع مال المفلس لغريم بعينه أو غرماء بأعيانهم فسواء هم ومن ثبت معهم حقا عليه قبل أن يقسم المال ، ولا ينبغي أن يدفع من ماله شيئا إلى من اشتراه إلا بعد أن يقبض منه الثمن ، وإن وقف على يدي عدل أو يدي البائع حتى يأتي المشتري بالثمن فهلك فمن مال المفلس لا يضمنه المشتري حتى يقبضه فإن قبضه المشتري مكانه ، ولم يعلم البائع ثم هرب أو استهلكه فأفلس فذلك من مال المفلس لا من مال أهل الدين ، وكذلك إن قبض العدل ثمن ما اشترى أو بعضه فلم يدفعه إلى الغرماء حتى هلك فمن مال المفلس لا يكون من مال الغرماء حتى يقبضوه والعهدة فيما باع على المفلس ; لأنه بيع له ملكه في حق لزمه فهو بيع له وعليه وأحق الناس بأن تكون العهدة عليه مالك المال المبيع ، ولا يضمن القاضي ، ولا أمينه شيئا ، ولا عهدة عليهما ، ولا على واحد منهما ، وإن بيع للغريم من مال المفلس شيء ثم استحق رجع به في مال المفلس .
باب ما جاء في العهدة في مال المفلس .
( قال الشافعي ) : رحمه الله من بيع عليه مال من ماله في دين بعد موته أو قبله أو في تفليسه أو باعه هو فكله سواء لا نراه لمن باع للميت كهي لمن باع لحي والعهدة في مال الميت كهي في مال الحي لا اختلاف في ذلك عندي . ولو مات رجل أو أفلس وعليه ألف درهم وترك دارا فبيعت بألف درهم فقبض أمين القاضي الألف فهلكت من يده واستحقت الدار فلا عهدة على الغريم الذي باعها له والعهدة على الميت المبيع عليه أو المفلس فإن وجد للميت أو المفلس مال بيع ثم رد على المشتري المعطي الألف ألفه ; لأنها مأخوذة منه ببيع لم يسلم له وأعطى الغرماء حقوقهم ، وإن لم يوجد له شيء فلا ضمان على القاضي ، ولا أمينه وترجع الدار إلى الذي استحقها ويقال للمشتري الدار : قد [ ص: 214 ] هلكت ألفك فأنت غريم للميت والمفلس متى ما وجدت له مالا أخذتها . ويقال للغريم : لم تستوف فلا عهدة عليك فمتى وجدت للميت مالا أعطيناك منه ، وإذا وجدتماه تحاصصتما فيه لا يقدم منكما واحد على صاحبه . .
باب ما جاء في التأني بمال المفلس .
( قال الشافعي ) رحمه الله : الحيوان أولى مال المفلس والميت عليه الدين أن يبدأ به ويعجل ببيعه ، وإن كان ببلاد جامعة لم يتأن به أكثر من ثلاث ، ولا يبلغ به أناة ثلاث إلا أن يكون أهل العلم قد يرون أنه إن تؤنى به ثلاث بلغ أكثر مما يبلغ في يوم أو اثنين ، وإن كان ذلك في بعض الحيوان دون بعض تؤنى بما كان ذلك فيه ثلاث دون ما ليس ذلك فيه وينفق عليه من مال الميت ; لأنه صلاح له كما يعطى في القيام عليه من مال الميت قال ويتأنى بالمساكن بقدر ما يرى أهل البصر بها أن قد بلغت أثمانها أو قاربتها أو تناهت زيادتها على قدر مواضع المساكن وارتفاعها ويتأنى بالأرضين والعيون وغيرها بقدر ما وصفت مما يرى أهل الرأي أنه قد استوفى بها أو قورب أو تناهت زيادتها وما ارتفع منها تؤنى به أكثر ، وإن كان أهل بلد غير بلده إذا علموا زادوا فيه تؤنى به إلى علم أهل ذلك البلد ، وإذا باع القاضي على الميت أو المفلس وفارق المشتري البائع من مقامهما الذي تبايعا فيه ثم زيد لم يكن له رد ذلك البيع إلا بطيب نفس المشتري وأحب للمشتري لو رده أو زاد ، وليس ذلك بواجب عليه وللقاضي طلب ذلك إليه فإن لم يفعل لم يظلمه وأنفذه له والبيع على الميت والمفلس في شرط الخيار وغيره وفي العهدة كبيع الرجل مال نفسه لا يفترق . .
باب ما جاء في شراء الرجل وبيعه وعتقه وإقراره .
( قال الشافعي ) رحمه الله : شراء الرجل وبيعه وعتقه ، وإقراره ، وقضاؤه بعض غرمائه دون بعض جائز كله عليه مفلسا كان أو غير مفلس وذا دين كان أو غير ذي دين في إجازة عتقه وبيعه لا يرد من ذلك شيء ، ولا مما فضل منه ، ولا إذا قام الغرماء عليه حتى يصيروه إلى القاضي وينبغي إذا صيروه إلى القاضي أن يشهد على أنه قد أوقف ماله عنه فإذا فعل لم يجز له حينئذ أن يبيع من ماله ، ولا يهب ، ولا يتلف وما فعل من هذا ففيه قولان . أحدهما : أنه موقوف فإن قضى دينه وفضل له فضل أجاز ما صنع من ذلك الفضل ; لأن وقفه ليس بوقف حجر إنما هو وقف كوقف مال المريض فإذا صح ذهب الوقف عنه فكذلك هذا إذا قضى دينه ذهب الوقف عنه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -التفليس
الحلقة (138)
صــــــــــ 215 الى صـــــــــــ221
والثاني : أن ما صنع من هذا باطل ; لأنه قد منع ماله والحكم فيه . قال : ولا يمنعه حتى يقسم ماله نفقته ونفقة أهله ، وإذا باع ترك له ولأهله قوت يومهم ويكفن هو ومن يلزمه أن يكفنه إن مات أو ماتوا من رأس ماله بما يكفن به مثله . قال : ويجوز له ما صنع في ماله بعد رفعه إلى القاضي حتى يقف القاضي ماله ، وإذا أقر الرجل بعد وقف القاضي ماله بدين لرجل أو حق من وجه من الوجوه وزعم أنه لزمه قبل وقف ماله ففي ذلك قولان . أحدهما : أن إقراره لازم له ويدخل من أقر له في هذه الحال مع غرمائه الذين أقر لهم قبل وقف ماله ، وقامت لهم البينة ومن قال هذا القول قال أجعله قياسا على المريض يقر بحق لزمه في مرضه فيدخل المقر له مع أهل الدين الذين [ ص: 215 ] أقر لهم في الصحة ، وكانت لهم بينة فهذا يحتمل القياس ويدخله أنه لو أقر بشيء مما عرف له أنه لأجنبي غصبه إياه أو أودعه أو كان له بوجه لزمه الإقرار . ومن قال هذا قاله في كل من وقف ماله وأجاز عليه ما أقر به مما في يديه وغير ذلك في حاله تلك كما يجيزه في الحال قبلها وبه أقول .
والقول الثاني : أنه إن أقر بحق لزمه بوجه من الوجوه في شيء في ذمته أو في شيء مما في يديه جعل إقراره لازما له في مال إن حدث له بعد هذا وأحسن ما يحتج به من قال هذا أن يقول : وقفي ماله هذا في حاله هذه لغرمائه كرهنه ماله لهم فيبدءون فيعطون حقوقهم فإن فضل فضل كان لمن أقر له ، وإن لم يفضل فضل كان مالهم في ذمته ويدخل هذا القول أمر يتفاحش من أنه ليس بقياس على المريض يوقف ماله ، ولا على المحجور فيبطل إقراره بكل حال ويدخله أن الرهن لا يكون إلا معروفا بمعروف ويدخل هذا أنه مجهول ; لأن من جاءه من غرمائه أدخله في ماله وما وجد له من مال لا يعرفه ، ولا غرماؤه أعطاه غرماءه .
ويدخله أن رجلا لو كان مشهودا عليه بالفقر ، وكان صائغا أو غسالا مفلسا وفي يده حلي ثمن مال وثياب ثمن مال جعلت الثياب والحلي له حتى يوفي غرماءه حقوقهم . ويدخل على من قال هذا أن يزعم هذا في دلالة يوضع على يديها الجواري ثمن ألوف دنانير وهي معروفة أنها لا تملك كبير شيء فتفلس يجعل لها الجواري ويبيعهن عليها ويدخل عليه أن يزعم أن الرجل يملك ما في يديه ، وإن لم يدعه ، وليس ينبغي أن يقول هذا أحد فإن ذهب رجل إلى أن يترك بعض هذا ترك القياس واختلف قوله ثم لعله يلزمه لو بيع عليه عبد فذكر أنه أبق فقال الغرماء أراد كسره لم يقبل قوله فيباع ماله وعليه عهدته ، ولا يصدق في قوله وهذا القول مدخول كثير الدخل والقول الأول قولي وأسأل الله - عز وجل - التوفيق والخيرة برحمته .
باب ما جاء في هبة المفلس .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا وهب الرجل هبة لرجل على أن يثيبه فقبل الموهوب له ، وقبض ثم أفلس بعد الهبة قبل أن يثيبه فمن أجاز الهبة على الثواب خير الموهوب له بين أن يثيبه أو يرد عليه هبته إن كانت قائمة بعينها لم تنتقص ثم جعل للواهب الخيار في الثواب فإن أثابه قيمتها أو أضعاف [ ص: 216 ] قيمتها فلم يرض جعل له أن يرجع في هبته وتكون للغرماء ، وإن أثابه أقل من قيمتها فرضي أجاز رضاه ، وإن كره ذلك الغرماء .
( قال الربيع ) : وفيه قول آخر أنه إذا وهب فالهبة باطلة من قبل أنه لم يرض أن يعطيه إلا بالعوض فلما كان العوض مجهولا كانت الهبة باطلة كما لو باعه بثمن غير معلوم كان البيع باطلا فهذا ملكه بعوض ، والعوض مجهول فكان بالبيع أشبه من قبل أن البيع بعوض وهذا بعوض فلما كان مجهولا بطل .
( قال الشافعي ) : ولو فاتت الهبة في يدي الموهوبة له فما أثابه فرضي به فجائز ، وإن لم يرض فله قيمة هبته ، ولو وهب رجل لرجل هبة ليثيبه الموهوبة له ثم أفلس الواهب والهبة قائمة بعينها فمن جعله على هبته أو يثاب منها كان الثواب إلى الواهب فإن رضي بقليل ، وكره ذلك غرماؤه جاز عليهم ، وكذلك لو رضي ترك الثواب ، وقال لم أهبها للثواب ، وإن لم يرض بقيمتها كان على هبته سواء نقصت الهبة أو زادت . وفيها قول آخر ليس له أن يرجع فيها ، وإن فاتت بموت أو بيع أو عتق فلا شيء للواهب ; لأنه ملكه إياها ، ولم يشترط عليه شيئا ، وإذا كان على هبته ففاتت فلا شيء له ; لأن الذي قد كان له قد فات ، ولا يضمن له شيء بعينه كما يكون على شفعته فتتلف الشفعة فلا يكون له شيء .
. باب حلول دين الميت والدين عليه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا مات الرجل ، وله على الناس ديون إلى أجل فهي إلى أجلها لا تحل بموته ، ولو كانت الديون على الميت إلى أجل فلم أعلم مخالفا عنه ممن لقيت بأنها حالة يتحاص فيها الغرماء فإن فضل فضل كان لأهل الميراث ووصاياه إن كانت له قال ويشبه - والله أعلم - أن يكون من حجة من قال هذا القول مع تتابعهم عليه أن يقولوا لما كان غرماء الميت أحق بماله في حياته منه كانوا أحق بماله بعد وفاته من ورثته فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما يدعها في الحياة كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه ، ولعل من حجتهم أن يقولوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه } .
( أخبرنا ) إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه } .
( قال الشافعي ) : فلما كان كفنه من رأس ماله دون غرمائه ونفسه معلقة بدينه ، وكان المال ملكا له أشبه أن يجعل قضاء دينه ; لأن نفسه معلقة بدينه ، ولم يجز أن يكون مال الميت زائلا عنه فلا يصير إلى غرمائه ، ولا إلى ورثته وذلك أنه لا يجوز أن يأخذه ورثته دون غرمائه ، ولو وقف إلى قضاء دينه علق روحه بدينه ، وكان ماله معرضا أن يهلك فلا يؤدي عن ذمته ، ولا يكون لورثته فلم يكن فيه منزلة أولى من أن يحل دينه ثم يعطى ما بقي ورثته . .
. باب ما حل من دين المفلس وما لم يحل .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أفلس الرجل وعليه ديون إلى أجل فقد ذهب غير واحد من المفتين ممن حفظت عنه إلى أن ديونه التي إلى أجل حالة حلول دين الميت وهذا قول يتوجه من أن ماله وقف وقف مال الميت وحيل بينه وبين أن يقضي من شاء ويدخل في هذا أنهم إذا حكموا له حكم الميت [ ص: 217 ] انبغى أن يدخلوا من أقر له بشيء مع غرمائه ، وكذلك يخرجون من يديه ما أقر به لرجل كما يصنعون ذلك بالمريض يقر ثم يموت ، وقد يحتمل أن يباع لمن حل دينه ويؤخر الذين ديونهم متأخرة ; لأنه غير ميت فإنه قد يملك والميت لا يملك والله - تعالى - أعلم . قال : وما كان للميت من دين على الناس فهو إلى أجله لا يحل ماله بموته ، ولا بتفليسه . .
باب ما جاء في حبس المفلس .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا كان للرجل مال يرى في يديه ويظهر منه شيء ثم قام أهل الدين عليه فأثبتوا حقوقهم فإن أخرج مالا أو وجد له ظاهر يبلغ حقوقهم أعطوا حقوقهم ، ولم يحبس ، وإن لم يظهر له مال ، ولم يوجد له ما يبلغ حقوقهم حبس وبيع في ماله ما قدر عليه من شيء فإن ذكر حاجة دعا بالبينة عليها وأقبل منه البينة على الحاجة وأن لا شيء له إذا كانوا عدولا خابرين به قبل الحبس ، ولا أحبسه ويوم أحبسه وبعد مدة أقامها في الحبس وأحلفه مع ذلك كله بالله ما يملك ، ولا يجد لغرمائه قضاء في نقد ، ولا عرض ، ولا بوجه من الوجوه ثم أخليه وأمنع غرماءه من لزومه إذا خليته ثم لا أعيده لهم إلى حبس حتى يأتوا ببينة أن قد أفاد مالا فإن جاءوا ببينة أن قد رئي في يديه مال سألته فإن قال مال مضاربة لم أعمل فيه أو عملت فيه فلم ينض أو لم يكن لي فيه فضل قبلت ذلك منه وأحلفته إن شاءوا ، وإن جحد حبسته أيضا حتى يأتي ببينة كما جاء بها أول مرة وأحلفته كما أحلفته فيها ، ولا أحلفه في واحدة من الحبستين حتى يأتي ببينة وأسأل عنه أهل الخبرة به فيخبروني بحاجته ، ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف عنه فمتى استقر عند الحاكم ما وصفت لم يكن له حبسه ، ولا ينبغي أن يغفل المسألة عنه .
قال وجميع ما لزمه من وجه من الوجوه سواء من جناية أو وديعة أو تعد أو مضاربة أو غير ذلك يحاصون في ماله ما لم يكن لرجل منهم مال بعينه فيأخذه منه ، ولا يشركه فيه غيره ، ولا يؤخذ الحر في دين عليه إذا لم يوجد له شيء ، ولا يحبس إذا عرف أن لا شيء له ; لأن الله - عز وجل - يقول { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } وإذا حبس الغريم وفلس وأحلف ثم حضر آخر لم يحدث له حبس ، ولا يمين إلا أن يحدث له يسر بعد الحبس فيحبس للثاني والأول ، وإذا حبس وأحلف وفلس وخلي ثم أفاد مالا جاز له فيما أفاد ما صنع من عتق وبيع وهبة وغيره حتى يحدث له السلطان وقفا آخر ; لأن الوقف الأول لم يكن وقفا ; لأنه غير رشيد ، وإنما وقف ليمنعه ماله ويقسمه بين غرمائه فما أفاد آخر فلا وقف عليه .
وإذا فلس الرجل وعليه عروض موصوفة وعين من بيع وسلف وجناية ومهر امرأة وغير ذلك مما لزمه بوجه فكله سواء يحاص أهل العروض بقيمتها يوم يفلس فما أصابهم اشترى لهم به عرضا من شرطهم فإن استوفوا حقوقهم فذاك ، وإن لم يستوفوا أو استوفوا أنصافها أو أقل أو أكثر ثم حدث له مال آخر فلأهل العروض أن يقوم لهم ما بقي من عروضهم عند التفليسة الثانية فيشتري لهم ; لأن لهم أن يأخذوا عروضهم إذا وجدوا له مالا وبعضها إذا لم يجدوا كلها إذا وجدوه .
باب ما جاء في الخلاف في التفليس قلت لأبي عبد الله : هل خالفك أحد في التفليس ؟ فقال نعم خالفنا بعض الناس في التفليس [ ص: 218 ] فزعم أن الرجل إذا باع السلعة من الرجل بنقد أو إلى أجل ، وقبضها المشتري ثم أفلس والسلعة قائمة بعينها فهي مال من مال المشتري يكون البائع فيها وغيره من غرمائه سواء فقلت لأبي عبد الله وما احتج به ؟ فقال قال لي قائل منهم : أرأيت إذا باع الرجل أمة ودفعها إلى المشتري أما ملكها المشتري ملكا صحيحا يحل له وطؤها ؟ قلت بلى قال أفرأيت لو وطئها فولدت له أو باعها أو أعتقها أو تصدق بها ثم أفلس أترد من هذا شيئا وتجعلها رقيقا ؟ قلت لا فقال ; لأنه ملكها ملكا صحيحا .
قلت نعم قال فكيف تنقض الملك الصحيح ؟ فقلت نقضته بما لا ينبغي لي ، ولا لك ، ولا لمسلم علمه إلا أن ينقضه له . قال : وما هو ؟ قلت : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أفرأيت إن لم أثبت لك الخبر ؟ قلت إذا تصير إلى موضع الجهل أو المعاندة قال إنما رواه أبو هريرة وحده فقلت ما نعرف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية إلا عن أبي هريرة وحده ، وإن في ذلك لكفاية تثبت بمثلها السنة قال أفتوجدنا أن الناس يثبتون لأبي هريرة رواية لم يروها غيره أو لغيره ؟ قلت نعم قال وأين هي ؟ قلت قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها } ؟ فأخذنا نحن وأنت به ، ولم يروه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم تثبت روايته غيره قال أجل . ولكن الناس أجمعوا عليها فقلت فذلك أوجب للحجة عليك أن يجتمع الناس على حديث أبي هريرة وحده ، ولا يذهبون فيه إلى توهينه بأن الله - عز وجل - يقول { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية .
وقال { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ، وقلت له وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا } فأخذنا بحديثه كله وأخذت بجملته فقلت الكلب ينجس الماء القليل إذا ولغ فيه ، ولم توهنه بأن أبا قتادة روى { عن النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة أنها لا تنجس الماء } ونحن وأنت نقول لا تؤكل الهرة فتجعل الكلب قياسا عليها فلا تنجس الماء بولوغ الكلب ، ولم يروه إلا أبو هريرة فقال قبلنا هذا ; لأن الناس قبلوه قلت فإذا قبلوه في موضع ومواضع وجب عليك وعليهم قبول خبره في موضع غيره ، وإلا فأنت تحكم فتقبل ما شئت وترد ما شئت . فقال : قد عرفنا أن أبا هريرة روى أشياء لم يروها غيره مما ذكرت وحديث المصراة وحديث الأجير وغيره أفتعلم غيره انفرد برواية ؟ قلت نعم أبو سعيد الخدري روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } فصرنا نحن وأنت وأكثر المفتين إليه وتركت قول صاحبك وإبراهيم النخعي الصدقة في كل قليل وكثير أنبتته الأرض ، وقد يجدان تأويلا من قول الله عز وجل { وآتوا حقه يوم حصاده } ولم يذكر قليلا ، ولا كثيرا ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم { فيما سقي بالسماء العشر وفيما سقي بالدالية نصف العشر } قال أجل .
قلنا وحديث أبي ثعلبة الخشني { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع } لا يروى عن غيره علمته إلا من وجه عن أبي هريرة .
وليس بالمشهور المعروف الرجال فقبلناه نحن وأنت وخالفنا المكيون واحتجوا بقول الله - عز وجل - { قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه } الآية ، وقوله { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وبقول عائشة وابن عباس وعبيد بن عمير فزعمنا أن الرواية الواحدة تثبت بها الحجة ، ولا حجة في تأويل ، ولا حديث عن غير النبي صلى الله عليه وسلم مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم . قال : أما ما وصفت فكما وصفت . قلت : فإذا جاء مثل هذا فلم لم تجعله حجة ؟ قال ما كانت حجتنا في أن لا نقول قولكم في التفليس إلا هذا قلنا ، ولا حجة لك فيه ; لأني قد وجدتك تقول وغيرك وتأخذ بمثله فيه قال آخر إنا قد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه شبيها بقولنا قلنا وهذا مما لا حجة فيه عندنا وعندك ; لأن مذهبنا معا إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء أن لا حجة في أحد معه . قال : فإنا [ ص: 219 ] قلنا لم نعلم أبا بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان رضي الله عنهم قضوا بما رويتم في التفليس قلنا ، ولا رويتم أنهم ، ولا واحد منهم قال { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } { ، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها } ، ولا تحريم كل ذي ناب من السباع . قال فاكتفينا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا .
قلنا ففيه الكفاية المغنية عما سواها وما سواها تبع لها لا يصنع معها شيئا إن وافقها تبعها ، وكانت به الحاجة إليها ، وإن خالفها ترك وأخذت السنة قال وهكذا نقول . قلنا : نعم في الجملة ، ولا تفي بذلك في التفريع قال فإني لم أنفرد بما عبت علي قد شركني فيه غير واحد من أهل ناحيتك وغيرهم فأخذوا بأحاديث وردوا أخرى . قلت : فإن كنت حمدتهم على هذا فأشركهم فيه . قال : إذا يلزمني أن أكون بالخيار في العلم . قلت : فقل ما شئت فإنك ذممت ذلك ممن فعله فانتقل عن مثل ما ذممت ، ولا تجعل المذموم حجة .
قال : فإني أسألك عن شيء . قلت : فسل قال كيف نقضت الملك الصحيح ؟ قلت أوترى للمسألة موضعا فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لا ، ولكني أحب أن تعلمني هل تجد مثل هذا غير هذا ؟ . قلت : نعم أرأيت دارا بعتها لك فيها شفعة أليس المشتري مالكا يجوز بيعه وهبته وصداقه وصدقته فيما ابتاع ، ويجوز له هدمه وبناؤه ؟ قال : نعم . قلت : فإذا جاء الذي له الشفعة أخذ ذلك ممن هو في يديه ؟ قال نعم قلت أفتراك نقضت الملك الصحيح ؟ قال نعم ، ولكني نقضته بالسنة وقلت أرأيت الرجل يصدق المرأة الأمة فيدفعها إليها والغنم فتلد الأمة والغنم أليس إن مات الرجل أو المرأة قبل أن يدخل عليها كان ما أصدقها لها قبل موت واحد منهما يكون لها عتق الأمة وبيعها وبيع الماشية وهي صحيحة الملك في ذلك كله ؟ . قال : بلى قلت : أفرأيت إن طلقها قبل تفوت في الجارية ، ولا الغنم شيئا وهو في يديها بحاله ؟ . قال : ينتقض الملك ويصير له نصف الجارية والغنم إن لم يكن أولاد أو نصف قيمتها إن كان لها أولاد ; لأنهم حدثوا في ملكها قلنا فكيف نقضت الملك الصحيح ؟ قال بالكتاب قلنا فما نراك عبت في مال المفلس شيئا إلا دخل عليك في الشفعة والصداق مثله أو أكثر . قال : حجتي فيه كتاب أو سنة قلنا : وكذلك حجتنا في مال المفلس سنة فكيف خالفتها ؟ . قلت للشافعي : فإنا نوافقك في مال المفلس إذا كان حيا ونخالفك فيه إذا مات وحجتنا فيه حديث ابن شهاب الذي قد سمعت .
( قال الشافعي ) : قد كان فيما قرأنا على مالك أن ابن شهاب أخبره عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به فإن مات المشتري فصاحب السلعة أسوة الغرماء } فقال لي فلم لم تأخذ بهذا ؟ قلت : لأنه مرسل ومن خالفنا ممن حكيت قوله ، وإن كان ذلك ليس عندي له به عذر يخالفه ; لأنه رد الحديث ، وقال فيه قولا واحدا وأنتم أثبتم الحديث فلما صرتم إلى تفريعه فارقتموه في بعض ووافقتموه في بعض . فقال : فلم لم تأخذ بحديث ابن شهاب ؟ . فقلت : الذي أخذت به أولى بي من قبل أن ما أخذت به موصول يجمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم بين الموت والإفلاس وحديث ابن شهاب منقطع لو لم يخالفه غيره لم يكن مما يثبته أهل الحديث فلو لم يكن في تركه حجة إلا هذا انبغى لمن عرف الحديث تركه من الوجهين مع أن أبا بكر بن عبد الرحمن يروي عن أبي هريرة حديثا ليس فيه ما روى ابن شهاب عنه مرسلا إن كان روى كله فلا أدري عمن رواه ، ولعله روى أول الحديث ، وقال برأيه آخره .
( قال الشافعي ) وموجود في حديث أبي بكر عن أبي هريرة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتهى بالقول } فهو أحق به أشبه أن يكون ما زاد على هذا قولا من أبي بكر لا رواية ، وإن كان موجودا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل يبيع السلعة من الرجل فيكون مالكا للمبيع يجوز له فيها ما يجوز لذي المال في المال من وطء أمة وبيعها وعتقها ، وإن لم يدفع [ ص: 220 ] ثمنها فإذا أفلس والسلعة بعينها في يدي المشتري كان للبائع التسليط على نقض عقدة البيع . كما يكون للمستشفع أخذ الشفعة ، وقد كان الشراء صحيحا فكان المشتري لما فيه الشفعة لو مات كان للمستشفع أخذ الشفعة من ورثته كما له أخذها من يديه فكيف لم يكن هذا في الذي يجد عين ماله عند معدم ، وإن مات كما كان لبائعه ذلك في حياة مالكه ، وكما قلنا في الشفعة ، وكيف يكون الورثة يملكون عن الميت منع السلعة ، وإنما عنه ورثوها ، ولم يكن للميت منعها من أن ينقض بائعها البيع إذا لم يعط ثمنها كاملا فلا يكون للورثة في حال ما ورثوا عن الميت إلا ما كان للميت أو أقل منه ، وقد جعلتم للورثة أكثر مما للمورث الذي عنه ملكوها ، ولو جاز أن يفرق بين الموت والحياة كان الميت أولى أن يأخذ الرجل عين ماله منه ; لأنه ميت لا يفيد شيئا أبدا والحي يفلس فترجى إفادته وأن يقضي دينه فضعفتم الأقوى ، وقويتم الأضعف وتركتم بعض حديث أبي هريرة وأخذتم ببعضه . قال : فليس هذا مما روينا . قلنا : وإن لم ترووه فقد رواه ثقة عن ثقة فلا يوهنه أن لا ترووه ، وكثير من الأحاديث لم ترووه فلم يوهنه ذلك .
بلوغ الرشد وهو الحجر ( قال الشافعي ) رحمه الله : الحال التي يبلغ فيها الرجل والمرأة رشدهما حتى يكونا يليان أموالهما قال الله - عز وجل - { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا } .
( قال الشافعي ) : فدلت هذه الآية على أن الحجر ثابت على اليتامى حتى يجمعوا خصلتين : البلوغ والرشد فالبلوغ استكمال خمس عشرة سنة الذكر والأنثى في ذلك سواء إلا أن يحتلم الرجل أو تحيض المرأة قبل خمس عشرة سنة فيكون ذلك البلوغ ودل قول الله - عز وجل - { فادفعوا إليهم أموالهم } على أنهم إذا جمعوا البلوغ والرشد لم يكن لأحد أن يلي عليهم أموالهم وكانوا أولى بولاية أموالهم من غيرهم وجاز لهم في أموالهم ما يجوز لمن خرج من الولاية ممن ولي فخرج منها أو لم يول وأن الذكر والأنثى فيهما سواء .
والرشد والله أعلم الصلاح في الدين حتى تكون الشهادة جائزة وإصلاح المال وإنما يعرف إصلاح المال بأن يختبر اليتيم والاختبار يختلف بقدر حال المختبر فإن كان من الرجال ممن يتبذل فيختلط الناس استدل بمخالطته الناس في الشراء والبيع قبل البلوغ وبعده حتى يعرف أنه يحب توفير ماله والزيادة فيه وأن لا يتلفه فيما لا يعود عليه نفعه كان اختبار هذا قريبا وإن كان ممن يصان عن الأسواق كان اختباره أبعد قليلا من اختبار الذي قبله .
( قال الشافعي ) : ويدفع إلى المولى عليه نفقة شهر فإن أحسن إنفاقها على نفسه وأحسن شراء ما يحتاج إليه منها مع النفقة اختبر بشيء يسير يدفع إليه فإذا أونس منه توفير له وعقل يعرف به حسن النظر لنفسه في إبقاء ماله دفع إليه ماله . واختبار المرأة مع علم صلاحها بقلة مخالطتها في البيع والشراء أبعد من هذا قليلا فيختبرها النساء وذوو المحارم بها بمثل ما وصفنا من دفع النفقة وما يشترى لها من الأدم وغيره فإذا آنسوا منها صلاحا لما تعطى من نفقتها كما وصفت في الغلام البالغ فإذا عرف منها صلاح دفع إليها اليسير منه فإن هي أصلحته دفع إليها مالها نكحت أو لم تنكح لا يزيد في رشدها ولا ينقص منه النكاح ولا تركه كما لا يزيد في رشد الغلام ولا [ ص: 221 ] ينقص منه وأيهما نكح وهو غير رشيد وولد له ولي عليه ماله ; لأن شرط الله - عز وجل - أن يدفع إليه إذا جمع الرشد مع البلوغ ، وليس النكاح بواحد منهما ، وأيهما صار إلى ولاية ماله فله أن يفعل في ماله ما يفعل غيره من أهل الأموال وسواء في ذلك المرأة والرجل وذات زوج كانت أو غير ذات زوج ، وليس الزوج من ولاية مال المرأة بسبيل ، ولا يختلف أحد من أهل العلم علمته أن الرجل والمرأة إذا صار كل واحد منهما إلى أن يجمع البلوغ والرشد سواء في دفع أموالهما إليهما ; لأنهما من اليتامى فإذا صارا إلى أن يخرجا من الولاية فهما كغيرهما يجوز لكل واحد منهما في ماله ما يجوز لكل من لا يولى عليه غيره .
فإن قال قائل : المرأة ذات الزوج مفارقة للرجل لا تعطي المرأة من مالها بغير إذن زوجها قيل له كتاب الله - عز وجل - في أمره بالدفع إلى اليتامى إذا بلغوا الرشد يدل على خلاف ما قلت ; لأن من أخرج الله - عز وجل - من الولاية لم يكن لأحد أن يلي عليه إلا بحال يحدث له من سفه وفساد ، وكذلك الرجل والمرأة أو حق يلزمه لمسلم في ماله فأما ما لم يكن هكذا فالرجل والمرأة سواء فإن فرقت بينهما فعليك أن تأتي ببرهان على فرقك بين المجتمع فإن قال قائل فقد روي أن { ليس للمرأة أن تعطي من مالها شيئا بغير إذن زوجها } . قيل : قد سمعناه ، وليس بثابت فيلزمنا أن نقول به والقرآن يدل على خلافه ثم السنة ثم الأثر ثم المعقول فإن قال فاذكر القرآن قلنا الآية التي أمر الله - عز وجل - بدفع أموالهم إليهم وسوى فيها بين الرجل والمرأة ، ولا يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر لازم .
فإن قال أفتجد في القرآن دلالة على ما وصفت سوى هذا ؟ قيل نعم قال الله - عز وجل - { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير } فدلت هذه الآية على أن على الرجل أن يسلم إلى المرأة نصف مهرها كما كان عليه أن يسلم إلى الأجنبيين من الرجال ما وجب لهم . ودلت السنة على أن المرأة مسلطة على أن تعفو من مالها وندب الله - عز وجل - إلى العفو وذكر أنه أقرب للتقوى وسوى بين المرأة والرجل فيما يجوز من عفو كل واحد منهما ما وجب له يجوز عفوه إذا دفع المهر كله وكان له أن يرجع بنصفه فعفاه جاز ، وإذا لم يدفعه فكان لها أن تأخذ نصفه فعفته جاز لم يفرق بينهما في ذلك . وقال - عز وجل - : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } فجعل في إيتائهن ما فرض لهن من فريضة على أزواجهن يدفعونه إليهن دفعهم إلى غيرهم من الرجال ممن وجب له عليهم حق بوجه وحل للرجال أكل ما طاب نساؤهم عنه نفسا كما حل لهم ما طاب الأجنبيون من أموالهم عنه نفسا وما طابوا هم لأزواجهم عنه نفسا لم يفرق بين حكمهم وحكم أزواجهم والأجنبيين وغير أزواجهم فيما أوجبه من دفع حقوقهن ، وأحل ما طبن عنه نفسا من أموالهن وحرم من أموالهن ما حرم من أموال الأجنبيين فيما ذكرت .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -الصلح
الحلقة (139)
صــــــــــ 222 الى صـــــــــــ228
وفي قول الله - عز وجل - { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } الآية وقال - عز وجل - { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فأحله إذا كان من قبل المرأة كما حل للرجل من مال الأجنبيين بغير توقيت شيء فيه ثلث ، ولا أقل ، ولا أكثر وحرمه إذا كان من قبل الرجل كما حرم أموال الأجنبيين أن يغتصبوها قال الله - عز وجل - { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } الآية فلم يفرق بين الزوج والمرأة في أن لكل واحد منهما أن يوصي في ماله وفي أن دين كل واحد منهما لازم له في ماله فإذا كان هذا هكذا كان لها أن تعطي من مالها من [ ص: 222 ] شاءت بغير إذن زوجها وكان لها أن تحبس مهرها وتهبه ، ولا تضع منه شيئا وكان لها إذا طلقها أخذ نصف ما أعطاها لا نصف ما اشترت لها دونه إذا كان لها المهر كان لها حبسه وما أشبهه .
فإن قال قائل : فأين السنة في هذا ؟ قلت ( أخبرنا ) مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أخبرته { أن حبيبة بنت سهل الأنصارية كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله فقال ما شأنك ؟ فقالت لا أنا ، ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها } .
( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر .
( قال الشافعي ) : فدلت السنة على ما دل عليه القرآن من أنها إذا اختلعت من زوجها حل لزوجها الأخذ منها ، ولو كانت لا يجوز لها في مالها ما يجوز لمن لا حجر عليه من الرجال ما حل له خلعها .
فإن قال قائل : وأين القياس والمعقول ؟ قلت إذا أباح الله تعالى لزوجها ما أعطته فهذا لا يكون إلا لمن يجوز له ماله وإذا كان مالها يورث عنها وكانت تمنعه زوجها فيكون لها فهي كغيرها من ذوي الأموال قال ، ولو ذهب ذاهب إلى الحديث الذي لا يثبت أن ليس لها أن تعطي من دون زوجها إلا ما أذن زوجها لم يكن له وجه إلا أن يكون زوجها وليا لها ، ولو كان رجل وليا لرجل أو امرأة فوهبت له شيئا لم يحل له أن يأخذه ; لأن هبتها له كهبتها لغيره لزمه أن يقول لا تعطي من مالها درهما ، ولا يجوز لها أن تبيع فيه ، ولا تبتاع ، ويحكم لها وعليها حكم المحجور عليه ، ولو زعم أن زوجها شريك لها في مالها سئل أبالنصف ؟ فإن قال نعم قيل فتصنع بالنصف الآخر ما شاءت ويصنع بالنصف ما شاء ؟ فإن قال ما قل أو كثر ؟ قلت فاجعل لها من مالها شيئا فإن قال : مالها مرهون له . قيل له : فبكم هو مرهون حتى تفتديه ؟ . فإن قال : ليس بمرهون . قيل له : فقل فيه ما أحببت فهو لا شريك لها في مالها ، وليس له عندك وعندنا أن يأخذ من مالها درهما ، وليس مالها مرهونا فتفتكه ، وليس زوجها وليا لها ، ولو كان زوجها وليا لها ، وكان سفيها أخرجنا ولايتها من يديه وولينا غيره عليها ومن خرج من هذه الأقاويل لم يخرج إلى أثر يتبع ، ولا قياس ، ولا معقول .
وإذا جاز للمرأة أن تعطي من مالها الثلث لا تزيد عليه فلم يجعلها مولى عليها ، ولم يجعل زوجها شريكا ، ولا مالها مرهونا في يديه ، ولا هي ممنوعة من مالها ، ولا مخلى بينها وبينه ثم يجيز لها بعد زمان إخراج الثلث والثلث بعد زمان حتى ينفد مالها فما منعها مالها ، ولا خلاها وإياه والله المستعان .
فإن قال هو نكحها على اليسر قيل أفرأيت إن نكحت مفلسة ثم أيسرت بعد عنده أيدعها ومالها ؟ . فإن قال : نعم فقد أخرجها من الحجر وإن قال : لا فقد منعها ما لم تغره به أورأيت إذا قال غرته فلا أتركها تخرج مالها ضرارا ؟ . قيل أفرأيت إن غر فقيل هي جميلة فوجدها غير جميلة أو غر فقيل هي موسرة فوجدها مفلسة أينقص عنه من صداقها أو يرده عليها بشيء ؟ . أو رأيت إذا قال هذا في المرأة فإذا كان الرجل دينا موسرا فنكح شريفة ، وأعلمتنا أنها لم تنكحه إلا بيسره ثم خدعها فتصدق بماله كله فإذا جاز ذلك له فقد ظلمها بمنعها من مالها ما أباح له .
وإن قال أجبرها بأن تبتاع له ما يتجهز به مثلها ; لأن هذا مما يتعامل به الناس عندنا ، وذلك أن المرأة تصدق ألف درهم وتجهز بأكثر من عشرة آلاف وتكون مفلسة لا تجهز إلا بثيابها وبساطها ومما يتعامل الناس به أن الرجل المفلس ذا المروءة ينكح الموسرة فتقول يكون قيما على مالي على [ ص: 223 ] هذا تناكحا ويستنفق من مالها وما أشبه هذا مما وصفت ويحسن مما يتعامل الناس وللحاكم الحكم على ما يجب ليس على ما يجمل ويتعامل الناس عليه .
( قال الشافعي ) : والحجة تمكن على من خالفنا بأكثر مما وصفت ، وفي أقل مما وصفت حجة ، ولا يستقيم فيها قول إلا معنى كتاب الله - عز وجل - والسنة والآثار والقياس من أن صداقها مال من مالها ، وأن لها إذا بلغت الرشد أن تفعل في مالها ما يفعل الرجل لا فرق بينها وبينه .
باب الحجر على البالغين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الحجر على البالغين في آيتين من كتاب الله - عز وجل - وهما قول الله - تبارك وتعالى - { فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } .
( قال الشافعي ) : وإنما خاطب الله - عز وجل - بفرائضه البالغين من الرجال والنساء وجعل الإقرار له فكان موجودا في كتاب الله - عز وجل - أن أمر الله - تعالى - الذي عليه الحق أن يمل هو ، وأن إملاءه إقراره وهذا يدل على جواز الإقرار على من أقر به ، ولا يأمر - والله أعلم - أحدا أن يمل ليقر إلا البالغ وذلك أن إقرار غير البالغ وصمته وإنكاره سواء عند أهل العلم فيما حفظت عنهم ، ولا أعلمهم اختلفوا فيه . ثم قال في المرء الذي عليه الحق أن يمل { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } ، وأثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يمل هو ، وأمر وليه بالإملاء عليه ; لأنه أقامه فيما لا غناء به عنه من ماله مقامه .
( قال الشافعي ) : قد قيل والذي لا يستطيع أن يمل يحتمل أن يكون المغلوب على عقله وهو أشبه معانيه والله أعلم . والآية الأخرى قول الله - تبارك وتعالى - { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فأمر - عز وجل - أن يدفع إليهم أموالهم إذا جمعوا بلوغا ورشدا قال وإذا أمر بدفع أموالهم إليهم إذا جمعوا أمرين كان في ذلك دلالة على أنهم إن كان فيهم أحد الأمرين دون الآخر لم يدفع إليهم أموالهم وإذا لم يدفع إليهم فذلك الحجر عليهم كما كانوا لو أونس منهم رشد قبل البلوغ لم يدفع إليهم أموالهم فكذلك لو بلغوا ، ولم يؤنس منهم رشد لم تدفع إليهم أموالهم ويثبت عليهم الحجر كما كان قبل البلوغ وهكذا قلنا نحن وهم في كل أمر يكمل بأمرين أو أمور فإذا نقص واحد لم يقبل فزعمنا أن شرط الله - تعالى - { ممن ترضون من الشهداء } عدلان حران مسلمان فلو كان الرجلان حرين مسلمين غير عدلين أو عدلين غير حرين أو عدلين حرين غير مسلمين لم تجز شهادتهما حتى يستكملان الثلاث .
( قال الشافعي ) : وإن التنزيل في الحجر بين والله أعلم مكتفى به عن تفسيره وإن القياس ليدل على الحجر أرأيت إذا كان معقولا أن من لم يبلغ ممن قارب البلوغ وعقل محجورا عليه فكان بعد البلوغ أشد تقصيرا في عقله ، وأكثر إفسادا لماله ألا يحجر عليه والمعنى الذي أمر بالمحجور عليه له فيه ، ولو أونس منه رشد فدفع إليه ماله ثم علم منه غير الرشد أعيد عليه الحجر ; لأن انتقلت إلى الحال التي ينبغي أن يحجر عليه فيها كما يؤنس منه العدل فتجوز شهادته ثم تتغير فترد ثم إن تغير فأونس منه عدل أجيزت وكذلك إن أونس منه إصلاح بعد إفساد أعطي ماله والنساء والرجال في هذا سواء [ ص: 224 ] لأن اسم اليتامى يجمعهم واسم الابتلاء يجمعهم ، وأن الله - تعالى - لم يفرق بين النساء والرجال في أموالهم وإن خرج الرجل والمرأة من أن يكونا موليين جاز للمرأة في مالها ما جاز للرجل في ماله ذات زوج كانت أو غير ذات زوج سلطانها على مالها سلطان الرجل على ماله لا يفترقان .
( قال الشافعي ) : في قول الله - عز وجل - { وابتلوا اليتامى } إنما هو اختبروا اليتامى قال فيختبر الرجال النساء بقدر ما يمكن فيهم والرجل الملازم للسوق والمخالط للناس في الأخذ والإعطاء قبل البلوغ ومعه وبعده لا يغيب بعد البلوغ أن يعرف حاله بما مضى قبله ومعه وبعده فيعرف كيف هو في عقله في الأخذ والإعطاء ؟ وكيف هو في دينه ؟ والرجل القليل المخالطة للناس يكون اختباره أبطأ من اختبار هذا الذي وصفت فإذا عرفه خاصته في مدة وإن كانت أطول من هذه المدة فعدلوه وحمدوا نظره لنفسه في الأخذ والإعطاء وشهدوا له أنه صالح في دينه حسن النظر لنفسه في ماله فقد صار هذان إلى الرشد في الدين والمعاش ويؤمر وليهما بدفع مالهما إليهما .
( قال الشافعي ) : وإذا اختبر النساء أهل العدل من أهلها ومن يعرف حالها بالصلاح في دينها وحسن النظر لنفسها في الأخذ والإعطاء صارت في حال الرجلين وإن كان ذلك منها أبطأ منه من الرجلين لقلة خلطتها بالعامة وهو من المخالطة من النساء الخارجة إلى الأسواق الممتهنة لنفسها أعجل منه من الصائنة لنفسها كما يكون من أحد الرجلين أبعد فإذا بلغت المرأة الرشد والرشد كما وصفت في الرجل أمر وليها بدفع مالها إليها .
( قال الشافعي ) : وقد رأيت من الحكام من أمر باختيار من لا يوثق بحاله تلك الثقة بأن يدفع إليه القليل من ماله فإن أصلح فيه دفع إليه ما بقي وإن أفسد فيه كان الفساد في القليل أيسر منه في الكل ورأينا هذا وجها من الاختبار حسنا والله أعلم .
وإذا دفع إلى المرأة مالها والرجل فسواء كانت المرأة بكرا أو متزوجة عند زوج أو ثيبا كما يكون الرجل سواء في حالاته وهي تملك من مالها ما يملك من ماله ويجوز لها في مالها ما يجوز له في ذلك عند زوج كانت أو غير زوج لا فرق في ذلك بينها وبينه في شيء مما يجوز لكل واحد منهما في ماله فكذلك حكم الله - عز وجل - فيها وفيه ودلالة السنة . وإذا نكحت فصداقها مال من مالها تصنع به ما شاءت كما تصنع بما سواه من مالها .
باب الخلاف في الحجر .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في الحجر فقال لا يحجر على حر بالغ ، ولا على حرة بالغة وإن كانا سفيهين وقال لي بعض من يذب عن قوله من أهل العلم عند أصحابه أسألك من أين أخذت الحجر على الحرين وهما مالكان لأموالهما ؟ فذكرت له ما ذكرت في كتابي أو معناه أو بعضه فقال فإنه يدخل عليك فيه شيء فقلت وما هو ؟ قال أرأيت إذا أعتق المحجور عليه عبده ؟ . فقلت : لا يجوز عتقه . قال : ولم ؟ قلت : كما لا يجوز للمملوك ، ولا للمكاتب أن يعتقا قال ; لأنه إتلاف لماله ؟ . قلت : نعم قال أفليس الطلاق والعتاق لعبهما وجدهما واحد ؟ قلت ممن ذلك له وكذلك لو باع رجل فقالت لعبت أو أقر لرجل بحق فقال لعبت لزمه البيع والإقرار وقيل له لعبك لنفسك وعليها قال أفيفترق العتق والطلاق ؟ .
قلت : نعم عندنا وعندك قال وكيف وكلاهما إتلاف للمال ؟ قلت له إن الطلاق وإن كان فيه إتلاف المال فإن الزوج مباح له بالنكاح شيء كان غير مباح له قبله ومجعول إليه تحريم ذلك المباح ليس تحريمه لمال يليه عليه غيره إنما هو تحريم بقول من قوله أو فعل من فعله وكما كان مسلطا على الفرج دون غيره فكذلك كان مسلطا على تحريمه دون غيره ألا ترى أنه يموت فلا تورث عنه امرأته ويهبها ويبيعها [ ص: 225 ] فلا تحل لغيره بهبته ، ولا بيعه ويورث عنه عبده ويباع عليه فيملكه غيره ويلي نفسه فيبيعه ويهبه فيملكه غيره فالعبد مال بكل حال والمرأة غير مال بحال إنما هي متعة لا مال مملوك ننفقه عليه ونمنع إتلافه ألا ترى أن العبد يؤذن له في النكاح والتجارة فيكون له الطلاق والإمساك دون سيده ويكون إلى سيده أخذ ماله كله إذا لم يكن عليه دين ; لأن المال ملك والفرج بالنكاح متعة لا ملك كالمال .
