-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأقول :
إن إثمها قد يزول عن بعض الأشخاص ;
لمعارض الاجتهاد أو غيره ،
كما يزول اسم الربا والنبيذ المختلف فيهما
عن المجتهدين من السلف ،
ثم مع ذلك يجب بيان حالهما ،
وأن لا يقتدى بمن استحلها ،
وأن لا يقصر في طلب العلم المبين لحقيقتها .
وهذا الدليل كاف
في بيان أن هذه البدع
مشتملة على مفاسد اعتقادية أو حالية
مناقضة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وأن ما فيها من المنفعة
مرجوح لا يصلح للمعارضة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم يُقال على سبيل التفصيل :
إذا فعلها قوم ذوو فضل ،
فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهتها ،
وأنكرها قوم كذلك ،
وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها ;
فليسوا دونهم في الفضل ،
ولو فرضوا دونهم في الفضل ،
فتكون حينئذ قد تنازع فيها أولوا الأمر ،
فترد إذن إلى
الله والرسول ،
وكتاب الله وسنة رسوله ;
مع من كرهها ،
لا مع من رخص فيها .
ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين،
مع هؤلاء التاركين المنكرين .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما ما فيها من المنفعة ;
فيعارضه ما فيها من
مفاسد البدع الراجحة :
منها - مع ما تقدم من المفسدة الإعتقادية والحالية - :
أن القلوب تستعذبها وتستغني بها
عن كثير من السنن ،
حتى تجد كثيراً من العامة يحافظ عليها
ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها :
أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض والسنن ،
وتفتر رغبتهم فيها .
فتجد الرجل يجتهد فيها ، ويخلص وينيب ،
ويفعل فيها مالا يفعله في الفرائض والسنن ،
حتى كأنه يفعل هذه البدعة عبادة ،
ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة ،
وهذا عكس الدين ،
فيفوته بذلك
ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة ،
والرقة والطهارة والخشوع ،
وإجابة الدعوة وحلاوة المناجاة ،
إلى غير ذلك من الفوائد.
وإن لم يفته هذا كله ،
فلا بد أن يفوته كماله .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها :
ما في ذلك من مصير المعروف منكراً ،
والمنكر معروفاً ،
وما يترتب على ذلك
من جهالة أكثر الناس بدين المرسلين ،
وانتشار زرع الجاهلية .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها : اشتمالها على أنواع من المكروهات في الشريعة ،
مثل: تأخير الفطور ،
وأداء العشاء الآخرة بلا قلوب حاضرة والمبادرة إلى تعجيلها ،
والسجود بعد السلام لغير السهو ،
وأنواع من الأذكار ومقاديرها لا أصل لها ،
إلى غير ذلك من المفاسد
التي لا يدركها إلا من استنارت بصيرته ،
وسلمت سريرته .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها :
مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع ،
وفوات سلوك الصراط المستقيم .
ومن ذلك أن النفس فيها نوع من الكبر ،
فتحب أن تخرج من العبودية
والاتباع بحسب الإمكان ،
كما قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله :
( ما ترك أحد شيئاً من السنة
إلا لكبر في نفسه ) .
ثم هذا مطية لغيره ،
فينسلخ القلب عن حقيقته الاتباع للرسول ،
ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان
ما يفسد عليه دينه أو يكاد ،
وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعاً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها :
ما تقدم التنبيه عليه في أعياد أهل الكتاب
من المفاسد التي توجد في كلا النوعين المحدَثين :
النوع الأول الذي فيه مشابهة ،
والنوع الذي لا مشابهة فيه .
والكلام في ذم البدع
لما كان مقرراً في غير هذا الموضع
لم نطل النفس في تقريره ،
بل نذكر بعض أعيان هذه المواسم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فـصــــــل
قد تقدم أن العيد يكون اسماً لنفس المكان ،
ولنفس الزمان ،
ولنفس الاجتماع .
وهذه الثلاثة قد أحدث منها أشياء .
أما الزمان فثلاثة أنواع ،
ويدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال :
أحدها :
يوم لم تعظمه الشريعة أصلاً ،
ولم يكن له ذكر في وقت السلف ،
ولا جرى فيه ما يُوجب تعظيمه ،
مثل أول خميس من رجب ،
وليلة تلك الجمعة التي تسمى الرغائب ،
فإن تعظيم هذا اليوم والليلة
إنما حدث في الإسلام بعد المائة الرابعة ،
وروي فيه حديث موضوع باتفاق العلماء
مضمونه فضيلة صيام ذلك اليوم ،
وفعل هذه الصلاة
المسماة عند الجاهلين بصلاة الرغائب ،
وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين
من العلماء من الأصحاب وغيرهم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم ;
النهي عن إفراد هذا اليوم بالصوم
وعن هذه الصلاة المحدَثة ،
وعن كل ما فيه تعظيم لهذا اليوم من صنع الأطعمة ،
وإظهار الزينة ونحو ذلك .
حتى يكون هذا اليوم بمنزلة غيره من بقية الأيام ،
وحتى لا يكون له مزية أصلاً .
وكذلك يوم آخر في وسط رجب
تصلى فيه صلاة تسمى صلاة أم داود .
فإن تعظيم هذا اليوم
لا أصل له في الشريعة أصلا .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
النوع الثاني :
ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره ،
من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً ،
ولا كان السلف يعظمونه ،
كثامن عشر ذي الحجة ،
الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغـدير خم ;
مرجعه من حجة الوداع .
فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة ،
وصى فيها باتباع كتاب الله ، ووصى فيها بأهل بيته .
كما روى مسلم في صحيحه
عن زيد بن الأرقم رضي الله عنه .
فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك ،
حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه
بالخلافة بالنص الجلي ،
بعد أن فرش له وأقعده على فرش عالية ،
وذكروا كلاماً باطلاً ،
وعملاً قد عُلم بالاضطرار
أنه لم يكن من ذلك شيء ،
وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص ،
وغصبوا الوصي حقه ،
وفسقوا وكفروا إلا نفراً قليلا .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والعادة التي جبل الله عليها بني آدم ،
ثم ما كان عليها القوم من الأمانة والديانة ،
وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق ;
يوجب العلم اليقيني
بأن مثل هذا يُمتنع كتمانه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة ،
وإنما الغرض :
أن اتخاذ هذا اليوم عيداً
محدَث لا أصل له .
