رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السادس والستون
عن علي بن الحسين رحمه الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من حُسْن إسلام المرء
تَرْكُه ما لا يَعنيه"
رواه مالك وأحمد.
ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة،
ورواه الترمذي
عن علي بن الحسين وعن أبي هريرة.
الإسلام – عند الإطلاق –
يدخل فيه الإيمان، والإحسان.
وهو شرائع الدين الظاهرة والباطنة.
والمسلمون منقسمون في الإسلام إلى قسمين،
كما دلّ عليه فحوى هذا الحديث.
فمنهم:
المحسن في إسلامه.
ومنهم :
المسيء.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السابع والستون
عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص
عن أبيه عن جده:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما نَحل والدٌ ولدّه من نحْل
أفضل من أدب حسَن"
رواه الترمذي.
أولى الناس ببرِّك، وأحقهم بمعروفك:
أولادُك؛
فإنهم أمانات جعلهم الله عندك،
ووصاك بتربيتهم تربية صالحة
لأبدانهم وقلوبهم،
وكل ما فعلته معهم من هذه الأمور،
دقيقها وجليلها،
فإنه من أداء الواجب عليك،
ومن أفضل ما يقربك إلى الله،
فاجتهد في ذلك،
واحتسبه عند الله،
فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم
وقمت بتربية أبدانهم،
فأنت قائم بالحق مأجور.
فكذلك
– بل أعظم من ذلك –
إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم
بالعلوم النافعة، والمعارف الصادقة،
والتوجيه للأخلاق الحميدة،
والتحذير من ضدها.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثامن والستون
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"مثل الجليس الصالح والسوء:
كحامل المسك، ونافخ الكِير.
فحامل المسك:
إما أن يَحْذِيَك،
وإما أن تبتاع منه،
وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.
ونافخ الكير:
إما أن يحرق ثيابك،
وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة"
متفق عليه.
اشتمل هذا الحديث على الحث
على اختيار الأصحاب الصالحين،
والتحذير من ضدهم.
ومثَّل النبي صلى الله عليه وسلم بهذين المثالين،
مبيناً أن الجليس الصالح:
جميع أحوالك معه وأنت في مغنم وخير،
كحامل المسك الذي تنتفع بما معه من المسك:
إما بهبة، أو بعوض.
وأقل ذلك :
مدة جلوسك معه،
وأنت قرير النفس برائحة المسك.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث التاسع والستون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يُلْدَغ المؤمن من جُحْرٍ واحدٍ مرتين"
متفق عليه.
هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم :
لبيان كمال احتراز المؤمن ويقظته،
وأن المؤمن يمنعه من اقتراف السيئات
التي تضره مقارفتها،
وأنه متى وقع في شيء منها،
فإنه في الحال يبادر إلى الندم والتوبة والإنابة.
ومن تمام توبته:
أن يحذر غاية الحذر من ذلك السبب
الذي أوقعه في الذنب،
كحال من أدخل يده في جُحر فلدغته حَيَّة.
فإنه بعد ذلك لا يكاد يدخل يده في ذلك الجحر،
لما أصابه فيه أول مرة.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث السبعون
عن أبي ذر الغِفاري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يا أبا ذَرٍّ،
لا عقل كالتدبير،
ولا وَرَع كالكفّ،
ولا حَسَبَ كحُسْن الخلق"
رواه البيهقي في شعب الإيمان.
هذا الحديث اشتمل على ثلاث جمل،
كل واحدة منها تحتها علم عظيم:
أما الجملة الأولى:
فهي في بيان العقل وآثاره وعلاماته،
وأن العقل الممدوح في الكتاب والسنة:
هو قوة ونعمة أنعم الله بها على العبد،
يعقل بها الأشياء النافعة،
والعلوم والمعارف،
ويتعقل بها
ويمتنع من الأمور الضارة والقبيحة.
فهو ضروري للإنسان لا يستغني عنه
في كل أحواله الدينية والدنيوية،
إذ به يعرف النافع والطريق إليه.
ويعرف الضار وكيفية السلامة منه.
والعقل يعرف بآثاره.
فبين صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث آثاره الطيبة،
فقال: "لا عقل كالتدبير"
أي: تدبير العبد لأمور دينه، ولأمور دنياه.
فتدبيره لأمور دينه:
أن يسعى في تعرّف الصراط المستقيم،
وما كان عليه النبي الكريم،
من الأخلاق والهدى والسَّمْت.
ثم يسعى في سلوكه بحالة منتظمة.
كما قال صلى الله عليه وسلم :
"استعينوا بالغدوة والروحة
وشيء من الدُّلْجة،
والقصدَ القصد، تبلغوا".
وقد تقدم شرح هذا الحديث،
وبيان الطريق الذي أرشد إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأنها طريق سهلة توصل إلى الله،
وإلى دار كرامته بسهولة وراحة،
وأنها لا تفوِّت على العبد من راحاته
وأموره الدنيوية شيئاً،
بل يتمكن العبد معها من تحصيل المصلحتين،
والفوز بالسعادتين،
والحياة الطيبة.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الحادي والسبعون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"جاء رجل،
فقال: يا رسول الله، أوصني.
فقال: لا تغضب.
ثم ردَّدَ مراراً.
فقال: لا تغضب"
رواه البخاري.
هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي.
وهو يريد أن يوصيه النبي صلى الله عليه وسلم بكلام كلي.
ولهذا ردد.
فلما أعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم
عرف أن هذا كلام جامع.
وهو كذلك؛
فإن قوله: "لا تغضب"
يتضمن أمرين عظيمين:
أحدهما:
الأمر بفعل الأسباب،
والتمرن على حسن الخلق،
والحلم والصبر،
وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق،
من الأذى القولي والفعلي.
فإذا وفِّق لها العبد،
وورد عليه وارد الغضب
احتمله بحسن خلقه،
وتلقاه بحلمه وصبره،
ومعرفته بحسن عواقبه؛
فإن الأمر بالشيء أمر به،
وبما لا يتم إلا به.
والنهي عن الشيء أمر بضده.
وأمر بفعل الأسباب
التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه.
وهذا منه.