وقلت له : تأولت القرآن في اليمين مع الشاهد فلم تصب عندنا تأويله فأبطلت فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدت القرآن يدل على الحجر على بالغين فتركته وقلت له أنت تقول في الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال قولا وكان في القرآن تنزيل يحتمل خلاف قوله في الظاهر قلنا بقوله وقلنا هو أعلم بكتاب الله - عز وجل - ثم وجدنا صاحبكم يروي الحجر عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخالفهم ومعهم القرآن قال ، وأي صاحب ؟ قلت أخبرنا محمد بن الحسن أو غيره من أهل الصدق في الحديث أو هما عن يعقوب بن إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه قال ابتاع عبد الله بن جعفر بيعا فقال علي رضي الله عنه لآتين عثمان فلأحجرن عليك فأعلم بذلك ابن جعفر الزبير قال الزبير أنا شريكك في بيعك فأتى علي عثمان فقال احجر على هذا فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان أحجر على رجل شريكه الزبير فعلي رضي الله عنه لا يطلب الحجر إلا وهو يراه والزبير لو كان الحجر باطلا قال لا يحجر على حر بالغ وكذلك عثمان بل كلهم يعرف الحجر في حديث صاحبك . قال فإن صاحبنا أبا يوسف رجع إلى الحجر قلت ما زاده رجوعه إليه قوة ، ولا وهنه تركه إياه إن تركه وقد رجع إليه فالله أعلم كيف كان مذهبه فيه . فقال : وما أنكرت ؟ قلت : زعمت أنه رجع إلى أن الحر إذا ولي ماله برشد يؤنس منه فاشترى وباع ثم تغيرت حاله بعد رشد أحدث عليه الحجر وكذلك قلنا ثم زعم أنه إذا أحدث عليه الحجر أبطل كل بيع باعه قبله وشراء أفرأيت الشاهد يعدل فتجوز شهادته ثم تغير حاله أينقض الحكم بشهادته أو ينفذ ويكون متغيرا من يوم تغير ؟ قال قد قال ذلك فأنكرناه عليه .
( قال الشافعي ) : فقال فهل خالف شيئا مما تقول في الحجر واليتامى من الرجال والنساء أحد من أصحابك ؟ . قلت : أما أحد من متقدمي أصحابي فلم أحفظ عن واحد منهم خلافا لشيء مما قلت ، وقد بلغني عن بعضهم مثل ما قلت . قال : فهل أدركت أحدا من أهل ناحيتك يقول بخلاف قولك هذا ؟ . قلت : قد روي لي عن بعض أهل العلم من ناحيتنا أنه خالف ما قلت وقلت وقال غيرنا في مال المرأة إذا تزوجت رجلا قال فقال فيه ماذا ؟ قلت ما لا يضرك أن لا تسمعه ثم حكيت له شيئا كنت أحفظه وكان يحفظه فقال ما يشكل الخطأ في هذا على سامع يعقل .
( قال الشافعي ) : فزعم لي زاعم عن قائل هذا القول أن المرأة إذا نكحت رجلا بمائة دينار جبرت أن تشتري بها ما يتجهز به مثلها ، وكذلك لو نكحت بعشرة دراهم فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف ما اشترت .
( قال الشافعي ) : ويلزمه أن يقاسمها نورة وزرنيخا ونضوحا . قال فإن قال قائل : فما يدخل على من قال هذا القول ؟ قيل له يدخل عليه أكثر ما يدخل على أحد أو على غيره فإن قال ما هو ؟ . قيل له : قال الله - عز وجل - { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وما فرض ودفع مائة دينار فزعم قائل هذا القول أنه يرده بنصف متاع ليس فيه دنانير وهذا خلاف ما جعل الله - تبارك وتعالى - له فإن قال قائل : إنما قلنا هذا ; لأنا نرى أن واجبا عليها .
( قال الربيع ) : يعني أن واجبا عليها أن تجهز بما أعطاها وكان عليه أن يرجع بنصف ما تجهزت به في قولهم وفي قول الشافعي لا يرجع إلا بنصف ما أعطاها دنانير كانت أو غيرها ; لأنه لا يوجب عليها أن تجهز إلا أن تشاء وهو معنى قول الله - تبارك وتعالى - { فنصف ما فرضتم } .
[ ص: 226 ] الصلح .
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) : قال أملى علينا الشافعي رحمه الله قال : أصل الصلح أنه بمنزلة البيع فما جاز في البيع جاز في الصلح وما لم يجز في البيع لم يجز في الصلح ثم يتشعب ويقع الصلح على ما يكون له ثمن من الجراح التي لها أرش وبين المرأة وزوجها التي لها عليه صداق ، وكل هذا يقوم مقام الأثمان ، ولا يجوز الصلح عندي إلا على أمر معروف كما لا يجوز البيع إلا على أمر معروف ، وقد روي عن عمر رضي الله عنه الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا . ومن الحرام الذي يقع في الصلح أن يقع عندي على المجهول الذي لو كان بيعا كان حراما وإذا مات الرجل وورثته امرأة أو ولد أو كلالة فصالح بعض الورثة بعضا فإن وقع الصلح على معرفة من المصالح والمصالح بحقوقهم أو إقرار بمعرفتهم بحقوقهم ، وتقابض المتصالحان قبل أن يتفرقا فالصلح جائز وإن وقع على غيره معرفة منهما بمبلغ حقهما أو حق المصالح منهما لم يجز الصلح كما لا يجوز بيع مال امرئ لا يعرفه وإذا ادعى الرجل على الرجل الدعوى في العبد أو غيره أو ادعى عليه جناية عمدا أو خطأ بما يجوز به البيع كان الصلح نقدا أو نسيئة وإذا كان المدعى عليه ينكر فالصلح باطل وهما على أصل حقهما ويرجع المدعي على دعواه والمعطي بما أعطى ، وسواء إذا أفسدت الصلح قال المدعي قد أبرأتك مما ادعيت عليك أو لم يقله من قبل أنه إنما أبرأه على أن يتم له ما أخذ منه ، وليس هذا بأكثر من أن يبيعه البيع الفاسد فإذا لم يتم له الفساد رجع كل واحد منهما على أصل ملكه كما كانا قبل أن يتبايعا .
فإذا أراد الرجلان الصلح وكره المدعى عليه الإقرار فلا بأس أن يقر رجل أجنبي على المدعى عليه بما ادعى عليه من جناية أو مال ثم يؤدي ذلك عنه صلحا فيكون صحيحا ، وليس للذي أعطى على الرجل أن يرجع على المصالح المدعى عليه ، ولا للمصالح المدعي أن يرجع على المدعى عليه ; لأنه قد أخذ العوض من حقه إلا أن يعقدا صلحهما على فساد فيكونون كما كانوا في أول ما تداعوا قبل الصلح . قال : ولو ادعى رجل على رجل حقا في دار فأقر له بدعواه وصالحه من ذلك على إبل أو بقر أو غنم أو رقيق أو بز موصوف أو دنانير أو دراهم موصوفة أو طعام إلى أجل مسمى كان الصلح جائزا كما يجوز لو بيع ذلك إلى ذلك الأجل ، ولو ادعى عليه شقصا من دار فأقر له به ثم صالحه على أن أعطاه بذلك بيتا معروفا من الدار ملكا له أو سكنى له عدد سنين فذلك جائز كما يجوز لو اقتسماه أو تكارى شقصا له في دار ، ولكنه لو قال أصالحك على سكنى هذا المسكن ، ولم يسم وقتا كان الصلح فاسدا من قبل أن هذا لا يجوز كما لو ابتدأه حتى يكون إلى أجل معلوم وهكذا لو صالحه على أن يكريه هذه الأرض سنين يزرعها أو على شقص من دار أخرى سمى ذلك وعرف جاز كما يجوز في البيع والكراء وإذا لم يسمه لم يجز كما لا يجوز في البيوع والكراء .
( قال الشافعي ) : ولو أن رجلا أشرع ظلة أو جناحا على طريق نافذة فخاصمه رجل ; ليمنعه منه فصالحه على شيء على أن يدعهكان الصلح باطلا ; لأنه أخذ منه على ما لا يملك ونظر فإن كان إشراعه غير مضر خلي بينه وبينه ، وإن كان مضرا منعه وكذلك لو أراد إشراعه على طريق لرجل خاصة ليس بنافذ أو لقوم فصالحه أو صالحوه على شيء أخذوه منه على أن يدعوه يشرعه كان الصلح في هذا باطلا من قبل أنه إنما أشرع في جدار نفسه وعلى هواء لا يملك ما تحته ، ولا ما فوقه فإن أراد أن يثبت خشبة ويصح بينه وبينهم الشرط ; فليجعل ذلك في خشب يحمله على جدرانهم وجداره فيكون ذلك شراء محمل الخشب ، ويكون الخشب بأعيانه موصوفا أو موصوف الموضع أو يعطيهم شيئا على أن يقروا له بخشب يشرعه ويشهدون [ ص: 227 ] على أنفسهم أنهم أقروا له بمحمل هذا الخشب ومبلغ شروعه بحق عرفوه له فلا يكون لهم بعده أن ينزعوه .
قال : وإن ادعى رجل حقا في دار أو أرض فأقر له المدعى عليه وصالحه من دعواه على خدمة عبد أو ركوب دابة أو زراعة أرض أو سكنى دار أو شيء مما يكون فيه الإجارات ثم مات المدعي والمدعى عليه أو أحدهما فالصلح جائز ولورثة المدعي السكنى والركوب والزراعة والخدمة وما صالحهم عليه المصالح .
( قال الشافعي ) : ولو كان الذي تلف الدابة التي صالح على ركوبها أو المسكن الذي صالح على سكنه أو الأرض التي صولح على زراعتها فإن كان ذلك قبل أن يأخذ منه المصالح شيئا فهو على حقه في الدار وقد انتقضت الإجارة وإن كان بعدما أخذ منه شيئا تم من الصلح بقدر ما أخذ إن كان نصفا أو ثلثا أو ربعا وانتقض من الصلح بقدر ما بقي يرجع به في أصل السكن الذي صولح عليه . قال : وهكذا لو صالحه على عبد بعينه أو ثوب بعينه أو دار بعينها فلم يقبضه حتى هلك انتقض الصلح ، ورجع على أصل ما أقر له به ، ولو كان صالحه على عبد بصفة أو غير صفة أو ثوب بصفة أو دنانير أو دراهم أو كيل أو وزن بصفة تم الصلح بينهما ، وكان عليه مثل الصفة التي صالحه عليها .
ولو صالحه على ربع أرض مشاع من دار معلومة جاز . ولو صالحه على أذرع من دار مسماة وهو يعرف أذرع الدار ويعرفه المصالح جاز وهذا كجزء من أجزاء وإن كان صالحه على أذرع وهو لا يعرف الذرع كله لم يجز من قبل أنه لا يدري كم قدر الذرع فيها ثلثا أو ربعا أو أكثر أو أقل . ولو صالحه على طعام جزاف أو دراهم جزاف أو عبد فجائز فإن استحق ذلك قبل القبض أو بعده بطل الصلح وإن هلك قبل القبض بطل الصلح . ولو كان صالحه على عبد بعينه ، ولم يرد العبد فله خيار الرؤية فإن اختار أخذه جاز الصلح وإن اختار رده رد الصلح . ( قال الربيع ) : ( قال الشافعي ) : بعد لا يجوز شراء عبد بعينه ، ولا غيره إلى أجل ويكون له خيار رؤيته من قبل أن البيع لا يعدو بيع عين يراها المشتري والبائع عند تبايعهما وبيع صفة مضمون إلى أجل معلوم يكون على صاحبها أن يأتي بها من جميع الأرض وهذا العبد الذي بعينه إلى أجل إن تلف بطل البيع فهذا مرة يتم فيه البيع ومرة يبطل فيه البيع ، والبيع لا يجوز إلا أن يتم في كل حال .
( قال الشافعي ) : وهكذا كل ما صالحه عليه بعينه مما كان غائبا فله فيه خيار الرؤية .
( قال الربيع ) : رجع الشافعي عن خيار رؤية شيء بعينه .
( قال الشافعي ) : ولو قبضه فهلك في يديه وبه عيب رجع بقيمة العيب ، ولو لم يجد عيبا ، ولكنه استحق نصفه أو سهم من ألف سهم منه كان لقابض العبد الخيار في أن يجيز من الصلح بقدر ما في يديه من العبد ويرجع بقدر ما استحق منه أو ينقض الصلح كله .
( قال الربيع ) : الذي يذهب إليه الشافعي أنه إذا بيع الشيء فاستحق بعضه بطل البيع كله ; لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فبطل كله والصلح مثله .
( قال الشافعي ) : ولو ادعى رجل حقا في دار فأقر له رجل أجنبي على المدعى عليه وصالحه على عبد بعينه فهو جائز وإن وجد بالعبد عيبا فرده أو استحق لم يكن له على الأجنبي شيء ورجع على دعواه في الدار وهكذا لو صالحه على عرض من العروض ، ولو كان الأجنبي صالحه على دنانير أو دراهم أو عرض بصفة أو عبد بصفة فدفعه إليه ثم استحق كان له أن يرجع عليه بمثل تلك الدنانير والدراهم وذلك العرض بتلك الصفة .
ولو كان الأجنبي إنما صالحه على دنانير بأعيانها فهي مثل العبد بعينه يعطيه إياها وإن استحقت أو وجد عيبا فردها لم يكن له على الأجنبي تباعة وكان له أن يرجع على أصل دعواه والأجنبي إذا كان صالح بغير إذن المدعى عليه فتطوع بما أعطى عنه فليس له أن يرجع به على صاحبه المدعى عليه ، وإنما يكون له أن يرجع به إذا أمره أن يصالح عنه قال : ولو ادعى رجل على رجل حقا في دار فصالحه على بيت معروف سنين معلومة يسكنه كان جائزا أو على سطح [ ص: 228 ] معروف يبيت عليه كان جائزا فإن انهدم البيت أو السطح قبل السكنى رجع على أصل حقه وإن انهدم بعد السكنى تم من الصلح بقدر ما سكن وبات وانتقض منه بقدر ما بقي .
ولو ادعى رجل حقا في دار وهي في يد رجل عارية أو وديعة أو كراء تصادقا على ذلك أو قامت به بينة فلا خصومة بينه وبين من الدار في يديه ومن لم ير أن يقضي على الغائب لم يقبل منه فيها بينة ، وأمره إن خاف على بينته الموت أن يشهد على شهادتهم ، ولو أن الذي في يديه أقر له بدعواه لم يقض له بإقراره ; لأنه أقر له فيما لا يملك ، ولو صالحه على شيء من دعواه فالصلح جائز والمصالح متطوع والجواب فيه كالجواب في المسائل قبلها من الأجنبي يصالح عن الدعوى . ولو ادعى رجل على رجل شيئا لم يسمه فصالحه منه على شيء لم يجز الصلح ، وكذلك لا يجوز لو ادعى في شيء بعينه حتى يقر فإذا أقر جاز .
ولو أقر في دعواه التي أجملها فقال : أنت صادق فيما ادعيت علي فصالحه منه على شيء كان جائزا كما يجوز لو تصادقا على شراء لا يعلم إلا بقولهما وإن لم يسم الشراء فقال : هذا ما اشتريت منك مما عرفت وعرفت فلا تباعة لي قبلك بعد هذا في شيء مما اشتريت منك . ولو كانت الدار في يدي رجلين فتداعيا كلها فاصطلحا على أن لأحدهما الثلث وللآخر الثلثين أو بيتا من الدار وللآخر ما بقي فإن كان هذا بعد إقرارهما فجائز وإن كان على الجحد فلا يجوز وهما على أصل دعواهما . ولو ادعى رجل على رجل دعوى فصالحه منها على شيء بعدما أقر له بدعواه غير أن ذلك غير معلوم ببينة تقوم عليه فقال المصالح للذي ادعى عليه : صالحتك من هذه الأرض . وقال الآخر : بل صالحتك من ثوب فالقول قوله مع يمينه ويكون خصما له في هذه الأرض .
( قال أبو محمد ) : أصل قول الشافعي أنهما إذا اختلفا في الصلح تحالفا وكانا على أصل خصومتهما مثل البيع سواء إذا اختلفا تحالفا ، ولم يكن بينهما بيع بعد الأيمان .
( قال الشافعي ) : ولو كانت دار بين ورثة فادعى رجل فيها دعوى وبعضهم غائب أو حاضر فأقر له أحدهم ثم صالحه على شيء بعينه دنانير أو دراهم مضمونة فالصلح جائز وهذا الوارث المصالح متطوع ، ولا يرجع على إخوته بشيء مما أدى عنهم ; لأنه أدى عنهم بغير أمرهم إذا كانوا منكرين لدعواه ، ولو صالحه على أن حقه له دون إخوته فإنما اشترى منه حقه دون إخوته وإن أنكر إخوته كان لهم خصما فإن قدر على أخذ حقه كان له وكانت لهم الشفعة معه بقدر حقوقهم وإن لم يقدر عليه رجع عليه بالصلح فأخذه منه وكان للآخر فيما أقر له به نصيبه من حقه .
( قال الشافعي ) : ولو أن دارا في يدي رجلين ورثاها فادعى رجل فيها حقا فأنكر أحدهما ، وأقر الآخر وصالحه على حقه منها خاصة دون حق أخيه فالصلح جائز وإن أراد أخوه أن يأخذ بالشفعة مما صالح عليه فله ذلك . ولو أن رجلين ادعيا دارا في يدي رجل وقالا هي ميراث لنا عن أبينا ، وأنكر ذلك الرجل ثم صالح أحدهما من دعواه على شيء فالصلح باطل قال : ولو أقر لأحدهما فصالحه من ذلك الذي أقر له به على شيء كان لأخيه أن يدخل معه فيما أقر له بالنصف ; لأنهما نسبا ذلك إلى أنه بينهما نصفين ، ولو كانت المسألة بحالها فادعى كل واحد منهما عليه نصف الأرض التي في يديه فأقر لأحدهما بالنصف وجحد الآخر كان النصف الذي أقر به له دون المجحود وكان المجحود على خصومته ، ولو صالحه منه على شيء كان ذلك له دون صاحبه ، ولو أقر لأحدهما بجميع الأرض وإنما كان يدعي نصفها فإن كان لم يقر للآخر بأن له النصف فله الكل لا يرجع به عليه الآخر ، وإن كان في أصل دعواه أنه زعم أن له النصف ولهذا كان له أن يرجع عليه بالنصف .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث -الحوالة
الحلقة (140)
صــــــــــ 229 الى صـــــــــــ235
قال : ولو ادعى رجلان على رجل دارا ميراثا فأقر لهما بذلك وصالح أحدهما من دعواه على شيء فليس لأخيه أن يشركه فيما صالحه عليه ، وله أن يأخذ بالشفعة . ولو ادعى رجل على رجل دارا فأقر له بها وصالحه بعد الإقرار على أن يسكنها الذي في يديه فهي عارية إن شاء [ ص: 229 ] أتمها ، وإن شاء لم يتمها ، وإن كان لم يقر له الأعلى أن يسكنها فالصلح باطل ، وهما على أصل خصومتها ، ولو أن رجلا اشترى دارا فبناها مسجدا ثم جاء رجل فادعاها فأقر له باني المسجد بما ادعى فإن كان فضل من الدار فضل فهو له وإن كان لم يتصدق بالمسجد فهو له ويرجع عليه بقيمة ما هدم من داره . ولو صالحه من ذلك على صلح فهو جائز قال وإن أنكر المدعى عليه فأقر الذين المسجد والدار بين أظهرهم وصالحوه كان الصلح جائزا . وإذا باع رجل من رجل دارا ثم ادعى فيها رجل شيئا فأقر البائع له وصالحه فالصلح جائز . وهكذا لو غصب رجل من رجل دارا فباعها أو لم يبعها وادعى فيها رجل آخر دعوى فصالحه بعد الإقرار من دعواه على شيء كان الصلح جائزا وكذلك لو كانت في يده عارية أو وديعة .
وإذا ادعى رجل دارا في يدي رجل فأقر له بها ثم جحده ثم صالحه فالصلح جائز ، ولا يضره الجحد ; لأنها ثبتت له بالإقرار الأول إذا تصادقا أو قامت بينة بالإقرار الأول فإن أنكر المصالح الآخذ لثمن الدار أن يكون أقر له بالدار ، وقال : إنما صالحته على الجحد فالقول قوله مع يمينه والصلح مردود وهما على خصومتهما .
ولو صالح رجل من دعوى أقر له بها على خدمة عبد سنة فقتل خطأ انتقض الصلح ، ولم يكن على المصالح أن يشتري له عبدا غيره يخدمه ، ولا على رب العبد أن يشتري له عبدا غيره يخدمه . قال : وهكذا لو كان له سكنى بيت فهدمه إنسان أو انهدم ، ولو كان الصلح على خدمة عبد بعينه سنة فباعه المولى كان للمشتري الخيار إن شاء أن يجيز البيع ويكون لهذا الملك ولهذه الخدمة فعل وإن شاء أن يرد البيع رده وبه نأخذ . وفيه قول ثان : أن البيع منتقض ; لأنه محول بينه وبينه . ولو كانت المسألة بحالها فأعتقه السيد كان العتق جائزا وكانت الخدمة عليه إلى منتهى السنة يرجع بها على السيد ; لأن الإجارة بيع من البيوع عندنا لا ننقضه ما دام المستأجر سالما . قال : ولصاحب الخدمة أن يخدمه غيره ويؤاجره غيره في مثل عمله ، وليس له أن يخرجه من المصر إلا بإذن سيده .
ولو ادعى رجل في دار دعوى فأقر بها المدعى عليه ، وصالحه منها على عبد قيمته مائة درهم ومائة درهم والعبد بعينه فلم يقبض المصالح العبد حتى جنى على حر أو عبد فسواء ذلك كله وللمصالح الخيار في أن يقبض العبد ثم يفديه أو يسلمه فيباع أو يرده على سيده وينقض الصلح ، وليس له أن يجيز من الصلح بقدر المائة ، ولو كان قبضه ثم جنى في يديه كان الصلح جائزا وكان كعبد اشتراه ثم جنى في يديه قال : ولو كان وجد بالعبد عيبا لم يكن أن يرده ويحبس المائة ; لأنها صفقة واحدة لا يكون له أن يردها إلا معا ، ولا يجيزها إلا معا إلا أن يشاء ذلك المردود عليه ، ولو كان استحق كان له الخيار في أن يأخذ المائة بنصف الصلح ويرد نصفه ; لأن الصفقة وقعت على شيئين . أحدهما : ليس للبائع ، وليس للمشتري إمساكه ، وله في العيب إمساكه إن شاء .
( قال الربيع ) : أصل قوله إنه إذا استحق بعض المصالح به أو البيع به بطل الصلح والبيع جميعا ; لأن الصفقة جمعت شيئين حلالا وحراما فبطل ذلك كله . ( قال الشافعي ) : ولو كان الاستحقاق في العيب في الدراهم وإنما باعه بالدراهم بأعيانها كان كهو في العبد ، ولو باعه بدراهم مسماة رجع بدراهم مثلها ، ولو كان الصلح بعبد وزاده الآخذ للعبد ثوبا فاستحق العبد انتقض الصلح ، وكان على دعواه ، وأخذ ثوبه الذي زاده الذي في يديه الدار إن وجده قائما أو قيمته إن وجد مستهلكا ، ولو كانت المسألة بحالها وتقابضا وجرح العبد جرحا لم يكن له أن ينقض الصلح وهذا مثل رجل اشترى عبدا ثم جرح عنده . قال : ولو كانت المسألة بحالها في العبد والثوب فوجد بالثوب عيبا فله الخيار بين أن يمسكه أو يرده وينتقض الصلح لا يكون له أن يرد بعض الصفقة دون بعض ، ولو استحق العبد انتقض الصلح إلا أن يشاء أن يأخذ ما مع العبد ، ولا يرجع بقيمة العبد .
( قال الربيع ) : إذا استحق العبد بطل الصلح في معنى [ ص: 230 ] قول الشافعي في غير هذا الموضع .
( قال الشافعي ) : ولو كان الصلح عبدا ومائة درهم وزاده المدعى عليه عبدا أو غيره ثم خرج العبد الذي قبض أيهما كان حرا بطل الصلح وكان كرجل اشترى عبدا فخرج حرا ، ولو كان العبد الذي استحق الذي أعطاه المدعي أو المدعى عليه قيل للذي استحق في يديه العبد : لك نقض الصلح إلا أن ترضى بترك نقضه وقبول ما صار في يديك مع العبد فلا تكره على نقضه وهكذا جميع ما استحق مما صالح عليه ، ولو كان هذا سلما فاستحق العبد المسلم في الشيء الموصوف إلى الأجل المعلوم بطل السلم .
( قال الشافعي ) : ولو كان المسلم عبدين بقيمة واحدة فاستحق أحدهما كان للمسلم إليه الخيار في نقض السلم ورد العبد الباقي في يديه أو إنفاذ البيع ويكون عليه نصف البيع الذي في العبد نصفه إلى أجله .
( قال الربيع ) يبطل هذا كله وينفسخ .
( قال الشافعي ) : وإذا كانت الدار في يدي رجلين كل واحد منهما في منزل على حدة فتداعيا العرصة فالعرصة بينهما نصفين ; لأنها في أيديهما معا وإن أحب كل واحد منهما أحلفنا له صاحبه على دعواه فإذا حلفا فهي بينهما نصفين ، ولو لم يحلفا واصطلحا على شيء أخذه أحدهما من الآخر بإقرار منه بحقه جاز الصلح ، وهكذا لو كانت الدار منزلا أو منازل ، السفل في يد أحدهما يدعيه والعلو في يد الآخر يدعيه فتداعيا عرصة الدار كانت بينهما نصفين كما وصفت .
وإذا كان الجدار بين دارين أحدهما لرجل والأخرى لآخر وبينهما جدار ليس بمتصل ببناء واحد منهما اتصال البنيان إنما هو ملصق أو متصل ببناء كل واحد منهما فتداعياه ، ولا بينة لهما تحالفا وكان بينهما نصفين ، ولا أنظر في ذلك إلى من إليه الخوارج ، ولا الدواخل ، ولا أنصاف اللبن ، ولا معاقد القمط ; لأنه ليس في شيء من ذلك دلالة . ولو كانت المسألة بحالها ولأحدهما فيها جذوع ، ولا شيء للآخر فيها عليه أحلفتهما ، وأقررت الجذوع بحالها وجعلت الجدار بينهما نصفين ; لأن الرجل قد يرتفق بجدار الرجل بالجذوع بأمره وغير أمره ، ولو كان هذا الحائط متصلا ببناء أحدهما اتصال البنيان الذي لا يحدث مثله إلا من أول البنيان ومنقطعا من بناء الآخر جعلته للذي هو متصل ببنائه دون الذي هو منقطع من بنائه ، ولو كان متصلا اتصالا يحدث مثله بعد كمال الجدار يخرج منه لبنة ويدخل أخرى أطول منها أحلفتهما وجعلته بينهما نصفين وإن تداعيا في هذا الجدار ثم اصطلحا منه على شيء بتصادق منهما على دعواهما أجزت الصلح وإذا قضيت بالجدار بينهما لم أجعل لواحد منهما أن يفتح فيه كوة ، ولا يبني عليه بناء إلا بإذن صاحبه ودعوتهما إلى أن نقسمه بينهما إن شاءا فإن كان عرضه ذراعا أعطيت كل واحد منهما شبرا في طول الجدار ثم قلت له إن شئت أن تزيده من عرض دارك أو بيتك شبرا آخر ; ليكون لك جدارا خالصا فذلك لك وإن شئت أن تقره بحاله ، ولا تقاسم منه فاقرره وإذا كان الجدار بين رجلين فهدماه ثم اصطلحا على أن يكون لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه على أن يحمل كل واحد منهما ما شاء عليه إذا بناه فالصلح فيه باطل ، وإن شاءا قسمت بينهما أرضه وكذلك إن شاء أحدهما دون الآخر وإن شاءا تركاه فإذا بنياه لم يجز لواحد منهما أن يفتح فيه بابا ، ولا كوة إلا بإذن صاحبه .
( قال الشافعي ) : وإذا كان البيت في يد رجل فادعاه آخر واصطلحا على أن يكون لأحدهما سطحه ، ولا بناء عليه والسفل للآخر فأصل ما أذهب إليه من الصلح أن لا يجوز إلا على الإقرار فإن تقارا أجزت هذا بينهما وجعلت لهذا علوه ولهذا سفله ، وأجزت فيما أقر له به الآخر ما شاء إذا أقر أن له أن يبني عليه ، ولا تجيزه إذا بنى وسواء كان عليه علو لم أجزه إلا على إقراره ، ولو أن رجلا باع علو بيت لا بناء عليه على أن للمشتري أن [ ص: 231 ] يبني على جداره ويسكن على سطحه وسمى منتهى البناء أجزت ذلك كما أجيز أن يبيع أرضا لا بناء فيها ، ولا فرق بينهما إلا في خصلة : أن من باع دارا لا بناء فيها فللمشتري أن يبني ما شاء ومن باع سطحا بأرضه أو أرضا ورءوس جدران احتجت إلى أن أعلم كم مبلغ البناء ; لأن من البناء ما لا تحمله الجدران .
قال : ولو كانت دار في يدي رجل في سفلها درج إلى علوها فتداعى صاحبا السفل والعلو الدرج والدرج بطريق صاحب العلو فهي لصاحب العلو دون صاحب السفل بعد الأيمان وسواء كانت الدرج معقودة أو غير معقودة ; لأن الدرج إنما تتخذ ممرا وإن ارتفق بما تحتها ، ولو كان الناس يتخذون الدرج للمرتفق ويجعلون ظهورها مدرجة لا بطريق من الطرق جعلت الدرج بين صاحب السفل والعلو ; لأن فيها منفعتين إحداهما بيد صاحب السفل والأخرى بيد صاحب العلو بعدما أحلفهما . وإذا كان البيت السفل في يد رجل والعلو في يد آخر فتداعيا سقفه فالسقف بينهما ; لأنه في يد كل واحد منهما هو سقف للسفل مانع له وسطح للعلو أرضه له فهو بينهما نصفين بعد أن لا تكون بينة وبعد أن يتحالفا عليه وإذا اصطلحا على أن ينقض العلو والسفل لعلة فيهما أو في أحدهما أو غير علة فذلك لهما ويعيدان معا البناء كما كان ويؤخذ صاحب السفل بالبناء إذا كان هدمه على أن يبنيه أو هدمه بغير علة وإن سقط البيت لم يجبر صاحب السفل على البناء وإن تطوع صاحب العلو بأن يبني السفل كما كان ويبني علوه كما كان فذلك له ، وليس له أن يمنع صاحب السفل من سكنه ونقض الجدران له متى شاء أن يهدمها ومتى جاءه صاحب السفل بقيمة بنائه كان له أن يأخذه منه ويصير البناء لصاحب السفل إلا أن يختار الذي بنى أن يهدم بناءه فيكون ذلك له ، وأصلح لصاحب العلو أن يبنيه بقضاء قاض .
وإن تصادقا على أن صاحب السفل امتنع من بنائه وبناه صاحب العلو بغير قضاء قاض فجائز كهو بقضاء قاض وإذا كانت لرجل نخلة أو شجرة فاستعلت حتى انتشرت أغصانها على دار رجل فعلى صاحب النخلة والشجرة قطع ما شرع في دار الرجل منها إلا أن يشاء رب الدار تركه فإن شاء تركه فذلك له وإن أراد تركه على شيء يأخذه منه فليس بجائز من قبل أن ذلك إن كان كراء أو شراء فإنما هو كراء هواء لا أرض له ، ولا قرار ، ولا بأس بتركه على وجه المعروف وإذا تداعى رجلان في عينين أو بئرين أو نهرين أو غيلين دعوى فاصطلحا على أن أبرأ كل واحد منهما صاحبه من دعواه في إحدى العينين أو البئرين أو النهرين أو ما سمينا على أن لهذا هذه العين تامة ولهذا هذه العين تامة فإن كان بعد إقرار منهما فالصلح جائز كما يجوز شراء بعض عين بشراء بعض عين وإذا كان النهر بين قوم فاصطلحوا على إصلاحه ببناء أو كبس أو غير ذلك على أن تكون النفقة بينهم سواء فذلك جائز فإن دعا بعضهم إلى عمله وامتنع بعضهم لم يجبر الممتنع على العمل إذا لم يكن فيه ضرر وكذلك لو كان فيه ضرر لم يجبر والله أعلم .
ويقال لهؤلاء إن شئتم فتطوعوا بالعمارة ويأخذ هذا ماءه معكم ومتى شئتم أن تهدموا العمارة هدمتموها ، وأنتم مالكون للعمارة دونه حتى يعطيكم ما يلزمه في العمارة ويملكها معكم ، وهكذا العين والبئر ، وإذا ادعى رجل عود خشبة أو ميزاب أو غير ذلك في جدار رجل فصالحه الرجل من دعواه على شيء جاز إذا أقر له به . ولو ادعى رجل زرعا في أرض رجل فصالحه من ذلك على دراهم مسماة فذلك جائز ; لأن له أن يبيع زرعه أخضر ممن يقصله ، ولو كان الزرع لرجلين فادعى رجل فيه دعوى فصالحه أحدهما على نصف الزرع لم يجز من قبل أنه لا يجوز أن يقسم الزرع أخضر ، ولا يجيز هذا على أن يقطع منه شيئا حتى يرضى وإذا ادعى رجل على رجل دعوى في دار فصولح منها على دار أو بعد أو غيره فله فيها خيار الرؤية كما يكون في البيع فإن أقر أن قد رآه قبل الصلح فلا خيار له إلا أن يتغير عن حاله التي رآه عليها .
قال وإذا ادعى [ ص: 232 ] رجل على رجل دراهم فأقر له بها ثم صالحه على دنانير فإن تقابضا قبل أن يتفرقا جاز ، وإن تفرقا قبل أن يتقابضا كانت له عليه الدراهم ، ولم يجز الصلح ، ولو قبض بعضا وبقي بعض جاز الصلح فيما قبض وانتقض فيما لم يقبض إذا رضي ذلك المصالح الآخذ منه الدنانير .
( قال الربيع ) : وفيه قول آخر أنه لا يجوز شيء من الصلح ; لأنه صالحه من دنانير على دراهم يأخذها فكان هذا مثل الصرف لو بقي منه درهم انتقض الصرف كله وهو معنى قول الشافعي في غير هذا الموضع : وإذا ادعى رجل شقصا في دار فأقر له به المدعى عليه وصالحه منه على عبد بعينه أو ثياب بأعيانها أو موصوفة إلى أجل مسمى فذلك جائز ، وليس له أن يبيع ما صالحه من ذلك قبل أن يقبضه كما لا يكون له أن يبيع ما اشترى قبل أن يقبضه ، والصلح بيع ما جاز فيه جاز في البيع وما رد فيه رد في البيع ، وسواء موصوف أو بعينه لا يبيعه حتى يقبضه وهكذا كل ما صالح عليه من كيل أو عين موصوف ليس له أن يبيعه منه ، ولا من غيره حتى يقبضه ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إذا ابتيع حتى يقبض } وكل شيء ابتيع عندنا بمنزلته وذلك أنه مضمون من مال البائع فلا يبيع ما ضمانه من ملك غيره .
وإذا ادعى رجل على رجل دعوى فأقر له بها فصالحه على عبدين بأعيانهما فقبض أحدهما ومات الآخر قبل القبض فالمصالح بالخيار في رد العبد ويرجع على حقه من الدار أو إجازة الصلح بحصة العبد المقبوض ويكون له نصيبه من الدار بقدر حصة العبد الميت قبل أن يقبضه ، ولو كان الصلح على عبد فمات بطل الصلح وكان على حقه من الدار ، ولو لم يمت ولكن رجلا جنى عليه فقتله خير بين أن يجيز الصلح ويتبع الجاني أو يرد الصلح ويتبعه رب العبد البائع له . وهكذا لو قتله عبد أو حر . ولو كان الصلح على خدمة عبد سنة فقتل العبد فأخذ مالكه قيمته فلا يجبر المصالح ولا رب العبد على أن يعطيه عبدا مكانه فإن كان استخدمه شيئا جاز من الصلح بقدر ما استخدمه وبطل من الصلح بقدر ما بطل من الخدمة ، ولو لم يمت العبد ولكنه جرح جرحا فاختار سيده أن يدعه يباع كان كالموت والاستحقاق .
ولو ادعى رجل على رجل شيئا فأقر له به فصالحه المقر على مسيل ماء فإن سمى له عرض الأرض التي يسيل عليها الماء وطولها ومنتهاها فجائز إذا كان يملك الأرض لم يجز إلا بأن يقول يسيل الماء في كذا وكذا لوقت معلوم كما لا يجوز الكراء إلا إلى وقت معلوم وإن لم يسم إلا مسيلا لم يجز ، ولو صالحه على أن يسقي أرضا له من نهر أو عين وقتا من الأوقات لم يجز ، ولكنه يجوز له لو صالحه بثلث العين أو ربعها وكان يملك تلك العين . وهكذا لو صالحه على أن يسقي ماشية له شهرا من مائه لم يجز . وإذا كانت الدار لرجلين لأحدهما منها أقل مما للآخر فدعا صاحب النصيب الكثير إلى القسم وكرهه صاحب النصيب القليل ; لأنه لا يبقى له منه ما ينتفع به أجبرته على القسم وهكذا لو كانت بين عدد فكان أحدهم ينتفع والآخرون لا ينتفعون أجبرتهم على القسم للذي دعا إلى القسم وجمعت للآخرين نصيبهم إن شاءوا ، وإذا كان الضرر عليهم جميعا إنما يقسم إذا كان أحدهم يصير إلى منفعة وإن قلت .
[ ص: 233 ] الحوالة .
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) : قال أخبرنا الشافعي إملاء قال والقول عندنا - والله تعالى أعلم - ما قال مالك بن أنس : إن الرجل إذا أحال الرجل على الرجل بحق له ثم أفلس المحال عليه أو مات لم يرجع المحال على المحيل أبدا فإن قال قائل ما الحجة فيه ؟ قال مالك بن أنس أخبرنا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع } فإن قال قائل وما في هذا مما يدل على تقوية قولك ؟ قيل أرأيت لو كان المحال يرجع على المحيل كما قال محمد بن الحسن إذا أفلس المحال عليه في الحياة أو مات مفلسا هل يصير المحال على من أحيل ؟ أرأيت لو أحيل على مفلس وكان حقه نائبا عن المحيل هل كان يزداد بذلك إلا خيرا ، إن أيسر المفلس وإلا فحقه حيث كان ، ولا يجوز إلا أن يكون في هذا .
أما قولنا إذا برئت من حقك وضمنه غيرى فالبراءة لا ترجع إلى أن تكون مضمونة وإما لا تكون الحوالة جائزة فكيف يجوز أن أكون بريئا من دينك إذا أحلتك لو حلفت وحلفت ما لك علي حق بررنا فإن أفلس عدت علي بشيء بعد أن برئت منه بأمر قد رضيت به جائزا بين المسلمين واحتج محمد بن الحسن بأن عثمان قال في الحوالة والكفالة يرجع صاحبه لا توى على مال مسلم ، وهو في أصل قوله يبطل من وجهين ، ولو كان ثابتا عن عثمان لم يكن فيه حجة إنما شك فيه عن عثمان ، ولو ثبت ذلك عن عثمان احتمل حديث عثمان خلافه . وإذا أحال الرجل على الرجل بالحق فأفلس المحال عليه أو مات ، ولا شيء له لم يكن للمحتال أن يرجع على المحيل من قبل أن الحوالة تحول حق من موضعه إلى غيره وما تحول لم يعد والحوالة مخالفة للحمالة ما تحول عنه لم يعد إلا بتجديد عودته عليه ونأخذ المحتال عليه دون المحيل بكل حال .
[ ص: 234 ] باب الضمان .
( أخبرنا الربيع ) ( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا تحمل أو تكفل الرجل عن الرجل بالدين فمات الحميل قبل أن يحل الدين فللمتحمل عليه أن يأخذه بما حمل له به فإذا قبض ماله برئ الذي عليه الدين والحميل ، ولم يكن لورثة الحميل أن يرجعوا على المحمول عنه بما دفعوا عنه حتى يحل الدين وهكذا لو مات الذي عليه الحق كان للذي له الحق أن يأخذه من ماله فإن عجز عنه لم يكن له أخذه حتى يحل الدين . وقال في الحمالة : ( أخبرنا الربيع بن سليمان ) : قال أخبرنا الشافعي قال إذا تحمل أو تكفل الرجل عن الرجل بدين فمات المحتمل قبل أن يحل الدين فللمحتمل عنه أن يأخذه بما حمل له به ، فإذا قبض ماله برئ الذي عليه الدين والحميل ، ولم يكن لورثة الحميل أن يرجعوا على المحمول عنه بما دفعوا عنه حتى يحل الدين . وهكذا لو مات الذي عليه الحق كان للذي له الحق أن يأخذه من ماله فإذا عجز عنه لم يكن له أن يأخذه حتى يحل الدين .
( قال الشافعي ) : وإذا كان للرجل على الرجل المال فكفل له به رجل آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما ، ولا يبرأ كل واحد منهما حتى يستوفي ماله إذا كانت الكفالة مطلقة فإذا كانت الكفالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل على ما شرط له دون ما لم يشرط له وإذا قال الرجل للرجل ما قضى لك به على فلان أو شهد لك به عليه شهود أو ما أشبه هذا فأنا له ضامن ، لم يكن ضامنا لشيء من قبل أنه قد يقضى له ، ولا يقضى له ، ويشهد له ، ولا يشهد له ، فلا يلزمه شيء مما شهد به بوجوه فلما كان هذا هكذا لم يكن هذا ضمانا وإنما يلزم الضمان بما عرفه الضامن فأما ما لم يعرفه فهو من المخاطرة .
وإذا ضمن الرجل دين الميت بعدما يعرفه ويعرف لمن هو فالضمان له لازم ترك الميت شيئا أو لم يتركه فإذا كفل العبد المأذون له في التجارة فالكفالة باطلة ; لأن الكفالة استهلاك مال لا كسب مال فإذا كنا نمنعه أن يستهلك من ماله شيئا قل أو كثر فكذلك نمنعه أن يكفل فيغرم من ماله شيئا ، قل أو كثر . أخبرنا ابن عيينة عن هارون بن رئاب عن كنانة بن نعيم { عن قبيصة بن المخارق قال حملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال يا قبيصة المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة } وذكر الحديث .
( قال الشافعي ) : ولو أقر لرجل أنه كفل له بمال على أنه بالخيار ، وأنكر المكفول له الخيار ، ولا بينة بينهما فمن جعل الإقرار واحدا أحلفه ما كفل له إلا على أنه بالخيار وأبرأه ، والكفالة لا تجوز بخيار ومن زعم أنه يبعض عليه إقراره فيلزمه ما يضره ألزمه الكفالة بعد أن يحلف المكفول له لقد جعل له كفالة بت لا خيار فيه والكفالة بالنفس على الخيار لا تجوز وإذا [ ص: 235 ] جازت بغير خيار فليس يلزم الكافل بالنفس مال إلا أن يسمي مالا كفل له .
ولا تلزم الكفالة بحد ، ولا قصاص ، ولا عقوبة لا تلزم الكفالة إلا بالأموال . ولو كفل له بما لزم رجلا في جروح عمد فإن أراد القصاص فالكفالة باطلة وإن أراد أرش الجراح فهو له والكفالة لازمة ; لأنها كفالة بمال وإذااشترى رجل من رجل دارا فضمن له رجل عهدتها أو خلاصها فاستحقت الدار رجع المشتري بالثمن على الضامن إن شاء ; لأنه ضمن له خلاصها والخلاص مال يسلم ، وإذا أخذ الرجل من الرجل كفيلا بنفسه ثم أخذ منه كفيلا آخر بنفسه ، ولم يبرأ الأول فكلاهما كفيل بنفسه .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث
الحلقة (141)
صــــــــــ 236 الى صـــــــــــ242
الشركة .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي قال : شركة المفاوضة باطل ، ولا أعرف شيئا من الدنيا يكون باطلا إن لم تكن شركة المفاوضة باطلا إلا أن يكونا شريكين يعدان المفاوضة خلط المال والعمل فيه واقتسام الربح فهذا لا بأس به وهذه الشركة التي يقول بعض المشرقيين لها شركة عنان وإذا اشتركا مفاوضة وتشارطا أن المفاوضة عندهما هذا المعنى فالشركة صحيحة وما رزق أحدهما من غير هذا المال الذي اشتركا فيه من تجارة أو إجارة أو كنز أو هبة أو غير ذلك فهو له دون صاحبه ، وإن زعما أن المفاوضة عندهما بأن يكونا شريكين في كل ما أفادا بوجه من الوجوه بسبب المال وغيره فالشركة بينهما فاسدة ، ولا أعرف القمار إلا في هذا أو أقل منه أن يشترك الرجلان بمائتي درهم فيجد أحدهما كنزا فيكون بينهما . أرأيت لو تشارطا على هذا من غير أن يتخالطا بمال أكان يجوز ؟ أو أرأيت رجلا وهب له هبة أو آجر نفسه في عمل فأفاد مالا من عمل أو هبة أيكون الآخر له فيه شريكا ؟ لقد أنكروا أقل من هذا .
[ ص: 237 ] الوكالة .
( أخبرنا الربيع ) : قال أخبرنا الشافعي إملاء قال : وإذا وكل الرجل الرجل بوكالة فليس للوكيل أن يوكل غيره مرض الوكيل أو أراد الغيبة أو لم يردها ; لأن الموكل رضي بوكالته ، ولم يرض بوكالة غيره . وإن قال : وله أن يوكل من رأى كان ذلك له برضا الموكل .
وإذا وكل الرجل الرجل وكالة ، ولم يقل له في الوكالة أنه وكله بأن يقر عليه ، ولا يصالح ، ولا يبرئ ، ولا يهب فإن فعل فما فعل من ذلك كله باطل ; لأنه لم يوكله به فلا يكون وكيلا فيما لم يوكله .
وإذا وكل الرجل الرجل بطلب حد له أو قصاص قبلت الوكالة على تثبيت البينة فإذا حضر الحد أو القصاص لم أحدده ، ولم أقصص حتى يحضر المحدود له والمقتص له من قبل أنه قد يعزله فيبطل القصاص ويعفو وإذا كان لرجل على رجل مال وهو عنده فجاء رجل فذكر أن صاحب المال وكله به وصدقه الذي في يديه المال لم أجبره على أن يدفعه إليه فإذا دفعه إليه لم يبرأ من المال بشيء إلا أن يقر صاحب المال بأنه وكله أو تقوم بينة عليه بذلك . وكذلك لو ادعى هذا الذي ادعى الوكالة دينا على رب المال لم يجبر الذي في يديه المال أن يعطيه إياه وذلك أن إقراره إياه به إقرار منه على غيره ، ولا يجوز إقراره على غيره وإذا وكل الرجل الرجل عند القاضي بشيء أثبت القاضي بينته على الوكالة وجعله وكيلا حضر معه الخصم أو لم يحضر معه ، وليس الخصم من هذا بسبيل .