فلم يكن في السلف
لا من أهل البيت ولا من غيرهم
من اتخذ ذلك عيداً ;
حتى يحدث فيه أعمالاً ،
إذ الأعياد شريعة من الشرائع ،
فيجب فيها الاتباع
لا الابتداع ،
وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود
ووقائع في أيام متعددة ،
مثل يوم بدر ، وحنين ، وفتح مكة ،
ووقت هجرته ، ودخوله المدينة ،
وخطب له متعددة ، يذكر فيها قواعد الدين .
ثم لم يوجب ذلك
أن يتخذ مثال تلك الأيام أعياداً ،
وإنما يفعل مثل هذا النصارى ،
الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً ;
أو اليهود .
وإنما العيد شريعة ،
فما شرعه الله اتبع ،
وإلا لم يحدث في الدين
ما ليس منه.
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وكذلك ما يحدثه بعض الناس ;
إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ،
وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له ،
والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد [1]لا على البدع ،
من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً
مع اختلاف الناس في مولده ،
فإن هذا لم يفعله السلف ،
مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع منه ،
ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً ;
لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا ،
فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعظيماً له منا ،
وهم على الخير أحرص .
=============
[1] - هذا تعليق من الشيخ محمد حامد فقي رحمه الله قال :
كيف يكون لهم ثواب على هذا ؟
وهم مخالفون لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهدى أصحابه ؟
فإن قيل : لأنهم اجتهدوا فأخطأوا ،
فنقول : أي اجتهاد في هذا ،
وهل تركت نصوص العبادات مجالاً للاجتهاد؟
والأمر فيه واضح كل الوضوح .
وما هو إلا غلبة الجاهلية وتحكم الأهواء ،
حملت الناس على الإعراض عن هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى دين اليهود والنصارى والوثنيين .
فعليهم ما يستحقونه من لعنة الله وغضبه .
وهل تكون محبة وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن هديه
وكراهية ما جاء به من الحق لصلاح الناس من عند ربه ،
والمسارعة إلى الوثنية واليهودية والنصرانية ؟ ،
ومن هم أولئك الذين أحيوا تلك الأعياد الوثنية ؟
هل هم مالك أو الشافعي أو أحمد أو أبو حنيفة أو السفيانان
أو غيرهم من أئمة الهدى رضي الله عنهم ،
حتى يعتذر لهم ولأخطائهم ؟ كلا ،
بل ما أحدث هذه الأعياد الشركية إلا العبيديون الذين أجمعت الأمة على زندقتهم ،
وأنهم كانوا أكفر من اليهود والنصارى ، وأنهم كانوا وبالاً على المسلمين ،
وعلى أيديهم وبدسائسهم وما نفثوا في الأمة من سموم الصوفية الخبيثة ;
انحرف المسلمون عن الصراط المستقيم ،
حتى كانوا مع المغضوب عليهم والضالين .
وكلام شيخ الإسلام نفسه يدل على خلاف ما يقول من إثابتهم ،
لأن حب الرسول وتعظيمه الواجب على كل مسلم ;
إنماهو باتباع ما جاء به من عند الله
كما قال الله تعالى
(آل عمران : 31 )
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ،
وقال ( النساء : 60 - 65 )
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ
وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا } ،
وقال تعالى ( النور : 47 - 52 )
{ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا
ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ *
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ *
وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ *
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ
بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }اهـ
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإنما كمال محبته وتعظيمه وطاعته واتباع أمره ،
وإحياء سنته باطناً وظاهراً ،
ونشر ما بعث به ،
والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان .
فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين
من المهاجرين والأنصار ،
والذين اتبعوهم بإحسان .
وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء
على أمثال هذه البدع ،
مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد
الذي يرجى لهم به المثوبة ;
تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمر بالنشاط فيه ،
وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه ،
أو يقرأ فيه ولا يتبعه ،
وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه ،
أو يصلي فيه قليلاً ،
وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة ،
وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ،
و يصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع
ما يفسد حال صاحبها ،
كما جاء في الحديث :
( ما ساء عمل أمة قط إلا زخرفوا مساجدهم ) .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير ،
لاشتماله على أنواع من المشروع ،
وفيه أيضاً شر من بدعة وغيرها ،
فيكون ذلك العمل شراً
بالنسبة إلى الإعراض عن الدين بالكلية ،
كحال المنافقين والفاسقين .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذا قد ابتلي به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة ،
فعليك هنا بأدبين :
أحدهما :
أن يكون حرصك على التمسك بالسنـّة باطناً وظاهراً
في خاصتك وخاصة من يطيعك .
واعرف المعروف ، وأنكر المنكر .
الثاني :
أن تدعو الناس إلى السنـّة بحسب الإمكان ،
فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه ،
فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه ،
أو بترك واجب أو مندوب
تركه أضر من فعل ذلك المكروه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولكن إذا كان في البدعة نوع من الخير ،
فعوّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان ،
إذ النفوس لا تترك شيئاً إلا بشيء ،
ولا ينبغي لأحد أن يترك خيراً إلا إلى مثله ،
أو إلى خير منه .
فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون قد أتوا مكروهاً،
فالتاركون أيضاً للسنن مذمومون ،
فإن منها : ما يكون واجباً على الإطلاق ،
ومنها: ما يكون واجباً على التقييد ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كما أن الصلاة النافلة لا تجب ،
ولكن من أراد أن يصليها يجب عليه أن يأتي بأركانها ،
وكما يجب على من أتى الذنوب ;
أن يأتي بالكفارات والقضاء والتوبة
والحسنات الماحية ،
وما يجب على من كان إماماً ،
أو قاضياً ، أو مفتياً ،
أو والياً من الحقوق،
وما يجب على طالبي العلم ،
أو نوافل العبادة من الحقوق .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومنها :
ما يكره المداومة على تركه كراهة شديدة ،
ومنها
ما يكره تركه أو يجب فعله على الأئمة دون غيرهم ،
وعامتها يجب تعليمها والحض عليها والدعاء إليها .
وكثيـر من المنكـرين لبدع العبـادات
تجـدهم مقصِّرين في فعـل السنـن من ذلك
أو الأمر به .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولعل حال كثير منهم
يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العادات المشتملة
على نوع من الكراهة ،
بل الدين هو :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه ،
فلا ينهى عن منكر
إلا ويؤمر بمعروف يغني عنه ،
كما يُؤمر بعبادة الله ،
ويُنهى عن عبادة ما سواه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إذ رأس الأمر :
شهادة أن لا إله إلا الله .
