-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
71- [ تفسير في 500 مجلد ]
عبد السّلام بن محمد بن يوسف بن بُنْدَار، أبو يوسف القَزْوينيّ. شيخ المعتزلة [المتوفى: 488 هـ].
قال السّمعاني: كان أحد المعمّرين والفضلاء المقدَّمين، جمع " التّفسير الكبير " الّذي لم يُرَ في التّفاسير كتابٌ أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، لولا أنّه مَزَجَه بكلام المعتزلة، وبثَّ فيه مُعْتَقَدَه، وما اتَّبع نهج السَّلَف فيما صَنَّفه من الوقوف على ما ورَدَ في الكتاب والسُّنّة والتّصديق بهما.
وقال ابن عساكر: سمعتُ الحسين بن محمد البلْخيّ يقول: إنّ أبا يوسف صنَّف " التّفسير " في ثلاث مائة مجلَّد ونيّف، وقال: من قرأه عليّ وهبْتُه النُّسْخة. فلم يقرأه عليه أحدٌ.
وقال ابن النّجّار: قرأتُ بخطّ أبي الوفاء بن عقيل الفقيه: قدم علينا القاضي أبو يوسف القَزْوينيّ من مصر، وكان يفتخر بالاعتزال.. وكان طويل اللّسان بعلمٍ تارةٍ، وبسفهٍ يؤذِي به النّاسَ أخرى. ولم يكن محقّقًا إلّا في التّفسير، فإنّه لَهِجَ بالتّفاسير حتّى جمع كتابًا بلغ خمس مائة مجلّد، حشى فيه العجائب، حتّى رأيت منه مجلَّدةً في آيةٍ واحدة، وهي قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سليمان} فذكر فيه السَّحَرة والملوك الّذين نَفَقَ عليهم السِّحْرُ وأنواع السِّحر وتأثيراته.
وقال محمد بن عبد الملك في " تاريخه ": فسَّر بمصر القرآن في سبع مائة مجلّدٍ كبار.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة الصَّدَفيّ: ذكر لي أنّ له تفسيرًا في القرآن في نحو ثلاث مائة مجلَّد، سبعة منها في سورة الفاتحة.
المصدر : [ تاريخ الإسلام ت بشار 10 /600 ]
قلت - رحم الله والدي - :
أغنانا الله تعالى بتفاسير السلف, ولم يحوجنا إلى تفسير هذا الداعية المبتدع , فعندنا تفسير ابن جرير والبغوي وابن كثير وغيرها كثير, فله المنة والحمد كثيرا, وقد ذكر الذهبي في ترجمته أيضا: قال أبو عليّ بن سُكَّرَة الصَّدَفيّ: أبو يوسف القَزْوينيّ كان معتزليًّا داعيةً، كان يقول: لم يبقَ مَن ينصُرُ هذا المذهبَ غيري.اهـ
فالحمد لله على الإسلام والسنة
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
72- [ لطف اللطيف الخبير ]
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: حكى ابن عقيل عن نفسه قال:
حججت فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر، فإذا شيخ أعمى ينشده، ويبذل لملتقطه مائة دينار، فرددته عليه، فقال: خذ الدنانير, فامتنعت، وخرجت إلى الشام، وزرت القدس، وقصدت بغداد، فأويت بحلب إلى مسجد وأنا بردان جائع، فقدموني، فصليت بهم، فأطعموني، وكان أول رمضان، فقالوا: إمامنا توفي، فصل بنا هذا الشهر, ففعلت، فقالوا: لإمامنا بنت, فزوجت بها، فأقمت معها سنة، وأولدتها ولدا ذكرا، فمرضت في نفاسها
فتأملتها يوما فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر، فقلت لها: لهذا قصة, وحكيت لها، فبكت، وقالت: أنت هو والله، لقد كان أبي يبكي، ويقول: اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد العقد علي، وقد استجاب الله منه, ثم ماتت، فأخذت العقد والميراث، وعدت إلى بغداد
المصدر: [ سير أعلام النبلاء 19 / 450]
قلت - رحم الله والدي - :
انظر إلى اللطف الخفي لربنا اللطيف الحكيم الخبير وحسن قضائه حيث قَدَّر زواج ابن عقيل من هذه المرأة, واستجابته لدعوة هذا الرجل الصالح, وكذا حسن عاجل ثوابه لابن عقيل لورعه, وأدائه الأمانة, وصبره على الضيق والحاجة
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
73- [ التضحية بالبهيمة الخُنثى ]
قال النووي رحمه الله:
أما الخنثى فضربان: أشهرهما من له فرج النساء وذكر الرجال، والثاني: من ليس له واحد منهما، وإنما له خرق يخرج منه البول وغيره لا يشبه واحدا منهما، وهذا الثاني ذكره البغوي والماوردي وغيرهما، وقد وقع هذا الخنثى في البقر
فجاءني جماعة أثق بهم يوم عرفة سنة أربع وسبعين وستمائة، قالوا: إن عندهم بقرة هي خنثى, ليس له فرج الأنثى ولا ذكر الثَّوْرِ، وإنما لها خَرق عند ضَرعها, يخرج منه البول، وسألوا عن جَواز التضحية بها، فقلت لهم: تُجزئ, لأنها ذكر أو أنثى، وكِلاهما مُجزىء، وليس فيه ما يُنقِصُ اللحمَ, واسْتَثْبَتُهُم ْ فيه
قال صاحب التتمة في أول كتاب الزكاة: يقال: ليس فيه شيء من الحيوانات خُنثى إلا في الآدمي والإبل
قلت: وتكون في البقر كما حَكَيتُه.اهـ
المصدر : [ تهذيب الأسماء واللغات 3 /100 ]
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
74- [ كل هذا من أجل 30 بيضة ]
ذكر محمد بن محمد السنجي الكاتب أن أباه حدثه، قال: كان الوزير أبو محمد المهلبي تقدم إلى القاضي ابن قريعة أن يشرف على البناء في داره، وأمر بأن لا يُطلَقَ شيء من النفقة إلا بتوقيع القاضي.
قال: وكان يوما جالسا مع جماعة في دار المهلبي, بقرب الموضع الذي كان القاضي يجلس فيه، فحضر رجل من العَامَّة، فوقف بين يديه ودعا له، وادعى أن له ثمن ثلاثين بيضة, أخذها منه الوكيل لتزويق السقوف, ولم يعطه ثمنها، فقال له: بَيِّن، عافاك الله، دعواك، وأَفْصِح عن نَجوَاك، فَمِنَ البيضِ نعامي, وبطي, وهندي, ونبطي, وحمامي, وعصافيري، حتى أن السمك يبيض، والدود يبيض، فمن أي أجناسه لك؟
فقال الرجل: أنا لا أبيع بيض النعام لتزويق السقوف، لي ثمنُ ثلاثينَ بيضة من بيض الدجاج النبطي، فقال القاضي: الآن حصحص الحق، ما كنيتك ؟ فقال: أنا عمر أبو حفص، فقال لكاتب البناء: اكتب - بورك فيك- إلى الوكيل محمد بن عاصم:
حضرنا، تولاك الله، أبو حفص عمر البيضي، فذكر أنه له ثمن ثلاثين بيضة دجاجيا، لا بطيا, ولا هنديا، أخذت على شرط الإنصاف منه، ثم أخذ ثمنها عنه، فأرجع أكرمك الله إلى موجب كتابك، وما أثبته باسم عمر هذا في حسابك، فإن كان صادقا فله ما للصادقين من البر والإكرام، وإعطاء الثمن على الوفاء والتمام، وإن كان كاذبا فعليه ما على الكاذبين من اللعن والزجر، وقل له موبخا: باعدك الله من حريمه، ما أقل وقارك لشيبك وحسبك، وصل على نبيك، وارفع التوقيع إليه
قال: فلما أخذه الرجل وضعه في جيبه، وقال: ثمن البيض علي أربعة دوانيق، وأنا، والله، لا أبيع هذه الرقعة بدرهمين، ومضى.
المصدر : [تاريخ بغداد 3 / 120 ]
قلت -رحم الله والدي- :
ما أظرف العامي هذا, و والله لو وصلتنا هذه الرقعة بخط كاتبها لوجدت من يشتريها ويعطي فيها ألف دولار أو أكثر ,فهذه ليست فاتورة بيض بل مرسوم وزاري وتعيين إداري
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
75 [ بِعْ الدار واشتر الفنون والفصول ]
عبد الله بن المبارك ويعرف بعسكر بن الحسن العكبري، المقرىء، الفقيه أبو محمد، ويعرف بابن نيال:
كان يصحب شافعا الحنبلي، فأشار عليه بشراء كتب ابن عقيل، فباع ملكا له, واشترى بثمنه كتاب الفنون، وكتاب الفصول، ووقفها على المسلمين
المصدر : [ذيل طبقات الحنابلة 1/ 414]
قلت - رحم الله والدي -:
لمثل هذا الفاضل وأمثاله ضرب المثل السائر: بِع الدار واشتر الأذكار, فرحم الله هؤلاء الناس فإنهم كانوا لا يعدِلُون بالعلم وأسبابه شيئا
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
76- حكاية عجيبة
محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري الكعبي البغدادي البصري البزاز الفرضي، القاضي أبو بكر بن أبي طاهر، ويعرف بـ: قاضي المارستان.[ 442 / 535 هـ]
أنبئت عن يوسف بن خليل الحافظ قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الله بن أبي الفوارس محمد بن علي بن حسن الخزاز الصوفي البغدادي ببغداد قال: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول:
كنت مجاورا بمكة - حرسها الله تعالى - فأصابني يوما من الأيام جوع شديد, لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم, مشدودا بشرابة من إبريسم أيضا, فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا الشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار, وهو يقول: هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس، فقلت له: تعال إلي، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه, فسلم إلي خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب علي أن أعيده إليك, ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بد أن تأخذ, وألح علي كثيرا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى.
وأما ما كان مني: فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي, وقال: علمني القرآن, فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال, قال: ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها, فقالوا لي: تحسن تكتب؟, فقلت: نعم، فقالوا: علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير, فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة، ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لا بل، وألزموني، فأجبتهم إلى ذلك, فلما زفوها إلي مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه, فقالوا: يا شيخ، كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد, فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم, فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما إلا هذا الذي رد علي هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم أجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي، والآن قد حصلت، فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين, ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان, فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار, وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال
المصدر : [ذيل طبقات الحنابلة 1/ 444]
قال الحافظ ابن رجب : هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في معجمه, وساقها ابن النجار في تاريخه، وقال: هي حكاية عجيبة, وأظن القاضي حكاها عن غيره, وقد ذكرها أبو المظفر سبط بن الجوزي في تاريخه في ترجمة أبي الوفاء بن عقيل, وذكر عن ابن عقيل: أنه حكى عن نفسه: أنه حج، فالتقط العقد ورده بالموسم، ولم يأخذ ما بذل له من الدنانير، ثم قدم الشام، وزار بيت المقدس، ثم رجع إلى دمشق، واجتاز بحلب في رجوعه إلى بغداد، وأن تزوجه بالبنت كان بحلب. ولكن أبا المظفر ليس بحجة فيما ينقله، ولم يذكر للحكاية إسنادا متصلا إلى ابن عقيل، ولا عزاها إلى كتاب معروف، ولا يعلم قدوم ابن عقيل إلى الشام، فنسبتها إلى القاضي أبي بكر الأنصاري أنسب. والله أعلم.
وقد تضمنت هذه القصة: أنه لا يجوز قبول الهدية على رد الأمانات, لأنه يجب عليه ردها بغير عوض، وهذا إذا كان لم يلتقطها بنية أخذ الجعل المشروط, وقد نص أحمد رضي الله عنه على مثل ذلك في الوديعة، وأنه لا يجوز لمن ردها إلى صاحبها قبول هديته إلا بنية المكافأة.اهـ
وقد تقدمت القصة بصيغة أخرى محكية عن العلامة ابن عقيل [ا لفائدة 72 ]
توضيح وبيان: ترجمة قاضي المارستان في ذيل طبقات الحنابلة 1/434. سير أعلام النبلاء 20/23 ، شذرات الذهب 4 /108 , وله أحاديث الشيوخ الثقات الشهير بالمشيخة الكبرى, طبع بدراسة وتحقيق الشريف حاتم العوني, في دار عالم الفوائد 1422هـ في ثلاثة مجلدات/ رابط تحميله
وابن خليل هو الحافظ المفيد الرحال الإمام مسند الشام شمس الدين أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي الأدمي, محدث حلب, ولد سنة 555هـ, واشتغل بالحديث وله ثلاثون, وتخرج بالحافظ عبد الغني وشيوخه نحو خمسمائة نفس
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
76- حجة باهرة على الطائفة الفاجرة
قال القاضي أبو بكر [ ابن العربي المعافري ]: قد كان قال لي أصحابنا النصرية بالمسجد الأقصى: إن شيخنا أبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي اجتمع برئيس من الشيعة، فشكا إليه فساد الخلق، وأن هذا الأمر لا يصح إلا بخروج الإمام المنتظر، فقال له نصر: هل لخروجه ميقات معلوم أم لا ؟, قال الشيعي: نعم لخروجه ميقات، قال أبو الفتح نصر: ومعلوم هو أو مجهول؟ , قال له الشيعي: معلوم، قال نصر: ومتى يكون؟ , قال الشيعي: إذا فسد الخلق، قال أبو الفتح نصر: فلم تحبسونه عن الخلق ؟ , وقد فسد جميعهم إلا أنتم, فلو فسدتم لخرج، فأسرعوا به، وأطلقوه من سجنه، أو نحو هذا، وعجلوا بالرجوع إلى مذهبنا، فبهت
وأظن أنه سمعها من شيخه سليمان بن أيوب الرازي الإمام الزاهد.
المصدر : [ العواصم من القواصم - النسخة الكاملة 1 /53 ]
قلت -رحم الله والدي- :
توضيح وبيان: نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي النابلسي رئيس الشافعية بالشام /ت 490 هـ, وهو صاحب الكتاب العظيم: الحجة على تارك المحجة , طبع مختصره / رابط تحميله , وشيخه أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم, الإمام شيخ الإسلام الشافعي / ت447 هـ , النصرية : أي أتباع وتلاميذ الشيخ نصر المقدسي
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
78- النصر من الله
قال العلامة أبو حيان في تفسير قوله تعالى: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون
قال بعض العلماء: الذي استقر حكم التكليف عليه بمقتضى هذه الآية أن كل مسلم بالغ وقف بإزاء المشركين عبدا كان أو حرا فالهزيمة عليه محرمة, ما دام معه سلاحه يقاتل به, فإن كان ليس معه سلاح فله أن ينهزم, وإن قابله ثلاثة حلت له الهزيمة, والصبر أحسن، وروى البيهقي وغيره: إن جيش مؤتة وكانوا ثلاثة آلاف من المسلمين وقفوا لمائتي ألف, مائة ألف من الروم ومائة ألف من الأنباط, وروي أنهم وقفوا لأربعمائة ألف, والأول هو الصحيح
وفي تاريخ فتح الأندلس أن طارقا مولى موسى بن نصير سار في ألف رجل وسبعمائة رجل إلى الأندلس, وذلك في رجب سنة ثلاث وتسعين من الهجرة, فالتقى هو وملك الأندلس لذريق, وكان في سبعين ألف عنان, فزحف إليه طارق وصبر له, فهزم الله الطاغية لذريق, وكان الفتح انتهى
وما زالت جزيرة الأندلس تلتقي الشرذمة القليلة منهم بالعدد الكثير من النصارى فيغلبونهم، وأخبرنا من حضر الوقعة التي كانت في الديموس الصغير على اثني عشر ميلا من مدينة غرناطة, سنة تسع عشرة وسبعمائة, وكان المسلمون ألفا وسبعمائة فارس من الأندلسيين والبربر, وكان النصارى مائة ألف راجل, وستين ألف رام, وخمسة عشر ألف فارس بين رام ومدرع, فصبروا لهم وأسروا أكابرهم, وقتلوا ملك قشتالة دون جوان, ونجا أخوه دون بطر مجروحا, وكان ملوك النصارى ملك قشتالة المذكور وملك إفرنسة وملك يوطقال وملك غلسية وملك قلعة رباح قد خرجوا عازمين على استئصال المسلمين من الجزيرة فهزمهم الله.
المصدر: [ البحر المحيط في التفسير 5 / 351 ]
قلت – رحم الله والدي- :
قال ربنا تعالى في كتابه العزيز : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ, وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ 2/ 249
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
79- الله خير حفظا وحافظا
قال العلامة القرطبي :
في السيرة في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومقام علي رضي الله عنه في فراشه قال:
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده، وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس:" يس. والقرآن الحكيم. إنك لمن المرسلين. على صراط مستقيم. تنزيل العزيز الرحيم."- إلى قوله-" وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون". حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب
قلت: ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا, وذلك أني هربت أمام العدو, وانحزت إلى ناحية عنه، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان, وأنا في فضاء من الأرض قاعد, ليس يسترني عنهما شي، وأنا أقرأ أول سورة يس, وغير ذلك من القرآن، فعبرا علي, ثم رجعا من حيث جاءا, وأحدهما يقول للآخر: هذا ديبلة، يعنون شيطانا, وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني، والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك.
المصدر : [ تفسير الجامع لأحكام القرآن 10 / 270 ]
قلت - رحم الله والدي -:
قصة الهجرة ذكرها ابن هشام في سيرته (1 / 483), وقال السهيلي في روضه 4 / 126: في قراءة الآيات الأول من سورة { يس } من الفقه التذكرة بقراءة الخائفين لها اقتداء به عليه السلام فقد روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر فضل يس أنها إن قرأها خائف أمن أو جائع شبع أو عار كسي أو عاطش سقي حتى ذكر خلالا كثيرة.اهـ
قلت: الحديث ذكره في إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة [3004] قال الحارث بن محمد بن أبي أسامة: ثنا عبد الرحيم بن واقد، ثنا حماد بن عمرو عن السري بن خالد بن شداد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي- رضي الله عنه, قال البوصيري: هذا إسناد مسلسل بالضعفاء، السري وحماد وعبد الرحيم ضعفاء
توضيح وبيان : ديبلة: أو ديابلو معناها شيطان بالإسبانية diablo
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
الأستاذ الفاضل / أبا يعلى،، جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفع بك ..
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
80- فقه الأولويات
أحمد بن محمد بن أحمد الدينوري البغدادي الفقيه، الإمام أبو بكر بن أبي الفتح, أحد الفقهاء الأعيان، وأئمة أهل المذهب[ ت 532 هـ ]
قال ابن الجوزي في كتاب " تلبيس إبليس ":
كنت أصلي وراء شيخنا أبي بكر الدينوري في زمن الصبا فكنت - يعني: إذا دخلت معه في الصلاة وقد بقي في الركعة يسير - أستفتح وأستعيذ، فيركع قبل أن أقرأ، فقال لي: يا بني، إن الفقهاء قد اختلفوا في وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام، ولم يختلفوا في أن الاستفتاح سنة، فاشتغل بالواجب ودع السنة.
المصدر : [ذيل طبقات الحنابلة 1/ 431 ]
قلت -رحم الله والدي- :
ما أحو جنا إلى فهم هذا والعمل به , فكم مِنا مَن يَبَرُّ ويَجُود على أصدقائه وخِلانه ويُضَيع والديه ومن تجب عليه نفقتهم, وكم منا من يحفظ الأشعار, ويقرأ ما يضره ولا ينفعه, ويضيع حفظ القرآن وتدارس العلم النافع
فاللهم ارزقنا فهما عنك في دينك , آمين
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
81- تركة محدث
محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي الفارسي الأصل، ثم البغدادي، الأديب اللغوي، الحافظ أبو الفضل بن أبي منصور [ ت 550 هـ ]
رأيت بخطه وصية له أوصى بها، ذكر فيها صفة ما يخلفه من التركة، وهو :
1- ثياب بدنه، وكلها خِلَق مغسولة
2- وأثاث منزله, وكان مختصرا جدا
3- وثلاثة دنانير من العين
لم يذكر سوى ذلك، ومات ولم يعقب.
المصدر : [ ذيل طبقات الحنابلة 2/ 56 ]
قلت – رحم الله والدي - :
رحم الله هؤلاء القوم عاشوا خفافا وماتوا خفافا, ولم تجرفهم الدنيا بفتنها وزخرفها, وكانوا قادرين عليها لو أرادوها
ابن ناصر شيخ ابن الجوزي, يكثر الرواية عنه في كتبه, قال فيه: كان حافظا ضابطا متقنا, ثقة لا مغمز فيه، وهو الذي تولى تسميعي الحديث، فسمعت مسند الإمام أحمد بن حنبل بقراءته, وغيره من الكتب الكبار, والأجزاء العوالي على الأشياخ، وكان يثبت لي ما أسمع.اهـ
ترجمته في المنتظم 10 /162، تذكرة الحفاظ 4 /1289 ، ذيل طبقات الحنابلة 1 /225 ، شذرات الذهب 4 /155
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
82- حكم إحياء ليالي المواسم والموالد في المقابر المساجد
قال أبو الوفاء بن عقيل - رحمه الله تعالى - :
أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع أهل وقتنا، في المساجد، والمشاهد ليالي يسمونها إحياء, لعمري إنها لإحياء أهوائهم، وإيقاظ شهواتهم، جموع الرجال، والنساء مخارج، الأموال فيها من أفسد المقاصد وهو الرياء، والسمعة وما في خلال كل واحد من اللعب، والكذب، والغفلة، ما كان أحوج الجوامع أن تكون مظلمة من سُرُجِهم، مُنَزَّهة عن معاصيهم وفِسقهم، مردانٌ ونسوةُ، وفِسقٌ
الرَّجُلُ عِندي من وزن في نفسه ثمن الشمعة فأخرج به دهنا وحطبا إلى بيوت الفقراء, ووقف في زاوية بيت بعد إرضاء عائلته بالحقوق, فكُتِب في المتهجدين
صلى ركعتين بحزن ودعا لنفسه وأهله وجماعة المسلمين, وبكر إلى معاشه لا إلى المقابر, فترك المقابر في ذلك عبادة
يا هذا انظر إلى خروجك إلى المقابر كم بينه وبين ما وُضِعَتْ له, قال: « تذكركم الآخرة », فأشغلك بتَلَمُّحِ الوجوهِ الناضرة في تلك الجموع لزرع اللذة في قلبك، والشهوة في نفسك من مطالعة العظام الناخرة, يُستدعى بها ذكر الآخرة
كلا ما خرجت إلا متنزها، ولا عدت إلا متأثما، ولا فرق عندك بين القبور، والمساكن مع الفرجة, لا أَقَلَّ من أن تكون من المعاصي بين الجدران, فأما أن تجعل المقابر، والمشاهد عِلَّة في الاشتهار فلا, فعلى من فطن لقولي في رجب وأمثاله { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } [التوبة: 36] .
عَزَّ عَلَيَّ بقوم فَاتَتْهُم أيام المواسم التي يَحْظَى فيها قوم بأنواع الأرباح، وليتهم خرجوا منها بالبطالة رأسا برأس, ما قنعوا حتى جعلوها من السنة إلى السنة خلسا لاستيفاء اللذات, واستلام الشهوات المحظورات, ما بال الوجوه المصونة في جمادى هتكت في رجب بحجة الزيارات, { أفحكم الجاهلية يبغون } [المائدة: 50] , { ما لكم لا ترجون لله وقارا } [نوح: 13]
وقال: أَتَرَى بماذا تتحدثُ عنك سواري المسجد في الظلم، وأفنية القبور، والقباب، بالبكاء من خوف الوعيد، والتذكرة للآخرة ؟ , بنظر العبرة إذا تحدثت عن أقوام ختموا في بيوتهم الختمات, وصانوا الأهل اتباعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث « انسل من فراش عائشة - رضي الله عنها - إلى المسجد لا جموع ولا شموع ؟ , طوبى لمن سمع هذا الحديث فانزوى إلى زاوية بيته, فانتصب لقراءة جزء في ركعتين بتدبر وتفكر », فيالها من لحظة ما أصفاها من أكدار المخالطات, وأقذار الرياء، غدا يرى أهل الجموع أن المساجد تلعنهم، والمشاهد والمقابر تستغيث منهم.
يُبَكِّرُ أحدهم فيقول: أنا صائم، متى أفلح عُرْسُكَ حتى يكون له صبحة ؟ , قل لي: يا من أحيا في الجامع بأي قلب رجعت؟ , مات والله قلبك، وعابت نفسك، ما أخوفني على من فعل هذا الفعل في هذه الليالي أن يخاف في مواطن الأمن، ويظمأ في مقامات الري انتهى كلامه.
قال ابن مفلح : وإذا كان ذلك في زمنه فما ظنك بزمننا هذا الذي بينهما نحو ثلاثمائة سنة, وما يجري بالشام ومصر، والعراق وغيرها من بلاد الإسلام في أيام المواسم من المنكرات فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي صحيح البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - قال « لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه » سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ويتوجه أن يقال إن علم أن ذلك سبب في حصول المحرم، والمنكر ولا بد حرم تعاطيه ودخوله وإن ظن ذلك كره، وقد يقال يحرم فإن ظن مع ذلك اشتماله على أنواع من الخير تزيد على نوع المكروه، أو تساويه فلا كراهة وبكل حال فالنوافل، والتطوعات خفية أولى في الجملة بلا إشكال, وأسلم من الرياء، والسمعة، نسأل الله العفو، والمسامحة، والله تعالى أعلم.