وإذا شهد الرجل لرجل أنه وكله بكل قليل وكثير له ، ولم يزد على هذا فالوكالة غير جائزة من قبل أنه وكله ببيع القليل والكثير ويحفظه ويدفع القليل والكثير وغيره فلما كان يحتمل هذه المعاني وغيرها لم يجز أن يكون وكيلا حتى يبين الوكالات من بيع أو شراء أو وديعة أو خصومة أو عمارة أو غير ذلك . ( قال الشافعي ) : وأقبل الوكالة من الحاضر من الرجال والنساء في العذر وغير العذر وقد كان علي رضي الله عنه وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعلي حاضر فقيل ذلك عثمان وكان يوكل قبل عبد الله بن جعفر عقيل بن أبي طالب ، ولا أحسبه إلا كان يوكله عند عمر ، ولعل عند أبي بكر وكان علي يقول إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها .
[ ص: 238 ] جماع ما يجوز إقراره إذا كان ظاهرا .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى { أقر ماعز عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا فرجمه } ، { وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة رجل فإن اعترفت بالزنا فارجمها } .
( قال الشافعي ) : وكان هذا في معنى ما وصفت من حكم الله - تبارك وتعالى - أن للمرء وعليه ما أظهر من القول ، وأنه أمين على نفسه ، فمن أقر من البالغين غير المغلوبين على عقولهم بشيء يلزمه به عقوبة في بدنه من حد أو قتل أو قصاص أو ضرب أو قطع لزمه ذلك الإقرار حرا كان أو مملوكا محجورا كان أو غير محجور عليه ; لأن كل هؤلاء ممن عليه الفرض في بدنه ، ولا يسقط إقراره عنه فيما لزمه في بدنه ; لأنه إنما يحجر عليه في ماله لا بدنه ، ولا عن العبد وإن كان مالا لغيره ; لأن التلف على بدنه بشيء يلزمه بالفرض كما يلزمه الوضوء للصلاة وهذا ما لا أعلم فيه من أحد سمعت منه ممن أرضى خلافا وقد أمرت عائشة رضي الله تعالى عنها بعبد أقر بالسرقة فقطع وسواء كان هذا الحد لله أو بشيء أوجبه الله لآدمي .
( قال الشافعي ) : وما أقر به الحران البالغان غير المحجورين في أموالهما بأي وجه أقر به لزمهما كما أقرا به ، وما أقر به الحران المحجوران في أموالهما لم يلزم واحدا منهما في حال الحجر ولا بعده في الحكم في الدنيا ويلزمهما فيما بينهما وبين الله - عز وجل - تأديته إذا خرجا من الحجر إلى من أقرا له به وسواء من أي وجه كان ذلك الإقرار إذا كان لا يلزم إلا أموالهما بحال وذلك مثل أن يقرا بجناية خطأ أو عمد لا قصاص فيه أو شراء أو عتق أو بيع أو استهلاك مال فكل ذلك ساقط عنهما في الحكم .
( قال الشافعي ) : وإذا أقرا بعمد فيه قصاص لزمهما ولولي القصاص إن شاء القصاص وإن شاء أخذ ذلك من أموالهما من قبل أن عليهما فرضا في أنفسهما وإن من فرض الله - عز وجل - القصاص فلما فرض الله القصاص دل على أن لولي القصاص أن يعفو القصاص ويأخذ العقل ، ودلت عليه السنة فلزم المحجور عليهما البالغين ما أقرا به وكان لولي القتيل الخيار في القصاص وعفوه على مال يأخذه مكانه . وهكذا العبد البالغ فيما أقر به من جرح أو نفس فيها قصاص فلولي القتيل أو المجروح أن يقتص منه أو يعفو القصاص على أن يكون العقل في عتق العبد وإن كان العبد مالا للسيد .
( قال الشافعي ) : ولو أقر العبد بجناية عمدا لا قصاص فيها أو خطأ لم يلزمه في حال العبودية منها شيء ويلزمه إذا عتق يوما ما في ماله .
( قال الشافعي ) : وما أقر به المحجوران من غصب أو قتل أو غيره مما ليس فيه حد بطل عنهما معا فيبطل عن المحجورين الحرين بكل حال ويبطل عن العبد في حال العبودية ويلزمه أرش الجناية التي أقر بها إذا عتق ; لأنه إنما أبطلته عنه ; لأنه لا ملك له في حال العبودية لا من جهة حجري على الحر في ماله .
( قال الشافعي ) : وسواء ما أقر به العبد المأذون له في التجارة أو غير المأذون له فيها ، والعاقل من العبيد والمقصر إذا كان بالغا غير مغلوب على عقله من كل شيء إلا ما أقر به العبد فيما وكل به وأذن له فيه من التجارة .
( قال الشافعي ) : وإذا أقر الحران المحجوران والعبد بسرقة في مثلها القطع قطعوا معا ، ولزم الحرين غرم السرقة في أموالهما ، والعبد في عنقه .
( قال الشافعي ) : ولو بطلت الغرم عن المحجورين للحجر والعبد لأنه يقر في رقبته لم أقطع واحدا منهما ; لأنهما لا يبطلان إلا معا ، ولا يحقان إلا [ ص: 239 ] معا .
( قال الشافعي ) : ولو أقروا معا بسرقة بالغة ما بلغت لا قطع فيها .
أبطلتها عنهم معا عن المحجورين ; لأنهما ممنوعان من أموالهما وعن العبد ; لأنه يقر في عنقه بلا حد في بدنه وهكذا ما أقر به المرتد من هؤلاء في حال ردته ألزمته إياه كما ألزمه إياه قبل ردته .
إقرار من لم يبلغ الحلم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى وإذا أقر من لم يبلغ الحلم من الرجال ، ولا المحيض من النساء ، ولم يستكمل خمس عشرة سنة بحق لله أو حق لآدمي في بدنه أو ماله فذلك كله ساقط عنه ; لأن الله - عز وجل - إنما خاطب بالفرائض التي فيها الأمر والنهي العاقلين البالغين .
( قال الشافعي ) : ولا ننظر في هذا إلى الإثبات والقول قول المقر إن قال لم أبلغ والبينة على المدعي .
( قال الشافعي ) : وإذا أقر الخنثى المشكل وقد احتلم ، ولم يستكمل خمس عشرة سنة وقف إقراره فإن حاض وهو مشكل فلا يلزمه إقراره حتى يبلغ خمس عشرة سنة وكذلك إن حاض ، ولم يحتلم لا يجوز إقرار الخنثى المشكل بحال حتى يستكمل خمس عشرة سنة ، وهذا سواء في الأحرار والمماليك إذا قال سيد المملوك أو أبو الصبي : لم يبلغ . وقال المملوك أو الصبي : قد بلغت . فالقول قول الصبي والمملوك إذا كان يشبه ما قال فإن كان لا يشبه ما قال لم يقبل قوله ولو صدقه أبوه . ألا ترى أنه لو أقر به والعلم يحيط أن مثله لا يبلغ خمس عشرة لم يجز أن أقبل إقراره وإذا أبطلته عنه في هذه الحال لم ألزمه الحر ، ولا المملوك بعد البلوغ ، ولا بعد العتق في الحكم ويلزمهم فيما بينهم وبين الله - عز وجل - أن يؤدوا إلى العباد في ذلك حقوقهم .
إقرار المغلوب على عقله .
( قال الشافعي ) : رحمه الله من أصابه مرض ما كان المرض ، فغلب على عقله فأقر في حال الغلبة على عقله فإقراره في كل ما أقر به ساقط ; لأنه لا فرض عليه في حاله تلك وسواء كان ذلك المرض بشيء أكله أو شربه ليتداوى به فأذهب عقله أو بعارض لا يدرى ما سببه . ( قال الشافعي ) : ولو شرب رجل خمرا أو نبيذا مسكرا فسكر لزمه ما أقر به وفعل مما لله وللآدميين ; لأنه ممن تلزمه الفرائض ; ولأن عليه حراما وحلالا وهو آثم بما دخل فيه من شرب المحرم ، ولا يسقط عنه ما صنع ; ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في شرب الخمر .
( قال الشافعي ) : ومن أكره فأوجر خمرا فأذهب عقله ثم أقر لم يلزمه إقراره ; لأنه لا ذنب له فيما صنع .
( قال الشافعي ) : ولو أقر في صحته أنه فعل شيئا في حال ضر غلبه على عقله لم يلزمه في ذلك حد بحال ، لا لله ، ولا للآدميين كأن أقر أنه قطع رجلا أو قتله أو سرقه أو قذفه أو زنى فلا يلزمه قصاص ، ولا قطع ، ولا حد في الزنا ولولي المقتول أو المجروح إن شاء أن يأخذ من ماله الأرش وكذلك للمسروق أن يأخذ قيمة السرقة ، وليس للمقذوف شيء ; لأنه لا أرش للقذف ثم هكذا البالغ إذا أقر أنه صنع من هذا في الصغر لا يختلف . ألا ترى أنه لو أقر في حال غلبته على عقله وصغره فأبطلته عنه ثم قامت به عليه بينة أخذت منه ما كان في ماله دون ما كان في بدنه ، فإقراره بعد البلوغ أكثر من بينة لو قامت عليه .
ولو أقر بعد الحرية أنه فعل من هذا شيئا وهو مملوك بالغ ألزمته حد المملوك فيه كله ، فإن كان قذفا حددته أربعين أو زنا حددته خمسين ونفيته نصف سنة إذا لم يحد قبل [ ص: 240 ] إقراره ، أو قطع يد حر أو رجله عمدا اقتصصت منه إلا أن يشاء المقتص له أخذ الأرش ، وكذلك لو قتله . وكذلك لو أقر بأنه فعله بمملوك يقتص منه ; لأنه لو جنى على مملوك ، وهو مملوك فأعتق ألزمته القصاص إلا أنه يخالف الحر في خصلة ما أقر به من مال ألزمته إياه نفسه إذا أعتق ; لأنه بإقرار كما يقر الرجل بجناية خطأ فأجعلها في ماله دون عاقلته ، ولو قامت عليه بينة بجناية خطأ تلزم عنقه وهو مملوك ألزمت سيده الأقل من قيمته يوم جنى والجناية ; لأنه أعتقه فحال بعتقه دون بيعه .
إقرار الصبي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما أقر به الصبي من حد لله - عز وجل - أو الآدمي أو حق في ماله أو غيره فإقراره ساقط عنه وسواء كان الصبي مأذونا له في التجارة أذن له به أبوه أو وليه من كان أو حاكم ، ولا يجوز للحاكم أن يأذن له في التجارة فإن فعل فإقراره ساقط عنه وكذلك شراؤه وبيعه مفسوخ ، ولو أجزت إقراره إذا أذن له في التجارة أجزت أن يأذن له أبوه بطلاق امرأته فألزمه أو يأمره فيقذف رجلا فأحده أو يجرح فأقتص منه فكان هذا وما يشبهه أولى أن يلزمه من إقراره لو أذن له في التجارة ; لأنه شيء فعله بأمر أبيه ، وأمر أبيه في التجارة ليس بإذن بالإقرار بعينه ، ولكن لا يلزمه شيء من هذا ما يلزم البالغ بحال .
الإكراه وما في معناه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى قال الله - عز وجل - { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } الآية .
( قال الشافعي ) : وللكفر أحكام كفراق الزوجة ، وأن يقتل الكافر ويغنم ماله فلما وضع الله عنه سقطت عنه أحكام الإكراه على القول كله ; لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه وما يكون حكمه بثبوته عليه .
( قال الشافعي ) : والإكراه أن يصير الرجل في يدي من لا يقدر على الامتناع منه من سلطان أو لص أو متغلب على واحد من هؤلاء ويكون المكره يخاف خوفا عليه دلالة أنه إن امتنع من قول ما أمر به يبلغ به الضرب المؤلم أو أكثر منه أو إتلاف نفسه .
( قال الشافعي ) : فإذا خاف هذا سقط عنه حكم ما أكره عليه من قول ما كان القول شراء أو بيعا أو إقرارا لرجل بحق أو حد أو إقرارا بنكاح أو عتق أو طلاق أو إحداث واحد من هذا وهو مكره فأي هذا أحدث وهو مكره لم يلزمه .
( قال الشافعي ) : ولو كان لا يقع في نفسه أنه يبلغ به شيء مما وصفت لم يسع أن يفعل شيئا مما وصفت أنه يسقط عنه ، ولو أقر أنه فعله غير خائف على نفسه ألزمته حكمه كله في الطلاق والنكاح وغيره وإن حبس فخاف طول الحبس أو قيد فخاف طول القيد أو أوعد فخاف أن يوقع به من الوعيد بعض ما وصفت أن الإكراه ساقط به سقط عنه ما أكره عليه .
( قال الشافعي ) : ولو فعل شيئا له حكم فأقر بعد فعله أنه لم يخف أن يوفى له بوعيد ألزمته ما أحدث من إقرار أو غيره .
( قال الشافعي ) : ولو حبس فخاف طول الحبس أو قيد فقال ظننت أني إذا امتنعت مما أكرهت عليه لم ينلني حبس أكثر من ساعة أو لم ينلني عقوبة خفت أن لا يسقط المأثم عنه فيما فيه مأثم مما قال .
( قال الشافعي ) : فأما الحكم فيسقط عنه من قبل أن الذي به الكره كان ولم يكن على يقين من التخلص .
( قال الشافعي ) : ولو حبس ثم خلي ثم أقر لزمه الإقرار وهكذا لو ضرب ضربة أو ضربات ثم خلي فأقر ، ولم يقل له بعد ذلك ، ولم يحدث له خوف له [ ص: 241 ] سبب فأحدث شيئا لزمه وإن أحدث له أمر فهو بعد سبب الضرب ، والإقرار ساقط عنه .
قال : وإذا قال الرجل لرجل أقررت لك بكذا ، وأنا مكره فالقول قوله مع يمينه وعلى المقر له البينة على إقراره له غير مكره .
( قال الربيع ) : وفيه قول آخر أن من أقر بشيء لزمه إلا أن يعلم أنه كان مكرها .
( قال الشافعي ) : ويقبل قوله إذا كان محبوسا وإن شهدوا أنه غير مكره وإذا شهد شاهدان أن فلانا أقر لفلان وهو محبوس بكذا أو لدى سلطان بكذا فقال المشهود عليه أقررت لغم الحبس أو لإكراه السلطان فالقول قوله مع يمينه إلا أن تشهد البينة أنه أقر عند السلطان غير مكره ، ولا يخاف حين شهدوا أنه أقر غير مكروه ، ولا محبوس بسبب ما أقر له ، وهذا موضوع بنصه في كتاب الإكراه سئل الربيع عن كتاب الإكراه ؟ فقال لا أعرفه .
جماع الإقرار .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولا يجوز عندي أن ألزم أحدا إقرارا إلا بين المعنى فإذا احتمل ما أقر به معنيين ألزمته الأقل وجعلت القول قوله ، ولا ألزمه إلا ظاهر ما أقر به بينا ، وإن سبق إلى القلب غير ظاهر ما قال ، وكذلك لا ألتفت إلى سبب ما أقر به إذا كان لكلامه ظاهر يحتمل خلاف السبب ; لأن الرجل قد يجيب على خلاف السبب الذي كلم عليه لما وصفت من أحكام الله عز وجل فيما بين العباد على الظاهر .
الإقرار بالشيء غير موصوف .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل لفلان علي مال أو عندي أو في يدي أو قد [ ص: 242 ] استهلكت مالا عظيما أو قال عظيما جدا أو عظيما عظيما فكل هذا سواء ويسأل ما أراد . فإن قال أردت دينارا أو درهما أو أقل من درهم مما يقع عليه اسم مال عرض أو غيره فالقول قوله مع يمينه . وكذلك إن قال مالا صغيرا أو صغيرا جدا أو صغيرا صغيرا من قبل أن جميع ما في الدنيا من متاعها يقع عليه قليل . قال الله - تبارك وتعالى - { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } وقليل ما فيها يقع عليه عظيم الثواب والعقاب قال الله - عز وجل - { وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } .
وكل ما أثيب عليه وعذب يقع عليه اسم كثير ، وهكذا إن قال : له علي مال وسط أو لا قليل ، ولا كثير ; لأن هذا إذا جاز في الكثير كان فيما وصفت أنه أقل منه أجوز وهكذا إن قال له عندي مال كثير قليل . ولو قال لفلان عندي مال كثير إلا مالا قليلا . : كان هكذا ، ولا يجوز إذا قال : له عندي مال إلا أن يكون بقي له عنده مال فأقل المال لازم له ، ولو قال : له عندي مال وافر ، وله عندي مال تافه ، وله عندي مال مغن كان كله كما وصفت من مال كثير ; لأنه قد يغني القليل ، ولا يغني الكثير وينمى القليل إذا بورك فيه وأصلح ويتلف الكثير .
( قال الشافعي ) : فإذا كان المقر بهذا حيا قلت له أعط الذي أقررت له ما شئت مما يقع عليه اسم مال واحلف له ما أقررت له بغير ما أعطيته فإن قال لا أعطيه شيئا جبرته على أن يعطيه أقل ما يقع عليه اسم مال مكانه ويحلف ما أقر له بأكثر منه فإذا حلف لم ألزمه غيره ، وإن امتنع من اليمين قلت للذي يدعي عليه ادع ما أحببت فإذا ادعى قلت للرجل احلف على ما ادعى فإن حلف برئ وإن أبى قلت له اردد اليمين على المدعي فإن حلف أعطيته وإن لم يحلف لم أعطه شيئا بنكولك حتى يحلف مع نكولك .
( قال الشافعي ) : وإن كان المقر بالمال غائبا أقر به من صنف معروف كفضة أو ذهب فسأل المقر له أن يعطي ما أقر له به قلنا إن شئت فانتظر مقدمه أو نكتب لك إلى حاكم البلد الذي هو به ، وإن شئت أعطيناك من ماله الذي أقر فيه أقل ما يقع عليه اسم المال ، واشهد بأنه عليك فإن جاء فأقر لك بأكثر منه أعطيت الفضل كما أعطيناك وإن لم يقر لك بأكثر منه فقد استوفيت وكذلك إن جحدك فقد أعطيناك أقل ما يقع عليه اسم مال .
وإن قال مال ، ولم ينسبه إلى شيء لم نعطه إلا أن يقول هكذا ويحلف أو يموت فتحلف ورثته ويعطي من ماله أقل الأشياء قال وهكذا إن كان المقر حاضرا فغلب على عقله ويحلف على هذا المدعي ما برئ مما أقر له به بوجه من الوجوه ويجعل الغائب والمغلوب على عقله على حجته إن كانت له .
( قال الشافعي ) : ومثل هذا إن أقر له بهذا ثم مات وأجعل ورثة الميت على حجته إن كانت للميت حجة فيما أقر له به .
( قال الشافعي ) : وإن شاء المقر له أن تحلف له ورثة الميت فلا أحلفهم إلا أن يدعي علمهم فإن ادعاه أحلفتهم ما يعلمون أباهم أقر له بشيء أكثر مما أعطيته .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث
الحلقة (142)
صــــــــــ 243 الى صـــــــــــ249
الإقرار بشيء محدود .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى ولو قال رجل لفلان علي أكثر من مال فلان لرجل آخر وهو يعرف مال فلان الذي قال له علي أكثر من ماله أو لا يعرفه أو قال له علي أكثر مما في يديه من المال وهو يعرف ما في يديه من المال أو لا يعرفه فسواء ، وأسأله عن قوله فإن قال أردت أكثر ; لأن ما له علي حلال والحلال كثير ومال فلان الذي قلت له علي أكثر من ماله حرام وهو قليل ; لأن متاع الدنيا قليل لقلة بقائه ، ولو قال قلت له علي أكثر ; لأنه عندي أبقى فهو أكثر بالبقاء من مال فلان وما في يديه ; لأنه [ ص: 243 ] يتلفه فيقبل قوله مع يمينه ما أراد أكثر في العدد ، ولا في القيمة وكان مثل القول الأول وإن مات أو خرس أو غلب فهو مثل الذي قال له عندي مال كثير ، ولو قال لفلان علي أكثر من عدد ما بقي في يديه من المال أو عدد ما في يد فلان من المال كان القول في أن علمه أن عدد ما في يد فلان من المال كذا قول المقر مع يمينه فلو قال علمت أن عدد ما في يده من المال عشرة دراهم فأقررت له بأحد عشر حلف ما أقر له بأكثر منه وكان القول قوله .
ولو أقام المقر له شهودا أنه قد علم أن في يده ألف درهم لم ألزمه أكثر مما قال إن علمت من قبل أنه يعلم أن في يده ألفا فتخرج من يده وتكون لغيره ، وكذلك لو أقام بينة أنه قال له أو أن الشهود قالوا له نشهد أن له ألف درهم فقال له علي أكثر من ماله كان القول قوله ; لأنه قد يكذب الشهود ويكذبه بما ادعى أن له من المال وإن اتصل ذلك بكلامهم وقد يعلم لو صدقهم أن ماله هلك فلا يلزمه مما لغريمه إلا ما أحطنا أنه أقر به . ولو قال : قد علمت أن له ألف دينار فأقررت له بأكثر من عددها فلوسا ، كان القول قوله .
وهكذا لو قال : أقررت بأكثر من عددها حب حنطة أو غيره كان القول قوله مع يمينه ، ولو قال رجل لرجل لي عليك ألف دينار فقال لك علي من الذهب أكثر مما كان عليه أكثر من ألف دينار ذهبا فالقول في الذهب الرديء وغير المضروب قول المقر . ولو كان قال لي عليك ألف دينار فقال لك عندي أكثر من مالك لم ألزمه أكثر من ألف دينار وقلت له كم ماله ؟ فإن قال دينار أو درهم أو فلس ألزمته أقل من دينار أو درهم وفلس ; لأنه قد يكذبه بأن له ألف دينار وكذلك لو شهدت له بينة بذلك فأقر بعد شهود البينة أو قبل ; لأنه قد يكذب البينة ، ولا ألزمه ذلك حتى يقول قد علمت أن له ألف دينار فأقررت بأكثر منها ذهبا وإن قال له علي شيء ألزمته أي شيء قال ما يقع عليه اسم شيء مما أقر به .
الإقرار للعبد والمحجور عليه .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا أقر الرجل لعبد رجل مأذون له في التجارة أو غير مأذون له فيها بشيء أو لحر أو لحرة محجورين أو غير محجورين لزمه الإقرار لكل واحد منهم وكان للسيد أخذ ما أقر به لعبده ولولي المحجورين أخذ ما أقر به للمحجورين وكذلك لو أقر به لمجنون أو زمن أو مستأمن كان لهم أخذ به فلو أقر لرجل ببلاد الحرب بشيء غير مكره ألزمته إقراره له ، وكذلك ما أقر به الأسرى إذا كانوا مستأمنين ببلاد الحرب لأهل الحرب وبعضهم لبعض غير مكرهين ألزمتهم ذلك كما ألزمه المسلمين في دار الإسلام . قال : وكذلك الذمي والحربي المستأمن يقر للمسلم والمستأمن والذمي ألزمه ذلك كله .
الإقرار للبهائم .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا أقر الرجل لبعير لرجل أو لدابة له أو لدار له أو لهذا البعير أو [ ص: 244 ] لهذه الدابة أو لهذه الدار على كذا لم ألزمه شيئا مما أقر به ; لأن البهائم والحجارة لا تملك شيئا بحال ، ولو قال علي بسبب هذا البعير أو سبب هذه الدابة أو سبب هذه الدار كذا وكذا لم ألزمه إقراره ; لأنه لا يكون عليه بسببها شيء إلا أن يبين ، وذلك مثل أن يقول علي بسببها أن أحالت علي أو حملت عني أو حملت عنها وهي لا تحيل عليه ، ولا يحمل عنها بحال ، ولو وصل الكلام فقال علي بسببها أني جنيت فيها جناية ألزمتني كذا وكذا كان ذلك إقرارا لمالكها لازما للمقر . وكذلك لو قال لسيدها علي بسببها كذا وكذا ألزمته ذلك ، ولو لم يزد على هذا ; لأنه نسب الإقرار للسيد ، وأنه قد يلزمه بسببها شيء بحال فلا أبطله عنه وألزمه بحال ولو قال لسيد هذه الناقة علي بسبب ما في بطنها كذا لم ألزمه إياه ; لأنه لا يكون عليه بسبب ما في بطنها شيء أبدا ; لأنه إن كان حملا فلم يجن عليه جناية لها حكم ; لأنه لم يسقط فإن لم يكن حمل كان أبعد من أن يلزمه شيء بسبب ما لا يكون بسبب غرم أبدا .
الإقرار لما في البطن .
( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل هذا الشيء يصفه في يده عبد أو دار أو عرض من العروض أو ألف درهم أو كذا وكذا مكيالا حنطة لما في بطن هذه المرأة لامرأة حرة أو أم ولد لرجل ولدها حر فأبو الحمل أو وليه الخصم في ذلك ; وإن أقر بذلك لما في بطن أمة لرجل فمالك الجارية الخصم في ذلك . فإذا لم يصل المقر إقراره بشيء فإقراره لازم له إن ولدت المرأة ولدا حيا لأقل من ستة أشهر بشيء ما كان ، فإن ولدت ولدين ذكرا وأنثى أو ذكرين أو أنثيين فما أقر به بينهما نصفين ، فإن ولدت ولدين حيا وميتا أقر به كله للحي منهما فإن ولدت ولدا أو ولدين ميتين سقط الإقرار عنه .
وهكذا إن ولدت ولدا حيا أو اثنين لكمال ستة أشهر من يوم أقر سقط الإقرار ; لأنه قد يحدث بعد إقراره فلا يكون أقر بشيء ( قال الشافعي ) : وإنما أجيز الإقرار إذا علمت أنه وقع لبشر قد خلق وإذا أقر للحمل فولدت التي أقر لحملها ولدين في بطن ، أحدهما قبل ستة أشهر ، والآخر بعد ستة أشهر فالإقرار جائز لهما معا ; لأنهما حمل واحد قد خرج بعضه قبل ستة أشهر وحكم الخارج بعده حكمه فإذا أقر لما في بطن امرأة فضرب رجل بطنها فألقت جنينا ميتا سقط الإقرار ، وإن ألقته حيا ثم مات فإن كانت ألقته بما يعلم أنه خلق قبل الإقرار ثبت الإقرار وإن أشكل أو كان يمكن أن يخلق بعد أن يكون الإقرار سقط الإقرار .
( قال الشافعي ) : وإنما أجزت الإقرار لما في بطن المرأة ; لأن ما في بطنها يملك بالوصية فلما كان يملك بحال لم أبطل الإقرار له حتى يضيف الإقرار إلى ما لا يجوز أن يملك به ما في بطن المرأة وذلك مثل أن يقول أسلفني ما في بطن هذه المرأة ألف درهم أو حمل عني ما في بطن هذه المرأة بألف درهم فغرمها أو ما في هذا المعنى مما لا يكون لما في بطن المرأة بحال . قال : ولكنه لو قال لما في بطن هذه المرأة عندي هذا العبد أو ألف درهم غصبته إياها لزمه الإقرار ; لأنه قد يوصي له بما أقر له به فيغصبه إياه ; ومثل هذا أن يقول ظلمته إياه ومثله أن يقول استسلفته ; لأنه قد يوصي إليه لما في بطن المرأة بشيء يستسلفه . وهكذا لو قال استهلكته عليه أو أهلكته له ، وليس هذا كما يقول أسلفنيه ما في بطنها ; لأن ما في بطنها لا يسلف شيئا ، ولو قال لما في بطن هذه المرأة عندي ألف أوصى له بها أبي كانت له عنده ، فإن بطلت وصية الحمل بأن يولد ميتا كانت الألف درهم لورثة أبيه .
ولو قال أوصى له بها فلان إلي فبطلت وصيته كانت الألف لورثة الذي أقر أنه أوصى بها له ، ولو قال لما في بطن هذه المرأة عندي ألف درهم أسلفنيها أبوه أو غصبتها أباه كان الإقرار لأبيه فإن كان أبوه ميتا فهي موروثة [ ص: 245 ] عنه ، وإن كان حيا فهي له ، ولا يلزمه لما في بطن المرأة بشيء ، ولو قال له علي ألف درهم غصبتها من ملكه أو كانت في ملكه ، فألزمته الإقرار فخرج الجنين ميتا فسأل وارثه أخذها المقر فإن جحد أحلفته ، ولم أجعل عليه شيئا . وإن قال : أوصى بها فلان له فغصبتها أو أقررت بغصبها كاذبا ردت إلى ورثة فلان فإن قال قد وهبت لهذا الجنين داري أو تصدقت بها عليه أو بعته إياها لم يلزمه من هذا شيء ; لأن كل هذا لا يجوز لجنين ، ولا عليه ، وإذا أقر الرجل بها لما في بطن جارية فالإقرار باطل .
الإقرار بغصب شيء في شيء .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل غصبتك كذا في كذا يعتبر قوله في غير المغصوب ، وذلك مثل أن يقول غصبتك ثوبا أو عبدا أو طعاما في رجب سنة كذا فأخبر بالحين الذي غصبه فيه والجنس الذي أقر أنه غصبه إياه فكذلك إن قال غصبتك حنطة في بلد كذا أو في صحراء أو في أرض فلان أو في أرضك فيعني الذي أصاب الغصب أن الذي فيه غير الذي أقر أنه غصبه إياه إنما جعل الموضع الذي أصاب الغصب فيه دلالة على أنه غصبه فيه كما جعل الشهر دلالة على أنه غصب فيه كقولك غصبتك حنطة في أرض وغصبتك حنطة من أرض وغصبتك زيتا في حب وغصبتك زيتا من حب وغصبتك سفينة في بحر وغصبتك سفينة من بحر وغصبتك بعيرا في مرعى وغصبتك بعيرا من مرعى وبعيرا في بلد كذا ومن بلد كذا وغصبتك كبشا في خيل وكبشا من خيل يعني في جماعة خيل وغصبتك عبدا في إماء وعبدا من إماء يعني أنه كان مع إماء وعبدا في غنم وعبدا في إبل وعبدا من غنم وعبدا من إبل كقوله غصبتك عبدا في سقاء وعبدا في رحى ليس أن السقاء والرحى مما غصب ، ولكنه وصف أن العبد كان في أحدهما كما وصف أنه كان في إبل أو غنم .
وهكذا إن قال غصبتك حنطة في سفينة أو في جراب أو في غرارة أو في صاع فهو غاصب للحنطة دون ما وصف أنها كانت فيه وقوله في سفينة وفي جراب كقوله من سفينة وجراب لا يختلفان في هذا المعنى قال وهكذا لو قال غصبتك ثوبا قوهيا في منديل أو ثيابا في جراب أو عشرة أثواب في ثوب أو منديل أو ثوبا في عشرة أثواب أو دنانير في خريطة لا يختلف كل هذا قوله في كذا ومن كذا سواء فلا يضمن إلا ما أقر بغصبه لا ما وصف أن المغصوب كان فيه له . قال : وهكذا لو قال غصبتك فصا في خاتم أو خاتما في فص أو سيفا في حمالة أو حمالة في سيف ; لأن كل هذا قد يتميز من صاحبه فينزع الفص من الخاتم والخاتم من الفص ويكون السيف معلقا بالحمالة لا مشدودة إليه ومشدودة إليه فتنزع منه .
قال : وهكذا إن قال غصبتك حلية من سيف أو حلية في سيف ; لأن كل هذا قد يكون على السيف فينزع . قال : وهكذا إن قال غصبتك شارب سيف أو نعله فهو غاصب لما وصفت دون السيف ومثله لو قال غصبتك طيرا في قفص أو طيرا في شبكة أو طيرا في شناق كان غاصبا للطير دون القفص والشبكة والشناق ومثله لو قال غصبتك زيتا في جرة أو زيتا في زق أو عسلا في عكة أو شهدا في جونة أو تمرا في قربة أو جلة كان غاصبا للزيت دون الجرة والزق والعسل دون العكة والشهد دون الجونة والتمر دون القربة والجلة . وكذلك لو قال غصبتك جرة فيها زيت وقفصا فيه طير وعكة فيها سمن كان غاصبا للجرة دون الزيت والقفص دون الطير والعكة دون السمن ، ولا يكون غاصبا لهما معا إلا أن يبين يقول غصبتك عكة وسمنا وجرة وزيتا ، فإذا قال هذا فهو غاصب للشيئين .
والقول قوله إن قال غصبته سمنا في عكة أو [ ص: 246 ] سمنا وعكة لم يكن فيها سمن فالقول قوله في أي سمن أقر به ، وأي عكة أقر له بها ، وإذا قال غصبتك سرجا على حمار أو حنطة على حمار فهو غاصب للسرج دون الحمار والحنطة دون الحمار . وكذلك لو قال : غصبتك حمارا عليه سرج أو حمارا مسرجا كان غاصبا للحمار دون السرج ، وكذلك لو قال غصبتك ثيابا في عيبة كان غاصبا للثياب دون العيبة ، وهكذا لو قال غصبتك عيبة فيها ثياب كان غاصبا للعيبة دون الثياب .
الإقرار بغصب شيء بعدد وغير عدد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا قال الرجل للرجل غصبتك شيئا لم يزد على ذلك فالقول في الشيء قوله فإن أنكر أن يكون غصبه شيئا ألزمه الحاكم أن يقر له بما يقع عليه اسم شيء ، فإذا امتنع حبسه حتى يقر له بما يقع عليه اسم شيء ، فإذا فعل فإن صدقه المدعي وإلا أحلفه ما غصبه إلا ما ذكر ثم أبرأه من غيره ، ولو مات قبل أن يقر بشيء فالقول قول ورثته ويحلفون ما غصبه غيره ويوقف مال الميت عنهم حتى يقروا له بشيء ويحلفون ما علموا غيره ، وإذا قال غصبتك شيئا ثم أقر بشيء بإلزام الحاكم أن يقر به أو بغير إلزامه فسواء ، ولا يلزمه إلا ذلك الشيء ، فإن كان الذي أقر به مما يحل أن يملك بحال جبر على دفعه إليه ، فإن فات في يده جبر على أداء قيمته إليه إذا كانت له قيمة ، والقول في قيمته قوله وإن كان مما لا يحل أن يملك أحلف ما غصبه غيره ، ولم يجبر على دفعه إليه .
وذلك مثل أن يقر أنه غصبه عبدا أو أمة أو دابة أو ثوبا أو فلسا أو حمارا فيجبر على دفعه إليه وكذلك لو أقر أنه غصبه كلبا جبرته على دفعه إليه ; لأنه يحل ملك الكلب ، فإن مات الكلب في يديه لم أجبره على دفع شيء إليه ; لأنه لا ثمن له ; وكذلك إن أقر أنه غصبه جلد ميتة غير مدبوغ جبرته على دفعه إليه ، فإن فات لم أجبره على دفع قيمته إليه ; لأنه لا ثمن له ما لم يدبغ فإن كان مدبوغا دفعه إليه أو قيمته إن فات ; لأن ثمنه يحل إذا دبغ .
( قال الشافعي ) : وإذا أقر أنه غصبه خمرا أو خنزيرا لم أجبره على دفعه إليه ، وأهرقت عليه الخمر وذبحت الخنزير ، وألغيته إذا كان أحدهما مسلما ، ولا ثمن لهذين ، ولا يحل أن يملكا بحال . وإذا أقر أنه غصبه حنطة ففاتت رد إليه مثلها فإن لم يكن لها مثل فقيمتها ، وكذلك كل ما له مثل يرد مثله ، فإن فات يرد قيمته .
( قال الشافعي ) : وإذا قال الرجل الكثير المال غصبت فلانا لرجل كثير المال شيئا أو شيئا له بال فهو كالفقير يقر للفقير ، وأي شيء أقر به يقع عليه اسم شيء فلس أو حبة حنطة أو غيره فالقول قوله مع يمينه .
فإن قال : غصبته أشياء قيل أد إليه ثلاثة أشياء ; لأنها أقل ظاهر الجماع في كلام الناس ، وأي ثلاثة أشياء قال هي هي فهي هي مختلفة فإن قال هي ثلاثة أفلس أو هي فلس ودرهم وتمرة أو هي ثلاث تمرات أو هي ثلاثة دراهم أو ثلاثة أعبد أو عبد ، وأمة وحمار ; لأن كل واحد من هذا يقع عليه اسم شيء اختلفت أو اتفقت فسواء ، ولو قال غصبتك ، ولم يزد على ذلك أو غصبتك ما تعلم لم ألزمه بهذا شيئا ; لأنه قد يغصبه نفسه فيدخله المسجد أو البيت لغير مكروه ويغصبه فيمنعه بيته فلا ألزمه حتى يقول غصبتك شيئا ، ولو قال غصبتك شيئا فقال عنيت نفسك لم أقبل منه ; لأنه إذا قال غصبتك شيئا ، فإنما ظاهره غصبت منك شيئا ، ولو قال غصبتك وغصبتك مرارا كثيرة [ ص: 247 ] لم ألزمه شيئا ; لأنه قد يغصبه نفسه كما وصفت . قال : ولو سئل فقال : لم أغصبه شيئا ، ولا نفسه لم ألزمه شيئا ; لأنه لم يقر بأنه غصبه شيئا .
الإقرار بغصب شيء ثم يدعي الغاصب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا أقر الرجل أنه غصب الرجل أرضا ذات غرس أو غير ذات غرس أو دارا ذات بناء أو غير ذات بناء أو بيتا فكل هذا أرض والأرض لا تحول ، وإن كان البناء والغراس قد يحول ، فإن قال المقر بالغصب بعد قطعه الكلام أو معه إنما أقررت بشيء غصبتك ببلد كذا فسواء القول قوله ، وأي شيء دفعه إليه بذلك البلد مما يقع عليه اسم ما أقر له به ، فليس له عليه غيره وإذا ادعى المقر له سواه أحلف الغاصب ما غصبه غير هذا والقول قوله ، فإن مات الغاصب فالقول قول ورثته فإن قالوا لا نعلم شيئا قيل للمغصوب ادع ما شئت من هذه الصفة في هذا البلد فإذا ادعى قيل للورثة احلفوا ما تعلمونه هو ، فإن حلفوا برئوا ، وإلا لزمهم أن يعطوه بعض ما يقع عليه اسم ما أقر به الغاصب ، فإن نكلوا حلف المغصوب واستحق ما ادعى .
وإن أبى المغصوب أن يحلف ، ولا الورثة وقف مال الميت حتى يعطيه الورثة أقل ما يقع عليه اسم ما وصفت أنه أقر أنه غصبه ويحلفون ما يعلمونه غصبه غيره ، ولا يسلم لهم ميراثه إلا بما وصفت . ، ولو كان الغاصب قال غصبته دارا بمكة ثم قال أقررت له بباطل وما أعرف الدار التي غصبته إياها قيل إن أعطيته دارا بمكة ما كانت الدار وحلفت ما غصبته غيرها برئت ، وإن امتنعت وادعى دارا بعينها قيل احلف ما غصبته إياها فإن حلفت برئت وإن لم تحلف حلف فاستحقها ، وإذا امتنع وامتنعت من اليمين حبست أبدا حتى تعطيه دارا وتحلف ما غصبته غيرها .
( قال الشافعي ) : وإذا أقر أنه غصبه متاعا يحول . مثل عبد أو دابة أو ثوب أو طعام أو ذهب أو فضة فقال غصبتك كذا ببلد كذا بكلام موصول وكذبه المغصوب وقال ما غصبتنيه بهذا البلد فالقول قول الغاصب ; لأنه لم يقر له بالغصب إلا بالبلد الذي سمى فإن كان الذي أقر أنه غصبه منه دنانير أو دراهم أو ذهبا أو فضة أخذ بأن يدفعها إليه ما كان ; لأنه لا مؤنة لحمله عليه وكذلك لو أسلفه دنانير أو دراهم أو باعه إياها ببلد أخذ بها حيث طلبه بها .
( قال الشافعي ) : وكذلك فص ياقوت أو زبرجد أو لؤلؤ أقر أنه غصبه إياه ببلد يؤخذ به حيث قام به فإن لم يقدر عليه فقيمته ، وإن كان الذي أقر أنه غصبه إياه ببلد عبدا أو ثيابا أو متاعا لحمله مؤنة أو حيوانا أو رقيقا أو غيره فلحمل هذا ومشابهه مؤنة جبر المغصوب أن يوكل من يقتضيه بذلك البلد ، فإن مات قبض قيمته بذلك البلد أو يأخذ منه قيمته بالبلد الذي أقر أنه غصبه إياه بذلك البلد الذي يحاكمه به ، ولا أكلفه لو كان طعاما أن يعطيه مثله بذلك البلد لتفاوت الطعام إلا أن يتراضيا معا فأجيز بينهما ما تراضيا عليه .
( قال الشافعي ) : ومثل هذا : الثياب وغيرها مما لحمله مؤنة . قال ومثل هذا : العبد يغصبه إياه بالبلد ، ثم يقول المغتصب قد أبق العبد أو فات يقضى عليه بقيمته ، ولا يجعل شيء من هذا دينا عليه وإذا قضيت له بقيمة الفائت منه عبدا كان أو طعاما أو غيره لم يحل للغاصب أن يتملك منه شيئا ، وكان عليه أن يحضره سيده الذي غصبه منه ، فإذا أحضره سيده الذي غصبه منه جبرت سيده على قبضه منه ورد الثمن عليه فإن لم يكن عند سيده ثمنه قلت له بعه إياه بيعا جديدا بما له عليك إن رضيتما حتى يحل له ملكه فإن لم يفعل بعت العبد على سيده ، وأعطيت المغتصب مثل ما أخذ منه فإن كان فيه فضل رددت على سيده وإن لم يكن فيه فضل فلا شيء يرد [ ص: 248 ] عليه ، وإن نقص ثمنه عما أعطاه إياه بتغير سوق رددته على سيده بالفضل .
( قال الشافعي ) وإن كان لسيده غرماء لم أشركهم في ثمن العبد ; لأنه عبد قد أعطى الغاصب قيمته . قال : وهكذا أصنع بورثة المغصوب إن مات المغصوب ، وأحكم للغاصب العبد إلا أني إنما أصنع ذلك بهم في مال الميت لا أموالهم وهكذا الطعام يغصبه فيحضره ويحلف أنه هو والثياب وغيرها كالعبد لا تختلف ، فإن كان أحضر العبد ميتا فهو كأن لم يحضره ، ولا أرد الحكم الأول وإن أحضره معيبا أي عيب كان مريضا أو صحيحا دفعته إلى سيده وحسبت على الغاصب خراجه من يوم غصبه وما نقصه العيب في بدنه ، وألزمته ما وصفت .
( قال الشافعي ) : ولو أحضر الطعام متغيرا ألزمته الطعام وجعلت على الغاصب ما نقصه العيب ، ولو أحضره قد رضه حتى صار لا ينتفع به ، ولا قيمة له ألزمته الغاصب وكان كتلفه وموت العبد وعليه مثل الطعام إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ولو قال الحاكم إذا كان المغصوب من عبد وغيره غائبا للغاصب أعطه قيمته ففعل ثم قال للمغصوب حلله من حبسه أو صيره ملكا له بطيبة نفسك وللغاصب : اقبل ذلك كان ذلك أحب إلي ، ولا أجبر واحدا منهما على هذا .
الإقرار بغصب الدار ثم ببيعها .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا قال الرجل غصبته هذه الدار وهذا العبد أو أي شيء كان من هذا كتب إقراره ، وأشهد عليه وقد باعها قبل ذلك من رجل أو وهبها له أو تصدق بها عليه وقبضها أو وقفها عليه أو على غيره ففيها قولان . أحدهما : أن يقال لصاحب الدار إن كان لك بينة على ملك هذه الدار أو إقرار الغاصب قبل إخراجها من يده إلى من أخرجها إليه أخذ لك بها وإن لم يكن لك بينة لم يجز إقرار الغاصب في ذلك ; لأنه لا يملكها يوم أقر فيها وقضينا المغصوب بقيمتها ; لأنه يقر أنه استهلكها وهي ملك له وهكذا لو كان عبدا فأعتقه . وهكذا لو ادعى عليه رجلان أنه غصب دارا بعينها فأقر أنه غصبها من أحدهما وهو يملكها ثم أقر أنه غصبها منه وهو يملكها ، وأن الأول لم يملكها قط قضى بالدار للأول ; لأنه قد ملكها بإقراره وقيمتها للآخر بأنه قد أقر أنه قد أتلفها عليه .
قال : وهكذا كل ما أقر أنه غصبه رجلا ، ثم أقر أنه غصبه غيره . والقول الثاني : أنهما إذا كانا لا يدعيان أنه غصبهما إلا الدار أو الشيء الذي أقر به لهما فهو للأول منهما ، ولا شيء للمقر له الآخر بحال على الغاصب ; لأنهما يبرئانه من عين ما يقر به ، ومن قال هذا قال أرأيت إن أقر أنه باع هذا هذه الدار بألف ثم أقر أنه باعها الآخر بألف والدار تسوى آلافا أتجعلها بيعا للأول وتجعل للآخر عليه قيمتها يحاصه بألف منها ; لأنه أتلفها ، أو أرأيت لو أعتق عبدا ثم أقر أنه باعه من رجل قبل العتق أتجعل للمشتري قيمته وينفذ العتق ؟ أو رأيت لو باع عبدا ثم أقر أنه كان أعتقه قبل بيعه أينقض البيع أو يتم ؟ إنما يكون للعبد عليه أن يقول له قد بعتني حرا فأعطني ثمني أرأيت لو مات فقال ورثته قد بعت أبانا حرا فأعطنا ثمنه أو زيادة ما يلزمك بأنك استهلكته أكان عليه أن يعطيهم شيئا أو يكون إنما أقر بشيء في ملك غيره فلا يجوز إقراره في ملك غيره ، ولا يضمن بإقراره شيئا ؟ .
[ ص: 249 ] الإقرار بغصب الشيء من أحد هذين الرجلين .
( قال الشافعي ) : رحمه الله وإذا أقر الرجل أنه غصب هذا العبد أو هذا الشيء بعينه من أحد هذين وكلاهما يدعيه ويزعم أن صاحبه الذي ينازعه فيه لم يملك منه شيئا قط وسأل يمين المقر بالغصب قيل له إن أقررت لأحدهما وحلفت للآخر فهو للذي أقررت له به ولا تباعة للآخر عليك وإن لم تقر لم تجبر على أكثر من أن تحلف بالله ما تدري من أيهما غصبته ثم يخرج من يديك فيوقف لها ويجعلان خصما فيه فإن أقاما معا عليه بينة لم يكن لواحد منهما دون الآخر ; لأن إحدى البينتين تكذب الأخرى وكان بحاله قبل أن تقوم عليه بينة ويحلف كل واحد منهما لصاحبه أن هذا العبد له غصبه إياه فإن حلفا فهو موقوف أبدا حتى يصطلحا فيه فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان للحالف وإن أقام أحدهما عليه بينة دون الآخر جعلته للذي أقام عليه البينة ، ولا تباعة على الغاصب في شيء مما وصفت .