والنفوس قد خُلقت لتعمل لا لتترك ،
وإنما الترك مقصوداً لغيره ،
فإن لم يشتغل بعمل صالح ،
وإلا لم تترك العمل السيء أو الناقص ،
لكن لما كان من الأعمال السيئة
ما يُفسد عليها العمل الصالح
نُهيت عنه حفظاً للعمل الصالح .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فتعظيم المولد واتخاذه موسماً ;
قد يفعله بعض الناس ،
ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده ،
وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس;
ما يُستقبح من المؤمن المسدَّد ،
ولهذا قيل للإمام أحمد عن بعض الأمراء
أنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك ،
فقال : فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب .
أو كما قال .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
مع أن مذهبه :
أن زخرفه المصاحف مكروهة .
وقد تأول بعض الأصحاب
أنه أنفقها في تجديد الورق والخط .
وليس مقصود أحمد هذا ،
وإنما قصده :
أن هذا العمل فيه مصلحة ،
وفيه أيضاً مفسدة كُره لأجلها .
فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا ;
وإلا اعتاضوا الفساد الذي لا صلاح فيه ،
مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور ،
ككتب الأسماء أو الأشعار ،
أو حكمة فارس والروم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فتفطن لحقيقة الدين ،
وانظر ما اشتلمت عليه الأفعال
من المصالح الشرعية والمفاسد ،
بحيث تعرف ما ينبغي من مراتب المعروف ،
ومراتب المنكر ،
حتى تقدم أهمها عند المزاحمة .
فإن هذا حقيقة العمل بما جاءت به الرسل .
فإن التمييز بين جنس المعروف وجنس المنكر ،
وجنس الدليل وغير الدليل ;
يتيسر كثيراً .
أما مراتب المعروف والمنكر ومراتب الدليل ،
بحيث تقدم عند التزاحم أعرف المعروفين فتدعوا إليه ،
وتنكر أنكر المنكرين ،
وترجح أقوى الدليلين ،
فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فالمراتب ثلاث :
إحداها :
العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه .
والثانية :
العمل الصالح من بعض وجوهه أو أكثرها ،
إما لحسن القصد ،
أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع .
الثالثة :
ما ليس فيه صلاح أصلاً ،
إما لكونه تركاً للعمل مطلقاً ،
أو لكونه عملاً فاسداً محضاً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فأما الأول :
فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنها وظاهرها ،
قولها وعملها ;
في الأمور العلمية والعملية مطلقاً .
فهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه
والأمر به وفعله
على حسب مقتضى الشريعة
من إيجاب واستحباب .
والغالب على هذا الضرب
هو أعمال السابقين الأولين
من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما المرتبة الثانية :
فهي كثيرة جداً في طرق المتأخرين
من المنتسبين إلى علم أو عبادة ،
ومن العامة أيضاً ،
وهؤلاء خير ممن لا يعمل عملاً صالحاً مشروعاً
ولا غير مشروع ،
أو من يكون عمله من جنس المحرم ،
كالكفر والكذب والخيانة والجهل ،
ويندرج في هذا أنواع كثيرة .
فمن تعبد ببعض هذه العبادات المشتملة
على نوع من الكراهة ;
كالوصال في الصيام ،
وترك جنس الشهوات ونحو ذلك ،
أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها ;
كأول ليلة من رجب ونحو ذلك ;
قد يكون حاله خيراً من حال البطَّال
الذي ليس فيه حرص على عبادة الله وطاعته ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
بل كثير من هؤلاء الذين ينكرون هذه الأشياء
زاهدون في جنس عبادة الله ;
من العلم النافع، والعمل الصالح
أو في أحدهما
لا يحبونها ولا يرغبون فيها ،
لكن لا يمكنهم ذلك في المشروع ،
فيصرفون قوتهم إلى هذه الأشياء ،
فهم بأحوالهم منكرون للمشروع وغير المشروع ،
وبأقوالهم لا يمكنهم إلا إنكار غير المشروع .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومع هذا ;
فالمؤمن من يعرف المعروف وينكر المنكر ،
ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض المنافقين له
ظاهراً في الأمر بذلك المعروف ،
والنهي عن ذلك المنكر ،
ولا مخالفة بعض علماء المؤمنين .
فهذه الأمور وأمثالها
مما ينبغي معرفتها والعمل بها
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
النوع الثالث :
ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ،
ويوم عرفة ، ويومي العيدين ،
والعشر الأواخر من شهر رمضان ،
والعشر الأول من ذي الحجة ،
وليلة الجمعة ويومها،
والعشر الأول من محرم ،
ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة ،
وتوابع ذلك ما يصير منكراً ينهى عنه ،
مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء
في يوم عاشوراء من التعطش ،
والتحزن والتجمع ،
وغير ذلك من الأمور المحدَثة
التي لم يشرعها الله ولا رسوله ،
ولا أحد من السلف ،
لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا من غيرهم ) .
اهـ المقصود [1] .
============
[1] - انظر اقتضاء الصراط المستقيم ، ص 267 – 299 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وبهذا يظهر لنا وجه تدليس المالكي وتلبيسه،
حيث نقل بعض الكلام ،
وترك بعضه مما هو حجة عليه ،
فنقل قول الشيخ :
( وكذلك ما يحدثه بعض الناس ،
إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ،
وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له ،
والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ،
لا على البدع ).
ثم انتقل بعد ذلك إلى كلام آخر
يعتقد تأييده لما لبَّس به ، ودلَّس ،
ثم ترك بقية الكلام الذي هذا نصه :
( والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ،
لا على البدع
من اتخاذ مولد النبي
صلى الله عليه وسلم عيداً ،
مع اختلاف الناس في مولده ،
فإن هذا لم يفعله السلف
مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه ،
ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً
لكان السلف رحمهم الله أحق به منا ..)
إلى آخر ما ذكره مما تقدم نقله .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم ما معنى قول الشيخ
وكذلك ما يُحدثه بعض الناس ،
أنه رحمه الله يستعرض مجموعة من البدع ،
ومنها بدعة المولد ،
فقال :
ومثل ذلك ما يحدثه بعض الناس ...
من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم إنه رحمه الله
أنصف متخذي الموالد
إذا كان قصدهم محبة النبي صلى الله عليه وسلم
وتعظيمهم إياه ،
فذكر أن الله قد يثيبهم على هذا القصد ،
لا على القيام بالبدعة ،
فإن الآخذين بها مأزورون
ومعاقبون بعقوبة الابتداع وهي النار،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
حيث قال صلى الله عليه وسلم :
( كل محدثة بدعة ،
وكل بدعة ضلالة ،
وكل ضلالة في النار ) .
أشبه من صلى وترك الصيام ،
فهو مثاب على صلاته ،
مأزور على تركه الصيام .
