-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال الشاطبي رحمه الله ما نصه :
" الباب الثالث
في أن ذم البدع والمحدثات عامة
لا يخص محدثة دون غيرها ،
ويدخل تحت هذه الترجمة
من شبه المبتدعة التي احتجوا بها ،
فاعلموا رحمكم الله
أن ما تقدم من الأدلة حجة
في عموم الذم
من أوجه :
أحدها :
أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها ،
لم يقع فيها استثناء ألبته ،
ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو هدى ،
ولا جاء فيها كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ،
ولا شيء من هذه المعاني ،
فلو كان هنالك محدَثة
يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان ،
أو أنها لاحقة بالمشروعات ،
لذُكر ذلك في آية أو حديث ،
لكنه لا يوجد ،
فدلَّ على أن تلك الأدلة بأسرها
على حقيقة ظاهرها من الكلية
التي لا يختلف عن مقتضاها فرد من الأفراد .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والثانية :
أنه قد ثبت في الأصول العلمية
أن كل قاعدة كلية ،
أو دليل شرعي كلي ،
إذا تكررت في مواضع كثيرة ،
وأتى بها شواهد على معان أصولية أو فروعية ،
ولم يقترن بها تخصيص ولا تقييد
مع تكرارها وإعادة تقررها ،
فدلَّ ذلك على بقائها
على مقتضى لفظها من العموم ،
كقوله تعالى :
{ أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى *
وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى }[1] ،
وما أشبه ذلك ،
وبسط الاستدلال على ذلك هنالك ،
فما نحن بصدده من هذا القبيل ،
إذ جاء في الأحاديث المتعددة والمتكررة في أوقات شتى ،
وبحسب الأحوال المختلفة .
إن كل بدعة ضلالة ،
وإن كل محدثة بدعة ،
وما كان نحو ذلك من العبارات
الدالة على أن البدع مذمومة ،
ولم يأتِ في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ،
ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية منها ،
فدل ذلك دلالة واضحة
على أنها على العموم وإطلاقها .
==============
[1] - سورة النجم ، الآية : 38 ، 39 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
والثالث :
إجماع السلف الصالح
من الصحابة والتابعين ومن يليهم ،
على ذمها كذلك وتقبيحها،
والهروب عنها
وعمن اتسم بشيئ منها،
ولم يقع منهم في ذلك توقف و لا مثـنوية ،
فهو بحسب الاستـقـراء
إجمـاع ثابـت ،
فدل على أن
كل بدعـة ليست بحق،
بل هي
من الباطل .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الرابع :
أن متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه ،
لأنه من باب مضادة الشارع ،
وإطِّراح الشرع ،
وكل ما كان بهذه المثابة
فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح ،
وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم ،
إذ لا يصح في معقول ولا منقول
استحسان مشقة الشارع ،
وقد تقدم بسط هذا في أول الباب الثاني .
وأيضاً فلو فرض أنه جاء في النقل استحسان بعض البدع ،
أو استثناء بعضها عن الذم ;
لم يتصور،
لأن البدعة طريقة تضاهي المشروعة ،
من غير أن تكون كذلك ،
وكون الشارع يستحسنها دليل مشروعيتها ،
إذ لو قال الشارع المحدثة الفلانية حسنة ،
لصارت مشروعة ،
كما أشاروا إليه في الاستحسان ،
حسبما يأتي إن شاء الله .
ولمّـا ثبت ذمها ،
ثبت ذم صاحبها ،
لأنها ليست بمذمومة من حيث تصورها فقط ،
بل من حيث اتصف بها المتصف ،
فهو إذاً المذموم على الحقيقة ،
والذم خاصة التأثيم
فالمبتدع مذموم آثم ،
وذلك على الإطلاق والعموم،
ويدل على ذلك أربعة أوجه ،
إلى آخر ما ذكره "[1].
==============
[1] - الاعتصام ج 1 ، ص 180 – 182 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال في موضوع آخر
في معرض شرحه تعريف البدعة
ما نصه :
" وقوله في الحد تضاهي الشرعية ،
يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية ،
من غير أن تكون في الحقيقة كذلك ،
بل هي مضادة لها من أوجه متعددة "
– وذكر مجموعة أمور ثم قال :
" ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة ،
كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ،
واتخاذ يوم ولادته
صلى الله عليه وسلم عيداً
وما أشبه ذلك "[1] . اهـ .
==============
[1] - الاعتصام ج 1 ، ص 34 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال ابن رجب رحمه الله
في معرض شرحه حديث العرباض بن سارية
قال ما نصه :
" فـقـوله صلى الله عليه وسلم
وإياكم ومحدثـات الأمـور
فإن كل بدعـة ضلالــة ،
تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدَثة المبتدَعة ،
وأكد ذلك بقوله
كل بدعة ضلالة .
والمراد بالبدعة
ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه ،
وأما ما كان له أصل من الشرع
يدل عليه فليس ببدعة ،
وإن كان بدعة لغة .
وفي صحيح مسلم
عن جابر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقول في خطبته :
إن خير الحديث كتاب الله ،
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،
وشر الأمور محدثاتها ،
وكل بدعة ضلالة .
وأخرجه الترمذي وابن ماجه
من حديث كثير بن عبدالله المزني ،
وفيه ضعف
عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من ابتدع بدعة ضلالة
لا يرضاها الله ولا رسوله
كان عليه مثل آثام من عمل بها
لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً " ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إلى أن قال :
" وكل بدعة ضلالة " ،
من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء ،
وهو أصل عظيم من أصول الدين ،
وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم :
" من أحدث من أمرنا هذا
ما ليس منه فهو رد " .
فكل من أحدثَ شيئاً ونسبه إلى الدين ،
ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه ،
فهو ضلالة والدين برئ منه ،
وسواء في ذلك
مسائل الاعتقادات
أو الأعمال
أو الأقوال الظاهرة والباطنة ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما ما وقع في كلام السلف
من استحسان بعض البدع
فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ،
فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه
لما جمع الناس في قيام رمضان
على إمام واحد في المسجد ،
وخرج ورآهم يصلون كذلك ،
فقال : " نعمت البدعة هذه " .
وروي عنه أنه قال :
" إن كانت هذه بدعة ، فنعمت البدعة " .
وروي أن أبيّ بن كعب قال له :
إن هذا لم يكن ، فقال عمر :
" ولكنه حسن " .
ومراده أن هذا الفعل لم يكن على هذا الوجه
قبل هذا الوقت ،
ولكن له أصل في الشريعة
يرجع إليها .
فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يحث على قيام رمضان ، و يرغّب فيه،
وكان الناس في زمنه يقومون في المسجد
جماعات متفرقة ووحدانا ،
وهو صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في رمضان غير ليلة ،
ثم امتنع من ذلك معللاً بأنه خشي أن يُكتب عليهم ،
فيعجزوا عن القيام به ،
وهذا قد أُمن بعده صلى الله عليه وسلم .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم
أنه كان يقوم بأصحابه ليالي الأفراد في العشر الأواخر ،
وهذا قد صار من سنة خلفائه الراشدين ،
فإن الناس اجتمعوا عليه
في زمن عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم .
ومن ذلك أذان الجمعة الأول
زاده عثمان لحاجة الناس إليه ،
وأقرّه علي ،
واستمر عمل المسلمين عليه " .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إلى أن قال :
" وقد روى الحافظ أبو نعيم
بإسناد عن إبراهيم بن الجنيد قال:
سمعت الشافعي يقول :
البدعة بدعتان بدعة محمودة ، وبدعة مذمومة ،
فما وافق السنـّة
فهو محمود ،
وما خالف السنـّة
فهو مذموم .