ولو قال رجل : غصبت هذا الرجل بعينه هذا العبد أو هذه الأمة فادعى الرجل أنه غصبه إياهما معا قيل للمقر احلف أنك لم تغصبه أيهما شئت وسلم له الآخر فإن قال أحلف ما غصبته واحدا منهما لم يكن ذلك له وقيل : أحدهما له بإقرارك فاحلف على أيهما شئت فإن أبى قيل للمدعي احلف على أيهما شئت فإن حلف فهو له ، وإن قال : أحلف عليهما معا قيل للمدعى عليه إن حلفت وإلا أحلفنا المدعي فسلمناهما له معا فإن فاتا في يده أو أحدهما فالحكم كهو لو كانا حيين إلا أنا إذا ألزمناه أحدهما ضمناه قيمته بالفوت فأن أبيا معا يحلفا وسأل المغصوب أن يوقفا له وقفا حتى يقر الغاصب بأحدهما ويحلف قال ، وإن أقر الغاصب بأحدهما للمغصوب فادعى المغصوب أنه حدث بالعبد عنده عيب فالقول قول الغاصب مع يمينه إن كان ذلك مما يشبه أن يكون عند المغصوب .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث
الحلقة (143)
صــــــــــ 250 الى صـــــــــــ256
العارية .
( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي قال : العارية كلها مضمونة ، الدواب والرقيق والدور والثياب لا فرق بين شيء منها ، فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له والأشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة فما كان منها مضمونا مثل الغصب وما أشبهه فسواء ما ظهر منها هلاكه وما خفي فهو مضمون على الغصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجنيا أو غير مضمونة مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه وما خفي فالقول فيها قول المستودع مع يمينه . وخالفنا بعض الناس في العارية فقال لا يضمن شيئا إلا ما تعدى فيه فسئل من أين قاله ؟ فزعم أن شريحا قال : وقال ما حجتكم في تضمينها ؟ قلنا { استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان فقال النبي صلى الله عليه وسلم عارية مضمونة مؤداة } .
قال أفرأيت إذا قلنا فإن شرط المستعير الضمان ضمن ، وإن لم يشرطه لم يضمن ؟ قلنا فأنت إذا تترك قولك . قال : وأين ؟ قلنا : أليس قولك أنها غير مضمونة إلا أن يشترط ؟ قال بلى . قلنا : فما تقول في الوديعة إذا اشترط المستودع أنه ضامن أو المضارب ؟ قال لا يكون ضامنا . قلنا : فما تقول في المستسلف إذا اشترط أنه غير ضامن ؟ قال لا شرط له ويكون ضامنا . قلنا : ويرد الأمانة إلى أصلها والمضمون إلى أصله ويبطل الشرط فيهما جميعا ؟ قال : نعم . قلنا : وكذلك ينبغي لك أن تقول في العارية وبذلك شرط النبي صلى الله عليه وسلم أنها مضمونة ، ولا يشترط أنها مضمونة إلا ما يلزم . قال : فلم شرط ؟ قلنا لجهالة صفوان ; لأنه كان مشركا لا يعرف الحكم ، ولو عرفه ما ضر الشرط إذا كان أصل العارية أنها مضمونة بلا شرط كما لا يضر شرط العهدة وخلاص عقدك في البيع .
ولو لم يشترط كان عليه العهدة والخلاص أو الرد قبل فهل قال هذا أحد ؟ قلنا في هذا كفاية وقد قال أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما إن العارية مضمونة وكان قول أبي هريرة في بعير استعير فتلف أنه مضمون . ولو اختلف رجلان في دابة فقال رب الدابة أكريتها إلى موضع كذا وكذا فركبتها بكذا وقال الراكب ركبتها عارية منك كان القول قول الراكب مع يمينه ، ولا كراء عليه .
( قال الشافعي ) بعد : القول قول رب الدابة ، وله كراء المثل ، ولو قال أعرتنيها وقال رب الدابة غصبتنيها كان القول قول المستعير .
( قال الشافعي ) : ولا يضمن المستودع إلا أن يخالف فإن خالف فلا يخرج من الضمان أبدا إلا بدفع الوديعة إلى ربها ، ولو ردها إلى المكان الذي كانت فيه ; لأن ابتداءه لها كان أمينا فخرج من حد الأمانة فلم يجدد له رب المال استئمانا لا يبرأ حتى يدفعها إليه .
[ ص: 251 ] الغصب .
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال : ( قال الشافعي ) إذا شق الرجل للرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا ، أو كسر له متاعا فرضه أو كسره كسرا صغيرا أو جنى له على مملوك فأعماه أو قطع يده أو شجه موضحة فذلك كله سواء ويقوم المتاع كله والحيوان كله غير الرقيق صحيحا ومكسورا وصحيحا ومجروحا قد برأ من جرحه ثم يعطى مالك المتاع والحيوان فضل ما بين قيمته صحيحا ومكسورا ومجروحا فيكون ما جرى عليه من ذلك ملكا له نفعه أو لم ينفعه ، ولا يملك أحد بالجناية شيئا جنى عليه ، ولا يزول ملك المالك إلا أن يشاء ، ولا يملك رجل شيئا إلا أن يشاء إلا في الميراث فأما من جنى عليه من العبيد فيقومون صحاحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطون أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر أرش الجناية عليه من ديته بالغا من ذلك ما بلغ ، وإن كانت قيما كما يأخذ الحر ديات وهو حي قال الله - عز وجل - { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } فلم أعلم أحدا من المسلمين خالف في أنه لا يكون على أحد أن يملك شيئا إلا أن يشاء أن يملكه إلا الميراث فإن الله - عز وجل - نقل ملك الأحياء إذا ماتوا إلى من ورثهم إياه شاءوا أو أبوا .
ألا ترى أن الرجل لو أوصي له أو وهب له أو تصدق عليه أو ملك شيئا لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء ، ولم أعلم أحدا من المسلمين اختلفوا في أن لا يخرج ملك المالك المسلم من يديه إلا بإخراجه إياه هو نفسه ببيع أو هبة أو غير ذلك أو عتق أو دين لزمه فيباع في ماله ، وكل هذا فعله لا فعل غيره قال فإذا كان الله - عز وجل - حرم أن تكون أموال الناس مملوكة إلا ببيع عن تراض وكان المسلمون يقولون فيما وصفت ما وصفت فمن أين غلط أحد في أن يجني على مملوكي فيملكه بالجناية وآخذ أنا قيمته وهو قبل الجناية لو أعطاني فيه أضعاف ثمنه لم يكن له أن يملكه إلا أن يشاء ، ولو وهبته له لم يكن عليه أن يملكه إلا أن يشاء فإذا لم يملكه بالذي يجوز ويحل من الهبة إلا بمشيئته ، ولم يملك علي بالذي يحل من البيع إلا أن أشاء فكيف ملكه حين عصى الله - عز وجل - فيه فأخرج من يدي ملكي بمعصية غيري لله وألزم غيري ما لا يرضى ملكه إن كان أصابه خطأ وكيف إن كانت الجناية توجب لي شيئا واخترت حبس عبدي سقط الواجب لي وكيف إن كانت الجناية تخالف حكم ما سوى ما وجب لي ولي حبس عبدي ، وأخذ أرشه ومتاعي ، وأخذ ما نقصه إذا كان ذلك غير مفسد له فإن جنى عليه ما يكون مفسدا له فزاد الجاني معصية لله وزيد علي في مالي ما يكون مفسدا له سقط حقي حين عظم وثبت حين صغر وملك حين عصى وكبرت معصيته ، ولا يملك حين عصى فصغرت معصيته ما ينبغي أن يستدل أحد على خلاف هذا القول لأصل حكم الله .
وما لا يختلف المسلمون فيه من أن المالكين على أصل ملكهم ما كانوا أحياء حتى يخرجوا هم الملك من أنفسهم بقول أو فعل بأكثر من أن يحكي فيعلم أنه خلاف ما وصفنا من حكم الله - عز وجل - وإجماع المسلمين والقياس والمعقول ثم شدة تناقضه هو في نفسه . قال : وإذا غصب الرجل جارية تسوى مائة فزادت في يديه بتعليم [ ص: 252 ] منه وسن واغتذاء من ماله حتى صارت تساوي ألفا ثم نقصت حتى صارت تساوي مائة ثم أدركها المغصوب في يده أخذها وتسعمائة معها كما يكون لو غصبه إياها وهي تساوي ألفا فأدركها وهي تساوي مائة أخذها وما نقصها وهي تسعمائة . قال : وكذلك إن باعها الغاصب أو وهبها أو قتلها أو استهلكها فلم تدرك بعينها كانت على الغاصب قيمتها في أكثر ما كانت قيمة منذ غصبت إلى أن هلكت وكذلك ذلك في البيع إلا أن رب الجارية يخير في البيع فإن أحب أخذ الثمن الذي باع به الغاصب كان أكثر من قيمتها أو أقل ; لأنه ثمن سلعته أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة قط .
( قال الشافعي ) بعد : ليس له إلا جاريته والبيع مردود ; لأنه باع ما ليس له وبيع الغاصب مردود فإن قال قائل : وكيف غصبها بثمن مائة وكان لها ضامنا وهي تساوي مائة ثم زادت حتى صارت تساوي ألفا ، وهي في ضمان الغاصب ثم ماتت أو نقصت ضمنته قيمتها في حال زيادتها ؟ قيل له إن شاء الله - تعالى - لأنه لم يكن غاصبا ، ولا ضامنا ، ولا عاصيا في حال دون حال لم يزل غاصبا ضامنا عاصيا من يوم غصب إلى أن فاتت أو ردها ناقصة فلم يكن الحكم عليه في الحال الأولى بأوجب منه في الحال الثانية ، ولا في الحال الثانية بأوجب منه في الحال الآخرة ; لأن عليه في كلها أن يكون رادا لها ، وهو في كلها ضامن عاص فلما كان للمغصوب أن يغصبها قيمة مائة فيدركها قيمة ألف فيأخذها ويدركها ، ولها عشرون ولدا فيأخذها وأولادها ، كان الحكم في زيادتها في بدنها وولدها كالحكم في بدنها حين غصبها يملك منها زائدة بنفسها وولدها ما ملك منها ناقصة حين غصبها ، ولا فرق بين أن يقتلها وولدها أو تموت هي وولدها في يديه من قبل أنه إذا كان كما وصفت يملك ولدها كما يملكها لا يختلف أحد علمته في أنه لو غصب رجل جارية فماتت في يديه موتا أو قتلها قتلا ضمنها في الحالين جميعا كذلك .
قال : وإذا غصب الرجل الرجل جارية فباعها فماتت في يد المشتري فالمغصوب بالخيار في أن يضمن الغاصب قيمة جاريته في أكثر ما كانت قيمة من يوم غصبها إلى أن ماتت فإن ضمنه فلا شيء للمغصوب على المشتري ، ولا شيء للغاصب على المشتري إلا قيمتها إلا الثمن الذي باعها به أو يضمن المغصوب المشتري فإن ضمنه فهو ضامن لقيمة جارية المغصوب لأكثر ما كانت قيمة من يوم قبضها إلى أن ماتت في يده ويرجع المشتري على الغاصب بفضل ما ضمنه المغصوب من قيمة الجارية على قيمتها يوم قبضها المشتري وبفضل ممن إن كان قبضه منه على قيمتها حتى لا يلزمه في حال إلا قيمتها . قال : وإن أراد المغصوب إجازة البيع لم يجز ; لأنها ملكت ملكا فاسدا ، ولا يجوز الملك الفاسد إلا بتجديد بيع وكذلك لو ماتت في يدي المشتري فأراد المغصوب أن يجيز البيع لم يجز وكان للمغصوب قيمتها ، ولو ولدت في يدي المشتري أولادا فمات بعضهم وعاش بعضهم خير المغصوب في أن يضمن الغاصب أو المشتري فإن ضمن الغاصب لم يكن له سبيل على المشتري وإن ضمن المشتري وقد ماتت الجارية رجع عليه بقيمة الجارية ومهرها وقيمة أولادها يوم سقطوا أحياء ، ولا يرجع عليه بقيمة من سقط منهم ميتا ، ورجع المشتري على البائع بجميع ما ضمنه المغصوب لا قيمة الجارية ومهرها فقط .
ولو وجدت الجارية حية أخذها المغصوب رقيقا له وصداقها ، ولا يأخذ ولدها ، قال فإن كان الغاصب هو أصابها فولدت منه أولادا فعاش بعضهم ومات بعض أخذ المغصوب الجارية وقيمة من مات من أولادها في أكثر ما كانوا قيمة والأحياء فاسترقهم ، وليس الغاصب في هذا كالمشتري . المشتري مغرور ، والغاصب لم يغره إلا نفسه وكان على الغاصب إن لم يدع الشبهة الحد ، ولا مهر عليه .
( قال الربيع ) : فإن كانت الجارية أطاعت الغاصب وهي تعلم أنها حرام عليه ، وأنه زان بها فلا مهر ; لأن هذا مهر بغي وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي وإن كانت تظن هي [ ص: 253 ] أن الوطء حلال فعليه مهر مثلها وإن كانت مغصوبة على نفسها فلصاحبها المهر وهو زان وولده رقيق .
فإن قال قائل : أرأيت المغصوب إذا اختار إجازة البيع لم لم يجز البيع ؟ قيل له - إن شاء الله تعالى - : البيع إنما يلزم برضا المالك والمشتري ألا ترى أن المشتري وإن كان رضي بالبيع فللمغصوب جاريته كما كانت لو لم يكن فيها بيع ، وأنه لا حكم للبيع في هذا الموضع إلا حكم الشبهة ، وأن الشبهة لم تغير ملك المغصوب فإذا كان للمغصوب أخذ الجارية ، ولم ينفع البيع المشتري فهي على الملك الأول للمغصوب وإذا كان المشتري لا يكون له حبسها ، ولو علم أنه باعها غاصب غير موكل استرق ولده فلا ينبغي أن يذهب على أحد أنه لا يجوز على المشتري إجازة البيع إلا بأن يحدث المشتري رضا بالبيع فيكون بيعا مستأنفا فإن شبه على أحد بأن يقول إن رب الجارية لو كان أذن ببيعها لزم البيع فإذا أذن بعد البيع فلم لا يلزم ؟ قيل له - إن شاء الله تعالى - : إذنه قبل البيع إذا بيعت بقطع خياره ، ولا يكون له رد الجارية وتكون الجارية لمن اشتراها ، ولو أولدها لم يكن له قيمة ولدها ; لأنها جارية للمشتري وحلال للمشتري الإصابة والبيع والهبة والعتق فإذا بيعت بغير أمره فله رد البيع ، ولا يكون له رد البيع إلا والسلعة لم تملك وحرام على البائع البيع وحرام على المشتري الإصابة لو علم ويسترق ولده فإذا باعها أو أعتقها لم يجز بيعه ، ولا عتقه فالحكم في الإذن قبل البيع أن المأذون له في البيع كالبائع المالك ، وأن الإذن بعد البيع إنما هو تجديد بيع ، ولا يلزم البيع المجدد إلا برضا البائع والمشتري وهكذا كل من باع بغير وكالة أو زوج بغير وكالة لم يجز أبدا إلا بتجديد بيع أو نكاح . فإن قال قائل لم ألزمت المشتري المهر ووطؤه في الظاهر كان عنده حلالا وكيف رددته بالمهر وهو الواطئ ؟ قيل له - إن شاء الله تعالى - : أما إلزامنا إياه المهر فلما كان من حق الجماع إذا كان بشبهة يدرأ فيه الحد في الأمة والحرة أن يكون فيه مهر كان هذا جماعا يدرأ به الحد ويلحق به الولد للشبهة ، فإن قال : فإنما جامع ما يملك عند نفسه قلنا فتلك الشبهة التي درأنا بها الحد ، ولم نحكم له فيها بالملك ; لأنا نردها رقيقا ونجعل عليه قيمة الولد ، والولد إذا كانوا بالجماع الذي أراه له مباحا فألزمناه قيمتهم كان الجماع بمنزلة الولد أو أكثر ; لأن الجماع لازم وإن لم يكن ولد فإذا ضمناه الولد ; لأنهم بسبب الجماع كان الجماع أولى أن نضمنه إياه وتضمين الجماع هو تضمين الصداق .
فإن قال قائل : وكيف ألزمته قيمة الأولاد الذين لم يدركهم السيد إلا موتى ؟ قيل له لما كان السيد يملك الجارية ، وكان ما ولدت مملوكا يملكها إذا وطئت بغير شبهة فكان على الغاصب ردهم حين ولدوا فلم يردهم حتى ماتوا ضمن قيمتهم كما يضمن قيمة أمهم لو ماتت ، ولما كان المشتري وطئها بشبهة كان سلطان المغصوب عليهم فيما يقوم مقامهم حين ولدوا فقد ثبتت له قيمتهم فسواء ماتوا أو عاشوا ; لأنهم لو عاشوا لم يسترقوا . قال : وإذا اغتصب الرجل الجارية ثم وطئها بعد الغصب وهو من غير أهل الجهالة أخذت منه الجارية والعقر وأقيم عليه حد الزنا فإن كان من أهل الجهالة ، وقال : كنت أراني لها ضامنا ، وأرى هذا محل عذر لم يحد وأخذت منه الجارية والعقر .
قال : وإذا غصب الرجل الجارية فباعها فسواء باعها في الموسم أو على منبر أو تحت سرداب حق المغصوب فيها في هذه الحالات سواء فإن جنى عليها أجنبي في يدي المشتري أو الغاصب جناية تأتي على نفسها أو بعضها فأخذ الذي هي في يديه أرش الجناية ثم استحقها المغصوب فهو بالخيار في أخذ أرش الجناية من يدي من أخذها إذا كانت نفسا أو تضمينه قيمتها على ما وصفنا ، وإن كانت جرحا فهو بالخيار في أخذ أرش الجرح من الجاني والجارية من الذي هي في يديه أو تضمين الذي هي في يديه ما نقصها الجرح بالغا ما بلغ وكذلك إن كان المشتري قتلها أو جرحها فإن كان الغاصب قتلها فلمالكها عليه الأكثر من قيمتها يوم قتلها أو قيمتها في أكثر ما كانت قيمة ; لأنه لم يزل لها ضامنا .
قال [ ص: 254 ] وإن كان المغصوب ثوبا فباعه الغاصب من رجل فلبسه ثم استحقه المغصوب أخذه ، وكان له ما بين قيمته يوم اغتصبه ، وبين قيمته التي نقصه إياها اللبس كان قيمته يوم غصبه عشرة فنقصه اللبس خمسة فيأخذ ثوبه وخمسة وهو بالخيار في تضمين اللابس المشتري أو الغاصب فإن ضمن الغاصب فلا سبيل له على اللابس .
وهكذا إن غصب دابة فركبت حتى أنضيت كانت له دابته وما نقصت عن حالها حين غصبها ، ولست أنظر في القيمة إلى تغير الأسواق إنما أنظر إلى تغير بدن المغصوب .
فلو أن رجلا غصب رجلا عبدا صحيحا قيمته مائة دينار فمرض فاستحقه وقيمته مريضا خمسون أخذ عبده وخمسين ، ولو كان الرقيق يوم أخذه أغلى منهم يوم غصبه ، وكذلك لو غصبه صبيا مولودا قيمته دينار يوم غصبه فشب في يد الغاصب ، وشل أو اعور وغلا الرقيق أو لم يغل فكانت قيمته يوم استحقه عشرين دينارا أخذه وقومناه صحيحا ، وأشل أو أعور ثم رددناه على الغاصب بفضل ما بين قيمته صحيحا ، وأشل أو أعور ; لأنه كان عليه أن يدفعه إليه صحيحا فما حدث به من عيب ينقصه في بدنه كان ضامنا له .
وهكذا لو غصبه ثوبا جديدا قيمته يوم غصبه عشرة فلبسه حتى أخلق وغلت الثياب فصار يساوي عشرين أخذ الثوب ويقوم الثوب جديدا وخلقا ثم أعطي فضل ما بين القيمتين . قال : ولو غصبه جديدا قيمته عشرة ثم رده جديدا قيمته خمسة لرخص الثياب لم يضمن شيئا من قبل أنه رده كما أخذه فإن شبه على أحد بأن يقول قد ضمن قيمته يوم اغتصبه فالقيمة لا تكون مضمونة أبدا إلا لفائت والثوب إذا كان موجودا بحاله غير فائت وإنما تصير عليه القيمة بالفوت ، ولو كان حين غصب كان ضامنا لقيمته لم يكن للمغصوب أخذ ثوبه وإن زادت قيمته ، ولا عليه أخذ ثوبه إن كانت قيمته سواء أو كان أقل قيمة .
قال : وإذا غصب الجارية فأصابها عيب من السماء أو بجناية أحد فسواء ، وسواء أصابها ذلك عند الغاصب أو المشتري يسلك بما أصابها من العيوب التي من السماء ما سلك بها في العيوب التي يجني عليها الآدميون . قال : وإذا غصب الرجل جارية فباعها من آخر فحدث بها عند المشتري عيب ثم جاء المغصوب فاستحقها أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها العيب من الغاصب فإن أخذه منه لم يرجع على المشتري بشيء ولرب الجارية أن يأخذ ما نقصه العيب الحادث في يد المشتري من المشتري فإن أخذه من المشتري رجع به المشتري على الغاصب وبثمنها الذي أخذ منه ; لأنه لم يسلم إليه ما اشترى وسواء كان العيب من السماء أو بجناية آدمي .
قال : وإذا غصب الرجل من الرجل دابة فاستغلها أو لم يستغلها ولمثلها غلة أو دارا فسكنها أو أكراها أو لم يسكنها ، ولم يكرها ولمثلها كراء أو شيئا ما كان مما له غلة استغله أو لم يستغله انتفع به أو لم ينتفع به فعليه كراء مثله من حين أخذه حتى يرده إلا أنه إن كان أكراه بأكثر من كراء مثله فالمغصوب بالخيار في أن يأخذ ذلك الكراء ; لأنه كراء ماله أو يأخذ كراء مثله ، ولا يكون لأحد غلة بضمان إلا للمالك ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قضى بها للمالك الذي كان أخذ ما أحل الله له والذي كان إن مات المغل مات من ماله . وإن شاء أن يحبس المغل حبسه إلا أنه جعل له الخيار إن شاء أن يرده بالعيب رده ، فأما الغاصب فهو ضد المشتري . الغاصب أخذ ما حرم الله - تعالى - عليه ، ولم يكن للغاصب حبس ما في يديه ، ولو تلف المغل كان الغاصب له ضامنا حتى يؤدي قيمته إلى الذي غصبه إياه ، ولا يطرح الضمان له لو تلف قيمة الغلة التي كانت قبل أن يتلف .
ولا يجوز إلا هذا القول أو قول آخر وهو خطأ عندنا - والله تعالى أعلم - وهو أن بعض الناس زعم أنه إذا سكن أو استغل أو حبس فالغلة والسكن له بالضمان ، ولا شيء عليه ، وإنما ذهب إلى القياس على الحديث الذي ذكرت فأما أن يزعم زاعم أنه إن أخذ غلة أو سكن رد الغلة وقيمة السكنى ، وإن لم يأخذها فلا شيء عليه فهذا [ ص: 255 ] خارج من كل قول لا هو جعل ذلك له بالضمان ، ولا هو جعل ذلك للمالك إذا كان المالك مغصوبا .
( قال الربيع ) : معنى قول الشافعي ليس للمغصوب أن يأخذ إلا كراء مثله ; لأن كراءه باطل وإنما على الذي سكن إذا استحق الدار ربها كراء مثلها ، وليس له خيار في أن يأخذ الكراء الذي أكراها به الغاصب ; لأن الكراء مفسوخ .
( قال الشافعي ) : ولو اغتصبه أرضا فغرسها نخلا أو أصولا أو بنى فيها بناء أو شق فيها أنهارا كان عليه كراء مثل الأرض بالحال الذي اغتصبه إياها وكان على الباني والغارس أن يقلع بناءه وغرسه فإذا قلعه ضمن ما نقص القلع الأرض حتى يرد إليه الأرض بحالها حين أخذها ويضمن القيمة بما نقصها . قال : وكذلك ذلك في النهر وفي كل شيء أحدثه فيها لا يكون له أن يثبت فيها عرقا ظالما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { ليس لعرق ظالم حق } ، ولا يكون لرب الأرض أن يملك مال الغاصب ، ولم يملكه إياه كان ما يقلع الغاصب منه ينفعه أو لا ينفعه ; لأن له منع قليل ماله كما له منع كثيره ، وكذلك لو كان حفر فيها بئرا كان له دفنها وإن لم ينفعه الدفن وكذلك لو غصبه دارا فزوقها كان له قلع التزويق وإن لم يكن ينفعه قلعه ، وكذلك لو كان نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه إياها بالحال التي غصبه إياها عليها لا يكون عليه أن يترك من ماله شيئا ينتفع به المغصوب كما لم يكن على المغصوب أن يبطل من ماله شيئا في يد الغاصب .
فإن تأول رجل قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا ضرر ولا ضرار } فهذا كلام مجمل لا يحتمل لرجل شيئا إلا احتمل عليه خلافه ، ووجهه الذي يصح به : أن لا ضرر في أن لا يحمل على رجل في ماله ما ليس بواجب عليه ، ولا ضرار في أن يمنع رجل من ماله ضررا ولكل ما له وعليه . فإن قال قائل : بل أحدث للناس في أموالهم حكما على النظر لهم ، وأمنعهم في أموالهم على النظر لهم قيل له - إن شاء الله تعالى - أرأيت رجلا له بيت يكون ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع في دار رجل له مقدرة أعطاه به ما شاء مائة ألف دينار أو أكثر وقيمة البيت درهم أو درهمان ، وأعطاه مكانه دارا مع المال أو رقيقا هل يجبر على النظر له أن يأخذ هذا الكثير بهذا القليل ؟ أو رأيت رجلا له قطعة أرض بين أراضي رجل لا تساوي القطعة درهما فسأله الرجل أن يبيعه منها ممرا بما شاء من الدنيا هل يجبر على أن يبيع ما لا ينفعه بما فيه غناه ؟ أو رأيت رجلا صناعته الخياطة فحلف رجل أن لا يستخيط غيره ومنعه هو أن يخيط له فأعطاه على ما الإجارة فيه درهم مائة دينار أو أكثر أيجبر على أن يخيط له ؟ .
أو رأيت رجلا عنده أمة عمياء لا تنفعه أعطاه بها ابن لها بيت مال هل يجبر على أن يبيعها ؟ فإن قال لا يجبر واحد من هؤلاء على النظر له . قلنا : وكل هؤلاء يقول إنما فعلت هذا إضرارا بنفسي وإضرارا للطالب إلي حتى أكون جمعت الأمرين فإن قال ، وإن أضر بنفسه وضار غيره فإنما فعل في ماله ما له أن يفعل . قيل : وكذلك حافر البئر في أرض الرجل والمزوق جدار الرجل وناقل التراب إلى أرض الرجل إنما فعل ما له أن يفعل ومنع ما له أن يمنع من ماله .
فإن كان في رد التراب ودفن البئر ما يشغل الأرض عن ربها حتى يمنعه منفعة في ذلك الوقت ، قيل للذي يريد رد التراب أنت بالخيار في أن ترده ويكون عليك كراء الأرض بقدر المدة التي حبستها عن المنفعة أو تدعه ، وقيل لرب الأرض في البئر لك الخيار في أن تأخذ حافر البئر بدفنها على كل حال ، ولا شيء لك عليه ; لأنه ليس في موضعها منفعة حتى تكون مدفونة إلا أن يكون لموضعها لو كانت مستوية منفعة فيما بين أن حكمنا لك بها إلى أن يدفنها فيكون لك أجر تلك المنفعة ; لأنه شغل عنك شيئا من أرضك .
( قال الشافعي ) : وإن كان الغاصب نقل من أرض المغصوب ترابا كان منفعة للأرض لا ضرر عليها أخذ برده فإن كان لا يقدر على رد مثله بحال أبدا قومت الأرض وعليها ذلك التراب ، وقومت بحالها حين أخذها [ ص: 256 ] ثم ضمن الغاصب ما بين القيمتين ، وإن كان يقدر على رده بحال وإن عظمت فيه المؤنة كلفه .
قال : وإذا قطع الرجل يد دابة رجل أو رجلها أو جرحها جرحا ما كان صغيرا أو كبيرا ، قومت الدابة مجروحة أو مقطوعة ، ثم ضمن ما بين القيمتين ، ولا يملك أحد مال أحد بجناية أبدا . قال : وإذا أقام شاهدا أن رجلا غصبه هذه الجارية يوم الخميس وشاهدا أنه غصبه إياها يوم الجمعة أو شاهدا أنه غصبه إياها وشاهدا أنه أقر له بغصبه إياها أو شاهدا أنه أقر له يوم الخميس بغصبها وآخر أنه أقر له يوم الجمعة بغصبها فكل هذا مختلف ; لأن غصب يوم الخميس غير غصب يوم الجمعة وفعل الغصب غير الإقرار بالغصب والإقرار يوم الخميس غير الإقرار يوم الجمعة ، فيقال له في هذا كله احلف مع أي شاهديك شئت واستحق الجارية فإن حلف استحقها .
قال : ولو أن أرضا كانت بيد رجل فادعى آخر أنها أرضه فأقام شاهدا فشهد له أنها أرضه اشتراها من مالك أو ورثها من مالك أو تصدق بها عليه مالك أو كانت مواتا فأحياها فوصف ذلك بوجه من وجوه الملك الذي يصح ، وأقام شاهدا غيره أنها حيزة لم تكن الشهادة بأنها حيزة شهادة ، ولو شهد عليها عدد عدول إذا لم يزيدوا على هذا شيئا ; لأن حيزه يحتمل ما يجوز بالملك وما يجوز بالعارية والكراء ويحتمل ما يلي أرضه وما يلي مسكنه ويحتمل بعطية أهلها فلما لم يكن واحد من هذه المعاني أولى بالظاهر من الآخر لم تكن هذه شهادة أبدا حتى يزيدوا فيها ما يبين أنها ملك له ، وله أن يحلف مع الشاهد الذي شهد له بالملك ويستحق . قال : ولو شهد له الشاهد الأول بما وصفنا من الملك وشهد له الشاهد الثاني بأنه كان يحوزها وقف فإن قال بحوزها بملك فقد اجتمعا على الشهادة ، وإن قال يحوزها ، ولم يزد على ذلك لم يجتمعا على الشهادة ويحلف مع شاهد الملك ويستحق .
قال : وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من آخر وقبض الثمن فهلك في يديه ثم جاء رب الجارية والجارية قائمة أخذ الجارية وشيئا إن كان نقصها ورجع المشتري على البائع بالثمن الذي قبض منه موسرا كان أو معسرا .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثالث
الحلقة (144)
صــــــــــ 257 الى صـــــــــــ264
قال : وإذا غصب الرجل الرجل دابة أو أكراه إياها ، فتعدى فضاعت في تعديه فضمنه رب الدابة المغصوب أو المكرى قيمة دابته ثم ظفر بالدابة بعد فإن بعض الناس وهو أبو حنيفة قال لا سبيل له على الدابة ، ولو كانت جارية لم يكن له عليها سبيل من قبل أنه أخذ البدل منها والبدل يقوم مقام البيع .
( قال الشافعي ) : وإذا ظهر على الدابة رددت عليه الدابة ورد ما قبض من ثمنها إن كانت دابته بحالها يوم غصبها أو تعدى بها أو خيرها حالا فإن كانت ناقصة قبضها وما نقصت ورد الفضل عن نقصانها من الثمن ، ولا يشبه هذا البيوع إنما البيوع بما تراضيا عليه فسلم له رب السلعة سلعته ، وأخرجها من يديه إليه راضيا بإخراجها ، والمشتري غير عاص في أخذها والمتعدي عاص في التعدي والغصب ، ورب الدابة غير بائع له دابته .
ألا ترى أن الدابة لو كانت قائمة بعينها لم يكن له أخذ قيمتها فلما كان إنما أخذ القيمة على أن دابته فائتة ثم وجد الدابة كان الفوت قد بطل وكانت الدابة موجودة ، ولو كان هذا بيعا ما جاز أن تباع دابته غائبة ، ولو جاز فهلكت الدابة كان للغاصب والمتعدي أن يرجع بالثمن ، ولو وجدت معيبة كان له أن يردها بالعيب فإن قال رجل : فهي لا تشبه البيوع ، ولكنها تشبه الجنايات . قيل له : أفرأيت لو أن رجلا جنى على عين رجل فابيضت فحكم له بأرشها ثم ذهب البياض فقائل هذا يزعم أنه يرده بالأرش ويرده ، ولو حكم له في سن قلعت من صبي بخمس من الإبل ثم نبتت رجع بالأرش الذي حكم به عليه فإن شبهها بالجنايات فهذا يلزمه فيه اختلاف القول وإن زعم أنها لا تشبه الجنايات ; لأن الجنايات ما فات فلم يعد فهذه قد عادت فصارت غير فائتة .
ولو كان هذا بغير قضاء قاض فاغتصب رجل لرجل دابة أو أكراه إياها فتعدى عليها فضاعت ثم اصطلحا من ثمنها على [ ص: 257 ] شيء يكون أكثر من قيمة الدابة أو مثله أو أقل فالقول فيه كالقول في حكم القاضي ; لأنه إنما صالحه على ما لزم الغاصب مما استهلك فلما كان ماله غير مستهلك كان الصلح وقع على غير ما علما أو علم رب الدابة ، ولو كان الغاصب قال له أنا اشتريها منك وهي في يدي قد عرفتها فباعه إياها بشيء قد عرفه قل أو كثر فالبيع جائز فإن جاء الغاصب بالدابة معيبة عيبا يحدث مثله فزعم أنه لم يكن رآه ، وأن البائع دلس له به كان القول قول البائع مع يمينه إلا أن يقيم الغاصب البينة على أنه كان في يد المغصوب البائع ، أو يكون العيب مما لا يحدث مثله فيكون له رد الدابة ، ويكون للمغصوب ما نقصها على الغاصب فإن قال المتعدي بالغصب أو في الكراء : إن الدابة ضاعت فأنا أدفع إليك قيمتها فقيل ذلك منه بغير قضاء قاض .
فلا يجوز في هذا - والله أعلم - إلا واحد من قولين أحدهما : أن يقال هذا بيع مستأنف فلا تجيزه من قبل أنه لا يجوز بيع الموتى أو يقال هذا بدل إن كانت ضاعت أو تلفت فيجوز ; لأن ذلك يلزمه في أصل الحكم فمن ذهب هذا المذهب لزمه إذا علم بأن الدابة لم تضع أن يكون لرب الدابة أخذها وعليه رد ما أخذ من قبل أنه إنما أخذ ما كان يلزم له لو كانت ضائعة فلما لم تكن ضائعة كان على أصل ملكه أو يقول قائل قولا ثالثا فيقول : لما رضي بقوله وترك استحلافه كما كان الحاكم مستحلفه لو ضاعت فلا يكون له الرجوع على حال فأما أن يقول قائل إن كانت عند الغاصب وإنما كذب ليأخذها فللمشتري أخذها وإن لم تكن عند الغاصب ثم وجدها فليس للمشتري أخذها فهذا لا يجوز في وجه من الوجوه ; لأن الذي انعقد إن كان جائزا بكل حال جاز ، ولم ينتقض وإن كان جائزا ما لم تكن موجودة منتقضا إذا كانت موجودة فهي موجودة في الحالين فما بالها ترد في إحداهما ، ولا ترد في الأخرى ؟ . وإن كان فاسدا فهو مردود بكل حال وهذا القول لا جائز ، ولا فاسد ، ولا جائز على معنى فاسد في آخر .
( قال الشافعي ) : وإذا باع الرجل من الرجل الجارية أو العبد وقبضه منه ثم أقر البائع لرجل آخر أنه عبده غصبه منه أو أمته غصبها منه قلنا للمقر له بالغصب إن أقمت بينة على الغصب دفعنا إليك أيهما أقمت عليه البينة ونقضنا البيع ، وإن لم تقم بينة فإقرار البائع لك إثبات حق لك على نفسه ، وإبطال حق لغيرك قد ثبت عليه قبل إقراره لك ، ولا يصدق في إبطال حق غيره ويصدق على نفسه فيضمن لك قيمة أيهما أقر بأنه غصبه إلا أن يجد المشتري العيب أو يكون له خيار فيرده بخياره في العيب وخياره في الشرط فإذا رده كان على المقر أن يسلمه إليك ، وإن صدقه المشتري أنه غاصب رده ورجع عليه بالثمن الذي أخذه منه إن شاء .
( قال الشافعي ) : وإذا اغتصب الرجل من الرجل عبدا فباعه من رجل ثم ملك المغتصب البائع ذلك العبد بميراث أو هبة أو بشراء صحيح أو وجه ملك ما كان ثم أراد نقض البيع الأول ; لأنه باع ما لا يملك فإن صدقه المشتري أو قامت بينة فالبيع منتقض أراده أو لم يرده ; لأنه باع ما لا يجوز له بيعه وإن لم تقم بينة وقال المشتري : إنما ادعيت ما يفسد البيع فالقول قول المشتري مع يمينه . فإن قال البائع : بعتك ما أملك ثم قامت بينة أنه اغتصبه ثم ملكه ، ولم يصدقه المشتري ثبت البيع من قبل أن البينة إنما تشهد في هذا الوقت للبائع لا عليه فتشهد له بما يرجع به العبد إلى ملكه فيكون مشهودا له لا عليه .
وقد أكذبهم فلا ينتقض البيع في الحكم لإكذابه بينته ، وينبغي في الورع أن يجددا بيعا أو يرده المشتري . قال : وإن كانت البينة شهدت فكان ذلك يخرجه من أيديهما جميعا قبلت البينة ; لأنها عليه . قال : وإن باعه وقبضه المشتري ثم أعتقه فقامت بينة بغصب وكان المغصوب أو ورثته قياما رد العتق ; لأن البيع كان فاسدا ويرد إلى المغصوب ، ولو لم تكن بينة وصدق الغاصب والمشتري المدعي أنه غصبه لم يقبل قول واحد منهما في العتق ومضى العتق ورددنا المغصوب على الغاصب بقيمة العبد في أكثر ما كان قيمة [ ص: 258 ] وإن أحب رددناه على المشتري المعتق فإن رددناه على المشتري المعتق رجع على الغاصب البائع بما أخذ منه ; لأنه قد أقر أنه باع ما لا يملك والولاء موقوف من قبل أن المعتق يقر أنه أعتق ما لا يملك .
قال : وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فباعها من رجل والمشتري يعلم أنها مغصوبة ثم جاء المغصوب فأراد البيع لم يكن البيع جائزا من قبل أن أصل البيع كان محرما فلا يكون لأحد إجازة المحرم ، ويكون له تجديد بيع حلال هو غير الحرام فإن قال قائل أرأيت لو أن امرأ باع جارية له وشرط نفسه فيها الخيار أما كان يجوز البيع ويكون له أن يختار إمضاءه فيلزم المشتري بأن له الخيار دون البائع ؟ قيل بلى فإن قال فما فرق بينهما ؟ . قيل : هذه باعها مالكها بيعا حلالا وكان له الخيار على شرطه وكان المشتري غير عاص لله ، ولا البائع والغاصب والمشتري وهو يعلم أنها مغصوبة عاصيان لله ، وهذا بائع ما ليس له وهذا مشتر ما لا يحل له فلا يقاس الحرام على الحلال ; لأنه ضده ألا ترى أن الرجل المشتري من رب الجارية جاريته لو شرط المشتري الخيار لنفسه كان له الخيار كما يكون للبائع إذا شرطه ؟ أفيكون لمشتري الجارية المغصوبة الخيار في أخذها أو ردها ؟ فإن قال لا قيل : ولو شرط الغاصب الخيار لنفسه ؟ فإن قال لا من قبل أن الذي شرط له الخيار لا يملك الجارية قيل : ولكن الذي يملكها لو شرط له الخيار جاز فإن قال : نعم قيل له أفلا ترى أنهما مختلفان في كل شيء فكيف يقاس أحد المختلفين في كل شيء على الآخر .
قال : وإذا غصب الرجل من الرجل الجارية فأقر الغاصب بأنه غصبه جارية وقال : ثمنها عشرة . وقال المغصوب : ثمنها مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه ، ولا تقوم على الصفة من قبل أن التقويم على الصفة لا يضبط قد تكون الجاريتان بصفة ، ولون وسن وبينهما كثير في القيمة بشيء يكون في الروح والعقل واللسان فلا يضبط إلا بالمعاينة فيقال لرب الجارية : إن رضيت وإلا فإن أقام بينة أخذ له ببينته وإن لم يقمها أحلف له الغاصب وكان القول قوله ، ولو أقام عليه شاهدين بأنه غصبه جارية فهلكت الجارية في يديه ، ولم يثبت الشاهدان على قيمتها كان القول في قيمتها قول الغاصب مع يمينه ، ولو وصفها الشاهدان بصفة أنها كانت صحيحة علم أن قيمتها أكثر مما قال الغاصب كان القول قول الغاصب ; لأنه قد يمكن أن يكون ثم داء أو غائلة تخفى يصير بها ثمنها إلى ما قال الغاصب فإذا أمكن ما قال الغاصب بحال كان القول قوله مع يمينه ، وهكذا قول من يغرم شيئا من الدنيا بأي وجه ما دخل عليه الغرم إذا أمكن أن يكون القول قوله كان القول قوله ، ولا يؤخذ منه خلاف ما أقر به إلا ببينة .
ألا ترى أنا نجعل في الأكثر من الدعوى عليه القول قوله ؟ فلو قال رجل غصبني أو لي عليه دين أو عنده وديعة كان القول قوله مع يمينه ، ولم نلزمه شيئا لم يقر به فإذا أعطيناه هذا في الأكثر كان الأقل أولى أن نعطيه إياه فيه ، ولا تجوز القيمة على ما لا يرى ، وذلك أنا ندرك ما وصفت من علم أن الجاريتين تكونان في صفة وإحداهما أكثر ثمنا من الأخرى بشيء غير بعيد فلا تكون القيم إلا على ما عوين . أولا ترى أن فيما عوين لا نولي القيمة فيه إلا أهل العلم به في يومه الذي يقومونه فيه ؟ ، ولا تجوز لهم القيمة حتى يكشفوا عن الغائلة والأدواء ثم يقيسوه بغيره ثم يكون أكثر ما عندهم في ذلك تآخي قدر القيمة على قدر ما يرى من سعر يومه فإذا كان هذا هكذا لم يجز التقويم على المغيب .
فإن قال : صفته كذا ، ولا أعرف قيمته قلنا لرب الثوب ادع في قيمته ما شئت فإذا فعل قلنا للغاصب قد ادعى ما تسمع فإن عرفته فأده إليه بلا يمين وإن لم تعرفه فأقر بما شئت نحلفك عليه وتدفعه إليه . فإن قال لا أحلف قلنا فرد اليمين عليه فيحلف عليك ويستحق ما ادعى إن ثبت على الامتناع من اليمين فإن حلف بعد أن بين هذا له فقد جاء بما عليه ، وإن امتنع أحلفنا المدعي ثم ألزمناه جميع ما حلف عليه فإن أراد اليمين بعد يمين المدعي لم نعطه إياها فإن جاء ببينة على [ ص: 259 ] أقل مما حلف عليه المدعي أعطيناه بالبينة وكانت البينة أولى من اليمين الفاجرة .
قال : وإذا غصب رجل من رجل طعاما حبا أو تمرا أو أدما فاستهلكه فعليه مثله إن كان يوجد له مثل بحال من الحال وإن لم يوجد له مثل فعليه قيمته أكثر ما كان قيمة قط
قال : وإذا غصب رجل لرجل أصلا فأثمر أو غنما فتوالدت ، وأصاب من صوفها ، وألبانها كان لرب الأصل والغنم وكل ماشية أن يأخذ ماشيته ، وأصله من الغاصب إن كان بحاله حين غصبه أو خيرا ، وإن نقص أخذه والنقصان ورجع عليه بجميع ما أتلف من الثمرة فأخذ منه مثلها إن كان لها مثل أو القيمة إن لم يكن لها مثل ، وقيمة ما أتلف من نتاج الماشية ومثل ما أخذ من لبنها أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ومثل ما أخذ من صوفها وشعرها إن كان له مثل وإلا قيمته إن لم يكن له مثل . قال : وإن كان أعلفها أو هنأها وهي جرب أو استأجر عليها من حفظها أو سقى الأصل فلا شيء له في ذلك .
( قال الشافعي ) : وأصل ما يحدث الغاصب فيما اغتصب شيئان . أحدهما : عين موجودة تميز وعين موجودة لا تميز . والثاني : أثر لا عين موجودة . فأما الأثر : الذي ليس بعين موجودة فمثل ما وصفنا من الماشية يغصبها صغارا والرقيق يغصبهم صغارا بهم مرض فيداويهم وتعظم نفقته عليهم حتى يأتي صاحبهم وقد أنفق عليهم أضعاف أثمانهم ، وإنما ماله في أثر عليهم لا عين .
ألا ترى أن النفقة في الدواب والأعبد إنما هو شيء صلح به الجسد لا شيء قائم بعينه مع الجسد ، وإنما هو أثر ؟ وكذلك الثوب يغسله ويكمده وكذلك الطين يغصبه فيبله بالماء ثم يضربه لبنا فإنما هذا كله أثر ليس بعين من ماله وجد فلا شيء له فيه ; لأنه ليس بعين تتميز فيعطاه ، ولا عين تزيد في قيمته ، ولا هو موجود كالصبغ في الثوب فيكون شريكا له والعين الموجودة التي لا تتميز أن يغصب الرجل الثوب الذي قيمته عشرة دراهم فيصبغه بزعفران فيزيد في قيمته خمسة فيقال للغاصب : إن شئت أن تستخرج الزعفران على أنك ضامن لما نقص من الثوب وإن شئت فأنت شريك في الثوب لك ثلثه ولصاحب الثوب ثلثاه ، ولا يكون له غير ذلك وهكذا كل صبغ كان قائما فزاد فيه ، وإن صبغه بصبغ يزيد ثم استحق الصبغ فإنما يقوم الثوب فإن كان الصبغ زائدا في قيمته شيئا قل أو كثر فهكذا وإن كان غير زائد في قيمته قيل له ليس لك ههنا مال زاد في مال الرجل فتكون شريكا له به فإن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص الثوب وإن شئت فدعه .
قال : وإن كان الصبغ مما ينقص الثوب قيل له أنت أضررت بصاحب الثوب ، وأدخلت عليه النقص فإن شئت فاستخرج صبغك وتضمن ما نقص الثوب وإن شئت فلا شيء لك في صبغك وتضمن ما نقص الثوب بكل حال قال ومن الشيء الذي يخلطه الغاصب بما اغتصب فلا يتميز منه أن يغصبه مكيال زيت فيصبه في زيت مثله أو خير منه فيقال للغاصب إن شئت أعطيته مكيال زيت مثل زيته وإن شئت أخذ من هذا الزيت مكيالا ثم كان غير مزداد إذا كان زيتك مثل زيته ، وكنت تاركا للفضل إذا كان زيتك أكثر من زيته ، ولا خيار للمغصوب ; لأنه غير منتقص فإن كان صب ذلك المكيال في زيت شر من زيته ضمن الغاصب له مثل زيته ; لأنه قد انتقص زيته بتصييره فيما هو شر منه ، وإن كان صب زيته في بان أو شيرق أو دهن طيب أو سمن أو عسل ضمن في هذا كله ; لأنه لا يتخلص منه الزيت ، ولا يكون له أن يدفع إليه مكيالا مثله ، وإن كان المكيال منه خيرا من الزيت من قبل أنه غير الزيت ، ولو كان صبه في ماء إن خلصه منه حتى يكون زيتا لا ماء فيه وتكون مخالطة الماء غير ناقصة له كان لازما للمغصوب أن يقبله وإن كانت مخالطة الماء ناقصة له في العاجل والمتعقب كان عليه أن يعطيه مكيالا مثله مكانه .
