-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الثامن عشر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل الثامن عشر بقوله :
الثامن عشر :
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه :
ما أحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة ،
وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو محمود . اهـ .
وجرى الإمام العز بن عبد السلام والنووي كذلك وابن الأثير
على تقسيم البدعة إلى ما أشرنا إليه سابقاً . اهـ .
سبق أن أوردنا نصوصاً عن مجموعة من أهل العلم
منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب
والعز بن عبد السلام والشاطبي
وابن النحاس وابن حجر العسقلاني ;
فيها انتقاد صريح وواضح
لتقسيم البدعة إلى جائز ومحظور ،
وقد تنزَّل بعضهم وأخذ بالتقسيم ،
إلا أن الأقسام الجائزة عندهم
لا تسمى بدعة إلا على سبيل اللغوي ،
كما قال عمر في جمع الناس في التراويح على إمام واحد :
نعمت البدعة هذه .
مما له أصل معتبر في الشرع ،
وليس له مردود سيء .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد مر بنا استعراض ما ذكروه من ذلك ،
كجمع القرآن ونشره
وتدوين علوم القرآن والحديث واللغة ،
وإيجاد الأربطة والمدارس والمستشفيات والمدارس ;
والرد على اعتبار ذلك بدعاً شرعية ،
وذلك في الرد على الدليل الخامس عشر ،
وتحدثنا عن كل مسألة من هذه المسائل ،
وبينا أن لها أصلاً معتبراً في الشرع ،
وفي الصدر الأول من الإسلام ،
وأن إيرادها لتشبيهها بالمولد والاحتفال به ،
أو تشبيه المولد بها
يعتبر مغالطة وسفهاً من المالكي ،
إن لم يكن ذلك منه جهلاً وضلالا .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا أصر المالكي على أن هؤلاء العلماء الأجلاء
يقصدون بتقسيمهم البدعة إلى حسن وقبيح ،
إجازة إحداث بدع ،
فنحن أولاً لا نوافقه على إصراره ،
لأن لهؤلاء العلماء الذين ذكرهم
مقاماً محموداً في الاتباع
والاقتداء
والاهتداء
والوقوف عند الحدود
التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وحذر من تجاوزها .
لهم في ذلك مقام لا يجاريهم فيه
إلا أسلافهم من الصحابة والتابعين .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وعلى افتراض موافقتنا المالكي على فهمه السيء
عن هؤلاء العلماء الأجلاء ;
فكل يُؤخذ من قوله ويُترك
إلارسول الله صلى الله عليه وسلم ،
قال تعالى:
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }[1] ،
وقال صلى الله عليه وسلم :
" إن خير الحديث كتاب الله
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،
وشر الأمور محدثاتها
وكل بدعة ضلالة " .
===========
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال :
" عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين
من بعدي
تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ،
وإياكم ومحدثات الأمور
فكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة ،
وكل ضلالة في النار ".
وقال:
" من أحدث في أمرنا هذا
ما ليس منه
فهو رد " .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهذه أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأخذها
وقبولها والعمل بما تقتضيه ،
وكلها ألفاظ صريحة وواضحة
جاءت بلفظ العموم والحصر ،
فليس فيها تخصيص عموم
ولا قيد إطلاق
ولا استثناءات
ولا تقسيمات .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فبربك أيها المالكي ;
أيجوز لنا أن نترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما فيه من أمر ونهي وإلزام وتحذير وعموم ;
ونقول قال فلان وقال فلان ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أين محبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وتشدقك بالتعلق به ،
والفرح والاستبشار بسيرته وشمائله ،
والحال أنه صلى الله عليه وسلم
ينهى عن البدع والمحدثات ،
بلفظ العموم والحصر والاختصاص ،
وتقول : قال فلان وقال علان ;
إن البدعة تنقسم إلى قسمين جائز وممنوع ،
وقبيح وحسن ،
وممدوح ومذموم ؟
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد اشتد نكير ابن عباس رضي الله عنهما
على من اعتبر قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ،
في أن الإفراد بالحج أفضل ،
وكان ابن عباس يرى التمتع بالعمرة إلى الحج واجب ،
لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
أن يجعلوها عمرة ،
ويحلوا إذا طافوا بالبيت ،
وسعوا بين الصفا والمروة ،
فقال سراقة :
ألعامنا هذا ، أم للأبد ؟
فقال : بل للأبد .
فقد جاءه رضي الله عنه من قال له :
إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما
لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج ،
ويريان أن إفراد الحج أفضل .
فقال رضي الله عنه :
يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ،
أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتقولون قال أبو بكر وعمر ؟ .
فإذا كان هذا قـول بن عـباس رضي الله عـنه
في الخليفتين الراشدين أبي بكـر وعمر،
فكيف بمن ترك قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لقول من هو دونهما؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد ثبت عن الشافعي رحمه الله قوله :
أجمع العلماء على أن من استبانت له
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يكن له أن يدعها
لقول أحد .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه :
عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ،
يذهبون إلى رأي سفيان .
والله تعالى يقول :
{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[1] ،
أتدري ما الفتنة ؟
الفتنة الشرك .
لعله إذا ردَّ بعض قوله
أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك . اهـ .
==========
[1] - سورة النور ، الآية : 63 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أهذه من المالكي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
يقول صلى الله عليه و سلم بالعموم
وبالحصر وبالاختصاص
في رد البدعة والتحذير منها ،
وبيان مصيرها ومصير أصحابها والعاملين بها .
يقول صلى الله عليه وسلم :
" وكل بدعة ضلالة " ،
ويقول المالكي : لا ،
ليست كل بدعة ضلالة .
