-
سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
تمهيد:
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، وأقامهم على معالم دينه أدلاء، فبين بهم السبيل، وهدى بهم السائرين، وأقام بهم الحجة، وجعلهم أئمة يهدون بأمره لما صبروا وكانوا بآياته يوقنون، فقضوا حياتهم في صبر ويقين ، وتعلم وتعليم ، وجهاد لإعلاء الدين، بذلوا لله حياتهم ؛ فهاجرت إليه قلوبهم، وساروا في الطريق مشمرين، عاقدين العزم على بلوغ الغاية، وإن بعدت الشقة، وعظمت المشقة، وجرت عليهم محن وابتلاءات فيها للسائلين عبر وآيات، أبانت عن ثبات ويقين، وإيمان وتسليم، واتباع للهدى المستقيم، فشكر الله سعيهم، ورفع ذكرهم، وأودع محبتهم في قلوب أوليائه، يحبونهم ويدعون لهم بخير، ما تطاول بهم الزمان، وتناءى عنهم المكان، فآثارهم مذكورة ، وآلاؤهم مشكورة، وسيرهم نبراس للمؤتسين، ولا تزال سنة الله ماضية، والأحداث متشابهة ، ولهم علينا فضل السبق والفوز، ونحن -طلاب العلم- لا نزال في دار الابتلاء ولا ندري ما يختم لنا به، وما سبق علينا به الكتاب، نسأل الله تعالى أن نكون ممن سبقت لهم منه الحسنى ، وأن يقينا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، فلا يكاد يبتلى أحدنا بأمر إلا وقد ابتلي بأعظم منه بعض الصالحين قبلنا، فكيف صنعوا حتى نجوا ؟! ، وكيف أبقى الله لنا أخبارهم عبرة وذكرى، وتثبيتاً وسلوى ؟!
حتى إن أحدنا ليشتد به الأمر حتى تضيق نفسه وتضيق به أرضه، فما هو إلا أن يقرأ سيرة علم من الأعلام فإذا به قد تعرض لبلاء أشد من بلائه، فصبر فيه صبراً أعظم من صبره، وظفر من خير الدنيا والآخرة بثواب لا يحد، وفضل لا يستقصى {إن هذا لهو الفضل المبين}
فتصحو نفسه من سكرتها، وتثوب من غفلتها، وتعلم أن السنة ماضية، والأمر جد، وسوق الوعد والوعيد قائم، ورياح التوفيق والخذلان تتناوشه من حيث يدري ولا يدري، {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}.
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: (سبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي تخلفت من المصنفات فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة، وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا ترى فيهم ذا همة عالية فيقتدي به المبتدئ ولا صاحب ورع فيستفيد منه الزاهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، والاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم)
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت من علي بن المديني كلمة أعجبتني، قرأ علينا حديث الغار ثم قال: (إنما نقلت إلينا هذه الأحاديث لنستعملها لا لنتعجب منها).
وروى البيهقي أيضاً في شعب الإيمان عن عبد الله بن محمد بن منازل قال: سئل حمدون القصار: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟!
قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضى الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفس وطلب الدنيا وقبول الخلق.
وقال حمدون القصار أيضاً فيما نقله الشاطبي في الاعتصام: (من نظر في سير السلف عرف تقصيره ، وتخلفه عن درجات الرجال).
فقراءة سير السلف الصالح من العلماء وأئمة الدين تثبت السائرين، وتشحذ عزائم المتهاونين، وتبصر الإنسان بمعرفة قدر نفسه، فتعينه على مداواة ما في نفسه من آفات لو استمرت به لأضرته وربما أردته من العجب والغرور والوهن والفتور، واستصعاب معالي الأمور، وكم من سيرة استنزلت عَبرة، وأورثت عِبرة، وتسلى بها محزون، وتبصر بها غافل فتذكّر وانتفع.
وإن من مهمّ ما يحتاجه طالب كلّ علم أن يتعرّف سير أعلامه من العلماء الأجلاء الذين قام بهم عموده، واستنار بهم سبيله، تعلّموه فأحسنوا تعلّمه، ورعوه حقّ رعايته، وأدّوا أمانة تبليغه؛ فرفع الله درجتهم، وشرّف منزلتهم، فمن رام أن يُعدّ منهم وأن يُحشر في زمرتهم؛ فليسلك سبيلهم، وليتدرّج مدارجهم، وليتعرّف سيرهم وأخبارهم، فإذا عرفهم حقّ المعرفة، وتبصّر بهديهم وآثارهم أحبّهم حبّ الغريب المشتاق لأهله، وارتبط بهم ارتباط الفرع بأصله، ومتى صحّت المحبّة قويت العزيمة، وهانت الصعاب، وشمّر المحبّ عن ساعد الجدّ، فسار على دربهم، واهتدى بهديهم، والتحق بزمرتهم.
وقد عقدت لطلاب برنامج إعداد المفسّر دورة مطوّلة في تدارس سير أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين؛ كان غرضها الأكبر تعرّف طرائقهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وأسباب رفعتهم وبركة علمهم، وأن نعرف من أخبارهم وآثارهم ما يبصّرنا في أمور ديننا، ويعرّفنا بسبيل النجاة فيما يعترضنا من الفتن، ويثبّت محبّتهم في قلوبنا رجاء أن يشملنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحبّ).
ثمّ رأيت مراجعتها وتهذيبها وتتميمها لتخرج في كتاب كبير يكون مرجعاً شاملاً لسير هؤلاء الأعلام، والعزيمة معقودة بإذن الله تعالى على عمل مختصر له يتمكن الطالب من دراسته في مدّة وجيزة.
والله المستعان وبه التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
مقاصد دراسة سير أعلام المفسرين :
من مقاصد دراسة سير أعلام المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين أن يتبصّر طالب علم التفسير بأحوال الطبقة العليا من أئمة المفسرين، وأن يعرف قدراً صالحاً من سيرهم وأخبارهم وآثارهم وطرقهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وحرصهم على الاهتداء بهدى القرآن، وأخذه بقوّة، وحسن التذكير بالقرآن، وإفادة طلاب العلم والعامّة بما فقهوه من معاني كلام الله تعالى.
وأن يتبيّن الآثار السلوكية لما تعلّمه الصحابة رضي الله عنهم من معاني القرآن، وكيف كان هذا العلم حياة لقلوبهم ونوراً لدروبهم، وعُدّة لهم في الفتن والمحن، وميراثاً نافعاً خلّفوه لمن بعدهم.
وقد حمل علمَ التفسير بعد الصحابة رضي الله عنهم أئمة من التابعين؛ فكانوا خير قرن حمل هذا العلم بعد الصحابة؛ وأقربهم منهم فقهاً وعلماً وهدياً وسمتاً، وتجلّى للمتوسّمين في سيرهم وأخبارهم ما ينبغي أن يكون عليه حامل القرآن والعالم بمعانيه؛ وما يجب أن تثمر فيه تلك المعارف من السّمت والثبات والسلوك بتوفيق الله تعالى.
وانظر كيف أعلى الله درجاتهم، ورفع ذكرهم، فمضت مئات السنين، والناس ينتفعون بعلمهم، ويذكرون فضلهم، ويثنون عليهم، ويدعون لهم بخير، وما نالوا ذلك إلا بإحسانهم اتّباع الصحابة رضي الله عنهم؛ واجتنابهم ما يخالف هديهم، وهكذا ينبغي أن نكون في هذا القرن؛ فالسعيد الموفّق من أحسن اتّباعهم، والشقي المفتون من اتّبع غير سبيلهم.
وانظر بعد ذلك إلى أحوال قومٍ يدّعون أنّهم يأتون في تفسير القرآن بما لم يعرفه الصحابة رضي الله عنهم ولا من بعدهم من التابعين، وليس هو من طريقتهم، ولا يرجع إلى شيء من أصولهم، كالذين يتكلفون تفسير القرآن بمناهج خاطئة، وطرق واهية، يكون في بعض ما يذكرون ما يفتن الناس من حق قليل مغمور في باطل كثير، لا يفيد يقينا ولا يهدي سبيلاً، وغاية ما يريدون أن يصلوا إليه الإبهارُ والإدهاش بما عرفوه من دقائق المسائل التي تدلّ بزعمهم على إعجاز القرآن، ويغفلون عن مقاصده العظمى، وإذا فُتّش كثير مما ذكروه وُجد فيه خطأ كثير؛ فأشغلوا الناس بطرقهم ومناهجهم وأوجه عنايتهم عن ورود المنهل الصافي العذب الذي يفيد اليقين، ويهدي إلى الحق، ويجد المؤمن فيه من دلائل الإصابة والتوفيق، وحسن الأثر على قلبه ونفسه ما يتبيّن به أنه هو المنهج الحقّ في تعلّم تفسير كتاب الله تعالى.
وكلّ علم يُؤخذ عن أئمّته، ولا ينبغي أن يكون لدى طالب علم التفسير أدنى تردد في اعتقاد أن هؤلاء الأعلام من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم هم الطبقة العليا من أئمة المفسّرين، وأنّ من اتّبع سبيلهم، وسار على منهاجهم، واهتدى بهديهم أصاب الطريق الصحيح الموصل إلى العاقبة الحسنة والفوز العظيم.
وأن من اتّبع غير سبيلهم واهتدى بغير هديهم ضلّ وفُتن، ولو وجد مما يغرّه ويظنّه صواباً أموراً مبهرة ومدهشة؛ فليس العبرة في العلم بالإبهار والإدهاش، فإن المسيح الدجال يأتي بأشدّ ما يبهر الناس ويدهشهم، وإنما العبرة بإصابة الحق الذي أراده الله، واتّباع الهدى الذي أمر الله به.
فمن عرف المقصد الأعظم من إنزال القرآن الكريم تبيّن له أنّ الصحابة رضي الله عنهم خير من أدرك هذا المقصد، وخير من اعتنى به وسعى لتحقيقه.
فوائد دراسة سير أعلام المفسّرين:
لدراسة سير أعلام المفسرين في القرون الفاضلة فوائد جليلة سبقت الإشارة إلى بعضها وهذا تلخيصها:
1: أنها تعرّف بفضل أولئك الأعلام الأجلاء؛ فيعرف الطالب قدرهم، ومنزلتهم، وسابقتهم في الدين، وإمامتهم في التفسير؛ فإذا بلغه بعد ذلك تفسيرهم من طريق صحيح عرف قدره وأحسن تلقّيه.
2: أنها تبصّره بما لاقوه في سبيل تحصيل ما حصّلوه من العلم، وما امتازوا به من خصال كانت سبباً في رفعتهم وحسن تحصيلهم.
3: أنها تُبيّن لطالب العلم أن الصحابة قد تبوؤوا المنزلة العليا في فهم القرآن وتفسيره ؛ فلا يُدرك شأوهم، ولا سبيل لفهم القرآن غير سبيلهم، لما خصّهم الله به من صحبة نبيّه وشرف التلقّي منه وإدراك عصر لغة القرآن، ومعرفة وقائع التنزيل، وأحوال المخاطبين ودلائل الخطاب.
4: أنّها تبيّن للطالب شيئاً من مناهج الصحابة والتابعين وهديهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وشيئا من معالم أصول التفسير.
5: أنها تجلّي له عنايتهم بالتفسير رواية ودراية ورعاية.
6: يدرك الطالب بها خطر الدعاوي التي يراد منها الإعراض عن تفسير الصحابة والتابعين، وما يعبّر عنه بعض المحْدَثين بالمطالبة بإعادة قراءة التفسير، ويريدون بذلك إعادة النظر في تفسير القرآن لينطلق في تفسيره من منطلقات منطقية أو فلسفية مقطوعة الصلة عن الصحابة الذين نزل الوحي بلسانهم وبما يعهدون من فنون الخطاب، وعاصروا التنزيل، وتلقّوا معاني القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم كما تلقّوا ألفاظه مع زكاة نفوسهم، وجودة قرائحهم، ورضى الله تعالى عنهم؛ فمن له بفهمٍ أحسن من فهمهم؟! وتوفيق أقرب من توفيقهم؟!
1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ) رضي الله عنه
5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)
6: أبو المنذر أبيّ بن كعب بن قيس النجاري الأنصاري (ت:30هـ)
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
10: سيرة أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)11: سيرة أبي سعيد زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأنصاري (ت:45هـ)12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)
13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
العناصر:
● كنيته
● اسمه ولقبه
- سبب تلقيبه بعتيق
● نسبه
● مولده ونشأته
● بعض أخباره في الجاهلية
● سبقه إلى الإسلام
- الخلاصة في مسألة أول من أسلم
- مسارعته إلى الإسلام
● أعماله الجليلة في أوّل الإسلام
● هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم
● جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
● مناقبه وفضائله
- التنويه به في القرآن الكريم في غير ما موضع
- تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم إيّاه على سائر أصحابه
- شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالصديقية
- سبقه بالأعمال الصالحة
- إنفاقه في سبيل الله
- زهده وورعه
- أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة
- حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما
- طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
- الإجماع على أنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم
- ثناء علماء الصحابة عليه، وعرفانهم بفضله وإمامته في الدين
- ثناء الأمة المستفيض عليه
● علمه وفقهه
- علمه بالكتاب والسنة
- علمه بالأنساب
- علمه بعبارة الرؤيا
- فراسته
●خلافته للنبي صلى الله عليه وسلم
- خطبته حين تولَّى الخلافة
● بعض أخباره في خلافته
● أعماله الجليلة في خلافته
- تسيير جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما
- قتال المرتدين حتى دانت قبائل جزيرة العرب بالإسلام
- تجييش الجيوش لفتح العراق والشام.
- جمع القرآن بين اللوحين
● صفاته وشمائله
● وفاته
●سنّه عند وفاته
● وصيته
● رواة التفسير عنه
● مما روي عنه في التفسير
● المؤلفات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفضائله
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
كنيته
أما كنيته فهي أشهر الكنى في الأمّة: أبو بكر.
ولم يكن من أولاده من اسمه بكر، وإنما كان أبناؤه: عبد الرحمن، وعبد الله، ومحمد.
وكان سبب تكنيته بأبي بكر أنه تزوّج في الجاهلية امرأةً من كلبٍ يقال لها أمّ بكر، فكُنِي بأبي بكر.
- قال ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة (أن أبا بكر رضي الله عنه تزوّج امرأة من كلب يقال لها أم بكر، فلما هاجر أبو بكر طلقها، فتزوجها ابن عمها). رواه البخاري في صحيحه.
ولذلك فإنّ قول الحطيئة في زمن الردّة:
أطعنا رسولَ الله إذ كان بيننا ... فيا لَعباد الله ما لأبي بكـــــــــــــ ــــــرِ
أيورثها بكراً إذا مــــــــات بعده ... فتلك لعمرو الله قاصمة الظهـــر
إنما هو وهمٌ منه، توهّم من الكنية أنّ لأبي بكرٍ ابناً يقال له بكر.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
اسمه ولقبه
أما اسمه ففيه قولان مشهوران وقول خطأ:
القول الأول: اسمه عتيق، وهو قول ابن سيرين، والزهري، وابن إسحاق، والبخاري، ويعقوب بن سفيان.
- قال بكر بن الهيثم الأهوازي: حدثنا عبد الرزاق بن همام، عن معمر، عن ابن سيرين قال: (اسم أبي بكر عتيق بن عثمان). رواه البلاذري في أنساب الأشراف، ورواية معمر عن ابن سيرين فيها نظر.
- وقال حجاج بن يوسف ابن أبي منيع: حدثني جدي عبيد الله بن أبي زياد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال: «اسم أبي بكر الصديق عتيق بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
- وقال أحمد بن محمد بن أيوب: حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: «اسم أبي بكر الصديق عتيق». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
- وقال البخاري في تاريخه: (اسم أبي بكر الصديق عتيق).
- وقال يعقوب بن سفيان: (واسم أبي بكر عتيق بن أبي قحافة).
القول الثاني: اسمه عبد الله، وعتيق لقبه، وهو قول ابن أبي مليكة وهو من قرابته، فأبو مليكة هو زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي ابن عمّ أبي بكر الصديق.
وقال به: يحيى بن معين، والبلاذري، وابن حبان.
- قال سعيد بن منصور: حدثنا طلحة بن موسى قال: حدثنا معاوية [بن إسحاق]، عن عائشة ابنة طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: «اسم أبي بكر الذي سماه أهله عبد الله بن عثمان، ولكن غلب عليه عتيق». رواه أبو بشر الدولابي.
- قال أبو موسى إسحاق الفروي: حدثنا المعافَى بن عمران، عن المغيرة بن زياد، عن ابن أبي مليكة قال: (اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق). رواه البلاذري في أنساب الأشراف.
- وقال بقية بن الوليد: حدثتني ابنة الحارث بن كعب عن عبد الله بن أبي أوفى أن أبا بكر الصديق كتب: «من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من يقرأ عليه كتابي هذا». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا محمد بن شريك المكي، قال: حدثني ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال: (سمّيتُ باسم جدي أبي بكر، وكُنيت بكنيته). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والبخاري في التاريخ الكبير.
- وقال العباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: «أبو بكر الصديق اسمه عبد الله بن عثمان، وعثمان هو أبو قحافة، ولقبه عتيق؛ لأنَّ وجهه كان جميلاً فسمي عتيقاً». رواه الدولابي.
- وقال البلاذري، وابن حبان: اسمه عبد الله، وعتيق لقبه.
وأما القول الخطأ فهو ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، قال: (كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، هذا قول أهل النسب الزبيري وغيره).
والعجيب أنه ذكر ذلك عن ابنه عبد الرحمن أيضاً ونسبه القول به إلى أهل السيرة.
ولا أعلم لذلك أصلاً إلا أبياتاً يظهر لي أنها مصنوعة نُسبت إلى أمّه، ذكرها ابن ظفر في سيرته.
والذين رُوي أنّهم سُمّوا عبد الكعبة ثم غيّر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم إلى عبد الرحمن جماعة منهم:
1. عبد الرحمن بن عوف، روى البغوي في معجم الصحابة والطبراني في الكبير من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين (أن عبد الرحمن [ يريد ابن عوف ] كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة).
وإسناده إلى ابن سيرين صحيح إلا أنه مرسل.
2. وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب العبشمي(ت:50هـ)، ذكر ذلك عنه ابن سعد في الطبقات.
3. وعبد الرحمن بن العوام بن خويلد الأسدي أخو الزبير، ذكر ذلك الزبير بن بكار عن عمّه مصعب كما في الإصابة لابن حجر.
4. وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة.
سبب تلقيبه بعتيق
في سبب تلقيبه بعتيق أقوال:
القول الأول: لقّب بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم له: أنت عتيق الله من النار.
- قال زياد بن سعد الخراساني، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: (كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت عتيق الله من النار)) فسمي عتيقاً). رواه ابن حبان، والبزار، والدولابي في الكنى، وابن الأعرابي في معجمه، كلهم من طريق حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بن عيينة عن زياد به، ورجاله ثقات، لكن قال ابن أبي حاتم في العلل: قال أبي: هذا حديث باطل.
- وقال معن بن عيسى القزاز: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه إسحاق بن طلحة، عن عائشة (أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنت عتيق الله من النار»؛ فيومئذ سمّي عتيقاً). رواه الترمذي، لكن إسحاق بن يحيى متروك الحديث.
وللحديث طرق أخرى واهية.
القول الثاني:
- قال أبو أيوب سليمان بن أيوب بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله: حدثني أبي عن جدي موسى بن طلحة قال: سألت أبي طلحة بن عبيد الله قلت له: يا أبت لأي شيء سمي أبو بكر عتيقا؟
قال: (كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي). رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
القول الثالث:
- قال مصعب الزبيري: (سمّي أبو بكر عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به). ذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
القول الرابع:
- قال البلاذري: (وقال بعض الرواة: اسم أبي بكر عبد الله، وإنما لقب عتيقا لكرم أمهاته، وكرمه).
القول الخامس:
- قال أبو المنذر بن هشام ابن الكلبي: (سمي عتيقاً لرقة حسنه وجماله). ذكره البلاذري في أنساب الأشراف.
- وقال البلاذري أيضاً: (لقب بذلك لرقّة حسنه).
- وقال يحيى بن معين: (لقبه عتيق؛ لأنَّ وجهه كان جميلاً فسمي عتيقاً».
- وقال أبو حفص عمرو بن علي الفلاس: (أبو بكر الصديق هو عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق، وإنما لقب عتيقاً لعتاقة وجهه). رواه أبو علي الغساني في "ألقاب الصحابة والتابعين".
القول السادس:
- قال حمدويه محمد بن أحمد بن عبد الله الخوارزمي: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: (اسم أبي بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عثمان، ولقبه عتيق، وإنما سمى عتيقا لأنه عتيق قدم في الخير). رواه أبو علي الغساني في ألقاب الصحابة والتابعين.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
رضي الله عنه.
نسبه
وأما نسبه فهو أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي.
- قال يعقوب بن سفيان: (وأبو قحافة اسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، حدثنا بذلك الحجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري بذلك). وهذا الأثر رواه الحاكم في المستدرك أيضاً.
- وقال عمرو بن خالد: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: (اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة). رواه يعقوب بن سفيان، والطبراني في الكبير.
قلت: سقط اسم "سعد" وقد اتفقوا على ذكره.
يلتقي نسب أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وله صلة قرابة بعمر بن الخطاب من جهة أمّ أبيه أبي قحافة وهي قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي.
وأذاة عمّ نُفيل جدّ عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
رضي الله عنه.
مولده ونشأته
ولد أبو بكر الصديق بعد عام الفيل بعامين أو ثلاثة أعوام، وذلك لاجتماع الروايات على أنه مات وهو ابن ثلاث وستين، وقد مكث في خلافة النبي صلى الله عليه وسلم سنتين ونيف.
- قال أبو صالح الحراني: أنبأنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من أبي بكر بسنتين وشيء). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- قال ابن حجر في الإصابة: (ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر).
بعض أخباره في الجاهلية
نشأ أبو بكر على خصال حميدة؛ فكان صادقاً أميناً، يصل الرحم، ويقري الضيف، ويعين على النوائب، ولم يكن يشرب الخمر في الجاهلية، ولا يقول الشعر.
- قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة -وهو سيد القارة - فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: (أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض؛ فأعبد ربي).
قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك.
فارتحل ابن الدغنة؛ فرجع مع أبي بكر؛ فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر...). ثم ذكرت الحديث بطوله في شأن هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح البخاري.
- وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: (والله ما قال أبو بكر شعراً في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية). رواه أبو داوود السجستاني في بعض كتبه كما في تاريخ دمشق لابن عساكر، وأبو الحسن ابن حيّويه النيسابوري في كتاب "من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة"، والفاكهي كما في فتح الباري لابن حجر.
والأبيات المشار إليها هي لأبي بكر بن الأسود الكلبي يقول فيها:
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزَى تزيَّن بالسَّنــــــــ ــامِ
وماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات والشَّرْب الكرامِ
تحيينا السلامـــــــــ ــة أم بكر ... وهل لي بعد قومي من سلامِ
يحدثنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حيــــــــــــا ة أصداء وهامِ
وقد أوردها البخاري في صحيحه.
سبقه إلى الإسلام
لا ريب أنّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، بل هو أوّل من أسلم من رجال هذه الأمة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم، وقد حُكي أنه أوّل من أسلم من هذه الأمة مطلقاً بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مسألة اختلف فيها أهل العلم على أقوال:
القول الأول: أول من أسلم خديجة بنت خويلد، وهي التي قصّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم خبر بدء الوحي، وهذا القول رواية عن ابن عباس.
- قال أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمر بن ميمون، عن ابن عباس قال: (وكان أول من أسلم - يعني علي بن أبي طالب - بعد خديجة ابنة خويلد).رواه ابن أبي خيثمة.
القول الثاني: أوّل من أسلم زيد بن حارثة، وهو قول رواه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، ولا يصح.
القول الثالث: أوّل من أسلم عليّ بن أبي طالب، وهو قول زيد بن أرقم، وعبد الله بن بريدة، ورواية عن ابن عباس، وقال به: الحسن البصري، ومحمد بن كعب القرظي، وابن إسحاق.
وهو قول له علّة؛ فقد روي عن عليّ أنه أوّل من صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان غلاماً صغيراً، ونقل عنه هذا الخبر بالمعنى على أنه أوّل من أسلم، وقد أسلم أبو بكر قبله.
- قال شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت حبة العرني قال: سمعت علياً يقول: (أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي شيبة ولفظه (أول رجل صلى).
- وقال شعبة أيضاً، عن عمرو بن مرة، عن أبي حمزة الأنصاري، عن زيد بن أرقم، قال: (أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ).
فذكرته لإبراهيم؛ فأنكر ذلك وقال: (أبو بكر). رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي.
وفي رواية عند النسائي: (أوّل من صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وإنما فرضت الصلاة بعد المبعث بمدة؛ فكونه أوّل من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أنه أوّل من أسلم.
- وقال معمر، عن قتادة، عن الحسن وغيره أن علياً أول من أسلم بعد خديجة، وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة، أو ست عشرة سنة). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: حدثني عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب عن أول من أسلم علي بن أبي طالب أو أبو بكر؟
قال: (سبحان الله! عليّ أولهما إسلاماً، وإنما اشتبه على الناس لأنَّ علياً أول ما أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أوّل من أظهر إسلاماً. وكان عليّ أولهم إسلاماً، فاشتبه على الناس). رواه ابن أبي خيثمة.
قلت: هذا القول يُشكل عليه أنّ الدعوة كانت سريّة في أوّل الأمر.
- وقال أحمد بن عبد الجبار العطاردي: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: (كان أول من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد زوجته، ثم كان أول ذكر آمن به علي بن أبي طالب، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق، فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وقال أحمد بن محمد بن أيوب: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق قال: (ثم أسلم بعد عليّ زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب، ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة الصديق؛ فلما أسلم أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً مألفاً لقومه سهلا؛ فأسلم على يديه فيما بلغني: عثمان بن عفان والزبير بن العوام). رواه ابن أبي خيثمة.
القول الرابع: أوّل من أسلم أبو بكر الصديق، وهو قول أبي بكر نفسه، وقول إبراهيم النخعي، ومحمد بن المنكدر، وربيعة الرأي، والشعبي، وصالح بن كيسان، وغيرهم.
وروي عن ابن عمر، وحسان بن ثابت، وأبي أروى الدوسي، وغيرهم ولا يصحّ عنهم.
- قال عقبة بن خالد السكوني: حدثنا شعبة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو بكر: «ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا، ألست صاحب كذا؟». رواه الترمذي وابن حبان.
- وقال جرير بن حازم، عن مجالد، عن عامر الشعبي، قال: قال أبو بكر لعلي: « أكرهت إمارتي؟»
قال: لا، قال أبو بكر: «إني كنتُ في هذا الأمر قبلك». رواه ابن أبي شيبة، لكنه منقطع، ومجالد فيه ضعف.
- وقال علي بن عاصم، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما: «قد علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك».
قال: (صدقت يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال: (فمدَّ يده فبايعه). رواه الآجري في الشريعة، وابن بطة في الإبانة، وله علّة.
- وقال الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: حدثني بسر بن عبيد الله، قال: حدثني أبو إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء، يقول: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضباً، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما صاحبكم هذا فقد غامر».
قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلّم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر.
قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: (والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! إني قلت: يا أيها الناس! إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت)). رواه البخاري.
- وقال شداد بن عبد الله القرشي ويحيى بن كثير اليمامي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت وأنا في الجاهلية أظن أنَّ الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟
قال: «أنا نبي».
فقلت: وما نبي؟
قال: «أرسلني الله».
فقلت: وبأي شيء أرسلك؟
قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحّد الله لا يشرك به شيء».
قلت له: فمن معك على هذا؟
قال: «حرّ، وعبد».
قال: (ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال ممن آمن به...).رواه مسلم في صحيحه.
- وقال بيان بن بشر، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن همام، قال: سمعت عماراً، يقول: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه، إلا خمسة أعبد، وامرأتان، وأبو بكر». رواه البخاري.
- وقال عاصم عن زرّ بن حبيش عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: (أوّل من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد؛ فأمّا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمنعه اللَّه بعمّه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه اللَّه بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس؛ فما منهم أحدٌ إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في اللَّه، وهان على قومه، فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحدٌ أحد). رواه أحمد وابن أبي شيبة.
- وقال جرير بن حازم، عن منصور، عن مجاهد قال: (أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار وسمية أم عمار). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
الخلاصة في مسألة أول من أسلم
استقرّ قول أهل العلم على أنّ أوّل من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأوّل من أسلم من النساء خديجة، وأوّل من أسلم من الصبيان عليّ بن أبي طالب، وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة، وهذا قول يدفع النزاع.
- قال أبو عيسى الترمذي: (وقد اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: أول من أسلم أبو بكر الصديق وقال بعضهم: أول من أسلم علي، وقال بعض أهل العلم: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأسلم عليّ وهو غلام ابن ثمان سنين، وأول من أسلم من النساء خديجة)ا.هـ.
- قال أبو سعيد الأشج: حدثني إسماعيل بن الوليد أبو يونس الراسبي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: (أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من أسلم من النساء خديجة). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
- وقال أبو سلمة يوسف بن يعقوب الماجشون: أدركت مشيختنا ومن نأخذ عنه، منهم ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن المنكدر، وعثمان بن محمد الأخنسي، يقولون: (أبو بكر أول الرجال أسلم). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
ورواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة بنحوه من طريق سريج بن يونس عن يوسف ابن الماجشون، وزاد من مشايخه: صالح بن كيسان، وعمار بن محمد.
- وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن محمد بن كعب القرظي قال: (إنَّ أول من أسلم من هذه الأمة برسول الله خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر الصديق وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر إسلامه). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، وابن بطة العكبري في الإبانة.
- وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: كان أبو حنيفة يقول: (أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي). رواه الحاكم في تاريخ نيسابور كما في فتح المغيث للسخاوي.
- وقال شمس الدين السخاوي: (ذكر ابن قتيبة أنَّ إسحاق ابن راهويه ذكر الاختلاف في أول من أسلم، فقال: (الخبر في كل ذلك صحيح، أما أول من أسلم من النساء فخديجة، وأما أول من أسلم من الرجال فأبو بكر، وأما أول من أسلم من الموالي فزيد، وأما أول من أسلم من الصبيان فعلي).
- وقال ابن الصلاح في مقدمته: (والأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال، والله أعلم).
مسارعته إلى الإسلام
- قال الحسين بن علي بن الأسود العجلي: حدثني يحيى بن آدم، ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد الأيلي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له عنده كبوة أو تردد، غير أبي بكر، فإنه لم يتلعثم». رواه البلاذري في أنساب الأشراف، وهذا مرسل، والحسين بن الأسود متكلَّم فيه، لكن له شاهد.
- قال قبيصة بن عقبة السوائي، عن سفيان الثوري، عن الحكم بن عتبة، عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما دعوتُ أحداً إلى الإسلام إلا كان له فيه مرجوع وتردد إلا أبا بكر فإنه حين كلمته بالإسلام ما عَتَّم أن أسلم). رواه ابن بطة العكبري.
قال أبو بكر ابن الأنباري: ( قوله: "ما عَتَّم" أي ما أطرق وفكّر، ولا قال: لمَ؟ وكيف؟).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
رضي الله عنه.
أعماله الجليلة في أوّل الإسلام
كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أعمال جليلة في أوّل الإسلام:
منها: مسارعته إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كلّ ما يخبر به.
ومنها: أنه كان يؤازر النبي صلى الله عليه وسلم وينصره، ويجابه المشركين دونه.
ومنها: أنه كان ينفق من ماله في سبيل الله في وقت لم يكن للمسلمين مالٌ يكفي لنفقات الدعوة.
ومنها: أنه أعتق أنفساً ممن كان المشركون يعذّبونهم ليردوهم عن الإسلام.
ومنها: اجتهاده في الدعوة إلى الإسلام حتى أسلم عليه يديه جماعة من كبار المهاجرين.
- قال بسر بن عبيد الله: حدثني أبو إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء، يقول: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما صاحبكم هذا فقد غامر».
قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر.
قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: (والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! هل أنتم تاركون لي صاحبي؟! إني قلت: يا أيها الناس! إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت)). رواه البخاري.
قال أبو عبد الله البخاري: " غامر: سبق بالخير "
- وقال الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشدّ ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (رأيت عقبةَ بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي؛ فوضع رداءه في عنقه؛ فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم}). رواه البخاري.
- وقال هناد بن السري، عن عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عمرو بن العاصي، أنه سئل: ما أشد شيء رأيت قريشا بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: مرّ بهم ذات يوم؛ فقالوا له: أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟
قال: «أنا».
فقاموا إليه فأخذوه بمجامع ثيابه، قال: فرأيت أبا بكر محتضنه من ورائه يصرخ، وإن عينيه تنضحان، وهو يقول: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله} الآية). رواه النسائي.
- وقال محبوب بن محرز القواريري، عن داود بن يزيد الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله به يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن صاحبكم خليل الله». رواه الترمذي.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر»، قال: «فبكى أبو بكر» فقال: (هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!). رواه ابن أبي شيبة، وابن ماجة.
ورواه أحمد من طريق أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش به، إلا أنه قال في آخره: (فبكى أبو بكر، وقال: (وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني الله إلا بك؟).
- قال أحمد بن محمد بن أيوب: حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: (أسلم أبو بكر بن أبي قحافة؛ فأظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً؛ فأسلم على يديه فيما بلغني عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم؛ فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا فأسلموا وصلوا). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن بطة في الإبانة.
- وقال ابن عبد البر: (وأسلم على يد أبي بكر: الزبير، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف).
- وقال أبو أسامة الكوفي عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي، قال: «أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم». رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد، وابن بطة العكبري في الإبانة وزاد: (فأنفقها كلها في ذات الله تعالى).
- وقال الحميدي: حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه: (أسلم أبو بكر وله أربعون ألفاً، فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعة كلّهم يعذب في الله، أعتق بلالاً، وعامر بن فهيرة، ونذيرة، والنهدية، وابنتها، وجارية بني المؤمل، وأم عبيس). رواه يعقوب بن سفيان كما في الإصابة لابن حجر.
- وقال أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: (أعتق أبو بكر مما كان يعذب في الله سبعة: عامر بن فهيرة، وبلالاً، ونذيرة، وأم عبيس، والنهدية، وأختها، وحارثة بن عمرو بن مؤمل). رواه ابن أبي شيبة.
هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم
تقدّمت الإشارة إلى حديث ابن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة في خبر هجرة أبي بكر الصديق مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خبر طويل رواه البخاري في صحيحه بطوله.
- وقال زهير بن معاوية: حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب، يقول: جاء أبو بكر رضي الله عنه إلى أبي في منزله؛ فاشترى منه رحلاً، فقال لعازب: ابعث ابنك يحمله معي.
قال: فحملته معه، وخرج أبي ينتقد ثمنه، فقال له أبي: يا أبا بكر! حدثني كيف صنعتما حين سريتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: (نعم، أسرينا ليلتنا ومن الغد، حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمرّ فيه أحد...). ثم ذكر الحديث بطوله وهو في الصحيحين.
- قال همام، عن ثابت، عن أنس، عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: «يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما». رواه البخاري ومسلم.
جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
شهد أبو بكر المشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث والآثار في ذكر أخباره في تلك المشاهد كثيرة يتعسّر حصرها.
ففي بدر كان أقرب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أحد كان في أوّل أمن فاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أصعد في الجبل ودعا المؤمنين إليه.
وكان ممن استجاب لله وللرسول في غزوة حمراء الأسد
- قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} قالت لعروة: يا ابن أختي! كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: «من يذهب في إثرهم» فانتدب منهم سبعون رجلا، قال: كان فيهم أبو بكر، والزبير). رواه البخاري ومسلم.
وله في عامّة المشاهد التي شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم مواقف صدق مذكورة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
رضي الله عنه.
مناقبه وفضائله
أبو بكر هو الصديق الأكبر، والخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأمة بعد نبيّها، وأطول الصحابة صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأقربهم منه منزلة، وأسبقهم إلى الأعمال الصالحة، وقد اجتمع له من المناقب والفضائل ما لم يجتمع لأحد من هذه الأمة بعد نبيّها صلى الله عليه وسلم، ومناقبه رضي الله عنه على أنواع:
النوع الأول: التنويه به في القرآن الكريم في غير ما موضع.
