-
60- أكثرُ المحدِّثين يكتفون بإمكانِ اللِّقاءِ، ولا يشترطون ثُبُوتَ السَّمَاعِ.
61- أمَّا البخاريُّ، وعليُّ بنُ المدِيني فقد كانا يشترطان ثبوتَ السماعِ.
62- إثباتُ اللقاءِ (السماع) بين الرَّوِاي وشيخِهِ يكونُ بعدةِ طُرُقٍ منها: قولُ الرواي سمعتُ من الشيخ، أو يكونُ بتنصِيصِ بعضِ الثِّقَاتِ بسماعِ الراوي من شيخِهِ.
63- هنالك بعضُ الرُّواةِ قد اجتمعوا مع بعضِ المشايخِ في بلدةٍ واحدةٍ، لكن لم يسمعوا منهم.
64- وقد ينْقُلون عنهم بواسطةٍ، لكن لا يذكرون هذه الواسطةَ، ويروون عن هذه المشايخِ بألفاظٍ تُوحِي أنهم سمعوا منهم، وليس كذلك.
65- لأجل ما سبق اشترطَ البخاريُّ، وعليُ بنُ المديني إثباتَ اللقاء، والسماع بين الرَّواي ومَنْ رَوَى عنه بأي وسيلة.
-
66- قال بعضُ العلماءِ: "إنَّ البخاريَ إنما اشترطَ ثُبوتَ السَّماعِ مِنَ الرَّاوي، وشيخِهِ في (جامعِهِ الصَّحيح) فقط، وليس ذلك شرطًا عنده في صحةِ الحديثِ عمومًا.
67- يُعَرَّفُ اتصالُ السَّندِ أيضًا بأنه سلامةُ الإسنادِ من سقوطٍ فيه.
68- الشرطُ الثاني في النظمِ لصحةِ الإسنادِ هو: عدمُ الشُّذوذِ، والشَّاذُّ هو: مخالفةُ الثقةِ لمن هو أوثقُ منه، أو لمن هو أولى مِنْهُ.
69- ومِنْ شُرُوطِ صحةِ الحديثِ أيضًا أن يكونَ الرَّاوي عَدْلًا ضابطًا عن مثلِهِ إلى منتهى السَّندِ.
70- العَدْلُ هو: مَنْ له مَلَكَةٌ تَحْملُهُ على مُلازمةِ التقوى، والمروءة.
-
71- وقِيل في تعريفِ العَدْلِ: مَنْ اطمأنَّ القلبُ إلى خبرِهِ، وسكنت النفسُ إلى ما رواه.
72- الرَّاوي يُوصَفُ بأنه عَدْلٌ إذا انتفى عنه (سَلِمَ من) الفسق، وخوارمِ المروءة.
73- الفسقُ: اقترافُ الكبائرِ، والمجاهرةُ بالذنوبِ مع الإصرارِ عليها، وعدمُ التوبةِ منها، والندمِ عليها.
74- خوارمُ المروءةِ هي: تلك الأمورُ التي تُؤَدِّي إلى انتقاصِ هذا الراوي عُرفًا، ولو لم تكن من المحرماتِ شَرْعًا.
75- هنالك بعضُ الصفاتِ، والهيئاتِ جاء العرفُ باستهجانِها، وانتقاصِ صاحبِها، كلُبْسِ ملابسَ تجلُبُ السُّخريَّةَ.
-
76- علماءُ الحديثِ اشترطوا السلامةَ من خوارم المروءة؛ صونًا لِراوي حديثِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- من الطعنِ فيه، فلو طُعِنَ فيه، وانتقص منه قد يكون ذلك ذريعةً للطعنِ فيما يرويه.
77- الضبطُ ضبطان: ضبطُ صَدْرٍ، ضبطُ كتاب.
78- ضبطُ الصدرِ هو: أن يُثبتَ ما سمعه بحيث يتمكنُ من استحضارِه متى شاء.
79- بعضُ الرُّواةِ إذا سمع الحديثَ يحفظُهُ (ضبط الصدر)، وبعضُهم يكتبُهُ (ضبط الكتاب).
-
80- ضبطُ الكتابِ: صيانتُهُ لديه منذ سمع فيه، وصححه إلى أن يُؤديَ منه.
81- تُعرفُ صيانةُ الكتابِ عند الراوي بعدةِ أمور منها: نقلُهُ من أصلٍ صحيح من أصولِ شيخِهِ.
82- وتعرفُ أيضًا: بعنايتِهِ لهذا الكتابِ، فلا يخرجُهُ عن يدِهِ بالإعارة إلا لثقةٍ، مع عدم غيابِ كتابه عنه كثيرًا.
83- ومِنْ صفاتِ ضابطِ الكتاب عدمُ إخراجِهِ كتابَهُ إلى مجهولين، ومن لا يعرفُ ثقتَهم.
84- ومن صفاتِ ضابطِ الكتابِ أن يكونَ عارفًا لخطه، ضابطًا له.
85- ويضبطُ الكتابُ أيضًا بالمقابلةِ على نُسخِ من حضر معه المجلس، فقد يكون أخطأ، أو وَهِمَ عند الكتابة.
-
86- ومن علاماتِ ضبطِ الكتاب شَكْلُ ما يحتاجُ إلى تشكيلٍ، ونَقْطُ ما يحتاج إلى نقط، والتنبيهُ على السَّقْطِ إن وُجد.