أهذا هو الفرح والاستبشار
بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أنترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما فيه من
قول واضح
ونص صريح
وتوجيه راشد ،
ونقول : قال الشافعي ، قال النووي ، قال ابن الأثير ،
قال فلان ، قال علان ؟!
حقاً يوشك أن تنزل
على أهل هذا الاتجاه السيء
حجارة من السماء
مسوّمة عند ربك
وما هي من الظالمين ببعيد .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل التاسع عشر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل التاسع عشر بقوله :
الدليل التاسع عشر :
كل ما تشمله الأدلة الشرعية ،
ولم يقصد بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين ،
وقول المتعصب إن هذا لم يفعله السلف ;
ليس دليلاً له ، بل هو عدم دليل .
كما لا يخفى على من مارس علم الأصول ،
فقد سمى الشارع بدعة الهدى سنة ،
و وعد فاعلها أجراً ، فقال عليه الصلاة والسلام :
" من سنّ في الإسلام سنـّة حسنة فعُـمل بها بعده ،
كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء " . اهـ .
هذا الدليل هو في الواقع تكرار للدليل الخامس عشر ،
وإذا كان الدليل الخامس عشر قد بسطه المالكي بقول
جرت مناقشته ورده جملة وتفصيلا ،
فإن هذا الدليل التاسع عشر هو إجمال واختصار
للدليل الخامس عشر ،
ونجاري المالكي في تكراره الممل ،
ونقول له :
إن الاحتفال بالمولد
لم تشمله الأدلة الشرعية العامة أو الخاصة ،
فلم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا أصحابه
ولا التابعين
ولا تابعيهم احتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ،
لا بشكل جماعي ،
ولا بشكل فردي ،
ولم تلق قصائد مدحه صلى الله عليه وسلم
في ذكرى مولده المتكررة بتكرر السنين والأعوام ،
وإنما كانت تلقى في مناسبات تقتضيها الأحوال .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
من صومه يوم الإثنين من كل أسبوع ،
وتعليله ذلك بأنه يوم ولد فيه ;
لا يُعتبر دليلاً على إقامة احتفال سنوي ;
فيه من المنكرات والشركيات والترهات ما الله به عليم ،
فالأول خير محض ،
والثاني إن لم يكن شراً محضاً
فضرره لا يقابل ما فيه من خير إن وجد .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والنبي صلى الله عليه وسلم
حينما سُـئل عن صوم يوم الإثنين والخميس ،
قال :
" إنهما يومان تعرض الأعمال فيهما على الله ،
فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم " .
فصيام يوم الإثنين مسنون لعدة أحكام :
أهمها أنه يوم ولد فيه ،
ويوم أنزل عليه القرآن فيه ،
ويوم تعرض فيه أعمال العباد .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ونقول له أيضاً
إن المولد أمر محدَث مخالف للشريعة الإسلامية ،
فليس له أصل في الإسلام ،
ولم يكن ممن يعتد بهم وتقتفى آثارهم
في الاتباع والاهتداء والاقتداء
من صحابة أو تابعين أو أتباع تابعين ،
وإنما هو من ابتداع شر أهل الأرض
القرامطة والرافضة ،
ولو كان خيراً
لسبقنا إليه من هم
أحرص منا على ابتغاء الخير ،
وأفقه منا في معرفة طريق الخير ،
وأتقى منا في تتبع ما يهدي إلى الخير ،
وأصدق منا محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ;
وفيما تعنيه محبته من مناهج الخير ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد مات صلى الله عليه وسلم
بعد أن تركها لنا محجة بيضاء ،
ليلها كنهارها ،
لا يزيغ عنها إلا هالك ،
وبعد أن نزلت عليه آخر آية من كتاب الله :
{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا }،
ولم يكن في إكمال الدين
وإتمام النعمة
وارتضاء الإسلام ديناً
لنا أمر يدعو إلى إقامة الاحتفال بالمولد ،
فهل كان ربك نسيا ؟
تعالى وتقدَّس .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قصَّر في أداء الرسالة ;
حينما أغفل الأمر
بإقامة الاحتفالات بمولده صلى الله عليه وسلم ؟
هل أراد حرماننا من الأجر العظيم
والقربة إلى الله تعالى ;
حينما بخل علينا ببيان ما في إقامة المولد من الفضل الجمّ ،
والخير الواسع ;
على ما يدعيه ويزعمه
شيخ البدعة محمد علوي مالكي؟
سبحانك
هذا بهتان عظيم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما القول بأن المولد لم يشتمل على منكر ،
فهذا قول مردود جملة وتفصيلا،
والمالكي نفسه يعلم كذبه
وبطلان قوله .
ففي الموالد اختلاط الرجال بالنساء ،
واستعمال أنواع المعازف ،
وما فيها من الرقص والغناء أفراداً وجماعات ،
وفيها من الإسراف في تقديم الموائد
المشتملة على المآكل والمشارب مما تعرف منه وتنكر ،
وفيها الاستجداء بطريق التحايل
على العقول المعطلة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا كان المالكي يبرئ موالده من هذه الأمور المنكرة ;
وإن كانت في الواقع
هي الخصائص الرئيسية للاحتفالات بالمولد ;
إذا كان المالكي ينكر هذه الأمور في موالده
فإنه لا يستطيع أن ينكر ما هو أدهى فيها وأمر ،
لا يستطيع أن ينكر ما يتلى في موالده
من المدائح النبوية
المشتملة على
الغلو والإطراء والإفراط والتنطع ،
ورفع منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم
إلى مقام الربوبية والألوهية
من المنع والعطاء
والإحاطة الشاملة ،
واعتباره ملجأ
وملاذاً وصمداً ،
وأن له مقاليد السموات والأرض ،
وأنه نور لا ظل له في شمس ولا قمر ،
وأن الخلق خلقوا لأجله ،
وأن قبره أفضل من الكعبة ،
وليلة مولده أفضل من ليلة القدر ،
وأن له الحق في الإقطاع في الجنة ،
وأنه يعلم الأمور الخمسة
التي استأثر الله تعالى بعلمها :
{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ }[1] ،
وأن أعمال أمته تعرض عليه ،
إلى غير ذلك
مما لم يقل به
أبو جهل وأبو لهب وأُبيّ بن خلف
وغيرهم من أئمة الكفر والشرك والطغيان ،
ممن يعترفون لله تعالى بتوحيد الربوبية
ويقولون في تبرير دعوتهم أصنامهم
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }[2] .
