يارب.
نفع الله بك حبينا الغالي أبا البراء .
جزاكم الله خيرا
هل أنتم ملتزمون بترتيب كتاب اختصار علوم الحديث أم يتم انتقاء الاستدراكات بشكل عشوائي ؟
أحسن الله إليكم،، أخر المشاركات كانت عن المدلس ثم ذكرت العدالة وعند تصفح الكتاب لم أجد قول ابن الصلاح على العدالة!
نعم بارك الله فيكم، وهذا ما قلته في أصل كلامي: (والصحيح أن الحديث لا يخدم ما ذهب إليه، فالحديث خبر بمعنى الإنشاء، أي: ينبغي لمن يحمل العلم أن يكون عدلًا لا أن كل من يحمل العلم عدلٌ.
قال النووي: (... ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم؛ فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه، والله أعلم). تهذيب الأسماء واللغات: (1/17).
متابع بارك الله فيكم
15 - قال ابن الصلاح موضحًا مسألة بيان قبول الجرح والتعديل: (والتعديلُ مقبولٌ من غير ذكر السبب؛ لأنَّ تَعْدادهُ يطولُ، فقُبِل إطْلاقهُ بخلاف الجرح، فإنه لا يُقبل إلا مفسرًا، لاختلاف الناس في الأسباب المفَسقة، فقد يعتقدُ الجارح شيئًا مفسِّقًا، فَيُضَعِّفَهُ، ولا يكون كذلك في نَفْس الأمر، أو عند غيره، فلهذا اشْتُرطَ بيانُ السببِ في الجَرْحِ.
قال الشيخ أبو عمرو: - قلت: (أبو البراء) وهذا يُعدُّ استدراكًا من ابن الصلاح على نفسه-: (وأكثرُ ما يُوْجَدُ في كُتُب الجرح والتعديل: (فلان ضعيف)، أو: (متروك)، ونحو ذلك، فإن لم نَكْتَفِ به انسدَّ بابٌ كبيرٌ في ذلك.
وأجاب -أي ابن الصلاح-: بأنَّا إذا لم نكْتَف به توقَّفنا في أمْرِه، لحُصول الرِّيَبةِ عندنا بذلك).
ثم استدرك ابن كثير قائلًا: (قلت: أما كلامُ هؤلاء الأئمَّة المُنْتَصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يُؤْخّذَ مُسلَّمًا من غير ذكر أسباب؛ وذلك للعلم بمعرفته، واطَّلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتَّصافهم بالأنصاف والديانة والخبرة والنُّصح، لا سيِّما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكًا، أو كذّابًا أو نحو ذلك.
فالمحدِّثُ الماهر لا يتخالجهُ في مثْلِ هذا وقْفَةٌ في مُوافَقَتهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم.
ولهذا يقول الشافعي، في كثير من كلامه على الأحاديث: (لا يثبته أهل العلم بالحديث)، ويردُّه، ولا يحتجُّ به، بمجَّردِ ذلك، والله أعلم).
قلت: (أبو البراء): المتأمل في كلام ابن الصلاح يجد أنه قرَّر أولًا أن الجرح لا يقبل مبهمًا إلا إذا فُسِّر، ثم عاود قوله بأن العلماء في كتب الجرح والتعديل يذكرون جرح الرواة دون بيان السبب، وأننا لو تركنا كلامهم لانسدَّ باب كبير وهو ترك تلك الأقوال وتعطيلها.
ثم عاود ثانية وقال: لو وجدنا جرح لراوي من إمام فهذا الجرح يجعلنا نتوقف في هذا الراوي، وهذا القول من ابن الصلاح غير مرضي؛ لأنه يجعلنا نتوقف في حال كثير من الرواة؛ لذا استدرك عليه ابن كثير.
قلت: (أبو البراء): ثم ذكر ابن كثير كلامًا يُعدُّ وسطًا وهو قبول الحرج والتفسير غير مفسرين بشرط أن يكون المعدل أو الجارح من أئمة هذا الشأن المعتبرين المتوسطين المطلعين على أحوال الرواة العالمين بأسباب الجرح والتعديل.
وأقول لمزيد توضيح أن العلماء اختلفوا في قبول الجرح والتعديل:
القول الأول: لا يقبل الجرح ولا التعديل إلا مفسرين.
القول الثاني: يقبل الجرح والتعديل غير مفسرين.
القول الثالث: يقبل التعديل غير مفسر، ولا يقبل الجرح.
القول الرابع: يقبل الجرح غير مفسر، ولا يقبل التعديل.
القول الخامس: يقبل الجرح غير مفسر إذا لم يوجد تعديل.
قلت: (أبو البراء): والصحيح قبول الجرح والتعديل غير مفسرين، إذا لم يتعارض الجرح والتعديل؛ لأن أسباب التعديل تطول وتكثر.
أما الجرح: فيقبل من الأئمة المعتبرين أصحاب هذا الشأن العارفين بأسباب الجرح والتعديل سيَّما عند اجتماعهم على تضعيف راوٍ، والدليل الوقوع، أي وجدنا في كتب الجرح والتعديل أئمة ضَعَّفوا رواة دون ذكر الأسباب.
16 - قال ابن الصلاح في طويا كلامه على مسألة: رواية الثقة عن شيخ هل تُعَدُّ تعديلًا له أو لا؟-: (قال: وكذلك فُتيا العالم أو عمله على وفق حديث، لا يستلزم تصحيحه له).
- واستدرك عليه ابن كثير قائلًا: (قلت: وفي هذا نظر، إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه).
قلت: (أبو البراء): وفي نظر ابن كثير نظر، والقول قول ابن الصلاح: أن عمل المحدث على وفْق حديث لا يلزم منه تصحيحه له، وتعقبه العراقي في: (التقييد والإيضاح): (صـ 144 - 145): قال: (وفي هذا النظر نظر؛ لأنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثَمَّ دليلٌ آخرُ من قياس أو اجماع، ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته؛ بل ولا بعضها، ولعل له دليلًا آخر واستأنس بالحديث الوارد في الباب، وربما كان المفتي أو الحاكم يرى العمل بالحديث الضعيف إذا لم يَرِدْ في الباب غيرهُ، وتقديمه على القياس كما تقدم حكاية ذلك عن أبى داود أنه كان يرى الحديث الضعيف إذا لم يَرِدْ في الباب غيره أَوْلى من رأى الرجال، وكما حُكِي عن الإمام أحمد من أنه يقدم الحديث الضعيف على القياس، وحَمَلَ بعضهم هذا على أنه أريد بالضعيف هنا الحديث الحسن، والله أعلم).