واحتج بقول عمر رضي الله عنه :
نعمت البدعة هذه .
ومراد الشافعي رضي الله عنه ما ذكرناه من قبل ،
أن أصل البدعة المذمومة
ما ليس لها أصل في الشريعة يرجع إليه ،
وهي البدعة في إطلاق الشرع ،
وأما البدعة المحمودة فما وافق السنـّة ،
يعني ما كان لها أصل من السنـّة ترجع إليه ،
وإنما هي بدعة لغة لا شرعا،
لموافقتها السنـّة ،
إلى آخر ما ذكره " [1] .
===========
[1] - جامع العلوم والحكم ، ص 233 – 235 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال ابن حجر العسقلاني
في كتابه ( فتح الباري شرح صحيح البخاري )
من كتاب الاعتصام ،
في معرض شرحه حديث :
"إن أحسن الحديث كتاب الله " ،
ما نصه :
" والمحدَثات بفتح الدال جمع محدَثة ،
والمراد منها ما أُحدث وليس له أصل في الشرع ،
ويسمى في عرف الشرع بدعة .
وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة ،
فالبدعة في عرف الشرع مذمومة ،
بخلاف اللغة ،
فإن كل شيء أُحدث على غير مثال يسمى بدعة ،
سواء كان محموداً أو مذموماً .
وكذا القول في المحدَثة ،
وفي الأمر المحـدَث
الذي ورد في حديث عائشـة رضي الله عنها :
" من أحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ،
كما تقدم شرحه ،
ومضى بيان ذلك في كتاب الأحكام ،
وقد وقع في حديث جابر المشار إليه :
( وكل بدعة ضلالة ) ،
وفي حديث العرباض بن سارية
( وإياكم ومحدثات الأمور ،
فإن كل بدعة ضلالة ) ،
وهو حديث أوله
( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ) فذكره ،
وفيه هذا .
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي
وصححه ابن ماجه وابن حبان والحاكم ،
وهذا الحديث في المعنى
قريب من حديث عائشة المشار إليه ،
وهو من جوامع الكلم ،
قال الشافعي
البدعة بدعتان
محمودة ومذمومة ،
فما وافق السنـّة فهو محمود ،
وما خالفها مذموم
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
– إلى أن قال –
وثبت عن ابن مسعود أنه قال :
قد أصبحتم على الفطرة ،
وإنكم ستحدثون و يحدث لكم ،
فإذا رأيتم محدثة
فعليكم بالهدي الأول
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
– إلى أن قال –
وقد أخرجه أحمد بسند جيد
عن غضيف بن الحارث،
قال بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال :
إنا قد جمعنا الناس على رفع الأيدي على المنبر يوم الجمعة ،
وعلى القصص بعد الصبح والعصر ،
فقال : أما إنهما أمثل بدعكم عندي ،
ولست بمجيبكم إلى شيء منهما ،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
ما أحدث قوم بدعة
إلا رفع من السنة مثلها ،
فتمسك بسنة
خير من إحداث بدعة . انتهى .
وإذا كان هذا جواب هذا الصحابي
في أمر له أصل في السنة
فما ظنك
بما لا أصل له فيها ،
فكيف بما يشتمل على
ما يخالفها .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
– إلى أن قال –
وأما قوله في حديث العرباض:
( فإن كل بدعة ضلالة )،
بعد قوله :
( وإياكم ومحدثات الأمور )
فإنه يدل على أن المحدَث يسمى بدعة ،
وقوله كل بدعة ضلالة
قاعدة شرعية كلية ،
بمنطوقها ومفهومها،
أما منطوقها
فكأن يقال حكم كذا بدعة ،
وكل بدعة ضلالة ،
فلا تكون من الشرع
لأن الشرع كله هدى ،
فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة
صحت المقدمتان ،
وانتجتا المطلوب ،
والمراد بقوله :
كل بدعة ضلالة ،
ما أُحدث ولا دليل من الشرع
بطريق خاص ولا عام "[1]. اهـ.
============
[1] - فتح الباري ج 13 ، ص 253 – 254 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال ابن النحاس
في كتابه ( تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين )
ما نصه :
" قال الإمام المحقق أبو محمد عز الدين بن عبد السلام
رحمه الله تعالى :
البدعة ثلاثة أضرب :
أحـدها :
ما كان مباحاً ،
كالتوسع في المأكل والمشرب والملبس والمناكح ،
فلا بأس بشئ من ذلك .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الثاني :
ما كان حسناً
وهو مبتدع موافق لقواعد الشريعة ،
غير مخالف لشيء منها ،
كبناء الربط والخانات والمدارس
وغير ذلك من أنواع البر
التي لم تعهد في العصر الأول ،
فإنه موافق لما جاء بشأن الشريعة
من اصطناع المعروف ،
والمعاونة على البر والتقوى ،
وكذلك الاشتغال بالعربية ،
فإنه مبتدع ،
ولكن لا يتأتى تدبر القرآن وفهم معانيه إلا بمعرفة ذلك ،
فكان ابتداعه موافقاً لما أمرنا به
من تدبر آيات القرآن ، وفهم معانيه .
وكذلك تدوين الأحاديث
وتقسيمها إلى الحسن والصحيح
والموضوع والضعيف ;
مبتدع حسن ،
لما فيه من حفظ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يدخله ما ليس منه ،
وأن يخرج منه ما هو منه ،
وكذلك تأسيس قواعد الفقه وأصوله ،
كل ذلك مبتدع حسن ،
موافق لأصول الشرع
غير مخالف لشيء منها .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الثالث :
ما كان مخالفاً للشرع ،
أو ملتزماً لمخالف الشرع ،
فمن ذلك صلاة الرغائب ،
فإنها موضوعة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وكذب عليه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقال غيره :
البدع خمسة أقسام :
بدعة واجبة ،
وهي مثل كتب العلم ،
وشكل المصحف، ونقطه .
ومستحبة
كبناء القناطر والجسور
والمدارس وما أشبه ذلك .
ومباحة
كالمنخل والأشنان وما أشبه ذلك .
ومكروهة
مثل الأكل على الخوان وما أشبهه .
ومحرمة
وهي أكثر من أن تحصر . اهـ .
واعلم أني أذكر في هذا الباب جملاً من القسم الخامس
وهي البدع والمحرمات "[1] . اهـ .
===========
[1] - تنبيه الغافلين ، ص 320 – 321 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم قال
بعد إيراده جملاً كثيرة من البدع
استغرقت قرابة خمسين صفحة من الكتاب :
" ومنها ما أحدثوه
من عمل المولد في شهر ربيع الأول ،
قال ابن الحاج :
ومن جملة ما أحدثوه من البدع
مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات
ما يفعلونه من المولد ،
وقد احتوى ذلك على بدع محرمات .
ثم ذكر منها استعمال الأغاني بآلات الطرب ،
وحضور المردان والشباب ،
ورؤية النساء لهم وما في ذلك من المفاسد .