===========
[1] - سورة لقمان ، الآية : 34 .
[2] - سورة الزمر ، الآية : 3 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كما أن المالكي
لا يستطيع أن ينكر ما تشتمل عليه موالده
من الخيالات والوهميات
في حضور الحضرة النبوية ،
ووجوب القيام لها إجلالاً واحتراماً .
حيث فتح هذا الاعتقاد للشيطان وأعوان الشيطان وأتباع الشيطان
من الإنس والجن أبواب اختلال الأمة ،
وإبعادها عن الموارد الصافية في الشريعة الإسلامية ،
حيث أعطى هذا الاعتقاد مردوداً سيئاً في تفرق الأمة ،
وفساد اعتقادها ،
وانتشار فرق الضلال فيما بينها ;
من قاديانية
واسماعيلية
ونصيرية
وطرق متعددة للمتصوفة
والروافض .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أفبعد هذا يستطيع المالكي أن يقول
أن موالده لا تشتمل على منكر ؟ ،
وإن كنا قد كشفنا ما عليه موالده من منكرات وشركيات ،
وإذا كان المالكي بقدر ما وهبه الله من عقل
يستطيع به إدراك الحق من الباطل ،
فهل يعترف لنا بعد ذلك
ببدعية موالده ،
وأنها خالية من الدليل الشرعي ،
ومخالفة للمقتضيات الشرعية ،
ومشتملة على المفاسد والمنكرات ،
وفتح أبواب الشرك بالله
على أوسع مصاريعها ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل العشرون
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل العشرين بقوله :
الدليل العشرون :
أن الاحتفال بالمولد إحياء لذكرى المصطفى صلى الله عليه وسلم ،
وذلك مشروع عندنا في الإسلام ،
فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج
إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة ،
فالسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات والذبح بمنى ;
كلها حوادث ماضية سابقة يحي المسلمون ذكراها
بتجديد صورتها في الواقع .اهـ .
لقد كنا نحسن الظن بالمالكي ،
وبأنه على مستوى طيب من العلم والفهم والإدراك ،
ولكننا بعد ان قرأنا له ما سجلته
يده الزائغة المشلولة
ويراعه المسموم ،
أدركنا أن الرجل في غياهب الجهالات والضلالات ،
ومن أطوع جنود إبليس
للدعوة إلى الشرك بالله ،
والزج بالأمة إلى جاهلية جهلاء ،
بل إلى ما لم تكن عليه جاهلية أبي جهل وأبي لهب وأبي بن خلف
وغيرهم من أقطاب الكفر والشرك والطغيان ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإنما إلى جاهلية
تكفر بوحدانية الله تعالى في ربوبيته ،
حينما ينادي المالكي وأتباعه
بأن محمداً صلى الله عليه وسلم ، شريك لله
في مقاليد السموات والأرض،
وأن له حق الإقطاع في الجنة ،
وأن له العلم الشامل ،
ومن ذلك علم اللوح والقـلم والروح
والأمـور الخمسة التي ذكر الله اختصاصه بها ،
وأن قبره أفضل من الكعبة ،
وليلة مولده أفضل من ليلة القدر ،
وأنه نور لا ظل له في شمس ولا قمر ،
إلى آخر ترهات المالكي وأباطيله ،
ومحدثاته وغرائبه وعجائبه
مما ذكره في كتابه السيء
( الذخائر المحمدية ) ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإلى جاهلية
تكفر بوحدانية الله تعالى في ألوهيته ;
حينما يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم
من التقديس والإجلال
ما يجب أن يختص الله تعالى به ،
فيعتبره الملجأ
والملاذ
ومفرّج الكربات العظام ،
وأنه إن توقف
عن تفريج الكربة
فمن ذا يُسأل بعده .
قال إمامه البوصيري :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواكَ عند حلول الحادث العمم
وقال إمامه البكري :
ونــــادِه إن أزمـــة أنــشـبــت
أظفارها واستحكم المعضل
قـد مسنـي الكــرب وكـم مـرة
فـرّجتَ كرباً بعضه يعضل
عجِّـل بإذهـاب الذي أشـتـكـي
فإن توقـفـت فـمن ذا أســأل
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كم أنا متألم من قسوتي على المالكي ،
ووصفه بأوصاف مؤلمة ،
ولكنه الغضب في سبيل الله تعالى ،
والقسوة في مجال توحيد الله تعالى ،
والغيرة على حقوق الله تبارك وتعالى ،
والتأسي بعبد الله ورسوله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
فقد كان شديد الغيرة على حقوق الله ،
شديد الحرص على حماية جناب التوحيد ،
شديد الحرص على أن تعرف أمته منزلته
التي أنزله الله إياها .