17 - قال ابن الصلاح مقررًا حكم رواية المبتدع: (" مسألة ": المبتدع إن كُفِّر ببدعته، فلا إشكال في ردِّ روايته.
وإذا لم يكفر، فإن استحل الكذب رُدت أيضًا، وإن لم يستحل الكذب، فهل يقبل أو لا؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟
في ذلك نزاع قديم وحديث:
والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره.
وقد حُكي عن نصِّ الشافعي، وقد حكى ابنُ حِبَّان عليه الاتفاق، فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافًا.
قال ابن الصلاح: وهذا أعدلُ الأقوال وأولاها، والقول بالمنع مطلقًا بعيد، مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كُتُبهم طافحةٌ بالرواية عن المبتدعة غير الدُّعاة، ففي الصحيحين من حديثهم في الشواهد والأصول كثير، والله اعلم).
- واستدرك عليه ابن كثير قوله ونقله عن الشافعي في التفصيل بين رواية المبتدع الداعي وغير الداعي، قال: (" قلت ": وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم. فلم يُفَرِّق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما؟ وهذا البخاري قد خَرَّج لعِمِران بن حِطّان الخارجيّ مادحِ عبد الرحمن بن مُلْجم قاتل عليٍّ، وهذا من أكبر الدعوةِ إلى البدعة! والله أعلم).
قلت: (أبو البراء): المتأمل في كلام ابن الصلاح يجده يقبل رواية المبتدع غير الداعي لبدعته، ويرد رواية المبتدع الداعي مطلقًا، ونقل الاتفاق عن الشافعي، وهذا ما استدركه ابن كثير عليه ونقل عن الشافعي أن يقبل رواية المبتدع غير المتعمد للكذب، كذا استدل بفعل البخاري لروايته لعمران بن حطان وهو مادح ابن ملجم قاتل علي رضي الله عنه.
والحاصل أن رواية المبتدع تقبل سواء كان داعية أو غير داعية شرط أن نتأكد من صدقه وحفظه؛ لأن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه، وهذا ما رجحه ابن كثير، والله أعلم.
احسن الله اليك ليس قصدي ابن كثير حاشا لله انما قصدي على فهم نصه بالنسبة لمن لا باع له ولا تمرس ؛ مثلا لنأخذ قول ابن الصلاح لما قال انه لا تقبل الرواية من المبتدع الداعي الى بدعته ؟ فاستدرك عليه ابن كثير رحمة الله عليه وقال بلى قد اخرج البخاري وضرب مثلا عمران بن قحطان ولكن بهدوء من غير عجلة او تأويل باطل هل المتبصر حينما يقرأ قول ابن الصلاح يظن في باله ان ابن الصلاح لا يعلم ان البخاري وغيره رووا لمن كان داعية لبدعته والامثلة كثير الجواب بلى يعلم ولكنه قصد الغالب على اهل الصنعة انهم لا يأخذون برواية الداعي لبدعته ولنا في الحسن بن صالح بن صالح بن حي الهمداني لما كان صاحب بدعة لم يرو عنه الا نزر قليل ولم يخرج له البخاري حديثا قط انما ذكره في جملة بلفظ "وقال الحسن بن صالح : كانت لى جارة .." فابن كثير استدرك على قول ابن الصلاح ليبين لمن ورائه ويعلمنا نحن ان الغالب على المعنى هو عدم الاخذ ولكن هناك استثناءات لنفر بأعيانهم قد تجدهم في الصحيحن وفي الكتب الستة اما قولك انت فهو ما قصدت به القول لا يقول به عاقل فانت تقول"قلت: (أبو البراء): المتأمل في كلام ابن الصلاح يجده يقبل رواية المبتدع غير الداعي لبدعته، ويرد رواية المبتدع الداعي مطلقًا، مطلقًا، ونقل الاتفاق عن الشافعي، وهذا ما استدركه ابن كثير عليه ونقل عن الشافعي أن يقبل رواية المبتدع غير المتعمد للكذب، كذا استدل بفعل البخاري لروايته لعمران بن حطان وهو مادح ابن ملجم قاتل علي رضي الله عنه" فهذا ما لا يقول به عاقل في تأويل كلام الشيخان ابن الصلاح وابن كثير رحمة الله عليهم اجمعين
وتأمل قول ابن كثير: (" قلت ": وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم. فلم يُفَرِّق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما؟ وهذا البخاري قد خَرَّج لعِمِران بن حِطّان الخارجيّ مادحِ عبد الرحمن بن مُلْجم قاتل عليٍّ، وهذا من أكبر الدعوةِ إلى البدعة! والله أعلم).
وتأمل قول اللاحم في: شرح اختصار علوم الحديث - (ص: 261، بترقيم الشاملة آليا):
(نعم هذه قضية الابتداع قضية شائكة؛ لأننا، أو لأنهم اشترطوا في الرواي أن يكون عدلًا، والابتداع في بادئ الأمر ينافي العدالة، ولكن الإنصاف مطلوب، ويعني التعامل مع الواقع يختلف عن الأمور النظرية؛ ولهذا -يعني- هذا في أمور كثيرة جدا جدا، فأنت قد تنظر، وفي الفقه مثلًا قد تنظر، وكذا لكن لو تبتلي بالقضاء ربما نظراتك وأحكامك الأولى ربما يجري عليها تعديل، أن تعيد النظر في آرائك وفي أحكامك أو تبتلى مثلا بالتصدي للفتوى، أو نحو ذلك -يعني- يختلف التنظير عن التطبيق، فمسألة الابتداع هذه قضية شائكة، ما أطيل في أسباب الابتداع، وفي أنواع الابتداع وفي… لكن الكلام الذي ذكره ابن كثير ذكر عددًا من المذاهب، أو من الأقوال في ردِّ حكم رواية المبتدع، أنها ترد مطلقًا واستبعده ابن كثير -رحمه الله- وقال هذا لا يمكن؛ لأننا من الناحية العملية نرى يقولون: فلان كان يرى القدر، فلان كان يرى الإرجاء، فلان شيعي جلد، فلان كذا -يعني- مروي ببعض أنواع الابتداع فلان فيه نص، أنواع الابتداع كما تعرفون البلاد الإسلامية ابتليت بهذا مثلًا، البصرة كثر فيها القدر والكوفة كثر فيها التشيع وكثر فيها الإرجاء والشام كثر فيه النص، وشباب نشئوا على هذا الشيء نشأ أهل الكوفة على التشيع لعلي، ونشأ أهل البصرة أن بعضهم على القدر، ويعني كذلك في المدينة قدر وفي الشام أيضا قدرية. نشئوا على هذه مسألة التنشئة هذه والبيئة -يعني- لا يصح إغفالها في قضية المعتقدات، المهم أئمة السنة وازنوا في قضية المصالح والمفاسد.
