رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الحادي والخمسون
عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"يا عبد الرحمن بن سمرة،
لا تسأل الإمارة،
فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكِّلت إليها،
وإن أوتيتها عن غير مسألة أُعِنْتَ عليها.
وإذا حلفت على يمين
فرأيت غيرها خيراً منها،
فائْتِ الذي هو خير،
وكفِّر عن يمينك"
متفق عليه.
هذا الحديث احتوى على جملتين عظيمتين:
إحداهما:
أن الإمارة وغيرها من الولايات على الخلق،
لا ينبغي للعبد أن يسألها، ويتعرض لها.
بل يسأل الله العافية والسلامة،
فإنه لا يدري،
هل تكون الولاية خيراً له أو شراً؟
ولا يدري،
هل يستطيع القيام بها، أم لا؟
فإذا سألها وحرص عليها،
وُكِّلَ إلى نفسه.
ومتى وُكِّلَ العبد إلى نفسه لم يوفق،
ولم يسدد في أموره،
ولم يُعَن عليها؛
لأن سؤالها ينبئ عن محذورين:
الأول:
الحرص على الدنيا والرئاسة،
والحرص يحمل على الريبة في التخوض في مال الله،
والعلو على عباد الله.
الثاني:
فيه نوع اتكال على النفس،
وانقطاع عن الاستعانة بالله.
ولهذا قال:
"وكلت إليها".
وأما من لم يحرص عليها ولم يتشوف لها،
بل أتته من غير مسألة
ورأى من نفسه عدم قدرته عليها،
فإن الله يعينه عليها،
ولا يكله إلى نفسه؛
لأنه لم يتعرض للبلاء،
ومن جاءه البلاء بغير اختياره حمل عنه،
ووفق للقيام بوظيفته.
وفي هذه الحال
يقوى توكله على الله تعالى،
ومتى قام العبد بالسبب
متوكلاً على الله نجح.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثاني والخمسون
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من نذر أن يطيع الله فليطعه.
ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه".
رواه البخاري.
النذر إلزام العبد نفسه طاعة لله:
إما بدون سبب،
كقوله، لله عليّ أو نذرت عتق رقبة،
أو صيام كذا وكذا،
أو الصدقة بكذا وكذا.
وإما بسبب،
كأن يعلق ذلك على قدوم غائبه،
أو بُرْء مريض،
أو حصول محبوب،
أو زوال مكروه،
فمتى تمّ له مطلوبه وجب عليه الوفاء.
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الثالث والخمسون
عن علي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"المسلمون تتكافأ دماؤهم،
ويسعى بذمتهم أدناهم.
ويرد عليهم أقصاهم.
وهم يَدٌ على من سواهم.
ألا، لا يُقتل مسلم بكافر،
ولا ذو عَهْد في عهده"
رواه أبو داود والنسائي.
ورواه ابن ماجه عن ابن عباس.
هذا الحديث كالتفصيل لقوله تعالى:
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }(1)
وقوله صلى الله عليه وسلم :
"وكونوا عباد الله إخوانا".
فعلى المؤمنين:
أن يكونوا متحابين،
متصافين غير متباغضين ولا متعادين.
يسعون جميعاً لمصالحهم الكلية
التي بها قوام دينهم ودنياهم،
لا يتكبر شريف على وضيع،
ولا يحتقر أحد منهم أحداً.
فدماؤهم تتكافأ؛
فإنه لا يشترط في القصاص
إلا المكافأة في الدين.
فلا يقتل المسلم بالكافر،
كما في هذا الحديث،
والمكافأة في الحرية،
فلا يقتل الحر بالعبد.
******************
(1) سورة الحجرات – آية 10 .
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الرابع والخمسون
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ،
فهو ضامن"
رواه أبو داود والنسائي.
هذا الحديث يدلّ بلفظه وفحواه على:
أنه لا يحل لأحد أن يتعاطى صناعة من الصناعات
وهو لا يحسنها،
سواء كان طباً أو غيره،
وأن من تجرأ على ذلك:
فهو آثم.
وما ترتب على عمله من تلف نفس أو عضو أو نحوهما:
فهو ضامن له.
وما أخذه من المال في مقابلة تلك الصناعة
التي لا يحسنها:
فهو مردود على باذله؛
لأنه لم يبذله إلا بتغريره وإيهامه أنه يحسن،
وهو لا يحسن،
فيدخل في الغش.
و "من غشنا فليس منا".
رد: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
الحديث الخامس والخمسون
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ادْرَءُوا الحُدودَ عن المسلمين ما استطعتم،
فإن كان له مخرج،
فخلوا سبيله.
فإن الإمام أن يخطئ في العفو،
خير من أن يخطئ في العقوبة"
رواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً.
هذا الحديث:
يدلّ على أن الحدود تدرأ بالشبهات.
فإذا اشتبه أمر الإنسان وأشكل علينا حاله،
ووقعت الاحتمالات:
هل فعل موجب الحد أم لا؟
وهل هو عالم أو جاهل؟
وهل هو متأول معتقد حلّه أم لا؟
وهل له عذر عقد أو اعتقاد؟:
دُرئت عنه العقوبة؛
لأننا لم نتحقق موجبها يقيناً.