المصدر : [ الآداب الشرعية والمنح المرعية (3 / 390 ]
قلت - رحم الله والدي -:
إذا كان هذا في المائة الخامسة والمائة الثامنة, وهذا قول هذين الإمامين الجليلين,فما قولنا, ونحن في المائة الرابعة بعد الألف, وقد اشتدت غربة الإسلام, وصار المعروف منكرا, والمنكر معروفا, فإنا لله وإنا إليه راجعون
فلقد أصبحت مواسم الشرك والقبورية الوثنية تنقل حية عبر الاقمار الصناعية باسم المواسم الدينية الروحية, فلا حاجة إلى شد الرحال, وتكلف الأسفار, وصار المرء يتصل بالهاتف على مذيع القناة الفضائية, ويطلب منه زيارة الوثن, فيقوم المذيع يتزويره وتطويفه, والكامير تنتقل به من مكان إلى مكان حتى يصل إلى القبر المعبود , فيقول له المذيع: ها قد وصلت الى الأعتاب, وحططت الرحل والاقتاب, فاطلب ما تشاء تجاب , ولقد شاهدت حصول هذا بعيني في قناة للرافضة -أخزاهم الله وأبعدهم-
فاللهم غفرا , وياحسرة على غربة الإسلام, وغربة الدين
فأسأل الله أن يعافينا وإخواننا من رجس الشرك ونجسه, وأسبابه, ووسائله , آمين آمين آمين
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
83- إنصاف وزير
يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعد الشيباني الدوري، ثم البغدادي، الوزير العالم العادل، صدر الوزراء، عون الدين، أبو المظفر [ 560هـ ]
ذكر مرة في مجلسه مفردة للإمام أحمد تفرد بها عن الثلاثة، فادعى أبو محمد الأشتري المالكي: أنها رواية عن مالك، ولم يوافقه على ذلك أحد، وأحضر الوزير كتب مفردات أحمد، وهي منها، المالكي مقيم على دعواه
فقال له الوزير: بهيمة أنت ؟, أما تسمع هؤلاء الأئمة يشهدون بانفراد أحمد بها، والكتب المصنفة، وأنت تنازع وتفرق المجلس؟
فلما كان المجلس الثاني، واجتمع الخلق للسماع أخذ ابن شافع في القراءة، فمنعه وقال: قد كان الفقيه أبو محمد جريء في مسألة أمس, على ما يليق به عن العدول عن الأدب, والانحراف عن نهج النظر حتى قلت تلك الكلمة، وها أنا فليقل لي كما قلت له, فلست بخير منكم، ولا أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء، وأخذ الأشتري يعتذر، ويقول: أنا المذنب والأولى بالاعتذار من مولانا الوزير، ويقول [ أي الوزير ]: القصاص، القصاص
فقال يوسف الدمشقي مدرس النظامية: يا مولانا، إذا أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير: له حكمه، فقال الأشتري: نعمك علي كثيرة، فأي حكم بقي لي. فقال: قد جعل الله لك الحكم علينا بما ألجأتنا به إلى الافتيات عليك، فقال: علي بقية دين منذ كنت بالشام، فقال الوزير: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته وذمتي، فأحضر له مائة، فقال له الوزير: عفا الله عنك وعني، وغفر لك ولي.
وذكر ابن الجوزي أنه قال: يعطى له مائة دينار لإبراء ذمته، ومائة دينار لإبراء ذمتي.
وكان هذا الأشتري من علماء المالكية، طلبه الوزير من نور الدين محمود بن زنكي، فأرسل به إليه، فأكرمه غاية الإكرام.
المصدر : [ذيل طبقات الحنابلة 2/ 122]
قلت - رحم الله والدي - :
لا يزال مفعول هذه الحكاية والموقف - بما يحمله من عظمة وإكبار - ساريا من يوم وقوعه الى الآن, فقد بكيت , ولا أدري هل يُبكي أحدا غيري ؟
وليس عندي ما أقوله إلا : رحم الله هؤلاء الأعلام الكبار, فوالله إنهم القوم لا يشقى جليسهم, فلقد كانت مجالسهم عامرة بالعلم والحلم والكرم والسكينة والهدي الصالح وحسن السمت
ولأمر ما خصهم الله تعالى بسابق حكمته وحسن قضائه فأقامهم أعلاما لدينه وهداة لخلقه
قال ابن رجب [ 2/ 113]: صنف الوزير أبو المظفر كتاب " الإفصاح عن معاني الصحاح " في عدة مجلدات، وهو شرح صحيحي البخاري ومسلم، ولما بلغ فيه إلى حديث " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " شرح الحديث، وتكلم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى أن ذكر مسائل الفقه المتفق عليها، والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين, وقد أفرده الناس من الكتاب، وجعلوه مجلدة مفردة، وسموه بكتاب " الإفصاح " وهو قطعة منه، وهذا الكتاب صنفه في ولايته الوزارة، واعتنى به وجمع عليه أئمة المذاهب، وأوفدهم من البلدان إليه لأجله، بحيث إنه أنفق على ذلك مائة ألف دينار، وثلاثة عشر ألف دينار، وحدث به، واجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه. كتب به نسخة لخزانة المستنجد. وبعث ملوك الأطراف ووزراؤها وعلماؤها، واستنسخوا لهم به نسخا، ونقلوها إليهم، حتى السلطان نور الدين الشهيد. واشتغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم، يدرسون منه في المدارس والمساجد، ويعيده المعيدون، ويحفظ منه الفقهاء, وقال أيضا: صنف عدة كتب، منها: كتاب " الإفصاح عن شرح معاني الصحاح " وهذا الكتاب بمفرده يشتمل على تسعة عشر كتابا.انتهى / رابط تحميله
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
84- خطأ في رواية كتاب حديث
قال الحافظ الذهبي:
مما أخطأ فيه الحافظ ابن مُسدي المجاور أنه قرأ في الجعديات أو كلها على ابن المقير، أنبأنا ابن ناصر، أنبأنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا ابن أبي شريح، أخبرنا البغوي.
ولا ريب أن المليحي سمع الكتاب، والنسخة عندي مكتوبة عن المليحي، لكنه مات قبل أن يولد ابن ناصر بأربع سنين.
المصدر : [ سير أعلام النبلاء 20 / 267 ]
قلت – رحم الله والدي -:
قال في السير 18 /255 : المليحي: الشيخ، الصدوق، مسند هراة، أبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم بن محمد بن داود بن أبي حاتم المليحي الهروي,... توفي سنة ثلاث وستين وأربع مائة
وابن ناصر الإمام، المحدث، الحافظ، مفيد العراق، أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي، البغدادي, مولده في سنة سبع وستين وأربع مائة / قاله في السير أيضا20 / 265
وابن مُسدي الحافظ العلامة الرحال أبو بكر محمد بن يوسف بن موسى بن يوسف بن مسدي الأزدي المهلبي الأندلسي الغرناطي/ت663 هـ, ترجم له السيوطي في طبقاته [1116]
قال في العقد الثمين: الشهير بابن مُسدي ويقال : ابن مُسد بضم الميم, وسكون السين وحذف الياء / من ضبط الأعلام ص190
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
85- حكم الحبس في الشرع
[ ذكر الوزير في كتابه " الإفصاح ".... قال ]:
الحبس غير مشروع إلا في مواضع.
أحدها: إذا سرق فقطعت يمينه، ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق: حبس ولم يقطع، في إحدى الروايتين.
الثاني: أمسك رجل رجلا لآخر فقتله: حبس الممسك حتى يموت، في إحدى الروايتين أيضا.
الثالث: ما يراه الإمام كفا لفساد مسد لقوله تعالى: " وآخرين مقرنين في الأصفاد "، وما يراه أبو حنيفة في قطاع الطريق، فإنه يحبسهم حتى يتوبوا.
فأما الحبس على الدين فمن الأمور المحدثة، وأول من حبس فيه شريح القاضي وقضت السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان: أنه لا يحبس على الدين، ولكن يتلازم الخصمان, فأما الحبس الذي هو الآن فإني لا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين. وذلك أنه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء والصلاة، ويتأذون بذلك بحره وبرده. فهذا كله محدث. ولقد حرصت مرارا على فكه، فحال دونه ما قد اعتاده الناس منه، وأنا في إزالته حريص والله الموفق.
المصدر : [ذيل طبقات الحنابلة 2/ 162]
قلت -رحم الله والدي-:
مما ألف في المسألة كتاب: فقه السجون والمعتقلات للدكتور محمد عبد الهادي, وضوابط الحبس وآثاره في الشريعة الإسلامية لهشام عبد القادر آل عقدة, وحكم الحبس في الشريعة الإسلامية لمحمد بن عبدالله الأحمد طبع في مكتبة الرشد , وأحكام السجناء وحقوقهم في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة لمحمد راشد العمر ، طبع في دار النوادر دمشق, وأحكام السجن ومعاملة السجناء فى الشريعة الإسلامية لحسن أبو غدة/ رابط تحميله
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
86- دعابة محدث
أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَسَنٍ الْخَزْرَجِيُّ الْبَلَنْسِيُّ
أَبُو بَكْرٍ هَذَا مِنْ أَعْيَانِ بَلْدَةِ بَلَنْسِيَةَ مِنْ مُدُنِ الْأَنْدَلُسِ وَمِنْ كِبَارِ كُتَّابِهَا وَتُنَّاءِهَا, قَدِمَ عَلَيْنَا الْإِسْكَنْدَرِ يَّةَ حَاجًّا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة, وَسَمِعَ عَلَيَّ كَثِيرًا وَكتب, وَكَانَ حسن الْخط جيدا الضَّبْطِ, دَيِّنًا وَرِعًا وَمَعَ دِيَانَتِهِ وَسَمْتِهِ كَانَ طَيِّبَ الْخُلُقِ, كَثِيرَ الْمُدَاعَبَةِ
- سَمِعْتُهُ يَقُولُ عَلَى رَأْسِ السُّفْرَةِ وَنَحْنُ نَأْكُلُ:
قَالَ حَكِيمٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ: يَكْفِيكَ مِنَ الْفُجُلِ الْوَرَقُ, وَمِنْ لَحْمِ الْبَقَرِ الْمَرَقُ
- وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ:
دُعِيَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ إِلَى دَعْوَةٍ, وَقُدِّمَتْ إِلَيْهِ قَصْعَةٌ فِيهَا عَظْمٌ كَثِيرٌ وَلَحْمٌ قَلِيلٌ, فَقَلَبَ الْعِظَامَ وَقَالَ: يَا وُجُوهَ الْعَرِبِ, طَبَخْتُمْ قِدْرَكُمْ بِالشِّطْرَنْجِ
- وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
تَزَوَّجَ أَحَدُ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ بِبَغْدَادَ, فَلَمَّا بَنَى بِهَا وَحَضَرَ عِنْدَهُ, سَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ, وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ ؟, قَالَ: فِيهَا مِنَ الْجَنَّةِ خَصْلَتَانِ: الْبَرَدُ, وَالسِّعَةُ, فَضَحِكَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
المصدر: [معجم السفر 1 /42 ]
قلت – رحم الله والدي -:
معجم السفر للحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السِّلَفي/ت 576 هـ , كتاب ذو فوائد , طبع في دار الفكر يروت 1414ـ تحقيق عبد الله البارودي / رابط المطبوع / و رابط المخطوط
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
87- أهل العلم وعلم المنطق
[ قال أبو حيان الأندلسي ] :
لما حَللتُ بديار مصر, ورأيت كثيرا من أهلها يشتغلون بجهالات الفلاسفة ظاهرا من غير أن ينكر ذلك أحد تعجبت من ذلك، إذ كنا نشأنا في جزيرة الأندلس على التبرؤ من ذلك, والإنكار له، وأنه إذا بيع كتاب في المنطق إنما يباع خفية، وأنه لا يتجاسر أن ينطق بلفظ المنطق، إنما يسمونه المفعل، حتى أن صاحبنا وزير الملك ابن الأحمر أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الحكيم كتب إلينا كتابا من الأندلس يسألني أن أشتري أو أستنسخ كتابا لبعض شيوخنا في المنطق، فلم يتجاسر أن ينطق بالمنطق وهو وزير، فسماه في كتابه لي بالمفعل.
المصدر: [ البحر المحيط في التفسير 6 / 47]
قلت- رحم الله والدي -:
للعلامة الحافظ ابن الصلاح رحمه الله فتوى شهيرة في حكم المنطق, وهي ضمن فتاويه 1 /209 ,ونصها : مَسْأَلَة: فِيمَن يشْتَغل بالْمَنْطق والفلسفة تَعْلِيما وتعلما وَهل الْمنطق جملَة وتفصيلا مِمَّا أَبَاحَ الشَّارِع تَعْلِيمه وتعلمه وَالصَّحَابَة والتابعون وَالْأَئِمَّة المجتهدون وَالسَّلَف الصالحون, ذكرُوا ذَلِك أَو أباحوا الِاشْتِغَال بِهِ, أَو سوغوا الِاشْتِغَال بِهِ, أم لَا , وَهل يجوز أَن يسْتَعْمل فِي إِثْبَات الْأَحْكَام الشَّرِيعَة الاصطلاحات المنطقية أم لَا , وَهل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مفتقرة إِلَى ذَلِك فِي إِثْبَاتهَا أم لَا , وَمَا الْوَاجِب على من تلبس بتعليمه وتعلمه متظاهرا بِهِ , مَا الَّذِي يجب على سُلْطَان الْوَقْت فِي أمره , وَإِذا وجد فِي بعض الْبِلَاد شخص من أهل الفلسفة مَعْرُوفا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فِيهَا وَهُوَ مدرس فِي مدرسة من مدارس الْعلم فَهَل يجب على سُلْطَان تِلْكَ الْبِلَاد عَزله , وكفاية النَّاس شَره ؟
أجَاب رَضِي الله عَنهُ :
الفلسفة رَأس السَّفه والانحلال, ومادة الْحيرَة والضلال, ومثار الزيغ والزندقة, وَمن تفلسف عميت بصيرته عَن محَاسِن الشَّرِيعَة المؤيدة بالحجج الظَّاهِرَة والبراهين الباهرة, وَمن تلبس بهَا تَعْلِيما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان, واستحوذ عَلَيْهِ الشَّيْطَان, وَأي فن أخزى من فن يعمي صَاحبه أظلم قلبه عَن نبوة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم, كلما ذكره ذَاكر وَكلما غفل عَن ذكره غافل, مَعَ انتشار آيَاته المستبينة ومعجزاته المستنيرة, حَتَّى لقد انتدب بعض الْعلمَاء لاستقصائها فَجمع مِنْهَا ألف معْجزَة, وعددناه مقصرا إِذا فَوق ذَلِك بأضعاف لَا تحصى فَإِنَّهَا لَيست محصورة على مَا وجد مِنْهَا فِي عصره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم, بل لم تزل تتجدد بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على تعاقب العصور, وَذَلِكَ أَن كرامات الْأَوْلِيَاء من أمته وإجابات المتوسلين بِهِ فِي حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم بِهِ فِي شدائدهم براهين لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قواطع, ومعجزات لَهُ سواطع, وَلَا يعدها عد وَلَا يحصرها حد, أعاذنا الله من الزيغ عَن مِلَّته, وَجَعَلنَا من المهتدين الهادين بهديه وسنته, وَأما الْمنطق فَهُوَ مدْخل الفلسفة, ومدخل الشَّرّ شَرّ, وَلَيْسَ الِاشْتِغَال بتعليمه وتعلمه مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّارِع وَلَا استباحه أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وَالسَّلَف الصَّالِحين وَسَائِر من يَقْتَدِي بِهِ من أَعْلَام الْأَئِمَّة وسادتها وأركان الْأمة وقادتها قد برأَ الله الْجَمِيع من مغرة ذَلِك وأدناسه وطهرهم من أوضاره, وَأما اسْتِعْمَال الاصطلاحات المنطقية فِي مبَاحث الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَمن الْمُنْكَرَات المستبشعة, والرقاعات المستحدثة, وَلَيْسَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة, وَالْحَمْد الله فالافتقار إِلَى الْمنطق أصلا, وَمَا يزعمه المنطقي للمنطق من أَمر الْحَد والبرهان فقعاقع قد أغْنى الله عَنْهَا بِالطَّرِيقِ الأقوم, والسبيل الأسلم الأطهر كل صَحِيح الذِّهْن, لَا سِيمَا من خدم نظريات الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة, وَلَقَد تمت الشَّرِيعَة وعلومها, وخاض فِي بحار الْحَقَائِق والدقائق علماؤها, حَيْثُ لَا منطق وَلَا فلسفة وَلَا فلاسفة, وَمن زعم أَنه يشْتَغل مَعَ نَفسه بالْمَنْطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشَّيْطَان, ومكر بِهِ, فَالْوَاجِب على السُّلْطَان أعزه الله وأعز بِهِ الْإِسْلَام وَأَهله أَن يدْفع عَن المسملين شَرّ هَؤُلَاءِ المشائيم, ويخرجهم من الْمدَارِس, ويبعدهم, ويعاقب على الِاشْتِغَال بفنهم, ويعرض من ظهر مِنْهُ اعْتِقَاد عقائد الفلاسفة على السَّيْف أَو الاسلام, لتخمد نارهم, وتنمحي آثارها وآثارهم, يسر الله ذَلِك وعجله, وَمن أوجب هَذَا الْوَاجِب عزل من كَانَ مدرس مدرسة من أهل الفلسفة والتصنيف فِيهَا والإقراء لَهَا, ثمَّ سجنه وألزامه منزله, وَمن زعم أَنه غير مُعْتَقد لعقائدهم فَإِن حَاله يكذبهُ, وَالطَّرِيق فِي قلع الشَّرّ قلع أُصُوله, وانتصاب مثله مدرسا من العظائم جملَة, وَالله تبَارك وَتَعَالَى ولي التَّوْفِيق والعصمة وَهُوَ أعلم
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب الرد على المنطقيين أو نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان/ رابط تحميله, واختصره العلامة جلال الدين السيوطي في كتابه: جهد القريحة في تجريد النصيحة / رابط تحميله, وله أيضا كتاب : صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام, طبع , وكذا كتاب: القول المشرق في تحريم المنطق / رابط تحميله
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
88- كتاب مناقب وأخبار الشيخ القدوة عبد القادر الجيلاني رحمه الله
[ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ]:
قد جمع المقرىء أبو الحسن الشطنوفي المصري، في أخبار الشيخ عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات، وكتب فيها الطَّمَ والرَّمَ، وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع, وقد رأيت بعض هذا الكتاب، ولا يطيب على قلبي أن أعتمد على شيء مما فيه، فأنقل منه إلا ما كان مشهورا معروفا من غير هذا الكتاب، وذلك لكثرة ما فيه من الرواية عن المجهولين، وفيه من الشطح، والطامات، والدعاوى. والكلام الباطل، ما لا يحصى ولا يليق نسبة مثل ذلك إلى الشيخ عبد القادر رحمه الله, ثم وجدت الكمال جعفر الأدفوي قد ذكر: أن الشطنوفي نفسه كان متهما فيما يحكيه في هذا الكتاب بعينه.
المصدر : [ ذيل طبقات الحنابلة 2 /194]
قلت - رحم الله والدي -:
الكتاب المذكور هو : بهجة الأسرار ومعادن الأنوار, رواه ابن خير الإشبيلي في فهرسته [695] قال: كتاب الأنوار وبهجة الأسرار في أخبار الصالحين لابن جهضم أربعون جزءا, حدثني به أبو بحر سفيان بن العاصي الأسدي عن أبي عبد الله محمد بن سعدون قال حدثنا به أبو الحسن علي بن بندار عن مؤلفه.اهـ
قال في كشف الظنون 1 /256: ألفه لما سئل عن قول شيخه السيد عبد القادر قدس سره : قدمي هذه على رقبة كل ولي؟, فجمع ما وقع له مرفوع الأسانيد، وفصل بذكر الأعيان: المشايخ، وأفعالهم، وأقوالهم
وقال أيضا: قال الشيخ عمر بن عبد الوهاب العرضي، الحلبي، في ظهر نسخة من نسخ البهجة : ذكر ابن الوردي في تاريخه: أن في البهجة أمورا لا تصح، ومبالغات في شأن الشيخ عبد القادر، لا تليق إلا بالربوبية.انتهى, وبمثل هذه المقالة، قيل عن الشهاب ابن حجر العسقلاني.اهـ
ومؤلفه ابن جهضم قال فيه الذهبي في ميزانه [5879] : علي بن عبد الله ابن جهضم الزاهد أبو الحسن شيخ الصوفية بحرم مكة ومصنف كتاب [ بهجة الأسرار ] متهم بوضع الحديث روى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان وأحمد بن عثمان الآدمي والخلدي وطبقتهم , قال ابن خيرون: تكلم فيه, قال: وقيل أنه كان يكذب, وقال غيره: اتهموه بوضع صلاة الرغائب, توفي سنة أربع عشرة وأربع مائة. انتهى
وقال في تاريخ الإسلام 9 /239: ولقد أتى بمصائب يشهد القلب ببُطلانها في كتاب: بهجة الأسرار .اهـ
وقال في ترجمة المحاسبي [1606]: وأين مثل الحارث، فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب، وأين مثل القوت!؟, كيف لو رأى بهجة الاسرار لابن جهضم، وحقائق التفسير للسلمى لطار لبه.اهـ
وقد طبع هذا الكتاب طبعة أولى بمطبعة الدولة التونسية تونس سنة 1302 هـ, وبهامشه فتوح الغيب للسيد عبد القادر الجيلاني, ثم طبع ثانيا بمصر سنة 1301 وسنة 1304هـ, وبهامشه رياض البساتين في أخبار الشيخ عبد القادر الحلبي محيي الدين تأليف محمد الامين الكيلاني, وللكتاب مختصر لمجهول اسمه: [ مُهْجَة البهجة ومَحَجَّة اللهجة ], قال فيه: انتخبتها من بهجة الاسرار بعد أن حذفت الأسانيد وهذبتها وأضفت اليها إضافات ملتقطة من بعض الكتب المعتبرة. / وهذا رابط تحميله
توضيح وبيان: الطم والرم: قال في تهذيب اللغة 13 /209: قال أبو عبيد: الطم: الرطب، والرم: اليابس, وقيل: الطم: البحر. والرم: الثرى. والطم بالفتح هو البحر، فكسرت الطاء ليزدوج مع الرم, وقال أيضا: 15 /141: ومن كلامهم السائر: جاء فلان بالطم والرم, معناه: جاء بكل شيء مما يكون في البر والبحر. أراد بالطم: البحر، والأصل فيه الطم بفتح الطاء، فكسرت الطاء لمعاقبته الرم، والرم: ما في البر من النبات وغيره. اهـ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
89- شطح الجيلاني
[ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله ]:
الحكاية المعروفة عن الشيخ عبد القادر أنه قال: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله، فقد ساقها هذا المصنف عنه من طرق متعددة.
وأحسن ما قيل في هذا الكلام: ما ذكره الشيخ أبو حفص السهروردي في عوارفه: أنه من شطحات الشيخ التي لا يقتدي بهم فيها، ولا يقدح في مقاماتهم ومنازلهم، فكل أحد يؤخذ عليه من كلامه ويترك، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
ومن ساق الشيوخ المتأخرين مساق الصدر الأول، وطالبهم بطرائقهم، وأراد منهم ما كان عليه الحسن البصري وأصحابه مثلا من العلم العظيم، والعمل العظيم، والورع العظيم، والزهد العظيم، مع كمال الخوف والخشية، وإظهار الذل والحزن، والانكسار والازدراء على النفس، وكتمان الأحوال والمعارف، والمحبة والشوق ونحو ذلك - فلا ريب أنه يزدري المتأخرين، ويمقتهم، ويهضم حقوقهم. فالأولى تنزيل الناس منازلهم، وتوفيتهم حقوقهم، ومعرفة مقاديرهم، وإقامة معاذيرهم. وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
ولما كان الشيخ أبو الفرج بن الجوزي عظيم الخبرة بأحوال السلف، والصدر الأول، قَلَّ من كان في زمانه يساويه في معرفة ذلك. وكان له أيضا حظ من ذوق أحوالهم، وقسط من مشاركتهم في معارفهم. كان لا يعذر المشايخ المتأخرين في طرائقهم المخالفة لطرائق المتقدمين، ويشتد إنكاره عليهم.
وقد قيل: إنه صنف كتابا، ينقم فيه على الشيخ عبد القادر أشياء كثيرة، ولكن قد قَلَّ في هذا الزمان من له الخبرة التامة بأحوال الصدر الأول، والتمييز بين صحيح ما يذكر عنهم من سقيمه, فأما من له مُشاركة لهم في أذواقهم، فهو نادر النادر, وإنما يلهج أهل هذا الزمان بأحوال المتأخرين، ولا يُميزون بين ما يصح عنهم من ذلك من غيره، فصاروا يخبِطون خَبطَ عشواء في ظلماء, والله المستعان.
وللشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى كلام حسن في التوحيد، والصفات والقدر، وفي علوم المعرفة موافق للسنة, وله كتاب: " الغنية لطالبي طريق الحق " وهو معروف، وله كتاب " فتوح الغيب ", وجمع أصحابه من مجالسه في الوعظ كثيرا, وكان متمسكا في مسائل الصفات، والقدر، ونحوهما بالسنة، بالغا في الرد على من خالفها.
قال في كتابه " الغنية " المشهور: وهو بجهة العلو, مستو على العرش، محتو على الملك محيط علمه بالأشياء " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه "[ فاطر: 10]، " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " [السجدة: 15], ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال " الرحمن على العرش استوى " [طه: 5]، وذكر آيات وأحاديث، إلى أن قال: وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش.
