-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
وحدة الأمة الإسلامية في رمضان
اللجنة العلمية
أسباب تفرق الأمة الإسلامية
تعدد الدول:
إن انقسام الدول الإسلامية ظاهرة قديمة ولكن حكام الدول الإسلامية كانوا يشعرون كما يشعر المسلمون جميعا يومئذ أنهم يقتسمون أرضا واحدة ومجتمعا واحدا وكان الفرد المسلم لا يشعر بالانفصال عن المسلمين الذين هم تحت حكم حاكم آخر فالشعور بوحدة المسلمين أو المجتمع كان واضحا وقويا حتى أن الانتقال من دولة إلى دولة كان أمرا عاديا وميسورا وكذلك تغيير محل الإقامة من دولة إلى دولة وكان المسلم ينتقل إلى بلد آخر وإلى سلطة حاكم آخر دون أن ينتقص أي حق من حقوقه، فيمكن أن يتولى فيها أي ولاية من الولايات كالقضاء والوزارة وغيرها كما حصل لابن خلدون وابن بطوطة وعدد كبير من العلماء الذين تولوا القضاء في الشام ومصر أو في مصر والمغرب أو غيرها.
أما الانقسام الذي حصل في القرن الأخير ولاسيما في عهد الاستعمار وبعد الاستقلال فهو انقسام إلى دول تفصلها حدود حاجزة وتكون مجتمعات أخذ بعضها يتباعد عن بعض، وتكونت لها عصبيات قومية أو إقليمية انعكست آثارها في نفوس الشعوب وتجسدت في كيانات وطنية وقومية متنافسة تنافس القبائل قديما بل متصارعة ومتعادية أحيانا.
وبني على هذا الأساس المناهج الدراسية وخاصة في التاريخ والجغرافيا وغذيت هذه الروح المبنية على هذه العصبيات الإقليمية أو القومية والوطنيات المحدودة الخاصة حتى في الأدب والشعر والأناشيد (الوطنية) فلتركيا نشيد ولمصر نشيد وللعراق نشيد.. الخ. واستمر الحكام الذين حكموا بعد التحرر من الاستعمار كالحكام الذين سبقوهم أو الذين لم تستعمر أرضهم في هذا الاتجاه بسبب نشوئهم في هذه الأجواء من جهة وبسبب حرصهم على مناصبهم من جهة أخرى.
2 _ اختلاف نظم الدول القائمة في العالم الإسلامي:
أ _ نظم التربية والتعليم:
بعد أن أدخل الاستعمار _ وهو حكم غير المسلمين للبلاد الإسلامية _ مناهج للتعليم غير المناهج الإسلامية المتوارثة وبنيت هذه المناهج على الفكر الغربي من حيث الأساس، اختلت الوحدة الثقافية والفكرية في البلاد الإسلامية. فوجد أولاً نوعان من الثقافة والتفكير، نوع بني على المناهج الإسلامية الموروثة القديمة ونوع بني على المناهج الأجنبية الوافدة أو الغازية.
ووجد اختلاف آخر نشأ عن تعدد الدول غير المسلمة التي غزت بلاد المسلمين وهي نفسها مختلفة المناهج وإن اشتركت في أصولها فثمة نظام إنكليزي ونظام فرنسي وغيرهما. ثم ظهر نظام آخر كان له تأثير أيضا وهو النظام الماركسي الذي تأثرت به بعض البلاد الإسلامية بتأثير الدول الشيوعية ودعايتها ونفوذها وهكذا تكون من مجموع ذلك تفكير متعدد مختلف الاتجاهات وليس هذا الاختلاف بين بلد وبلد فحسب بل في البلد الواحد نفسه. وبذلك فقدت أو انتقصت الوحدة الفكرية والثقافية التي كانت ماثلة، في بلاد المسلمين كلها.
ب _ التشريع:
غزا الغرب غير المسلمين البلاد الإسلامية قبل استعمار البلاد الإسلامية فأخذت القانون الجنائي ثم القانون التجاري ثم القانون المدني وأخيراً قانون الأحوال الشخصية. ولكل من هذه القوانين تأثيرها في المجتمع في توجيه حياته الأخلاقية عن طريق التشريع الجنائي _ والاقتصادية عن طريق القانون التجاري والمدني وحياة الأسرة المسلمة عن طريق قوانين الأحوال الشخصية.
ونشأ عن ذلك:
الاختلاف بين التشريع الإسلامي الذي كان سائدا والتشريع الغربي الغازي. الاختلاف بين التشريعات الأجنبية نفسها لتعدد مصادرها.
التعارض بين بنية المجتمع الإسلامي القديمة والتشريع الجديد الأجنبي فيها وأخيرا فقدان الوحدة التشريعية في البلاد الإسلامية واختلاف تكوين البناء الاجتماعي وإقصاء التشريع الإسلامي عن المجتمعات الإسلامية.
ج _ الاقتصاد والنظم الاقتصادية:
إن الاختلاف في النظم الاقتصادية والانقسام والتوزيع على دورات أو شبكات اقتصادية من جهة الارتباط والتعامل الخارجي _ ظاهرتان جديدتان في العالم الإسلامي لم تكونا موجودتين حتى في عصر الانحطاط إذ كان العالم الإسلامي مترابطا اقتصاديا وكان النظام السائد فيه واحدا.
نشأ هذا الاختلاف والانقسام بتأثير الاستعمار وتعدد دوله واختلاف نظمه واختلاف الدول أو البلاد الإسلامية في اقتباس النظم الاقتصادية من رأسمالية قديمة إلى رأسمالية حديثة إلى اشتراكية إلى اشتراكية ماركسية وقد نشأ عن الاختلاف في هذا الميدان نتائج وآثار متعددة منها: اختلاف في تركيب المجتمع وفي آلية الحركة الاقتصادية أو طرائق التنمية وفي كل ما يتأثر بالاقتصاد وأسلوبه في الداخل.
اختلاف في الارتباطات الاقتصادية الخارجية في الصادرات والواردات والأساس النقدي ومراكز الإيداع. فكل بلد إسلامي مرتبط بشبكة اقتصادية خارجية تختلف عن البلدان الإسلامية الأخرى وذلك بسبب تضارب المصالح والتنافس وقد يسبب التعارض في المصالح الاقتصادية وذلك مما يجر إلى اختلاف المواقف السياسية الخارجية وإلى وجود البلاد الإسلامية في جبهات مختلفة ومتصارعة وكثيراً ما سبب ذلك السير في سياسة خارجية تخالف الإسلام بل التنكر لبعض القضايا الإسلامية الدولية.
د _ السياسة الداخلية والخارجية:
من الطبيعي أن يرتبط الاختلاف في السياسة الداخلية بالاختلافات السابقة وخاصة في التربية والثقافة وفي التشريع وفي المفاهيم العقائدية والمعايير الأخلاقية وهي التي تحدد الحقوق والواجبات ومدى الحريات وأنواعها ولا شك كذلك أن حرص الحكام في كل بلد على الاستمرار في الحكم وبقاء البلد الذي يحكمونه مستقلا عن غيره من البلدان الإسلامية هو دافع إلى وضع قوانين ونظم وإجراءات في السياسة الداخلية تقوي روح الإقليمية والانعزالية في الشعب حتى تتغلب على شعوره بواجب الاتحاد أو الوحدة مع سائر البلدان الإسلامية، ويضاف إلى ذلك اعتقاده أن في ذلك مصلحة له لئلا يقاسمه أبناء البلدان الأخرى المنافع والمكاسب في زعمه غافلا عما تجلبه الوحدة وسعة الرقعة من القوة ومن المنافع والمصالح بالإضافة إلى كونها واجبا إسلاميا بصرف النظر عن مكاسبها.
وبذلك يصبح المسلم في بلد إسلامي ليس بلده وفي دولة غير دولته ليس له من الحقوق المدنية كالعمل والإقامة والتملك والتوظف وغيرها من الحقوق إلا ما لسائر الأجانب من غير المسلمين وهذه ظاهرة لم يسبق لها نظير في تاريخ الإسلام ولم تحدث إلا في العصر الحديث.
أما السياسة الخارجية فهي كذلك مختلفة بسبب اختلاف العوامل التي ذكرناها من التربية وما تنشره من أفكار وعقائد ومن النظم الاقتصادية والمصالح الاقتصادية فهذان العاملان أعني التأثر بالتيارات الخارجية كالشيوعية والليبرالية. والديمقراطية والقومية وغيرها، وارتباط المصالح الاقتصادية بدول وبلدان غير إسلامية أدت ولا تزال تؤدي حتما إلى اختلاف كبير في السياسة الخارجية وانقسام بين حكومات البلاد الإسلامية في هذا المجال. وإن من أساليب المعارضة لوحدة الشعوب الإسلامية واتحاد الدول الإسلامية صرفها إلى تكتلات أخرى تختلط فيه دول الشعوب الإسلامية وتتوحد مع دول غير إسلامية.
3 _ تعدد المذاهب والاتجاهات:
إن الوحدة بين المسلمين في الماضي والحاضر لم يكن ليؤثر فيها ما بينهم من اختلاف مذهبي وفيما يلي تلخيص يعطي صورة واضحة ويؤيد ما قلناه:
أ _ أن المذهب السني هو مذهب الأكثرية العظمى للمسلمين في العالم والمذهب الذي يليه في الأهمية من حيث العدد هو المذهب الشيعي الإمامي وهو مذهب أكثرية الشعب الإيراني وفريق من سكان القارة الهندية (الهند وباكستان وبنغلاديش) والمهاجرين منهم إلى جنوب أفريقيا ونصف سكان العراق وأقليات أخرى في بلدان متفرقة.
إن وجود هذين المذهبين ويضاف إليهما المذهب الإباضي في عمان والجزائر وزنجبار والمذهب الزيدي في اليمن، لم يكن ليخلق أي
مشكلة أمام الوحدة بين المسلمين. فالتنسيق بين المذهب السني والمذهب الشيعي وهما الأكثر تباعدا بين هذه المذاهب التي ذكرناها أمر ميسور وممكن لعظم الجانب المشترك بينهما وضآلة جانب الاختلاف.
وأما المذاهب التي أعلنت انشقاقها وانفصالها عن الإسلام قديما أو حديثا كالدرزية والبهائية، أو التي أعلن المسلمون انفصالها عن الإسلام كالقاديانية فهي لا توجد مشكلة لقلة عدد أصحابها ولعدم معارضتها للوحدة بين المسلمين.
ب _ المذاهب الحديثة العقائدية والاجتماعية والسياسية:
إن من أبرز العوامل المعارضة للوحدة في داخل كل بلد إسلامي وبين البلدان الإسلامية ظهور تيارات فكرية ومذاهب عقائدية حديثة مستمدة من الغرب تولدت بسبب الاستعمار والغزو الأجنبي الفكري. وهذه المذاهب إما معارضة للإسلام معارضة أساسية وكلية وإما عاملة لحصر الإسلام في نطاق العبادات والعقيدة الشخصية.
بعض هذه المذاهب يتخذ لنفسه صفة عقيدة شاملة (إيديولوجية) كالماركسية أو الشيوعية والقومية لدى فريق من القومين (في مختلف الشعوب الإسلامية) وبعضها يتخذ لنفسه صفة جانبية سياسية كالوطنية والقومية عند فريق آخر من القوميين أو اقتصادية كالاشتراكية (غير الماركسية) .
إن هذه التيارات السياسية والاجتماعية والعقائدية راجت وانتشرت في المجتمعات الإسلامية وكان لها آثار ونتائج خطيرة وعميقة في حاضر العالم الإسلامي ومستقبلة وفيما يلي أهم هذه النتائج:
أولاً: أن هذه المذاهب والتيارات تأثر بها فريق من الجيل الماضي والحاضر من الشعب في كل بلد إسلامي وكونت على أساسها أحزاب سياسية وأصبحت في بعض البلدان مذهب الدولة الرسمي والفعلي ووصل المتمذهبون بها إلى مراكز الحكم والقيادة.
ثانياً: اختلفت البلاد الإسلامية في الأخذ بهذه المذاهب فاتخذت بعضها الاشتراكية وبعضها الشيوعية إلى غير ذلك من التباين .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
وحدة الأمة الإسلامية في رمضان
اللجنة العلمية
واقع الأمة الإسلامية اليوم
فبعد سقوط الدولة العثمانية كان المشروع الأساسي للاستعمار الغربي: هو تمزيق وحدة الأمة الإسلامية، وتقسيمها إلى دويلات متناثرة؛ لتضعف قوَّتها، وتتشتت طاقاتها، وتذهب ريحها، ومن ثَمَّ يسهل احتواؤها والسيطرة عليها.
وفي كل منطقة - تقريباً - اصطنع الاستعمار بؤراً حدودية متوترة لاستدعائها وإثارتها، وإذكاء الصراعات السياسية والعسكرية حولها؛ وذلك من أجل أن تُتَّخذ هذه البؤر ذريعة للتدخل في المنطقة متى أرادوا ذلك.
ولكي يضمن الغرب استمرار هذا التمزق والاختلاف أثار النزعات القومية ليفصل العرب عن عمقهم المعنوي ومحيطهم الإسلامي، ثم زرع النعرات الوطنية ليعزل الدول والشعوب العربية عن بعضها.
ولم يتوقف المشروع الاستعماري عند هذا الحد؛ فالغرب يستثمر الفرص تِلْو الأخرى؛ لتمزيق المقسَّم وإنهاكه بالصراعات الانفصالية التي تستنزف قوَّته ومقدَّراته الاقتصادية والتنموية، وتغلق دونه كل أبواب التحضر والنمو.
وفي العقد الأخير برزت مجموعة من مشاريع التقسيم، ويأتي في مقدمتها ثلاثة مشاريع أساسية:
1- مشروع انفصال جنوب السودان؛ تمهيداً لمزيد من تفتيته وتقسيمه وإضعافه وتشرذمه.
2- مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية وعرقية، تكون ألعوبة في يد المستعمر، متنافسة على إرضائه.
3- مشروع انفصال جنوب اليمن.
وهناك مشاريع أخرى في السلة الغربية تثار على استحياء بين آونة وأخرى، مثل: مشروع تقسيم الخليج، ومشروع إنشاء دولة قبطية في جنوب مصر، ومشروع انفصال الصحراء المغربية، ومشروع تقسيم دولة باكستان... والسلسلة طويلة يجر بعضها بعضاً.
والعجيب أن كثيراً من هذه المشاريع عندما تُناقَش في بعض الدوائر السياسية، وفي الإعلام العربي، تُذكَر على أنها قضايا داخلية وشأن محلي لا يُسمَح بتجاوزه، وفي الوقت ذاته يستباح هذا الحمى من الغرب نفسه؛ ليصبح ألعوبة يتطاولون بها على حقوق المسلمين.
إن التفريط في وحدة الأمة وتماسكها نازلة خطيرة تستدعي من أهل الإسلام أن يكونوا على مستوى الحدث، وأن يتخذوا ما أمكن من الحيطة والحذر؛ فقد تواترت النصوص الشرعية الآمـرة بالوحدة، الحاضة على الائتـلاف، الناهية عن التفرق والاختلاف.
إن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية ليست مشروعاً عاطفياً أو أُمنِيَة بعيدة المنال، ضعيفة الأثر، بل هي نداء صادق لتجميع طاقات الأمة، ولمِّ شملها، وتوحيد صفوفها.
لكن مشروعاً كهذا يتضمن أمرين متلازمين:
أحدهما: مواجهة مشاريع الاستعمار والهيمنة التي تستهدف إضعاف الأمة، وتقسيمها وإضعافها، حتى تظل أداة طيِّعة للاستئثار بمقدراتها الإستراتيجية.
والثاني: العودة إلى عوامل القوة الحضارية في الأمة، وعلى رأسها تعزيز وحدة الصف الإسلامي.
لقد حصدت الأمة مرارة التفرق والانقسام، وأصابها الوهَن والعجز، وأصبحت مهيضة الجناح، ومستنزفة تحت مطارق الهيمنة الغربية، ولا يمكن أن تخرج من هوانها وتخلُّفها إلا بالرجوع إلى أصولها العقدية وجذورها التاريخية، وتعض عليها بالنواجذ بكل فخر واعتزاز.
إنها فرصة أن يتداعى العلماء والدعاة والمصلحون للتحذير من لوثات الجاهلية العصبية، ويسعوا إلى تأكيد معاني الأخوة والتعاون على البر والتقوى، وإحياء عوامل الوحدة في الأمة، ورصِّ الصفوف على كلمة التوحيد الجامعة، امتثالاً لقول الحق– تبارك وتعالى -: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ٣٥١].
مفهوم وحدة الأمة الإسلامية
فموضوع وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم على الحق يعد من أهم الموضوعات وأخطرها، وهو ليس موضوعا جديدا على الأسماع والعقول، غير أن أساليب المتحدثين فيه ومناهجهم مختلفة ومتنوعة إلى حد كبير، فمن الدعاة من يقدم طرحا في موضوع الوحدة تغلب عليه العواطف الجياشة والأمنيات الجميلة، فيدعو إلى وحدة غير منضبطة بالشرع فلا أصول يجتمع عليها الناس ولا مبادئ، ولا تمايز فيها بين طوائف الأمة، لا فرق بين متبع للكتاب والسنة ومستمسك بهدي السلف الصالح، وبين مبتدع في الدين ومحدث فيه ما ليس منه.
ومن دعاة الوحدة أيضا من يحف مفهوم الوحدة بضوابط وقيود تجعله من المستحيلات التي لا يمكن تحقيقها في الواقع العملي إلا في نطاق ضيق جدا.
ومن دون هؤلاء وأولئك دعاة إلى الوحدة أهل فقه وبصيرة وتوازن واعتدال، يدعون إلى وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم على الحق، فيوازنون بين فريضة الاتباع وضرورة الاجتماع، نسال الله أن يوفقنا لنكون من أهل الفقه والبصيرة في الدين ومن أهل التوازن والاعتدال حتى لا نقع في إفراط أو تفريط في معالجة هذا الموضوع المهم.
وحدة الأمة الإسلامية هي: اجتماع المنتسبين إلى الإسلام على أصول الدين وقواعده الكلية، وعملهم معا لإعلاء كلمة الله ونشر دينه، وبذالك يحققون معنى الأمة كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران: 110]، وقد وصف الله تعالى المسلمين في الآية الكريمة بأنهم خير أمة، وذكر موجبات تلك الخيرية وهي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى، وأتى بجميعها على صيغة الجمع ليدل على وجوب اجتماعهم واتفاقهم.
والأمة كما قال المناوي رحمه الله هي: (كل جماعة يجمعها أمر، إما: دين، أو زمن، أو مكان واحد، سواء كان الأمر الجامع تسخيرا أم اختيارا).
ومثال الأمة التسخيرية أمة البشر وأمة الطير، قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [سورة الأنعام: 38]، وكذلك أمة الكلاب (عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم).
أما الأمة الاختيارية فهم كل مجتمعين على دين أو مذهب كأمة اليهود، وأمة النصارى وأمة الإسلام، قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً} [سورة النساء: 41]، وفي حديث الشفاعة قوله صلى الله عليه وسلم: (فيقول: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع،فأقول: يا رب أمتي أمتي).
والمسلمون أمة واحدة لاتفاقهم على كليات العقيدة ودعائم الشريعة، وإن اختلفوا في الفروع والجزئيات.
صور للوحدة الممكنة بين المسلمين
إن الوحدة الإسلامية التي أريد أن أتحدث عنها .. لهل صورتان ..
ألأولى منهما : لعلها خيالية .. أو ربما غير واقعية لدى البعض, ومع هذا سأوردها وأتحدث عنها .. وآمل أن تتحقق هذه الوحدة للمسلمين .
الصورة المتكاملة للوحدة الإسلامية: هي اجتماع كلمة المسلين وسلطانهم تحت راية واحدة .. وقيادة واحدة تحمل اسم الخلافة الإسلامية كما كان الحال في عصر الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية .. فكانت الدولة الإسلامية كيان فكري وسياسي واحد.
الصورة الثانية : الواقعية والممكنة التحقيق .. وهي الصورة المرحلية : التي تتمثل في تضامن الدول الإسلامية وتعاونها في تحقيق مصالحها وتحقيق التنسيق الكامل أمام كل التحديات الخارجية بحيث تعمل كل دولة لصالح الدول الإسلامية الأخرى متجاهلين أمور وهي :
1. الخلافات الشكلية البسيطة , يجب تجاهلها وعدم الاهتمام بها .
2. الخلافات الجوهرية , يجب طرحها على مائدة المفاوضات ومناقشتها بأسلوب عقلاني وحوار منطقي .
3. أما التفاصيل والجزيئات الاجتهادية ,فهي ظاهرة طبيعية لا يضر الأمة الاختلاف فيها ما دامت آداب الخلاف قائمة وقد وجد هذا الاختلاف منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لختلاف الإفهام والمدارك والنصوص الشرعية قوة وضعفا
ثالثا : إن الأمة تتعرض في عصرنا لمحا ولآت الأنصار في وحدات عالمية أحيانا وإقليميه حيانا أخرى لإذابة شخصيتها ووحدتها في هذة الكيانات العالمية إلي يسيطر عليها الغرب حتى على صعيد اللغة السياسية فهناك محاولات الإشاعة مصطلحات سياسية من شأنها تفتيت مفهوم الوحدة الإسلامية كمصطلح الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي كما ان هناك محاولات جادة لاختراق الوحدة الفكرية والثقافية لدى الأمة من خلال إثارة الشبهات حول كثير من القضايا كقضية المرأة والحجاب والجهاد لتجديد الخلاف بين الأمة وقد اثمرت هذة المحاولات خاصة في زمن العولمة والانفتاح الإعلامي .
كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى ضعف روح الوحدة بين الأمة وهذا الأمر معلوم بالمشاهدة والسؤال كيف العودة إلى الوحدة ثانية ؟.. للحديث بقية.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
وحدة الأمة الإسلامية في رمضان
اللجنة العلمية
دستور الوحدة الإسلامية
وقد اتفق أهل العلم والاستنباط على أربعة مصادر أساسية للتلقي تمثل دستور الوحدة الفكرية للأمة وصمام أمانها الثقافي، وهذه المصادر هي:
- القرآن الكريم:
و(الكلام، المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر، المتعبد بتلاوته) ، وأهل السنة والجماعة يضيفون الكلام إلى الله ويصفونه به كما يليق به، ويقولون في تعريف القرآن هو: (كلام الله المنزل على محمد صلى الله المتعبد بتلاوته...)
والقرآن الكريم هو أعلى مصادر التلقي وأقدسه وأكمله لكونه من الله تعالى، وهو حجة الله البالغة ونوره المبين.
و(البرهان على أن القرآن حجة على الناس وأن أحكامه قانون واجب عليهم اتّباعه أنه من عند الله وأنه نقل إليهم عن الله بطريق قطعي لا ريب في صحته،
أما البرهان على أنه من عند الله فهو إعجازه الناس عن أن يأتوا بمثله)
- السنة النبوية:
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: (وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة لدلالة المعجزة على صدقه ولأمر الله تعالى إيانا باتباعه ولأنه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم، الآيتان: 3، 4]، لكن بعض الوحي يتلى فيسمى:كتابا، وبعضه لا يتلى وهو: السنة)
قال الشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله: (أجمع المسلمون على أن ما صدر عن رسول الله، من قول أو فعل أو تقرير، وكان مقصودا به التشريع والإقتداء، ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه يكون حجّة على المسلمين، ومصدراً تشريعيا يستنبط منه المجتهدون الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين، وعلى أن الأحكام الواردة في هذه السنن تكون مع الأحكام الواردة في القرآن قانوناً واجب الإتباع)
- الإجماع:
قال ابن قدامة رحمه الله (ومعنى الإجماع في الشرع: اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من أمور الدين)
و(إذا تحققت أركان الإجماع الأربعة بأن أحصي في عصر من العصور بعد وفاة الرسول جميع من فيه من مجتهدي المسلمين على اختلاف بلادهم وأجناسهم وطوائفهم، وعرضت عليهم واقعة لمعرفة حكمها الشرعي، وأبدى كل مجتهد منهم رأيه صراحة في حكمها بالقول أو بالفعل مجتمعين أو منفردين، واتفقت آراؤهم جميعا على حكم واحد في هذه الواقعة كان هذا الحكم المتفق عليه قانوناً شرعيا واجباً اتّباعه ولا يجوز مخالفته)
ودليله قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [سورة النساء: 115]
- القياس:
قال الشوكاني رحمه الله: (وأحسن ما يقال في حده: استخراج مثل حكم المذكور، لما لم يذكر، بجامع بينهما، فتأمل هذا تجده صوابا إن شاء الله)
و(ذهب الجمهور من الصحابة، والتابعين، والفقهاء، والمتكلمين إلى أن القياس الشرعي أصل من أصول الشريعة، يستدل به على الأحكام التي لم يرد بها السمع)
- وحدة القيادة:
من أسباب قوة الأمة الإسلامية ودوام عزتها أن تكون قيادتها موحدة ومصونة من المعارضة والمشاقة، حتى تقوم بوظيفتها في الخلافة في الأرض والشهادة على الناس على أكمل وجه وأتم صورة.
ولقد كانت قيادة الأمة الإسلامية في عصور العزة والتمكين موحدة ومصونة من المعارضة والمشاقة، يدين لها الجميع بالسمع والطاعة والولاء والنصرة.
وكان كل فعل أو قول يؤدي إلى شق العصى وتفريق الكلمة يعد جريمة يعاقب عليها، وكل تنظيم خارج على إمام المسلمين يعد من (الخوارج)، ويحكم فيهم بحكم الله ورسوله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه).
قال الماوردي رحمه الله: (إذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد وإن شذ قوم فجوزوه.
ولما دب إلى المسلمين داء الفرقة والخلاف، وتمزقت الأمة وصارت دويلات متنازعة، تفرقت كلمتهم وتعددت راياتهم، وصار على كل إقليم من دار الإسلام إمام وقائد.
فنشأت أوضاع سياسية جديدة لم تكن في عهد الرسالة ولم يعرفها السلف الصالح رحمهم الله، فاجتهد الفقهاء في أحكام تلك النوازل السياسية، فبحثوا في مسألة تعدد أئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، ورغم اختلافهم في تصحيح أو تفسير تلك الأوضاع الاستثنائية، فإنهم متفقون على أن الأصل في قيادة الأمة وخلافة النبوة الوحدة وليس التعدد.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
وحدة الأمة الإسلامية في رمضان
اللجنة العلمية
دعائم وحدة الأمة الإسلامية
لا شك أن ثمة عوامل للشد والجذب نحو المركز هي التي تحافظ على وحدة الأمة، كما تشد جاذبية الأرض ما عليها من أشياء وأحياء وتمنع تطايرها وافتراقها في الكون الواسع.
وحدة العقيدة:
فعقيدة المسلمين في الله تعالى وفي جميع أركان الإيمان واحدة، لا اختلاف بينهم في أصول الدين ومبادئه الأساسية، فالمسلمون كلهم يؤمنون بوحدانية الله تعالى، ويؤمنون بالملائكة، وبالكتب، وبالرسل، وباليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [سورة البقرة: 285]، وفي الآية بيان لعقيدة النبي صلى الله عليه وسلم وعقيدة أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وعقيدة سائر من يقتفي بسنته ويهتدي بهديه إلى يوم الدين.
وفي حديث جبريل عرف النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بأنه هو: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).
وهذه عقيدة المسلمين جميعا في كل العصور والدهور، ومن أنكر منها شيئا فقد خرج من دين الإسلام، قال تعالى: {يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة المائدة: 5]، (وقال ابن عباس: ومن يكفر باللّه، قال الكلبي: {ومن يكفر بالإيمان}: أي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، قال الثعلبي رحمه اللّه: وسمعت أبا القاسم الجهني قال: سمعت أبا الهيثم السنجري يقول: الباء صلة كقوله تعالى: {يشرب بها عباد الله}، {تنبت بالدهن} والمعنى: ومن يكفر بالإيمان أي يجحده فقد حبط عمله).
فوحدة العقيدة والثقافة ( لغة، تاريخا، تقاليد وأخلاقا ) ثم المصالح القائمة على عناصر جغرافية وسياسية واقتصادية هي أقوى دعائم وحدة الأمة الإسلامية منذ فجر التاريخ الإسلامي.
وقد امتدت الدولة التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الراشدون إلى منتصف القرن السابع الهجري عندما سقطت بغداد على يد هولاكو سنة 656 هـ مع مرورها بأحوال متقلبة من الازدهار والقوة والضمور والضعف. حيث من الصعب أن تعتبر تغير السلطة من الأسرة الأموية إلى الأسرة العباسية نقطة تحول سياسي أو حضاري في العالم الإسلامي، فإن الامتداد واضح في حركة الدولة والمجتمع حضارياً وسياسياً وعسكرياً، فلم يطرأ تغير جوهري، خلافاً لما حدث عقب سقوط بغداد من انهيار حضاري وسياسي لعالم الإسلام .
و من دعائم وحدة الأمة الاسلامية :
وحدة الشعائر والشرائع:
فجميع ما يطبقه المسلمين في عباداتهم من شعائر جملة واحدة لا تختلف، وكذلك ما يحتكمون إليه من الشرائع في شتى جوانب الحياة.
قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [سورة الشورى: 13]
قال السعدي رحمه الله (ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد، والجمع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق)، فقد شرع الله للمسلمين من الدين شعائر يعظمون بها الله تعالى ويتقربون بها إليه سبحانه، وأعظم تلك الشرائع هي أركان الإسلام وهي بعد الشهادتين: الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)، وهذه الأركان لا تستثني أحدا من المسلمين، وقد روعي في تشريعها تحقيق قوة الأمة الإسلامية وتماسكها وتعاون أفرادها فيما بينهم، ولذلك فإن أتم صور تطبيقاتها ما أدى إلى تحقيق هذه المقاصد العظيمة والغايات الجليلة.
وكذلك شرع المولى سبحانه للمسلمين شرائع في منتهى السماحة والعدالة والشمول لتنظيم جميع شؤون الحياة، وإسعاد كل شرائح المجتمع، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [سورة النساء: 105]
ولعل من أبرز محاسن هذه الشرائع الإسلامية مراعاة الجماعية، فجل الأقضية في الإسلام ليس إلى الأفراد، وإنما خاطب بها الشارع الحكيم الجماعة المسلمة ممثلة في ولاة الأمر ومن ينوبهم، كما في الأمر بالقتال في سبيل الله في قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة: 244]، والأمر بجباية الزكاة وإعطائها للمستحقين في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة التوبة: 103]، والأمر بإقامة الحدود في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة المائدة: 38]، وفي قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة النور: 2]
وكذلك إذا تأملنا في مقاصد تلك الشرائع نجد جملة منها لتحقيق مصلحة الأمة الإسلامية من حيث قوتها وتماسكها وتعاون أفرادها، وبالنظر في الأمثلة السابقة نرى في الأمر بالقتال لحماية الضعفاء ورفع الظلم عنهم كما في قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَ فِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً} [سورة النساء: 75]، وهذا على الصعيد الخارجي للأمة، وفي سبيل حفظ الكيان المسلم شرع قتال البغاة والمحاربين كما في قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الحجرات: 9]
والزكاة فريضة اجتماعية تغرس في نفوس الأغنياء روح الإحسان، وتطهرهم من البخل والشح، وهي من أنجع وسائل محاربة الفقر في المجتمع الإسلامي]
وتبدوا مقاصد قوة الأمة الإسلامية وتماسكها وتعاون أفرادها واضحة وجلية في شعيرة الصلاة حين تؤدى جماعة في المساجد وبالأخص في الجمع والجماعات والأعياد، وهي واضحة وجلية أيضا في مناسك الحج حين يلهج الحجاج بالتوحيد، وحين يدفعون إلى منى، ثم إلى عرفات، وهكذا في كل تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة،لا تمييز بين أبيض وأسود، ولا بين عربي وأعجمي.
وعند تطبيق هذه الشرائع فإن الإسلام لا يفرق بين كبير وصغير، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين حاكم ومحكوم، فكلهم سواء أمام شرائع الإسلام، (عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟)، ثم قام فاختطب، ثم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)]
إن الإسلام هو الدين الذي تعتنقه جماهير الأمة الإسلامية الغفيرة، ونظراً لكون الإسلام يتسم بالشمول، فإنه يولد تجانساً روحياً وثقافياً وسلوكياً وتشريعياً.. وهكذا تتقارب الشعوب الإسلامية في كثير من جوانب حضارتها، ويشعر الجميع بالرابطة الدينية التي تجمعهم. رغم ما أحدثه الغزو الفكري من تدمير في البنية الاجتماعية والثقافية .
وحدة المصادر والمراجع:
للدين الإسلامي مصادر ومراجع محددة يتلقى منها المسلمون جميعا العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء: 59]، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: (أمر الله في هذه الآية الكريمة، بأن كل شيء تنازع فيه الناس من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم)(11).
فالحكم في جميع أمور الدين إلى الله ورسوله، ولا يكون الرد عند الاختلاف إلا إليهما، أو إلى ما دلا عليه من مناهج الاستدلال وطرق الاستنباط.
وحدة التاريخ:
قد ينكر البعض أن يكون للمسلمين في العصر الحاضر تاريخ مشترك بل وينكر أن يكون للعرب تاريخ مشترك زاعماً أن لكل دولة عربية تاريخها المستقبل، وهذا الزعم يتسم بالتغرير السياسي والخداع الثقافي ومجافاة الواقع ويكفي ان نلاحظ تفاعل جماهير العرب والمسلمين مع القضية الفلسطينية لنتمكن من معرفة كوامن الشعور بالتاريخ المشترك، ويقوي الشعور بوحدة الموقف التاريخي بالنسبة لعصر السيرة والراشدين حيث يتسم بالإجلال .
اللغة العربية:
إن اللغة العربية هي وعاء الثقافة الإسلامية، ووحدة اللغة من أهم العوامل التي تحدد سمات المجتمع بعد الدين، واللغة العربية تنتشر بقدر محدود بين الشعوب الإسلامية لذلك فإن ثمة مهمات واسعة أمام المؤسسات الثقافية العربية وعلى رأسها الجامعات للقيام بدورات مستمرة لتعليم العربية على نطاق واسع. إن الجهود الحالية ضئيلة جداً ولكنها تستحق الشكر والتشجيع والرعاية. إن جولة ناجحة في عالم يتمتع بقدرة هائلة على الاتصال يمكن أن تعيد للعربية مكانتها في العالم الإسلامي كما كانت في القرون الأولى التي أعقبت الفتوحات الإسلامية عندما كانت لغة الأدب السياسة والحياة في سائر ديار الإسلام.
إن انتشار اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية محدود، فبعضها اختار اللغة المحلية لغة رسمية، وبعضها فرض عليها الاستعمار لغته في فترة الهيمنة الاستعمارية، ولكن الصحوة الإسلامية المعاصرة ستعزز مكانه اللغة العربية .. ولا بد أن نلاحظ أن الولايات الأوروبية المتحدة لن تكون ذات لغة واحدة، مما يوضح عدم خطورة تعدد اللغات على الوحدة الإسلامية .
الجغرافية :
لا توجد حواجز طبيعية حادة تفصل أجراء العالم الإسلامي عن بعضه، كما لا توجد كيانات سياسية معادية تقطع الاتصال الطبيعي بين الدول الإسلامية. وتدل دراسة الثروة الطبيعية والبشرية على التكامل في مختلف مجالات الحياة، وتساعد جغرافيته على الاتصال بالعالم الخارجي براً وبحراً
أثر المصالح السياسية والاقتصادية
تتكامل المواد الخام اللازمة للصناعات في العالم الإسلامي، فتتوافر الطاقة في دول الخليج العربي كما تتوافر الطاقة البشرية في مصر وباكستان وإندونيسيا ونيجيريا ، وتوجد المياه الوافرة في منطقة الهلال الخصيب ومصر والسودان وباكستان.. كما تتوافر مساحات الأرض الشاسعة الصالحة للزراعة في أحواض الأنهار القديمة في تلك البلاد حيث قامت أول الحضارات الزراعية في العالم ..
إن اتحاداً يضم ملياراً من المسلمين هم خمس قوى سكان الأرض، ويحتل مساحة تقرب من ربع مساحة المعمورة، ويضم في أرضه أهمَّ مصادر الطاقة، ويتمتع بأعماق استراتيجية هائلة، ويطل على ثلاثة محيطات( الهادي، الأطلسي، الهندي) لا بد أن يكون له ثقل سياسي كبير إذا انتظمت قواه وطاقته ودرج على سلم الحضارة ..
لكن وحدة العرب وكذلك وحدة المسلمين ليست بذاتها بلسماً لجراحات الأمة ولا حلاً لمشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية، بل هي الثمرة الكبيرة للعودة إلى الإسلام واستيعاب مضامينه الحضارية وإعادة صياغة الشخصية الإسلامية وفق روحه وتعاليمه.
إن حزمة من العيدان المنخورة لا يمكن أن تستعصي على الكسر، لكن حزمة من العصي السليمة يصعب كسرها أو يستحيل.
إن بناء الفرد المسلم والعائلة المسلمة ومجتمع المدينة المسلم ومجتمع القطر المسلم هو النواة السليمة لإعادة الوحدة الإسلامية، وهذه الوحدة تحقق القوة الاقتصادية والسياسية لعالم الإسلام في القرن المقبل والذي ستزداد فيه تكتلات الأمم قوة ورسوخاً .
إن حل المشاكل المحلية لا يتوقف على تحقيق الوحدة، بل لا بد من مباشرة البناء الحضاري على المستويات الإقليمية .. والسعي لحل المشاكل السياسية وفي مقدمتها القضية المركزية: فلسطين. وذلك بدعم الحركة الجهادية المعاصرة عربياً وإسلامياً ودولياً، وعلى الصعيدين الشعبي والرسمي .
إن التعامل مع الواقع لا يعني القبول به، ولكن ليس من المنطق السليم والسياسة الحكيمة رفض الواقع برمته، كما أن ثمة جوانب إيجابية في مجتمعاتنا القائمة وأخرى سلبية، فلا ينبغي خلط الأوراق، بل لا بد من روحية اجتماعية تعالج الواقع وتتفاعل معه بدل العزلة عنه والانغلاق على الذات والعيش في الخيال والأحلام ..
إن التنمية الاجتماعية والاقتصادية هي السبيل لدعم الواقع الإسلامي والقضاء على الظواهر المرضية فيه، لكن أية تنمية لن تحقق أغراضها دون إحياء الروح الإسلامية واليقظة الدينية.. أي انبثاق الوعي الإسلامي من جديد بصورة شاملة تستهدف تجديد الروح وانطلاق الفكر وازدياد الفعل الحضاري بإطلاق كوامن الطاقات ورصيد التاريخ الطويل لأحداث التغيير المطلوب في الواقع ..
إن تقوية المصالح بين الأقطار الإسلامية يربطها بشبكة مواصلات متقدمة ( طيران، سكك حديد، مواصلات برية)، والقيام بمشروعات اقتصادية مشتركة، وإتاحة التنقل أمام الطاقة البشرية مع تبادل العمالة والخبرة الفنية، وإتاحة تكافؤ الفرص في الكسب والقضاء والتعليم والنظرة الاجتماعية كلها خطوات على الطريق الصحيح. بل إن تحقيق وحدة أية قومية إسلامية هي خطوات على الطريق إذا لم تقم أسس أيديولوجية مخالفة للإسلام كالعنصرية والتمييز بكل أنواعه أو العلمانية أو التوجهات المادية الأخرى .
عوامل مؤثرة للوحدة الإسلامية
1 _ توليد رأي إسلامي عام قوامه:
1 _ الانتماء المبدئي الأعلى والأهم هو الانتماء إلى الإسلام: دينا ومبدأ ونظاما.
2 _ الانتماء الاجتماعي الأعلى والأهم هو الانتماء إلى الأمة الإسلامية أو جماعة المسلمين والوطن الإسلامي وأن من المهم جدا وضوح هاتين الفكرتين وقوتهما وقوة عرضهما وحسن التعبير عنهما بالطرق الناجحة وبشتى الأساليب التي تؤكدهما وترسخ جذورهما وتكوين وعي شعبي قوي وتغذيته باستمرار حتى يكون قوة اجتماعية ذات تأثير وضغط تجاه الحكومات والهيئات والأفراد ولتوليد هذا الرأي العام الشعبي القوي الواعي وسائل كثيرة نقترح منها ما يلي:
أ _ نشر البحوث الموضحة والعارضة للإسلام بوصفه مبدأ كليا ونظاما عقائديا شاملا (ودينا كاملا) . والتذكير بهذه الفكرة الأساسية حتى في الأبحاث الجزئية والخاصة وكذلك الإلحاح في عرض فكرة (الأمة الإسلامية) وما يتفرع عنها
من دار الإسلام أو الوطن الإسلامي ومنطقة الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية والمجتمع الإسلامي وما إلى ذلك.
ويكون هذا النشر في كتب ومقالات ومحاضرات وندوات ومؤتمرات مع العناية بتحديد مواصفات الكتاب الإسلامي الجيد والعناية بإبراز الكتب الجيدة والتنويه بها حتى لا تضيع في خضم الكتب العادية والقليلة الجدوى.
ب _ تدريس الثقافة الإسلامية المكونة من المحورين الأساسيين الإسلام والأمة الإسلامية أو المجتمع الإسلامي في التعليم الثانوي والجامعي في جميع فروعه والعناية بإبراز فكرة (العالم الإسلامي) بوصفه عالما متميزا مشتركا بين الشعوب المسلمة وتدريس جغرافيته في الجغرافية واقتصادياته في الاقتصاد والعمل على تعميم ذلك في البلدان الإسلامية في جميع الجامعات والمدارس ولاسيما أن عدداً من الجامعات في السعودية والسودان قد أقرت ذلك.
ج _ توجيه طلاب الدراسات العليا إلى الموضوعات التي تخدم مبدأ الوحدة وتوضحه والتي تفصل جوانبه وتعمق أفكاره.
2 _ الدعوة إلى مؤتمرات للدول الإسلامية واقتراح ذلك والمطالبة به والسعي لتحقيقه ولاسيما في المجالات التالية:
أ _ التربية والتعليم (في جميع المراحل) التنسيق بين المناهج، توحيد مناهج بعض المواد، توحيد أنظمة التعليم، توحيد مادة الثقافة الإسلامية، وإقرار تدريسها، وسائل تعميم اللغة العربية بوصفها اللغة المشتركة للثقافة الإسلامية ولغة القرآن.
ب _ التشريع: التنسيق بين القوانين وتوحيد ما يمكن توحيده (للقانون المدني والتجاري والجنائي والأحوال الشخصية وغيرها) .
ج _ الاقتصاد:
تنسيق نظم وقوانين الاقتصاد والتجارة والجمارك وتوحيد ما يمكن توحيده منها، التنسيق بين اقتصاديات البلدان الإسلامية لإيجاد سوق مشتركة واقتصاد متكامل.
د _ السياسة الداخلية:
لتسهيل الانتقال بين البلدان
الإسلامية وإعطاء الأولوية في العمل والتعاقد والإقامة.
هـ _ السياسة الخارجية: التنسيق الكامل.
و_ الدفاع: توحيد المصطلحات والشعارات وأنواع السلاح والتخطيط للتكامل في صنع السلاح.
ز _ تكوين منظمة للدول الإسلامية تمهيدا لإقامة اتحاد (confederation) ثم دولة متحدة federation))
3 _ التخطيط للتحرر من التيارات المذهبية والاجتماعية السياسية المعارضة أو المخالفة للإسلام ويمكن اقتراح ما يأتي:
أ _ احتواء ما يمكن احتواءه من المذاهب العقائدية الأخرى. مثال ذلك بالنسبة للدعوة القومية: إظهار دور كل شعب من الشعوب الإسلامية في التاريخ والحضارة الإسلاميين ليكون في ذلك إشباع للعواطف القومية وتحويلها نحو الإسلام _ وإبراز مبدأ العدالة في الإسلام في مختلف المجالات ولاسيما التشريع لتحويل الميول الاشتراكية ذات البواعث السليمة إلى الوجهة الإسلامية ثم صياغتها صياغة إسلامية متميزة عن المذاهب الاشتراكية المختلفة.
ب _ وأما الجوانب التي تعارض الإسلام من هذه المذاهب فيجب معارضتها بإبراز المبادئ والأفكار الإسلامية المقابلة لها بطريقة إيجابية قوية كبيان مبدأ الإسلام في التعاون بين القوميات على أسس إنسانية وفي اتجاه أهداف إنسانية في مقابل الاستعلاء القومي المؤدي إلى التنافر والصراع والحرب والاستعمار ويمكن للهيئات الفكرية المخصصة وللمفكرين المسلمين القيام بهذه العمليات والتعاون على ذلك والتخطيط وتبادل الرأي فيه.
ج _ التخفيف من حدة الخلافات بين الطوائف أو الفرق المسلمة وتطويقها تمهيدا لإزالتها أولا لاعتبارها غير ذات شأن في الوحدة وذلك عن طريق أبحاث هادفة ومثال ذلك قضية الخلافة والإمامة بين الشيعة والسنة وما يتفرع عنها. والعمل كذلك لإيجاد صعيد مشترك سليم الأسس لالتقاء الاتجاهات المختلفة بين المسلمين بوجه عام وفي مقابل ذلك إبراز الأفكار المخالفة لأسس الإسلام والتي تقوم بها فرق تنتمي في أصلها التاريخي إلى الإسلام. ولكنها انفصلت عنه بسببها لئلا تكون المجاملة على حساب الإسلام مع تذكير .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
وحدة الأمة الإسلامية في رمضان
اللجنة العلمية
رؤية هلال رمضان ووحدة الأمة الإسلامية
فإنَّ وجوه الخير في هذه الأمة كثيرة متنوعة ، ومن خيريِّتها عنايتُها بدينها ، ومظاهرُ عناية الأمَّة الإسلامية بالدِّين منتوِّعة أيضًا ، تتجدَّد بتجدُّد المناسبات الدِّينيَّة ومواسم العبادة ، ومن أهمِّ المناسبات الَّتي تمرُّ على المسلمين كلَّ عام دخولُ شهر رمضان الكريم بإهلال هلاله بالأمن والإيمان والسَّلامة والإسلام ، ويَعْتَني المسلمون برؤية هذا الهلال الَّذي أَمَارةً لدخول هذا الشَّهر ووجوب صيامه ، قال تعالى : ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُم الشَّهرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [ البقرة :185] ، قال ابن كثير في تفسيره : " هذا إيجاب حَتْمٍ على من شهد استهلال الشَّهر ، أي كان مقيمًا في البلد حين دخل شهر رمضان ، وهو صحيحٌ في بَدَنِه أن يصوم لا محالة "، وعن ابن عمر رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا ، وَإذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ... " يعنى الهلال.
ومن فضل الله تعالى على عباده وتيسيره عليهم ورفع الحرج عنهم أن جعل العبادات الَّتي تعتمد على المواقيت مرتبطة بالعلامات الظَّاهرة الَّتي يمكن لكلِّ مسلم جاهل أو عالم من أهل البادية أو الحاضرة أن يراها ويعلمها ، لذا جعل رؤيةَ الهلال علامة دخول شهر رمضان وانتهائه ، فيسَّر على كلَّ من أراد معرفة الشَّهر أن يراه بعينه المجرَّدة .
لذلك اعتنى أهلُ الإسلام على تباعد أقطارهم وأوطانهم منذ بعثة نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام بترائي هلالِ رمضان وترقُّبِه ، يجمعهم في ذلك وحدةُ الدِّين والعقيدة ، وامتثالُ أوامر الله ورسوله عليه الصَّلاة والسَّلام
وهذه الرُّؤية يختلف فيها المسلمون بين مُثْبِتٍ ونافٍ، وكان اختلافهم وزال في الصَّوم والإفطار أمرًا دائرًا بينهم ، من أسبابه في الزَّمن الأوَّل :
تباعد الأقطار وصعوبة نقب الأخبار ، إذ قد يُرى الهلال في بلد من بلاد المسلمين ويُبلِّغون من قدروا على تبليغهم الخبر اليقين ، ولا يراه غيرهم لبُعدهم وعدم وصول خبر من رآه من غير أهل بلدهم ، فيُصبح هؤلاء صائمين وأولئك مفطرين وكلُّهم على قلب رجل واحد، إذ لم يكن اختلافهم عن تعمُّد وناتجًا عن بغضاء وشحناء واختلاف آراء وسياسات ، إنَّـما بحسب ظهور الهلال وعدمه .
وفي العصور المتأخِّرة منَّ الله عزَّوجلَّ على الأمَّة الإسلامية بنعمٍ لا يُحصيها إلاَّ سبحانه من وسائل الإتَّصال بدءًا بالتِّلفون والرَّدايو، وانتهاءً اليوم بما نراه ونسمعه من آليَّات وتقنيَّات تكاد تجعل الأرض في محيط لا يتجاوز عرضه وطوله مترًا على متر .
ومع حرص المسلمين اليوم على ترائي الهلال وترقُّبه، إلاَّ أنَّه ما أن يحلَّ وقتُ التَّبليغ والإعلام إلاَّ رأيتَ العجب العُجاب من اختلاف كلمة المسلمين في البلد الواحد ، هذا مفطر وذاك صائم ، يتكلَّم الجاهل بجهله ويُفتي الغِرُّ بغروره .
واجتماع المسلمين على هلال رمضان يحمل آثارًا من الوحدة والإئتلاف والتآلف والتَّآزر ، لأنَّ التَّوحيد في الصَّوم والإفطار يزيد في جمال العبادة بجمال الإتِّحاد فيها ، والتَّقرُّب إلى الله بتقارب القلوب فيه ، واتِّحادهم في الصوم له عدَّة مزايا ، فهو يغذي قوَّة المسلمين الرُّوحيَّة ، ويمدُّ قوّتهم الماديَّة بالتَّحابب والتَّآزر والتَّعاطف والتَّناصر ، وهم في أشدِّ الحاجة إلى ذلك بعد أن ضعفت قواهم وتداعت عليهم الأمم الكافرة كـما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، كـما أنَّ الاختلاف في الصَّوم والإفطار يَذهب بجمال الشَّعيرة ويطمس أعلام الحكمة فيها .
فالواجب على المسلمين وعلى حكوماتهم الاعتناء برؤية الهلال عنايةً فائقة يبذل الجهود في توحيد كلمتهم وتعميم خبر الصَّوم والإفطار عبر الوسائل الكثيرة إلى الأماكن القريبة والبعيدة .
لكن ينبغي للمسلمين أن لا يختلفوا على أئمَّتهم وولاة أمورهم في مسألة الصَّوم والإفطار، وأن لا يكون ذلك سببًا في كراهية بعضهم بعضًا وتنافر قلوبهم، ذلك أنَّ الفقهاء اختلفوا في مسالة رؤية الهلال ؟ هل رؤية في بلد يلزم كلَّ البلاد الأخرى، أم أنَّ لكلِّ بلد رؤيته الخاصَّة ؟ لاختلاف مطالع الهلال.
فأنَّ كان اختلاف المسلمين ناتجًا عن اختلاف نظرتهم واجتهادهم في أمر يسوغ الاجتهاد فيه بَعد بذل الوُسْع في معرفة الحقِّ والصَّواب فهذا يشفع لهم اختلافهم في يوم صومهم وفطرهم ، وذلك أنَّ للإمام حقَّ الاجتهاد وحقَّ تبليغ دخول الشَّهر من عدمه إن كان يرى أنَّ رؤية بلد لا توجب الصَّوم على بلد آخر لاختلاف المطالع ، وإن كان الصَّواب في المسألة أنَّ المطالع متَّحدة ، والأمَّة الإسلامية اليوم يُمكنها الاجتماع على هلال واحد صومًا وإفطارًا إذا بلغتهم الرُّؤية كما قرَّر شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، وهذا من حيث البحثُ والتَّحقيقُ ، فالَّذي يمكن ترجيحه من مذاهب العلماء هو القول بتوحيد الرُّؤية ووحدة ولادة القمر فقهًا وكونًا ، وهذا الَّذي يتحقَّق بتحقيقه وحدة المسلم في صومهم وفطرهم وتآلفهم واتِّفاقهم وعدم اختلافهم خاصَّةً بعد الَّذي نشاهده وتشاهده الأمَّة اليوم من تطوُّرات في وسائل الاتصال والإعلام ، وهذا ما لم يرّ الإمام والحاكم خلافه ، فإن رأى خلاف هذا القول فيُعمل بقوله ويرجع إليه ، لأنَّ حكمه اجتهاد يرفع النِّزاع والاختلاف بين أهل البلد الواحد ولا يجوز مخالفته طاعة لله ورسوله ولأئمَّة المسلمين وتوحيدًا لكلمتهم.
ولا ينبغي أن يكون تفرُّق المسلمين واختلافهم في يوم صومهم وفطرهم ناتجًا عن خلافات سياسيَّة ومذاهب فكريَّة واعتقادات باطلة ، إذ أنَّ هذا الأمر دينٌ وطاعة لربِّ العالمين ، لا دخل للسِّياسات والاختلافات فيه ، فالأمر متعلِّق برؤية هلالٍ جعله ربُّ العالمين علامةً لوجوب الصَّوم والإفطار ، فمتى ما رُؤِيَ وجب الصَّوم طاعةً لربِّ الأرض والسَّماء ، وامتثالاً لأمره ، وتنفيذًا لحكمه وعملاً بركنٍ من أركان الإسلام الخمسة .
رمضان ووحدة الأمة
ها نحن نعيش أحلى الأيام في شهر الصيام، شهر الذكر والقرآن، شهر البر والإحسان، شهر الإرادة والصبر، شهر الإفادة والأجر، شهر الطاعة والتعبد، شهر القيام والتهجد، شهر صحة الأبدان، شهر زيادة الإيمان.. أتانا رمضان والنفوس إليه متشوقة، والقلوب إليه متلهفة، نعيش في أرجائه صورا عظيمة، مساجد ممتلئة بالمصلين، وذاكرين ومرتلين، ومنفقين ومتصدقين، نسمع ترتيل القرآن في المحاريب، وبكاء المبتهلين في الدعاء، فيزداد بذلك التنافس ويعظم العزم، وتقبل النفس.
وفي ظل ما تعيشه الأمة الإسلامية من نكبات وويلات ، وفرقة وشتات ، وتسلط للأعداء في بقاع كثيرة منها، لا شيء يوحدها مثل شهر رمضان الكريم، المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يتفقون على تعظيم شهر رمضان يجتمعون فيه على العبادة والطاعة كما أمرهم المولى عز وجل وان اختلفت مظاهر الاحتفاء.
فرمضان يدعو إلى وحدة الصف: وتتجلى فيه تربية الصائمين على الخشونة والصبر وقوة الإرادة، واحتمال المتاعب، فلا مجال للترف والإسراف، بل سبيل الصائم التقشف وضبط النفس، والحسم والعزم؛ فتكتمل الوحدة على أساس متين من الدين.
لذا؛ نجد وحدة الصف تنبع من ساحة الصوم، ومن أبرز مظاهرها ما يلي:
أولا: فرض الصوم بنداء الله للمؤمنين عامة: كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام...} الآية (183) سورة البقرة. فنداء الله للمؤمنين تكريم لهم وتشريف، ودعوة لهم إلى وحدة صفهم، وتآلف قلوبهم، لعزتهم ورفعة مكانتهم، وفي ذلك من المساواة بينهم ما لا يخفى: فلا فرق بين غني وفقير، ولا بين أبيض وأسود.
ثانيا: اجتماع المسلمين على بداية رمضان ونهايته دليل على وحدتهم وقوتهم فالبلد الذي يشترك في مطلع الشمس مع غيره من بلاد العالم ، أو كان مطلعه قريبا من بعضها يلزمه الاتحاد معها في بداية شهر رمضان؛ لأن ذلك يعد مظهرا لوحدة المسلمين، وقوة لرباطهم الإيماني، حيث يتحدون في وقت الإفطار والإمساك، ومناجاة الله عند فطرهم وإمساكهم.
كذلك مظهر المسلمين في وحدة صفهم يبرز واضحا في نهاية رمضان وبداية أول ليلة من شوال؛ فالمسلمون يتحدون في التكبير والتهليل، وفي اجتماعهم لصلاة عيد الفطر في الخلاء، أو في مساجدهم على قلب رجل واحد، وفي ذلك من وحدة الصف ما لا يخفى.
ثالثا : ومن مظاهر الوحدة في رمضان: صلاة القيام في جماعة: فقد اختص رمضان باجتماع المسلمين بعد العشاء في كل ليلة منه؛ لأداء صلاة التراويح في جماعة، يتجهون لقبلة واحدة ، يناجون إلها واحدا، وكذلك دعاء بعضهم لبعض في أدعية القنوت وفي الأسحار وعند الإفطار وساعات الإجابة.
رابعا: اعتكاف صفوة من المسلمين في المساجد تربية على وحدة الصف: فسنة الاعتكاف اختصت بها العشر الأواخر من رمضان؛ تدريبا لصفوة من أبناء الأمة المسلمة على الرجولة والاتحاد في المظهر والجوهر؛ لتؤصل في المسلمين وحدة الصف.
وهناك مظاهر أخرى كثيرة للوحدة يطول المقام بذكرها، ولكنها لا تخفى على ذي لب.
فالله الله أن تكون هذا الوحدة في رمضان ثم كل ينكص على عقبيه! بل تكون باستمرار، فهو دعوة إلى التوحد والاجتماع، ونبذ التفرق والاختلاف.
نسأل الله العظيم أن يوحد صفوف المسلمين، ويؤلف قلوبهم، ويصلح ذات بينهم، ويغفر لنا أجمعين ويعتقنا من النيران.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
وحدة الأمة الإسلامية في رمضان
اللجنة العلمية
عوائق الوحدة الإسلامية
1- إن حالة السكون والركود التي يعيشها كثير من شعوب العالم الإسلامي ستنتج دائمًا التفكك والتمزق؛ فالانطلاق الراشد يؤمّن ترابطًا عجيبًا بين سائر بُنَى الأمة ومؤسساتها، حيث تتمكن الأمة من حل كثير من المشكلات كما أنها لا تتوهم العناء حينئذٍ من مشكلات لا وجود لها.
2- هناك علاقة حساسة بين الوحدة والحرية قد تصل إلى حد التضاد في بعض الأحيان، مع أن كلاًّ منهما يؤمّن حاجات أساسية للفرد والأمة، فالوحدة قيود قد تصادر بعض الحريات، وتستلب شيئًا من المكاسب، وهذا على كل المستويات، والناس حين يتحملون أعباء الوحدة وقيودها إنما يفعلون ذلك لما توفره من حاجات ومصالح، ولما تدفعه من مخاطر التشرذم، فإذا أحس متحدان (شعبان أو شخصان) أن أعباء الوحدة أكبر من منافعها صاروا جميعًا إلى التخلص منها، مهما تكن العواطف قوية نحوها!