87- ويُشترطُ لمن يُحَدِّثُ من صدرِهِ أن يُعَاهدَ محفوظَهُ، وأن يتمكنَ من استحضارِهِ متى شاء، وإذا قُورنتْ مروياتُهُ بمروياتِ الثقاتِ الضابطين الذين سمعوا من نفس الشيخ وافقهم، ولم يخالفْهم.
88- الراوي إذا جمعَ بين العدالةِ، والضبطِ قِيل له: ثقة.
89- الشَّاذُّ هو: ما رواه الثقةُ مخالفًا مَنْ هو أوثقُ منه.
90- والمقصودُ بالمخالفةِ هنا ما لا يُمكنُ معها الجمعُ، والتوفيقُ بين الروايتين.
-
91- إذا روى راوٍ حديثًا فيه زيادةٌ عن راوٍ آخرَ -لكن مع عدمِ المخالفةِ معه- فهذه تُسَمَّى ( زيادةَ الثقة ).
-
91- إذا روى راوٍ حديثًا فيه زيادةٌ عن راوٍ آخرَ - لكن مع عدمِ المخالفةِ معه - فهذه تُسَمَّى ( زيادةَ الثقة ).
92- هناك التباسٌ يحدثُ عند المبتدئين في هذا العلمِ بين الشُّذوذِ، وزيادةِ الثقة، والفرقُ بينهما: أن في الشذوذِ مخالفةً، ولا توجد هذه المخالفةُ في زيادة الثقة.
93- من المخالفاتِ التي لا تضرُّ: " إنما الأعمال بالنيات "، " إنما العمل بالنية "، " إنما الأعمال بالنية ".
94- عند حدوثِ تعارضٍ بين حديثين، فإننا نأخذُ حديثَ الأوثقِ ( الأضبطِ - الأكثرِ عددًا )، ونسمي الحديثَ المقبولَ بالحديثِ المحفوظ، ونُسمي الحديثَ المتروكَ بالحديثِ الشاذِّ.
-
95- الحديثُ الشاذُّ حديثُ متصلُ السندِ، ورواتُهُ ثقاتٌ، لكن يُعدُّ من الأحاديثِ الضعيفة؛ من أجلِ مخالفتِهِ الأحاديثَ الصحيحة.
96- قلت ( أحمد ): وقد يكونُ الشذوذُ في السندِ، أو في المتنِ.
97- إذا كان الراوي ضعيفًا، وخالفَ روايةَ الثقاتِ، فحديثُهُ حينئذٍ مُنْكرٌ.
98- يُسمَّى حديثُ الثقة الذي يقابلُ الحديثَ المنكرَ بالحديثِ المعروف.
99- بعضُ المحدثين يُعرِّفُ الحديثَ الشاذَّ بأنه: حديثٌ انفردَ به ثقةٌ.
100- والمشهورُ عند المحدثين أن ما انفرد به الثقةُ، ولم يخالفْ من هو أوثقُ منه هو الحديثُ الغريبُ، كحديثِ " إنما الأعمال بالنيات " الذي انفرد بروايتِهِ عمرُ بنُ الخطاب، ولم يروِ عنه أيضًا إلا روايًا واحدًا.
-
101- مصطلحُ (رجاله ثقات) يعني توفرَ شرطِ العدالةِ، والضبطِ فقط في رجالِ الإسنادِ.
102- لا يلزمُ من مصطلحِ (رجاله ثقات) توفرُ بقيةِ شروطِ صحةِ الحديث.
103- مصطلحُ (إسناده صحيح) يعني أن هذا الإسنادَ متوفرٌ فيه ثلاثةُ شروطٍ من شروطِ الحديثِ الصحيحِ، وهنَّ: العدالةُ، والضبطُ، واتصالُ السَّندِ فقط.
104- الحديثُ الذي قيل فيه: (رجاله ثقات)، أو (إسناده صحيح) قد يكونُ صحيحًا، وقد يكونُ ضعيفًا.
-
105- الحديثُ الْمُعلَّلُ، أو الحديثُ الْمُعَلُّ هو: حديثٌ ظاهرُه السلامةُ اطُّلِعَ فيه بعد التفتيشِ على قادح.
106- من الأئمةِ الذين يتكلمون في العلل الإمامُ أحمدُ، عليُّ بن ُالمديني، البخاري، أبو زرعة الرازي، وغيرهم.
107- أئمةُ العللِ كانوا من الحفاظِ الكبارِ يحفظُ الواحدُ منهم مئاتِ الآلاف من الأحاديث، وقد كان الإمامُ أحمدُ يحفظُ ألفَ ألفِ حديث.
108- قد يحفظُ الواحدُ منهم للحديثِ الواحدِ مائةَ إسناد، أو مائتي إسناد.
109- ومن خلال هذا الحفظِ المتقنِ يستطيعُ أن يُقارنَ بين الأحاديثِ، ويخرجَ علةً قادحةً في الحديث لا تراها عيُن المبتدأ في هذا العلم.
110- فالعللُ ترجعُ في نهايتِها إلى خللٍ في الاتصال، أو خللٍ في الضبطِ لكنها ليست ظاهرةً بحيث يدركُها أيُّ أحد، بل هي خفية يدركُها علماءُ العلل.