جزاك الله خيرا ونفع الله بك ويسر أمرك
جزاك الله خيرا ونفع الله بك ويسر أمرك
آمين، وإياكم
وفي الفتوى الحموية:
"وكذلك قال أبو المعالي الجويني في كتابه الرسالة النظامية (1): اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها وإلتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب.
فقال: والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقيدة اتِّباع سلف الأمة، والدليل السمعي القاطع في ذلك إجماع الأمة وهو حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة.
وقد درج صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها، ودرك ما فيها،
وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة، والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما:
لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل: كان ذلك هو الوجه المتبع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزُّه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب تعالى فليجر آية الاستواء والمجيء وقوله ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام)، وقوله ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا)، وما صح من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم كخبر النزول وغيره على ما ذكرناه (2)".
(1) الرسالة النظامية مطبوعة باسم العقيدة النِّظامية، وصنفها لـوزير نظام الملك، سميت نظامية نسبة إلى من صنفت نظام الملك، أو للمدرسة النظامية أيضا التي نسبت أيضا للوزير نفسه الذي هو نظام الملك.
[الشيخ صالح آل الشيخ ص393]
(2) نقل فيما سمعتم نقلا عن العقيدة النظامية للجويني، وهو آخر النقول التي يريد منها شيخ الإسلام رحمه الله تقرير تتابع العلماء على نفي التأويل وعلى الإثبات.
والعقيدة النظامية على طريقة الأشاعرة، والأشاعرة في آيات الصفات والغيبيات على فرقتين: منهم من يؤول، ومنهم من يفوِّض المعنى. والمؤولة من الأشاعرة، والمفوضة أيضا من الأشاعرة.
وفي هذا الكتاب أو في هذه العقيدة النظامية أو الرسالة النظامية جرى فيها على التفويض؛ تفويض المعنى، ويَظن أن هذا هو مذهب السلف.
وهذا كثير في المتكلمين الذين تابوا وتركوا طريقة أهل البدع والكلام إلى ما يظنونه طريقة أهل الحديث والسنة، يظنون أن طريقة السلف هي تفويض المعاني وترك التعرض لها، وأننا نثبت استواء لا نعلم معناه، ونؤمن باستواء لا نعلم معناه، ونزول لا نعلم معناه وهكذا في نظائرها، ويدان لا نعلم معناها، وهذا لاشك أنه شرٌّ من التأويل، التفويض شر من التأويل، لأن:
المؤول قال إن هذه الكلمات نزلت بلسان عربي ونفهمها باللسان العربي واللسان العربي أدى إلى هذا التأويل، فيكون غلِط من جهة أنه حمل اللسان العربي ما لم يحتمله، وأوَّل مع عدم ورود التأويل لغة أو جوازه شرعا.
وأما المفوض -مفوض المعنى- فإنه يزعم أن هذه الصفات الكثيرة جدا في القرآن والسنة أنه لا يعلم معناها، لها ألفاظ لا يعلم معناها، فهم داخلون في فرقة أهل التجهيل الذين يقولون نجهل المعاني، فعندهم أكثر القرآن مجهول المعنى، وهذا فيه إبطال لما يلزم وإن لم يلتزموه، إبطال للاحتجاج بالقرآن ولكونه قائما على وصف الرب جل وعلا، ووصف ما يستحقه سبحانه، وذكر الغيبيات، و-الجنة- والنار، وذكر الملائكة، والأنبياء إلى آخره.
فإذن العقيدة النظامية هذا على حالها، ولذلك طبعها وتحمس لها أول ما طُبعت الكوثري لاشتمالها على ما يُظن أنه مذهب السلف؛ ولكنه هو في الواقع مذهب أهل البدع قد قال قائلهم في جوهرته:
وكل نص أوهم التشبيه أوِّله أو فوِّض ورُم تنزيها
التأويل والتفويض كلاهما من مذاهب المبتدعة، من مذاهب المتكلمة، من مذاهب الأشاعرة وأشباههم.