وهذا هو أكبر سبب أدى ويؤدي إلى الانفصال بين الدول والجماعات على مدار التاريخ (وهذا هو السبب الذي يؤدي إلى الطلاق بين الزوجين)، وهذا يعني أن تفكيرًا عميقًا ودراسات مستفيضة ينبغي أن تسبق كل شكل من أشكال التوحُّد؛ حتى لا يصبح ذلك الهدف الكبير من أهداف الأمة حقلاً للتجارب المخفقة.
3- تتطلب الوحدة الإسلامية بروز قدرة حسنة على (التكيُّف) عند أفراد الأمة؛ إذ إن الوحدة تتطلب التنازل عما هو هامشي وصغير ومؤقت في سبيل تحقيق ما هو أساسي وكبير ودائم، وهذا يتطلب وعيًا تامًّا بمكاسب الوحدة وتكاليفها، بل إن الأمر يتطلب في بعض الأحيان موقف تضحية من قبل بعض الشعوب والجماعات كما يضحي الشهيد بحياته، ويتنازل عنها في سبيل نصرة دينه ورفعة أمته، ولن يُقدِم على هذه التضحية إلا المؤمن الذي تمكَّن الإيمان من قلبه؛ فالفهم العميق والإيمان المكين شرطان لا بُدَّ منهما لحصول ذلك، والنقص فيهما أو في أحدهما قد يؤدي إلى تصارع فئتين دعواهما واحدة.
4- الفوارق الاقتصادية الكبرى بين كثير من شعوب العالم الإسلامي تجعل تحقيق الوحدة أمرًا غير يسير، ويذكر في هذا السياق أن التبادل التجاري بين الدول الإسلامية لا يتجاوز 4% من مجمل تجارتها، أما الـ 96% فهو مع دول غير إسلامية؛ وسبب ذلك أن الغرب ظل على مدار ثلاثة قرون يكيِّف حاجات الشعوب الإسلامية مع فوائض إنتاجه؛ حتى لا يجد المسلم شيئًا من حاجاته إلا في الغرب، أو في بلدان استوردته من الغرب.
5- على الصعيد الثقافي ذي الأثر الخطير في العلاقات بين الشعوب نلاحظ أن أكثر مناطق العالم الإسلامي هي مراكز لاجتياح العواصف والأعاصير الثقافية، فهذا بلد متأثر ببلد مجاور له غير مسلم، وهذا متأثر بمن استعمره، وآخر بمن أرسل إليه البعثات... وهكذا. والوحدة حين تقوم لا بد أن ترتكز على عدد من الركائز التربوية والثقافية إلى جانب الركائز العقدية والاقتصادية، وهذا ما نجده ضامرًا إلى حد بعيد في كثير من بلدان العالم الإسلامي.
6- يفتقد العالم الإسلامي اليوم النواة الصلبة القادرة على تبني الأطر الوحدوية وتعزيزها، والتي تمتلك في الوقت ذاته القدرات والإمكانات التي تجذب دول العالم الإسلامي وشعوبه نحوها، وإذا علمنا أن الظواهر الكبرى لا يمكن أن تنشأ إلا حول نواة تَنْشدُّ إليها وتتحدد من حولها أدركنا الصعوبات التي تواجه الأعمال التوحيدية في العالم الإسلامي.
7- شهد أكثر بلدان العالم الإسلامي نشاط تيارات وطنية، وقومية، وإقليمية نبتت لتملأ الفراغ الذي خلَّفه انهيار الخلافة العثمانية، وهذه التيارات أفرزت فلسفات وأدبيات تمجد الكيانات الصغيرة، وتبحث لها عن أمجاد خاصة بعيدًا عن الولاء للوطن الأكبر؛ مما يستدعي جهودًا فكرية وأدبية وثقافية كبرى تعيد بناء العلاقة السوية بين عالمنا الإسلامي الكبير، وبين الأوطان الإقليمية التي نعيش فيها، والأعراق والأجناس التي ننحدر منها.
هذه بعض المعوِّقات التي تقف أمام خطوات توحيد العالم الإسلامي، لكن لأن الوحدة في عمومها مطلب شرعي ومصيري فإن السعي نحو التقليل من أسباب الشتات والفرقة، وبلورة بعض الأطر والمؤسسات التوحيدية، يظل هدفًا وهاجسًا لكل الغيورين على هذه الأمة والمخلصين لهذا الدين.
دور الأفراد والهيئات تجاه الوحدة الإسلامية
هناك بعض الإمكانات المتاحة للأفراد والهيئات الشعبية والرسمية، مما يعد تمهيدًا لجمع شمل الأمة على مستوى ما، وبكيفية من الكيفيات على الوجه التالي:
1- تحتل اللغة العربية مكانة مهمَّة بين وسائل التوحيد، ومن ثَمَّ فإن المدخل الصحيح لكل أنواع التقريب بين المسلمين هو تعميم العربية بين الشعوب الإسلامية التي لا تنطق بها باعتبارها لغة أولى؛ إذ إن اللغة ليست وعاء فقط، لكنها وعاء ومضمون وقوالب للتفكير في آن واحد؛ وينظر المسلمون في بقاع الأرض إلى العربية نظرة إجلال وتقدير لكونها لغة كتابهم ونبيهم وتراثهم الروحي والثقافي، وهذا يساعد كثيرًا في الإقبال على تعلمها ونشرها، ومن واجب الجماعات والمؤسسات والهيئات المختلفة أن تسعى لإدخال العربية إلى مناهج تلك الشعوب باعتبارها لغة ثانية، كما أن من واجبها العمل على فتح المعاهد والمراكز التي تعلم العربية.
2- من واجب الجماعات والمؤسسات الإسلامية أن تسعى إلى بلورة بعض الأُطُر الوحدوية كالاتحادات الإسلامية مثل (اتحاد المدرسين المسلمين، واتحاد التجار المسلمين).. وهكذا، وهذا الأمر ليس باليسير إذا أدركنا أهميته، وفرغنا له الكفاءات والطاقات المطلوبة. كما أن من المطلوب منا أن نسعى في المنطقة العربية إلى إدخال لغة إسلامية كالتركية، أو الأردية إلى مناهج تعليمنا؛ حتى نقيم جسور الأخوة والتفاهم بيننا وبين إخواننا.
3- للدعاة الذين يجوبون العالم الإسلامي دور خطير في اكتشاف كل ما ينمي أوجه التعاون والتكامل بين بلدان العالم الإسلامي، ثم الكتابة عن ذلك ونشره؛ لتتعزز معرفة المسلمين بالإمكانات التوحيدية المتاحة.
4- العالم الإسلامي بحاجة إلى عدد من مراكز المعلومات والدراسات المرموقة التي تعنى بتثقيف الناس بهموم العالم الإسلامي، والكشف عن إمكاناته الاقتصادية والتجارية وغيرها؛ بُغية حث الناس على توجيه طاقاتهم وتحركاتهم نحوها.
5- في زماننا هذا قد يكون الاقتصاد في كثير من الأحيان هو ما تبقى من السياسة، بل إن السياسة تتجه لتتمحض لخدمة الاقتصاد، وفي هذا الصدد فإن من الحيوي لنمو الصناعات في العالم الإسلامي إقبال المسلمين على استهلاكها، وسد حاجاتهم بها. ونحن نقف في كثير من الأحيان من هذه المسألة الموقف المنكوس، حيث ننتظر تحسُّن الصناعة حتى نقبل على استهلاكها، مع أن من أهم سُبُل تنميتها وتحسينها ارتفاع مبيعاتها، ونجد في هذا الشأن أن أبناء الصحوة لم يفعلوا شيئًا ذا قيمة في طريق تشجيع الناس على شراء المصنوعات الإسلامية، لا عن طريق الطرح في الإطار النظري ولا عن طريق القدوة الحسنة.
6- يتطلب توحيد العالم الإسلامي المرحلية والتدرج على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الأقاليم، والكتل الإقليمية يمكن اعتبارها خطوات إيجابية على الطريق إذا قامت على النهج الإسلامي، وكانت مفتوحة تشجِّع الانضمام إليها، وتنمي في الوقت ذاته أدبيات (الكل) الإسلامي المنشود.
وفي الختام فإنني أعتقد أن الطريق شاق وطويل لكنه الطريق الوحيد الذي لا مفر منه، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وحين يتوفر الإخلاص فإن رحمة الله قريب من المحسنين.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
اللجنة العلمية
مقدمة
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/158.jpg
شرع الله الصيام محدوداً بحدود شرعية، من تجاوزها أفسد صيامه أو نقَّصه، فيجب على المسلم أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله مما يتعلق بالعبادات التي فُرضت فرض عين على كل مسلم ومنها الصيام، وخاصة فيما يتعلق بمعرفته بما يؤدي إلى فساد صومه وبطلانه وقد ظهر في عصرنا هذا من المفطرات المتعلقة بالجوانب الطبية ما ينبغي النظر فيه، ودراسته، للتوصل إلى القول الذي تدل عليه النصوص والقواعد الشرعية.
ولم أقف على كتاب أو بحث مستقلٍ حول هذه الموضوعات، عدا ما ورد ذكره في بحوث المجمع الفقهي، أو كتب الفتاوى المعاصرة، وهي تعتمد في الخوض فيها على دراستها في ضوء نصوص الكتاب والسنة، وتأصيل هذه المسائل وإرجاعها إلى قواعدها الشرعية المتعلقة بالصيام، وتخريج هذه المسائل على ما ذكره فقهاؤنا المتقدمون رحمهم الله.
ومفسدات الصيام التي ذكرها الفقهاء قديمًا، والمتفق على أنها من المفطرات، والتي يدل عليها النص والإجماع على أنها مفسدة للصيام، ما يلي:
الأكل.
الشرب.
الجماع.
ودليل هذه الثلاثة قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)
([1]).
دم الحيض والنفاس: ودليله حديث أبي سعيد الخدري "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"([2]).
السَّعوط: وهو إيصال شيء إلى الجوف من طريق الأنف فهذا مفطر؛ ودليله قوله "صلى الله عليه وسلم": "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً"([3]). ولعل علة هذا النهي هي: خشية دخول الماء من الأنف إلى الجوف عند المبالغة.
القيء: وهو تعمد إخراج ما في المعدة من الطعام، ودل على ذلك قوله "صلى الله عليه وسلم": "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض"([4]).
الاستمناء: وهو استدعاء خروج المني بنحو لمس، أو ضم، أو تقبيل، ونحو ذلك مما يدخل تحت اختيار المرء. وهو من المفطرات عند عامة أهل العلم. قال ابن قدامة([5]): "يفطر به الصائم بغير خلاف نعلمه"، ولعموم قوله "صلى الله عليه وسلم" "يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي"([6]).
أما المسائل المعاصرة المستجدة والتي ينبغي البحث في كونها مفسدة للصيام فكثيرة؛ منها ما يلي:
بخَّاخُ الربو، والأقراص التي توضع تحت اللسان، والمناظير الطبية (منظار المعدة)، وقطرة الأنف، والأذن، والعين، وغاز الأوكسجين، وبخَّاخ الأنف، وغازات التخدير (البنج)، والحقن العلاجية (بأنواعها الجلدية، والعضلية، والوريدية)، والدهانات، والمراهم، واللصقات العلاجية، وإدخال القسطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين للتصوير أو العلاج، وإدخال منظار البطن، أو تنظير البطن، والغسيل الكلوي، وما يدخل إلى الجسم عبر المهبل كالغسول المهبلي، والتحاميل، والمنظار المهبلي، وأصبع الفحص الطبي، وما يدخل إلى الجسم عبر فتحة الشرج كالحقن، والتحاميل الشرجية، والمنظار الشرجي، وما يدخل إلى الجسم عبر مجرى البول كإدخال القسطرة أو المنظار، أو إدخال دواء أو محلول لغسل المثانة، أو مادة تساعد على وضوح الأشعة، والتبرع بالدم.
([1]) الآية (187)، من سورة البقرة.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، (1/116)، رقم (298).
([3]) أخرجه أبو داود في كتاب الصيام، باب الاستنشاق للصائم، (1/721)، رقم (2366)، والترمذي في كتاب الصيام، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (3/155)، رقم (788)، والنسائي في كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق (1/66)، رقم (87)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنفار، (1/142)، رقم (407)، وابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الوضوء، (1/78)، رقم (150)، وابن حبان في كتاب الطهارة، باب فروض الوضوء (3/332)، رقم (1054)، والحاكم في مستدركه، في كتاب الطهارة، (1/248)، رقم (525)، من حديث لقيط بن صبرة عن أبيه عامر "رضي الله عنه".
([4]) أخرجه الترمذي في كتاب الصيام، باب ما جاء فيمن استقاء عمدًا، (3/98)، رقم (720)، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في الصائم يقيء (1/536)، رقم (1676)، وابن حبان في كتاب الصيام، (8/284)، رقم (3518)، والحاكم في كتاب الصيام (1/589)، رقم (1557).
([5]) في المغني (3/20).
([6]) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ)، (6/2723)، رقم (7054)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصوم (2/806)، رقم (164).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
استعمال قطرة الأنف
اللجنة العلمية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/159.jpg
الأنف منفذ إلى الحلق كما هو معلوم بدلالة السنة، والواقع، والطب الحديث.
فمن السنة قوله "صلى الله عليه وسلم": "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا"([1]). فدل هذا الحديث على أن الأنف منفذ إلى الحلق، ثم المعدة، والطب الحديث أثبت، ذلك فإن التشريح لم يدع مجالاً للشك باتصال الأنف بالحلق([2]).
واختلف العلماء المعاصرون في تفطيرها للصائم إذا استعملها حال صيامه على قولين:
القول الأول:
أن القطرة في الأنف تفطر([3])، وهؤلاء يشترطون وصولها إلى الجوف (المعدة)، واستدلوا بما يلي: بقوله "صلى الله عليه وسلم": "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماًَ"([4]).
وجه الدلالة منه:
1.فيه دليل على أن الأنف منفذ إلى المعدة، وإذا كان كذلك فاستخدام هذه القطرة نهى عنه النبي "صلى الله عليه وسلم".
2.وأيضًا: نهي النبي "صلى الله عليه وسلم" عن المبالغة في الاستنشاق يتضمن النهي عن إدخال أي شيء عن طريق الأنف ولو كان يسيرًا لأن الداخل عن طريق المبالغة شيء يسير.
القول الثاني:
أن القطرة في الأنف لا تفطر، وليس لها أثرًا في الصوم([5])، ومما عللوا به لهذا القول ما يلي:
1.أن ما يصل إلى المعدة من هذه القطرة قليل جدًا، فإن الملعقة الواحدة الصغيرة تتسع إلى 3-5 سم، من السوائل، وكل 3 سم يمثل خمس عشرة قطرة، فالقطرة الواحدة تمثل جزءًا من خمسة وسبعين جزءًا مما يوجد في الملعقة الصغيرة. وبعبارة أخرى حجم القطرة الواحدة (0.06) من 3سم([6]). وهذا القليل الواصل أقل مما يصل من المتبقي من المضمضة، فيعفى عنه قياسًا على المتبقي من المضمضة.
2.أن الدواء الذي في هذه القطرة مع كونه قليلاً فهو لا يغذي، وعلة التفطير هي التقوية والتغذية وقطرة الأنف ليست أكلاً ولا شرباً، -كما سبق تقريره([7])- والله تعالى إنما علق الفطر بالأكل والشرب.
الخلاصة والترجيح:
لقد قال النبي "صلى الله عليه وسلم" في تعليم الوضوء: "وبالغ في الاستنشاق، إلا أنتكون صائماً". وما أفهمه من هذا الحديث تنزيلاً على مسألتنا أمران:
1.أن القطرة الخفيفة التي لا تصل إلى الحلق لا تبطل الصوم؛ لأنه "صلى الله عليه وسلم" لمينه الصائم عن الاستنشاق مطلقًا، وإنما أمره بعدم المبالغة فيه.
2.وأما القطرات الكثيرة التي تصل إلى الحلق فإنها تفسد الصوم؛ لأنه "صلى الله عليه وسلم" نهى الصائم عنالمبالغة في الاستنشاق، والمبالغة من شأنها أن توصل الماء إلى الحلق. ويتبع ذلكالابتلاع فساد الصوم.
([1]) سبق تخريجه ص (272).
([2]) مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد الخليل ص (53).
([3]) وقال به الشيخ عبد العزيز بن باز، كما في مجموع فتاويه (15/261)، والشيخ محمد بن عثيمين كما في مجموع فتاويه (19/206)، والشيخ محمد المختار السلامي، ومحمد الألفي، كما جاء ذلك عنهما في مجلة المجمع الفقهي، العدد العشر (2/81).
([4]) سبق تخريجه ص (272).
([5]) وممن قال بهذا القول من المعاصرين: الشيخ هيثم الخياط، والشيخ عجيل النشمي، كما في مجلة المجمع الفقهي، العدد العاشر، (2/399،385).
([6]) مجلة المجمع الفقهي، العدد العاشر، (2/329).
([7]) في ص (276).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
استعمال الصائم قطرة العين
اللجنة العلمية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/160.jpg
اختلف الفقهاء فيما يوضع في العين كالكحل ونحوه هل يفطر أم لا، وخلافهم هذا مبني على أمر آخر وهو هل تعتبر العين منفذاً كالفم. وحاصل ذلك ما يلي:
فذهب الأحناف([1])، والشافعية([2]) إلى أنه لا منفذ بين العين والجوف، أو الدماغ، وبناءً على ذلك فهم لا يرون أن ما يوضع في العين مفطراً.
وذهب المالكية([3])، والحنابلة([4])، إلى أن العين منفذ إلى الحلق كالفم، والأنف فإن اكتحل الصائم ووجد طعمه في حلقه فقد أفطر.
وقد بحث شيخ الإسلام خلاف الفقهاء في الكحل، ومما قاله:" وأما الكحل ... فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ... والأظهر أنه لا يفطر ... فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول "صلى الله عليه وسلم" بيانه ولو ذكر ذلك، لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي "صلى الله عليه وسلم" في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلا عُلم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك، والحديث المروي في الكحل ضعيف([5])... وإذا كانت الأحكام التي "تعم بها البلوى" لابد أن يبينها الرسول "صلى الله عليه وسلم" بيانًا عامًا ولابد أن تنقل الأمة ذلك فمعلوم أن الكحل ونحوه "مما تعم به البلوى" كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي "صلى الله عليه وسلم" كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يُبين ذلك عُلم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن والبخور، قد يتصاعد إلى الأنف، ويدخل في الدماغ، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادهانه وكذلك اكتحاله"([6]).
والطب الحديث أثبت أن هناك قناة تصل بين العين والأنف، ثم البلعوم([7])، لذا اختلف العلماء المعاصرون في قطرة العين وهل يفطر الصائم بهذا التقطير أم لا؟ على قولين:
القول الأول:
أن قطرة العين ليست مفطرة([8])، ومما استدلوا به ما يلي:
1.أن جوف العين لا تتسع لأكثر من قطرة واحدة، والقطرة الواحدة حجمها قليل جدًا، فإن الملعقة الواحدة الصغيرة تتسع من 5سم إلى 3سم من السوائل، وكل 3سم يمثل خمس عشرة قطرة، فالقطرة الواحدة تمثل جزءًا من خمسة وسبعين جزءًا مما يوجد في الملعقة الصغيرة. فقطرة العين الواحدة = 0.06 من السنتيمتر المكعب. وهذا المقدار لن يصل إلى المعدة، فإن هذه القطرة أثناء مرورها بالقناة الدمعية فإنها تُمتص جميعًا ولا تصل إلى البلعوم، فإذا قلنا أنه سيصل إلى المعدة شيء فهو يسير، والشيء اليسير يعفى عنه، كما يعفى عن الماء المتبقي بعد المضمضة([9]).
2.أن هذه القطرة أثناء مرورها في القناة الدمعية تُمْتَصُّ جميعها ولا تصل إلى البلعوم، أما الطعم الذي يشعر به في الفم فليس كذلك (أي: لا تُمتص) لأنها تصل إلى البلعوم، بل لأن آلة التذوق الوحيدة هي اللسان، فعندما تمتص هذه القطرة تذهب إلى مناطق التذوق في اللسان، فتصبح طعْمًا يشعر بها المريض، هكذا قرر بعض الأطباء([10])، وإذا ثبت هذا فهو حاسم في المسألة.
3.أن القطرة في العين لا تفطر لأنها ليست منصوصاً عليها، ولا بمعنى المنصوص عليه، والعين ليست منفذًا للأكل والشرب ولو لطخ الإنسان قدميه ووجد طعمه في حلقه لم يفطره؛ لأن ذلك ليس منفذًا فكذلك إذا قطَّر في عينه([11]).
القول الثاني:
أن استعمال الصائم لقطرة العين تسبب فساد صومه([12])، وهم يقيسون في ذلك على الكحل إذا وصل إلى الحلق([13]).
الخلاصة والترجيح:
الذي يظهر -والله أعلم- أن استعمال قطرة العين لا يُفطر، وأما قياس ذلك على الكحل فهو محل نظر؛ لأن إفطار الصائم بالكحل محل خلاف، -كما تبين لنا من كلام ابن تيمية السابق- وإذا كان في المسألة خلاف فلا يصح القياس عليه([14]).
([1]) انظر: المبسوط (3/67).تبيين الحقائق (1/323).
([2]) الأم (2/101)، المجموع (6/363).
([3]) التاج والإكليل (2/425)، شرح مختصر خليل للخرشي (2/244).
([4]) المغني (3/19)،الفروع (3/46).
([5]) يُشير في ذلك إلى حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي "صلى الله عليه وسلم" اكتحل وهو صائم"، أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم (1/536)، رقم (1678)، وغيره، انظر نصب الراية (2/331).
([6]) مجموع الفتاوى (25/234-235)، بتصرف يسير.
([7]) مفطرات الصيام المعاصرة، للدكتور احمد الخليل ص (65).
([8]) وممن قال بهذا القول من المعاصرين الشيخ ابن باز، كما في مجموع فتاوية (15/260)، وابن كما في مجموع فتاويه أيضًا (19/206)، ود.وهبه الزحيلي ود.الصديق الضرير والشيخ عجيل النشمي، وعلي السالوس، كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/الصفحات: 392،385،381،378)
([9]) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/369،329)، بتصرف.
([10]) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر (2/369).
([11]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عدده العاشر (2/82،39).
([12]) قال به كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عدده العاشر (2/82،39)، كل من: الشيخ محمد المختار السلامي، والدكتورمحمد الألفي.
([13]) انظر: مفطرات الصيام المعاصرة ص (68).
([14]) وقد كنت سأدرج مسألة: استعمال الصائم لقطرة الأذن، إلا أني رأيت أنها لا تعم بها البلوى، فلا يكاد يستخدم ذلك إلا القلة من الناس، وعلى كل فقطرة العين هي: عبارة عن دهن" مستحضرات طبية "يصب في الأذن ؛ وإن كانت قطرة الأذن من الأمور الطبية المستجدة، إلا أن الفقهاء –رحمهم الله- أشاروا إلى شيء من ذلك تحت مسألة: إذا داوى نفسه بماء صبه في أذنه، وفي ذلك قولين لهم:
القول الأول: إذا صب دهن في الأذن أو أدخل الماء أفطر، وهو مذهب الأحناف ، والمالكية ، والأصح عند الشافعية ، ومذهب الحنابلة ، إذا وصل إلى دماغه. وقد ذهب هؤلاء إلى القول بالتفطير، بناءً على أن ما يوضع في الأذن يصل إلى الحلق، أو إلى الدماغ، فهذا صريح تعليلهم. وانظر مزيد تفصيل لهذا القول في [بدائع الصنائع (2/93)، المدونة (1/198)، المجموع (6/204)، وشرح العمدة لابن تيمية (1/387).
القول الثاني: أنه لا يفطر، وهو وجه عند الشافعية كما في المجموع (6/204)، وبنى هؤلاء قولهم على أن ما يقطر في الأذن لا يصل إلى الدماغ، وإنما يصل بالمسام. وهنا أرجع هذا الخلاف إلى التحقق من وصول القطرة التي في الأذن إلى الجوف (المعدة)، وقد بين الطب الحديث أنه ليس بين الأذن وبين الجوف ولا الدماغ قناة ينفذ منها المائع إلا في حالة وجود خرق في طبلة الأذن فإذا تبين أنه لا منفذ بين الأذن والجوف فيمكن القول -بناءً على تعليلات القائلين بالتفطير- أن المذاهب متفقة على عدم إفساد الصيام بالتقطير في الأذن. أما إذا أزيلت طبلة الأذن فهنا تتصل الأذن بالبلعوم عن طريق قناة ( استاكيوس)، وتكون كالأنف .
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
بخَّاخ الربو، وأثر استعماله على الصيام
اللجنة العلمية
بداية أذكر تعريفًا لمرض الربو:
مرض الربو هو: التهاب مزمن يصيب القصبات الهوائية، مما يُؤدي إلى ضيقها عند تعرض المريض للمواد الحساسة مما يؤدي إلى صعوبة دخول وخروج الهواء أثنا التنفس، وهذا ما يعرف بالنوبة القلبية([1]).
وأنواع الأدوية المستخدمة في علاج الربو كثيرة، وما يهمنا هنا هي تلك الأدوية التي يستخدمها المريض عن طريق الاستنشاق بالفم كبخاخ الربو خاصة.
تعريف بخاخ الربو وطريقة استعماله:
وهو عبارة عن علبة فيها دواء سائل، وهذا الدواء يحتوي على ثلاثة عناصر: الماء، والأكسجين، وبعض المستحضرات الطبية، ويتم استعماله بأخذ شهيق عميق مع الضغط على البخَّاخ في نفس الوقت، وبعد استنشاقه يترسب جزء منه في الفم والبلعوم، ويصل إلى المعدة والأمعاء الدقيقة بعد البلع إلا أن معظم الدواء يذهب إلى القصبات، والقصيبات الهوائية.
وحجم المادة الدوائية التي تصل إلى الجوف (المعدة) ضئيل جدًا بل قد لا يذكر من أجزاء المليلتر، وغالب حديثي هنا يرتكز على الأدوية التي تستخدم كموسعات للشعب الهوائية، والتي هي عبارة عن أدوية وقتية ويستمر مفعولها من 4-6 ساعات، وتعمل هذه الأدوية على ارتخاء عضلات الشعب الهوائية، ومنع إفراز المواد الكيميائية المسببة لتقلص العضلات مدة مفعولها وهي ماتعرف بالفينتولين (Ventolin)، ويستخدم في علاج ذلك (البخاخ المضغوط)، وهذه علبه يكون الدواء فيها على شكل سائل مضغوط مع الهواء في أنابيب ( أي: يتكون من ثلاث عناصر –كما ذكرت الماء، والاكسجين، وبعض المستحضرات الطبية- وتستعمل هذه البخاخات بطريقتين:
الطريقة الأولى: تكون مباشرة: وهي الشهيرة والمنتشرة والتي "تعم بها البلوى"، وذلك بأن توضع فتحة البخاخ في الفم وتغلق الشفتان، ثم يضغط على جهاز البخاخ، لإخراج الدواء ليستنشقه المريض بفمه؛ فينتشر في الرئة داخل القصبات الهوائية.
الطريقة الثانية: وهي استعمال الأقماع الهوائية التي تغطي الفم والأنف معاً وهي ليست مدار بحثنا ([2]).
وهل بخاخ الربو يُفطِّر أم لا ؟ اختلف في ذلك العلماء المعاصرون على قولين:
القول الأول:
أن استخدام بخاخ الربو في نهار رمضان لا يفطر الصائم باستعماله، ولا يفسد الصوم([3])، ومما استند عليه أصحاب هذا القول ما يلي:
أن الصائم له أن يتمضمض ويستنشق، وإذا تمضمض سيبقى شيء من أثر الماء مع بلع الريق سيدخل المعدة؛ والداخل من بخاخ الربو إلى المريء ثم إلى المعدة هذا قليل جداًَ، فيقاس على الماء المتبقي بعد المضمضة . ووجه ذلك أن العبوة الصغيرة تشتمل على 10مليلتر من الدواء السائل؛ وهذه الكمية وُضعت لمائتي بخة، فالبخة الواحدة تستغرق نصف عُشر المليلتر، وهذا يسير جداًَ([4]).
وأيضاًَ: أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس أمراًَ قطعياًَ بل مشكوك فيه؛ والأصل بقاء الصوم وصحته، واليقين لا يزول بالشك([5]).
أن هذا لا يشبه الأكل ولا الشرب ولا ما في حكمها([6]).
أن الأطباء ذكروا أن السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية وهو جائز للصائم مطلقاًَ على الراجح ولا شك أنه سينزل شيء من هذا السواك إلى المعدة، فنزول السائل الدوائي كنزول أثر السواك([7]).
القول الثاني:
أنه لا يجوز للصائم أن يستعمل بخاخ الربو، وإن احتاج إلى ذلك فإنه يتناوله ويعتبر مفطرًا وعليه قضاء صيام اليوم الذي استعمله فيه([8])، وحجتهم في ذلك ما يلي:
1. أن جزءًا من بخاخ الربو الدوائية، تشتمل على الماء؛ فهو يصل إلى الجوف (المعدة) فيكون مفطرًا للصائم بذلك.
2. ولأنه دواء يستنششقه الصائم عن طريق فمه فيفطر به([9]).
وقد يناقش هذا: بأنه إذا سُلِّم بنزوله فإن النازل شيء قليل جدًا يُلْحَق بما ذكرنا من أثر المضمضة، و يجاب عنه كذلك بالدليل الأول لأصحاب القول الأول([10]).
الخلاصة والترجيح:
والذي يظهر –والله أعلم- أن استعمال الصائم بخاخ الربو لا يُفطر، ولا يفسد صومه بذلك، خاصة أن المادة العلاجية فيها مُوجهة إلى مجرى النفس، وهو الحويصلات والقصبات الهوائية، وليس إلى مجرى الطعام (المعدة)، وما يصل منها إلى الجوف (المعدة) ضئيل وقليل جدًا، بل ولا يُقصد إيصالها إليها، وليس موجه إليها، وهو يسير غير مقصود، وما كان كذلك فإنه لا يُفطر، لا سيما مع عموم البلوى بهذا الدواء؛ فكثير من الناس يشتكون من هذا المرض العصري، إضافةً إلى أنه يشق على الصائم تأخير استعماله إلى الليل إذا ما أصابته أزمة تنفسية شديدة نهار رمضان، فلا سبيل للتخلص والخروج منها إلا بتناول ذلك واستعماله.
وممكن أن يُقاس استعمال بخاخ الربو على عدد من النظائر التي نص عليها الفقهاء المتقدمين والمعاصرين على أنها لا تُفطر؛ ومن ذلك ما يلي([11]):
1.البلل اليسير الذي يبقى في جدار الفم بعد المضمضة، فإنه يختلط بالريق، وينزل إلى الجوف ولا يفطر به الصائم؛ لأنه يسير غير مقصود. قال في الدر المختار: "إذا بقي في فِيهِ بلل بعد المضمضة لم يفطر؛ لأنه واصل بغير قصد"([12]). وقال في كشاف القناع: "إذا بلغ ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة لم يفطر؛ لأنه واصل بغير قصد"([13])، ومن المعلوم أن ما يصل إلى الجوف من هذا البلل أكثر بكثير مما يصل إلى الجوف عند استعمال بخاخ الربو.
2.الأثر المنفصل عن السواك الرطب عند استعمال الصائم له لا يفطر به الصائم ولو وصل إلى جوفه؛ لكونه يسيرًا غير مقصود.
3.قطرة الأنف –وسيأتي الكلام عنها إن شاء الله- فقد جاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي في عددها العاشر([14])، بأنها لا تفطر.
([1]) انظر في ذلك مبحث [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الطبي للدكتور: عمر بن سعيد العمودي، الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (51).
([2]) انظر: النشرة المرفقة مع هذا الدواء، و مبحث [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الطبي للدكتور: عمر بن سعيد العمودي، والبحث الفقهي للدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، الذين قدماه في الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (46-71)، بتصرف وتلخيص لأهم ما في ذلك.
([3]) وهو قول الشيخ عبد العزيز بن باز كما في مجموع فتاويه (15/265)، والشيخ محمد العثيمين كما في مجموع فتاويه (19/209).
([4]) مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل ص (39-43).
([5]) نفس المرجع السابق.
([6]) انظر ما ذكرته في ص (276)عند الحديث عن حصول الفطر بأحد أمرين: الأول: الأكل والشرب وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف (المعدة)، والثاني: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو كل ما ينفذ إلى البدن ولو من غير الفم أو الأنف مما فيه تغذية للبدن فأما ما ليس بمغذٍٍ (ليس مقصود لذاته)، فليس بمفطر، لأنه ليس أكلاً ولا شربًا ولا بمعناهما.
([7]) انظر: مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل (39-43)، وقال حفظه الله: " ذكر لي أحد الأطباء أن السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري أن النبي "صلى الله عليه وسلم" كان يستاك وهو صائم فإذا كان عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته".
([8]) وهو قول الشيخ محمد المختار السلامي، والدكتور محمد الألفي، والشيخ محمد تقي الدين العثماني، والدكتور وهبة الزحيلي، كما جاء ذلك عنهم في العدد العاشر، من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (2/65، 76) .
([9]) انظر: العدد العاشر، من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (2/65، 76) .
([10]) مفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل ص (44).
([11]) انظر: [العلاج بالاستنشاق وأثره على الصيام]، البحث الفقهي للدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي، الذي قدمه في الجلسة الثانية من الندوة الفقهية الأولى، والتي بعنوان: [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، في سلسلة الإصدارات الفقهية، رقم (1)، لموقع الفقه الإسلامي، ص (70-71)، بتصرف
([12]) الدر المختار (2/396).
([13]) كشاف القناع (2/321).
([14]) (2/399).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
غسيل الكُلى وقياسه على الحجامة وأثر ذلك على الصيام
اللجنة العلمية
يعتبر الفشل الكلوي من الأمراض الشائعة التي انتشرت في هذا العصر، والكلية ذلك العضو مع صغر حجمه إلا أنه يقوم بوظائف أساسية ترتكز عليها حياة الإنسان، فلا يستطيع العيش بدونها، إلا أن الطب الحديث قد استحدث ثلاث طرق لمرضى الفشل الكلوي، وهي:
1. الغسيل الدموي (الديلزة الدموية)
2. الغسيل البريتوني (الديلزة الصفاقية)
3. زراعة كلية جديدة
فأما زراعة كلية جديدة فهو موضوع آخر، يتعلق بحكم زراعة الأعضاء، وأما الطريقتين الأوليتين فهما الحل الأسرع والمبدئي الذي يُعمل لسائر مرضى الفشل الكلوي.
والمريض المصاب بهذا المرض في شهر رمضان مضطر للدخول في إحدى هاتين الطريقتين وفيما يلي أُلقي نظرة طبية سريعة عليهما حتى يمكن تصور الحكم في كونهما مفطرتان أم لا.
الطريقة الأولى: طريقة الغسيل الدموي للكلى، ويُعرف بالديلزة الدموية
تعتمد هذه الطريقة على ضخ الدم من خلال الكلية الصناعية التي يتم من خلالها إزالة السموم، ومن ثم إعادة الدم إلى الجسم.
والكلية الصناعية: هي عبارة عن اسطوانة تحوي على غشاء يفصل بين الدم وبين سائل التنقية، ويوجد في هذا الغشاء فتحات صغيرة جدًا تسمح بمرور السموم والأملاح إلى سائل التنقية. وسائل التنقية عبارة عن ماء يُضاف إليه بعض الأملاح، وسكر، ومعادن، تُعادل الكميات الموجودة في الدم. تعبر الفضلات السامة والأملاح الزائدة من الدم إلى سائل التنقية، يحدث العكس كذلك، أي: تعبر الفضلات السامة والأملاح الزائدة من سائل التنقية إلى الدم، ومن ثم يتم ضخ الدم إلى الجسم مرة أُخرى، بينما يطرد سائل التنقية المحمل بالفضلات السامة إلى الصرف الصحي.
وتستلزم عملية التنقية الدموية هذه إعطاء أدوية متعددة كمسيلات مثل الهرمونات والفيتامينات، كما تستغرق هذه العملية من 3-4 ساعات، ثلاث مرات أُسبوعيًا.
الطريقة الثانية: التنقية البريتونية (الديلزة الصفاقية)
أشرت في الطريقة السابقة إلى الغشاء الموجود في الكلية الصناعية والذي يفصل بين الدم وبين سائل التنقية، وهذا الغشاء يوجد مثله في بطن الإنسان يحيط بالأمعاء والأعضاء الأخرى، وهو يسمح لأمعاء البطن بالتحرك دون حدوث احتكاك فيما بينها، كذلك في هذه الطريقة يوجد الغشاء البريتوني الذي يحوي على فتحات صغيرة جدًا تشبه المنخل يوضع في تجويف البطن، حيث يتم إدخال أنبوب صغير في البطن وينفذ من الجسم بجانب السرة ليقوم بإدخال سائل التنقية إلى تجويف البطن لتترشح الفضلات السامة من الدم الموجود في الأوعية الدموية لأعضاء البطن إلى سائل التنقية. ويتكون سائل التنقية المستخدم في هذه الطريقة من الماء النقي، مضافًا إليه الأملاح والمعادن والسكر.
وهناك طريقتان في استخدام الغسيل البريتوني هما:
1. الطريقة اليدوية
2. الطريقة الأوتوماتيكية (الآلية)
الطريقة اليدوية:
في هذه الطريقة يقوم المريض بوضع السائل النقي في تجويف البطن حيث يُترك السائل من 4 إلى 6 ساعات، خلال هذه الفترة تنتقل الفضلات السامة من الدم إلى تجويف البطن إلى السائل. وبعد مرور هذه الفترة يُعاود المريض إلى فتح الأنبوب وتفريغ السائل المحمل بالسموم والسوائل الزائدة عن حاجة الجسم، ثم يتم وضع سائل نقي مرة أُخرى في تجويف البطن وفي كل مرة يضع المريض كميات تتراوح بين 1 إلى 3 لتر، حسب حجم جسمه، وتتكرر هذه العملية من 4 إلى 5 مرات يوميًا.
الطريقة الثانية
تعتمد هذه الطريقة على استخدام جهاز يقوم بوضع السائل النقي وسحب السائل المحمل بالسموم لفترة تتراوح من 7 إلى 9 ساعات، أثناء النوم فقط، وخلال هذه الفترة يظل المريض متصل بجهاز الغسيل البريتوني، وتمتاز هذه الطريقة بعدم حاجة المريض لفصل وإعادة شبك الأنبوب الموجود في البطن؛ كذلك عدم حاجته إلى وضع وتفريغ السائل بنفسه، ولكن هذه الطريقة تتطلب وجود المريض في السرير خلال فترة الديلزة([1]).
وبعد هذا العرض الطبي السريع في كيفية غسيل الكُلى والتصور الواضح الذي خرجنا به عما يتم فيه من الناحية الطبية؛ أنتقل إلى ذكر شيء مما قيل في الحجامة، لكونها قريبة شيئًا ما من الغسيل الكلوي، إضافةً إلى أن عددًا من الباحثين المعاصرين يقيسون غسيل الكُلى بالحجامة، وفي هذا القياس نظر، وأعده من القياس مع الفارق، -من الناحية الطبية- حيث أن الحجامة –كما هو معروف- استخراج دم فاسد من البدن –من أي جزء منه-، ولا يُعوض ببديل عنه، بينما غسيل الكُلى هو إخراج دم محمل بالسموم وإعادته دمًا منقى، بل مضافًا إليه بعض المواد المغذية، وأُخرى غير المغذية.
ومع ذلك كله فلننظر فيما ذكر عن الحجامة من خلاف، وأدلة، عَلّنا نخرج بعدها وبعد عرضنا الطبي السابق بنتيجة في مسألتنا.
فالحجامة-كما هي معروفة- إخراج الدم من البدن للتداوي. وفيها خلاف طويل لأهل العلم في كونها مفطرة أم لا، وهل يفطر الحاجم والمحجوم بها، وملخص ذلك كما يلي:
القول الأول:
وهو القول بفساد الصوم بالحجامة، وبفطر الحاجم والمحجوم بفعلها، وهو مذهب الحنابلة،
ونقل عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوايحتجمون ليلاً، ويتجنبون الحجامة بالنهار، نُقل هذا عن ابن عمر وابن عباس وأنسوغيرهم رضي الله عنهم([2]) .
والدليل العمدة الذي يحتج به من قال بفساد الصوم بالحجامة، هو قول النبي: "صلى الله عليه وسلم" "أفطر الحاجم والمحجوم"([3]).
القول الثاني
أن الحجامة لا تفسد الصوم، ولا يفطر بها لا الحاجم ولا المحجوم، وهذا مذهب الحنفية([4])، والمالكية([5])، والشافعية([6])، ومما استُدل به لهذا القول ما يلي:
1) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي "صلى الله عليه وسلم" "احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم"([7]).
2) عن أبي سعيد الخدري "رضي الله عنه" أن النبي "صلى الله عليه وسلم" رخص في الحجامة للصائم"([8]).
وجه الدلالة منه: وقوله (رخص)، دليل على أنه كان ممنوعًا، ثم أرخص فيه، فهذا حجة لمن قالوا بأن آخر الأمرين هو الرخصة بالحجامة للصائم([9]).وقال بن حزم: "صح حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"([10])، بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أرخص النبي "صلى الله عليه وسلم" في الحجامة للصائم وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجمًا أو محجومًا"([11]).
3)وكذلك حديث أنس "رضي الله عنه"أنه سئل: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: "لا، إلا من أجل الضعف"([12])، أي: لم يكونوا يكرهون الحجامة؛ لأنهاتفطر، ولكن كانوا يكرهونها خشية أن يضعف الصائم فيفطر، إلى غير ذلك من أقوال الصحابة والتابعين.
وقد وردت بعض المناقشات على دليل أصحاب القول الأول: "أفطر الحاجم والمحجوم"، أذكر بعضًا منها:
1.بأن الرسول "صلى الله عليه وسلم" مرَّ على رجلين، وهما يغتابان، وكان أحدهما حاجمًا والآخر محجومًا فقال "صلى الله عليه وسلم": (أفطرا) بسبب الغيبة، وهذا ضعيف سنداً، وضعيف لأن الرسول "صلى الله عليه وسلم" علق الفطر بالحجامة، ولأن الغيبة لا تفطر،باتفاق العلماء أو ما يُشبه الاتفاق([13]) .
2.وأجاب بعضهم بأن معنى أفطر أي قارب الفطر أي: كادا أن يفطرا؛ لأن الغالب أنه إذا احتجم، فإنه يضعف عن مواصلة الصيام، وقد يحتاج إلى الأكل أو الشرب، وهذا إن صحَّ في حال المحجوم فليس بواضحفي حال الحاجم؛ لأنه لم يستخرج منه شيء([14]).
3. وقيل: إن حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"، منسوخ بحديث ابن عباس "رضي الله عنه" السابق([15]).
الخلاصة والترجيح:
ولعل القول الذي استند إلى الحجة الأقوى هو ما ذهب إليه الجمهو من أن الحجامة لا تفسد الصوم.
الخلاف في مسألة غسيل الكُلى، وأثره على الصيام:
وبناءً على ما سبق فقد توجه الخلاف في مسألة غسيل الكُلى، هل يُفَطر، أم لا؟ وقد حاولت جمع الأقوال في ذلك فوجدت أن مردها إلى قولين، بناء على ما ذكرت من الخلاف في مسألة الحجامة:
القول الأول:
ذهب عدد من العلماء المعاصرين إلى أن غسيل الكُلى مفسد للصوم ومفطر للصائم الذي يقوم به، وعليه قضاء ذلك اليوم الذي يقوم بالغسيل فيه([16])، ومما استند به من قال ذلك مايلي:
1. أن غسيل الكلى يزود الجسم بالدم النقي، وقد يُزود مع ذلك بمواد أُخرى مغذية، وهو مفطر آخر، فاجتمع لمريض الكُلى مفطران: تزويد الجسم بالدم النقي، وتزويده بالمواد المغذية([17]).
2.القياس على الحجامة، كما في حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم"([18])، بجامع أن في العمليتين إضعاف للبدن، وإخراج للدم، وهذا القياس أضفته دليلاً لأصحاب هذا القول لما رأيته من كلام العلماء المعاصرين قياسهم بذلك، وقد ذكرت سابقًا([19]) أني أعده من القياس مع الفارق، -من الناحية الطبية- حيث أن الحجامة –كما هو معروف- استخراج دم فاسد من البدن –من أي جزء منه-، ولا يُعوض ببديل عنه، بينما غسيل الكُلى هو إخراج دم محمل بالسموم وإعادته دمًا منقى، بل مضافًا إليه بعض المواد المغذية، وأُخرى غير المغذية، حتى أن الشيخ ابن عثيمين عندما سئل عن صوم من يعمل غسيل الكلى قال: "وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك، أحياناً أقول: إنه ليس كالحجامة.. الحجامة يستخرج منها الدم ولا يعود إلى البدن، وهذا مفسد للصوم كما جاء في الحديث، والغسيل يخرج الدم وينظف ويعاد إلى البدن"([20]).
القول الثاني:
وهو القول بعدم فساد الصوم بغسيل الكُلى، وإخراج الدم وإدخاله، ولو كان كثيرًا، كما هو واقع غسيل الدم، ولا يَفطر الصائم بذلك، بل يُكمل صيامه ولا شيء عليه، سواء كان ذلك بواسطة الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي، حقنًا في الصفاق([21]) البريتوني، أو بالكلية الصناعية([22]).
ومما استدل به من قال بعدم فساد الصوم بغسيل الكُلى، ما يلي:
1.أن غسيل الكُلى ليس أكلاً، ولا شربًا، إنما هو حقن للسوائل في صفاق البطن، ثم استخراجه بعد مدة، أو سحب للدم ثم إعادته بعد تنقيته عن طريق جهاز الغسيل الكلوي([23]).
2.أن الأحاديث متعارضة متدافعة، في إفساد صوم من احتجم، فأقل أحواله أن يسقط الاحتجاج بها، والأصل أن الصائم لا يُقضى بأنه مُفطر إذا سَلِم من الأكل والشرب والجماع، إلا بسنة لا معارض لها([24]).
3. أن الأصل في العبادات –والصوم منها- الوقوف عند النصوص، والأحكام التعبدية، لا يُقاس عليها([25]).
4.الحجة –هنا- عدم الحجة؛ لأن الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي، فلا يُمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل([26]).
5. الأصل عدم التفطير، وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يفسدها([27]).
6.أننا إذا شككنا في الشيء، أمفطر هو أم لا فالأصل: عدم الفطر، فلا نجرؤ أن نفسد عبادة متعبُّدٍ لله إلا بدليل واضح، يكون لنا حجة عند الله عز وجل([28]).
7.أن سائل التنقية والمواد المضافة إليه في عملية غسيل الكلى لا يُقصد بها التغذية من حيث الأصل لبدن المريض المعالج، حتى ولو كان في هذه المواد ما يمكن وصفه بالتغذية، بل تحولت إلى كونها مواد علاجية دوائية، لإعادة التوازن لمكونات الدم في بدن المريض، فالأصل المقصود بها: العلاج والدواء والتغذية تابعة، والتابع تابع([29]).
8.إنما نهي الصائم عن إخراج ما يُضعفه، ويُخرج مادته التي بها يتغذى؛ كالمني، كما نهي الصائم عن أخذ ما يقويه من الطعام والشراب الواصل إلى المعدة، وغسل الكلى إخراجًا وإدخالاً ليس كذلك.
9.أن القائم بغسيل الكلى يقوم بأمر طبيعي من وظائف البدن لا مندوحة عنه في فعله، ولا اختيار له في تركه([30]).
10. وأرجع لما ذكرتُه سابقًا في خلاف (الجوف)، فغسيل الكُلى بنوعيه البريتوني، والإنفاذ الدموي لم يدخل إلى الجوف من منفذ طبيعي مفتوح، بل لم يدخل إلى الجوف أصلاً، لأني كما قررت سابقًا أن الجوف هو المعدة.
الخلاصة والترجيح:
من العرض الطبي السابق، وكذا ماذكرته من الخلاف في الحجامه وغسيل الكلى وما صحب ذلك من عرض لأدلة كل فريق ممن قال بفساد الصوم بهما ( الحجامة وغسل الكلى ) وممن قال بعدم الفساد في ذلك فإني أُعيد القول في ذلك كلهُ إلى طريقتي الغسيل الكلوي التي ذكرتهما بداية، وبتطبيق هاتين الطريقتين على مريض الفشل الكلوي المزمن، والمحتاج إلى العلاج بعملية الغسيل الكلوي؛ فأنه سيكون أمامه أن يعمل ما يلي:
أولاً: المريض القائم بغسيل الكُلى بطريقة الغسيل الدموي (الديلزة الدموية): سيكون في يوم الغسيل مفطرًا، وسيكون عليه قضاء بعد ذلك أن قدر عليه بعد شهر رمضان في الأيام التي لا يقوم فيها بالغسيل، وهذه العملية -كما ذكرت سابقاً-تستغرق من 3 إلى 4 ساعات ثلاثة أيام أسبوعيًا.
وهذا المريض في هذه الحالة الذي أراه أنه يمكنه الأخذ بقول من رأى بعدم فساد الصوم بذلك، وإن كنت أنصح هؤلاء المرضى الذين يستخدمون هذه الطريقة بالقيام بعملية الغسيل ليلاً، خاصة وأني سألت أحد الأطباء ممن أثق به أنه يمكن للمريض برمجة وقته ليكون الغسيل ليلاً، فالمهم أن تكون ثلاث مرات، إلا أن بعض المرضى قد تزداد لديهم الحالة فيحتاجون إلى الغسيل في أي لحظة من ليل أو نهار، وحينئذٍ جاز له فعل ذلك ولو كان صائمًا.
ثانيًا: المريض القائم بغسيل الكلى بطريقة الغسيل البريتوني (الديلزة الصفاقية):
فهذا كما لاحظنا من العرض الطبي لا يقدر على الصيام نهائيًا لأن هذا النوع من الغسيل -كما ذكرنا سابقاً- يجب أن يستمر يوميًا من 7 إلى 9 ساعات، ولا يمكن أن يتوقف عنه ولو ليوم وأحد. فهذا -والعلم عند الله- يسقط عنه الصيام لأنه في حكم المريض، ومرضه هذا قد يكون من النوع الذي لا يُرجى بُرؤه، فقد شاهدنا مرضى نعرفهم مصابين بهذا المرض كانت نهايتهم الوفاة -والله المستعان- لذا فالذي يظهر –والله أعلم- أن له الفطر ومما يدل لذلك قوله تعالى: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ([31])، وهذا المريض عليه أن يسأل طبيبه المختص عن حالته؛ فإن كانت هناك طريقة يمكنه عملها ويشفى بإذن الله؛ فهذا يفطر، على أمل الشفاء والقضاء، أما أذا لم يكن لمرضه حلاً طبيًا وأن النهاية ستكون الوفاة فله أن يُفطر ويُطعم عن كل يوم مسكينًا كما في قوله تعالى: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ([32])، وقد رأينا من الشريعة السمحة مراعاتها أمر التيسير ورفع الحرج، كما في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ([33])، وقوله تعالى:(لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) ([34])، إلى غير ذلك من الأدلة الشرعية الدالة على هذا المقصد العظيم([35]).
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
([1]) العرض الطبي السابق لخصته من الجلسة الأولى المنعقدة في الندوة الفقهية الأولى، [التداوي بالمستجدات الطبية، وأثرها على الصيام]، في الرياض بتاريخ 23/8/1428هـ، والتي أعدتها أمانة موقع الفقه الإسلامي، وكانت عنوان هذه الجلسة (غسيل الكُلى، وأثره على الصيام)، البحث الطبي: [طرق الديلزة (تنقية الدم) المستخدم لمرضى الفشل الكلوي]، لعبدالركريم بن عمر السويدا، في سلسلة الإصدارات الفقهية لموقع الفقه الإسلامي، رقم (1)، ص (9-15)، تاريخ النشر 1428هـ.
([2]) وقول غالب فقهاء أهل الحديث كإسحاق بن راهويه وابنالمنذر وعطاء والحسن وغيرهم. فتح الباري (4/178).
([3]) هذا الحديث الشريف من أكثر أحاديث الأحكام تجاذبًا بين الأئمة من محدثين وفقهاء، تصحيحًا وتضعيفًا، تسليمًا لظاهره وتاويلاً له، أو القول بأنه منسوخ أو غير منسوخ، وقد روى هذا الحديث كما في نصب الراية (2/341 ) ثمانية عشر صحابيًا، منه: شداد بن أوس، وثوبان، ورافع بن خديج، وجاء عن آخرين منالصحابة كعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وأبي موسى،وأبي هريرة، وبلال، وأسامة بن زيد، وعائشة، وصفية، وغيرهم "رضي الله عنه"، فطرقه كثيرةجداً، وقد أخرجه أبو داود في كتاب الصيام، باب في الصائم يحتجم (1/721)، رقم (2367)، وابن ماجه في كتاب الصيام، باب ما جاء في الحجامة للصائم (1/537)، رقم (1680)، وأحمد (5/276)، رقم (22425)، وابن خزيمة في كتاب الصيام باب ذكر البيان أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم جميع (3/226)، رقم (1963)، وابن حبان في كتاب الصيام (8/301)، كلهم من حديث ثوبان مولى رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
([4]) المبسوط للسرخسي (3/57)، بدائع الصنائع (2/100).
([5]) الفواكه الدواني (1/308)، الذخيرة (2/506).
([6]) الأم (2/97)، المجموع (6/364).
([7]) أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب الحجامة والقيء للصائم (2/685)، رقم (1836)، ولكن هذا اللفظ وإن كان في البخاريـ قد أنكره جماعة وأعلَّه آخرون من الأئمة، وقالوا: الصواب أنه احتجم وهومحرم، أما زيادة " وهو صائم " فإنها لا تثبت، وآخرون أثبتوها .انظر: التلخيص الحبير (2/192)، قال الصنعاني في سبل السلام (4/105)" ظاهره أنه وقع منه الأمران المذكوران مفترقين وأنه احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم ولكنه لم يقع ذلك في وقت واحد لأنه لم يكن صائماً في إحرامه إذا أراد إحرامه وهو في حجة الوداع إذ ليس في رمضان ولا كان محرماً في سفره في رمضان".
([8]) أخرجه النسائي، في كتاب الصيام، باب الحجامة للصائم وذكر الأسانيد المختلفة فيه... (2/236)، رقم (3237)، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الصيام، باب ذكر البيان أن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم جميعا، (3/231)، والدار قطني، في كتاب الصيام، باب القبلة للصائم (2/182)، رقم (9)، والبيهقي في الكبرى، واللفظ له، في كتاب الصيام، باب الصائم يحتجم لا يبطل صومه (4/264)، رقم (8057)،
([9]) انظر: فتح الباري (4/178).
([10]) سبق تخريجه ص (280).
([11]) المحلى (6/204).
([12]) أخرجه البخاري، في كتاب الصيام، باب الحجامة والقيء للصائم (2/685)، رقم (1838).
([13]) فتح الباري (4/178).
([14]) فتح الباري (4/178).
([15]) المحلى (6/204).
([16]) وهو قول الشيخ عبد العزيز بن باز، كما في مجموعة فتاويه (15/275)، و د. وهبة الزحيلي، كما في العدد العاشر من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي (2/378)، عام 1997م، واللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (10/179).
([17]) انظر المراجع السابقة، ومفطرات الصيام المعاصرة، لأحمد بن محمد الخليل، الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الدمام، السعودية، الطبعة الثانية، عام 1427هـ - 2006م ص (77).
([18]) سبق تخريجه قريبًا ص (280).
([19]) ص (279).
([20]) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (19/113-114).
([21]) الصفاق: هو سطح الجلد الخارجي.
([22]) وممن قال بهذا القول د.محمد الخياط، و د.محمد البار، كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر (2/290).
([23]) مجلة مجمع الففه الإسلامي، العدد العاشر (2/290).
([24]) الاستذكار لابن عبد البر (1/125).
([25]) الشرح الممتع (6/353).
([26]) نفس المرجع السابق.
([27]) نفس المرجع السابق.
([28]) الشرح الممتع (6/370).
([29]) من كلام د.عادل عبد القادر قوته، في بحثه [غسيل الكُلى واثره في إفساد الصوم]، المقدم في الجلسة الأولى، من الندوة الفقهية الأولى [التداوي بالمستجدات الطبية وأثرها على الصيام]، ص (37).
([30]) نفس المرجع السابق.
([31]) الآية رقم (184)، من سورة البقرة.
([32]) الآية رقم (184)، من سورة البقرة.
([33]) الآية رقم (185)، من سورة البقرة.
([34]) الآية رقم (17)، من سورة الفتح
([35]) انظر: ص (29-31).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
استنشاق البخور للصائم
اللجنة العلمية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/183.jpg
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فالمفطرات التي تفطر الصائم لابد أن يكون عليها دليل من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، وإلا فالأصل أن الصوم صحيح غير باطل، والمفطرات معروفة في القرآن والسنة، والبخور إذا وصل إلى باطن الجوف بالاستنشاق فهو مفطر لمن كان يعلم أنه محرم، وأنه يفطر الصائم.
وأما إن كان جاهلاً لا يدري فإنه لا يفطر بذلك، وهذه قاعدة في جميع المفطرات، كل المفطرات إذا فعلها الإنسان وهو لا يدري أنها مفطرة فإنه لا يفطر بها، لقوله _سبحانه وتعالى_: "رَبَّنَا لاَ تؤاخذنا إِن نسينا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـافِرِينَ".
وقوله _سبحانه_: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ".
ولأنه ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد النبي _صلى الله عليه وسلم_، ثم طلعت الشمس ولم ينقل أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أمرهم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به ونقل إلينا؛ لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يمكن أن يؤخر البلاغ عن وقت الحاجة إليه، وإذا بلغ لابد أن ينقل؛ لأنه إذا بلغ صار من شريعة الله، وشريعة الله محفوظة.
فالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حين أفطروا في يوم الغيم في عهد الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ثم طلعت الشمس، ولم ينقل أنهم أمروا بالقضاء، كان هذا دليلاً على أن من كان جاهلاً فإنه لا قضاء عليه.
وأما النسيان فقد صح عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه".
وعلى هذا فنقول لهذا السائل: لا تستنشق البخور وأنت صائم، ولكن تبخر ولا حرج، وإذا طار إلى أنفك شيء من الدخان من غير قصد فلا يضر، ونقول أيضاً: إذا كنت لا تدري أنه مفطر.
وكنت تستعمله من قبل، أي تستنشق البخور حتى يصل إلى جوفك فلا شيء عليك؛ لأن جميع مفطرات الصوم لا تفطر إلا إذا كان الإنسان عالماً بها، وعالماً بتحريمها، ذاكراً لها.
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/225.jpg
بسم الله الرّحمن الرحيم
رمضان والعشر
وأقبلت العشر الأواخر من رمضان!