هل المصلحة في رد رواية المبتدعة من أجل ابتداعهم، أو في قبول حديثهم إذا كانوا ثقات ضابطين، وازنوا بين هذا، وهذا، فيقول ابن الصلاح: إن هذا بعيد أن نرد، أو أن نقول بأن رواية المبتدعة مردودة بإطلاقه هكذا، وذكر قولين، أو ذكر ما هو الراجح عنده أنه إن كان المبتدع داعيًا لبدعته، فإن حديثه يرد أو لا يقبل حديثه، وإن كان مبتدعًا في نفسه، ولا يدعو إلى بدعته، فإن حديثه مقبول، ويعني: يقول: الدليل على هذا أن في الصحيحين أنه أخرج… وللعلماء كلام أيضًا في قبول أحاديث مبتدعة، ليسوا بدعاة، لكن الذي أحب -يعني- أن أعلق عليه بالنسبة لهذا أن قضية التفريق بين كون هذا داعية، وهذا ليس بداعية -يعني- قد ما يتهيأ دائمًا، وأحيانًا تكون الدعوة إلى البدعة، أحيانًا تكون ليس بالكلام … ربما تكون بالسلوك، عبد الرزاق -رحمه الله- قيل له: إن -يعني- شيوخك سنة معمر والثوري، وفيه تشيع هو من أين جاءك هذا؟ فيه نوع من التشيع -يعني- لكنه من تشيع الأئمة الذي هو التشيع الخفيف الذي هو -يعني- لا يتكلم في أبي بكر وعمر، وإنما يفضل عليا على عثمان -يعني- هذا هو التشيع الخفيف.
فقال -رحمه الله-: إنه قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته، أو فرأيت سلوكه، أو رأيت مثلما تقول أخلاقه، أو سلوكه حسنا، فأخذت هذا عنه.
وهذا يرشدك إلى قضية السلوك في الدعوة ربما يكون الداعية -يعني- مثلا.. كثير من البلاد الإسلامية كيف دخلها الإسلام؟ عن طريق ماذا دخلها الإسلام؟ عن طريق التجار أناس عاديون، ولكنهم تجار صادقون في معاملاتهم أحبهم الناس، فانتشر الإسلام في بعض البلاد، وأصبح الآن أصبحت بلاد إسلامية.
فإذا قضية الدعوة هذه، فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه، ويتكلمون في بدعته يقولون: فلان يرى القدر فلان كذا وكذا، ويثنون عليه في حديثه ثبت ثقة ضابط، يثنون عليه بثناء عاطر جدا، ويذكرون عنه أنه كان مبتدعًا، فالمهم أنه يظهر لي، أن قضية التفريق بين الداعية وغيره من الناحية العملية، قد أقول: قد لا تتهيأ كما ينبغي.
فالذي يظهر أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه وبدعته عليه كما قال يحيى القطان، وجماعة من الأئمة في تعليلهم قبول حديث المبتدع؛ لأنهم وازنوا كما ذكرت يقولون: لو تركنا حديث أهل البصرة للقدر، وحديث الكوفة للتشيع وحديث الشام للنص، وحديث كذا لم يبق عندنا سنة، ابتلوا بهذا الشيء، ويعني: قد يكونون معذورين متأولين، فيهم -أيضًا- أئمة -رحمهم الله- وفيهم الزهاد والعباد، ومع ذلك ابتلوا بهذا الشيء لا -يعني- ليس هذا -يعني- بأسباب كثيرة، فالمقصود أن هذا ما يتعلق بموضوع الابتداع هو موضوع دقيق، فكأن العلماء -رحمهم الله تعالى- فصلوا بين ابتداع الراوي، ويبن قبول روايته إذا وثقوا بها، وهذا هو -يعني- خلاصة الموضوع في الابتداع نعم).
وتأمل قول عبد الكريم الخضير: شرح اختصار علوم الحديث -(8/ 24، بترقيم الشاملة آليا):
(نعم المبتدع، يعني من ارتكب البدعة، والبدعة المراد بها: ما أحدث في الدين على وجه التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، من ارتكب بدعة فلا تخلو هذه البدعة: إما أن تكون مكفرة مخرجة عن الملة، أو غير مكفرة، إن كانت البدعة مكفرة فلا إشكال، فالكافر لا تصح روايته قولاً واحداً، لكن يختلف مثل هذا عن الكافر الأصلي، أن هذا يدعي أنه مسلم، ويأتي ببعض شعائر الإسلام، بل قد يأتي بالشعائر كلها، ويرتكب مع ذلك ما يخرجه عن الدين، أو قد يعتقد ما حكم أهل العلم بكفر معتقده، افترضنا أن شخصاً حلولياً أو مجسماً أو نافي للرؤية، أو قائلٌ بخلق القرآن، أو ما أشبه ذلك من البدع المغلظة، العلماء كفروا الجهمية، افترضنا أن جهمي يروي الحديث، أو رافضي من الروافض الغلاة، فما حكم روايته للحديث؟ الجمهور على أن من كفر ببدعته لا تقبل روايته، والذي رجحه ابن حجر أنه لو حكم بكفره بسبب هذه البدعة أن روايته مقبولة، ما لم ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، يقول: لأن كل طائفة تدعي فسق الطائفة الأخرى، وقد تبالغ فتكفر الطائفة الأخرى، لكن العبرة بالطائفة المعتدلة التي دينها الكتاب والسنة، تدور معهما حيث ما دارا، أما كوننا لا نقبل الجهمية؛ لأننا نكفرهم، وهم يكفروننا إذاً لا نقْبَل منهم، هذا الكلام ما هو بصحيح، العبرة بأهل السنة الذين هم أهل الكتاب والسنة.