( قال الربيع ) : ويعطيه هذا الزيت بعينه وإن نقصه الماء ويرجع عليه بنقصه وهو معنى قول الشافعي .
( قال الشافعي ) : ولو اغتصب زيتا فأغلاه على النار فنقص [ ص: 260 ] كان عليه أن يسلمه إليه ، وما نقص مكيلته ثم إن كانت النار تنقصه شيئا في القيمة كان عليه أن يغرم له نقصانه ، وإن لم تنقصه شيئا في القيمة فلا شيء عليه .
ولو اغتصبه حنطة جديدة خلطها برديئة كان كما وصفت في الزيت يغرم له مثلها بمثل كيلها إلا أن يكون يقدر على أن يميزها حتى تكون معروفة وإن خلطها بمثلها أو أجود كان كما وصفت في الزيت . قال : ولو خلطها بشعير أو ذرة أو حب غير الحنطة كان عليه أن يؤخذ بتمييزها حتى يسلمها إليه بعينها بمثل كيلها ، وإن نقص كيلها شيئا ضمنه . قال : ولو اغتصبه حنطة جيدة فأصابها عنده ماء أو عفن أو أكلة أو دخلها نقص في عينها كان عليه أن يدفعها إليه وقيمة ما نقصها تقوم بالحال التي غصبها والحال التي دفعها بها ثم يغرم فضل ما بين القيمتين قال ، ولو غصبه دقيقا فخلطه بدقيق أجود منه أو مثله أو أردأ كان كما وصفنا في الزيت .
قال وإن غصبه زعفرانا وثوبا فصبغ الثوب بالزعفران كان رب الثوب بالخيار في أن يأخذ الثوب مصبوغا ; لأنه زعفرانه وثوبه ، ولا شيء له غير ذلك أو يقوم ثوبه أبيض وزعفرانه صحيحا فإن كانت قيمته ثلاثين قوم ثوبه مصبوغا بزعفران فإن كانت قيمته خمسة وعشرين ضمنه خمسة ; لأنه أدخل عليه النقص . قال : وكذلك إن غصبه سمنا وعسلا ودقيقا فعصده كان للمغصوب الخيار في أن يأخذه معصودا ، ولا شيء للغاصب في الحطب والقدر والعمل من قبل أن ما له فيه أثر لا عين أو يقوم له العسل منفردا والسمن والدقيق منفردين فإن كان قيمته عشرة ، وهو معصود قيمته سبعة غرم له ثلاثة من قبل أنه أدخل عليه النقص . ولو غصبه دابة وشعيرا فعلف الدابة الشعير رد الدابة والشعير من قبل أنه هو المستهلك له ، وليس في الدابة عين من الشعير يأخذه إنما فيها منه أثر .
قال : ولو غصبه طعاما فأطعمه إياه والمغصوب لا يعلم كان متطوعا بالإطعام ، وكان عليه ضمان الطعام وإن كان المغصوب يعلم أنه طعامه فأكله فلا شيء له عليه من قبل أن سلطانه إنما كان على أخذ طعامه فقد أخذه . قال : ولو اختلفا فقال المغصوب : أكلته ، ولا أعلم أنه طعامي وقال الغاصب : أكلته ، وأنت تعلمه فالقول قول المغصوب مع يمينه إذا أمكن أن يكون يخفى ذلك بوجه من الوجوه .
( قال الربيع ) : وفيه قول آخر أنه إذا أكله عالما أو غير عالم فقد وصل إليه شيؤه ، ولا شيء على الغاصب إلا أن يكون نقص عمله فيه شيئا فيرجع بما نقصه العمل .
( قال الشافعي ) : وإن غصبه ذهبا فحمل عليه نحاسا أو حديدا أو فضة أخذ بتمييزه بالنار وإن نقصت النار ذهبه شيئا ضمن ما نقصت النار وزن ذهبه وسلم إليه ذهبه ثم نظرنا فإن كانت النار نقصت من ذهبه شيئا في القيمة ضمن له ما نقصته النار في القيمة . وقال : ولو سبكه مع ذهب مثله أو أجود أو أردأ كان هذا مما لا يتميز وكان القول فيه كالقول في الزيت . قال : ولو اغتصبه ذهبا فجعله قضيبا ثم أضاف إليه قضيبا من ذهب غيره أو قضيبا من نحاس أو فضة ميز بينهما ثم دفع إليه قضيبه إن كان بمثل الوزن الذي غصبه به ثم نظر إليه في تلك الحال وإليه في الحال التي غصبه إياه فيها معا فإن كانت قيمته حين رده أقل منها حين غصبه ضمن له فضل ما بين القيمتين ، وإن كانت مثله أو أكثر أخذ ذهبه ، ولا شيء له غير ذلك ، ولا للغاصب في الزيادة ; لأن الزيادة من عمل إنما هو أثر .
قال : ولو غصبه شاة فأنزى عليها تيسا فجاءت بولد كانت الشاة والولد للمغصوب ، ولا شيء للغاصب في عسب التيس من قبل شيئين . أحدهما : أنه لا يحل ثمن عسب الفحل . والآخر : أنه إنما هو شيء أقره فيها فانقلب الذي أقر إلى غيره والذي انقلب ليس بشيء يملك إنما يملكه رب الشاة .
قال : ولو غصبه نقرة ذهب فضربها دنانير كان لرب النقرة أن يأخذ الدنانير إن كانت بمثل وزن النقرة ، وكانت بمثل قيمة النقرة أو أكثر ، ولا شيء للغاصب في زيادة عمله إنما هو أثر وإن كانت ينقص وزنها أخذ الدنانير وما نقص الوزن . قال : وإن كان قيمتها تنقص مع ذلك أخذ الدنانير وما نقص الوزن وما [ ص: 261 ] نقص القيمة . قال : وإن غصبه خشبة فشقها ألواحا أخذ رب الخشبة الألواح فإن كانت الألواح مثل قيمة الخشبة أو أكثر أخذها ، ولا شيء للغاصب في زيادة قيمة الألواح على الخشبة من قبل أن ماله فيها أثر لا عين ، وإن كانت الألواح أقل قيمة من الخشبة أخذها وفضل ما بين القيمتين . قال : ولو أنه عمل هذه الألواح أبوابا ، ولم يدخل فيها شيئا من عنده كان هكذا ، ولو أدخل فيها من عنده حديدا أو خشبا غيرها كان عليه أن يميز ماله من مال المغصوب ثم يدفع إلى المغصوب ماله وما نقص ماله إذا ميز منها خشبه وحديده إلا أن يشاء أن يدع له ذلك متطوعا .
قال : وكذلك لو أدخل لوحا منها في سفينة أو بنى على لوح منها جدارا كان عليه أن يؤخذ بقلع ذلك حتى يسلمه إلى صاحبه وما نقصه . قال : وكذلك الخيط يخيط به الثوب وغيره فإن غصبه خيطا فخاط به جرح إنسان أو حيوان ضمن قيمته ، ولم يكن للمغصوب أن ينزع خيطه من إنسان ، ولا حيوان حي . فإن قال قائل : ما فرق بين الخيط يخاط به الثوب وفي إخراجه إفساد للثوب وفي إخراج اللوح إفساد للبناء والسفينة وفي إخراج الخيط من الجرح إفساد للجرح فإن زعمت أن أحدهما يخرج مع الفساد والآخر لا يخرج مع الفساد ؟ . قيل له إن هدم الجدار وقلع اللوح من السفينة ونقض الخياطة ليس بمحرم على مالكها ; لأنه ليس في شيء منها روح تتلف ، ولا تألم ; فلما كان مباحا لمالكها كان مباحا لرب الحق أن يأخذ حقه منها ، واستخراج الخيط من الجرح تلف للمجروح ، وألم عليه ومحرم عليه أن يتلف نفسه وكذلك محرم على غيره أن يتلفه إلا بما أذن الله - تعالى - به فيه من الكفر والقتل وكذلك ذوات الأرواح ، ولا يؤخذ الحق بمعصية الله - تعالى - وإنما يؤخذ بما لم يكن لله معصية .
( قال الربيع ) : وفيه قول آخر : إن كان الخيط في حيوان لا يؤكل فلا ينزع ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر البهائم } وإن كان في حيوان يؤكل نزع الخيط ; لأنه حلال له أن يذبحها ويأكلها .
( قال الشافعي ) قلت : أرأيت إن كان الغاصب معسرا وقد صبغ الثوب صبغا ثم قال أنا أغسله حتى أخرج صبغي منه لم نمكنه أن يغسله فينقص علي ثوبي وهو معسر بذلك .
قال : وإذا جنى الحر على العبد جناية تكون نفسا أو أقل حملتها عاقلة الحر ، إن كانت خطأ وقامت بها بينة فإن قال قائل : وكيف ضمنت العاقلة جناية حر على عبد ؟ قيل له لما كانت العاقلة تعقل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جناية الحر على الحر في النفس وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم جناية الحر على الجنين وهو نصف عشر نفس دل ذلك على أن ما جنى الحر من جناية خطأ كانت على عاقلته وعلى أن الحكم في جناية الحر خطأ مخالف للحكم في جناية الحر العمد ، وفيما استهلك الحر من عروض الآدميين . فإن قال قائل : فلم لم تجعل العبد عرضا من العروض ، وإنما فيه قيمته كما يكون ذلك في العروض ؟ قيل جعل الله - عز وجل - على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أهل المقتول فكان ذلك في الآدميين دون العروض والبهائم . ولم أعلم مخالفا في أن على قاتل العبد تحرير رقبة كما هي على قاتل الحر ، ولا أن الرقبة في مال القاتل خاصة فلما كانت الدية في الخطأ على العاقلة كانت في العبد دية كما كانت فيه رقبة وكان داخلا في جملة الآية وجملة السنة وجملة القياس على الإجماع في أن فيه عتق رقبة .
فإن قال قائل فديته ليست كدية الحر ؟ قيل والديات مبينة الفرض في كتاب الله - تعالى - ومبينة العدد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 262 ] وفي الآثار فإنما يستدرك عددها خبرا ألا ترى أن العاقلة تعقل دية الحر والحرة وهما يختلفان ودية اليهودي والنصراني والمجوسي ، وهم عندنا مخالفون المسلم ؟ فكذلك تعقل دية العبد وهي قيمته . فإن قال قائل : ما الفرق بين العبد والبهيمة في شيء غير هذا ؟ قيل نعم بين العبيد عند العامة القصاص في النفس ، وعندنا في النفس وفيما دونها ، وليس ذلك بين بعيرين لو قتل أحدهما صاحبه ، وعلى العبيد فرائض الله من تحريم الحرام وتحليل الحلال وفيهم حرمة الإسلام ، وليس ذلك في البهائم .
فإن كان الجاني عبدا على حر أو عبد لم تعقل عنه عاقلته ، ولا سيده وكانت الجناية في عنقه دون ذمة سيده يباع فيها فيدفع إلى ولي المجني عليه ديته فإن فضل من ثمنه شيء رد على صاحبه فإن لم يفضل من ثمنه شيء أو لم يبلغ الدية بطل ما بقي منه ; لأن الجناية إنما كانت في عنقه دون غيره ، وترك أن يضمن سيده عنه والعاقلة في الحر والعبد ما لا أعلم فيه خلافا . وفيه دلالة على أن العقل إنما حكمة بالجاني لا بالمجني عليه ألا ترى أنه لو كان بالمجني عليه ضمنت عاقلته لسيد العبد ثمن العبد إذا قتل الحر فلما كانت لا تضمن ذلك عنه وكانت جنايته على الحر والعبد سواء في عنقه كانت كذلك جناية الحر على العبد والحر سواء على عاقلته ، وكان الحر يعقل عنها كما تعقل عنه .
قال : وإذا استعار الرجل من الرجل الدابة إلى موضع فتعدى بها إلى غيره فعطبت في التعدي أو بعد ما ردها إلى الموضع الذي استعارها منه قبل أن تصل إلى مالكها فهو لها ضامن لا يخرج من الضمان إلا بأن يوصلها إلى مالكها سالمة وعليه الكراء من حيث تعدى بها مع الضمان . قال : وإذا تكارى الرجل من الرجل الدابة من مصر إلى أيلة فتعدى بها إلى مكة فماتت بمكة وقد كان قبضها من ربها ثمن عشرة فنقصت في الركوب حتى صارت بأيلة ثمن خمسة ثم سار بها عن أيلة فإنما يضمن قيمتها من الموضع الذي تعدى بها منه فيأخذ كراءها إلى أيلة الذي أكراها به ويأخذ قيمتها من أيلة خمسة ويأخذ فيما ركب منها بعد ذلك فيما بين أيلة إلى مكة كراء مثلها لا على حساب الكراء الأول .
قال : وإذا وهب الرجل للرجل طعاما فأكله الموهوب له أو ثوبا فلبسه حتى أبلاه وذهب ; ثم استحقه رجل على الواهب فالمستحق بالخيار في أن يأخذ الواهب ; لأنه سبب إتلاف ماله فإن أخذه بمثل طعامه أو قيمة ثوبه فلا شيء للواهب على الموهوب له إذا كانت هبته إياه لغير ثواب ويأخذ الموهوب له بمثل طعامه وقيمة ثوبه ; لأنه هو المستهلك له ، فإن أخذه به فقد اختلف في أن يرجع الموهوب له على الواهب ، وقيل لا يرجع على الواهب ; لأن الواهب لم يأخذ منه عوضا فيرجع بعوضه وإنما هو رجل غره من أمر قد كان له أن لا يقبله . قال : وإذا استعار الرجل من الرجل ثوبا شهرا أو شهرين فلبسه فأخلقه ثم استحقه رجل آخر أخذه وقيمة ما نقصه اللبس من يوم أخذه منه ، وهو بالخيار في أن يأخذ ذلك من المستعير اللابس أو من الآخذ لثوبه .
فإن أخذه من المستعير اللابس ، وكان النقص كله في يده لم يرجع به على من أعاره من قبل أن النقص كان من فعله ، ولم يغر من ماله بشيء فيرجع به ، وإن ضمنه المعير غير اللابس فمن زعم أن العارية مضمونة ، قال : للمعير أن يرجع به على المستعير ; لأنه كان ضامنا ، ومن زعم أن العارية غير مضمونة لم يجعل له أن يرجع عليه بشيء ; لأنه سلطه على اللبس . وهذا قول بعض المشرقيين . والقول الأول قياس قول بعض أصحابنا الحجازيين وهو موافق للآثار وبه نأخذ .
ولو كانت المسألة بحالها غير أن مكان العارية أن المستعير تكارى الثوب كان [ ص: 263 ] الجواب فيها كالجواب في الأولى إلا أن المستكري إذا ضمن شيئا رجع به على المكري ; لأنه غره من شيء أخذ عليه عوضا ، وإنما لبسه على أن ذلك مباح له بعوض ويكون لرب الثوب أن يأخذ قيمة إجارة ثوبه .
قال : وإذا ادعى الرجل قبل الرجل دعوى فسأل أن يحلف له المدعى عليه أحلفه له القاضي ، ثم قبل البينة من المدعي فإن ثبتت عليه بينة أخذ له بها وكانت البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة ، وسواء كانت بينة المدعي المستحلف حضورا بالبلد أو غيبا عنه فلا يعدو هذا واحدا من وجهين إما أن يكون المدعى عليه إذا حلف برئ بكل حال قامت عليه بينة أو لم تقم ، وإما أن يكون إنما يكون بريئا ما لم تقم عليه بينة فإذا قامت بينة فالحكم عليه أن يؤخذ منه بها ، وليس لقرب الشهود وبعدهم معنى ، ولكن الشهود إن لم يعدلوا اكتفى فيه باليمين الأولى ، ولم تعد عليه يمين . وإنما أحلفناه أولا أن الحكم في المدعى عليه حكمان . أحدهما : أن لا يكون عليه بينة فيكون القول قوله مع يمينه ، أو يكون عليه بينة فيزول هذا الحكم ويكون الحكم عليه أن يؤخذ منه بالبينة العادلة ما كان المدعي يدعي ما شهدت به بينته أو أكثر منه .
قال : وإذا غصب الرجل من الرجل قمحا فطحنه دقيقا نظر فإن كانت قيمة الدقيق مثل قيمة الحنطة أو أكثر فلا شيء للغاصب في الزيادة ، ولا عليه ; لأنه لم ينقصه شيئا وإن كانت قيمة الدقيق أقل من قيمة الحنطة رجع على الغاصب بفضل ما بين قيمة الدقيق والحنطة ، ولا شيء للغاصب في الطحن ; لأنه إنما هو أثر لا عين .
[ ص: 264 ] مسألة المستكرهة .
( أخبرنا الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : في الرجل يستكره المرأة أو الأمة يصيبها أن لكل واحدة منهما صداق مثلها ، ولا حد على واحدة منهما ، ولا عقوبة ، وعلى المستكره حد الرجم إن كان ثيبا والجلد والنفي إن كان بكرا . وقال : محمد بن الحسن لا حد عليهما ، ولا عقوبة وعلى المستكره الحد ، ولا صداق عليه ، ولا يجتمع الحد والصداق معا ، وكان الذي احتج فيه من الآثار عن قيس بن الربيع عن جابر عن الشعبي وهو يزعم أن مثل هذا لا يكون حجة ، وقد احتج بعض أصحابنا فيه أن مالكا أخبره عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم قضى في امرأة استكرهها رجل بصداقها على الذي استكرهها ، وقال الذي احتج بهذا : إن مروان رجل قد أدرك عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان له علم ومشاورة في العلم وقضى بهذا بالمدينة ، ولم يرفعه فزعم محمد بن الحسن أن قضاءه لا يكون حجة . وقال : أبو حنيفة لو أن رجلا أصاب امرأة بزنا فأراد سقوط الحد عنه تحامل عليها حتى يفضيها يسقط الحد وصارت جناية يغرمها في ماله وهذا يخالف الأول .
( قال الشافعي ) : وإذا كان زانيا يقام عليه الحد قبل أن يفضيها ، وهو لم يخرج بالإفضاء من الزنا ، ولم يزدد بالإفضاء إلا ذنبا .
( قال الربيع ) : الذي يذهب إليه الشافعي أنه إذا حلف ليفعلن فعلا إلى أجل فمات قبل الأجل أو فات الذي حلف ليفعلنه به قبل الأجل فلا حنث عليه ; لأنه مكره وإذا حلف ليفعلن فعلا ، ولم يسم أجلا فأمكنه أن يفعل ذلك فلم يفعل حتى مات أو فات الذي حلف ليفعلنه به أنه حانث .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (145)
صــــــــــ 3 الى صـــــــــــ10
" كتاب الشفعة "
( أخبرنا الربيع ) قال : قال الشافعي رحمه الله : إذا كانت الهبة معقودة على الثواب فهو كما قال إذا أثيب منها ثوابا قيل لصاحب الشفعة إن شئت فخذها بمثل الثواب إن كان له مثل أو بقيمته إن كان لا مثل له ، وإن شئت فاترك ، وإذا كانت الهبة على غير ثواب فأثيب الواهب فلا شفعة ; لأنه لا شفعة فيما وهب إنما الشفعة فيما بيع والمثيب متطوع بالثواب فما بيع ، أو وهب على ثواب فهو مثل البيع ، والهبة باطلة من قبل أنه اشترط أن يثاب فهو عوض من الهبة مجهول فلما كان هكذا بطلت الهبة ، وهو بالبيع أشبه ; لأن البيع لم يعطه إلا بالعوض وهكذا هذا لم يعطه إلا بالعوض والعوض مجهول فلا يجوز البيع بالمجهول .
وكذلك لو نكح امرأة على شقص من دار فإن هذا كالبيع ، وكذلك لو استأجر عبدا ، أو حرا على شقص من دار فكل ما ملك به مما فيه عوض فللشفيع فيه الشفعة بالعوض ، وإن اشترى رجل شقصا فيه شفعة إلى أجل فطلب الشفيع شفعته قيل له : إن شئت فتطوع بتعجيل الثمن وتعجل الشفعة ، وإن شئت فدع حتى يحل الأجل ثم خذ بالشفعة وليس على أحد أن يرضى بأمانة رجل فيتحول على رجل غيره ، وإن كان أملأ منه ، قال : ولا يقطع الشفعة عن الغائب طول الغيبة ، وإنما يقطعها عنه أن يعلم فيترك الشفعة مدة يمكنه أخذها فيها بنفسه ، أو بوكيله .
قال : ولو مات الرجل وترك ثلاثة من الولد ثم ولد لأحدهم رجلان ثم مات المولود له ودارهم غير مقسومة فبيع من الميت حق أحد الرجلين فأراد أخوه الأخذ بالشفعة دون عمومته ففيها قولان :
أحدهما : أن ذلك له ومن قال هذا القول قال أصل سهمهم هذا فيها واحد ، فلما كان إذا قسم أصل المال كان هذان شريكين في الأصل دون عمومتهما فأعطيته الشفعة بأن له شركا دون شركهم ، وهذا قول له وجه
والثاني : أن يقول أنا إذا ابتدأت القسم جعلت لكل واحد سهما .
وإن كان أقل من سهم صاحبه فهم جميعا شركاء شركة واحدة فهم شرع في الشفعة ، وهذا قول يصح في القياس قال : وإذا كانت الدار بين ثلاثة لأحدهم نصفها وللآخر سدسها وللآخر ثلثها وباع صاحب الثلث فأراد شركاؤه الأخذ بالشفعة ففيها قولان :
أحدهما : أن صاحب النصف يأخذ ثلاثة أسهم وصاحب السدس يأخذ سهما على قدر ملكهم من الدار ومن قال هذا القول ذهب إلى أنه إنما يجعل الشفعة بالملك ، فإذا كان أحدهما أكثر ملكا من صاحبه انبغى بقدر كثرة ملكه ، ولهذا وجه .
والقول الثاني : إنهما في الشفعة سواء وبهذا القول أقول ، ألا ترى أن الرجل يملك شفعة من الدار فيباع نصفها ، أو ما خلا حقه منها فيريد الأخذ بالشفعة بقدر ملكه فلا يكون ذلك له ويقال له خذ الكل ، أو دع فلما كان حكم قليل المال في الشفعة حكم كثيره كان الشريكان إذا اجتمعا في الشفعة سواء ; لأن اسم الملك يقع على كل واحد .
[ ص: 4 ] ما لا يقع فيه شفعة
( أخبرنا الربيع ) ( قال الشافعي ) أخبرنا الثقة عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان بن عفان أن عثمان ( قال الشافعي ) لا شفعة في بئر إلا أن يكون لها بياض يحتمل مقسم أو تكون واسعة محتملة لأن تقسم فتكون بئرين ويكون في كل واحدة منهما عين ، أو تكون البئر بيضاء فيكون فيها شفعة ; لأنها تحتمل القسم قال ، وأما الطريق التي لا تملك فلا شفعة فيها ، ولا بها .
وأما عرصة الدار تكون بين القوم محتملة ; لأن تكون مقسومة وللقوم طريق إلى منازلهم ، فإذا بيع منها شيء ففيه الشفعة .
( قال الشافعي ) : وإذا باع الرجل شقصا في دار على أن البائع بالخيار والمبتاع فلا شفعة حتى يسلم البائع المشتري ، وإن كان الخيار للمشتري دون البائع عقد خرجت من ملك البائع برضاه وجعل الخيار للمشتري ففيها الشفعة ( قال الربيع ) : وفيها قول آخر أن لا شفعة فيها حتى يختار المشتري ، أو تمضي أيام الذي كان له الخيار فيتم له البيع من قبل أنه إذا أخذها بالشفعة منع المشتري من الخيار الذي كان له
( قال الشافعي ) وكل من كانت في يده دار فاستغلها ثم استحقها رجل بملك متقدم رجع المستحق ، على الذي في يده الدار والأرض بجميع الغلة من يوم ثبت له الحق وثبوته يوم شهد شهوده أنه كان له ، لا يوم يقضى له به ، ألا ترى أنه لا معنى للحكم اليوم إلا ما ثبت يوم شهد شهوده ، وإنما تملك الغلة بالضمان في الملك الصحيح ; لأن الغلة بالضمان في الملك حدثت من شيء المالك كان يملكه لا غيره
( قال الشافعي ) : وإذا اشترى الرجل شقصا لغيره فيه شفعة ثم زعم أنه لا يعلم الثمن بنسيان أحلف بالله ما تثبت الثمن ، ولا شفعة إلى أن يقيم المستشفع بينة فيؤخذ له ببينته وسواء قد تم الشراء وحديثه ; لأن الذكر قد يكون في الدهر الطويل ، والنسيان قد يكون في المدة القصيرة
( قال الشافعي ) : وإذا كان لرجل حصة في دار فمات شريكه ، وهو غائب فباع ورثته قبل القسم أو بعده فهو على شفعته ، ولا يقطع ذلك القسم ; لأنه كان شريكا لهم غير مقاسم
[ ص: 5 ] باب القراض
أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) رحمه الله إذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا فأدخل معه رب المال غلامه وشرط الربح بينه وبين المقارض وغلام رب المال فكل ما ملك غلامه فهو ملك له لا ملك لغلامه إنما ملك العبد شيء يضاف إليه لا ملك صحيح فهو كرجل شرط له ثلثي الربح وللمقارض ثلثه .
[ ص: 6 ] ما لا يجوز من القراض في العروض
( قال الشافعي ) رحمه الله : خلاف مالك بن أنس في قوله من البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمده وتفاحش ، وإن تقارب رده ( قال الشافعي ) كل قراض كان في أصله فاسدا فللمقارض العامل فيه أجر مثله ولرب المال المال وربحه ; لأنا إذا أفسدنا القراض فلا يجوز أن يجعل إجارة قراض والقراض [ ص: 7 ] غير معلوم ، وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإجارة إلا بأمر معلوم }
( قال الشافعي ) والبيوع وجهان : حلال لا يرد ، وحرام يرد . وسواء تفاحش رده ، أو تباعد والتحريم من وجهين : أحدهما : خبر لازم ، والآخر : قياس . وكل ما قسناه حلالا حكمنا له حكم الحلال في كل حالاته وكل ما قسناه حراما حكمنا له حكم الحرام فلا يجوز أن نرد شيئا حرمناه قياسا من ساعته أو يومه ، ولا نرده بعد مائة سنة الحرام لا يكون حلالا بطول السنين ، وإنما يكون حراما وحلالا بالعقد .
[ ص: 8 ] الشرط في القراض
( قال الشافعي ) رحمه الله : لا يجوز أن أقارضك بالشيء جزافا لا أعرفه ، ولا تعرفه فلما كان هكذا لم يحز أن أقارضك إلى مدة من المدد . وذلك أني لو دفعت إليك ألف درهم على أن تعمل [ ص: 9 ] بها سنة فبعت بها واشتريت في شهر بيعا فربحت ألف درهم ، ثم اشتريت بها كنت قد اشتريت بمالي ومالك غير مفرق ، ولعلي لا أرضى بشركتك فيه واشتريت برأس مال لي لا أعرفه لعلي لو نض لي لم آمنك عليه ، أو لا أريد أن يغيب عني كله فيجمع أن يكون القراض مجهولا عندي ; لأني لم أعرف كم رأس مالي ونحن لم نجزه بجزاف ويجمع أنه يزيد على الجزاف أني قد رضيت بالجزاف ، ولم أرض بأن أقارضك بهذا الذي لم أعرفه .
وفي باب الصدقة والهبة من اختلاف العراقيين
وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا ، أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبض الواهب ، فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز ، ولا تكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء وكان ابن أبي ليلى يقول هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ، ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا .
( قال الشافعي ) ، وإذا وهب الرجل للرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوب له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال : وهبتها للثواب كان فيها شفعة ، وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة ، وهذا كله في قول من قال : للواهب الثواب إذا قال أردته ، فأما من قال : لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شيء وهبه ، ولا الثواب منه ( قال الربيع ) : وفيه قول آخر إذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا ، وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شيء وهبه ، وهو معنى قول الشافعي رحمه الله
السلف في القراض
( قال الشافعي ) رحمه الله : وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا وأبضع منه بضاعة فإن كان عقد القراض على أنه يحمل له البضاعة فالقراض فاسد يفسخ إن لم يعمل فيه فإن عمل فيه فله أجر مثله والربح لصاحب المال ، وإن كانا تقارضا ، ولم يشرطا من هذا شيئا ثم حمل المقارض له بضاعة فالقراض جائز ، ولا يفسخ بحال غير أنا نأمرهما في الفتيا أن لا يفعلا هذا على عادة ، ولا لعلة مما اعتل به ، ولو عادا لما ذكرنا كرهناه لهما ، ولم نفسد به القراض ، ولا نفسد العقد الذي يحل بشيء تطوعا به ، وقد مضت مدة العقدة ، ولا نطر إنما تفسد بما عقدت عليه إلا بما حدث بعدها ( قال الشافعي ) [ ص: 10 ] أكره منه ما كره مالك أن يأخذ الرجل مالا قراضا ثم يسأل صاحب المال أن يسلفه إياه ( قال الشافعي ) وإنما كرهته من قبل أنه لم يبرأ المقارض من ضمانه ، ولم يعرف المسلف كم أسلف من أجل الخوف . المحاسبة في القراض
( قال الشافعي ) رحمه الله : وهذا كله كما قال مالك إلا قوله يحضر المال حتى يحاسبه فإن كان عنده صادقا فلا يضره يحضر المال ، أو لا يحضره .
مسألة البضاعة
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله : قال إذا أبضع الرجل مع الرجل ببضاعة وتعدى فاشترى بها شيئا فإن هلكت فهو ضامن ، وإن وضع فيها فهو ضامن ، وإن ربح فالربح لصاحب المال كله إلا أن يشاء تركه ، فإن وجد في يده السلعة التي اشتراها بماله فهو بالخيار في أن يأخذ رأس ماله ، أو السلعة التي ملكت بماله ، فإن هلكت تلك السلعة قبل أن يختار أحدهما لم يضمن له إلا رأس المال من قبل أنه لم يختر أن يملكها فهو لا يملكها إلا باختياره أن يملكها .
والقول الثاني : وهو أحد قوليه - أنه إذا تعدى فاشترى شيئا بالمال بعينه فربح فيه فالشراء باطل والبيع مردود ، وإن اشترى بمال لا بعينه ثم نقد المال فهو متحد بالنقد ، والربح له والخسران عليه وعليه مثل المال الذي تعدى فيه فنقده ولصاحب المال إن وجده في يد البائع أن يأخذه فإن تلف المال فصاحب المال مخير إن أحب أخذه من الدافع ، وهو المقارض ، وإن أحب أخذه من الذي تلف في يده ، وهو البائع .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (146)
صــــــــــ 11 الى صـــــــــــ18
المساقاة
( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال معنى قوله { إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلي } أن يخرص النخل كأنه خرصها مائة وسق وعشرة أوسق وقال إذا صارت تمرا نقصت عشرة أوسق فصحت منها مائة وسق تمرا فيقول إن شئتم دفعت إليكم النصف الذي ليس لكم الذي أنا قيم بحق أهله على أن تضمنوا لي خمسين وسقا تمرا من تمر يسميه بعينه ولكم أن تأكلوها وتبيعوها رطبا كيف شئتم ، وإن شئتم فلي أكون هكذا في نصيبكم فأسلم وتسلمون إلي [ ص: 11 ] أنصباءكم وأضمن لكم هذه المكيلة ( قال الشافعي ) : وإذا كان البياض بين أضعاف النخل جاز فيه المساقاة كما يجوز في الأصل ، وإن كان منفردا عن النخل له طريق غيره لم تجز فيه المساقاة ، ولم تصح إلا أن يكتري كراء ، وسواء قليل ذلك وكثيره ، ولا حد فيه إلا ما وصفت وليس للمساقي في النخل أن يزرع البياض إلا بإذن مالك النخل ، وإن زرعها فهو متعد ، وهو كمن زرع أرض غيره . قال : وإن كان دخل على الإجارة بأن له أن يعمل ويحفظ بأن له شيئا من الثمار قبل أن يبدو صلاح التمر فالإجارة فاسدة وله أجر مثله فيما عمل ، وكذلك إن كان دخل على أن يتكلف من المؤنة شيئا غير عمل يديه وتكون أجرته شيئا من الثمار كانت الإجارة فاسدة فإن كان دخل في المساقاة في الحالين معا ورضي رب الحائط أن يرفع عنه من المؤنة شيئا فلا بأس بالمساقاة على هذا قال وكل ما كان مستزادا في الثمرة من إصلاح للمار وطريق الماء وتصريف الجريد وإبار النخل وقطع الحشيش الذي يضر بالنخل أو ينشف عنه الماء حتى يضر بثمرتها شرطه على المساقاة .
وأما سد الحظار فليس فيه مستزاد لإصلاح في الثمرة ، ولا يصلح شرطه على المساقي فإن قال : فإن أصلح للنخل أن يسد الحظار فكذلك أصلح لها أن يبنى عليها حظار لم يكن ، وهو لا يجيزه في المساقاة وليس هذا الإصلاح من الاستزادة في شيء من النخل إنما هو دفع الداخل .
( قال الشافعي ) والمساقاة جائزة في النخل والكرم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ فيهما بالخرص وساقى على النخل وثمرها مجتمع لا حائل دونه وليس هكذا شيء من الثمر كله دونه حائل ، وهو متفرق غير مجتمع ، ولا تجوز المساقاة في شيء غير النخل والكرم وهي في الزرع أبعد من أن تجوز ، ولو جازت إذا عجز عنه صاحبه جازت إذا عجز صاحب الأرض عن زرعها أن يزارع فيها على الثلث والربع ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها . وقال : إذا أجزنا المساقاة قبل أن تكون ثمرا بتراضي رب المال والمساقي في أثناء السنة ، وقد تخطئ الثمرة فيبطل عمل العامل وتكثر فيأخذ أكثر من عمله أضعافا كانت المساقاة إذا بدا صلاح الثمر وحل بيعه وظهر أجوز .
قال : وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم المساقاة فأجزناها بإجازته وحرم كراء الأرض البيضاء ببعض ما يخرج منها فحرمناها بتحريمه ، وإن كانا قد يجتمعان في أنه إنما للعامل في كل بعض ما يخرج النخل ، أو الأرض ، ولكن ليس في سنته إلا اتباعها ، وقد يفترقان في أن النخل شيء قائم معروف أن الأغلب منه أنه يثمر وملك النخل لصاحبه والأرض البيضاء لا شيء فيها قائما إنما يحدث فيها شيء بعد لم يكن ، وقد أجاز المسلمون المضاربة في المال يدفعه ربه فيكون للمضارب بعض الفضل ، والنخل أبين وأقرب من الأمان من أن يخطئ من المضاربة وكل قد يخطئ ويقل ويكثر ، ولم يجز المسلمون أن تكون الإجارة إلا بشيء معلوم ، ودلت السنة والإجماع أن الإجارات إنما هي شيء لم يعلم إنما هو عمل يحدث لم يكن حين استأجره .
قال : ، وإذا ساقى الرجل الرجل النخل فكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله إلا بالدخول على النخل فكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرب النخل الماء وكان غير متميز يدخل فيسقي ويدخل على النخل جاز أن يساقي عليه مع النخل لا منفردا وحده ، ولولا الخبر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى أهل خيبر على أن لهم النصف من النخل والزرع وله النصف فكان الزرع كما وصفت بين ظهراني النخل لم يجز فأما إذا [ ص: 12 ] انفرد فكان بياضا يدخل عليه من غير أن يدخل على النخل فلا تجوز المساقاة فيه قليلا كان ، أو كثيرا ، ولا يحل فيه إلا الإجارة .
الشرط في الرقيق والمساقاة
( قال الشافعي ) رحمه الله : { ساقى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، والمساقون عمالها } لا عامل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها غيرهم ، وإذا كان يجوز للمساقي أن يساقي نخلا على أن يعمل فيه عمال الحائط ; لأن رب الحائط رضي ذلك جاز أن يشترط رقيقا ليسوا في الحائط يعملون فيه ; لأن عمل من فيه وعمل من ليس فيه سواء ، وإن لم تجز إلا بأن يكون على الدخل في المساقاة العمل كله لم يجز أن يعمل في الحائط أحد من رقيقه وجواز الأمرين من أشبه الأمور عندنا والله أعلم . قال : ونفقة الرقيق على ما تشارطا عليه وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم ، فإذا جاز أن يعملوا للمساقي بغير أجرة جاز أن يعملوا له بغير نفقة . والله أعلم .
المزارعة
أخبرنا الربيع بن سليمان قال ( قال الشافعي ) السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنيين :
أحدهما : أن تجوز المعاملة في النخل على الشيء مما يخرج منها وذلك اتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأصل موجود يدفعه مالكه إلى من عامله عليه أصلا يتميز ليكون للعامل بعمله المصلح للنخل بعض الثمرة ولرب المال بعضها ، وإنما أجزنا المقارضة قياسا على المعاملة على النخل ووجدنا رب المال يدفع ماله إلى المقارض يعمل فيه المقارض فيكون له بعمله بعض الفضل الذي يكون في المال المقارضة لولا القياس على السنة والخبر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما بإجازتها أولى أن لا تجوز من المعاملة على النخل ، وذلك أنه قد لا يكون في المال فضل كبير ، وقد يختلف الفضل فيه اختلافا متباينا وأن ثمر النخل قلما يتخلف وقلما يختلف ، فإذا اختلفت تقارب اختلافها ، وإن كانا قد يجتمعان في أنهما مغيبان معا يكثر الفضل فيهما ويقل ويختلف .
وتدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا تجوز المزارعة على الثلث ، ولا الربع ، ولا جزء من أجزاء وذلك أن المزارع يقبض الأرض بيضاء لا أصل فيها ، ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا والزرع ليس بأصل والذي هو في معنى المزارعة الإجارة ، ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة وخلافها للأصل والمال يدفع ، وهذا إذا كان النخل منفردا والأرض للزرع منفردة .
ويجوز كراء الأرض للزرع بالذهب والفضة والعروض كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد والأحرار ، وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين ظهراني النخل على المعاملة وكان ما بين ظهراني النخل لا يسقى إلا من ماء النخل ، ولا يوصل إليه إلا من حيث يوصل إلى النخل كان هذا جائزا وكان في حكم ثمرة النخل ومنافعها من الجريد والكرانيف ، وإن كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتى منها ، أو ماء يشرب متى شربه لا يكون [ ص: 13 ] شربه ريا للنخل ، ولا شرب النخل ريا له لم تحل المعاملة عليه وجازت إجارته وذلك أنه في حكم المزارعة لا حكم المعاملة على الأصل وسواء قل البياض في ذلك ، أو كثر .
فإن قال قائل : ما دل على ما وصفت ، وهذا مزارعه ؟ قيل : كانت خيبر نخلا وكان الزرع فيها كما وصفت فعامل النبي صلى الله عليه وسلم أهلها على الشطر من الثمرة والزرع ونهى في الزرع المنفرد عن المعاملة فقلنا في ذلك اتباعا وأجزنا ما أجاز ورددنا ما رد وفرقنا بفرقه عليه الصلاة والسلام بينهما وما به يفترقان من الافتراق ، أو بما وصفت فلا يحل أن تباع ثمرة النخل سنين بذهب ، ولا فضة ، ولا غير ذلك .
( أخبرنا ) ابن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين } ( أخبرنا ) سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ( أخبرنا ) سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول : نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معلومة .
( قال الشافعي ) : وإذا اشترك الرجلان من عند أحدهما الأرض ومن عندهما معا البذر ومن عندهما معا البقر أو من عند أحدهما ثم تعاملا على أن يزرعا ، أو يزرع أحدهما فما أخرجت الأرض فهو بينهما نصفان ، أو لأحدهما فيه أكثر مما للآخر فلا تجوز المعاملة في هذا إلا على معنى واحد أن يبذرا معا ويمونان الزرع معا بالبقر وغيره مؤنة واحدة ويكون رب الأرض متطوعا بالأرض لرب الزرع ، فأما على غير هذا الوجه من أن يكون الزارع يحفظ أو يمون بقدره ما سلم له رب الأرض فيكون البقر من عنده أو الآلة ، أو الحفظ ، أو ما يكون صلاحا من صلاح الزرع فالمعاملة على هذا فاسدة فإن ترافعاها قبل أن يعملا فسخت ، وإن ترافعاها بعدما يعملان فسخت وسلم الزرع لصاحب البذر ، وإن كان البذر منهما معا فلكل واحد منهما نصفه ، وإن كان من أحدهما فهو للذي له البذر ولصاحب الأرض كراء مثلها ، وإذا كان البقر من العامل ، أو الحفظ ، أو الإصلاح للزرع ولرب الأرض من البذر شيء أعطيناه من الطعام حصته ورجع الحافظ وصاحب البقر على رب الأرض بقدر ما يلزم حصته من الطعام من قيمة عمل البقر والحفظ وما أصلح به الزرع فإن أرادا أن يتعاملا من هذا على أمر يجوز لهما تعاملا على ما وصفت أولا ، وإن أرادا أن يحدثا غيره تكارى رب الأرض من رب البقر بقره وآلته وحراثه أياما معلومة بأن يسلم إليه نصف الأرض ، أو أكثر يزرعها وقتا معلوما فتكون الإجارة في البقر صحيحة ; لأنها أيام معلومه كما لو ابتدئت إجارتها بشيء معلوم ويكون ما أعطاه من الأرض بكراء صحيح كما لو ابتدأ كراءه بشيء معلوم .
ثم إن شاءا أن يزرعا ويكون عليهما مؤنة صلاح الزرع مستويين فيها حتى يقسما الزرع كان هذا جائزا من قبل أن كل واحد منهما زرع أرضا له زرعها ويبذر له فيها ما أخرج ، ولم يشترط أحدهما على الآخر فضلا عن بذره ، ولا فضلا في الحفظ فتنعقد عليه الإجارة فتكون الإجارة قد انعقدت على ما يحل من المعلوم وما لا يحل من المجهول فيكون فاسدا .
قال : ولا بأس لو كان كراء الأرض عشرين دينارا وكراء البقر دينارا أو مائة دينار فتراضيا بهذا كما لا يكون بأس بأن أكريك بقري وقيمة كرائها مائة دينار بأن يخلى بيني وبين أرض أزرعها سنة قيمة كرائها دينار ، أو ألف دينار ; لأن الإجارة بيع ، ولا بأس بالتغابن في البيوع ، ولا في الإجارات ، وإن اشتركا على أن البقر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر كان كراء الأرض ككراء البقر ، أو أقل والزرع بينهما فالشركة فاسدة حتى يكون عقدها على استئجار البقر أياما معلومة وعملا معلوما بأرض معلومة ; لأن الحرث يختلف فيقل ويكثر ويجود ويسوء ، ولا يصلح إلا بمثل ما تصلح به الإجارات على الانفراد ، فإذا زرعا على هذا والبذر من عندهما فالبذر بينهما نصفان ويرجع [ ص: 14 ] صاحب البقر على صاحب الأرض بحصته من الأرض بقدر ما أصابها من العمل ويرجع صاحب الأرض على صاحب الزرع بحصة كراء ما زرع من أرضه قل أو كثر الزرع ، أو عل ، أو احترق فلم يكن منه الشيء
لإجارة وكراء الأرض
( أخبرنا الربيع ) قال : قال الشافعي : لا بأس أن يكري الرجل أرضه ووكيل الصدقة ، أو الإمام الأرض الموقوفة أرض الفيء بالدراهم والدنانير وغير ذلك من طعام موصوف يقبضه قبل أن يتفرقا ، وكذلك جميع ما أجرها به ، ولا بأس أن يجعل له أجلا معلوما وأن يفارق صاحبه قبل أن يقبضه ، وإن لم يكن له أجل معلوم والإجارة في هذا مخالفة لما سواها غير أني أحب إذا اكتريت أرضا بشيء مما يخرج مثله من مثلها أن يقبض ، ولو لم يقبض لم أفسد الكراء من أجل أنه إنما يصلح أن يؤجرها بطعام موصوف وهذه صفة بلا عين ، فقد لا تخرج من تلك الصفة ، وقد تخرجها ويكون لرب الأرض أن يعطيه تلك الصفة من غيرها ، فإذا كان ذلك الدين في ذمته بصفة فلا بأس من أين أعطاه ، وهذا خلاف المزارعة المزارعة أن تكري الأرض بما يخرج منها ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر ، وقد يخرج ذلك قليلا وكثيرا فاسدا وصحيحا وهذا فاسد بهذه العلة .
قال : وإذا تقبل الرجل الأرض من الرجل سنين ثم أعارها رجلا ، أو أكراها إياه فزرع فيها الرجل فالعشر على الزارع والقبالة على المتقبل ، وهكذا أرض الخراج إذا تقبلها رجل من الوالي فقبالتها عليه فإن زرعها غيره بأمره بعارية ، أو كراء فالعشر على الزراع والقبالة على المتقبل ، ولو كان المتقبل زرعها كان على المتقبل القبالة والعشر في الزرع إن كان مسلما ، وإن كان ذميا فزرع أرض الخراج فلا عشر عليه ، وكذلك لو كانت له أرض صلح فزرعها لم يكن عليه عشر في زرعها ; لأن العشر زكاة ، ولا زكاة إلا على أهل الإسلام ، ولا أعرف ما يذهب إليه بعض الناس في أرض السواد بالعراق من أنها مملوكة لأهلها وأن عليهم خراجا فيها فإن كانت كما ذهب إليه ، فلو عطلها ربها ، أو هرب أخذ منه خراجها إلا أن يكون صلحه على غير هذا فيكون على ما صالح عليه .
قال : ولو شرط رب الأرض ، أو متقبلها ، أو والي الأرض المتصدق بها أن الزارع لها له زرعه مسلما لا عشر عليه فيه فالعشر عليه من أجل أنها مزارعة فاسدة ; لأن العشر إنما هو على الزارع ، وقد يقل ويكثر ، فإذا ضمن عنه ما لا يعرف فسدت الإجارة فإن أدركت قبل أن يزرع فسخت الإجارة ، وإن أدركت بعدما يزرع فله زرعه وعليه كراء مثل الأرض ذهبا أو فضة بالأغلب من نقد البلد الذي تكاراها به كان ذلك أقل مما أكراه به ، أو أكثر قال ، وإذا كانت الأرض عنوة فتقبلها رجل فعجز عن عمارتها وأداء خراجها قيل له إن أديت خراجها تركت في يديك ، وإن لم تؤده فسخت عنك وكنت مفلسا وجد عين المال عنده ودفعت إلى من يؤدي خراجها .
قال : وللعامل على العشر مثل ما له على الصدقات ; لأن كليهما صدقة فله بقدر أجر مثله على كل واحد منهما ، أو على أيهما عمل .
قال : وإذا فتحت الأرض عنوة فجميع ما كان عامرا فيها للذين فتحوها وأهل الخمس فإن [ ص: 15 ] تركوا حقوقهم منها لجماعة المسلمين فذلك لهم وما كان من أرض العنوة مواتا فهو لمن أحياه من المسلمين ; لأنه كان ، وهو غير مملوك لمن فتح عليه فيملك بملكه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } ، ولا يترك ذمي يحييه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله لمن أحياه من المسلمين فلا يكون للذمي أن يملك على المسلمين ما تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ملك لمن أحياه منهم ، وإذا كان فتحها صلحا فهو على ما صالحوا عليه .