ها قد مضى من الشهر العظيم أوَّلُه، ولحق به وَسَطُه، وها نحن على مشارف آخره، وآخرُه هو خيرُهُ، ومكنونةٌ فيه الليلة التي هي خيرٌ من ألف شهر!
لقد مضى من شهر رمضان الكريم ثُلثاه، فإذا بأرواح المؤمنين تخفقُ إيماناً وخشيةً وتوبةً وخشوعاً، لما اكتسبته فيه من شفافية ورقة وذلة وخضوعٍ لرب كريم رحيم غفور، تعاظمت فيه مننه وعطاياه، وتكاثرت في أيامه منحه وهداياه، فالموفق من نال من خيراتها النصيب الأزكى، وكال من بركاتها الكيل الأوفى، وعبّ من فيوضاتها كؤوسا ملأى، وحصّل من فتوحاتها المقام الأسمى، وتقلّد في ظلالها الوسام الأعلى، وحجز في قطار التوفيق والقبول الدرجات الأرقى، وانخرط في قوافل المحظوظين المشمرين منذ اللحظات الأولى، حتى أصبح بصدق إقباله وخالص أعماله من الفوز والوصول قاب قوسين أو أدنى، ليكتب في سجل أهل الفلاح والتقوى، ولينال شرف التيسير لليسرى، ليقرّبه كل ذلك إلى الله زلفى، فيكون من ذوي القربى، اللذين غشيتهم رحمته وشملتهم مغفرته، ودخلوا سباق التتويج ليعتق سبحانه رقابهم من النار.
لقد مضى من رمضان ثُلُثاه، فأرواح الأتقياء تطمع في المزيد من رحمته وعطائه، مستوفزةً متحفّزةً مشمّرةً للثُّلث الأخير، كيف لا وقد ذاقت لذّة المناجاة وحلاوة العبادة، بل: كيف لا وقد علمت أنّ في هذه العشر ليلةً هي خيرٌ من ألف شهر، فها هي ذي متطلّعةٌ إلى هذا الثواب الجزيل!
وأمّا من قصّر في الثُّلثين الأوَّلين، ولم يبذل فيهما جهداً، وشُغِل عنهما باللّهو والملاهي، وتضييع الأوقات، فلا زالت الفرصُ قائمة والأبواب مشرعة، ليستدرك المتخلِّف ويلتحق المحروم ويستيقظ الغافل!
لقد جاءت العشر الأواخر بما تحمله من مفاخر، لا يذوق طعمها إلا صاحب الحظ الوافر، فهل من مشمّر على ساعد الجد والاجتهاد؟، لاستثمار ما بقي من موسم التحصيل والإمداد، ليملأ خزائنه بكل ما لذ وطاب، من موجبات الأجر والثواب، ليختم له بالعزة والكرامة وينجو من الحسرة والندامة.
فحريٌّ بنا أن نجتهد في اغتنام فرصة هذه العشرة الأواخر من شهر رمضان، وحريٌّ بنا أن نحسب أوقاته لحظةً لحظة، وثانيةً ثانيةٍ، حتّى لا تفوتنا منه ذرَّةٌ من الخير!
تأملْ أيها المسلم في ساعتك، وانظر إلى عقرب الساعة وهو يأكل الثَّواني أكلاً، لا يتوقف ولا ينثني، بل لا يزال يجري ويلتهم الساعات والثواني، سواء كنت قائماً أو نائماً، عاملاً أو عاطلاً، فلتكن قائماً عاملاً!
وتذكّرْ أن كل لحظة تمضي، وثانية تنقضي فإنما هي جزء من عمرك، وأنها مرصودة في سجلك ودفترك، ومكتوبة في صحيفة حسناتك أو سيئاتك، فاتّق الله في نفسك، واحرص على شغل أوقاتك فيما يقربك إلى ربك، ويكون سبباً لسعادتك وحسن عاقبتك، في دنياك وآخرتك.
وإذا كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره، فقد بقي فيه أجلّه وأخيره، لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي زبدته وثمرته، وموضع الذؤابة منه.
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يعظّم هذه العشر، ويجتهد فيها اجتهاداً حتى لا يكاد يُقدر عليه، يفعل ذلك - صلى الله عليه وسلم- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، فما أحرانا نحن المذنبين المفرّطين أن نقتدي به - صلى الله عليه وسلم- فنعرف لهذه الأيام فضلها، ونجتهد فيها، لعل الله أن يدركنا برحمته، ويسعفنا بنفحة من نفحاته، تكون سبباً لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله.
روى الإمام مسلم عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره".
وفي الصحيحين عنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمَّر وشدّ المئزر".
فقد دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان، وشدة حرص النبي - صلى الله عليه وسلم- على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات، فينبغي لك أيها المسلم أن تفرِّغَ نفسك في هذه الأيام، وتخفّف من الاشتغال بالدنيا، وتجتهد فيها بأنواع العبادة من صلاة وقراءة، وذكر وصدقة، وصلة للرحم وإحسان إلى الناس. فإنها -والله- أيامٌ معدودة، ما أسرعَ أن تنقضيَ، وتُطوى صحائفُها، ويُختم على عملك فيها، وأنت -والله- لا تدري هل تُدركُ هذه العشرَ مرةً أخرى، أم يحولُ بينك وبينها الموت، بل لا تدري هل تُكمل هذه العشر، وتُوفّقُ لإتمام هذا الشهر، فاللهَ اللهَ بالاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها ولياليها، وينبغي لك أيها المسلم أن تحرص على إيقاظ أهلك، وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة، ومشاركة المسلمين في تعظيمها والاجتهاد فيها بأنواع الطاعة والعبادة.
وإنَّ لمن الحرمان العظيم، والخسارة الفادحة، أن نجد كثيراً من المسلمين، تمرُّ بهم هذه الليالي المباركة، وهم عنها في غفلة معرضون، فيمضون هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، فيسهرون الليل كله أو معظمه في لهو ولعب، وفيما لا فائدة فيه، أو فيه فائدة محدودة يمكن تحصيلها في وقت آخر، ليست له هذه الفضيلة والمزية.
وتجد بعضهم إذا جاء وقت القيام، انطرح على فراشه، وغطّ في نوم عميق، وفوّت على نفسه خيراً كثيراً، لعله لا يدركه في عام آخر.
فأروا الله من أنفسكم خيراً واجتهدوا في هذه الليالي المباركات، وتعرّضوا فيها للرحمات والنفحات، فإن المحروم من حُرم خير رمضان، وإن الشقي من فاته فيه المغفرة والرضوان، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "رغم أنف من أدرك رمضان ثم خرج ولم يُغفر له" رواه ابن حبان والحاكم وصححه الألباني.
إن الجنة حُفّت بالمكاره، وأنها غالية نفيسة، لا تُنال بالنوم والكسل، والإخلاد إلى الأرض، واتباع هوى النفس. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "من خاف أدلج - يعني من أول الليل- ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم- المسافر إلى الدار الآخرة -وكلنا كذلك - بمن يسافر إلى بلد آخر لقضاء حاجة أو تحقيق مصلحة، فإن كان جاداً في سفره، تاركاً للنوم والكسل، متحملاً لمشاق السفر، فإنه يصل إلى غايته، ويحمد عاقبة سفره وتعبه، وعند الصباح يحمد القوم السرى.
وأما من كان نوّاماً كسلان متبعاً لأهواء النفس وشهواتها، فإنه تنقطع به السبل، ويفوته الركب، ويسبقه الجادّون المشمّرون، والراحة لا تُنال بالراحة، ومعالي الأمور لا تُنال إلا على جسر من التعب والمشقات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].
وتجيء العشرُ الأواخر، ودماء المسلمين لا زالت تسيلُ، ألا فلنرفع في هذه الليالي العشر الطّيّبة أكُفَّ الضّراعة إلى ربنا سبحانه وتعالى، بأن يحقن دماء المسلمين، ويحفظهم، ويهديهم صراطه المستقيم، ويُبرم للأمة أمر رشدٍ يعزُّ به دينها!
عـُـذراً أبـَـا العـشـر الأواخــر قـومُـنـا
فــي محـنـةٍ شـهـدت بـهـا الأيــَّـامُ
حـتـَّى مـقـاومـةُ الـعـدوِّ تأوَّلوا
فيهـا وفـي لـُجَـجِ التـَّذبـذُبِ عـامـُوا
عـُـذراً أبـــا الـعـَشـر الأواخــِـر إنـَّهــا
مـِحَـنٌ مؤجـَّجـةُ اللهيــبِ جـِســامُ
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
ليلة القدر لؤلؤة اللَّيالي العشر!
من صحيح البخاري:
يقَوْل اللَّهِ تَعَالَى:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ، لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ} [القدر: 2] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: «مَا كَانَ فِي القُرْآنِ» {مَا أَدْرَاكَ} [الانفطار: 18] ": فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ ": {وَمَا يُدْرِيكَ} [الأحزاب: 63] ": فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ"!
[تعليق مصطفى البغا]
[(أنزلناه) القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. (القدر) الشرف العظيم أو التقدير. (وما أدراك ما ليلة القدر) لم تبلغ درايتُك غايةَ فضلها ومنتهى علو قدرها. (الروح) جبريل عليه السلام. (أمر) قضاه الله تعالى في تلك الليلة. (سلام) كلها خير وسلامة للمؤمنين الصادقين لا يقدر عليهم فيها بلاء ولا مصيبة. (ما أدراك) أي ما ذكر في القرآن بلفظ (ما أدراك) . فقد أخبره الله تعالى به كهذه الآية. وكل ما ورد فيه بلفظ (وما يدريك) فإنه تعالى لم يخبره به صلى الله عليه وسلم
[صحيح البخاري 3/ 45]
لقد اختصَّ الله تبارك وتعالى هذه الأمة المحمديَّة على غيرها من الأمم بليلة القدر، التي قال الله عنها: (ليلةُ القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر). وقال فيها: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم) أي يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر، وغير ذلك من أوامر الله المحكمةالعادلة.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرمالخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه.
قال الإمام النخعيُّ: "العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها".
وقد حسب بعض العلماء "ألف شهر" فوجدوها ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر، فمن وُفّقلقيام هذه الليلة وأحياها بأنواع العبادة، فكأنه يظل يفعل ذلك أكثر من ثمانين سنة، فياله من عطاء جزيل، وأجر وافر جليل، من حُرمه فقد حُرم الخير كله.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه" وهذه الليلة في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه.
وهي في الأوتار منها أحرى وأرجى، وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: التمسوها في العشر الأواخر في الوتر" أي في ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنها لا تثبت في ليلة واحدة، بل تنتقل في هذه الليالي، فتكون مرة في ليلة سبع وعشرين ومرة في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو تسع وعشرين.
وقد أخفى الله سبحانه علمها على العباد رحمة بهم، ليجتهدوا في جميع ليالي العشر، وتكثر أعمالهم الصالحة فتزداد حسناتهم، وترتفع عند الله درجاتهم (ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون)، وأخفاها سبحانه حتى يتبين الجادّ في طلب الخير الحريص على إدراك هذا الفضل، من الكسلان المتهاون، فإن من حرص على شيء جدَّ في طلبه، وسهل عليه التعب في سبيل بلوغه والظفر به.
فضائل ليلة القدر:
1ـ أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن، قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}.
2ـ أنها ليلة مباركة، قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}.
3ـ يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام، قال تعالى: {فيها يُفرَقُ كل أمر حكيم}.
4ـ فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي، قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر}.
5ـ تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة و الرحمة والمغفرة، قال تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}.
6ـ ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولايخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها، قال تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر}.
7ـ فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عزوجل، قال صلى الله عليه وسلم: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " [متفق عليه].
فليلة هذه فضائلها وخصائصها وهباتها، ينبغي علينا أن نجتهد فيها ونكثر من الدعاء والاستغفار والأعمال الصالحة، فإنها فرصة العمر!
فالبدار البدار إلى اغتنام العمل فيما بقي من هذا الشهر، فعسى أن نستدرك به ما فات من ضياع العمر، فيما لا فائدة فيه، فكم نشيع كل يوم ميت، ونودعه وندفنه، فتسال الدموع على الوجنات، ثم ما نلبث أن ننسى ونعود إلى ما كنا عليه من غفلة وضياع، فهذه العشر الأخيرة من رمضان قد تكون آخر ليالٍ ندركها فالموت بالمرصاد، إن لم يأتِ اليومَ، فغداً لا محالةَ آتٍ!
أطلّّي غُرّةَ الدَّهرِ .. أطلِّي ليلةَ القدرِ
أطلي درّةَ الأيام مثلَ الكوكب الدرّي
أطلّي في سماء العمر إشراقاً مع البدرِ
سلامٌ أنتِ في الليل وحتى مطلعِ الفجرِ
سلامٌ يغمرُ الدنيا يُغشّي الكونَ بالطهرِ
وينشرُ نفحةَ القرآنِ والإيمانِ والخيرِ
لأنكِ منتهى أمري فإني اليوم لا أدري
فأنتِ أنتِ أمنيتي .. لأنك ليلة القدرِ
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
الحظ الوافر في إدراك مفاخر العشر الأواخر
لقد قارب الضيف الكريم أن يغادرنا ، بعد أن جعل أرواح المؤمنين تخفق إيمانا وخشية وتوبة وخشوعا ، وأكسبها شفافية ورقة وذلة وخضوعا ، لرب كريم رحيم غفور تعاظمت فيه مننه وعطاياه ، وتكاثرت في أيامه منحه وهداياه ، فالموفق من نال من خيراتها النصيب الأزكى ، وكال من بركاتها الكيل الأوفى ، وعبّ من فيوضاتها كؤوسا ملأى ، وحصّل من فتوحاتها المقام الأسمى ، وتقلّد في ظلالها الوسام الأعلى ، وحجز في قطار التوفيق والقبول الدرجات الأرقى ، وانخرط في قوافل المحظوظين المشمرين منذ اللحظات الأولى ، حتى أصبح بصدق إقباله وخالص أعماله من الفوز والوصول قاب قوسين أو أدنى ، ليكتب في سجل أهل الفلاح والتقوى ، ولينال شرف التيسير لليسرى ، ليقرّبه كل ذلك إلى الله زلفى ، فيكون من ذوي القربى ، اللذين غشيتهم رحمته وشملته مغفرته ، ودخلوا سباق التتويج ليعتق سبحانه رقابهم من النار.
فلا زالت الفرص قائمة والأبواب مشرعة ، ليستدرك المتخلف ويلتحق المحروم ويستيقظ الغافل، وقد دخلت العشر الأواخر بما تحمله من مفاخر ، لا يذق طعمها إلا صاحب الحظ الوافر ، فهل من مشمّر على ساعد الجد والاجتهاد ؟ ، لاستثمار ما بقي من موسم التحصيل والإمداد ، ليملأ خزائنه بكل ما لذ وطاب ، من موجبات الأجر والثواب ، ليختم له بالعزة والكرامة وينجو من الحسرة والندامة .
فأعط هذه العشر حصتها من التكريم ، لتقابلك تكريما بتكريم ، وأجعلها خير محصّلة لما سبق وأحسن خاتمة لما أينع وأورق ، وأحرص على مراعاة خصوصيتها ، فخصّها بنصيب من الجد والاجتهاد وإدراك ما فيها من بركات وكرامات ، لتتوالى عليك منها الهدايا والأمداد ، فليكن لك حظ وافر منها ، مقتديا بخير الخلق صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا دخل العشر الأواخر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله(البخاري).
فكن على خطاه ، لتنل أجر المتابعة وتشملك نفحات الليالي المباركات ، فالمحبون كانوا ينتظرونها ليعبروا عن صدق ولائهم :
قد مزق الحب قميص الصبر وقد غدوت حائرا في أمري
آه على تلك الليالي الغرّ ما كنّ إلا كليالي القدر
إن عدن لي من بعد هذا الهجر وفيّت لله بكل نذر
وقام بالحمد خطيب شكري
فليقم خطيب شكرك في هذه الليالي والأيام فيلهج بالحمد قولا وفعلا بأنواع القربات وجلائل الطاعات والتي في مقدمتها:
1) ــ الاستجابة لنداء العشر الأواخر ومقابلته بالتشمير:
فهي تناديك بلسان الحال لتنبهك إلى عظيم الأفضال وكرم الإفضال من الكبير المتعال فتقول لك:(يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشّعي ، يا شموس التقوى والإيمان أطلعي ، يا صحائف أعمال الصالحين ارتفعي ، يا قلوب الصائمين اخشعي ، يا أقدام المجتهدين اسجدي لربك وأركعي ، يا عيون المتهجدين لا تهجعي ، يا ذنوب التائبين لا ترجعي ، يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوس أقلعي ، يا بروق الأشواق للعشاق المعي ، يا خواطر العارفين ارتعي ، يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي ، ويا همم المؤمنين أسرعي ، فطوبى لمن أجاب فأصاب وويل لمن طرد عن الباب وما دعي).
2) ــ ضبط الصوم على بوصلة القبول وتوفير شروطه:
قال ابن الجوزي رحمه الله:(ليس الصوم صوم جماعة الطعام عن الطعام ، وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام ، وصمت اللسان عن فضول الكلام ، وغض العين عن النظر إلى الحرام ، وكفّ الكفّ عن أخذ الحطام ، ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام ).
فأضبط بوصلة صومك بهذه المواصفات ، ليكون غيثا نافعا على صحراء قلبك الجرداء القاحلة ، فيردّها جنة فيحاء ناظرة ، تتوالى عليها موارد التوفيق ، فتكن وسيلة للقبول وسببا للوصول.
3) ــ تحرّي الليلة المباركة والحرص على قيامها:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه).
وعنه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال في شهر رمضان:(فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم)(أحمد والنسائي).
وبما أن التماسها في العشر الأواخر وفي الليالي الوتر منها ، فليكن قيامها جميعها هو عربون تحرّيها ، ففي أيّ ليلة جاءت وجدت المحلّ مهيّأ ، لتحطّ فيه أنوارها وتملأه بأفضالها وتشمله بألطافها ، فتفكّ عنه قيود الأوزار وتسلمه صك العتق من النار ، فينجو بذلك من غضب الجبار.
فما عليه إلا أن يكتب اسمه في قوائم المقنطرين أو القانتين ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)(أبو داود).
4) ــ مضاعفة خدمة المولى عز وجل ليرحل الضيف بالمدح والشفاعة:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب ، منعته الطعام والشهوات فشفّعني فيه، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفّعني فيه، فيشفّعان)(أحمد والطبراني).
ترحّل الشهر وا لهفاه وانصرما واختص بالفوز في الجنات من خدما
وأصبح الغافل المسكين منكسرا مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما
من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهمّ والندما
وأحذر أن تجعل الصيام والقرآن خصماءك باستهتارك وغفلتك وهجرك ، بدل أن يكونا شفعاءك بإقبالك ويقظتك وملازمتك :
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ
5) ــ ختمة خاصة بالعشر أو أكثر لمضاعفة الفرصة:
قال ابن رجب رحمه الله:(فأمّا الأوقات المفضلة كشهر رمضان ، خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر ، أو في الأماكن المفضلة كمكة شرّفها الله لمن دخلها من غير أهلها ، فيستحب الإكثار من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان).
6) ــ إحياء سنة الاعتكاف فهي من خصوصيات العشر:
فلتحيي هذه السنة وليكن لك نصيب منها وإن قلّ ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها :(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى).
قال بن رجب:(وإنما كان يعتكف صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يطلب فيها ليلة القدر ، قطعا لأشغاله وتفريغا لباله وتخلّيا لمناجاة ربه وذكره ودعائه ، وكان يحتجر حصيرا يتخلى فيها عن الناس ، فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم..
فمعنى الاعتكاف وحقيقته : قطع العلائق عن الخلائق ، للاتصال بخدمة الخالق).
7) ــ زيادة الصدقات وإطعام الطعام لضمان الغرف وإجبار النقص:
فثمن غرف الجنة وأنت طالبها ورمضان ميدانها والعشر الأواخر فرصتها المواتية ، ما جاء عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها .
قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ ، قال : لمن طيّب الكلام وأطعم الطعام و أدام الصيام وصلّى بالليل والناس نيام)(الترمذي وأحمد والحاكم).
فضاعف الصدقات وأطعم الطعام لتنل الغرف وتحقق الهدف وتنجو من التلف وتتأسى بخير من سلف الذي كان في رمضان كالريح المرسلة.
وفي العشر كذلك زكاة الفطر التي هي طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، كما أن لها وظيفة أخرى ذكرها بعض العلماء المتقدمين فقالوا : صدقة الفطر كسجدتي السهو للصلاة ، فهي تجبر الصيام وتكمل النقص فيه ، تماما كما تفعل سجدتا السهو بالنسبة للصلاة.
8) ــ ألزم الدعاء والتضرع والمناجاة بالأسحار:
قال سفيان الثوري رحمه الله:(الدعاء في تلك الليلة(ليلة القدر) أحبّ إليّ من الصلاة ، فإن جمع بين الصلاة والتلاوة والدعاء كان أفضل.
فلو استنشقت ريح الأسحار ــ في هذه الليالي ــ لأفاق قلبك المخمور ، فرياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين وأنفاس المحبين وقصص التائبين ، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب .
فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطّفات الألطاف ، لم يفهمها غير من كتبت له ، يا يعقوب الهجر قد هبّت ريح يوسف الوصل ، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيرا ولوجدت ما كنت لفقده فقيرا.
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها :( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا)(يوسف88) ، لبرز لهم التوقيع عليها :( لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(يوسف92).
وزاحم ابن القيم رحمه الله على الباب الذي اختار الدخول منه على مولاه ، لما قال عن نفسه:(دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل والافتقار ، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ولا معوق ، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته ، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه).
9) ــ التماس العفو من العفوّ الكريم:
قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ، ما أقول؟
قال : قولي : اللهم إنك عفوّ تحب العفو فأعف عنّي)(الترمذي).
والعفو من أسماء الله تعالى وهو : المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم ، وهو يحب العفو ، فيحب أن يعفو عن عباده ، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم على بعض ، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.
قال يحيى بن معاذ : لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه ، لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه.
يا رب عبدك قد أتـاك وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حيـاؤه من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على الذنو ب الموبقات وأسرفا
وقد استجار بذيل عفو ك من عقابك ملحفا
يا رب فأعف وعافه فلأنت أولى من عفا
10) ــ الطمع في الجائزة وهي القبول والغفران والعتق من النار:
فيا أرباب الذنوب العظيمة ، الغنيمة الغنيمة ، في هذه الأيام الكريمة ، فما منها عوض ولا لها قيمة ، فكم يعتق فيها من النار ذي جريرة وجريمة ، فمن أعتق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العميمة والمنحة الجسيمة ، يا من أعتقه مولاه من النار ، إياك أن تعود بعد أن صرت حرّا إلى رق الأوزار ، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تتقرب منها ؟ ، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها.
ومسك الختام نردد مع قوافل المحبين ونحدو مع العاشقين ونناجي مع العارفين ونلتمس مع التائبين ونرجو مع المستغفرين ، فنقول معهم :(يا شهر رمضان ترفق ، دموع المحبين تدفق ، قلوبهم من ألم الفراق تشقق ، عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما احرق ، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرّق ، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق ، عسى أسير الأوزار يطلق ، عسى من استوجب النار يعتق ، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق).
الكاتب: جمال زواري أحمد
عن موقع: صيد الفوائد.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
شدُّ المئزر وإحياءُ الليالي العشر تحرّياً لليلة القدر!
من صحيح البخاري:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [صحيح البخاري: 1/ 16: (35)]
(من يقم ليلة القدر) أي: يُحييها بالصلاة وغيرها من القُرُبات.
ومن خصائص هذه العشر: ما ذكرته عائشة من أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يحيي ليله، ويشدّ مئزره، أي يعتزل نساءه ليتفرغ للصلاة والعبادة. وذلك لتصفو نفسه عن الأكدار والمشتهيات فتكون أقرب لسمو القلب إلى معارج القبول وأزكى للنفس لمعانقة الأجواء الملائكية وهذا ما ينبغي فعله للسالك بلا ارتياب. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يحيي هذه العشر اغتناماً لفضلها وطلباً لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
وقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: ما أعلم - صلى الله عليه وسلم- قام ليلة حتى الصباح" ولا تنافي بين هذين الحديثين، لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالصلاة والقراءة والذكر والسحور ونحو ذلك من أنواع العبادة، والذي نفته، هو إحياء الليل بالقيام فقط.
ما هو حكم التهجد في ليلة القدر دون الليالي الأخرى ؟
الإجابة:
الحمد لله
أولاً :
ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خيرٌ من ألف شهر، وأخبر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه.
قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} القدر/1 – 5 . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ""مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ." رواه البخاري 1901 ومسلم 760. إيماناً : بفضلها وبمشروعية العمل فيها . واحتساباً : إخلاصاً للنية لله تعالى.
ثانياً :
اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة ، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في " فتح الباري " ، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان . فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "" تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ". رواه البخاري 2017 – واللفظ له - ومسلم 1169 .
والحديث : بوَّب عليه البخاري بقوله : " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر " . والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها ، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة ، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : "" مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " رواه البخاري 2736 ومسلم 2677 .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : قوله – أي : الإمام البخاري - : " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر " : في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان ، ثم في العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره ، لا في ليلة منه بعينها ، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها . " فتح الباري " 4 / 260 .
وقال أيضاً : قال العلماء : الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة . " فتح الباري " 4 / 266 .
ثالثاً : وعليه : فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر ، وخاصة إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها . فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ : "" إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ ." رواه البخاري 49 .
تَلاحَى... أي تنازع وتخاصم .
قال علماء اللجنة الدائمة :
أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر : فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها ، ولكن أوتار العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر ؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا . لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر ، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به ؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه ، فقد تكون ليلة الحادي العشرين ، أو الثالث والعشرين ، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين ، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير ، ولم يصب تلك الليلة المباركة . فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله ، وفي العشر الأواخر أكثر ، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم . عن عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ . رواه البخاري2024 ومسلم1174 .
يا أيُّها الراقد كم ترقد قم يا حبيباً قد دنا الموعدُ
و خذ من الليل وساعاته حظا إذا هجع الرُّقَّد
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
شدُّ المئزر والاعتكاف تحرّياً لليلة القدر!
من صحيح البخاري:
813 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ فَقُلْتُ: أَلاَ تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ العَشْرَ الأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:163] خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: «مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ» وَكَانَ سَقْفُ المَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ، فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ
__________
[تعليق مصطفى البغا]
(إن الذي تطلب أمامك) إن الذي تسعى إليه - وهو ليلة القدر - فيما يأتي قدامك من الليالي. (أُريت ليلة القدر) أبصرت علامتها أو أعلمت وقتها. (نسيتها) نسيت علم تعيينها. (في وتر) الليالي الفردية. (قزعة) قطعة رقيقة من السحاب. (أرنبته) طرف أنفه]
[صحيح البخاريِّ 1/ 162]
باب الاعتكاف:
يشرع في كل وقت في المساجد، وهو في رمضان آكد، سيما في العشر الأواخر، ويستحب الاجتهاد في العمل فيها، وقيام ليالي القدر، ولا يخرج المعتكف إلا لحاجة.
أقول: لاخلاف في مشروعية الاعتكاف وقد كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة.
وأما كونه يصح في كل وقت في المساجد فلأنه ورد الترغيب فيه ولم يأت ما يدل على أنه يختص بوقت معين وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك".
وأما كونه لا يكون إلا في المساجد فلأن ذلك هو معنى الاعتكاف شرعا إذ لا يسمى من اعتكف في غيرها معتكفا شرعا وقد ورد ما يدل على ذلك كحديث "لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة" أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من حديث حذيفة.
وأما كون الاعتكاف في رمضان لا سيما كون العشر الأواخر منه أفضل وآكد فلكونه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها ولم يرد ما يدل على توقيته بيوم أو أكثر ولا على اشتراط الصيام إلا من قول عائشة وحديث ابن المتقدم يرده وكذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" أخرجه الدارقطني والحاكم وقال: صحيح الإسناد ورجح الداراقطني والبيهقي وقفه وبالجملة فلا حجة إلا في الثابت من قوله: صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عنه ما يدل على أنه لا اعتكاف إلا بصوم بل ثبت عنه ما يخالفه في نذر عمر وقد روى أبو داود عن عائشة مرفوعا من حديث "ولا اعتكاف إلابصوم" ورواه غيره من قولها ورجح ذلك الحفاظ.
وأما مشروعية الاجتهاد في العمل فلحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل كله وأيقظ أهله وشد المئزر وهو في الصحيحين وغيرهما.
وأما مشروعية قيام ليالي القدر فلحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي تعين ليلة القدر أحاديث مختلفة وأقوال جاوزت الأربعين وقد أستوفيت ذلك في شرح المنتقى فليرجع إليه.
وأما كون المعتكف لا يخرج إلا لحاجة فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة في الصحيحين أنه كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفا وأخرج أبو داود عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالمريض وهو معتكف كما هو ولا يعرج يسأل عنه وفي إسناده ليث بن أبي سليم قال: الحافظ والصحيح عن عائشة من فعلها أخرجه مسلم رحمه الله وغيره وقال: صح ذلك عن علي وأخرج أبو داود عن عائشة أيضا قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع وأخرجه أيضا النسائي وليس فيه قالت: "السنة" قال: أبو داود غير عبد الحمن بن اسحاق لا يقول قالت: فيه السنة وجزم الدارقطني بأن القدر من حديث عائشة قولها لا يخرج وما عداه ممن دونها.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
حالُ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم مع أهله في العشر الأواخر
من رأى حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وأهل بيته في العشر الأواخر، يلمس بوضوحٍ مدى صدقه صلى الله عليه وسلم في قوله: (إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا) وقوله: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، ويُدرك بوضوحٍ أنّه أتقى هذه الأمة، كيف لا وهو أسوتها وقدوتها، فهو أول المستجيبين لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} (سورة التحريم)!
ولقد برز ذلك جليّاً في سلوكه صلى الله عليه وسلم مع أفراد أسرته، عند إقبال العشر الأواخر من رمضان، واستعداداً لها، وتحريّاً لليلة العظمى المكنونةِ فيها، أي ليلة القدر:
ويبرز ذلك فيما يلي:
أولاً: اجتهاده في تفقيههنَّ رضي الله عنهنَّ بأحكام العشر الأواخر وليلة القدر:
ويدلّ على ذلك: أنّ كثيراً من الأحاديث الواردة في ذلك هي من روايتهنَّ، سواء شاركهنَّ أحد الصَّحابة رضي الله عنهم في تلقِّيها عنه صلى الله عليه وسلم أو لم يشاركهنَّ أحد، وكلّ ذلك تعليم وإرشاد، ومن ذلك:
حديث عائشة رضي الله عنها حين قالت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟، قال: "قولي: اللهم إنَّك عفوُّ كريم تحب العفو فاعف عني".
وحديثها رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ).
وحديثها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ).
بل إن إخبارهن رضي الله عنهنَّ بجانب من عشرتهنَّ وما علمنه من حاله صلى الله عليه وسلم كان طريقَ الأمة لمعرفة كثير من هديه صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان وذلك لا يخفى.
ثانياً: حثّه صلى الله عليه وسلم لهنَّ – رضي الله عنهنّ- على الاجتهاد في هذه الليالي العشر:
ويتّضح ذلك مما أوردناه عاليه.
فحيَّ على أسركم يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة)
ثالثاً: وممّا يجعل دعوته إيّاهنّ إلى الاجتهاد في هذه العشر الأواخر مؤثّرةً:
حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لهنَّ قبل ذلك:
ومن الأمور الدالة على ذلك:
1. مواقعته صلى الله عليه وسلم لهن رضي الله عنهن في غير العشر الأواخر، يشهد لذلك حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جُنُب من غير حلم فيغتسل ويصوم".
2. وقالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"، قال ابن حجر "قولها شدَّ مئزره: أي اعتزل النساء".
وقد جاء ذلك مصرحاً به عند البيهقي من حديث علي رضي الله عنه قال :"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان العشر الأواخر من رمضان شمَّر واعتزل النساء".
ومما يدل عليه كذلك:
تقبيله صلى الله عليه وسلم لزوجاته ومباشرته لهن رضي الله عنهن وهو صائم، يدل للتقبيل حديث عائشة رضي الله عنها:
قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل في شهر الصوم".
ويدل للمباشرة حديث عائشة رضي الله عنها حين سألها الأسود ومسروق: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم ؟ قالت: نعم، ولكنه كان أملككم لإربه".
3. مراعاته صلى الله عليه وسلم لهنّ وحرصه على الاستقرار الأسري؛ إذ ترك الاعتكاف في سنة – كما تقدم- خشيةً على نسائه من أن يقع بينهنَّ أو في نفوسهنَّ شيء.
4. زيارة نسائه صلى الله عليه وسلم له في معتكفه وتبادله الحديث معهنَّ ساعة، وخوفه صلى الله عليه وسلم عليهنَّ وحمايته لهنَّ رضي الله عنهنّ، يدل لذلك حديث صفية رضي الله عنها "كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فرحن، فقال لصفية بنت حيي لا تعجلي حتى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها".
وفي أخرى "إن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها".
خدمة نسائه صلى الله عليه وسلم له:
أولى الناس بخاصة الرجل أهله، وإيكاله شأنه الخاص إليهن يورث قرباً ومودة، ويزيد اللُّحمة. وذلك ظاهر حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ومن دلائل ذلك:
1. تغسيل زوجه صلى الله عليه وسلم لرأسه وترجيلها لشعره وهو معتكف – كما عرف-.
2. ضرب زوجه الخباء له صلى الله عليه وسلم في المسجد ليعتكف فيه، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله"
3. ضرب زوجه الحصير له صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه وطيها له، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "...أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيراً على باب حجرتي، إلى أن قال "اطو عنّا حصيرك يا عائشة...".
4. إيقاظ أهله صلى الله عليه وسلم له، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر"
5. إذنه لزوجاته رضي الله عنهن بالاعتكاف معه، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت...".
قيامهن رضي الله عنهن ببعض العبادات معه صلى الله عليه وسلم:
ومن ذلك :
1. الاعتكاف، والظاهر أن غالب زوجاته رضي الله عنهنَّ لم يكن يعتكفن معه صلى الله عليه وسلم في حياته، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فالظاهر اعتكافهن رضي الله عنهن بعده، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده" والله أعلم.
2. قيام الليل في بعض ليالي رمضان جماعة في المسجد، يدل لذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وفيه: "ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر وصلى بنا في ا لثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح؟ قال: السحور".
وبعد:
فإن من أوكد الواجبات بداية الرجل عموماً – الداعية خصوصاً- بتعليم أهله وقرابته، قال تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين)، وإذا كان إنفاق الرجل على أهله أفضل من الصدقة وأعظم منها أجراً، فإن تعليمه وحسن معاملته لهم أفضل وأعظم أجراً من تقديم ذلك لغيرهم - مع الأهمية في كل – فنحن بحاجة إلى إحياء شعار: "ابدأ بمن تعول" ، مع بعث منهج التوازن والوسطية النبوية التي تهمل جانباً على حساب جانب آخر.
ملخَّصا عن حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع أزواجه في رمضان لفيصل البعداني.
إن هذه العناية بأمر الزوجة والأهل والأولاد تجعل من البيت المسلم يعيش في روحانية رمضان هذا الشهر الكريم، فعندما يقبل الأب والأم والأبناء والبنات على الصلاة والعبادة والذكر وقراءة القرآن، ولنحفزهم على ذلك الخير فمن دعا إلى هدى كان له من الخير والأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.
نقل الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في لطائف المعارف، عن الإمام سفيان الثوري رحمه الله قال: أحبُّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض أهلهوولده إلي الصلاة إن أطاقوا ذلك.
وإيقاظه لأهله ليس خاصاً في هذه العشر، بل كان يوقظهم في سائر السنة، ولكن إيقاظهم لهم في هذه العشر كان أكثر وأوكد.
وهذا حرص منه عليه الصلاة والسلام على أن يدرك أهله من فضائل ليالي هذا الشهر الكريم ولا يقتصر على العمل لنفسه ويترك أهله في نومهم، كما يفعل بعض الناس وهذا لاشك أنه خطأ وتقصير ظاهر.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
تعطير الأسحار بالمناجاة والدُّعاء والاستغفار!
الزم الدُّعاء والتَّضرُّع والمناجاة بالأسحار:
قال سفيان الثوري رحمه الله: "الدعاء في تلك الليلة (ليلة القدر) أحبّ إليّ من الصلاة، فإن جمع بين الصلاة والتلاوة والدعاء كان أفضل"
فلو استنشقتَ ريح الأسحار -في هذه الليالي- لأفاق قلبك المخمور، فرياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين وأنفاس المحبين وقصص التائبين، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب.
فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطّفات الألطاف، لم يفهمها غير من كتبت له، يا يعقوب الهجر قد هبّت ريح يوسف الوصل، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيراً ولوجدت ما كنت لفقده فقيراً.
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) (يوسف88)، لبرز لهم التوقيع عليها: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف92).
وزاحم ابن القيم رحمه الله على الباب الذي اختار الدخول منه على مولاه، لما قال عن نفسه: (دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه، ولا مزاحم فيه ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه).
التماس العفو من العفوّ الكريم:
قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول؟
قال: قولي: اللهم إنك عفوّ تحب العفو فأعف عنّي) (الترمذي).
والعفو من أسماء الله تعالى وهو: المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم على بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته.
قال يحي بن معاذ: لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه، لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه.
يا رب عبدك قد أتاك وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حياؤه من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على الذنو ب الموبقات وأسرفا
وقد استجار بذيل عفوك من عقابك ملحفا
يا رب فأعف وعافه فلأنت أولى من عفا
الطَّمع في الجائزة وهي القَبول والغفران والعتق من النار:
فيا أرباب الذنوب العظيمة، الغنيمة الغنيمة، في هذه الأيام الكريمة، فما منها عوض ولا لها قيمة، فكم يعتق فيها من النار ذي جريرة وجريمة، فمن أعتق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العميمة والمنحة الجسيمة، يا من أعتقه مولاه من النار، إياك أن تعود بعد أن صرت حرّا إلى رق الأوزار، أيبعدك مولاك عن النار وأنت تتقرب منها؟، وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها.
ومسك الختام نردد مع قوافل المحبين ونحدو مع العاشقين ونناجي مع العارفين ونلتمس مع التائبين ونرجو مع المستغفرين، فنقول معهم: (يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما احرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام كل ما تخرّق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق، عسى رحمة المولى لها العاصي يوفق).
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
الإكثار من الإنفاق والصّدقة والعمل الصالح في العشر الأواخر من رمضان!
الصدقة سر من أسرار رمضان بالذات ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ، وأهل العلم رحمهم الله تعالى على أن الطاعات تعظم في الأزمان الفاضلة ، والصدقة في هذه العشر من ميراث الصالحين ، لقد كان صلى الله عليه وسلم جواداً كريماً في كل حياته ، وكان في رمضان صورة أكثر جوداً وعطاءً ، وهكذا كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى في أزمان الطاعة . إنَّ بإمكانك أخي الصائم أن تجعل لعشرك بعض نفحات البر والإحسان إلى الأرامل والمساكين ، والفقراء والأيتام ، وأنت تعلم أن للصدقة تأثيراً كبيراً في دفع البلاء عن المؤمن ، وتعلم أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامه ، وتعلم أن ممن يظله الله تعالى بظله يوم القيامة متصدق تصدّق بصدقته فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه . والصدقة وإن كانت يسيرة إلا أنها بين يدي الله تعالى عظيمة ، فلا تبخل بشيء من العطاء وقد بلغك أن الملك يدعو صباح كل يوم بقوله : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ولا تنسى رعاك الله تعالى في هذا المقام أن تفطير الصائمين فرصة خاصة في ظلال هذه العشر وقد قال نبيك صلى الله عليه وسلم : من فطّر صائماً كان له مثل أجره ، ومثل ذلك في الأجر وأعظم فكاك الأسير بدينه ، وإغاثة المنكوبين ، وإطعام الأيتام ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته . واعلم أن الابتسامة صدقة من الصدقات ، ومثلها الرحمة بالآخرين ، والعفو عنهم ، والصفح عن أصحاب الزلات ، وقد غفر الله تعالى لامرأة زانية بغي بسبب سقيها لكلب وقدأرهقه العطش ، فقال الغزالي رحمه الله تعالى : لئن كانت الرحمة بالبهائم تغفر ذنوب البغايا فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب . واعلم أن أولى الصدقات بك في هذا المقام نبذ الفرقة ، وترك الخصام ، فإن الواقع فيها في مثل هذا العشر قد يكون محروماً من آثار هذه الفضائل . إن مثلك لا يخفى عليه أن ليلة القدر رُفع علمها عن الأمة بسبب الشجار والخصام ، وأي حرمان أيها الحبيب لرجل في عشره الأخيرة من رمضان وهو لا زال يكابر في هذه الفضائل ، ويقع فريسة لعدو الله تعالى ، ويصر على هجر إخوانه حتى في مواسم الطاعات ؟ ولئن كانت أعمال العباد تُعرض على الله تعالى كل اثنين وخميس فإن أعمال المتخاصمين يحرمها النزاع ثمرتها ، ويكتب عليها الشقاق آثار الجرمان .
من وحي العشرِ الأواخر: وصفةٌ للعمر كلّه!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
الوصفة عبارة عن مواد وتركيبات علاجية يُوصى بها لعلاج بعض الأمراض، والوصفات العلاجية منتشرة في الأوساط الاجتماعية وخاصة للأمراض الشائعة كالأنفلونزا والسعال والصداع، فما إن يُصاب أحد بشيء من ذلك حتى تنهال عليه الوصفات من المقربين، وأبرز مزايا الوصفات أنها مجربة، فكل من يذكر لك وصفة يقول لك:
إنها مجربة ونتائجها مؤكدة، وكثير من الناس إذا أصابهم عارض صحي بحثوا عن الوصفات، واسألوا المُجربين.
وإذا ما جئنا إلى "وصفة العمر" فإن التحدي تظهر ضخامته بوضوح، بل رُبما يراه بعض الناس مستحيلاً، إذ كيف يُمكن أن تُعطي وصفة تصلح للصغار والكبار، والرجال والنساء في سائر الأوقات، وجميع الأحوال؟!
ومثل هذه الوصفة تحتاج إلى مصداقية ضخمة، فلا تكفي فيها تجربة محدودة لأفراد قليلين، بل لابد من تجربة شاملة، ونتائج كاملة، وينبغي أن تكون المستندات أصيلة لا يختلف أو يعترض عليها أحد، وقد قبلتُ هذا التحدي الهائل، وسأقدم هذه الوصفة الفريدة، ذات المصداقية الأكيدة، والتجارب العديدة، والنتائج المفيدة.
نشأة الوصفة:
نشأت فكرة الوصفة في الخمس الأواخر من رمضان، وبدأتُ في كتابتها في الحرم المكي الشريف، فهي وليدة البقاع المقدسة، والليالي الفاضلة، وهي ومضة من أنوار الصلوات، وشعلة من ضياء التلاوات، وقبس من شعاع الدعوات، إنها ثمرة النفحات الإيمانية، وفيض التجليات الروحانية، وهبة التأملات التعبدية، ومن هنا تكتسب أولى مزاياها التي تمنحها القبول.
فكرة الوصفة:
أساس الوصفة أن كثيراً من المسلمين يعتكفون في العشر الأواخر من رمضان إتباعاً للسنة، وطلباً للأجر، ويجمعون في اعتكافهم بين الصيام والقيام والتلاوة والذكر والدعاء ولزوم المسجد، فليلهم بالصلاة مملوء، ووقتهم بالتلاوة معمور، ولسانهم بالذكر مشغول، وقلبهم بالخالق موصول، وفكرهم بالآخرة متعلِّق، وحالهم بالإيمان متألِّق، وفي نفوسهم سكينة، وفي قلوبهم طمأنينة، يشعرون باللذة، ويحسون بالمتعة، ولو سألت أحدهم عن حاله لأجاب بجواب الأولين:
« والله إننا في لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف » ، ومن هنا نشأتْ الفكرة، كيف يُمكن تجديد هذه المعاني وتكرار هذه الأحوال ؟!
خلاصة الوصفة:
رمضان لا يتكرر في العام إلا مرة واحدة، ومع ذلك فإننا إذا أردنا تلك النتائج الرائعة والثمار اليانعة فعلينا بتكرار ما سبق، والخلاصة أن تجعل لك في كل شهر يوماً كاملاً تعتكف فيه وتكون في نهاره صائماً، وفي ليله قائماً، وتشغله بالصلوات والدعوات والتلاوات فتُعيد الذكريات، وتُجدد اللذات، وتحقق الأمنيات.
تفصيل الوصفة:
هذه التفصيلات المقترحة تُوضح المطلوب، وتُساعد على التنفيذ:
* اليوم: يفضل أن يكون ذلك في آخر الأسبوع، ويوم الخميس أنسب.
* الوقت: يبدأ من صلاة الظهر أو العصر من يوم الخميس، ويستمر إلى صلاة الفجر أو صلاة الجمعة من يوم الجمعة.
أعمال الوصفة :
* الصيام (صيام يوم الخميس سنة، ويستحب أن يعتكف بصوم).
* الاعتكاف (اعتكاف يوم وليلة صحيح عند جمهور الفقهاء).
* قيام الليل (وهو سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ).
* صلاة الوتر (وهي سنة مؤكدة أيضاً).
* تلاوة القرآن الكريم (التلاوة من أفضل الأعمال وأكثرها أجراً ).
* الذكر والدعاء (وهما مما لازم النبي صلى الله عليه وسلم فعله في كل أحواله وسائر أوقاته).
* الصدقة والإنفاق (والصدقة من العبادات المتعدية التي يُضاعف أجرها وتزداد بركتها).
برنامج الوصفة :
بدء البرنامج بصلاة الظهر يوم الخميس على النحو التالي :
1- أداء فريضة الظهر مع الجماعة، وأداء السنن القبلية والبعدية لها .
2- تلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة ساعة.
3- راحة لمدة نصف ساعة، والاستعداد لصلاة العصر.
4- أداء فريضة تلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة نصف ساعة.
5- أذكار المساء والدعاء قبل المغرب بنحو ساعة أو نصف ساعة.
6- الإفطار وأداء صلاة المغرب وسننها، وتناول قليل من الطعام.
7- صلاة ما تيسر من النوافل ما بين المغرب والعشاء لورود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
" فَجِئْتُهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ" رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب، وقال المنذري رواه النسائي بإسناد جيد.
8- أداء صلاة العشاء والسنة البعدية، وتلاوة قرآنية لمدة ساعة، ومراجعة للحفظ لمدة ساعة، والسنن الرواتب وردت في حديث أم حبيبة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ) وفي رواية الترمذي زيادة:
( أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ) .
9- الذكر والدعاء قبل النوم، وأخذ قسط من النوم .
10- الاستيقاظ لقيام الليل قبل الأذان الأول للفجر بساعة، وصلاة ثمان أو عشر ركعات ثم الوتر بثلاث في نحو ساعة ونصف.
11- الذكر والدعاء والاستغفار بعد الصلاة، وأخذ قسط يسير من الراحة والنوم الخفيف قبل أذان الفجر الثاني.
12- الاستعداد لصلاة الفجر وأداء سنتها القبلية، ثم تلاوة القرآن والذكر إلى ما بعد شروق الشمس، ثم صلاة ركعتين .
ملاحظة:
* يمكن أن يبدأ البرنامج بصلاة العصر وينتهي بصلاة الجمعة .
* يمكن الاستفادة في بعض الوقت من القراءة والمدارسة العلمية في بعض العلوم والمسائل الشرعية خاصة مع وجود بعض أهل العلم أو الزملاء من طلاب العلم.
تنفيذ الوصفة:
1- يوم في كل شهر ويقترح أن يكون محدداً بأول خميس أو آخر خميس من كل شهر ليتم تفريغ هذا اليوم والانتظام في البرنامج .
2- يُستحسن تنفيذ البرنامج في كثير من الأوقات بالاشتراك مع الآخرين، فيمكن أن يكون برفقة زملائه في طلب العلم مع مشاركة شيوخه أو أساتذته، وربما بمشاركة زملاء العمل، وربما أحياناً الزوجة والأبناء، ولكل صحبة من هذه هدف ونفع خاص.
3- يُستحسن لمن كان قريباً ومستطيعاً أن يُنفَذ البرنامج في أحد الحرمين الشريفين لفضيلة المكان وأثره النفسي والإيماني، وما يستدعيه من ذكريات العبادة في رمضان، وإن لم يتيسر ذلك ففي أي مسجد من المساجد، وإن تعذر في بعض الأحيان فيمكن تنفيذ البرنامج في معظمه في أحد المساجد وبقيته في الليل يُنفذ البيت إلا أن ذلك يفوت صفة الاعتكاف الذي يُشترط أن يكون في مسجد من المساجد، والغرض من ذلك ألا يوجد ما يمنع من تنفيذ البرنامج وجني ثماره وفوائده .
4- يُستحسن أن تخصص بعض المال لتنفقه صدقة في سبيل الله لتجمع أكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة في هذا اليوم .
5- يُستحسن تخصيص ساعة في هذا اليوم للتأمل والتدبر في حالك والمراجعة والمحاسبة لأعمالك، وتجديد النية وإعلاء الهمة في عمل الطاعات ومجانبة المعاصي والسيئات.
منجزات الوصفة:
1- الصيام والاعتكاف .
2- تلاوة ما بين ثلاثة إلى خمسة أجزاء من القرآن الكريم.
3- مراجعة ما بين جزء إلى جزئين من القرآن الكريم.
4- صلاة السنن الرواتب كاملة .
5- التبكير وإدراك التكبير في جميع الصلوات .
6- المكوث في المسجد وكثرة الذكر والدعاء .
7- قيام الليل والوتر وكثرة النوافل والتطوعات .
8- الصدقة والإنفاق في سبيل الله .
وإضافة إلى ذلك فثمة نفحات إيمانية وثمرات تربوية يُرجى أن تُحصّل من هذا اليوم الحافل من الطاعات والقربات، فلعله أن يكون في ذلك تطهيراً للنفس وزكاة للقلب، ولذة للروح، وزيادة للإيمان، وإحياء للخشوع، وتجديداً للخضوع، وتلذذاً بالمناجاة، وتعلقاً بالطاعة، وإذكاء للحماسة ، وإعلاء للهمة، فاللسان رطب بتلاوة كتاب الله، والقلب مطمئن بذكر الله، والعين دامعة من خشية الله، والأيدي سائلة عطاء الله، والجباه ساجدة لعظمة الله، والأقدام مصفوفة قياماً لله، والعقل متدبر في نعمة الله، والوقت مملوء بطاعة الله، والجهد مستنفذ في مرضاة الله، فما أصدق الوصف القرآني لمن هذا حاله :
{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }، وما أظهر الارتباط بالغاية في هذه الصورة { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }.
وهكذا ترون أن هذه وصفة للعمر كله، وللناس كلهم، وللجوارح كلها، وفي الأوقات كلها، وهكذا على مدى الدهر تجدد في كل شهر رمضان، فتكون وصفة العمر « رمضان في كل شهر » .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
العشر الأواخر من رمضان
اللجنة العلمية
بين يدي عيد الفطر المبارك!
ها هو شهر رمضان قد قوِّضت خيامه، وغابت نجومه، وها أنت في ليلة العيد، فالمقبول منا هو السعيد، وإن الله قد شرع في ختام الشهر عباداتٍ تُقوي الإيمان وتزيد الحسنات، ومنها:
1 - التَّكبير، من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185].
ومن الصفات الواردة فيه:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
2 - زكاة الفطر، وهي صاع من طعام ويبلغ قدره بالوزن: كيلوين وأربعين غرماً من البر الجيد. فإذا أراد أن يعرف الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غراماً من البر ويضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم يكيل به. والأفضل أن يخرجها صباح العيد قبل الصلاة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة)) متفق عليه. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين.
3 - صلاة العيد. وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته رجالاً ونساء مما يدل على تأكدها. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنها واجبة على جميع المسلمين وأنها فرض عين. وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد واختاره ابن القيم أيضاً.
ومما يدل على أهمية صلاة العيد ما جاء في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العوائق والحيض وذوات الخدور , فأما الحيض فيعتزلن المصلى , ويشهدن الخير ودعوة المسلمين , قلت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لتلبسها أختها من جلبابها) متفق عليه.
والسنة: أن يأكل قبل الخروج إليها تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً أو أكثر , يقطعهن على وتر , لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً) رواه البخاري.
ويُسنُّ للرجل أن يتجمَّل ويلبس أحسنَ الثياب، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله , ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هذه لباس من لا خلاق له) وإنما قال ذلك لكونها حريراً. وهذا الحديث رواه البخاري. وبوب عليه: باب في العيدين والتجمل فيهما. وقال ابن حجر: وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين.
وأما المرأة فإنها تخرج إلى العيد متبذّلة , غير متجملة ولا متطيبة , ولا متبرجة , لأنها مأمورة بالستر , والبعد عن الطيب والزينة عند خروجها.
ويسن أن يخرج إلى مصلى العيد ماشياً لا راكباً إلا من عذر كعجز وبعد مسافة لقول علي رضي الله عنه: (من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن. والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم , يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً , وأن لا يركب إلا من عذر ... ا. هـ.
وينبغي مخالفة الطريق بأن يرجع من طريق غير الذي ذهب منه. فعن جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) رواه البخاري. وفي رواية الإسماعيلي كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه. قال ابن رجب وقد استحب كثير من أهل العلم لللإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره. وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد.
ويُستحبُّ التهنئة والدعاء يوم العيد. فعن محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. قال أحمد: إسناده جيد. وقال ابن رجب: وقد روي عن جماعة من الصحابة التابعين أنهم كانوا يتلاقون يوم العيد ويدعو بعضهم لبعض بالقبول.
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الاعتكاف
اللجنة العلمية
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/342.jpg
بسم الله الرّحمن الرّحيم
استهلال
شهر رمضان الكريم مدرسة إيمانية، وواحة ربانية، ومحطة مهمة في حياة الإنسان المسلم، يُعيد فيه ترتيب أوراقه، ومراجعة سلوكه وعلاقاته، وذلك في إطار الجوّ القرآنيّ الإيمانيّ الذي يُشيعه هذا الشهر الكريم، وخاصَّةً في العشر الأواخر منه، وخاصّة إذا ما كان الصّائم قد قرّر الاعتكاف فيها، فحتى يحقّق العبد الغاية المرجوّة من وراء الاعتكاف، لابد له من فهم هذه العبادة، فقها وسلوكا وتربية، وهذا ما سيتضح بإذن الله تعالى فيما يلي:
ما هو الاعتكاف؟ ولماذا؟
ما هو الاعتكاف؟
الاعتكاف في الشرع: لزومُ المسجدِ من أجل التّعبّد لله تعالى، بضربٍ أو أكثرَ من ضروب العبادة المشروعة، كالذّكر وتلاوة القرآن والصلاة والتّفكّر!
وهو من العبادات القديمة، يدلُّ على ذلك قوله تعالى:
]وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ[ (سورة البقرة: آية 125)
وقوله تعالى: ]فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً[ (سورة مريم: آية 17).
وقوله تعالى: ]كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً[ (سورة آل عمران: آية 37).
قال شيخ الإسلام: "ولأنَّ مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جُعلت محرَّرةً له، وكانت مقيمةً في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً، وهذا اعتكاف في المسجد واحتجابٌ فيه".
وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك، فلذلك كان الاعتكاف لزومَ المسجد لطاعة الله".
والاعتكاف كان معروفاً في الجاهليّة، فقد روى البخاريُّ في صحيحه عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ - قَالَ: أُرَاهُ قَالَ لَيْلَةً: -، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ».
والملاحظ أن معنى الكلمة يجمع بين الإقامة والملازمة والمواظبة لدرجة حبس النفس على ما لازمه، ومن هنا يكون الاعتكاف: حمل النفس على الملازمة للعبادة والإقبال على الله تعالى حملا يبعدها عن الشواغل والمصارف، وكأن صاحبه حبس نفسه على العبادة وألزمها إياها.
وعرفه البخاري بقوله: الإقامة في المسجد بنية التعبد لله تعالى.
فالمعنى الجوهريُّ للاعتكاف هو لزوم المسجد وملازمته والمكث فيه، وهو حقيقةُ وماهية الاعتكاف شرعاً، وما زاد على هذا المعنى من اعتبار الصوم وغيره، فهي شروطٌ للاعتكاف وليست من ماهيته.
ولماذا؟
أو: ما هي حكمة مشروعيّة الاعتكاف؟
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبُّه ويعظِّمه، كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى".
وذلك: لكي ينأى بنفسه عن الشَّواغل التي تحول بين المرء وبين أن يتفرَّغ لعبادة ربّه سبحانه وتعالى!
وهذه الشواغل تتمثل في الفضول الأربعة:
فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام!
فالقدر المناسب من هذه المضرّات الأربعة، ليس مضرّاً، ولكن الزيادة فيها عن حدّ الاعتدال!
يقول الإمام ابن القيّم:
"لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفاً على جمعيته على الله، ولمِّ شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإنَّ شعث القلب لا يلمُّه إلا الإقبال على الله تعالى!
وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثاً، ويُشتته في كل واد، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه، أو يعوقه ويوقفه: اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة، وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه: عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيتُه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبُّه، والإقبال عليه في محلِّ هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسُه بالله بدلاً من أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصودُ الاعتكاف الأعظم"([1]).
إذن:
مقصود الاعتكاف الأعظم:
عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيتُه عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه، بحيث يصير ذكره وحبُّه، والإقبال عليه في محلِّ هموم القلب وخطراته!
وذلك لا يكون إلا بالتخلص من تلك الفضول الأربعة!
وذلك يتحقّق بالاعتكاف مع الصّوم!
ويقول الإمام ابن رجب الحنبلي:
"الخلوة المشروعة لهذه الأمة وهي الاعتكاف ،خصوصاً في شهر رمضان ، خصوصاً في العشر الأواخر منه كما كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يفعله ؛ فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره ، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله ، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه ، فما بقي له همٌ سوى الله وما يرضيه عنه .. فمعنى الاعتكاف وحقيقته : قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق "3
"وليست العزلة المشروعة لتربية النفس وتهذيبها مقصورة على سنة الاعتكاف فحسب؛ بل كان السلف –رضي الله عنهم- يحثون السالك على اختلاس أوقات يخلو فيها بنفسه للذكر أو الفكر أو المحاسبة أو غيرها .
قال عمر –رضي الله عنه- :" خذوا بحظكم من العزلة " وقال مسروق-رحمه الله-:" إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنوبه ، فيستغفر منها ".