ثم قال :
فإن خلا المولد من السماع
وعمل طعاماً فقط ونوي به المولد ،
ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره ،
فهو بدعة بنفس نيته ،
إذ أن ذلك
زيادة في الدين ،
وليس من عمل السلف الماضين ،
واتباع السلف أولى بل أوجب
من أن يزيد بنيته مخالفة
لما كانوا عليه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قلت :
وليته يسلم من المناظرة والمفاخرة والرياء والتكلف ،
ومهما عُلم بقرائن الأحوال أن الباعث على ذلك ما ذكرناه،
كره أكل ذلك الطعام
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل طعام المتبارزين .
وقد يكون الباعث على ذلك
التعرف بالكبار الذين يدعونهم
من القضاة والأمراء والمشائخ ،
وقد يكون الباعث لبعض المشائخ
طلب التوسعة على نفسه بما يفضل عن حاجته ،
مما يحمل الناس إليه بسبب المولد
على نوع المساعدة أو الهدية أو الحياء
أو المناظرة لأقرانه من محبي الشيخ واتباعه ونحو ذلك .
وقد يكون من أهل الشر وممن يتقى لسانه ،
ويخشى غضبه ،
فيفعل المولد ليحمل إليه ضعفاء القلوب ،
ومن يخاف منه ما تصل قدرته إليه
خوفاً من ذمه وطول لسانه في عرضه ،
وتسببه في أذى يصل إليه ونحو ذلك .
وقد يكون الباعث خلاف ذلك
مما لا ينحصر لتنوع المقاصد الفاسدة واختلافها ،
فهو يُظهر أن قصده إكرام النبي
صلى الله عليه وسلم
وإظهار الفرح والسرور بمولده ،
والتصدق بما يفعل على الفقراء ،
وباطن قصده خلاف ذلك ، مما ذُكر ،
وهذا نوع من النفاق
ولو كان ذلك الفعل قربة في نفسه ،
لصار بذلك القصد الباطل
من أسباب البُعد ،
يأثم به فاعله
وحاضره
والساكت عن إنكار ما تحقق منه ،
والله يقول الحق
وهو يهدي السبيل "[1]. اهـ .
===========
[1] - تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين ، ص 381 – 382 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إننا بتأملنا ما أوردناه من نقول لأهل العلم ،
ممن يُعتد بهم ويُعترف لهم بالفضل والتقى والصلاح
وسلامة الاتجاه وصحة المعتقد ،
فضلاً عما أوتوه من بسطة في العلم والفهم والإدراك ،
بتأملنا ما ذكروه يتضح لنا جلياً
وضوح العموم في تبديع كل محدثة ،
حتى لو كان ظاهرها حسناً ومقبولاً ،
وتنجلي عنا شبهة القول بتقسيم البدعة
إلى مذموم ومحمود ،
أو إلى حسنة وسيئة ،
وأن مقصود بعض سلفنا الصالح
بالبدعة المقبولة عنده
البدعة بمدلولها اللغوي فقط ،
وأما البدعة بمفهومها الشرعي
فهي مرفوضة ومردودة على أصحابها ،
وهي ضلالة وفي النار
كما ذُكر ذلك
الصادق المصدوق
صلى الله عليه وسلم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولو أردنا أن نستزيد من أقوال أهل العلم
في الحديث عن البدعة والتحذير منها ،
وتسفيه القول بتقسيمها إلى حسن وسيئ ومذموم وممدوح ،
لاستطعنا أن نسجل أسفاراً من ذلك،
ولكننا نعتقد أن فيما قدمناه
من أقوال لشيخ الإسلام ابن تيمية
وابن رجب والشاطبي
وابن حجر وابن النحاس
يكفي لطلاب الحق وأهل النَصَف .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
نعم إن أقوالهم تدل على أن البدعة بدعة ،
مهما كان لها من الحُسن في الظاهر ،
وأن النصوص الواردة في التحذير عنها
عامة في تناول كل بدعة مهما كانت ،
وأن تقسيم البدعة إلى حسن ومذموم
هو تقسيم من حيث اللغة ،
فالبدعة الحسنة عندهم ليست في الواقع بدعة ،
وإنما هي في الدين ومن الشرع ،
ومن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم،
وإن سموها بدعة فمقصودهم المعنى اللغوي
كقول عمر رضي الله عنه
في إقامة صلاة التراويح جماعة :
نعمت البدعة هذه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
و ذكروا رحمهم الله
نماذج للبدع اللغوية
مما له أصل في الشريعة الإسلامية
كتدوين العلوم وجمع المصاحف
وإنشاء الأربطة والمدارس ونحو ذلك ،
ولم يذكروا أن الموالد
والصلوات المحدثة كصلاة الرغائب ،
وصلاة الفاتح لما أغلق
ونحو ذلك من المحدثات في الدين ;
لم يذكروا أن هذه الأنواع من البدع الحسنة ،
بل نصّوا على أنها من البدع
المنكرة والمذمومة والسيئة
كما مرت النقول بالتصريح بذلك .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
كما نصوا
على أن كل أمر لا تقف معه النصوص الشرعية ،
فهو محدَث وضلالة ،
وأصحابها في النار ،
وإن كان ظاهرها الحُسن ،
وإن لم يكن لها من الخلفيات والمردودات السيئة شيء ،
فيكفي لردها
نية الابتداع ،
فكيف إذا صاحب البدعة أمور منكرة ،
كاختلاط الرجال بالنساء ،
واستعمال لمختلف أنواع المعازف ،
والإسراف في الموائد المنشورة لرواد هذه الاحتفالات
والاستجداء بهذه الموالد حسبما ذكره ابن النحاس
في كتابه ( تنبيه الغافلين ) ،
ونقله عن ابن الحاج من مدخله ،
بل ما يتأتى في هذه الاحتفالات
من المدائح النبوية المليئة بالغلو
والتنطع
والإفراط ،
حتى إنها لترفع ممدوحها
إلى مقام الربوبية والألوهية ،
كما هو الحال في الموالد ،
وإن نفى ذلك المالكي .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وعلى سبيل التنزل مع المالكي
في أن موالده تخلو من الاختلاط والمنكرات
في المشارب والمآكل ،
فإنه يقول ويدافع عن القول
بحضور الحضرة النبوية
عند التحدث في شأن ولادته صلى الله عليه وسلم ،
ويقرر جواز القيام للحضور الوهمي،
وهذه عقيدة سيئة
تفتح أبواب الدجل على العامة
على أوسع مصاريعها ،
وتعطي لأهل الطُرق مجالات واسعة
في إفساد عقائد العامة ،
وجعلهم أكثر سرعة إلى تصديق الترهات والخرافات ،
والإيمان بالأرواح الوهمية ،
التي يزعم دجاجلة هذه الاجتماعات
أنها تغدو على مجامعهم وتروح ،
وتأمر وتنهى ، وترضى وتغضب ،
حسبما يقرر ذلك قادة هذه المجامع الآثمة ،
فكيف يقول المالكي
إن المولد يبعث على مشروع فهو مشروع ؟!.
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
حقاً إن واقع المالكي
هو ما قرره
مجلس هيئة كبار العلماء
في قراره الإجماعي
الذي جاء فيه ما نصه :
" وأنه يسعى إلى عودة الوثنية في هذه البلاد ،
عبادة القبور والأنبياء ،
والتعلُّق على غير الله ،
ويطعن في دعوة التوحيد ،
ويعمل على نشر الشرك والخرافات ،
والغلو في القبور
وتقرير هذه الأمور في كتبه ،
ويدعو إليها في مجالسه ،
ويسافر من أجل الدعوة إليها في الخارج .. إلى آخره " اهـ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثالثة :
عند قول المالكي فهي بدعة ،
باعتبار هيئتها الاجتماعية
لا باعتبار أفرادها لوجود أفرادها في العهد النبوي .