وهذا معنى قوله رحمه الله :
( فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ،
ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده
وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم
كما قدمت لك أنه يحسن من بعض الناس ،
ما يُستـقبح من المؤمن المسدد ) اهـ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذا القول من شيخ الإسلام
محمول على من فعل المولد لتأويل أو تقليد ،
أما من عرف أنه بدعة
ثم فعله
ولو كان عن حسن نية
أو لأجل محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ;
فإن هذا يأثم ولا يُؤجر ،
ويُذم ولا يُمدح ،
لكونه تعمد على بصيرة فعل ما حرمه الله ،
وبكونه ابتدع في الدين
ما لم يأذن به الله ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
و النصوص من الكتاب والسنة
كلها تدل على ذمه
واستحقاقه العقوبة لا الإثابة ،
كما يعلم ذلك من تدبر النصوص ،
وعرف ما دلت عليه من النهي عن البدع ،
والتحذير منها
وشدة الوعيد في ذلك ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وكلام شيخ الإسلام رحمه الله
يجب أن يُنزَّل على ذلك ،
كما دل عليه كلامه في مواضع كثيرة مما تقدم نقله .
والقاعدة الشرعية
أن المجمل يُفسَّر بالمبيَّن ،
والمشتبه يُفسَّر بالمحكم ،
ولا يجوز عكس ذلك
ولا يفعله إلا أهل الزيغ
كما في قوله تعالى :
{ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }
والله المستعان .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
مفهـوم المولد
في نظر المالكي
ثم ذكر المالكي بعد ذلك مفهوم المولد في نظره ، فقال ما نصه :
( إننا نرى أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليست له كيفية مخصوصة ;
لابد من الالتزام وإلزام الناس بها ،
بل إن كل ما يدعو إلي الخير ، ويجمع الناس إلى الهدى ،
ويرشدهم إلى ما فيه منفعتهم في دينهم ودنياهم ;
يحصل به تحقيق المقصود من المولد النبوي .
ولذلك لو اجتمعنا على شيئ من المدائح التي فيها ذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم
وفضله وجهاده وخصائصه ،
ولم نقرأ قصة المولد النبوي التي تعارف الناس على قرآءتها ، واصطلحوا عليها ،
حتى ظن بعضهم أن المولد النبوي لا يتم إلا بها ،
ثم استمعنا إلى ما يلقيه المتحدثون من مواعظ وإرشادات ،
أقول لو فعلنا فإن ذلك داخل تحت المولد النبوي الشريف ،
ويتحقق به معنى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف .
وأظن أن هذا المعنى لا يختلف فيها اثنان ،
ولا ينتطح فيه عنزان ) اهـ .
هذا المفهوم سنقف عنده عدة وقفات :
الوقفة الأولى :
عند قوله بأن الاحتفال بالمولد يحصل
ولو لم يكن على هيئة مخصوصة .
ونقول له :
الاحتفال بالمولد بدعة ،
ولو لم يكن على هيئة مخصوصة ،
لأن مقيميه يقصدون من إقامته القربة إلى الله تعالى ،
فهو لديهم دين ، وأمر مشروع .
هذا الدين لم يكن معهوداً
في الصدر الأول من الإسلام ،
فلم يقمه صلى الله عليه وسلم ،
وهو أحرص الناس على فعل الخير ،
ولم يقمه أحد من أقاربه ،
ولا من أهله ،
ولا أقامه احد من أصحابه ،
ولا أحد من التابعين أو أتباعهم ،
حتى انقضت القرون الثلاثة المشهود لها ولأهلها بالخير .
فهو حدَث في الدين ،
وكل محدثة بدعة .
وقد قدمنا من البيان والتوضيح وتوجيه القول ببدعته ،
ونقلنا من أقوال أهل العلم المعتد بهم
ما فيه الكفاية .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند قوله :
باعتبار الاحتفال بالمولد ،
ولو لم يكن على صفة مخصوصة ،
ولو لم نقرأ فيه قصة المولد المتعارف عليها .
هذا القول يقوله المالكي لذر الرماد في العيون ،
وإلا فمعروف لدينا أنه لا يكتفـي بإقامة المولد في ليلة المولد
في أي مكان تدركه تلك الليلة ،
وإنما يشد الرحال إلى المدينة المنورة ،
ومعه تلاميذه وأتباعه والمفتونون ببدعه .
وفي المدينة له أتباع وسذج غرَّر بهم ،
فهيئوا له ولأتباعه مكان الاحتفال ومستلزماته ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولعل اختياره المدينة مكاناً للاحتفال ،
ليختصر للحضره النبوية طريق الوصول إلى احتفاله ،
أو بطريق الأحرى والأحق
لتكون أذيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر إيلاماً ،
لما يلقى في ذلك الاحتفال من شركيات ،
وما يشتمل عليه من تخيلات وتوهمات ،
إن لم يشتمل على ما تشتمل عليه الموالد الأخرى ،
في البلاد الأخرى المفتونة بما فتن به المالكي وأشياخه وأتباعه ،
من اختلاط مشين
ورقص وغناء واستجداء ،
وغير ذلك مما يعرفه الراسخون
في علم سرائره وخصائصه ومستلزماته .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثالثة :
عند قوله :
أي اجتماع تلقى فيه المواعظ والإرشادات ، وتلاوة القرآن ،
فإن ذلك داخل تحت الاحتفال بالمولد الشريف .
أقول :
إن نوى بذلك الاجتماع إقامة الاحتفال بالمولد
أداء لمشروعية استحبابه حسب عقيدة القائلين به ;
فلا شك أن نية الابتداع متوفرة ،
وبالتالي فإن الأعمال بنياتها .
فمن هاجر إلى الله ورسوله ،
فهجرته إلى الله ورسوله ،
ومن هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها
فهجرته إلى ما هاجر إليه .