ففي سنن النسائي بسند جيد
عن أنس رضي الله عنه ،
أن ناساً قالوا :
يا رسول الله ، يا خيرنا ، و ابن خيرنا ،
وسيدنا وابن سيدنا ،
فقال :
" يا أيها الناس قولوا بقولكم
ولا يستهوينكم الشيطان ،
أنا محمد عبد الله ورسوله ،
ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي
التي أنزلني الله عز وجل " ،
فقد أنكر صلى الله عليه وسلم عليهم
قولهم هذا الإطراء ،
وعلل ذلك بأن الشيطان قد يدخل على الناس
لإفساد دينهم من هذا الباب ،
فسدّه صلى الله عليه وسلم ،
وقطع دابر كل ذريعة توصل إليه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والله سبحانه وتعالى حسيب المالكي
وأشياخه وأئمته وأتباعه
الذين قاموا بفتح باب الشرك بالله على هذه الأمة ،
وغلوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأطروه كما أطرت النصارى ابن مريم ،
فإن النصارى قالوا : إن عيسى ابن الله .
والمالكي وأحزابه قالوا إن محمداً شريك الله
في مقاليد السموات والأرض ،
وأنه الملتجأ والملاذ ،
وأن من علومه علم اللوح والقلم والروح ،
وأنه مفرج الكربات
إلى آخر ما في قائمة المالكي
من أنواع الشرك بالله في ربوبيته وألوهيته .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
نعم إن المالكي في دليله العشرين ،
يقول :
طالما أن الحج عبارة عن إحياء ذكريات لوقائع تاريخية ;
في السعي و في رمي الجمار وفي الذبح
فلماذا لا نسجل مثل هذه الوقائع كالموالد والإسراء والمعراج ونحو ذلك .
سبحان الله
لم يكتف المالكي
بإشراك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ربه
في الألوهية والربوبية ،
حتى تطاولت نفسه
على الاشتراك مع الله
تبارك وتعالى
في التشريع .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لا ندري هل الرجل في مستوى علمي
يسمح لنا بأن نكرر عليه ما سبق
أن ذكرناه عن أهل العلم ;
من منعهم القياس في العبادات ،
وأن تشبيه الابتداع في الدين
برعاية المصالح أو الاستحسان
تشبيه في غير محله ،
لأن العبادات مبنية على التوقيف
وخفاء العلل التفصيلية
التي هي شرط في قيام القياس ،
وذكرنا كلاماً طويلاً للشاطبي يبينه ويوضحه ؟ ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
نعم لا ندري
هل الرجل في مستوى علمي
يسمح لنا بمناقشته المناقشة العلمية ،
أم أن الرجل غاوٍ
في متاهات الابتداع والإحداث ،
والعمل على ابتناء قاعدة شعبية
تسودها روح الغباء
والجهل
والضلال
والسذاجة،
وطرح العقول في رفوف الزوايا ،
حتى يتم له الدجل والتهريج ،
وتقدم له آيات الإجلال والتقدير
من الأقوال والأفعال .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد كررنا القول
بأننا ملزمون بالاتباع
لا بالابتداع ،
وأننا ملزمون بالاقتداء والاهتداء
بما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،
وأننا محذرون بلسان رسول رب العالمين ،
صاحب المقام المحمود
والحوض المورود ،
من لا ينطق عن الهوى ،
من أمرنا الله تبارك وتعالى بطاعته ،
وأخذ ما آتانا به :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }[1] ،
محذرون عن
الابتداع والإحداث في الدين .
==========
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فلقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله :
" من أحدثَ في أمرنا هذا
ما ليس منه فهو رد .
من عمل عملاً
ليس عليه أمرنا فهو رد .
إياكم ومحدثات الأمور ،
فإن كل محدثة بدعة ،
وكل بدعة ضلالة ،
وكل ضلالة في النار "
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وتأدب أصحابه بأدبه صلى الله عليه وسلم
في إنكار الابتداع
والتحذير من الوقوع فيه ،
فابن مسعود رضي الله عنه يقول :
اتبعوا ولا تبتدعوا
فقد كفيتم .
وحذيفة بن اليمان أمين سر رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول :
كل عبادة لم يتعبّدها أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فلا تعبّدوها ،
فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً ،
فاتقوا الله يا معشر القرآء ،
فخذوا بطريق من قبلكم .
فلقد تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم
محجة بيضاء ليلها كنهارها
لا يزيغ عنها إلا هالك .
لا خير إلا دل الأمة عليه ،
ولا شر إلا حذرها عنه ،
بلغ الرسالة أتم بلاغ ،
وأدى الأمانة أحسن أداء ،
ونصح صلى الله عليه وسلم لأمته نصحاً
كان تحقيقـاً وتأكيداً وتطبيقـاً عملياً ،
لقوله تعالى :
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }[1] .
فهل بعد هذا نترك هذه المحجة البيضاء ،
وهذه الشريعة السمحة الكاملة
لنسمع مع المالكي
مقالة إبليس على لسانه ؟
==========
[1] - سورة التوبة ، الآية : 128 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن قول المالكي بأن في الحج ذكريات لوقائع تاريخية ،
يجدر بنا أن نأخذ بمثلها في المولد ونحوه ،
يذكرنا بقصة حدوث الشرك في الأرض وكيف بدؤه .
ففي صحيح البخاري
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :
{ وَقَالُوالَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ
وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا
وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }[1] ،
قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ،
فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم
أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا ،
وسموها بأسمائهم ، ففعلوا و لم تعبد ،
حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم ; عُبدت .
قال ابن القيّم رحمه الله :
قال غير واحد من السلف :
لما ماتوا عكفوا على قبورهم
ثم صوروا تماثيلهم ،
ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم . اهـ .