لا ندري ما مقصود المالكي
بدعواه
وجود أفراد للاحتفالات بالمولد ،
في العهد النبوي !،
هل أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمفرده
أو معه زوجاته احتفالاً بمولده ؟
أو أقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزوجته فاطمة ،
وولداه الحسن والحسين احتفالاً بمولده ؟
أو أقام آل العباس احتفالاً بمولده صلى الله عليه وسلم ؟
أو أقام أبو بكر وعمر أو غيرهما من أصفياء رسول الله
صلى الله عليه وسلم احتفالاً بمولده ؟
هل يعني بأفراد بدعته
صومه صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين
لكونه يوم ولادته ؟ .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد سبقت مناقشة ادعاء الاستدلال بهذا
على مشروعية إقامة الاحتفال بالمولد
فلا حاجة لإعادته وتكراره .
لقد وعد المالكي بذكر أفراد للمولد
في رسالته هذه فلننظر وفاءه بوعده ،
ثم نقف مع كل جزئية يحتج بها على الاحتفال بالمولد ،
لتذهب مع غيرها جفاء ،
ثم هباء تذروه الرياح .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليـل السادس
مناقشته ثم رده :-
ثم ذكر المالكي الدليل السادس بقوله :
" السادس
أن المولد يبعث على الصلاة والسلام المطلوبين
بقوله تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسْليماً } ،
وما كان يبعث المطلوب شرعاً فهو مطلوب شرعاً ،
فكم للصلاة عليه من فوائد نبوية وإمدادات محمدية
يسجد القلم في محراب البيان ،
عاجز عن تعداد آثارها ومظاهر أنوارها " اهـ .
لنا مع المالكي في دليله هذا الوقفات التالية :
الوقـفة الأولى :
عند قوله
إن المولد الشريف يبعث على الصلاة والسلام المطلوبين .
ما أجفاك أيها المالكي وأضرابك !!
وما أبعدكم عن سنة المصطفى
صلى الله عليه وسلم ،
وإن كنتم تتشدقون بحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
والتمتع والاستبشار بسيرته ،
لا لصدق محبة رسول
الله صلى الله عليه وسلم;
وإنما لترويج بدعة
وضمان وجاهة عند العامة .
فهل ترضى أيها المالكي من نفسك
أن تكون صلاتك وتسليمك
على المصطفى صلى الله عليه وسلم
في ليلة من ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة ؟
أليس هذا هو الجفاء ؟
أليس هذا هو الصدود والغـفـلة
عن تذكر مقام رسول الله
صلى الله علـيه وسلم ؟ ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أترضى ألاَّ ينبعث داعي الصلاة والتسليم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا في ليلة بعد ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة ؟
إن الصلاة والتسليم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ينبغي أن تكون في كل صلاة
من الصلوات المكتوبة والمسنونة كل يوم ،
وأن تكون عند كل ذكر لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ،
وما أكثر مواطن ذكره .
وينبغي أن يتقرب بأدائهما إلى الله تعالى
كلما أراد العبد التقرب إلى الله ،
فما أحوج العبد إلى ذلك دائماً ،
وفي كل حال ،
إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نصلي ونسلم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل وقت ،
كما هو مقتضى إطلاق الآية الكريمة :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[1] .
===========
[1] - سورة الأحزاب ، الآية : 56 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول :
" البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ " .
ويقول:
" من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً " .
ويذكر صلى الله عليه وسلم
أن من ذُكر عنده فلم يصل عليه
فقد رغم أنفه .
إن الصلاة والسلام عليه
- صلى الله عليه وسلم -
ينبغي أن تكون منا في كل وقت ،
وعند كل مناسبة ،
في الصلاة وبعد الأذان
وغيرهما من مواطن الصلاة عليه ،
ويتأكد ذلك في يوم الجمعة وليلتها ،
وخطبتها ،
وفي أول كل دعاء .
أما أن يُقال بإيجاد مناسبة للصلاة والتسليم عليه ،
هي ليلة المولد ،
ليلة بعد ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة ;
فهذا ما لا يتفق مع محبة
ولا تقدير ،
ولا انقياد وامتثال تامّين لأمر الله تعالى
بالصلاة والسلام على رسوله .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقـفة الثانـية :
عند قوله
وما كان يبعث على المطلوب شرعاً فهو مطلوب شرعاً .
أقول :
ليست الموالد مما تبعث على الصلاة والسلام
- صلى الله عليه وسلم - ،
بقدر ما تبعث على إيذائه
بالغلو في شخصه ،
والإفراط في مدحه ،
والتنطع في ذكر المدائح النبوية
التي ترفع مقامه صلى الله عليه وسلم إلى مقام ربه ،
في شمول السلطان
وكمال القدرة على النفع والضر ،
والمنع والعطاء ،
تعالى الله
عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لقد كان صلى الله عليه وسلم
حريصاً على حماية
جناب التوحيد ،
حريصاً على توجيه الأمة وتحذيرها
عن الغلو والإطراء ،
قال صلى الله عليه وسلم :
" لا تطـروني
كما أطرت النصارى ابن مريم،
إنما أنا عبد
فقولوا عبد الله ورسوله " .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
هل المولد الذي يبعث على اعتقاد
أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم
مقاليد السموات والأرض ،
وأن له
حق الإقطاع في الجنة ،
وأن من جوده نفع الدنيا وضرتها ،
ومن علومه علم اللوح والقلم ،
وأن قبره صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ،
وأن ليلة مولده أفضل من ليلة القدر ،
وأن آدم وجميع المخلوقات
خلقت لأجله صلى الله عليه وسلم ،
وأنه نور لا ظل له في شمس ولا قمر ،
وأنه حيّ في قبره يصلي الصلوات الخمس ،
ويُؤذن ويصوم ويحج ،
إلى غير ذلك مما يقوله المالكي في كتابه ;
هل المولد الذي يدعو إليه المالكي
والذي يبعث على اعتقاد ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
مما هو محض حق لله تعالى
مطلوب شرعاً؟
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أوصيك أيها المالكي ونفسي
بتقوى الله تعالى ،
واعلم أنك ستقف أمام رب العالمين ،
وسيحاسبك حساباً عسيراً
إن لم ينفذ عليك
قوله تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }[1] ،
وقوله تعالى :
{ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ }[2] .
فإن لله تعالى وحده
مقاليد السموات والأرض ،
وهو المانع والمعطي ،
وهو النافع والضار ،
===========
[1] - سورة النساء ، الآية : 48 .
[2] - سورة المائدة ، الآية : 72 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ورسولنا صلى الله عليه وسلم
يقول لأقرب الناس إليه ،
فاطمة ابنته :
" سليني ما شئت ،
فإني لا أملك لكِ من الله شيئاً " .
ويقول الله تعالى له
وقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً
على هداية عمه أبي طالب ،
وقد سبقت عليه من الله الشقاوة :
{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }[1] .
===========
[1] - سورة القصص ، الآية : 56 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقـفة الثالـثة :
عند قوله
فكم للصلاة عليه من فوائد نبوية، وإمدادات محمدية .
أما فوائد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
فلا شك أنها كثيرة ،
ويكفي أنها استجابة لله تعالى ،
حيث أمرنا بذلك اقتداء به تعالى
وملائكته الأبرار ،
حيث قال تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا }[1] .