ويوصينا ابن الجوزي – رحمه الله- بالعزلة فيقول: " فيا للعزلة ما ألذها ! فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل ، والسلامة من شر المخالطة كفى " ويقول : " ولأن أنفع نفسي وحدي خير لي من أنفع غيري وأتضرر.. الصبر الصبر على ما توجبه العزلة ، فإنه إن انفردْتَ بمولاك فتح لك باب معرفته ..5" إن أهم ما يُعنى به الموفق لطاعة مولاه هو إصلاح تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله ، وفي الصوم والاعتكاف من الإصلاح الشيء الكثير .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الاعتكاف
اللجنة العلمية
ما يتميّز به الاعتكافُ في شهر رمضان!
ذهب الفقهاء إلى أنّ الاعتكاف في رمضانَ، في العشر الأواخر منه: سنّة مؤكّدة، لمواظبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليه، كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفّاه اللّه تعالى، ثمّ اعتكف أزواجه من بعده»
وفي حديث أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا حتّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي اللّيلة الّتي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر»
الحديث.
وارتفاع مرتبة الاعتكاف في رمضان من أن يكون (سُنّة)، إلى أن يكون (سُنّة مؤكّدة) يرجع إلى ما يتميّز به الاعتكاف في رمضان من الميزات الواضحة، والتي نذكر منها ما يلي:
أولاً: اقترانه بالصّوم الواجب، وهو صوم الفريضة، وبالتالي يكون المعتكف أكثر قدرةً بإذن الله على تحقيق أهدافه من الاعتكاف، المتعلقة بتحقيق العبودية، ثم محاربة (أنواع الفضول الأربعة: فضولُ: الطعام والشراب، الكلام، الخُلطة، المنام).
والبعض اشترط الصوم في غير رمضان، ولعل من الحكمة والسر أن الاعتكاف حالةٌ لإخراج العبد من ضوضاء الدنيا وشواغل النفس، إلى الإقبال على الله، ولا بد أن تكون النفس ساكنة مطمئنة، والصيام فيه كسرٌ للشهوة، وصفاء للنفس، وانقطاع عن أسباب الشهوات والمتاع، ولذا كان لابد من الاعتكاف ليحقق الصوم ثماره كلها.
ثانياً: فضّل اللّه تعالى رمضان، والعشر الأواخر منه خاصّةً بليلة القدر، التي تتميز بعديدٍ من الفضائل، ومنها ما يلي:
*- أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن ، قال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر }.
*- أنها ليلة مباركة ، قال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة مباركة}.
*- يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام ، قال تعالى { فيها يفرق كل أمر حكيم }.
*- فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالى كبيروعظيم ، قال تعالى { ليلة القدر خير من ألف شهر}.
*- تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة ، قال تعالى { تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر }.
*- ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر ، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها ، قال تعالى { سلام هي حتى مطلع الفجر }.
*- فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) - متفق عليه
بل إنّ الدافع للاعتكاف في رمضان، إنما هو: التماس ليلة القدر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ، أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ " فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ))(صحيح مسلم: (1167))
ثالثاً: اقتران الاعتكاف في رمضان بالقرآن الكريم، الذي نزل جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السّماء الدّنيا، في شهر رمضان، وفي ليلة القدر منه على التّعيين، ثمّ نزل مفصّلًا بحسب الوقائع في ثلاثٍ وعشرين سنةً.
ولذا فإنه يُستحبّ في رمضان للمعتكف استحبابًا مؤكّدًا مدارسةُ القرآن وكثرةُ تلاوته، وتكون مدارسة القرآن بأن يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه، ودليل الاستحباب «أنّ جبريل كان يلقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كلّ ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن»
وقراءة القرآن مستحبّة مطلقًا، ولكنّها في رمضان آكد، وهي في العشر الأواخر آكد.
رابعاً: اقترانُ الاعتكاف بقيام الليل وصلاة التراويح، وقد أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان، وقد ذكر النّوويّ أنّ المراد بقيام رمضان صلاة التّراويح، يعني أنّه يحصل المقصودُ من القيام بصلاة التّراويح.
وقد جاء في فضل قيام ليالي رمضان قوله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه».
أما التهجد؛ يقول الشيخ الفوزان: "فإنه سنة، وفيه فضلٌ عظيم، وهو قيام الليل بعد النوم، خصوصًا في ثلث الليل الآخر، أو في ثلث الليل بعد نصفه في جوف الليل؛ فهذا فيه فضل عظيم، وثواب كثير، ومن أفضل صلاة التطوع التهجد في الليل، قال تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ سورة المزمل : آية 6 ] ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ولو أنَّ الإنسان صلَّى التَّراويح، وأوتر مع الإمام، ثم قام من الليل وتهجد؛ فلا مانع من ذلك، ولا يُعيد الوتر، بل يكفيه الوترُ الذي أوتره مع الإمام، ويتهجد من الليل ما يسَّر الله له، وإن أخَّر الوتر إلى آخر صلاة الليل؛ فلا بأسَ، لكن تفوته متابعةُ الإمام، والأفضل أن يُتابع الإمام وأن يوتر معه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف؛ كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود في سننه ( 2/51 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 3/147، 148 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 3/83، 84 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/420، 421 ) ] ، فيتابع الإمام، ويوتر معه، ولا يمنع هذا من أن يقوم آخر الليل ويتهجَّد ما تيسَّر له".
خامساً: مضاعفة ثواب الأعمال الصّالحة في رمضان! وذلك ممّا يُنَشِّطُ المعتكف إلى الاجتهاد في عبادته وتذلُّله لربّه، قال إبراهيمُ: تسبيحةٌ في رمضان خيرٌ من ألف تسبيحةٍ فيما سواه، والاعتكاف من أجلِّ الأعمال في رمضان.
الأحكام الفقهيّة للدّخول في الاعتكاف
أولاً: حكم الاعتكاف:
أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة، وهو سنة مؤكدة في العشر الأخير من رمضان، ولا يكون واجباً إلا بالنذر، أو بالشُّروع فيه عند الحنفية، لفعله صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة على السنية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاعتكاف، وكذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحَّاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال: ((إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف)) فاعتكف الناس معه، ففي تعليق الاعتكاف على المحبة دليل على السنية وعدم الفرضية، ودليل الوجوب بالنذر قوله صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه))( مسلم (1167)) ، وعن عمر أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( أوف بنذرك)).
ثانياً: مدة الاعتكاف:
الاعتكاف يجوز ويحصل بأقل مدة كانت، فلو دخل المسجد ساعة ونوى فيها الاعتكاف حصل له أجرُ اعتكاف هذه الساعة، هذا عند الشافعية وقول لأحمد وعند أبي حنيفة في رواية وهو قول محمد، وفي قول لأحمد وفي الرواية الأخرى عند أبي حنيفة وهي رواية الحسن عنه: لا يجوز الاعتكاف بأقلَّ من يوم، وعند مالكٍ اختلفت الرواية "فقيل: ثلاثة أيام، وقيل يوم وليلة، وقال القاسم عنه: أقلُّه عشرة أيام، وعند البغداديِّين من أصحابه: العشرةُ استحبابٌ، وأن أقلَّه يومٌ وليلة!
والسبب في اختلافهم: معارضةُ القياس للأثر، أما القياس فإنه من اعتقد أن من شرطه الصوم قال: لا يجوزُ اعتكاف ليلة، وإذا لم يجز اعتكافه ليلة فلا أقلَّ من يوم وليلة إذ انعقاد صوم النهار إنما يكون بالليل، وأما الأثر المعارض فما أخرجه البخاري من أن عمر رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره ".
ولعل الراجح صحته بأقل من يوم وليلة، ويشهد لذلك حديث نذر عمر المتقدم.
ثالثاً: متى يبدأ الدخول في الاعتكاف؟
أما وقت الاعتكاف فإن نذر اعتكاف شهر دخل قبل غروب الشمس عند الجمهور، وعند زفر والليث وقول لأحمد يدخل قبل الفجر، وإن نذر يوما دخل قبل غروب الشمس عند مالك كالشهر عنده، ودخل قبل الفجر عند الليث وزفر كالشهر عندهما، ودخل قبل الفجر وخرج بعد الغروب عند الشافعي.
أما لو أراد أن يعتكف العشر الأواخر في رمضان تطوُّعاً فهناك روايتان عن أحمد:
الأولى: يدخل قبل غروب الشمس من يوم العشرين، بحيث يدرك أول الليل من يوم الواحد والعشرين، وهو مذهب الشافعي
والثانية يدخل بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين، وهو قول الأوزاعي.
ولو نذر العشر الأواخر في رمضان ففيها الروايتان.
وبعيدا عن خلاف الفقهاء فمن أحب الاعتكاف في العشر الأواخر فإنه يدخل الاعتكاف قبل صلاة المغرب من اليوم العشرين بحيث يشهد الإفطار والصلاة في معتكفه، ولا حرج لو دخل بعدها في أي جزءٍ من الليل أو لو صلى الصبح ثم دخل المعكتف بعد صلاة الصبح بل لو فاته من العشر يوم ويومان لا حرج فالأصل أنه سنة كله، ويخرج من معتكفه بعد صلاة المغرب من آخر يوم من رمضان ولو مكث في معتكفه إلى ما بعد صلاة العيد إن صُلِّيت في المسجد الذي هو فيه أو خرج من المعتكف إلى المصلَّى لكان أفضل.
رابعاً: شروط من يرغب في الدخول في الاعتكاف:
يشترط في المعتكف أن يكون:
1- مسلما عاقلا: فهو عبادة لأن الكافر والمجنون ليس من أهل العبادة، ولأن العبادة لا بد لصحتها من النية، وهما ليسا أهلا لها.
2- الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس.
3- التمييز، ويصح الاعتكاف من الصبي المميز ومن المرأة بإذن زوجها، وأجاز أبو حنيفة اعتكافها في مسجد بيتها.
خامساً: شروط الدخول في الاعتكاف: ([2])
1- أن يكون في المسجد، فلا يصح الاعتكاف بغير مسجد تقام فيه الجماعة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وكذا عند الشافعية إن لم يتخلل اعتكافه جمعة، وإلا فلا يصح إلا في جامع، وفي رواية عن مالك لا يصح إلا في مسجد تقام فيه الجمعة، ولا شك أن أفضل المساجد للاعتكاف المساجد الثلاثة، الحرام والنبوي والأقصى، وقد ذهب بعضهم كابن المسيب إلى عدم صحة الاعتكاف إلا بها.
2- المكث في المسجد: وهو معنى الاعتكاف، فلا يجوز له الخروج من المسجد إلا لحاجة الإنسان، لأنه لا يستغني عنه، وكذا الخروج للجمعة عند غير الشافعية ممن أجاز الاعتكاف في المسجد غير الجامع.
وإذا خرج بطل اعتكافه عند أبي حنيفة إن بقي أكثر من وقت قضاء حاجة الإنسان، وعند أبي يوسف ومحمد لا يبطل إلا إذا بقي أكثر من نصف اليوم، هذا في اعتكاف الفرض أما في اعتكاف النفل فروايتان عند الحنفية، ومثل قضاء الحاجة ما يضطر إليه كالذهاب للطبيب لو مرض، وكذا كل ما وجب وتعين عليه كأداء الشهادة، وأجاز الشافعية الخروج للأكل دون الشرب ولو كان متوفِّراً في المسجد إذ ربما يستحي من فعله فيه.
وإن خرج لغير حاجةٍ بطل اعتكافُه، ولو قلَّ الخروج عند الجمهور، وعند محمد وأبي يوسف لا يبطل إذا لم يزد على نصف يوم.
3- النية: ولا خلاف فيها بين العلماء، فهي شرط في كل العبادات، وهو دليل الإخلاص، ولا بد أن تكون نيته خالصة لوجهه تعالى، وأن يقصد باعتكافه بلوغ مرضاة ربه وإصلاح نفسه والالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
4- الصيام: وهذا في الاعتكاف بغير شهر رمضان وفيه خلاف بين العلماء، فاشترط الحنفية والمالكية الصوم، وأجاز الشافعية والحنابلة الاعتكاف بغير الصوم.
ترك مباشرة النساء: فإذا باشر زوجته بطل اعتكافه إن كان ذاكرا، وأما إن كان المجامع ناسيا للاعتكاف يفسد اعتكافه عند الحنفية ولا يفسد عند الشافعية، ويفسد اعتكافه بالجماع ودونه من اللمس والتقبيل عند مالك، و لا يفسد عند أبي حنيفة بما دون الجماع إلا إن أنزل إلا أنه حرام، وعند الشافعي القولان وقول ثالث لا تبطل إلا بالجماع والأظهر ما وافق الحنفية.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الاعتكاف
اللجنة العلمية
الأحكام الفقهيّة للخروج من الاعتكاف
أولاً: الخروج المؤقّت من المسجد لعيادة المريض وشهود الجنائز:
1- مذهب الأئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكثير من التابعين كعطاء والزهري وعروة ومجاهد: لا يجوز خروجه لعيادة مريض ولا لشهود جنازة، لأنهما ليسا فرض عين، فلا ضرورة إليهما، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان"([3])
2- وفي قول عند أحمد رواه الأثرم ومحمد بن الحكم وهو مذهب علي وابن جبير والنخعي والحسن، أنه يجوز له ذلك، لما روى عاصم بن ضمرة عن علي قال: " إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم"
وإذا اشترط أثناء نية الاعتكاف الخروج لعيادة المريض أو شهود الجنازة، فله ذلك عند الشافعية والحنابلة، وليس له ذلك عند الحنفية والمالكية ،وسبب الخلاف تشبيه الاعتكاف بالحج في أنهما عبادة تمنع المكلف من بعض الأفعال، فكما أن الحج ينفع فيه الشرط لحديث ضباعة (( أهلي بالحج واشترطي أن محلي حيث حبستني)) ،فكذلك الاعتكاف.
ثانياً: الخروج بسبب انتهاء مدة الاعتكاف:
و أما وقت الخروج عند نهاية الاعتكاف، ففيه قولان :
أولهما: يخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان والأفضل أن يبيت ليلة العيد في المسجد ثم يخرج إلى مصلى العيد، وهو قول مالك وأحمد.
وثانيها: يخرج بعد صلاة المغرب وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
وقال سحنون وابن الماجشون : إن رجع إلى بيته قبل صلاة العيد فسد اعتكافه.
مُلحق بما سبق:
قد رأينا ما يتعلق بالحكم عند خروج المعتكف من اعتكافه قبل انتهاء مدته، لأجل غرضٍ معيّنٍ يقضيه ثم يعود مرّةً أخرى، وهاهنا مسألتان متفرّعتان:
الأولى:
ما هو حكم من نوى الاعتكاف ثمّ نقض نيّته، وأراد أن يخرج من اعتكافه قبل انتهاء مدّته؟
وجوابها:
اختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى:
فقال بعض أهل العلم: إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال، وهو قول مالك.
وقال بعضهم: إن لم يكن عليه نذرُ اعتكافٍ أو شيءٌ أوجبه على نفسه، وكان متطوِّعاً فخرج، فليس عليه أن يقضي إلا أن يحُبَّ ذلك اختياراً منه، ولا يجب ذلك عليه، وهو قول الشافعي، قال الشافعي: "فكلُّ عملٍ لك أن لا تدخلَ فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة".
واختلف العلماء - رحمهم الله - لو كان الاعتكاف نافلة وطاعة ، فدخل فيها المكلف : هل الشروع في النافلة يُصيّرها فريضة - وقد تقدمت معنا هذه المسألة - وبيّنا أن هناك عبادات نص الشرع على أن الدخول في نافلتها يُصيّرها فريضة ، ويلزم إتمامها ، كما في الحج والعمرة ، وأن هناك عبادات تبقى على الأصل ، كما في الحديث عنه - عليه الصلاة والسلام - في الصوم أنه قال : (( المتطوع أمير نفسه )).
فهذا الحديث أصل عند طائفة من العلماء - رحمهم الله - على أن المتطوع أمير لنفسه ، إن شاء أتم ، وإن شاء لم يتم ، ولا شك أن الأفضل والأكمل أن يتم العبد طاعته لله - تعالى - .
والثانية:
ما هو الحكم في زيارة الآخرين كالزوجة والأصدقاء للمعتكف في معتكفه؟
الجواب:
إذا أراد أن يزور المعتكفَ أهله أو أحد أصدقائه فله ذلك، ويجوز الجلوس معهم ومؤانستهم، وإن كان الأفضل له أن يبتعد عن الناس لأن الحكمة من الاعتكاف أن ينقطع عن علائق الدنيا، ويجمع القلب على الله تعالى، ودليل الجواز حديث صفية بنت حيي قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته، ثم قمت فانقلبت فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( على رسلكما إنها صفية بنت حيي )) . فقالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: (( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا أو قال شيئا))(متفق عليه)
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الاعتكاف
اللجنة العلمية
من فتاوى الاعتكاف
[حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة]
السؤال:
هل يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟
الجواب:
قوله في الحديث الماضي: (كتب له قيام ليلة) قالوا: يكتب له أجر قيام الليلة كاملاً، وفرق بين قوله: (كتب له قيام ليلة) وبين الحكم في كونه قد قام الليلة كاملة، هناك فرق بين المسألتين وتوضيح ذلك في العشر الأواخر، ففي العشر الأواخر يندب إلى إحياء الليل، فبعض الناس يصلي مع التراويح ثم يقول: إذا صليت التراويح وخرجت مع الإمام كتب لي إنني أحييت الليل فيذهب وينام، ويقول: إنني قد أخذت الفجر والفضيلة، والواقع أن هناك فرقاً بين الفضيلة وبين الحكم، (كتب له قيام ليلة) أي: كتب له أجر قيام الليلة، ولكنه لا يحكم بكونه قد قام الليلة فيما ندب إلى إحياء الليل فيه كاملاً؛ لأن الإحياء لا يكون إلا حقيقة، فقوله كما جاء (وأحيا ليله) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعلى هذا فإنه يكتب له أجر القيام.
وأما بالنسبة للاعتكاف فالأصل في قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187] هذا أصل عام أخذ منه جماهير العلماء رحمة الله عليهم منهم الأئمة الأربعة وهو قول داود الظاهري والحديث أن الاعتكاف جائز في المساجد كلها من حيث الجملة، إلا أن من نوى أن يعتكف العشر الأواخر أو نذر أن يعتكف العشر الأواخر فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه الجمعة؛ لأنه إذا نذر اعتكاف العشر كاملة حرم عليه أن يخرج، فإذا جاء يوم الجمعة وهو في مسجد لا يجمع فيه فمعنى ذلك إما أن يبطل نذره بالخروج؛ لأن المعتكف لا يجوز له الخروج إلا من ضرورة وحاجة تتعلق ببدنه، وإما أن يضطر إلى ترك الجمعة ولا يجوز لمثله أن يترك الجمعة.
فلذلك إذا نذر وفرض على نفسه اعتكاف العشر كاملة فإنه لا يعتكف إلا في مسجد فيه جمعة، وهذا هو الأصل الذي دعا بعض العلماء أن يقول: اعتكاف العشر لا يكون إلا في مسجد يجمع فيه حتى لا يضطر إلى الخروج، أما لو نذر أن يعتكف ليلة وجاء في أي مسجد واعتكف فيه لا بأس ولا حرج، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) وهذا الحديث حسن بعض العلماء رحمة الله عليهم من المتقدمين والمتأخرين إسناده وقال مجاهد بظاهره، ومجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس قال: [إنه لا يجوز الاعتكاف إلا في واحد من المساجد الثلاثة] ولكن خالفه جمهور العلماء على ظاهر الآية الكريمة.
ولذلك أيضاً قالوا: إن قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) هذا معروف في أسلوب الشرع النفي المسلط على الحقيقة الشرعية كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) (ولا صلاة بعد صلاة الصبح) (ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) تارة يرد ويراد به الكمال، وتارة يرد ويراد به نفي الصحة، فتردد الحديث هنا بين أن يحمل قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) بين أن يحمل على الفضيلة، أي: لا أفضل من الاعتكاف في المساجد الثلاثة فلا اعتكاف كامل إلا في المساجد الثلاثة؛ لأن المسجد الحرام فيه فضيلة الطواف التي لا توجد في غيره، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم دونه ففيه فضيلة الألف الصلاة التي لا توجد فيمن دونه، والمسجد الأقصى فيه فضيلة مضاعفة الصلاة خمسمائة صلاة، فأصبح من يصلي ويعتكف في هذه المساجد قد حصل على كمال الاعتكاف ما لم يحصله في غيره، فصار كقوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له) أي: لا إيمان كامل لمن لا أمانة له، وكقوله: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) أي: لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه لوجود الصارف من الأدلة الأخرى وهذا هو قول جمهور العلماء، والله تعالى أعلم.
[الضابط في تفضيل المساجد بعضها على بعض في الاعتكاف]
السؤال:
فضيلة الشيخ : لا يخفى أن المساجد تتفاوت في الفضيلة ، فما هو الضابط في تفضيل المساجد بعضها على بعض في الاعتكاف ، وأيها يقدم المعتكف ويحرص عليه مع ذكر الدليل على تلك الضوابط من الكتاب والسنة . وجزاكم الله كل خير ؟
الجواب:
أول المساجد فضلا ، وأعظمها أجرا ، وأعلاها قدرا البيت الحرام ، فمسجد الكعبة هو أعظم المساجد ، وأفضلها على الإطلاق ؛ لأنه اجتمعت فيه فضائل لا توجد في غيره :
فأولا : أن الطواف لا يشرع إلا فيه ، وهذه فضيلة لا توجد في غير المسجد الحرام ، والطواف من أجل القربات لله - عز وجل - .
وثانيا : مضاعفة الصلاة فيه أكثر من غيره ، فالصلاة في مسجد الكعبة بمائة ألف صلاة ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ؛ كما نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .
وثالثا : قِدَمه ؛ لأنه أول بيت وضع للناس ، وهو مسجد الكعبة ، والأقدم مقدّم على غيره - كما سيأتي في ضوابط التفضيل بين المساجد - . فالأفضل مسجد الكعبة ، ثم يليه مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الصلاة فيه بألف ، وهذه فضيلة لا توجد في غيره ما عدا المسجد الحرام ، ولذلك يفضل مسجد المدينة على ما سواه من المساجد بعد مسجد الكعبة ، ثم المسجد الأقصى ؛ لورود الفضل فيه ، والصلاة فيه بخمسمائة ، وكذلك ينظر في التفضيل إلى أصول وضوابط دلت عليها أدلة الكتاب والسنة :
فأولها : قِدَم المسجد ، فإذا كان المسجد أقدم ؛ فإنه أفضل ، وأولى بالاعتكاف ؛ والدليل على ذلك قوله تعالى : { لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ } فبيّن عز وجل في هذه الآية الكريمة أن المسجد الأقدم أحقّ أن يقوم الإنسان فيه بالعبادة ، وهذا أخذ منه الأئمة - رحمهم الله - تفضيل المسجد الأقدم .
كذلك أيضا : يفضل المسجد الأكثر عددًا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه قال : (( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد وما كان أكثر فهو أزكى)).
ففضّل الصلاة مع كثرة العدد ، فتفضل المساجد التي هي أكثر عددا ؛ لوجود هذه الفضيلة الثابتة في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
كذلك يفضل الاعتكاف في المسجد الذي يخشع فيه قلب الإنسان أكثر، وتتوفر الدواعي للخشوع من : وجود إمام يتأثر بقراءته ، ويتأثر بخُطَبه ، ويتأثر بمواعظه ، ويتأثر بتوجيهه ؛ فحينئذ يحرص على أن يصلي فيه ؛ لأن الله - عز وجل - مقلّب القلوب، ويرزق أئمة المساجد القبول فضلا منه - عز وجل - ، والإخلاص له أثر، فقلّ أن يوضع القبول لإنسان في أمر من أمور الدين إلا ووراء ذلك بعد فضل الله سر من الإخلاص .
فإذا صلى الإنسان وراء إمام مخلص أو تظهر آثار إخلاصه في انتفاعه بوعظه ، وانتفاعه بتوجيهه ، وحبه له ، وتأثره بنصائحه ، فهذا لا شك أنه أفضل في حق هذا المكلف ؛ لأن المقصود الأعظم هو الخشوع ، وحضور القلب ، وهذا أصل معتبر في سماع التلاوة ، والتأثر بالقرآن، وبالمواعظ .
وبخلاف الإمام الذي ينفّر الناس ؛ وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فقال : (( إن منكم منفرين )) .
فإذا كان في المسجد له إمام ينفر، وأسلوبه ينفّر ولا يحبّب، فحينئذ يقدّم غيره عليه ؛ لأنه أقرب إلى السنة ، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذه كلها من الأسباب أو الضوابط التي توجب تفضيل مسجد على آخر، وتقديمه على غيره . والله تعالى أعلم .
[فهل اعتكافي في مسجد حيِّنا أفضل من اعتكافي بالمسجد النبوي؟]
السؤال:
فضيلة الشيخ : يوجد في حيِّنا مسجد صغير يصلى فيه الصلوات الخمس ، ولكن لا تصلى فيه الجمعة . في الحقيقة هذا المسجد أخشع فيه أكثر من غيره ، وأجد أنني أقوى على الإخلاص لعدم وجود الناس فيه ، إضافة إلى الهدوء وعدم التشويش ، فهل اعتكافي فيه أفضل أم المسجد النبوي أفضل . وجزاكم الله كل خير ؟
الجواب:
لا شك أن الاعتكاف في المسجد النبوي أفضل ، والخشوع أمر يتهيأ للإنسان بتوفيق الله - تعالى- ، ثم بالأخذ بالأسباب ، ومن هيّأ نفسه للخشوع في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه سيجد بركة ذلك وخير ذلك أكثر من غيره .
ومن هنا تقدم المسجد النبوي لفضيلة الصلاة فيه ، ولأنه أقدم ، ولأن الخشوع أمر تستطيع أن تحصّله بتهيؤ الأسباب ، وكثير من الناس إلا من رحم الله يهيّئ لنفسه فوات الخشوع ، لكنه لو هيّأ لنفسه طلب الخشوع ، وتعاطى الأسباب في ذلك ؛ فإن الله سيعينه ، وسيمده بتوفيقه ، وتأييده - عز وجل - ؛ لأن الله وعد كل من طلب الحسنى أن ييسّر له ذلك ، وأن يسهّل له ذلك ، ومن طلب مرضات الله ؛ فإنه لا يزال له معينا وظهيرا من الله - تعالى - ، ومن صدق مع الله؛ صدق الله معه ، فاخرج إلى مسجد نبيّك - صلى الله عليه وسلم - ، واقصد وجه الله ، والتمس مرضات الله - تعالى - ، واصدق مع الله ؛ فإن الله يصدقك .
خذ بالأسباب التي تعينك على الخشوع ، ما الذي جعلك تخشع في مسجدك ولا تخشع في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟! أليس ربك الذي تعبده هنا هو الذي تعبده هناك وتعبده في كل مكان ؟! إذا فالمسألة قد يكون فيها شيء نفسي ، وما عليك من الناس ، وما عليك من المقبل والمدبر، والذاهب والآتي ، ليس عليك إذا سكنت خشية الله في قلبك ، وامتلأ قلبك بتعظيم الله - تعالى - ، من عظم الله ؛ احتقر ما سواه ، ومن كان مع الله ؛ كان الله - تعالى - معه ، فأخلص لله - عز وجل- فإن الله يعينك ، ويسددك ، ويوفقك ، ستجد الإخلاص في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وستجد الخشوع في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل وأتم وأبرك من غيره . ونسأل الله أن يعينك على ذلك والله تعالى أعلم .
[أبقى لخدمةِ والدَيَّ أم أعتكف؟!]
السّؤال:
فضيلة الشيخ : لي والدان قد يحتاجان إلي ، أو قد يحتاج أحدهم إلي أن أكون معهم مما يجعلني مترددا هل أعتكف أو أترك الاعتكاف ؛ علما بأنني أنوي الاعتكاف في المسجد الحرام وإذا لم يتيسر فإنني سأعتكف في المسجد النبوي ، أفتوني مأجورين وجزاكم الله كل خير ؟
الجواب:
أخي في الله ، أوصيك أن تبر والديك ، وأن تقدم بر والديك على الاعتكاف ، وعلى سائر النوافل ؛ لأن الله وصّاك من فوق سبع سماوات بوالديك خيرا ، وأمرك سبحانه أن تحسن إلى والديك .
وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أن برّ الوالدين من أحبّ الأعمال إلى الله -عز وجل - ، وذلك بعد حقّه ؛ ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - أنه قال : (( سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله - تعالى - ؟ قال : الصلاة على وقتها . قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين . قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله )) .
فالزم رجل والدتك ، والزم رجل والديك ؛ فإن الجنة ثَمّ . قال : (( يا رسول الله ، أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد وتركت أبوايَ يبكيان ؟ قال : أتريد الجنة ؟ قال : نعم . قال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ، وأحسن إليهما ولك الجنة )) .
وفي الحديث الآخر : ((ترك أمه تبكي، فقال : ارجع إليها فالزم رجلها ، فإن الجنة ثَمّ )) أي هناك .
فأوصيك بوالديك خيرا ، والله فرض عليك برّ الوالدين ، ولم يفرض عليك الاعتكاف ، واعلم أنك لم توفق في اعتكافك ، ولا في أي طاعة من القربات النافلة إلا بعد أداء حق الله في الفرائض ، فالتمس رضا والديك ، واتق الله - تعالى - في والديك ، خاصة بعد كِبَرهما ، وضعفهما ، وشدة حاجتهما إليك ، فارحم ذلك الضعف ، لعل الله أن يرحمك في الدنيا والآخرة ، وأحسن إليهما لعل الله أن يحسن إليك في الدنيا والآخرة .
فأوصيك أن تبدأ بوالديك ، ولو علمت أن والديك يأذنان لك ولكن مجاملة لك ، وفي الحقيقة يحتاجان إليك فقدّم برهما ، ولو أذن لك الوالدان ، وتعلم أنّك لو جلست معهما تصيب فضائل من برّهما ، وصلة الرحم فيهما ؛ فإنك تقدّم ما عندهما من الفضائل التي هي مقدمة على الاعتكاف أصلا ؛ ولهذا أقول لك : الزم والديك ، وبر والديك ، واعلم أنهما أمانة في عنقك .
فبر الوالدين أمانة ، وبالأخص برّ الوالدة ، وبالأخص في الأحوال الشديدة ، عند المرض وكبر السِّن ، انظر كيف يوصي الله عباده ، ويذكّرهم بالوالدين ، فيختار حالة الضعف : { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }رب ارحم والدين كما ربونا صغارا ، فأحسن إلى والديك ، وقدم برّهما على النوافل .والله تعالى أعلم .
[حول اعتكاف المرأة]
السؤال:
فضيلة الشيخ : إذا أرادت المرأة الاعتكاف هل يشترط إذن زوجها لها، وجزاكم الله خيرا؟
الجواب:
هذا من الشروط الخاصة ، والاعتكاف على صورتين :
الصورة الأولى : إذا كان من المرأة إما أن يكون نافلة ؛ فيجب عليها أن تستأذن زوجها ، ففي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( إذا استأذنت امرأة أحدكم المسجد فليأذن لها )) .
وهذا يدل على أن المرأة لا تخرج إلا بإذن زوجها ، وإذا ثبت هذا فإن له الحق أن يمنعها ، وأن يأمرها أن تلزم البيت إذا كان عندها أطفال ، أو هو محتاج إليها ، أو يخاف ا لفتنة إذا غابت عنه أو نحو ذلك ، مما يرى أن الأفضل فيه أن تبقى ، وعلى المرأة أن تعلم أنها لو أرادت الاعتكاف ومنعها زوجها أنه يكتب لها الأجر كاملا ؛ لأنه حبسها العذرُ الشرعي.
أما إذا كان الاعتكاف واجباً على المرأة: كأن يكون نذراً ؛ فإنه لا يجب استئذان الزوج، وتعتكف بدون إذنه كما هو الأصل المقرر في التفريق بين الواجبات وغير الواجبات في مسائل الإذن.
[حجز الأماكن وبيعها في الحرم]
السؤال:
ما هو حكم حجز الأماكن وبيعها ؟
الجواب:
حجز الأماكن نقول : الأصل أن المسلم يتقدم ببدنه لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ».
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام «تقدموا وأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم من خلفكم »فالأصل أن المسلم يتقدم بنفسه لكن إذا احتاج أن يحجز كما لو تقدم ثم احتاج إلى الخروج لحاجة كقضاء حاجة أو سبقه الحدث ونحو ذلك وسيعود قريباً فإن هذا جائز ولا بأس به وكذلك أيضاً لو أنه تأخر في نفس المسجد لحاجة كأن يقول : أخشع له ونحو ذلك فهذا لا بأس أن يحجز، لكن يلاحظ اتصال الصفوف بحيث يعود إلى مكانه قبل أن يجتمع الناس لئلا يؤدي ذلك إلى تخطي رقاب الناس وإيذائهم وأما بيع هذه الأماكن فهذا نقول : بأنه محرم ولا يجوز لأن مثل هذه الأشياء ما شرعت إلا لوجه الله عز وجل لم تشرع من أجل العوض المادي وعرض الدنيا فهذا محرم لحديث عثمان بن أبي العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«واتخذ مؤذناً لا يأخذ على آذانه أجراً » .
[إدخال الأطعمة الممنوعة إلى الحرم خفيةً]
السؤال:
يوجد بعض الأطعمة ممنوع دخولها من الرئاسة ، فما حكم إدخالها دون علمهم؟
الجواب:
منع بعض الأطعمة من قبل رئاسة الحرمين ، إنما منعت لمصلحة ، وإذا كان كذلك ، فالواجب التقيد بهذا النظام ؛ لأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ، ويستغنى المعتكف بالأطعمة التي سُمح له أن يدخلها .وخاصة أن العلماء ذكروا أن المعتكف ينبغي له أن يتقلل من الطعام ، وأن يتقلل من النوم حتى ذكروا أنه يستحب له أن ينام متربعاً ؛ لأن الحكمة من الاعتكاف : جمع القلب على الله عز وجل والإقبال عليه وترك الاشتغال بالناس وما يتعلق بأمور الدنيا ولذاتها.
[الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية]
السؤال:
ما حكم الاعتكاف في المصليات والمراكز الإسلامية والساحات غير المسورة والزيادات غير الملحقة لغير الصلاة كالمكتبة ومقر التحفيظ والتوعية ونحوها؟
الجواب:
المشروع أن يعتكف في المسجد وكل ما كان تابعاً للمسجد كالمكتبة ، حتى ذكر العلماء المنارة التي بابها إلى المسجد لا بأس أن يصعدها المعتكف ، وكذلك رحبة المسجد إذا كانت محوطة فإنه لا بأس أن يخرج إليها وأما إذا كانت غير محوطة فإن المعتكف لا يخرج إليها ، وكذلك مصلى النساء الملاصقة للمسجد ومقر التوعية والتحفيظ .
[الخروج اليومي من المعتكف لدوام أو دراسة]
السؤال:
ما حكم الخروج المستغرق لأكثر وقت الاعتكاف مما لا بد منه : كالدوام والدراسة كما في الخارج ؟
الجواب:
الخروج للدوام هذا خروج لأمر ينافي الاعتكاف، والخروج لأمر ينافي الاعتكاف من تحصيل أمور الدنيا ونحو ذلك : هذا لا يصح حتى لو كان بالشروط ويكون مبطلاً للاعتكاف .
[الخروج لغسل الملابس]
السؤال:
ما حكم الخروج لغسل الملابس في المغسلة ؟
الجواب:
الخروج لغسل الملابس في المغسلة هذا خروج لأمر مباح لحاجة الإنسان ، فإذا احتاج أن يخرج لمثل هذا العمل فإن هذا جائز ولا بأس به كحاجته لشراء الطعام ، وبيت الخلاء ونحو ذلك ، وقد ذكرنا في كتابنا : فقه الاعتكاف ما يتعلق بالخروج وأقسام الخروج ، فيرجع إلى ذلك .
[اجتماع المعتكفين للطعام ودعوة بعضهم بعضاً]
السؤال:
ما حكم الاجتماع للفطور والعشاء كل ليلة بين المعتكفين ، وهل يجب أن تلبى الدعوة في هذه الحال؟
الجواب:
الاجتماع للفطور والعشاء كل ليلة بين المعتكفين : جائز لأن هذا الاجتماع من قبيل العادات والأصل في ذلك الحِلُّ.
وأما هل تلبى الدعوة في هذه الحال ؟ نقول : نعم إذا دعاك أخوك فالمشروع لك أن تلبي دعوته كما تقدم .
[دعوة المعتكف إلى طعامٍ في منزل أحدهم]
السؤال:
إذا دُعي المعتكف للإفطار عند بعض الأشخاص في منزله ، هل يذهب إليه ، وإذا ذهب ثم عاد هل ينوي إكمال اعتكافه أو أنه ينوي اعتكافاً جديداً ؟
الجواب:
الخروج للمعتكف كما تقدم أنه لا يخرج إلا مالا بد له منه؛ فالطعام والشراب هذا لا بد منه فإذا لم يكن عنده أحد يأتيه بالطعام والشراب في مكان اعتكافه ، فإنه لا بأس أن يخرج إلى بيته ، لكن إذا كان البيت الذي دُعي إليه أقرب من بيته وليس هناك أحد يأتيه بالطعام والشراب ، فإنه إذا دعي إلى هناك فلا بأس أن يذهب .
[اعتكاف جماعي منظّم]
السؤال:
يوجد بعض حلقات التحفيظ تجتمع في مسجد واحد للاعتكاف، ويكون ذهابهم وإيابهم وأكلهم ونومهم واحدا ، فهل هذا اعتكاف صحيح ؟
الجواب:
نعم هذا اعتكاف صحيح وسبق أن أجبنا على شيء من ذلك .
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الاعتكاف
اللجنة العلمية
آداب الاعتكاف
وهذه جملةٌ من الآداب يحسن بالمعتكفين مراعاتُها، والأخذُ بها؛ ليكون اعتكافُهم كاملاً مقبولاً بإذن الله:
أولاً: استحضارُ النيَّةِ الصالحةِ، واحتسابُ الأجر على الله_عز وجل_.
ثانياً: استشعارُ الحكمةِ من الاعتكاف، وهي الانقطاع للعبادة، وجَمْعِيَّةُ القلب على الله _عز وجل_.
ثالثاً: ألا يخرج المعتكفُ إلاَّ لحاجته التي لا بد منها.
رابعاً: المحافظةُ على أعمال اليوم والليلة من سنن وأذكار مطلقة ومقيَّدة، كالسنن الرواتب، وسنَّة الضحى، وصلاة القيام، وسنَّة الوضوء، وأذكار طرفي النهار، وأذكار أدبار الصلوات، وإجابة المؤذن، ونحو ذلك من الأمور التي يحسن بالمعتكف ألا يفوته شيء منها.
خامساً: الحرصُ على الاستِيقاظ من النوم قبل الصلاة بوقتٍ كاف، سواء كانت فريضة، أو قياماً؛ لأجل أن يتهيأ المعتكف للصلاة، ويأتِيَها بسكينة ووقار، وخشوع.
سادساً: الإكثار من النوافل عموماً، والانتقالُ من نوع إلى نوع آخر من العبادة؛ لأجل ألا يدبَّ الفتور والملل إلى المعتكف؛ فَيُمْضِيَ وقته بالصلاة تارة، وبقراءة القرآن تارة، وبالتسبيح تارة، وبالتهليل تارة، وبالتحميد تارة، وبالتكبير تارة، وبالدعاء تارة، وبالاستغفار تارة، وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تارة ،وبـ: لا حول ولا قوة إلا بالله تارة، وبالتدبُّر تارة، وبالتفكُّر تارة، وهكذا....
سابعاً: اصطحاب بعض كتب أهل العلم، وخصوصاً التفسير؛ حتى يستعانَ به على تدبُّر القرآن.
ثامناً: الإقلال من الطعام، والكلام، والمنام؛ فذلك أدعى لرقَّة القلب، وخشوع النفس، وحفظ الوقت، والبعد عن الإثم.
تاسعاً: الحرص على الطهارة طيلة وقت الاعتكاف.
عاشراً: يحسن بالمعتكفين أن يتواصوا بالحق، وبالصبر، وبالنصيحة، والتذكير، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، والإيقاظ من النوم، وأن يَقْبَل بعضُهم من بعض.
وبالجملة فليحرص المعتكف على تطبيق السنَّة، والحرص على كل قربة، والبعد عن كل ما يفسد اعتكافه، أو ينقص ثوابه.
ملحوظات حول الاعتكاف:
أولاً: كثرةُ الزياراتِ وإطالتُها من قبل بعض الناس لبعض المعتكفين، وينتجُ عن ذلك كثرةُ حديثٍ، وإضاعةُ أوقات.
ثانياً: كثرةُ الاتِّصالات والمراسلات عبرَ الجوال بلا حاجة.
ثالثاً: المبالغةُ في إحضار الأطعمة؛ وذلك يفضي إلى ثِقَلِ العبادة، وإيذاءِ المصلين برائحة الطعام؛ فالأولى للمعتكف أن يقتصد في ذلك.
رابعاً: كثرةُ النومِ، والتثاقلُ عند الإيقاظ، والإساءةُ لمن يوقِظُ من قبل بعض المعتكفين، بدلاً من شكره، والدعاء له.
خامساً: إضاعةُ الفرصِ؛ فبعضُ المعتكفين لا يبالي بما يفوته من الخير، فتراه لا يتحرى أوقات إجابة الدعَاء، ولا يحرص على اغتنام الأوقات، بل ربما فاته
بسبب النوم أو التكاسل بعضُ الركعاتِ أو الصلوات.
سادساً: أن بعض الناس يشجع أولاده الصغار على الاعتكاف، وهذا أمرٌ حسن، ولكنْ قد يكون الأولادُ غيرَ متأدبين بأدب الاعتكاف، فيحصل منهم أذية، وإزعاج، وجلبةٌ وكثرةُ مزاح وكلام، وخروج من المسجد، ونحو ذلك.
فإذا كان الأمر كذلك فبيوتهم أولى لهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم...
للاعتكاف آداب يستحب للمعتكف أن يأخذ بها حتى يكون اعتكافه مقبولاً وكلما حافظ عليها المعتكف كان له الأجر الجزيل من رب العالمين وكلما أخل بهذه الآداب نقص أجره. ومن آداب الاعتكاف ما ذكره ابن قدامة في المغني :
يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وبذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة، ويجتنب مالا يعنيه من الأقوال والفعال، ولا يُكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه وفي الحديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ويجتنب الجدال والمراء والسَّباب والفُحش، فإن ذلك مكروهٌ في غير الاعتكاف، ففيه أولى، ولا يبطل الاعتكافُ بشيءٍ من ذلك، ولا بأس بالكلام لحاجةِ ومحادثةِ غيره: روى الشيخان أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان ، فتحدثت عنده ساعة ، ثم قامت تنقلب ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها ، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ، مر رجلان من الأنصار ، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : ( على رسلكما ، إنما هي صفية بنت حيي ) ، فقالا : سبحان الله يا رسول الله ! وكبُرَ عليهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ) وفي لفظ : ( يجري من الإنسان مجرى الدم ) ، ( وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً ) وفي لفظ : ( شراً ) .
قال الحافظ
وفي الحديث فوائد :
جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلوة المعتكف وزيارة المرأة للمعتكف .
وروى عبد الرزاق عن علي قال : من اعتكف فلا يرفث في الحديث ولا يساب ويشهد الجمعة والجنازة وليوص أهله إذا كانت له حاجة ، وهو قائم ولا يجلس عندهم .
وأما إقراء القرآن وتدريس العلم ودرسه ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث فقد اُختلف فيه:
فعند الإمام أحمد أنه لا يستحب ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فلم ينقل عنه الاشتغال بغير العبادات المختصة به .
قال المروزي : قلت لأبي عبد الله إن رجلاً يُقرئ في المسجد وهو يريد أن يعتكف ولعله أن يختم في كل يوم فقال: إذا فعل هذا كان لنفسه، وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره يقرئ أحب إليَّ .
وذهب الشافعي كما في المغني : إلى استحبابه لأنه أفضل العبادات ونفعه يتعدى .
والقول ما ذهب إليه الإمام أحمد وهو الأفضل والله أعلم .
ملحوظة (1) : بعض الناس يعدون الاعتكاف فرصة خلوة ببعض أصحابهم وأحبابهم، وتجاذب أطراف الحديث معهم ، وليس هذا بجيد .
حقا أنه لا حرج في أن يعتكف جماعة معا في مسجد ، فقد اعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه ، حتى لقد كانت إحداهن معتكفة معه ، وهي مستحاضة ترى الدم وهي في المسجد رواه البخاري ( 303 ، 304 ) ، فلا حرج أن يعتكف الشخص مع صاحبه أو قريبه ، ولكن الحرج في أن يكون الاعتكاف فرصة لسمر والسهر ، والقيل و القال ، وما شابه ذلك . ولذلك قال الإمام ابن القيم بعدما أشار إلى ما يفعله بعض الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عِشْرة ، ومجلبة للزائرين ، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم ، قال : ( فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون ) زاد المعاد
ملحوظة (2) : بعض الناس يترك عمله ، ووظيفته وواجبه المكلف به ، كي يعتكف ، وهذا تصرف غير سليم ؛ إذ ليس من العدل أن يترك المرء واجبا ليؤدي سنة ؛ فيجب على من ترك عمله المكلّف به واعتكف ، أن يقطع الاعتكاف ، ويعود إلى عمله لكي يكون كسبه حلالا ، وأمّا إذا استطاع أن يجعل الاعتكاف في إجازة من عمله أو رخصة من صاحب العمل فهذا خير عظيم.
أهداف الاعتكاف وثمراتُه
لقد حرص رسول هذه الأمة على هذه العبادة تاركاً لمن ينتهجون نهجه درساً عظيماً في أهمية الانقطاع إلى الله ـ تعالى ـ والتحرر من الشواغل والمسؤوليات كائناً من كان صاحبها في الدعوة والعلم والتربية والجهاد فضلاً عن أمور الدنيا.
إننا يمكن أن ننظر إلى هذه العبادة لتحقيق أمور هامة لعل منها ما يلي:
1- استدراك كل نقص، وتعويض كل تقصير يحصل للمرء في علاقته بالله ـ تعالى ـ من جراء كثرة الانشغالات الدعوية والعلمية ونحوها، أو من باب أوْلى: المشاغل الناتجة عن العلائق الدنيوية كالزوجة والأبناء والوظيفة.
2- زيادة الصلة الإيمانية بالله، وفتح المزيد من الأبواب التعبدية التي تزكي النفس وتؤهلها لمواجهة الفتن واستنقاذ الآخرين منها بإذن الله.
3- الاعتكاف فرصة عظيمة لطلبة العلم الذين اشتغلوا بالتحصيل والتعليم عن كثير من التطبيق والعمل، ولا سيما أن العقلاء يرفضون أن يعلِّم الناس امرؤ ما فيه نجاتهم ثم ينصرف هو عن ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها»(3).
4- الاعتكاف موسم عظيم للدعاة والمربين؛ أولاً: لسد النقص الذي اعتراهم لانشغالهم بالخلق. وثانياً: لاستغلال الفرصة للرقي بالمستوى الإيماني والتعبدي عند المدعوين والمتربين. إنه من الوضوح بمكان وجود حالة ضعف عامة في همم الصالحين فيما يتعلق بالجوانب التعبدية والسلوكية مقارنة بما يراد منها لإصلاح المجتمع والارتقاء به إلى مشابهة مجتمع السلف الصالح؛ ولذلك فإننا بحاجة لانتهاز موسم رمضان عموماً وعبادة الاعتكاف خصوصاً لتحسين الصورة العامة من خلال مخاطبة الأفراد.
5- وهو فرصة عظيمة لاختبار الإخلاص المحض لله ـ تعالى ـ في كل الأعمال والحركات والسكنات، وهذه النقطة أكبر من أن ينظر إليها من زاوية فردية؛ فالإخلاص هو مدار قبول جميع الأعمال الموافقة للشريعة ومنها كل ما يتعلق بالدعوة والتربية والتعليم. وإنه لمن الخسران العظيم أن تنفق وتبذل الأموال وتبذل الجهود ثم يكون المانع من تحقيق الأهداف المطلوبة شرعاً دخل في إخلاص العاملين؛ والإخلاص على خطر عظيم في أوساط الجماعة الواحدة كما هو معلوم.
6- الاعتكاف فرصة للخلوة الفكرية التي يستطيع بها الداعية أن يحكم على مساره ويقيم إنجازاته: هل ما زال يسير وفق الخطوة المرسومة إلى الهدف المحدد، أم مال عنه؟ وما نسبة الميل؟ وهل تراه يحتاج إلى تعديل المسار أم مراجعة الهدف وإعادة صياغته؟ إن فترة الخلوة الروحية في الاعتكاف عظيمة لتحقيق الخلوة الفكرية؛ إذ تكون النفس أقرب إلى التجرد من حظوظ النفس وأوْلى بمحاكاة المثالية التي تلفظ العادة الدارجة، ولكونها محطة توقف عن العمل يسهل استئنافه بعدها وفق الشكل الجديد الأسلم.
7- وهو فرصة عظيمة لتجاوز إشكالية شديدة الحساسية وهي مشكلة قولبة المتربي في حدود إطار المربَّى، وهذا أمر على عظيم مرارته حقيقة خطيرة واضحة في كون بعض المحاضن التربوية تقوم بتخريج أفراد كأنهم نسخ طبق الأصل من شخصيات القائمين على المحاضن، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان يربي قادة لا عبيداً، ثم من تراه الذي يذكر أولئك المربين الذين خرَّجوا للأمة أصحاب المذاهب وأصحاب التفسير وأئمة الحديث والتاريخ والجهاد وغيرهم. إن الاعتكاف فرصة للبدء في توجيه المتربي لينطلق بلا قيد في أبواب العبادات وصقل الشخصية وتوجيه الاهتمامات وجدية نمطية التفكير وشق طريق بناء الاستقلال المنضبط، وحسبنا في هذه العجالة لفت النظر للمسألة.
ينبغي أن نشير إلى أن الاعتكاف المطلوب لتحقيق ما سبق وغيره ليس الاعتكاف الذي يجعل المساجد مهاجع للنائمين، وعناوين للمتزاورين، وموائد للآكلين، وحلقات للتعارف وفضول الكلام.
إن الاعتكاف المطلوب هو ذلك الذي ينقل المرء إلى مشابهة حياة السلف الصالح في كل همسة ولفتة. نعم إنه الاعتكاف الذي تسيل فيه دموع الخاشعين المتدبرين، وترفع فيه أكف الضارعين المتبتلين، ويسعى فيه صاحبه جاهداً لئلا تضيع من ثواني هذه الأيام لحظة واحدة في غير طاعة؛ إنه الاعتكاف الذي يحقق مفهوم التربية الذاتية لمشابهة المحسنين يستغله المرء ليصل إلى مرتبة عالية، فيكون لسانه رطباً من ذكر الله تعالى، ويستعرض كتاب الله تلاوة وتأملاً وتفسيراً، ويصل إلى المراتب العليا في المحافظة على الصلاة تبكيراً وخشوعاً، ويألف مكابدة قيام الليل تلذذاً وخشية، إنه الاعتكاف الذي يحرر المرء من كثير من سوالب السمت والحكمة من فضول كلام، وكثرة هزل، وزيادة خلطة من أعظم مفاسدها أنها تقصر همة المرء عند همة أصحابه؛ إنه الاعتكاف الذي يربي النفس على التقلل والتزهد في أصناف المطعومات والمشروبات؛ فيوجب رقة القلب، وانكسار النفس، والتحرر من قيود الهوى والدعة والكسل.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «إذا طلع نجم الهمة في ليل البطالة، وردفه قمر العزيمة، أشرقت أرض القلب بنور ربها»(4).
فلنجعل الاعتكاف فرصة للنقلة الإيجابية المطلوبة على أن نحذر طلب الكمالات المحضة التي تسبب انتكاسة في الهمة وانصرافاً عن الخير كلية. نسأل الله ـ عز وجل ـ أن يوفقنا لطاعته، ويعيننا على أدائها بالشكل الأصوب، ويتقبلها منا برحمته وفضله.
ومن أهداف الاعتكاف كذلك: أنّه يوفّر بيئةً طيّبة، تُعين المرء على السير في طريق الالتزام، ومن المعلوم أن البيئة لها تأثير كبير على الشخص، فتؤثر في أفكاره وعاداته وسلوكه، بل وتكون أحيانا قاطعاً له عن الله تعالى، ولهذا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التوبة:119]، ولهذا هاجر أهل الكهف من بيئتهم طلبا لبيئة يستطيعون فيها عبادة الله تعالى، وكذلك كانت هجرة الحبشة، وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، والإنسان في خضم الحياة يختلط بصاحب القلب السليم والقلب المريض وأحيانا بالقلب الميت، فيتأثر بهذا، ومن هنا كان الاعتكاف مخرجا للإنسان من بيئته ليعالج قلبه ونفسه من الأدران التي علقت بها، ولتعود لنفسه صحتها وعافيتها، ويشير لهذه حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً. إذن، فعكوف المرء مدّةً من الزمن في المسجد، مع أناس فرّغوا أنفسهم لعبادة الله وذكره، يُهيِّئ بيئةً طيّبةً لإحداث التغيير المطلوب.
ومن ثمرات الاعتكاف:
1- تربية النفس على الإخلاص لله تعالى وهجر الرياء.
2- تعويد النفس على المحاسبة والمراقبة، فهو بالاعتكاف يحاسب نفسه على ما فرطت ويعيد مراجعة أعماله في عامه المنصرم، ويذكرها بالله تعالى، ويجدد العزم على المتابعة.
3- تربية النفس على الذكر والقرآن والتسبيح والتهليل، لكي يجعل لنفسه وردا منها فيما بعد.
4- تعويد النفس على ترك القواطع والشواغل عن الله، من الدنيا والرفاق والأعمال وغير ذلك، حتى تتربى وتتعود على مفارقتها.
5- ترك كثير من العادات السيئة كالتدخين والسهر على القنوات والتوسع في المأكل والمشرب.
6- تعويد النفس على الصبر وتحمل الطاعات.
7- التدريب على اغتنام الوقت واستثماره وعلى تنظيم الحياة.
8- الخروج من ضوضاء الدنيا واسترخاء الجسم والنفس لتعود أنشط لدينها ودنياها.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الاعتكاف
اللجنة العلمية
17 خطوة لاعتكاف ناجح!
هذه حقاً 17 خطوةً لاعتكافٍ ناجح، سطرها الأخ أبو الخير، تتضمن توجيهاتٍ وتذكيراتٍ مهمة جداً:
1. اشحن نفسك قبل الاعتكاف بأيام .. استعد له جيدا .. استمع إلى أشرطة تزيد في إيمانك وترفع همتك .. تفقه في أحكامه .. اقض كل أعمالك قبله بوقت كاف .. حتى تحضر إليه وتدخل للمعتكف وأنت صافي الذهن ليس في خلدك إلا الإقبال على عبادة ربك والخلوة والتضرع إلى الله ومناجاته.
ولاتكن مثل من حمل معه إلى المعتكف شيئا من أعمال الدنيا لينهيها أو يتابعها هناك!
أو مثل بعض المخذولين ممن يدخل للمعتكف ولازال لم ينته من أعمال العيد بعد ، حتى إذا قربت نهاية الاعتكاف وبقيت الليالي الآكد لتحري لليلة القدر خرج ليفصل ثوب العيد !
2. قبل أن تدخل الاعتكاف حدد هدفك ، هناك أهداف عامة للمعتكفين كالتفرغ للعبادة والخلوة وتربية النفس على العبادة والازدياد من الأجور وغير ذلك .
وهناك أهداف خاصة ينبغي أن تكون في ذهن المعتكف حاضرة من أول رمضان بل قبل ذلك إن تيسر ..
ومن ذلك أن يحدد الإنسان ذنوبا يعاني منها ومبتلى بها ليتضرع إلى الله في طلب التخلص منها ، وليضع خطوات عملية في تركها .
وكذلك أي يكون للإنسان هدف في المراجعة أو الحفظ أو انجاز عمل معين ، على أن لا يصرف ذلك عن المقصود الأسمى من الاعتكاف وهو التفرغ والخلوة والتضرع والانكسار بين يدي الله عز وجل .
3. لا تدخل الاعتكاف وتخرج منه ولم يتغير عندك شيء فإن كنت كذلك فهذا هو الخسران المبين ، إذ لابد من زيادة في الإيمان وإخبات وحسن خلق وتوبة وإنابة .
4. كل ساعة من ساعات اليوم بل كل دقيقة محسوبة لك أو عليك ، وذاهبة فإما في خير تملأها فيه وإما سبهللا.
5. اهتم بنظر الخالق إليك ، ولا تهتم أبدا بنظر الخلق إليك ، فلو نظرت إلى الخلق وجعلتهم في حسبانك تعبت ولم تستطع إرضائهم أبدا .
وإن جعلت نظرك خالصا للخلق سبحانه ، رضي الله عنك وأرضى عنك الناس !
6. كن مخبتا متخشعا متذللا ، اهتم بنفسك ، بعبادتك وصلاتك فحسنها وأصلحها، بعيوبك فعالجها وانشغل بها عن عيوب الناس ، ولا تنشغل بعيوب الناس عن عيوبك.
7. لا تكثر النظر هنا وهناك في الغادي والرائح وتقول لو أن فلانا فعل كذا أو لو أن فلانا ترك كذا ، بل حسبك نفسك وليسعك معتكفك وابك على خطيئتك ، إلا إذا رأيت مخالفة أو شيئا تريد التنبيه عليه أو كنت مربيا أو إماما فبادر .. والضابط : كل شيء يقربك من ربك فافعله .
8. كل خصلة من خصال الخير تقدر عليها ولا محذور فيها ينافي الاعتكاف فافعلها.
• إحضارك للمساويك من البداية ليطبق الآخرون السنة في السواك عن طريقك خير عظيم
• جلبك للتمر لتفطر الصائمين فيه يوميا خير عظيم .
• إيقاظك للآخرين وحرصك عليهم بما لا يشوش عليك وعليهم خير عظيم .
• طرحك للفوائد العلمية أو الإيمانية في أثناء وجبات الطعام خير عظيم .
• حرصك على الذكر آناء الليل وآناء النهار وفي كل وقت خير عظيم .
• كلمة تقولها لأحد إخوانك ـ لا تطيل فيها ـ وترفع فيها همته خير عظيم .
9. في الاعتكاف ينبغي أن تحرص على أن لا تتحدث في أمور الدنيا أبدا ، ولذا اجتنب محادثة الناس قدر الإمكان .. انصرف بعد الصلاة مباشرة إلى معتكفك ، لا تعط الآخرين فرصة لأن يضيعوا وقتك فيما لا فائدة منه .