النوع الثاني: ورود أحاديث كثيرة في فضله، تدلّ على تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم إياه على سائر الصحابة، بل تفضيله على الأمة كلها، وشهادته له بالصديقية، وسبقه بالأعمال الصالحة، وتبشيره بالجنة، وأنه يُدعى من أبواب الجنة كلها، وأنه هو وعمر سيدا كهول أهل الجنة، وحثه الناس على الاقتداء بهما، وكثرة التنويه بهما.
النوع الثالث: أعماله الجليلة التي سبق إليها الأمة كلها؛ فمن ذلك سبقه إلى الإسلام، ومؤازرته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة إنفاقه في سبيل الله، وإعتاقه جماعة ممن كان يُعذّب على الإسلام، ومواقفه الجليلة في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى الله، ومجاهدة المشركين، وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهوده المشاهد كلّها معه صلى الله عليه وسلم، وكان من أقرب الصحابة إليه فيها، وكثرة ما يخصّه النبي صلى الله عليه وسلم مع عمر في مجالسه الخاصة للنظر في شؤون المسلمين والدعوة إلى الله، والتصرّف في مصالح المسلمين، ورعاية شؤونهم.
ثمّ خلافته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحربه المرتدين، وجمع القرآن في مصحف واحد، وبعث المعلمين إلى الأمصار لتفقيه الناس في الدين وتعليمهم القرآن، وغير ذلك من الأعمال الجليلة.
النوع الرابع: الإجماع على أنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم.
النوع الخامس: ثناء علماء الصحابة وفقهائهم عليه، وعرفانهم بفضله وإمامته في الدين.
النوع السادس: ثناء الأمة المستفيض عليه.
النوع السابع: مشاركته لما ورد في الخلفاء الراشدين، وفي الصحابة عموماً من الفضل.
فالنصوص العامة في فضل الخلفاء الراشدين، وأهل بدر، والشجرة، وعموم الصحابة فله منها أفضل النصيب وأطيبه.
التنويه به في القرآن الكريم في غير ما موضع
نزل في شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه آيات من القرآن منها:
1. قول الله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}
وهذه الآية فيها تنويه بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، وبمعيّة الله له معيّة خاصة.
- قال ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟!
قال رجل: أنا، قال: اقرأ، فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى أبو بكر، وقال: (أنا والله صاحبه). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
2. قول الله تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى . وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى . ولسوف يرضى}
- قال مصعب بن ثابت الزبيري، عن عمّه عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه في قول الله عز وجل: {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} قال: «نزلت في أبي بكر رضي الله عنه». رواه ابن جرير في تفسيره، وأبو بكر الآجري في الشريعة، والطبراني في المعجم الكبير.
- وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: كان أبو بكر الصديق يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني! أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالاً جُلُداً يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت! إنما أريد - أظنه قال: - ما عند الله.
قال: (فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى}). رواه ابن جرير.
3. قول الله تعالى: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}
- قال هشام بن عروة: أخبرني أبي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: - فذكر حديث الإفك بطوله إلى أن قالت: فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبدا، فأنزل الله عز وجل: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} - يعني أبا بكر - {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين}: يعني مسطحاً إلى قوله: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} حتى قال أبو بكر: (بلى والله يا ربنا، إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع). رواه البخاري
وفي رواية في صحيح البخاري أيضاً من طريق ابن شهاب الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت: قال أبو بكر: (بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً).
فهذه من الآيات التي نصّ عليه فيها، وأما التي تؤوّلت عليه فكثيرة يتعسّر حصرها، والنصوص التي فيها الثناء على المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله والمهاجرين فله منها النصيب الوافر؛ فهو أفضل الأمة في هذه الأعمال، وأسبقهم إليها، وأجمعهم لها.
- قالل عمار بن رزيق، عن هاشم بن البريد، عن زيد بن علي، قال: (أبو بكر الصديق إمام الشاكرين)., ثم قرأ: ({وسيجزي الله الشاكرين}). رواه أبو القاسم اللالكائي.
تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم إيّاه على سائر أصحابه
- قال وهيب بن خالد: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو كنتُ متخذا من أمتي خليلا، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي». رواه البخاري.
- وقال زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث النجراني، قال: حدثني جندب، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك». رواه مسلم.
- قال الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أبرأ إلى كل خليل من خلة، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً، وإن صاحبكم لخليل الله». رواه أحمد والحميدي، وابن أبي شيبة، والنسائي في الكبرى.
ورواه الترمذي من طريق أبي سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص به وقال: (هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن الزبير، وابن عباس).
- وقال خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي، قال: حدثني عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟
قال: «عائشة».
فقلت: من الرجال؟
فقال: «أبوها».
قلت: ثم من؟
قال: «ثم عمر بن الخطاب» فعدّ رجالاً). رواه أحمد والبخاري ومسلم.
وروى نحوَه ابنُ أبي شيبة والنسائي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص.
- وقال المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس، قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟
قال: «عائشة»
قيل: من الرجال؟
قال: «أبوها». رواه ابن ماجه.
- وقال جعفر بن عون: أخبرنا أبو عميس، عن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسُئلتْ: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه؟
قالت: أبو بكر.
فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟
قالت: عمر.
ثم قيل لها: من بعد عمر؟
قالت: "أبو عبيدة بن الجراح " ثم انتهت إلى هذا). رواه مسلم.
- وقال سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبَّ إلى رسول الله؟
قالت: أبو بكر.
قلت: ثم من؟
قالت: عمر.
قلت: ثم من؟
قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح.
قلت: ثم من؟
قال: (فسكتت). رواه الترمذي والنسائي في الكبرى.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أم المؤمنين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: «مروا أبا بكر يصلي بالناس»، قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل للناس»، فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا). رواه مالك والبخاري والترمذي، وله طرق أخر، وروي من حديث ابن مسعود، وأبي موسى، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك.
- وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «لقد راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحبّ الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً، وإلا أني كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به؛ فأردت أن يعدل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر». رواه مسلم.
- وقال خالد الحذاء، عن أبي قلابة الجرمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أرحم أمّتي بأمّتي أبو بكر، وأشدّها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)). رواه أحمد، وأبو داوود الطيالسي، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي، وغيرهم.
- وقال القاسم بن أحمد الخطابي: حدثنا هوذة بن خليفة، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء، قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أمشي أمام أبي بكر الصديق، فقال: ((يا أبا الدرداء تمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة؟! ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر)). رواه أبو نعيم في الحلية، وابن بشران في أماليه، والخطيب البغدادي في تاريخه.
ورواه أبو بكر القطيعي في فضائل الصحابة للإمام أحمد، وأبو بكر الآجري في الشريعة، وابن بطة العكبري في الإبانة، وقوام السنة الأصبهاني في الحجة، وأبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة من طريق وهب بن بقية الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن سفيان الواسطي، عن ابن جريج به، لكن عبد الله بن سفيان قال فيه العقيلي: لا يتابع على حديثه.
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالصديقية
- قال يحيى بن سعيد القطان: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أنَّ أنس بن مالك رضي الله عنه حدَّثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، وأبو بكر وعمر وعثمان؛ فرجف بهم؛ فقال: «اثبت أحد فإنما عليك نبيّ، وصدّيق، وشهيدان» رواه أحمد، والبخاري، وأبو داوود، والترمذي، والنسائي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
سبقه بالأعمال الصالحة
- قال ابن شهاب الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)).
فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة؛ فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟
قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم». رواه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد».
قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «سل تعطه، سل تعطه».
قال عمر قلت: (والله لأغدون إليه فلأبشرنَّه).
قال: (فغدوت إليه لأبشره، فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه). رواه أحمد، وابن خزيمة.
وقد رواه أحمد وغيره من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، ومن طريق عاصم عن زرّ عن ابن مسعود.
إنفاقه في سبيل الله
- قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق؛ فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً.
قال: فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟»
قلت: مثله.
قال: فأتى أبو بكر بكلّ ما عنده.
فقال: «يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟»
فقال: (أبقيت لهم الله ورسوله).
فقلت:(لا أسابقك إلى شيء أبداً). رواه الدارمي، وأبو داوود، والترمذي.
زهده وورعه
- قال الأعمش، عن سليمان بن ميسرة، عن طارق بن شهاب، عن رافع بن أبي رافع الطائي قال: «رافقت أبا بكر في غزوة ذات السلاسل، وعليه كساء له فدكي يخله عليه إذا ركب ونلبسه أنا وهو إذا نزلنا». رواه أحمد في الزهد.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟
فقال أبو بكر: وما هو؟
قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحسِنُ الكهانة إلا أني خدعته؛ فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه؛ فأدخل أبو بكر يده فقاءَ كلَّ شيءٍ في بطنه). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال محمد بن فضيل، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: (كان لأبي بكر غلام، فكان إذا جاء بغلته، لم يأكل من غلته حتى يسأله ، فإن كان شيئا مما يحب أكل، وإن كان شيئا يكره لم يأكل قال: فنسي ليلة، فأكل ولم يسأله ثم سأله فأخبره أنه من شيء كرهه، فأدخل يده فتقيأ حتى لم يترك شيئاً). رواه أحمد في الزهد.
- وقال سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه آخذا بلسانه يقول: «هذا أوردني الموارد». رواه أحمد في الزهد.
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر رأى أبا بكر وهو مدل لسانه آخذه بيده، فقال: «ما تصنع يا خليفة رسول الله؟»
فقال: «وهل أوردني الموارد إلا هذا». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «والله، ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ضرب لله سكته». رواه أحمد.
- وقال عبد الله بن عمر العمري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أبا بكر رضي الله عنه حين حضرته الوفاة قال لعائشة: " إني لا أعلم في آل أبي بكر من هذا المال شيئا إلا هذه اللقحة وهذا الغلام الصقيل كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إلى عمر رضي الله عنه، فلما بعثت به إلى عمر قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده ". رواه أحمد في الزهد.
- وقال عبد الله بن داود الخريبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: «مات أبو بكر فما ترك دينارا ولا درهما، وكان قد أخذ قبل ذلك ماله فألقاه في بيت المال». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
- وقال وكيع: حدثنا مسعر، عن أبي عون الثقفي، عن عرفجة السلمي رضي الله عنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: «ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا». رواه أحمد في الزهد.
أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة
- قال محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين». رواه الترمذي، والطحاوي في شرح مشكل الآثار.
- وقال عمر بن يونس اليمامي، عن عبد الله بن عمر اليمامي، عن الحسن بن زيد بن حسن، حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر، وعمر، فقال: ((يا علي! هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين)). رواه أحمد.
وروي من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي جحيفة السوائي رضي الله عنهم.
حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما
- قال سليمان بن المغيرة: حدثنا ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله غداً»
فذكر الحديث بطوله، وفيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أصبح الناس فقدوا نبيهم»، فقال أبو بكر، وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم، لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر، وعمر يرشدوا ». رواه مسلم في صحيحه، ورواه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن ثابت به، ولفظه: « وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا ». قالها ثلاثاً.
- وقال عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: «إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر، وتمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه» رواه أحمد، وروى ابن أبي شيبة والترمذي بعضه.
- وقال وكيع، عن سالم أبي العلاء المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي» وأشار إلى أبي بكر وعمر). رواه الترمذي.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب؛ فأخذ منها شاةً فطلبه الراعي؛ فالتفت إليه الذئبُ؛ فقال: "من لها يوم السَّبُع، يوم ليس لها راع غيري؟!!
وبينما رجل يسوق بقرةً قد حملَ عليها، فالتفتت إليه فكلّمته، فقالت: إني لم أُخلق لهذا!! ولكني خُلقت للحرث».
قال الناس: سبحان الله!
قال النبي صلى الله عليه وسلم:« فإني أومن بذلك أنا، وأبو بكر، وعمر».رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة به، وقال أبو سلمة: (وما هما يومئذ في القوم).
وذكر أبي بكر وعمر مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لمجرد التعريف بسرعة تصديقهما لخبره صلى الله عليه وسلم، وإنما لتحقق فقههما في الدين، وصدق إيمانهما قولاً وعملاً، وعملهما لما خُلقا له، والتنويه بهما في ذلك ليتخذا أسوة صالحة بعده صلى الله عليه وسلم.
- قال سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد المكي قال: (سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إذا سئل عن شيءٍ هو في كتاب الله قال به، وإذا لم يكن في كتاب الله وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال به، وإن لم يكن في كتاب الله ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال به، وإلا اجتهد رأيه). رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، من طرق عن سفيان.
- وقال عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي العالية الرياحي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {الصراط المستقيم} قال: «هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه»
قال عاصم: فذكرنا ذلك للحسن - أي البصري - فقال: «صدق والله ونصح، والله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما». رواه الحاكم موقوفاً على ابن عباس وصححه، ورواه محمد بن نصر المروزي في السنة مقطوعاً على أبي العالية.
طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
- قال عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إني لواقف في قوم، فدعوا الله لعمر بن الخطاب، وقد وضع على سريره، إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي، يقول: رحمك الله! إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيراً ما كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر» فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب). رواه البخاري ومسلم.
الإجماع على أنه أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم
- قال عبد الله بن نمير، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، قال: قال رجل، لعمر بن الخطاب: ما رأيت مثلك، قال: «رأيت أبا بكر؟».
قال: لا.
قال: (لو قلت: نعم إني رأيته لأوجعتك ضرباً). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال شعبة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى قال: تداروا في أمر أبي بكر وعمر، فقال رجل من عطارد: عمر أفضل من أبي بكر.
فقال الجارود: بل أبو بكر، أبو بكر أفضل منه.
قال: فبلغ ذلك عمر، قال: فجعل ضرباً بالدِّرَّة حتى شغر برجليه، ثم أقبل إلى الجارود فقال: إليك عني.
ثم قال عمر: (أبو بكر كان خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا).
قال: ثم قال عمر: (من قال غير هذا أقمنا عليه ما نقيم على المفتري). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال هشيم بن بشير: حدثنا حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (ألا إنَّ خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، فمن قال سوى ذلك بعد مقامي هذا فهو مفترٍ، عليه ما على المفتري). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وأبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة.
قلت: عبد الرحمن بن أبي ليلى ولد لستّ سنين بقيت من خلافة عمر، واختلف في سماعه منه، والجارود ذكر ابن كثير أنه الجارود بن المعلّى العَبْدي، وهو صحابيّ استشهد في أواخر خلافة عمر.
- وقال جامع بن أبي راشد، حدثنا أبو يعلى، عن محمد ابن الحنفية، قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أبو بكر».
قلت: ثم من؟
قال: «ثم عمر».
وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟
قال: «ما أنا إلا رجل من المسلمين» رواه البخاري وأبو داوود.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن عامر الشعبي، عن أبي جحيفة السَّوائي رضي الله عنه قال: سمعت علياً يقول: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت لحدثتكم بالثالث). رواه أحمد في مسنده وفي فضائل الصحابة.
وهذا الأثر متواتر عن عليّ رضي الله عنه؛ فقد روي عنه من طرق كثيرة منها:
- طرق عدة عن عبد خير الهمداني، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
- وطريق وقاء بن إياس الأسدي، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن علي.
- وطريق أبي موسى الفراء عن عمرو بن حريث عن عليّ.
- وطريق عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي.
- قال أبو عبد الله الذهبي: (هذا والله العظيم قاله علي، وهو متواتر عنه، لأنّه قاله على منبر الكوفة؛ فلعن الله الرافضة ما أجهلهم).
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم». رواه البخاري.
- وقال وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر، قال: كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أبو بكر ثم عمر). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو بكر الخلال في السنة.
- وقال يزيد بن أبي حبيب، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: (كنا نفاضل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنقول: إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس؛ فيسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره علينا). رواه الحارث في مسنده كما في بغية الباحث.
- وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: (كنا نعدّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ، وأصحابه متوافرون: أبو بكر، وعمر، وعثمان ثم نسكت). رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن حبان، وقد رواه عن سهيل جماعة، وله طرق أخر.
- وقال يوسف بن يعقوب ابن الماجشون، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعدل به أحدا، ثم نقول: «خير الناس أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم لا نفاضل». رواه أبو يعلى.
ثناء علماء الصحابة عليه، وعرفانهم بفضله وإمامته في الدين
- قال سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: قال عمر: «لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليَّ من أن أتقدّم قوما فيهم أبو بكر». رواه ابن أبي شيبة.
وقد روي في معناه حديث عن عائشة لكنه لا يصح.
- قال نصر بن عبد الرحمن الكوفي: حدثنا أحمد بن بشير، عن عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره). رواه الترمذي.
قال الذهبي: (تفرّد به عيسى بن ميمون عن القاسم وهو متروك الحديث).
- وقال محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن هزيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو وزن إيمان أبي بكر رضي الله عنه بايمان أهل الأرض لرجح بهم). رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، وأبو بكر القطيعي في فضائل الصحابة للإمام أحمد، وأبو بكر الخلال في السنة، وابن بطة العكبري في الإبانة.
وقد روي مرفوعاً من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر.
- وقال عبد العزيز بن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، أخبرنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان عمر يقول: «أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا يعني بلالا». رواه البخاري، وابن أبي شيبة.
- وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن عمر بن الخطاب، قال: «أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الترمذي.
- وتقدّم قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سُئل أيّ الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر.
- وقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان أبو بكر أعلمنا).
- وقول ابن عمر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعدل به أحداً، ثم نقول: خير الناس أبو بكر) ، وهذا فيه نسبة هذا القول لعامّة الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا اختلاف بين أصحابه.
ثناء الأمة المستفيض عليه.
ثناء علماء الأمة على أبي بكر الصديق كثير مستفيض لا يستقصى، وقد ألّفت في فضائله وسيرته مؤلفات، وفي كتب أهل الحديث أبواب كثيرة في فضائله ومناقبة.
وسأورد بعض الآثار من باب الإشارة والتنبيه.
- قال سفيان بن عيينة، عن خالد بن سلمة، عن الشعبي، قال: «حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة». رواه ابن أبي شيبة.
وروي عن مسروق نحوه.
- وقال يعقوب بن محمد الزهري، عن ابن أبي حازم، عن أبيه قال: قيل لعلي بن الحسين: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: (كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه). رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة.
- وقال عبد الله بن شبيب بن خالد: حدثنا يحيى العتكي، قال: قال هارون الرشيد لمالك: كيف كان منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: (كقرب قبرهما من قبره بعد وفاته).