===========
[1] - سورة الأحزاب ، الآية : 56 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما الإمدادات المحمدية
فلا ندري ما هو مقصود المالكي بها ،
ولعلها نتيجة اعتقاده أن لمحمد صلى الله عليه وسلم
مقاليد السموات والأرض ،
وأن له حق الإقطاع في الجنة،
وأن من جوده الدنيا وضرتها،
ومن علومه علم اللوح والقلم ،
وأن الخلق خلقوا لأجله ،
إلى غير ذلك من عبارات الغلو
والإطراء
والتنطع
والتشدق
والتفيهق .
فهل يريد من صلواته على رسول الله
صلى الله عليه وسلم
مدداً محمدياً
لا مدداً إلهياً ؟!
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إننا لا نستطيع تصور الشرك بالله
إذا لم يكن هذا الاتجاه من المالكي وأضرابه
أبشع ألوانه ،
وأظهر مثال له ،وعليه
فلا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم .
إن التعبير من المالكي
بالإمدادات المحمدية ،
تذكرنا بحال العامة من المتصوفة وأهل الطُرُق ،
حينما يقع أحدهم في ضائقة أو مصيبة ،
فيسارع إلى تكرار :
يا محمد مدد ،
يا رفاعي مدد ،
يا بدوي مدد.
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إننا نتقطع أسى حينما تصل الحال
بمحمد علوي مالكي ،
ذلك الشاب الذي رضع من العلم الشرعي
في المدارس الحكومية بمختلف مراحلها ،
حتى شبع وعرف
العقيدة السلفية ،
وذكر عنه بعض الإخوة تحمسه لها وتأثره بها ،
وعاش في عصر العلم ،
والارتفاع بمستوى العقل إلى إدراك ما عليه
الخرافيون وأصحاب الطُرُق
من انحطاط بمستوى عقولهم ،
بحيث تجري على عقولهم
ما لا يصدقه العقلاء .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
نعم ،
نتقطع أسى حينما تصل الحال
بمحمد مالكي
إلى أن يكون أحد رجال الطُرُق ،
وأحد مروجي البدع
والخرافات
والشركيات ،
وأحد من يُؤثر الدنيا على الآخرة ،
حينما يكون ممن يغررون بالعامة ،
ليكونوا لهم عُبَّاداً
يلحسون أيديهم ،
ويقدمون لهم واجب التقدير والإجلال ،
بالانحناءات وطلب البركات ،
وأحد من يدعو الناس إلى عبادته .
إنه سيقف أمام رب العالمين ،
وسيكون إن لم يمنّ الله عليه بتوبة عاجلة
مع المغضوب عليهم
ممن عندهم علم فلم يعملوا به .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقـفة الرابـعة :
عند قوله
يسجد القلم في محراب البيان عاجزاً عن
تعداد آثارها ومظاهر أنوارها .
وهذه أيضاً ضرب من عبارات الغلو
والإطراء
والتنطع
والإفراط ،
فما هذه الأنوار
التي يسجد القلم عاجزاً عن تعدادها ؟
إن القلم ليسجد عاجزاً عن
تعداد كلمات ربي ،
عاجزاً عن
تعداد نعم ربي ،
عاجزاً عن
تعداد صنوف العبادة لربي ،
الحي القيوم
المانع المعطي
النافع الضار
القادر على كل شيء ،
مالك يوم الدين
العزيز الجبار
المتكبر المهيمن
الرحمن الرحيم .
أما الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فمع ما فيها من الفوائد والأجر الجزيل
فإن مقدار ذلك في علم الغيب
عند من لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ،
ويكفينا منها
أنها استجابة كريمة
لله رب العالمين .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليـل السابـع
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل السابع بقوله :
" السابع :
أن المولد الشريف يشتمل على ذكر مولده الشريف
ومعجزته وسيرته والتعريف به،
أولسنا مأمورين بمعرفته ومطالبين بالاقتداء والتأسي بأعماله ،
والإيمان بمعجزاته والتصديق بآياته؟،
وكتب المولد تؤدي هذا المعنى تماماً " اهـ .
ونقف مع المالكي في دليله هذا
الوقفة التالية :
لا شك أن النظر في سيرته صلى الله عليه وسلم
من مولده حتى وفاته
أمر محبوب ومطلوب ومتعين ،
فبمعرفة ذلك نستطيع
الاقتداء والتأسي ،
فحياته صلى الله عليه وسلم كلها صور إشراق ،
ففيها الإيمان الثابت ،
والصبر والتذلل لرب العالمين ،
والجهاد في سبيله ،
وشكر الله على نعمه قولاً وعملاً ،
حتى تفطرت قدماه صلى الله عليه وسلم من العبادة ،
إلى غير ذلك من جوانب الإشراق ،
ولكن النظر في ذلك وتدارسه وتأمله
واستخراج صور العبر والاتعاظ من حياته
صلى الله عليه وسلم
لا تكون في ليلة واحدة
بعد مضي ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة ،
بل ينبغي أن يكون ذلك
في كل وقت ،
وأن تكون مما يدرس في المساجد
والمجالس العامة والخاصة ،
وفي المراحل الدراسية حتى نهايتها .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
حقاً إننا مأمورون بمعرفته
صلى الله عليه وسلم ،
ومطالبون بالاقتداء به
والتأسي بأعماله
والإيمان بما جاء به ،
ولكن ذلك كله ليس في كتب الموالد ،
ولكنه في كتب الحديث وشروحه ،
وفي كتب السير والتواريخ ،
فلقد عني علماء الإسلام بذلك
عناية جعلتنا ونحن نقرأ ونتدارس حياة الرسول
صلى الله عليه وسلم ;
نستشعر العيش معه ومع أصحابه ،
في إيمانهم بالله ،
وفي خالص عبادتهم لله ،
وفي جهادهم في سبيل الله .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما كتب الموالد ;
فالمالكي نفسه يعلم أنها كتب تشتمل على المدائح النبوية ،
التي ترفع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى مرتبة الإله ،
وللمالكي باع عريض
في ترويجها وشرحها ونشرها ،
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ،
أن يهديه ويرده إلى جادة الصواب ،
فلقد أشرك بعض أصحاب هذه الموالد
مع الله غيره ،
في الملكوت
وفي السلطة
وفي القدرة
والعلم ،
والنفع والضر ،
والمنع والعطاء ،
وغير ذلك مما هو
محض حق الله تعالى ،
لا يصلح لأحدٍ غيره ،
لا لملك مقرب ،
ولا لنبي مرسل .
فهذه هي كتب موالد المالكي
التي يدَّعي زوراً
وبهتاناً
وإثماً مبيناً
أنها تؤدي إلى معرفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم للتأسي به،
والإبمان بما جاء به ،
سبحانك اللهم
هذا بهتان عظيم .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليل الثامـن
مناقشـته والرد عليه :-
ويذكر المالكي الدليل الثامن بقوله :-
الثامن :
التعرض لمكافأته ،
بأداء بعض ما يجب له علينا ،
ببيان أوصافه الكاملة وأخلاقه الفاضلة ،
وقد كان الشعراء يفدون إليه صلى الله عليه وسلم بالقصائد ،
ويرضى عملهم ويجزيهم على ذلك بالطيبات والصلات ،
فإذا كان يرضى عمن مدحه ،
فكيف لا يرضى عمن جمع شمائله النبوية ،
ففي ذلك التقرب له عليه السلام باستجلاب محبته ورضاه . اهـ .