كراء الأرض البيضاء
( أخبرنا الربيع ) قال : قال الشافعي : ولا بأس بكراء الأرض البيضاء بالذهب والورق والعروض وقول سالم بن عبد الله أكثر ورافع لم يخالفه في أن الكراء بالذهب والورق لا بأس به إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن كرائها ببعض ما يخرج منها ، ولا بأس أن يكري الرجل أرضه البيضاء بالتمر وبكل ثمرة يحل بيعها إلا أن من الناس من كره أن يكريها ببعض ما يخرج منها ومن قال هذا القول قال : إن زرعت حنطة كرهت كراءها بالحنطة ; لأنه نهى أن يكون كراؤها بالثلث والربع ، وقال غيره : كراؤها بالحنطة ، وإن كانت إلى أجل غير ما يخرج منها ; لأنها موصوفة لا يلزمه إذا جاء بها على صفة أن يعطيه مما يخرج من الأرض ، ولو جاءت الأرض بحنطة على غير صفتها لم يكن للمكتري أن يعطيه غير صفته ، وإذا تعجل المكري الأرض كراءها من الحنطة فلا بأس بذلك في القولين معا .
قال : ولا تكون المساقاة في الموز ، ولا القصب ، ولا يحل بيعهما إلى أجل لا يحل بيعهما إلا أن يريا القصب جزة والموز بجناه ، ولا يحل أن يباع ما لم يخلق منهما ، وإذا لم يحل أن يبيعهما مثل أن يكونا بصفة لم يحل أن يباع منهما ما لم يكن منهما بصفة ، ولا غير صفة ; لأنه في معنى ما كرهنا وأزيد منه ; لأنه لم يخلق قط ، ولا بأس أن يتكارى الرجل الأرض للزرع بحنطة ، أو ذرة ، أو غير ذلك مما تنبت الأرض ، أو لا تنبته مما يأكله بنو آدم ، أو لا يأكلونه مما تجوز به إجازة العبد والدار إذا قبض ذلك كله قبل دفع الأرض ، أو مع دفعها كل ما جازت به الإجارة في البيوت والرقيق جازت به الإجارة في الأرض .
قال : وإنما { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض } فيما روي عنه فأما ما أحاط العلم أني قد قبضته ودفعت الأرض إلى صاحبها فليس في معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه إنما معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه أن تكون الإجارة بشيء قد يكون الأشياء ويكون ألفا من الطعام ويكون إذا كان جيدا أو رديئا غير موصوف ، وهذا يفسد من وجهين : إذا كان إجارة من وجه أنه مجهول الكيل والإجارة لا تحل بهذا ومن وجه أنه مجهول الصفة ، ولو كان معروف الكيل ، وهو مجهول الصفة لم تحل الإجارة بهذا فأما ما فارق هذا المعنى فلا بأس به ، ولو شرط الإجارة إلى أجل ، ولم يسم لها أجلا ، ولم يتقابضا كانت الإجارة من طعام لا تنبته الأرض ، أو غيره من نبات الأرض ، أو هو مما تنبت الأرض غير الطعام ، أو عرض أو ذهب ، أو فضة فلا بأس بالإجارة إذا قبض الأرض ، وإن لم يقبض الإجارة كانت إلى أجل ، أو غير أجل ، وإن [ ص: 16 ] شرطها بشيء من الطعام مكيل مما تخرجه الأرض كرهته احتياطا ، ولو وقع الأجر بهذا وكان طعاما موصوفا ما أفسدته من قبل أن الطعام مكيل معلوم الكيل موصوف معلوم الصفة وأنه لازم للمستأجر أخرجت الأرض شيئا ، أو لم تخرجه ، وقد تخرج الأرض طعاما بغير صفته فلا يلزم المستأجر أن يدفعه ويدفعه بالصفة فعلى هذا الباب كله وقياسه
( قال الشافعي ) إذا تكارى الرجل الأرض ذات الماء من العين ، أو النهر نيل ، أو غير نيل ، أو الغيل ، أو الآبار على أن يزرعها غلة الشتاء والصيف فزرعها إحدى الغلتين والماء قائم ثم نضب الماء فذهب قبل الغلة الثانية فأراد رد الأرض بذهاب الماء فذلك له ويكون عليه من الكراء بحصة ما زرع إن كانت حصة الزرع الذي حصد الثلث ، أو النصف ، أو الثلثين أو أقل ، أو أكثر أدى إلى ذلك وسقطت عنه حصة الزرع الثاني الذي انقطع الماء قبل أن يكون ، وهذا مثل الدار يكتريها فيسكنها بعض السنة ثم تنهدم في آخرها فيكون عليه حصة ما سكن وتبطل عنه حصة ما لم يقدر على سكنه فالماء إذا كان لا صلاح للزرع إلا به كالبناء الذي لا صلاح للمسكن إلا به ، وإذا تكارى من الرجل الأرض السنة على أن يزرعها ما شاء فزرعها وانقضت السنة ، وفيها زرع لم يبلغ أن يحصد فإن كانت السنة قد يمكنه فيها أن يزرع زرعا يحصد قبلها فالكراء جائز وليس لرب الزرع أن يثبت زرعه وعليه أن ينقله عن رب الأرض إلا أن يشاء رب الأرض تركه قرب ذلك ، أو بعد ، لا خلاف في ذلك ، وإن كان شرط أن يزرعها صنفا من الزرع يستحصد ، أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقت من السنة وانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضا ، وإن تكاراها مدة هي أقل من سنة ، وشرط أن يزرعها شيئا بعينه ويتركه حتى يستحصد فكان يعلم أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل هذه المدة التي تكاراها إليها فالكراء فاسد من قبل أني أثبت بينهما شرطهما ، ولو أثبت على رب الأرض أن يبقي زرعه فيها بعد انقطاع المدة أبطل شرط رب الزرع أن يتركه حتى يستحصد ، وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الأرض فكان هذا كراء فاسدا ولرب الأرض كراء مثل أرضه إذا زرع وعليه ترك الزرع حتى يستحصد ، وإن ترافعا قبل أن يزرع فسخت الكراء بينهما .
وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض التي لا ماء لها والتي إنما تسقى بنطف السماء ، أو السيل إن حدث فلا يصلح كراؤها إلا على أن يكريه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها يصنع بها المكتري ما شاء في سنة إلا أنه لا يبني ، ولا يغرس فيها ، وإذا وقع على هذا الكراء صح ، فإذا جاءه ماء من سيل ، أو مطر فزرع عليه ، أو لم يزرع ، أو لم يأته ماء فالكراء له لازم ، وكذلك إن كان شرطه أن يزرعها ، وقد يمكنه زرعها عثريا بلا ماء ، أو يمكنه أن يشتري لها ماء من موضع فأكراه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها على أن يزرعها إن شاء ، أو يفعل بها ما شاء صح الكراء ولزمه زرع أو لم يزرع ، وإن أكراه إياها على أن يزرعها ، ولم يقل أرضا بيضاء لا ماء لها وهما يعلمان أنها لا تزرع إلا بمطر ، أو سيل يحدث فالكراء فاسد في هذا كله فإن زرعها فله ما زرع وعليه أجر مثلها .
( وقال الربيع ) فإن قال قائل : لم أفسدت الكراء في هذا ؟ قيل : من قبل أنه قد لا يجيء الماء عليها فيبطل الكراء ، وقد يجيء فيتم الكراء . فلما كان مرة يتم ومرة لا يتم بطل الكراء
( قال الشافعي ) : وإذا تكارى الرجل الأرض ذات النهر مثل النيل وغيره مما يعلو الأرض على أن يزرعها زرعا هو معروف أن ذلك الزرع لا يصلح إلا بأن يرويها النيل لا يتركها ، ولا تشرب غيره كرهت هذا الكراء وفسخته إذا كانت الأرض بيضاء ثم لم يصح حتى يعلو الماء الأرض علوا يكون ريا لها ، أو يصلح به الزرع بحال ، فإذا تكوريت ريا بعد نضوب الماء فالكراء صحيح لازم للمكتري زرع ، أو لم يزرع قل ما يخرج [ ص: 17 ] من الزرع ، أو كثر ، وإن تكاراها والماء قائم عليها ، وقد ينحسر لا محالة في وقت يمكن فيه الزرع فالكراء فيه جائز ، وإن كان قد ينحسر ، ولا ينحسر كرهت الكراء إلا بعد انحساره وكل شيء أجزت كراءه أو بيعه أجزت النقد فيه ، وإن تكارى الرجل للزرع فزرعها أو لم يزرعها حتى جاء عليها النيل ، أو زاد ، أو أصابها شيء يذهب الأرض انتقض الكراء بين المستأجر ورب الأرض من يوم تلفت الأرض ، ولو كان بعض الأرض تلف وبعض لم يتلف ، ولم يزرع فرب الزرع بالخيار إن شاء أخذ ما بقي بحصته من الكراء ، وإن شاء ردها ; لأن الأرض لم تسلم له كلها ، وإن كان زرع أبطل عنه ما تلف ولزمته حصة ما زرع من الكراء وهكذا كراء الدور وأثمان المتاع والطعام إذا جمعت الصفقة منه مائة صاع بثمن معلوم فتلف خمسون صاعا فالمشتري بالخيار في أن يأخذ الخمسين بحصتها من الثمن أو يرد البيع ; لأنه لم يسلم له كله كما اشترى
( قال الشافعي ) ، وإذا اكترى الرجل الأرض من الرجل بالكراء الصحيح ثم أصابها غرق منعه الزرع ، أو ذهب بها سيل أو غصبها فحيل بينه وبينها سقط عنه الكراء من يوم أصابها ذلك وهي مثل الدار يكتريها سنة ويقبضها فتهدم في أول السنة ، أو آخرها والعبد يستأجره السنة فيموت في أول السنة أو آخرها فيكون عليه من الإجارة بقدر ما سكن واستخدم ويسقط عنه ما بقي ، وإن أكراه أرضا بيضاء يصنع فيها ما شاء ، أو لم يذكر أنه اكتراها للزرع ثم انحسر الماء عنها في أيام لا يدرك فيها زرعا فهو بالخيار بين أن يأخذ ما بقي بحصته من الكراء ، أو يرده ; لأنه قد انتقص مما اكترى ، وكذلك إن اكتراها للزرع وكراؤها للزرع أبين في أن له أن يردها إن شاء ، وإن كان مر بها ماء فأفسد زرعه ، أو أصابه حريق ، أو ضريب أو جراد ، أو غير ذلك فهذا كله جائحة على الزرع لا على الأرض فالكراء له لازم فإن أحب أن يجدد زرعا جدده إن كان ذلك يمكنه ، وإن لم يمكنه فهذا شيء أصيب به في زرعه لم تصب به الأرض فالكراء له لازم ، وهذا مفارق للجائحة في الثمرة يشتريها الرجل فتصيبها الجائحة في يديه قبل أن يمكنه جدادها ، ومن وضع الجائحة ثم انبغى أن لا يضعها ههنا فإن قال قائل : إذا كانتا جائحتين فما بال إحداهما توضع والأخرى لا توضع ، فإن من وضع الجائحة الأولى فإنما يضعها بالخبر ، وبأنه إذا كان البيع جائزا في شراء الثمرة إذا بدا صلاحها وتركها حتى تجد فإنما ينزلها بمنزلة الكراء الذي يقبض به الدار ثم تمر به أشهر ثم تتلف الدار فيسقط عنه الكراء من يوم تلفت وذلك أن العين التي اكترى واشترى تلفت وكان الشراء في هذا الموضع إنما يتم بسلامته إلى أن يجد والمكتري الأرض لم يشتر من رب الأرض زرعا إنما اكترى أرضا .
ألا ترى أنه لو تركها فلم يزرعها حتى تمضي السنة كان عليه كراؤها ، ولو أراد أن يزرعها بشيء يقيم تحت الأرض حتى لو مر به سيل لم ينزعه كان ذلك له ؟ ، ولو تكاراها حتى إذا استحصدت فأصاب الأرض حريق فاحترق الزرع لم يرجع على رب الأرض بشيء من قبل أنه لم يتلف شيء كان أعطاه إياه إنما تلف شيء يضعه الزارع من ماله كما لو تكارى منه دارا للبر فاحترق البر ، ولا مال له غيره وبقيت الدار سالمة لم ينتقص سكنها كان الكراء له لازما ، ولم يكن احتراق المتاع من معنى الدار بسبيل .
وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض سنة مسماة أو سنته هذه فزرعها وحصد وبقي من سنته هذه شهر ، أو أكثر أو أقل لم يكن لرب الأرض أن يخرجها من يده حتى تكمل سنته ، ولا يكون له أن يأخذ جميع الكراء إلا باستيفاء المكتري جميع السنة وسواء كانت الأرض أرض المطر ، أو أرض السقي ; لأنه قد يكون فيها منافع من زرع وعثري وسيل ومطر ، ولا يؤيس من المطر على حال ولمنافع سوى هذا لا يمنعها المكتري ، وإذا استأجر الرجل من الرجل [ ص: 18 ] الأرض ليزرعها قمحا فأراد أن يزرعها شعيرا ، أو شيئا من الحبوب سوى القمح فإن كان الذي أراد أن يزرعه لا يضر بالأرض إضرارا أكثر من إضرار ما شرط أنه يزرع ببقاء عروقه في الأرض ، أو إفساده الأرض بحال من الأحوال فله زرعها ما أراد بهذا المعنى كما يكتري منه الدار على أن يسكنها فيسكنها مثله ، وإن كان ما أراد زرعها ينقصها بوجه من الوجوه أكثر من نقص ما اشترط أن يزرعها لم يكن له زرعها فإن زرعها فهو متعد ورب المال بالخيار بين أن يأخذ منه الكراء الذي سمى له وما نقص زرعه الأرض عما ينقصها الزرع الذي شرط له أو يأخذ منه كراء مثلها في مثل ذلك الزرع ، وإن كان قائما في وقت يمكنه فيه الزرع كان لرب الأرض قطع زرعه إن شاء ويزرعها المكتري مثل الزرع الذي شرط له ، أو ما لا يضر أكثر من إضراره .
وإذا تكارى الرجل من الرجل البعير ليحمل عليه خمسمائة رطل قرطا فحمل عليه خمسمائة رطل حديد ، أو تكارى ليحمل عليه حديدا فحمل عليه قرطا بوزنه فتلف البعير فهو ضامن من قبل أن الحديد يستجمع على ظهره استجماعا لا يستجمعه القرط فبهذه يتلف وأن القرط ينتشر على ظهر البعير انتشارا لا مر الحديد فيعمه فيتلف وأصل هذا أن ينظر إذا اكترى منه بعيرا على أن يحمل عليه وزنا من شيء بعينه فحمل عليه وزنه من شيء غيره فإن كان الشيء الذي حمل عليه يخالف الشيء الذي شرط أن يحمله حتى يكون أضر بالبعير منه فتلف ضمن ، وإن كان لا يكون أضر به منه وكان مثله ، أو أحرى أن لا يتلف البعير فحمله فتلف لم يضمن .
وكذلك إن تكارى دابة ليركبها فحمل عليها غيره مثله في الخفة ، أو أخف منه فهكذا لا يضمن ، وإن كان أثقل منه فتلف ضمن ، وإن كان أعنف ركوبا منه ، وهو مثله في الخفة فانظر إلى العنف فإن كان العنف شيئا ليس كركوب الناس وكان متلفا ضمن ، وإن كان كركوب الناس لم يضمن وذلك أن أركب الناس قد يختلف بركوب ، ولا يوقف للركوب على حد إلا أنه إذا فعل في الركوب ما يكون خارجا به من ركوب العامة ومتلفا فتلف الدابة ضمن .
وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا عشر سنين على أن يزرع فيها ما شاء فلا يمنع من شيء من الزرع بحال ، فإن أراد الغراس فالغراس غير الزرع ; لأنه يبقى فيها بقاء لا يبقاه الزرع ويفسد منها ما لا يفسد الزرع فإن تكاراها مطلقة عشر سنين ثم اختلفا فيما يزرع فيها ، أو يغرس كرهت الكراء وفسخته ، ولا يشبه هذا السكن شيء على وجه الأرض ، وهذا شيء على وجهها وبطنها ، فإذا تكاراها على أن يغرس فيها ويزرع ما شاء ، ولم يزد على ذلك فالكراء جائز ، وإذا انقضت يرعى لم يكن لرب الأرض قلع غراسه حتى يعطيه قيمته في اليوم الذي يخرجه منها قائما على أصوله وبثمره إن كان فيه ثمر ولرب الغراس إن شاء أن يقلعه على أن عليه إذا قلعه ما نقص الأرض والغراس كالبناء إذا كان بإذن مالك الأرض مطلقا لم يكن لرب الأرض أن يقلع البناء حتى يعطيه قيمته قائما في اليوم الذي يخرجه
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (147)
صــــــــــ 19 الى صـــــــــــ26
( قال الشافعي ) : وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض يزرعها ، وفيها نخله أو مائة نخلة ، أو أقل ، أو أكثر ، وقد رأى ما استأجر منه من البياض زرع في البياض ، ولم يكن له من ثمر النخل قليل ، ولا كثير وكان ثمر النخل لرب النخل ، ولو استأجرها منه بألف دينار على أن له ثمر نخله يسوى درهما أو أقل ، أو أكثر كانت الإجارة فاسدة من قبل أنها انعقدت عقدة واحدة على حلال ومحرم فالحلال الكراء والحرام ثمر النخلة إذا كان هذا قبل أن يبدو صلاحه ، وإن كان بعدما يبدو صلاحه فلا [ ص: 19 ] بأس به إذا كانت النخلة بعينها ( قال الشافعي ) وسواء في هذا كثر الكراء في الأرض ، أو الدار وقلت الثمرة ، أو كثرت ، أو قل الكراء كما كان لا يحل أن تباع ثمرة نخلة قبل أن يبدو صلاحها وكان هذا فيها محرما كما هو في ألف نخلة ، وكذلك إذا وقعت الصفقة على بيعه قبل يبدو صلاحه بحال ; لأن الذي يحرم كثيرا يحرم قليلا وسواء كانت النخلة صنوانا واحدا في الأرض أو مجتمعة في ناحية ، أو متفرقة
( قال الشافعي ) وإذا تكارى الرجل الدار ، أو الأرض إلى سنة كراء فاسدا فلم يزرع الأرض ، ولم ينتفع بها ، ولم يسكن الدار ، ولم ينتفع بها إلا أنه قد قبضها عند الكراء ومضت السنة لزمه كراء مثلها كما كان يلزمه إن انتفع بها ، ألا ترى أن الكراء لو كان صحيحا فلم ينتفع بواحدة منهما حتى تمضي سنة لزمه الكراء كله من قبل أنه قبضه وسلمت له منفعته فترك حقه فيها فلا يسقط ذلك حق رب الدار عليه فلما كان الكراء الفاسد إذا انتفع به المكتري يرد إلى كراء مثله كان حكم كراء مثله في الفاسد كحكم الكراء الصحيح ، وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار سنة فقبضها المكتري ثم غصبه إياها من لا يقوى عليه سلطان ، أو من يرى أنه يقوى عليه سلطان فسواء لا كراء عليه في واحد منهما ، ولو أراد المكتري أن يكون خصما للغاصب لم يكن له خصما إلا بوكالة من رب الدار وذلك أن الخصومة للغاصب إنما تكون في رقبة الدار فلا يجوز أن يكون خصما في الدار إلا رب الدار ، أو وكيل لرب الدار والكراء لا يسلم للمكتري إلا بأن يكون المكري مالكا للدار والمكتري لم يكتر على أن يكون خصما لو كان ذلك جائزا له ، أرأيت لو خاصمه فيها سنة فلم يتبين للحاكم أن يحكم بينهما أتجعل على المكتري كراء ، ولم يسلم له أم تجعل للمخاصم إجارة على رب الدار في عمله ، ولم يوكله ؟ أو رأيت لو أقر رب الدار بأنه كان غصبها من الغاصب ، ألا يبطل الكراء ؟ أو رأيت لو أقر المتكاري أن رب الدار غصبها من الغاصب أيقضى على رب الدار أنه غاصب بإقرار غير مالك ، ولا وكيل ؟ فهل يعدو المكتري إذا قبض الدار ثم غصبت أن يكون الغصب على رب الدار ، ولم تسلم للمكتري المنفعة بلا مؤنة عليه كما اكترى ؟ فإن كان هذا هكذا فسواء غصبها من لا يقوى عليه سلطان ، أو من يقوى عليه سلطان ، ولا يكون عليه كراء ; لأنه لم تسلم له المنفعة أو يكون الغصب على المكتري دون رب الدار ويكون ذلك شيئا أصيب به المكتري كما يصاب ماله فيلزمه الكراء غصبها إياه من يقوى عليه السلطان ، أو من لا يقوى عليه .
وإذا ابتاع الرجل من الرجل العبد ودفع إليه الثمن ، أو لم يدفعه وافترقا عن تراض منهما ثم مات العبد قبل أن يقبضه المشتري ، وإن لم يحل البائع بينه وبينه كان حاضرا عندهما قبل البيع وبعده حتى توفي العبد فالعبد من مال البائع لا من مال المبتاع ، وإن حدث بالعبد عيب كان المبتاع بالخيار بين أن يقبض العبد أو يرده ، وكذلك لو اشتراه وقبضه كان الثمن دارا ، أو عبدا ، أو ذهبا بأعيانها ، أو عرضا من العروض فتلف الذي ابتاع به العبد مما وصفنا في يدي مشتري العبد كان البيع منتقضا وكان من مال مالكه ، فإن قال قائل : قد هلك هذا العبد ، وهذا العرض ثم لم يحدث واحد منهما حولا بينه وبين ملكه إياه فكيف يكون من مال البائع حتى يسلمه للمبتاع ؟ فقيل له بالأمر البين مما لا يختلف الناس فيه من أن من كان بيده ملك لرجل مضمونا عليه أن يسلمه إليه من دين عليه أو حق لزمه من وجه من الوجوه أرش جناية ، أو غيرها ، أو غصب ، أو أي شيء ما كان فأحضره ليدفع إلى مالكه حقه فيه عرضا بعينه أو غير عينه فهلك في يده لم يبرأ بهلاكه في يده ، وإن لم يحل بينه وبين صاحبه وكان ضمانه منه حتى يسلمه إليه ، ولو أقاما بعد إحضاره إياه في مكان واحد يوما واحدا ، أو سنة ، أو أقل أو أكثر ; لأن ترك الحول بغير الدفع لا يخرج من عليه [ ص: 20 ] الدفع إلا بالدفع فكان أكثر ما على المتبايعين أن يسلم هذا ما باع ، وهذا ما اشترى به فلما لم يفعلا لم يخرجا من ضمان بحال وقال الله جل وعلا { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، فلو أن امرأ نكح امرأة واستخزنها ماله ، ولم يحل بينها وبين قبض صداقها ، ولم يدفعه إليها لم يبرأ منه بأن يكون واجدا له وغير حائل دونه وأن تكون واجدة له غير محول بينها وبينه وقال الله عز وجل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ، فلو أن امرأ أحضر مساكين وأخبرهم أن لهم في ماله دراهم أخرجها بأعيانها من زكاة ماله فلم يقبضوها ، ولم يحل بينهم وبينها لم تخرج من أن تكون مضمونة عليه حتى يؤديها ، ولو تلفت في يده تلفت من ماله ، وكذلك لو تطهر للصلاة وقام يريدها ، ولا يصليها لم يخرج من فرضها حتى يصليها .
ولو وجب عليه أن يقتص من نفسه من دم ، أو جرح فأحضر الذي له القصاص وخلى بينه وبين نفسه ، أو خلى الحاكم بينه وبينه فلم يقتص ، ولم يعف لم يخرج هذا مما عليه من القصاص ثم لا يخرج أحدهما مما قبله إلا بأن يؤديه إلى من هو له ، أو يعفوه الذي هو له وهكذا أصل فرض الله جل وعز في جميع ما فرض ، قال الله عز وجل { ودية مسلمة إلى أهله } فجعل التسلم الدفع لا الوجود وترك الحول والدفع وقال في اليتامى { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } ففرض على كل من صار إليه حق لمسلم ، أو حق له أن يكون مؤديه وأداؤه دفعه لا ترك الحول دونه سواء دعاه إلى قبضه ، أو لم يدعه ما لم يبرئه منه فيبرأ منه بالبراءة أو يقبضه منه في مقامه ، أو غير مقامه ثم يودعه إياه ، وإذا قبضه ثم أودعه إياه فضمانه من مالكه ( قال الربيع ) يريد القابض له ، وهو المشتري
( قال الشافعي ) : وإذا اكترى الرجل من الرجل الأرض ، أو الدار كراء صحيحا بشيء معلوم سنة أو أكثر تم قبض المكتري ما اكترى فالكراء له لازم فيدفعه حين يقبضه إلا أن يشترطه إلى أجل فيكون إلى أجله فإن سلم له ما اكترى ، فقد استوفى ، وإن تلف رجع بما قبض منه من الكراء كله فيما لم يستوف فإن قال قائل فكيف يجوز أن يكون يدفع إليه الكراء كله ولعل الدار أن تتلف ، أو الأرض قبل أن يستوفى ؟ قيل : لا أعلم يجوز غير هذا من أن تكون الدار التي ملك منفعتها مدفوعة إليه فيستوفي المنفعة المدة التي شرطت له وأولى الناس أن يقول بهذا من زعم أن الجائحة موضوعة ، وقد دفع البائع الثمرة إلى المشتري ، ولو شاء المشتري أن يقطعها كلها قطعها فلما كان المشتري إذا تركها إلى أوان يرجو أن تكون خيرا له فتلف رجع بحصة ما تلف كان في الدار التي لا يقدر على قبض منفعتها إلا في مدة تأتي عليها أولى أن يجعل الثمن للمكري حالا كما يجعله للثمرة إلا أن يشترطه إلى أجل .
فإن قال قائل : من قال هذا ؟ قيل له عطاء بن أبي رباح وغيره من المكيين فإن قال فما حجتك على من قال من المشرقيين إذا تشارطا فهو على شرطهما ، وإن لم يتشارطا فكلما مر عليه يوم له حصة من الكراء كان عليه أن يدفع كراء يومه قيل له : من قال هذا لزمه في أصل قوله أن يجيز الدين بالدين إذا لم يقل كما قلنا : إن الكراء يلزم بدفع الدار ; لأنه لا يوجد في هذا أبدا دفع غيره ، وقال : المنفعة تأتي يوما بعد يوم فلا أجعل دفع الدار يكون في حكم دفع المنفعة ، قيل : فالمنفعة دين لم يأت والمال دين لم يأت ، وهذا الدين بالدين وسواء كانت أرض نيل أو غيرها ، أو أرض مطر
( قال ) وإذا تكارى الرجل المسلم من الذمي أرض عشر ، أو خراج فعليه فيما أخرجت من الزرع الصدقة فإن قال قائل : فما الحجة في هذا ؟ قيل لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة من [ ص: 21 ] قوم كانوا يملكون أرضهم من المسلمين وهذه أرض من زرعها من المسلمين فإنما زرع ما لا يملك من الأرض وما كان أصله فيئا ، أو غنيمة ، فإن الله جل ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وخاطبهم بأن قال { وآتوا حقه يوم حصاده } فلما كان الزرع مالا من مال المسلم والحصاد حصاد مسلم تجب فيه الزكاة وجب عليه ما كان لا يملك رقبة الأرض ، فإن قال فهل من شيء توضحه غير هذا ؟ قيل : نعم الرجل يتكارى من الرجل الأرض أو يمنحه إياها فيكون عليه في زرعها الصدقة كما يكون عليه لو زرع أرض نفسه ، فإن قال : فهذه لمالك معروف ، قيل : فكذلك يتكارى في الأرض الموقوفة على أبناء السبيل وغيرهم ممن لا يعرف بعينه ، وإنما يعرف بصفته فيكون عليه في زرعها الصدقة .
فإن قال : هذا هكذا ، ولكن أصل هذه لمسلم ، أو لمسلمين وأصل تلك لمشرك قيل لو كانت لمشرك ما حل لنا إلا بطيب نفسه ، ولكن لما كانت عنوة ، أو صلحا كانت مالا للمسلمين كما تغنم أموالهم من الذهب والفضة فيكون علينا فيها الصدقة كما يكون علينا فيما ورثنا من آبائنا ; لأن ملكهم قد انقطع عنهم فصار لنا ، وكذلك الأرض فإن قال قائل فهي لقوم غير معروفين ، قيل هي لقوم معروفين بالصفة من المسلمين ، وإن لم يكونوا معروفين أعيانهم كما تكون الأرض الموقوفة لقوم موصوفين ، فإن قال : فالخراج يؤخذ منها ، قيل : لولا أن الخراج كراء ككراء الأرض الموقوفة وكراء الأرض للرجل حرم على المسلم أن يؤدي خراجا وعلى الآخذ منه أن يأخذ منها خراجا ، ولكنه إنما هو كراء ، ألا ترى أن الرجل يكتري الأرض بالشيء الكثير فلا يحسب عليه ، ولا له فيخفف عنه من صدقتها شيء لما أدى من كرائها
( قال الشافعي ) فإذا ابتاع الرجل من الرجل عبدا فتصادقا على البيع والقبض واختلفا في الثمن والعبد قائم تحالفا وترادا فإن كان العبد تالفا تحالفا ببلعه قيمة العبد ، وإذا كان قائما وهما يتصادقان في البيع ويختلفان في الثمن رد العبد بعينه فكل ما كان على إنسان أن يرده بعينه ففات رده بقيمته ; لأن القيمة تقوم مقام العين إذا فاتت العين فإن كان هذا في كل شيء فما أخرج هذا من تلك الأشياء ؟ لا يجوز أن يفرق بين المجتمع في المعنى إلا بخبر يلزم وهكذا في الدور والأرضين إذا اختلفا قبل أن يسكن أو يزرع تحالفا ببلعه ، فإذا اختلفا بعد الزرع والسكن تحالفا ببلعه قيمة الكراء ، وإن سكن بعضا رد قيمة ما سكن وفسخ الكراء فيما لم يسكن ، وإن تكارى أرضا لزرع فزرعها وبقي له سنة ، أو أكثر تحالفا وتفاسخا فيما بقي ورد كراء مثلها فيما زرع .
قال : وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة بعشرة تصادقا على الكراء ومبلغه واختلفا في الموضع الذي تكارى إليه فقال المكتري اكتريتها إلى المدينة بعشرة وقال المكري اكتريتها بعشرة إلى أيلة فإن لم يكن ركب الدابة تحالفا ببلعه ، وإن كان ركبها تحالفا وكان لرب الدابة كراء مثلها إلى الموضع الذي ركبها إليه وفسخ الكراء في ذلك الموضع ; لأن كليهما مدع ومدعى عليه ; لأن الكراء بيع من البيوع ، وهذا مثل معنى قولنا في البيوع ، وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض ليزرعها فغرقت كلها قبل الزرع رجع بالإجارة ; لأن المنفعة لم تسلم له وهي مثل الدار تنهدم قبل السكنى فإن غرق بعضها فهذا نقص دخل عليه فيما اكترى وله الخيار بين حبسها بالكراء أو ردها ; لأنه لم يسلم له ما اكترى كما اكترى كما يكون له في الدار لو انهدم بعضها أن يحبس ما بقي بحصته من الكراء كأن انهدم نصفها فأراد أن يقيم في نصفها الباقي بنصف الكراء فذلك له ; لأنه نقص دخل عليه فرضي [ ص: 22 ] بالنقص ، وإن شاء أن يخرج ويفسخ الكراء كان ذلك له إذا كان بعض ما بقي من الدار والأرض ليس مثل ما ذهب .
( قال الشافعي ) : وكذلك لو اشترى مائة إردب طعاما فلم يستوفها حتى تلف نصفها في يدي البائع كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن ( قال الربيع ) الطعام عندي خلاف الدار ينهدم بعضها ; لأن الطعام شيء واحد والدار لا يكون بعضها مثل بعض سواء مثل الطعام .
( قال الشافعي ) وأصل هذا أن ينظر إلى البيعة ، فإذا وقعت على شيء يتبعض ويجوز أن يقبض بعضه دون بعض فتلف بعضه قلت فيه هكذا ، وإن وقعت على شيء لا يتبعض مثل عبد اشتريته فلم تقبضه حتى حدث به عيب كنت فيه بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده ; لأنه لم يسلم لك فتقبضه غير معيب .
فإن قال قائل : ما فرق ما بين هذين ؟ قيل : لا يكون العبد يتبعض من العيب ، ولا العيب يتبعض من العبد ، فقد يكون المسكن متبعضا من المسكن من الدار والأرض ، وكذلك إذا تكارى الرجل من الرجل الأرض عشر سنين بمائة دينار لم يجز حتى يسمي لكل سنة شيئا معلوما ، وإذا اكترى الرجل من الرجل أرضه ، أو داره فقال : أكتريها منك كل سنة بدينار أو أكثر ، ولم يسم السنة التي يكتريها ، ولا السنة التي ينقطع إليها الكراء فالكراء فاسد لا يجوز إلا على أمر يعرفه المكري والمكتري .
كما لا تجوز البيوع إلا على ما يعرف ، وهذا كلام يحتمل أن يكون الكراء فيه ينقضي إلى مائة سنة ، أو أكثر أو أقل ويحتمل أن يكون سنة ويحتمل أقل من سنة فكان هذا كراء مجهولا يفسخه قبل السكنى .
فإن فات فيه السكنى جعلنا فيه على المكتري أجر مثله كان أكثر مما وقع به الكراء ، أو أقل : إذا أبطلنا أصل العقد فيه وصيرناه قيمة لم نجعل الباطل دليلا على الحق
( قال الشافعي ) : فإذا زرع الرجل أرض رجل فادعى أن رب الأرض أكراه ، أو أعاره إياها وجحد رب الأرض فالقول قول رب الأرض مع يمينه ويقلع الزارع في زرعه وعلى الزارع كراء مثل أرضه إلى يوم يقلع زرعه .
( قال الشافعي ) وسواء كان ذلك في إبان الزرع ، أو في غير إبانه إذا كان زارع الأرض المدعي للكراء حبسها عن مالكها فإنما أحكم عليه حكم الغاصب ، وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا فيها زرع لغيره لا يستطيع إخراجه منها إلى أن يحصده فالكراء مفسوخ لا يجوز حتى يكون المكتري يرى الأرض لا حائل دونها من الزرع ويقبضها لا حائل دونها من الزارعين لأنا نجعله بيعا من البيوع فلا يجوز أن يبيع لرجل عينا لا يقدر المبتاع على قبضها حين تجب له ويدفع الثمن ، ولا أن نجعل على المبتاع والمكتري الثمن ولعل المكترى أن يتلف قبل أن يقبضه ، ولا يجوز أن نقول له الثمن دين إلى أن يقبض فذلك دين بدين
( قال الشافعي ) ولا بأس بالسلف في الأرض والدار قبل أن يكتريهما ويقبضهما ، ولكن يكتري الأرض والدار ويقبضهما مكانهما لا حائل بينهما ومتى حدث على واحد منهما حادث يمنع من منفعته رجع المكتري بحصته من الكراء من يوم حدث الحادث ، وهكذا العبد وجميع الإجارات وليس هذا بيع وسلف إنما البيع والسلف أن تنعقد العقدة على إيجاب بيع وسلف بين المتبايعين فيكون الثمن غير معلوم من قبل أن للمبيع حصته من السلف في أصل ثمنه لا تعرف ; لأن السلف غير مملوك ( قال الشافعي ) وكل ما جاز لك أن تشتريه على الانفراد جاز لك أن تكتريه على الانفراد والكراء بيع من البيوع وكل ما لم يجز لك أن تشتريه على الانفراد لم يجز لك أن تكتريه على [ ص: 23 ] الانفراد ، ولو أن رجلا اكترى من رجل أرضا بيضاء ليزرعها شجرا قائما على أن له الشجر وأرضه كان في الشجر ثم بالغ ، أو غض ، أو لم يكن فيه كان هذا كراء جائزا كما يكون بيعا جائزا ( قال الربيع ) يريد أن لصاحب الأرض البيضاء الشجر وأرض الشجر
( قال الشافعي ) : ولو تكارى الأرض بالثمرة دون الأرض والشجر فإن كانت الثمرة قد حل بيعها جاز الكراء بها ، وإن كانت لم يحل بيعها لم يحل الكراء بها . قال الله تبارك وتعالى { ، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقال عز وجل { ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } فكانت الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كله إلا أن تكون دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في إجماع المسلمين الذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد الله ، تخص تحريم بيع دون بيع فنصير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه ; لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد الله خاصا وعاما ووجدنا الدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم شيئين : أحدهما : التفاضل في النقد ، والآخر : النسيئة كلها وذلك أنه يحرم الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد ، وكذلك الفضة ، وكذلك أصناف من الطعام الحنطة والشعير والتمر والملح فحرم في هذا كله معنيان التفاضل في الجنس الواحد وأباح التفاضل في الجنسين المختلفين وحرم فيه كله النسيئة فقلنا : الذهب والورق هكذا ; لأن نصه في الخبر وقلنا كل ما كان مأكولا ومشروبا هكذا ; لأنه في معنى ما نص في الخبر ، وما سوى هذا فعلى أصل الآيتين من إحلال الله ، البيع حلال كله بالتفاضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة فكانت لنا بهذا دلائل مع وصفنا ، منها { أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع عبدا بعبدين } وأجاز ذلك علي بن أبي طالب وابن المسيب وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ، ولو لم يكن فيه هذا الخبر ما جاز فيه إلا هذا القول على هذا المعنى أو قول ثان ، وهو أن يقال : إذا كان الشيئان من صنف واحد فلا يجوز إلا أن يكونا سواء بسواء وعينا بعين ومثلا بمثل كما يكون الذهب بالذهب ، وإذا اختلفا فلا بأس بالتفاضل يدا بيد ، ولا خير فيه نسيئة كما يكون الذهب بالورق والتمر بالحنطة .
ثم لم يجز أن يباع بعير ببعيرين يدا بيد من قبل أنهما من صنف واحد ، وإن اختلفت رحلتهما ونجابتهما ، وإذا لم يجز يدا بيد كانت النسيئة أولى أن لا تجوز ، فإن قال قائل : قد يختلفان في الرحلة ، وكذلك التمر قد يختلف في الحلاوة والجودة حتى يكون المد من البرني خيرا من المدين من غيره ، ولا يجوز إلا مثل بمثل ويدا بيد ; لأنهما تمران يجمعان معا على صاحبهما في الصدقة ; لأنهما جنس ، وكذلك البعيران جنس يجتمعان على صاحبهما في الصدقة ، وكذلك الذهب منه ما يكون المثقال ثمن ثلاثين درهما لجودته ومنه ما يكون المثقال بشيء أقل منه بكثير لتفاضلهما ، ولا يجوز ، وإن تفاضلا أن يباعا إلا مثلا بمثل يدا بيد ويجمعان على صاحبهما في الصدقة ، فإما أن تجري الأشياء كلها قياسا عليه ، وإما أن يفرق بينها وبينه كما قلنا وبالدلائل التي وصفنا ، وبأن المسلمين أجمعوا على أن الذهب والورق يسلمان فيما سواهما بخلاف ما سواهما فيهما ، فأما أن يتحكم المتحكم فيقول مرة في شيء من الجنس لا يجوز الفضل في بعضه على بعض قياسا على هذا .
ثم يقول مرة أخرى ليس هو من هذا فإن كان هذا جائزا لأحد جاز لكل امرئ أن يقول ما خطر على قلبه ، وإن لم يكن من أهل العلم ; لأن الخاطر لا يعدو أن يوافق أثرا ، أو يخالفه ، أو قياسا أو يخالفه ، فإذا جاز لأحد الأخذ بالأثر وتركه والأخذ بالقياس وتركه لم يكن ها هنا معنى إلا أن يقول امرؤ بما شاء ، وهذا محرم على الناس
( قال الشافعي ) الإجارة كما وصفت بيعا من البيوع فلا بأس أن تستأجر العبد سنة بخمسة دنانير فتعجل الدنانير ، أو تكون إلى سنة ، أو سنتين ، أو عشر سنين فلا [ ص: 24 ] بأس إن كانت عليك خمسة دنانير حالة أن تؤاجر بها عبدا لك من رب الدنانير إذا قبض العبد وليس من هذا شيء دينا بدين الحكم في المستأجر أن يدفع إلى المستأجر له نقدا غير أن صاحبه يستوفي الإجارة في مدة تأتي ، ولولا أن الحكم فيه هكذا ما جازت الإجارة بدين أبدا من قبل أن هذا دين بدين ، ولا عرفت لها وجها تجوز فيه وذلك أني إن قلت لا تجب الإجارة إلا باستيفاء المستأجر من المنفعة ما يكون له حصة من الثمن كانت الإجارة منعقدة والمنفعة دين فكان هذا دينا بدين . ولو قلت : يجوز أن أستأجر منك عبدك بعشرة دنانير شهرا ، فإذا مضى الشهر دفعت إليك العشرة كانت العشرة دينا وكانت المنفعة دينا فكان هذا دينا بدين ، ولو قلت أدفع إليك عشرة وأقبض العبد يخدمني شهرا كان هذا سلفا في شيء غير موصوف وسلفا غير مضمون على صاحبه وكان هذا في هذه المعاني كلها إبطال الإجارات ، وقد أجازها الله تعالى وأجازتها السنة وأجازها المسلمون ، وقد كتبنا تثبيت إجازتها في كتاب الإجارات ، ولولا أن ما قلت كما قلت إن دفع المستأجر من دار وعبد إلى المستأجر دفع العين التي فيها المنفعة فيحل في الإجارة النقد والتأخير ; لأن هذا نقد بنقد ونقد بدين ما جازت الإجارات بحال أبدا فإن قال قائل : فهي لا يقدر على المنفعة فيها إلا في مدة تأتي قلنا قد عقلنا أن الإجارات منذ كانت هكذا ، فإن حكمها حكم الطعام يبتاع كيلا فتشرع في كيله فلا تأخذ منه ثانيا أبدا إلا بعد بادئ ، وكذلك أنه لا يمكنك فيه غير هذا ، وكذلك السكنى والخدمة لا يمكن فيهما أبدا غير هذا فأما من قال ممن أجاز الإجارات يجوز أن يستأجر العبد شهرا بدينار ، أو شهرين ، أو ثلاثة ثم قال : ولا يجوز أن يكون لي عليك دينار فأستأجره منك به ; لأن هذا دين بدين فالذي أجاز هو الدين بالدين إذا كانت الإجارة دينا لا شك والذي أبطل هو الذي ينبغي أن يجيز من قبل أنه يجوز لي أن يكون لي عليك دينار فآخذ به منك دراهم ويكون كينونته عليك كقبضك إياه من يدي ، ولا يجوز أن يعطيك دراهم بدينار مؤجل ويزعم هنا في الصرف أنه نقد ويزعم في الإجارة أنه دين فلا بد أن يكون الحكم أنه نقد فيهما جميعا ، أو دين فيهما جميعا فإن جاز هذا جاز لغيره أن يجعله نقدا حيث جعله دينا ودينا حيث جعله نقدا
( قال الشافعي ) البيوع الصحيحة صنفان : بيع عين يراها المشتري والبائع ، وبيع صفة مضمونة على البائع ، وبيع ثالث وهو الرجل يبيع السلعة بعينها غائبة عن البائع والمشتري غير مضمونة على البائع إن سلمت السلعة حتى يراها المشتري كان فيها بالخيار باعه إياها على صفة وكانت على تلك الصفة التي باعه إياها أو مخالفة لتلك الصفة ; لأن بيع الصفات التي تلزم المشتري ما كان مضمونا على صاحبه ، ولا يتم البيع في هذا حتى يرى المشتري السلعة فيرضاها ويتفرقان بعد البيع من مقامهما الذي رآها فيه فحينئذ يتم البيع ويجب عليه الثمن كما يجب عليه الثمن في سلعة حاضرة اشتراها حتى يتفرقا بعد البيع عن تراض فيلزمهما ، ولا يجوز أن تباع هذه السلعة بعينها إلى أجل من الآجال قريب ، ولا بعيد من قبل أنه إنما يلزم بالأجل ويجوز فيما حل لصاحبه وأخذه مشتريه ولزمه بكل وجه .
فأما بيع لم يلزم فلا يجوز أن يكون إلى أجل وكيف يكون على المشتري دين إلى أجل ، ولم يتم له بيع ، ولم يره ، ولم يرضه ؟ فإن تطوع فنقد فيه على أنه إن رضي كان نقد الثمن ، وإن سخط رجع بالثمن لم يكن بهذا بأس وليس هذا من بيع وسلف ، ولا أن أسلفك في الطعام إلى أجل فآخذ منك بعد مجيء الأجل بعض طعام وبعض رأس مال فإن ذهب ذاهب إلى أن هذين أو أحدهما ، أو ما كان في مثل معناهما ، أو معنى واحد منهما من بيع وسلف فليس هذا من ذلك بسبيل ، ألا ترى أن معقولا لا شك فيه في الحديث إذا كان إنما نهى [ ص: 25 ] عن بيع وسلف فإنما نهى أن يجمعا ونهيه أن يجمعا معقول ، وذلك أن الأثمان لا تحل إلا معلومة ، فإذا اشتريت شيئا بعشرة على أن أسلفك عشرة أو تسلفني عشرة فهذا بيع وسلف ; لأن الصفقة جمعتهما معلوم السلف غير مملوك للمستسلف فله حصة من الثمن غير معلومة أو لا ترى بأن لا بأس بأن أبيعك على حدة وأسلفك على حدة إنما النهي أن يكونا بالشرط مجموعين في صفقة ، فأما إذا أعطيتك عشرة دنانير على مائة فرق إلى أجل فحلت فإنما لي عليك المائة فإن أخذتها كلها فهي مالي ، وإن أخذت بعضها فهي مالي وأقيلك فيما بقي منها بإحداث شيء لم يكن علي ، ولم يكن في أصل عقد البيع فيحرم به البيع ، وإذا جاز أن أقيلك منها كلها فيكون هذا إحداث إقالة لم تكن علي جاز هذا في بعضها .
( قال الربيع ) ( قال الشافعي ) البيع بيعان لا ثالث لهما أحدهما بيع عين يراها البائع والمشتري عند تبايعهما وبيع مضمون بصفة معلومة وكيل معلوم وأجل معلوم والموضع الذي يقبض فيه .
( قال الربيع ) : وقد كان الشافعي يجيز بيع السلعة بعينها غائبة بصفة ثم قال لا يجوز من قبل أنها قد تتلف فلا يكون يتم البيع فيها فلما كانت مرة تسلم فيتم البيع ومرة تعطب فلا يتم البيع كان هذا مفسوخا .
كراء الدواب
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال وإذا تكارى رجل دابة من مكة إلى مر فركبها إلى المدينة فعليه الكراء الذي تراضيا عليه إلى مر . فإن سلمت الدابة فعليه كراء مثلها إلى المدينة ، وإن عطبت الدابة فعليه الكراء إلى مر وقيمة الدابة ، وإن نقصت بعيب دخلها من ركوبه فأثر فيها مثل الدبر والعور وما أشبه ذلك ردها وأخذ قيمة ما نقصها كما يأخذ قيمتها لو هلكت ، وإذا رجعت إلى صاحبها أخذ ما نقصها وكراء مثلها إلى حيث تعدى ، وإذا هلكت الدابة فلم يتعد المكتري البلد الذي تكاراها إليه ، ولم يتعد بأن يحمل عليها ما ليس له ، ولا أن يركبها ركوبا لا تركبه الدواب فلا ضمان عليه ، وإن كان الكراء ذاهبا وجائيا فإنما عليه في الذهاب نصف الكراء إلا أن يكون الذهاب والجيئة يختلفان فيقسم الكراء على قدر اختلافهما بقول أهل العلم باختلافهما ، ولو تعدى عليها بعدما بلغت المكان الذي تكارها إليه ميلا ، أو أقل ثم ردها فعطبت في الموضع الذي اكتراها إليه ضمن لا يخرج من الضمان الذي تعدى إلا بأدائها سالمة إلى ربها .