قال: وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، بلا كيف. وذكر كلاما طويلا، وذكر نحو هذا في سائر الصفات.
المصدر: [ذيل طبقات الحنابلة 2/ 197]
قلت - رحم الله والدي -:
قال ابن كثير في تاريخه في ترجمة الجيلاني 12 /252 : له أحوال صالحة ومكاشفات، ولأتباعه وأصحابه فيه مقالات، ويذكرون عنه أقوالا وأفعالا ومكاشفات أكثرها مغالاة، وقد كان صالحا ورعا، وقد صنف كتاب الغنية وفتوح الغيب، وفيهما أشياء حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفة وموضوعة، وبالجملة كان من سادات المشايخ,اهـ / رابط تحميل الغنية
وله أيضا كتاب: تحفة المتقين وسبيل العارفين, نقل منه العلامة ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية 2 /276 نصا نادرا في إثبات صفة العلو , قال: قول الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني, قدس الله روحه قال في كتابه: " تحفة المتقين وسبيل العارفين " في باب اختلاف المذاهب في صفات الله عز وجل وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} [آل عمران: 7]
إلى أن قال: والله تعالى بذاته على العرش, وعلمه محيط بكل مكان, والوقف عند أهل الحق على قوله: {إلا الله} [آل عمران: 7] , وقد روي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته فوق العرش, ويعلم ما في السماوات والأرض, إلى أن قال: ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5], وابتدءوا بقوله: {استوى له ما في السماوات وما في الأرض} [طه: 5], يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه, وهذا خطأ منهم؛ لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته.اهـ
توضيح وبيان: السهروردي: الشيخ، الإمام، العالم، القدوة، الزاهد، العارف، المحدث، شيخ الإسلام، أوحد الصوفية، شهاب الدين، أبو حفص، وأبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله القرشي، التيمي، البكري، السهروردي، الصوفي، ثم البغدادي[ت 632 هـ ], قال ابن النجار:... صنف في التصوف كتابا، شرح فيه أحوال القوم، وحدث به مرارا يعني عوارف المعارف, قال: وأملى في آخر عمره كتابا في الرد على الفلاسفة, انتهى من السير 22 /374
كتابه في الرد على الفلاسفة سماه: كشف الفضائح اليونانية ورشف النصائح الإيمانية, طبع في دار السلام 1420 تحقيق د. عائشة يوسف المناعي / تحميل الكتاب
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
90- تكذيب المعتزلة بالحديث الصحيح
[ قال الحافظ عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي رحمه الله /ت 661هـ ]:
لقد عجبتُ من جُرْأة المعطلين على هذه الشريعة، وتسميتهم المتمسكين بها أهل حشو، فتراهم يبادرون إلى تكذيب الأخبار النبوية، المنقولة على ألسنة العلماء الثقات الأثبات، بناء على خيالات فاسدة، يتوهمونها، لكن شؤم البدعة سلبهم وصف التوفيق، فحال بينهم وبين التصديق والتحقيق، وعَمِيَتْ عليهم مسالك الهدى، فتورَّطوا في مهالك الردى. هذا صاحب الكشّاف الزّمخشري يقول في تفسيره : وما روي من الحديث: "ما من مولود..."، ثم ساق الحديث إلى آخره، ثم قال: إن صَحَّ، فمعناه: أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه، إلا مريم وابنها، واستهلاله صارخاً من مَسِّهِ تخييل وتصويرلِطَمَعِه ِ فيه. وأما حقيقة المس والنخس كما يَتَوَهَّمُ أهل الحشو فكلا، ولو سُلِّط إبليس على الناس بنخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً وعياطاً.
قلت: ولست أعجب من قوله عن حديث اتفق أئمة الإسلام على تصحيحه وتدوينه، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحيهما: "إن صَحَّ"؛ لأن الرجل كان جاهلاً بهذا العلم الجليل، ولكن من صفاقة وجهه في رد الحديث على تقدير التصحيح، والتمحل لتعطيل اللفظ الصريح، مع أنه لا منافاة في ذلك بين النقل والعقل، لأن العقل لا يحيل ذلك لذاته، ولا يلزم منه محال على تقدير إثباته.
وأما قوله: "لو سُلِّط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً وعياطاً"، فكلام يُشمِتُ به أعداءه، لا، بل يحزنهم عليه، فما أحقه بإنشاد قول الشاعر:
أغرى يديه بكشف عورته ... ... من أذن الله في فضيحته
لأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر بتسليط الشيطان على الإنسان بالنخس إلا حالة الولادة، فكيف يتوجه منه هذا الإلحاد؟ ومن أين يلزم أن تمتلئ الدنيا صراخاً وعياطاً؟
ولعله إذا استقرئ البلد العظيم، وتصفح مَن ولد فيه في يوم، لا يبلغ عدداً يوجب أضعاف أضعافه بعض ما توهمه، من امتلاء الدنيا صراخاً.
فسبحان من حفظ هذا الدين بحملةٍ عدول، يَنْفُون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. اللَّهم فاحفظنا من ضلالات الأهواء، وعافنا من خيالات الآراء.
المصدر : [ رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز 1/ 159]
قلت – رحم الله والدي -:
ما أشد ولع القدرية -أقمأهم الله- برد هذا الحديث الشريف الصحيح, سنة ورثوها عن أكابرهم وسلفهم غير الطاهر, فأول من حكي عنه رده منهم كبيرهم الذي سن لهم الضلالة والبدعة: عمرو بن عبيد أبو عثمان البصري, فقذ ذكر الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه 10 / 79: روي له حديث ابن مسعود: حدثنا الصادق المصدوق «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما» حتى قال: «فيؤمر بأربع كلمات. رزقه وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد» إلى آخره. فقال: لو سمعت الأعمش يرويه لكذبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما أحببته، ولو سمعته من ابن مسعود لما قبلته، ولو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت ما على هذا أخذت علينا الميثاق.
[ قال ابن كثير ]: وهذا من أقبح الكفر، لعنه الله إن كان قال هذا. وإذا كان مكذوبا عليه فعلى من كذبه عليه ما يستحقه. اهـ, وخبر ابن عبيد أسنده عنه الخطيب في تاريخه 12/ 172, وعنه ابن الجوزي في المنتظم في 8 /61
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
91- تعيين ليلة القدر
ذكر الوزير في كتابه " الإفصاح " قال:
الصحيح عندي: أن ليلة القدر تنتقل في أفراد العشر، فإنه حدثني من أثق به أنه رآها في ليلة سبع وعشرين. وحدثني أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله: أنه رآها. فأما أنا فكنت في ليلة إحدى وعشرين وكانت ليلة جمعة، فواصلت انتظارها بذكر الله عز وجل، ولم أنم تلك الليلة. فلما كان وقت السحر - وأنا قائم على قدمي - رأيت في السماء بابا مفتوحا مربعا عن يمين القبلة، قدرت أنه على حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقي على حاله - وأنا أنظر إليه - نحو قراءة مائة آية، ولم يزل، حتى التفت عن يساري إلى المشرق لأنظر هل طلع الفجر؟ فرأيت أول الفجر. فالتفت إلى ذلك الباب فرأيته قد ذهب. وكان ذلك مما صدق عندي ما رأيت. فالظاهر من ذلك: تنقلها في ليالي الأفراد في العشر. فإذا اتفقت ليالي الجمع في الأفراد فأجدر وأخلق بكونها فيها.
[قال ابن رجب ]: وكتاب " الإفصاح " فيه فوائد جليلة غريبة
المصدر : [ ذيل طبقات الحنابلة 2/ 161 ]
قلت – رحم الله والدي - :
مما ألف في فضل تلك الليلة المباركة من الكتب والرسائل:
1- شرح الصدر بذكر ليلة القدر فضائل وعلامات ليلة القدر للحافظ ولي الدين أبي زرعة أحمد بن الحافظ عبد الرحيم العراقي /ت 820 هـ , وهو مطبوع / رابط تحميله
2- إسفار البدر عن ليلة القدر لعبد الرؤوف المناوي المصري الشافعي, ذكره في إيضاح المكنون 3 /79
3- انشراح الصدر في بيان ليلة القدر لمحمد بن محمد السنباوي الأزهري، المعروف بالأمير المالكي/ت 1232 هـ, طبع
4- شرح الصدر بفضائل ليلة القدر لاسماعيل حقي المناستري، الرومي/ت 1330 هـ, ذكره في معجم المؤلفين 2 /266
5- شفاء الصدر ببيان ليلة القدر لحنيف الدين بن عبد الرحمن العمري الحنفي، المكي/ت1067 هـ, ذكره في معجم المؤلفين 4 / 87
6- شرح الصدر بفضائل ليلة القدر لإبراهيم بن على بن الحسن المصرى المعروف بالسقا /ت 1298هـ, ذكره في إيضاح المكنون
7- مطلع البدر في فضل ليلة القدر لنوح بن مصطفى الرومي/ت 1070 هـ , ذكره في إيضاح المكنون 4 / 500
8- سطوع البدر بفضائل ليلة القدر لإبراهيم بن عبد الله موسى الحازمي, معاصر, وهو مطبوع / رابط تحميله
ولشيخ الإسلام وعلم الأعلام أبي العباس ابن تيمية النميري الدمشقي رحمه الله جواب مختصر عنها, وهو في مجموع الفتاوى 25 / 284, ونصه: سئل رضي الله عنه وأرضاه - عن ليلة القدر وهو معتقل بالقلعة قلعة الجبل سنة ست وسبعمائة.
فأجاب: الحمد لله، ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {هي في العشر الأواخر من رمضان} . وتكون في الوتر منها. لكن الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين. ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " {لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى} . فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع. وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى. وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح. وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر. وإن كان الشهر تسعا وعشرين كان التاريخ بالباقي. كالتاريخ الماضي. وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " {تحروها في العشر الأواخر} وتكون في السبع الأواخر أكثر. وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين كما كان أبي بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين. فقيل له: بأي شيء علمت ذلك؟ فقال بالآية التي أخبرنا رسول الله. " {أخبرنا أن الشمس تطلع صبحة صبيحتها كالطشت لا شعاع لها} . فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر العلامات في الحديث وقد روي في علاماتها " {أنها ليلة بلجة منيرة} وهي ساكنة لا قوية الحر ولا قوية البرد وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة. فيرى أنوارها أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر. والله تعالى أعلم.
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
92- يمين مكفرة
[قال الحافظ السِلفي]:
سَمِعت الْقَاضِيَ أَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْحَنَفِيَّ أَحَدَ الْخُطَبَاءِ بِثَغْرِ آمِدَ قَالَ سَمِعت الْقَاضِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّامَغَانِيَ ّ ببَغْدَادَ قَالَ سَمِعت أَبَا الْحُسَيْنِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْقُدُورِيَّ قَالَ:
كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَقْرَأُ عَلَى الْمُزَنِيِّ, فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: وَاللَّهِ لَا أَفْلَحْتَ, فَغَضِبَ وَانْفَلَّ مِنْ عِنْدِهِ, وَتَفَقَّهَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ, فَصَارَ إِمَامًا , فَكَانَ إِذَا دَرَسَ أَوْ جَابَ فِي الْمُشْكِلَاتِ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ, لَوْ كَانَ حَيًّا وَرَآنِي كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ
المصدر : [معجم السفر 1 / 16]
قلت - رحم الله والدي -:
الإمام المزني هو خال الطحاوي رحمهما الله, وقد ذكر اللكنوي الحنفي في الطبقات السنية في تراجم الحنفية 1/ 137, الحكاية بلفظ آخر, ولم يرتضها, وذكر سببا أخر لانتقاله عن مذهبه الأول, فقال: رُوى أنه كان شافعي المذهب، وأنه كان يقرأ على المزني، فقال له يوماً: والله لا جاء منك شيء, فغضب أبو جعفر من ذلك، وانتقل إلى أبي جعفر بن أبي عمران الحنفي، فاشتغل عليه، وعلى القاضي أبي حازم, فلما صنف " مختصره "، قال: رحم الله أبا إبراهيم، يعني الُمزني، لو كان حياً لكفر عن يمينه.
وذكر أبو يعلى الحنبلي [كذا في المطبوع وصوابه الخليلي]، في كتاب الإرشاد في ترجمة المُزني [1 /431 ]: فقال: لأني كنت أرى خالي يديم النظر في كتب أبي حنيفة، فلذلك انتقلت إليه. انتهى,
قلتُ [ اللكنوي ]: هذا هو الأليق بشأن هذا الإمام، والأحرى به، وأنه لم ينتقل من مذهب إلى مذهب بمجرد الغضب، وهوى النفس، لأجل كلمة صدرت من أستاذه وخاله، في زمن الطلب والتعلم، بل لما استدل به على ترجيح مذهب الإمام الأعظم، وتقدمه في صحة النقل، وإيضاح المعاني بالأدلة القوية، وحسن الاستنباط، من كون خاله المزني مع جلالة قدره، ووفور علمه، وغزير فهمه، كان يديم النظر في كتب أبي حنيفة، ويتعلم من طريقته، ويمشي على سننه في استخراج الدقائق من أماكنها، والجواهر من معادنها، نفعنا الله ببركة علومهم أجمعين. اهـ
قلت [ أبو يعلى ]: ولا دليل أدل وأظهر على إمامة الطحاوي في الفقه والحديث من كتابيه العظيمين: شرح معاني الآثار, و مشكل الآثار
فالكتاب الأول: خدمه الحافظ بدر الدين العيني بكتابين, الأول: نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار, طبع في19 مجلدا / تحميل الكتاب
والثاني: مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار, طبع في مكتبة الباز مكة 1997 في 3 مجلدات / تحميل الكتاب مخطوطا / و مطبوعا
والكتاب الثاني: اختصره القاضي أبو الوليد ابن رشد القرطبي المعروف بالجد/ت 520 هـ, ثم اختصر المختصر أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن موسى المَلَطي الحنفي/ت 803هـ , في المختصر المعتصر من المختصر من مشكل الآثار طبع في عالم الكتب بيروت 1997, في مجلدين / تحميل الكتاب
ورتب بعضهم أحاديثه في: تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار / تحميل الكتاب
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
93- دعوة مستجابة وهمة عالية
محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأصبهاني الجورتاني بن الحمامي, العابد الأديب، مصلح الدين أبو عبد الله, من أهل أصبهان وجورتان من قراها [ ت 590 هـ ]
سمعت أبا عبد الله الخليلي بأصبهان يقول: كان جدي لأمي محمد بن أحمد الحنبلي المعروف بالمصلح قبل عقد الثمانين من عمره يختم القرآن في يومين, فلما جاوز الثمانين كان يختم كل يوم القرآن , وكانت قراءته بالليل قراءة تذكر وتفكر.
قال أبو عبد الله: وسمعت محمد بن محمد الخبازي المديني جارنا - وكان من أهل الخير والصلاح، تلاء للقرآن، ملازما للمسجد في أكثر أوقاته، لم تكن تفوته صلاة الجماعة إلا نادرا يقول -:
لما بلغ مصلح الدين عقد الثمانين قال: أسأل الله أن يمهلني إلى التسعين، وأن يوفقني كل يوم لختمة، فاستجيبت دعوته، فكان يختم كل يوم ختمة.
المصدر : [ ذيل طبقات الحنابلة 2 /404 ]
قلت - رحم الله والدي -:
سبحان الله ما أعظم هؤلاء الناس, وهِمَمُهُم أعظم, شيخ في الثمانين !, ويختم كل يومين !!, ويتمنى المزيد ويوفق!!! , وشبابنا يعانون ختمة في الشهر, والأمر مع ذلك في نقصان مع تقدم السن وضعف القوة, وكثرة الصوارف والفتن, فاللهم لطفك وسترك فيما بقي من العمر, وأحسن اللهم خاتمتنا وقدومنا عليك, آمين
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
94- من غلط المحدثين
عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي، فالياء مُشَدّدَة، وَهُوَ من القارة، وَله ولدان يذكران فِي الحَدِيث بذلك النّسَب، إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد، وَرُبمَا نسبه بعض قرأة الحَدِيث إِلَى الْقِرَاءَة فَلم يشدد الْيَاء، وَذَلِكَ غلط.
المصدر : [ كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ 79]
قلت - رحم الله والدي - :
قال الحافظ أبو بكر محمَّد بن أبي عثمان بن موسى الحازمي /ت584هـ في عجالة المبتدي وفضالة المنتهي في النسب: القَارِي: منسوب إلى القَارة, وهو أَيْثَع ويقال يَيْثَع بن مُلَيْح بن الْهُون بن خُزَيمَة بن مُدْرِكَة بن إلياس بن مُضَر، قاله أبو عبيد مَعْمر بن المُثنَى. وقال غيره: هو الدِّيشُ بن مُحَلِّم بن غالب بن عائِذَة بن يَيْثَع بن مُلَيح، وإنما سُمُّوا القَارة لأن يَعْمُر بن الشدَّاح أراد أن يُفَرقهم في بطون كنانة فقال رجل منهم:
دَعُونا قَارةً لا تَنْفِرونا ... فَنُجْفِلَ مثلَ إِجْفال الظَّلِيم
وهم بالمدينة حُلَفاء بني زُهرَة، منهم عبد الرحمن بن بن عبدٍ القَارِي، وجماعة سواه,اهـ
وقال السمعاني في أنسابه 10 /294 : القَارىُ, بالقاف والراء المهملة المكسورة وتشديد الياء، هذه النسبة إلى بنى قارة، وهم بطن معروف من العرب، وقيل في المثل السائر « قد أنصف القارة من راماها » لصفتهم بالرمي والإصابة,اهـ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
95- من نوادر اللغة
[ قال ابن العديم في تاريخه : ]
قرأت في "جزء " وقع إليّ من أمالي أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، كتبت من إملائه وعليه خطه:
سأل سيف الدولة جماعة العلماء بحضرته ذات ليلة, فقال: هل تعرفون اسما ممدودا, وجمعه مقصور؟ , فقالو: لا، فقال ابن خالويه : ما تقول أنت؟ , قلت: أنا أعرف اسمين ممدودين وجمعها مقصور، قال: ما هما؟ , قلت: لا أقول لك ذلك إلا بألف درهم، ثم كتبت رقعة, فقلت: إنما لم أقلهما لأن لا تؤخذ بغير شكر، وهما صحراء وصحارى، عذراء وعذارى
فلما كان بعد شهر كتبت إليه إني قد أصبت حرفين آخرين, ذكرهما الجرمي في كتاب التنبيه، وهما صلفاء وصلافى, وهي الأرض الغليظة، وخبراء وخبارى, وهي أرض فيها ندوّة
فلما كان بعد عشرين سنة من هذا الحديث أمليت هذه الأحرف على أبي القاسم العقيقي -أيده الله- فلما مضى إلى دمشق كتبت إليه: إنه بإقبال الشريف ويمنه لما استغرب هذه الأحرف وجدت حرفا خامسا, ذكره ابن دريد في الجمهرة, وهو: سبتاء وسباتاء وهي الأرض الخشنة .
المصدر : [ بغية الطلب فى تاريخ حلب 2/ 634 ]
قلت -رحم الله والدي- :
كذا في المطبوع : [فقال ابن خالويه] , ولعل الصواب [فقال لابن خالويه] , فالسائل سيف الدولة والمسؤول ابن خالويه
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
96- قصيدتا الشاطبي وانتفاع الناس بهما
القاسم بن فِيره -بكسر الفاء بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ثم راء مشددة مضمومة بعدها هاء-, ومعناه بلغة عجم الأندلس: الحديد, ابن خلف بن أحمد أبو القاسم وأبو محمد الشاطبي الرعيني الضرير, ولي الله الإمام العلامة, أحد الأعلام الكبار والمشتهرين في الأقطار [ ت 590 هـ ]
[ قال ابن الجزري رحمه الله ]:
من وقف على قَصِيدَتَيْهِ علم مقدار ما آتاه الله في ذلك, خصوصًا اللامية, التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها, فإنه لا يعرف مقدارها إلا من نظم على منوالها, أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقها, ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول ما لا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن, بل أكاد أن أقول: ولا في غير هذا الفن, فإنني لا أحسب أن بلدا من بلاد الإسلام يخلو منه, بل لا أظن أن بيت طالب علم يخلو من نسخة به، ولقد تنافس الناس فيها, ورغبوا من اقتناء النسخ الصحاح بها إلى غاية, حتى إنه كانت عندي نسخة باللامية والرائية بخط الحجيج صاحب السخاوي مجلدة, فأعطيت بوزنها فضة فلم أقبل
ولقد بالغ الناس في التغالي فيها, وأخذ أقوالها مسلمة, واعتبار ألفاظها منطوقًا ومفهومًا, حتى خرجوا بذلك عن حد أن تكون لغير معصوم, وتجاوز بعض الحد فزعم أن ما فيها هو القراءات السبع, وأن ما عدا ذلك شاذ لا تجوز القراءة به
ومن أعجب ما اتفق للشاطبية في عصرنا هذا أن به من بينه وبين الشاطبي باتصال التلاوة والقراءة رجلين, مع أن للشاطبي يوم تبييض هذه الترجمة مائتي سنة, وهذا لا أعلم أنه اتفق في عصر من الأعصار للقراءات السبع, وإن كان اتفق في بعض القراءات وقتًا ما, وما ذلك إلا لشدة اعتناء الناس بها, ومن الجائز أن تبقى الشاطبية باتصال السماع بهذا السند إلى رأس الثمانمائة, فإن من أصحاب القاضي بدر الدين بن جماعة اليوم جماعة, ولا أعلم كتابًا حفظ وعرض في مجلس واحد وتسلسل بالعرض إلى مصنفه كذلك إلا هو.