العمل واحد والقصد مختلف ،
والجزاء على قدر النية ،
إن خيراً فخير ،
وإن شراً فشر .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد سبق لنا نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
في حكم الاجتماعات الدورية على الذكر ،
أو على صلاة تطوع ، فقال :
( لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه ،
لما فيه من تغيير الشريعة
وتشبيه غير المشروع بالمشروع ،
ولو ساغ ذلك
لساغ أن يعمل صلاة أخرى وقت الضحى ،
أو بين الظهر والعصر،
وتراويح في شعبان ،
أو أذان في العيدين ،
أو حج إلى الصخرة بـبيت المقدس ،
وهذا تغيير لدين الله ،
وتبديل له ،
وهكذا القول
في ليلة المولد وغيرها ) اهـ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
رأي المالكي
في القيام في المولد
ومناقشته
ثم انتقل المالكي بعد ذلك
إلى الحديث عن القيام في المولد ،
فقال :
( أما القيام في المولد النبوي عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم ،
وخروجه إلى الدينا ،
فإن بعض الناس يظن ظناً باطلاً لا أصل له عند أهل العلم فيما أعلم
بل عند أجهل الناس ،
ممن يحضر المولد ويقوم مع القائمين ،
وذاك الظن السيء هو أن الناس يقومون معتقدين
أن النبي صلى الله عليه وسلم يدخل إلى المجلس في تلك اللحظة بجسده الشريف ،
ويزيد سوء الظن ببعضهم فيرى أن البخور والطيب له ،
وأن الماء الذي يوضع في وسط المجلس ليشرب منه ،
وكل هذه الظنون لا تخطر ببال عاقل من المسلمين )
إلى أن قال
( نعم نعتقد أنه صلى الله عليه وسلم حي حياة برزخية كاملة لائقة بمقامه ،
وأن روحه جوّالة سيّـاحة في ملكوت الله سبحانه وتعالى ،
ويمكن أن تحضر مجالس الخير ، ومشاهد النور و العلم ،
وكذلك أرواح خلص المؤمنين من أتباعه )
إلى أن قال
( إذا علمت هذا فاعلم أن القيام في المولد النبوي ليس هو بواجب ولا سنـّة ،
ولا يصح اعتقاد ذلك أبداً ،
إنما هي حركة يعبّر بها الناس عن فرحهم وسرورهم ،
فإذا ذكر أنه صلى الله عليه وسلم ولد وخرج إلى الدنيا
يتصور السامع في نفس اللحظة
أن الكون كله يرقص فرحاً وسروراً بهذه النعمة ،
فيقوم مظهراً لذلك الفرح و السرور معبّراً ،
فهي مسألة عادية محضة لا دينية ،
لأنها ليست عبادة ولا شريعة ولا سنة ،
وما هي إلا أن جرت عادة الناس بها ،
واستحسن ذلك من استحسنه من أهل العلم )
إلى أن قال
( إن هذا القيام لتصور شخص النبي صلى الله عليه وسلم في الذهن
شيء محمود ومطلوب ،
بل لابد أن يتوفر في ذهن المسلم الصادق في كل حين )
إلى آخر ما ذكره [1] .
وكعادتنا فسنقف مع المالكي في القيام عدة وقفات :
الوقفة الأولى :
اعترافه بأن القيام عند قرآءة قصة المولد عادة اعتادها الناس ،
فليست دينية ولا شرعية ، ولا مستحبة .
ونقول للمالكي بأنه متناقض في قوله ،
ولا يخفى علينا أن قصده من هذا القول
ذر الرماد في العيون ،
وإن كانت عقيدته في مشروعية القيام
تأبى عليه الاستمرار في هذه المراوغة ;
فقد عقد فصلاً تحدث فيه
عن وجوه استحسان القيام في المولد ،
لو أدرجه باباً في كتاب الترغيب والترهيب ،
وجعله من المسائل المرغب في الأخذ بها ;
لكان حديثه في ذلك مشابهاً
للحديث في الترغيب في مكارم الأخلاق ،
ووجوه التقرب إلى الله .
وفيما يأتي سيكون لنا معه عدة وقفات
حول مناقشته عن كل وجه ذكره
لاستحسان القيام في المولد .
============
[1] - جاء في كتاب الشيخ أبي بكر الجزائري
( الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف )
ذكر صفة المولد ، حيث قال :
( وكيفيته : أن تذبح الذبائح ، وتعد الاطعمة ،
ويدعى الأقارب والأصدقاء وقليل من الفقراء ،
ثم يجلس الكل للاستماع ،
فيتقدم شاب حسن الصوت فينشد الأشعار ،
ويترنم بالمدائح ، وهم يرددون معه بعض الصلوات ،
ثم يقرأ قصة المولد حتى إذا بلغ "
وولدته آمنة مختوناً " قام الجميع إجلالاً وتعظيماً ،
ووقفوا دقائق في إجلال وإكبار تخيلاً منهم
وضع آمنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ثم يؤتى بالمجامر وطيب البخور فيتطيب الكل ،
ثم تدار أكؤس المشروبات الحلال فيشربون ،
ثم تقدم قصاع الطعام فيأكلون وينصرفون
وهم معتقدون أنهم قد تقربوا إلى الله تعالى بأعظم قربة ) اهـ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند قوله :
إن حضور الحضرة النبوية
خاصة بروحه الشريفةلا بجسده الشريف ،
وتشنيعه الإنكار على من يقول
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل إلى مجلس المولد بجسده ،
واعتباره ذلك من الجرأة
على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونعتقد أن المالكي في هذا
متناقض أيضاً مع عقيدته ،
فطالما أنه يعتقد بأن من صلى عليه صلاة
– وذكر نوعها –
في اليوم والليلة خمسمائة مرة ،
لا يموت حتى يجتمع بالنبي
صلى الله عليه وسلم يقظة [1] .
فما المانع من أن يحضر صلى الله عليه وسلم
هذا الحفل الخاص بذكرى ولادته ،
وما يتلى في هذا المحفل من آيات الإجلال والإكبار ،
والتقديس والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ورفع منزلته
إلى مقام الألوهية والربوبية ،
يحضر هذا المحفل بروحه وجسده ،
ما دام نوراً لا ظل له في شمس ولا قمر ،
وما دام سيجتمع يقضة بمن يصلي عليه ،
الصلاة التي عينها المالكي في كتابه
" الذخائر المحمدية " .
============
[1] - انظر كتابه " الذخائر المحمدية " ، ص 107 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
حقاً إن الشاطبي رحمه الله
قد أنصف البدعيين وأظهرهم على حقيقتهم ،
حينما قال :
إنهم لا يستطيعون المجادلة والمناظرة ،
لأنهم يفتقدون عناصر الإقناع والاحتجاج لما يعتقدون .
ولهذا حكم المالكي على نفسه
بأنه قال ما فيه افتراء محض ،
وفيه وقاحة
وقباحة
وجرأة
على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تصدر إلا من مبغض حاقد ،
أو جاهل معاند ،
وليختر المالكي لنفسه أحد الأمرين
وكلاهما شر ،
وأحلاهما مر .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثالثة :
عند عقيدته أنه صلى الله عليه وسلم حيٌّ حياة برزخية كاملة ،
لائقة بمقامه صلى الله عليه وسلم .
