رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث التاسع عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"انظروا إلى من هو أسفل منكم.
ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛
فهو أجدر أن لا تَزْدروا نعمة الله عليكم"
متفق عليه.
يا لها من وصية نافعة،
وكلمة شافية وافية.
فهذا يدل
على الحث على شكر الله
بالاعتراف بنعمه،
والتحدث بها،
والاستعانة بها على طاعة المنعم،
وفعل جميع الأسباب المعينة على الشكر.
فإن الشكر لله هو رأس العبادة،
وأصل الخير،
وأوْجَبُه على العباد؛
فإنه ما بالعباد من نعمة ظاهرة ولا باطنة،
خاصة أو عامة
إلا من الله.
وهو الذي يأتي بالخير والحسنات،
ويدفع السوء والسيئات.
فيستحق أن يبذل له العباد من الشكر
ما تصل إليه قواهم،
وعلى العبد أن يسعى بكل وسيلة توصله
وتعينه على الشكر.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث العشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يقبل الله صلاة أحدكم
– إذا أحدث –
حتى يتوضأ"
متفق عليه.
يدل الحديث بمنطوقه:
أن من لم يتوضأ إذا أحدث
فصلاته غير مقبولة:
أي غير صحيحة ، ولا مجزئة ،
وبمفهومه:
أن من توضأ قبلت صلاته:
أي مع بقية ما يجب ويشترط للصلاة؛
لأن الشارع يعلق كثيراً من الأحكام
على أمور معينة
لا تكفي وحدها لترتب الحكم،
حتى ينظم إليها بقية الشروط ،
وحتى تنتفي الموانع .
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثاني والعشرون
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الماء طهور لا ينجسه شيء".
رواه أحمد والترمذي
وأبو داود والنسائي.
هذا الحديث الصحيح يدل على أصل جامع،
وهو أن الماء
– أي جميع المياه النابعة من الأرض،
والنازلة من السماء الباقية على خلقتها،
أو المتغيرة بمقرها أو ممرها،
أو بما يلقى فيها من الطاهرات ولو تغيراً كثيراً –
طاهرة تستعمل في الطهارة وغيرها.
ولا يستثنى من هذا الكلام الجامع
إلا الماء المتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة،
كما في بعض ألفاظ هذا الحديث.
وقد اتفق العلماء على نجاسة الماء المتغير بالنجاسة.
واستدل عليه الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره
بقوله تعالى:
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }[1]
إلى آخر الآية.
يعني:
ومتى ظهرت أوصاف هذه الأشياء المحرمة في الماء
صار نجساً خبيثاً.
*******************
[1] سورة المائدة – آية 3.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثالث والعشرون
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهرة:
"إنها ليست بنَجَس،
إنها من الطوّافين عليكم والطّوّافات"
رواه مالك وأحمد
وأهل السنن الأربع.
هذا الحديث محتوٍ على أصلين:
أحدهما:
أن المشقة تجلب التيسير.
وذلك أصل كبير من أصول الشريعة،
من جملته:
أن هذه الأشياء التي يشق التحرز منها طاهرة،
لا يجب غسل ما باشرت بفيها أو يدها أو رجلها،
لأنه علل ذلك بقوله:
"إنها من الطوافين عليكم والطوافات"
كما أباح الاستجمار في محل الخارج من السبيلين،
ومسح ما أصابته النجاسة من النعلين والخفين،
وأسفل الثوب،
وعفا عن يسير طين الشوارع النجس،
وأبيح الدم الباقي في اللحم والعروق
بعد الدم المسفوح،
وأبيح ما أصابه فم الكلب من الصيد،
وما أشبه ذلك مما يجمعه علة واحدة،
وهي المشقة.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الرابع والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"الصلوات الخمس،
والجمعة إلى الجمعة،
ورمضان إلى رمضان،
مكفرات لما بينهن
ما اجتنبت الكبائر"
رواه مسلم.
هذا الحديث يدل على عظيم فضل الله وكرمه
بتفضيله هذه العبادات الثلاث العظيمة،
وأن لها عند الله المنزلة العالية،
وثمراتها لا تعدّ ولا تحصى.
فمن ثمراتها:
أن الله جعلها مكملة لدين العبد وإسلامه،
وأنها منمية للإيمان، مسقية لشجرته.
فإن الله غرس شجرة الإيمان
في قلوب المؤمنين بحسب إيمانهم،
وقَدَّرَ من ألطافه وفضله من الواجبات والسنن
ما يسقي هذه الشجرة وينميها،
ويدفع عنها الآفات حتى تكمل
وتؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها،
وجعلها تنفي عنها الآفات.