المصدر : [ غاية النهاية في طبقات القراء (2 / 22]
قلت – رحم الله والدي -:
القصيدة الأولى هي: حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع رحم الله ناظمها, قال في كشف الظنون 1 /646 : أبياتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتاً, أبدع فيه كل الإبداع، فصار عمدة الفن, وله شروح كثيرة، أحسنها وأدقها شرح الشيخ برهان الدين: إبراهيم بن عمر الجعبري /ت 732، وهو شرح مفيد مشهور, سماه: كنز المعاني.اهـ
والقصيدة الثانية هي : عقيلة أتراب القصائد فى أسنى المقاصد, وهي رائية في رسم المصحف في 299 بيتا, رابط تحميلها, وأولها:
الحمدُ للهِ مَوْصُولاً كما أمـَرَا مباركاً طيباً يَسْـتَـنْـزِلُ الدِّرَرَا
وقال عنهما الحافظ الذهبي في معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار 1 /312: قد سارت الركبان بقصيدتيه، حرز الأماني, وعقيلة أتراب القصائد، اللتين في القراءات والرسم، وحفظهما خلق لا يحصون؛ وخضع لهما فحول الشعراء وكبار البلغاء، وحذاق القراء, ولقد أودع وأوجز, وسهل الصعب.اهـ,
توضيح وبيان: الحديد ترجمته بالإسبانية : [ hierro ]
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
97- كرامة إمام
[ قال ابن الجزري رحمه الله ]:
أخبرني بعض شيوخنا الثقات عن شيوخهم: أن الشاطبي كان يصلي الصبح بغلس بالفاضلية ثم يجلس للإقراء, فكان الناس يتسابقون السير إليه ليلًا , وكان إذا قعد لا يزيد على قوله: من جاء أولًا فليقرأ , ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق
فاتفق في بعض الأيام أن بعض أصحابه سَبَقَ أولًا, فلما استوى الشيخ قاعدًا قال: من جاء ثانيًا فليقرأ, فشرع الثاني في القراءة , وبقي الأول لا يدري حاله, وأخذ يتفكر ما وقع منه بعد مفارقة الشيخ من ذنب أوجب حِرمان الشيخ له, ففطن أنه أجنب تلك الليلة, ولشدة حرصه على النوبة نسي ذلك لما انتبه, فبادر إلى الشيخ, فأطلع الشيخ على ذلك, فأشار للثاني بالقراءة, ثم إن ذلك الرجل بادر إلى حمام جوار المدرسة فاغتسل به, ثم رجع قبل فراغ الثاني, والشيخ قاعد أعمى على حاله, فلما فرغ الثاني قال الشيخ: من جاء أولًا فليقرأ, فقرأ
وهذا من أحسن ما نعلمه وقع لشيوخ هذه الطائفة , بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا
المصدر : [ غاية النهاية في طبقات القراء 2 / 21 ]
قلت - رحم الله والدي- :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في جامع المسائل 1 /69 : أولياءُ الله المتقون لهم كراماتٌ يُكرِمُهم الله بها، فخواصُّ أولياء الله المتبعون لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون كراماتُهم إمّا لحجةٍ في الدين، أو لحاجةٍ للمسلمين، كما كانت معجزات الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذلك، فهم يتقرَّبون إلى الله بما يُكرِمُهم به من الخوارق، ويعبدون الله بها، ويزدادون بها قربًا إلى الله، لا يطلبون بها عُلوًّا في الأرض ولا فسادًا .اهـ, وقال في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 2 /344: الصالحون لهم كرامات مثل كرامات صالحي هذه الأمة ومثل كرامات الحواريين وغيرهم ممن كان على دين المسيح, لكن وجود الكرامات على أيدي الصالحين لا توجب أن يكونوا معصومين كالأنبياء، لكن يكون الرجل صالحا وليا لله وله كرامات, ومع هذا فقد يغلط ويخطئ فيما يظنه, أو فيما يسمعه ويرويه, أو فيما يراه, أو فيما يفهمه من الكتب, ولهذا كان كل من سوى الأنبياء يؤخذ من قولهم ويترك, بخلاف الأنبياء - صلوات الله عليهم - أجمعين، فإنه يجب تصديقهم في كل ما أخبروا به من الغيب، وطاعتهم في كل ما أمروا به, ولهذا أوجب الله الإيمان بما أوتوه, ولم يوجب الإيمان بجميع ما يأتي به غيرهم. اهـ, وقال في المسائل والأجوبة 1 /161: كرامات أولياء الله يكون سببها فعل ما أمر الله به ورسوله من الواجب والمستحب، ثم السابقون المقربون من الأولياء المتبعون يستعملونها فيما يقرب, إما حجة للدين، وإما حاجة للمسلمين، والمقتصدون يستعملونها في أمور مباحة، وأما استعمالها فيما حرم الله ورسوله كالظلم والعدوان فمحرم, وأما ما كان سببه بدعة كالأحوال التي تحصل لأهل السماع البدعي, فهي أمور شيطانية, يضل بها الشيطان أهل الجهل، ويغوي بها أهل الغي، وهذا وهذا يبطل بحقائق الإيمان كقراءة آية الكرسي وغيره مما يطرد الشيطان، والله أعلم
وقد ألف أهل السنة والجماعة في ثبوت كرامات أولياء الصالحين والعلماء العاملين المتبعين كتبا, منها:
1-كرامات الأولياء للحافظ أبي محمد الحسن بن محمد الخلال/ ت 439 هـ, وهو مطبوع, تحميل الكتاب: مخطوطا / مطبوعا
2- وكرامات أولياء الله عز وجل للحافظ أبي القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي الشافعي/ت 418 هـ, وهو مطبوع, تحميل الكتاب: مخطوطا / مطبوعا
3- وكرامات الأولياء لأبي عبد الله محمد بن زياد الكوفي، اللغوي/ت 231هـ, ذكره في كشف الظنون 2 /1452
4- كرامات الأولياء لمحمد بن السري, ذكره في صلة الخلف ص343
5- وإثبات كرامات الاولياء للعلامة أبي محمد عبد الله بن أبى زيد عبد الرحمن القيرواني المالكى/ت 386هـ
6- وكرامات الأولياء للحافظ أبي أحمد العسال محمد بن أحمد بن ابراهيم العبدى قاضى أصبهان/ت 349 هـ
7- وكرامات الاولياء والمطيعين من الصحابة والتابعين لعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله البكري الصقلى الصوفى المالكى /ت حدود سنة 380 هـ
8- المعجزات وتكثير الطعام والشراب لأبي محمد جعفر بن يوسف الفريابي, ذكره في ابن حجر في معجمه(203), وفي صلة الخلف ص402
9- ذكر من كانت له من الآيات من هذه الأمة ومن تكلم بعد الموت من أهل اليقين للحافظ أبي بكر أحمد بن سليمان النجّاد البغدادي الحنبلي/ت 348هـ , ذكره الألباني في فهرس الظاهرية (520)
10- وكرامات الصالحين ومعجزاتهم لأبي المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بالتصغير القرطبى المحدث المالكى قاضى الجماعة/ت 402 هـ , ذكره ابن بشكوال في (الصلة), وقال: ثلاثون جزءاً
11- وكتاب المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات والمتضرعين إليه سبحانه بالرغبات والدعوات وما يسر الله الكريم لهم من الإجابات و الكرامات للحافظ أبي القاسم ابن بشكوال الأندلسي, مطبوع / تحميل الكتاب
12- وكرامات الأولياء للحافظ أبي ذر الهروي/ت 434هـ, ذكره في سير أعلام النبلاء17/560
13- وكرامات الأولياء لأبي الفداء عبد الرقيب بن علي بن حسن الإبي اليمني,معاصر, طبع في دار الآثار صنعاء 1423هـ, وقد اهتم مؤلفه بتصحيح وتخريج الأحاديث فجزاه الله خيرا
توضيح وبيان: الفاضلية: قال النعيمي في الدارس في تاريخ المدارس 1 /67: دار الحديث الفاضلية بالكلاسة, كذا رأيته بخط الشيخ تقي الدين الأسدي, ورأيت في كتاب ابن شداد قال زكرياء: في الجامع من حلق الحديث ميعاد بالكلاسة للقاضي الفاضل انتهى, وقال أبو شامة في كلامه على وفاة صلاح الدين: إن تربته جوار المكان الذي زاده الفاضل في المسجد انتهى, قلت: والفاضل هو عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن الحسين بن أحمد ابن الفرج بن احمد القاضي محيي الدين, وقيل مجير الدين أبو علي ابن القاضي الأشرف ابي الحسن اللخمي البيساني العسقلاني المولد المصري المنشأ صاحب العبارة والفصاحة والبلاغة والبراعة ولد في جمادى الأولى سنة تسع بتقديم التاء وعشرين وخمسمائة.اهـ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
ذاكرة أعمى
أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء التنوخي المعري
[قال ابن العديم رحمه الله:] من أعجب ما بلغني من ذكائه ما حدثني به والدي رحمه الله قال:
بلغني أنه لما سافر أبو العلاء الى بغداد, وأقام بها المدة التي أقامها, اجتاز في طريقه وهو متوجه بشجرة، وهو راكب على جمل، فقيل له: طأطىء رأسك, لئلا تلحقك الشجرة، ففعل ذلك، فلما عاد من بغداد, ووصل الى ذلك الموضع، وكانت الشجرة قد قطعت، طأطأ رأسه, فقيل له في ذلك، فقال: هاهنا شجرة، فقال له: ما هاهنا شجرة، فقال: بلى، فحفروا في ذلك الموضع، والله أعلم.
المصدر : [بغية الطلب فى تاريخ حلب 2/ 876]
قلت - رحم الله والدي -:
قد حكيت هذه القصة أيضا عن الإمام المقرئ أبي القاسم الشاطبي الضرير رحمه الله, فقد ذكرها منسوبة إليه شهاب الدين القسطلاني في كتابه: الفتح المواهبي في مناقب الإمام الشاطبي :[ص 54 مختصره] قال:
حكي لي أنه لما كان بطريق مكة ذاهبا إليها, اجتاز بشجرة, فأخبره خادمه عند قربها, فطأطأ رأسه تحتها لئلا تصيبه، فلما حج وعاد لذلك الموضع, طأطأ رأسه تحت موضعها, كما فعل أولا من غير أن يعلمه أحـد بذلك, وكانت الشجرة قد قطعت قبل عوده, وإنه سئل عن سبب فعل ذلك فذكره, وأنه حفر ثم وجد أصل تلك الشجرة المذكورة
فالله أعلم بصحة نسبتها إلى أحدهما, وقد ساق ابن قتيبة الدينوري في كتابه: المعارف فصلاً في العميان والمكفوفين, وكذا الحافظ ابن الجوزيّ في: تلقيح فهوم أهل الأثر, فله فيه فصل في تسمية العميان الأشراف, وأفرد لهم الصلاح الصفدي كتابا سماه: نكث الهميان في نكت العميان, وهو مطبوع / تحميل الكتاب
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
99- هدايا لا تقسم
روى الخطيب بإسناده عن النقاش, أن محمد بن علي الصائغ أخبرهم قال: أخبرني يحيى بن معين قال:
كنت عند أبي يوسف، وعنده جماعة من أصحاب الحديث وغيرهم، فوافته هدية من أم جعفر احتوت على تخوت دبيقي، ومصمت، وشرب، وتماثيل ند، وغير ذلك، فذاكرني رجل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " من أتته هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه فيها "، فسمعه أبو يوسف, فقال: أَبِي تُعَرِّض؟ , إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " والهدايا: الأقط، والسمن، والزبيب "، ولم تكن الهدايا ما ترون، يا غلام، شِل إلى الخزائن.
المصدر : [طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 1/ 143]
قلت –رحم الله والدي-:
الحديث أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 133/ 2 عن يحيى بن سعيد الواسطي: أخبرنا يحيى بن العلاء عن طلحة بن عبيد الله عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره مرفوعاً, قال العلامة الالباني رحمه الله في الضعيفة [4532]: ضعيف
وأبو يوسف هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي, تلميذ أبي حنيفة, قال الذهبي: حدث عن ...أبي حنيفة ولزمه وتفقه به، وهو أنبل تلامذته، وأعلمهم / ت ـ182هـ, ترجمته في سير النبلاء 8 / 535
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
100- المفاضلة بين تعلم القرآن وتعلم الفقه
[ قال ابن الجوزي رحمه الله]: إِن قيل: فأيما أفضل: تعلم الْقُرْآن أَو تعلم الْفِقْه؟
فَالْجَوَاب: أَن تعلم اللَّازِم مِنْهُمَا فرض على الْأَعْيَان، وَتعلم جَمِيعهَا فرض على الْكِفَايَة، فَإِذا قَامَ بِهِ قوم سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ، فقد اسْتَويَا فِي الْفَرِيضَة فِي الْحَالَتَيْنِ. فَإِذا فَرضنَا الْكَلَام فِي التزيد مِنْهُمَا على قدر الْوَاجِب فِي حق الْأَعْيَان، فالتشاغل بالفقه أفضل، وَذَاكَ رَاجع إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان، لَا أَن الْفِقْه أفضل من الْقُرْآن، وَإِنَّمَا كَانَ الأقرأ فِي زمَان رَسُول الله هُوَ الأفقه، فَلذَلِك قدم الْقَارئ فِي الصَّلَاة.
[ كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ 170]
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
101- مخرج من ورطة
عُثْمَان بن مُحَمَّد السّلمِيّ قَالَ: حَدثنِي بلطون بن منجو أحد القواد قَالَ: حَدثنِي غُلَام لِابْنِ المزوق الْبَغْدَادِيّ قَالَ:
كَانَ مولَايَ مكرما لي، فَاشْترى جَارِيَة وزوجنيها، فأحببتها حبا شَدِيدا، وأبغضتني بغضا عَظِيما، وَكَانَت تنافرني دَائِما، وأحتمِلُها إِلَى أَن أضجرتني يَوْمًا، فَقلت لَهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بتاتا، لَا خاطبتيني بِشَيْء إِلَّا خاطبتك بِمثلِهِ، فقد أفسَدَك احتمالي لَك، فَقَالَت لي فِي الْحَال: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بتاتا، قَالَ: فأبلستُ، وَلم أدر مَا أجيبها بِهِ, خوفًا من أَن أَقُول لَهَا مثل مَا قَالَت، فَتَصِير بذلك طَالقا مني، فأُرشِدت إِلَى أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ، فَأَخْبَرته بِمَا جرى، فَقَالَ: أَقِم مَعهَا بعد أَن تَقول لَهَا: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن أَنا طَلقتك، فَتكون قد خاطبتها بِهِ، فوفيت بيمينك وَلم تطلقها، وَلَا تعاود الْيَمين
المصدر : [طبقات الفقهاء الشافعية 1/ 112]
قلت -رحم الله والدي-:
توضيح وبيان: قال في الصحاح 3 /909 : الإبلاس أيضا: الانكسار والحزن. يقال: أبلس فلان، إذا سكت غما. قال الراجز:
يا صاح هل تعرف رسما مُكْرَسا * قال نعم أعرفه وأبلسا *
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
102- فتيا فقيه العرب
الحريري أبو محمد القاسم بن علي بن محمد العلامة البارع ذو البلاغتين أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري، الحرامي الحريري صاحب (المقامات)
[قال ابن الصلاح رحمه الله]: كانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب، وَذَلِكَ بَين من " مقاماته " فِي فتاوبه الَّتِي ضمنهَا المقامة الثَّانِيَة وَالثَّلَاثُونَ مِنْهَا، ناسباً لَهَا إِلَى فَقِيه الْعَرَب، وَإِنَّمَا فَقِيه الْعَرَب عبارَة عَن عَالم الْعَرَب وَلَيْسَ عبارَة عَن شخص معِين، فَذكر من فَتَاوِيهِ قَالَ: أَيجوزُ بيع الْخلّ بِلَحْم الْجمل؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِلَحْم الْحمل، قَالَ الحريري: الْخلّ: ابْن الْمَخَاض، وَلَا يحل بيع اللَّحْم بِالْحَيَوَانِ سَوَاء كَانَ من جنسه أَو غير جنسه.
وَقَالَ أَيْضا: قَالَ: مَا يجب على المختفي فِي الشَّرْع؟ قَالَ: الْقطع لإِقَامَة الردع، المختفي: نباش الْقُبُور.
وَقَالَ: قَالَ: أينعقد نِكَاح لم يشهده القواري، قَالَ: لَا والخالق الْبَارِي: القواري: الشُّهُود، لأَنهم يقرونَ الْأَشْيَاء، أَي: يتبعونها.
فَهَذِهِ أجوبة شَافِعِيّ لَيْسَ غير، لمُخَالفَة الأول لمَذْهَب أَحْمد، فَإِنَّهُ يجوز بِغَيْر الْجِنْس، وَالثَّانِي لمَذْهَب أبي حنيفَة، وَالثَّالِث لمَذْهَب مَالك رضى الله عَنْهُم.
المصدر: [ طبقات الفقهاء الشافعية 2/ 663 ]
قلت -رحم الله والدي- :
ذكر نحوه ابن شهبة في طبقاته2 /663, وزاد مبينا: فهذه أجوبة شافعي ليس غير، لمخالفة الأول لمذهب أحمد، فإنه يجوز بغير الجنس، والثاني لمذهب أبي حنيفة، والثالث لمذهب مالك رضى الله عنهم.اهـ
وكتاب: فتيا فقيه العرب للعلامة أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي المالكي المذهب/ت 395 هـ, قال عنه السبكي في طبقاته 3 /455: جزء لطيف, يرويه الخطيب البغدادى عن القاضى أبى زرعة روح بن محمد الرازي عن ابن فارس ,اهـ طبع بتحقيق: د. حسين علي محفوظ ضمن مجلة المجمع العلمي العربي دمشق الجزء 1 المجلد 33 / تحميل الكتاب
وقال السيوطي في المزهر 1 /480 : في فتيا فقيه العرب: الفصل الثالث في فتيا فقيه العرب, وذلك أيضاً ضربٌ من الألغاز, وقد ألَّف فيه ابن فارس تأليفاً لطيفاً في كرّاسة، سماه بهذا الاسم، رأيتُه قديماً، وليس هو الآن عندي
فنذكر ما وقع من ذلك في مقامات الحريري، ثم إن ظَفِرت بكتاب ابن فارس ألحقتُ ما فيه: قال الحريري في المقامة الثانية والثلاثين: قال الحارث بن همّام: أَجْمَعْتُ حين قضيتُ مَناسِكَ الحج
وفي شرح المنهاج للكمال الدميري: سئل فقيه العرب عن الوضوء من الإناء المُعوَّج، فقال: إن أصاب الماء تَعْويجه لم يَجُز، وإلاَّ جاز. والمراد بالمعُوَّج المضبّب بالعاج، وهو ناب الفِيلة، ولا يُسَمى غيرها عاجاً.
قال: وليس مراد ابن خالويه والحريري بفقيه العرب شخصاً معيَّناً، إنما يذكرون ألغازاً ومُلَحاً ينسبونها إليه، وهو مجهول لا يُعرف، ونَكِرَة لا تتعرّف
خاتمة: في كتاب المقصور والمدود لابن السكِّيت: قال أبو عبيدة : قال فقيهُ العرب: من سرّه النساء ولا نساء فليبكّر العشاء، وليباكر الغداء، وليخفّف الرِداء، وليقل غِشيان النساء.
وعبارة التبريزي في تهذيبه: قال فقيه العرب، وهو الحارث بن كلدة ، وعبارة غيرهما: قال طبيب العرب - وهو المشهور - فأطلق على طبيب العرب، لاشتراكهما في الوصْف بالفَهم والمَعرفة، ولهم ساجع العرب ينقل عنه ابنُ قتيبة في كتاب الأنواء بهذا اللفظ، واللَّه أعلم بالصواب. اهـ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
103- أئمة أعلام لم يحجوا البيت الحرام
قال السمعاني: وسمعت محمد بن علي الخطيب، سمعت محمد بن محمد بن يوسف القاشاني بمرو، سمعت محمد بن عمر بن هانئ القاضي، يقول:
إمامان ما اتفق لهما الحج, أبو إسحاق, والقاضي أبو عبد الله الدامغاني، أما أبو إسحاق فكان فقيرًا، ولكن لو أراد لحملوه على الأعناق، والدامغاني لو أراد الحج على السندس والإستبرق لأمكنه.
قلت [ القائل ابن كثير ]: أما فقر الشيخ فعذر واضح له في ترك الحج، فإنه كان متقللًا من الدنيا من مبتدئه إلى آخر عمره رحمه الله
المصدر: [ طبقات الشافعيين ص 462 ]
قلت – رحم الله والدي-:
وممن لم يحج أيضا من الأئمة الكبار الإمام العلم أبو محمد ابن حزم الظاهري الأندلسي رحمه الله, ولذا وقعت له أوهام في كتابه: حجة الوداع , قال ابن القيم في زاد المعاد 2 /268 عند بيانه لوهم من أوهامه : وأبو محمد لم يحج, وسألت شيخنا عنه، فقال: هذا من أغلاطه، وهو لم يحج - رحمه الله - تعالى.
توضيح وبيان: أبو إسحاق: إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي، الشافعي/ت476هـ, ترجمته في سير الذهبي 18 /452, والدامغاني: العلامة البارع مفتي العراق قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الحنفي/ت476هـ, ترجمته في السير 18 /485
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
104- جلساء لا يُمَل حديثهم
قال الزبيدي في طبقاته: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، حدثنا أحمد بن أبي عمران، قال:
كنت عند أبي أيوب أحمد بن محمد بن شجاع، فبعث غلامه إلى أبي عبد الله بن الأعرابي يسأله المجيء إليه، فعاد إليه الغلام، فقال: قد سألته عن ذلك فقال لي: عندي قوم من الأعراب، فإذا قضيت أَرَبي معهم أتيت؛ قال الغلام: وما رأيت عنده أحدا, إلا أني رأيت بين يديه كتبا ينظر فيها، فينظر في هذا مرة، وفي هذا مرة.
ثم ما شعرنا حتى جاء؛ فقال له أبو أيوب: قال لي الغلام: إنه ما رأى عندك أحدا، وقد قلت له: أنا مع قوم من الأعراب، فإذا قضيت أربي معهم أتيت !؟, فقال:
(يُفيدوننا من عِلمَهمْ علم من مضى ... وعقلاً وتأديباً ورأيا مُسَددًا)
(بِلَا فتنةٍ تُخشى وَلَا سُوء عشرةٍ ... وَلَا نَتقِي مِنْهُم لِسَانا وَلَا يدا)
(فَإِن قُلتَ أمواتٌ فَمَا أَنْت كاذِبٌ ... وَإِن قلت أَحيَاءٌ فلستَ مُفندا)
المصدر: [ بغية الوعاة 1/ 106 ]
قلت- رحم الله والدي-:
وأعلى من هذا وأشرف جليسا الإمام ابن المبارك رحمه الله, نقل الحافظ الذهبي في السير 8 /382: عن نعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟, فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه
توضيح وبيان: ابن الأعرابي : إمام اللغة أبو عبد الله محمد بن زياد الهاشمي مولاهم الأحول، النسابة, كان صاحب سنة واتباع /ت231هـ, ترجمته في السير 10 /687
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
105- ضعف الإنسان وفتنة النسوان
قال الرسعني (ت 661هـ) رحمه الله في تفسير قوله تعالى: { وخُلِق الإنسان ضعيفاً } :
قال ابن عباس وجمهور المفسِّرين: لا يصبر عن النساء، وعلى مشاق الطاعات.
قال سعيد بن المسيب: ما أيس الشيطان من بني آدم إلا أتاهم من قِبَل النساء، فقد أتى عليَّ ثمانون سنة، وذهبت إحدى عَينيّ، وأنا أعشو بالأخرى، وإنَّ أخوفَ ما أخاف عليّ فتنة النساء
وقال معاذ بن جبل: أخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسوَّرن الذهب، ولَبسْنَ رياط الشام، وعصب اليمن، فأتعبن الغني، وكلَّفن الفقير ما لا يجد
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا تَرَكْتُ في النَّاسِ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاء"
المصدر: [ رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز 1/ 482]
قلت –رحم الله والدي -:
ما كان قول هؤلاء الأخيار الأبرار لو أدركوا زمننا هذا, حيث النساء عاريات عاريات , مائلات مميلات, والعيش صعب, والحرية الإباحية مكفولة محترمة, والإيمان ضعيف, فاللهم عفوك وسترك, وانظر صورا من قتنة النساء للرجال في الكتب التالية, واسأل ربك العافية:
1- ابتلاء الأخيار بالنساء الأشرار لإسماعيل بن نصر بن عبد المحسن السلاحي المعروف بابن القطعة , طبع في دار الجيل1413 هـ تحقيق رياص مصطفى العبد الله / تحميل الكتاب
2- العنوان في الاحتراز من مكائد النسوان لعلي بن عمر الأبوصيري المعروف بابن البتنوني/ب بعد 900 هـ, طبع في مكتبة بيسان بيروت 1989 تحقيق محمد التونجي / يسر الله رفعه قريبا
حديث أسامة أخرجه البخاري (4808)، ومسلم (2740)
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
106- عاقبة إكرام العلم والعلماء في الدنيا والآخرة
[ قال ياقوت الحموي رحمه الله ] :
نقلت من خط الإمام الحافظ أبي نصر عبد الرحيم بن وهبان صديقنا ومفيدنا قال، نقلت من خطّ أبي بكر محمد بن منصور السمعاني، سمعت أبا المعالي ثابت بن بندار البقال يقول، حكى لنا البرقانّي رحمه الله قال:
كان إسماعيل بن إسحاق القاضي يشتهي رؤية إبراهيم الحربي، وكان إبراهيم لا يدخل عليه، يقول: لا أدخل دارا عليها بواب، فأخبر إسماعيل بذلك فقال: أنا أَدَعُ بابي كباب الجامع، فجاء إبراهيم إليه، فلما دخل عليه خلع نعليه، فأخذ أبو عمر محمد بن يوسف القاضي نعليه ولفّهما في منديل دبيقيّ, وجعله في كمه، وجرى بينهما علم كثير، فلما قام إبراهيم التمس نعليه، فأخرج أبو عمر النعل من كمّه، فقال له إبراهيم: غفر الله لك كما أكرمت العلم
فلما مات أبو عمر القاضي رؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ , فقال: أجيبت فيّ دعوة إبراهيم الحربي رحمه الله.
المصدر : [ معجم الأدباء 1/ 48]
قلت – رحم الله والدي -:
ومما ورد في هذا الباب, باب إكرام العلم وأهله ومحبتهم وإجلالهم, والجزاء الحسن والثواب العاجل على ذلك في الدنيا قبل الآخرة, ما ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 2 / 166:
قال الوزير أبو الفضل البلعمي سمعت الأمير إسماعيل بن أحمد يقول: كنت بسمرقند فجلست للمظالم, إذ دخل محمد بن نصر, فقمت إجلالا له, فلما خرج عاتبني أخي إسحاق, وقال: تقوم لرجل من الرعية؟ , فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعي أخي, فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ بعضدي, وقال: ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك محمد بن نصر, وذهب ملك هذا باستخفافه به.
فاللهم اقذف في قلوبنا محبة أهل العلم, وارزقنا حسن الأدب معهم, وتعزيرهم وتوقيرهم وتعظيمهم, آمين
مما ألف في الباب: كتاب الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام للشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم / رابط تحميله
توضيح وبيان: أبو عمر: هو الإمام الكبير قاضي القضاة محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي المالكي, حمل الناس عنه علما واسعا من الحديث والفقه، قيل: كان الرجل إذا امتلأ غيظا، يقول: لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت, ترجمته في السير 14 /555
وابن نصر: هو محمد بن نصر بن الحجاج المروزي, الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الله الحافظ, ذكره الحاكم، فقال: إمام عصره بلا مدافعة في الحديث, قال الذهبي: يقال: إنه كان أعلم الأئمة باختلاف العلماء على الإطلاق/ت294هـ, ترجمته في السير 14 /33
الدبيقي: نسبة إلى دبيق كأَمِير, قال في معجم البلدان 2 /438 : بليدة كانت بين الفرما وتنّيس من أعمال مصر، تنسب إليها الثياب الدبيقية، والله أعلم, وقال في تاج العروس: 25 / 276: الثياب الدبيقية وهي من دق الثياب، كانت تتخذ بها، وكانت العمامة منها طولها مائة ذراع، وفيها رقمات منسوجة بالذهب، تبلغ العمامة من الذهب خمسمائة دينار سوى الحرير والغزل.اهـ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
الفائدة 102
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة القاسم بن محمد
أحسبه تصحيفاً، والصواب: فليُكْرِ، وإكراء العشاء تأخيره.
جزاك الله خيرا على التنبيه والتصويب
وقد عثرث في كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء 1 /165 على هذا النقل المفيد , قال :
وَرُوِيَ بعض هَذِه الْكَلِمَات عَن الْحَرْث بن كلدة وفيهَا : من سره النِّسَاء وَلَا نسَاء, فليكر الْعشَاء, وليباكر الْغَدَاء, وليخفف الرِّدَاء, وَليقل غشيان النِّسَاء
وَمعنى : [ فليكر [: يُؤَخر , وَالْمرَاد بـ: الرداء : الدّين , وَسمي الدّين رِدَاء لقَولهم: هُوَ فِي عنقِي, وَفِي ذِمَّتِي, فَلَمَّا كَانَت الْعُنُق مَوضِع الرِّدَاء سمي الدّين رِدَاء
وَقد رُوِيَ من طَرِيق آخر وَفِيه: وتعجيل الْعشَاء , وَهُوَ أصح, وروى أَبُو عوَانَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ : قَالَ الْحَرْث بن كلدة: من سره الْبَقَاء وَلَا بَقَاء, فليباكر الْغَدَاء, وليعجل الْعشَاء, وليخفف الرِّدَاء, وَليقل الْجِمَاع
وفي تاج العروس (39 / 390): أكرى العشاء: أخره, وكذلك غير العشاء, وأنشد الجوهري للحطيئة:
وأكريت العشاء إلى سهيل *** أو الشعرى فطال بي الأناء
قيل: هو يطلع سحرا, وما أكل بعده فليس بعشاء؛ يقول: انتظرت معروفك حتى أيست؛ كما في الصحاح.