10. أوقات ضائعة ، ودقائق ثمينة ، قد تفوت على بعض المعتكفين وهو لا يشعر .. تلك هي أوقات الانتقال من مكان إلى مكان في المسجد أو وقت الإفطار ..أو وقت الذهاب لدورات المياه والرجوع منها .. هذه الأوقات ومثلها معها..لا تفوت عليك بل استغل كل ثانية بالذكر والاستغفار.
11. ليكن شعارك في الاعتكاف ـ خاصة في الأوقات التي تجتمع فيها مع إخوانك ـ ( قل خيرا أو اصمت ) .. إن لم تجد خيرا تقوله فالصمت أولى بل ربما يكون أحيانا أولى وأفضل من بعض الخير ، وفيه تربية للنفس لا تخفى ، احرص على أن تكون صامتا طوال اليوم إلا من ذكر الله وما والاه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بكلام لو عده العاد لأحصاه ، هذا في أيامه العادية فكيف في الاعتكاف ؟
12. الاعتكاف فرصة للنفس للتقلل من الطعام ، بل هو فرصة للتعود على الزهد .. ما رأيك لو جعلت لنفسك يوما أو يومان أو ثلاثة لا تأكل فيها شيئا مما مسته النار ، بل هما الأسودان ، التمر والماء ؟
إنك لو عزمت على نفسك وحزمت أمرك لاستطعت ذلك طوال العشر ، ولم لا، فقدوتك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم (كان يمر عليه الهلال تلو الهلال تلو الهلال ، ثلاثة أهلة في شهرين ولا يوقد في أبياته صلى الله عليه وسلم نار .. ما طعامكم قالت : الأسودان التمر والماء )
إن في التقليل من الطعام .. ترقيق للقلب ، وإغزار للدمعة ، ونشاط في العبادة ، وخفة في النوم ، ومن جرب عرف .
13. اتخذ لنفسك في المسجد مكانا قصيا .. واجعل له مكانة وحرمة عند الآخرين ، كيلا يدخلوا عليك في أي وقت فيفسدوا عليك عبادتك وخلوتك بربك .
14. نوع في العبادة ، لا تمنع نفسك من أي عبادة ترغبها ، والوقت يناسبها ، ولا تجبر نفسك على الانتقال من عبادة أنت فيها إلى عبادة أخرى لم تقبل النفس عليها بعد .
إذا كنت تقرأ القرآن مثلا وحضرت لديك فترة تدبر وتفكر .. فتوقف عن القراءة وعش في أرجاء ما تتفكر فيه .. إن كنت تقرأ عن الجنة فعش في نعيمها وتقلب فيه ، واطعم من ثمارها وانقل نفسك في جميع أوصافها التي ذكرها الله أو ذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم تأمل كثيرا ما الذي يوصلك إليها .
وإن كنت تقرأ عن النار .. فتوقف كذلك .. وعش في عذاب النار ومثل نفسك يقلب وجهك فيها وتسحب على وجهك وتجر من قدمك وتأكل من زقومها وتشرب من حميمها ، وترجو الخروج منها أو التخفيف ولو يوما واحدا ، ثم تأمل ما الذي ينجيك منها .
عش بين الرجاء والخوف .
أو إن كنت تقرأ في الحساب العسير وعن ظهور الذنوب التي لم تحتسب وعن شهادة الأعضاء فعش معها كذلك .. وتذكر ذنوبك واحدا واحدا ـ إن استطعت أن تعدها ـ
ثم اعزم على التوبة ولا تتردد !!
وأيم الله ، لو ذهبت ليلتك كلها في مثل هذا لم يكن كثيرا !! بل هو خير ـ وربي ـ من قراءة القرآن هذا كهذ الشعر ،لا نقف عند شيء منه ولا يتحرك شيء منا .. ولا يزداد إيماننا .
والرسول صلى الله عليه وسلم قد أمضى ليلة كاملة في ترداد قوله تعالى ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )
وأبو حنيفة رحمه الله أمضى ليلة كاملة في قراءة سورة الزلزلة والتفكر فيها حتى أصبح.
وإن رأيت نفسك مقبلة على الصلاة فأقبل عليها وإن رأيتها مقبلة على الذكر والتفكر فيه فلا تردها ، وهكذا .. اجعلها تتقلب في أعمال الخير .. ومن خير إلى خير .. لكن انتبه لا يذهب وقتك في الهواجيس ، فالهواجيس أصحابها مفاليس كما قال ابن القيم رحمه الله .
15. تعرف على أسرار الاعتكاف ، واكتشف كل يوم سرا جديدا ، فله أسرار عظيمة ، لئن وجدتها لتشعرن بما قاله السلفي قبلك \" إنه ليمر علي أوقات يرقص فيها القلب طربا \"
وأقول \" إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه ،إنهم لفي عيش طيب \"
- تعرف على أكثر على عظمة الله جل وعلا .. وتفكر في آلائه واعرف \" وماقدروا الله حق قدره \"
16. الاعتكاف خلوة .. الاعتكاف انقطاع عن الدنيا .. وعن محادثة الناس ..
ومن هنا ..
لتعلم أن الجوال عدو الاعتكاف الأول ، فهو والله مصيبة من المصائب يوم يصرفك عن طاعة الله ، أو يشغل ذهنك في شيء من زينة الحياة الدنيا .. أو يقطع سياحتك في العالم العلوي .. أو يفسد عليك لذة خلوة ومناجاة لو جمعت الدنيا كلها لتحصل عليها ما استطعت !
وهو والله مصيبة ، ومصيبة أعظم في حق المعتكف ، أن ترى الواحد من الناس قد نشر كتاب الله بين يديه ، يتلوه ويقرأه ،أو رفع يديه متضرعا بين يدي الله سبحانه وقد وضع الجوال بجانبه .. يرد على أي اتصال ويقرأ كل رسالة واردة وصادرة ، ويزعم أنه لا يستطيع الاستغناء عن الجوال .
ولو سألته .. أين أنت قبل عشر سنين أو تزيد يوم لم تكن جوالات ؟
هل تغير شيء ؟
ولذا .. الحل السهل الممتنع عند كثير من الناس هو الإقفال التام ، وعدم فتحه إلا لبر والدين ، أو قضاء ضرورة ملحة .
لكن أين من يستطيع ؟؟
17. في العشر الأواخر من رمضان .. تعظم الأجور وتضاعف الحسنات ، ولذا فمن المهم أن يحرص الإنسان على أن لا تفوته أي سنة يستطيع تطبيقها .
ومن ذلك :
• التبكير إلى الصف الأول .
• التواجد قبل الأذان في الصف ليتحقق انتظار الصلاة .
• احتساب الرباط بين الصلوات .
• الدنو من الإمام .
• الحرص على ميامن الصفوف .
• الحرص على الركعتين بعد كل وضوء .
• البقاء على طهارة ووضوء دائمين .
• الحرص على السواك خصوصا في مواطن الاستحباب كقبل الوضوء وقبل الصلاة وبعد النوم وغير ذلك .
• التبسم للمسلمين ومصافحتهم .
• المساعدة في تنظيف المسجد على أن لا يشغل عن المقصود الأسمى وهو التفرغ والخلوة .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
فضل الاعتكاف
اللجنة العلمية
برنامجٌ متكامل للاعتكاف
برنامج الاعتكاف
(1) الدخول إلى المعتكف مغربَ يوم 20 رمضان؛ فليلة الحادي والعشرين هي أول ليلة من ليالي العشر.
(2) لا تنس نية الاعتكاف، والأجر على قدر النية « إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى »، والنية تجري مجرى الفتوح من الله تعالى، فعلى قدر إخلاصك يفتح الله عليك بالنيات، مثلاً:
* اتّباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم طلبًا لمحبة الله ورسوله.
* التماس ليلة القدر.
* جمع شمل القلب.
* التخلي عن هموم الدنيا ومشاغلها.
* مصاحبة الصالحين والتأسي بهم.
* عمارة المسجد.
* التبتل.
* التخلُّص من العادات وتحقيق معنى العبودية.
هذه أمثلة والفتح يأتي من الله.
(3) أول اعتكافك الإفطار، وتعوَّد منذ يومك الأول تركَ العادات الملازِمة والطقوس التي تصاحب الإفطار، تعوَّد البساطة واجتنب التكلف، تمرات وماء وقد أفطرت.
(4) تعلم في هذا المعتكف ألا تضيع وقتك، فتمرات وكوب من الماء لا تستغرق لحظات، كن يقظًا.
(5) ثم اجلس مكانك في الصف الأول خلف الإمام؛ استعدادًا لصلاة المغرب مع استحضار النيات في المسارعة والمسابقة إلى الصف الأول.
(6) ابدأ المسابقة والمسارعة في المسجد لكل أعمال الخير، وإن استطعت ألا يسبقك أحدٌ إلى الله فافعل.
(7) أحضِرْ قلبك وكلَّ جوارحك ومشاعرك، واحتفظ بكل حضورك العقلي والذهني في صلاة المغرب، هذه أول صلاة في الاعتكاف، وسلِ الله بصدق: التوفيق والإعانة وألا تخرج من هذا المكان إلا وقد رضي ربك عنك رضًا لا سخط بعده، وأن يتوب عليك توبة صدق لا معصية بعدها، وأن يقبل عملك ويوفقك فيه ويرزقك الإخلاص في القول والعمل، وأن يصرف عنك القواطع والصوارف، وأن يرزقك إتمام هذا العمل ولا يحرمك خيره .. ركز في هذه الأدعية وأمثالها، وابتهل إلى ربك وتضرع؛ فإنه لا يرد صادقًا سبحانه.
(8) لا تتعجل وتعلَّم وتعوَّد ذلك، ألا تتعجل الانصراف بعد الصلاة؛ فإنك لن تخرج من المسجد، احتفظ بحرارة الخشوع بعد الصلاة أطولَ فترة ممكنة، أذكار الصلاة ثم الدعاء .. ثم انشغل بذكر الله حتى يأتي وقت الطعام وتُدعَى إليه.
(9) اضبط بطنك في هذا الاعتكاف؛ فإن أخسرَ وقتٍ تفقده هو الذي تقضيه في الحمَّام، فكُلْ ما تيسَّر ببساطة مما تم إعدادُه في المسجد، ولا تأمر ولا توصِ أن يأتيك الطعام من البيت أو من الخارج، « ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ».
تواضع وكل مما تيسر، وتعلم أن ما يسُدُّ الرَّمَق ويقيم الأَوَد يكفي، فلا تأنف أن تأكل كِسرةً من خبز، ولا تتأفف من تصرفات مَنْ حولك أثناء الطعام، أَلْزِم نفسَك الذلَّ لله، وترك التنعم في هذه الرحلة مع الله في الاعتكاف في بيته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن عباد الله ليسوا بالمتنعمين، وكان يكره كثيرًا من الإرفاه"(1).
(10) فترة الأكل لا تتجاوز خمس دقائق أو عشر دقائق على الأكثر، وقم فورًا، ادخل الحمَّام قبل الزحام، جدِّد نشاطك، توضأ، غيِّر ملابسك إن أمكن، خذ مكانك في الصف الأول، صل 6 ركعات بخشوع "صلاة الأوابين" إلى أذان العشاء.
(11) اعلم أن القادمين لصلاة العشاء يختلفون عن المعتكفين، فقلوبٌ مقيمةٌ في المسجد تختلف عن قلوبٍ أتت من الدنيا وهمومها؛ فاحذر المخالطة "اختبئ".
(12) صلاة العشاء والتراويح يجب أن تختلف عند المعتكف عما ذي قبل: حضور القلب .. استشعار اللذة .. حلاوة المناجاة .. لذة الأنس بالله .. صدق الدعاء .. أنت رجلٌ مقيمٌ في بيت الله، لا خروج .. لا اختلاط .. لا معاصي .. كن أفضل.
(13) احرص على كل الخيرات: ترديد الأذان، أو اجعل لك نصيبًا من الأذان، ثم ركعتي السنة فبين كل أذانين صلاةٌ، ثم الدعاء بين الأذان والإقامة والانشغال بالذكر.
(14) إذا انقضت صلاة التراويح أسرع إلى خِبَائك في المعتكف، ودَعْك من السلام على الناس، وكثرة الكلام؛ فإن ذلك يقسي القلب، لابد أيها الحبيب من العزلة الشعورية الحقيقة وأن تجاهد نفسك لكي تَقبل ذلك وتحب ذلك وترضى بذلك.
أسرع إلى خِبائك، ارقد وانشغل بالذكر، وسرعان ما ستنام هذه الساعة، وهي مهمة طبعًا لجسدك في أول الليل، ففيها إعانة على النشاط في التهجد.
(15) هي ساعة، ستون دقيقة تحديدًا إن بارك الله فيها ستكون كافيةً جدًا، استعن بالله، واسأل الله البركة في أوقاتك وأعمالك.
(16) استيقظ وانطلق بسرعة وبنشاط، جدِّد وضوءك، تطيَّب، جمِّل ملابسَك، استعدَّ ببعض الأذكار والأدعية للدخول في الصلاة: صلاة التهجد.
(17) تستمر صلاة التهجد إلى ما قبل الفجر بنصف ساعة، واجتهد في هذه الصلاة أكثر من غيرها، فإنه الثلث الأخير من الليل ساعة التنزل الإلهي، أكثر الدعاء واصدق في اللجوء إلى الله، وجدِّد التوبة، سلِ الله القبول.
(18) السّحور بمنتهى البساطة والسرعة لا يتجاوز 10 دقائق، ثم تجديد الوضوء حتى ولو كنت على وضوء، ثم التفرغ للاستغفار بالأسحار.
(19) سابق إلى مكانك في الصف الأول خلف الإمام، وانشغل بالاستغفار فقط: {وَبِالْأَسْحَا ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (الذاريات: 18)، حاذر: لا يتسامرون .. لا ينامون .. لا يغفلون ..
(20) صلاة الفجر مشهودة، {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء: 78)، كن في أشد حالات الانتباه، وتدبر الآيات وركز في الدعاء.
(21) اجلس في مُصَلاك بعد الصلاة، ولا تلتفت بعد أذكار الصلاة .. أذكار الصباح المأثورة كلها لا تترك منها شيئًا.
(22) اقرأ الآن بعد الانتهاء من أذكار الصباح ثلاثة أجزاء، وهذه القراءة بنية تحصيل الأجر، أما تلاوة التدبر فلها وقتٌ آخر.
(23) صلاة الضحى ثمان ركعات بالتمام والكمال، احرص عليها وقد أديت شكر مفاصلك.
(24) آنَ أوان النوم والراحة، لك أربع ساعات بالتمام والكمال نوم، نَمْ نومًا هنيئًا، ورؤى سعيدة. لا تنس قول معاذ: "إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي"، فاحْتسب تلك الساعات، وأشهِد الله من قلبك أنك لو استطعت ما نمت؛ ولكن هذه النومة لا للغفلة ولكن للتَّقوِّي على الاستمرار.
(25) استيقظ قبل الظهر بفترة كافية لاستعادة النشاط وتجديد الوضوء، وربع ساعة قبل الأذان في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبتركيز شديد.
(26) ردد الأذان، وصلِّ قبل الفريضة أربعًا واستغل باقي الوقت في الدعاء.
(27) صلِّ الفريضة بحضور قلب؛ فللصلاة السرية أسرار في الأنس بالله أكثر من الجهرية.
(28) صلِّ بعد الفريضة أربع ركعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صلى قبل الظهر أربعًا وبعد الظهر أربعًا حرَّم الله لحمه على النار"(2).
(29) تلاوة قرآن، أربعة أجزاء إلى ما قبل أذان العصر بربع ساعة.
(30) ربع ساعة قبل الأذان في قول: الكلمتان الحبيبتان "سبحان الله وبحمد، سبحان الله العظيم" تحببًا وطلبًا لمحبة الله.
(31) صلِّ قبل الفريضة أربعًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا »(3).
(32) اقرأ بعد صلاة العصر ثلاثة أجزاء، وقد تمت لك الآن عشرة أجزاء قراءةً.
(33) قبل المغرب بنصف ساعة أذكار المساء بتركيز ودعاء.
(34) الوقت قبل أذان المغرب في غاية الأهمية، استحضر الدعوة المستجابة للصائم، وأنت في نهاية اليوم وفي غاية التعب من كثرة العمل لله، انكسر وذِلَّ واطلب الأجر، واحتسب التعب، واسأل الله بتضرع أن يقبل منك عملك، ولا تنس الدعاء بظهر الغيب لأهلك وللمسلمين، ولن أعدِمَ منك دعوةً لي بظهر الغيب.
تنبيهاتٌ على بعض أخطاء المعتكفين!
أردنا أن ننقل لكم بعض الأخطاء التي يقع فيها المعتكفون داخل معتكف رمضان، حتى يتجنبها إخواننا المعتكفون هذا العام بمشيئة الله تبارك وتعالى، سائلين الله عز وجل أن يتقبل من الجميع:
من الأخطاء التي ينبغي التنبيه إليها في اعتكاف رمضان ما يلي:
1- أن بعض الناس يجعل الاعتكاف فرصة للقاء الأصدقاء، والاجتماع بهم، والتحدث إليهم، والمسامرة معهم؛ فترى مجموعة من الأصحاب يحرصون على الاعتكاف في مسجد واحد، أو في مكان معين من المسجد لهذا الغرض، وكل ذلك منافٍ لمقصود الاعتكاف، الذي هو الانقطاع عن الناس، والابتعاد عن مشاغل الحياة الدنيا ومفاتنها، والتفرغ لعبادة الله سبحانه، والخلوة به، والأنس بذكره .
2- التوسع في المباحات والإكثار من المآكل والمشارب، والذي ينبغي للمعتكف أن يحرص على التقليل من الطعام والشراب ما أمكن، وأن يقتصر منه على ما يعينه على العبادة، فإن قلة الطعام توجب رقة القلب وانكسار النفس، وتطرد الكسل والخمول، ومن كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة .
3- ومن الأخطاء التي تقع في هذا الموطن جعل الاعتكاف فرصة للمباهاة والتفاخر والتطلع إلى ثناء الناس ومدحهم؛ كقول بعضهم: اعتكفنا في الحرم، أو المسجد الفلاني، أو ما أشبه ذلك طلبًا للمدح والإعجاب، والواجب على العبد أن يخفي عمله، ويخلص قلبه لله في كل ما يُقدم عليه من عمل، ومن ثم يرجو القبول من الله، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وقد قال الله تعالى: { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } (المؤمنون:60)
فمن نوى الاعتكاف لله، فالأمل من الله أن يقبل منه ذلك، ومن اعتكف طلبًا لثناء الناس، فعمله لمن اعتكف لأجلهم.
ومما يعين العبد في هذا الشأن اختيار المسجد الذي لا يعرف فيه أحدًا، ولا يعرفه فيه أحد، ويفضل لمن عقد العزم على الاعتكاف أن لا يُعلم أحدًا بما هو عازم عليه؛ حتى يكون عمله أقرب إلى الإخلاص، وأرجى للقبول .
4- الإكثار من النوم وعدم استغلال الأوقات في المعتكَف؛ فالمعتكف لم يترك بيته وأهله وأولاده لينام في المسجد، وإنما جاء ليتفرغ لعبادة الله وطاعته، فينبغي على المعتكف أن يقلل من ساعات نومه قدر استطاعته، وأن يغير برنامجه الذي اعتاد عليه في أيامه العادية .
5- ومن أخطاء المعتكفين أيضًا كثرة الخروج من معتكفهم لغير حاجة معتبرة؛ كالخروج المتكرر إلى السوق لشراء طعام أو شراب، بينما كان يكفيه لذلك خروج واحد.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن خروج المعتكف من المسجد لغير حاجة يفسد الاعتكاف، فليُتنبَّه لذلك، وليقلل المعتكف من الخروج إلا لحاجة لا بد منها .
6- عدم محافظة بعض المعتكفين على نظافة المسجد وحرمته، فربما ترك بعضهم مخلَّفاتهم من الطعام والشراب دون تنظيف، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن: ( البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ) متفق عليه!
فالذي ينبغي على المعتكف أن يتعاهد ويتعهَّد موضع معتكفه بالتنظيف والترتيب .
7- وقد يحدث من بعض المعتكفين، وخصوصًا بعض المعتكفين في الحرمين، أن لا يصلي صلاة التراويح مع المصلين، وخصوصًا في العشر الأواخر، اكتفاء بصلاة القيام، ومن ثَمَّ يظل يشوش على المصلين بأحاديث لا طائل من ورائها، وفي هذا وقوع في خطأين اثنين:
أ. ترك صلاة التروايح مع الجماعة.
ب. والتشويش على المصلين.
فعلى من يفعل ذلك أن يرعوي عن مثل هذا الفعل، وليأتِ ما هو خير .
8- ومما يُلاحَظ على بعض المعتكفين إظهارهم الجد والعزم والنشاط في أول أيام اعتكافهم، ثم لا يلبثون على هذا الحال إلا قليلاً، وبعدها تفتر همتهم، ويتراخى عزمهم، ويخبت نشاطهم؛ بسبب المخالطة وإلفة المكان.
والذي ينبغي على المعتكف أن يستمر في نشاطه، ويدوم على جده واجتهاده في الطاعة إلى آخر لحظة من اعتكافه؛ تحريًا لليلة القدر التي أخفى الله عنا وقتها تحقيقًا لهذا الغرض .
9- ومن الأخطاء الواقعة في هذا الموطن تفريط وتقصير بعض المعتكفين في حق أهله وأولاده، إذ ربما ترتب على غياب المعتكف عن أهله مفاسد ومشكلات لا تحمد عقباها؛ كتسيب الأبناء وانحرافهم وهو في معتكفه.
وإذا كان الاعتكاف سنة مستحبة، فإن المحافظة على الأهل والأبناء من الواجبات التي لا ينبغي التفريط بها بحال، وليس من المعقول ولا من المقبول أن يضيع الإنسان واجبًا من أجل المحافظة على سُنِّة، ولا شك فإن الجمع بين الأمرين هو المطلوب إن تيسر ذلك، وإلا فالقيام بالواجب هو الأولى وهو المقدَّم .
10- ومن أخطاء بعض الإخوة المعتكفين أنه ينام بين الصفوف ،لاسيما قيام الليل ، الناس يصلون وهو بين الصفوف نائم ، وهذا يحصل نادرًا، فإذا غلبته عينيه واحتاج إلى النوم يترك الصفوف متصلة ويذهب إلى مكان آخر لينام فيه ، لاينام بين الصفوف ويترك مكانه لإخوانه المصلين.
11- ومن أخطاء بعضهم أنه لا يُراعي حرمة وحقوق إخوانه، فيترك حاجاته وملابسه باديةً للناس ، بعض المصلين يتركها لإخوانه المصلين وهم يتولون ترتيبها له ،يقوم من فراشه ويذهب للوضوء ويتركها فيضطرون لذلك، حتى يجدوا مكانا يصلون فيه ، أنسيت أنك في المسجد ؟ في بيت من بيوت الله ؟ أنسيت أن هؤلاء إخوانك ولهم حق عليك ، هذا أمر ينبغي أن يلاحظ .
12- ومن أخطاء كثيرين منهم الانشغال بالجوالات، وما أدراك ما الجوالات، مستغرقاً وقت الاعتكاف في مهاتفاته ومخابراته ومحادثاته وممازحاته لإخوانه كأنه غير معتكف ، فإن احتجت إلى الجوال في حاجة ماسَّةٍ فافعل ، وإلا تفرَّغ لما جلست في المسجد لأجله ،وهو عبادة الله تعالى .
(1) زاد المعاد 2/86-87. وانظر: الفتاوى الهندية 1/212، والشرح الصغير للدردير 1/259، وسبل السلام 2/174.
(2) بداية المجتهد 1/445، المغني 3/127، بدائع الصنائع 2/274-282، مغني المحتاج 1/449.
(3) أخرجه مسلم برقم (297).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ليلة القدر
اللجنة العلمية
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى ليلة القدر
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}:
إنها الليلة المباركة في كتاب الله عز وجل، يقول الله تعالى: " حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنّ ا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"[الدخان:1-6].
وقد صح عن ابن عباس، وقتادة، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وغيرهم من علماء السلف ومفسريهم: أن الليلة المباركة هي ليلة القدر وفيها أنزل القرآن.
وفيها يفرق كل أمر حكيم، أي: أي يكتب، ويفصل.
وقيل: إن المعنى أنه يبين في هذه الليلة للملائكة.
وقيل: تقدر فيها مقادير الخلائق على مدى العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والحاج والداج، والعزيز والذليل، ويكتب فيها الجدب والقحط، وكل ما أراده الله تبارك وتعالى في تلك السنة.
والظاهر –والله أعلم- بكتابة مقادير الخلائق في ليلة القدر: أنه ينقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ؛ ولذلك قال ابن عباس -رضي الله عنها-: (إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات)، ثم قرأ هذه الآية: "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة"
سبب تسميتها:
القَدْرُ في اللغة: يأتي بمعنى القضاء والحكم كالقَدَر، ويأتي بمعنى الحرمة والمكانة، فلان له قدر، ويأتي بمعنى التقدير، ولذا اختلف العلماء في سبب تسمية ليلة القدر بذلك، و أهم الأقوال:
[1]، وقال النووي: " وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها"[2].
[3].
والراجح أنها سميت بذلك لجميع هذه المعاني مجتمعة وغيرها، والله أعلم.
1 - لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، لقوله تعالى: "فيها يفرق كل أمر حكيم". 2 - لشرفها وعظيم قدرها عند الله، قال القرطبي: " إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها من قولهم : لفلان قدر أي شرف ومنزلة قاله الزهري وغيره" 3 - "وقيل لأنه ينزل فيها ملائكة ذوات قدر. 4- وقيل لأنها نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر. 5- وقيل لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً. 6. وقيل لأن من أقامها وأحياها صار ذا قدر، قال أبو بكر الوراق : سميت بذلك لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها"
فضل ليلة القدر
يكفي أنّها ليلةُ القدر!
الزمان والمكان ظرفان، وشرف الظرف من شرف مظروفه، فلو أخرجنا كأسين من علبة واحدة، ووضعناهما فارغين، لما استطعنا التفاضل بينهما، فهما في القدر سواء، ولكن لو ملأنا أحدهما ماء، والآخر خمرا، فتصبح المفاضلة واضحة، وكذلك الزمان والمكان، فلا تفاضل بين أفرادهما بداية، ولكن عندما ننظر للأحداث التي تقع بهما فيمكن بكل يسر أن نفاضل بينهما، وليلة القدر، إذ حملنا معنى القدر فيها على التعظيم والرفعة، فلم نالت هذه المرتبة والمكانة العالية، فلا شك أن ما حدث فيها هو ذو القدر والرفعة، ويمكن أن نلاحظ فيها أربعة أمور:
أ*- نزول القرآن: وأي قدر أعظم من قدر القرآن، وأي مظروف يشرف ظرفه، أكبر من القرآن.
ب*- نزول الملائكة، وهي ذات القدر والمكانة الرفيعة، لأنها مطهرة من الرذائل، ملهمة للتسبيح والطاعة.
ت*- نزول الروح: إن حملنا الروح على معنى الرحمة والخيرات، كما هو قول أحد المفسرين.
ث*- السلام، فهي ليلة آمنة سالمة.
فهذه الأمور الثلاثة التي شرفت بها ليلة القدر، وههنا أمر مهم للغاية، وهو أن الإنسان إذا مر بزمن مبارك أو مكان مبارك، عليه أن يقتبس منه سر البركة، ويتحقق به، فيغدو أفضل من هذا الزمان والمكان، لأن ماهية الإنسان أفضل من ماهية الزمان والمكان.
ومن هنا فالمؤمن في ليلة القدر عليه أن يقتبس المعاني التي شرفت بها، ويتحقق بها في حياته، ليصبح إنسانا ذا قدر، والأمة عليها أن تقتبس هذه المعاني وتتحقق بها لتصبح أمة ذات قدر، وسبيل ذلك أن نأخذ من المعنى الأول وهو نزول القرآن الاهتمام بالقرآن، فعندما يكون الصدر وعاء لحروف القرآن، والقلب وعاء لمعاني القرآن، والنفس وعاء لمنهج القرآن، والسلوك مترجما ومؤولاً للقرآن، عندها يصبح المؤمن رجل القرآن بكل ما للكلمة من معنى، وعندها يصبح الرجل ذا القدر، وكذا الأمر مع الأمة.
وفي النقطة الثانية عندما يكون المؤمن مصاحبا للملائكة، تتنـزل عليه تشهد قرآنه وتشهد صلاته وتشهد معه حلق العلم والذكر، بل وتكون معه معقبات تحفظه من أمر الله، فعندها يكون المؤمن إنسانا ذا قدر، على خلاف من صاحبته الشياطين، وقيضت له وكانت معه قرينا، والعياذ بالله.
وعندما يكون المؤمن بطاعاته وعباداته محلا للرحمات الإلهية والبركات الربانية، فلا شك سيكون إنسانا مباركا أينما كان وأينما حل.
وأما رابع الأمور، فالسلام من أخص خصائص المسلم، أي يكون قلبه سليما، ولسانه سليما، ويده سليمة، ونفسه سليمة، وجوارحه كلها سليمة، ويعامل الناس بسلام، ويشعر الناس معه بالأمن والسلام، أفليس ذلك من أعظم الأمور التي تجعل الإنسان ذا قدر، فلا بد للإنسان أن يقتبس من ليلة القدر سر القدر.
فضل ليلة القدر في القرآن الكريم والسنة النبوية!
في القرآن الكريم:
- قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ{1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾[القدر:1-3].
فبين الله تعالى أنها أفضل من ألف شهر، أي ما يقارب 83 عاما، أي إن اغتنام ليلة القدر بالأعمال الصالحات، خير من عمل ألف شهر، وهذا فضل عظيم، قال القرطبي: "بين فضلها وعظمها وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر والله أعلم، وقال كثير من المفسرين : أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقال أبو العالية : ليلة القدر خير من ألف شهر لا تكون في ليلة القدر"([4]) ومما جاء في بيان الألف شهر هذه، "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أري أعمال الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمال أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر"([5]) ،عن مجاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر قال فعجب المسلمون من ذلك قال فأنزل الله عز وجل { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر ([6])، وبغض النظر عن هذه الآثار فإن الفضل الثابت لها أنها أفضل من ألف شهر، ولا يهم معرفة هذه الشهور.
- قوله تعالى: ﴿ ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ{3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان:9-4]، والليلة المباركة هنا هي ليلة القدر، وسماها ربنا مباركة، لكثرة الخير والبركات التي تتنـزل على المؤمنين فيها.
في السنة:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))[7]
- حديث سلمان قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر يوم من شعبان فقال: ((أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر))[8]، ففضل كبير فيها أن يكون قيامها كفارة عن كل ما تقدم من الذنوب!
1- أنها خيرٌ من ألف شهر:
قال تعالى: "لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ"[القدر:3].
قال مجاهد: عملها وصيامها وقيامها خيرٌ من ألف شهر.
2- نزول الملائكة والروح فيها:
قال تعالى: "تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ"[القدر:4].
قال البغوي: قوله عز وجل: "تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ" يعني جبريل عليه السلام معهم {فِيهَا} أي: ليلة القدر {بِإِذْنِ رَبّهِم} أي: بكل أمرٍ من الخير والبركة(3).
وقال ابن كثير: أي: يكثر تنـزّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنـزلون مع تنزّل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَقِ الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيماً له.
3- أنها سلام إلى مطلع الفجر:
قال تعالى: "سَلَـٰمٌ هي حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ"[القدر:5].
عن مجاهد في قوله: {سَلَـٰمٌ هي} قال: سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يعمل فيها أذى.
قال ابن الجوزي: ... وفي معنى السلام قولان:
أحدهما: أنه لا يحدث فيها داء ولا يُرسَل فيها شيطان، قاله مجاهد.
والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة، قاله قتادة، وكان بعض العلماء يقول: الوقف على {سَلَـٰمٌ}، على معنى تنزّل الملائكة بالسلام.
4- من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه) متفق عليه.
قال ابن بطال: ومعنى قوله: (إيماناً واحتساباً) يعني مُصدِّقاً بفرض صيامه، ومصدقاً بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله، بريئاً من الرياء والسمعة، راجياً عليه ثوابه.
قال النووي: معنى إيماناً: تصديقاً بأنّه حق، مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً: أن يريد الله تعالى وحده، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بالقيام: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها.
متى ليلة القدر؟
يقول الشيخ محمد الشنقيطي:
"اختلف العلماء رحمهم الله على أكثر من أربعين قول في تحديد ليلة القدر والسبب في ذلك ورود الأحاديث المختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحديدها، وتعارض الأثار عن الصحابة رضي الله عنهم.
والقول الأقوى أنّها في الوتر من العشر الأواخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الآواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة» [رواه البخاري].
ونقول كما علق الشيخ صالح اللحيدان: أن على الإنسان أن يجتهد العشر كلها لأنّه قد يكون حساب الشهر عندنا يختلف، فتكون ليلة 27 عندنا هي 28 والله أعلم ".
فيما يلي أقوال العلماء في محلّ ليلة القدر :
القول الأوّل : الصّحيح المشهور لدى جمهور الفقهاء , وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة , والأوزاعي وأبو ثورٍ : أنّها في العشر الأواخر من رمضان لكثرة الأحاديث الّتي وردت في التماسها في العشر الأواخر من رمضان , وتؤكّد أنّها في الأوتار ومنحصرة فيها .
والأشهر والأظهر عند المالكيّة أنّها ليلة السّابع والعشرين .
وبهذا يقول الحنابلة , فقد صرّح البهوتي بأنّ أرجاها ليلة سبعٍ وعشرين نصاً .
القول الثّاني : قال ابن عابدين : ليلة القدر دائرة مع رمضان , بمعنى أنّها توجد كلّما وجد , فهي مختصّة به عند الإمام وصاحبيه , لكنّها عندهما في ليلةٍ معيّنةٍ منه , وعنده لا تتعيّن .
وقال الطّحطاوي : ذهب الأكثر إلى أنّ ليلة القدر ليلة سبعٍ وعشرين , وهو قول ابن عبّاسٍ وجماعةٍ من الصّحابة رضي الله عنهم , ونسبه العيني في شرح البخاريّ إلى الصّاحبين .
القول الثّالث : قال النّووي : مذهب الشّافعيّة وجمهور أصحابنا أنّها منحصرة في العشر الأواخر من رمضان مبهمة علينا , ولكنّها في ليلةٍ معيّنةٍ في نفس الأمر لا تنتقل عنها ولا تزال من تلك اللّيلة إلى يوم القيامة , وكل ليالي العشر الأواخر محتملة لها , لكن ليالي الوتر أرجاها , وأرجى الوتر عند الشّافعيّ ليلة الحادي والعشرين ,
وقال الشّافعي في موضعٍ إلى ثلاثةٍ وعشرين ,
وقال البندنيجي : مذهب الشّافعيّ أنّ أرجاها ليلة إحدى وعشرين , وقال في القديم : ليلة إحدى وعشرين أو ثلاثٍ وعشرين فهما أرجى لياليها عنده , وبعدهما ليلة سبعٍ وعشرين .
هذا هو المشهور في المذهب أنّها منحصرة في العشر الأواخر من رمضان .
وقال الشّربيني الخطيب : .. وقال ابن عبّاسٍ وأبيّ رضي الله عنهم : هي ليلة سبعٍ وعشرين وهو مذهب أكثر أهل العلم .
القول الرّابع : أنّها أوّل ليلةٍ من رمضان , وهو قول أبي رزينٍ العقيليّ الصّحابيّ لقول أنسٍ رضي الله عنه : ليلة القدر أوّل ليلةٍ من رمضان , نقلها عنهما ابن حجرٍ .
القول الخامس : أنّها ليلة سبع عشرة من رمضان ,
روى ابن أبي شيبة والطّبراني من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ما أشك ولا أمتري أنّها ليلة سبع عشرة من رمضان ليلة أنزل القرآن , وروي ذلك عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه بحجّة أنّها هي اللّيلة الّتي كانت في صبيحتها وقعة بدرٍ ونزل فيها القرآن لقوله تعالى : { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } , وهو ما يتوافق تماماً مع قوله تعالى في ليلة القدر : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } .
القول السّادس : أنّها مبهمة في العشر الأوسط , حكاه النّووي وقال به بعض الشّافعيّة وهو قول للمالكيّة وعزاه الطّبريّ إلى عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه والحسن البصريّ .
القول السّابع : أنّها ليلة تسع عشرة ,
قال ابن حجرٍ : رواه عبد الرّزّاق عن عليٍّ رضي الله عنه وعزاه الطّبريّ لزيد بن ثابتٍ وابن مسعودٍ رضي الله عنهما ووصله الطّحاوي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه .
القول الثّامن : أنّها متنقّلة في ليالي العشر الأواخر تنتقل في بعض السّنين إلى ليلةٍ وفي بعضها إلى غيرها , وذلك جمعاً بين الأحاديث الّتي وردت في تحديدها في ليالٍ مختلفةٍ من شهر رمضان عامّةً ومن العشر الأواخر خاصّةً , لأنّه لا طريق إلى الجمع بين تلك الأحاديث إلا بالقول بأنّها متنقّلة , وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل , فعلى هذا كانت في السّنة الّتي رأى أبو سعيدٍ رضي الله عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطّين ليلة إحدى وعشرين , وفي السّنة الّتي أمر عبد اللّه ابن أنيسٍ بأن ينزل من البادية ليصلّي في المسجد ليلة ثلاثٍ وعشرين , وفي السّنة الّتي رأى أبي بن كعبٍ رضي الله عنه علامتها ليلة سبعٍ وعشرين , وقد ترى علامتها في غير هذه اللّيالي , وهذا قول مالكٍ وأحمد والثّوريّ وإسحاق وأبي ثورٍ وأبي قلابة والمزنيّ وصاحبه أبي بكرٍ محمّد ابن إسحاق بن خزيمة والماورديّ وابن حجرٍ العسقلانيّ من الشّافعيّة , وقال النّووي : وهذا هو الظّاهر المختار , لتعارض الأحاديث الصّحيحة في ذلك ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها , وقيل : إنّ ليلة القدر متنقّلة في شهر رمضان كلّه .
قال بعض أهل العلم : أبهم اللّه تعالى هذه اللّيلة على الأمّة ليجتهدوا في طلبها , ويجدوا في العبادة طمعاً في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كلّه , وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء , ورضاه في الطّاعات ليجتهدوا في جميعها , وأخفى الأجل وقيام السّاعة ليجدّ النّاس في العمل حذراً منهما!
فهذه الأقوال تدل على أنها تكون في أوتار العشر الأخير، ومن أهل العلم من حددها في يوم منها، فقال الشافعي: وأقوى الروايات عندي فيها ليلة إحدى وعشرين، وروي عن أبي قلابة أنها تنتقل في العشر الأخير[9]، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: هي في ليلة السابعة والعشرين، كما تقدم في الحديث السابق.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ليلة القدر
اللجنة العلمية
علامات ليلة القدر
يقول الشيخ بن عثمين رحمه الله في الشرح الممتع:
علامات مقارنة:
1 - قوة الإضاءة في تلك الليلة وهذه العلامة لا يحس فيها بالمدن. 2 - الطمأنينة أي طمأنينة القلب وإنشراح الصدر من المؤمن فإنّه يجد راحة وطمأنينة في هذه الليلة أكثر ما يجده في بقية الليالي. 3 - الرياح تكون فيها ساكنة. 4 - المنام .. أنه قد يري الله الإنسان في المنام كما حصل مع بعض الصحابة. 5 - اللذة .. أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر من غيرها من الليالي.علامات لاحقة:
الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع .. صافية.
يعلق الشيخ الشنقيطي: "سبب ذلك - والله أعلم - أن الملائكة تصعد بعد الفجر إلى السماء بعد أن كانت على الأرض فتحجب شعاع الشمس، لأن الله أخبر أن الملائكة تتنزل في ليلة القدر".
علامات ذكرها بعض أهل العلم:
ذكر بعضُ أهل العلم لليلة القدر علامات يستدل بها عليها، و أذكر ما قاله ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: " وقد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضى، منها:
1- في صحيح مسلم عن أبي بن كعب أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها، وفي رواية لأحمد من حديثه مثل الطست، ونحوه لأحمد من طريق أبي عون عن بن مسعود وزاد صافية ومن حديث بن عباس نحوه .2- ولابن خزيمة من حديثه مرفوعا ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة.
3- ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً أنها صافية بلجة كان فيها قمرا ساطعا ساكنة صاحية لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب يرمي به فيها ومن إماراتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ.
4- وله من حديث جابر بن سمرة مرفوعا ليلة القدر ليلة مطر وريح.
5- ومن طريق قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة مرفوعا وأن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"فقيل له (أبي بن كعب): بأي شيء علمت ذلك؟ فقال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا أن الشمس تطلع صبحة صبيحتها كالطست لا شعاع لها، فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أشهر العلامات في الحديث، وقد روي في علاماتها أنها ليلة بلجة منيرة وهي ساكنة لا قوية الحر ولا قوية البرد، وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة فيرى أنوارها، أو يرى من يقول له: هذه ليلة القدر، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر، والله تعالى أعلم". (مجموع الفتاوى)!
من فتاوى الشيخ ابن باز:
السؤال:
هل ترى ليلةُ القدر عياناً؛ أي أنَّها ترى بالعين البشرية المجردة؟ حيث إنَّ بعض الناس يقولون: إن الإنسان إذا استطاع رؤية ليلة القدر يرى نورا في السماء ونحو هذا، وكيف رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ وكيف يعرف المرء أنه قد رأى ليلة القدر؟ وهل ينال الإنسان ثوابها وأجرها، وإن كانت في تلك الليلة التي لم يستطع أن يراها فيها؟
نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل؟.
الجواب:
قد تُرى ليلة القدر بالعين لمن وفقه الله سبحانه، وذلك برؤية أماراتها، وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليها بعلامات ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيمانا واحتسابا؛ فالمسلم ينبغي له أن يجتهد في تحريها في العشر الأواخر من رمضان كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم طلبا للأجر والثواب فإذا صادف قيامه إيمانا واحتسابا هذه الليلة نال أجرها، وإن لم يعلمها قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (البخاري) » وفي رواية أخرى «من قامها ابتغاءها، ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (متفق عليه) »
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن من علاماتها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، وكان أبي بن كعب يقسم على أنها ليلة سبع وعشرين ويستدل بهذه العلامة، والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها وأوتارها أحرى وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك، ومن اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلة القدر بلا شك وفاز بما وعد الله من قامها إذا فعل ذلك إيمانا واحتسابا والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
[مجلة البحوث الإسلامية 20/ 186]
حرص النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على تحرِّي ليلة القدر!
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير، وأسبق الناس إلى كسبه وفعله، وضلَّ قوم جاؤوا بعبادات وطاعات في الكمِّ أو الكيف، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وعلَّلوا ذلك بأنَّهم أحوجُ إلى الخير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما فعل النَّفر الذي سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما يفعل كثيرٌ من المسلمين اليوم.
وبالتأمل في منهج النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر يمكن أن نلاحظ الأمور التالية:
[10]، فلما تبين له أنها في العشر الأخير صار يعتكف في العشر الأخير فقط.
[11]، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في طاعته لله، ورعايته لأهل بيته.
1- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على إدراكها، فقد كان يعتكف في المسجد من أجل إدراكها، وكان في البداية يعتكف الشهر كله، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال ( كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين ) . فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء". 2- كان يحرص على قضائها كلها في العبادة، ولهذا كان يعتكف لأنه يستغرق الوقت في العبادة وينقطع عن الشواغل. 3- كان يحث أهله على اغتنامها والتعرض لها، كما في حديث عائشة رضي الله عنها " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" 4- كان يحث أصحابه على فعلها، كما في الأحاديث السابقة، وهذا منهج ينبغي أن يسير عليه المسلم في دعوة الناس وكل من يحب خاصة إلى الخير، ولا يستأثر بها لنفسه. 5- كان إحياؤه لها منفردا بنفسه، ولم يكن يحييها مع الصحابة جميعا، ولا يخلوا هذا من الحكمة، فلكل حاجته التي يسألها ربه، وذنوبه التي يستغفر ربه منها، ولعل في هذا الهدي إشارة إلى أن ما عليه بعض المسلمين من إحيائها بصورة جماعية، مخالف للهدي النبوي على أقل تقدير. 6- كان إحياؤه لها بالدعاء والصلاة والذكر، وهذا هو سبيل المؤمنين، فعجبا لقوم يحيونها بالغناء والرقص.
فتوى:
السؤال:
ما حكمُ الاحتفال بليلة سبع وعشرين ليلة القدر؟
الجواب:
خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، فهديُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضانَ: الإكثارُ من العبادات من صلاة وقراءة القرآن وصدقة وغير ذلك من وجوه البر، وكان في العشرين الأُوَل ينام ويصلي فإذا دخل العشر الأخير أيقظ أهله وشد المئزر وأحيا ليله وحث على قيام رمضان وقيام ليلة القدر فقال - صلى الله عليه وسلم -: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
وبين - صلى الله عليه وسلم - أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وأنها في أحد أوتاره فقال - صلى الله عليه وسلم -: «التمسوها في العشر الأواخر في الوتر منه» رواه أحمد في المسند وأخرجه الترمذي وجاء فيه: «التمسوها في تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة» قال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح، وعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - الدعاء الذي تدعو به إن وافقت هذه الليلة، فقد روى أحمد في المسند عنها - رضي الله عنها - قالت: «" يا نبي الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟
" قال: تقولين " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» وقد أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والترمذي، وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح، هذا هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رمضان وفي ليلة القدر، وأما الاحتفال بليلة سبع وعشرين على أنها ليلة القدر فهو مخالف لهدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفل بليلة القدر!
[مجلة البحوث الإسلامية 37/ 163]
كيف نحيي ليلة القدر؟
من الأفضل أن يسير المؤمن على خطة واضحة في إحياء ليلة القدر، وهي ذات شقين: مراجعات وعبادات.
الأول:مراجعات، فقبل البدء بإحياء ليلة القدر، بل قبل ليلة القدر، بل قبل رمضان كله، لابد من مراجعات يقوم الإنسان في علاقاته، حتى تصبح الطاعات منه مقبولة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[المائدة:27]، فيسعى لتصحيح علاقاته مع والديه وأرحامه وجيرانه ومعاملاته، وترميم الهوات التي أحدثتها خلافات الدنيا.
والثاني: الطاعات، وهي العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى في هذه الليلة، و أهمها:
[12]، وكان عليه الصلاة والسلام أكثر ما يقوم الليل بالصلاة، ويطيل السجود ويكثر من الدعاء.
[13]، وما من عبادة إلا واشتملت على الدعاء، فليحرص على الدعاء فيها ما استطاع.
وليقسم الإنسان ليله، جزء للقيام وجزء للدعاء وجزء للقرآن وجزء للأذكار، ولينقل النفس من عبادة لأخرى كلما أحست بالتعب.
ويمكن للمرء أن يجمع بين هذه كلها في الصلاة إذا أطال القيام، وسأل الله الرحمة واستعاذ به من النيران، كلما مر بآية رحمة أو عذاب.
قال سفيان الثوري رحمه الله: (الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة، قال: وإذا كان يقرأ وهو يدعو ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق).
قال ابن رجب: (ومراده ـ أي سفيان ـ أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسناً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها، والله أعلم؛ وقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها؛ وقال الشافعي في القديم: أستحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها).[14]
1- قيام الليلة كلها، وهو الأفضل، فإن لم يستطع فالنصف الثاني أفضل من الأول، فإن لم يستطع فالثلث الأخير، لأنه الوقت الذي ينزل فيه الله تعالى، نزولا يليق بجلاله وكماله، فينادي على عباده ويمن عليهم بالرحمات والمغفرات، فإن لم يستطع فأداء الصلوات المكتوبة للرجال مع جماعة المسلمين، لاسيما الصبح والعشاء، وذلك أضعف الإيمان. 2- صلاة التهجد، لقوله صلى الله عليه وسلم:" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" 3- الدعاء، فالدعاء هو سر العبادة ومعناها، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء هو العبادة)) 4- قراءة القرآن: فهي ليلة القرآن الكريم، وتلاوته من أعظم القربات. 5- التسبيح والتهليل والاستغفار وغيره من أنواع الذكر. أذكار ليلة القدر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال: ((قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني))[15].
فهذا هو الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين، وللمؤمنين من بعدها في ليلة القدر، وهو دعاء جامع، فيه الثناء على الله تعالى، والتذلل وطلب الصفح والمغفرة، وهذا الحال الذي يناسب ليلة القدر.
ويمكن أن يدعو الإنسان بما شاء فيها، ولاسيما ما كان يقوله النبي صلى الله عليه في تهجده في الليل، ومنه ما ورد عن عائشة قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: (اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)) ".[16]
وليدع العبد ربه أن يلطف به بما يقدر عليه في هذه الليلة، وأن ييسر له الهدى والتوفيق، وأن يقيه المهالك والمساوئ من أمور الدنيا والآخرة.
وينبغي التنبيه إلى ما اعتاده كثير من الناس من صلاة التسابيح فيها، فهي ضعيفة الأثر، وليست مما تشرع له الجماعة، ثم فعلها في ليلة القدر من كل عام يوهم بتخصيصها فيها وليس الأمر كذلك.
وهل يقوم الليلة كلّها،أم يكفي قيام بعضها؟
يُجيب عن السؤال الشيخ محمد الشنقيطي:
اختلف العلماء - رحمهم الله - :
قال بعض العلماء : إنه يقوم الليلة كاملة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما دخلت عليه العشر شد مئزره، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وفي بعضها : (( طوى فراشه )) صلوات الله وسلامه عليه كناية عن اعتزال النساء ، فقالوا لابد أن يصلي من العشاء إلى الفجر، يصلي ويذكر يكون في ذكر الله - تعالى - ولا يصدق عليه أنه قائم إلا إذا لم ينم ، أما إذا نام فقد ضيّع ، بقدر ما ينام من فضل القيام .
وقال بعض العلماء : لا بأس أن ينام بعض الليل ، مادام أنه قد قام أغلبه ؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - قالت : (( ما قام ليلة حتى أصبح )) . صلوات الله وسلامه عليه، وهذا يقولون : يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يحي الليلة كاملة ، ومن هنا رخصوا من كونه إذا تعب أو كذا أن يستجم بالنوم .
وقال بعض العلماء : أنه لو نام اليسير، ثم قام فالأجر أعظم ؛ لأنه في هذه الحالة يترك النوم ويرغب في العبادة ؛ وهذا أصدق كما قال تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } .
فيقولون : إنه إذا ذاق لذة النوم ثم صلى فهذا أبلغ اجتهادا من شخص يستمر في صلاته فإنه لا يصل إلى آخر الليل وهو منهك متعب .
والحقيقة ظاهر النصوص أنه أحيا ليله ، وهذا يقتضي أنه أحيا الليل كاملا ، والمطلقات تقيد، وعائشة - رضي الله عنها - معروف أنها تحكي الذي كان في بيتها ، فاعتكافه - عليه الصلاة والسلام - كان في قبته ، وكان خاليا في عبادته لربه ، كما في الحديث الصحيح أنه كان تضرب له القبة ، فلذلك ظاهر النص في الإحياءأنه يبقى على ظاهره ، ويجتهد الإنسان ، لكن لو أنه لا يستطيع أن يحي الليل ، ويجد التعب ، فينام أول الليل ، ثم يقوم آخره ؛ طلبا لهذه الفضيلة ، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الإخلاص ، وأن يجعلنا وإياكم ممن صام الشهر، واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر . إنه ولي ذلك وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ليلة القدر
اللجنة العلمية
أحوالُ النَّاس اليومَ في تحري ليلة القدر
إن حال الناس اليوم مع ليلة القدر ليس على الوجه الذي يطيب به القلب وتسر به النفس، فهما ثلاث فرق:
فرقة لاهية غافلة، لا تعرف لليلة القدر قدرا، ولا تغتنم مرورها لتصحح العلاقة مع الله، بل هي عن رمضان كله غافلة، فصيامها جوع وظمأ، وعادتها في اللهو والغفلة كما هي، بل ربما حتى مع المعاصي، والعياذ بالله.
1- وفقها الله تعالى للصواب، وهداها للصراط المستقيم، وهي التي أحيت ليلة القدر على المنهج السابق الذي ذكرته. 2- وفرقة انتبهت لليلة القدر، و أرادت اغتنامها وقيامها، لكنها ضلت عن الطريق الصحيح الذي يوصلها لذلك، فاجتمعوا في المساجد أو في مكان ما، وكانت صلاتهم كنقر الديكة، حتى إذا ما فرغوا التفوا حلقة يغنون ويضربون بالدفوف، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهم قوم ثقل عليهم القرآن، وصعبت عليهم الصلاة، وزين لهم الشيطان فعلهم، بل ربما قاموا يرقصون أو يتمتمون، بطقوس ما أنزل الله بها كتابا، ولا أرسل بها نبيا. 3-
ليلة القدر وتقدير الأعمال
في ليلة القدر يقدر الله تعالى أعمال العباد، وما سيقع معهم في عامهم المقبل، قال القرطبي: " {في ليلة القدر} قال مجاهد : في ليلة الحكم {وما أدراك ما ليلة القدر} قال: ليلة الحكم، والمعنى ليلة التقدير، سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق وغيره ويسلمه إلى مدبرات الأمور وهو أربعة من الملائكة : إسرافيل وميكائيل وعزرائيل وجبريل عليهم السلام، وعن ابن عباس قال : يكتب من أم الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر وحياة وموت حتى الحاج، قال عكرمة : يكتب حاج بيت الله تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم وقاله سعيد بن جبير"[17]، وقال النووي: "قال العلماء: وسميت ليلة القدر لما يكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، كقوله تعالى: ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ وقوله تعالى: ﴿تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر﴾ ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له"[18]، وقال أيضا: " روى حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال : سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال : يا أبا سعيد أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي ؟ قال : أي والله الذي لا إله إلا هو إنها في كل رمضان إنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها، وقال ابن عباس : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج، يقال: يحج فلان ويحج فلان، وقال في هذه الآية : إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى"[19]، وقال ابن كثير في تفسير الآية: " أي في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف"[20]
وليس معنى التقدير هنا، أنه يقضي على عباده بما لم يكن من قبل، بل معناه أنه يخبر ملائكته بما يحدث مع عباده في هذا العام مما قضاه عليهم من الأزل، قال القرطبي: " وهذه الإبانة لإحكام السنة إنما هي للملائكة الموكلين بأسباب الخلق"، وقال: " قال المهدوي : ومعنى هذا القول أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ولم يزل ذلك في علمه عز وجل"[21].
وقد ورد عن بعض أهل العلم أن هذا يكون في ليلة النصف من شعبان، وهذا مخالف للصواب، قال القرطبي: " وقال القاضي أبو بكر بن العربي : وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر ومنهم من قال : إنها ليلة النصف من شعبان وهو باطل لأن الله تعالى قال في كتاب الصادق القاطع : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [ البقرة : 185 ] فنص على أن ميقات نزوله رمضان ثم عين من زمانه الليل هاهنا بقوله : { في ليلة مباركة } فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها"[22].
ليلة القدر والقرآن
إن من خصائص هذه الليلة كما سبق أنه نزل فيها القرآن الكريم، ولكن من المعلوم أن القرآن لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم دفعة واحدة، بل نزل منجما على ثلاثة وعشرين عاما، فما معنى نزوله في ليلة القدر، هناك أقوال للعلماء:
[23]، وقال ابن كثير: " وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه كما قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقال { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ثم نزل بعده مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس كما قال إسرائيل عن السدي عن محمد بن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس : أنه سأل عطية بن الأسود فقال : وقع في قلبي الشك قول الله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقوله { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } وقوله : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وقد أنزل في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة وفي المحرم وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس : إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلا في الشهور والأيام رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وهذا لفظه".[24]
[25]
[26]
1- قال ابن عباس وغيره : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 2- أن ابتداء نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم كان في ليلة القدر ، قال الشعبي: "المعنى إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر". 3- قال القرطبي: "حكى الماوردي عن ابن عباس قال : نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة ونجمة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة قال ابن العربي : ( وهذا باطل ليس بين جبريل وبين الله واسطة ولا بين الله واسطة ولا بين جبريل ومحمد عليهما السلام واسطة)".
ليلة القدر والاعتكاف
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في رمضان من أجل تحري ليلة القدر، بل غير موعد اعتكافه لما تبين له أنها ليست في العشر الذي يعتكف فيه، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين، رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال: ((كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين))، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء".[27]
وبعدها كان عليه الصلاة والسلام يعتكف في العشر الأخيرة التماساً لليلة القدر، ومن هنا يتبيَّنُ أن الاعتكاف وليلة القدر عبادتان متلازمتان، ولهذا حريٌّ بمن أراد أن يلتمسَ ويتحرَّى ليلة القدر أن يعتكف لها، لاسيما وأنها ليلة في العشر، فقد تفوته من حيث لا يدري، ومن هنا يتبين أن ما عليه كثير من المسلمين من الاجتماع لليلة القدر في ليلة واحدة فقط، ليس هو الوجه الأكمل لالتماس ليلة القدر.
[1] - تفسير القرطبي 20/120
[2] - شرح صحيح مسلم للنووي 8/58.
[3] - تفسير القرطبي 20/120
[4] - تفسير القرطبي 20/121.
[5] - البيهقي في شعب الإيمان (3667)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (604)، ومالك في الموطأ منقطعا (698).
[6] - البيهقي في السنن الكبرى (8305) وهذا مرسل.
[7] - البخاري (1910) ومسلم (760)
[8] - ابن خزيمة (1887)، والبيهقي في شعب الإيمان (3608)ن وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم (871).
[9] - ذكرهما الترمذي بعد تخريجه الحديث رقم (792).
[10] - أخرجه البخاري (1914) ومسلم (1167).
- [11] أخرجه البخاري (1920).
[12] - البخاري (1910) ومسلم (760).
[13] - أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (2969) وقال عنه حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
[14] - لطائف المعارف 277-278.
[15] - أخرجه الترمذي (3513) وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.
[16] - أخرجه مسلم (486).
[17] - تفسير القرطبي 20/120
[18] - شرح صحيح مسلم للنووي 8/58.
[19] - تفسير القرطبي 16/1100.
[20] - تفسير ابن كثير 4/175.
[21] - تفسير القرطبي 16/1100.
[22] - المرجع السابق.
[23] - ابن كثير 4/684.
[24] - المرجع السابق 1/292.
[25] - تفسير القرطبي 20/120.
[26] - المرجع السابق.
[27] - أخرجه البخاري (1914) ومسلم (1167).