الإجارات
أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال قائل ليس كراء البيوت ، ولا الأرضين ، ولا الظهر يلازم ، ولا جائز وذلك أنه تمليك والتمليك بيع ولما رأينا البيوع تقع على أعيان حاضرة ترى وأعيان غائبة موصوفة مضمونة ، والكراء ليس بعين حاضر ، ولا غائب يرى أبدا ورأينا من أجازهما ، قال إذا انهدم المنزل ، أو هلك العبد انتقض الكراء والإجارة فيهما ، وإنما التمليك ما انقطع ملك صاحبه عنه إلى من ملكه إياه ، وهو إذا ملك مستأجره منفعته فالإجارة ليست هكذا ملك العبد لمالكه ، ومنفعته لمستأجره إلى المدة التي تشترط وخدمة العبد مجهولة أيضا مختلفة بقدر نشاطه وبذله وكسله وضعفه [ ص: 26 ] وكذلك الركوب مختلف ففيها أمور تفسدها وهي عندنا بيع والبيوع ما وصفنا ، ومن أجازها ، فقد يحكم فيها بحكم البيع ; لأنها تمليك ويخالف بينها وبين البيع في أنها تمليك وليست محاطا بها ، فإن قال أشبهها بالبيع فليحكم لها بحكمه ، وإن قال هي بيع ، فقد أجاز فيها ما لا يجيزه في البيع .
( قال الشافعي ) : وهذا القول جهل ممن قاله والإجارات أصول في أنفسها بيوع على وجهها ، وهذا كله جائز قال الله تبارك وتعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } فأجاز الإجارة على الرضاع والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته وكثرة اللبن وقلته ، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت الإجارة عليه ، وإذا جازت عليه جازت على مثله وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه ، وقد ذكر الله عز وجل الإجارة في كتابه وعمل بها بعض أنبيائه . قال الله عز وجل : { قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } الآية .
( قال الشافعي ) قد ذكر الله عز وجل أن نبيا من أنبيائه آجر نفسه حججا مسماة ملكه بها بضع امرأة ، فدل على تجويز الإجارة على أنه لا بأس بها على الحجج إن كان على الحجج استأجره ، وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال ، وقد قيل : استأجره على أن يرعى له والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) فمضت بها السنة وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجارتها وعوام فقهاء الأمصار ( أخبرنا ) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة من قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض فقال : أبالذهب والورق ؟ قال أما بالذهب والورق فلا بأس به } .
( قال الشافعي ) فرافع سمع النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بمعنى ما سمع ، وإنما حكى رافع النهي عن كرائها بالثلث والربع ، وكذلك كانت تكرى ، وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة فرأى أنه حدث به عن الكراء بالذهب والورق فلم ير بالكراء بالذهب والورق بأسا ; لأنه لا يعلم أن الأرض تكرى بالذهب والورق ، وقد بينه غير مالك عن رافع أنه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها ( أخبرنا ) مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن استكراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس به ( أخبرنا ) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه شبيها به ، أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله ، أخبرنا مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا فلم تزل بيده حتى هلك قال ابنه : فما كنت أراها إلا أنها له من طول ما مكثت بيده حتى ذكرها عند موته فأمرنا بقضاء شيء بقي عليه من كرائها من ذهب ، أو ورق
( قال الشافعي ) والإجارات صنف من البيوع ; لأن البيوع كلها إنما هي تمليك من كل واحد منهما لصاحبه يملك بها المستأجر المنفعة التي في العبد والبيت والدابة إلى المدة التي اشترط حتى يكون أحق بالمنفعة التي ملك من مالكها ويملك بها مالك الدابة والبيت العوض الذي أخذه عنها ، وهذا البيع نفسه ، فإن قال قائل : قد تخالف البيوع في أنها بغير أعيانها وأنها غير عين إلى مدة .
( قال الشافعي ) فهي منفعة معقولة من عين معروفة فهي كالعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (148)
صــــــــــ 27 الى صـــــــــــ34
( قال الشافعي ) والبيوع قد تجتمع في معنى أنها ملك وتختلف في أحكامها ، ولا يمنعها اختلافها في عامة أحكامها وأنه يضيق في بعضها الأمر ويتسع في غيره من أن تكون كلها بيوعا يحللها ما يحلل البيع ويحرمها ما يحرم البيع في الجملة ثم تختلف بعد في معان أخر فلا يبطل صنف منها خالف صنفا في بعض أمره بخلافه صاحبه ، وإن كانا قد يتفقان في معنى غير المعنى الذي اختلفا فيه فالبيوع لا تحل إلا [ ص: 27 ] برضا من البائع والمشتري وثمن معلوم ، وعندنا لا تجب إلا بأن يتفرق البائع والمشتري من مقامهما ، أو أن يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار إجازة البيع ثم تختلف البيوع فيكون منها المتصارفان لا يحل لهما أن يتبايعا ذهبا بذهب ، وإن تفاضلت الذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وزنا بوزن ثم يكونان إن تصارفا ذهبا بورق فلا بأس بالفضل في أحدهما على الآخر يدا بيد فإن تفرق المتصارفان الأولان ، أو هذان قبل أن يتقابضا انتقض البيع بينهما ويكون المتبايعان السلعة سوى الصرف يتبايعان الثوب بالنقد ويقبض الثوب المشتري ، ولا يدفع الثمن إلا بعد حين فلا يفسد البيع ويكون السلف في الشيء المضمون إلى أجل يعجل الثمن ويكون المشترى غير حال على صاحبه إلا أنه يكون مضمونا ويضيق فيما كان يكون غير هذا من البيوع التي جازت في هذا مع اختلاف البيوع في غير هذا وكل ما يقع عليه جملة اسم البيع ، ولا يحل إلا بتراض منهما فحكمهما في هذا واحد وفي سواه مختلف
( قال الشافعي ) وقبض الإجارات الذي يجب به على المستأجر دفع الثمن كما يجب دفع الثمن إذا دفعت السلعة المشتراة بعينها أن يدفع الشيء الذي فيه المنفعة إن كان عبدا استؤجر دفع العبد ، وإن كان بعيرا دفع البعير ، وإن كان مسكنا دفع المسكن حتى يستوفي المنفعة التي فيه كمال الشرط إلى المدة التي اشترط وذلك أنه لا يوجد له دفع إلا هكذا فإن قال قائل : هذا دفع ما لا يعرف فهذا من علة أهل الجهالة الذين أبطلوا الإجارات .
( قال الشافعي ) والمنفعة من عين معروفة قائمة إلى مدة كدفع العين ، وإن كانت المنفعة غير عين ترى فهي معقولة من عين وليس دفع المنفعة بدفع الشيء الذي به المنفعة ، وإن كانت المنفعة غير عين ترى حين دفعت فأولى أن يفسد البيع من ملك المنفعة ، وإن كانت غير عين ، وإذا صح أن يملكها من السلعة والمسكن وهي غير عين ، ولا مضمونة فلم تفسد كما زعم من أفسدها ; لأنها ، وإن كانت غير عين فهي كالعين بأنها من عين ، فكأنه شيء انتفعوا به من عين معروفة وأجازه المسلمون له فدفعه إذا دفع كما لا يستطاع غيره أولى أن يقوم مقام الدفع من الأعيان والدفع أخف من ملك العقدة ; لأن العقدة تفسد فيبطل الدفع والدفع يفسد ، ولا تفسد العقدة ، فإذا جاز أن يكون ملك المنفعة معروفا ، وإن كان بغير عينه من عين فيصح ويلزم كما يصح ملك الأعيان جاز أن يكون الدفع للعين التي فيها المنفعة يقوم مقام دفع الأعيان إذا دفعت العين التي فيها المنفعة فهو كدفع العين إذا كان هذا الدفع الذي لا يستطاع فيها غيره أبدا .
( قال الشافعي ) فقال قولنا في إجازة الإجارات بعض الناس وشددها واحتج فيها بالآثار وزعم أن ما احتججنا به فيها حجة على من خالفنا في ردها لا يخرج منها ثم عاد لما ثبت منها فقال فيها أقاويل كأنه عمد نقض بعض ما ثبت منها وتوهين ما شدد فقال : الإجارات جائزة ، وقال : إذا استأجر الرجل من الرجل عبدا ، أو منزلا لم يكن للمستأجر أن يأخذ المؤجر بالإجارة ، وإنما يجب له من الإجارة بقدر ما اختدم العبد ، أو سكن المسكن كأنه تكارى بيتا بثلاثين درهما في كل شهر فما لم يسكن لم يجب عليه شيء ثم إذا سكن يوما ، فقد وجب عليه درهم ثم هكذا على هذا الحساب .
( قال الشافعي ) فقلت لبعض من يقول هذا القول " الخبر وإجماع الفقهاء بإجازة الإجارة ثابت عندنا ، وعندك والإجارة ملك من المستأجر للمنفعة ومن المؤجر للعوض الذي بالمنفعة والبيوع إنما هي تحويل الملك من شيء لملك غيره ، وكذلك الإجارة فقال منهم قائل ليست الإجارة ببيع قلنا وكيف زعمت أنها ليست ببيع وهي تمليك شيء بتمليك غيره ؟ قال ، ألا ترى [ ص: 28 ] أن لها اسما غير البيع ؟ قلنا : قد يكون للبيوع أسماء مختلفة تعرف دون البيوع والبيوع تجمعها مثل الصرف والسلم يعرفان بلا اسم بيع ، وهما من البيوع عندنا ، وعندك قال : فكيف يقع البيع مغيبا لعله لا يتم قلنا أو ليس قد نوقع نحن وأنت البيع على المغيب إلى المدة البعيدة في السلم ونوقعها أيضا على الرطب بكيل والرطب قد ينفد ثم تخير أنت المشتري إذا لم يقبض حتى ينفد في رده إلى رأس ماله وأن تترك إلى رطب قابل فإما أخر ماله عن غلة سنة إلى سنة أخرى وإما رجع إليه رأس ماله بعد حبسه ، وقد كان يملك به رطبا بكيل معلوم فلم يقبض ما ملك ، ولم يكن في يديه رأس ماله ؟
قال : هذا كله مضمون قلنا : أولست قد جعلته مضمونا ثم صرت إلى أن تحكم به في المضمون بأحد حكمين تخيره أنت في أن يرد رأس المال وتبطل ما وجب له وضمن الرطب بعدما انتفع به المسلم إليه ولم ينتفع المسلم ، وإما أن يؤخر ماله عن غلة سنة بلا طيب من نفسه إلى سنة أخرى فقال هذا كله كما قلت ، ولكني لا أجد غيره فيه قلت : فإذا كان قولك لا أجد غيره فيه حجة فكيف لم تجعل لنا الذي هو أوضح وأبين ونحن لا نجد فيه غيره حجة ؟ قال وما ذاك ؟ قلنا زعمنا أن البيوع تجوز ويحل ثمنها مقبوضا وأن القبض مختلف ، فمنه ما يقبض باليد ومنه ما يدفع إليه المفتاح وذلك في الدور ومنه ما يخلى المالك بينه وبين المشتري ، وهو لا يغلق عليه ، ولا يقبضه بيده وذلك مثل الأرض المحدودة ، ومنه ما هو مشاع في الأرض لا يدرى أشرقيها هو أم غربيها ؟ غير أنه شريك في كلها ومنه ما هو مشاع في العبد لا ينفصل أبدا وكل هذا يقال له دفع يقبض به الثمن ويجب دفعه ويتم به البيع ، وهو قبض مختلف وذلك أنه لا يوجد فيه مع اختلافه غير هذا .
فلو قال لك مشتري نصف العبد : البيع يتم مقبوضا والقبض ما يكون منفصلا معروفا وليس يكون في نصف العبد قبض فأنا أنقض البيع قلت : القبض يختلف ، فإذا لم يكن دون نصف العبد حائل وسلمه إليك فهذا القبض الذي لا يستطاع غيره في هذا ومن الدفع الذي لا يستطاع غيره ، فقد وجب له الثمن فالمنفعة التي في العبد بالإجارة لا يستطاع دفعها إلا بأن يسلم العبد ، أو المسكن ، فإذا دفعت كما لا يستطاع غيره فلم لا يجب ما تملك به المنفعة ؟ ما بين هذا فرق وقبض الإجارة إنما هو دفع الذي فيه الإجارة وسلامته ، فإذا دفع الدار وسلمت فله سكناها إلى المدة ، وإذا دفع العبد وسلم فله خدمته إلى مدة شرطه وخدمته حركة يحدثها العبد وليست في الدار حركة تحدثها إنما منفعته فيها محليته إياها ، ولا يستطاع أبدا في دفع ما ملك المستأجر غير تسليم ما فيه المنفعة إليه وسلامة ما فيه المنفعة حتى تتم المنفعة إلى مدتها .
فإن قال قائل : فهذا ليس كدفع الأعيان الأعيان بدفع يرى ، وهذا بدفع لا يرى ، قيل : وما يختلف دفع الأعيان فيه فتكون عينا أشتريها بعينها عندك ونصف لي فإذا رأيتها كنت بالخيار ، وقد كانت عند تبايعنا عينا مضمونة كالسلم مضمونا ويكون السلم بالصفة بغير عينه ويجب ثمنه ، وإنما هو صفة لا عين ، فإذا أراد المسلم نقض البيع ، أو المسلم إليه لم يكن ذلك لواحد منهما ، وإن جاء به المسلم إليه فقال المسلم : لا أرضى ، قلت له : ليس ذلك لك إذا جاء على الصفة التي شرطت لم يكن لك خيار قال بلى قد يفعل هذا كله ، ولكن الإجارات مغيبة قلنا مغيبة معقولة كالسلم مغيب موصوف ، قال : هو وإن كان موصوفا بغير عينه يصير إلى أن يكون عينا ، قلت : يكون عينا ، وهو لم ير فلا يكون فيها خيار كما يكون في الأعيان التي لم تر ، قال : فهي على الصفة ، قلنا : ولم لا تجعل ما اشتري ، ولم ير من غير السلم ، وقد وصف كما وصف السلم إذا جاء على الصفة يلزم كما يلزم السلم ؟ قال : البيوع قد تختلف ، قلنا : فنراك تجيزها مع اختلافها لنفسك وتريد أن لا تجيزها مع اختلافها لنا قال : إني وإن أجزتها فهي صائرة عينا ، قلنا : الصفة في السلم قبل يكون الشراء مغيبة موصوف بها شيء لم يخلق بعد من ثياب وطعام قال : ولكنها تقع على عين [ ص: 29 ] فتعرف قلنا فالإجارة في عين قائم تكون في ذلك العين قائمة تعرف فإن زعمت أن الإجارة إنما هي منفعة والمنفعة مغيبة ، وقد تختلف فلم أجزتها ، ولم تقل فيها قول من ردها وعبت من ردها ونسبته إلى الجهالة ؟ قال : لأنه ترك السنة وإجماع الفقهاء وليس في السنة ولا إجماع الفقهاء إلا التسليم ، ولا تضرب له الأمثال ، ولا تدخل عليه المقاييس قلنا : فإذا اجتمع الفقهاء على إجازتها وصيروها ملك منفعة معقولة ، وإن كانت لا تكون شيئا يكال ، ولا يوزن ، ولا يذرع وأجازها مغيبة وأوجبوها كما أوجبوا غيرها من البيوع ثم صرت إلى عيب قولنا فيها وأنت تجيزها .
وقولنا قول مستقيم على السنة والآثار وصرت بحجة من أبطلها ، فإذا قيل لك : إن كانت في هذا حجة فأبطلها ، وإن لم يكن فيه حجة فلا تحتج به قلت : لا أبطلها ; لأنها السنة وإجماع الفقهاء ، فإن قال قائل : فدع حجة من أخطأ في إبطالها وأجزها كما أجازها الفقهاء ، فقد أجازوها ، وإذا أجازوها فلا يجوز عندنا أن يكونوا أجازوها إلا على أنها تمليك منفعة معقولة وما كان تمليكا ، فقد يوجب ثمنه وإلا صرت إلى حجة من أبطلها .
فإن قال لك قائل : فكيف صيرت هذا قبضا والقبض ما يصير في يدي صاحبه الذي قبضه ويقطع عنه ملك الذي دفعه ؟ قيل له : إن الدفع من المالك لمن ملكه يختلف ، ألا ترى أن رجلا لو ابتاع بيوعا ودفع إليه أثمانها ثم حاكمه إلى القاضي قضى عليه بدفعها فإن كان عبدا ، أو ثوبا ، أو شيئا واحدا سلمه إليه ، وإن كان شيئا يتجزأ بعينه فكان طعاما في بيت استوجبه كله بكيل على أن كل مد بدرهم قال كله له فكان يقبضه شيئا بعد شيء لا جملة كقبضه الواحدة فيقضي عليه بدفع كل صنف من هذا كما يستطاع قبضه فكذلك قضى عليه بدفع الإجارة كما يستطاع ، ولا يستطاع فيها أكثر من تسليم الذي فيه المنفعة إلى الذي ملك فيه المنفعة ، والمنفعة فيها معروفة كما الشراء في الدار المشاعة معروف بحساب وفي غيره .
فإن قال قائل : فإن الذي فيه المنفعة بسلم ثم ينهدم المنزل ، أو يموت العبد فتكون أوجبت عليه دفع ماله ، وهو مائة ثم لا يستوفي بالمائة إلا حق بعضها ويكون المؤاجر قد انتفع بالثمن قلنا بذلك رضي المستأجر قال ما رضي إلا بأن يستوفي قلنا إن قدر على الاستيفاء فذلك له ، وإن لم يقدر أخذ ماله قال وأي شيء يشبه هذا من البيوع ؟ قلنا ما وصفنا من السلم أدفع لهذا مائة درهم في رطب فمضى الرطب ، ولم يوف منه شيئا فيعود إلى أن يقول لي خذ رأس مالك ، وقد انتفع به المسلم إليه ، أو أخر مالك بعد محله سنة بلا رضا منك إلى سنة أخرى ، فإذا قلت : قد انتفع بمالي فإن أخذته ، فقد أخذ منفعة مالي بلا عوض أخذته ، وإن أخرته سنة ، فقد انتفع بمالي سنة بلا طيب نفسي ، ولا عوض أعطيته منه قال : لا أجد إلا هذا فإن قلت لك وصدقني المسلم إليه بأنه تغيب مني حتى مضى الرطب قلت : لا أجد شيئا أعديك عليه ; لأنك رضيت أمانته ، قلت : ما رضيت إلا بالاستيفاء ، وقد كان يقدر على أن يوفيني قلت : وقد فات الرطب الذي يوفيك منه . قيل : فالمستأجر للعين إنما استأجره ، وهو يعلم أن العين إذا ذهبت المنفعة فكيف عبته فيه ، وهو يعلمه ، ولم تعب في المسلم إليه الذي ضمن لصاحبه الرطب كيلا معلوما بصفة من غير شيء يعينه المسلم إليه كان أولى أن تعيبه فيه من المستأجر .
وهو يقول : في الرجل يبتاع الشيء من الرجل والشيء المبتاع بعينه ببلد غائب عن المتبايعين ويدفع المشتري إلى المشترى منه الثمن وافيا على أن يسلم البائع للمشتري ما اشترى منه وأشهد به له ودفع إليه ثمنه ثم هلك الشيء المبتاع فيقول يرجع المشتري بالثمن ، وقد انتفع به رب السلعة ، ولم يأخذ رب المال عوضا فيقول للمشتري أنت رضيت بذلك ، وقد كانت لك السلعة لو تمت فلما لم تتم انتقض البيع ، وإنما رضيت بتمامها ويقول أيضا في الرجل ينكح المرأة بعبد فتخليه ونفسها فلم يدخل بها وتخليتها إياه ونفسها هو الذي يلزمها ، فإذا فعلت جبرته على دفع العبد إليها ويكون ملكها له صحيحا فإن باعت ، أو [ ص: 30 ] وهبت أو أعتقت ، أو دبرت ، أو كاتبت جاز ; لأنه لها ملك تام فإن طلقها قبل يكون من هذا شيء رجع بنصف العبد فكان شريكها فيه ، فقد زعمت أن ملكها فيه تام كما يتم ملك من دفع العوض بالعبد ثم انتقض ملكها في نصفه فإن قيل لك كيف يتم ملكها ثم ينتقض ؟ قلت ليس في هذا قياس هو لم يدخل بها فلها نصف المهر إذا طلقها فإن قيل لك كيف ينتقض نصفه رأيت ذلك جهلا ممن يقوله ؟
وقلت : هذا مما لا يختلف فيه الفقهاء وتزعم أيضا أنه إذا اشترى عبدا فدلس له فيه عيب كان ملكا صحيحا إن باع أو وهب ، أو أعتق فإن لم يفعل فشاء حبسه بالعيب حبسه ، وإن لم يشأ حبسه وشاء نقض البيع ، وقد كان تاما نقضه ، وقد يبيع الرجل الشقص من الرجل فيكون المشتري تام الملك لا سبيل للبائع عليه ، ولا على أخذه منه ويكون له أن يبيع ويهب ويصنع ما يصنع ذو المال في ماله فإن كان له شفيع فأراد أخذه من يديه بالثمن الذي اشتراه به ، وإن كان كارها أخذه ، وقد نجعل نحن وأنت ملكا تاما ويؤخذ به الثمن ثم ينتقض بأسباب بعد تمامه فكيف عبت هذا في الإجارة وأن ما نقوله في الإجارة إذا فات الشيء فيه الذي فيه المنفعة فلم يكن إلى الاستيفاء سبيل ويرد المستأجر ما بقي من حقه كما يرده لو اشترى سفينة طعام كل قفيز بكذا فاستوفى عشرة أقفزة ثم استهلكها ثم هلك ما بقي من الطعام رددناه بما بقي من المال وألزمناه عشرة بحصتها من الثمن وأنت تنقض الملك والأعيان التي فيها الملك قائمة ثم لو عابك أحد بهذا قلت : هذا من أمر الناس فإن كان في نقض الإجارة إذا كانت العين التي فيها المنفعة قد فاتت عيب فنقض الملك والعين المملوكة قائمة أعيب فإن لم يكن فيه عيب فعيبه فيه جهل .
( قال الشافعي ) ثم قالوا فيها أيضا إن دفع المستأجر الإجارة كلها إلى المؤجر قبل أن يسكن البيت ، أو يركب الدابة ثم أراد أن يرجع فيما دفع لم يكن ذلك له فإن كان دفع ما يجب عليه فهو ما قلنا ، وإن كان دفع ما لا يجب عليه فلم لا يرجع به فهو لم يهبه ، ولم يقطع عنه ملكه إلا بأمر يزعم أنه لا يجب عليه أن يدفعه ، ولا يحق عليه منه شيء إلا أن يسكن ، أو يركب وهم يقولون إذا انفسخت الإجارة رده ; لأنه إنما دفعه باسم الإجارة لا واهبا له فإن كان دفعه بالإجارة والإجارة لا يلزمه بها دفع فينبغي أن يرده عليه متى شاء ثم قال فيه قولا آخر أعجب من هذا قال إن تكارى دابة بمائة درهم فلم يجب من المائة شيء فأراد أن يدفعها دنانير يصرفها كان حلالا فقيل له أتعني به تحول الكراء إلى الدنانير وتنقضه من الدراهم ؟ قال لا : ولكنه يصارفه بها بسعر يومه قلنا أو يحل الصرف في شيء لم يجب ؟ قال هو واجب فلما قالوا يجب على صاحبه إذا لم يسم له أجلا دفع مكانه كما لو اشترى رجل سلعة بمائة أو ضمن عن رجل مائة ، ولم يسم أجلا كان عليه أن يدفع المائة مكانه ، وهذا قولنا وقولك في الواجب كله إذا لم يسم له أجلا فكيف قلت في المستأجر الإجارة واجبة عليه وليس عليه أن يدفعها وله أن يصارف بها والإجارة إلى غير أجل .
( قال الشافعي ) فإن قال : هي إلى أجل معلوم وذلك أنه إذا استأجر عبدا سنة فكل يوم من السنة أجل معلوم ولكل يوم من السنة أجرة معلومة والمائة الدرهم التي استأجر بها العبد السنة لازمة على هذا الحساب قيل له فما تقول فيه إن مرض أحد عشر شهرا من السنة ، أو شهرا من أولها ، أو وسطها فلم يقدر على الخدمة ؟ أليس إن قلت ينتظر ، فإذا صح استخدمه فيما يستقبل ؟ ، فقد زعمت أن حصة الأحد عشر شهرا ، أو الشهر قد كانت في وقت لازم ثم استأجر عنه ، أو كان واجبا ثم بطل فإن جعلت له أن يستخدمه أحد عشر شهر ، أو شهرا من سنة أخرى ، فقد جعلت أجلا بعد أجل ونقلت عمل سنة في سنة أخرى ، وإن قلت واجبة إن كانت فهذا الفساد الذي لا شكل ; لأن الإجارة تمليك منفعة من عين معروف والمنفعة معروفة بتمليك دراهم مسماة ، فإذا كان التمليك مغيبا لا يدري أيكون أم لا يكون ; لأنه قد يموت العبد [ ص: 31 ] ويأبق ويمرض فكيف يجوز أن تملك منفعة مغيبة بدراهم معينة مسماة ؟ هذا تمليك الدين بالدين والمسلمون ينهون عن بيع الدين بالدين والتمليك بيع ، فإن قلت : يملك المنفعة إن كانت فهذا أفسد من قبل أن هذا مخاطرة ويلزم أن تفسد الإجارة كما أفسدها من عاب قوله قال : فقد يلزمك في هذا شبيه بما يلزمني فليس يلزمني إذا زعمت أن الإجارة تجب بالقبض وأن المنفعة معلومة وأنه لا قبض لها إلا بقبض الذي فيه المنفعة ، فإذا قبضت كان ذلك قبضا للمنفعة إن سلمت المنفعة .
وقد أجاز المسلمون هذا كله كما أجازوا البيوع على اختلافها وكما يحل بيع الطعام بضربين : أحدهما بصفة والآخر عين ، فلو اشتريت من طعام عين مائة قفيز كان صحيحا فإن أخذت في اكتياله واستهلكت ما اكتلت منه وهلك بعض المائة القفيز وجب على ما استهلكت بحصته من الثمن وبطل عني ثمن ما هلك ، فإن قال : فالخدمة ليست ثمنا فهي معلومة من عين لا يوصل إلى أخذها لتستوفى إلا بأخذ العين فأخذ العين بكمالها التي هي أكثر من المنفعة يوجب الثمن على شرط سلامة المنفعة لا تعدو الإجارة أن تكون واجبة فعليه دفعها ، أو تكون غير واجبة والصرف عندنا ، وعندك فيها ربا .
( قال الشافعي ) : فإذا قيل له : فإن كانت أثمان الإجارات غير واجبة فلا يحل له أن يأخذ بشيء لم يكن ، ولا يدري أيكون أم لا يكون ثم يأخذ من جهة الصرف فيفسد من أنه غير واجب ; لأن الصرف فيما لم يجب ربا قال : نعم ، ولكن الإجارة واجبة وثمنها واجب فلا يكون ربا ، فإذا قيل له ، وإذا كان واجبا فليدفعه قال ليس بواجب ، وهم يروون عن عمر ، أو ابن عمر أنه تكارى من رجل بالمدينة ثم صارفه قبل أن يركب فإن كان ثابتا عن عمر فهو موافق قولنا وحجة لنا عليهم
قال : وإذا تكارى الرجل الدار من الرجل فالكراء لازم له لا ينفسخ بموت المكتري ولا المكرى ، ولا بحال أبدا ما دامت الدار قائمة ، فإذا دفع الدار إلى المكتري كان الكراء لازما للمكتري كله إلا أن يشترط عند عقدة الكراء أنه إلى أجل معلوم فيكون إليه كالبيوع وقال بعض الناس تفسخ الإجارات بموت أيهما مات ويفسخها بالعذر ثم ذكر أشياء يفسخها بها قد يكون مثلها ، ولا يفسخها به ( قال الشافعي ) فقيل لبعض من يقول هذا القول أقلت هذا بخبر ؟ قال : روينا عن شريح أنه قال : إذا ألقى المفتاح برئ فقيل : له أكذا نقول بقول شريح فشريح لا يرى الإجارة لازمة ويرى أن لكل واحد منهما فسخها بلا موت ، ولا عذر قال : هكذا قال : شريح ولسنا نأخذ بقوله قيل فلم تحتج بما تخالف فيه وتزعم أنه ليس بحجة ؟ قال : فما عندنا فيه خبر ، ولكنه يقبح أن يتكارى رجل منزلا يسكنه فيموت وولده لا يحتاجون إليه فيقال إن شئتم فاسكنوه وهم أيتام ويقبح أن يموت المؤجر فيتحول ملك الدار لغيره فتكون الدار لولده والميت لا يملك شيئا ويسكنها المستأجر بأمر الميت والميت لا أمر له حين مات فقيل له : أو يملكها الوارث إلا بملك الميت ؟ قال : لا قيل : أفيزيد الوارث أبدا على أن يقوم إلا مقام الميت فيها ؟ قال : لا قلنا فالميت قبل موته كان يقدر أن يفسخ هذه الإجارة عن داره ساعة واحدة قبل انقضاء مدتها عندك من غير عذر ؟ قال : لا ، قيل : أفيكون الوارث الذي إنما ملك عن الميت الكل ، أو البعض أحسن حالا من المالك ؟ .
قال : فهل رأيت ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شيء ؟ قلنا الذي وصفنا لك من أنه إنما ملك ما كان الميت يملك كاف لك منه ونحن نوجدك ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شيء قال : وأين ؟ قلنا : أرأيت رجلا رهن رجلا دارا تسوى ألفا بمائة ثم مات الراهن أينفسخ الرهن ؟ قال : لا . قلنا ولم ، وقد انتقل ملك الدار فصار للوارث ؟ قال : إنما يملكها الوارث كما كان يملكها الميت والميت قد أوجب فيها حقا لم يكن له فسخه إلا بإيفاء الغريم حقه فالوارث أولى أن لا يفسخه ، قلنا فلا نسمعك تقبل مثل هذا ممن يحتج به عليك في الإجارة وتحتج به في الرهن ، ولا بد من أن تكون تاركا للحق في رده في [ ص: 32 ] الإجارة ، أو في إنفاذه في الرهن ; لأن حالهما واحد قد أوجب الميت في كليهما حقا عندنا ، وعندك فلا نفسخه بوجه حتى يستوفيه من أوجبه له عندنا بحال ، وعندك إلا من عذر ثم تفسخه بعد الموت في الإجارة مما لا يكون عذرا في حياة المؤاجر والعذر أيضا شيء ما وضعته أنت لا أثرا ، ولا معقولا وأنت لا تفسخه بعذر ، ولا غير عذر في الرهن وما بينهما في هذا فرق كلاهما أوجب له فيه مالكه حقا جائزا عندنا ، وعندك فإما أن يثبتا معا بكل حال وإما أن يزول أحدهما بشيء فيزول الآخر ، أرأيت لو قال لك قائل : وضعت العذر تفسخ به الإجارة وأنا أبطله في الإجارة وأضعه في الرهن فأفسخ به الرهن أتكون الحجة عليه ؟ إلا أن يقال : ما ثبت فيه حق لمسلم وكان الحق حلالا لم يفسخه عذر ، وقد تقدمه الحق الواجب عند المسلمين .
( قال الشافعي ) مع كثير من مثل هذا يقولونه من ذلك الرجل يوصي للرجل برقبة داره ولآخر أن ينزلها في كل سنة عشرة أيام ثم يموت الموصى له برقبة الدار فيملك وارثه الدار فإن أراد منع الموصى له بالنزول قيل : ليس ذلك لك أنت للدار مالك ، ولهذا شرط في النزول ، ولا تملك عن أبيك إلا ما كان يملك ، ولا يكون لك فيها أكثر مما كان له ( قال الشافعي ) فأما قوله إن مات المستأجر فلا حاجة بالورثة إلى المسكن ، فلو قاله غيره أشبه أن يقول له لست تعرف ما تقول
( قال الشافعي ) أرأيت لو أن رجلا كان يريد التجارة فاشترى دابة بألف ، وهو لا يملك إلا ألفا فلما استوجبها مات وله ورثة أطفال والراحلة تسوى ألفا ، أو مائة فقال عنهم وصي أو كان فيهم مدرك محتاج كان أبو هؤلاء يعني بالرواحل لتكسبه فيها وهؤلاء لا يكتسبون ، أو يعني بها لضرب من الخسارة ، وقد أصبح هؤلاء أيتاما وناقة الرجل في يده لم تخرج بعد من يده فأفسخ البيع ورد الدراهم لحاجة الأيتام ، ولا تنزعها من أيديهم إن لم يكن أبوهم دفعها ، أو كان هذا في حمام اشتراه أو ما أشبهه مما لا منفعة فيه أو مما فيه المنفعة اليسيرة ، قال : لا أفسخ شيئا من هذا وأمضي عليهم ما فعل أبوهم في ماله ; لأنه فعله وهو يملك فأملكهم عنه ما كان هو يملك في حياته ، ولا يكونون أحسن حالا من أبيهم فيما ملكوه عنه
( قال الشافعي ) قيل : وكذلك الكراء يتكاراه ، وهو حلال جائز له ، فقد ملكوا ما ملك أبوهم من منفعة المسكن فإن شاءوا سكنوا فإن شاءوا أكروا . قال : وزعم أن رجلا لو تكارى من الرجل ألف بعير على أن يسير من بغداد ثمان عشرة إلى مكة فخلف الجمال إبله وعلفها بأثمانها ، أو أقل ، أو أكثر وخرج الحاج فلم يبق إلا هو وترك الجمال الكراء من غيره للشرط حتى فاته الحج كان له ذلك ، ولم يغرم شيئا ، فإن قال لك الجمال : قد غررتني ومنعتني الكراء من غيرك وكلفتني مؤنة أتت على أثمان إبلي وصدقه المكتري فلا يقضى له عليه بشيء ويجلس بلا مؤنة عليه ; لأنه لم يأخذ منه شيئا ، وإن كان قد غره ، وقال قائل هذا القول فإن أراد الجمال أن يجلس وقال : بدا لي أن أدع الحج وأنصرف إلى غيره فليس ذلك له ، فإذا قيل له ولم لا يكون ذلك له ؟ قال : من قبل أنه غره فمنعه أن يكتري من غيره وعقد له عقدة حلالا فليس له أن يفسخها .
( قال الشافعي ) فلم لا يكون للجمال على المتكاري أن يجلس ، وقد عقد له كما قال عقدة حلالا وغره كما كان للمتكاري أن يجلس وحالهما وحجتهما واحدة لو كان يكون لأحدهما في العقدة ما ليس للآخر انبغى أن يكون الكراء للمتكاري ألزم بكل وجه من قبل أن المؤنة على الجمال في العلف وحبس الإبل وضمانها ومن قبل أن لا مؤنة على المكتري فعمد إلى حقهما لو تفرق الحكم فيهما أن يلزمه فأبطل عنه وأحقهما أن يبطل عنه فألزمه ؟ قال : ولا فرق بينهما من قبل أن العقدة حلال لا تنفسخ إلا باجتماعهما على فسخها .
( قال الشافعي ) وسئل هل وجد عقدة حلالا لا شرط فيها ، ولا عيب يكون لأحد المتعاقدين فيها ما ليس ليس للآخر فلا أعلمه ذكرها ؟ فقيل وما بال هذه العقدة من بين العقد لا خبر ، ولا قياس ؟
( قال [ ص: 33 ] الشافعي ) : وإذا اختلف المكارى والمكتري في قولنا وقولهم تحالفا وترادا ، قيل لهم في هذا كيف تحكمون بحكم البيوع ؟ قال : هو تمليك ، وإنما البيوع تمليك فقيل لهم فاحكموا له بحكم البيوع فيما أثبتم فيه حكم البيوع فيقولون ليس ببيع وهم لا يقبلون هذا من أحد ، فإذا قيل لبعضهم أنتم لا تصيرون في هذه الأقاويل إلى خبر يكون حجة زعمتم ، ولا قياس ، ولا معقول فكيف قلتموه ؟ قالوا قال أصحابنا وقال لنا بعضهم ما في الإجارة إلا ما قلتم من أن نحكم لها بحكم البيوع ما كانت السلامة للمنفعة قائمة ، أو تبطل ، ولا تجوز بحال فقيل له فتصير إلى أحد القولين فلا أعلمه صار إليه
( قال ) وإن تكارى رجل من رجل دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان فإن سلمت الدابة كان عليه كراؤها إلى مر وكراء مثلها إلى عسفان فإن عطبت الدابة فله الكراء إلى مر وقيمة الدابة في أكثر ما كانت ثمنا من حين تعدى بها من الساعة التي تعدى بها فيها كان ، أو بعدها ، ولا يكون عليه قيمتها قبل التعدي إنما يكون عليه حين صار ضامنا في حال التعدي .
وقال بعضهم لصاحب الدابة : إن شاء الكراء بحساب ، وإن شاء يضمنه قيمة الدابة وإن سلمت ، وليس نقول بهذا ، قولنا هو الأول لا يضمنها حتى تعطب
( قال الشافعي ) ومن أعطى مالا رجلا قراضا ونهاه عن سلعة يشتريها بعينها فاشتراها فصاحب المال بالخيار ، إن أحب أن تكون السلعة قراضا على شرطها ، وإن شاء ضمن المقارض رأس ماله . قال الربيع وله قول آخر أنه إذا أمره أن يشتري سلعة بعينها فتعدى فاشترى غيرها فإن كان عقد الشراء بالعين بعينها فالشراء باطل ، وإن كان الشراء بغير العين فالشراء قد تم ولزم المشتري الثمن والربح له والنقصان عليه ، وهو ضامن للمال ; لأنه لما اشترى بغير عين المال صار المال في ذمة المشتري وصار له الربح والخسارة عليه ، وهو ضامن المال لصاحب المال
( قال الشافعي ) فإن أعطى رجل رجلا شيئا ليشتري له شيئا بعينه فاشترى له ذلك الشيء وغيره بما أعطاه ، أو أمره أن يشتري له شاة فاشترى شاتين ، أو عبدا فاشترى عبدين ففيها قولان : أحدهما أن صاحب المال بالخيار في أخذ ما أمر به وما ازداد له بغير أمره ، أو أخذ ما أمره به بحصته من الثمن والرجوع على المشتري بما يبقى من الثمن وتكون الزيادة التي اشترى للمشتري ، وكذلك إن اشترى بذلك الشيء وباع والخيار في ذلك إلى رب المال ; لأنه بماله ملك ذلك كله وبماله باع ، وفي ماله كان الفضل ، والقول الآخر أنه قد رضي أن يشتري له شيئا بدينار فاشتراه وازداد معه شيئا فهو له فإن شاء أمسكه ، وإن شاء وهبه ; لأن من رضي شيئا بدينار فلم يتعد من زاده معه غيره ; لأنه قد جاء بالذي رضي وزاده شيئا لا مؤنة عليه في ماله ، وهو معنى قول الشافعي . وقال بعض الناس في الدابة يسقط الكراء حيث تعدى ; لأنه ضامن ، وقال في المقارض إذا تعدى ضمن وكان له الفضل بالضمان ، ولا أدري أقال : يتصدق به أم لا ؟
( قال الشافعي ) وقال في الذي اشترى ما أمره به وغيره معه للآمر ما أمره به بحصته من الثمن وللمأمور ما بقي ، ولا يكون للآمر بحال ; لأنه اشترى بغير أمره
( قال الشافعي ) فجعل هذا القول بابا من العلم ثبته أصلا قاس عليه في الإجارات والبيوع والمقارضة شيئا أحسبه لو جمع كان دفاتر ( قال الشافعي ) فقيل لبعض من قال هذا القول : قد زعمنا وزعمتم أن الأصل من العلم لا يكون أبدا إلا من كتاب الله تعالى ، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعضهم ، أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء في الأمصار فهل قولكم هذا واحد من هذا ؟ قال : لا قيل : فإلى أي شيء ذهبتم فيه ؟ قال : قال شريح في بعضه قلنا قد رددنا نحن وأنتم هذا الكلام وأكثرنا أتزعمون أن شريحا حجة على أحد إن لم يقله إلا شريح ؟ قال : لا ، وقد نخالف شريحا في كثير من أحكامه بآرائنا : قلنا ، فإذا لم يكن شريح عندكم حجة على الانفراد فيكون حجة على خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 34 ] أو على أحد من أصحابه ؟ قال : لا وقال : ما دلكم على أن الكراء والربح والضمان قد يجتمع ؟ فقلنا لو لم يكن فيه خبر كان معقولا وقلنا دلنا عليه الخبر الثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عمر والخبر عندكم الذي تثبتونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( قال الشافعي ) : ولو كان ما قالوا من أن من ضمنت له دابته ، أو بيته ، أو شيء من ملكه لم يكن له إجارة ، أو ماله لم يكن له من ربحه شيء كانوا قد أكثروا خلافه .
( قال الشافعي ) وهم يزعمون أن رجلا لو تكارى من رجل بيتا لم يكن له أن يعمل فيه رحى ، ولا قصارة ، ولا عمل الحدادين ; لأن هذا مضر بالبناء فإن عمل هذا فانهدم البيت فهو ضامن لقيمة البيت ، وإن سلم البيت فله أجره ، ويزعمون أن من تكارى قميصا فليس له أن يأتزر به ; لأن القميص لا يلبس هكذا فإن فعل فتخرق ضمن قيمة القميص ، وإن سلم كان له أجره ويزعمون أنه لو تكارى قبة لينصبها فنصبها في شمس ، أو مطر ، فقد تعدى لإضرار ذلك بها فإن عطبت ضمن ، وإن سلمت فعليه أجرها مع أشياء من هذا الضرب يكتفى بأقلها حتى يستدل على أنهم قد تركوا ما قالوا ودخلوا فيما عابوا مما مضت به الآثار ومما فيه صلاح الناس .
( قال الشافعي ) : وأما ما قالوا : الحيلة يسيرة لمن لا يخاف الله أن يعطى مالا قراضا فيغيب به ويتعدى فيه فيأخذ فضله ويمنعه رب المال ويتكارى دابة ميلا فيسير عليها أشهرا بلا كراء ، ولا مؤنة إن سلمت قال قائل منهم : إنا لنعلم أن قد تركنا قولنا حيث ألزمنا الضمان والكراء ، ولكنا استحسنا قولنا ، قلنا : إن كان قولك عندك حقا فلا ينبغي أن تدعه ، وإن كان غير حق فلا ينبغي أن تقيم على شيء منه فما الأحاديث التي عليها اعتمدتم ؟ قلنا لهم : أما أحاديثكم ، فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن شبيب بن غرقدة أنه سمع الحي يحدثون عن عروة بن أبي الجعد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة ، أو أضحية فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه } .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (149)
صــــــــــ 35 الى صـــــــــــ42
( قال الشافعي ) وروى هذا الحديث غير سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة فوصله ويرويه عن عروة بن أبي الجعد بمثل هذه القصة أو معناها .
( قال الشافعي ) فمن قال له جميع ما اشترى له بأنه بماله اشترى فهو ازدياد مملوك له قال : إنما كان ما فعل عروة من ذلك ازديادا ونظرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنظره وازدياده واختار أن لا يضمنه وأن يملك ما ملك عروة بماله ودعا له في بيعه ورأى عروة بذلك محسنا غير عاص ، ولو كان معصية نهاه ، ولم يقبلها ، ولم يملكها في الوجهين معا
( قال الشافعي ) ومن رضي أن يملك شاة بدينار فملك بالدينار شاتين كان به أرضى ، وإن معنى ما تضمنه إن أراد مالك المال بأنه إنما أراد ملك واحدة وملكه المشتري الثانية بلا أمره ، ولكنه إن شاء ملكها على المشتري ، ولم يضمنه . ومن قال : هما له جميعا بلا خيار قال : إذا جاز عليه أن يشتري شاة بدينار فأخذ شاتين ، فقد أخذ واحدة تجوز بجميع الدينار فأوفاه وازداد له بديناره شاة لا مؤنة عليه في ماله في ملكها ، وهذا أشبه القولين بظاهر الحديث والله تعالى أعلم .
( قال الشافعي ) والذي يخالفنا يقول في مثل هذه المسألة هو مالك لشاة بنصف دينار والشاة الأخرى وثمن إن كان لها للمشتري لا يكون للآمر أن يملكها أبدا بالملك الأول والمشتري ضامن لنصف دينار .
( أخبرنا ) مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل ، وهو أمير البصرة ، وقال : لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت . ثم قال : بلى ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح [ ص: 35 ] فقالا : وددنا ففعل وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر قال لهما أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما ؟ فقالا لا : فقال عمر : قال أنا أمير المؤمنين فأسلفكما فأديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت ، وأما عبيد الله فقال : ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين لو هلك المال ، أو نقص لضمناه فقال أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال .
( قال الشافعي ) ألا ترى إلى عمر يقول " أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما ؟ " كأنه والله أعلم يرى أن المال لا يحمل إليه مع رجل يسلفه فيبتاع ويبيع إلا وفي ذلك حبس للمال بلا منفعة للمسلمين وكان عمر والله تعالى أعلم يرى أن المال يبعث به ، أو يرسل به مع ثقة يسرع به المسير ويدفعه عند مقدمه لا حبس فيه ، ولا منفعة للرسول ، أو يدفع بالمصر الذي يجتاز إليه إلى ثقة يضمنه ويكتب كتابا بأن يدفع في المصر الذي فيه الخليفة بلا حبس ، أو يدفع قراضا فيكون فيه الحبس بلا ضرر على المسلمين ويكون فضل إن كان فيه حبس إن كان له فلما لم يكن المال المدفوع إلى عبد الله وعبيد الله بواحد من هذه الوجوه ، ولم يكن ملكا للوالي الذي دفعه إليهما فيجيز أمره فيما يملك إليه فيما يرى أن الربح والمال للمسلمين فقال عمر " أدياه وربحه " فلما راجعه عبيد الله وأشار عليه بعض جلسائه وبعض جلسائه عندنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعله قراضا رأى أن يفعل وكأنه والله تعالى أعلم رأى أن الوالي القائم به الحاكم فيه حتى يصير إلى عمر ورأى أن له أن ينفذ ما صنع الوالي مما يوافق الحكم فلما كان لو دفعه الوالي قراضا كان على عمر أن ينفذ الحبس له والعوض بالمنفعة للمسلمين في فضله رد ما صنع الوالي إلى ما يجوز مما لو صنعه لم يرده عليه ، ورد منه فضل الربح الذي لم ير له أن يعطيهما وأنفذ لهما نصف الربح الذي كان له أن يعطيهما .