فالذنوب ضررها عظيم،
وتنقيصها للإيمان معلوم.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخامس والعشرون
عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"صلُّوا كما رأيتموني أصلّي،
وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم،
وليؤمكم أكبركم"
متفق عليه.
هذا الحديث احتوى على ثلاث جمل،
أولها أعظمها:
الجملة الأولى:
قوله :
"إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم"
فيه مشروعية الأذان ووجوبه للأمر به،
وكونه بعد دخول الوقت.
ويستثنى من ذلك صلاة الفجر.
فإنه صلى الله عليه وسلم قال:
"إن بلالاً يؤذن بليل،
فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم.
فإنه لا ينادى حتى يقال له:
أصبحت، أصبحت"
وأن الأذان فرض كفاية،
لا فرض عين؛
لأن الأمر من الشارع إن خوطب به كل شخص مكلف
وطلب حصوله منه،
فهو فرض عين.
وإن طلب حصوله فقط،
بقطع النظر من الأعيان،
فهو فرض كفاية.
وهنا قال:
"فليؤذن لكم أحدكم"
وألفاظ الأذان معروفة.
وينبغي أن يكون المؤذن:
صَيِّتاً أميناً، عالماً بالوقت، متحرياً له،
لأنه أعظم لحصول المقصود.
ويكفي من يحصل به الإعلام غالباً.
والحديث يدل
على وجوب الأذان في الحضر والسفر.
والإقامة من تمام الأذان،
لأن الأذان: الإعلام بدخول الوقت للصلاة،
والإقامة: الإعلام بالقيام إليها.
وقد وردت النصوص الكثيرة بفضله،
وكثرة ثوابه، واستحباب إجابة المؤذن،
وأن يقول المجيب مثل ما يقول المؤذن
إلا إذا قال:
( حَيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح )
فيقول كلمة الاستعانة بالله
على ما دعا إليه من الصلاة والفلاح
الذي هو الخير كله:
"لا حول ولا قوة إلا بالله"
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
ويقول:
( اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة
آت محمداً الوسيلة والفضيلة.
وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته )
ثم يدعو لنفسه؛
لأنه من مواطن الإجابة
التي ينبغي للداعي قصدها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والعشرون
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"أعطيت خمساً
لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي:
نصرت بالرُّعبِ مسيرة شهر،
وجُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً.
فأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل،
وأحلت لي الغنائم،
ولم تحل لأحد قبلي.
وأعطيت الشفاعة.
وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة،
وبعثت إلى الناس عامة"
متفق عليه.
فُضِّل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بفضائل كثيرة
فاق بها جميع الأنبياء.
فكل خصلة حميدة ترجع إلى العلوم النافعة،
والمعارف الصحيحة، والعمل الصالح.
فلنبينا منها أعلاها وأفضلها وأكملها.
ولهذا لما ذكر الله أعيان الأنبياء الكرام
قال لنبيه:
{ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }[1]
وهداهم:
هو ما كانوا عليه من الفضائل الظاهرة والباطنة.
******************
[1] سورة الأنعام – آية 90.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السابع والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث:
صيام ثلاثة أيام من كل شهر،
وركعتي الضحى،
وأن أوتر قبل أن أنام"
متفق عليه.
وصيته صلى الله عليه وسلم وخطابه لواحد من أمته
خطاب للأمة كلها،
ما لم يدل دليل على الخصوصية.
فهذه الوصايا الثلاث،
من آكد نوافل الصلاة والصيام.
أما صيام ثلاثة أيام من كل شهر:
فإنه ورد أنه يعدل صيام السنة؛
لأن الحسنة بعشر أمثالها.
وصيام الثلاث من كل شهر يعدل صيام الشهر كله.
والشريعة مبناها على اليسر والسهولة.
وجانب الفضل فيها غالب.
وهذا العمل يسير على من يسره الله عليه،
لا يشق على الإنسان ولا يمنعه القيام بشيء من مهماته،
ومع ذلك ففيه هذا الفضل العظيم؛
لأن العمل كلما كان أطوع للرب وأنفع للعبد،
كان أفضل مما ليس كذلك.
وقد ثبت الحثّ على تخصيص
ستة من شوال،
وصيام يوم عرفة،
والتاسع والعاشر من المحرم،
والاثنين والخميس.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثامن والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الدين يُسْر،
ولن يَشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه،
فسَدِّدوا وقاربوا وأبشروا،
واستعينوا بالغُدْوة والروحة،
وشيء من الدُّلَجة"
متفق عليه.
وفي لفظ:
"والقصدَ القصدَ تَبْلُغوا".