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والختام
اللجنة العلمية
وقفة قبل رحيل شهر رمضان المبارك
نهاية هذا الشهر الكريم هو فرصة في الإكثار من الطاعات والتخفف من المعاصي والسيئات فوالله ما أعماركم إلا كشهركم هذا أطل هلاله ثم تكامل بدره ثم انصرم حبله وها هو يؤذنكم بالرحيل فلا إله إلا الله ما أسرع تصرم الليالي وانقضاء الأيام إن في هذا يا عباد الله لعبرة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً فالرابح أيها المؤمنون في هذا العمر القصير من عمره بطاعة الله واستعمله في مرضاة مولاه فبادروا عباد الله بالأعمال الصالحات أعماركم وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
إن هذا الشهر قد آذن بالرحيل ربح فيه أقوام وخسر فيه آخرون فاحمدوا الله أيها المؤمنون الصائمون الذاكرون القائمون الراكعون الساجدون على ما وفقكم الله فيه من الأعمال الصالحات واجتهدوا في سؤال القبول فإن الله تعالى لا يتقبل إلا من المتقين الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون وإياكم يا عباد الله والركون إلى أعمالكم والاغترار بها والإعجاب فإنه لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة ولكن الله يجزي الإحسان على الإحسان ﴿هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلَّا الإحْسَانُ﴾.
إن من شعائر الدين التي يتعبد الله بها في نهاية هذا الشهر المبارك ذكره وشكره وتكبيره جل وعلا قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ﴾ ثم قال جل وعلا في آخر الآية: ﴿وَلِتُكْمِلُو الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ فيسن للمسلمين أن يكبروا الله تعالى على ما هداهم وعلى ما أتم لهم من نعمة وإحسان ووقت هذا التكبير يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان ويستمر هذا التكبير إلى صلاة العيد، وهذا التكبير تكبير مطلق فيكبر في البيت وفي السوق وفي المسجد قبل الصلاة وبعدها وفي كل مكان الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد هذا أجود ما جاء في الصحيح عن الصحابة رضي الله عنهم فاحرصوا على الذكر والتكبير فإن فيه خيراً كثيراً.
اعلموا أن من دلائل توفيق الله للعبد أن لا يدع العبد عمله الصالح وأن لا ينقطع عنه فإن الله تعالى أمرنا بإدامة الطاعة والعبادة فقال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل )) وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) فاحرصوا أصلح الله قلوبكم على أن لا يكون آخر عهدكم بالطاعة والإحسان ما قدمتموه في شهر رمضان بل صلوا ذلك وأديموه فإن الله عز وجل ما خلقكم إلا لتعبدوه.
إن الله قد امتن عليكم بأن جعل لكم عيداً تفرحون فيه وتشكرون الله فيه على أن هداكم للإيمان أيها المؤمنون إن العيد في هذه الشريعة المباركة عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى فالأعياد شريعة محكمة ليس لأحد أن يزيد فيها أو ينقص منها فعن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم: ((قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)) رواه أبوداود بسند صحيح فاخرجوا أيها المؤمنون إلى صلاة العيد حيث تصلى، اخرجوا بأنفسكم وأولادكم وأهليكم إلى صلاة العيد البسوا أحسن ما تجدون من الثياب متطيبين متطهرين مكبرين مهللين، مروا نساءكم بالحشمة والاحتجاب فإنكم تخرجون إلى شعيرة من شعائر الدين ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.
أسباب القبول وعلامات قبول العمل :
وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول ، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله ، وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها ، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى.
1- عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة:
فإن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخسران , قال يحي بن معاذ :" من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود , وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود , فصومه عليه مردود , وباب القبول في وجهه مسدود ".
إن كثيرا من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. لا تقل مثله.. ولكن قل : إن شاء الله لن أعود " تحقيقا لا تعليقا".. واستعن بالله واعزم على عدم العودة..
2- الوجل من عدم قبول العمل:
فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، قال عز وجل ـ:
(وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]،
وقال تعالى ـ:
(إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7] ،
والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60]
أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات).
فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه لا يركن إلى جهده، ولا يدل بها على ربه، بل يزدري أعماله، ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.
3- التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها:
إن علامة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.
فالعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها،وإن أهم قضية نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي الاستقامة التي تقدم الحديث عنها.
4- استصغار العمل وعدم العجب والغرور به :
إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة ,فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة. ومما يعين على استصغار العمل:معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.
ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى:
( يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولاتمنن تستكثر). فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لاتمنن بعملك على ربك تستكثره.
قال الإمام ابن القيم: «كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله" مدارج السالكين، (439/2).
5- حب الطاعة وكره المعصية:
من علامات القبول ، أن يحبب الله في قلبك الطاعة ,فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى:
(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )الرعد28
ومن علامات القبول أن تكره المعصية والقرب منها وتدعو الله أن يُبعدك عنها قائلاً:
اللهم حبب إليَّ الإيمان وزينه في قلبي وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين.
6- الرجاء وكثرة الدعاء:
إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.
ورجاء قبول العمل- مع الخوف من رده يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه . وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال:
( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)( البقرة:127).
7- التيسير للطاعة والإبعاد عن المعصية :
سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان ,بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها .
قال تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10})4-10 الليل
8- حب الصالحين وبغض أهل المعاصي :
من علامات قبول الطاعة أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي ،و لقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله)).
أخي الحبيب:
قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت ,ولله در عطاء الله السكندري حين قال إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك) .
والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله -سبحانه وتعالى- لا شريك له، ممتثلين قوله، صلى الله عليه وسلم " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله، فقد استكمل الإيمان " رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره..
9- كثرة الاستغفار:
المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد بالاستغفار،فإنه مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ، فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى:
(ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا ْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ( البقرة:199).
وبعد الصلاة علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله ثلاثاً ، وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم يختمون ذلك بالاستغفار في الأسحار، قال تعالى: (وَبِالْأَسْحَا ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )الذاريات18 ، وأوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقول (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ) محمد19
وأمره أيضاً أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال:
(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3})النص ر
فكان يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) رواه البخاري.
10- المداومة على الأعمال الصالحة:
كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة- رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم.
و أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه.
وبشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري ، و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها. وقال صلى الله عليه وسلم ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه). أخرجه النسائي.
أسأل الله جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار."
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والختام
اللجنة العلمية
حسرة في وداع رمضان
ماذا نصنع حتى نتدارك ما فات؟ ورمضان قد تهيّأ للرحيل فلم يبق منه إلا ليال.
علينا – يا عباد الله – أن نعترف بذنوبنا، وأن نتوب التوبة الصادقة النصوح، وأن نتوجه إلى الله تعالى بالدعاء بالمغفرة والعتق من النار.
فاغفر لنا يا ربّنا وأعتقنا من النار، ألم تقل يا ربّنا: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53]؟! ألم تقل يا ربنا: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ [الرعد:6]؟!
وأما من استغفر بلسانه وقلبهُ على المعصية معقود، وهو عازم بعد الشهر إلى المعاصي أن يعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود، كيف لا؟ وقد قابل نداء الله: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ بالإعراض والصدود.
أيها المسلمون، إن الاستغفار هو ختام الأعمال كلّها، فيختم به في الصلاة كما في صحيح مسلم أن رسول الله كان إذا فرغ من الصلاة يستغفر الله ثلاثا[10]. ويُختم به في الحج، قال الله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُوا ْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة:199]. بعد هذه الشعيرة العظيمة وهي الوقوف بعرفة والحج عرفة، ينطلق الحاج إلى مزدلفة وهو يستغفر الله تعالى. ويختم به قيام الليل، يمدح الله تعالى عباده المتقين ويصفهم فيقول: ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِين َ وَٱلْقَـٰنِتِين َ وَٱلْمُنفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِ رِينَ بِٱلأسْحَارِ [آل عمران:16، 17]، وقال تعالى كذلك في وصفهم: وَبِٱلأَسْحَـٰر ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18]، قال الحسن رحمه الله: "قاموا الليل إلى وقت السحر، ثم جلسوا يستغفرون"[11]، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي من الليل ثم يقول: (يا نافع هل جاء السحر؟) فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح[12]. ويختم به كذلك في المجالس، فإن كانت ذكراً كان كالطابع لها، وإن كانت لغوا كان كفّارة لها. وكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار، فمن أحب منكم أن يحطّ الله عنه الأوزار، ويعتقه من النار، فليكثر من الاستغفار، بالليل والنهار، لا سيما في وقت الأسحار.
ومما يستحسن ختم هذا الشهر به أيضاً عتق الرقاب، فقد كان أبو قلابة يعتق في آخر الشهر جارية حسناء مزينة يرجو بعتقها العتق من النار. وعتق الرقاب يوجب العتق من النار كما دل على ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن سعيد بن مرجانة صاحب علي بن الحسن قال: قال أبو هريرة: قال النبي : ((أيما رجل أعتق امرأ مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار))، قال سعيد من مرجانة: فانطلقت به إلى علي بن الحسين، فعمد علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فأعتقه[13].
ومن فاته عتق الرقاق لانعدامها فليكثر من شهادة التوحيد، فإنها تقوم مقام عتق الرقاب، قال : ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرار كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل)) [أخرجه البخاري][14]، وقال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل ممّا جاء به إلا أحدٌ عمِل أكثر من ذلك)) [متفق عليه من حديث أبي هريرة][15].
واعلموا عباد الله أن الجمع بين شهادة التوحيد والاستغفار من أعظم أسباب المغفرة والنجاة من النار، وكشف الكربات، وقضاء الحاجات. لهذا جمع الله تعالى بينهما في قوله: فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِك[محمد:19]، وفي قوله: لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِين [الأنبياء:87].
فأكثر ـ أخي المسلم ـ من طاعة الله لا سيما من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وأكثر من الاستغفار وغيرها من الأذكار والأعمال الصالحة قبل فوات هذه الفرصة العظيمة، فإنه إن لم يُغفر لك في هذا الشهر فمتى سيغفر لك؟!
قال قتادة رحمه الله: "كان يقال: من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له فيما بقي".
فيا من جد، واصل ولا تغتر، حذار من الاغترار بما صنعت، وكن كمن قال الله جل وعلا فيهم: كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰر ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17، 18]، ما استغفروا إلا لاستشعارهم تقصيرَهم في جنب الله، رغم قيامهم أكثر الليل, وكن كمن قال الله جل وعلا فيهم: وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ [المؤمنون:60]. وتذكر أن ما أنت فيه إنما هو بفضل الله وتوفيقه لك, فالذي أعطاك ووفقك هو الذي حرم غيرك ومنعه، فقل كما قال الصالحون: ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ [الأعراف:43]. واعتبر بما قاله الله لعبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا [الأنبياء:86، 87]، حتى عدها بعض السلف أعظم تهديد في كتاب الله.
فكن خافض الجناح، مجتهداً في الطاعة، خائفاً من عدم القبول، فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ[الأعراف:99]، وإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. ولا تدري أتكون منهم أم لا؟
ثم اعلموا ـ يا عباد الله ـ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سألته إن هي أدركت ليلة القدر ما تقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))[16].
ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون
من السنة في ليلة العيد سنة التكبير التي ثبتت بنص القرآن الكريم في قوله تعالى في آخر آية رمضان :(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون). وقد ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) عند تفسيره لهذا الجزء من الآية والخاص بإكمال العدة والتكبير كلاماً جيداً أحببت أن يقرأ هذه الليلة لينتفع به ، وقد تصرفت في كلامه رحمه الله .
قال رحمه الله في المسألة الخامسة عشرة : قوله تعالى : (ولتكملوا العدة) فيه تأويلان :
- أحدهما : إكمال عدة الأداء لمن أفطر في سفره أو مرضه.
- الثاني : عدة الهلال سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلاثين.
قال جابر ابن عبد الله قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الشهر يكون تسعاً عشرين). وفي هذا رد لتأويل من تأول قوله صلى الله عليه وسلم : ( شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ) أنهما لا ينقصان عن ثلاثين يوما , أخرجه أبو داود. وتأول جمهور العلماء على معنى أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا , سواء كانا من تسع وعشرين أو ثلاثين .
اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهارا بل هو لليلة التي تأتي , هذا هو الصحيح , وقد اختلف الرواة عن عمر في هذه المسألة فروى الدارقطني عن شقيق قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين قال في كتابه: ( إن الأهلة بعضها أكبر من بعض , فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد شاهدان أنهما رأياه بالأمس )
قال أبو عمر : وروي عن علي بن أبي طالب مثل ما ذكره عبد الرزاق أيضا , وهو قول ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك , وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والليث والأوزاعي , وبه قال أحمد وإسحاق.
وقال سفيان الثوري وأبو يوسف : إن رئي بعد الزوال فهو لليلة التي تأتي , وإن رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية , وروي مثل ذلك عن عمر , ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن شباك عن إبراهيم قال : كتب عمر إلى عتبة بن فرقد " إذا رأيتم الهلال نهارا قبل أن تزول الشمس لتمام ثلاثين فأفطروا , وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا " , وروي عن علي مثله.
ولا يصح في هذه المسألة شيء من جهة الإسناد على علي , وروي عن سليمان بن ربيعة مثل قول الثوري , وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب , وبه كان يفتى بقرطبة , واختلف عن عمر بن عبد العزيز في هذه المسألة , قال أبو عمر : والحديث عن عمر بمعنى ما ذهب إليه مالك والشافعي وأبو حنيفة متصل , والحديث الذي روي عنه بمذهب الثوري منقطع , والمصير إلى المتصل أولى , وقد احتج من ذهب مذهب الثوري بأن قال : حديث الأعمش مجمل لم يخص فيه قبل الزوال ولا بعده , وحديث إبراهيم مفسر , فهو أولى أن يقال به .
روى الدارقطني عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : قال : اختلف الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي صلى الله عليه وسلم بالله لأهلا الهلال أمس عشية , ( فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا وأن يغدوا إلى مصلاهم ) قال الدارقطني : هذا إسناد حسن ثابت.
قال أبو عمر : لا خلاف عن مالك وأصحابه أنه لا تصلى صلاة العيد في غير يوم العيد ولا في يوم العيد بعد الزوال , وحكي عن أبي حنيفة.
واختلف قول الشافعي في هذه المسألة , فمرة قال بقول مالك , واختاره المزني وقال : إذا لم يجز أن تصلى في يوم العيد بعد الزوال فاليوم الثاني أبعد من وقتها وأحرى ألا تصلى فيه , وعن الشافعي رواية أخرى أنها تصلى في اليوم الثاني ضحى , وقال البويطي : لا تصلى إلا أن يثبت في ذلك حديث.
قال أبو عمر : لو قضيت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض , وقد أجمعوا في سائر السنن أنها لا تقضى , فهذه مثلها.
وقال الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل : يخرجون من الغد , وقال أبو يوسف في الإملاء , وقال الحسن بن صالح بن حي : لا يخرجون في الفطر ويخرجون في الأضحى . قال أبو يوسف : وأما في الأضحى فيصليها بهم في اليوم الثالث . قال أبو عمر : لأن الأضحى أيام عيد وهي صلاة عيد , وليس الفطر يوم عيد إلا يوم واحد , فإذا لم تصل فيه لم تقض في غيره ; لأنها ليست بفريضة فتقضى , وقال الليث بن سعد : يخرجون في الفطر والأضحى من الغد .
قلت : والقول بالخروج إن شاء الله أصح , للسنة الثابتة في ذلك , ولا يمتنع أن يستثني الشارع من السنن ما شاء فيأمر بقضائه بعد خروج وقته , وقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس ) . صححه أبو محمد. قال الترمذي : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم , وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك , وروي عن عمر أنه فعله .
المسألة التاسعة عشرة : وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ .
عطف عليه , ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل. واختلف الناس في حده:
- فقال الشافعي : روي عن سعيد ابن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون , قال : وتشبه ليلة النحر بها.
- وقال ابن عباس : حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا وروي عنه : يكبر المرء من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة , ويمسك وقت خروج الإمام ويكبر بتكبيره.
- وقال قوم : يكبر من رؤية الهلال إلى خروج الإمام للصلاة.
- وقال سفيان : هو التكبير يوم الفطر.
- زيد بن أسلم : يكبرون إذا خرجوا إلى المصلى فإذا انقضت الصلاة انقضى العيد , وهذا مذهب مالك.
- قال مالك : هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام.
- وروى ابن القاسم وعلي بن زياد : أنه إن خرج قبل طلوع الشمس فلا يكبر في طريقه ولا جلوسه حتى تطلع الشمس , وإن غدا بعد الطلوع فليكبر في طريقه إلى المصلى وإذا جلس حتى يخرج الإمام , والفطر والأضحى في ذلك سواء عند مالك , وبه قال الشافعي.
- وقال أبو حنيفة : يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر , والدليل عليه قوله تعالى : (ولتكبروا الله) ، ولأن هذا يوم عيد لا يتكرر في العام فسن التكبير في الخروج إليه كالأضحى.
وروى الدارقطني عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كانوا في التكبير في الفطر أشد منهم في الأضحى , وروي عن ابن عمر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى ) وروي عن ابن عمر : أنه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر يجهر بالتكبير حتى يأتي ثم يكبر حتى يأتي الإمام , وأكثر أهل العلم على التكبير في عيد الفطر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم فيما ذكر ابن المنذر قال : وحكى ذلك الأوزاعي عن إلياس.
وكان الشافعي يقول إذا رأى هلال شوال : أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى , ولا يزالون يكبرون ويظهرون التكبير حتى يغدوا إلى المصلى وحين يخرج الإمام إلى الصلاة , وكذلك أحب ليلة الأضحى لمن لم يحج.
صيغة التكبير:
ولفظ التكبير عند مالك وجماعة من العلماء :
الله أكبر الله أكبر الله أكبر , ثلاثا.
وروي عن جابر بن عبد الله , ومن العلماء من يكبر ويهلل ويسبح أثناء التكبير.
منهم من يقول : الله أكبر كبيرا , والحمد لله كثيرا , وسبحان الله بكرة وأصيلا.
وكان ابن المبارك يقول إذا خرج من يوم الفطر : الله أكبر الله أكبر , لا إله إلا الله , والله أكبر ولله الحمد , الله أكبر على ما هدانا.
قال ابن المنذر : وكان مالك لا يحد فيه حدا , وقال أحمد : هو واسع . قال ابن العربي : " واختار علماؤنا التكبير المطلق , وهو ظاهر القرآن وإليه أميل " .
قيل : لما ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم . وقيل : بدلا عما كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالآباء والتظاهر بالأحساب وتعديد المناقب , وقيل : لتعظموه على ما أرشدكم إليه من الشرائع , فهو عام .
(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كي تشكروا عفو الله عنكم وقد تقدم معنى لعل وأما الشكر فهو في اللغة الظهور من قول دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف وحقيقته الثناء على الإنسان بمعروف يوليكه.
قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح والشكران خلاف الكفران وتشكرت له مثل شكرت له.
وروى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ).
قال الخطابي هذا الكلام يتأول على معنيين :
- أحدهما : أن من كان من طبعه كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله عز وجل وترك الشكر له.
- والوجه الآخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والختام
اللجنة العلمية
رمضان وتحويل العادة إلى العبادة
في كل سنة نستقبل شهر رمضان ثم نودعه، وتلك سنة الحياة التي لا نملك تغييرها، فنحن لا نملك أن نوقف الزمن الذي يسير بلا توقف، ولو ملكنا ذلك لما تركنا الزمن يمر حتى نعمر في هذه الحياة، وتلك طبيعة البشر. يأتي رمضان ولا نملك منعه من المجيء، ويذهب ولا نملك منعه من الذهاب. ضيف يحل ويرحل في كل سنة. نسمع قبله بقليل عن فضل هذا الشهر وأهميته ومكانته وما يجب علينا من اغتنامه، ثم بعد رحيله نسمع كذلك بعض المواعظ في وداعه والحزن على فراقه، حتى أصبح ذلك الأمر عادة تعودناها وقضية ألفناها. أحداث رتيبة تتكرر علينا في السنة وفي الشهر وفي الأسبوع وفي اليوم.
وليس بمستغرب تحوّل كثير من شؤون الحياة إلى عادات تتكرر علينا حتى نألفها، وتصبح ممارستها ومزاولتها أمرًا تلقائيًا لا يحرك في النفس ساكنًا ولا يثير فيها كامنًا. ولئن كان ذلك مقبولاً في شؤون حياتنا الدنيوية فإنه لا شك أنه من غير المقبول تمامًا أن ينسحب ذلك على عباداتنا التي نتقرب بها إلى الله.
إن من آفات العبادات الخطيرة العظيمة أن تتحول العبادة إلى عادة، يؤديها الواحد منا دون أن تترك أثرًا في نفسه أو سلوكه. وتأمل ـ رعاك الله ـ في عبادة من العبادات وهي الصلاة، قال الله عنها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر, عندما تحولت إلى عادة من العادات عند الكثير منا أصبحت لا تنهى عن الفحشاء ولا المنكر؛ ولذلك ذكرت إحدى الممثلات من الفاسقات في لقاء صحفي عندما سئلت عن برنامجها اليومي قالت: أستيقظ في الصباح وأصلي ثم أتناول طعام الإفطار، ثم ذكرت أمورًا أخرى, والشاهد أنها تصلي وهي من المتبرجات المجاهرات بالمنكر على شاشات التلفزيون وهي تصلي. وهكذا تجتمع الصلاة تلك العبادة العظيمة مع الفسق والفجور والمجون. لكن ذلك لا يحدث إلا عندما تكون الصلاة عادة لا عبادة، وإلا فإنه ـ وربي ـ لو كانت صلاتها عبادة وقربه لله لنهتها عن الفحشاء والمنكر، فهو قول الحق سبحانه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو القائل: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].
إن من أعظم آفات العبادات آفة الإلف والعادة، فعندما يعتاد المرء على العبادات وتصبح جزءا من برنامجه اليومي كالصلاة والأسبوعي كالجمعة والسنوي كرمضان والحج تتحول هذه العبادات إلى مجرد أفعال وأقوال متكررة لا تضيف جديدًا إلى حياة الفرد. لكن لنعلم أن هذه مشكلة واقعية نتعرض لها جميعًا بلا استثناء، فهل هناك حل؟ وما هو يا ترى؟
هناك حل نبوي عظيم قد أرشدنا إليه رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، واستمع إلى ما رواه ابن ماجه في سننه والإمام أحمد في مسنده وغيرهما من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، عظني وأوجز، فقال له : ((إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا, واجمع الإياس مما في أيدي الناس)).
الله أكبر! يا له من دواء لو كنا به عاملين. هذا هو العلاج والحل لتلك المشكلة المعضلة. تصور ـ أخي الكريم ـ أن يقال لك: هذه آخر صلاة تصليها، فهل تظن أنها ستكون مثل الصلاة التي قبلها، بل مثل الصلوات التي قبلها؟! وأترك الإجابة لك.
معاشر المؤمنين، أن تصلي صلاة مودع يعني أن تتصور أن لقاء الله سيكون بعد هذه الصلاة، فهل يظن أحد أن الصلاة ستكون في مثل هذه الحال، صلاة محشوة بالوساوس والهواجس، يصول فيها القلب ويجول في أودية الدنيا؟! كلا والله.
ثم تعال أخي الحبيب، وقل لي: هل تظن أن هذا مجرد كلام لا ينفع؛ لأنه مجرد خيال يتخيله المصلي، وتصور أنها ربما تكون آخر صلاة أمر مستبعد. لماذا وما الذي يجعلك تظن أنك لن تموت بعد هذه الصلاة؟ هل عندك ضمان بذلك؟! أوتدري متى ينتهي عمرك ويحل أجلك؟! أليس من المحتمل أن لا تخرج من المسجد إلا محمولاً على الأكتاف؟! يقول تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]. إذًا فالأمر جد لا هزل فيه، وبذلك يكون الدواء لا مرية فيه. لكن نعود فنقول: أين العاملون؟!
عباد الله، وليكن معلومًا لدينا أن هذا الدواء الذي أرشد إليه رسولنا للقضاء على مشكلة الإلف والعادة في العبادة ليس مقصورًا على الصلاة وحدها، بل إنه دواء نافع وحل ناجع لهذه المشكلة مع كل العبادات. ولذلك تعالوا بنا نحاول العمل بهذا الدواء لنفس المشكلة في شهر رمضان. فكم منا من قد أَلِفَ مرور هذا الشهر عليه حتى اعتاد على الصيام والقيام والصدقة وتفطير الصائمين وقراءة القرآن، فما عادت هذه العبادات العظيمة تسمو بالنفس في أفق الإيمان ولا تحلق بها في أجواء الخشوع، والسبب مرة أخرى الإلف والعادة.
أمة الجسد الواحد، إنهم ليسوا بحاجة لأموالكم وتبرعاتكم بقدر حاجتهم لدعائكم إن بخلتم عليهم بالمال. الدعاء الدعاء ـ أيها المسلمون ـ لإخوانكم المستضعفين في كل مكان، خصوهم بالدعاء في سجودكم وقنوتكم وبين الأذان والإقامة وعند الإفطار وفي الثلث الأخير من الليل وما أدراك ما ثلث الليل الآخر؟! وقت لا ترد فيه دعوة، يقول فيه الجبار كما في الحديث القدسي: ((هل من سائل فأعطيه؟)). الدعاء الدعاء أيها المسلمون، فكم رفع الله من بلاء بهذا الدعاء. واعلم ـ أخي المسلم ـ أنك لن تدعو لمسلم إلا قال الملك: ولك بمثل، فقد روى الإمام مسلم من حديث أم الدرداء وأبي الدرداء أن رسول الله قال: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل)).
إن إشباع جوعة البطن أمر محمود وفاعله مأجور، لكن لنعلم أن إشباع جياع القلوب فرض مطلوب، فليكن لنا جهد في ذلك. إن الكثير من غير المسلمين اليوم وهم حولنا يحتاجون إلى إشباع قلوبهم بحلاوة الإيمان ونور الإسلام؛ بدعوتهم إلى الإسلام. وهذا أمر قد كفتنا إياه كثير من المؤسسات الخيرية في هذا البلد المبارك. لكن تلك المؤسسات بحاجة إلى دعمنا لها، فلنبذل من أموالنا لإشباع قلوب قد خلت من الإيمان فغدت جائعة لا يشبعها شيء، ولنتذكر قوله : ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم)) رواه البخاري.
أيها المحسنون، في رمضان يذكرنا الضعفاء الفقراء بأنفسهم على نواحي الطرق وأبواب المساجد، ومنهم الصادق ومنهم الكاذب، فهلا تذكرنا إخوة لنا ضعفاء فقراء محتاجين لا سبيل لهم إلينا ليذكِّرونا بأنفسهم، قد يكون بعضهم حولك بل ومن قرابتك، وبعضهم في بلاد بعيدة لا تعرفهم ولا يعرفونك، تجمعك بهم أخوة الدين.
معاشر الصائمين، إنها الفرصة اليوم لنخرج رمضان من إطار العادة إلى روح العبادة؛ لتصبح تلك الأعمال طاعة لله تزيدنا قربا منه وحبا له جل وعلا، وتكون سببا في الارتقاء بنا في مدارج الإيمان، لنخرج من هذا الشهر ـ إن شاء الله ـ برصيد من الإيمان والحسنات ما يزيدنا شوقا إلى لقاء ربنا، فهلا عملنا؟! يقول تعالى: مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [الإسراء:15].
كيف وجد الناس أنفسهم في رمضان
كان رمضان خلال أيام خلت ملء أسماعنا وأبصارنا، عشناه يوما بيوم، وليلة بليلة، وها هو قد انتهى بما أودعه العباد من أعمالهم؛ فمحسن ومسيء، ومقل ومستكثر، ومقبول ومردود، وغدا في الحساب يوفى العاملون أجورهم. لقد كان صوت رمضان مدويا في الآفاق، وشعائره بادية للعيان؛ فأحاديث الإذاعة عنه، وبرامج التلفزة فيه، وأضاءت المساجد في ليله، وعجَّت المنائر بالقرآن يتلى، وبالدعاء يصعد إلى السماء، وعاش المسلمون فيه أجمل اللحظات التي طربت فيها القلوب، وانشرحت الصدور، وسحت العيون، بعد عام كامل من الانشغال بالدنيا وملذاتها، والغفلة عن ذكر الله تعالى.
إن رمضان أشبه ما يكون بمستودع مليء بالإيمان والخشوع، والناس يغترفون منه زادا لعامهم كله، فمنهم من أخذ حظه وافيا منه، ومنهم من رأى الناس يغترفون وهو لا يزيد على أن ينظر إليهم.
في رمضان تاب عباد من خطاياهم، وعاهدوا الله تعالى على أن لا يعودوا إلى العصيان بعد أن طعموا حلاوة التوبة والإقبال الله تعالى، وتذوقوا لذة الخشوع والدعاء والقرآن.
وفي رمضان واظب عباد على صلاة الجماعة، وداوموا على الصف الأول، ولم تفتهم التكبيرة الأولى؛ فعزموا على أن يكون هذا دأبَهم العمر كله، والتبكيرُ إلى الصلاة له لذة لا يعرفها إلا أهلها.
وفي رمضان عرف كثير من الناس قيمة القرآن الذي يهجرونه طوال العام؛ فاستمعوا آياته تتلى آناء الليل، ورتلوه آنا النهار، فوجدوا في القرآن خير جليس: أيقظ قلوبهم، وشحذ هممهم للعمل بما ينفعهم، واجتناب ما يضرهم.
وجدوا فيه وعيدا على معاص قد تلبسوا بها، فعاهدوا ربهم على الإقلاع عنها، وقرءوا فيه جزاء عظيما على أعمال صالحة قد فرَّطوا فيها، فعزموا على المحافظة عليها.
لقد تعلموا من القرآن ما لم يكونوا يعلمون، ونبههم إلى ما كانوا عنه غافلين، فندموا على سنوات مضت هجروا فيها هذا الكتاب العظيم، وعقدوا العزم على أن يكون لهم منه ورد يومي لا يتركونه مهما كلف الأمر.
وفي رمضان وجد كثير من المتهجدين لذة صلاة الليل، ومناجاة الرب جل جلاله، والانطراح على بابه، والبكاء من خشيته ورجائه، وطَعِموا حلاوة الاستغفار في أسحاره، فعلموا أنهم قد غفلوا عن هذا الباب العظيم من الخير، وأن سهرهم أول الليل ونصفه، ونومهم آخره قد حرمهم هذه اللذة العظيمة، فعزموا على أن يجاهدوا أنفسهم على قيام الليل، وأن يأخذوا بالأسباب المعينة على ذلك؛ لئلا يُحرموا لذة مناجاة الرب في أفضل الساعات، وربنا تبارك وتعالى يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حين يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فيقول: من يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ له، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له، كما جاء في الحديث الصحيح.
وفي رمضان انتشرت مظاهر الإحسان للخلق بتفطير الصائمين، وتلمس حاجات المعوزين، وإيتاء الزكاة الواجبة، وإتباعها بصدقة النافلة، وأحس الصائم بجوع إخوانه الفقراء، وعلم حاجتهم، ووجد لذة عظيمة في الإحسان إليهم، وإدخال السرور عليهم وعلى أسرهم وأطفالهم، فكان سروره يزداد مع زيادة صدقاته وإحسانه، وودَّ ساعة إنفاقه لو ملك ما على الأرض لا لشيء إلا ليحسن إلى إخوانه، ويدخل السرور إلى بيوتهم.
وكان قبل رمضان يشبع ويلبس ويركب ويترف، ولا يأبه بغيره، لكنه لما رأى مظاهر الإحسان في رمضان أبت عليه نفسه إلا أن ينتظم في سلك المحسنين، فوجد في الإحسان إلى الخلق ما لم يجده في لذيذ طعامه ولباسه ومراكبه ومساكنه وزينته، فعزم على أن لا يقطع لذة الإحسان إلى الخلق، وأن يكون للفقير والمسكين وذي الحاجة حظ دائم من أمواله التي وهبها إياه ربُه عز وجل. ولا سيما مع علمه بحديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فيه إلا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فيقول أَحَدُهُمَا: اللهم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)) رواه الشيخان.
وفي رمضان حرص كثير من الناس على برِّ والدِيْهم، وإدخال السرور عليهم بمجالستهم ومنادمتهم، فرأوا من سرور والدِيْهم بهم ما غفلوا عنه من قبل بمشاغل الدنيا، ومطالب الأهل والولد، فعزموا على أن يعطوا والديهم حظهم منهم، وأن يكون لهم معهم جلسات مرتبة لا يتخلفون عنها أو يؤجلونها مهما كلف الأمر؛ لعلمهم بعظيم حقهم عليهم، حتى إن الله سبحانه ذكر حقهم مع حقه تعالى؛ لأنهم السبب الأول بعد الله تعالى في وجودهم في هذه الدنيا {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْ نِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
وفي رمضان وَصَل كثير من الناس أرحامهم للمباركة لهم ببلوغ الشهر أو العشر، فرأوا من فرحهم بهم ما لم يظنوه، ومن ترحيبهم بهم ما لم يتوقعوه، فعلموا قدر تفريطهم سابقا في حق قرابتهم، وبعدهم عنهم، وقطيعتهم لهم، واشتغالهم بالمباحات وبما دونها عن أداء الواجبات، وقد سمعوا في رمضان آيات الله تعالى تأمرهم بالإحسان إلى القربى {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْ نِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى} [النساء: 36] وقرؤوا وعيد الله تعالى فيمن قطعوا أرحامهم {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: 25] فعزموا على أن يجعلوا لقرابتهم حظا من أوقاتهم، وجزءً من زياراتهم ومكالماتهم؛ طاعة لله تعالى، ووفاء لحقهم.
وفي رمضان تفقد بعض الناس جيرانهم بزيارتهم أو السؤال عنهم فوجدوا فيهم المريض والعاجز عن بلوغ المسجد، ولم يفتقده أكثر المصلين لانشغالهم عنه، وعدم اهتمامهم بحقوق الجار، فعزموا على أن يعطوا جيرانهم ما لهم من الحقوق عليهم، ويسألوا عنهم، ويتفقدوهم طوال العام.
لقد كان رمضان منبعا للإيمان والتقوى، وموردا لتزكية النفوس، وتقويم السلوك، ومعرفة الحقوق، صدر إليه المؤمنون فاغترف كل واحد منه ما اغترف، والموفق من أوفى بعهده مع الله تعالى، وأحسن في سائر الشهور كما أحسن في رمضان؛ لأنه يعبد الله عز وجل ولا يعبد رمضان، والله تعالى يجب أن يعبد في كل زمان ومكان وحال.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} [الحشر: 18-19].
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والختام
اللجنة العلمية
رمضان وفرصة الاستفاقة ؟!
عباد الله، أحوالنا اليوم لا تسرّ واحدًا من الناس، أحوال أمتنا الإسلامية لا ترضي إلا أعداء الإسلام، فهل سألنا أنفسنا: لماذا ضعفت أحوالنا؟! والجواب واضح: هو أننا ابتعدنا عن المنهج المستقيم الذي جاءنا به إسلامنا العظيم وبينه لنا رسولنا الكريم .
عباد الله، لماذا عاش سلفنا الصالح حياة طيبة؟ كيف فتحوا البلاد وحرّروا العباد؟ كيف استطاعوا القضاء على الفساد والاستبداد؟ كيف سادت أحوالهم وتميزت أعمالهم؟ كل منا يطرح هذه الأسئلة، وكلنا يعرف الإجابة، ولكن كثير منا لا يطبقون أوامر الله تطبيقًا سليمًا صحيحًا. ومن هنا يجب علينا أن نقوم بدورنا في الحياة، أن نجعل من إسلامنا دستورًا لنا ومنهاجًا لحياتنا، فنحيا حياة طيبة مطمئنة، فكثير من الناس أحياء ولكنهم كالأموات، لا يدركون سر حياتهم، ولا يقدمون لمستقبلهم ولا لأمتهم ولا لأنفسهم خيرًا، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ[التوبة:87].
إن الله يحب المؤمنين الأقوياء الذين يقفون أمام الشدائد والمحن بصبر وجَلَد، فلا يَهِنون، ولا يُصابون بالإحباط واليأس، ولا تنهار قواهم، بل يصمدون ويواصلون ويرابطون، وهي ثمرة إيمانهم بربهم وبرسولهم وبدينهم.
عباد الله، حافظوا على إيمانكم ويقينكم، وكونوا على ثقة بربكم، فهو صاحب اللطف الخفي، وهو القادر على نصرتكم وكشف الضر عنكم، وتذكروا أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فقد سَلَّمَ رسولنا في الغار من الكفار، ورحم في الغار أهل الكهف، وفرَّج عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، وهو الذي نجّى إبراهيم من النار، ونجّى موسى من الغرق، ونوحًا من الطوفان، ويوسف من غَيَابَات الجُبّ، وأيوب من المرض، وكتب النصر لداود على جالوت، وهو الذي نجّى عيسى عليه السلام من أعدائه، وهو الذي نصركم في يوم بدر وأنتم أذِلّة، وهو الذي فتح لكم مكة المكرمة، وهو الذي نصركم في مواطن كثيرة في يوم حُنَين وفي عَمُّورية وعَيْن جالوت، وفتح عليكم بيت المقدس، وجعلكم سادة العالم، يوم تمسُّككم بدينكم ونصركم ربكم أعزكم الله بنصره، وأيدكم بجنده، فكنتم خير أمة أخرجت للناس.
أيها المسلمون، أقيموا دولة الإسلام تعود لكم عزتكم وكرامتكم، سوف تحكمون الدنيا بعدلكم وسماحة دينكم وبقوة عقيدتكم وعلو همتكم وإيمانكم بربكم.
اسمعوا ماذا قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل، قال لهم: (يا بني إسرائيل، سيأتي عليكم زمان تقاتلون قومًا وتنتصرون عليهم، واعلموا أنكم لا تنصرون لأنكم صلحاء، بل أنتم يومئذ مفسدون، ولكنكم تنصرون عليهم لأنهم سيكونون أشد منكم فسادًا).
إن الله تعالى نصر الأتقياء، فإذا لم يكن هناك أتقياء فإن نصر الله يكون للأقوياء، ونحن للأسف ـ يا عباد الله ـ لا تقوى ولا قوة، ولذلك ضاعت الأرض، ضيعنا البلاد والعباد، ضاع المسجد الأقصى، أمة الإسلام ومنذ أربعين سنة لم تعرف أين المسجد الأقصى، لم تعمل لتحرير المسجد الأقصى، أمة نائمة غافلة تغط في سبات عميق، ليس لنا إلا التوجه إلى الله.
إن الشقاق والنزاع والخصام يضعف الأمم القوية، ويميت الأمم الضعيفة، فالعدو لا يتمكن منا ما دمنا متحدين، ما دمنا مجتمعين يدًا واحدة. واعلموا ـ عباد الله ـ أن أعداءكم لا ينامون ولا يغفلون، وأن سياسة الغرب في احتلال الشرق تقوم على قاعدة: "فَرِّقْ تَسُد"، فهلاّ اعتصمنا بحبل الله، هلاّ تمسكنا بكتاب الله، ألم تسمعوا قوله تعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]؟!
هذا شهر رمضان قد عزم على الرحيل، ولم يبق منه إلا القليل، فمن منكم أحسن فيه فعليه التمام، ومن فرّط فليختمه بالحسنى والعمل بالختام، فاغتنموا منه ما بقي من الليالي اليسيرة والأيام، واستودعوه عملاً صالحًا يشهد لكم به عند الملك العلاّم، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وسلام، فيا أصحاب الذنوب العظيمة، الغنيمة في هذه الأيام الكريمة، فمن يُعتَق فيها من النار فقد فاز بالجائزة العظيمة.
عباد الله، كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: (يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنّيه، ومن هذا المحروم فنعزّيه). قلوب المؤمنين المتقين إلى هذا الشهر تحنّ، ومن ألم فراقه تئنّ. فيا شهر رمضان تَرَفَّق، ودموع المحبين تَدَفَّق، قلوبهم من ألم الفراق تَشَقَّق، عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقّع من الصيام ما انخرق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى من استوجب النار يعتق.
ومن شرف هذه الأيام المباركة أن ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر في وتر منها، وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه)). فالمبادرة المبادرة إلى اغتنام العمل فيها، فعسى أن تستدرك ـ أيها المسلم ـ ما فاتك من ضياع العمر، قالت عائشة رضي الله عنها للنبي : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)).
وتذكروا ـ يا عباد الله ـ أن العفُوّ من أسماء الله تعالى، وهو يتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفوا بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه ولطفه، وعفوه أحب إليه من عقوبته، وكان النبي يقول: ((أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك)). وقد ورد في بعض الآثار أن الله ينظر ليلة القدر إلى المؤمنين من أمة محمد فيعفو عنهم ويرحمهم إلا أربعة: مدمن خمر، وعاقًّا، ومُشاحِنًا، وقاطع رحم.
يا كبير الذنب، عفو الله من ذنبك أكبر، أكبر الأوزان في جنب عفو الله يصغر، ومن دعاء الصالحين يا عباد الله: اللهم ارض عنّا، فإن لم ترضَ عنّا فاعفُ عنّا.
مفاهيم غرست في المدرسة الرمضانية
1) حب القرآن:
كم كان الناس يتسابقون على ختمة مرة أو مرتين أو أكثر، وبتلاوته في صلاة التراويح والقيام ، تلذذنا بسماع قصصة وخطاباته، وكم أصغينا لتوجيهاته وتحذيراته حين يخاطبنا بيا (( أيها الذين آمنوا ))
وبيا ((أيها الناس..))وصدق الله: (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ))
2) يُسر الصيام وسهولته ـ
وخصوصاً أننا نعيش في بلد آمن ورغد عيش هانئ ـ
فلذلك علينا أن نحرص على المسابقة في هذه العبادة وهي عبادة الصوم *
قال صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ) رواه مسلم وغيره.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقو : (من صام يوما في سبيل الله، بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ). رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ما عدا أبو داود.
3) قيام الليل
بما فيه صلاة الشفع والوتر والتي هي من دأب الصالحين طوال حياتهم في رمضان وغيره فمن أراد الإستمرار على ذلك فبنفس الصفة إلا أنها تؤدّى فرادى ، كلٌ يصلي بمفرده.
قال تعالى مادحاً المؤمنين وواصفاً لهم بهذه الصفة: (( تتجافى جنوبهم عن
المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعا.. )) وقال تعالى: (( أمّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربهم قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكر أولو الألباب))
4) تعرّفنا على الله ـ جل في علاه ـ
حين أمسكنا عن شهواتنا وملذاتنا ولم نخش أحـدا ً في ذلك إلا الله ، وهذا من حفظ الله في الغيب ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل : إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي للصائم فرحتان : فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )
5) الترابط والعطف بين المسلمين
وقد بدت واضحة في المسارعة إلى تفطير الصائمين في كثير من المساجد والمخيمات المعدّة لذلك، كما شاهدناه ـ أيضاً ـ عند كثرة الصدقات على المحتاجين ، وأخيراً مع ختام الشهر ما كان من توزيع زكاة الفطر على مستحقيها ، وما هذه الصور التي ترتسم كل عام إنما هي مما دل عليها نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام الذي دعا إليها وأمرنا بها ، وجميل أن تبقى الأمّـة على هذا المبدأ مترابطة ومتماسكة يعطف الغني على الفقير ويحسن الكبير على الصغير..
6)حاجتنا للعلم الشرعي ورفع الجهل عن أنفسنا
، وذلك حين تكثر المسائل والفتاوى المتعلقة بأحكام رمضان وما يتعلق بالصيام في هذا الشهر لدى كثير من الناس..
7) المسارعة والمسابقة في الخيرات
من قوله تعالى:(( وسابقوا إلى مغفرة من ربكم )) وقوله: ((وسارعوا إلى مغفرة من ركم)) وفي قوله سبحانه: (( واستبقوا الخيرات ))وذلك حين نرى أهل الإيمان وهم يتسابقون إلى فعل الخيرات والإكثار من صالح الأعمال طوال شهر رمضان ، وقد بدا واضحاً يشاهده الجميع ويلمسه ، وما أجمل أن تستمر مثل هذه المسارعة في باقي أيام السنة ، قال الإمام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ ( بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان )
8) حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
، فلا يكاد أحدنا تمر عليه لحظة من لحظات رمضان إلا ويحس بشيء من هذا الحب الذي يجعله ينس تعب العبادة ويود الإستزادة من سائر الأعمال الصالحة ، وتلك حلاوة الإيمان التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( ثلاثٌ مَن كن فيه وجد حلاوة الإيمان..ومنها: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..)
9) حاجتنا إلى العمل الصالح
* الذي جعلنا نلمس تلك الزيادة في الإيمان * كما هو منهج أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان..
10) تعلمنا من رمضان حقيقة القوة ، وأنه ليس مدعاة للكسل والنوم والهروب عن العمل طوال النهار ، بل هو شهر جهاد وصبر على طاعة الله تعالى ، ويتأكد ذلك لدينا حين نسمع بمعارك الإسلام وفتوحاته والتي كانت في رمضان كبدرٍ ، وفتح مكة ، وعين جالوت..
11) سماحة الدين وتمام عدله حين استثنا من الصيام المريض والمسافر
فقال: ((..فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر..)) وقوله تعالى: (( يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر..))
ويشمل ذلك المرأة حين نفاسها وعند عادتها الشهرية فتفطر وتقضي ما أفطرته بعد رمضان..
12) تعلمنا من رمضان أهمية السحور لمن أراد صياماً ، وبيان البركة المرجوة، فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : ( تسحّروا فإن في السحور بركة ) وقال: ( إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ) وكذلك تأخيره إلى قبيل الفجر كما صح عنه عليه الصلاة والسلام حين قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)
13) إن بداية شهر رمضان وسرعة أفوله يُشعِرُنا ـ بحقيقة ـ أن لكل بداية نهاية ، وأن حقيقة هذه الدنيا بأسرها قد كانت لها بداية وسوف تكون لها نهاية ، كما أنه علينا أن نستعد لنهايتنا من هذه الدنيا ومفارقتنا لها بما يرضي الله عنا..(( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ))
14) قال صلى الله عليه وسلم:« أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب ما شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس » [السلسلة الصحيحة 83] ..
لقد وجدنا ذلك واضحاً في حبنا لرمضان فما هي إلا أيام معدودات فولّى تارك لنا ولم يعقّب ، ليترك لنا قول ربنا ـ جل جلاله ـ كما في الحديث القدسي: ( يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها * فمن وجد خيرًا فليحمد الله ،ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )
15) الشيطان وعدم تسلطه على الصائم
ولعل ذلك حين يكون الإنسان صائماً فيضيق عليه مجرى الدم كما في الحديث ( ..فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم..)
16) فرصة للصلح بين المتقاطعين
وخصوصاً من ذوي الأرحام والأقارب حين تكون الشياطين مصفّدة والنفوس مقبلة على الله تعالى ترجو رضاه وتخشى عذابه
17) إن صيام الشهر يعطينا أعظم درسٍ للحائرين والمظلومين وهو أنَّ الفرج مع الصبر وأنَّ مع العسر يُسراً ، فحين نصبر على العطش وعلى الجوع من الفجر وحين يشتد حر الظهيرة ، وتجف حلوقنا ، وتضيق أمعاؤنا كل ذلك إلى حين دخول وقت غروب الشمس فنسمي ونفطر لتنفرج أساريرنا ويزول عناء التعب ، ويكون ذلك طوال أيام شهر رمضان حتى نتعلّم أنه مع العسر يسراً ومع الصبر يُنال ما يُتمنّا..
18) تعلّمنا من رمضان أننا نعيش في نعمة عظيمة ونحن نتقلّب في هذه الخيرات، فيأتي الصيام ليمنعنا من التلذذ بها ولكن لو أنّ المانع كان غير الصيام كالفقر مثلاً أو الجدب وإنقطاع الأمطار أو تلوث المعيشة بشيء من الأمراض ألسنا بنعمة عظيمة وتستحق منا الشكر والمحافظة عليها..؟ بلى والله..
19) لقد تعلمنا من صلاة التراويح والوتر التربية على الإقبال على الله وطلب مرضاته وصدق اللجأ ، ورفع الأكف بالدعاء والتضرع إليه ومناجاته ، فهل يستمر هذا الحال إلى أمد دائم..؟ ( ..واعبد ربك حتى يأتيك اليقين..)أي حتى يأتيك الموت..
20) الإحساس بالفقراء والمساكين حين نشاركهم الجوع والعطش وكيف
إذا اجتمع عليهم مع ذلك بردٌ قارس أو صيف حار ، وقد يصارعهم هذا الجوع اليوم واليومين ،ومع هذا الإحساس بهم نشاركهم همومهم ، وتنفيس كروبهم ، وسد جوعتهم وليستمر هذا العطاء في رمضان وفي غيره..
21) مدى حقد أعداء الإسلام على هذا الدين وأهله
تسطِّره لنا قنوات فضائية حين تنشط في بث ونشر أقبح الأفلام والصور والأفكار الهدامة طوال أيام الشهر ، ليتنبه العاقل بأنه أمام غزو فكري يستهدف الأبناء والبنات بالدرجة الأولى فيحذر قبل أن يصحو على فاجعة يصحبها لطم للخدود وعضٍ لأنامل الندم..
22) الصيام كشف لنا عن قدراتنا الحقيقية .
نعم هذا أول ما تعلمناه من مدرسة الصيام أننا نمتلك قدرة هائلة . فبعضنا تحمل مشاقة الصيام ، وبعضنا ختم عشرات الختمات ، وبعضنا لم ينم إلا ساعات بسيطة من أجل ألا تفوته لذة التهجد والقيام ، بل فينا من لم تفته تكبيرة الإحرام .
23)همة عالية وطاقة هائلة .
ألا يدل ذلك كله على أن المسلم لديه قدرات هائلة ؟، وهمة عالية ، وعزيمة راسخة أصلب من الجبال الرواسي وأعلى من القمم الشاهقة !. ولذلك باهى الله به ملائكته " وينظر إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم الملائكة "
24) تعلمنا في مدرسة الصيام أن نعيش بروح العبادة
وهذا ما تعلمناه من نهج نبينا صلى الله عليه وسلم فقد حكت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عن حاله في عبادته لربه فقالت كان يلاعبنا ونلاعبه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه . وتحكي – رضي الله عنها - في موضع آخر عن حاله لربه في قيام الليل أنه كان ساكناً خاشعاً لربه ومولاه حتى كانت تظن أن الله – تعالى – قد قبض روحه الكريمة ، وها هو – صلى الله عليه وسلم – يقوم ليلة كاملة بآية واحدة من القرآن مستشعراً معناها خائفاً وجلاً أن يصيبه وأمته مضمونها " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " [ المائدة : 118 ] ويحكي ا بن عباس- رضي الله عنهما – عن حاله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل قول الله – تبارك وتعالى – " فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير " [ هود:112 ] ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية أشد ولا أشق عليه من هذه الآية ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : شيبتني هود وأخواتها " .
25) تعلمنا أن الإيمان والخلق قرناء .
لا إيمان لمن لا خلق له هل تنفع الصلاة والصيام ، وقراءة القرآن ؟ إلا إذا تبعها عمل وإصلاح للمجتمع من حولنا .
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والعيد
اللجنة العلمية
العيد هو الابتسامة
العيد هو الابتسامة الطيبة ، العيد هو الكلمة الرقيقة الجميلة ، العيد هو المصافحة الحارة الصادقة ، العيد هو المعانقة التي تذيب الحواجز وتطوي المسافات وتزيل الحدود ، العيد هي القلوب التي تتعلم كيف تصفح وتتعلم كيف تحمل المعاني الإيجابية وتتعلم كيف تنسى وكيف تنسى النسيان أيضاً ، العيد هي الروح التي تضمنا جميعاً وتذكرنا بالإخاء والمحبة والوحدة .
العيد فيه مظاهر للفرح الكثير يختلط عليه أحياناً بين الروح الإيمانية العابقة من رمضان لكن يريد أن يفرح ..
بل نفرح بإتمام العدّة (وَلِتُكَبِّرُو اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(الب قرة: من الآية185) ، والعيد هنا هو فرحة الأطفال وبسمتهم فلا نسرق بسمة الأطفال بل نتعلّم منهم كيف نفرح بعفوية وبساطة وبراءة ونبتسم .
في مناسبة العيد الكثير من الناس يلاحقون الأطفال ويمنعونهم من الفرحة ومن ذلك طبعاً الألعاب النارية التي نجد حرب ضروس عليها من الأهل ومن الجيران ومن الناس ، صحيح فيه ألوان من الألعاب قد تكون ضارة وينبغي أنها لا تعمل إلا في مكان مناسب لها لكن أيضاً ينبغي أن نمنح الأطفال قدراً من المتعة في هذا الشهر وما فيه مانع أنه حتى نحن نلعب معهم في مثل هذه الأمور ونتعوّد أن نتخفف من تكلّفنا ومن كبريائنا ومن هيبتنا الغير مبررة أحياناً ، أو الحديث عن آلام الأمة وكأنه يمنعنا أيضاً من الفرح بالعيد .
عيدنا...وتصفية النفوس
العيد سعادة , فيه تجدد معانٍ , وتعاد ذكريات ، تُرسل مع إقباله رسائل التهاني ، تتصافح فيه الأيادي البيضاء .
وتُقال فيه عثرات الأقربين , وتعفو النفوس عنده عن ذنوب المخطئين .
كل صديق بصديقه فِرح , وكل محب بحبيبه سعيد .
كم كان ميقاتاً لزوال خصومة , وتلاقي بُعداء , وتواصل منقطعين , فهو بحق يوم المحبة والصفاء .
وتبقى نفوساً قد علاه ألم خطيئة الغير في حقها , وسكن فؤادها جرح قريبها أو صديقها الذي لم يراع حرمة الميثاق , فيقرر كل متخاصم أن هذا جرح لا يندمل , وخطأ لا يمكن أن يغتفر , فـتكون القطيعة ويحل الهجران , وتمر السنوات , وتتوالى الأعوام ما بين تلك القطيعة وذلك الهجران , فلا النفوس تهدأ , ولا الآلام تنقطع .
ليتدبر ذلك المقاطع في زمانه الفائت , يوم رأى الخصومة علاج لذاك الخطاء , وجفوته لقريبه أو صديقه بلسماَ لذاك الذنب , فإذا الزمن يمضي بلا علاج , وإذا الأيام تُنمّي ذاك الخصام , والأشد والأنكى توارث الأجيال لخصومات الآباء , وزيادة الجفاء بين أبناء العمومة وأحفاد الإخوان .
فيأتي العيد حاملاَ معه السعادة لكل من كان بينه وبين أخيه خصومة , وتقبل هذه المناسبة لتغسل القلوب من آثار ذاك التنافر , فيتذكر عظيم الأجر من الرحمن حين يقرأ قول الكريم المتعال} فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ { , فيرجو الأجر من ربه , ويتلو قوله تعالى }ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم{
فيُحب أن يغفر الله له , وربما نادته فطرة الخير في نفسه للقاء من خاصمه , فيأتيه شيطانه ويُوهمه أن هذا ذلة , فيصحح له هذا الوهم حديث نبيه عليه الصلاة والسلام \" وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا \"مسلم
فيعقد العزم على اغتنام هذه المناسبة للقاء قريبه , ومصافاة خليله , فتجتمع النفوس بعد شتاتها , وتقرب القلوب بعد نفرتها , فيفرح له كل قريب , ويسعد بهذا كل حبيب .
إن خلق الرحمة في النفس مِنِّةٌ من الله تعالى يجعلها في قلوب من شاء من عباده الرحماء , وللنفوس حظوظها في التشفي , ولكن لم يجعل الإسلام لها أمداً إلا ثلاثة أيام وبعدها يكون المرء ظالمٌ لنفسه ومتعدٍ لشرع ربه , ومقصراً في حقوق إخوانه , ومن ابتدأ بالسلام كان خير المتخاصمين , ففز أيها المتاجر مع ربك لتنال هذه الخيرية وتفوز بهذا العطاء .
العيد حضر أيها المتخاصم , ومناسبة الفرح حلت يا من لازلت مهاجر , وكلنا على يقينٍ بطهارة نفسك , وسمو خلقك , وأنك راغب ٌ في التواصل , فهل تجعل هذه المناسبة فرصة لنيل رضا ربك , وسعادة إخوانك ومن حولك , ومناسبة كريمة للقاء كل قريب لك ؟
رحم الله قلباً تطهر اليوم .
ونفساً عفت وسامحت .
ويداً للمصافحة مُدت .
ورجالاً ونساءً سعوا في الإصلاح .
التهنئة والعيد
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجعوا ـ أي من صلاة العيد ـ يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، قال : أحمد بن حنبل : إسناده جيد . اهـ الجوهر النقي حاشية البيهقي ( 3/ 320 – 321 ) وفي الفروع لابن مفلح (2/150 ) قال : ولا بأس قوله لغيره : تقبل الله منا منكم ، نقله الجماعة كالجواب ، وقال : لا أبتدئ بها ، وعنه : الكل حسن ، وعنه : يكره ، وقيل له في رواية حنبل : ترى له أن يبتدئ ؟ قال : لا ونقل علي بن سعيد : ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة ، وفي النصحية : أنه فِعل الصحابة ، وأنه قول العلماء . اهـ .
وجاء في الفتح ( 2/446) : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنكم . وسئل مالك رحمه الله : أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : تقبل الله منا ومنك ، وغفر الله لنا ولك ، ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال : لايكره . اهـ من المنتقى (1/322)
وفي الحاوي للسيوطي (1/82) قال : وأخرج ابن حبان في الثقات عن علي بن ثابت قال سألت مالكاً عن قول الناس في العيد : تقبل الله منا منك ، فقال : مازال الأمر عندنا كذلك . اهـ .
وفي سؤالات أبي داود ( ص 61 ) قال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن قوم قيل لهم يوم العيد : تقبل الله منا ومنكم ، قال أرجو أن لايكون به بأس . اهـ .
قال ابن قدامة في ( المغني 3/294) : " قال الإمام أحمد – رحمه الله- قوله : ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد : تقبّل الله منا ومنك" ، وقال حرب : "سئل أحمد عن قول الناس : تقبل الله منا ومنكم ؟ قال : لا بأس" ، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة ، قيل : وواثلة ابن الأسقع ؟ ، قال : نعم ، قيل : فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد؟ قال : لا .."