ونقف مع المالكي في دليله هذا
الوقفات التالية :
الوقفة الأولى :
عند قوله
التعرض لمكافأته بأداء بعض ما يجب له علينا .
إن الله تعالى قد أمر رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم
أن يقول للناس : أنه لا يسألهم على أداء الرسالة أجراً ،
فإن أجره على الله ،
قال الله تعالى :
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا }[1].
وقال تعالى :
{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ
إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[2] .
وقال تعالى :
{ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ }[3] .
وغير ذلك من الآيات الكثيرة والصريحة
في هذا المجال .
=============
[1] - سورة الفرقان ، الآية : 56 - 57 .
[2] - سورة سبأ ، الآية : 47 .
[3] - سورة يوسف ، الآية : 104 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فهو صلى الله عليه وسلم
رسول من رب العالمين ،
أرسله الله بالرسالة ،
وأمره بتبليغها ،
ووعده الأجر العظيم لقاء ذلك ،
وأمره أن يبلغ الأمة
أنه لا يريد منهم جزاءً ولا شكورا.
ومحمد صلى الله عليه وسلم
كغيره من الرسل
الذين ذكر القرآن صوراً من حياتهم،
وطرق تبليغهم الرسالة إلى أقوامهم،
وقد كانوا يصرِّحون وينادون في ملأ قومهم
أنهم لا يريدون منهم جزاءً ولا شكـورا،
قال تعالى حكايـة عن أحدهم :
{ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا
إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي
أَفَلا تَعْقِلُونَ } [1] .
وقال تعالى :
{ وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ }[2] .
=============
[1] - سورة هود ، الآية : 51 .
[2] - سورة آل عمران آية : 114 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لا شك أن لرسولنا
محمد صلى الله عليه وسلم
فضلاً كبيراً علينا معشر أمته ،
وأننا نحبه
أكثر من محبتنا لأنفسنا وأهلينا أجمعين ،
إلا أن محبته صلى الله عليه وسلم
ليست فيما يكره ،
ولا فيما يغضبه ،
ولا فيما يسلب عن ربه
إفراده تعالى
بالخلق
والتدبير
والعبادة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن محبته صلى الله عليه وسلم
لا تعني رفع مقامه
إلى مقام الربوبية والألوهية ،
مما هو محض الشرك بالله ،
فلقد مكث صلى الله عليه وسلم
ثلاثة عشر عاماً
يحارب الشرك بالله ،
ويدعو الناس إلى
توحيد الله
في ألوهيته
وربوبيته
وأسمائه وصفاته.
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
حقاً إن إقامة المولد
ليست مكافأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فهو في حد ذاته منكر
لكونه بدعة ،
ليس عليها أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فهو يغضبه ويأباه صلى الله عليه وسلم ،
وإذا انضم إيه ما هو لازم له
عند المهتمين به والمحافظين على إقامته
من منكرات
وشركيات
وخرافات
سبق منا إيضاحها ;
تحوّل ذلك المنكر من أمر بدعي
إلى عيد جاهلي .
لو كان صلى الله عليه وسلم حياً
لجرّد سيوف القتال لمحاربتهم ،
فلقد أنكر صلى الله عليه وسلم
على أحد أصحابه حينما قال له :
" ما شاء الله وشئت" ،
قال :
" أجعلتني لله نداً ؟
قل
ما شاء الله وحده " [1] .
=============
[1] - حديث رواه النسائي عن ابن عباس .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن محبته صلى الله عليه وسلم
تعني اتباع سنته ،
والتأسي به صلى الله عليه وسلم ،
وأخذ العبر والعظات
من حياته صلى الله عليه وسلم ،
وحياة أصحابه من بعده
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا }[1] .
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة والصريحة ;
في أن محبته صلى الله عليه وسلم
ليست في الغلو في شخصه ،
ولا في مجاوزة الحد في مدحه وإطرائه ،
ولا في نسبة شيء
من أفعال الله تعالى وخصائصه
إليه صلى الله عليه وسلم .
=============
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إننا بالصدق في اتباع سنته
صلى الله عليه وسلم
نستطيع أن نقول :
إننا نحبه ونقدِّره
ولا نمنُّ عليه بشيء من ذلك ،
على اعتبار أننا نكافؤه ،
فأجره على الله تعالى ،
والله يجزيه
عن بلاغه الرسالة ،
وأدائه الأمانة ،
ونصحه لأمته ،
خير جزاء وأكمله وأتمه ،
إنه وليُّ ذلك
والقادرُ عليه .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقـفة الثانـية :
عند قول المالكي :
إن الشعراء كانوا يفدون إليه صلى الله عليه وسلم بالقصائد
ويرضى عملهم .. إلى آخره .
حقاً لقد وقف حسّان بن ثابت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم
موقف المجاهد والمدافع ،
وقد شهد له صلى الله عليه وسلم
بأن لسانه على المشركين أشد وقعاً
من السيوف على أرقابهم .
ومدحه كعب بن زهير ،
وعبد الله بن رواحة وغيرهم من شعراء الصحابة ،
وكان صلى الله عليه وسلم يسرُّ بذلك
ونحن ندعو الله تعالى أن يثيب
من يمدح رسول الله
بمدائح تليق
بمقام النبوة والرسالة
مما يستحقه صلى الله عليه وسلم ،
لمواقفه مع ربه في سبيل إبلاغ الرسالة ،
والصبر على ما كان يلاقيه صلى الله عليه وسلم
من العنت والسخرية والتسفيه ،
حتى أكمل الله له دينه ،
وأتم نعمته ،
ودخل الناس
في دين التوحيد أفوجاً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ونحن بما ذكره المالكي في دليله
هذا نتذكر قول الشاعر :
ألم ترَ أن السيف ينقـصُ قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العـصا
ونعجب منه
ومن عقليته
في قياسه مدائح
أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بمدائح قومه أهل الموالد ،
أمثال البوصيري ، والبكري وغيرهما ،
ممن يجعلون المصطفى صلى الله عليه وسلم
شريكاً لربه ،
في شمول الإدراك
والقدرة على النفع والضر،
وملك مقاليد السموات والأرض ،
وغير ذلك
من خصائص الربوبية والألوهية
كقوله :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلا فـقـل يا زلـة القــدم
فإن من جــودك الدنيـا وضرتها
ومن عـلومك عـلم اللوح والقـلم
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقول الآخر :
ما أرسل الرحمن أو يرسل
من رحمة تصعد أو تنزل
في مـلكـــوت الله أو ملكــه
من كل ما يختص أو يشمل
إلا وطه المصطـفى عـبـده
نـبـيـّـه مخـتاره المـرســـل
واسـطــة فـيهـا وأصـل لها
يعـلـم هــذا كل مـن يعـقــل
ونـادِه إن أزمــة أنشـبـــت
أظفارها واستحكم المعضل
يا أكـرم الخلـق على ربـه
وخيـر من فـيهـم به يُســـأل
قد مسني الكـرب وكم مرة
فرَّجتَ كربـاً بعضه يُذهــل
عجِّل بإذهاب الذي أشتكي
فإن توقـفـت فمن ذا يُســأل
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وقول الآخر
في نعل النبي صلى الله عليه وسلم :
ولما رأيت الدهر قد حارب الورى
جعلت لنفسي نعل سيده حصنا
تحـصنــتُ منـه في بديــع مثــالهــا
بسور منيع نلتُ في ظله الأمنا
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فبربك يا مالكي :
أما تستحي
أن تجعل أمثال هذه المدائح
التي هي في الواقع دعوات صارخة
إلى الشرك بالله ،
في الربوبية والألوهية ،
وإلى الجاهلية الجهلاء ،
والوثنية العمياء ;
شبيهة بقصائد حسان بن ثابت
وعبدالله بن رواحة وكعب بن زهير
وغيرهم من أهل الصدق في الإيمان
والعدل في المدح والثناء
والشدة على الأعداء ؟؟!