( قال الشافعي ) قد كانا ضامنين للمال وعلى الضمان أخذاه لو هلك ضمناه ، ألا ترى أن عمر لم يرد على عبيد الله قوله لو هلك أو نقص كنا له ضامنين ، ولم يرده أحد ممن حضره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل عمر ، ولا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما الربح بالضمان ، بل جمع عليهما الضمان وأخذ منهما بعض الربح ، فقال قائل : فلعل عمر استطاب أنفسهما ، قلنا : أوما في الحديث دلالة على أنه إنما حكم عليهما ، ألا ترى أن عبيد الله راجعه قال : فلم أخذ نصف الربح ، ولم يأخذه كله ؟ قلنا : حكم فيه بأن أجاز منه ما كان يجوز على الابتداء ; لأن الوالي لو دفعه إليهما على المقارضة جاز ، فلما رأى ومن حضره أن أخذهما المال غير تعد منهما وأنهما أخذاه من وال له فكانا يريان والوالي أن ما صنع جائز فلم يزعم ومن حضره ما صنع يجوز إلا بمعنى القراض أنفذ فيه القراض ; لأنه كان نافذا لو فعله الوالي ، أو لا ورد فيه الفضل الذي جعله لهما على القراض ، ولم يره ينفذ لهما بلا منفعة للمسلمين فيه .
( أخبرنا ) عبد الوهاب عن داود بن أبي هند عن رياح بن عبيدة قال : بعث رجل مع رجل من أهل البصرة بعشرة دنانير إلى رجل بالمدينة فابتاع بها المبعوث معه بعيرا ثم باعه بأحد عشر دينارا فسأل عبد الله بن عمر فقال : الأحد عشر لصاحب المال ، ولو حدث بالبعير حدث كنت له ضامنا .
( أخبرنا ) الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن عمر مثل معناه ( قال : الشافعي ) وابن عمر يرى على المشتري بالبضاعة لغيره الضمان ويرى الربح لصاحب البضاعة ، ولا يجعل الربح لمن ضمن إذا المبضع معه تعدى في مال رجل بعينه والذي يخالفنا في هذا يجعل له الربح ، ولا أدري أيأمره أن يتصدق به أم لا ؟ وليس معه خبر إلا توهم عن شريح وهم يزعمون أن الأقاويل التي تلزم ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن رجل من أصحابه ، أو اجتمع الناس عليه فلم يختلفوا وقولهم هذا ليس داخلا في [ ص: 36 ] واحد من هذه الأشياء التي تلزم عندنا ، وعندهم .
كراء الإبل والدواب
( قال : الشافعي ) رحمه الله تعالى : كراء الإبل جائز للمحامل والزوامل والرواحل وغير ذلك من الحمولة ، وكذلك كراء الدواب للسروج والأكف والحمولة ( قال : الشافعي ) : ولا يجوز من ذلك شيء على شيء مغيب لا تجوز حتى يرى الراكب والراكبين وظرف المحمل والوطاء وكيف الظل إن شرطه ; لأن ذلك يختلف فيتباين ، أو تكون الحمولة بوزن معلوم أو كيل معلوم ، أو ظروف ترى ، أو تكون إذا شرطت عرفت مثل غرائر الحلبة وما أشبه هذا ( قال : الشافعي ) فإن قال : أتكارى منك محملا ، أو مركبا ، أو زاملة فهو مفسوخ ، ألا ترى أنهما إذا اختلفا لم يوقف على حد هذا ، وإن شرط وزنا ؟ وقال : المعاليق أو أراه محملا وقال : ما يصلحه فالقياس في هذا كله أنه فاسد ; لأن ذلك غير موقوف على حده ، وإن شرط وزنا وقال : المعاليق أو أراه محملا فكذلك ومن الناس من قال : أجيزه بقدر ما يراه الناس وسطا .
( قال الشافعي ) فعقدة الكراء لا تجوز إلا بأمر معلوم كما لا تجوز البيوع إلا معلومة
( قال الشافعي ) : وإذا تكارى رجل محملا من المدينة إلى مكة فشرط سيرا معلوما فهو أصح ، وإن لم يشترط فالذي أحفظ أن المسير معلوم وأنه المراحل فيلزمان المراحل ; لأنها الأغلب من سير الناس ، فإن قال قائل : كيف لا يفسد في هذا الكراء والسير يختلف ؟ قيل ليس للإفساد ها هنا موضع فإن قال : فبأي شيء قسته ؟ قيل : بنقد البلد ، البلد له نقد وصنج وغلة مختلفة فيبيع الرجل بالدراهم ، ولا يشترط نقدا بعينه ، ولا يفسد البيع ويكون له الأغلب من نقد البلد ، وكذلك يلزمهما الغالب من مسير الناس .
( قال الشافعي ) فإن أراد المكتري مجاوزة المراحل أو الجمال التقصير عنها أو مجاوزتها فليس ذلك لواحد منهما إلا برضاهما فإن كان بعدد أيام فأراد الجمال أن يقيم ثم يطوي بقدر ما أقام أو أراد المكتري فليس لواحد منهما وذلك أنه يدخل على المكتري التعب والتقصير ، وكذلك يدخل على الجمال .
( قال الشافعي ) فإن تكارى منه لعبده عقلة فأراد أن يركب الليل دون النهار بالأميال ، أو النهار دون الليل ، أو أراد ذلك به الجمال فليس ذلك لواحد منهما ويركب على ما يعرف الناس العقبة ثم ينزل فيمشي بقدر ما يركب ثم يركب بقدر ما مشى ، ولا يتابع المشي فيفدحه ، ولا الركوب فيضر بالبعير ، قال : وإن تكارى إبلا بأعيانها ركبها ، وإن تكارى حمولة ، ولم يذكر بأعيانها ركب ما يحمله فإن حمله على بعير غليظ فإن كان ذلك ضررا متفاحشا أمر أن يبدله ، وإن كان شبيها بما يركب الناس لم يجبر على إبداله
( قال الشافعي ) وإن كان البعير يسقط ، أو يعثر فيخاف منه العنت على راكبه أمر بإبداله .
( قال الشافعي ) وعليه أن يركب المرأة البعير باركا وتنزل عنه باركا ; لأن ذلك ركوب النساء أما الرجال فيركبون على الأغلب من ركوب الناس وعليه أن ينزله للصلوات وينتظر حتى يصليها غير معجل له ولما لا بد له منه كالوضوء وليس عليه أن ينتظره لغير ما لا بد له منه ، قال : وليس للجمال إذا كانت القرى هي المنازل أن يتعداها إن أراد الكلأ ، ولا للمكتري إذا أراد عزلة الناس ، وكذلك إن اختلفا في الساعة التي يسيران فيها ، فإن أراد الجمال ، أو المكتري ذلك في حر شديد نظر إلى مسير الناس بقدر المرحلة التي يريدان
( قال الشافعي ) ولا خير في أن يتكارى بعيرا بعينه إلى أجل معلوم ، ولا يجوز أن يتكارى إلا عند خروجه ; لأن المكارى ينتفع بما أخذ من المكتري ، ولا يلزم الجمال الضمان للحمولة إن مات البعير بعينه لا يجوز أن يشتري شيئا غائبا بعينه إلى أجل ، وإنما يجوز الكراء على مضمون بغير عينه [ ص: 37 ] مثل السلم ، أو على شيء يقبض المكتري فيه ما اكترى عند اكترائه كما يقبض المبيع
( قال الشافعي ) فإن تكارى إبلا بأعيانها فركبها ثم ماتت رد الجمال مما أخذ منه بحساب ما بقي ، ولم يضمن له الحمولة وذلك بمنزلة المنزل يكتريه والعبد يستأجره ، وإنما تلزمه الحمولة إذا شرطها عليه غير إبل بأعيانها كانت لازمة للجمال بكل حال والكراء لازم للمكتري والكراء بكل حال لا يفسخ أبدا بموتهما ، ولا بموت واحد منهما ، هو في مال الجمال إن مات ومال المكتري إن مات وتحمل ورثة الميت حمولته ، أو وزنها وراكبا مثله وورثة الجمال إن شاءوا قاموا بالكراء وإلا باع السلطان في ماله واستأجر عليه من يوفي المكتري ما شرط له من الحمولة
( قال الشافعي ) : وإن اختلفا في الرحلة رحل لا مكبوبا ، ولا مستلقيا ، وإن انكسر المحل ، أو الظل أبدل محملا مثله ، أو ظلا مثله ، وإن اختلفا في الزاد الذي ينفد بعضه فقال صاحب الزاد أبدله بوزنه فالقياس أن يبدل له حتى يستوفي الوزن ، قال : ولو قال قائل : ليس له أن يبدل من قبل أنه معروف أن الزاد ينقص قليلا ، ولا يبدل مكانه كان مذهبا - والله أعلم - من مذاهب الناس
( قال الشافعي ) والدواب في هذا مثل الإبل إذا اختلفا في المسير سار كما يسير الناس إن لم يكن بينهما شرط لا متعبا ، ولا مقصرا كما يسير الأكثر من الناس ويعرف خلاف الضرر بالمكتري للدابة والمكرى فإن كانت صعبة نظرا فإن كانت صعوبتها مشابهة صعوبة عوام الدواب ، أو تقاربها لزمت المكتري ، وإن كان ذلك منها مخوفا فإن تكاراها بعينها ، ولم يعلم تناقضا الكراء إن شاء المكتري ، وإن تكارى مركبا فعلى المكري الدابة له غيرها مما لا يباين دواب الناس
( قال الشافعي ) وعلف الدواب والإبل على الجمال أو مالك الدواب فإن تغيب واحد منهما فعلف المكتري فهو متطوع إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان ، وينبغي للسلطان أن يوكل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف ويحسب ذلك على رب الدابة والإبل ، وإن ضاق ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب فإن قال قائل : يأمر الراكب أن يعلف ; لأن من حقه الركوب والركوب لا يصلح إلا بعلف ويحسب ذلك على صاحب الدابة ، وهذا موضع ضرورة ولا يوجد فيه إلا هذا ; لأنه لا بد من العلف وإلا تلفت الدابة ، ولم يستوف المكتري الركوب كان مذهبا .
( قال الشافعي ) وفي هذا أن المكتري يكون أمين نفسه وإن رب الدابة إن قال : لم يعلفها إلا بكذا وقال الأمين علفتها بكذا لأكثر فإن قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف ، وإن قيل : قول المكتري العالف كان القول قوله فيما يلزم غيره ، وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه ، فقد خرج مالك الدابة والمكتري من أن يكون القول قولهما ، وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب بعض أصحابنا إلى أن لا قياس وأن القياس ضعيف ، وقد ذكر في غير هذا الموضع ويقولون يقضي فيما بين الناس بأقرب الأمور في العدل فيما يراه إذا لم يجد فيه متقدم من حكم يتبعه .
( قال الشافعي ) فيعيب هذا المذهب بعض الناس ويقول لا بد من القياس على متقدم الأحكام ثم يصير إلى أن يكثر القول بما عاب ويرد ما يشبه هذا فيما يرى رده من كره الرأي فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض أقاويلهم ، وإن لم يجز ، فقد يترك أهل القياس القياس فيكون والله أعلم فمن ذهب مذهب أصحابنا حمل الناس على أكثر معاملتهم وعلى الأقرب من صلاحهم وأنفذ الحكم على كل أحد من المتنازعين بقدر ما يحضره مما يسمع من قضيتهما مما يشبه الأغلب ومن ذهب مذهب القياس أعاد الأمور إلى الأصول ثم قاسها عليها وحكم لها بأحكامها ، وهذا ربما تفاحش .
[ ص: 38 ] مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) ، وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها ، أو نخسها بلجام ، أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما تفعل العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل بالكبح والضرب مثل ما يفعله بمثلها عندما فعله فلا أعد ذلك خرقة ، ولا شيء عليه ، وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع قد يكون بمثله تلف ، أو فعله في الموضع الذي لا يفعل في مثله ثمن في كل حال من قبل أن هذا تعد والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد ، وأما الرائض فإن من شأن الرواض الذي يعرف به إصلاحهم للدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر ما يفعل الركاب غيرهم ، فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعناف بين لم يضمن إن عيت . وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها إذا تعدى ضمن ، وإذا لم يتعد لم يضمن .
( قال الربيع ) قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم { العارية مضمونة مؤداة } ، وهو آخر قوله .
( قال الشافعي ) والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به وما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها ومن إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ، ولا خرقة ففعله الراعي لم يضمن ، وإن تلف فيه ، وإن فعل ما يكون عندهم خرقة فتلف منه شيء ضمنه عند من لا يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه في كل حال .
مسألة الأجراء
( أخبر الربيع ) قال : أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال : الأجراء كلهم سواء ، فإذا تلف في أيديهم شيء من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ إكراء على شيء كان له ضامنا يؤديه على السلامة ، أو يضمنه ، أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول : الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطي أجرا على شيء مما دفعت إليه وإعطائي هذا الأجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل ، أو يقول قائل : لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له ، أو أخذ الشيء على منفعة له فيه إما بتسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله .
وإما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن ; لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه ، وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس في هذا سنة أعلمها ، ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي فيه شيء عن عمر وعلي ليس يثبت عند [ ص: 39 ] أهل الحديث عنهما ، ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الأجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعي وحمل المتاع والأجير على الشيء يصنعه ; لأن عمر إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا أن يكون ضمنهم بأنهم أخذوا أجرا على ما ضمنوا فكل من كان أخذ أجرا فهو في معناهم ، وإن كان علي رضي الله عنه ضمن القصار والصائغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرة ، وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس ، ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين ، أو ترك التضمين ، ومن ضمن الأجير بكل حال فكان مع الأجير ما قلت مثل أن يستحمله الشيء على ظهره أو يستعمله الشيء في بيته ، أو غير بيته ، وهو حاضر لماله ، أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ، ولا على الأجير .
وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ، ولو غاب عنه ، أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجه ما تلف ، وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل ، وقد تعديت وبينهما بينة ، أو لا بينة بينهما فإن كانت البينة سئل عدلان من أهل ذلك الصناعة ، فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن ، وإن قالا هذا تعدى في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر ، وإذا لم تكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه ، وإذا سمعتني أقول : القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذي جعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله ، وإذا ادعى ما لا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله . ومن ضمن الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع ; لأنه كان عليه أن يرده إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني ، أو يضمن الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع ، وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذ من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل ، وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال ويرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال .
قال : وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن ، أو الكيل ، أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولي الوزن والكيل .
قلنا : في الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما . وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة ؟ فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص . قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن عما زعم أهل العلم بلا جناية ، ولا آفة ، فلما كان النقص يكون ولا يكون ، قلنا : إن شئت أحلفنا لك الحمال ما خانك ، ولا تعدى بشيء أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إذا كانت الزيادة قد تكون لا من حادث ، ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ها هنا زيادة فإن لم تدعها فهي لرب المال ، ولا كراء لك فيها ، وإن ادعيتها أوفينا رب المال ماله تاما ، ولم نسلم لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه ، وإن كان زيادة لا يزيد مثلها أوفينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها ، وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعي له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها ، وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ، ولا أمين معك قلنا لرب الطعام هو يقر بأن هذه الزيادة لك . فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما [ ص: 40 ] رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمل ; لأنه متعد إلا بأن ترضى أن تأخذه من موضعك فلا يحال بينك وبين عين مالك ، ولا كراء عليك بالعدوان ، وإن قلت رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز ، وفي الزيادة فاسد والطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله ، فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى . فمن رأى تضمين الحمال ضمن ما نقص عن المكيلة لا يرفع عنه شيئا ، ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان .
اختلاف الأجير والمستأجر
( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ، وإذا اختلف الرجلان في الكراء وتصادقا في العمل تحالفا وكان للعامل أجر مثله فيما عمل قال : وإذا اختلفا في الصنعة فقال : أمرتك أن تصبغه أصفر [ ص: 41 ] أو تخيط قميصا فخطته قباء ، وقال الصانع : عملت ما قلت لي تحالفا وكان على الصانع ما نقص الثوب ، ولا أجر له ، وإن زاد الصبغ فيه كان شريكا بما زاد الصبغ في الثوب ، وإن نقصت منه فلا ضمانة عليه ، ولا أجر له .
( قال الربيع ) الذي يأخذ به الشافعي في هذا أن القول قول رب الثوب وعلى الصانع ما نقص الثوب ، وإن كان نقصه شيئا ; لأنه مقر يأخذ الثوب صحيحا ومدع على أنه أمره بقطعه ، أو صبغه كما وصفت فعليه البينة بما قال فإن لم يكن بينة حلف رب الثوب ولزم الصانع ما نقصته الصنعة ، وإن كانت زادت الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها إن كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ ، ولا يأخذ من الأجرة شيئا [ ص: 42 ] كانت زادت الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها إن كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ ، ولا يأخذ من الأجرة شيئا فإن لم تكن عين قائمة فلا شيء له .
إحياء الموات
( أخبرنا الربيع ) قال : قال محمد بن إدريس الشافعي : ولم أسمع هذا الكتاب منه ، وإنما أقرأه على معرفة أنه كان من كلامه قال : وبلاد المسلمين شيئان عامر وموات فالعامر لأهله وكل ما صلح به العامر إن كان مرفقا لأهله من طريق وفناء ومسيل ماء ، أو غيره فهو كالعامر في أن لا يملكه على أهل العامر أحد إلا بإذنهم والموات شيئان موات قد كان عامرا لأهل معروفين في الإسلام ثم ذهبت عمارته فصار مواتا لا عمارة فيه فذلك لأهله كالعامر لا يملكه أحد أبدا إلا عن أهله ، وكذلك مرافقه وطريقه وأفنيته ومسايل مائه ومشاربه .
والموات الثاني ما لم يملكه أحد في الإسلام بعرف ، ولا عمارة ، ملك في الجاهلية ، أو لم يملك فذلك الموات الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أحيا مواتا فهو له } والموات الذي للسلطان أن يقطعه من يعمره خاصة وأن يحمي منه ما رأى أن يحميه عاما لمنافع المسلمين وسواء كل موات لا مالك له إن كان إلى جنب قرية جامعة عامرة ، وفي واد عامر بأهله وبادية عامرة بأهلها وقرب نهر عامر ، أو صحراء أو أين كان لا فرق بين ذلك ، قال وسواء من أقطعه الخليفة أو الوالي ، أو حماه هو بلا قطع من أحد مواتا لا مالك له وكل هؤلاء أحياء لا فرق بينهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg
-
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/52.jpg
كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (150)
صــــــــــ 43 الى صـــــــــــ50
ما يكون إحياء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإنما يكون الإحياء ما عرفه الناس إحياء لمثل المحيا إن كان مسكنا فأن يبنى بمثل ما يبنى به مثله من بنيان حجر ، أو لبن ، أو مدر يكون مثله بناء وهكذا ما أحيا الآدمي من منزل له أو لدواب من حظار ، أو غيره فأحياه ببناء حجر ، أو مدر ، أو بماء ; لأن هذه العمارة بمثل هذا ، ولو جمع ترابا لحظار أو خندق لم يكن هذا إحياء ، وكذلك لو بنى خياما من شعر ، أو جريد أو خشب لم يكن هذا إحياء تملك له الأرض بالإحياء ، وما كان هذا قائما لم يكن لأحد أن يزيله ، فإذا أزاله صاحبه لم يملكه وكان لغيره أن ينزله ويعمره ، وهذا كالفسطاط يضربه المسافر ، أو المنتجع لغيث وكالخباء وكالمناخ وغيره ويكون الرجل أحق به حتى يفارقه ، فإذا فارقه لم يكن فيه حق وهكذا الحظار بالشوك والخصاف وغيره ، وعمارة الغراس والزرع أن يغرس الرجل الأرض فالغراس كالبناء إذا أثبته في الأرض كان كالبناء يبنيه انقطع الغراس كان كانهدام البناء وكان مالكا للأرض ملكا لا يحول عنه إلا منه وبسببه ، وأقل عمارة الزرع الذي لا يظهر ماء لرجل عليه التي تملك بها الأرض كما يملك ما ينبت من الغراس أن يحظر على الأرض بما يحظر بمثله من حجر ، أو مدر ، أو سعف ، أو تراب مجموع ويحرثها ويزرعها ، فإذا اجتمع هذا ، فقد أحياها إحياء تكون به له وأقل ما يكفيه من هذا أن يجمع ترابا يحيط بها ، وإن لم يكن مرتفعا أكثر من أن تبين به الأرض مما حولها ويجمع مع هذا حرثها وزرعها وهكذا [ ص: 43 ] إن ظهر عليه ماء سيل ، أو غيل مشترك أو ماء مطر ; لأن الماء مشترك فإن كان له ماء خاص وذلك ماء عين ، أو نهر يحفرها يسقي بها أرضا فهذا إحياء لها وهكذا إن ساق إليها من نهر ، أو واد ، أو غيل مشترك في ماء عين له ، أو خليج خاصة فسقاها به ، فقد أحياها الإحياء الذي يملكها به
( قال الشافعي ) ما لا يملكه أحد من المسلمين صنفان : أحدهما يجوز أن يملكه من يحييه وذلك مثل الأرض تتخذ للزرع والغراس والآبار والعيون والمياه ومرافق هذا الذي لا يكمل صلاحه إلا به ، وهذا إنما تجلب منفعته بشيء من غيره لا كبير منفعة فيه هو نفسه ، وهذا إذا أحياه رجل بأمر وال ، أو غير أمره ملكه ، ولم يملك أبدا إلا أن يخرجه من أحياه من يده ، والصنف الثاني ما تطلب المنفعة منه نفسه ليخلص إليها لا شيء يجعل فيه من غيره وذلك المعادن كلها الظاهرة والباطنة من الذهب والتبر والكحل والكبريت والملح وغير ذلك ، وأصل المعادن صنفان ما كان ظاهرا كالملح الذي يكون في الجبال ينتابه الناس فهذا لا يصلح لأحد أن يقطعه أحدا بحال والناس فيه شرع ، وهكذا النهر والماء الظاهر فالمسلمون في هذا كلهم شركاء ، وهذا كالنبات فيما لا يملكه أحد وكالماء فيما لا يملكه أحد ، فإن قال قائل : ما الدليل على ما وصفت ؟ قيل :
( أخبرنا ) ابن عيينة عن معمر عن رجل من أهل مأرب عن أبيه { أن الأبيض بن حمال سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعه ملح مأرب فأراد أن يقطعه ، أو قال : أقطعه إياه ، فقيل له إنه كالماء العد } ، قال : فلا إذن .
( قال الشافعي ) فنمنعه إقطاع مثل هذا فإنما هذا حمى ، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ورسوله } فإن قال قائل : فكيف يكون حمى ؟ قيل : هو لا يحدث فيه شيئا تكون المنفعة فيه من عمله ، ولا يطلب فيه شيئا لا يدركه إلا بالمؤنة عليه إنما يستدرك فيه شيئا ظاهرا ظهور الماء والكلأ ، فإذا تحجر ما خلق الله من هذا ، فقد حمى لخاصة نفسه فليس ذلك له ، ولكنه شريك فيه كشركته في الماء والكلأ الذي ليس في ملك أحد ، فإن قال قائل : فإقطاع الأرض للبناء والغراس ليس حمى ، قيل : إنه إنما يقطع من الأرض ما لا يضر بالناس وما يستغني به وينتفع به هو وغيره ، قال : ولا يكون ذلك إلا بما يحدثه هو فيه من مال فتكون منفعته بما استحدث من ماله من بناء أحدثه ، أو غرس ، أو زرع لم يكن لآدمي وماء احتفره ، ولم يكن وصل إليه آدمي إلا باحتفاره ، وقد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الدور والأرضين ، فدل على أن الحمى الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن يحمي الرجل الأرض لم تكن ملكا له ، ولا لغيره بلا مال ينفقه فيها ، ولا منفعة يستحدثها بها فيها لم تكن فيها فهذا معنى قطيع مأذون فيه لا حمى منهي عنه .
( قال الربيع ) يريد الذي هو مأذون فيه الذي استحدث فيه بالنفقة من ماله ، وأما ما كان فيه منفعة بلا نفقة على من حماه فليس له أن يحميه .
( قال الشافعي ) ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط ، أو قار ، أو كبريت ، أو مومياء أو حجارة ظاهرة كمومياء في غير ملك لأحد فليس لأحد أن يتحجرها دون غيره ، ولا لسلطانها أن يمنعها لنفسه ، ولا لخاص من الناس ; لأن هذا كله ظاهر كالماء والكلأ ، وهكذا عضاه الأرض ليس للسلطان أن يقطعها لمن يتحجرها دون غيره ; لأنها ظاهرة ، ولو أقطعه أرضا يعمرها فيها عضاه فعمرها كان ذلك له ; لأنه حينئذ يحدث فيها ما وصفت بماله مما هو أنفع مما كان فيها ، ولو تحجر رجل لنفسه من هذا شيئا ، أو منعه له سلطان كان ظالما .
ولو أخذ في هذا الحال من هذا شيئا لم يكن عليه أن يرده إلا أنه يشرك فيه من منعه منه ، ولا أن يغرم لمن منعه شيئا بمنعه ، وذلك أنه لم يأخذ شيئا كان لأحد فيضمن له ما أخذ منه ، وإن منع الرجل مما للرجل أن يأخذه من جهة الإباحة ، لا يلزمه غرما إلا أنه لم يمنعه أن يحتطب حطبا ، أو ينزل أرضا لم يضمن له شيئا إنما يضمن ما أتلف لرجل أو أخذ مما كان ملكه لرجل ، ولو أحدث على شيء من هذا بناء قيل له حول [ ص: 44 ] بناءك ، ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله ; لأنه أحدث فيما ليس له بغير إذن فإن كان أحدث البناء في عين لا يمنع منفعتها لم يحول بناؤه ، وقيل له لك بناؤك ، ولا تمنع أحدا من هذه المنفعة ، ولا يمنعك وأنت وهم فيها شرع ، ولو كان بقعة من الساحل ، أو الأرض يرى أنها تصلح للملح لا يوجد فيها إلا بصنعة وذلك أن يحفر ترابا من أعلاها فينحي ثم يسرب إليها ماء فيدخلها فيظهر ملحها بذلك ، أو يحفر عنها التراب فيظهر فيها من وقت من الأوقات ماء ثم يظهر فيها كان للسلطان - والله تعالى أعلم - أن يقطعها وللرجل أن يعمرها ثم تكون له كما تكون له الأرض بالزرع والبناء ، وذلك أن هذا أكثر عمارتها وأن هذا شيء لا تأتي منفعته إلا بصنعة ، وفي وقت ليس بدائم وحديث معمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الملح } فلما أخبر أنه دائم كالماء منعه ذلك ، وهذا كالأرض يقطعها فيحفر فيها البئر ; لأن المنفعة كانت محولا دونها إلا بعمله ، وقد يعمل فيها فتقل المنفعة وتكثر ويخلف ، ولا يخلف .
( قال الشافعي ) ثم تفرق القطائع فرقين فتكون بما وصفت مما إذا أقطعه الرجل فأحياه ملكه من الأرض بالبناء والغراس والزرع والآبار والملح وما أشبه هذا ، فإذا ملكه لم يملك أبدا إلا عنه وهكذا إذا أحياه ولم يقطعه ; لأن كل من أحيا مواتا فيقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه وعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عطاء كل أحد بعده من سلطان وغيره ، ثم يكون شيء يقطعه المرء فيكون له الانتفاع به ومنعه من غيره ما أقام فيه أو وكيل له ، فإذا فارقه لم يكن ملكا له ، ولا يكون له أن يبيعه ، وذلك أنه إقطاع إرفاق لا تمليك وذلك مثل المقاعد بالأسواق التي هي طرق المسلمين كافة . فمن قعد في موضع منها لبيع كان أحق به بقدر ما يصلح له ومتى قام عنه لم يكن له أن يمنعه من غيره ، قال : وهكذا القوم من العرب يحلون الموضع من الأرض في أبنيتهم من الشعر وغيره ، ثم ينتجعون عنه لا تكون هذه عمارة يملكون بها حيث نزلوا ، وكذلك لو بنوا خياما ; لأن الخيام تجف وتحول تحويل أبنية الشعر والفساطيط ، وهذا والمقاعد بالسوق ليس بإحياء موات ، وفي إقطاع المعادن قولان أحدهما أنه مخالف لإقطاع الأرض ; لأن من أقطع أرضا فيها معادن ، أو عملها ليست لأحد فسواء في ذلك كله وسواء كانت المعادن ذهبا ، أو فضة أو نحاسا ، أو حديدا ، أو شيئا في معنى الذهب والفضة مما لا يخلص إلا بمؤنة ، ولم يكن ملكا لأحد فللسلطان أن يقطعها من استقطعه إياها ممن يقوم به وكانت هذه كالموات في أن له أن يقطعه إياها ومخالفة للموات في أحد القولين ، وإن الموات إذا أحييت مرة ثبت إحياؤها وهذه إذا أحييت مرة ثم تركت دثر إحياؤها وكانت في كل يوم مبتدأ الإحياء يطلبون فيها مما يطلب في المعادن فإقطاعه الموات ليحييه يثبته له ملكا ، ولا ينبغي أن يقطعه المعادن إلا على أن يكون له منفعتها ما أحياها وإحياؤها إدامة العمل فيها ، فإذا عطلها فليس له منعها من أحد عمل فيها ، ولا ينبغي أن يقطعه منها ما لا يعمل ، ولا وقت في قدر ما يقطعه منها إلا ما احتمل عمله قل منها ما عمل ، أو كثر والتعطيل للمعادن أن يقول قد عجزت عنها .
( قال الشافعي ) فمن خالف بين إقطاع المعادن والأرضين للزرع انبغى أن يكون من حجته أن يقول إن المعادن إنما هي شيء يطلب فيه ذهب ، أو فضة ، أو غير ذلك مما هو غائب عن الطالب مخلوق فيه ليست للآدميين فيه صنعة إنما يلتمسونه ويخلصونه والتماسه وتخليصه ليس صنعة فيه فلا يكون لأحد أن يحتجزه على أحد إلا ما كان يعمل فيه ، فأما أن يمنع المنفعة فيه غيره ، ولا يعمل هو فيه فليس له ولقد رأيت للسلطان أن لا يقطع معدنا إلا على ما أصف من أن يقول أقطع فلانا معادن كذا على أن يعمل فيها فما رزق الله أدى ما يجب عليه [ ص: 45 ] فيما يخرج منه ، وإذا عطلها كان لمن يحييها العمل فيها وليس له أن يبيعها له قال : ومن حجة من فرق بين ملكها وبين ملك الأرض أن يقول ليس له بيعها ، ولا بيع الأرض لا معدن فيها ، قال : ومن قال : هذا قال ولو ملكه إياها السلطان ، وهو يعملها ملكا بكل حال لم يكن له إلا على ما وصفت وكان هذا جورا من السلطان يرد ، وإن عملها هو بغير عطاء من السلطان كانت له حتى يعطلها ، ومن قال هذا أشبه أن يحتج بأن الرجل يحفر البئر بالبادية فتكون له ، فإذا أورد ماشيته لم يكن له منع فضل مائها وجعل عمله فيها غير إحياء له جعله مثل المنزل ينزل بالبادية فلا يكون لأحد أن يحوله عنه ، وإذا خرج منه لم يمنع منه من ينزله وجعله غير مملوك ، وسواء في هذا معدن الذهب والفضة وكل تبر وغيره مما يطلب بالعمل ، ولا يكون ظاهرا كظهور الماء والملح الظاهر ، وأما ما كان من هذا ظاهرا من ذهب ، أو غيره فليس لأحد أن يقطعه ، ولا يمنعه وللناس أن يأخذوا منه ما قدروا عليه ، وكذلك الشذر يوجد في الأرض ، ولو أن رجلا أقطع أرضا فأحياها بعمارة بناء ، أو زرع أو غيره فظهر فيها معدن كان يملكه ملك الأرض وكان له منعه كما يمنع أرضه في القولين معا .
والقول الثاني أن الرجل إذا أقطع المعدن فعمل فيه ، فقد ملكه ملك الأرض ، وكذلك إذا عمله بغير إقطاع ، وما قلت في القولين معا في المعادن فإنما أردت بها الأرض القفر تكون أرض معادن فيعملها الرجل معادن ، وفي القول الأول يكون عمله فيها لا يملكه إياها إلا ملك الاستمتاع يمنعه ما كان يعمل فيه ، فإذا عطله لم يمنعه غيره ، وفي القول الثاني إذا عمل فيها فهو كإحياء الأرض يملكها أبدا ، ولا تملك إلا عنه .
( قال ) وكل معدن عمل جاهليا ثم أراد رجل استقطاعه ففيه أقاويل :
منها أنه كالبئر الجاهلية والماء المعد فلا يمنع أحد العمل فيه ، ولا يكون أحد أولى به من أحد يعمل فيه ، فإذا استبقوا إليه فإن وسعهم عملوا معا ، وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ثم يتبع الآخر فالآخر حتى يتواسوا فيه .
والثاني : أن للسلطان أن يقطعه على المعنى الأول يعمل فيه من أقطعه ، ولا يملكه ملك الأرض ، فإذا تركه عمل فيه غيره .
والثالث : يقطعه فيملكه ملك الأرض إذا أحدث فيه عمارة وكل ما وصفت من إحياء الموت وإقطاع المعادن وغيرها فإنما أعني في عفو بلاد العرب الذي عامره عشر وعفوه غير مملوك قال : وكل ما ظهر عليه عنوة من بلاد العجم فعامره كله لمن ظهر عليه من المسلمين على خمسة أسهم لأهل الخمس سهم وأربعة لمن أوجف عليه فيقسم بينهم قسم الميراث وما ملكوا بوجه من الوجوه وما كان في قسم أحدهم من معدن فهو له كما يظهر المعدن في دار الرجل فيكون له ويظهر بئر الماء فيكون له .
( قال الشافعي ) : وإن كان فيها معدن ظاهر فوقع في قسم رجل بقيمته فذلك له كما يقع في قسمه العمارة بقيمة فتكون له وكل ما كان في بلاد العنوة مما عمر مرة ثم ترك فهو كالعامر القائم العمارة وذلك ما ظهرت عليه الأنهار وعمر بغير ذلك على نطف السماء وبالرشاء وكل ما كان لم يعمر قط من بلادهم ، وكان مواتا فهو كالموات من بلاد العرب لا يختلف في أنه ليس بملك لأحد دون أحد ومن أراد أن يقطع منه أقطع ممن أوجف ، أو لم يوجف هم سواء فيه لا تختلف حالاتهم فيما أحيوا وأرادوا من الإقطاع ، قال : وما كان من بلاد العجم صلحا فانظر مالكه فإن كان المشركون مالكيه فهو لهم ليس لأحد أن يعمل فيه معدنا ، ولا غيره إلا بإذنهم وعليهم ما صولحوا عليه . قال : وإن كان المسلمون مالكين شيئا منه بشيء ترك لهم فخمس ما صولح عليه المسلمون لأهل الخمس وأربعة أخماسه لجماعة أهل الفيء من المسلمين حيث كانوا فيقسم لأهل الخمس رقبة الأرض والدور ولجماعة المسلمين أربعة أخماس فمن وقع في ملكه شيء كان له .
وإن صالحوا المسلمين على موات مع العامر فالموات مملوك كالعامر وما كان في حق امرئ من معدن فهو له وما كان في حق جماعة من معدن فبينهم كما يكون بينهم ما سواه ، وإن صالحوا المسلمين على [ ص: 46 ] أن لهم الأرض ويكونون أحرارا ثم عاملهم المسلمون بعد فإن الأرض كلها صلح وخمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها لجماعة المسلمين كما وصفت ، وإذا وقع صلحهم على العامر ، ولم يذكروا العامر فقالوا : لكم أرضنا فلهم من أرضهم ما وصفت من العامر والعامر ما فيه أثر عمارة أو ظهر عليه النهر ، أو عرفت عمارته بوجه وما كان من الموات في بلادهم فمن أراد إقطاعه ممن صالح عليه ، أو لم يصالح أو عمره ممن صالح ، أو لم يصالح فسواء ; لأن ذلك كان غير مملوك كما كان عفو بلاد العرب غير مملوك لهم ، ولو وقع الصلح على عامرها ومواتها كان الموات مملوكا لمن ملك العامر كما يجوز بيع الموات من بلاد المسلمين إذا حازه رجل يجوز الصلح من المشركين إذا جازوه دون المسلمين فمن عمل في معدن في أرض ملكها لواحد ، أو جماعة فجميع ما خرج من المعدن لمن ملك الأرض ، ولا شيء للعامل في عمله ; لأنه متعد بالعمل ومن عمل في معدن بينه وبين غيره أدى إلى غيره نصيبه مما خرج من المعدن وكان متطوعا بالعمل لا أجر له فيه ، وإن عمل بإذنه ، أو على أن له ما خرج من عمله فسواء وأكثر هذا أن يكون هبة لا يعرفها الواهب ، ولا الموهوب له ، ولم يقبض فالآذن في العمل والقائل اعمل ولك ما خرج من عملك سواء له الخيار في أن يتم ذلك للعامل ، وكذلك أحب له أن يرجع فيأخذ نصيبه مما خرج من غلة ويرجع عليه العامل بأجر مثله في قول من قال : يرجع وليس هذا كالدابة يأذن له في ركوبها ; لأنه قد عرف ما أعطاه وقبضه .
عمارة ما ليس معمورا من الأرض التي لا مالك لها
( قال الشافعي ) كان يقال الحرم دار قريش ويثرب دار الأوس والخزرج وأرض كذا دار بني فلان على معنى أنهم ألزم الناس لها وأن من نزلها غيرهم إنما ينزلها شبيها بالمجتاز وعلى معنى أن لهم مياهها التي لا تصلح مساكنها إلا بها ، وليس ما سمته العرب من هذا دارا لبني فلان بالموجب لهم أن يكون ملكا مثل ما بنوه ، أو زرعوه أو اختبروه ; لأنه موات أحيي كماء نزلوه مجتازين وفارقوه وكما يحيا ما قارب ما عمروا ، وإنما يملكون بما أحيوا ما أحيوا ، ولا يملكون ما لم يحيوا .
( قال الشافعي ) وبيان ما وصفت في السنة ثم الأثر منه ما وصفت قبل هذا الباب من قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ورسوله } ثم قول عمر رضي الله عنه إنها لبلادهم ، ولولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله تعالى ما حميت عليهم من بلادهم شبرا أي أنها تنسب إليهم إذا كانوا ألزم الناس لها وأمنعه .
( أخبرنا ) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أحيا مواتا فهو له وليس لعرق ظالم فيه حق } .
( قال الشافعي ) وجماع العرق الظالم كل ما حفر أو غرس أو بني ظلما في حق امرئ بغير خروجه منه ( أخبرنا ) سفيان عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أحيا مواتا من الأرض فهو له وعادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني } .
( قال الشافعي ) ففي هذين الحديثين وغيرهما الدلالة على أن الموات ليس ملكا لأحد بعينه وأن من أحيا مواتا من المسلمين فهو له وأن الإحياء ليس هو بالنزول فيه وما أشبهه وأن الإحياء الذي يعرفه الناس هو العمارة بالحجر والمدر والحفر لما بني دون اضطراب الأبنية وما أشبه ذلك ومن الدليل على ما وصفت أيضا أن ابن عيينة أخبرنا عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم نكب عنا ابن أم عبد فقال [ ص: 47 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ابتعثني الله إذا ؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه } .
( قال الشافعي ) والمدينة بين لابتين تنسب إلى أهلها من الأوس والخزرج ومن فيه من العرب والعجم لما كانت المدينة صنفين : أحدهما ، معمور ببناء وحفر وغراس وزرع ، والآخر خارج من ذلك فأقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخارج من ذلك من الصحراء استدللنا على أن الصحراء ، وإن كانت منسوبة إلى حي بأعيانهم ليست ملكا لهم كملك ما أحيوا ومما يبين ذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن هشام عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال : كان الناس يحتجرون على عهد عمر بن الخطاب فقال عمر من أحيا أرضا مواتا فهي له .
( أخبرنا ) عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي عن أبيه عن علقمة بن نضلة أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله وقال : سنام الأرض أن لها أسناما زعم ابن فرقد الأسلمي أني لا أعرف حقي من حقه ، لي بياض المروة له سوادها ولي ما بين كذا إلى كذا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال : ليس لأحد إلا أحاطت عليه جدرانه إن إحياء الموات ما يكون زرعا أو حفرا ، أو يحاط بالجدران ، وهو مثل إبطاله التحجير بغير ما يعمر به مثل ما يحجر .
( قال الشافعي ) وإذا أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أحيا أرضا مواتا فهي له والموات ما لا ملك فيه لأحد خالصا دون الناس فللسلطان أن يقطع من طلب مواتا ، فإذا أقطع كتب في كتابه ، ولم أقطعه حق مسلم ، ولا ضررا عليه .
( قال الشافعي ) وخالفنا في هذا بعض الناس فقال : ليس لأحد أن يحمي مواتا إلا بإذن سلطان ورجع صاحبه إلى قولنا فقال : وعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبت العطايا فمن أحيا مواتا فهو له بعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس للسلطان أن يعطي إنسانا ما لا يحل للإنسان أن يأخذه من موات لا مالك له ، أو حق لغيره يعرفه له والسلطان لا يحل له شيئا ، ولا يحرمه ، ولو أعطى السلطان أحدا شيئا لا يحل له لم يكن له أخذه
( أخبرنا ) ابن عيينة عن هشام عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا } وأن عمر رضي الله عنه أقطع العقيق وقال : أين المستقطعون منذ اليوم أخبرناه مالك عن ربيعة .
( قال الشافعي ) ومن أقطعه السلطان اليوم قطيعا ، أو تحجر أرضا فمنعها من أحد يعمرها ، ولم يعمرها رأيت للسلطان والله أعلم أن يقول له هذه أرض كان المسلمون فيها سواء لا يمنعها منهم أحد ، وإنما أعطيناكها ، أو تركناك وجوزها ; لأنا رأينا العمارة لها غير ضرر بين على جماعة المسلمين منفعة لك وللمسلمين فيها ينالون من رفقها فإن أحييتها وإلا خلينا من أراد إحياءها من المسلمين فأحياها فإن أراد أجلا رأيت أن يؤجل .
( قال الشافعي ) : وإذا كان هذا هكذا كان للسلطان أن لا يعطيه ، ولا يدعه يتحجر على المسلمين شيئا لا يعمره ، ولم يدعه أن يتحجر كثيرا يعلمه لا يقوى عليه وتركه وعمارة ما يقوى عليه .
( قال الشافعي ) وإن كانت أرضا يطلب غير واحد عمارتها ، فإن كانت تنسب إلى قوم فطلبها بعضهم وغيرهم كان أحب إلي أن يعطيها من تنسب إليهم دون غيرهم ، ولو أعطاها الإمام غيرهم لم أر بذلك بأسا إن كانت غير مملوكة لأحد ، ولو تشاحوا فيها فضاقت عن أن تسعهم رأيت أن يقرع بينهم فأيهم خرج سهمه أعطاه إياها ، ولو أعطاهم بغير قرعة لم أر عليه بأسا إن شاء الله ، وإن اتسع الموضع أقطع من طلب منه فإن بدأ بأحد فأقطعه ترك له حريما للطريق ومسيلا للماء ومغيضة وكل ما لا صلاح لما أقطعه إلا به .
من أحيا مواتا كان لغيره
( قال الشافعي ) أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب [ ص: 48 ] رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هني على الحمى فقال له يا هني ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم ، فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ، وإن رب الصريمة والغنيمة يأتي بعياله فيقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أهون علي من الدنانير والدراهم وايم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام ، ولولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا فقال : ولو ثبت هذا عن عمر بإسناد موصول أخذت به ، وهذا أشبه ما روي عن عمر رضي الله عنه من أنه ليس لأحد أن يتحجر .
من قال : لا حمى إلا حمى من الأرض الموات وما يملك به الأرض وما لا يملك وكيف يكون الحمى
( قال الشافعي ) رحمه الله : أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا حمى إلا لله ورسوله } ( وحدثنا ) غير واحد من أهل العلم { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع } .
( قال الشافعي ) كان الرجل العزيز من العرب إذا انتجع بلدا مخصبا أوفى بكلب على جبل إن كان به ، أو نشز إن لم يكن جبل ثم استعواه ووقف له من يسمع منتهى صوته بالعواء فحيث بلغ صوته حماه من كل ناحية فيرعى مع العامة فيما سواه ويمنع هذا من غيره لضعفاء سائمته وما أراد قرنه معها فيرعى معها فنرى أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم " { لا حمى إلا لله ورسوله } لا حمى على هذا المعنى الخاص وأن قوله لله كل محمي وغيره ورسوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يحمي لصلاح عامة المسلمين لا لما يحمي له غيره من خاصة نفسه وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا ما لا غناء به وبعياله عنه ومصلحتهم حتى يصير ما ملكه الله من خمس الخمس مردودا في مصلحتهم ، وكذلك ماله إذا حبس فوق سنته مردودا في مصلحتهم في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله وأن ماله ونفسه كان مفرغا لطاعة الله تعالى فصلى الله عليه وسلم وجزاه أفضل ما جزى به نبيا عن أمته .
( قال الشافعي ) والحمى ليس بإحياء موات فيكون لمن أحياه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا حمى إلا لله ورسوله } يحتمل معنيين أحدهما أن لا يكون لأحد أن يحمي للمسلمين غير ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذهب هذا المذهب قال : يحمي الوالي كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاد لجماعة المسلمين على ما حماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكون لوال إن رأى صلاحا لعامة من حمى أن يحمي بحال شيئا من بلاد المسلمين والمعنى الثاني أن قوله { لا حمى إلا لله ورسوله } يحتمل لا حمى إلا على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذهب هذا المذهب قال : للخليفة خاصة دون الولاة أن يحمي على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي عرفناه نصا ودلالة فيما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حمى لنقيع والنقيع بلد ليس بالواسع الذي إذا حمي ضاقت البلاد بأهل المواشي حوله حتى يدخل ذلك الضرر على مواشيهم ، أو أنفسهم كانوا يجدون فيما سواه من البلاد سعة لأنفسهم ومواشيهم وأن ما سواه مما لا يحمى أوسع منه وأن النجع يمكنهم فيه وأنه لو ترك فكان [ ص: 49 ] أوسع عليهم لا يقع موقع ضرر بين عليهم ; لأنه قليل من كثير غير مجاوز القدر ، وفيه صلاح لعامة المسلمين بأن تكون الخيل المعدة لسبيل الله وما فضل من سهمان أهل الصدقات وما فضل من النعم التي تؤخذ من أهل الجزية ترعى فيه فأما الخيل فقوة لجميع المسلمين ، وأما نعم الجزية فقوة لأهل الفيء من المسلمين ومسلك سبل الخير أنها لأهل الفيء المحامين المجاهدين قال : وأما الإبل التي تفضل عن سهمان أهل الصدقة فيعاد بها على أهل سهمان الصدقة لا يبقى مسلم إلا دخل عليه من هذا صلاح في دينه ونفسه ومن يلزمه أمره من قريب ، أو عامة من مستحقي المسلمين فكان ما حمي عن خاصتهم أعظم منفعة لعامتهم من أهل دينهم وقوة على من خالف دين الله من عدوهم وحمى القليل الذي حمى عن عامة المسلمين وخواص قراباتهم الذين فرض الله لهم الحق في أموالهم ، ولم يحم عنهم شيئا ملكوه بحال .
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/09/23.jpg