وقال الحافظ بن حجر – رحمه الله - : " ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة ، أو يندفع من نقمة : بمشروعية سجود الشكر ، والتعزية – كذا في (الموسوعة الفقهية) التي نقلت عنها – وربما في الصحيحين عن كعب بن مالك .. " نقلاً عن (الموسوعة الفقهية الكويتية ، 14/99-100) ، وينظر : (وصول الأماني) للسيوطي، وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم أهتد إليه، وينظر : (وصول الأماني 1/83) ( ضمن الحاوي للفتاوى ) .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2/228) : هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ : " عِيدُك مُبَارَكٌ " وَمَا أَشْبَهَهُ , هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ, أَمْ لا ؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ , فَمَا الَّذِي يُقَالُ ؟
فأجاب :
"أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ , وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك , وَنَحْوُ ذَلِكَ , فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ , الأَئِمَّةُ , كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ : أَنَا لا أَبْتَدِئُ أَحَدًا , فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته , وَذَلِكَ لأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ , وَأَمَّا الابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا , وَلا هُوَ أَيْضًا مَا نُهِيَ عَنْهُ , فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ , وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" اهـ .
قال ابن القيم – رحمه الله – ضمن سياقه لفوائد تلك القصة في ( زاد المعاد 3/585):"وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية ، والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته ، فهذه سنة مستحبة ، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية ، وأن الأوْلى أن يقال : يهنك بما أعطاك الله ، وما منّ الله به عليك ، ونحو هذا الكلام ، فإن فيه تولية النعمة ربهّا ، والدعاء لمن نالها بالتهني بها ". ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكه نعمة دينية ، فهي أوْلى وأحرى بأن يُهنأ المسلم على بلوغها ، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله – عز وجل – ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول ؟ ونحن نرى العشرات، ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر .
ويقول العلامة السعدي – رحمه الله – مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات - كما في ( الفتاوى ) في المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي (348) : " هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع ، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز ، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع ، أو تضمن مفسدة شرعية ، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع ، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره . فهذه الصور المسؤول عنها ما أشبهها من هذا القبيل ، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها ، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها ، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.
وسئـل الشيخ ابن عثيمين : ما حكـم التهنئة بالعيد ؟ وهل لها صيغة معينة ؟
فأجاب :
"التهنئة بالعيد جائزة ، وليس لها تهنئة مخصوصة ، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ما لم يكن إثماً" اهـ . و
قال أيضاً :
"التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم ، وعلى فرض أنها لم تقع فإنها الاۤن من الأمور العادية التي اعتادها الناس ، يهنىء بعضهم بعضاً ببلوغ العيد واستكمال الصوم والقيام" اهـ .
وسئـل رحمه الله تعالى : ما حكـم المصافحة ، والمعانقة والتهنئة بعد صلاة العيد ؟
فأجاب : "هذه الأشياء لا بأس بها ؛ لأن الناس لا يتخذونها على سبيل التعبد والتقرب إلى الله عز وجل ، وإنما يتخذونها على سبيل العادة ، والإكرام والاحترام ، ومادامت عادة لم يرد الشرع بالنهي عنها فإن الأصل فيها الإباحة" اهـ
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والعيد
اللجنة العلمية
من أعمال العيد
أولاً : استحباب التكبير في ليلة العيد من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى حضور الإمام للصلاة ، وصيغة التكبير : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد . أو يكبر ثلاثاً فيقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد . وكل ذلك جائز .
وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذكر في الأسواق والمساجد والبيوت ، ولا ترفع النساء أصواتهن بذلك .
ثانياً : يأكل تمرات وتراً قبل الخروج للعيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً ، ويقتصر على وتر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً : يلبس أحسن ثيابه ، وهذا للرجال ، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (وليخرجن تَفِلات) أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج ، ويحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة .
رابعاً : استحب بعض العلماء أن يغتسل الإنسان لصلاة العيد ؛ لأن ذلك مروي عن بعض السلف ، والغسل للعيد مستحب ، كما شرع للجمعة لاجتماع الناس ، ولو اغتسل الإنسان لكان ذلك جيداً .
خامساً : صلاة العيد . وقد أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد ، ومنهم من قال : هي سنة . ومنهم من قال : فرض كفاية . وبعضهم قال : فرض عين ومن تركها أثم ، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حتى ذوات الخدور والعواتق ومن لا عادة لهن بالخروج أن يحضرن مصلى العيد ، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى ، لأن الحائض لا يجوز أن تمكث في المسجد ، وإن كان يجوز أن تمر بالمسجد لكن لا تمكث فيه .
والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين ، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) أو يقرأ سورة (ق) في الأولى ، وسورة القمر في الثانية ، وكلاهما صح به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سادساً : إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد ، فتقام صلاة العيد ، وتقام كذلك صلاة الجمعة ، كما يدل عليه ظاهر حديث النعمان بن بشير الذي رواه مسلم في صحيحه ، ولكن من حضر مع الإمام صلاة العيد إن شاء فليحضر الجمعة ، وإن شاء فليصل ظهراً .
سابعاً : ومن أحكام صلاة العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا جاء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ؛ لأن مصلى العيد مسجد ، بدليل منع الحيض منه ، فثبت له حكم المسجد ، فدل على أنه مسجد ، وعلى هذا فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) . وأما عدم صلاته صلى الله عليه وسلم قبلها وبعدها فلأنه إذا حضر بدأ بصلاة العيد .
إذن يثبت لمصلى العيد تحية المسجد كما تثبت لسائر المساجد ، ولأننا لو أخذنا من الحديث أن مسجد العيد ليس له تحية لقلنا : ليس لمسجد الجمعة تحية ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضر مسجد الجمعة يخطب ثم يصلي ركعتين ، ثم ينصرف ويصلي راتبة الجمعة في بيته ، فلم يصل قبلها ولا بعدها .
والذي يترجح عندي أن مسجد العيد تصلى فيه ركعتان تحية المسجد ، ومع ذلك لا ينكر بعضنا على بعض في هذه المسألة ؛ لأنها مسألة خلافية ، ولا ينبغي الإنكار في مسائل الخلاف إلا إذا كان النص واضحاً كل الوضوح ، فمن صلى لا ننكر عليه ، ومن جلس لا ننكر عليه .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين"
زكاة الفطر:
زكاة الفطر فريضة على كل مسلم ؛ الكبير والصغير ، والذكر و الأنثى ، و الحر والعبد ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ؛ على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين . و أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " أخرجه البخاري .
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج قبل صلاة العيد ، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري : (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) ، وإذا أخرجها بعد صلاة العيد فلا تجزئه عن صدقة الفطر لحديث ابن عباس : (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ، فيحرم على الإنسان أن يؤخر زكاة الفطر عن صلاة العيد ، فإن أخرها بلا عذر فهي زكاة غير مقبولة ، وإن كان بعذر كمن في السفر وليس عنده ما يخرجه أو من يخرج إليه ، أو من اعتمد على أهله أن يخرجوها واعتمدوا هم عليه، فذلك يخرجها متى تيسر له ذلك ، وإن كان بعد الصلاة ولا إثم عليه؛ لأنه معذور .
إخراج القيمة في زكاة الفطر اختلف فيها العلماء على قولين :
الأول : المنع من ذلك . قال به الأئمة الثلاثة مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وقال به الظاهرية أيضاً ، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمر في الصحيحين " فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من بر ، أو صاعاً من شعير ،(وفي رواية أو صاعاً من أقط)، على الصغير والكبير من المسلمين . ووجه استدلالهم من الحديث : لو كانت القيمة يجوز إخراجها في زكاة الفطر لذكرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وأيضاً نص في الحديث الآخر " أغنوهم في هذا اليوم"، وقالوا: غنى الفقراء في هذا اليوم يوم العيد يكون فيما يأكلون حتى لا يضطروا لسؤال الناس الطعام يوم العيد .
والقول الثاني : يجوز إخراج القيمة ( نقوداً أو غيرها ) في زكاة الفطر ، قال به الإمام أبو حنيفة وأصحابه ، وقال به من التابعين سفيان الثوري ، والحسن البصري ، والخليفة عمر ابن عبد العزيز ، وروي عن بعض الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان ، حيث قال : " إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر " ، وقال الحسن البصري : " لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر " ، وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله في البصرة : أن يأخذ من أهل الديون من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم ، وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : إن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشعير .
ومما سبق يتبين أن الخلاف قديم وفي الأمر سعة ، فإخراج أحد الأصناف المذكورة في الحديث يكون في حال ما إذا كان الفقير يسد حاجته الطعام في ذلك اليوم يوم العيد ، وإخراج القيمة يجوز في حال ما إذا كانت النقود أنفع للفقير كما هو الحال في معظم بلدان العالم اليوم ، ولعل حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " أغنوهم في هذا اليوم" ، يؤيد هذا القول ؛ لأن حاجة الفقير الآن لا تقتصر على الطعام فقط ، بل تتعداه إلى اللباس ونحوه .. ، ولعل العلة في تعيين الأصناف المذكورة في الحديث ، هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر ،حيث كانت أغلب مبايعاتهم بالمقايضة، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم . والله أعلم .
فرح العيد ... والسعي للتغيير
جاءنا العيد بعد طاعتنا لله .. جاءنا العيد بعد صيامنا وقيامنا .. فكان هدية الله لنا عيد نفرح ونلهو ولكن دونما معصية .. وكيف نعصى وفرحنا وعيدنا لا يكون إلا بعد طاعة ؟! .. عيدنا فى الدنيا على عمارتنا للآخرة .. ولكن أهناك وقتاً للفرح وسط كل ما نعيشه ؟! .. نحن هناك عيد وفرح ..
نعم سنفرح بالعيد رغم حصار إخواننا في غزة .. ورغم غياب شمس الإسلام عن الأرض .. ورغم حرماننا من شد الرحال للمسجدالأقصى .. ورغم أنين الأسرى وصوت قيودهم ..
سنفرح بالعيد ونساعد كل هؤلاء على التغيير والتحرير .. نعم سنفرح بالعيد ..
يقول الدكتور أحمد عبد الحميد عبد الحق :- ( جاءنا العيد ونحن بصدد حاضر أليم تعيشه أمتنا ، ومستقبل قاتم ينتظرها ، وعدو غاشم يكيد لها ، ومؤامرات تحاك لها ليلاً ونهارًا حتى من أبناء جلدتها ، وتخلي الكثيرين عن واجباتهم نتيجة الانشغال بهموم الحياة وذوبانهم في بحارها ، وانصراف المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية عن واجبها تجاه الشباب الذي تاه وضل، وصار لا يدري لماذا يعيش، ولا حتى كيف يعيش ) .
نعم سنفرح بالعيد رغم كل ما يحدث ؛ لأن اليأس ليس من أخلاقنا - نحن المسلمين- ، ولأنه تعالى قال :- ( إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) سورة يوسف: 87.
فلن نيئس.. ولن نضجر.. ولن نملَّ من طول الطريق .. واسمع ما قاله الحبيب صلى الله عليه وسلم لمن شكوا له المحن قائلين :- ألا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ؟ ، أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ؟ ، قَالَ :- " كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِه ِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ " رواه البخاري .. وقد حدث ..
وسيتحقق النصر بمشيئة الخالق لا محالة فى ذلك ؛ فهو وعد الرحمن لنا ولن يخلف وعده :- ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) سورة النور : 55
عيدنا وعيدهم (المسلمين - غير المسلمين)
العيد اسم لكل ما يعتاد، والأعياد شعارات توجد لدى كل الأمم، سواء أكانت كتابية أم وثنية أم غير ذلك؛ ذلك أن إقامة الأعياد ترتبط بفطرة، طبع الناس عليها، فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات فرح يظهرون فيها السرور، ويتذكرون الماضي.
وأعياد الأمم الكافرة ترتبط بأمور دنيوية، مثل قيام دولة، أو سقوطها، أو تنصيب حاكم، أو تتويجه، أو زواجه، أو بحلول مناسبة زمانية كفصل الربيع، أو غير ذلك.
ولليهود أعيادهم، وللنصارى أعيادهم الخاصة بهم، فمن أعياد النصارى العيد الذي يكون في الخميس الذي يزعمون أن المائدة أنزلت فيه على عيسى عليه السلام، وكذلك عيد ميلاد عيسى، وعيد رأس السنة (الكريسمس)، وعيد الشكر، وعيد العطاء... ويحتفلون بها الآن في جميع البلاد الأوروبية والأمريكية وغيرها من البلاد التي للنصرانية فيها ظهور، وإن لم تكن نصرانية في الأصل، وقد يشاركهم بعض المنتسبين إلى الإسلام من حولهم عن جهل، أو عن نفاق.
وللمجوس - كذلك - أعيادهم الخاصة بهم، مثل عيد المهرجان، وعيد النيروز، وغيرهما.
أما المسلمون فليس لهم إلا عيدان: عيد الفطر، وعيد الأضحى؛ ففي سنن أبي داود والنسائي بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال صلى الله عليه وسلم: (كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى)؛ وهذان العيدان اللذان شرعهما الله للمسلمين هما من شعائر الإسلام التي ينبغي إحياؤها، وإدراك مقاصدها، واستشعار معانيها.
فأبادلكم التهنئة بالعيد المبارك، جعلها الله لنا ولكم ولكل المسلمين أفراحاً موصولة. هكذا العيد أيها الأحبة، أفراح ومباهج وصفاء ونقاء، (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون). فلتتصافح القلوب، ولتتصاف النفوس، ولنجدد ميثاق الإخاء الإسلامي بين أولياء الله وحزبه من أهل (لا إله إلا الله) تعاوناً على البر والتقوى، وتواصياً بالحق والصبر، ونصرة للظالم والمظلوم، فلن يذوق طعم الفرح بالعيد قلب تأكله الأحقاد، أو ضمير يسكنه الغش، أو نفس يتلبسها الهوى.
ولنحلم بغدٍ مشرق تلوح تباشيره في الأفق البعيد... فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! لم لا نفرح بالأحلام اللذيذة؟!
لقد سنّ أبو الطيب المتنبي للناس سنّة غير حميدة حين سوّد صفحة العيد بداليته المتشائمة:
عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ لما مضى.. أم لأمرٍ فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهُمُ فليت دونك بيداً.. دونها بيد
وصارت سنة.. فما شاعر إلا ويندب حظه يوم العيد، كما ندب أبو الطيب، ولو أنها حظوظ شخصية، ومعاناة خاصة، وهموم ذاتية، والله أعلم.
ما الذي سيحدث للأمة لو أن أبا الطيب ظفر ببغيته، وأصبح أميراً على العراقين؟!
وغير كثير أن يزورك راجل فيرجع ملكاً للعراقين واليا
وهكذا تحفظنا منذ طفولتنا قول الشاعر الأميري:
ما العيد والقدس في الأغلال رازحة وفي الخليل ملمات وتشريد
وصيحة المسجد الأقصى مخنّقةُ ال أصداء بالدم والويلات ترديد
واللاجئون صيام العيد فِطرهُمُ وجل أفراحهم هم وتسهيد
يا رب أخذك للباغين أخذ ردى والفتح والنصر حتى يصدق العيد
وقول جارنا الشاعر المقل المبدع محمد الشبل:
يا عيد.. أنت على المدى إشراقة النفس العليلة
وسعادة القلب الذي.. لم يلق في الدنيا سبيله
لكنها الأيام تسلب منك فرحتك الجميلة
وتحيل صفو العيش فيك إلى أمانٍ مستحيلة..
يا فرحة العيد التي ثقلت على صدر الزمن
يا فرحة العيد المؤطر بالمآسي والمحن
عودي..إذا عادوا، إذا عادوا إلى أرض الوطن
عودي إذا عاد الفتى والطفل والشيخ المسن
وتلفتوا في لهفةٍ للأرض.. للحقل الأغن..
في نفس شاعري مسترسل يعمق هذا المعنى.. ويأبى قبول فرحة العيد بغير تحقيق النصر.
إن لبلوغ الأمل المنشود على الصعيد الفردي والأممي فرحةً أخرى تختلف في مباهجها وطعمها عن فرحة العيد الراتبة المألوفة.
وقد علم الله الحكيم أن الأمة ستركب طبقاً بعد طبق، وستأخذ مأخذ الأمم قبلها في التفريط، والاتكاء على الماضي العريق، والتخاذل عن الواجب، وستمر بها أزمات ومحن ومصائب.. وشرع لهم سبحانه أن يفرحوا بعيدهم، شكراً على تمام العبادة، والهداية إلى الشريعة (وَلِتُكَبِّرُو ْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(185) سورة البقرة.
ونأى الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين عن موافقة أهل الشرك أو أهل الكتاب في أعيادهم ورسومهم، لا ليدع المسلمين دون عيد وفرحة، ولكن ليخصهم بهذين العيدين الكبيرين المرتبطين بالتعبد صوماً، أو حجاً، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى.
وما من شك أن المسلمين كانوا يقيمون هذه الأعياد، ويجتمعون ويوسعون على الفقير والمسكين، ويترخصون من الأعمال بما لا يرتضونه في غيرها (دعها، فإنه يوم عيد).
يفعلون ذلك حتى حين يكونون في معاناة أو ترقب أو محنة... إن النفس البشرية قد تمل من فرط الإلحاح على معنى واحد، ولو كان صواباً في ذاته، فالجد الصارم يملّ، ولا بأس أن نوقف معزوفة الحزن والندب لنُشِمَّ قلوبَنا شيئاً من عبير الفرحة بالشرع والهداية والتوفيق.
وثمة معنى لطيف يتصل بهذا السياق، وهو التذكير بأنه لا شيء من أمر الحياة الدنيا يدوم.
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويومٌ نساء ويومٌ نُسَرّْ
والله تعالى بيده الأمر، يخفض القسط ويرفعه، كل يوم هو في شأن، وليست الذلة والمرارة التي تعيشها الأمة الإسلامية حتماً صارماً لا يزول، والتاريخ لا يعرف الكلمة الأخيرة، بل هو في دورات متعاقبة يتحقق فيها التقديم والتأخير، والعلو والهبوط، والتمكين والاستضعاف، ولا شيء يدمر إمكانيات الأمة، ويجرها إلى اليأس والقنوط والانتحار مثل الإحساس بالعجز والتوقف عند حالٍ خاص.
لقد أدركنا العيد هذا العام ونحن هدف مغرٍ للمغامرات الأمريكية وتفتحت شهية الأحلاف للضرب ذات اليمين وذات الشمال، ومحاكمة الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي وإدانة المجتمعات المسلمة، والتدخل المباشر لتغيير مناهج المسلمين وأفكارهم وإعلامهم واقتصادهم.
ولقد رأيت المرارة وقرأت الحزن الدفين في وجوه من لقيتهم، وفي كلماتهم وعباراتهم وأحاديثهم.
وهذه حالة فاضلة من حيث صدق الولاء لهذا الدين، وعمق التفاعل مع جراح الأمة وآلامها ونكباتها.
لكن تعديل المزاج بجرعة من الفرحة الغامرة، والضحكة الصادقة، واستعادة البراءة الطفولية قد تعيد تشكيل النفس، وتجدد عزيمتها وترفع همتها، ومن الحكمة البالغة القدرية أن الله تعالى غشَّى المسلمين النعاسَ حين احمرت الحدق، واشتد الخوف، وأصابهم القرح في أحد، فكشف به عنهم غائلة الشر، وأعاد به إليهم السكينة والرضا والاطمئنان.
إن العيد جزء من نظام الأمة الرباني، يصل ماضيها بحاضرها، وقريبها ببعيدها، ويربي ناشئتها على الانتماء الحق لها، ويربط أفراحها بشرائع دينها، التي هي معراجها إلى الكمال والقوة والانتصار.
وليس يحسن أن تجوز عليه المتغيرات فينسى الناس كونه عيداً، ليتحول عندهم إلى مناحة.
لنرغم أنف الشعراء... ولنفرح بالعيد، كما هي سنة الأنبياء، وها نحن نلتقط خيط الأمل من نقطة ضوء تلوح في آخر النفق... يقدحها طفل فلسطيني برمية حجر،، أو عامل دؤوب في حقل من حقول الإصلاح والبناء والتعمير والإحياء.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والعيد
اللجنة العلمية
أخطاء تقع في العيد
1- اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد ..
يعتقد بعض الناس مشروعية إحياء ليلة العيد بالعبادة ، وهذا من البدع المُحدثة التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما روي في ذلك حديث ضعيف ( من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ) وهذا حديث لا يصح ، جاء من طريقين أحدهما موضوع والآخر ضعيف جداً . انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (520 ، 521).
فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بالقيام من بين سائر الليالي ، بخلاف من كان عادته القيام في غيرها فلا حرج أن يقوم ليلة العيد .
2- زيارة المقابر في يومي العيدين :
وهذا مع مناقضته لمقصود العيد وشعاره من البشر والفرح والسرور ، ومخالفته هديه صلى الله عليه وسلم وفعل السلف ، فإنه يدخل في عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور عيداً ، إذ إن قصدها في أوقات معينة ، ومواسم معروفة من معاني اتخاذها عيداً ، كما ذكر أهل العلم . انظر أحكام الجنائز وبدعها للألباني (ص219) ، (ص258).
3- تضييع الجماعة والنوم عن الصلوات :
إن مما يؤسف له أن ترى بعض المسلمين وقد أضاع صلاته ، وترك الجماعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الترمذي 2621 والنسائي 463 وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال : " إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّار " رواه مسلم 651
4- اختلاط النساء بالرجال في المصلى والشوارع وغيرها ، ومزاحمتهن الرجال فيها :
وفي ذلك فتنة عظيمة وخطر كبير، والواجب تحذير النساء والرجال من ذلك ، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع ذلك ما أمكن ، كما ينبغي على الرجال والشباب عدم الانصراف من المصلى أو المسجد إلا بعد تمام انصرافهن .
5- خروج بعض النساء متعطرات متجملات سافرات :
وهذا مما عمت به البلوى ، وتهاون به الناس والله المستعان ، حتى إن بعض النساء هداهن الله إذا خرجن للمساجد للتروايح أو صلاة العيد أو غير ذلك فإنها تتجمل بأبهى الثياب ، وأجمل الأطياب ، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ " رواه النسائي 5126 والترمذي 2786 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2019
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " رواه مسلم 2128
فعلى أولياء النساء أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم ، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم من القوامة لأن { الرجال قواموان على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض } .
فعليهم أن يوجهوهن ويأخذوا بأيديهن إلى ما فيه نجاتهن ، وسلامتهن في الدنيا والآخرة بالابتعاد عما حرم الله ، والترغيب فيما يقرب إلى الله .
5- الاستماع إلى الغناء المحرم :
إن من المنكرات التي عمت وطمت في هذا الزمن الموسيقى والطرب ، وقد انتشرت انتشاراً كبيراً وتهاون الناس في أمرها ، فهي في التلفاز والإذاعة والسيارة والبيت والأسواق ، و لا حول و لا قوة إلا بالله ، بل إن الجوالات لم تسلم من هذا الشر والمنكر ، فهاهي الشركات تتنافس في وضع أحدث النغمات الموسيقية في الجوال ، فوصل الغناء عن طريقها إلى المساجد والعياذ بالله .. وهذا من البلاء العظيم والشر الجسيم أن تسمع الموسيقى في بيوت الله ، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف . رواه البخاري .
فرحة العيد والأسرة المسلمة
حين يتردد التكبير صباح يوم العيد، وترج المساجد بالتهليل وتسيل الدموع حزنًا على فراق رمضان الحبيب شهر المغفرة والعتق من النار.. شهر الخير والصبر والكرم والبركة.
يهدينا الله الرحيم الكريم بهدية العيد وهي أيام فرح وسرور ونسمات تخيم على جميع أفراد الأسرة ومنهم الزوجان.
في ذلك اليوم تسمو أرواح الزوجين وتتصافى نفوسهم وتتلاقى قلوبهم, فنرى روح السعادة ترفرف في البيت، ونلمس بين جنباته الود والتسامح.. الحب والمرح.. حينها يتحقق مفهوم العيد بمعناه الصحيح.
وقد يكون العيد عند البعض شرارة تشعل نار الخلافات وبالذات في الصباح.. لضيق الوقت وتشتت الذهن عند الاستعداد للخروج، فتشحن النفوس بالغضب وتنقلب فرحة العيد إلى شجار ليذهبوا إلى أقاربهم بوجوه غاضبة ونفوس مكتئبة.
ـ على الزوجين أن يشكرا الله على نعمه وفضله {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
ـ ويلزما التكبير في أيام العيد والحمد التزامًا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
ـ الدعاء من خالص قلوبهم أن يتقبل الله منهم الصيام والقيام وخالص الأعمال وأن يعيد عليهم رمضان أعوامًا عديدة.
ـ الدعاء أن يجمعها الله في جنته ومستقر رحمته.
ـ الاستعلاء عن سفاسف الأمور وما ينغص عيشها، فالعيد شرعه الله للفرح والمرح وليس للحزن والتخاصم.
ـ التعاون على ترتيب المنزل قبل العيد بيومين وضعها في أماكن قريبة ومناسبة، للتقليل من الوقت الذي ستمض في ترتيبه قبل خروجك.
ـ الحرصي على النوم مبكرًا ـ قدر الإمكان ـ حتى يكون التستيقاظ مبكرا يحمل والنشاط وبنفسية طيبة.
ـ بعد صلاة الفجر يحسن الأكثار من الاستغفار ولا تنسى أذكار الصباح والتكبير والتهليل, ورفع الصوت بها ليسمع من في البيت ليستشعروا الجو الجميل للعيد.
ـ التجهيز لتمرات يتناولها أفراد الاسرة قبل الخروج إلى صلاة العيد اتباعًا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلموالتجهيز أيضًا طبقًا من الحلويات أو الحليب أو الشاي حسب ما تفضليه.
استعدادك في صباح العيد:
الاستيقاظ مبكرا .. ثم التوجه إلى المسجد مع التكبير والحمد، وحضور صلاة العيد والاستماع إلى الخطبة.
ـ قيام الزوجان بزيارة الأهل والأقارب والأحباب لقضاء وقت جميل معهم.
ـ إعداد بطاقات تهنئة بالعيد مكتوب فيها سطور تعبر عن الفرحة والشكر لأاحب الناااس على جوده وما قام به من الطاعات.
ـ قضاء أيام العيد مع فيما بين الأزواج وأولادك في رحلة يفرح بها الجميع، وجهزي فيها بعض المفاجآت والمسابقات والمشويات.
ـ الشعور بالفرح مع الأزواج والسعادة لتظهر على الأفعال والتصرفات والتجاوز عن كل ما يغضب.
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
رمضان والعيد
اللجنة العلمية
العيد ..و إدخال السرور على المسلمين
إنها سعادة غامرة تلك التي يستشعرها المرء عندما يسعد الآخرين أو يشارك في إسعادهم أو تخفيف آلامهم ..سعادة لا تحس بها إلا النفوس الطاهرة النقية , التي رجاؤها دوما وجه ربها وسعيها دوما هو في طرقات الخير المضيئة .
إن الحياة كد وتعب ومشقة وصعاب ومشكلات واختبارات وآلام , وما يصفو منها ما يلبث أن يتكدر , وليس فيها من أوقات صفاء رائق إلا أوقات العبادة المخلصة لرب العالمين سبحانه .
والناس ..كل الناس بحاجة إلى يد حانية , تربت على أكتافهم في أوقات المصائب , وتقوم انكسارهم في أوقات الآلام , وتبلل ريقهم بماء رقراق عند جفاف الحلوق ..
ومن طالت به خبرته بالحياة علم أن أعلى الناس فيها قدرا هم الناصحون لغيرهم بالعلم النافع والمفرجون كرب الناس والميسرون على المعسرين والباذلون جهدهم لإسعاد غيرهم ..
وانظر إلى ذلك الموقف الرائع يوم استضاف أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا وأراد أن يكرمه ويدخل السرور عليه وكان طعامه قليلا , فأطفأ المصباح وتصنع أنه يأكل حتى انتهى ضيفه من طعامه وشبع , وإذا بالقرآن ينزل ليسجل حادثة هي قليلة في أعين الناس كبيرة في ميزان المروءات والمبادىء والمعاني لذا رفع الله درجتها فقال " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " , إنهم فضلوا شبع بطن ضيفهم على شبع بطونهم , وقدموا سرور صاحبهم المسلم على سرور ذواتهم , وإن كانت ذواتهم قد نعمت بنوع آخر من السرور هو أعلى وأكبر ..
والناس ..كل الناس بحاجة إلى يد حانية , تربت على أكتافهم في أوقات المصائب , وتقوم انكسارهم في أوقات الآلام , وتبلل ريقهم بماء رقراق عند جفاف الحلوق وتذكر معي ذالك الصحابي الآخر الذي اسرع بكل قوته ليبشر الثلاثة الذين خلفوا بعفو الله عنهم وصدره يمتلىء حبا وفرحا وسعادة وسرورا حتى إنه لم ينتظر حتى يصل إليهم بل بدأ يناديهم من بعيد من على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك ابشر... يقول كعب : فخررت ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فذهب قِبَلَ صاحبيّ مبشرون وركد إلى رجل فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياه ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ فاستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة ، ثم قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مر عليك مذ ولدتك أمك "
فانظر إلى ذاك البشر والسرور الذي على محيا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعد علمهم بالخير الذي نزل بصاحبهم ..رضوان الله عليهم أجمعين .
وبينا أنت تتأمل تلك المواقف طالع هذا الحديث الثابت من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول عن أبي هريرة رضي الله عنه : (إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن, وأن يفرِّج عنه غمًا, أو يقضي عنه دينًا, أو يطعمه من جوع) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان, وحسنه الألباني في الصحيحة 1494
وفي رواية للطبراني " " إن أحب الاعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض : إدخال السرور على المسلم ، كسوت عورته ، أو أشبعت جوعته ، أو قضيت حاجته "
وللطبراني أيضا عن عائشة رضي الله عنها " من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله ثوابا دون الجنة "
وله عن أنس رضي الله عنه قال " ” مَن لَقيَ أخاهُ المُسلِمَ بِما يُحِبّ لِيَسُرَّهُ بِذلك ، سَرّهُ اللّهُ عزّ وجَلّ يومَ القِيامةِ”
ويوم يتعلم الدعاة إلى الله معنى إدخال السرور على المسلم ويطبقون مقتضاه سيضربون المثال الحي لمجتمع افتقدناه عبر سنين طويله
وفي الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم " من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه "
إنها عبادة إذن أيها القارىء الكريم , ما إن يستصحب العبد فيها نية صالحة , إنها من أحب الأعمال إلى الله تعالى ..فتأمل
إن مجتمعاتنا تلك - التي تعيش الآن في صراعات متشابكة على المصالح الشخصية - لفقيرة إلى فهم ذلك المعنى العظيم , الذي يصرخ فينا أن سارعوا إلى الرفق بالناس وتفريج الكرب عنهم وتخفيف آلامهم وإطعام جائعهم وقضاء الدين عن مدينهم , وإهداء السرور لحزينهم ..
ويوم يتعلم الدعاة إلى الله معنى إدخال السرور على المسلم ويطبقون مقتضاه سيضربون المثال الحي لمجتمع افتقدناه عبر سنين طويله ..
وماأروع هؤلاء الصالحين ذوو النفوس الطاهرة الذين يسعون دوما في إدخال السرور على إخوانهم , فيسألون عن أحوالهم ويسارعون في نجدة ملهوفهم , ومداواة مريضهم وحل مشكلاتهم مهما كلفهم ذلك , تعبا في أجسادهم أو بذلا من أموالهم أو شغلا في أوقاتهم , رجاء بسمة سرور ورضا من هذا الحزين بعد زوال حزنه , فيسرها الصالح في نفسه ليعدها في صالحات أعماله يوم اللقاء .
ولكم بذل نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم من نفسه الجهد رجاء نفع الناس وإسعادهم في الدنيا والآخرة ففي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدًا؟ قالت: نعم, بعدما حَطَمه الناس " اخرجه مسلم
قال القاسمي رحمه الله: "وللأخوة حق في قضاء الحاجات والقيام بها قبل السؤال وتقديمها على الحاجات الخاصة وهذه أيضًا لها درجات فأدناها: القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة ولكن مع البشاشة والاستبشار وإظهار الفرح وقبول المنة, قال بعضهم: إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكره الثانية فلعله أن يكون قد نسي, فإن لم يقضها فكبر عليه واقرأ هذه الآية: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ}, وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجاتهم يتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ماله, فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه, بل كانوا يرون منهم ما لم يروا من أبيهم في حياته, وكان أحدهم يتردد إلى باب دار أخيه يقوم بحاجته من حيث لا يعرفه أخوه, وبهذا تظهر الشفقة والأخوة, وإذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه فلا خير فيها, قال ميمون بن مهران: من لم تنتفع بصداقته لم تضرك عداوته, وبالجملة فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك أو أهم من حاجتك, وأن تكون متفقدًا لأوقات الحاجة غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك, وتغنيه عن السؤال إلى الاستعانة, ولا ترى لنفسك حقًا بسبب قيامك بها, بل تتقلد منه بقبول سعيك في حقه وقيامك بأمره" تهذيب موعظة المؤمنين
وكان أحدهم يتردد إلى باب دار أخيه يقوم بحاجته من حيث لا يعرفه أخوه, وبهذا تظهر الشفقة والأخوة, وإذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه فلا خير فيها
و سُئِلَ الإمام مالك : "أي الأعمال تحب ؟" فقال: "إدخال السرور على المسلمين، وأنا نَذَرتُ نفسي أُفرِج كُرُبات المسلمين"
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له, فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان معه فضلُ ظهر فليعُد به على من لا ظهر له, ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له), فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحدٍ منا في فضل" رواه مسلم
والصالح لن يعدم طريقا لإدخال السرور على أخيه المسلم , في تبشيره بالبشرى تارة أو إخباره بأخبار الخير التي ينتظرها تارة أو بقضاء دينه أو بالهدية أو بإخباره أنه يحبه في الله أو بإكرام أهله وولده وصحبه أوبتعليمه العلم النافع له أو بتوقيره بين الناس أو بالمسارعة في محباته دوما وبأي حالأو بنصحه فيما هو بصدده و غيرها كثير جدًا وهي معلومة معروفة ولكننا فقط نذكر وقد يكون إدخال السرور على المسلم بكلمة خير واحدة أو ببسمة رائقة أو بمصافحة مقبلة فتأمل ذلك.
حال السلف مع العيد
إن وداع هذا الشهر ليهيج في النفس الأحزان، فكيف يفارق الحبيب محبوبه الذي يخشى أن يكون آخر العهد به؟ وهل نودعه بما يظهره بعضنا من فتور همة، وخمول عزيمة، أم نودعه بما كان يودعه أولو الألباب من عباد الله والصفوة من خلقه سلف هذه الأمة وخيارها، أولئك الذين جمعوا بين الاجتهاد في إتمام العمل وإتقانه، وبين الاهتمام بقبوله بعد ذلك والخوف من ردِّه؟
لقد كان أسلافنا يظهرون سلوكًا رائعًا مع هذا الشهر المبارك حتى قبل أن يدخل عليهم، إذ "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم". وبعد خروج الشهر المبارك كانوا يظهرون الأسى والحزن على خروجه، ويحرصون على أن يوصي بعضهم بعضًا على الاستمرار في الطاعة على مدار العام؛ لأن كل الشهور عند المؤمن مواسم عبادة، بل العمر كله موسم طاعة.
خرج عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في يوم عيد فطر، فقال في خطبته: "أيها الناس، إنكم صمتم لله ثلاثين يومًا، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم". وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور. فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟
ورأى وهب بن الورد قومًا يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين. وعن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون.
وروي عن علي t أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنِّيه، ومن هذا المحروم فنعزِّيه! وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنِّيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول، هنيئًا لك! أيها المردود، جبر الله مصيبتك".
أيها الأخ الصائم، انظر إلى أسلافك كيف كان حالهم عند خروج رمضان! وكيف كان حزنهم على فراق هذا الشهر المبارك، ولك فيهم أسوة؛ فاجتهد في هذا الشهر، وليكن هذا الاجتهاد مؤثرًا فيك في بقيَّة عمرك، وسَلْ نفسك سؤالاً هو: ماذا استفدت من رمضان؟ وهل أحدث رمضان تغييرًا في نفسك وسلوكك؟
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ماذا بعد رمضان
اللجنة العلمية
استهلال
كلمات مضيئة في رحيل رمضان
قال ابن رجب في وداع رمضان، واسمعوا لقلوب السلف رضوان الله تعالى عليهم كيف كانت تتخرق لفراق هذا الشهر: يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق،
عسى وعسى من قبل يوم التفرق إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي
فيجبر مكسور ويقبل تائب ويعتق خطاء ويسعد من شقي
انتهى كلامه رحمه الله.
رحلت يا رمضان! والرحيل مر على الصالحين، فابكوا عليه بالأحزان وودعوه، وأجروا لأجل فراقه الدموع وشيعوه.
دع البكاء على الأطلال والدار واذكر لمن بان من خل ومن جار
وذر الدموع نحيباً وابك من أسف على فراق ليال ذات أنوار
على ليال لشهر الصوم ما جُعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار
يا لائمي في البكاء زدني به كلفاً واسمع غريب أحاديث وأخبار
ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري
عدم الاغترار بما حصل من طاعات
بعض الناس اجتهدوا فعلاً، صاموا وحفظوا جوارحهم، وختموا القرآن وبعضهم أكثر من مرة، وعملوا عمرة في رمضان، وصلوا قيام رمضان كله من أوله إلى آخره، لم يخرموا منه يوماً أو ليلة، وفعلوا ما فعلوا من الصدقات وقدموا ما قدموا، وجلسوا في المساجد من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس، وبعد الصلاة يقرءون القرآن، وقبل الصلاة ينتظرون الصلاة، حصلت عبادات كثيرة، لكن إذا كانت النفس سيئة، إذا كان الطبع متعفن فإن كثرة العبادة لا تنفع، بل إن الشيطان يوسوس ويقول: لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعاتٍ عظيمة، خرجت من رمضان بحسنات أمثال الجبال، رصيدك في غاية الارتفاع، صحائف حسناتك مملوءة وكثيرة فلا عليك بعد ذلك ما عملت، ويصاب بالغرور وبالعجب، وتمتلئ نفسه تيهاً وفخراً، ولكن آية من كتاب الله تمحو ذلك كله، وتوقفه عند حده، وتبين له حقيقة الأمر وهي قول الله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] أتمن على الله؟ أتظن أنك عندما فعلت له هذه الأشياء تكون قد قدمت له أشياء عظيمة؟ تظنها كخدمة من خدمة البشر؟ {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] لا تمن على الله بعملك، لا تفخر، لا تغتر، لا تصاب بالعجب {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] وتتخيل أن أعمالك كثيرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الحسن: (لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضات الله تعالى لحقره يوم القيامة) لجاء يوم القيامة فرآه قليلاً ضعيفاً، لرأى عمله لا يساوي شيئاً، فإنه لو قارنه بنعمة واحدةٍ من النعم كنعمة البصر أو غيره، لصار هذا قليلاً لا يساوي شيئاً.
ولذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم، وإنما يدخلونها برحمة الله تعالى، ليست الأعمال ثمناً للجنة، لكنها سببٌ لدخول الجنة، لا ندخل الجنة إلا بالأعمال الصالحة، الذي لا يعمل صالحاً لا يدخل الجنة، فهي سبب لكنها ليست الثمن، فبدون رحمة الله الأعمال لا تؤهل لدخول الجنة، بل ولا تسديد حق نعمة واحدة من النعم.
(إنما يتقبل الله من المتقين)
لقد مضت الأعمال، والصيام، والقيام، والزكاة، والصدقة، وختم القرآن، والدعاء، والذكر، وتفطير الصائم، وأنواع البر التي حصلت، والعمرة التي قام بها الكثير، لكن هل تقبلت أم لا؟ هل قبل العمل أم لا؟ يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] .
كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، وهؤلاء الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، يعطي ويخشى ألا يقبل منه، يتصدق ويخشى أن ترد عليه، يصوم ويقوم ويخشى ألا يكتب له الأجر.
قال بعض السلف: " كانوا لقبول العمل أشد منهم اهتماماً بالعمل ذاته، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] " فغير المتقين ما هو حالهم؟ وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبةٍ من خردل، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ! يقول بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني ركعتين لا أهتم بعدها؛ لأنه يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ! وقال عبد العزيز بن أبي رواد رحمه الله: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟! وقع عليهم الهم، وليس وقعوا في المعاصي، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنئه، ومن هذا المحروم فنعزيه.
أيها المقبول! هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك، فإذا فاته ما فاته من خير رمضان فأي شيء يدرك، ومن أدركه فيه الحرمان، فماذا يصيب؟ كم بين من كان حظه فيه القبول والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران؟ أيها المسلمون: من علامات التقوى: الامتناع عن الفسق بعد رمضان؛ إن الذي يخشى على عمله ولا يدري هل قبل منه أم لا؛ يجتهد في العبادة ويواصل في الطاعة، والذي يظن أنه قد عمل حسنات أمثال الجبال، فلا يهمه بعد ذلك ويقول: عندي رصيد وساعة لربك وساعة لقلبك.
من الذي استفاد من رمضان؟
ها نحن ودعنا رمضان المبارك ... ونهاره الجميل ولياليه العطره .
فماذا جنينا من ثماره اليانعة , وظلاله الوارقه ؟!
هل تحققنا بالتقوى ... وتخرجنا من مدرسه رمضان بشهادة المتقين ؟!
هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة , وعن المعصية ؟!
هل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه ؟!
هل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟!
هل غلبتنا العادات والتقاليد السيئة ؟!
هل ... هل ... هل...؟!
أسئلة كثيرة .. وخواطر عديدة .. تتداعى على قلب كل مُسلم صادق .. يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة .. ماذا استفدت من رمضان ؟
أنه مدرسة إيمانية ... إنه محطة روحيه للتزود منه لبقية العام ... ولشحذ الهمم بقيه الغمر ...
فمتى يتعظ ويعتبر ويستفيد ويتغير ويُغير من حياته من لم يفعل ذلك في رمضان ؟!
إنه بحق مدرسة للتغيير .. نُغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله جل وعلا { .. إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ... } الرعد 11 .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
فمغفرة الذنوب لهذه الأسباب الثلاثة، كل واحدٌ منها مكفرٌ لما سلف من الذنوب، وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر، فتحصل المغفرة والتكفير بقيام ليلة القدر ولمن وقعت له وأصابها، سواء شعر بها أم لم يشعر.
أما في صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر، فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه، فيترتب على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه، ومن نقص من العمل الذي عليه نُقص له من الأجر بحسب نقصه، فلا يلومن إلا نفسه.
الصلاة مكيال، والصيام مكيال؛ فمن وفاها وفّى الله له، ومن طفف فيهما فويلٌ للمطففين، أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته، ويطفف في مكيال صيامه وصلاته؟ إذا كان الويل لمن طفف في مكيال الدنيا: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] فكيف حال من طفف مكيال الدين؟! {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] .
وهذا الويل لمن طفف، فكيف حال الذي فرط بالكلية؟ كيف حال الذي لم يقم ولم يصم وهم أعداد ممن ينتسبون إلى الإسلام؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدركه رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله -وقالها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: قل آمين، فقلت: آمين) دعاءٌ عليه بالإبعاد عن رحمة الله والطرد عنها؛ لأن ذلك الشهر قد مر ولم يستفد منه؛ لأن ذلك الموسم العظيم قد حصل ولم ينهل منه، لم ينتهز الفرصة فتباً له.
وإذا كان لم ينتهز الفرصة العظيمة فهو لإهمال ما هو أدنى منها من باب أولى، أي: إذا فرط في رمضان فتفريطه في غير رمضان من باب أولى، ولذلك أبعده الله؛ لأنه لا يستحق أجره، ولا يستحق الرحمة ولا المغفرة، ولا شك أيها المسلمون! أننا قد حصل منا تطفيف بالصيام والقيام، وقد حصل منا إخلالٌ بآداب الصوم الواجبة والمستحبة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
وقال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) .
فمغفرة الذنوب لهذه الأسباب الثلاثة، كل واحدٌ منها مكفرٌ لما سلف من الذنوب، وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر، فتحصل المغفرة والتكفير بقيام ليلة القدر ولمن وقعت له وأصابها، سواء شعر بها أم لم يشعر.
أما في صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر، فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه، فيترتب على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه، ومن نقص من العمل الذي عليه نُقص له من الأجر بحسب نقصه، فلا يلومن إلا نفسه.
الصلاة مكيال، والصيام مكيال؛ فمن وفاها وفّى الله له، ومن طفف فيهما فويلٌ للمطففين، أما يستحي من يستوفي مكيال شهواته، ويطفف في مكيال صيامه وصلاته؟ إذا كان الويل لمن طفف في مكيال الدنيا: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1-3] فكيف حال من طفف مكيال الدين؟! {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5] .
وهذا الويل لمن طفف، فكيف حال الذي فرط بالكلية؟ كيف حال الذي لم يقم ولم يصم وهم أعداد ممن ينتسبون إلى الإسلام؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدركه رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله -وقالها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: قل آمين، فقلت: آمين) دعاءٌ عليه بالإبعاد عن رحمة الله والطرد عنها؛ لأن ذلك الشهر قد مر ولم يستفد منه؛ لأن ذلك الموسم العظيم قد حصل ولم ينهل منه، لم ينتهز الفرصة فتباً له.
وإذا كان لم ينتهز الفرصة العظيمة فهو لإهمال ما هو أدنى منها من باب أولى، أي: إذا فرط في رمضان فتفريطه في غير رمضان من باب أولى، ولذلك أبعده الله؛ لأنه لا يستحق أجره، ولا يستحق الرحمة ولا المغفرة، ولا شك أيها المسلمون! أننا قد حصل منا تطفيف بالصيام والقيام، وقد حصل منا إخلالٌ بآداب الصوم الواجبة والمستحبة.
هل قُبِل صيامكم وقيامكم أم لا ؟؟
إن الفائزين في رمضان , كانوا في نهارهم صائمون , وفي ليلهم ساجدون , بكاءٌ خشوعٌ, وفي الغروب والأسحار تسبيح , وتهليل , وذكرٌ , واستغفار , ما تركوا باباً من أبواب الخير إلا ولجوه , ولكنهم مع ذلك , قلوبهم وجله وخائفة ...!!
لا يدرون هل قُبلت أعمالهم أم لم تقُبل ؟ وهل كانت خالصة لوجه الله أم لا ؟
فلقد كان السلف الصالحون يحملون هّم قبول العمل أكثر من العمل نفسه , قال تعالى:
{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } المؤمنون 60 .
هذه هي صفة من أوصاف المؤمنين أي يعطون العطاء من زكاةٍ وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبر وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم
وقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : كونوا لقبول العمل أشد أهتماماً من العمل , ألم تسمعوا قول الله عز وجل : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} . (المائدة:27) َ
فمن منا أشغله هذا الهاجس !! قبول العمل أو رده , في هذه الأيام ؟ ومن منا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان ؟
فلقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان , ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم ...
نسأل الله أن نكون من هؤلاء الفائزين .
من علامات قبول العمل :
1) الحسنه بعد الحسنه فإتيان المسلمون بعد رمضان بالطاعات , والقُربات والمحافظة عليها دليل على رضى الله عن العبد , وإذا رضى الله عن العبد وفقه إلى عمل الطاعة وترك المعصية.
2) انشراح الصدر للعبادة والشعور بلذة الطاعة وحلاوة الإيمان , والفرح بتقديم الخير , حيث أن المؤمن هو الذي تسره حسنته وتسوءه سيئته .
3) التوبة من الذنوب الماضية من أعظم العلامات الدالة على رضى الله تعالى .
4) الخوف من عدم قبول الأعمال في هذا الشهر الكريم !!
5) الغيرة للدين والغضب إذا أنتُهكت حُرمات الله والعمل للإسلام بحرارة , وبذل الجهد والمال في الدعوة إلى الله .
أحوال الناس بعد رمضان
الناس بعد رمضان فريقان: فائزون وخاسرون، فيا ليت شعري من هذا الفائز منا فنهنيه؟ ومن هذا الخاسر فنعزيه؟!
حال الصالحين الفائزين
رحل رمضان ورحيله مر على الجميع، الفائزين والخاسرين، الرحيل مر على الفائزين؛ لأنهم فقدوا أياماً ممتعة، وليالي جميلة، نهارها صدقة وصيام، وليلها قراءة وقيام، نسيمها الذكر والدعاء، وطيبها الدموع والبكاء، شعروا بمرارة الفراق؛ فأرسلوا العبرات والآهات، كيف لا وهو شهر الرحمات، وتكفير السيئات، وإقالة العثرات؟! كيف لا والدعاء فيه مسموع، والضر مدفوع، والخير مجموع؟! كيف لا نبكي على رحيله ونحن لا نعلم أمن المقبولين نحن أم من المطرودين؟! كيف لا نبكي على رحيله -أيها الأحبة- ونحن لا ندري أيعود ونحن في الوجود أم في اللحود؟! الفائزون من خشية ربهم مشفقون! نعم.
هم فائزون ولكنهم من خشية ربهم مشفقون {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60] على رغم أنهم في نهاره في صيام وقراءة قرآن وإطعام وإحسان، وفي ليله سجود وركوع وبكاء وخشوع، وفي الغروب والأسحار تسبيح وتهليل وذكر واستغفار.
الفائزون شمروا عن سواعد الجد؛ فاجتهدوا واستغفروا وأنابوا ورجعوا، ما تركوا باباً من أبواب الخير إلا ولجوه، ولكن مع ذلك كله، قلوبهم وجلة خائفة بعد رمضان؛ أقبلت أعمالهم أم لا؟ أكانت خالصةً لله أم لا؟ أكانت على الوجه الذي ينبغي أم لا؟ كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يحملون همّ قبول العمل أكثر من همّ القيام بالعمل نفسه، قال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوا وقع عليهم الهم! أيقبل منهم أم لا؟ لا يغفلون عن رمضان، فإذا فعلوا وانتهوا يقع عليهم الهمّ أيقبل منهم أم لا؟ وقال علي رضي الله تعالى عنه: [كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا لقول الحق عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]] .
وقال مالك بن دينار: [الخوف على العمل ألا يتقبل أشد من العمل] .
وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان ينادي في آخر رمضان: [يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟] .
وعن ابن مسعود أنه قال: [من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟] .
أيها المقبول هنيئاً لك! أيها المردود جبر الله مصيبتك!
ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنى يا خيبة المردود
من تولى عنه بغير قبول أرغم الله أنفه بخزي شديد
فيا ليت شعري -أيها الأحبة- بعد هذه الأيام مَن مِنا أشغله هذا الهاجس وقد مضى نصف شهر على رحيل رمضان؟ من منا أشغله هاجس هل قبلت أعماله أم لا؟ هل نحن من الفائزين في رمضان أم لا؟! من منا لسانه يلهج بالدعاء أن يقبل الله منه رمضان؟! إننا نقرأ ونسمع أن سلفنا الصالح كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يقبل الله منهم رمضان، ونحن لم يمض على رحيله سوى أيام فهل دعونا أم لا؟ أم أننا نسينا رمضان وغفلنا عنه وكأننا أزحنا حملاً ثقيلاً كان جاثماً على صدورنا؟! نعم.
رحل رمضان، لكن ماذا استفدنا من رمضان؟ وأين آثاره على نفوسنا وسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا؟ هكذا حال الصالحين العاملين، فهم في رمضان صيام وقيام، وتقلب في أعمال البر والإحسان، وبعد رمضان محاسبة للنفس، وتقدير للربح والخسران، وخوف من عدم قبول الأعمال، لذا فألسنتهم تلهج بالدعاء والإلحاح بأن يقبل الله منهم رمضان.
حال المفرطين الخاسرين
أما المفرطون -نعوذ بالله من حالهم- فهم نوعان: أناس قصروا فلم يعملوا إلا القليل، نعم.
صلوا التراويح والقيام سراعاً، فهم لم يقوموا إلا القليل، ولم يقرءوا من القرآن إلا القليل، ولم يقدموا من الصلوات إلا القليل، الصلوات المفروضة تشكو من تخريقها ونقرها، والصيام يئن من تجريحه وتضييعه، والقرآن يشكو من هجره ونثره، والصدقة ربما يتبعها مَنٌّ وأذى، الألسن يابسة من ذكر الله، غافلة عن الدعاء والاستغفار، فهم في صراع مع الشهوات حتى في رمضان، لكن فطرة الخير تجذبهم، فتغلبهم تارةً ويغلبونها تارات، فهم يصلون التراويح، لكن قلوبهم معلقة بالرياضة، ومشاهدة المباريات، ورمضان هذا العام يشهد بمثل ذلك.
سبحان الله! حتى في رمضان، حتى في العشر الأواخر وهي أفضل الأيام! سبحان الله! كيف أصبحت الرياضة تعبد من دون الله؟! -لا حول ولا قوة إلا بالله- هم يقرءون القرآن في النهار، لكنهم يصارعون النوم بعد ليالي من السهر والتعب والإرهاق من الدورات الرياضية والجلسات الفضائية، أما الصلاة: فصلاة الظهر عليها السلام، وربما العصر بل وربما الفجر؛ كل ذلك بسبب التعب والإرهاق -كما يقولون- فهؤلاء لم ينتبهوا إلا والحبيب يرحل عنهم؛ فتجرعوا مرارة الرحيل، بكاء وندماً، حزنوا، ولكن بعد ماذا؟ بعد فوات الأوان، بعد أن انقضت أفضل الأيام.
أما النوع الثاني من المفرطين فهم الخاسرون -نعوذ بالله من الخسران- فهناك من لم يقم رمضان، ولم يقرأ القرآن، وربما لم يصم في رمضان، فنهاره ليل وليله ويل، لا الأواخر عرفوها ولا ليلة القدر قدروها، فمتى يصلح من لا يصلح في رمضان؟! متى يصح من كان من داء الجهالة والغفلة مَرْضان؟! متى يزرع من فرط في وقت البذار، فلم يحصد غير الندم والخسار؟! مساكين هؤلاء! فاتهم رمضان وفاتهم خير رمضان؛ فأصابهم الحرمان وحلت عليهم الخيبة والخسران، قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، لا صيام ينفع ولا قيام يشفع، قلوب كالحجارة أو أشد قسوة، حالها في رمضان كحال أهل الشقوة، لا الشاب منهم ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر فيلحق بالصفوة.
أيها الخاسر! رحل رمضان وهو يشهد عليك بالخسران؛ فأصبح لك خصماً يوم القيامة! رحل رمضان وهو يشهد عليك بهجر القرآن؛ فيا ويل من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان! فيا من فرط في عمره وأضاعه! كيف ترجو الشفاعة؟ أتعتذر برحمة الله؟ أتقول لنا: إن الله غفور رحيم؟ نعم.
لكن {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] العاملين بالأسباب الخائفين المشفقين.
سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعات، فقال رضي الله تعالى عنه: [هو في النار] .
وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: (آمين آمين آمين قيل: يا رسول الله! إنك صعدت المنبر فقلت: آمين.
آمين.
آمين.
قال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له؛ فدخل النار فأبعده الله -فكم هم أولئك المبعدين عن رحمة الله؟ - قل: آمين.
فقلت: آمين) إلى آخر الحديث.
فيا أيها الخاسر! نعم.
رحل رمضان وربما خسرت خسارةً عظيمة، ولكن الحمد لله، فما زال الباب مفتوحاً والخير مفسوحاً، وقبل غرغرة الروح، ابكِ على نفسك وأكثر النوح، وقل لها:
ترحل الشهر وا لهفاه وانصرما واختص بالفوز في الجنات من خدما
وأصبح الغافل المسكين منكسراً مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرما
من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصد إلا الهم والندما
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته في شهره وبحبل الله معتصما
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ماذا بعد رمضان
اللجنة العلمية
ثوابت إيمانية ينبغي المداومة عليها بعد رمضان
أيها الأحبة! هذه بعض الثوابت الإيمانية التي رأيناها في رمضان، ولا ينبغي لمسلم صادق أن يتخلى عن هذه الثوابت بعد رمضان، ونحن في أمس الحاجة إلى وصية سيد ولد عدنان إلى وصية الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، حينما جاءه سفيان بن عبد الله وحديثه في صحيح مسلم وقال: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم) .
وهاهو شهر رمضان قد انتهى، انتهى شهر الصيام والقيام والقرآن والبر والجود والإحسان: فيا عين جودي بالدمع من أسف على فراق ليالٍ ذات أنوار على ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا ما قد بقي إخوتي من فضل أعمار إنا لله وإنا إليه راجعون وهكذا أسرعت أيام الخير والبر والفضل والطاعة، ولا شك أن ربنا جل وتعالى قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته، فأنت ترى الناس تقبل على طاعة الله في رمضان بأريحية عجيبة، وبيسر وسهولة غريبة؛ لأن الله قد هيأ الناس في رمضان للطاعة، وقد سهل الطاعة للصادقين من المؤمنين في رمضان، ولكن يا إخوة: ليس معنى ذلك أن نعرض عن كثير من الثوابت الإيمانية بعد رمضان، فأنت ترى المساجد معطرة بأنفاس الصائمين في رمضان، وترى صفوف المصلين مزدحمة في رمضان؛ بل وترى البر والجود والإحسان والبذل والإنفاق والعطاء والذكر والتوبة والاستغفار، وترى حرص الناس على الطاعة، فترى المحسن يقول للمسيء إليه: اللهم إني صائم، يذكر نفسه بالله جل وعلا، وبطاعة الله.
ليس معنى ذلك -أيها الأحبة الكرام- أن نعرض عن هذه الثوابت الإيمانية بعد رمضان، فإن للإيمان من الثوابت ما لا يستغني عنها مؤمن من المؤمنين حتى يلقى بها رب العالمين.
الحرص على قيام الليل
ومن الثوابت الإيمانية التي يزيد إيمانك بها في قلبك: قيام الليل، فيا من عودت نفسك على قيام الليل في رمضان في صلاة التراويح لا تتخل عن هذا الزاد، فوالله يوم أن خرجت الأمة من مدرسة قيام الليل هانت وقست القلوب، وجمدت العيون.
كان سعد بن أبي وقاص في القادسية يمر على خيام الأبطال والمجاهدين، فإذا رأى خيمة قام أهلها لله جل وعلا للصلاة، يقول سعد: من هنا يأتي النصر إن شاء الله.
من قيام الليل يأتي النصر إن شاء الله من قيام الليل تأتي رقة القلب من قيام الليل تأتي دموع العين من قيام الليل تأتي طاعة الجوارح، لماذا؟ لأن الليل أنس المحبين، وروضة المشتاقين، وإن لله عباداً يرعون الظلال بالنهار كما يرعى الراعي غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، حتى إذا ما جنهم الليل، واختلط الظلام، وبسطت الفرش، وخلا كل حبيب بحبيبه؛ قاموا فنصبوا إلى الله أقدامهم، وافترشوا إلى الله جباههم، وناجوا ربهم بقرآنه، وطلبوا إحسانه وإنعامه، يقسم ابن القيم ويقول: فإن أول ما يعطيهم ربهم أن يقذف من نوره في قلوبهم.