قال: (شفيتني يا مالك). رواه أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول السنة.
- وقال حرملة بن يحيى التجيبي: سمعت عبد الله بن وهب يقول: سألت مالك بن أنس: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: (أبو بكر وعمر). رواه أبو بكر الخلال في السنة.
- وقال ابن وهب: قال مالك «ما أدركت أحداً ممن اقتدي به يشك في تقديم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما». رواه أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا أيوب، قال: «دخلت المدينة والناس متوافرون، القاسم بن محمد وسليمان وغيرهما، فما رأيت أحدا يختلف في تقديم أبي بكر وعمر وعثمان». رواه أبو بكر الخلال في السنة.
- وقال أبو بكر البيهقي: روينا عن أبي ثور، عن الشافعي أنه قال: (ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة).
- وروى ابن عبد الحكم والربيع، عن الشافعي قال: (أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
علمه وفقهه
علمه بالكتاب والسنة
كان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم الناس بمعاني القرآن ولطائف خطابه، ومن دلائل تقدّم أبي بكر رضي الله عنه في فهم فحوى الخطاب وفنونه ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّ الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله»
فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال أبو سعيد: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر»
- وقال فليح بن سليمان: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الناس وقال: «إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبدُ ما عند الله».
قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أنْ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبدٍ خُيّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمَنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنتُ متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذتُ أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودّته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر».رواه البخاري ومسلم.
- قال ابن القيم رحمه الله: (كان أبو بكر الصديق أفهم الأمة لكلام الله ورسوله، ولهذا لما أشكل على عمر مع قوة فهمه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "إنكم تأتونه وتطوفون به" فأورده عليه عام الحديبية؛ فقال له الصديق: "أقال لك: إنك تأتيه العام؟" قال: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به").
وكان ربما سأل أصحابه عن بعض معاني القرآن ثم يرشدهم ويعلّمهم.
- قال عبد الله بن إدريس الأودي: أخبرنا أبو إسحاق الشيباني، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن الأسود بن هلال المحاربي، قال: قال أبو بكرٍ: " ما تقولون في هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}؟
قال: فقالوا ربنا الله، ثم استقاموا من ذنبٍ.
قال: فقال أبو بكرٍ: (لقد حملتم على غير المحمل، قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إلهٍ غيره). رواه ابن جرير، والحاكم.
- وقال سعيد بن نمران: قرأت عند أبي بكر الصديق: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} قلت: يا خليفة رسول الله! ما استقاموا؟
قال: (استقاموا على ألا يشركوا) رواه سفيان الثوري وابن وهب.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد: سمعت قيس بن أبي حازم، يحدث عن أبي بكر الصديق أنه خطب فقال: يا أيها الناس! إنكم تقرأون هذه الآية، وتضعونها على غير ما وضعها الله: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم} سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الناس إذا رأوا المنكر بينهم، فلم ينكروه يوشك أن يعمّهم الله بعقاب)). رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان.
- قال كثير بن هشام الكلابي، عن جعفر بن بُرْقَان، عن ميمون بن مَهْران قال: كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا ورَدَ عليه حكمٌ؛ نَظَرَ في كتاب اللَّه تعالى، فإن وَجَد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يجد في كتاب اللَّه نَظَر في سنة رسول اللَّه -رضي اللَّه عنه- فإن وَجَد فيها ما يقضي به قضى به، فإن أعياه ذلك سأل الناسَ: هل علمتم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى فيه بقضاء؟ فربما قام إليه القومُ فيقولون: قضى فيه بكذا وكذا، فإن لم يجد سُنَّةً سَنَّها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جَمَع رؤساء الناس فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيُهم على شيء قضى به.
وكان عمر يفعل ذلك، فإذا أعياه أن يجدَ ذلك في الكتاب والسنة سأل: هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر فيه قَضاءٌ قضى به، وإلا جَمَعَ علماء الناس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيُهم على شيء قضى به). رواه أبو عبيد في كتاب القضاء كما في إعلام الموقعين لابن القيم.
علمه بالأنساب
- قال محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اهجوا قريشاً فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنبل» فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجهم» فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: (قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه).
فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينَّهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسباً، حتى يلخص لك نسبي» فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين.
قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لحسان: «إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله»، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هجاهم حسان فشفى واشتفى». رواه مسلم في صحيحه.
علمه بعبارة الرؤيا
كان أبو بكر الصديق من أعبر الناس للرؤى، وكان يعبر أحياناً والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر.
- وقال محمد بن سيرين: (كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم).
- قال حماد بن زيد، عن هشام بن حسان قال: سمعت محمداً [ابن سيرين ] يقول: (كان أبو بكر رضي الله عنه أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم). رواه مسدد بن مسرهد كما في إتحاف الخيرة.
- قال مالك، عن يحيى بن سعيد، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي» فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن في بيتها، قال لها أبو بكر: (هذا أحد أقمارك وهو خيرها).
رواه مالك في الموطأ، وروي من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، ومن حديث يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة.
فراسته
- قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقاً من ماله بالغابة؛ فلما حضرته الوفاة، قال: والله يا بنية ما من الناس أحدٌ أحبّ إلي غنى بعدي منك، ولا أعزّ عليَّ فقراً بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً؛ فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله.
قالت عائشة: فقلت: يا أبت! والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء فمن الأخرى؟
فقال: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية). رواه مالك في الموطأ، وعبد الرزاق في مصنفه.
- وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (*أفرس *الناس ثلاثة: أبو بكر حين تفرس في عمر فاستخلفه، والتي قالت: {استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}، والعزيز حين قال: لامرأته: {أكرمي مثواه} ). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو بكر الخلال في السنة، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في مستدركه.
ورواه ابن سعد في الطبقات من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: (أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر في عمر، وصاحبة موسى حين قالت: استأجره، وصاحب يوسف).
- قال ابن القيم رحمه الله: (كان الصديق رضي الله عنه أعظم الأمّة فراسة، وبعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
خلافته للنبي صلى الله عليه وسلم
- قال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: (( ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً؛ فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)). رواه مسلم، والنسائي في الكبرى.
- وقال إبراهيم بن سعد الزهري: أخبرني أبي، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك؟
قال أبي: كأنها تعني الموت - قال: «فإن لم تجديني فأتي أبا بكر». رواه البخاري، ومسلم.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني ابن المسيب، سمع أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً؛ فأخذها ابن الخطاب فلم أرَ عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن». رواه البخاري ومسلم.
- وقال وهب بن جرير، حدثنا صخر، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا على بئر أنزع منها، جاءني أبو بكر، وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه، فنزع حتى ضرب الناس بعطن».
قال وهب: " العطن: مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت ". رواه البخاري.
- وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا الأشعث [بن عبد الملك الحمراني] عن الحسن، عن أبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: «من رأى منكم رؤيا؟»
فقال رجل: (أنا، رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر، فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أبو داوود والترمذي والنسائي في الكبرى والحاكم.
ورواه أبو داوود الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وزاد فيه: (فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء).
- قال هشام بن عروة: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها فذكر حديث السقيفة وفيه أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال: بايعوا عمر، أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: (بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا، وخيرُنا، وأحبّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس. رواه البخاري مطولاً، والترمذي وابن حبان مختصراً.
- وقال عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: (ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟! فأيّكم تطيب نفسُه أن يتقدَّم أبا بكر؟!).
قالوا: (نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر). رواه أحمد وابن أبي شيبة والنسائي.
- وقال محمد بن يزيد الواسطي: حدثنا إسماعيل بن خالد عن زر، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر، قال: (نشدتكم بالله! هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: (فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالوا: (كلنا لا تطيب نفسه، نستغفر الله). رواه ابن الأعرابي في معجمه.
- وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن؛ لأن في القرآن في المهاجرين: {أولئك هم الصادقون}، فمن سماه الله صادقاً لم يكذب، هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله.
خطبته حين تولَّى الخلافة
- قال محمد بن إسحاق: حدثني الزهري، حدثني أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة، وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر، وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (أيها الناس! إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني كنت أرى أنَّ رسول الله سيدبر أمرنا - يقول: يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم ; صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه. فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة، ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه، إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله). رواه ابن إسحاق في السيرة كما في البداية والنهاية لابن كثير.
- قال ابن كثير: ( وهذا إسناد صحيح؛ فقوله رضي الله عنه: "وليتكم ولست بخيركم" من باب الهضم والتواضع، فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم).
- وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الخطب والمواعظ: حدثنا علي بن هاشم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: خطب أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد فإني وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن، وسنّ النبي صلى الله عليه، وعلمنا فعلمنا، واعلمُنَّ أيها الناس أنَّ أكيس الكيس التقى - أو قال الهدى -، وأعجز العجز الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس! إنما أنا متبع ولست بمبتدع؛ فإن أنا أحسنتُ فأعينوني، وإن أنا زغت فقوّموني، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم).
- قال أبو عبيد: حدثنا علي بن هاشم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم أو غيره، عن أبي بكر نحو ذلك.
وروى نحوه ابن سعد في الطبقات قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا هشام بن عروة، قال عبيد الله: أظنه عن أبيه.
- وقال معمر بن راشد في جامعه، عن رجل، عن الحسن، أن أبا بكر الصديق خطب فقال: « أما والله ما أنا بخيركم، ولقد كنت لمقامي هذا كارها، ولوددت لو من يكفيني فتظنون أني أعمل فيكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً لا أقوم لها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإنَّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم، ألا فراعوني؛ فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني ».
قال الحسن: «خطبة والله ما خطب بها بعده». وهذا الأثر على انقطاعه فيه رجل مجهول.
- قال معمر: وحدثني بعض أهل المدينة، قال: خطبنا أبو بكر فقال: «يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن ضعفت فقوموني، وإن أحسنت فأعينوني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرت - أو قال: شاعت - الفاحشة في قوم إلا عممهم البلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله».
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
بعض أخباره في خلافته
- قال خليفة بن خياط: (في سنة إحدى عشرة بويع أبو بكر بيعة العامة يوم الثلاثاء، من غد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
- وقال هشام الدستوائي: أخبرنا عطاء بن السائب قال: لما استُخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق، وعلى رقبته أثواب يتّجر بها؛ فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح؛ فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟
قال: السوق.
قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟
قال: فمن أين أطعم عيالي؟
قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئاً؛ فانطلق معهما ففرضوا له كل يومٍ شطر شاة وماكسوه في الرأس والبطن.
فقال عمر: (إليَّ القضاء).
وقال أبو عبيدة: (وإليَّ الفيء).
قال عمر: (فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال محارب بن دثار: (لما ولي أبو بكر ولى أبا عبيدة بيت المال وولى عمر القضاء فمكث سنة لا يختصم إليه أحد). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب العلل لأبيه.
- وقال عفان بن مسلم: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه.
قالوا: نعم، بُرداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف.
قال أبو بكر: (رضيت). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لما ولي أبو بكر قال: (قد علم قومي أنَّ حرفتي لم تكن لتعجز عن مؤونة أهلي، وقد شغلت بأمر المسلمين، وسأحترف للمسلمين في مالهم، وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن زنجويه في الأموال.
- وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت مال المسلمين وقال: (قد كنت أتجر فيه، والتمس به؛ فلما وليتهم شغلوني). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لما أستخلف أبو بكر جعلوا له ألفين؛ فقال: زيدوني فإنَّ لي عيالاً، وقد شغلتموني عن التجارة.
قال: فزادوه خمسمائة.
قال: (إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة؛ فزادوه خمسمائة). رواه ابن سعد.
- وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر حين حضره الموت قال: (إني لا أعلم عند أبي بكر من هذا المال شيئاً غير هذه اللقحة، وغير هذا الغلام الصيقل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا؛ فإذا متّ فادفعيه إلى عمر).
فلما دفعته إلى عمر قال: (رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده). رواه ابن سعد.
أعماله الجليلة في خلافته
كان لأبي بكر الصديق أعمال جليلة في خلافته؛ ومنها:
1. تسيير جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما
- قال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: (ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول في مرضه: «أنفذوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة».
قال: فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس، فقالت: لا تعجل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل، فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى أبي بكر، فقال: (إنّ رسول الله بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوّف أن تكفر العرب، فإن كفرت كانوا أوّل من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس وخيارهم).
قال: فخطب أبو بكر الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (والله لأن تخطفني الطير أحبُّ إليَّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال: (فبعثه أبو بكر إلى أبنى، واستأذن لعمر أن يتركه عنده).
قال: (فأذن أسامة لعمر).
قال: (فساروا؛ فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة، فسترهم الله بها حتى أغاروا، وأصابوا حاجتهم).
قال: (فقُدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً؛ فقالت الروم: ما بالى هؤلاء بموت صاحبهم أن أغاروا على أرضنا).
قال عروة: (فما رئي جيش كان أسلم من ذلك الجيش). رواه ابن سعد بأطول من هذا السياق.
- وروى عباد بن كثير عن أبي الزناد عن أبي الأعرج عن أبي هريرة في خبر طويل أنّ ذلك الجيش كان سبباً في تثبيت قبائل العرب التي مروا بها في طريقهم على الإسلام.
2. قتال المرتدين حتى دانت قبائل جزيرة العرب بالإسلام.
- قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)).
فقال: (والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة؛ فإنَّ الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه).
فقال عمر: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق». رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن محمد , عن عائشة , أنها كانت تقول: « توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال لهاضها، اشرأبّ النفاق بالمدينة، وارتدت العرب؛ فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وعنائها في الإسلام ».
وكانت تقول مع هذا: «ومن رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خلق غناء للإسلام، كان والله أحوذياً نسيج وحده، قد أعدّ للأمور أقرانها» رواه ابن أبي شيبة، وأحمد في فضائل الصحابة، والطبراني في المعجم الأوسط.
3. تجييش الجيوش لفتح العراق والشام.
- قال محمد بن إسحاق: حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن رجل من بني سهم عن ابن ماجدة السهمي أنه قال: (حجّ علينا أبو بكر في خلافته سنة ثنتي عشرة؛ فلما قفل أبو بكر من الحج جهز الجيوش الى الشام: عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة). رواه يعقوب بن سفيان كما في تاريخ دمشق لابن عساكر.
- وقال بكر بن يونس عن ابن إسحاق قال: (لما قفل أبو بكر عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء). رواه خليفة بن خياط.
4. جمع القرآن بين اللوحين
وهو أوّل من جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن استحر القتل بالقراء في وقعة اليمامة.
- قال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة؛ فإذا عمر بن الخطاب عنده».
قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.
قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: (إنك رجل شابّ عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتتبع القرآن فاجمعه).
فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قال: (هو والله خير).
(فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب، واللِّخافِ، وصدور الرجال). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان الثوري، عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: «أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أوّل من جمع بين اللوحين» رواه ابن أبي داوود في كتاب "المصاحف"، والقطيعي في زياداته على فضائل الصحابة للإمام أحمد، وخيثمة بن سليمان.
ورواه الآجري في الشريعة، وأبو الفضل الزهري من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري به.
- قال ابن كثير رحمه الله: (وهذا من أحسنِ وأجلِّ وأعظمِ ما فعله الصديق رضي الله عنه).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
صفاته وشمائله
- قال عمر بن شبة: حدثني محمد بن يحيى، وهو أبو غسان المدني، حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن أبيه، عن عمر بن سعد، عن ابن شهاب قال: (كان أبو بكر الصديق أبيض لطيفاً جعداً، كأنما خرج من صدع حجر، مشرف الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن أبي جعفر الأنصاري، قال: «رأيت أبا بكر لكأنَّ رأسه ولحيته كأنهما جمر الغضى». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال وكيع، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن أبي جعفر الأنصاري قال: (رأيت أبا بكر في غزوة السلاسل كأن رأسه ولحيته جمر الغضا). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال علي بن الجعد: أخبرنا شعبة عن حميد عن أنس: (أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال أبو خيثمة: حدثنا جرير، عن حصين، عن المغيرة بن شبيل عن قيس بن أبي حازم قال: (رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفج). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
وفاته
- قال وهيب بن خالد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟
قالت: «في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة».
وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: «يوم الإثنين».
قال: فأي يوم هذا؟
قالت: «يوم الاثنين».
قال: (أرجو فيما بيني وبين الليل).
فنظر إلى ثوبٍ عليه، كان يمرض فيه به ردع من زعفران، فقال: (اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها).
قلت: إنَّ هذا خَلَق.
قال: (إنَّ الحي أحقّ بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة؛ فلم يتوفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح). رواه البخاري.
- وقال مجاهد بن وردان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كنت عند أبي بكر حين حضرته الوفاة فتمثلت بهذا البيت
من لا يزال دمعه مقنعا ... يوشك أن يكون مرة مدّفعا
فقال: يا بنية لا تقولي هكذا، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.
ثم قال: في كم كفن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فقلت: في ثلاثة أثواب.
فقال: (كفنوني في ثوبي هذين واشتروا إليهما ثوباً جديداً؛ فإنَّ الحيَّ أحوج إلى الجديد من الميت، وإنما هي للمهلة). رواه ابن حبان في صحيحه، وجماعة من أهل الحديث واختلفوا في ضبط البيت، وهذا أشبه بالصواب.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن عبد الله البهي مولى الزبير، عن عائشة، قالت: " لما حضر أبو بكر قلت كلمة من قول حاتم:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال: (لا تقولي هكذا يا بنية، ولكن قولي {وجاءت سكرة الموت بالحق، ذلك ما كنت منه تحيد}، انظروا ملاءتي هاتين، فإذا مت فاغسلوهما وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت). رواه ابن سعد، وأحمد في الزهد.
- وقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: حدثني الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر؛ فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إنَّ فيها لسمّ سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحدٍ، قال: (فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحدٍ عند انقضاء السنة). رواه ابن سعد.
وهذا مرسل.
- قال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: (عاش أبو بكر بعد أن استخلف سنتين وأشهراً). رواه البخاري في التاريخ الصغير.
- وقال الليث بن سعد: (توفي أبو بكر لليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال زياد البكائي عن محمد بن إسحاق قال: (كانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر واثنتين وعشرين يوما توفي في جمادى الأولى).