============
[1] - سورة نوح ، الآية : 23 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الحادي والعشرون
مناقشته ثم رده :-
ثم ذكر المالكي الدليل الحادي والعشرين بقوله :
واحد وعشرون :
كل ما ذكرناه سابقاً من الوجوه في مشروعية المولد ;
إنما هو في المولد الذي خلا من المنكرات المذمومة التي يجب الإنكار عليها ،
أما إذا اشتمل المولد على شيئ مما يجب الإنكار عليه كاختلاط الرجال بالنساء ،
و ارتكاب المحرمات ،
وكثرة الإسراف مما لا يرضى به صاحب المولد الشريف صلى الله عليه وسلم ;
فهذا لا شك في تحريمه ومنعه ،
لما اشتمل عليه من المحرمات ،
لكن تحريمه حينئذ يكون عارضاً لا ذاتياً ،
كما لا يخفى على من تأمل ذلك . اهـ .
هذا في الواقع ليس دليلاً وإنما هو احتراز منه ،
بأن موالده لا تشتمل
على الرقص والغناء والاختلاط والإسراف في الموائد ،
فإذا اشتمل المولد على شيء من ذلك
كان محرماً لا لذاته ;
وإنما لما اعترضه من منكر يزال ،
فتبقى للمولد مشروعيته ،
هكذا يريد المالكي ويقرر.
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد كررنا القول
بأن ما تشتمل عليه موالد المالكي
من الكفر بالله في ألوهيته وربوبيته ،
وانتهاك حرمات العقول
بإلزامها بالأخذ بحضور الحضرات الصالحة
من نبوية وغيرها لهذه الاجتماعات ،
وتعين القيام لها احتراماً وإجلالاً ;
هذه الموالد المشتملة على هذه الأمور الشركية
أشد إثماً
وأعظم ذنباً،
وأولى بالإنكار ،
وأجدر ألا تكون ممن يؤمن بالله رباً ،
وبالإسلام ديناً ،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وما نفاه المالكي عن موالده
يعتبر من المعاصي
التي يدخل أصحابها تحت رحمة الله ومشيئته ،
إن شاء عذبهم بها ،
وإن شاء رحمهم فغفر لهم .
وما أثبتته كتبه في الموالد
يعتبر من الأمور الشركية
التي قال الله تعالى عنها :
{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا }[1] ،
وقال :
{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ
وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنصار }[2] .
وبناء على ما سبق لنا من بسط وتوضيح وتفصيل
لوجوه ردنا موالد المالكي ،
و إن خلت من الاختلاط والأغاني والرقص ;
فإننا نكتفي بذلك ،
ونحيل عليه .
=============
[1] - سورة النساء ، الآية : 116 .
[2] - سورة المائدة ، الآية : 72 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
رد افتراءالمالكي
على شيخ الإسلام ابن تيمية
أنه أجاز المولد
~~~~~~~
وبعد أن استكمل المالكي
مزاعمه الاستدلالية الواحدة والعشرين ;
أورد ما زعمه رأياً لشيخ الإسلام ابن تيمية في المولد ،
وقد أورده بشكل فيه التلبيس والتدليس ،
وعلى طريقة من يقف على المصلين
في قوله تعالى :
{ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ }[1] ،
ولو كان المالكي ذا أمانة علمية
وخوف من الله تعالى ;
لما تجرأ على أن ينسب لعالم كبير
يُعتبر من أشد عباد الله إنكاراً للبدعة ،
وأولاهم تحقيقاً وتطبيقاً للسنة ،
أن ينسب له رأياً في إجازة المولد ،
حيث قال عنه ما نصه:
( رأي الشيخ ابن تيمية في المولد يقول :
قد يُثاب بعض الناس على فعل المولد ..)
إلى آخر ما ذكره .
===========
[1] - سورة الماعون ، الآية : 4 – 5 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد سبق أن ذكرنا رأيه رحمه الله
في الجزء الثالث والعشرين من مجموع فتاواه ،
ويحسن بنا أن نعيد ماله تعلق بالموضوع ،
فقد قال رحمه الله :
( فلو قوماً اجتمعوا بعض الليالي على صلاة تطوع ،
من غير أن يتخذوا ذلك عادة راتبة
تشبه السنة الراتبة لم يكره .
لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه ،
لما فيه من تغيير الشريعة ،
وتشبيه غير المشروع بالمشروع ،
ولو ساغ ذلك لساغ أن يعمل صلاة أخرى وقت الضحى ،
أو بين الظهر والعصر ،
أو تراويح في شعبان ،
أو أذان في العيدين ،
أو حج إلى الصخرة ،
وهذه تغيير لدين الله ،
وتبديل له ،
وهكذا القول في ليلة المولد وغيرها ). اهـ.
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ونجدنا الآن مضطرين إلى نقل ما قاله
شيخ الإسلام رحمه الله
في كتابه
(اقتضاء الصراط المستقيم )
عن البدعة ونقد تقسيماتها ،
ورأيه في المولد ،
ونعتذر للقارئ عن طول ما سننقل عن الشيخ من كتابه ،
لأننا في الواقع مضطرون إلى ذلك
لأمرين :
أحدهما :
أن مقام الابتداع أمر خطير ،
وباب دخل منه الشيطان لإفساد العقيدة على المسلمين ،
فقام بوساوسه وهمزاته ولمزاته ونفثاته ،
ففرَّق المسلمين إلى ما تفرق عليه أهل الكتاب ،
وإذا أعطانا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
نَفَسه في الحديث عن موضوع ما
فإنما هي درر العلم وجواهره ،
فهو رحمه الله ينظر بنور الله ،
يعطي المقام حقه ،
والخصم مستحقه ،
وقد أعطانا رحمه الله نَفَسه
في بحث البدعة ونقد تقسيماتها ،
وذكر الأمثلة التطبيقية لها ،
وذلك بأسلوب علمي
مبني على التأصيل والتقعيد ،
مما لا يسع الخصم المنصف
إلا التسليم والقبول .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الأمر الثاني :
أن المالكي عامله الله بعدله
فيما نسبه للشيخ ;
قد افترى على شيخ الإسلام ابن تيمية ،
وذكر عنه أنه يقول بجواز المولد وبإثابة فاعله .