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
107- تزوير إسناد
إبراهيم بن عقيل بن جيش أبو إسحاق القرشي, المعروف بابن المكبري النحوي الدمشقي,[ ت474هـ ]
قال ابن عساكر: كان أبو إسحاق يذكر أن عنده تعليقة أبي الأسود الدؤلي التي ألقاها إليه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكان كثيرا ما يَعِدُ بها أصحابه، لا سيما أصحاب الحديث, ولا يفي, إلى أن كتبها عنه بعض تلاميذه الذين يقرأون عليه, وإذا به قد ركّب عليها إسنادا لا حقيقة له, اعْتُبِر فوُجِد موضوعا مُرَكبا، بعض رجاله أقدم ممن روى عنه, ولم يكن الخطيب عَلِم بذلك, ولا وقف عليه, فلذلك وثقه
قال: وهذه التعليقة فهي في أمالي أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي, نحو من عشرة أسطر، فجعلها هذا الشيخ إبراهيم قريبا من عشرة أوراق. \
المصدر: [ معجم الأدباء 1/ 91 ]
قلت -رحم الله والدي -:
كلام الحافظ ابن عساكر في تاريخه مطولا [7 /56] ومنه: كان كثيرا يعدني بها, فأطلبها منه وهو يرجئ الأمر, إلى أن وقعت إلي في حال حياته, دفعها إلي الشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن منصور المالكي رحمه الله, وكان كتبها عنه على ما ذكر لي, إذ حملها إلي المعروف برزين الدولة المصمودي لما كان يقرأ عليه شيئا من علم العربية, وسمعها منه في سنة ست وستين وأربعمائة, وإذا به قد ركب عليها إسنادا لا حقيقة له.اهـ
وقصة أبي الأسود نقلها السيوطي في "جزء" له سماه: الأخبار المروية في سبب وضع علم العربية [ص31] قال: قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي في أماليه: حدثنا ابو جعفر محمد بن رستم الطبري قال حدثنا ابو حاتم السجستاني حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا سعيد بن سلم الباهلي حدثنا أبي عن جدي عن أبي الأسود الدؤلي رضي الله عنه قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأيته مطرقا متفكرا, فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟, قال: إني سمعت ببلدكم هذا لحنا, فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية, فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة, ثم أتيته بعد ثلاث, فألقى إلي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم, الكلام كله اسم وفعل وحرف, فالاسم ما أنبأ عن المسمى, والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى, والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل, ثم قال لي: تتبعه وزد فيه ما وقع لك, واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر, ومضمر, وشيء ليس بظاهر ولا مضمر, وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر
قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء, وعرضتها عليه, فكان من ذلك حروف النصب, فذكرت منها: إن, وأن, وليت, ولعل, وكأن, ولم أذكر لكن, فقال لي: لم تركتها, فقلت: لم أحسبها منها, فقال: بل هي منها, فزدها فيها .اهـ
والنص المذكور لا يوجد في الأمالي الزجاجي المطبوعة بتحقيق العلامة عبد السلام هارون, وإنما زادها في الملحق بذيلها [ص238] نقلا عن الأشباه والنظائر النحوية للسيوطي [1 /7]
ورسالة: سبب وضع علم العربية للجلال السيوطي طبعت في دار الهجرة دمشق 1988 تحقيق د. مروان العطية, وطبعت ثانيا في دائرة الشؤون الإسلامية دبي1422 تحقيق عبد الحكيم الأنيس / رابط تحميله: تحقيق العطية / تحقيق الأنيس
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
108- حرف في اللغة
قال أبو الطيب [ عبد الواحد بن علي الحلبي اللغوي /ت 351 هـ ]:
لم يؤخذ على أبي عمرو خطأ في شيء من اللغة إلا في حرف قَصَر عن معرفَتِه عِلمُ من خَطَّأَهُ فيه، وروايته: أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا علي بن حاتم وغيره عن الأصمعي عن يونس قال: قيل لأبي عمرو بن العلاء: ما الثفر ؟, قال: الإست، فقيل له: إنه القُبُل، فقال: ما أقرب ما بينهما
فذهب قوم من أهل اللغة إلى أن هذا غلط من أبي عمرو، وليس كما ظنوا, فقد نص أبو عمرو الشيباني وغيره على أن الثُّفر: الدبر، والثفر من الأنثى: القبل
المصدر: [ المزهر في علوم اللغة وأنواعها 2 / 342]
قلت - رحم الله والدي -:
قال الزبيدي في تاج العروس 10 / 325: الثفر: بفتح فسكون (ويضم، للسباع و) لذوات (المخالب، كالحياء للناقة) ، وفي المحكم: للشاة (أو) هو (مسلك القضيب منها) . وفي بعض الأصول المعتمدة: (فيها) بدل (منها) ، واستعاره الأخطل فجعله للبقرة، فقال:
جزى الله فيها الأعورين ملامة *** وفروة ثفر الثورة المتضاجم
توضيح وبيان: أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي ثم المازني، البصري، شيخ القراء والعربية , قال إبراهيم الحربي، وغيره: كان أبو عمرو من أهل السنة, قال اليزيدي، وآخر: تكلم عمرو بن عبيد في الوعيد سنة، فقال أبو عمرو: إنك لأكن الفهم، إذ صيرت الوعيد الذي في أعظم شيء، مثله في أصغر شيء، فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء، وإنما نهى الله عنهما لتتم حجته على خلقه، ولئلا يعدل عن أمره، ووراء وعيدِه عَفوُه وكرمُه, ثم أنشد:
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختتي من صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته ووعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فقال عمرو بن عبيد: صدقت، إن العرب تتمدح بالوفاء بالوعد والوعيد، وقد يمتدح بهما المرء، تسمع إلى قولهم؟!
لا يخلف الوعد والوعيد ولا ... يبيت من ثأره على فوت
اختتأ منه: استتر خوفا أو حياء, قاله في تاج العروس [1 /207, مادة :ختأ ] ترجمة أبي عمرو في السير6 /407
.
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
109- رؤيا منام
أحمد بن الحسين بن مهران المقرىء أبو بكر النيسابوري, مصنف (الغاية في القراءات) [ت381 هـ]
قال الحاكم: مات في السابع والعشرين من شوال سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وهو يوم مات ابن ستّ وثمانين سنة، وصلينا عليه في ميدان الطاهرية، وتوفي ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلسفة
قال الحاكم: فحدثني عمر بن أحمد الزاهد قال: سمعت الثقة من أصحابنا يذكر : أنه رأى أبا بكر ابن الحسين بن مهران رحمه الله، في المنام, في الليلة التي دفن فيها، قال فقلت: أيها الأستاذ ما فعل الله بك؟ , فقال: إن الله عز وجل أقام أبا الحسن العامري بحذائي, وقال: هذا فداؤك من النار.
ثم ذكر الحاكم باسناد رفعه الى أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة أعطى الله كلّ رجل من هذه الأمة رجلا من الكفار فيقول هذا فداؤك من النار
وهذا الخبر إذا قرن بالرؤيا صار من براهين الشرع.
المصدر : [معجم الأدباء 1/ 233]
قلت – رحم الله والدي -:
الجملة الاخيرة قول ياقوت الحموي, فقد ذكر القصة الذهبي في سيره [16 /407] عن الحاكم, ولم يذكرها
والحديث صحيح, أخرجه مسلم في صحيحه [2767]
بيان وتوضيح: العَامِري: أبو الحسن محمد بن يوسف العامري النيسابورىّ الخراساني/ت 381 هـ, عالم بالمنطق والفلسفة اليونانية, له شروح على كتب أرسطو, طبع له كتاب: الإعلام بمناقب الإسلام
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
110- حكم الأجرة والهدية على الفتيا
البرزلي: وأما الإجارة على الفتيا فنقل المازري في شرح المدونة الإجماع على منعها, وكذلك القضاء؛ لأنها من باب الرشوة, لكن لو أتى خصمان إلى قاض فأعطياه أجرا على الحكم بينهما, وأتى رجل للمفتي فأعطاه أجرا على فتوى لم يتعلق بها خصومة, ولم يتعين ذلك عليه لوجود من يقوم به، فقال الشيخ عبد الحميد: أي شيء يمنع من ذلك, ولا يجسر على التصريح به, وقال اللخمي يمنع من ذلك جملة, وعلى الأول يحمل ما يروى عن ابن علوان أحد فقهاء تونس ومفتيها, أنه كان يقبل الهبة والهدية ويطلبها ممن يفتيه, كما نقله ابن عرفة عنه.
المصدر : [مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 1 / 33]
قلت- رحم الله والدي -:
قال ابن الصلاح في أدب الفتوى والمفتي والمستفتي (1 / 114): الأولى بالمتصدي للفتوى أن يتبرع بذلك، ويجوز له أن يرتزق على ذلك من بيت المال، إذا تعين عليه وله كفاية، فظاهر المذهب أنه لا يجوز، وإذا كان له رزق فلا يجوز له أخذ أجرة أصلًا، وإن لم يكن له رزق في بيت المال فليس له أخذ أجرة من أعيان من يفتيه كالحاكم على الأصح, احتال له الشيخ أبو حاتم القزويني [ محمود بن الحسن القزويني, ت440هـ] في "حِيَلهِ"، فقال: لو قال لمستفتي: إنما يلزمني أن "أفتيك" قولًا، وأما بذل الخط فلا، فإذا استأجره على أن يكتب له ذلك كان جائزًا.
وذكر أبو القاسم الصيمري: أنه لو اجتمع أهل البلد على أن جعلوا له رزقًا من أموالهم ليتفرغ لفتاويهم جاز ذلك، وأما الهدية، فقد أطلق السمعاني الكبير أبو المظفر: أنه يجوز له قبول الهدية، بخلاف الحاكم فإنه يلزم حكمه,قلت: ينبغي أن يقال: يحرم عليها قبولها إذا كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد,كما في الحاكم وسائر ما لا يقابل بعوض. والله أعلم.
مما ألف في المفتي وآدابه من الكتب والتصانيف :
1- أدب المفتي والمستفتي لأبي القاسم عبد الواحد الصيمري الشافعي ت 386هـ, ذكره في كشف الظنون 1/ 654
2-تعظيم الفتيا للإمام أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي, طبع في الدار الأثرية عمّان 1427 هــ تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان/ رابط تحميله
3- أدب المفتي والمستفتي لأبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح الشافعي/ت 643هـ/ طبع في دار المعرفة بيروت تحقيق قلعجي, وفي دار الفكر دمشق 1408 تحقيق بسام عبد الوهاب الجابي, وفي مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة 1423هـ تحقيق موفق عبد الله عبد القادر/ تحميل الكتاب:تحقيق قلعجي, تحقيق الجابي
4- صفة الفتوى المفتي والمستفتي لأبي عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري الحرّاني الحنبلي/ت 695هـ / رابط تحميله
5- أدب الفتيا للعلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي, طبع في دار الآفاق العربية القاهرة 1428 هـ , تحقيق أ.د. محيي الدين هلال السرحان / رابط تحميله
6- الفتوى في الإسلام للعلامة جمال الدين القاسمي, طبع في دار الكتب العلمية بيروت 1406 هـ تحقيق محمد عبد الحكيم القاضي / رابط تحميله
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
111- حفظ إمام
أبو عمر الزاهد: الإمام الأوحد العلامة اللغوي المحدث محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم البغدادي، المعروف: بغلام ثعلب.[ ت345هـ ]
حكي أن معز الدولة بن بويه قَلَّدَ شُرطة بغداد غلاما تركيا من مماليكه اسمه: خواجا, فبلغ ذلك أبا عمر الزاهد, وكان يملي كتابه «اليواقيت» في اللغة, فقال للجماعة في مجلس الإملاء: اكتبوا ياقوتة خواجا، الخواج في أصل اللغة: الجوع، ثم فرّع على هذا بابا, وأملاه عليهم
فاستعظموا كذبه, وتَتَبَّعُوه، فقال أبو علي الحاتمي- وكان من أصحابه- أخرجنا في «أمالي الحامض » عن ثعلب عن ابن الأعرابي الخواج: الجوع
المصدر: [معجم الأدباء 6 /2557]
قلت - رحم الله والدي -:
قال الذهبي في السير [15 /509] ترجمة أبي عمرو : لازم ثعلبا في العربية، فأكثر عنه إلى الغاية، وهو في عداد الشيوخ في الحديث لا الحفاظ، وإنما ذكرته لسعة حفظه للسان العرب، وصدقه، وعلو إسناده.اهـ, وذكر في بغية الوعاة [1/ 165]: عن الخطيب البغدادي: كان أهل اللغة يطعنون عليه، ويقولون: لو طار طائر في الجو قال: حدثنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، ويذكر في ذلك سببا, وأما أهل الحديث فيصدقونه ويوثقونه.اهـ
وكتابه: اليواقيت طبع باسم: ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن, في مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة، 1423 هـ, تحقيق د. محمد بن يعقوب التركستاني / تحميل الكتاب
توضيح وبيان: معز الدولة: السلطان أبو الحسين أحمد بن بويه بن فنا خسرو بن تمام بن كوهي الديلمي، الفارسي, تملك العراق نيفا وعشرين/ت356هـ, ترجمته في السير 16 /189
الحاتمي: أبو علي محمد بن الحسن بن المظفر، الكاتب اللغوي البغدادي/ت388هـ, ترجمته في في تاريخ بغداد 2/ 214 , ومعجم الأدباء 18/ 154
الحامض: أبو موسى سليمان بن محمد بن أحمد الحامض من تلاميذ ثعلب, خلفه بعد موته في مكانه/ت305هـ, ترجمته في وفيات الأعيان 2 /406
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
112- مفاضلة بين شاعرين
[ قال ابن العديم رحمه الله ]: أخبرنا أبو القاسم بن أبي علي الأنصاري قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال: سمعت أبا الطيب سعيد بن إبراهيم بن سعيد الطّلبيري الطبيب بالثغر يقول: سمعت عبد الحليم بن عبد الواحد السوسي بسفاقس يقول:
سئل الحسن بن رشيق عن أبي العلاء المعري هل هو أشعر أم أنت؟ , فقال: قد ألفت أنا كتابا, وهو كتابا في معناه، فالفرق ما بيننا كالفرق ما بين الترجمتين، سمى هو كتابه: «زجر النّابح», وسميت أنا كتابي: «ساجور الكلب»
يشير إلى أن أبا العلاء أفضل وألطف, وأهدى إلى المعاني وأعرف
المصدر : [ بغية الطلب فى تاريخ حلب 2/ 878 ]
قلت – رحم الله والدي-:
زجر النابح كتاب لأبي العلاء قال عنه ياقوت: معجمه[1 /330]: كتاب زجر النابح يتعلق بلزوم ما لا يلزم، وذلك أن بعض الجهال تكلّم على أبيات من لزوم ما لا يلزم يريد بها التشرير والأذيّة، فألزم أبا العلاء أصدقاؤه أن ينشيء هذا، فأنشأ هذا الكتاب وهو كاره. اهـ, وقال ابن العديم [2/ 881]: وقفت له على كتاب وضعه في الرد على من نسبه إلى معارضة القرآن والجواب عن أبيات استخرجوها من نظمه رموه بسببها بالكفر والطغيان، سمى الكتاب بـ:«زجر النابح», ورد فيه على الطاعن في دينه والقادح.اهـ طبع من مقتطفات جمعها وحققها د. أمجد الطرابلسي, في المطبعة الهاشمية ،, 1965 وأعاد طبعه مجمع اللغة العربية 1982
توضيح وبيان: الحسن بن رشيق القيرواني أحد البلغاء الأفاضل الشعراء/ت 463 هـ, كان بينه وبين ابن شرف القيرواني مناقضات ومهاجاة, وصنف عدة رسائل في الرد عليه منها رسالة سماها: ساجور الكلب, ورسالة نجح المطلب, ورسالة قطع الأنفاس, ورسالة نقض الرسالة الشعوذية والقصيدة الدعية, والرسالة المنقوضة, ورسالة رفع الإشكال ودفع المحال
الساجور: خشبة تعلق, وقال الزمخشري: طوق من حديد, وقال بعضهم: الساجور: القلادة تجعل في عنق الكلب/ تاج العروس 11 /506
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
الكريم ابن الكريم أبا يعلى ...
مساؤك ملامح ليل حين يتجمل برائحة المطر.
معك أولاً بأول ...
طيب الله أنفاسك كما عطرتني بفوائدك .
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
113- من أخلاق اليهود
قال ابن عطية: وهذا اللي باللسان إلى خلاف ما في القلب موجود حتى الآن في بني إسرائيل، ويحفظ منه في عصرنا أمثلة، إلا أنه لا يليق ذكرها بهذا الكتاب انتهى.
[ قال أبو حيان ]: وهو يحكى عن يهود الأندلس، وقد شاهدناهم وشاهدنا يهود ديار مصر على هذه الطريقة، وكأنهم يُرَبُّونَ أولادهم الصغار على ذلك، ويُحَفِّظُونَهم ما يُخَاطِبون به المسلمين, مما ظاهره التوقير ويريدون به التحقير.
المصدر : [ البحر المحيط 3 / 663 ]
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
بسم الله الرحمن الرحيم
قمت بجمع مواد هذه السلسلة المباركة في مدونة
أتمنى أن تنال إعجابكم ورضاكم
أخوكم في الله أبو يعلى البيضاوى غفر الله له ولوالديه
http://majalisabuyaala.blogspot.com/
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
114- حلاوة الإسلام
الإمام الحافظ العلامة البارع المتقن, أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان [ت 443هـ.], قال ابن عساكر :كان من المكثرين الجوالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ.
[ قال المرتضى أبي الحسن المطهر بن علي العلوي بالري] : سمعت أبا سعد السمان إمام المعتزلة، يقول:
من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام
المصدر: [ سير أعلام النبلاء 18 / 57]
قلت - رحم الله والدي - :
وقال الذهبي في سيره : أنبؤونا عن القاسم بن علي: حدثنا أبو محمد عمر بن محمد الكلبي قال: وجدت على ظهر جزء: مات الزاهد أبو سعد إسماعيل بن علي السمان في شعبان سنة خمس وأربعين وأربع مائة، شيخ العدلية وعالمهم، وفقيههم, ومحدثهم، وكان إماما بلا مدافعة في القراءات، والحديث والرجال، والفرائض والشروط، عالما بفقه أبي حنيفة، وبالخلاف بين أبي حنيفة والشافعي وفقه الزيدية, قال: وكان يذهب مذهب الحسن البصري، ومذهب الشيخ أبي هاشم ، ودخل الشام والحجاز والمغرب، وقرأ على ثلاثة آلاف شيخ، وقصد أصبهان في آخر عمره لطلب الحديث, قال: وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه، كان تاريخ الزمان, وشيخ الإسلام
قلت [ القائل الذهبي ]: وذكر أشياء في وصفه، وأنى يوصف من قد اعتزل وابتدع، وبالكتاب والسنة فَقَلَّ ما انتفع؟ , فهذا عبرة، والتوفيق فمن الله وحده.
هتف الذكاء وقال لست بنافع ... إلا بتوفيق من الوهاب
وأما قول القائل: كان يذهب مذهب الحسن، فمردود، قد كانت هفوة في ذلك من الحسن، وثبت أنه رجع عنها , ولله الحمد, وأما أبو هاشم الجبائي، وأبوه أبو علي فمن رؤوس المعتزلة، ومن الجهلة بآثار النبوة، برعوا في الفلسفة والكلام، وما شموا رائحة الإسلام، ولو تغرغر أبو سعد بحلاوة الإسلام، لانتفع بالحديث, فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا وتوحيدنا
وترجم له الذهبي أيضا في ميزانه قائلا: صدوق، لكنه معتزلي، جلد.اهـ, زاد الحافظ في لسانه: له تفسير في عشر مجلدات, وسفينة النجاة في الإمامة وغير ذلك.اهـ
وله كتاب آخر نفيس مفقود اسمه: الموافقة بين أهل البيت والصحابة, اختصره للعلامة المعتزلي جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري, ولعل موافقة المذهب هي التي دعته إلى اختصاره دون غيره مما صنف في بابه, طبع المختصر في دار الكتب العلمية بيروت بتحقيق السيد يوسف أحمد , وطبع ثانيا طبعة أجود منها في دار الحديث مصر تحقيق الصبابطي, يسر الله تصويره ورفعه قريبا, آمين
ترجمة السمان في: سير أعلام النبلاء 18 /55, ميزان الاعتدال 1 /239، تذكرة الحفاظ 3 /1121 ، لسان الميزان 1 /421
====================
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
114- حلاوة الإسلام
الإمام الحافظ العلامة البارع المتقن, أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان [ت 443هـ.], قال ابن عساكر :كان من المكثرين الجوالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ.
[ قال المرتضى أبو الحسن المطهر بن علي العلوي بالري] : سمعت أبا سعد السمان إمام المعتزلة، يقول:
من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام
المصدر: [ سير أعلام النبلاء 18 / 57]
قلت - رحم الله والدي - :
وقال الذهبي في سيره : أنبؤونا عن القاسم بن علي: حدثنا أبو محمد عمر بن محمد الكلبي قال: وجدت على ظهر جزء: مات الزاهد أبو سعد إسماعيل بن علي السمان في شعبان سنة خمس وأربعين وأربع مائة، شيخ العدلية وعالمهم، وفقيههم, ومحدثهم، وكان إماما بلا مدافعة في القراءات، والحديث والرجال، والفرائض والشروط، عالما بفقه أبي حنيفة، وبالخلاف بين أبي حنيفة والشافعي وفقه الزيدية
قال: وكان يذهب مذهب الحسن البصري، ومذهب الشيخ أبي هاشم ، ودخل الشام والحجاز والمغرب، وقرأ على ثلاثة آلاف شيخ، وقصد أصبهان في آخر عمره لطلب الحديث, قال: وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه، كان تاريخ الزمان, وشيخ الإسلام
قلت [ القائل الذهبي ]: وذكر أشياء في وصفه، وأنى يوصف من قد اعتزل وابتدع، وبالكتاب والسنة فَقَلَّ ما انتفع؟ , فهذا عبرة، والتوفيق فمن الله وحده.