لاشك أنه صلى الله عليه وسلم حيّ حياة برزخية
لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا الله تبارك وتعالى ،
وأن الأموات كلهم يحيون حياة برزخية ،
السعيد سعيد بأسباب سعادته ،
والشقي شقي بأسباب شقاوته .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما القول بأن روحه صلى الله عليه وسلم
تحضر مجالس الذكر ومشاهد النور ،
فالعلم بذلك أمر لا يمكن إثباته
إلا بأحد طريقين ،
إما النقل الصريح الثابت عمن لا ينطق عن الهوى ،
أو الشهادة بذلك ممن جاء من الحياة البرزخية ،
وكلا الأمرين متعذر ،
فتعين علينا الإيمان بمجمل الحياة البرزخية ،
كما جاءت النصوص الصريحة بذلك
من كتاب الله تعالى ،
وسنـّة رسوله صلى الله عليه وسلم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كما يتعين علينا الوقوف
عن التفاصيل العارية عما يثبتها موقف المنكر ،
لما في الاعتراف بها
من تصديق ما لم يقم عليه دليل عقلي ولا نقلي ،
فضلاً عما في الأخذ بها
من إتاحة الفرص لأرباب الدجل ،
وأبالسة الإنس والجن ،
لإلزام العامة باعتقاد
وجود أرواح أنبياء وشهداء وصدّيقين وأولياء ;
تحضر مجالسهم ،
وأنهم يأمرون وينهون ،
ويوجهون ويحرمون ويحللون .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد كان لهذا المنطلق السيء خلفياته السيئة ،
ومردوداته الآثمة ،
في نشوء فِرَق تدَّعي الإسلام ،
وترجع في تشريعها
إلى ما يقول الأقطاب والأوتاد عن أرواح الأولياء ،
من الأمر والنهي والتحليل والتحريم ،
وإعفاء من بلغ مبلغاً معيناً من الأقطاب والأوتاد
عن الكثير من المقتضيات الشرعية ،
باعتباره بلغ درجة يقوم فيها بأعمال جسام
في مجال العبادة والخلوات ،
لا تدركها العامة أو خاصة العامة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كما أن عقيدة حضور الحضرة النبوية لمجالس الموالد;
أعطى المجذوبين و المخبولين
مجالاً للقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأنه اتصل به ،
وأنه غاضب من كذا ،
ومنشرح صدره لكذا،
وأنه يلزمه الاتصال بالولاة ليعملوا كذا،
وينتهوا عن كذا ،
إلى آخر المزاعم والإفتراءات
التي نسمعها من أولئك ،
وقـتاً بعد وقت ،
وحيناً بعد حين .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا كان المالكي يقول
بإمكان حضور الحضرة النبوية ;
فإننا نشك في اعتقاده ذلك ،
إلا أننا نرى أنه بمقالته هذه ،
وبأباطيله
وترهاته
وأضاليله
وتخبطاته
مما قال في رسالته هذه ،
أو في طامته الكبرى
" الذخائر المحمدية " .
إنه بذلك يمهد لأن يكون خليفة للإمام العربي ،
قائد العصبة الهاشمية ،
والسدنة العلوية ،
والساسة الحسنية ، والحسنية .
ذلك الذي لا يسمح لأحد بزيارته
إلا لمحمد علوي مالكي ،
ومن كان على شاكلته .
وقد سبق أن أوردنا ما جاء في
قرار هيئة كبار العلماء
من علاقة المالكي
بقائد هذه الفرق
الصوفية المتطرفة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الرابعة :
عند قوله :
إن القيام لتصور شخص النبي صلى الله عليه وسلم في الذهن .
وقد سبق أن انتقد القائلين بحضور الحضرة النبوية للمجالس روحاً وجسداً ،
وتحدث بما يشعر أنه يرى أن الحضور النبوي إنما هو بالروح فقط ،
لأن روحه صلى الله عليه وسلم جوّالة سيّـاحة في ملكوت الله سبحانه وتعالى ،
وأنه يمكن أن يحضر مجالس الذكر ومشاهد العلم والنور .
وهذا من المالكي
تخبط في القول
وتناقض في الإيراد ،
فحضور الروح المجالس غير التصور الذهني .
وعلى افتراض التسليم بما ذكره المالكي
من أن القيام في المولد إكباراً وتقديراً لمن تم تصوره في الذهن .
أفلا يعتبر هذا القيام ضرباً من
الهوس
والحمق
والتصرف الجنوني ;
حينما يتصور الذهن فتقوم الأعضاء
بتقديم الاحترام لمجرد التصور الذهني ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لنفترض أن المالكي
كان حاضراً في مجلس من المجالس العامة ،
ثم تذكر أباه وتصوره تصوراً ذهنياً ،
فقام في المجلس أمام الحضور ،
ثم جلس ،
فسُئل عن ذلك
فأجاب بأن قيامه احتراماً لأبيه المتوفى ،
حيث تصوره في هذا المجلس تصوراً ذهنياً ،
أيسلم له أحد بصحة هذا التصرف ،
وصدوره من عاقل ؟
أم يلتفت بعضهم إلى بعض
متسائلين عما أصاب صاحبهم
من لوثة في عقله
ووسوسة في صدره ؟ .
ومثل هذا التصرف تصرف من يحكي على نفسه ،
لأنه يتصور من يحاكيه في ذهنه ،
ثم يحاكيه ،
والمجتمع يعرف أن هذا التصرف
مبدأ مرض عقلي .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
استحسان المالكي القيام في المولد لعدة وجوه
جرى مناقشتها ثم ردها
ثم انتقل المالكي بعد ذلك
إلى ذكر وجوه استحسان القيام في المولد ،
فقال :
الوجه الأول
أنه جرى عليه العمل في سائر الأقطار والأمصار ،
واستحسنه العلماء شرقاً وغرباً ،
والقصد به تعظيم صاحب المولد الشريف صلى الله عليه وسلم ،
وما استحسنه المسلمون فهو عند الله حسن ،
وما استقبحوه فهو عند الله قبيح ،
كما تقدم في الحديث .اهـ .
لا ندري ما هي أقطار المالكي وأمصاره ؟ ،
وإن كنا نظن أنه يعني تلك البلدان
التي وجد فيها أجناس من أهل الطرق الصوفية،
ووجد فيها الكثير من المشاهد القبورية ،
التي يرتادها من يتمسح بها
ويطلب البركة من أهلها ،
أولئك الذين جرى منهم العمل ،
حينما يقيمون الموالد ،
فيقومون عند قرآءة قصة المولد .