فنحن هنا نورد كلامه رحمه الله
وإن كان طويلاً
إلا أنه يوضح رأيه في الموضوع ،
ويظهر حقيقة الافتراء عليه من المالكي ،
ويرد شبهاته
وشبهات أشياخه
مشائخ الابتداع ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فقد قال رحمه الله :-
فـصـــل
ومن المنكرات في هذا الباب :
سائر الأعياد والمواسم المبتدعة.
فإنها من المنكرات المكروهات ،
سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه .
وذلك :
أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم
نهي عنها لسببين :
أحدهما :
أن فيها مشابهة للكفار .
والثاني :
أنها من البدع .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فما أُحدث من المواسم والأعياد فهو منكر
وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب ،
لوجهين :
أحدهما :
أن ذلك داخل في
مسمى البدع والمحدثات ،
فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه
عن جابر قال :
( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا خطب احمرت عيناه ،
وعلا صوته ، واشتد غضبه ،
حتى كأنه منذر جيش ،
يقول : صبحكم ومساكم .
ويقول : بعثت أنا والساعة كهاتين
– ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى –
ويقول : أما بعد ،
فإن خير الحديث كتاب الله ،
وخير الهدي هدي محمد ،
وشر الأمور محدثاتها ،
وكل بدعة ضلالة ) .
وفي رواية للنسائي
( وكل ضلالة في النار ) .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وفيما رواه أيضاً في الصحيح
عن عائشة رضي الله عنها
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( من عمل عملاً
ليس عليه أمرنا
فهو رَد ).
وفي لفظ في الصحيحين
( من أحدثَ في أمرنا هذا
ما ليس منه
فهو رَد ) .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وفي الحديث الصحيح
الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( إنه من يعش منكم من بعدي فسيرى اختلافاً كثيرا ،
فعليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ،
تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ .
وإياكم ومحدثات الأمور ،
فإن كل بدعة ضلالة ) .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وهذه قاعدة
قد دلت عليها السنة والإجماع ،
مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً .
قال تعالى :
{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ
مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }[1] .
فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله ،
أو أوجبه بقوله أو فعله ،
من غير أن يشرعه الله ;
فقد شرع من الدين
ما لم يأذن به الله .
ومن اتبعه في ذلك
فقد اتخذه شـريكـاً لله ،
شرع له من الدين ما لم يأذن به الله .
==========
[1] - سورة الشورى ، الآية : 21
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
نعم قد يكون متأولاً في هذا الشرع ،
فيغفر له لأجل تأويله ;
إذا كان مجتهداً الاجتهاد
الذي يُعفى فيه عن المخطئ ،
ويُثاب أيضاً على اجتهاده ،
لكن لا يجوز اتباعه في ذلك ،
كما لا يجوز اتباع سائر من قال أو عمل
قولاً أو عملاً
قد علم الصواب في خلافه ،
وإن كان القائل أو الفاعل
مأجوراً أو معذوراً ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقد قال سبحانه :
{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا
لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[1] ،
قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم :
( يا رسول الله ، ما عبدوهم،
قال :
ما عبدوهم ،
ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم ،
وحرَّموا عليهم الحلال فأطاعوهم ) .
==========
[1] - سورة التوبة ، الآية : 31 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فمن أطاع أحداً في دين لم يأذن به الله
من تحليل أو تحريم أو استحباب او إيجاب ;
فقد لحقه من هذا الذم نصيب ،
كما يلحق الآمر الناهي أيضاً نصيب .
ثم قد يكون كل منهما معفواً عنه لاجتهاده ;
ومثاباً أيضاً على اجتهاده ،
فيتخلف عنه الذم لفوات شرطه ،
أو لوجود مانعه ،
وإن كان المقتضى له قائماً ،
ويلحق الذم من يبين له الحق فيتركه ،
أو من قصَّر في طلبه حتى لم يتبين له ،
أو أعرض عن طلب معرفته
لهوى أو لكسل أو نحو ذلك .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأيضاً فإن الله عاب على المشركين شيئين .
أحدهما :
أنهم قد أشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً .
والثاني : تحريمهم ما لم يحرمه الله عليهم .
وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
فيما رواه مسلم عن عياض بن حمار ،
عنالنبي صلى الله عليه وسلم قال :
( قال الله تعالى :
إني جعلت عبادي حنفاء ،
فاجتالتهم الشياطين ،
وحرمت عليهم ما أحللت لهم ،
وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم ينزل به سلطاناً ) ،
قال سبحانه :
{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا
وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ }[1] ،
فجمعوا بين الشرك والتحريم ،
والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها ،
فإن المشركين يزعمون أن عبادتهم إما واجبة ، وإما مستحبة ،
وإن فعلها خير من تركها .
ثم منهم
من عبد غير الله
ليتقرب بعبادته إلى الله ،
ومنهم من ابتدع ديناً عبدوا به الله
في زعمهم ،
كما أحدثه النصارى من أنواع العبادات المحدثة .
==========
[1] - سورة الأنعام ، الآية : 148 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من هذيـن :
إما اتخاذ دين لم يشرعـه الله ،
أو تحريم ما لم يحرمه الله .
ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد
وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم ،
أن أعمال الخلق تنقسم إلى
عبادات يتخذونها دينا،
ينتفعون بها في الآخرة ،
أو في الدنيا والآخرة ،
وإلى عادات ينتفعون بها في معايشهم .
فالأصل في العبادات
أن لا يشرع منها
إلا ما شرعه الله ،
والأصل في العادات
أن لا يحظر منها إلا ما حظره الله .