هتف الذكاء وقال لست بنافع ... إلا بتوفيق من الوهاب
وأما قول القائل: كان يذهب مذهب الحسن، فمردود، قد كانت هفوة في ذلك من الحسن، وثبت أنه رجع عنها , ولله الحمد, وأما أبو هاشم الجبائي، وأبوه أبو علي فمن رؤوس المعتزلة، ومن الجهلة بآثار النبوة، برعوا في الفلسفة والكلام، وما شموا رائحة الإسلام، ولو تغرغر أبو سعد بحلاوة الإسلام، لانتفع بالحديث, فنسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا وتوحيدنا.اهـ
وترجم له الذهبي أيضا في ميزانه قائلا: صدوق، لكنه معتزلي، جلد.اهـ, زاد الحافظ في لسانه: له تفسير في عشر مجلدات, وسفينة النجاة في الإمامة وغير ذلك.اهـ
وله كتاب آخر نفيس, مفقود, اسمه: الموافقة بين أهل البيت والصحابة, اختصره العلامة المعتزلي جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري, ولعل موافقة المذهب هي التي دعته إلى اختصاره دون غيره مما صنف في بابه, طبع المختصر في دار الكتب العلمية بيروت بتحقيق السيد يوسف أحمد, وطبع ثانيا طبعة أجود منها في دار الحديث مصر تحقيق الصبابطي, يسر الله تصويره ورفعه قريبا, آمين
ترجمة السمان في: سير أعلام النبلاء 18 /55, ميزان الاعتدال 1 /239، تذكرة الحفاظ 3 /1121 ، لسان الميزان 1 /421
====================
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
115- موعظة المجنون
قَالَ الشَّيْخ [ ابن الصلاح ] : أنبئت عَن أبي سعد السَّمْعَانِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد الشَّاشِي، أخبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أَحْمد التَّمِيمِي، أخبرنَا الْفَقِيه أَبُو نصر الحفصويي، أخبرنَا الْحَاكِم أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحسن البحاث قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن الْحسن قَالَ: سَمِعت أَبَا عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ: سَمِعت عمر بن شبة يَقُول: سَمِعت الْأَصْمَعِي يَقُول:
لما خرج الرشيد حَاجا، رأى يَوْم خُرُوجه من الْكُوفَة بهلولا الْمَجْنُون على الطَّرِيق يَهْذِي، فَقَالَ لَهُ الرّبيع: أمسِك، فقد أقبل أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَأمْسك حَتَّى حَاذَى الهودج، فَقَامَ على قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ, سَمِعتُ أَيمن بن نابل يَقُول: سَمِعتُ قدامَة بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ يَقُول: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته العضباء, لَيْسَ هُنَاكَ طرد, وَلَا رد، وَلَا إِلَيْك إِلَيْك, وَكَانَ خيرا مِنْك، وَإِن تواضعك فِي شرفك أحسن من تكبرك
فَقَالَ: عِظنا يَا بهْلُول، فَقَالَ: من آتَاهُ الله مَالا وجمالا وسلطانا، فواسى من مَاله، وعَفَّ فِي جماله، وَعدل فِي سُلْطَانه؛ كَانَ فِي ديوَان الله تَعَالَى من المقربين, قَالَ: قد أمرنَا لَك بجائزة، قَالَ: لَا حَاجَة لنا فِي الْجَائِزَة، قَالَ: إِن كَانَ عَلَيْك دَيْنٌ قَضَيناه عَنْك، قَالَ: إِن الدَّيْنَ لَا يُقْضَى بِالدَّيْنِ، فَاقْضِ دَيْنَ نَفسِك، قَالَ: فَإنَّا نُجري عَلَيْك مَجْرى، قَالَ: سُبْحَانَ الله، أَنا وَأَنت عَبْدَانِ لله عز وَجل، ترَاهُ يَذكُرُك وينساني, ثمَّ مَرَّ وَهُوَ يترنم، فَبعث خَلفه من يسمع مَا يترنم بِهِ، فَإِذا هُوَ يَقُول:
(دع الْحِرْص على الدُّنْيَا ... وَفِي الْعَيْش فَلَا تطمع)
(وَلَا تجمَع من المَالَ ... فَلَا تَدْرِي لمن تَجمع)
(وَأَمْرُ الرزقِ مَقسوم ... وَسُوءُ الظَّنِ لَا يَنفع)
(وَلَا تَدْرِي أَفِي أَرْضِك ... أم فِي غَيرهَا تُصرَع)
(فَقيرٌ مَن لَهُ حِرصٌ ... غَنِيٌّ كُلُّ مَن يَقنَع)
المصدر: [ الفقهاء الشافعية 1/ 133]
قلت - رحم الله والدي -:
بهلول رحمه الله معدود من عقلاء المجانين, وله مواقف أخرى مع الرشيد العباسي رحمه الله, ذكرها ابن حبيب النيسابوري في كتابه النفيس: عقلاء المجانين [ص68]: علي بن ربيعة الكندي قال: خرج الرشيد إلى الحج, فلما كان بظاهر الكوفة إذ بصر بهلولاً المجنون على قصبة, وخلفه الصبيان وهو يعدو, فقال: من هذا ؟، قالوا: بهلول المجنون، قال: كنت أشتهي أن أراه, فادعوه من غير ترويع، فقالوا له: أجب أمير المؤمنين، فعدا على قصبته، فقال الرشيد: السلام عليك يا بهلول، فقال: وعليك السلام يا أمير المؤمنين، قال: كُنتُ إليك بالأشواق، قال: لكني لم أشتق إليك، قال: عِظني يا بهلول، قال: و بِم أعظك ؟, هذهِ قُصُورهم, وهذه قُبُورهم، قال: زدني, فقد أحسنت، قال: يا أمير المؤمنين, من رزقه الله مالاً وجمالاً فعف في جماله, وواسى في ماله, كُتِب في ديوان الأبرار
فظن الرشيد أنه يريد شيئاً , فقال: قد أمرنا لك أن تقضي دينك، فقال: لا , يا أمير المؤمنين, لا يُقضَى الدَّيْنُ بِدَيْن, ارْدُد الحَقَّ على أهلِه, واقْضِ دَيْنَ نفسِك من نفسِك، قال: فإنا قد أَمَرنا أن يُجْرى عليك، فقال: يا أمير المؤمنين, أترى الله يُعطيك, ويَنسَاني؟ ,ثم ولى هارباً.
وروي بإسناد آخر, أنه قال للرشيد: يا أمير المؤمنين, فكيف لو أقامك الله بين يديه فسألك عن النقير, والفتيل, والقطمير، قال: فخنَقَته العَبرة, فقال الحاجب: حسبُك يا بهلول, قد أوجَعتَ أمير المؤمنين، فقال الرشيد: دَعه، فقال بهلول: إنما أَفسَدَهُ أنت, وأضرابُك، فقال الرشيد: أريد أن أَصِلَك بصلة, فقال بهلول: رُدها على من أخذت منه، فقال الرشيد: فحاجة، قال: أن لا تراني, ولا أراك، ثم قال: يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة ابن عبد الله الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد، ثم ولى بقصبته, وأنشأ يقول:
فعدّك قد ملأت الأرض طراً ... ودان لك العباد فكان ماذا
ألست تموت في قبر ويحوي ... تراثك بعد هذا ثم هذا
وقال[ص69]: بعض الكوفيين قال: حج الرشيد فذكر بهلولاً حين دخل الكوفة, فأمر بإحضاره, وقال: أَلبِسُوه سواداً, وضَعُوا على رأسه قلنسوة طويلة, وأوقِفُوه في مكان كذا, ففعلوا به ذلك, وقالوا: إذا جاء أمير المؤمنين فادع له، فلما حاذاه الرشيد رفع رأسه إليه وقال: يا أمير المؤمنين, أسأل الله أن يرزقك ويوسع عليك من فضله، فضحك الرشيد وقال: آمين، فلما جازه الرشيد دفعه صاحب الكوفة في قفاه, وقال: أهكذا تدعو لأمير المؤمنين, يا مجنون، قال بهلول: اسكت ويلك, يا مجنون, فما في الدنيا أحب إلى أمير المؤمنين من الدراهم، فبلغ ذلك الرشيد فضحك, وقال: والله ما كذب.
وعقلاء المجانين لهم في بعض أحوالهم وإفاقتهم كلمات بليغة وحكم تصدر منهم, وقد صنفوا في تراجمهم , فمن ذلك:
1- أخبار عقلاء المجانين لأبي بكر محمد بن أحمد بن مزيد بن محمود الخزاعى البوشنجى المعروف بابن أبى الأزهر النحوي /ت 325 هـ, ذكره في كشف الظنون, وهدية العارفين 2 /34
2- أخبار عقلاء المجانين لأبي سهل محمود بن عمر العكبري
3- عقلاء المجانين لأبي محمد العباس بن محمد الأنصاري, ذكرهما الروداني في صلة الخلف
4- عقلاء المجانين لأبي بكر محمد بن الحسن بن يعقوب العطار المعروف بابن المقسم البغدادي/ت 362 هـ, ذكره في هدية العارفين 2 /48
5- عقلاء المجانين لأبي الحسن أحمد بن محمد بن عمران المعروف بابن الجندي الشيعي, ذكره في هدية العارفين 1 /70
6- عقلاء المجانين لأبي محمد الحسن بن إسمعيل بن محمد الضّرّاب المصري/ت 392هـ, طبع دار البشائر دمشق 1424 هـ, تحقيق إبراهيم صالح / تحميل الكتاب
7- عقلاء المجانين لأبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري/ت 406هـ, طبع أولا في دار الكتب العلمية بدون تحقيق, ثم في دار النفائس بيروت تحقيق: د. عمر الاسعد/ تحميل الكتاب
قال في سبب تأليفه (ص 14): سألني بعض أصحابي، عوداً على مبدأ، أن أصنف كتاباً في عقلاء المجانين وأوصافهم وأخبارهم، وكنت أتغامس عنه إلى أن تمادى به السؤال، فلم أجد بداً من إسعافه بطلبته، وأجابته إلى بغيته، تحرياً لرضاه، وتوخياً لهواه، وكنت في حداثة سني سمعت كتباً في هذا الباب مثل كتاب الجاحظ وكتاب ابن أبي الدنيا وأحمد بن لقمان وأبي علي سهل بن علي البغدادي رحمهم الله فوقع كل كتاب منها في جزء أو ما يقارب جزءاً، تتبعتها وتيقنتها، وضممت إليها قرائنها، وعزوتها إلى أصحابها، وألفت هذا الكتاب على غير سمت تلك الكتب، وهو كتاب يكفي الناظر فيه الترداد وتصفح الكتب، وأرجو أني لم أسبق إلى مثله. اهـ
مما قال في (ص 8): المجنون عند الناس من يسمع ويسب ويرمي ويخرق الثوب، أو من يخالفهم في عاداتهم فيجيء بما ينكرون، ولذلك سمت الأمم الرسل مجانين, لأنهم شقوا عصاهم فنابذوهم, وأتوا بخلاف ما هم فيه.اهـ
وقال في (ص13): المجنون عند أهل الحقائق من ركن إلى الدنيا, وعمل لها, وطاب عيشاً, بذلك نطقت الأخبار
توضيح وبيان: قدامة بن عبد الله بن عمار بن معاوية الكلابي العامري، يكنى أبا عبد الله، أسلم قديما، سكن مكة ولم يهاجر، وشهد حجة الوداع، قال ابن عبد البر في الإستيعاب[2109]: روى عنه أيمن بن نابل ، وحميد بن كلاب فأما حديث أيمن عنه فإنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. وأما حديث حميد بن كلاب فإنه قال عنه: إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وعليه حلة حبرة. لا أحفظ له غير هذين الحديثين.اهـ
وحديثه السابق: أخرجه أحمد في مسنده:[ 3 /412] ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة، يوم النحر، على ناقة له صهباء، لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك, قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن
====================
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
116- مخالفة إجماع النحاة
[ قال الجلال السيوطي رحمه الله ]: ما ذكرناه من أن الحرف لا يدل على معنى في نفسه هو الذي أجمع عليه النحاة, وقد خرق إجماعهم الشيخ بهاء الدين بن النحاس, فذهب في تعليقه على (المقرب) إلى أنه يدل على معنى في نفسه
قال: لأنه إن خوطب به من لا يفهم موضوعه لغة, فلا دليل في عدم فهم المعنى على أنه لا معنى له, لأنه لو خوطب بالاسم والفعل وهو لا يفهم موضوعهما لغة كان كذلك, وإن خوطب به من يفهمه فإنه يفهم منه معنى عملا بفهمه موضوعه لغة, كما إذا خوطب بـ: (هل) من يفهم أن موضوعها الاستفهام, وكذا سائر الحروف
قال: والفرق بينه وبين الاسم والفعل أن المعنى المفهوم منه مع غيره أتم من المفهوم منه حال الإفراد بخلافهما, فالمفهوم منهما في التركيب عين المفهوم منهما في الإفراد .انتهى
المصدر : [ همع الهوامع في شرح جمع الجوامع 1 /26]
قلت - رحم الله والدي - :
بيان وتوضيح: ابن النحاس: محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الإمام أبو عبد الله الحلبي النحوي, شيخ الديار المصرية في علم اللسان/ت 698هـ / ترجمته في بغية الوعاة [1 /13], كتابه التعليقة على المقرب طبع بتحقيق د. جميل عبد الله عويضة ، في وزارة الثقافة عمّان 1424 هـ/ تحميل الكتاب , وهو غير أبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي المعروف أيضا بابن النحاس، صاحب (إعراب القرآن)، و(الناسخ والمنسوخ) فذلك متقدم وفاة, توفي سنة 338هـ
============
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
117- آفة التنعم
[ قال ابن الجوزري رحمه الله ]:
اعْلَم أَن الآفة فِي التنعم من ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: أَن الدُّنْيَا دَار تَكْلِيف, لَا دَار رَاحَة، فالمشتغل بالتنعم لَا يكَاد يُوفي التَّكْلِيف حَقه.
أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد قَالَ: أخبرنَا الْحسن بن عَليّ التَّمِيمِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر بن مَالك قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا هَارُون قَالَ: أَنبأَنَا ضَمرَة عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: سَمِعت فرقدا يَقُول:
إِنَّكُم لبستم ثِيَاب الْفَرَاغ قبل الْعَمَل، ألم تروا إِلَى الْفَاعِل إِذا عمل كَيفَ يلبس أدنى ثِيَابه، فَإِذا فرغ اغْتسل وَلبس ثَوْبَيْنِ نَقِيَّيْنِ، وَأَنْتُم لبستم ثِيَاب الْفَرَاغ قبل الْعَمَل.
الآفة الثَّانِيَة: أَن التنعم من حَيْثُ الْأكل يُوجب كَثْرَة التَّنَاوُل، فَيَقَع التشبع فيُورِثُ الكسلَ والغفلة، وَيحصل البَطَرُ والمرح, وَمن جِهَة اللبَاس يُوجب لِينَ الْبدن فيضعف عَن الْأَعْمَال الشاقة، ويصعُب عَلَيْهِ الْجِهَاد والتقلب فِي الِاكْتِسَاب، وَيضم ضِمنه الْخُيَلَاء, وَمن جِهَة النِّكَاح فَإِنَّهُ يحمل على إِنْفَاقِ القُوَى فِي اللَّذَّات فيضعُفُ عَن أَدَاء اللوازم.
والآفة الثَّالِثَة: أَن مَن أَلِفَ ذَلِك صَعُبَ عَلَيْهِ مُفَارقَة مَا أَلِف، فيُفْنِى زَمَانَه المحسوب عَلَيْهِ فِي اكْتِسَاب ذَلِك، خُصُوصا فِي بَاب التَّنَوُّقِ فِي النِّكَاح، فَإِن المُتَنَعِّمَة تحْتَاج إِلَى أَضْعَاف مَا تحْتَاج إِلَيْهَا غَيرهَا، ولهذه الْمعَانِي قَالَ عمر: " اخْشَوْشِنُوا وتحفوا "
المصدر : [كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ 92]
قلت - رحم الله والدي-:
بيان وتوضيح : قال في النهاية [1 / 200]: تنوق بالنون، وهو من التنوق في الشيء إذا عمل على استحسان وإعجاب به. يقال تنوق وتأنق, وقال [2 / 35]: اخشوشن الشيء مبالغة في خشونته. واخشوشن: إذا لبس الخشن.
============
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
118- بخل الشاعر
[ قال ابن العديم رحمه الله ]: قرأت على ظَهر نُسخة قديمة من شعر المتنبي ما صورته: حكى أبو بكر الخوارزمي: أن المتنبي كان قاعدا تحت قول الشاعر:
وإن أحق الناس باللوم شاعر ... يلوم على البخل الرجال ويبخل
وإنما أعرب عن طريقته وعادته بقوله:
وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.
قال: فحضرت عنده يوما وقد أُحْضِر مال، فصُبَّ بين يديه من صِلات سيف الدولة على حصير قد افترشه، فوُزِن وأُعِيد في الكيس، وتخَلَّلَت قطعة كأصغر ما تكون خِلال الحصير، فأَكَبَّ عليه بمجامعه, يعالج لاستنقاذها منه، ويشتغل عن جلسائه حتى تَوَصَّلَ إِلى إِظهار بعضها، وأنشد قول قيس من الخطيم:
تبَدَّت لنا كالشمسِ بين غمامة ... بَدَا حاجبٌ منها وضَنَّتْ بحاجب
ثم استخرجها, وأمر باعادتها إلى مكانها, وقال: إنها تُخَضِّرُ المَائِدة.
المصدر : [ بغية الطلب فى تاريخ حلب 2/ 660 ]
قلت - رحم الله والدي-:
توضيح وبيان: قوله: تُخَضِّرُ المائدة: أي تكفي لشراء الخُضَرِ لمائدة الطعام, وقوله : وقوف... الخ, عجز بيت من قصيدة للمتنبي أولها:
وَفاؤكُما كالرَّبْع أشْجاهُ طاسمه *** بأنْ تُسعِدا والدّمْعُ أشفاهُ ساجِمُهْ
وما أنَا إلاّ عاشِق كل عَاشِقٍ *** أعَقُّ خَليلَيْهِ الصّفِيّينِ لائِمُهْ
وقَدْ يَتَزَيّا بالهَوَى غَيرُ أهْلِهِ *** ويَستَصحِبُ الإنسانُ مَن لا يُلائمُهْ
بَليتُ بِلى الأطْلالِ إنْ لم أقِفْ بها *** وُقوفَ شَحيحٍ ضاعَ في التُّرْبِ خاتمُهْ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
119- فطرة الإنسان وحيرة المتكلم الحيران
قال الحافظ أبو منصور بن الوليد البغدادي في رسالته التي كتبها إلى الفقيه محمود الزنجاني أن أبا محمد الحافظ الحراني, يعني: عبد القادر الرهاوي, أنا الحافظ أبو العلاء يعني: الهَمْداني, أنا أبو جعفر الحافظ: سمعت أبا المعالي الجويني، وقد سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }, وقال: كان الله ولا عرش، وجعل يتخبط في الكلام، فقلت: يا هذا, قد علمنا ما أشرت إليه، فهل عندك للضرورات من حيلة، فقال: ما تريد بهذا القول، وما تعني بهذه الإشارة، فقلت: ما قال عارف قط يا رباه، إلا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة، يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة، فبينه لنا لنتخلص من الفوق، وبكيت, وبكى الخلق، فضرب بكمه على السرير، وصاح بالحيرة، وخرق ما كان عليه وانخلع وصارت قيامة في المسجد، وترك ولم يجبني إلا بـ: يا حبيبي, الحيرة، والدهشة الدهشة، وسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيرني الهمداني .
المصدر : [ بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية 1/ 50]
قلت - رحم الله والدي-:
القصة ذكرها أيضا ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية [2 / 275], والذهبي في العلو للعلي الغفار [582], والسبكي في طبقاته [5 /190], وكررها شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه, من ذلك في كتاب الاستقامة [1/ 167], ومجموع الفتاوى [3 /220], و[4/ 45], وعلق عليها بقوله: وذلك لأن نفس استوائه على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام علم بالسمع الذي جاءت به الرسل, كما أخبر الله به في القرآن والتوراة, وأما كونه عاليا على مخلوقاته بائنا منهم: فهذا أمر معلوم بالفطرة الضرورية التي يشترك فيها جميع بني آدم, وكل من كان بالله أعرف وله أعبد ودعاؤه له أكثر وقلبه له أذكر كان علمه الضروري بذلك أقوى وأكمل, فالفطرة مكملة بالفطرة المنزلة, فإن الفطرة تعلم الأمر مجملا, والشريعة تفصله وتبينه, وتشهد بما لا تستقل الفطرة به, فهذا هذا, والله أعلم.اهـ
وفي [4 / 62] وقال: فهذا الشيخ تكلم بلسان جميع بني آدم, فأخبر أن العرش والعلم باستواء الله عليه إنما أخذ من جهة الشرع وخبر الكتاب والسنة, بخلاف الإقرار بعلو الله على الخلق من غير تعيين عرش ولا استواء, فإن هذا أمر فطري ضروري, نجده في قلوبنا نحن وجميع من يدعو الله تعالى, فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا.اهـ
وتكلم عليها بأبسط منه في بيان التلبيس مفسرا لجملها[1/ 50], قال رحمه الله : لما تكلم أبو المعالي على منبره في نفي علو الله على العرش، بأن الله كان قبل العرش، ولم يتجدد له بالعرش حال، قام إليه هذا الشيخ أبوجعفر الهمداني الحافظ، فقال: قد علمنا ما أشرت إليه، أي: دعنا من ذكر العرش، فإن العلم بذلك سمعي عقلي، ودعنا من معارضة ذلك بهذه الحجج القياسية، فهل عندك للضرورات من حيلة، أي: كيف تصنع بهذه الضرورة الموجودة في قلوبنا؟ ما قال عارف قط: يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة، يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة، فبينها نتخلص من الفوق والتحت، قال: فصاح «أبو المعالي» وضرب على السرير، وخرق ما كان عليه، ولم يجبه إلا بقوله: الحيرة الحيرة، الدهشة الدهشة، وكان يقول: حيرني الهمداني. وذلك لأن العلم باستواء الله على العرش بعد خلق السموات والأرض، إنما علم بالسمع، أمَّا العلم بعلو الله على العالم فهو معلوم بالفطر الضرورية وعند الاضطرار في الحاجات لا يقصد القلب إلا ما يعلم كما يعلم، فقال لأبي المعالي: ما تذكره من الحجج النظرية، لا تندفع به هذه الضرورة، التي هي ضرورة في القصد، المستلزم للضرورة في العلم، فعلم أبو المعالي أن هذه معارضة صحيحة، فقال: حيرني الهمداني، لأنه عارض ما ذكره من النظر، بما بينه من الضرورة، فصرخ حائرًا، لتعارض العلم الضروري والنظري، ولأن هذه الضرورة الموجودة في القلوب علمًا وقصدًا، ولا يمكن أحدٌ نزعها إلا بإحالة الفطر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟»
وأما المناظر، فإذا قال لمنازعه هذا، إن ما علمه بالضرورة والبديهة، أو هذه المقدمة بديهية أو ضرورية عندي، لم يكن له أن يناظره ببيان ما ينافي الأمر الضروري، كما ذكره، فإن غايته في ذلك أن يستدل بمقدمات، يسندها إلى مقدمات ضرورية، فلو قدر أن البديهيات تتعارض، أو تعارضت عند شخص لم يكن دفعها هذا البديهي، لهذا البديهي، بأولى من العكس، فكيف إذا كان المعارض لها أمورًا نظرية، مستندة إلى بديهية؟ فلا ينقطع المناظر بمثل هذا، فلا ينتفع به الراد عليه، ولاينتفع به الناظر كما تقدم، ولكن إذا ادعى شخص في مقدمة أنها فطرية، فإما أن يعتقد كذبه أو يعتقد صدقه، فإن اعتقد أنه كاذب، عومل بما يعامل به مثله من الكذابين الجاحدين، على ما وردت به الشريعة، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}, وعامة الكفار من هذا النوع، وإن اعتقد أنه صادق فيما يخبر به عن نفسه، ولكنه مخطئ، لاشتباه معنى عليه بمعنى آخر، أو اشتباه لفظ بلفظ، أو غير ذلك، أو لخلل وقع في إدراك حسِّه وعقله، أو لنوع هوى خالط اعتقاده، فهذا طريقه أن يبين له ما يزيل الاشتباه، حتى يتميز له أن الذي اضطر إليه من العلم ليس هو الذي نوزع فيه، بل هو غيره أو يصلح إدراكه بإزالة الهوى، أو الاعتقاد الفاسد، الذي جعله يظن ما ليس بضروري ضروريًّا، كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }, وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} .اهـ
قال العلامة الألباني رحمه الله في مختصر العلو [308]: إسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحفاظ، وأبو جعفر اسمه محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الهمداني مات سنة 531هـ، وقد وصفه ابن تيمية في مجموعة الفتاوى[4/ 44] بـالشيخ العارف, ويبدو لي أن هذه الحيرة كانت قبل استقرار عقيدة أبي المعالي الجويني على المذهب السلفي، بل لعلها كانت المنطلق إلى هذا الاستقرار الذي أبان عنه فيما سبق من كلامه في الرسالة النظامية, وما أشبه حال بحال أبيه العلامة أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني، فقد كان برهة من الدهر متحيرا في هذه المسألة الأستواء وسواها من مسائل الصفات, بسبب تأثره بعلم الكلام الذي تلقاه عن شيوخه. ثم استقر أمره -والحمد لله- على العقيدة السلفية فيها، كما شرح ذلك هو نفسه أحسن الشرح في رسالته القيمة في "إثبات الاستواء والفوقية", وهي مطبوعة في المجلد الأول من "مجموعة الرسائل المنيرية" [ ص170-187], وإني لأستغرب كيف فات ذكر هذا الإمام على الحافظ الذهبي في جملة هؤلاء الأئمة الأعلام الذي قالوا بقول السلف في هذه المسألة الهامة. ولك جل من لا ينسى.اهـ
توضيح وبيان: أبو جعفر الهمذاني: محمد بن أبي علي الحسن بن محمد, الحافظ الصدوق, رحل وروى عن ابن النقور وأبي صالح المؤذن والفضل بن المحب وطبقتهم بخراسان والعراق والحجاز, قال ابن السمعاني: ما أعرف أن في عصره أحدا سمع أكثر منه, توفي في ذي القعدة / ترجمته في عبر الذهبي [4/85 / وفيات سنة 531هـ] وشذرات الذهب [4/97]
قلت [ أبو يعلى ]: رسالة إثبات الاستواء والفوقية ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد وتنزيه الباري عن الحصر والتمثيل والكيفية تاليف أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي والد إمام الحرمين/ت 438هـ, طبعت في دار المعرفة دمشق 1416هـ تحقيق عبد المنعم سعيد الطباع، ثم في دار طويق الرياض 1419 هـ تحقيق د. أحمد معاذ بن علون حقي, وفي مكتبة الثقافة الدينية مصر 1425 هـ تحقيق عدنان بن حمود أبو زيد, وطبعت في المكتب الإسلامي 1405 هـ بتحقيق زهير الشاويش باسم « النصيحة في صفات الرب جل وعلا » منسوبة للشيخ أحمد بن إبراهيم الواسطي ابن شيخ الحزامين/ت 711 هـ / تحميل الكتاب: طبعة طويق / طبعة الثقافة / مخطوطة الازهرية / ط المكتب
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
122- المفاضلة بين الفقير الصابر والغني الشاكر
هل الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر أم العكس؟ فيه قولان للعلماء, هما روايتان عن الإمام أحمد، وذكر القاضي أبو الحسين أن أصحهما أن الفقير الصابر أفضل, وقال: اختارها أبو إسحاق بن شاقلا, والوالد السعيد, وقال الشيخ تقي الدين: والصواب في قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13], فإن استويا في الفتوى استويا في الدرجة كذا قال
وقال الحاكم في تاريخه عبيد الله بن محمد بن نافع بن مكرم الزاهد أبو عباس العابد كان من الأبدال، توفي في المحرم سنة أربع وثمانين وثلثمائة، سمعت الأستاذ " أبو الوليد " يقول: لو أن التابعين والسلف رأوا عبيد الله الزاهد لفرحوا به
سمعت محمد بن جعفر المزكى سمعت أبا علي الثقفي يقول: عبيد الله الزاهد من المجتهدين, قال الحاكم: قلت لعبيد الله قد اختلف الناس في الفقر والغنى أيهما أفضل؟ , قال: ليس لواحد منهما فضل, إنما يتفاضل الناس بإيمانهم, ثم قال عبيد الله: كلمني أبو الوليد في فضل الغني, واحتج علي بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني», قلت: يعارضه قوله - صلى الله عليه وسلم - «أفضل الصدقة جهد المقل», قال عبيد الله: والدليل على ما ذكرت أن الناس يتفاضلون بإيمانهم قوله - صلى الله عليه وسلم - لحارثة: «إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك قال: عزفت نفسي عن الدنيا», جعل اختيار الفقر على الغنى حقيقة الإيمان, وهو غريب ضعيف. انتهى كلامه.