يقول: "فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضاً" لأن استحلال الكذب عمدة الرواية الصدق، فإذا كان الراوي ممن يكذب أو يستحل الكذب، فهذا مردود اتفاقاً، يخالف مقتضى الرواية، فهذا لا وجه لقبوله، وإن لم يستحل الكذب، إذا عرف بالكذب، كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة، أو يتعاطى الكذب في حديثه مع الناس، فإن هذا أيضاً مردود الرواية.
أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ الجمهور على أن الداعية لا يقبل، وغير الداعية يقبل، ونقل ابن حبان عليه الاتفاق، اتفاق أئمتهم، والخلاف في المراد بأئمتهم هل هم المحدثون؟ أو الشافعية؟ على كل حال رد الداعية قول الجمهور، وقال بعضهم بقبول روايته لوجود رواية بعض الدعاة في الصحيح، وأشار الحافظ ابن كثير إلى عمران بن حطان، وهو من الدعاة إلى قول الخوارج، الخوارج القعدية من رؤوس الخوارج، وقد مدح قاتل علي، وهذه دعوة، والحافظ ابن حجر يدافع عن تخريج البخاري لعمران بن حطان أنه ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ ومعروف أن الخوارج من أصدق الناس لهجةً؛ لأنهم يرون الكذب كبيرة، ومرتكب الكبيرة كافر، إذاً لا يكذبون، وأشار إلى ذلك شيخ الإسلام في مواضع، وأن الخوارج من أصدق الناس لهجة، وبهذا أجاب ابن حجر عن رواية البخاري وتخريجه لحديث عمران بن حطان، والعيني تعقبه بقوله: "وأيُّ صدقٍ في لهجة مادح قاتل علي" تعقب في مكانه، في محله، فالذي يمدح قاتل علي أي صدقٍ في لهجته؟ لكن إذا عرفنا أنه يعتقد مثل هذا الكلام، فمثل هذا صدق بالنسبة له، وابن حزم يرجح الداعية على غير الداعية، يقول: الداعية أولى بالقبول من غير الداعية، لماذا؟ لأن هذا الداعية ينصر ما يراه الحق، ينصر ما أداه إليه اجتهاده، وأنه هو الحق، علماً بأن من أهل العلم من يرد المبتدعة مطلقاً، وهو قولُ الإمام مالك، لكن رد المبتدعة مطلقاً، وعدم قبول روايتهم من غير تفصيل هذا قولٌ مباعد عن الشائع عن استعمال أهل العلم، فروايات المبتدعة كتب السنة طافحة بها، بما في ذلك الصحيحين، فكتب السنة مشحونة بالرواية عن المبتدعة، لكن غير من كبرت بدعته أو من غلظت بدعته، والحافظ الذهبي -رحمه الله- في مقدمة الميزان قسم البدع إلى بدع كبرى وبدع صغرى، بدع مغلظة مثل هؤلاء لا تقبل رواية من اتصف بها، وأما البدع الصغرى فمثل هؤلاء تقبل رواياتهم.
قلتُ -يقول الحافظ ابن كثير-: "وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون شهادة الزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره"، لكن ماذا عن الاتفاق الذي ذكره ابن حبان وهو شافعي المذهب؟ هل يخفى عليه رأي الإمام الشافعي الذي نقل الاتفاق على رد رواية الداعية؟ اتفاق أئمتهم والشافعي داخل على الاحتمالين، يقول: "ثم ما الفرق في المعنى بينهما" يعني هل الدعوة إلى البدعة مؤثرة في الرواية؟ ابن كثير يرى أن الدعوة إلى البدعة لا تؤثر، لكن لنعلم أن الداعية إلى البدعة قد يحمله الحماس إلى بدعته فيكذب في الرواية، وتؤثر هذه البدعة في روايته، حماس، وهذا قد يحمله على أن يضع الحديث للحط من خصومه، هذا وقع، وهذا قد يقول قائل: إنه وقع من الأتباع أيضاً فلنرد المبتدعة جملةٍ وتفصيلاً، نقول: من وقع منه هذا رُد، ومن لم يعرف بهذا يقبل خبره، والحافظ ابن كثير كأنه يميل إلى عدم التفريق بين الداعية وغيره لوجود رواية عمران بن حطان مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي في الصحيح، صحيح البخاري، يقول: "وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة".
أجيب عن تخريج الإمام البخاري لعمران بن حطان بأمور: أولاً: أنه خرج عنه ما تحمل عنه قبل اتصافه بالبدعة، عمران بن حطان كان من أهل السنة، والذي حمله على البدعة واعتناق مذهب الخوارج أنه تزوج امرأة جميلة لكنها من الخوارج، فتزوجها بنية دعوتها ليكسب أجرها، وفي هذا يخطئ من يقول: نبحث عن الجميلة ونكسب الأجر في دعوتها، والدين يجيء هذا الكلام ليس بصحيح، هذا خطرٌ عظيم، النتيجة أنها دعته فاعتنق مذهب الخوارج، أثرت فيه، ولم يستطع التأثير فيها، فمما أجيب به عن الإمام البخاري أن الإمام البخاري خرج عنه ما حُمل عنه قبل ابتداعه، ومنهم من قال: إن الإمام البخاري خرج عنه بعد توبته من هذه البدعة، ومنهم من يقول: خرج عنه في المتابعات والشواهد، على كل حال له ذكر في موضعين من الصحيح، والحديث الذي رواه عنه ... موجود هنا؟ ...