ما أعظم هذا الحديث،
وأجمعه للخير والوصايا النافعة،
والأصول الجامعة.
فقد أسّس صلى الله عليه وسلم
في أوله هذا الأصل الكبير.
فقال:
" إن الدين يسر "
أي ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله،
وفي أفعاله وتُروكه.
فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر
والقَدَر خيره وشره:
هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب،
وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب
وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق،
وأصلح الأعمال،
بها صلاح الدين والدنيا والآخرة.
وبفواتها يفوت الصلاح كله.
وهي كلها ميسرة مسهلة،
كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه،
ولا تكلفه،
عقائده صحيحة بسيطة.
تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة.
وفرائضه أسهل شيء.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث التاسع والعشرون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"حق المسلم على المسلم ست:
قيل: وما هنّ يا رسول الله؟
قال:
إذا لقيته فسلّم عليه.
وإذا دعاك فأجبه،
وإذا استنصحك فانصح له،
وإذا عطس فحمد الله فشَمِّته.
وإذا مرض فعُدْه،
وإذا مات فاتْبَعه"
رواه مسلم.
هذه الحقوق الستة
من قام بها في حقّ المسلمين
كان قيامه بغيرها أولى.
وحصل له أداء هذه الواجبات والحقوق
التي فيها الخير الكثير
والأجر العظيم من الله.
الأولـى:
"إذا لقيته فسلّم عليه"
فإن السلام سبب للمحبة
التي توجب الإيمان
الذي يوجب دخول الجنة،
كما قال صلى الله عليه وسلم :
"والذي نفسي بيده،
لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا.
ولا تؤمنوا حتى تحابوا.
أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟
أفشوا السلام بينكم"
والسلام من محاسن الإسلام؛
فإن كل واحد من المتلاقيين
يدعو للآخر بالسلامة من الشرور،
وبالرحمة والبركة الجالبة لكل خير،
ويتبع ذلك من البشاشة وألفاظ التحية المناسبة
ما يوجب التآلف والمحبة،
ويزيل الوحشة والتقاطع.
فالسلام حقّ للمسلم.
وعلى المسلَّم عليه ردّ التحية
بمثلها أو أحسن منها،
وخير الناس من بدأهم بالسلام.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثلاثون
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا مرض العبد أو سافر
كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً"
رواه البخاري.
هذا من أكبر مِنن الله على عباده المؤمنين:
أن أعمالهم المستمرة المعتادة
إذا قطعهم عنها مرض أو سفر
كتبت لهم كلها كاملة؛
لأن الله يعلم منهم
أنه لولا ذلك المانع لفعلوها،
فيعطيهم تعالى بنياتهم
مثل أجور العاملين مع أجر المرض الخاص،
ومع ما يحصل به من القيام بوظيفة الصبر،
أو ما هو أكمل من ذلك من الرضى والشكر،
ومن الخضوع لله والانكسار له.
ومع ما يفعله المسافر من أعمال
ربما لا يفعلها في الحضر:
من تعليم، أو نصيحة،
أو إرشاد إلى مصلحة دينية أو دنيوية
وخصوصاً في الأسفار الخيرية،
كالجهاد، والحج والعمرة،
ونحوها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الحادي والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"أسرعوا بالجنازة.
فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه.
وإن تك غير ذلك
فشر تضعونه عن رقابكم"
متفق عليه.
هذا الحديث محتوٍ على مسائل أصولية وفروعية.
فقوله صلى الله عليه وسلم :
"أسرعوا بالجنازة"
يشمل الإسراع بتغسيلها وتكفينها وحملها ودفنها،
وجميع متعلقات التجهيز.
ولهذا كانت هذه الأمور من فروض الكفاية.
ويستثنى من هذا الإسراع
إذا كان التأخير فيه مصلحة راجحة،
كأن يموت بغتة،
فيتعين تأخيره حتى يتحقق موته:
لئلا يكون قد أصابته سكتة.
وينبغي أيضاً
– تأخيره لكثرة الجمع،
أو لحضور من له حق عليه من قريب ونحوه.
وقد علل ذلك بمنفعة الميت
لتقديمه لما هو خير له من النعيم،
أو لمصلحة الحي بالسرعة في الإبعاد عن الشر.
وإذا كان هذا مأموراً به في أمور تجهيزه،
فمن باب أولى الإسراع في إبراء ذمته
من ديون وحقوق عليه،
فإنه إلى ذلك أحوج.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثاني والثلاثون
عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة.
وليس فيما دون خمس أواقٍ من الوَرِق صدقة.
وليس فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة"
متفق عليه.