فتفويض المعنى ضد مذهب السلف، مذهب السلف يجرون الظواهر ويؤمنون بها على مواردها مثل ما قال؛ لكن لا يفوضون المعنى، الإيمان بها على مواردها يعني على ما وردت في اللغة، وهذا صحيح.
ومعلوم أن ما يستحق الرب جل وعلا من الصفة التي وردت في الكتاب والسنة على كمالها وشمولها مع عدم مماثلته سبحانه لخلقه في اتصاف الصفة كيفية وتمام صفة وكمال معنى، فله من الصفات ما يستحقه سبحانه، وللناس للمخلوق ما يناسب ذاتهم الوضيعة.
لما فرغ شيخ الإسلام من هذا الأصل الهام، وهو كثرة إيراد النقول عن العلماء للتدليل على إبطال التأويل وعلى الإثبات، وأن القول في أمور الصفات وأمور العقيدة راجع إلى الأخذ من الكتاب والسنة وعدم التعرض لها بتأويل، وأن موردها مورد واحد لا يتعدد، وأن العقل إنما هو آلة للفهم، وليس مصدرا لإبداء الحق، وإنما الحق في القرآن والسنة دون غيره.
النقول التي من أول قرأنا إلى الآن علق عليها بعد ذلك، وختم هذه الرسالة بتأصيل المنهج العام للسلف في الاعتقاد.
[الشيخ صالح آل الشيخ ص 395-397]
في الفتوى الحموية:
"ومن كان عليما بهذه الأمور: تبين له بذلك حِذْقُ السلف وعلمهم وخبرتهم حيث حذروا عن الكلام ونهوا عنه وذموا أهله وعابوهم؛ وعلم أن من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله إلا بعدا.
فنسأل الله العظيم أن يهدينا صراطه المستقيم؛ صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين.
والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على محمد خاتم النبيين وآله وصحبه أجمعين.".
- هذه الجملة من الكلام سمعنا فيها كلام شيخ الإسلام رحمه الله، وهي حرية منك بإعادة النظر وإمعانه في هذا الموطن؛ لأن الناظر في نصوص الكتاب والسنة وفي كلام السلف يُخشى عليه من شيئين:
الأول: يخشى عليه من الغلو في فهمها، أو أن تسيطر عليه الشبهة، فلا يفهم النصوص كما ينبغي، وهذا وقع فيه طائفة، بل طوائف من هذه الأمة.
والثانية: أن يمل من الرجوع إلى النصوص بما دلت عليه، وإلى طريقة السلف، ويذهب إلى غير هذا النهج وهذه الطريقة؛ مللا، وهذه من مكايد الشيطان أنه يُمِلُّه من هذا، ويقول: ما عند الآخرين فيه علم، وفيه تفصيل، فيعرض عن معرفة تفاصيل كلام السلف، وشرحهم، وبيانهم للآيات والأحاديث في هذا الباب، باب العقيدة، والاعتقاد في صفات الله، وأسمائه، وغير ذلك من أركان الإيمان، فيقبل على ما عند العقلانيين من المتكلمين والمبتدعة والضلال.
فإذا نظر في كلامهم رأى في كلامهم عجبا من جهة تنوع الألفاظ، وتجددها، وكثرة المصطلحات، وهذه قد تغري الناظر بأن وراءها علما، وإنما وراءها كما قال شيخ الإسلام سراب، لا العلم.
فكل الكلام والفلسفة فيه حريق وظلمة، حريق للإيمان، وظلمة للقلوب، وزخرفوها بالألفاظ والاصطلاحات حتى غدت عجيبة في كثرة ما يوردون، وما زعموا أن طريقتهم برهانية صحيحة.
فالواقع أن طريقتهم عقلية مخالفة لطريقة السلف والاعتماد على ما جاء في الكتاب والسنة.
فإذن انتبه إلى أن أصل الضلال هو الذهاب إلى أحد الطريقين:
الطريق الأول: وهو أن يغلو العبد في النصوص وأن يُحَمَّلَها ما لا تحتمل أو أن تسيطر عليها الشبه فيها، ولا يعلم ما دلت عليه علم الحق واليقين.