ونعتقد أن المالكي يعجز كل العجز
عن أن يعطينا قطرأً واحداً ،
ومصراً واحداً في
الصدر الأول من الإسلام
في القرون الثلاثة المفضلة،
أمثال أهل المدينة ومكة والطائف والكوفة
والبصرة والقاهرة ودمشق
وغيرها من مدن الإسلام
المنتشرة شرقاً وغرباً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولكنه الآن يستطيع أن يعطينا
الكثير من الأقطار الإسلامية مع الأسف ،
بعد أن انتشرت البدع والمحدثات ،
وأقيمت القباب والمباني الضخمة على القبور ،
وأصبحت بعض هذه المشاهد يضاهي الحج إليها
الحج إلى بيت الله ;
في قيمة ذلك في نفوس حجاجها وعدد من يقصدها ،
وعقيدة آميها ،
وفيمن قصدوه وحجوا إليه ،
كما هو الحال في النجف وفي طنطا وبنها ،
وفي غيرهما ،
وذلك حصائد ما زرعه
القرامطة والرافضة والفاطميون والنصيريون وغيرهم .
فهل يعتبر المالكي
عمل هؤلاء حجة فيما ذكره ؟ .
اللهم إنا نستخلفك
في عقلية المالكي ،
وفي عقيدة المالكي ،
وفي العلم الشرعي
الذي أخذه المالكي من مدارس حكومته .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فأيُّ المسلمين استحسنوا ذلك ؟
أهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذين هم أشد الناس محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وأقواهم تصوراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته ؟
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أهم التابعون الذين عاصروا أصحاب رسول الله ،
ورأوا ما يعمله أصحاب رسول الله ،
ورووا ما قاله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أم هم أتباع التابعين
من أهل القرون الثلاثة المفضلة
من الأئمة الأربعة ،
ورجال الحديث ،
ورجال التفسير،
ورجال التاريخ والسير ،
ومن كان معاصراً لهم من الزهاد والعباد ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أم أن الاستحسان
من القرامطة والفاطميين
والروافض والإسماعيليين والعلويين
والقاديانيين والتيجانيين ،
وغيرهم وغيرهم
من الفرق القبورية والصوفية ،
ومن قلَّدهم بغير علم ؟؟!!
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد استنكر المسلمون البدع والمحدثات
واستقبحوها ،
وعظموا أمر أوزار القائمين عليها
بما في ذلك بدعة المولد جملة وتفصيلاً ،
مستضيئين في ذلك
بالنصوص النبوية الصريحة الواضحة الثابتة ،
وبآثار الصحابة في ذلك ،
وقد تقدم لنا الكثير من أقوال أهل العلم
في ذلك في مختلف العصور،
في عصر الشاطبي وابن رجب والعز بن عبد السلام ،
وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر
و ابن النحاس
وغيرهم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذا الشيخ محمد رشيد رضا
يتحدث عن المولد وعن بدعة المولد
فيقول إجابة عن سؤال وجه إليه عن حكم المولد ،
وأول من فعله ،
وأي الموالد أحرى وأحسن للقرآءة ،
فيقول :
( هذه الموالد بدعة بلا نزاع ،
وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد
أحد ملوك الشراكسة بمصر ،
ولم نطلع على قصة من قصص المولد النبوي الشريف
إلا ورأينا فيها كثيراً من الأخبار الموضوعة )[1] اهـ .
=========
[1] - المجلد 4 ، ص 1243 ، فتاوى رشيد رضا .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال في موضع آخر من الفتاوى ما نصه :
( سئل الحافظ ابن حجر عن الاحتفال بالمولد النبوي
هل هو بدعة أم له أصل ،
فأجاب بقوله :
أصل عمل المولد بدعة ،
لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ،
ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها ،
فمن جرد عمله في المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة ،
ومن لا ; فلا .
وأقول :
إن الحافظ رحمه الله تعالى حجة في النقل ،
فقد كان أحفظ حفاظ السنـّة والآثار ،
ولكنه لم يؤت ما أوتي الأئمة المجتهدون من قوة الاستنباط ،
فحسبنا من فتواه ما تعلق بالنقل ،
وهو أن عمل المولد بدعة
لم تنقل عن أحد من سلف الأمة الصالح
من أهل القرون الثلاثة ،
التي هي خير القرون بشهادة الصادق المصدوق
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ،
ومن زعم بأنه يأتي في هذا الدين بخير مما جاء به رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وجرى عليه ناقلوا سنته بالعمل ;
فقد زعم أنه صلى الله عليه وسلم
لم يُؤد رسالة ربه على الوجه الأكمل .
كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى ،
وقد أحسن صاحب عقيدة الجوهرة ،
في قوله :
وكل خير في اتباع من سلف
وكل شر في ابتداع من خلف
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما قول الحافظ :
إن من عمل فيه من المحاسن وتجنب ضدها
كان عمله بدعة حسنة ،
ومن لا فلا ;
ففيه نظر ،
ويعني بالمحاسن قراءة القرآن ،
وشيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
في بدء أمره من ولادته وتربيته وبعثته ،
والصدقات ،
وهي مشروعة لا تعد من البدع ،
إنما البدعة فيها جعل هذا الاجتماع المخصوص ،
بالهيئة المخصوصة ،
والوقت المخصوص ،
وجعله من قبل شعائر الإسلام
التي لا تثبت إلا بنص الشارع ،
بحيث يظن العوام الجاهلون بالسنن
أنه من أعمال القرب المطلوبة شرعاً ،
وهو بهذه القيود بدعة سيئة ،
وجناية على دين الله تعالى ،
وزيادة فيه تعد من شرع ما لم يأذن به الله ،
ومن الافتراء على الله ،
والقول في دينه بغير علم .
فكيف إذا وصل الجهل بالناس إلى تكفير تاركه ،
كأنه من قواعد العقائد المعلومة من الدين بالضرورة ،
أليس يعد في هذه الحال ،
وبين هؤلاء الجهال ،
من أكبر كبائر البدع
التي تقوم الأدلة على كونها من الكفر بشرطه ؟
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فإن الزيادة في ضروريات الدين القطعية وشعائره ;
كالناقص منها ،
يخرجه عن كونه هو الدين الذي جاء خاتم النبيين
عن الله تعالى القائل فيه
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ،
فهو تشريع ظاهر مخالف لنص إكمال الدين،
وناقض له،
ويقتضي أن مسلمي الصدر الأول
كان دينهم ناقصاً أو كفاراً .
وقد ورد أن أبا بكر وعمر وابن عباس رضي الله عنهم
قد تركوا التضحية في عيد النحر
لئلا يظن الناس أنها واجبة ،
كما ذكره الإمام الشاطبي في الاعتصام وغيره [1].