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن قصائد موالدك
يا محمد علوي مالكي
لو أُلقيت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما اكتفى بحثو التراب في أفواه قائليها ;
بل لحاربهم كما حارب أبا جهل و أبا لهب وغيرهما
من أقطاب الكفر والشرك بالله .
فسبحان الله
كيف استوت عندك يا مالكي
الظلمات والنور ،
والتوحيد الخالص
والكفر البواح ،
وأنتَ ذلك الرجل
الذي يدَّعي الرفعة في العلم !
حقاً إن الهوى يُعمي ويُصم ،
ربنا لا تزغ قلوبنا
بعد إذ هديتنا .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليـل التاسع
مناقشته ورده :-
وذكر المالكي الدليل التاسع بقوله :
التاسع :
إن معرفة شمائله ومعجزاته وإرهاصاته
تستدعي كمال الإيمان به عليه الصلاة والسلام وزيادة المحبة ،
إذ الإنسان مطبوع على حب الجميل خَـلقاً وخُـلقاً ،
علماً وعملاً ، حالاً واعتقاداً ،
ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل من أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم ،
وزيادة المحبة وكمال الإيمان مطلوبان شرعاً ،
فما كان يستدعيهما مطلوب شرعا. اهـ .
لقد مللنا تكرار القول ،
وهذا يعني أن مزاعم المالكيالاستدلالية
يمكن أن ترجع الثلاثة أو الأربعة منها إلى دليل واحد،
وأنه هو نفسه الذي يكرر القول ،
ويدَّعي تعدد الأدلة ،
وما دمنا قد أخذنا على أنفسنا ردَّ مزاعمه
فلنجارِهِ في دعوى تعدد الأدلة ،
ونقف معه عند كل دليل يزعم الاستدلال به ،
وإن كان مكرراً ومعاداً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
لاشك أن معرفة شمائله صلى الله عليه وسلم ،
وما هو عليه من حال ،
في جهاده وصبره وأمانته ،
وحرصه على أمته ورأفته بهم ،
ورحمته إياهم ،
كل ذلك يستدعي
قوة التعلق بسنته صلى الله عليه وسلم ،
وزيادة محبته ،
ولكن معرفة ذلك
مطلوبة في كل وقت ،
لا أن التعرف على ذلك
مخصوص بليلة
بعد مضي ثلاثمائة وأربع وخمسين ليلة .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ثم إن معرفة ذلك ينبغي أن تكون
معرفة بحقيقة شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأنه رسول رب العالمين ،
لا يملك من خصائص الربوبية شيئاً ،
ولا يستحق من خصائص الألوهية شيئاً ،
خلافاً لما هو صريح قول المالكي وأضرابه ،
فليس له صلى الله عليه وسلم
من مقاليد السموات والأرض شيء ،
وليس له سلطة في الإقطاع في الجنة ،
وليست الدنيا وضرتها من جوده ،
وليس له علم اللوح والقلم ،
وليس الملاذ والصمد والملجأ
عند حصول المصائب والكربات .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
قال تعالى :
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}[1] .
وقال تعالى :
{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ }[2] .
وقال تعالى :
{ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَـلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ }[3] ،
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
" قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أنزل عليه { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ }
فقال:
يا معشر قريش أو كلمة نحوها ،
اشتروا أنفسكم
لا أغني عنكم من الله شيئاً ،
يا عباس بن عبد المطلب
لا أغني عنكَ من الله شيئاً ،
يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا أغني عنكِ من الله شيئاً ،
ويا فاطمة بنت محمد
سليني من مالي ما شئت
لا أغني عنكِ من الله شيئاً" .
===========
[1] - سورة آل عمران ، الآية : 128 .
[2] - سورة القصص ، الآية : 56 .
[3] - سورة التوبة ، الآية : 80 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فمحبته صلى الله عليه وسلم
لا شك أنها مطلوبة شرعاً ،
والإيمان به واجب و متعيّن شرعاً ،
إذ الإيمان بنبينا محمدٍ رسولاً
جزء من الركن الأول من أركان الإسلام ،
لا يتم للعبد إسلام وإيمان حتى يشهد برسالته ،
إلا أن الاحتفالات بالمولد
ليست هي التي تحققها ،
بل إنها بحكم ابتداعها
والقول لدى أصحاب الابتداع بمشروعيتها،
وما تشتمل عليه من منكرات ،
وشركيات ،
واعتقادات وهمية ،
إنها تتعارض مع
محبته صلى الله عليه وسلم ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
فإن محبته صلى الله عليه وسلم
وكمال الإيمان به
متحقق فيمن كان هواه تبعاً
لما جاء به صلى الله عليه وسلم .
وهذه الاحتفالات في هيئتها العامة
وما تشتمل عليه من جزئيات آثمة
مخالفة تمام المخالفة
لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فكيف أجاز المالكي لنفسه
هذه المغالطة المكشوفة الآثمة ! .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إنه الهوى يُعمي ويُصم ،
وصدق الله حيث يقول :
{ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ
وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ }[1] .
وحيث يقول :
{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ
وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ
وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً
فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ
أَفلا تَذَكَّرُونَ }[2] .
===========
[1] - سورة الحج ، الآية : 46
[2] - سورة الجاثية ، الآية : 23 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدليـل العـاشـر
مناقشته ثم رده :-
وذكر المالكي الدليل العاشر بقوله :
العاشر :
إن تعظيمه صلى الله عليه وسلم مشروع ،
والفرح بيوم ميلاده الشريف بإظهار السرور ،
ووضع الولائم والاجتماع للذكر ، وإكرام الفقير ;
من مظاهر إظهار التعظيم والابتهاج والفرح
والشكر لله بما هدانا لدينه القويم ،
وما منّ به علينا من بعثه عليه أفضل الصلاة والتسليم . اهـ .
هذا القول مرَّ تكراره ،
ومرَّ تكرار مناقشته ،
وحينما نفرح بميلاده صلى الله عليه وسلم
فإن بعثته بالرسالة الأولى أولى بالفرح والابتهاج ،
وعلى أي حال فميلاده صلى الله عليه وسلم
وبعثته وهجرته
ومواقفه المشرفة في ميادين الصبر والنضال
والجهاد والتعليم ،
وإبلاغ الرسالة ،
ونصح الأمة ،
وترك هذه الأمة على محجة بيضاء
ليلها كنهارها ;
كل هذه الأمور نفرح بها ،
وننتشي لسماع أخبارها ،
وتنشرح خواطرنا بصدق الإيمان
وقوة الثبات وجميل الصبر ،
ونستلهم من هذه الجوانب
والصور المشرقة العبر والعظات .