وهذه المواسم المحدثة
إنما نهي عنها
لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به ،
كما سنذكره إن شاء الله .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
واعلم أن هذه القاعدة
– وهي الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهته –
قاعدة عامة عظيمة ،
وتمامها بالجواب عما يعارضها.
وذلك :
أن من الناس من يقول :
البدع تنقسم إلى قسمين : حسنة وقبيحة ،
بدليل قول عمر رضي الله عنه في صلاة التروايح
( نعمت البدعة هذه ) ،
وبدليل أشياء من الأقوال والأفعال
أُحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وليست بمكروهة ،
أو هي حسنة للأدلة الدالة على ذلك
من الإجماع أو القياس .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وربما يضم إلى ذلك
من لم يُحكم أصول العلم
ما عليه كثير من الناس ;
من كثير من العادات ونحوها .
فيجعل هذا أيضاً من الدلائل
على حسن بعض البدع ،
إما بأن يجعل ما اعتاده هو ومن يعرفه إجماعاً ،
وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك ،
أو يستنكر تركه لما اعتاده ،
بمثابة مَن
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ
قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }[1] ،
وما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز
من المنتسبين إلى علم أو عبادة ،
بحجج ليست من أصول العلم
التي يُعتمد في الدين عليها .
==========
[1] - سورة المائدة ، الآية : 104 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والغرض :
أن هذه النصوص الدالة على ذم البدع ;
معارضة بما دل على حسن بعض البدع ،
إما من الأدلة الشرعية الصحيحة ،
أو من حجج بعض الناس
التي يعتمد عليها بعض الجاهلين ،
أو المتأولين في الجملة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم هؤلاء المعارضون لهم هنا مقامان :
أحدهما : أن يقولوا :
إذا ثبت أن بعض البدع حسن وبعضها قبيح ;
فالقبيح ما نهانا عنه الشرع ،
أما ما سكت عنه من البدع فليس بقبيح ،
بل قد يكون حسناً .
فهذا مما قد يقوله بعضهم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
المقام الثاني :
أن يُقال عن بدعة سيئة ;
هذه بدعة حسنة ،
لأن فيها من المصلحة كيت وكيت ،
وهؤلاء المعارضون يقولون :
ليست كل بدعة ضلالة .
والجواب :
إما أن القول ( أن
شر الأمور محدثاتها ،
وأن كل محدثة بدعة ضلالة ،
وكل ضلالة في النار )
والتحذير من الأمور المحدثة ;
فهذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فلا يحل لأحد
أن يدفع دلالته
على ذم البدع ،
ومن نازع في دلالته فهو مراغم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما المعارضات ،
فالجواب عنها بأحد قولين :
إما بأن يُقال :
ما ثبت حُسنه فليس من البدع ،
فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه .
وإما أن يُقال :
ما ثبت حُسنه فهو مخصوص من هذا العموم ،
فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه ،
وإما أن يقال :
ما ثبت حسنه فهو مخصوص من العموم ;
والعام المخصوص دليل
فيما عدا صورة التخصيص ،
فمن اعتقد أن بعض البدع
مخصوص من هذا العموم
احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص ،
وإلا كان ذلك العموم اللفظي
موجباً للنهي .
ثم المخصص هو الأدلة الشرعية
من الكتاب والسنة والإجماع
نصاً واستنباطاً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما عادة بعض البلاد أو أكثرها ،
وقول كثير من العلماء أو العباد
أو أكثرهم ونحو ذلك ;
فليس مما يصلح أن يكون معارضاً
لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم
حتى يُعارَض به .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ومن اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن
مجمع عليها ،
بناء على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها ;
فهو مخطئ في هذا الاعتقاد .
فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت
من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة.
ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد
أو بلاد من بلدان المسلمين ،
فكيف بعمل طوائف منهم ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا كان أكثر أهل العلم
لم يعتمدوا على عمل علماء أهل المدينة
وإجماعهم في عصر مالك ،
بل رأوا السنة حُجة عليهم ،
كما هي حجة على غيرهم ،
مع ما أوتوه من العلم والإيمان ;
فكيف يعتمد المؤمن العالم
على عادات أكثر من اعتادها عامة ،
أو مَن قيدته العامة ،
أو قوم مترئسون بالجهالة ،
لم يرسخوا في العلم ،
ولا يعدون من أولي الأمر ،
ولا يصلحون للشورى ،
ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله ،
أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة
قوم من أهل الفضل عن غير رويّة
أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها
أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين من الأئمة والصديقين ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والاحتجاج بمثل هذه الحجج ،
والجواب عنها معلوم أنه ليس طريقة أهل العلم ،
لكن لكثرة الجهالة
قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس ،
حتى من المنتسبين إلى العلم والدين ،
وقد يبدو لذوي العلم والدين فيها مستند آخر
من الأدلة الشرعية،
والله يعلم أن قوله بها وعلمه لها
ليس مستنداً آخر من الأدلة الشرعية ;
وإن كان شبهة،
وإنما هو مستند إلى أمور
ليست مأخوذة
عن الله ولا عن رسوله ،
من أنواع المستندات التي يستند إليها
غير أولي العلم والإيمان ،
وإنما يذكر الحجة الشرعية حجة على غيره ،
ودفعاً لما يناظره .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والمجادلة المحمودة :
إنما هي بإبداء المدارك ، وإظهار الحجج ،
التي هي مستند الأقوال والأعمال ،
وأما إظهار الاعتماد
على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل ،
فنوع من النفاق
في العلم والجدل والكلام والعمل .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأيضاً :
لا يجوز حمل قوله صلى الله عليه وسلم
( كل بدعة ضلالة )
على البدعة التي نهى عنها بخصوصها ،
لأن هذا تعطيل لفائدة هذا الحديث ،
فإن ما نهى عنه من الكفر والفسوق وأنواع المعاصي ;
قد علم بذلك النهي أنه قد أبيح محرم ،
وسواء كان بدعة أو لم يكن بدعة ،
فإذا كان لا منكر في الدين إلا ما نهى عنه بخصوصه ،
سواء كان مفعولاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو لم يكن وما نهى عنه ;
فهو منكر ، سواء كان بدعة أو لم يكن ،
صار وصف البدعة عديم التأثير
لا يدل وجوده على القبح ،
ولا عدمه على الحسن ،
بل يكون قوله ( كل بدعة ضلالة ) ،
بمنزلة قوله ( كل عادة ضلالة ) ،
أو ( كل ما عليه العرب والعجم فهو ضلالة ) ،
ويراد بذلك أن ما نهي عنه من ذلك فهو الضلالة ،
وهذا تعطيل للنصوص
من نوع التحريف والإلحاد ;
ليس من نوع التأويل السائغ ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وفيه من المفاسد أشياء .