أفلا يجب بالأولى
ترك حضور هذه الحفلات المولدية ،
وإن خليت من القبائح ، واشتملت على المحاسن )
=========
[1] - انظر ص 276 ، ج 2 ، من " الاعتصام " .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إلى أن قال :
( فكيف إذا كانت مشتملة على بدع ومفاسد أخرى ،
كالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سيرته وأقواله وأفعاله ،
كما هو المعهود في أكثر القصص المولدية ،
التي اعتيد التغني بها في هذه الحفلات .
وأما القيام عند ذكر وضع أمه له صلى الله عليه وسلم ،
وإنشاد بعض الشعر أو الأغاني في ذلك ،
فهو من جملة هذه البدع ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد صرح بذلك
الفقيه ابن حجر المكي الشافعي،
الذي يعتمد هؤلاء العلويون على كتبه في دينهم
فقال عند ذكر الإنكار على من يقوم عند قرآءة
{ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ }[1] ،
لما ورد في ذلك ،
بسبب قد زال
ما نصه :
( ونظير ذلك فعل كثير عند ذكر مولده صلى الله عليه وسلم ،
ووضع أمه له من القيام ، وهو أيضاً بدعة
لم يرد فيه شيء )
إلى أن قال
( فإن البدعة التي تعتريها الأحكام الخمسة ،
ويقال أن منها حسنة وسيئة ،
هي البدع في العادات ،
وأما البدع في العبادات
فلا تكون إلا سيئة ،
كما صرح به المحققون ) [2] اهـ .
=========
[1] - سورة النحل ، الآية : 1 .
[2] - انظر ج 5 ، ص 2112 ، من فتاوى رشيد رضا .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم ذكر المالكي الوجه الثاني فقال :
الوجه الثاني
أن القيام لأهل الفضل مشروع ثابت بالأدلة الكثيرة من السنة ،
إلى آخر قوله .
ونقف معه عند هذا الوجه وقفتين :
إحداهما :
أن القيام في مجالس المولد
لم يكن لأهل الفضل بصورة محسوسة ،
كدخول ذي فضل أو علم أو جاه مجلس قوم ما ;
فيقوم أهل ذلك المجلس احتراماً وتقديراً لذلك الداخل ;
ليسلموا عليه ويصافحوه ،
وإنما القيام في مجالس الموالد
لأمر ادعائي وهمي ،
لا يمكن لأي مجتمع ذي وعي عقلي أن يقرّه ،
أو يضفي عليه صفة التصرف العقلي المقبول ،
فإذا أضيف إلى هذا القيام
ما ينبغي أن تشتمل عليه هيئة تلك المجالس
من وضع بخور وطيب في وسط حلقة الجلوس ،
وماء معطر ويستحسن أن يكون من زمزم ;
لتقوم الحضرة النبوية عند حضورها بالشرب من ذلك الماء ،
والتطيب من ذلك الطيب ،
كملت عندنا صورة التصرف اللاعقلي .
وإن أنكر المالكي ما للطيب والماء والبخور
من قصد مخصوص بالحضرة النبوية ،
فإن لتقية الروافض رائحة فيما يكتب .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند قوله :
إن القيام لأهل الفضل مشروع وثابت بالأدلة الكثيرة من السنة .
ونقول للمالكي
بأن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم ،
فكما أن هناك أدلة من السنة قد تدل على مشروعية القيام ،
فإن هناك أدلة شرعية أخرى صريحة وواضحة
تدل على خلاف ذلك ،
ومنها ما روى الترمذي بإسناده
عن أنس رضي الله عنه ،
قال :
لم يكن شخص أحب إلينا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وكانوا إذا رأوه لم يقوموا ;
لما يعلمون من كراهته لذلك.
وقال حديث حسن صحيح غريب ،
وقد أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم ،
وقد ذكره الحافظ في الفتح
وذكر تصحيح الترمذي له ،
وأقره على تصحيحه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وروى الترمذي أيضاً بإسناده إلى أبي مجلز ،
قال خرج معاوية ،
فقام عبدالله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه ،
فقال : اجلسا
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
من سرّه أن يتمثل له الرجال قياماً
فليتبوأ مقعده من النار .
قال الترمذي وهذا حديث حسن .
وقد أخرجه أحمد وأبو داود .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وللترمذي عن أبي أمامة قال :
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا ،
فقمنا ،
فقال :
لا تقوموا كما تقوم الأعاجم ،
يُعظم بعضها بعضا .
وأخرجه أيضاً أبو داود وابن ماجه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قال الشيخ عبدالرحمن المباركفوري
في كتابه " تحفة الأحوذي "
في حكم القيام
شرحاً لهذه الأحاديث ما نصه :
اعلم أنه قد اختلف أهل العلم
في قيام الرجل للرجل عند رؤيته ،
فجوّزه بعضهم كالنووي وغيره ،
ومنعه بعضهم كالشيخ أبي عبدالله بن الحاج المالكي ، وغيره .
وقال النووي في الأذكار :
وأما إكرام الداخل في القيام ،
فالذي نختاره أنه مستحب ،
لمن كان فيه فضيلة ظاهرة ،
من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ،
ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام ،
لا للرياء والإعظام ،
وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف ،
وقد جمعت في ذلك جزءاً ،
جمعت فيه الأحاديث والآثار
وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرته ،
وذكرت فيه ما خالفها ،
وأوضحت الجواب عنه ،
فمن أشكل عليه من ذلك شيء ،
ورغب في مطالعته ،
رجوت أن يزول إشكاله ،
انتهى .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قلت ،
وقد نقل ابن الحاج ذلك الجزء في كتابه " المدخل " ،
وتعقب على كل ما استدل به النووي ،
فمن أقوى ما تمسك به
حديث أبي سعيد عند الشيخين :
إن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد ،
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجاء فقال :
قوموا إلى سيدكم الحديث .
وقد أجاب عنه ابن الحاج بأجوبة منها :
إن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع ،
وإنما هو لينزلوه عن دابته ،
لما كان فيه من المرض ،
كما جاء في بعض الروايات ،
انتهى .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قال الحافظ :
قد وقع في مسند عائشة عند أحمد
من طريق علقمة بن وقاص عنها ،
في قصة غزوة بني قريظة ،
وقصة سعد بن معاذ ومجيئة مطولاً،
وفيها قال أبو سعيد:
فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم :
قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ،
وسنده حسن .
وهذه الزيادة تخدش الاستدلال بقصة سعد
على مشروعية القيام المتنازع فيه ،
انتهى .