ولكن ذلك كله
لا يكون في ليلة واحدة من السنة ،
وإنما يُشرع في كل وقت ،
وفي كل مكان
في المساجد والمجالس العامة والخاصة
ومدرجات الجامعات ،
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ليس مكان ذلك
عند خوانات الموائد وأدوات المعازف ،
ومجالس الاعتقادات الوهمية ،
ونوادي المدائح المتسمة
بالإفراط
و الغلو
والتنطع
والتفيهق
والإطراء ،
ونسبة خصائص الربوبية والألوهية
إلى غير الله تعالى ،
مما يغضب الله ورسوله .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وإنما يجب أن يكون الفرح
بشمائله صلى الله عليه وسلم
وحياته المشرقة
مما ذكره أهل العلم والعقل
والتقى والصلاح من أهل الحديث وشرّاحه ،
وأهل التفسير والسيَر .
ولا نشك أن المالكي بحكم نشأته في عصرنا هذا
يدرك حقيقة وصدق ما نقول ،
وبطلان ما يدعو إليه ،
ولكنه الإبقاء على لحس الأيدي
ممن غرَّر بهم وأضلهم ،
والإبقاء على ما يطالبهم به
من تقديم آيات الاحترام والتبجيل
بالانحناءات وطلب البركات ،
فلا حول ولا قوة إلا بالله .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الدلـيل الحادي عشر
مناقشته ثم رده:-
وذكر المالكي الدليل الحادي عشر بقوله :
الحادي عشر :
يُؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة ،
وعد مزاياه ، وفيه ولد آدم تشريف الزمان
الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام ،
فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل النبيين وأشرف المرسلين .
ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه ،
بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً، مهما تكرر ،
كما هو الحال في يوم الجمعة ، شكراً للنعمة ، وإظهار المزية النبوية ،
وإحياء للحوادث التاريخية الخطيرة ،
ذات الإصلاح المهم في تاريخ الإنسانية ،
وجبهة الدهر وصحيفة الخلود .
كما يُؤخذ تعظيم المكان الذي ولد فيه نبي ،
من أمر جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم
بصلاة ركعتين ببيت لحم ،
قال له : أتدري أين صليت ؟ قال : لا ،
قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى . اهـ .
هذا الدليل لنا مع صاحبه الوقفات التالية :
الوقفـة الأولى :
حول ما يتعلق بفضل يوم الجمعة
والاستدلال بفضله على الفضل لأيام أخر
بمعيار القياس .
لقد سبق منا تكرار القول
بأننا مأمورون بالاتباع
لا بالابتداع ،
فما جاءت بمشروعيته النصوص الشرعية
من كتاب أو سنة قبلناه ،
وأخذناه على العين والرأس ،
واعتبرناه أمراً مشروعاً على سبيل الوجوب أو الاستحباب ،
حسبما تقضي بذلك تلك النصوص،
وقد جاءت النصوص الشرعية الصريحة الثابتة
بفضل يوم الجمعة ،
واعتباره أحد أعياد المسلمين،
واختصاصه بخصائص ليست لغيره .
فنحن نقف مع النصوص الشرعية حيث وقفت ،
ونسير معها حيث اتجهت :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }[1] ،
ولا نبيح لأنفسنا أن نشرع لنا تفضيل يوم بعينه
لم يرد النص بتفضيله ،
إذ لو كان خيراً لشُرع لنا تفضيله ،
كما شُرع لنا تفضيل يوم الجمعة
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا }[2] .
===========
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
[2] - سورة مريم ، الآية : 64 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
ولو جاءت نصوص شرعية
تنص على فضل يوم ذكرى ميلاد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ;
لكنا بتوفيق الله وهدايته
أسرع الناس إلى اعتبار ذلك والأخذ به ،
امتثالاً لقوله تعالى :
{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ }[1] ،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }[2] ،
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }[3] ،
وتحقيقـاً للإيمان بالله ربـا،
وبالإسـلام دينـا ،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيــاً ورسولا .
===========
[1] - سورة الحشر ، الآية : 7 .
[2] - سورة النساء ، الآية : 59 .
[3] - سورة آل عمران ، الآية : 31 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
أما يوم الجمعة فهو يوم فاضل ،
وعيد من أعياد المسلمين ،
يكون لصلاة الجمعة فيه وضع خاص ،
ومغاير لصلوات الظهر في أيام الأسبوع السائرة ،
فيه يجتمع المسلمون
ويسمعون من المواعظ والتوجيهات
والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ;
ما يمكن أن يكون زاداً روحياً
لمسيرتهم في بقية أيام الأسبوع .
ولكن فضل هذا اليوم
لا يعطينا الحق في القياس عليه ،
فنقول بتفضيل يوم آخر ،
سواء كان ذكرى مولد
أو مهاجر
أو إسراء
أو معراج ،
أو غير ذلك من الحوادث التاريخية ،
ما لم يكن لدينا في ذلك
مستند قولي أو فعلي ،
ممن له حق التبليغ عن رب العالمين ،
فإن الأمر في ذلك
كما قال سيد المرسلين وحبيب رب العالمين :
" من أحدثَ في أمرنا هذا
ما ليس منه
فهو رَدٌّ " .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
الوقفة الثانية :
عند قوله
ولا يختص هذا التعظيم بذلك اليوم بعينه،
بل يكون له خصوصاً ولنوعه عموماً . اهـ .
هذا القول يقتضي أن نقيس في العبادات ،
ولا يخفى ما عليه أهل العلم من علماء الأصول وفقهاء الأمة ،
ممن يقولون بالقياس
من أنهم يمنعون القياس في العبادات ،
لأن القياس مبني على اتحاد المقيس والمقيس عليه في العلة ،
والعبادات مبناها على التوقيف والتعبد،
سواء كانت علة التشريع ظاهرة أو خفية ،
فلا يجوز أن نقيس على أصل مشروعية الصلاة
بتشريع صلاة سادسة بين الفجر والظهر مثلاً ،
ولا بتشريع صيام آخر بعد رمضان أو قبله ،
ولا بزيادة ركعة أو أكثر
على ركعات صلاة من الصلوات الخمس ،
كزيادة ركعة في صلاة المغرب
وركعتين في صلاة الفجر ;
بحجة أن التشريع في الصلوات
أو في الصيام أو في غيرهما من أنواع العبادة
لها خصوصاً ولنوعها عموماً .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
إن الله تعالى حينما فضَّل يوم الجمعة
على غيره من الأيام الأخرى ،
وتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما يدل على ذلك التفضيل ويؤكده ;
قادر على أن يقرر تفضيل غيره من الأيام ،
كيوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
أو بعثته أو هجرته ،
ويعطي عباده نصوصاً صريحة
من قوله تعالى ،
أو قول رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ،
في تفضيل ذلك اليوم
كما هو الحال
في يوم الجمعة ،
وفي ليلة القدر .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وأما ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم
فلم نجد أحداً منأصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أخذ ما أخذه به المالكي وأحزابه ،
أخذاً عن أسلافهم في ذلك
القرامطة
والفاطميين
والرافضة
والمتصوفة،
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } [1] .
وما كان صلى الله عليه وسلم مقصِّراً
في جناب
إبلاغ الرسالة ،
وأداء الأمانة ،
والنصح للأمة
فيما يعود عليها بالخير
والقرب من الله تعالى .
===========
[1] - سورة مريم ، الآية : 64 .
-
حوار مع [ المالكي ] في ردِّ ضلالاته ومنكراته
وما كان المالكي وأحزابه وأسلافه من
القرامطة
والفاطميين
والرافضة
أشد حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من أصحابه
وأتباعهم
ومن تبعهم بإحسان ،
ولا أخلص اتباعاً،
ولا أنقى سريرة ،
ولا أكثر تقى وصلاحاً ،
فهم رضوان الله عليهم
صفوة أمته .