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «ما ترك أبو بكر ديناراً ولا درهماً ضرب الله سكته». رواه ابن سعد.
سنّه عند وفاته
- قال حكّام بن سلم الرازي: حدثنا عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك، قال: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين». رواه مسلم.
- وقال عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي: حدثنا سلام أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، قال: كنت جالساً مع عبد الله بن عتبة، فذكروا سني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بعض القوم كان أبو بكر أكبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين».
قال: فقال رجلٌ من القوم يقال له عامر بن سعد: حدثنا جرير، قال: كنا قعوداً عند معاوية فذكروا سني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال معاوية: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين». رواه مسلم.
- وقال شعبة: سمعت عامر بن سعد [البجلي]، يقول: سمعت جرير بن عبد الله، يقول: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول وهو يخطب: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين).
قال معاوية:(وأنا اليوم في ثلاث وستين). رواه أحمد، وأبو داوود الطيالسي.
- وروى عبد الرزاق نحوه من طريق سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال: قبض رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، واستكمل أبو بكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم».رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن سعد، وأبو حفص الفلاس.
ولفظ بعضهم: (استكمل أبو بكر في خلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة).
- وقال ابن سعد: (توفي رحمه الله وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين).
- قال أبو حفص الفلاس: (وليس في سنّ أبي بكر اختلاف أنه مات ابن ثلاث وستين، وأنه مات ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة، ودفن ليلا، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
1: سيرة أبي بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي
رضي الله عنه.
وصيته
- قال إسماعيل بن أبي خالد عن زُبيد بن الحارث اليامي أن أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه؛ فقال الناس: تستخلف علينا فظاً غليظاً، ولو قد ولينا كان أفظ وأغلظ؛ فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر.
قال أبو بكر: أبربي تخوفونني؟!
أقول: « اللهم استخلفت عليهم خير خلقك ».
ثم أرسل إلى عمر فقال:« إني موصيك بوصية إن أنت حفظتها: إنَّ لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم في الدنيا الحق وثقله عليهم، وحُقَّ لميزانٍ لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم، وحُقَّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً، وإن الله ذكر أهل الجنة بصالح ما عملوا، وأنه تجاوز عن سيئاتهم؛ فيقول القائل: ألا أبلغ هؤلاء، وذكر أهل النار بأسوإ ما عملوا، وأنه ردَّ عليهم صالح ما عملوا؛ فيقول قائل: أنا خير من هؤلاء، وذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغباً وراهباً، لا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة؛ فإن أنت حفظت وصيتي لم يكن غائب أحبّ إليك من الموت، وإن أنت ضيعت وصيتي لم يكن غائب أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه ». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن شبة في تاريخ المدينة، وأبو داوود في الزهد، ورجال إسناده أئمة ثقات إلا أنّ فيه انقطاعاً لأنّ زبيداً لم يُدرك عمرَ بن الخطاب، وله شواهد ينجبر بها.
- وقال صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله! ماذا تقول لربك إذا قدمت عليه غداً وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟
فقال: « أجلسوني، أبالله ترهبوني؟! ».
أقول: « استخلفت عليهم خيرهم ». رواه ابن سعد.
رواة التفسير عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
روى عن أبي بكر مسائل التفسير جماعة من الصحابة والتابعين:
فمن الصحابة: حذيفة بن اليمان، ومعقل بن يسار المزني، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، والمسور بن مخرمة الزهري، وطارق بن شهاب البجلي.
ومن كبار التابعين الذين أدركوه وسمعوا منه: قيس بن أبي حازم البجلي، وسعيد بن نمران الناعطي.
ومن الذين اختلف في سماعهم منه: مسروق بن الأجدع الهمداني، والأسود بن هلال المحاربي، وأبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي.
ومن الذين أرسلوا عنه ولم يدركوه: سعيد بن المسيب، وعامر بن سعد البجلي، وأبو بكر بن أبي زهير الثقفي، وعامر بن شراحيل الشعبي، ومرة بن شراحيل الهمداني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والحارث بن يعقوب الأنصاري، وأبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، ومجاهد بن جبر المكي، وعكرمة مولى ابن عباس؛ فهؤلاء روايتهم عنه مرسلة.
مما روي عنه في التفسير:
أ: قال سعيد بن نمران: قرأت عند أبي بكر الصديق: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}، قلت: يا خليفة رسول الله، ما استقاموا، قال: استقاموا على ألا يشركوا) رواه سفيان الثوري وابن وهب.
ب: قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد البجلي، عن أبي بكر الصديق: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: (النظر إلى وجه ربهم). رواه ابن جرير.
ج: قال قيس بن أبي حازم: سمعت أبا بكر الصديق، رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب» رواه ابن جرير بهذا اللفظ.
المؤلفات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفضائله
المؤلفات في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفضائله كثيرة، ومن أجودها:
1: دواوين السنة، وقد اشتملت على أحاديث وآثار كثيرة في فضائل أبي بكر ومناقبه وأخباره، وقد جمعت ما تيسّر منها.
2: كتب التاريخ المسندة، وقد أُفرد في عدد منها فصول مطوّلة في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
3: فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم، لأبي نعيم الأصبهاني(ت:430هـ) .
4: فضائل أبي بكر الصديق، لأبي طالب محمد بن علي بن الفتح الحربي العُشاري(ت:451هـ).
5: فضائل أبي بكر الصديق، لأبي بكر البيهقي(ت:458هـ)، ذكره في كتابه "شعب الإيمان".
6: منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي(ت:620هـ).
7: الرياض النضرة في مناقب العشرة، لمحبّ الدين الطبري(ت:694هـ)
8: فضل أبي بكر الصديق، لشيخ الإسلام ابن تيمية(ت:728هـ).
9: فضل الخلفاء الراشدين، لشيخ الإسلام ابن تيمية(ت:728هـ).
10: تحفة الصديق في فضائل أبي بكر الصديق، لأبي القاسم علي بن بلبان المقدسي(ت:739هـ).
11: الروض الأنيق في فضل الصديق، للحافظ جلال الدين السيوطي(ت:911هـ).
12: تحفة أهل التصديق ببعض فضائل أبي بكر الصديق، لعبد القادر بن جلال الدين المحلي(ت:1033هـ).
13: سيرة العتيق أبي بكر الصديق، للشيخ موسى بن راشد العازمي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
اسمه ونسبه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي.
وأمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية.
وقيل: حنتمة بنت هشام، وهو خطأ.
- قال أبو بشر الدولابي: حدثني أبو أسامة عبد الله بن محمد بن أبي أسامة الحلبي قال: ثنا حجاج بن يوسف الرصافي قال: حدثني عبيد الله بن أبي زياد عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال: «عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر».
- وقال يعقوب بن سفيان الفسوي: (عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر).
مولده ونشأته
ولد عمر قبل الهجرة بأربعين سنة، وذلك أنه صحّ عن معاوية وأنس بن مالك وغيرهما أنه مات وله ثلاث وستون سنة؛ فيكون مولده بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
- قال محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: أقبلنا مع عمر بن الخطاب قافلين من مكة حتى إذا كنّا بشعاب ضَجْنَان وقف الناس.
قال محمد: مكاناً كثير الشجر والأشب.
قال: فقال عمر: (لقد رأيتني في هذا المكان وأنا في إبل للخطاب، وكان فظاً غليظاً، أحتطب عليها مرة، وأختبط عليها أخرى، ثم أصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي، ليس فوقي أحد، قال: ثم مثل بهذا البيت:
لا شيء فيما ترى إلا بشاشته ... يبقى الإله ويودي المال والولد).
رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن سعد: سألت أبا بكر بن محمد بن أبي مرة المكي، وكان عالماً بأمور مكة عن منزل عمر بن الخطاب الذي كان في الجاهلية بمكة، فقال: (كان ينزل في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر، فنسب إلى عمر بعد ذلك، وبه كانت منازل بني عدي بن كعب).
إسلامه
- قال خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت: سمعت نافعاً يذكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أعزّ الدين بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل بن هشام، أو عمر بن الخطاب)).
فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب). رواه الترمذي وابن حبان.
- وقال يونس بن بكير، عن النضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب» قال: فأصبح فغدا عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم).
رواه الترمذي وقال: (هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم بعضهم في النضر أبي عمر، وهو يروي مناكير).
- وقال ابن وهب: حدثني عمر بن محمد قال: أخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: بينما هو في الدار خائفاً إذْ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو، عليه حلة حَبِرة وقميص مكفوف بحرير، وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية، فقال له: ما بالك؟
قال: (زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت).
قال: لا سبيل إليك.
بعد أن قالها أمنت، فخرج العاص فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبا، قال: لا سبيل إليه؛ فكرَّ الناس. رواه البخاري.
- وقال سفيان بن عيينة: سمعته [أي: عمرو بن دينار] يقول: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره، وقالوا: صبا عمر وأنا غلام، فوق ظهر بيتي، فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبا عمر فما ذاك، فأنا له جار.
قال: فرأيت الناس تصدعوا عنه.
فقلت: من هذا؟
قالوا: (العاص بن وائل). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال وهب بن جرير: حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يقول: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنشأ للحديث؟
فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل! إني قد أسلمت.
قال: فوالله ما ردّ عليه كلمة حتى قام عامداً إلى المسجد؛ فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش! إنَّ ابن الخطاب قد صبأ.
فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت وآمنت بالله، وصدقت رسوله؛ فثاوروه؛ فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، حتى فتر عمر وجلس، فقاموا على رأسه.
فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم؛ فوالله لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم؛ فبينما هم كذلك قيام عليه، إذ جاء رجل عليه حلة حرير وقميص قومسي، فقال: ما بالكم؟
فقالوا: إن ابن الخطاب قد صبأ!!
قال: فمه! امرؤ اختار ديناً لنفسه؛ أفتظنون أن بني عدي تسلم إليكم صاحبهم؟!
قال: فكأنما كانوا ثوباً انكشف عنه.
فقلت له بعد بالمدينة: يا أبت! من الرجل الذي ردَّ عنك القوم يومئذ؟
فقال: (يا بُني! ذاك العاص بن وائل). رواه ابن حبان.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي: حدثنا قيس [هو ابن أبي حازم]، قال: قال عبد الله [بن مسعود]: «مازلنا أعزة منذ أسلم عمر». رواه البخاري.
ورواه ابن سعد في الطبقات من طريق محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد به وزاد: «لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر؛ فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي».
- وقال مسعر بن كدام، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود: «كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر؛ فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا». رواه ابن سعد في الطبقات، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: «والله لقد رأيتني، وإنَّ عمر لموثقي على الإسلام، قبل أن يسلم عمر، ولو أنَّ أحداً ارفضَّ للذي صنعتم بعثمان لكان». رواه البخاري في صحيحه.
وفي رواية في الصحيح: «لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام، أنا وأخته، وما أَسْلَمَ، ولو أنَّ أحداً انقضَّ لما صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقضّ».
- وقال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: (فلما قدم عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون، أسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلا ذا شكيمة، لا يرام ما وراء ظهره، امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة بن عبد المطلب، حتى غزا قريشا، فكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه، وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، قال: «أسلم عمر بن الخطاب بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الواقدي: أخبرنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: «أسلم عمر بعد أربعين رجلا وعشرة نسوة، فما هو إلا أن أسلم عمر فظهر الإسلام بمكة». رواه ابن سعد.
- وقال أبو عبد الله الذهبي: (أسلم في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
هجرته
هاجر عمر قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهجرته شأن عند المسلمين، فقد تقدّم قول ابن مسعود رضي الله عنه: (كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً).
- قال شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء، فرحهم به). رواه البخاري.
- وقال ابن إسحاق: حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (لما اجتمعنا للهجرة اتّعدت أنا، وعياش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا التناضب من أضاة بني غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها؛ فقد حُبس فليمض صاحباه، فأصبحتُ عنده أنا وعياش بن أبي ربيعة، وحبس عنا هشام وفتن فافتتن، وقدمنا المدينة؛ فكنا نقول: ما الله بقابل من هؤلاء توبة، قوم عرفوا الله وآمنوا به، وصدقوا رسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم، فأنزل الله عز وجل فيهم: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} إلى قوله: {مثوى للمتكبرين}.
قال عمر رضي الله عنه: فكتبتها بيدي كتاباً، ثم بعثت بها إلى هشام، فقال هشام بن العاص: فلما قدمت علي خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعّد بها وأصوب لأفهمها، فقلت: اللهم فهّمنيها، وفرقت أنما أنزلت فينا لما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، فرجعت فجلست على بعيري بفلحقت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (فقتل هشام شهيدا بأجنادين في ولاية أبي بكر رضي الله عنه). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
وقد روي في شأن هجرته أخبار أخر في إسنادها ضعف.
جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
شهد عمر جميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان له في كثير منها مواقف جليلة، فيها تثبيت للمؤمنين، وإغاظة للمشركين.
والحديث عن مواقفه في تلك المشاهد يطول به المقام، وهي مدوّنة في دواوين السنّة وكتب السيرة.
إنفاقه في سبيل الله عزّ وجلّ
كان عمر كثير الإنفاق في سبيل الله، سريع الاستجابة حين يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للإنفاق في أمر تتعلق به مصلحة المسلمين، حتى إنه تصدّق مرة بنصف ماله ليسبق أبا بكر، لكنّه وجده قد سبقه.
- قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق؛ فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً.
قال: فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟»
قلت: مثله.
قال: فأتى أبو بكر بكلّ ما عنده.
فقال: «يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟»
فقال: (أبقيت لهم الله ورسوله).
فقلت:(لا أسابقك إلى شيء أبداً). رواه الدارمي، وأبو داوود، والترمذي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم
كان عمر من أخصّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطولهم له صحبة، وأعلمهم بسنّته، وأحواله، وما كان يعترضه في الدعوة إلى الإسلام، وأحوال أعدائه، ومكائدهم، وما كان يلقى منهم.
- قال عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: وضع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنَّفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، قال فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت إليه فإذا هو علي، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو، أو لأظن، أن يجعلك الله معهما». رواه البخاري ومسلم.
خلافته
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في خلافته
- وقال الزهري: أخبرني ابن المسيب، سمع أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غرباً، فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن» رواه البخاري، ومسلم.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «بينا أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس، فجاءني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني، فنزع دلوين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، فجاء ابن الخطاب فأخذ منه، فلم أر نزع رجل قط أقوى منه، حتى تولى الناس، والحوض ملآن يتفجر». رواه مسلم.
- وقال موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «رأيت الناس مجتمعين في صعيد، فقام أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين، وفي بعض نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم أخذها عمر فاستحالت بيده غرباً، فلم أر عبقرياً في الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن». رواه البخاري.
عهد أبي بكر إليه بالخلافة
تولّى عمر الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه باستخلاف منه، ولم يختلف في خلافته اثنان، وكان هو خير المسلمين بعد أبي بكر رضي الله عنهما.
- قال صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله! ماذا تقول لربك إذا قدمت عليه غدا وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟!
فقال: أجلسوني! أبالله ترهبوني؟!! أقول: (استخلفت عليهم خيرهم). رواه ابن سعد.
خطبته حين تولّى الخلافة
- قال عبد الله بن المبارك، عن جرير بن حازم، عن حميد بن هلال قال: حدثني من شهد وفاة أبي بكر رضي الله عنه قال: لما فرغ عمر رضي الله عنه من دفنه قام خطيباً مكانه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن الله ابتلاني بكم وابتلاكم بي، وأبقاني فيكم بعد صاحبي، والله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يغيب عني فآلو فيه من أهل الخير والأمانة، فلئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساءوا لأنكلن بهم. فقال الرجل: فوالله ما زاد على الذي قال في ذلك المكان حتى فارق الدنيا). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أو غيره عن حميد به.
تسميته أمير المؤمنين
- قال محمد بن حرب الأبرش: حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري قال: «أوَّل من سمى عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين المغيرة بن شعبة رضي الله عنه». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب قال: (أوّل من حيّا عمر رضي الله عنه بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، دخل عليه ذات يوم فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين!
فكأنّ عمر رضي الله عنه أنكر ذلك؛ فقال المغيرة: هم المؤمنون، وأنت أميرهم، فسكت عمر رضي الله عنه). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن الزهري قال: قال عمر بن عبد العزيز لأبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة: لأيّ شيء كان أبو بكر رضي الله عنه يكتب: مِن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يكتب: من خليفة أبي بكر، ومَن أول من كتب: عبد الله أمير المؤمنين؟
فقال: حدثتني الشفاء وكانت من المهاجرات الأول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق أن يبعث إليه برجلين جلدين نبيلين يسألهما عن العراق وأهله، فبعث إليه لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم؛ فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا؛ فوجدا عمرو بن العاص فيه؛ فقالا: استأذن لنا يا ابن العاص على أمير المؤمنين!
فقال عمرو: أنتما والله أصبتما اسمه، هو الأمير ونحن المؤمنون، فوثب عمرو فدخل على عمر رضي الله عنه فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين!
فقال عمر: يا ابن العاص! ما بدا لك في هذا الاسم؟! لتخرجن مما دخلت فيه!
قال: قدم لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد؛ فقالا: استأذن لنا أمير المؤمنين، فهما أصابا اسمك، فأنت الأمير ونحن المؤمنون قال: (فجرى الكتاب من ذلك اليوم). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
تسميته بالفاروق
اشتهر تلقيب عمر بالفاروق، واختلف في أوّل من لقّبه بذلك، وروي في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنّها لا تصحّ.
- إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: سألت عمر: لأي شيء سميت الفاروق؟
قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فذكر الخبر بطوله، وفيه: فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ الفاروق، وفرق الله بين الحق والباطل). رواه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك الحديث.
- وقال أحمد بن محمد الأزرقي المكي: أخبرنا عبد الرحمن بن حسن، عن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق، فرق الله به بين الحق والباطل». رواه ابن سعد في الطبقات، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، وهو مرسل ضعيف الإسناد؛ فعبد الرحمن بن حسن الأزرقي مجهول الحال، وأيوب بن موسى المكي من طبقة صغار التابعين.
- وقال الواقدي: أخبرنا أبو حزرة يعقوب بن مجاهد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عمرو ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟
قالت: (النبي عليه السلام). رواه ابن سعد، وعمر بن شبة، لكن الواقدي متروك الحديث.
- وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أوَّل من قال لعمر الفاروق، وكان المسلمون يؤثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئاً، ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك إلا لعمر، كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة ويثني عليه قال: وقد بلغنا أن عبد الله بن عمر كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أيد دينك بعمر بن الخطاب». رواه ابن سعد في الطبقات، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: وجدت في بعض الكتب يوم غزونا اليرموك: (أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان ذو النورين أوتي كفلين من الرحمة لأنه يُقتل، أصبتم اسمه).
قال: (ثم يكون والي الأرض المقدسة وابنه).
قال عقبة: قلت لابن العاص: (سمهما كما سميت هؤلاء، قال: معاوية وابنه). رواه أحمد في فضائل الصحابة، ونعيم بن حماد في الفتن، وروي عن ابن سيرين من غير ما وجه.
مدّة خلافته
- قال ابن أبي أويس، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب: (ولي عشر سنين حجها كلها). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
أشهر أعماله في خلافته
فتح الله لعمر البلدان، فولّى الولاة على الأمصار، وعيّن القضاء، وأقام الحسبة، وبعث المعلّمين، ودوّون الدواوين، وعرّف العرفاء، وفرض الأعطيات، وجمع الناس في قيام رمضان خلف إمام واحد، وأرّخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأقام العدل حتى استيسر الناس، وعمّ الرخاء، واعتزّ المسلمون، وقويت دولة الإسلام.
1: فتح الفتوح
تولى عمر الخلافة وجيوش المسلمين في العراق والشام تقاتل أعظم دولتين في ذلك الزمان في وقت واحد؛ ففتح الله له البلدان واتّسعت دولة الإسلام:
ففي الشام: فتحت جيوشه دمشق، وحمص، وقنسرين، وبعض قرى فلسطين حتى حاصروا بيت المقدس، ثم فتحوها صلحاً على أن يقدم عمر فينفذ لهم الصلح ويكتب لهم، فقدم عمر، وأمضى الصلح، ودخل بيت المقدس، وصلى فيه في الموضع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء.
وأعمل الجيوش في بلدان الشام تفتحها مدينة بعد مدينة، وقرية بعد قرية، وجعل للشام أميرين: معاوية بن أبي سفيان ولاه بعد موت أخيه يزيد، وعياض بن غنم الفهري ولاه بعد موت أبي عبيدة بن الجراح؛ فأخذ معاوية ما يلي الساحل من قرى فلسطين فافتتح قيسارية وتسمّى قيصرية في أواخر سنة 18هـ، ثم أصعد شمالاً حتى بلغ أنطاكية.
وغزا عياض بن غنم الجزيرة، وهي ما بين نهري دجلة والفرات مما يلي الشام، ووافق أبا موسى الأشعري قد افتتح الرها وسميساط بجيش من أهل العراق؛ فاجتمعا على فتح ما بقي من أرض الجزيرة، وفتحوا نصيبين، والرقة، وسنجار، وحرّان، وآمد، وبقية ديار بكر حتى بلغوا ملطية.
والتقى حيش معاوية وجيش عياض في ملطية، واستكملوا بذلك فتح الشام في سنة 20هـ، وهي السنة التي مات فيها هرقل عظيم الروم.
وفي العراق: فتحوا الحيرة، والمدائن وفيها كان إيوان كسرى، ثم اختطوا الكوفة ثم البصرة، ثم فتحوا أصبهان، وتستر، والأهواز، وجلولاء، ونهاوند، والسوس، ونصيبين، وهمذان، وغيرها كثير حتى بلغت جيوش المسلمين في عهد عمر أقصى بلاد خراسان.
وفي سنة عشرين فتح عمرو بن العاص مصر، وبقي يفتح مدنها وقراها حتى فتح الإسكندرية الفتح الأول سنة اثنتين وعشرين للهجرة، وبعث الجيوش إلى طرابلس الغرب.
فتح بيت المقدس
- قال دحيم: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت أشياخنا يقولون: (إنَّ دمشق فتحت في سنة أربع عشرة، وإن عمر بن الخطاب قدم الشام سنة ست عشرة؛ فولاه الله فتحَ بيت المقدس على صلح، ثم قفل). رواه أبو زرعة الدمشقي كما في تاريخ ابن عساكر.
- وقال يزيد بن عبيدة السكوني: (فتحت بيت المقدس سنة ست عشرة، وفيها قدم عمر بن الخطاب الجابية).رواه أبو زرعة الدمشقي.
فتوح الشام ومصر:
- قال هشام بن عمار، عن الوليد عن الأوزاعي (أنّ أبا عبيدة فتح قنسرين وكورها سنة ست عشرة ثم أتى فلسطين فنزل إيليا فسألوه أن يصالحهم فصالحهم في سنة سبع عشرة على أن يقدم عمر رحمه الله فينفذ ذلك ويكتب لهم به). رواه البلاذري.
- وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثني الليث بن سعد قال: (استخلف أمير المؤمنين عمر في رجب لسنة ثلاث عشرة، ثم كان فتح دمشق، ثم كانت اليرموك لسنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية والجسر لسنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس وغزوة عتبة بن سهيل من بني عامر بن لؤي سنة ثمان عشرة، ثم كانت جلولاء لسنة تسع عشرة، ثم كان فتح باب ليون أميرهم عمرو بن العاص، وقيسارية بالشام أميرهم عبد الله بن عمرو، وموت هرقل لسنة عشرين، ثم كانت نهاوند أميرهم النعمان بن مقرن المزني لسنة إحدى وعشرين، ثم كان فتح الإسكندرية الأولى أميرهم عمرو بن العاص وأذربيجان لسنة ثنتين وعشرين، وفرض العطاء، ثم كانت اصطخر الأولى وهمذان في ذي القعدة، ولم تفتح اصطخر، وغزوة عمرو بن العاص أطرابلس المغرب، وغزوة عمورية، أمير أهل مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين، ثم قتل عمر أمير المؤمنين بصدر الحاج). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن سعد: (وهو أول من فتح الفتوح، وهي الأرضون والكور التي فيها الخراج والفيء، فتح العراق كله، السواد والجبال وأذربيجان وكور البصرة وأرضها وكور الأهواز، وفارس، وكور الشام ما خلا أجنادين، فإنها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق، رحمه الله، وفتح عمر كور الجزيرة والموصل ومصر والإسكندرية، وقتل، رحمه الله، وخيله على الري وقد فتحوا عامتها، وهو أول من مسح السواد وأرض الجبل، ووضع الخراج على الأرضين، والجزية على جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان، فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهماً، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهماً، وعلى الفقير اثني عشر درهماً، وقال: «لا يعوز رجلاً منهم درهم في شهر» ، فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رحمه الله مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف واف، والواف درهم ودانقان ونصف).
2: تمصير الأمصار، وتولية الولاة وتعيين القضاة
بعدما فتح المسلمون المدائن سنة 16هـ، وكثرت جيوش المسلمين نزلوا المدائن فاجتووها ولم توافق أمزجتهم؛ فذُكر أنهم اشتكوا ذلك إلى عمر فقال: (إن العرب لا يصلحهم إلا ما يصلح إبلهم).
فارتادوا مكاناً يصلح لإبلهم فوقع اختيارهم على الكوفة، وكانت أرضاً سهلة حسنة التربة يخالط رملها حصباء، ولذلك كانت تسمى "خدّ العذراء" يجري عليها نهر الفرات، وفي وسطها جبل صغير يُسمّى "كوفان".
فخطّطت الكوفة أحياءً لكل قبيلة حيّ، ولها مسجد يسع مقاتلتهم، وكان أوّل أمير لها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ثمّ بعد ذلك بأشهر خطّطت البصرة على نحو تخطيط الكوفة، وكان أوّل أمير لها عتبة بن غزوان المازني رضي الله عنه.
ولم يزل عمر يمصّر الأمصار، ويولّي الولاة، ويعيّن القضاء، ويعرّف العرفاء، ويقسم الفيء، ويبعث المعلمّين لتفقيه الناس في الدين، وتعليمهم القرآن؛ حتى صلحت شؤون الرعية، وانتظم أمرها.
- قال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثني الأشعث، عن الحسن (أن عمر بن الخطاب مصر الأمصار: المدينة، والبصرة، والكوفة، والبحرين، ومصر، والشام، والجزيرة). رواه ابن سعد.
- وقال ابن سعد: (وهو أوَّل من مصَّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، والموصل، وأنزلها العرب، وخط الكوفة والبصرة خططا للقبائل).
3: تدوين الدواوين، وفرض الأعطيات
- قال غسان بن مضر الأزدي، عن سعيد بن يزيد الأزدي، عن أبي نضرة العبدي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «لما ولي عمر الخلافة فرض الفرائض، ودوَّن الدواوين، وعرَّف العرفاء» قال جابر: (فعرَّفني على أصحابي). رواه ابن أبي شيبة، وعبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه قدم على عمر من البحرين، قال: فقدمت عليه فصليت معه العشاء، فلما رآني سلمت عليه فقال: «ما قدمت به؟»
قلت: قدمت بخمسمائة ألف.
قال: «أتدري ما تقول؟».
قال: قلت: قدمت بخمسمائة ألف.
قال: «ماذا تقول؟»
قال: قلت: مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، مائة ألف، حتى عددتُ خمساً.
قال: «إنك ناعس! ارجع إلى بيتك فنم ثم اغد علي».
قال: فغدوت عليه؛ فقال: «ما جئت به؟».
قلت: بخمسمائة ألف.
قال: «طيب؟».
قلت: طيب، لا أعلم إلا ذاك.
قال: فقال للناس: «إنه قدم عليَّ مالٌ كثير؛ فإن شئتم أن نعدَّه لكم عدّا، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا».
فقال رجل: يا أمير المؤمنين! إني رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديواناً، ويعطون الناس عليه.
قال: «فدوَّن الدواوين، وفرض للمهاجرين في خمسة آلاف خمسة آلاف، وللأنصار في أربعة آلاف أربعة آلاف، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في اثني عشر ألفا اثني عشر ألفا». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وابن زنجويه في كتاب الأموال، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال معمر، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، قال: لما أتي عمر بكنوز كسرى، قال له عبد الله بن الأرقم الزهري: ألا تجعلها في بيت المال حتى تقسمها؟
قال: «لا يظلها سقف حتى أمضيها»؛ فأمر بها؛ فوضعت في صرح المسجد، فباتوا يحرسونها، فلما أصبح أمر بها فكشف عنها، فرأى فيها من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ منه البصر.
قال: فبكى عمر؛ فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن كان هذا ليوم شكر، ويوم سرور، ويوم فرح؛ فقال عمر: «كلا، إنَّ هذا لم يعطه قوم إلا ألقي بينهم العداوة والبغضاء».
ثم قال: « أنكيل لهم بالصاع أم نحثو؟ »
فقال علي: بل احثوا لهم، ثم دعا حسن بن علي أوَّل الناس فحثا له، ثم دعا حسيناً، ثم أعطى الناس، ودوَّن الدواوين، وفرض للمهاجرين لكل رجل منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة، وللأنصار لكل رجل منهم أربعة آلاف درهم، وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكل امرأة منهن اثني عشر ألف درهم، إلا صفية وجويرية، فرض لكل واحدة منهما ستة آلاف درهم). رواه معمر بن راشد في جامعه.
وسماع إبراهيم بن عبد الرحمن من عمر مختلف فيه، وقد أثبته يعقوب بن شيبة وغيره، وروي عنه أنه رأى تحريق بيت رويشد الثقفي زمان عمر.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: «فرض عمر لأهل بدر غريبهم ومولاهم في خمسة آلاف خمسة آلاف»، وقال: «لأفضلنَّهم على من سواهم». رواه ابن أبي شيبة.
4: بعث المعلّمين إلى الأمصار
كان عمر من أعلم الصحابة وأفقههم في دين الله، وكان جلساؤه القراء العلماء، وكان يبعث البعوث إلى الأمصار لتعليم القرآن؛ فبعث إلى العراق عشرة معلمين من علماء الصحابة، فيهم ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبو موسى الأشعري، وقرظة بن كعب الخزرجي، ومجمّع بن جارية الأوسي، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن مغفّل المزني، وغيرهم.
وبعث عبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء إلى الشام وأمرهم أن يبدؤا بحمص فيعلّموا فيها حتى يرضوا؛ ثم ينتقل معاذ إلى فلسطين، وأبو الدرداء إلى دمشق، ويبقى عبادة في حمص؛ ففعلوا ما أمرهم به، ونفع الله بهم خلقاً كثيراً.
وبعث معلمين إلى مكة والبحرين وعمان واليمن ومصر، والمدائن، وبقي في المدينة جماعة من علماء الصحابة يقرئون الناس القرآن ويفقّهونهم في الدين؛ فانتشر العلماء في بلدان الإسلام انتشاراً عظيماً مباركاً.
وهمّ عمر أن يكتب السنة، ورُوي أنه استخار في كتابتها شهراً لكنّه خشي أن يشتغل الناس بها عن القرآن.
وكان عمر رجلاً ملهماً محدَّثاً، وعدلاً حازماً، مهيب الجناب، وكان شديداً على من يتكلم في القرآن بغير علم، وقد اشتهر ضربه لصبيغ التميمي لما كان يتكلف المسائل في القرآن؛ حتى جعله عبرة لغيره، وانتفع صبيغ بهذا التأديب فقد عصمه الله به من فتنة الخوارج لما حدثت بعد؛ فإنه قيل له: ألا تخرج معهم.
قال: هيهات، نفعني الله بموعظة الرجل الصالح.
- وقال قبيصة بن عقبة: أخبرنا سفيان، عن معمر، عن الزهري قال: أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن، فاستخار الله شهراً، ثم أصبح وقد عزم له، فقال: «ذكرت قوماً كتبوا كتاباً فأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله». رواه ابن سعد.
- وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب العبدي قال: قرئ علينا كتاب عمر ههنا [يريد بالكوفة]: «إني بعثتُ إليكم عمارا أميراً، وبعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا، وآثرتكم بابن أم عبد على نفسي، وجعلته على بيت مالكم». رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في المصنف.
- وقال الحسن البصري: (كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس، وكان من نقباء أصحابه، وكان له سبعة أولاد). ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب.
همّه بكتابة السنن:
تقدّم في سيرة أبي بكر الصديق أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار عليه بجمع القرآن في مصحف واحد، ثمّ لما ولي عمر الخلافة همّ بكتابة السنن وجمعها في كتاب واحد؛ فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخار في ذلك شهراً ثمّ أصبح يوماً وقد عزم على ترك كتابتها.
- قال معمر عن الزهري، عن عروة، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: «إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرني شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستشار فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه؛ فأشار عليه عامّتهم بذلك؛ فلبث عمرُ شهراً يستخير الله في ذلك، شاكّاً فيه، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له؛ فقال: «إني قد كنتُ ذكرتُ لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكّرت فإذا أناسٌ من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» فترك كتاب السنن». رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم، وروى نحوه من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب به.
وعروة وإن لم يدرك السماع من عمر بن الخطاب إلا أن له عناية بالسير والأخبار وهو مقدّم فيها، مع قيام الاحتمال القوي بكونه سمع ذلك من بعض الصحابة الذين استشارهم عمر أو شهدوا ذلك الأمر، ويشهد له مرسل يحيى بن جعدة.
- وقال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: (من كان عنده شيء من ذلك فليمْحُه). رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال عبد الله بن العلاء بن زبر: سألت القاسم يملي عليَّ أحاديث؛ فقال: إنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب؛ فقام عمر على المنبر؛ فأنشد الناس أن يأتوه بها؛ فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: (مثناة كمثناة أهل الكتاب!!)
قال: (فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثاً). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق.
حزمه في التعليم وتعظيمه القرآن والسنة:
كان عمر رضي الله عنه من أقرب الصحابة إلى إدراك مقاصد القرآن وفهم مراد الله تعالى، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، بما علّمه الله تعالى وفهّمه، وبما سدّده وألهمه، ورزقه من الخشية والاستقامة والقوّة في دين الله، فكان حازماً في التأديب على القول في التفسير بغير علم، وعلى السؤال عنه سؤال تنطّع وتكلّف، وقصّته مع صبيغ بن عسل التميمي معروفة مشتهرة، مروية من طرق متعددة:
- منها: ما أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أنه قال: أُتى إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أمير المؤمنين! إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن.
فقال: اللهم أمكني منه.
قال: فبينا عمر ذات يوم جالس يغدّي الناس إذ جاءه وعليه ثياب وعمامة، فغداه، ثم إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين، {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا}؟
قال عمر: أنت هو؟ فمال إليه وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، ثم قال: احملوه حتى تقدموه بلاده، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل: إنَّ صبيغاً ابتغى العلم فأخطأ، فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك، وكان سيد قومه.
- ومنها: ما أخرجه الدارمي من طريق يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة؛ فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه وقد أعدَّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله صبيغ.
فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين، فضربه وقال: (أنا عبد الله عمر) فجعل له ضرباً حتى دمي رأسه.
فقال: (يا أمير المؤمنين! حسبك، قد ذهب الذي كنتُ أجد في رأسي).
وقد انتفع صُبيغ بهذا التأديب؛ وعصمه الله به من فتنة الخوارج التي حدثت في عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
- قال معمر بن راشد: خرجت الحرورية، فقيل لصبيغ: إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، قال: (هيهات قد نفعني الله بموعظة الرجل الصالح).
- وقال إبراهيم النخعي عن علقمة قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل.
فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها). رواه أحمد.
وذلك أنّه خشي أن يتصدّى لذلك من ليس له بأهل؛ فلمّا علم أنّه ابن مسعود سكن جأشه؛ لأن ابن مسعود كان من المعلّمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
- وقال مجالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب الأنصاري رضي الله عنه قال: بعثني عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأنصار فمشى معنا حتى بلغ مكانا قد سماه ثم قال: (هل تدرون لم مشيت معكم؟)
قالوا: لحقّ صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق الأنصار.