ففي الحديث الذي رواه ابن خزيمة والحاكم بسند حسن من حديث أبي أمامة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم إلى ربكم، ومكفر للسيئات، ومنهاة عن الإثم) .
المحافظة على صلاة الجماعة
من أعظم هذه الثوابت: أن تحافظ على الصلاة في جماعة كما كنت حريصاً أيها الصائم في رمضان، قال ربنا جل جلاله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط!) .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح) .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم لو أن نهراً على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، أيبقى من درنه شيء؟ -أي هل سيبقى على جسده شيء من النجاسة أو القذر- قالوا: لا يا رسول الله! قال: فذلكم مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) .
المداومة على قراءة القرآن
وقراءة القرآن من الثوابت الإيمانية التي لا يستغني عنها مؤمن بعد رمضان، وقد رأينا الصائمين -ولله الحمد- في أشد الحرص على قراءة القرآن في رمضان، فمنهم من قرأ القرآن كله مرة؛ بل ومنهم من قرأ القرآن كله مرتين، بل ومنهم من قرأ القرآن كله ثلاث مرات، ومنهم من زاد على ذلك، فلا تتخل عن القرآن بعد رمضان، ولا تضع المصحف في عزلته مرة أخرى، وتضعه على رفٍ من أرفف المكتبة في بيتك في رمضان، فإن المسلم لا غنى له أبداً عن كتاب الله جل وعلا.
فلا بد أن تمتع بصرك، وأن تسعد قلبك وبصيرتك بالنظر يومياً في كتاب ربك تبارك وتعالى، قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] ، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما إني لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) .
وعن النواس بن سمعان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو غيابتان، أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة) .
فلا تتخلّ أيها الموحد الصادق عن القرآن لا تتخل أيها الصائم عن القرآن لا تتخل أيها القائم عن القرآن، وهل ذلت الأمة وضاعت إلا يوم أن تخلت عن القرآن؟! {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30] ، والهجر للقرآن أنواع: - هجر التلاوة.
- وهجر السماع.
- وهجر التدبر.
-وهجر العمل بأحكام القرآن.
- وهجر التداوي بالقرآن.
- هجرت الأمة القرآن إلا من رحم ربك من أفراد، فذلت الأمة لإخوان القردة والخنازير، ولعباد البقر في كشمير، وللملحدين الملعونين في كوسوفا، وفي باكستان والشيشان، وللصليبيين الحاقدين في كوسوفا والبوسنة وفي كل مكان: ففي كل بلد على الإسلام دائرة ينهد من هولها رضوى وثهلان ذبح وصلب وتقتيل بإخوتنا كما أعدت لتشفي الحقد نيران يستصرخون ذوي الإيمان عاطفة فلم يغثهم بيوم الروع أعوان هل هذه غيرة أم هذه ضعة للكفر ذكر وللإسلام نسيان ووالله ما انتشر وانتفش الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن القرآن أهله، أسأل الله أن يرد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً.
تجديد التوبة والاستمرار عليها
ومن الثوابت الإيمانية بعد رمضان: أن تكون دائم التوبة للرحيم الرحمن: من منا يستغني عن التوبة بعد رمضان؟! من منا يستغني عن الأوبة إلى الله مع كل نفس من أنفاس حياته؟ قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور:31] لم يقل: أيها العاصون، ولم يقل: أيها المذنبون، بل قال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِ مْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8] .
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) ، هذا الحبيب المصطفى الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله ويتوب إليه مائة مرة وأظن أننا نحتاج إلى أن نستغفر الله ونتوب إليه في اليوم ألف مرة، نحن نحتاج إلى التوبة مع كل نفس من أنفاس حياتنا، فجدد التوبة والأوبة.
المداومة على الذكر
ومن الثوابت الإيمانية التي لا غنى للمسلم عنها بعد رمضان: أن يكون دائم الذكر للرحيم الرحمن، قال الله تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] ، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري: (مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت) .
فالذاكر لله حي ولو حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء.
أخي الحبيب! لا تغفل عن ذكر رب الأرض والسماء، وحافظ على ذكر الله، ففي الحديث الطويل الذي رواه أحمد من حديث الصحيح الحارث الأشعري، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً فأتى على حصن حصين فاحتمى به من عدوه، فذلك مثل الذاكر لله، يحتمي بالذكر من الشيطان) ، فلا تتخل عن الذكر بعد رمضان.
الإنفاق في سبيل الله
ومن الثوابت الإيمانية بعد رمضان أيضاً: الإنفاق، فأنت ترى الناس تقبل على الإنفاق والجود والبر في رمضان بيسر وأريحية، فلا تتخل عن الإنفاق بعد رمضان ولو بالقليل، قال ربنا جل جلاله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] ، وقال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] .
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر العبد أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم -أي: في الدنيا- وينظر العبد أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم -أي: في الدنيا- وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) .
فمن الثوابت الإيمانية التي لا غنى للمسلم عنها بعد رمضان أن يظل دائم البذل والإنفاق والعطاء، كل على قدر استطاعته قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ماذا بعد رمضان
اللجنة العلمية
توجيهات ونصائح بعد رحيل رمضان
يا من بليت بالتفريط في صلاة الجماعة! ها هو نصف شهر يمضي بعد رحيل رمضان، فما هو حالك والصلاة؟
توجيه لمن فرط في صلاة الجماعة
يا من بليت بالتفريط في صلاة الجماعة! ها هو نصف شهر يمضي بعد رحيل رمضان، فما هو حالك والصلاة؟ يا من بليت بالتفريط في صلاة الجماعة وبالإفراط في المعاصي والشهوات! شهر كامل وأنت تحافظ على صلاة الجماعة مع المسلمين، تركع مع الراكعين وتسجد مع الساجدين، فما هو شعورك وأنت ترى المصلين عن يمينك ويسارك؟ إنهم بشر مثلك، اسأل نفسك، يحرصون على صلاة الجماعة كل الشهور وأنت لا.
لماذا؟ جاهدوا أنفسهم وتغلبوا عليها وأنت لا.
لماذا؟ يتقدمون وأنت تتأخر.
لماذا؟! والله لا أشك أنك تحب الله كما يحبون، وترغب في الجنة كما يرغبون، فلماذا يتقدمون وأنت تتأخر؟! ويواظبون وأنت تهمل؟! حدثنا عن الراحة والسعادة يوم وطئت قدماك عتبة المسجد، حدثنا عن اللذة والحلاوة يوم سجدت مع الساجدين، وركعت مع الراكعين، تسلم عليهم ويسلمون عليك، تحدثهم ويحدثونك.
إن الله لم يعذر المجاهد في سبيله في ترك الجماعة وهو في ساحة الجهاد يقاتل العدو، فقال الله سبحانه وتعالى: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء:102] والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعذر الأعمى فبيته بعيد، وبينه وبين المسجد واد فيه سباع وهوام، وليس له قائد يقوده إلى المسجد، كل هذه الظروف ولم يعذره صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسمع النداء (أجب! فإني لا أجد لك عذراً) .
فيا أيها المفرط في صلاة الجماعة! هل تجد لك عذراً بعد هذا؟ نعوذ بالله من العجز والكسل والخمول.
إذاً: فلتكن هذه الأيام، وليكن نصف الشهر هذا فرصةً وانطلاقةً للمحافظة على الصلاة والجماعة، وكل شيء يهون إلا ترك الصلاة، فهو كفر وضلال والعياذ بالله.
توجيه لمن ابتلي ببعض الذنوب
يا من بليت ببعض الذنوب! إياك إياك بعد رمضان أن تعود، شهر كامل وأنت تجاهد النفس وتصبرها، وتجمع الحسنات وتحسبها، فهل بعد هذا تراك تنقضها؟ فالله عز وجل يقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} [النحل:92] .
فيا من أعتقه مولاه من النار! إياك أن تعود إلى الأوزار، أيبعدك مولاك من النار وأنت تتقرب منها؟ وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ولا تحيد عنها؟!
توجيه لمن ابتلي بالتدخين
يا من بليت بالتدخين! شهر كامل وأنت تفارقه ساعات طويلة، وإذا حدثناك عن أخطاره وحكمه قلت: لم أستطع تركه، فمن أين لك هذه الإرادة وهذه العزيمة في رمضان وقد صبرت عنه حوالي اثنتي عشرة ساعة أو أكثر؟ إذن فاعلم أن رمضان فرصة للإقلاع عنه.
وقد جاءني أحد الإخوة في آخر رمضان، يبشرني بتركه للتدخين، فقلت: أخشى عليك من العودة، قال: لا.
فأنا تركته بعزيمتي وإرادتي، قلت: ابتعد عن أسبابه وأهله، قال: والله إني أرى المدخن يدخن وكأني لم أر الدخان في حياتي، فأنا تركته برغبتي وإرادتي إلى غير رجعة إن شاء الله، قلت: الحمد لله، وكنت أعلم أن خلفه زوجةً صالحةً تذكره، تارةً بالكلمة الطيبة، وتارةً بالكتاب والشريط، وتارةً بتخويفه بالله.
فيا كل مدخن ومبتلى! رمضان فرصة، ونصف الشهر هذا فرصة لمقارنة الحال، ولكنها الهزيمة النفسية، والهمة الدنية؛ يوم يهزمك عود سيجارة.
قيل لبعض العباد: من شر الناس؟ قال: من لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً.
وربما أيها المدخن! أشعلت سيجارتك أمام الناس؛ فرأوك مسيئاً.
أيها المدخن! إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يمسك بعود سيجارة يعصي بها الله.
أيها المدخن! أيها الحبيب! هل تعلم أن التدخين مفتاح لكل شر وفجور؟ لا تقل: لا.
فإن من رآك تدخن تجاسر عليك في كل بلاء وفتنة، وربما يدعوك للواط والزنا، والمخدرات والربا، إلا من عصم الله، أسأل الله أن يحفظك ويرعاك من كل سوء.
أيها الحبيب! اسأل نفسك: ما الفرق بين من بيده عود سواك، ومن بيده عود هلاك؟! أجب بكل صراحة، أجب واترك الهوى، واعلم أن هذه الأيام فرصة لا تعوض لترك هذا البلاء، وخاصةً أنك نجحت في رمضان، فاستعن بالله وتوكل عليه، وكن صاحب همة عالية وعزيمة صادقة.
توجيه لمن ترك قيام الليل
أيها المسلم! شهر كامل وأنت في ركوع وسجود، تصلي في الليلة ساعات لا تمل ولا تكل، ثم بعد رمضان تتغير أحوالنا وتنقلب صلاتنا -سبحان الله- أنعجز أن نصلي ساعةً أو نصف ساعة، وقد كنا نصلي الثلاث والأربع الساعات في رمضان؟ أيها الصالح! لست غريباً عن قيام الليل، فقد ذقت حلاوة الدمعة عند السحر في رمضان، ولذة المناجاة، وحلاوة السجود، ورأيت بنفسك كيف استطعت أن تروض نفسك ذلك الترويض العجيب في رمضان، همة وعزيمة وإصرار -فيا سبحان الله- أين هذا في غير رمضان؟ إنك قادر! فقد حاولت ونجحت، بل وشعرت بالأثر العجيب والأنس الغريب وأنت تناجي الحبيب، فما الذي دهاك وأنت تذكِّر الغافلين أن رب رمضان رب غيره من الشهور؟ فلماذا تركت قيام الليل؟ عاهد نفسك أيها الحبيب! ألا تترك قيام الليل ليلةً واحدةً، وإن حدثتك بالتعب والإرهاق، فذكرها بلذة وحلاوة القيام في رمضان.
توجيه لمن هجر القرآن
أيها المسلم! شهر كامل وأنت تقرأ وتبكر للصلاة، فتقرأ قبلها وبعدها وتحرص على ختمه مرات.
نعم.
خرج رمضان، والقرآن هو القرآن، والأجر هو الأجر، والرب هو الرب، فما الذي حدث للنفوس أيها الأحبة؟! هجر غريب عجيب لقراءة القرآن وختمه! ربما قرأ الإنسان منا في يومه أكثر من خمسة أجزاء في رمضان، ويجلس الساعات، أفلا نستطيع أن نجلس ثلث ساعة في اليوم الواحد لقراءة جزء واحد، فنختم القرآن كل شهر مرةً على الأقل؟! إنها ثلث ساعة في غير رمضان، فإذا ثقل ذلك فتذكر الساعات التي تقرأها في رمضان.
أي شهر قد تولى يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه بدماء لو عقلنا
كيف لا نبكي لشهر مر بالغفلة عنا
ثم لا نعلم أنا قد قبلنا أو طردنا
ليت شعري من هو المحروم المطرود منا
ومن المقبول ممن صام منا فيهنى
كان هذا الشهر نوراً بيننا يزهر حسنا
فاجعل اللهم عقباه لنا نوراً وحسنى
اللهم آمين.
توجيه لمن ترك الدعاء
أيها المسلم! شهر كامل وأنت تدعو وتلح على الله بالدعاء، مرات بالسجود، ومرات عند السحر والغروب لماذا؟ تسأل الله رضاه والجنة، وتعوذ به من سخطه والنار، فهل ضمنت الجنة يوم تركت الدعاء بعد رمضان؟! وتسأله العفو والغفران عن الذنوب والتقصير، فهل ضمنت الغفران؟! أم انتهت الغفلة والتقصير يوم تركت الدعاء بعد رمضان؟! أيها الأحبة! إن من ندعوه في رمضان هو من ندعوه في غير رمضان، وإن من نسأله في رمضان هو الذي نسأله في غير رمضان، فما الذي حدث؟! ولماذا نتوقف ونفتر عن الدعاء؟ نعم.
رمضان وقت إجابة للدعاء، لكن أدبار الصلوات، وعند الغروب، وآخر الليل، وساعة الجمعة، وفي السجود، وبين الأذانين، كلها أوقات إجابة، بل ودعاء المظلوم، والمسافر، والوالد لولده، والأخ لأخيه بظهر الغيب، كلها لا ترد بفضل الله، فما الذي جرى؟ ما الذي دهانا؟ والمدعو هو المدعو، والحاجات هي الحاجات، والمسلمون بأمس الحاجة لدعواتك الصادقة التي لا تنقطع في كل مكان.
كيف يقطع العبد صلته بالله واستعانته بمولاه، وهو يعلم أن لا حول ولا قوة له إلا بالله؟ كيف يفتر العبد عن الدعاء وهو أفضل العبادة، وربه يقول: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [البقرة:186] ولم يقل في رمضان فقط، بل في رمضان وغيره.
توجيه لمن ترك الصيام
أما الصيام أيها الأحبة! الصيام وما أدراك ما الصيام، العبادة التي اختصها الله لنفسه فقال: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فلا يعلم جزاء الصائمين إلا الله، وإن غفر لهم ما تقدم من الذنوب، وإن اختصوا بالدخول للجنة من باب الريان، وإن باعد الله بينهم وبين النار سبعين خريفاً، وإن جاء الصيام شفيعاً لأصحابه يوم القيامة، فإن هذه وغيرها من ثمرات الصيام، أما جزاء الصائمين فلا يعلمه إلا الله.
قال ابن حجر: المراد بقوله وأنا أجزي به، أي أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته.
انتهى كلامه رحمه الله.
وقال المناوي: (وأنا أجزي به) إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يعطي العطاء بلا واسطة، اقتضى سرعة العطاء وشرفه.
انتهى كلامه رحمه الله.
كل هذه الفضائل للصوم وهي أخروية، فما بالك بثمراته وفوائده الدنيوية، ومع ذلك فإن بعض الناس وخاصةً من الصالحين والصالحات لا يعرف الصيام إلا في رمضان، يعتذر لنفسه تارةً بالعمل، وتارةً بالتعب، وتارةً بشدة الحر، فإذا برمضان الآخر أتى، وهكذا تذهب الأيام وتفنى الأعمار.
أخي الحبيب! صُمْتَ شهراً كاملاً متتابعاً، فهل تعجز عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو يومي الإثنين والخميس؟! فاتق الله وكن حازماً مع نفسك عارفاً حيلها.
إن بعض الناس كلما هم أن يسمو إلى المعالي ختم الشيطان على قلبه: عليك ليل طويل فارقد، وكلما سعى في إقالة عثرته والارتقاء بهمته عاجلته جيوش التسويف والبطالة والتمني وعثَّرته، ونادته نفسه الأمارة بالسوء: أنت أكبر أم الواقع؟! قال ابن القيم -اسمع إلى هذه الكلمة الجميلة-: والنفس كلما وسعت عليها، ضيقت على القلب حتى تصير معيشته ضنكاً، وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حتى ينشرح وينفسح.
انتهى كلامه رحمه الله.
ورمضان يشهد بهذا، وما كنا نشعر به من رقة القلب واتصاله بالله سبحانه وتعالى.
توجيه للمرأة المسلمة
أما أنت أيتها المرأة! فالكلام للرجال وهو لك أيضاً، وإن كنت أعجب من حرصك في رمضان على التراويح، وقراءة القرآن، وقيام الليل، أسأل الله عز وجل أن يقبل منا ومنكِ! ولكني أقول: ما بالنا إذا طلبنا منك هذه الأمور في غير رمضان اعتذرت بالأولاد، وأعمال المنزل، وغيرها من الأعذار؟ مع أن كل هذه الأعذار لم تتغير في رمضان، فالأولاد هم الأولاد، وأعمال المنزل هي أعمال المنزل، بل ربما أكثر في رمضان، فما الذي يجعلك تحرصين على القيام، وقراءة القرآن، والصلاة في وقتها، والصيام في رمضان، وينقطع كل هذا في غير رمضان؟! وتتعذرين بكثرة الأعذار إذا طلبنا منك ذلك في غير رمضان.
توجيه للمجتمع بالمداومة على الأعمال
هذا حال النساء، وحال الرجال -كما أسلفت- في هذه الأيام القصيرة التي مضت بعد رحيل رمضان، فما هو سر نشاطنا في رمضان؟ وما هو سر فتورنا وربما انقطاعنا في غيره أيها الأحبة؟! سألت هذا السؤال واستنطقت الأفواه لمعرفة السر، قالوا: رمضان له شعور غريب ولذة خاصة.
قلت: لماذا له هذا الشعور وهذه اللذة؟ قالوا: لأن الناس من حولك كلهم صائمون، وقائمون، ومتصدقون، وقارئون، ومستغفرون.
قلت: أحسنتم.
إذاً: فالسر صلاح المجتمع من حولنا، والمجتمع هو نحن، هؤلاء الأفراد، أنا وزوجتي وأولادي وأبي وأمي وإخواني وأخواتي، فلماذا لا يصلح هؤلاء الأفراد؟ لماذا لا نربي في أنفسهم استمرار الطاعة ومراقبة الله؟ لماذا لا نشجعهم على صيام التطوع وصلاة الليل وقراءة القرآن؟ فنصوم البيض -مثلاً- ونجتمع على الإفطار، ونوقظ بعضنا ونجتمع على القيام ولو لوقت يسير، ونخصص ساعات نجلس فيها لقراءة القرآن، وهكذا في سائر الأعمال، عندها ألا تشعرون أن السنة أصبحت كلها رمضان؟ وأن المجتمع يشجع بعضه بعضاً؟! وليس معنى هذا أن نكون كما كنا في رمضان، مع أننا نتمنى هذا، نحن لا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد والحرص على الخيرات، فالنفس لا تطيق ذلك، ورمضان له فضائل وخصائص، ولكنا نقول: لا للانقطاع عن الأعمال الصالحة، فلنحرص ولو على القليل من صيام النفل، ولنداوم ولو على القليل من القيام، ولنقرأ كل يوم ولو القليل من القرآن، ولنتصدق ولو بالقليل من المال والطعام، وهكذا في سائر الأعمال، ولنحيي بيوتنا ولنشجع أولادنا وأزواجنا.
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ) .
[وقد كان عمله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ديمة] كما كانت تقول عائشة رضي الله تعالى عنها.
فهل تعلمنا من رمضان الصبر والمصابرة على الطاعة وعن المعصية؟ وهل عودنا أنفسنا على المجاهدة للهوى والشهوات؟ هل حصلنا على التقوى التي هي ثمرة الصيام الكبرى، واستمرت معنا حتى بعد رمضان، فإن الصلة بالله وخوف الله هي السر في حياة الصالحين والصالحات؟!
توجيه لمن أصابه العجب والغرور
أيها المحب! إياك والعجب والغرور بعد رمضان، ربما حدثتك نفسك أن لديك الآن رصيد كبير من الحسنات كأمثال جبال تهامة، أو أن ذنوبك غُفرت فرجعتَ كيوم ولدتك أمك، فما يزال الشيطان يغريك والنفس تلهيك، حتى تكثر من المعاصي والذنوب، ربما تعجبك نفسك وما قدمته خلال رمضان، فإياك إياك والإدلال على الله بالعمل، فإن الله عز وجل يقول: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] فلا تمن على الله بما قدمت وعملت، فما الذي يدريك أن أعمالك قبلت؟ وهل قدمتها كما ينبغي؟ وهل كانت لله أم لا؟ ألم تسمع لقول الحق عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فاحذر مفسدات الأعمال الخفية، نعوذ بالله من الشقاق والنفاق والرياء ومساوئ الأخلاق.
توجيه لمن أصابه الفتور
أيها الإخوة والأخوات! إن من خالط الإيمان بشاشة قلبه؛ لا يمكن أن يهجر الطاعات، كيف وقد ذاق حلاوتها وطعمها، وشعر بأنسها ولذتها في رمضان؟ إن هرقل لما سأل أبا سفيان عن المسلمين: أيرجعون عن دينهم أم لا؟ قال أبو سفيان: لا.
قال هرقل: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.
إن هرقل يعلم أن من ذاق حلاوة الإيمان، وعرف طعمه لا يمكن أن يرجع عن دينه أبداً مهما فُعل به.
إن طعم الإيمان، ولذة الطاعة هما السر في الاستمرار وعدم الانقطاع، نعم.
يفتر المسلم ويتراخى، ويمر به ضعف وكسل، خاصةً بعد عمل قام به، وذلك مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل) .
والحديث أخرجه أحمد في مسنده وإسناده صحيح، وقد صححه الألباني كما في الصحيحة، وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وأيضاً أخرج من وجوه كما في الترمذي، وقد قال عنه الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، كما في صحيح الجامع للألباني.
إذاً: فالمسلم يفتر ويضعف لكنه لا ينقطع، واسمع لهذا الكلام الجميل لـ ابن القيم رحمه الله: تخلل الفترات -أي الفترة والكسل- للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رجي له أن يعود خيراً مما كان.
انتهى كلامه رحمه الله.
فلعلنا أيها الأحبة! نقارن بين حالنا في رمضان بعد سماع هذا الكلام، وبين حالنا خلال هذه الأيام؛ لنشعر بما فقدناه من اللذة والطاعة وحلاوة الإيمان، والله المستعان.
همسة لصناع الحياة
يا صناع الحياة! يا دعاة الهدى! ويا دلاَّل الخير! رمضان كشف عن الخير في نفوس الناس مهما تلطخ بعضهم بالمعاصي والسيئات، حتى الفاسق، فكم من المرات رأيناه انتصر على نفسه فتخطى عتبة المسجد ليركع مع الراكعين في صلاة التراويح والقيام -أي والله- رأينا ممن ظاهرهم الفسق يركعون ويسجدون، وربما تدمع عيونهم ويبكون، وقد يصلون ساعات طويلة مع المسلمين في آخر الليل، هذه دلالات على فطرة الخير في نفوس الناس، لكن أين من يحسن التعامل معهم؟ نعم.
يا شباب الصحوة! نعم.
يا دعاة الخير! نعم.
أيتها الفتيات! كأني برمضان يصرخ هذا العام فينا فيقول: إن الدعوة إلى الله فن وأخلاق، فيا ليت شعري من يجيد هذا الفن؟! ومن يتمثل هذه الأخلاق؟! فلماذا نعتذر بصدود الناس وغفلتهم، لنبرر فتورنا وعجزنا وكسلنا؟ ولكني لا أقول إلا: اللهم إنا نشكو إليك جلد الفاسق وعجز الثقة، فكم من الثقات استجابوا لخمولهم وكسلهم! إنا لله وإنا إليه راجعون!
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ماذا بعد رمضان
اللجنة العلمية
أحب الأعمال
إن مما لا شك فيه أن هناك ضعفاً في البشر لا يملكون أن يتخلصوا منه، وليس مطلوباً منهم أن يتجاوزوا حدود بشريتهم، غير أن المطلوب أن يستمسكوا بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله في كل حين، وتجعل من التدين في جميع جوانب الحياة عندهم -ثقافة وأسرة وإعلاماً- من الثوابت التي لا تتغير، ولا تُخدع بها النفس في موسم ما دون غيره، كما أنها تمنعهم في الوقت نفسه -بإذن الله- من التساقط والتهالك، وتحرسهم من الفترة بعد الشِّرّة مهما قلَّت، ما دامت هي على الدوام، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {يا أيها الناس! خذوا من الأعمال ما تُطيقون، فإن الله لا يملَّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قلَّ} رواه البخاري ومسلم. و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]] ] .
إن البقاء على الطاعة في كل حين، أو التهاون عنها كرات ومرات ليعودان بالمرء -بإذن الله- إلى القلب، وهو أكثر الجوارح تقلباً في الأحوال، حتى قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: {إنما سُمِّي القلبُ مِن تقلُّبه، إنما مَثَل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً على بطن} رواه أحمد، ولأجل هذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} رواه الإ مام أحمد.
والمسلمون في رمضان يظهر جلياً اهتمامهم بالعبادة والقيام وقراءة القرآن وسائر القربات، بينما يهملون دينهم بقية شهور العام، ومن أسباب ذلك الفتور الذي يعتريهم في سائر أيام العام: سيرهم إلى الله على مركب الرجاء أو كما يسمى (دراسة الجدوى) فيستثمرون أوقاتاً تضاعف فيها الحسنات كليلة القدر مثلاً وكأن عملهم فيها مقبول يقيناً، ولا يلتفتون إلى الأوقات الأخرى، ولو ركبوا في إبحارهم إلى المولى الودود تعالى مركب الشوق والمحبة لما تهاونوا ولما استثقلوا العبادة والطاعة.
رحل رمضان ويا لها من أيام، ولكن يا ترى ما هو الفرق بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان؟ كل يسأل نفسه: كيف حالك أيتها النفس بعد رمضان؟! فالعاقل اللبيب من جعل رمضان مدرسة لبقية الشهور بالاستمرار والمداومة على الطاعات والواجبات، ولو كانت قليلة؛ فقليل دائم خير من كثير منقطع.
إن الذي يتقي الله حق تقاته يواصل على الطاعة والعبادة، والله تعالى لما ذكر صفات المؤمنين لم يقيدها بوقت، ولم يخصها بزمان، قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:1-3] ليس معرضين في رمضان فقط: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:4] متى ما دار الحول يزكي في رمضان أو في غيره، وبعض الناس إذا حال الحول في رمضان زكى ويهمل الزكاة في الأموال التي يحول عليها الحول في غير رمضان، فانتبهوا لهذه المسألة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون:5] ليس في رمضان فقط، بل وفي غير رمضان.
أيضاً: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63] دائماً هكذا مشيهم: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] هكذا هم في العادة: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} [الفرقان:64] هم باستمرار يفعلون ذلك، وليس قيام رمضان فقط، وهكذا من سائر صفات المؤمنين، والسبب أننا مطالبون بالعمل إلى الموت بأمرٍ من الله تعالى، مرسومٌ رسمه الرب، وأمرٌ صدر من الرب، قال الله عز وجل: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] واليقين هو الموت، وقال الله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم:65] فلابد من الصبر والمصابرة على الطاعة.
وهذه وقفةٌ مهمة جداً في قضية الاستمرار على الطاعة، ولعله لهذا السبب شرع لنا صيام الست من شوال بعد رمضان، حتى لا تنقطع العبادة الجميلة وهي عبادة الصيام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام ستة أيامٍ بعد الفطر كان تمام السنة) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] هكذا يقول الله تعالى، وفي رواية: (جعل الله الحسنة بعشر أمثالها) وفي رواية: (فشهرٌ بعشر ذي أشهر) وفي رواية: (صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة) ستة في عشرة بستين، ستون يوماً هي شهران مع الشهر الذي صمناه في عشرة بعشرة أشهر، فتمت السنة وفضل الله عظيم، وكرمه واسع، وهباته مستمرة، وعطاؤه لا ينقطع، لكن أين العاملون؟ فمن فعل هذا دائماً فكأنما صام عمره، من كان كلما صام رمضان صام ستاً من شوال، فإنه يكون قد صام العمر وله أجر صيام الدهر.
ونُذكر أيضاً بأن الاستمرار في العبادة والطاعة وهضم النفس مع وجوبهما، فإن ذلك لا يعني أن يكلف الإنسان نفسه فوق ما يطيق (خذوا من العبادة ما تطيقون، فإن الله لا يسأم حتى تسأموا) حديث صحيح.
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
هكذا يجب أن يكون العبد ... مستمر على طاعة الله , ثابت على شرعه , مستقيم على دينه , لا يراوغ روغان الثعالب , يعبد الله في شهر دون شهر , أو في مكان دون آخر , لا ... وألف لا ..!! بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام .... قال تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك.. } هود 112 , وقال : { ... فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ... } فصلت 6 .
والآن بعد أنتهاء صيام رمضان ... فهناك صيام النوافل : ( كالست من شوال ) , ( والاثنين , الخميس ) , ( وعاشوراء ) , ( وعرفه ) , وغيرها .
وبعد أنتهاء قيام رمضان , فقيام الليل مشروع في كل ليله : وهو سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي وأحمد .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل " ، وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ، ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .
وقال الحسن : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ، ونفقة المال ، فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال : لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
اجتناب الذنوب والمعاصي : فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى ، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب ، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي .
قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .
وقال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتْك
وقال رحمه الله : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار . وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات ، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة ، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى : ( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) .
والآن بعد أن انتهت ( زكاة الفطر ) : , فهناك الزكاة المفروضه , وهناك أبواب للصدقه والتطوع والجهاد كثيرة .
وقرأة القرآن وتدبره ليست خاصه برمضان: بل هي في كل وقت .
وهكذا .... فالأعمال الصالحه في كل وقت وكل زمان ..... فاجتهدوا الأحبة في الله في الطاعات .... وإياكم والكسل والفتور .
فالله ... الله في الاستقامة والثبات على الدين في كل حين فلا تدروا متى يلقاكم ملك الموت فإحذروا أن يأتيكم وأنتم على معصية .
الثبات بعدرمضان
وسيكون الحديث عن هذا المحور فيعدة نقاط هي كالتالي :
1) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها منبعدقوة أنكاثا .
2) احذرالشيطان .
3) إياك وهبوط العزيمة ( خمس أشياء تساعدكعلى تثبيت مستواك الايماني ) .
4) كيف تعرف هل قبلرمضانأم لا ؟
5) رمضاننقطة بداية وليس نقطة نهاية .
النقطة الأولى ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها :(
إن كنتم ممن أستفاد من رمضان ... وتحققت فيكم صفات المتقين ... !
فصُمتم حقاً ... وقُمتم صدقاً ... واجتهدتُم في مجاهدة أنفسكم فيه ... !!
فأحمدوا الله وأشكروه وأسألوه الثبات على ذلك حتى الممات .
وإياكم ثم إياكم ... من نقض الغزل بعد غزله .
إياكم والرجوع الى المعاصي والفسق والمجون , وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان .. فبعد أن تنعموا بنعيم الطاعة ولذة المناجاة ... ترجعوا إلى جحيم المعاصي والفجر !!
فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ..!!
الأحبة في الله : ولنقض العهد مظاهر كثيرة عند الناس فمنها ..
(1) ما نراه من تضييع الناس للصلوات مع الجماعه ... فبعد امتلاء المساجد بالمصلين في صلاة التراويح التي هي سُنه ... نراها قد قل روادها في الصلوات الخمس التي هي فرض ويُكّفَّر تاركها !!
(2) الانشغال بالأغاني والأفلام .. والتبرج والسفور .. والذهاب إلى الملاهي والمعاكسات !!
(3) ومن ذلك التنافس في الذهاب إلى المسارح ودور السينما والملاهي الليلية فترى هناك - مأوى الشياطين وملجأ لكل رزيلة - وما هكذا تُشكر النعم .. وما هكذا نختم الشهر ونشكر الله علىّ بلوغ الصيام والقيام , وما هذه علامة القبول بل هذا جحود للنعمة وعدم شكر لها .
وهذا من علامات عدم قبول العمل والعياذ بالله لأن الصائم حقيقة .. يفرح يوم فطرة ويحمد ويشكر ربه على أتمام الصيام .. ومع ذلك يبكي خوفاً من ألا يتقبل الله منه صيامه كما كان السلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله القبول .
فمن علامات قبول العمل أن ترى العبد في أحسن حال من حاله السابق .
وأن ترى فيه إقبالاً على الطاعة { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ .. } ابراهيم 7 .
أى زيادة في الخير الحسي والمعنوي ... فيشمل الزيادة في الإيمان والعمل الصالح .. فلو شكر العبدُ ربهُ حتى الشكر , لرأيته يزيد في الخير والطاعة .. ويبعد عن المعصية .والشكر ترك المعاصي .
ماذاتقول لامرأة جلست طوال شهر كامل تصنع ملبسا من الصوفبالمغزل حتى ما ان قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعت
هذا المثل يمثل حالبعضنا فبمجرد إنتهاء شهررمضانسرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب فهو طوال الشهرفي صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرع وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته... لدرجة أن أحدنا يتمنى ان يقيضه الله على تلك الحالة التي هو فيها من كثرة ما يجد منلذة العبادة والطاعة ولكنه ينقض كل هذا الغزلبعدمغرب أخر يوم فيرمضان ... والكثير يسأل نفسه لماذافعلت هذا ويستغرب والإجابة على هذا السؤال توضحهالنقطة التالية .
النقطة الثانية ( احذر الشيطان :(
عدو يغفل عنه الكثير ولا يعمل له حساب إلا من رحم ربي رغم علمنابعداوته لنا وماذايريد منا وكلمة أوجهها لنفسي ولكم اليس عيب ان يتقنالشيطان فن التخطيط وصناعة الاهداف والإصرار عليها ونجهلها نحن.. الشيطان عندهرسالة وهي أن يدخلك النار وعنده أهداف واضحة لتلك الرسالة وهي ان يجعلك تقع فيالمعاصي والذنوب التي تكون سببا في دخولك النار ونحن ما هي رسالتنا في الحياة ما هيأهدافنا ما واجبنا تجاه ديننا ام اننا نعيش لنأكل ونشرب ونتزوج .
الشيطان حبسعنا شهرا كاملا وهو الآن يخرج ويفك أسره ومازال مصراً على تحقيق هدفه وهو إيقاعك فيالمعاصي فأول شيء يفعله معك في أول يومبعدرمضانهو الوقوع في معصية ومعصية ليست سهلة كي تهدم كل مافعلته فيرمضانمن طاعات فهل سنكون مستسلمين له ام اننا سنخطط كمايخطط هو ..وهنا نقطة لطيفة أحب أن أشير إليها وهي أن الشيطان له معك خطتان واحدةقبل رمضان والثانية بعده فالتي قبل رمضان تكون في شهر شعبان والثانية تكون في شهر شوال فهو فيشهر شعبان يحاول جاهدا أن يجعلك ترتكب اكبر كمية من المعاصي قبل الدخول علىرمضانليأتي الشهر وأنت في معصية كبيرة تؤثر عليك طوالالشهر حتى ما إذا أفقت منها دخل شهر شوال فقابلك بمعصية أخرى وهكذا ولنا في رسولناصلى الله عليه وسلم أسوة حسنة للخلاص من خطة الشيطان هذه فقد نبهنا الرسول الكريموحثنا على الاهتمام بشهر شعبان فقال ذاك شهر يغفل عنه كثير من الناس وأمرنا بصيامأيام منه لنستعد لرمضانونتذكر فضل الصوم وتعتاد النفس عليه ونكون في مأمنمن خطة الشيطان التي قبلرمضانثم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصيام أيام منشوال وأعطى حافزا وجائزة لمن صام وهو قوله من صامرمضانثم اتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ... لما كلهذا يا رسول الله أولا لتثبت على الطاعة ثانيا لتكون في مواجهة خطة الشيطان وخاصةفي هذا الشهر منبعدرمضان
سيحاول أن يوقعك في معاصي زنا او مشاكل اسرية اومشاكل مع الاصدقاء او ترك للطاعات ومشاهدة الافلام المهم أي شيء يخرجك من جو الطاعةلتكون صيد سهل له ... لأنه في لحظة خروجه يخرج هائجا مغتاظا فكل ما فعله معك طوالالعام وما اوقعك فيه من معاصي قد غفر لك في شهر ( انظر الى الاصرار منه على دخولكالنار) فهو يريد ان يضيع عليك ما كسبته من اجر في هذا الشهر في يوم واحد ليثبت لكان لا فائدة منك وانك مهما كنت طائعا فمن السهل ان تقع في المعصية .
وعلاج هذهالنقطة هو الثبات على الطاعة لمدة اسبوع بعدرمضان لتجبر الشيطان على تغيير خطته معك ولتأكد له انك فعلا قد تغيرت للأحسن ولكي نفهم ذلك ننتقل للنقطة الثالثة فهي توضح ذلك .
النقطة الثالثة : إياك وهبوط العزيمة ( خمس أشياءتساعدك على تثبيت مستواك الايماني)
من الأشياء التي تسر النظر وتفرحالقلب وتشرح الصدر فيرمضانمنظر المسجد وهو مملوء بالمصلين في الخمس صلواتفعينك تقع إما على راكع أو ساجد او مبتهل بالدعاء وإما قارئ للقرآن
تجد الكلمملوء بالطاقة والحيوية والعزيمة والنشاط ومع أول أيام العيد يحدث الفتور والكسلوالخمول فمنا من يؤخر الصلاة ومنا من يقوم بوضع المصحف في المكتبة لرمضانالقادم ( كل دي من خطط الشيطان ) ويترك الدعاء حتىقيام الليل .... اذاماذانفعل لنحافظ على هذه الطاقةهنا يجب ان نتفقعلى ان نلتزمبخمس أشياءبعدرمضانول ا نفرط فيها بأي حال من الأحوال فمثل ما نأكلونشرب ونحافظ على الأكل يوميا لتغذية البدن نحافظ ايضا على هذه الخمسة أشياء لتغذيةالروح
1) المحافظة على الصلوات الخمس جماعة وخصوصاصلاة الفجر
فنحن اثبتنا لأنفسنا فيرمضاناننا قادرون على اداء صلاة الجماعة في المسجدوقادرون على صلاة الفجر يوميا فلنحافظبعدرمضان على الصلوات في المسجد قدر استطاعنا فان لم نستطعفلتكن في اول الوقت مع السنن الراتبة في أي مكان انت فيه حاول الا تؤخرها لا تدعفرصة للشيطان اثبت على ذلك لمدة اسبوع .
2) القرآن : لا تكن ممن يقرآن القرآن فيرمضانفالقرآن انزل لنتلوه فيرمضانوغيررمضا ن ... انت استطعت ان تقرأ كل يوم جزء او جزئيين أوثلاث واجتهدت في ذلك وخصصت وقت لذلك من يومك فحاول أن تجعل لنفسك ورد يومي ثابت منالقرآن ولو صفحة واحدة يوميا ( اثبت للشيطان أنك فعلا اتغيرت ) .
3) ذكر الله : اجتهدبعدرمضانعل ى ان تحافظ على اذكار الصباح والمساء اذكار النوم، اذكار الخروج من المنزل، استغل وقت فراعك في العمل أو ذهابك إليه بذكر الله
4) الصحبه الصالحة : اختر من يعينك على طاعة اللهفالمرء على دين خليله والأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو الا المتقين ، والمؤمن للمؤمنكالبنيان يشد بعضه بعضا فاختر صاحبا إذا رأى منك معصية حذرك ودلك على طريق الخير ،وكما تريد أنت صديق حسن الخلق فصديقك يريد أيضا صاحب يشد على يديه فانوي الخير فينفسك لتنال ما تريد .
5) الدعاء : ( وإذا سألك عباديعني فإني قريب . أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ، (وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) ( منلم يسال الله يغضب عليه ) الكثير من الآيات والأحاديث في فضل الدعاء ومكانته فاحرصبعدرمضانعل ى الدعاء ، أم ليس لك عند الله حاجةبعدرمضانفكل نا فقراء إلى الله وهو الغني الحميد فخصص وقتاللدعاء يوميا ولو لدقيقتينبعدأي صلاة أو اجعله في أخر يومك المهم أن لا يمر يوم دونأن تدعي واسأل الله أن يثبتك على الطاعة
كما لا تحرم نفسك أيضا من قيام الليلولو يوم واحد في الأسبوع ولمعرفة فضل قيام الليل وأثره طالع احد الكتب أو قم بزيارةأي المواقع الإسلامية وابحث عن فضل قيام الليل ،والصوم أيضا فهناك صيام الاثنينوالخميس والأيام البيض من كل شهر هجري، اختر لنفسك ما تستطيع فعله من الطاعاتالمهم أن تحدث تغييرا في حياتكبعدرمضانإل ى الأحسن وانتصر على نفسك وشيطانك
النقطة الرابعة ( كيف تعرف هل قبل منارمضانأم لا) :
أولا لا تغتر بعبادتك ولا تقللقد صمترمضانكاملا بل احمد الله أن وفقك وبلغك شهررمضانشهر الخير والإحسان واحمده أن وفقك أيضا لصيامهوقيامه فكم من محروم وممنوع واستغفر الله فتلك عادة رسول الله صلى الله عليه وسلمبعدكل طاعة.... الاستغفار .
ويقول سيدنا على كان أصحابالنبي يعملون العمل بهمة ثم إذا فرغوا أصابهم الهم أقبل العمل أم لا
ولكن مانعنيه في هذه النقطة هي مبشرات وضحها لنا القرآن وبينها لنا حبيبنا صلى الله عليهوسلم ففي كتاب الله قوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علىالذين من قبلكم لعلكم تتقون ) إذا فالهدف من الصوم هو التقوى فإذا تحققت فيك التقوىمع نهاية الشهر فقد قبل منكرمضانبفضل الله وبين لنا الحبيب أن من علامات قبول الطاعةأن تتبعها طاعة لا أن تتبعها معصية
نحن لا نطلب أن نكونبعدرمضانكما كنا فيرمضانفهذا شيء صعب فأيامرمضانلها ميزة خاصة وقدرة خاصة وطاقة خاصة ولكن نأخذ منهذه الطاقة والقدرة ما يعيننا على الثباتبعدرمضانف أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وهنا تتضحالحكمة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صامرمضانثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ) والحكمة أنتثبت على الطاعة وتأكيد على الاستمرار في فعل الخيرات وبان ربرمضانهو رب كل الشهور.
النقطةالخامسة:) رمضاننقطة بداية وليس نقطة نهاية (
شهررمضانفرصة للتغيير ، فرصه لكسب المزيد من المهارات ، ففيرمضاننتعلم كيف ننظم الوقت نأكل في موعد محدد ونمسك عنالطعام في وقت محدد ، وتتعلم منه أيضا فن الاتزان فنحن فيرمضاننوازن بين غذاء الروح وغذاء البدن ففي بقية شهورالسنة نركز على غذاء البدن ونهمل غذاء الروح فيحدث الكسل والفتور وعدم المقدرة علىالعبادة أما فيرمضانفيزيد تركيزنا على غذاء الروح مثل الذكر قيام الليلالقرآن فتنشط الروح وإذا نشطت الروح أصبح الجسد قادرا على الطاعة والزيادة فيها ،ونتعلم منرمضانأيضا الصبر والمسامحة والإيثار فكثيرا ما كنت أجدعلى مائدة الإفطار أخوة لي قبل أن يأكل أحدهم تمرته ينظر إلى من بجانبه فأن لم يجدأمامه تمرا آثره على نفسه والكثير من الأخلاق ، فلماذابعدرمضانن ترك كل هذابعدأن تعودنا عليه وعندي مثال لرجل يمتلك سيارة قامبإدخالها إلى مركز الصيانة لعمل صيانة لها وإصلاح ما فسد فيها ثمبعدأن تمت عملية الصيانة اللازمة لها وتزويدها بالبنزينأوقف السيارة ولم يستعملها ... فهل هذا معقولبعدأن أصبحت السيارة قادرة على السيرة بسرعة وبقوة يتركها .
فهذا الحال يحدثبعدرمضانفبع دأن يتم شحن بطاريات الإيمان فينا ونصبح قادرين علىالمضي في طريق الهداية والإيمان نتوقف ونهمل أنفسنا نتصالح مع الشيطان ونركز علىالبدن في الغذاء لا على الروح والبدن معا .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا علىدينك
اللهم ما تقبل هذا العمل واجعله خالصا لوجهك الكريم وتقبل منارمضانواعنا على الطاعةبعده
المحافظة على صيام ست من شوال
من نعم الله علينا أن والى العبادات، وتابع علينا الطاعات؛ من الفرائض والمستحبات، فإنه إن انتهى شهر الفريضة في شهر رمضان فصوم التطوع بابه مفتوح؛ كصيام ستة أيام من شوال، فقد روى الإمام مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر} .
وذلك: لأن صيام شهر رمضان عن صيام عشرة أشهر في الأجر، وستة أيام من شوال عن صيام شهرين فبذلك يحصل لمن صامها أجر صيام الدهر كله، ويجوز لمن أراد صيامها أن يتابعها ويفرقها في الشهر، كما يجوز أن يصوم سنة ويترك أخرى، فلا تُفوِّتوا -رحمكم الله- على أنفسكم هذه الفضائل، واذكروا الله سبحانه على إنعامه، وأتموا أعمالكم الصالحة، واستمروا عليها بعد رمضان إلى أن يتوفاكم الله عز وجل، ولا تبطلوا -رحمكم الله- أعمالكم الصالحة التي بنيتموها في شهر رمضان، فإن أحدنا لا يدري هل يدرك رمضان مرة أخرى أو لا يدركه؟ وكلنا بحاجة إلى التوبة إلى الله سبحانه، والاستغفار إليه، وتتابع الأعمال الصالحة.
وصيام هذه الست بعد رمضان دليل على شكر الصائم لربه تعالى علىتوفيقه لصيام رمضان، وزيادة في الخير، كما أن صيامها دليل على حب الطاعات، ورغبة فيالمواصلة في طريق الصالحات.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ( فأما مقابلةنعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فعل من بدل نعمة اللهكفراً ).
أخي المسلم: ليس للطاعات موسمٌ معين ، ثم إذا انقضى هذا الموسمعاد الإنسان إلى المعاصي!
بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياتهكلها، ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره..
قيل لبشر الحافي رحمه الله : إنقوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: ( بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقاً إلا فيشهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها).
أخي المسلم: فيمواصلة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة، يجد بركتها أولئك الصائمون لهذه الست منشوال.
وإليك هذه الفوائد أسوقها إليك من كلام الحافظ ابن رجب - رحمه الله -:
إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها،فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال.
إنمعاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبلعمل عبد، وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عملحسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عملحسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
إن صيام رمضانيوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، كما سبق ذكره، وإن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم فييوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلانعمة أعظم من مغفرة الذنوب، « كانالنبي صلى اله عليه وسلم إذا صلى، قام حتى تفطر رجلاه. قالت عائشة : يا رسول الله ! أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : يا عائشة ! أفلا أكون عبداشكورا » [ رواه مسلم ]
وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده بشكرنعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَوَلِت ُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185]
فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانتهعليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.
كان بعض السلف إذا وفقلقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً، ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام.
وكان وهيب بن الورد يُسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه، فيقول: لاتسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر، للتوفيقوالإعانة عليه.
كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكرعليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثانٍ، ثم التوفيق للشكرالثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبداً فلا يقدر العباد على القيام بشكرالنعم.
وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر.
إن الأعمال التي كانالعبد يتقرب يها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعدانقضائه ما دام العبد حياً..
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عمله ديمة.. وسئلت عائشة - رضي الله عنها -: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص يوماً منالأيام؟ فقالت: لا ، كان عمله ديمة.
وقالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لايزيد في رمضان و لا غيره على إحدى عشرة ركعة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال، فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر منرمضان، ثم قضاه في شوال، فاعتكف العشر الأول منه .
يتبع
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
ماذا بعد رمضان
اللجنة العلمية
ماذا تعلمنا من رمضان
وفيه النقاط التالية
· الحرص على تقوى الله
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة
فلقد كان حرصنا في شهر رمضان على الوصول إلى التقوى
معنى التقوى: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ * الترمذي
وهذا الحديث يدعونا إلى المحافظة على تقوى الله حيثما كنا.
· الشعور بالمراقبة
علمنا رمضان الشعور بالمراقبة الإلهية فكنا نصوم في العلن والسر وذلك ليقيننا بأن الله يعلم أحوالنا وأعمالنا ونشعر بمراقبته لنا فنخاف من مخالفة أوامره لا من أعين الناس.
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) البقرة
تعلمنا أن نحاسب أنفسنا ونراقب قلوبنا في رمضان حتى لا نفسد صيامنا وذلك لأننا نعلم ونؤمن بأن الله يعلم ما في الصدور.
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) آل عمران
· الالتزام بالدين والاهتمام بالآخرة كان هو الهم الأكبر في حياتنا فهانت بعد ذلك كل الأمور.
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) البقرة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ * الترمذي
· تعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى
فقد بين الله سبحانه وتعالى بأن تعظيم شعائره هي من تقوى القلوب.
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) الحج
· الاستجابة لنداء الله
فقد كانت استجابتنا سريعة ومن غير تردد لنداء الرب في طاعته بصيام رمضان فنسأل الله أن نكون على ذلك في جميع الأحوال والأوقات فقد وعدنا الله بالأجر العظيم.
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) آل عمران
وقد بين الرب سبحانه وتعالى بأن الاستجابة لأوامره إنما هي الحياة الحقيقية حيث أنه هو خالقنا ويعلم ما يصلح أمورنا وهو لا يأمر من خلقه إلا بخير.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال
· لقد ذقنا حلاوة العبادة فنتمنى أن نحافظ عليها. وقد ورد أن من علامات المؤمن هو مسرة وسعادته بحسنته.
مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ. الترمذي
· الحرص على المحافظة على الصلوات بأوقاتها وأداء النوافل
تعلمنا في رمضان بأن نحافظ على الصلوات بأوقاتها وأن نتفرغ من أعمالنا للمحافظة على أدائها في وقتها ولم نجعل أعمالنا تلهينا عن ذكر الله فنسأل الله بأن نستمر على هذا الحال. لأن هذه من صفات المسلمين الذين يؤمنون بالآخرة فقد أعد الله الأجر الكبير لهم.
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) النور
ولقد تعلمنا في رمضان بأن نكثر من أداة صلاة النافلة. ولقد مدح الله أولئك الذين يكثرون من النوافل وبين أنها تمحو السيئات.
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) هود
ومن هذه النوافل قيام الليل والتي وصف الله أصحابها بأنهم من أهل التقوى وأنهم هم عباد الرحمن.
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان (وصف لعباد الرحمن)
· المحافظة على صلاة العشاء والفجر في جماعة
تعلمنا من رمضان المحافظة على أداء صلاتي الفجر والعشاء في جماعة فنسأل الله بأن يعيننا على الاستمرار والمداومة على ذلك. ولقد بين المصطفى فضل أداء هاتين الصلاتين في جماعة.
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ * مسلم
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ *. الترمذي
· الحرص على قراءة القرآن الكريم
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت
ولقد تعلمنا من رمضان المحافظة على قراءة القرءان. ولقد وصف الله أولئك الذين يتلون كتابه بالإيمان بالآخرة وأنهم يتاجرون مع الله تجارة لن تبور.
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) فاطر
ولقد أمتدح النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقع قارئ القرءان وبين بأن هذا الكتاب سوف يشفع لصاحبه يوم القيامة.
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ * مسلم
· الإقبال على الدعاء وكثرة الإستغفار بالسحر.
فقد بين الله سبحانه وتعالى فضل الدعاء بالسحر ووصف أهل السحر بأنهم من أهل التقوى
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَار ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ * البخاري
· الحرص والرغبة في سماع الدروس الدينية وتعلم أمور الدين
ولقد تعلمنا في رمضان الحرص على حضور دروس العلم وحلقات الذكر وتعلم الدين من خلال قراءة الكتب الإسلامية وفي هذا خير كثير للمسلم فعسانا أن نستمر على هذا الحال في أيامنا المقبلة.
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) البقرة
وقد فضل الله أهل العلم على غيرهم من الناس
أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) الزمر
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) المجادلة
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ * ابن ماجه
أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا * ابن ماجه
· المحافظة على اللسان وبقية الجوارح
ولقد تعلمنا في رمضان الحفاظ على ألسنتنا ومراقبة ما نقول مخافة أن نفسد صيامنا فلعلنا نستمر على هذا الحرص على ما نقول.
بَاب حِفْظِ اللِّسَانِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) * البخاري
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ * ابن ماجه
· الحرص على المشاركة في خدمة المسلمين والأعمال الخيرية في رمضان يدعونا إلى الاستمرار في خدمة الإسلام في بقية الأيام.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ *. البخاري
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ قَالَ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ قَالَ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ * مسلم
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ * مسلم
· تربية النفس على الطاعة يكون بالممارسة المستمرة والمجاهدة
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ(207) البقرة
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(6 9) العنكبوت
· وجوب المحافظة على الطاعات في جميع الأوقات
الله هو رب كل الشهور ورب رمضان هو رب شوال. عبادة الله أمر مطلوب في جميع الأوقات والأحوال.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(200) آل عمران
خير الأعمال ما قل و دام
يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ * البخاري
· المحافظة على الطاعات بعد رمضان
ومنها صيام الست من شوال
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. * مسلم
الحال بعد رمضان لا يكون كرمضان
لا يشترط أن نكون بعد رمضان كما كنا في رمضان، فنحن نعلم أن ذلك موسمٌ عظيم، لا يأتي بعده مثله إلا رمضان الذي بعده، لا يأتي شهرٌ فيه خيرات ومغفرة ورحمة وعتق كما في هذا الشهر الذي انصرم، فنحن لا نقول: كونوا كما كنتم في رمضان من الاجتهاد، النفس لا تطيق ذلك، لكن لا للانقطاع عن الأعمال، الخطورة في الانقطاع يا عباد الله! لابد من أخذ الأمور بواقعية، ليس من المطلوب أن نكون بعد رمضان مثل رمضان، كان ذلك شهر اجتهاد له وضعٌ وظرفٌ خاص، لكن الانقطاع عن الأعمال لا.
ترك الصيام بالكلية لا.
ترك القيام بالكلية لا.
ترك ختم القرآن بالكلية لا.
ترك الدعاء والذكر والصدقة والعمرة لا.
استمروا على العمل وإن كان أقل مما كان في رمضان، ثم إن الله سبحانه وتعالى إذا كان العبد مواصلاً على عمله، لو أصابه عارض؛ لو مرض، لو سافر، يكتب له من الأجر مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، وجاء في الحديث: (إذا مرض العبد قال الله للكرام الكاتبين: اكتبوا لعبدي مثل الذي كان يعمل حتى أقبضه أو أعافيه) حديث صحيح.
إذاً هذه من فوائد المواصلة على الطاعة والعبادة.
أيها المسلمون! من الوقفات المهمة أن الاستمرار على الطاعة والعبادة سببٌ لحسن الخاتمة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعملٍ قبل الموت ثم يقبضه عليه) فإذا كان من الصالحين كانت عبادته حسنة، وكذلك فإن عبادتنا لله تعالى في جميع الأوقات والأحيان سواءً في السراء أو الضراء في رمضان أو في غير رمضان، في أوقات الرخاء والشدة، في أوقات المحنة والنعمة، إذا كانت مستمرة فإن الأجر يعظم: (عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إليه) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، العبادة في وقت الفتن واختلاط الأمور أجرها كأجر المجاهد في سبيل الله تعالى، عندما لا يشجع الجو على العبادة، عندما يرجع كثير من الناس إلى فتورهم بعد رمضان، عندما تقوم أنت بالعبادة لا شك أن لك أجراً عظيماً، عندما فتر الناس أنت نشطت، عندما تقاعس الناس أنت قدمت، عندما تخلفوا أنت تقدمت.
إن هنا مفهوماً عظيماً، وهي أن العبادة هي أصلٌ في حياتنا، إنها ليست قضية طارئة، إنها ليست قضية مؤقتة، إنها ليست قضية محددة بزمانٍ أو مكان، إنها مستمرة، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شابٌ نشأ على طاعة الله تعالى.
إلى كل من دخل وخرج بالمعاصي من رمضان
من الوقفات العظيمة التي نقفها: للذين دخلوا رمضان بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي إنهم لم يستفيدوا شيئاً، قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} [المائدة:61] قال ابن كثير رحمه الله: هذه صفة المنافقين، وقد دخلوا، أي: عندك يا محمد! بالكفر، يعني: مستصحبين بالكفر في قلوبهم، ثم خرجوا من عندك والكفر كامنٌ فيها، لم ينتفعوا بما سمعوا، لم يفد فيهم العلم، لم تنجح فيهم المواعظ والزواجر.
فالذين دخلوا رمضان ثم خرجوا مثلما كانوا قبل رمضان، أو أسوأ تنطبق عليهم هذه الآية، دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي، بعد رمضان رجعوا إلى ما كانوا فيه من المنكرات، لم يستفيدوا من رمضان، رمضان لم يورث توبةً عندهم، ولا استغفاراً ولا إقلاعاً عن المعاصي، ولا ندماً على ما فات، لقد كانت محطةً مؤقتة ثم رجعوا إلى ما كانوا فيها.
هذه النفسية السيئة هل عبدت الله حق عبادته؟ هل وفت حق الله؟ هل أطاعت الله أصلاً؟ هذه مصيبة كبيرة أن يعود شراب الخمور إلى خمورهم، ومتعاطو المخدرات إلى مخدراتهم، وأصحاب الزنا إلى الزنا، وأصحاب الربا إلى الربا، وأصحاب الفسق ومجالس اللغو إلى اللغو، أن يعود أصحاب السفريات المحرمة إلى السفريات المحرمة، هذه مصيبة والله وكارثة، دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي، لم يستفيدوا شيئاً أبداً! أيها المسلمون: بعض الناس يتصور أن ما حصل في رمضان كافٍ للتكفير عن سيئات الإحدى عشر شهراً القادمة، ولذلك فهو يحمل على ما مضى، ويعول على ما مضى، وكأن هذا باعتباره ونظره ما حصل منه كافٍ، مستند يستند عليه، ومتكئ يتكئ عليه لمعصية الله تعالى وهو ما درى، ربما رد على أعقابه ولم يقبل منه عملٌ واحدٌ في رمضان.
تم بحمد الله
-
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)