انا اجده معتدلا في قوله ان يقبل المبتدع غير داعي لبدعته ويرد الداعي لبدعته كما نقل عن الشافعي بانه ترد رواية المبتدع المتهم بالكذب وهدا مسلم به وحتى لوكان من صليب اهل السنة واتهم بالكذب فانها ترد روايته والعجب اني اراك تخلط هذا بذاك ولنسلك الامر ونسلك الجادة نقول :
1- تقبل رواية المبتدع العامي ( غير الداعي لمذهبه ) ثم نضعه في ميزان شرط العدالة والضبط
2- لا تقبل رواية المبتدع الخاصي ( الداعي لمذهبه ) الا من علمَ صدقهُ وهذا ما قلته انت فانا اوافقك على هذا
ولكن مدار الكلام ليس في اطلاقه وتقيده بالاقوال ولكن بما صنعه الائمة واصحاب الصحيح والمسانيد فهل مثلا البخاري حينما يخرج حديثا لصاحب مذهب بدعي داعي له فما الحكمة من ذلك وما هو شرط ذلك ؛ ستقول لي الصدق والعدالة والضبط اكيد هذه شروط عامة ولكن لم هذا الراوي مع انه هناك من يماثله في شروط العدالة والاتقان فيأخذ بهذا ولا يؤخذ بذاك ؟ يحضرني مثال لما قاله الامام مسلم لما انتقد في ذكر ابن قطن وغيره في صحيحه قال انه يكون لدى اسناد نازل ورجاله ثقات واجد اسنادا عاليا ورواته دون ذلك فيجعلهم في الشواهد فهل يفعل ذلك لتجويد الاسناد ام انه ينتخب احاديثهم بشروط اخرى قد تكون شرط الاختصاص لذلك الداعي لبدعته لمن فوقه او شرط الاختصاص لمن روى عن ذلك الداعي فالامر عائد الى شروط اخرى بالنسبة للداعي الى بدعته فهم يقولون ان الداعي لمذهبه لا تقبل روايته ولكن في التفريع تجدهم في نسبة قليلة يذكرونهم في الاصول وفي غير ذلك ؟ فهل توافقني في ذلك ام لك رأي أخر ؟
حسنا يبدو انك لا تفهم ما ارمي اليه وليس بغائب عني اقوال الائمة في رواية المبتدع العامي والخاصي وانما كنت اقول لك ان الامر الغالب عليه عدم الرواية ومقيد بشروط منها مااتفق عليه الائمة من الصدق والعدالة وان لا يكون رأسا في مذهبه بدعي واختلفوا في ذلك فنجد من روى عن رؤوس البدعة ومنهم من امتنع وكنت احاورك انت فيما تقوله بما استقرأته من اقوال العلماء وصنيعهم وبما انك تحيل الى المراجع فاني قرأتها وبارك الله فيك
عليك نور في ذلك اناقشك وزد عليها في الاستثناء مثلا لرواية عمران عند البخاري لم اخرج له البخاري على ما تواتر من انه كان يمدح قاتل علي رضي الله عنه فهل لك من تعليل لروايته في البخاري بغض النظر عما ذكره الخضير واللاحم اريد ان اسبر غور فهمك في الامر
واعلم اني دونك في علم الحديث بل اني مبتدأ ولكني لا امر بأمر حتى استفرغه واهضمه بينت ذلك لكيلا تأول ذلك كما هي عادتك
18 - قال ابن الصلاح في طوايا كلامه على أي عبارات السماع أرفع: (وينبغي أن يكون: (حدثنا)، و: (أخبرنا)، أعلى من: (سمعت)، لأنه قد لا يقصده بالأسماع، بخلاف ذلك. والله أعلم).
واستدرك عليه ابن كثير قائلًا: (قلت: بل الذي ينبغي أن يكون أعلى العبارات على هذا أن يقول: (حدثني)، فإنه إذا قال: (حدثنا)، أو: (أخبرنا)، قد لا يكون قصده الشيخ بذلك أيضًا، لاحتمال أن يكون في جمع كثير. والله أعلم).
قلت: (أبو البراء): وما مال إليه ابن كثير ونحو ما ذهب إليه الخطيب من قبله، وابن حجر من بعده أولى؛ لأن قوله حدثني أو سمعت فيها خصوصية للتلميذ، والأمر فيها واسع، والله أعلم.
للرفع
.............
19 - قال ابن الصلاح في طوايا كلامه عند المناولة: (وأما إذا لم يُملِّكه الشيخ الكتاب، ولم يُعِرْهُ إياه، فإنه منحطٌّ عما قبله، حتى إن منهم من يقول: هذا مما لا فائدة فيه، ويبقى مُجرَّد إجازة).
استدرك عليه ابن كثير قائلًا: (قلت: أما إذا كان الكتاب مشهورًا، كالبخاري ومسلم، أو شيء من الكتب المشهورة: فهو كما لو ملكه أو أعاره إياه، والله أعلم).
20 - قال ابن الصلاح في طوايا كلامه عن كيفية رواية اللحن من الشيخ، وهل يصححه، أو يرويه كما سمعه: (قال: والأولى سد باب التغيير والإصلاح، لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن، وينبه على ذلك عند السماع).
استدرك ابن كثير على ابن الصلاح وزاد قولًا في المسألة حيث قال: (قلت: ومن الناس من إذا سمع الحديث ملحونًا عن الشيخ ترك روايته، لأنه إن تبعه في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن في كلامه، وإن رواه عنه على الصواب، فلم يسمعه منه كذلك).
21- قال ابن الصلاح في طوايا ذكره الصحابة المكثرين من الرواية: (قال أحمد بن حنبل: وأكثرهم رواية ستة: أنس، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وعائشة).
استدرك ابن كثير وزاد عليهم بعض الصحابة: (قلت: وعبد الله بن عمرو، وأبو سعيد، وابن مسعود، ولكنه توفي قديمًا، ولهذا يعده لم أحمد بن حنبل في العبادلة، بل قال: العبادلة أربعة: عبد الله بن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص).
فإن الحاكم أحيانًا يلفق الإسناد !
"يلفق" مبنية حسب سياق ما بين الشيخين والحاكم لا حسبنا نحن.
والإستدراك ليس في الرواة ولا الإسناد
ولكن في مسائل المذهب أهل السنة ما يوجد في السنن والصحاح غير الصحيحين
وأصله _أقرب منه- عندهما ولم يخرجاه بسبب شرط كل منهما
وفيكم بارك الله، آمين
من مواضيع ملتقى أهل الحديث:
وفيكم بارك الله، آمين
من مواضيع ملتقى أهل الحديث:
كتاب "الباعث الحثيث"؛ تسميةُ مَن؟
الحمد لله باعث الأمم، والصلاة والسلام على من دعا إلى الله بسير حثيث في السهول والقمم.