اشتمل هذا الحديث على تحديد
أنصبة الأموال الزكوية الغالية،
والتي تجب فيه الزكاة:
الحبوب، والثمار،
والمواشي من الأنعام الثلاثة
والنقود،
وما يتفرع عنها من عروض التجارة.
أما زكاة الحبوب والثمار:
فإن نص هذا الحديث أن نصابها خمسة أوسق.
فما دون ذلك لا زكاة فيه.
والوَسْق:
ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.
فتكون الخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع.
فمن بلغت حبوب زرعه أو مَغَلَّ ثمره
هذا المقدار فأكثر: فعليه زكاته
فيما سُقي بمؤونة نصف العشر،
وفيما سقي بغير مؤونة العشر.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثالث والثلاثون
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ومن يستعفف يُعفّه الله.
ومن يستغن يُغنه الله.
ومن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله.
وما أعطِيَ أحد عطاء خيراً
وأوسع من الصبر"
متفق عليه.
هذا الحديث اشتمل على أربع جمل جامعة نافعة.
إحداها:
قوله: "ومن يستعفف يعفه الله"
والثانية:
قوله: "ومن يستغن يغنه الله"
وهاتان الجملتان متلازمتان،
فإن كمال العبد في
إخلاصه لله رغبة ورهبة
وتعلقاً به دون المخلوقين،
فعليه أن يسعى لتحقيق هذا الكمال،
ويعمل كل سبب يوصله إلى ذلك،
حتى يكون عبداً لله حقاً
حُرّاً من رق المخلوقين.
وذلك بأن يجاهد نفسه عن أمرين:
انصرافها عن التعلق بالمخلوقين
بالاستعفاف عما في أيديهم.
فلا يطلبه بمقاله ولا بلسان حاله.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعمر:
"ما أتاك من هذا المال
وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه.
ومالا فلا تتبعه نفسَك"
فقطع الإشراف في القلب والسؤال باللسان،
تعففاً وترفعاً عن مِنن الخلق،
وعن تعلق القلب بهم،
سبب قوي لحصول العفة.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الرابع والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ما نقصت صدقة من مال،
وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً.
وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"
رواه مسلم.
هذا الحديث احتوى على فضل الصدقة،
والعفو والتواضع،
وبيان ثمراتها العاجلة والآجلة،
وأن كل ما يتوهمه المتوهم من نقص الصدقة للمال،
ومنافاة العفو للعز،
والتواضع للرفعة.
وهم غالط،
وظن كاذب.
فالصدقة لا تنقص المال؛
لأنه لو فرض أنه نقص من جهة،
فقد زاد من جهات أُخر؛
فإن الصدقة تبارك المال،
وتدفع عنه الآفات وتنميه،
وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق
وأسباب الزيادة أموراً
ما تفتح على غيره.
فهل يقابل ذلك النقص
بعض هذه الثمرات الجليلة؟
فالصدقة لله التي في محلها
لا تنفد المال قطعاً،
ولا تنقصه
بنص النبي صلى الله عليه وسلم ،
وبالمشاهدات والتجربات المعلومة.
هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله:
من الثواب الجزيل،
والخير والرفعة.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخامس والثلاثون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"كل عمل ابن آدم يضاعف:
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
قال الله تعالى:
إلا الصوم. فإنه لي، وأنا أجزي به؛
يدع شهوته وطعامه من أجلي.
للصائم فرحتان:
فرحة عند فطره،
وفرحة عند لقاء ربه.
ولَخَلُوف فم الصائم
أطيب عند الله من ريح المسك.
والصوم جُنَّة.
وإذا كان يوم صوم أحدكم
فلا يرفث ولا يصخب،
فإن سابَّه أحد أو قاتله،
فليقل:
إني امرؤ صائم"
متفق عليه.
ما أعظم هذا الحديث؛
فإنه ذكر الأعمال عموماً،
ثم الصيام خصوصاً
وذكر فضله وخواصه،
وثوابه العاجل والآجل،
وبيان حكمته،
والمقصود منه،
وما ينبغي فيه من الآداب الفاضلة.
كلها احتوى عليها هذا الحديث.
فبين هذا الأصل الجامع،
وأن جميع الأعمال الصالحة
– من أقوال وأفعال، ظاهرة أو باطنة،
سواء تعلقت بحق الله، أو بحقوق العباد –
مضاعفة من عشر إلى سبعمائة ضعف،
إلى أضعاف كثيرة.
وهذا من أعظم ما يدل على سعة فضل الله،
وإحسانه على عباده المؤمنين؛
إذ جعل جناياتهم ومخالفتهم الواحدة بجزاءٍ واحد،
ومغفرة الله تعالى فوق ذلك.