قال: (لا، ولكن مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكموه؛ فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم، إنكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم دويّ كدويّ النحل؛ فإذا رأوكم مدُّوا إليكم أعناقهم، وقالوا: أصحاب محمد؛ فأقلّوا الحديثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شريككم). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة من طريق عبيد الله بن عمر القواريري: أخبرنا حماد بن زيد عن مجالد به، ورواه ابن قانع من طريق شعبة عن بيان عن الشعبي، عن قرظة بن كعب قال: شيَّع عمرُ الأنصارَ وقال: «إنكم تأتون أرضا أو قوما ألسنتهم بالقرآن، فلا تصدوهم بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم؛ فلم أحدّث بشيء بعد، ولقد سمعت كما سمع أصحابي»
- وقال عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كنت بالبحرين، فسألونى عما قذف البحر.
قال: فأفتيتهم أن يأكلوا؛ فلما قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكرت ذلك له، فقال لي: بم أفتيتهم؟
قال: قلت: أفتيتهم أن يأكلوا؟
قال: لو أفتيتهم بغير ذلك لعلوتك بالدرة!
قال: ثم قال [عمر]: إن الله تعالى قال في كتابه:"أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم"، فصيده، ما صيد منه وطعامه، ما قذف). رواه ابن جرير.
وكان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يعرفون لعمر علمه وحزمه وعدله، فكانوا يتعلمون منه، ويحبّونه ، ويهابونه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
5: التأريخ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم
رُوي في نشأة التاريخ الهجري آثار يعضد بعضها بعضاً، وتجتمع على أنّ أوّل من أرّخ التأريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن عمر استشار الصحابة في ذلك، وأما ما روي من أنّ أوّل من أرّخ الكتب يعلى بن أمية رضي الله عنه؛ فذلك في تأريخ ما كان يبعث به من الرسائل، ولم يوقف على أنّه كان يؤرّخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يعلى بن أميّة من ولاة عمر في اليمن.
- قال مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: كتب أبو موسى إلى عمر: إنه يأتينا كتب ما نعرف تأريخها فأرخ؛ فاستشار أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: أرخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: أرخ لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال عمر: «أرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين الحق والباطل؛ فأرخ». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: أخبرني عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: (جمع عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار).
فقال: متى نكتب التاريخ؟
فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك، يعني يوم هاجر؛ فكتب ذلك عمر رضي الله عنه). رواه البخاري في التاريخ الكبير، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة واللفظ له، والحاكم في المستدرك.
- وقال محمد بن عمر الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة، عن عثمان بن عبد الله بن رافع، عن ابن المسيب قال: (أوّل من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة من علي بن أبي طالب). رواه حنبل بن إسحاق كما في مسند الفاروق لابن كثير، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق، لكن الواقدي متروك الحديث.
- وقال وهب بن جرير: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: كان عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه عامل جاء من اليمن؛ فقال لعمر رضي الله عنه: أما تؤرخون؟ تكتبون: في سنة كذا وكذا من شهر كذا وكذا؟
فأراد عمر رضي الله عنه والناس أن يكتبوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا: من عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرادوا أن يكون ذلك من عند الهجرة.
ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوه أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم فقالوا: من المحرم). رواه عمر بن شبة.
- وقال خالد بن حيان الرقي: حدثنا فرات بن سليمان، عن ميمون بن مهران قال: وقع إلى عمر رضي الله تعالى عنه صكٌّ محلّه في شعبان؛ فقال عمر: أي شعبان؟ هذا الذي مضى أو الذي هو آت أو الذي نحن فيه؟
ثم جمع أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه؛ فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الروم؛ فقيل: إنه يطول، وإنهم يكتبون من عدد ذي القرنين.
وقال قائل: اكتبوا على تاريخ فارس؛ فقيل: إنَّ الفرسَ كلَّما قام ملك طرح ما كان قبله.
قال: (فاجتمع رأيهم أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوه أقام بها عشر سنين؛ فكتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن عساكر.
وميمون بن مهران لم يدرك عمر.
- وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد قال: (ما عدّوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه، ولا من وفاته، ولا عدّوا إلا من مقدمه المدينة). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- قال روح بن عبادة: حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينارٍ قال: (إنَّ أوَّل من أرخ الكتب يعلى بن أمية باليمن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع الأول، وإن الناس أرخوا لأوَّل السنة).رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وهذا محمول على ما تقدّم من أنّه كان يؤرّخ كتبه على تأريخ لم ينقل لنا، ثم إن التأريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر به عمر بعد استشارة الصحابة رضي الله عنهم، وجرى العمل عليه إلى اليوم؛ فيرجى لعمر بن الخطاب بذلك أجرٌ في كلّ ما كان في تاريخه نفع عام أو خاص لكل مسلم؛ لأنه هو الذي سنّ التأريخ للمسلمين.
6: جمع الناس في قيام رمضان خلف إمام واحد
صلى النبي صلى الله عليه وسلم قيام رمضان ليلتين أو ثلاث ليال ثم انقطع عنهم خشية أن يفرض عليهم، فكان الناس في بقية زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر، وصدر خلافة عمر يقومون الليل فرادى وجماعات متفرّقة ، يصلي الرجل والرجلان والثلاثة والجماعة اليسيرة.
فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جمعهم في جماعة واحدة؛ وأمر أبيّ بن كعب وتميماً الداري بإمامتهم، وجعل للنساء جماعة وجعل على إمامتهن سليمان بن أبي حثمة، وكان رجلاً أعمى.
وبعث عبد الله بن السائب المخزومي إلى مكة ليؤمّ الناس في قيام رمضان في المسجد الحرام، ويعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الدين؛ وهو من طبقة صغار الصحابة رضي الله عنهم، وكان قارئاً حسن القراءة، قرأ على أبيّ بن كعب؛ فكان يصلي بهم خلف المقام، وبقي على إمامتهم حتى توفي زمن ابن الزبير.
- قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب، في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل ويصلي بصلاته الرهط.
فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل؛ فجمعهم على أبيّ بن كعب.
قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم؛ فقال: (نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون). يعني آخر الليل.
قال: (وكان الناس يقومون أوله). رواه مالك في الموطأ.
- وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن عروة، أن عمر رضي الله عنه دخل المسجد ليلة في رمضان والناس قد اجتمعوا، فقيل: اجتمعوا للصلاة؛ فقال: بدعة، ونعمت البدعة، ثم قال لأبيٍّ رضي الله عنه: (صلّ بالرجال في هذه الناحية) وقال لسليمان بن أبي حثمة: (صلّ بالنساء في هذه الناحية). رواه ابن شبّة في تاريخ المدينة.
- وقال محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد؛ أنه قال: أمر عمرُ بن الخطاب أبيَّ بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة.
قال: (وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر).رواه مالك في الموطأ وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، والبيهقي في السنن الكبرى.
ورواه عبد الرزاق في المصنف من طريق داوود بن قيس وغيره [هكذا] عن محمد بن يوسف به لكنه قال ( على إحدى وعشرين ركعة ).
- وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه أن سليمان بن أبي حثمة كان يؤم النساء في عهد عمر في شهر رمضان). رواه ابن سعد.
- وقال ابن سعد: (كان رجلاً على عهد عمر بن الخطاب، وأمره عمر أن يؤم النساء).
- وقال معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين قال:( كان أبيّ يقوم للناس على عهد عمر في رمضان، فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة، فإذا تمّت عشرون ليلة انصرف إلى أهله، وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ، وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر، فيقولون: آمين، فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين، دعوني حتى أدعو). رواه عبد الرزاق.
- قال ابن سعد: (وهو أوّل من سنَّ قيام شهر رمضان، وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وجعل للناس بالمدينة قارئين: قارئاً يصلي بالرجال، وقارئاً يصلي بالنساء).
7: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب
كان من أجلّ أعمال عمر بن الخطاب رضي الله عنها التي كان سبباً في حفظ الدين، وعزّته، وكبت المنافقين، إجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب؛ فقطع بذلك دابرهم، وأمن الناس مكرهم ودسائسهم، وتسلل المنافقين إليهم ليكيدوا الإسلام وأهله؛ فكان في خروجهم عافية عظيمة للمسلمين.
وكان عمر قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم عزمه على إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلما كانت خلافته قام عمر بما عزم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: أخبرني عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً». رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، وغيرهم.
- وقال ابن جريج أيضاً: حدثني موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، فأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها، على أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نقركم بها على ذلك ما شئنا».
قال: (فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء). رواه مسلم.
- وقال ابن إسحاق: حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها، فلما قدمناها تفرقنا في أموالنا، قال: فعُدي عليَّ تحت الليل، وأنا نائم على فراشي، ففُدعت يداي من مرفقيّ، فلما أصبحت استصرخ عليَّ صاحباي، فأتياني، فسألاني عمن صنع هذا بك؟
قلت: لا أدري.
قال: فأصلحا من يديّ، ثم قدموا بي على عمر؛ فقال: (هذا عمل يهود).
ثم قام في الناس خطيباً، فقال: (أيها الناس! إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامَلَ يهودَ خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما بلغكم، مع عَدْوَتهم على الأنصاريّ قبله، لا نشكّ أنهم أصحابهم، ليس لنا هناك عدو غيرهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به فإني مخرج يهود).
قال: (فأخرجهم). رواه أحمد في المسند.
- وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر، قام عمر خطيباً، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: «نقركم ما أقركم الله» وإنّ عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق، فقال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا.
فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟!»
فقال: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم!
قال: (كذبت يا عدو الله).
قال: (فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك). رواه البخاري.
- وقال حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلَ أهل خيبر حتى أجلاهم إلى قصرهم؛ فغلب على الأرض والزرع والنخل؛ فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح، ويخرجون منها، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون للقيام عليها؛ فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أنَّ لهم الشطر من كل زرع ونخل ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غالوا في المسلمين وغشوهم، ورموا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه؛ فقال عمر رضي الله عنه: (من كان له سهم من خيبر فليخرص حتى يقسمها بينهم).
فقال رئيسهم: لا تخرجنا، ودعنا نكون فيها كما أقرّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لك: ((كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً، ثم يوماً، ثم يوماً). رواه أبو جعفر الطحاوي.
- وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال: كان أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفاً.
قال: وكان عمر يخافهم أن يميلوا على المسلمين؛ فتحاسدوا بينهم.
قال: فأتوا عمر؛ فقالوا: (إنا قد تحاسدنا بيننا فأجلنا).
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب لهم كتاباً أن لا يجلوا.
قال: (فاغتنمها عمر فأجلاهم؛ فندموا فأتوه فقالوا أقلنا؛ فأبى أن يقيلهم؛ فلما قدم عليّ أتوه؛ فقالوا: إنا نسألك بخطّ يمينك وشفاعتك عند نبيك إلا أقلتنا؛ فأبى وقال: (ويحكم! إنَّ عمر كان رشيد الأمر).
قال سالم: (فكانوا يرون أن علياً لو كان طاعنا على عمر في شيء من أمره طعن عليه في أهل نجران). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والفاكهي في أخبار مكة.
- وقال ابن سعد: (وهو أخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام، وأخرج أهل نجران، وأنزلهم ناحية الكوفة).
8: إقامة العدل، ومواساة رعيّته بنفسه
من أشهر صفات عمر رضي الله عنه عدله الذي عرف به، حتى ضرب به المثل في العدل؛ فكان حريصاً على إعطاء كلّ ذي حقّ حقَّه، وكان يواسي رعيّته بنفسه، ويتفقد أحوالهم، ويعس في الليل بنفسه، ويقوم على مصالحهم، وينشر العلم، ويبعث البعوث للجهاد والتعليم والصدقات؛ حتى فتح الله عليه البلدان، وانتشر العلم، واستيسر الناس، وكان لا يحابي أحداً من أهل بيته ولا من قرابته ولا يستأثر لنفسه ولا لهم شيئاً دون المسلمين.
- قال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما أنا أمشي مع عمر رضي الله عنه ذات يوم وهو يضرب وحشي قدمه بالدرة، تنفس تنفسة ظننت أنها قد قضّت أضلاعه، فقلت: سبحان الله! وما أخرج هذا منك يا أمير المؤمنين إلا أمر عظيم!
قال: (ويحك يا ابن عباس! والله ما أدري كيف أصنع بأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟).
قلت: والله إنك بحمد الله لقادر على أن تصنع ذاك منها في البقية.
قال: (إنه والله يا ابن عباس ما يصلح لهذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل).
يقول ابن عباس: «والله ما أعرفه غير عمر». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن الربيع بن زياد الحارثي أنه وفد إلى عمر بن الخطاب فأعجبته هيئته ونحوه، فشكا عمر طعاماً غليظاً أكله، فقال الربيع: يا أمير المؤمنين! إنَّ أحق الناس بطعام لين، ومركب لين، وملبس لين لأنت.
فرفع عمر جريدة معه فضرب بها رأسه، وقال: (أما والله ما أراك أردت بها الله، وما أردت بها إلا مقاربتي، إن كنت لأحسب أن فيك، ويحك هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟
قال: وما مثلك ومثلهم؟
قال: (مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا له: أنفق علينا، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟)
قال: لا يا أمير المؤمنين.
قال: فكذلك مثلي ومثلهم.
ثم قال عمر: « إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، وليشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له علي، ليرفعها إلي حتى أقصّه منه».
فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! أرأيتَ إن أدّب أميرٌ رجلاً من رعيته، أتقصّه منه؟
فقال عمر: « وما لي لا أقصّه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصّ من نفسه؟!». رواه ابن سعد في الطبقات، وروى عمر بن شبة بعضه في تاريخ المدينة.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حميد، عن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب مضطجعاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذا والله الملك الهنيء». رواه ابن سعد.
- وقال عبيد الله بن عمر العمري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: تقرقرَ بطن عمر بن الخطاب، وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بإصبعه قال: « تَقَرْقَرْ تَقَرْقُرَكَ، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس». رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: أصاب الناس عام سنة، فغلا فيها السمن، وكان عمر يأكله، فلما قل قال: «لا آكله حتى يأكله الناس».
فكان يأكل الزيت، فقال: «يا أسلم، اكسر عني حره بالنار» ، فكنت أطبخه له فيأكله؛ فيتقرقر بطنه عنه؛ فيقول: «تقرقر، لا والله لا تأكله حتى يأكله الناس». رواه ابن سعد.
- وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال عمر رضي الله عنه: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة؟
قال: قلت: أنا أحفظه كما قال.
قال: إنك عليه لجريء! فكيف؟
قال: قلت: (فتنة الرجل في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر).
قال: ليس هذه أريد، ولكني أريد التي تموج كموج البحر.
قال: قلت: ليس عليك بها يا أمير المؤمنين بأس، بينك وبينها باب مغلق.
قال: فيكسر الباب أو يفتح؟
قال: قلت: لا بل يكسر.
قال: فإنه إذا كسر لم يغلق أبداً.
قال: قلت: أجل.
فهبنا أن نسأله من الباب؛ فقلنا لمسروق: سله، قال: فسأله، فقال: عمر رضي الله عنه.
قال: قلنا: فعلم عمر من تعني؟
قال: (نعم، كما أنَّ دون غدٍ ليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (عدل عمر كان أتمَّ من عدل مَن وَلي بعده، وعلمه كان أتمَّ من علم من ولي بعده، وأما التفاوت بين سيرة عمر وسيرة من ولي بعده؛ فأمر قد عرفته العامة والخاصة؛ فإنها أعمال ظاهرة، وسيرة بيّنة، يظهر لعمر فيها من حسن النية، وقصد العدل، وعدم الغرض، وقمع الهوى ما لا يظهر من غيره).
تتمة:
- قال ابن سعد: (ووضع عمر في طريق السبل ما بين مكة والمدينة ما يصلح من ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء، وهدم عمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيه، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد، ووسعه وبناه لما كثر الناس بالمدينة).
- وقال: (واستعمل عمر على الحج بالناس أوَّل سنة استخلف وهي سنة ثلاث عشرة عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس تلك السنة، ثم لم يزل عمر بن الخطاب يحج بالناس في كل سنة خلافته كلها، فحج بهم عشر سنين ولاء، وحج بأزواج النبي عليه السلام في آخر حجة حجها بالناس سنة ثلاث وعشرين، واعتمر عمر في خلافته ثلاث مرات، عمرة في رجب سنة سبع عشرة، وعمرة في رجب سنة إحدى وعشرين، وعمرة في رجب سنة اثنتين وعشرين، وهو أخَّر المقام إلى موضعه اليوم، وكان ملصقاً بالبيت).
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
مناقبه وفضائله
فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومناقبه كثيرة، وقد تقدّم في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ذكر أحاديث تشتمل على فضل عمر رضي الله عنه لاقترانهما في كثير من الفضائل؛ وقد دلّت تلك الأحاديث على أنّ عمر رضي الله عنه خير هذه الأمة وأحبّ رجالها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر رضي الله عنه، وأنهما سيدا كهول أهل الجنة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما، وحسن بلائهما في الإسلام.
وما بقي من الأحاديث والآثار في فضله ومناقبه فرأيت أن أفرّقه في سيرته لارتباط كثير منها ببعض أعماله وخصاله ومواقفه المأثورة.
بشارته بالجنّة
- قال عثمان بن غياث الراسبي: حدثنا أبو عثمان النهدي، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له وبشره بالجنة» ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له وبشره بالجنة»، ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: «افتح له وبشره بالجنة، على بلوى تصيبه»؛ فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم قال: (الله المستعان). رواه البخاري.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: (( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة؛ فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت: لمن هذا القصر؟
فقالوا: لعمر بن الخطاب.
فذكرت غيرته فوليت مدبراً؛ فبكى عمر، وقال: (أعليك أغار يا رسول الله؟!). رواه البخاري ومسلم.
- وقال محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " رأيتني دخلت الجنة؛ فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية؛ فقلت: لمن هذا؟
فقال: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك؛ فقال عمر: (بأبي وأمي يا رسول الله! أعليك أغار؟!). رواه البخاري ومسلم.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به
- قال عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: «إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر، وتمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه» رواه أحمد، وروى ابن أبي شيبة والترمذي بعضه.
- وقال سليمان بن المغيرة: حدثنا ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء الله غداً»
فذكر الحديث بطوله، وفيه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أصبح الناس فقدوا نبيهم»، فقال أبو بكر، وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم، لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، فإن يطيعوا أبا بكر، وعمر يرشدوا ». رواه مسلم في صحيحه.
- وقال خالد بن معدان: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} فسلمنا، وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟
فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة». رواه أحمد وأبو داود، وله طرق أخرى.