وبعد:
فإن كتاب ابن الصلاح في مصطلح الحديث؛ يُعدّ من أجود المؤلفات في علم مصطلح الحديث، وقد تقاطر عليه العلماء قديماً وحديثاً، ما بين شارح ومختصر، وناظم ومَن عليه مقتصر.
وقد اشتهر عند علماء الحديث وطلابه بـ: علوم الحديث، وبـ: مقدمة ابن الصلاح.
وكان ممن اختصره، الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر ابن كثير -رحمه الله-؛ فغدا اختصاراً فذّاً، ومَعلماً فرداً؛ فدرسه الطلاب في المدارس والكتّاب، وكان ضمن سُلّم دراسة المصطلح، فاستفاد منه كل من درسه دراسة صحيحة، وعند أهله الخرِّيتين.
بل إني علمت أن الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله- كان يقول: إن كتاب "الباعث الحثيث"؛ يكفي ويغني في باب المصطلح.
وقد درّسه في قلعته الشامخة -أعادها الله على خير- وقد فُرّغت أشرطته، وطبعت، باسم: (السير الحثيث شرح اختصار علوم الحديث).
واشتهر هذا المختصر في المشرق والمغرب، لا سيما في عصرنا هذا؛ فتناوله الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة -رحمه الله- بالتحقيق والتعليق، وطبعه باسم: "الباعث الحثيث".
ثم عُهد إلى المحدّث أحمد بن محمد شاكر -رحمه الله-؛ بشرحه؛ فشرحه بنفسه، وترك العنوان السابق كما هو "الباعث الحثيث"؛ لشهرته.
وكان عمل الشيخ أحمد شاكر؛ متنوع ما بين تبيان بعض الكلمات، أو ترجمة مبهم، أو شرح مسألة، أو تخريج أحاديث الكتاب.
وسبب عناية الشيخ بهذا الكتاب: أنه اختير من قبل شيخ الجامع الأزهر الإمام المراغي للمشاركة في لجنة المناهج في علوم التفسير والحديث للمعاهد الدينية، وكان مما اختارت اللجنة في علم مصطلح الحديث كتاب (اختصار علوم الحديث)، وقررت دراسته كله في كلية أصول الدين، ودراسة بعض أنواعه في كلية الشريعة.
ولما كانت نُسخ الكتاب نادرة الوجود؛ أشار بعض الإخوان على الشيخ أحمد شاكر؛ إعادة طبع الكتاب في مصر، مع تصحيحه وتحليته بشرح لأبحاثه، مع تحقيق بعض المسائل الدقيقة في علم المصطلح، فبادر الشيخ إلى النزول عند إرادتهم؛ فكان هذا الشرح الموسوم بـ (الباعث الحثيث).
(الباعث الحثيث: ١/ ٦٨) مقدمة الطبعة الأولى.
وقد اختلف العلماء، وأشكل على طلبة العلم، وشداة المعرفة
في هذه التسمية "الباعث الحثيث"، لمن تكون؟
هل هي للإمام ابن كثير؟
أو للعلامة محمد عبد الرزاق حمزة؟
أو للعلامة أحمد محمد شاكر؟
أو لغيرهم؟
فقيدّتُ نقولاً مختصرة، واستنبطت استنباطات مبعثرة في طرسٍ لدي عتيق؛ فاطلعت عليه هذه الأيام، فلملمت شعثه، ووصلت آصرته، وزدت عليه زيادات، أرجو أن تكون وجادات، وأحببت مشاركة إخواني طلبة العلم.
وها أنا ذا، أدلي بدلوي القاصر، مستعيناً بربي القادر الغافر الظاهر.
فأقيموا أوْدها، وعدلوا رطيب عودها.
فأقول -وبالله التوفيق-: إن الباحث لو فحص ومحص؛ لوجد ما يلي:
أولاً: أن الحافظ إسماعيل بن عمر ابن كثير -رحمه الله-، سمّى كتابه (اختصار علوم الحديث) وليس له بتسمية "الباعث الحثيث" أيّ صحابة أو قرابة؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن من ترجم الحافظ -وهم كثر-؛ لم يذكروا له كتاباً، باسم "الباعث الحثيث" عند عدِّهم تواليفه، ولم يذكرها هو في إحالاته إلى كتبه، وهذه دلالة قوية في عدم نسبة التسمية إليه.
الثاني: أن الحافظ ابن كثير، في آخر (اختصار علوم الحديث: ٢٤٣) قال: "وهذا آخر ما يسره الله تعالى من "اختصار علوم الحديث"، وله الحمد والمنة".
قلت: لعل من ترجم الحافظ ابن كثير؛ أخذ تسمية كتابه، من هذه النص؛ لأنه لم يسمه تسمية جلية.
وأخبر البعض: أن في بعض الفهارس، تسميته، بـ (الباعث الحثيث) ومنسوباً لابن كثير؟!
ولكن الفهارس قد تسمي الكتاب بالاسم المشهور المتداوَل؛ فلا حجة في ذلك.
ووجّه بعضهم: أن للحافظ كتابين، أحدهما: "اختصار علوم الحديث"، والثاني: "الباعث الحثيث"؛ كما في (المعجم المصنف لمؤلفات الحديث الشريف: ١/ ٤٥) ومقدمة (تفسير ابن كثير) دار عالم الكتب.
ولكننا لم نجد من ذكر هذا من أهل العلم المحققين، ولا مَن ترجم له من المؤرخين، وإنما هو ظن وتخمين لا يغني من الحق شيئا.
ولكن يشكل على البعض؛ ما أورده العلامة صديق حسن خان، في كتابه (أبجد العلوم)، قال: "وهذا العلم كثير النفع؛ لا غنى عنه لمن يدخل في علم الحديث، والكتب فيه كثيرة جداً ما بين مختصر ومطوّل، منها: كتاب: (إسبال المطر على قصب السكر) وكتاب: (توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار)، كلاهما للسيد الإمام المجتهد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير اليمني -رحمه الله- و(الباعث الحثيث) للحافظ ابن كثير".