والطريق الثاني: أنه يخشى عليه من الملل؛ الملل من قراءة كتب السنة والحديث والتوحيد على طريقة السلف، فيذهب إلى غيرها فيحصل عنده أولا: إعجاب، ثم بعد ذلك تحصل عنده شبهة، ثم بعد ذلك يحصل عنده بدايات الانحراف والضلال.
ولهذا قال من قال من السلف: لا تصغي إلى ذي هوى بأذنيك فإنك لا تدري ما يوحي إليك.
ولا شك أنَّ كلام المتبعين للسلف قليل كثير الفائدة وأن كلام غيرهم كثير قليل الفائدة، إن لم يكن كثيرٌ كثيرَ المضرة.
والمتكلمون أقل كلاما من الفلاسفة، والفلاسفة أكثر كلاما من المتكلمين، وكل له نصيبه من الضلال عن منهج السلف.
فإذن الواجب علينا أن نضرع إلى الله جل وعلا دائما في أن يرينا الحق حقا، وأن يمنَّ علينا باتباعه في المسائل العظيمة، وفي المسائل التي قد تبدو غير عظيمة.
فلنضرع دائما إلى الله في أن يلهمنا الحق، وأن يرينا الحق حقا وأن يمن علينا باتباعه.
وأن نضرع إلى الله دائما أن يهدينا طريق عباده المتقين الذين رضي عنهم وأرضاهم سبحانه وتعالى، ووصفهم الرب بقوله:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66)وَإ ِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا(67)وَلَه َدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(68)و َمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا(69)ذَلِك َ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾[النساء:66-70].
إذا كان كذلك، فالاهتمام بطريقة السلف لا تنتهي، لا يقول طالب العلم أنا عرفت طريقة السلف، عرفت مذهب السلف أريد أن أعرف ما عند أهل الفرق، أريد أن أعرف ما عند المتكلمين، ونحو ذلك، فيأتيه النقص والضلال من هذا.
فكلام أهل العلم في الاعتقاد ينسى إذا ما حافظ عليه العبد بالترداد والقراءة، والرجوع على الأصول التي تعلمها بين حين وحين، وإذا تركه واقبل على غيره صار جناية على ما سبق أن تعلمه وانتفع به من كلام أئمة أهل الحق والدين.
أسأل الله سبحانه أن يرفع درجة شيخ الإسلام ابن تيمية، وأن يجزيه عن الموحدين خير الجزاء، فإن في عنق كل موحد ومتبع للسلف في عنقه لشيخ الإسلام رحمه الله منة، ولشيخ الإسلام علينا منة، فيجب علينا أن نسأل الله جل وعلا له دائما رفعة الدرجات وأن يجعله ربنا مع الصديقين ومع أهل المقامات العالية والدرجات الرفيعة.
وأسأله سبحانه أن يمكن في قلوبنا العلم النافع، وأن يثبت ما تعلمنا منه، يعني: من كتب شيخ الإسلام في قلوبنا، وأن يمن علينا بالدعوة إلى ذلك، وبتعليمه، وبالصبر عليه، فإن في ذلك الفائدة العظيمة لنا في الدنيا والأخرى.
اللهم فثبتنا وتقبل منا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
[الشيخ صالح آل الشيخ ص 490-493]
كتاب ينبغي أن يقرأ أكثر من مائة مرة/ الشيخ صالح العصيمي:
https://safeyoutube.net/w/Ei33
جزاكم الله خيرا
جزاك الله خيرًا
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم
بعد إذنكم اترك هذه المشاركة لنشر كتابي الذي لا أعرف كيف أنشره على هذا الموقع الموقر..
الكتاب هو: الرد على الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
وأسأل الله أن يتقبل مني هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.
رابط تحميل الكتاب:
https://is.gd/NgqfS2
أو
https://is.gd/N3i3iK
https://foulabook.com/.../%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AF-%D8%B9...