أحدها :
سقوط الاعتماد على هذا الحديث ،
فإن ما علم أنه منهي عنه بخصوصه
فقد علم حكمه بذلك النهي ،
وما لم يعلم فلا يندرج في هذا الحديث ،
فلا يبقى في هذا الحديث فائدة ،
مع كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،
كان يخطب به في الجمع ،
ويعده من جوامع الكلم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الثاني :
أن لفظ البدعة يكون اسماً عديم التأثير ،
فتعليق الحكم بهذا اللفظ أو المعنى
تعليق له بما لا تأثير له ;
كسائر الصفات العديمة التأثير .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الثالث :
أن الخطاب بمثل هذا
إذا لم يقصد إلا الوصف الآخر
– وهو كونه منهياً عنه –
كتمان لما يجب بيانه ،
وبيان لما لم يقصد ظاهره ،
فإن البدعة والنهي الخاص
بينهما عموم وخصوص ،
إذ ليس كل بدعة جاء عنها نهي خاص ،
وليس كل ما جاء فيه نهي خاص بدعة ،
فالتكلم بأحد الاسمين وإرادة الآخر ;
تلبيس محض ،
لا يسوغ للمتكلم إلا أن يكون مدلساً ،
كما لو قال ( الأسود ) وعني به الفرس
أو ( الفرس ) وعني به الأسود .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الرابع :
أن قوله ( كل بدعة ضلالة ،
وإياكم ومحدثات الأمور ) ،
إذا أراد بهذا ما فيه نهي خاص
كان قد أحالهم في معرفة المراد بهذا الحديث
على ما لا يكاد يحيط به أحد ،
ولا يحيط بأكثره إلا خواص الأمة ،
ومثل هذا
لا يجوز بحال .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الخامس :
أنه إذا أريد به ما فيه من النهي الخاص
كان ذلك أقل
مما ليس فيه نهي خاص من البدع ،
فإنك لو تأملت البدع التي نهي عنها بأعيانها ،
وما لم ينه عنها بأعيانها ;
وجدت هذا الضرب هو الأكثر ،
واللفظ العام
لا يجوز أن يُراد به
الصور القليلة أو النادرة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهذه الوجوه وغيرها ;
توجب القطع بأن
هذا التأويل فاسد ،
لا يجوز حمل الحديث عليه ،
سواء أراد المتأول أن يعضد التأويل بدليل صارف
أو لم يعضده ،
فإن على المتأول بيان جواز إرادة المعنى
الذي حمل الحديث عليه من ذلك الحديث ،
ثم بيان الدليل الصارف إلى ذلك .
وهذه الوجوه
تمنع جواز إرادة هذا المعنى بالحديث ،
فهذا الجواب
عن مقامهم الأول .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما مقامهم الثاني
فيقال :
هب أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح ،
فهذا القدر لا يمنع أن يكون هذا الحديث
دالاً على قبح الجميع ،
لكن أكثر ما يقال :
أنه إذا ثبت هذا حسن ;
يكون مستثنى من العموم ،
وإلا فالأصل
أن كل بدعة ضلالة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فقد تبين أن الجواب عن كل ما يعارض به
من إنه حسن وهو بدعة ;
إما بأنه ليس بدعة ،
وإما بأنه مخصوص ،
فقد سلمت دلالة الحديث ،
وهذا الجواب
إنما هو عما ثبت حُسنه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فأما أمور أخرى قد يُظن أنها حسنة
وليست بحسنة ،
أو أمور يجوز أن تكون حسنة ،
ويجوز أن لا تكون حسنة ;
فلا تصلح المعارضة بها ،
بل يجاب عنها بالجواب المركب ،
وهو :
إن ثبت أن هذا حسن فلا يكون بدعة ،
أو يكون مخصوصاً ،
وإن لم يثبت أنه حسن
فهو داخل في العموم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإذا عرفت أن الجواب عن هذه المعارضة
بأحد الجوابين فعلى التقديرين :
الدلالة من الحديث باقية ،
لا تُرَد بما ذكروا ،
ولا يحل لأحد
أن يقابل هذه الكلمة الجامعة
من رسول الله صلى الله وسلم الكلية ،
وهي قوله ( كل بدعة ضلالة )
بسلب عمومها ،
وهو أن يقال :
ليست كل بدعة ضلالة ،
فإن هذا إلى مشاقة الرسول
أقرب منه إلى التأويل .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
بل الذي يقال فيما يثبت به حسن الأعمال ،
التي قد يقال هي بدعة ،
إن هذا العمل المعين مثلاً ليس ببدعة ،
فلا يندرج في الحديث ،
أو إن اندرج ;
لكنه مستثنى من هذا العموم لدليل كذا وكذا ،
الذي هو أقوى من العموم ،
مع أن الجواب الأول أجود .