(أبجد العلوم: ٢٧٥) دار ابن حزم.
وقال أيضاً: "أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين ابن الخطيب شهاب الدين المعروف بالحافظ ابن كثير.
ولد سنة سبعمائة، وقدم دمشق وله نحو سبع سنين مع أخيه، بعد موت أبيه، وحفظ (التنبيه) و (مختصر ابن الحاجب)، وتفقه بالبرهان الفزاري، والكمال ابن شهبة، ثم صاهر المزي، وصحب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدحه في كتابه: (الباعث الحثيث) أحسن مدح".
(أبجد العلوم: ٦١٧) دار ابن حزم.
فالمتأمل لأول وهلة لكلام الشيخ صدّيق؛ يكاد يجزم أن التسمية قطعاً لابن كثير، ولكن عند السبر والنظر في كتب التواريخ والطبقات، لا يجد ذكراً لهاته التسمية "الباعث الحثيث" منسوبة لابن كثير، وهذا عجيب بحق؛ إذ لو كانت له؛ لذكرت في بعض تواليفه، أو ذكرها المترجمون له، كما ذكروا بقية كتبه؛ لأنه عالم جليل شهير، وكتبه معروفة مشهورة مذكورة في كتب التواريخ والسير والطبقات؛ فعدم ذكره لهذه التسمية، وعدم ذكر من ترجمه لها؛ دليل على أنها ليست تسميته.
ولعل هذه التسمية؛ تسمية صديق؛ إذ أنه كان -رحمه الله- مُولعاً بسجع عناوين تواليفه، فلا أستبعد أن يكون جرى قلمه بتعديل إلى عنوان كتاب الإمام ابن كثير. -والله أعلم-.
لكن الشيخ بسام حجازي أرسل لي بنص في (سلسلة العسجد: ٣٣٢) للشيخ صديق حسن خان؛ يذكر فيه: أن اسم "الباعث الحثيث" وجده في مخطوطة عنده لـ عبد الرشيد! منسوباً للحافظ ابن كثير؛ مما يدل أنها ليست تسمية صديق، بل تسمية من قبله.
تنبيه: شكك البعض في صحة نسبة هذا الكلام لصدّيق، وقال: لعل هذا من تصرف الناسخين أو المحققين؟!
ولكن رجع بعض المشايخ لمخطوطات (أبجد العلوم) ووجد الكلام مثبتاً فيها.
زد عليه؛ أنه ذكر في موضعين: الأول في ترجمته، والثاني: في فصل: علم أصول الحديث؛ مما يبعد أن يكون من تصرفهم.
وأما قول الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة -رحمه الله- في مقدمته للكتاب: ". . . ثم جاء الإمام ابن كثير الفقيه الحافظ المفسر -الذي ستقف على تاريخ حياته فيما بعد-؛ فاختصرها في رسالة لطيفة، سمّاها: (الباعث الحثيث في معرفة علوم الحديث)"!
ينظر مقدمته لـ (الباعث الحثيث: ١٣) الطبعة الثالثة سنة ١٣٧٠.
فالجواب عليه؛ في ثلاثة احتمالات:
الأول: إما أنه وَجد الكتاب مخطوطاً بهذا الاسم، وهو ما أشار إليه البعض؛ من وجود مخطوطات كتب على طرتها "الباعث الحثيث"!
الثاني: إما أنه اعتمد تسمية غيره له، وهو صديق حسن خان؛ وهذا -والله أعلم- أقرب وأصوب.
الثالث: وإما أنه أنشأ اسماً من عنده؛ ميّز بها تعليقاته عن أصل ابن كثير؛ وهو محتمل.
ولا أظن أن الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، قد رضي بهذه التسمية لابن كثير، ولا قطع بها؛ لأنه عندما ترجم للإمام ابن كثير في مقدمة الكتاب، ذكر في ثناياها مصنَّفاته، ومن ضمنها، كتابه هذا، وقال: "واختصر كتاب ابن الصلاح في علوم الحديث. قاله الحافظ العسقلاني" (مقدمة الكتاب: ١٥) ولم يسمه: "الباعث الحثيث" مما يوحي أنها من إضافته هو -رحمه الله-.
وهو أول من اطلع على كتاب ابن كثير؛ وكتب له مقدمة، وعلق عليه، وطبعه باسم: "الباعث الحثيث" بالمطبعة الماجدية، سنة ١٣٥٣.
ثانياً: أن هذه التسمية أيضاً ليست تسمية العلامة أحمد شاكر، تـ١٣٧٧؛ لأنها سبقت حياته.
فليست تسميته -رحمه الله- يقيناً، وذلك لأمور:
الأول: أن العلامة صدّيق حسن خان -رحمه الله- تـ١٣٠٧؛ ذكر هذه التسمية في كتابه "أبجد العلوم"؛ ونسبها لابن كثير، في موضعين.
والشيخ صدّيق توفي قبل الشيخ أحمد شاكر بـ ٧٠ سنة.
الثاني: أن الشيخ أحمد شاكر نفسه؛ نفى أن تكون التسمية له.
قال الشيخ أحمد شاكر في (تعليقه على جامع الترمذي): ".. وشرحنا على (اختصار علوم الحديث) لابن كثير".
قال -رحمه الله- في مقدمة الطبعة الثانية لـ "الباعث الحثيث" عام ١٣٧٧: "قصة هذا الكتاب (اختصار علوم الحديث، لابن كثير) وتقرير دراسته في بعض كليات الأزهر، وإعادة طبعه؛ مفصّلة في مقدمة الطبعة الأولى، وهي مثبتة بنصها في مقدمة هذه (الطبعة الثانية)؛ حفظاً لحق التاريخ في عرض وقائعه على قارئ هذه الطبعة.
وقد غيّرنا شيئاً قليلاً من خطتنا التي أشرنا إليها في الطبعة السابقة؛
فرأيت أن أجعل الشرح كله من قلمي، وأن أزيد عليه وأعدّل، بما يجعل الكتاب أقرب إلى الطلاب، وأكثر نفعاً لهم إن شاء الله.