قال ابن الجوزي: وأما التفضيل بين الغني والفقير فظاهر النقل يدل على تفضيل الفقير، ولكن لا بد من تفضيل فنقول إنما يتصور الشك والخلاف في الأمرين
قال ابن هبيرة الوزير الحنبلي: ولو لم يكن في الفقر إلا أنه باب رضاء الله, ولو لم يكن في الغنى إلا أنه باب سخط الله؛ لأن الإنسان إذا رأى الفقير رضي عن الله في تقديره، وإذا رأى الغني تسخط بما هو عليه، وذلك يكفي في فضل الفقير على الغني.
المصدر : [الآداب الشرعية والمنح المرعية 3 /487]
قلت - رحم الله والدي-:
المسألة بسطها ابن القيم في كتابه: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين [1 /181] في صفحات, ومما قال رحمه الله: هذه مسألة كثر فيها النزاع بين الاغنياء والفقراء, واحتجت كل طائفة على الاخرى بما لم يمكنها دفعه من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار, ولذلك يظهر للمتأمل تكافؤ الطائفتين, فإن كلا منهما أدلت بحجج لا تدفع, والحق لا يعارض بعضه بعضا, بل يجب اتباع موجب الدليل أين كان, وقد أكثر الناس فى المسألة من الجانبين, وصنفوا فيها من الطرفين, وتكلم الفقهاء والفقراء والاغنياء والصوفية وأهل الحديث والتفسير, لشمول معناها وحقيقتها للناس كلهم, وحكوا عن الامام أحمد فيها روايتان, ذكرهما أبو الحسين فى كتاب التمام ,اهـ
وقال في بدائع الفوائد [3 /162]: قد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل, فأجاب فيها بالتفصيل الشافي, فمنها: أنه سئل عن تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر أو العكس؟, فأجاب بما يشفي الصدور فقال: "أفضلهما أتقاهما لله تعالى فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة".اهـ
وقال في مدارج السالكين [2 /413]: وأما كلامهم في مسألة الفقير الصابر، والغني الشاكر وترجيح أحدهما على صاحبه, فعند أهل التحقيق والمعرفة: أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى. وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق. فالمسألة أيضا فاسدة في نفسها. فإن التفضيل عند الله تعالى بالتقوى، وحقائق الإيمان. لا بفقر ولا غنى، كما قال تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}, ولم يقل أفقركم ولا أغناكم, قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - والفقر والغنى ابتلاء من الله لعبده. كما قال تعالى {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن - وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن}, كلا أي ليس كل من وسعت عليه وأعطيته: أكون قد أكرمته، ولا كل من ضيقت عليه وقترت: أكون قد أهنته، فالإكرام: أن يكرم الله العبد بطاعته، والإيمان به، ومحبته ومعرفته. والإهانة: أن يسلبه ذلك, قال - يعني ابن تيمية - ولا يقع التفاضل بالغنى والفقر. بل بالتقوى، فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة. سمعته يقول ذلك, وتذاكروا هذه المسألة عند يحيى بن معاذ. فقال: لا يوزن غدا الفقر ولا الغنى، وإنما يوزن الصبر والشكر, وقال غيره: هذه المسألة محال من وجه آخر. وهو أن كلا من الغني والفقير لا بد له من صبر وشكر. فإن الإيمان نصفان: نصف صبر. ونصف شكر. بل قد يكون نصيب الغني وقسطه من الصبر أوفر. لأنه يصبر عن قدرة، فصبره أتم من صبر من يصبر عن عجز. ويكون شكر الفقير أتم؛ لأن الشكر هو استفراغ الوسع في طاعة الله، والفقير أعظم فراغا للشكر من الغني. فكلاهما لا تقوم قائمة إيمانه إلا على ساقي الصبر والشكر, نعم، الذي يحكي الناس من هذه المسألة: فرعا من الشكر، وفرعا من الصبر, وأخذوا في الترجيح بينهما. فجردوا غنيا منفقا متصدقا، باذلا ماله في وجوه القرب، شاكرا لله عليه. وفقيرا متفرغا لطاعة الله. ولأوراد العبادات من الطاعات، صابرا على فقره. فهل هو أكمل من ذلك الغني، أم الغني أكمل منه؟, فالصواب في مثل هذا: أن أكملهما أطوعهما. فإن تساوت طاعتهما تساوت درجاتهما. والله أعلم.اهـ
وانظر كلام شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى على المسألة في مواضع من كتبه: الفرقان [ص52], مجموع الفتاوى [11 /21] و [11 /122]و [11 /195], ومختصر الفتاوى المصرية [ص572], ومما ألف فيها من الكتب و الرسائل:
1- تفضيل الفقير على الغني للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي/ت 458 هـ, طبع ضمن مجلة دار عالم المخطوطات و النوادر تحقيق : د أسامة محمد / رابط تحميله
2- تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الشافعي/ ت 429هـ, ذكره في كشف الظنون [1 /462]
3- تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر للعلامة محمد بن بير البركوي الحنفي/ت 981هـ, طبع في دار ابن حزم بيروت
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
123- حفظ العمر
محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الفخار الجذامي, استوطن مالقة، وسمع بها على أبي عمر بن حوط الله، وتصدر للإقراء بها
فكان يدرس من صلاة الصبح إلى الزوال، ويُقرِأُ القرآن، ويفتي النساء بالمسجد إلى بعد العصر، ويأتي الجامع الأعظم بعد المغرب فيفتي إلى العشاء الآخرة, ولا يقبل من أحد شيئا
المصدر: [بغية الوعاة 1/ 187]
قلت - رحم الله والدي-:
هكذا كانوا رحمهم الله, أوقاتهم عامرة بالطاعات, ونشر الخير, ونفع الخلق, ويحفظون أعمارهم من الضياع والشتات, ولا وقت عندهم للغو والتنافس على الدنيا, فاللهم ألحقنا بهم سالمين, ولآثارهم وهديهم مقتفين, آمين
وللحافظ ابن الجوزي رحمه الله كتاب نفيس سماه: حفظ العمر, وهو مطبوع, فانظره تر العجب من أقوالهم وأفعالهم في ضبط الأنفاس وشحتهم بتضييعها فيما لا ينفع ولا يفيد / تحميل الكتاب
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
124- حفظ هيبة العلم
محمد بن عيسى الخزرجي المالقي المالكي أبو بكر, قال في البدر السافر: كان فاضلا نحويا زاهدا عابدا مشتغلا بنفسه
كان ابن التلمساني يقرأ عليه النحو، وهو يقرأ عليه المعقول، فَيُبَكِّرُ إليه ابن التلمساني، فيقرأُ عليه، ثم يقول: يقرأ سَيدُنا درسَهُ، فيقول: لا حتى أروح إلى بيتك.
المصدر : [ بغية الوعاة 1/ 206 ]
قلت - رحم الله والدي -:
مما في يضاف إلى باب المحافظة على طريقة تلقي العلم وهيبته ما حكاه ياقوت في معجم الأدباء [2 /654]: حدثني عزيز الدين رحمه الله قال: لما ورد الفخر الرازي إلى مرو، وكان من جلالة القدر وعظم الذكر وضخامة الهيبة بحيث لا يراجع في كلامه، ولا يتنفّس أحد بين يديه لإعظامه على ما هو مشهور متعارف، دخلت إليه، وترددت للقراءة عليه, فقال لي يوما: أحبّ أن تصنّف لي كتابا لطيفا في أنساب الطالبيين لأنظر فيه, فلا أحبّ أن أموت جاهلا به، فقلت له: أتريده مشجّرا أم منثورا؟ , فقال: المشجر لا ينضبط بالحفظ، وأنا أريد شيئا أحفظه، فقلت له: السمع والطاعة، ومضيت وصنّفت له الكتاب الذي سميته بـ: «الفخري», وحملته وجئته به، فلما وقف عليه نزل عن طراحته وجلس على الحصير, وقال لي: اجلس على هذه الطراحة، فأعظمت ذلك وهِبتُه، فانتهرني نهرة عظيمة مزعجة, وزعق فيّ قائلا: اجلس بحيث أقول لك، فتداخلني -علم الله- من هيبته ما لم أتمالك إلا أن جلست حيث أمرني، ثم أخذ يقرأ علَيَّ ذلك الكتاب, وهو جالس بين يديّ, ويستفهمني عما يستغلق عليه إلى أن أنهاه قراءة، فلما فرغ من قراءته قال: اجلس الآن حيث شئت، فإن هذا عِلْمٌ أنت أستاذي فيه، وأنا أستفيد منك, وأتتلمذ لك، وليس من الأدب أن يجلس التلميذ إلا بين يدي الأستاذ، فقمت من مقامي, وجلس هو في منصبه، ثم أخذت أقرأ عليه, وأنا جالس بحيث كان أوّلا
[قال ياقوت]: وهذا لعمري من حسن الأدب حسن, ولا سيّما من مثل ذلك الرجل العظيم المرتبة. اهـ
توضيح وبيان: كتاب: الفخري في أنساب الطالبيين تأليف النسابة القاضي إسماعيل بن الحسن بن محمد الحسيني المروزي الأزورقاني /ت 614هـ, طبع عند الرافضة - أقمأهم الله - في مكتبة النجفي العامة 1409هـ, تحقيق مهدي الرجائي / تحميل الكتاب
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
125- تحقيق وفاة عالم في منام حالم
قال المؤلف [ياقوت]: كنت بحلب في سنة إحدى عشرة وستمائة, في منزل القاضي الأكرم والصاحب الأعظم أبي الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني، فتجارينا أمر الجوهريّ, وما وُفِّق له من حُسن التصنيف، ثم قلت له: ومن العَجَب أني بحثتُ عن مولده ووفاته بحثا شافِيا، وسألت عنهما الوارِدِين من نيسابور فلم أجد مُخبِرا عن ذلك, فقال لي: لقد بحثتُ قبلكَ عن ذلك فلم أَرَ مُخبِرا عنه
فلما كان من غدِ ذلك اليومِ جِئتُه, فقال لي: ألا أخبرك بطريفة ؟, إنني رأيتُ في بارِحَتنا في النوم قائلا يقول لي: مات إسماعيل بن حماد الجوهري في سنة ست وثمانين وثلاثمائة, ولعمري وإن كان المنام مما لا يقطع به, ولا يعمل عليه, فهذا بلا شَكٍّ زمانُه, وفيه كان أوانُه، لأن شَيْخَيْهِ أبا علي وأبا سعيد ماتا قبل هذه المدة بسنين يسيرة.
ثم وجدت نسخة بـ: ديوان الأدب بخطّ الجوهري بتبريز, وقد كتبها في سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، ثم وقفت على نسخة بالصحاح بخطّ الجوهري بدمشق عند الملك المعظم بن العادل بن أيوب صاحب دمشق, وقد كتبها في سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
المصدر : [ معجم الأدباء 2/ 658]
قلت - رحم الله والدي-:
توضيح وبيان: الجوهري: أبو نصر إسماعيل بن حماد إمام اللغة التركي، الأتراري , وأترار : هي مدينة فاراب, مصنف كتاب الصحاح، وأحد من يُضرب به المثل في ضبط اللغة، وفي الخط المنسوب، يعد مع ابن مقلة, وابن البواب, مات الجوهري مترديا من سطح داره بنيسابور، في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة, وقيل: مات في حدود سنة أربع مائة رحمه الله, قاله الذهبي في السير [17 /82]، وأبو علي: هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ/ت 377 هـ , وأبو سعيد : هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي/ت 368 هـ, كتاب: ديوان الادب معجم في اللغة لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي/ت 350هـ, وهو خال الجوهري, طبع في دار الكتب العلمية بيروت في مجلدين
============
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
126- من نوادر اللغة
حدث المرزباني عن عبد الله بن يحيى العسكري عن أبي إسحاق الطلحي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعدان قال:
حرفان فيهما أربع وعشرون نقطة لا يعرف مثلهما حكاهما أبو الحسن اللحياني « تتقتقت », أي صعدت في الجبل, و « تبشبشت » من البشاشة
وحرف في القرآن هجاؤه عشرة أحرف متصلة, ليس في القرآن مثله في سورة النور: [ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ ] (النور: 55)
المصدر : [معجم الأدباء 1/ 64]
قلت - رحم الله والدي-:
في صحاح للجوهري [3 /996 مادة: بشش ]: البشاشة: طلاقة الوجه. وقد بشِشت به، بالكسر، أبش بشاشة. ورجل هش بش، أي طلق الوجه طيب. قال يعقوب: يقال لقيته فتبشبش بى. وأصله تبشش فأبدلوا من الشين الوسطى فاء الفعل، كما قالوا: تجفجف.
وفي لسان العرب [10 /33 مادة: تقق ]: التقتقة: الهوي من فوق إلى أسفل على غير طريق، وقد تتقتق. وتتقتق من الجبل وفي الجبل: انحدر؛ هذه عن اللحياني. والتقتقة: سرعة السير وشدته. الفراء: الذوح سير عنيف؛ وكذلك الطمل والتقتقة. ابن الأعرابي: التقتقة الحركة.
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
127- النسة إلى الجمع
آدم بن أحمد بن أسد الهروي, أبو سعد النحوي اللغوي, حَاذِق مُنَاظر [ت 536هـ ]
لما ورد بغداد اجتمع إليه أهل العلم, وقرأوا عليه الحديث والأدب، وجرى بينه وبين الشيخ أبي منصور موهوب بن أحمد بن الخضر الجواليقي ببغداد منافرة في شيء اختلفا فيه، فقال له الهروي: أنت لا تحسن أن تنسب نفسك ؟، فإن الجواليقي نسبة إلى الجمع، والنسبة إلى الجمع بلفظه لا تصحّ.
قال [ السمعاني ]: وهذا الذي ذكره الهرويّ نوع مُغالطة, فإن لفظ الجمع إذا سُمِّي به جاز أن ينسب إليه بلفظه, كـ: مدائني, ومعافريّ, وأنماري, وما أشبه ذلك.
قال مؤلف هذا الكتاب [ ياقوت ]: وهذا الاعتذار ليس بالقويّ, لأن الجواليق ليس باسم رجل فيصحّ ما ذكره، وإنما هو نسبة إلى بائع ذلك، والله أعلم؛ وإن كان اسم رجل أو قبيلة أو موضع نسب إليه صحّ ما ذكره.
المصدر : [ معجم الأدباء 1 /35 ]
قلت - رحم الله والدي-::
قال عباس حسن في النحو الوافي ( [4 /741]: إذا أريد النسب إلى جمع التكسير، الباقي على دلالة الجمعية فالشائع4 هو النسب إلى مفرده؛ فيقال في النسب إلى: بساتين، وكتبة، ومدارس، وحقول ... : بستاني، وكاتبي، ومدرسي، وحقلي, فإن لم يبق جمعا لتكسير على دلالة الجمعية: بأن صار علما على مفرد، أو على جماعة واحدة معينة مع بقائه على صيغته في الحالتين وجب النسب إليه على لفظه وصيغته؛ فيقال في النسب إلى الجزائر -وهي الإقليم العربي المعروف في بلاد المغرب- وعلماء، وقراء، وأخبار، وأهرام، وتلول..., وكلها أعلام مشهورة في وقتنا" جزائري، علمائي، وأخباري، وأهرامي، وجبالي، وتلولي، كما يقال في النسب إلى جماعة اسمها: أنصار الدفاع، وأخرى اسمها: الأبطال ودولة اسمها: المماليك ... أنصاري، وأبطالي. ومماليكي، ولا يصح النسب إلى المفرد؛ منعا للإبهام واللبس؛ إذ لو قلنا: "الجزائري أو الجزري، وعالمي، وقارئي، وخبري، وهرمي، وجبلي، وتلي، وناصري، وبطلي، ومملوكي ... " لالتبس الأمر بين النسب إلى المفرد والنسب إلى الجمع.اهـ
وذكر في هامشه: جاء في الصفحة الرابعة من محاضر جلسات المجمع في دور انعقاده الثالث ما نصه بلسان رئيسه: يقول: " قرار المجمع بشأن النسبة إلى جمع التكسير عند الحاجة، كإرادة التمييز، ونحو ذلك: رأي المجمع في هذا أن النسبة إلى الجمع قد تكون في بعض الأحيان أبين وأدق في التعبير عن المراد من النسبة إلى المفرد. بهذا عدل عن مذهب البصريين القائلين بقصر النسبة على المفرد، إلى مذهب الكوفيين المترخصين في إباحة النسبة إلى الجمع؛ توضيحا وتبيينا". ا. هـ.
وقد تضمنت الصفحتان العاشرة والحادية عشرة من محاضر ذلك الدور الأدلة العلمية والدواعي للقرار السالف وجاء في ختامها ما نصه: أهل الكوفة يخالفون أهل البصرة في مسألة النسبة إلى الجمع يرده إلى واحده؛ فيجيزون أن ينسب إلى جمع التكسير بلا رد إلى واحدة؛ فلا يغير الوضع. وهذا هو الأصل العام، وفيه إبداء لإرادة المتكلم؛ فيتميز المنسوب إلى الجمع من المنسوب إلى واحدة؛ فيقال مثلا في النسبة إلى الملوك: الملوكي، وفي النسبة إلى الدول: الدولي، وفي النسبة إلى الكتاب: الكتابي، فلا تستوي النسبة إلى الجمع والنسبة إلى واحدة, ولقد كثر النسب إلى الجمع فيما مضى وغلب حتى جرى مجرى الأعلام؛ فمثلا قيل: الدوانيقي، لأبي جعفر المنصور الخليفة العباسي، وقيل لغيره: الكرابيسي، والأنماطي، والحاملي، والثعالبي، والجواليقي،... واستمر النسب إلى الجمع على هذا النحو إلى الآن. والمجمع إنما ينسب إلى لفظ جمع التكسير عند الحاجة؛ كالتمييز بين المنسوب إلى الواحد، والمنسوب إلى الجمع .اهـ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
128- التراشق بالألقاب
[قال ياقوت] : سمعت في المفاوضة ممن لا أحصي: أن الميداني لما صنّف كتاب " الجامع في الأمثال " وقف عليه أبو القاسم الزمخشري فحسده على جودة تصنيفه، وأخذ القلم, وزاد في لفظة الميداني [سينة] ، فصار النميداني، ومعناه بالفارسية الذي لا يعرف شيئا؛ فلما وقف الميداني على ذلك أخذ بعض تصانيف الزمخشري فزاد في نسبته [سينة] , فصار الزنخشري، ومعناه بائع زوجته
المصدر : [ معجم الأدباء 2/ 512]
قلت - رحم الله والدي- :
والقصة ذكرها أيضا القفطي في إنباه الرواة[1 /159], والزيادة منه, وعنده: [سُنَيْنَة], ويشبه هذا ما حصل للمحدث أبي الربيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الأسعردي الحنبلي رحمه الله [ت 639هـ], من تلاميذ الحافظ عبد الغني المقدسي, فقد ذكر الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة [3 /485]: أنهم كانوا يؤذونه، فيكشطون الدال من الأسعردي، ويعجمون السين فيصير الأشعري، فيغضب لذلك
توضيح وبيان: "الجامع في الأمثال" هو المطبوع بعنوان: "مجمع الأمثال", قال ياقوت الحموي: جيّد بالغ/ رابط تحميله
وإِسْعِردُ : مدينة بكردستان الشمالية
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
129- لا يريد سِواه
علي بْن مُحَمَّد بْن بشار أَبُو الحسن الزاهد العارف [ت 313هـ]
كان يفتتح مجلسه إذا أراد أن بتكلم بقوله عز وجل: [ وإنك لتعلم ما نُريد ], فقام إليه رجل, فقال له: رضي الله عنك, وما الذي تريد؟ , فقال له: وما حملك على المسألة عن ذلك ؟ , وأنا أقول ذلك منذ أربعين سنة, فما سألني أحد عنه, فأقسم عليه, فقال: هو يعلم أني ما أريد في الدنيا والآخرة سِواه.
المصدر: [ طبقات الحنابلة 2/ 60]
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
130- تفصيل أحوال السَّمَاعِ
قال أبو الوفاء بن عقيل في " الفنون " بعد السؤال عما يَعْتَرِي المتصوفة عند سماع الوعظ والغناء هل هو ممدوح أو مذموم؟
قال: لا يجوز أن يجيب عنها مجيب حتى يبين تحقيق السؤال، فإن الصعق دَخِيلٌ على القلب, وغما لا عزما, غير مكتسب ولا مجتلب، وما كان بهذه الصفة لا يدخل تحت حكم الشرع بأمر ولا نهي ولا إباحة، وأما الذي يتحقق من سؤالك أن نقول: هذا التصدي للسماع المزعج للقلوب المهيج للطباع الموجب للصعق جائز أو محظور؟ , وهو كسؤال السائل عن العطسة هل هي مباحة أو محظورة؟
والجواب : أن هذه المسألة لا يجابُ عنها جُملةً ولا جوابا مُطلقا، بل فيها تفصيل, وهو أَنْ يقال: إن عَلِمَ هذا المُصغِي إلى إنشاد الأشعار أنه يزولُ عقلُه ويعزُب رأُيه بحيث لا يدري ما يصنع من إفساد أو جناية فلا ينبغي أن يتعمد ذلك, وهو كالمتعمد لشرب النبيذ الذي يزيل عقله، وإن كان لا يدري لاختلاف أحواله, فإنه تارة يصعق وتارة لا، فهذا لا يَحرُم عليه، ولا يُكرَه، كذا قال, ويتوجه كراهته بخلاف النوم, فإنه وإن غطى على العقل, فإنه لا يُورِثُ اضطرابا تفسد به الأموال، بل يغطى عقل النائم ثم يحصل معه الراحة.
قال: وإذا استولى على العبد معرفة الرب، وسمع تلاوة القرآن لم يسمع التلاوة إلا من المتكلم بها فصعق السامع خضوعا للمسموع عنه..إلى أن قال: فهو الصَّعْقُ المَمدوحُ يعطل حكم الظاهر، ويوفر درك الناظر، لو رأيتموهم لقلتم: مجانين، والظاهر من خارج أحوالهم، خلى مما يلوح لهم, والأصل في تفاوت هذا صفاء المدارك واختلاف المسالك، فالقلوب تسمع الأصوات وترجيع الألحان فيحركهم طَرَبُ الطِّباَع، وما عندهم ذوق من الوجد في السماع، والخواص يدركون بصفاء مداركهم أرواحَ الألفاظِ وهي المعاني، ومن غَلَبَ عليه الإيهام البراني يتعجب مما يسمع من القوم، وقد قال الواجد:
لو يسمعون كما سمعت كلامَها ... خَرُّوا لعَزَّةَ رُكَّعا وسُجُودا
وقال بعض المشايخ: الناظر إلى القوم من خارج حالهم يتعجب دَهَشا، والمُلاحظُ يذوقُ المناسَبةَ يتلظى عَطَشا، كما قال القوال:
صغيرُ هواكِ عَذبني ... فكيفَ به إذا احْتَنَكَا
[ قال ابن مفلح ]: ومرادُ ابن عقيل - رحمه الله - عدمُ الإنكارِ على صاحب هذه الحال, كما يراه بعض الناس أي: الصادق منهم ومَدَحَ حاله, لا هذه الحال هي الغاية.
المصدر : [ الآداب الشرعية والمنح المرعية 2 /321 ]
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
131- من الفرج بعد الشدة
قال ابن رجبٍ رحمه الله : ذكر بعض العلماء في مصنفٍ له - وأظنه من المغاربة -، أنه سمع من أبي ذرٍ الهروي الحافظ: يحكي أنه كان ببغداد يقرأ على أبي حفصٍ بن شاهين في دكان عطارٍ، وأنه جاء رجلٌ إلى العطار، فدفع إليه عشرة دراهم، وأخذ منه حوائج، وجعلها في طبقٍ، وجعله على رأسٍ، فزلق، ووقع طبقه، وتفرقت حوائجه، فبكى واشتد بكاؤه، وقال: لقد ضاع مني في قافلةٍ كذا وكذا هميانٌ فيه أربع مئة دينارٍ، أو قال: أربعة آلاف دينارٍ، ومعها فصوصٌ قيمتها أكثر من ذلك، فما جزعت لضياعها، ولكن ولد لي الليلة ولدٌ، فاحتجنا في البيت إلى ما تحتاج إليه النفساء، ولم يكن عندي غير هذه العشرة الدراهم، فلما قدر الله بما قدر، جزعت وقلت: لا أنا عندي ما أرجع به اليوم إلى أهلي، ولا ما أكتسب غداً، ولم يبق لي حيلةٌ إلا الفرار عنهم، وأتركهم على هذه الحالة، فيهلكون بعدي، فلم أملك نفسي أن جزعت هذا الجزع.