ثم رأيت أنّ أصل كتاب ابن كثير عرف باسم: (اختصار علوم الحديث)، وأن الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة؛ جعل له عنواناً آخر في طبعته الأولى بمكة، فسماه: (اختصار علوم الحديث)، أو (الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث) التزاماً للسجع الذي أغرم به الكاتبون في القرون الأخيرة، وأنا أكره التزام السجع، وأنفر منه؛ ولكن لا أدري كيف فاتني أن أغيّر هذا في الطبعة الثانية التي أخرجتها.
ثم اشتهر الكتاب بين أهل العلم باسم (الباعث الحثيث)، وليس هذا اسم كتاب ابن كثير، وليس من اليسير أن أعرض عن الاسم الذي اشتهر به أخيراً.. فرأيت من حقي -جمعاً بين المصلحتين: حفظ الأمانة في تسمية المؤلف كتابه، والإبقاء على الاسم الذي اشتهر به الكتاب-؛ أن أجعل (الباعث الحثيث) عَلماً على الشرح الذي هو من قلمي، ومن عملي، فيكون اسم الكتاب (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) والأمر في هذا كله قريب".
فكلام الشيخ أحمد شاكر واضح، أن التسمية ليست تسميته، وإنما جرياً وراء ما اشتهر به الكتاب، جعل "الباعث الحثيث" عَلماً على شرحه!
قال: "والأمر في هذا كله قريب".
ولكنه عزا التسمية: للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة! ولكن الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة قد نفى؛ التسمية عن نفسه.
وذكر بعضهم: أن كلا التسميتين؛ مما توارد عليه الحافظان؟
ولكن؛ هذا بعيد؛ إذ قد تقدم معك من النصوص ما يدحض هذا وأمثاله.
أقول: إلى هنا؛ وضح واتضح؛ أن التسمية، ليست تسمية الحافظ ابن كثير، ولا الشيخ أحمد شاكر، ولا الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة؛ لما قدّمنا لك.
وقد أحالني الشيخ غازي بن سالم أفلح؛ إلى تتبع غرر المخطوطات، وما هو مكتوب عليها؟
فسألت بعض المشايخ،؛ فأفادني الشيخ أبو بسطام الكناني: أن عنده عدّة نسخ للكتاب منها نسخة مقروءة على ابن كثير، باسم: "اختصار علوم الحديث". قال: وجُلّ النسخ بهذا الاسم: "اختصار علوم الحديث".
ولكن اصطلاح المحققين: أن تتبع غرر المخطوطات؛ ليس كافياً في نسبة كتاب ما، فهو عاضد ومؤنس لأدلة أخرى.
قال الدكتور عبد الستار الحلوجي: "وتدل أقدم المخطوطات التي بين أيدينا؛ على أن العرب لم يعرفوا صفحة العنوان في أول عهدهم بصناعة الكتب، وأن العنوان كان يأتي في المقدمة، وفي نهاية المخطوط، ومع هذا فقد كانوا يتركون الصفحة الأولى بيضاء؛ إما خوفاً على ما يكتب فيها من التعرض للتلويث والطمس إذا لم يجلد المخطوط، وإما رغبة منهم في أن تستبقى للحلي والزخارف كما هو الحال في المصاحف الكبيرة التي نستبعد أنها كانت تترك بدون تجليد.
وكان الناسخون الذين يقومون بنسخ الكتب عن أصولها؛ يضيفون عنوان الكتاب واسم مؤلفه على الصفحة الأولى في بعض الأحيان، وكان بعضهم ينسخ الكتب كما هي دون أن يضيف إليها شيئا، وبعد فترة من الزمن؛ يأتي من يضيف العناوين بخط مخالف لخط النسخة ومتأخر عنه كما الحال في كثير من المخطوطات القديمة".
(المخطوط العربي: س ٢/ ١٥٧)
وأخبرني الشيخ بسام حمزاوي -محقق الكتاب على أربع نسخ بعضها عليها خط ابن كثير في المقابلات-: أنه بغضّ النظر عن غرر المخطوطات، إلا أنه استقرأ كل من عزا إلى ابن كثير الكتاب قبل القرن الثاني عشر؛ فلم يذكر هذا الاسم.
قلت: وقد جهدت أن أقف على عالم متقدم نسب هذه التسمية لابن كثير؛ فلم أظفر بشيء من ذلك، حاشا تصريح صديق، وقد قدمت الجواب عن ذلك.
والخلاصة بلا ملاصة:
-أن التسمية قطعاً ليست للشيخ أحمد شاكر.
-أن التسمية قطعاً ليست للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة.
-أن التسمية -على الراجح- ليست للإمام ابن كثير؛ لما قدمنا من البينات.
-أن التسمية؛ قد تكون للعلامة صديق حسن خان؛ لِما أسلفت، أو أنها تسمية غيره، وجدها، فنقلها.
هذا بالنسبة للتسمية، وأما المحتوى والمضمون؛ فإن هناك متناً وشرحاً، فالمتن للحافظ ابن كثير، والشرح للعلامة أحمد شاكر.
وعلى هذا: الشيخ محمد عوامة، في تحقيقه، لكتاب (الكاشف: ١/ ١٦٨) والمؤرخ خير الدين الزركلي، في كتابه (الأعلام: ١/ ٣٢٠) والدكتور محمد أحمد معبد في (حوار معه في ملتقى أهل الحديث) والشيخ خلدون الأحدب، في (التصنيف في السنة النبوية: ٢٩) والعلامة عبد السلام هارون، في (تحقيق النصوص ونشرها: ٤٦) والشيخ عبد الكريم الخضير، في (حاشية على الباعث الحثيث: ١٥).
ولعل هذا هو المتعيّن؛ للأدلة الماضية، ولعلها تكون على الخلاف قاضية.
والله أعلى وأعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.
كتبه: وليد بن عبده الوصابي.
.١٤٣٤/٣/٩
وتمت مراجعته: ١٤٣٩/٤/٢١.
وزدته مراجعة: ١٤٤٠/٩/٢٥.
<span style="color:#0000ff;"><span style="font-family: 'Traditional Arabic', verdana, geneva, lucida, 'lucida grande', arial, helvetica, sans-serif; font-size: 24px; font-weight: bold; background-color: rgb(245, 245, 255);">https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=381891
جزاكم الله خير