قال أبو ذرٍ: ورجلٌ من شيوخ الجُند جالسٌ على باب داره، فسمع هذا كُلَّه، فسأل الجندي أبا حفصٍ أن يدخل هو وأصحابه والرجل المصاب معه إلى بيته، ففعل، وطلب من الرجل المصاب إعادة حكايته في الهميان، فأعاد ذلك عليه، وسأله عمن كان في تلك القافلة، وعن المكان الذي ضاع فيه الهميان، فأخبره، ثم سأله عن صفة الهميان وعلامته، فأخبره بذلك، فقال: لو رأيته كنت تعرفه؟ , قال: نعم، قال: فأخرجه إليه، فلما رآه قال: هذا الهميان الذي سقط، وفيه من الأحجار ما صفته كذا وكذا، ففتح الهميان فوجد الأحجار على ما وصف، فدفعه إليه وخرج من عنده، وقد صار من الأغنياء، فلما خرج بكى الشيخ الجندي بكاءً شديداً، فسئل عن سبب بكائه، فقال: إنه لم يكن بقي لي في الدنيا أملٌ، ولا أمنيةٌ أتمناها، إلا أن يأتي الله بصاحب هذا المال فيأخذه، فلما قضى الله بذلك بفضله ولم يبق لي أملٌ، علمت أنه قد حان أجلي.
قال أبو ذر: فما انقضى شهر حتى توفي، وصلينا عليه -رحمه الله تعالى-.
المصدر : [ نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي لابن عباس ص: 137]
قلت - رحم الله والدي-:
المؤلف المذكور هو الحافظ أبو سليمان الباجي الأندلسي, وكتابه المنقول عنه هو : سنن الصالحين وسنن العابدين, والقصة فيه بلفظ أبسط وأطول [2/ 754], وهو كتاب ممتع لا يمل قارئه, ولا يسأم الناظر فيه, طبع في مجلدين في دار ابن حزم بتحقيق إبراهيم باجس عبد المجيد, وفي مجلد واحد بمكتبة فياض مصر تحقيق عادل شوشة / رابط تحميله
============
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
132- بين جرير والفرزدق
[ قال الربعي ]: حدثنا محمد بن يونس، ثنا الأصمعي قال: حدثني أبي قال:
رأى رجلٌ في المنام جرير بن الخطفي، فقال: ما فعل بك ربك؟ , قال: غفر لي, قال: بماذا؟ , قال: بتكبيرةٍ كبرتُها لله عز وجل على ظهر ماءٍ بالبادية، قال: فقلت: ما فعل أخوك الفرزدق؟ , قال: ايهاه، أهلكه قذف المحصنات.
قال الأصمعي: لم يَدَعْهُ في الحياة ولا في الممات.
المصدر: [ منتقى من أخبار الأصمعي للربعي ص 15 رقم 57]
قلت - رحم الله والدي-:
قوله: لم يَدَعْهُ, أي من التعرض له, وذلك لما كان بينهما مما هو مشهور من المنافرة والمعارضة, ونقائضهما الشعرية معروفة, وهي في ديوان مطبوع / رابط تحميله: الجزء1 / الجزء2
وقد رئي للفرزدق -غفر الله له- منام حسن غير هذا الذي رآه جرير, فقد أخرج الحافظ أبو نعيم في منتخب من كتاب الشعراء [ص 33]: قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة, ثنا محمد بن إسحاق, حدثني محمد بن زكريا, حدثني إبراهيم بن عمر بن حبيب العدوي, حدثني أخي محمد بن عمر بن حبيب, عن سفيان بن عيينة, عن لبطة بن الفرزدق, قال: رأيت أبي في النوم, فقلت: ما فعل الله بك؟ ,قال: نفعني يوم لاقيت الحسن في الجنازة.
ويوم الحسن وهو البصري -رحمه الله- أخرجه أيضا أبو نعيم في المنتخب [ص 32]: حدثنا الحسن بن إسحاق بن إبراهيم, وثنا أبو روق, ثنا الرياشي, ثنا أبو عبيدة, قال: شهد الفرزدق جنازة أبي رجاء العطاردي, وفيها الحسن بن أبي الحسن, فلما دفن أبو رجاء والفرزدق جالس على شفير القبر- قال الحسن: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة.
وأخرجه بلفظ مطول الشجري في الأمالي الخميسية [1 /35/ رقم 110] قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم، بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان، قال: حدثنا إسحاق بن حكيم، قال: حدثنا أبو سفيان الغنوي، قال: حدثني محمد بن موسى الشيباني، قال: حدثنا عمار بن عطية التغلبي، عن أبان بن أبي عياش، قال: خرجنا في جنازة النوار بنت أعين بن ضبيعة، وكانت تحت الفرزدق، وقد كان الحسن فيها، فلما صرنا في الطريق، قال الفرزدق: يا أبا سعيد، ما يقول الناس؟ , قال: ما يقولون ؟، قال: يقولون في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، قال: ومن هو؟ قال: يقولون أنت خير الناس, وأنا شر الناس، قال الحسن: لست بأخير الناس, ولا أنت بأشر الناس، قال: فلما صلينا قام الحسن على شفير القبر فقال: يا أبا فراس، ما أعددت لهذا المضجع؟ , قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ بضع وسبعين سنة, فقال الحسن: خذوها من غير فقيه, ثم تنحى فجلس ناحية, وأحدق الناس به، فجاء الفرزدق يتخطى رقاب الناس حتى قام بين يدي الحسن, فأنشد شعرا:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشد من القبر التهابا وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيد وسواق يقود الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يساق إلى نار الجحيم مسربلا ... سرابيل قطران لباسا محرقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم ... يذوقون من حر الصديد تمزقا
قال: فلقد رأيت الحسن قد ثنى قميصه على وجهه ينحب.
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
133- سعة علم المتنبي بالشعر
ذكر ابن فورجه في «التجني على ابن جني» قال: وأما محله - يعني المتنبي - في العلم، فقال الحسن بن علي الجلاب: سمعته يقول:
من أراد أن يُغرِب علي بيتا لا أعرفه فليفعل
قال: وهذه دعوى عظيمة، ولا ريب أنه صادق فيها.
المصدر: [ بغية الطلب فى تاريخ حلب 2/ 664 ]
قلت - رحم الله والدي-:
توضيح وبيان: ابن فورجة: محمد بن حَمَد بن محمد بن عبد الله بن محمود البروجردي: عالم بالأدب, من كتبه: (التجني على ابن جني), و(الفتح على أبي الفتح - ط), انتقد بهما شرح أبي الفتح ابن جني لشعر المتنبي, توفي نحو سنة 455 هـ
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
134- من كريم أخلاق الصاحب بن عباد
[ قال ياقوت الحموي رحمه الله ]: مما وَجَدْتُ في بعض الكتبِ من مكارم الاخلاق للصاحب:
أنه استدعى يوما شرابا من شراب السُّكَّر, فجِيء بقدح منه، فلما أراد شُربه قال له بعض خَوَاصِّهِ: لا تشرَبه فإنه مَسمُوم، فقال له: وما الشاهدُ على صِحَّة ذلك؟ , قال: بأن تُجَرِّبَهُ على من أَعطَاكَهُ، قال: لا أستجيزُ ذلك, ولا أستَحِلُّهُ، قال: فَجَرِّبْهُ على كلب ، قال: إن التمثيل بالحيوان لا يجوز
وأمر بِصَبِّ ما في القدح، وقال للغلام: انصَرِفْ عني, ولا تدخل داري بعدها، وأَقَرَّ رِزقه عليه, وقال: لا تدفع اليقين بالشكّ، والعقُوبَة بقطعِ الرزق نَذَالَة.
المصدر : [ معجم الأدباء 2/ 668 ]
قلت - رحم الله والدي-:
هذه أخلاق كثيرة نبيلة مجتمعة في الصاحب - مع كونه جلدا في اعتزاله -, لو وزع خُلُقٌ واحد منها على جماعة لوَسِعَهُم, و لشيخ الأدب أبي حيان التوحيدي فيه كتاب سماه: أخلاق الوزيرين, ويعني بالوزيرين: الصاحب بن عباد وابن العميد, مزق فيه عِرضَهُما, وذكر مثَالِبَهُما, وقد فَسَّر ياقوت سبب تحامله عليه, فقال [2/ 669]: إن أبا حيان كان قصد ابن عباد إلى الري فلم يُرزَقْ منه، فرجع عنه ذَامّاً له، وكان أبو حيان مَجْبُولا على الغَرَام بثَلبِ الكِرَام، فاجْتَهَدَ في الغَضّ من ابن عباد، وكانت فضائلُ ابن عباد تأبَى إِلا أن تَسُوقَه إلى المدحِ, وإيضاحِ مكارمِه، فصارَ ذَمُّهُ له مَدْحاً / رابط تحميل كتاب: أخلاق الوزيرين
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
135- حُجَّة منامية
[ قال ابن العديم ]: أنبأنا أبو البركات بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال: أنبأنا أبو علي محمد بن محمد بن المهدي قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن سعيد الشّيحي المعدّل قال: حدثنا أبو الطيب عبد المنعم بن غلبون المقرئ قال: قال الحسين بن خالويه:
كنت عند سيف الدولة, وعنده ابن بنت حامد, فناظرني على خلق القرآن، فلما كان تلك الليلة نِمتُ، فأتاني آت فقال: لِمَ لَمْ تحتج عليه بأول القصص: «طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ نَتْلُوا عَلَيْكَ» ، والتِّلاَوَة لا تكونُ إِلّا بالكلام.
المصدر: [بغية الطلب فى تاريخ حلب 2/ 757]
قلت - رحم الله والدي-:
توضيح وبيان: ابن بنت حامد : ذكره الحافظ ابن حجر في لسان الميزان [1 /219/ 680], فقال: أحمد بن عبيد الله, أبو بكر بن بنت حامد البغدادي, قال ابن النجار: كان معتزليا, أُخرِج من دمشق, قلت: وكان حدث عن أحمد بن علي بن سعيد المروزي, وروى عنه عبد الرحمن بن نصر, ذكره ابن عساكر.
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
136- حُمَّى مصطنعة
قيل: دخل أبو بكر الخالدي على الخليفة، فأنشده قصيدة امتدحه بها فأجازه، وكان بين يديه صحن يشم أزرق، فلمحه أبو بكر , فأعطاه الخليفة إياه, فخرج من عنده وهو مسرور، فمر على أبي الفتح بن خالويه, فهنأه أبو الفتح بذلك، فلما أصبح جاء إلى الخدمة، فقال له الخليفة: كيف حالك وكيف كان مَبيتك؟ , قال: بخير, ودعا له، وقال: بِتنا ندعوا لمولانا أمير المؤمنين، وبت أتفنن في الصحن, وأتَمَلَّى بحسنه، فأضفته إلى صدقات مولانا ورفده، وكل خير عندنا من عنده، فَتَنَمَّرَ أمير المؤمنين، واستشاط غضباً وزجره
فخرج من عنده حزيناً كئيباً، فمر على ابن خالويه فسأله عن السبب, وما الخبر ؟, فأخبره بما قال، فقال له أبو الفتح: أَوَ قُلْتَهَا ؟ , فقال: نعم. فقال: أين أنت؟ , أتجعل أمير المؤمنين كلباً ؟, أين ذهب عقلك؟ , أو ما سمعت قول أبي نواس في طريدته:
فكل خير عندهم من عنده ... وكل رفد نالهم من رفده
فكاد الخالدي أن يموت فزعاً, ثم قال له: عَرِّفْنِي كيف المخلص؟, قال: تَمَارَضْ مُدة, ثم أظهر أنك شفيت, ثم تأتي أمير المؤمنين، فإذا سألك عن سبب مرضك، فقل له: طالعت طَرِيدَةَ أبي نواس، فلما فعل ذلك رضي عنه أمير المؤمنين.
المصدر: [ حياة الحيوان للدميري 2/141]
قلت - رحم الله والدي-:
وقع ما يشبه هذه القصة للشاعر السلامي, فلعلها تكررت, أو وقع وهم في نسبتها, فقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه الممتع: الأذكياء [ص53], قال: روى أبو الحسن بن هلال بن المحسن الصابي قال: حكى السلامي الشاعر قال: دخلت على عضد الدولة فمدحته, فأجزل عطيتي من الثياب والدنانير, وبين يديه حسام خرواني, فرآني أَلْحَظُهُ فرمى به إِلَيَّ, وقال: خذه, فقلت وكل خير عندنا من عنده, فقال عضد الدولة: ذاك أبُوكَ, فبَقِيتُ مُتحيرأ, لا أدري ما أراد, فجئت أستاذي, فشرحتُ له الحال, فقال: ويحكَ قد أخطأتَ عظيمة, لأن هذه الكلمةَ لأبي نواس, يصف كلبا حيث يقول:
أنعت كلبا أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
وكل خيرعنده من عنده ...
قال: فعُدْتُ مُتوشِّحا بكِساء, فوقفتُ بين يدي الملك, فقال: مالك ؟ , فقلت: حُمِمتُ السَّاعَة, فقال: هل تعرف سَبَبَ حُمَّاكَ, قلت: نظرتُ في ديوان أبي نواس, فقال: لا تخف, لا بأس عليك من هذه الحُمَّا, فسجدتُ بين يديه وانصرفت
توضيح وبيان: السلامي: العلامة الأديب أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد بن محمد القرشي المخزومي البغدادي، من فحول الشعراء,كان عضد الدولة يقول: إذا رأيت السلامي في مجلسي، خِلت أن عطارد نزل من الفلك إِلَيَّ/ت393هـ, ترجمته في سير أعلام النبلاء [17 /74]
الخالدي: هو أبو بكر محمد بن هاشم بن وعكة الموصلي, شاعر أديب، اشتهر هو وأخوه سعيد بالخالديين. وكانا من خواص سَيْف الدَّوْلَة ابن حمدان/ت نحو 380 هـ, وابن خالويه: أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، من كبار النحاة/ت 370 هـ
الطَرَدية, بفتح الطاء والراء, وهي القصيدة التي تصف رحلات الصيد, و الطرائد وكلاب الصيد والصقور, ولأبي نواس محمد بن هانىء الشاعر المشهور نحو خمسين طَرَدية, والطردية الواردة في القصة من أبياتها:
أتعب كلبا أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
فكلّ خير عندهم من عنده ... وكلّ رفد نالهم من رفده
يظلّ مولاه له كعبده ... يبيت أدنى صاحب من فهده
إذا عرى جلله ببرده ... ذا غرة محجلا بزنده
يلذّ منه العين حسن قده ... يا حسن شدقيه وطول خده
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
137- مضرة علماء الكلام
قال أبو الوفاء بن عقيل في " الفنون ": يا علماء, ما نقنع منكم بما أنتم عليه من زَيِّ تَصَارِيفكم، فإِنَّ طبيباَ بِهِ مِثْلُ مَرَضِي فَضَيَّقَ عَلَيَّ الأغذيةَ ولا يَحْتَمِي, مَشكُوكٌ في صِدقِه عِندي، فالْحَظُوا حَالَ من أنتم من وَرَثَتُهُ كيف غُفِر له, ثم قَام حتى تَوَرَّمت قدماهُ
يا سِباع, يا قُطَّاعَ الطريقِ, لا تُرَوْنَ إلا على مَطَارِح الجِيَفِ, نَبيُّكُم - صلى الله عليه وسلم - قَنَعَ من المرأةِ بإشارتِها إلى السماءِ, وأنتم تُشَكِّكُون الناسَ في العقائِد، انفتح بكَلامِكم البَثْقُ العظيمُ, وهو كَلامُ الدهرية والملحدة.
المصدر : [ الآداب الشرعية والمنح المرعية (3 / 486 ]
قلت - رحم الله والدي-:
ذم أهل الكلام مما تواتر على ألسنة أئمة السلف, ولو جمع كلامهم لجاء في جزء , وللشافعي رحمه الله خاصة في ذمه كلمات كثيرات قصيرات بليغات, وقد ألف شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري رحمه الله كتابه: ذم الكلام, وهو بالأسانيد, وألف الخطابي رسالة صغيرة وجيزة, سماها: الغنية عن الكلام, وللجلال السيوطي كتاب: صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام, وللعلامة محمد صديق حسن خان القنوجي كتاب: قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل, والكل مطبوع, فلينظر فيها من أحب الوقوف على جلية الأمر
وقوله: بإشارتِها إلى السماءِ, إشارة إلى الحديث المعروف بحديث الجارية أخرجه مسلم [537], وللشيخ سليم الهلالي رسالة مفردة فيه
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
الفائدة : 136
لأبي نواس محمد بن هانىء الشاعر المشهور نحو خمسين طَرَدية, والطردية الواردة في القصة من أبياتها:
أتعب كلبا أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
|
اسم أبي نواس: الحسن، ويكنى أبا علي.
وفي البيت الأول من الطردية تصحيف، صوابه: أنعَتُ.
من استدراك الاخ الفاضل: القاسم بن محمدوفقه الله
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
138- مصرع ظالم
[ قال ابن العديم رحمه الله ]: نقلت من كتاب «الربيع» تأليف غرس النعمة أبي الحسن محمد بن هلال ابن المحسن بن ابراهيم بن هلال المعروف بابن الصابئ، وأنبأنا به أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقير, عن أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي, قال: أنبأنا أبو عبد الله الحميدي, قال: أخبرنا غرس النعمة أبو الحسن، قال: وحدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر, قال: حدثني نصر الدولة أبو نصر بن مروان صاحب آمد وميافارقين وتلك الثغور، وكان ناظرا له إلى حين وفاته، قال:
كان بعض مُتقدمي الأكراد معي على الطبق, فأخذت حجلة مشوية مما كان بين يدي, فأعطيته إياها، فأخذها وضحك, فقلت: مم تضحك؟ , فقال: خير, فظننت أنه قد عاب علي ذلك, فألححت عليه, ودافع عن الجواب حتى رفعت يدي, وقلت: لا آكل شيئا حتى تعرفني سبب ضحكك, ما هو ؟، فقال: شيء ذكرتنيه الحجلة, وذاك أنني كنت أيام الشباب والجهالة قد أخذت بعض التجار في طريق وما كان معه من المتاع, وقربته الى لحف جبل، فأردت قتله خوفا على نفسي منه, وأن يعرفني من بعدُ ويطالبني, ويُعَرِّضَني للقبيح وتعترضني، فقال: يا هذا قد أخذت مالي, وأفقرتني وأولادي, فدعني أرجع الى عيلتي, فأَكِدَّ عليهم, ولا تحرمهم مالي ونفسي, وبكى, وسألني وتضرع إليّ، فلم أَرِقَّ له, شَرَهاً إلى ما كان معه، فلما أَيِسَ من الحياة التفت إلى حجلتين على جبل, وقال لهما: أشهدا لي عليه عند الله تعالى أنه قاتلي ظلما، وقتلته, فلما رأيت الحجلة الآن ذكرت ذلك الرجل, وحمقه في استشهاده الحجل علي
قال ابن مروان: فحين سمعت قوله اهتززت حتى لم أملك نفسي, وتقدمت بأخذه وكتفه, ثم ضرب رقبته بين يدي، فلم آكل حتى رأيت رأسه مبرّأ بين يديه, بعد أن قلت له: قد والله شهدت الحجلتان عليك عند من أقادك بالرجل, وأخَذَ له بحقه منك.
المصدر : [ بغية الطلب فى تاريخ حلب 3/ 1133]
[/color]
قلت - رحم الله والدي-:
الظلم مصرعه وخيم, والباغي يمهل الله له, ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر, والقصة أوردها الدميري في حياة الحيوان [1 /324] مختصرة جدا, ومعزوة لكتاب "النشوار" و"تاريخ ابن النجار", ولا توجد في المطبوع منهما, عن أبي نصر محمد بن مروان الجعدي, كذا نسبه, ولعله تحرف عن "الكردي"
بيان وتوضيح: أبو نصر بن مروان: هو أحمد بن مروان بن دوستك, أبو نصر, نصر الدولة الكردي, كان من الأكراد الحميدية, ويلقبون بالجهار بختية, ملك ميافارقين وآمد بعد قتل أخيه أبي منصور سعد بن مروان, ترجمته في بغية الطلب[3/ 1134]
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
139- الهيشة واستحضار عجيب
باب بن أحمد بيب بن عثمان بن سيدي محمد بن عبد الرحمن بن الطالب الشنقيطي، ويقال له الطالب محم
من عجيب استحضاره، أنه في "وقعة لمليح"، بين "إدوعل", و"إذا بلحن" [ قبيلتان ]، سعت بينهم وُفُود الزوايا في الصلح، فتراضَوا بحكم الشرع، وحكموا بحكم الشرع، وحَكَّمُوا عالما دِيمانيا, فاستظهر أن يقتل أربعة من " إدوعل " ، بأربعة من "إدابلحسن", قُتِلوا في تلك المعركة
فقال صاحب الترجمة : إن مثل هذا لا قصاص فيه, فقال القاضي: إن هذا لا يُوجد في كتاب، فقال: هو لم يَخْلُ منه كتاب, فقال القاضي: هذا القاموس، يعني إنه يدخل في عموم كتاب، فتناول صاحب الترجمة القاموس, وأول ما وقع نظره عليه:
" والهَيْشَة الفتنة, وأم حبين، وليس في الهيشات قَوَد، أي في القتيل في الفتنة لا يدرى قاتله "
فتعجب الناس من مثل هذا الإستحضار، في ذلك الموقف الحَرِج.
المصدر : [الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ص: 37]
قلت- رحم الله والدي -:
قال في القاموس المحيط [1 / 610/ مادة ه و ش ]: والهيشة: الهوشة، والجماعة المختلطة، والفتنة، وأم حبين, وليس في الهيشات قود, أي: في القتيل في الفتنة، لا يدرى قاتله.اهـ ,وقال أيضا: وأم حُبَيْن، كزُبَيْر: دُويبة وربما دخلها أل، وبحذفها لا تصير نكرة
ومما جاء في المسألة في كتب أهل العلم, ما ذكره العلامة ابن رشد الجد في البيان والتحصيل [15 / 519]: هذا مثل ما في الأثر من كتاب الجهاد من المدونة من قول ابن شهاب: هاجت الفتنة الأولى فأدركت رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، فكانوا يرون أن يهدر أمنُ الفتنة, فلا يقام على أحد قصاص, ولاحد في سبي امرأة مُسَّت, ولا يُرى بينها وبين زوجها مُلاعنة, يريد إن نَفَى ولدها, ولا يرى أن يقفوها أحد إلا جلد الحد، ومثله روى مطرف وابن الماجشون عن مالك, أنه لا يقتل به, ولا يقاد منه, ومن أهل العلم من يرى أنه يقاد به ويقتص منه، وهو قول أصبغ, ومذهب عطاء، وهذا الاختلاف في القصاص منه سواء تاب, أو أخذ قبل أن يتوب، ولا يقام عليه حد الحرابة وإن أخذ قبل أن يتوب, ولا يؤخذ ما أخذ من المال وإن كان موسرا, إلا أن يوجد بيده شيء بعينه فيرد إلى ربه، وأما من أوسر منهم في الحرب وهي قائمة لم يظهر بعدُ على أهل رأيه فللإمام أن يقتله إن رأى ذلك، لما يخاف من أن يعين مع أصحابه على المسلمين.اهـ
تنبيه: يُهدر أمنُ الفتنة , لعل صوابه : يُهدر أَمْرُ الفتنة
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
راجعت المدونة لسحنون فوجدت النص فيها [1 /531 ], وبه يتبين ما في النقل من بيان ابن رشد من تصحيف وتحريف:
ابْنُ وَهْبٍ ، عن يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عن ابْنِ شِهَابٍ , قَالَ : هَاجَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى ، فَأَدْرَكَتْ رِجَالًا ذَوِي عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنْ يُهْدَرُ أَمْرُ الْفِتْنَةِ , فَلَا يُقِيمُونَ فِيهِ عَلَى رَجُلٍ قَاتَلَ فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ قِصَاصًا فِيمَنْ قَتَلَ , وَلَا حَدَّ فِي سَبْيِ امْرَأَةٍ سُبِيَتْ , وَلَا نَرَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا مُلَاعنةً , وَلَا نَرَى أَنْ يَقْذِفَهَا أَحَدٌ إِلَّا جُلِدَ الْحَدَّ , وَنَرَى أَنْ تُرَدَّ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ تَعْتَدَّ ، فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ , وَنَرَى أَنْ تَرِثَ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ .
-
رد: سلسلة فاكهة المجالس وتحفة المؤانس/ فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أدبية
140- الولي واعتقاد أحمد رضي الله عنه
ذكر الشيخ يحيى بن يوسف الصرصري - ونظمه في قصائده - عن الشيخ على بن إدريس شيخه, أنه سأل قطب العارفين أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الجيلى, فقال: يا سيدي, هل كان لله وَلِيٌّ على غير اعتِقَاد أحمد بن حنبل ؟, فقال: ما كان ولا يكون
المصدر : [ الاستقامة 1 /85]
قلت - رحم الله والدي-:
عقيدة الإمام أحمد رحمه الله هي عقيدة الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان, وهم القرون الثلاثة الأولى المشهود لهم بالخيرية على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعقيدتهم عقيدة الأئمة: مالك وسفيان الثوري والشافعي والأوزاعي والليث وإسحاق وداود وابن جرير, ومن جاء بعدهم من أئمة هل الحديث, وإنما اشتهر أمر أحمد واختص بالذكر والصِّيتِ والنسبة عند السؤال عن العقيدة لصبره في المحنة
وكلمة الجيلي رحمه الله صادقة, فإنه لا يتصور إمام أو ولي تكون له إمامة في الدين, وقدم صدق في العلم والعمل ثم لا يكون على عقيدة ومنهج السلف الصالحين السابقين