وهو مع ذلك داخل فيما زكّى الله به أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم وذكر رضاه عنهم، وبيّن أنّ من آمن بمثل ما آمنوا به فقد اهتدى، وتوعّد من اتّبع غير سبيلهم.
- قال الله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} ، وعمر من أولى من يدخل في الخطاب بهذه الآية؛ فهو مهتدٍ ومحلّ للاقتداء.
- وقال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.
- وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}.
علمه وفقهه وتديّنه
- قال ابن شهاب الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، أن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الريَّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيتُ فضلي عمر بن الخطاب».
قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟
قال: «العلم». رواه البخاري، ومسلم.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون عليَّ وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه».
قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟
قال: «الدين». رواه البخاري، ومسلم.
- وقال حسين بن علي الجعفي، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن وهب، قال: قال عبد الله بن مسعود: (ما أظنُّ أهل بيت من المسلمين لم يدخل عليهم حزن عمر يوم أصيب عمر إلا أهل بيت سوء، إنَّ عمر كان أعلمنا بالله، وأقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: قال عبد الله بن مسعود: (لو وضع علم أحياء العرب في كفة، ووضع علم عمر في كفة لرجح بهم علم عمر). رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد.
- وقال أسد بن موسى: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: «لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان، ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علمه بعلمهم».
قال وكيع: قال الأعمش: فأنكرت ذلك، فأتيت إبراهيم فذكرته له، فقال: وما أنكرت من ذلك؟!! فوالله لقد قال عبد الله أفضل من ذلك، قال: «إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر رضي الله عنه». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
ورواه أبو خيثمة في كتاب العلم من طريق جرير بن حازم عن الأعمش بنحوه.
ورواه البيهقي في المدخل إلى السنن من طريق عبيد الله بن موسى عن شيبان عن الأعمش بنحوه.
- وقال عبد الملك بن عمير: حدثني قبيصة بن جابر قال: «ما رأيتُ رجلاً أعلم بالله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله من عمر» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في مصنفه.
- وقال هشيم بن يشير: قال: أنا العوام، عن مجاهد قال: (إذا اختلف الناس في شيء، فانظروا ما صنع عمر فخذوا به). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال أبو إسحاق الشيباني عن أبي الضحى عن مسروق، قال: كتب كاتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "هذا ما أرى اللهُ أميرَ المؤمنين عمرَ"؛ فانتهره عمر رضي الله عنه، وقال: (لا، بل اكتب: "هذا ما رأى عمر؛ فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر). رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار، والبيهقي في الكبرى.
عبادته وهديه
- قال حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج ليلة؛ فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته، قال: ومرَّ بعمر بن الخطاب، وهو يصلي رافعاً صوته، قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يا أبا بكر! مررتُ بك وأنت تصلي تخفض صوتك»، قال: قد أسمعتُ من ناجيتُ يا رسول الله!
قال: وقال لعمر: «مررتُ بك، وأنت تصلي رافعاً صوتك».
قال: فقال: يا رسول الله! أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئاً» وقال لعمر: «اخفض من صوتك شيئاً». رواه أبو داوود في سننه، وابن خزيمة في صحيحه بهذا السياق، ورواه الترمذي مختصراً.
- وقال مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنه قال: (كان عمر يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله بالصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة! ويتلو هذه الآية: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى}). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال أبو سهيل بن مالك الأصبحي، عن أبيه؛ أنه قال: (كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب عند دار أبي جهم بالبلاط). رواه مالك في الموطأ.
ورواه النسائي في السنن الكبرى من طريق سليمان بن بلال عن أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه كان يسمع قراءة عمر بن الخطاب وهو يؤم الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أبي جهم).
- وقال ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر كان إذا رأى أبا موسى قال: (ذكّرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه ابن سعد، وهو منقطع لكن يعضده ما رواه شعبة، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي، عن أبي نضرة العبدي قال: قال عمر لأبي موسى: (شوّقنا إلى ربنا) فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال عمر: (أولسنا في صلاة؟). وقد أخرجه ابن سعد أيضاً، وأحمد في الزهد.
- وقال حزم بن أبي حزم القطعي: سمعت الحسن بن أبي الحسن [البصري] يقول: تزوَّج عثمان بن أبي العاص امرأةً من نساء عمر بن الخطاب؛ فقال: والله، ما نكحتها رغبة في مال ولا ولد، ولكني أحببتُ أن تخبرني عن ليل عمر؛ فسألتها، فقال: كيف كان صلاة عمر بالليل؟
قالت: كان يصلي صلاة العشاء، ثم يأمرنا أن نضع عند رأسه توراً فيه ماء فيتعارّ من الليل فيضع يده في الماء فيمسح وجهه ويديه، ثم يذكر الله عز وجل حتى يغفي، ثم يتعارّ حتى تأتي الساعة التي يقوم فيها). رواه أحمد في الزهد.
- وقال أبو خلدة خالد بن دينار التميمي: حدثنا أبو العالية قال: أكثر ما كنت أسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «اللهم عافنا واعف عنا». رواه أحمد في الزهد.
زهده وورعه
- قال محمد بن سيرين، عن الأحنف بن قيس قال: كنا جلوساً بباب عمر فمرّت جارية، فقالوا: سرية أمير المؤمنين!
فقالت: ما هي لأمير المؤمنين بسرية وما تحل له، إنها من مال الله.
فقلنا: فماذا يحلّ له من مال الله؟ فما هو إلا قدر أن بلغت وجاء الرسول فدعانا، فأتيناه، فقال: ماذا قلتم؟
قلنا: لم نقل بأساً، مرّت جارية فقلنا: هذه سرية أمير المؤمنين، فقالت: ما هي لأمير المؤمنين بسرية، وما تحل له، إنها من مال الله؛ فقلنا: فماذا يحل له من مال الله؟
فقال: (أنا أخبركم بما أستحلّ منه، يحلّ لي حلتان، حلّة في الشتاء، وحلّة في القيظ، وما أحجّ عليه وأعتمر من الظهر، وقوتي وقوت أهلي كقوت رجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعد رجلٌ من المسلمين، يصيبني ما أصابهم). رواه ابن سعد، وعمر بن شبة.
- وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب قال: قال عمر بن الخطاب: «إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف». رواه ابن سعد.
ورواه أيضاً من طريق الأعمش عن أبي وائل عن عمر.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر قال: أرسل إليَّ عمر يرفأ فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر أو عند الظهر، قال: فقال: «والله ما كنت أرى هذا المال يحلّ لي من قبل أن أليَه إلا بحقه، وما كان قطّ أحرمَ عليَّ منه إذ وليته، عاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهراً من مال الله ولست بزائدك، ولكني معينك بثمر مالي بالغابة فاجدده فبعه، ثم ائت رجلاً من قومك من تجارهم فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئاً فاستشركه فاستنفق وأنفق على أهلك». رواه ابن سعد في الطبقات، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: قالت حفصة لعمر: (ألا تلبس ثوبا ألين من ثوبك، وتأكل طعاماً أطيب من طعامك! فقد فتح الله عليك الأرض، ووسع عليك الرزق)
فقال: « سأخاصمك إلى نفسك ».
فجعل يذكّرها ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت فيه من الجهد حتى أبكاها، فقال: « قد قلت لك: إنه كان لي صاحبان سلكا طريقاً، وإني إن سلكت غير طريقهما سلك بي غير طريقهما، وإني والله لأشاركنهما في مثل عيشهما لعلّي أن أدركَ معهما عيشهما الرخي ». رواه عبد الله بن المبارك في الزهد، وابن سعد في الطبقات، وإسحاق بن راهويه في مسنده، وابن أبي شيبة في مصنفه، والنسائي في السنن الكبرى، والحاكم في المستدرك، وفي سماع مصعب من حفصة خلاف.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي: أخبرني سعيد بن أبي بردة، عن يسار بن نمير قال: سألني عمر: ( كم أنفقنا في حجتنا هذه؟).
قلت: (خمسة عشر ديناراً). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: (حججت مع عمر، فما رأيته ضرب فسطاطاً حتى رجع).
قلت: كيف كان يصنع؟
قال: (كان يستظل بالنطع والكساء). رواه أبو داوود في الزهد، ورواه ابن أبي شيبة من طريق عبدة بن سليمان عن يحيى بن سعيد بنحوه.
- وقال يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال أن حفص بن أبي العاص كان يحضر طعام عمر فكان لا يأكل، فقال له عمر: «ما يمنعك من طعامنا؟»
قال: إن طعامك جشب غليظ، وإني راجع إلى طعام لين قد صنع لي فأصيب منه.
قال: أتراني أعجز أن آمر بشاة فيلقى عنها شعرها، وآمر بدقيق فينخل في خرقة، ثم آمر به فيخبز خبزاً رقاقاً، وآمر بصاعٍ من زبيب فيقذف في سِعْنٍ ثم يصبّ عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال؟
فقال: إني لأراك عالماً بطيّب العيش.
فقال: (أجل والذي نفسي بيده، لولا أن تنتقض حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم). رواه ابن سعد في الطبقات، وحفص بن أبي العاص هو أخو عثمان بن أبي العاص الثقفي، مختلف في صحبته، ورجّح ابن حجر شهوده حجَّة الوداع، والسِّعن وعاء من جلد شبيه بالقِربة.
- وقال حبان بن هلال قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثنا الحسن قال: حدثني حفص بن أبي العاص قال: كان عمر رضي الله عنه يغدينا بالخبز والزيت والخل، والخبز واللبن، والخبز والقديد، وأول ذلك اللحم الغريض، يأكل وكنا نعذر، وكان يقول: لا تنخلوا الدقيق فكله طعام، وكان يقول: ما لكم لا تأكلون؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنا نرجع إلى طعام ألين من طعامك..). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة، وذكر بقية الأثر بنحو ما تقدم.
- وقال وهب بن جرير بن حازم: حدثنا أبي قال: سمعت الحسن، يقول: قدم وفد أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري على عمر رضي الله عنه قال: فكان له في كل يوم خبز يُلَتّ؛ فربما وافقناها مأدومة بزيت، وربما وافقناها مأدومة بسمن، وربما وافقناها مأدومة بلبن، وربما وافقناها القدائد اليابسة قد دُقَّت ثم غلي بها، وربما وافقنا اللحم الغريض، وهو قليل، فقال لنا يوماً: ( إني والله قد أرى تقذيركم وكراهيتكم طعامي، أما والله لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأرقكم عيشاً، أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة، وعن صلاء وصناب وصلائق، ولكني سمعت الله عيَّر قوماً بأمر فعلوه فقال: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها}). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لما استخلف عمر رضي الله عنه أكل هو وأهله من المال، واخترق في مال نفسه». رواه عمر بن شبة.
قوله: (اخترق في مال نفسه) أي: ترك القيام عليه بما يصلحه وينميه كما ينبغي حتى لا ينافس المسلمين في تجارتهم، ويدلي عليهم بسلطانه فيحابوه في البيع والشراء.
- وقال مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: «كان البرّ لا يعرف في عمر ولا في ابنه حتى يقولا أو يفعلا». رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو داوود في الزهد.
قلت: يريد أنهما لم يكونا متماوتين، ولا متخاشعين، ولا متزيين بزيّ يعرف به تنسّكهما.
- وقال مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه قال: قال أنس بن مالك: (رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين، وقد رقع بين كتفيه أراه أربع رقاع، بعضها فوق بعض). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: « رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه». رواه ابن أبي شيبة، وابن سعد.
- وقال مهدي بن ميمون: أخبرنا سعيد الجريري، عن أبي عثمان النهدي قال: «رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهن بأديم أحمر». رواه ابن سعد.
- وقال وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: لما قدم عمر الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا: يا أمير المؤمنين! لو ركبتَ برذونا يلقاك عظماء الناس ووجوههم؛ قال: فقال عمر: «ألا أراكم هاهنا، إنما الأمر من هاهنا، وأشار بيده إلى السماء، خلوا سبيل جملي». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو أسامة الحافظ عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: لما قدم عمر الشام أُتي ببرذون فقيل له: اركب يا أمير المؤمنين فيراك عظماء أهل الأرض.
قال: فقال: (وإنكم لهنالك!! إنما الأمرُ من هاهنا وأشار بيده إلى السماء- خلوا سبيلي). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: لما قدم عمر الشام أتته الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وأخذ برأس بعيره يخوض الماء؛ فقالوا له: يا أمير المؤمنين! تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذا الحال؟!!
قال: فقال عمر: «إنا قوم أعزنا الله بالإسلام؛ فلن نلتمس العزّ بغيره». رواه ابن أبي شيبة، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن أبي بردة، قال: كتب عمر إلى أبي موسى: «أما بعد، إن أسعد الرعاة من سعدت به رعيته، وإن أشقى الرعاة عند الله من شقيت به رعيته، وإياك أن ترتع فيرتع عمالك؛ فيكون مثلك عند الله مثل البهيمة، نظرت إلى خضرة من الأرض؛ فرتعت فيها تبتغي بذلك السمن، وإنما حتفها في سمنها، وعليك السلام». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال محمد بن عمرو بن علقمة الليثي: حدثنا أبو سلمة [بن عبد الرحمن] قال: قال سعد بن أبي وقاص: «أما والله ما كان بأقدمِنا إسلاماً، ولكن قد عرفت بأي شيء فضلنا، كان أزهدنا في الدنيا يعني عمر بن الخطاب». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال يونس بن عبيد: كان الحسن ربما ذكر عمر، فيقول: «والله ما كان بأوَّلهم إسلاماً ولا بأفضلهم نفقة في سبيل الله، ولكنه غلب الناس بالزهد في الدنيا، والصرامة في أمر الله، ولا يخاف في الله لومة لائم». رواه ابن أبي شيبة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
محاسبته لنفسه
كان عمر رضي الله عنه شديد المحاسبة لنفسه، عظيم الورع، بصيراً بمداخل الشيطان، وأحوال النفس.
- قال مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: سمعت عمر بن الخطاب، يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: «عمر بن الخطاب أمير المؤمنين!! بخ! والله بُنيَّ الخطاب لتتقينَّ الله أو ليعذبنك». رواه مالك في الموطأ، وابن سعد في الطبقات، وأبو داوود في الزهد.
إلهامه وتحديثه
- قال إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: « قد كان يكون في الأمم قبلكم محدَّثون؛ فإن يكن في أمتي منهم أحد؛ فإنَّ عمر بن الخطاب منهم». رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وزاد: قال ابن وهب: (تفسير محدَّثون: ملهمون).
- وقال زكريا بن أبي زائدة، عن سعد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم « لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يُكَلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء؛ فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر». رواه البخاري.
- وقال حيوة بن شريح الحضرمي: حدثنا بكر بن عمرو [المعافري] أن مشرح بن هاعان أخبره أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو كان من بعدي نبيّ لكان عمر بن الخطاب)). رواه أحمد.
موافقته لبعض ما في القرآن قبل نزوله
كان عمر من أعلم الصحابة وأفقههم، وأعرفهم بمراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان ملهماً محدّثاً، وموفقاً مسدداً، ربما نزل الوحي بتأييده وتصديق قوله.
- قال حميد الطويل: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وافقت ربي في ثلاث: فقلت يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن)، فنزلت هذه الآية). رواه أحمد والبخاري من طرق عن حميد.
- وقال جويرية بن أسماء: أخبرنا عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر: « وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر ». رواه مسلم.
- وقال عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه؛ فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنما خيرني الله فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة}، وسأزيده على السبعين)).
قال: إنه منافق!
قال: فصلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره}). رواه البخاري، ومسلم.
- وقال الليث بن سعد: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول دُعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتُ إليه، فقلت: يا رسول الله أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا: كذا وكذا؟!!
قال: أعدد عليه قوله؛ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أخّر عني يا عمر».
فلما أكثرت عليه قال: «إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها».
قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} إلى قوله {وهم فاسقون}.
قال: (فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم). رواه البخاري.
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي: أخبرني سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه )). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، وابن حبان في صحيحه.
- وقال أبو عامر العقدي: حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري، عن نافع عن ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عزّ وجلّ جعل الحق على قلب عمر ولسانه)).
وقال ابن عمر: (ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر بن الخطاب إلا نزل القرآن على نحو مما قال عمر). رواه أحمد والترمذي وابن حبان.
- وقال محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن غضيف بن الحارث، قال: مررتُ بعمر ومعه نفر من أصحابه، فأدركني رجلٌ منهم؛ فقال: يا فتى! ادع الله لي بخير بارك الله فيك.
قال: قلت: ومن أنت رحمك الله؟
قال: أنا أبو ذر.
قال: قلت: يغفر الله لك! أنت أحق!!
قال: إني سمعت عمر يقول: (نعم الغلام)
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله وضع الحق على لسان عمر يقول به». رواه أحمد بهذا السياق، ورواه ابن أبي شيبة وأبو داوود وابن ماجة ويعقوب بن سفيان مختصراً.
- وقال هارون بن إسحاق الهمداني: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان بن الغاز، ومحمد بن إسحاق، عن مكحول، عن غضيف، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عز وجل جعل الحق على لسان عمر يقول به)). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن، عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كانت تحتي امرأة أُحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلقها؛ فأبيتُ فأتى النبي صلي الله عليه وسلم؛ فذكر ذلك له، فأرسل إليّ، فقال: "يا عبد الله، طلق امرأتَك"، فطلقتُها). رواه أحمد، وأبو داوود الطيالسي، وغيرهما.
شدّته في أمر الله وهيبة الناس له
كان لعمر رضي الله عنه من الشدة في أمر الله تعالى، والقوّة والمهابة ما عرف به واشتهر حتى كانت شياطين الإنس والجن تفرق منه، وكان الناس يهابونه هيبة شديدة.
- قال خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». رواه أبو داوود الطيالسي، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال يعقوب بن إبراهيم الزهري: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد، أن محمد بن سعد بن أبي وقاص، أخبره أن أباه سعد بن أبي وقاص، قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، قال: «عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب».
قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن!
ثم قال: أي عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك». رواه البخاري، ومسلم.
- وقال زيد بن الحباب الكوفي: أخبرني خارجة بن عبد الله قال: أخبرنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فسمعنا لغطا وصوت الصبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها فقال: يا عائشة " تعالي فانظري، فجئت فوضعت ذقني على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه فقال لي: «أما شبعت؟» فجعلت أقول: « لا » لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر فارفض الناس عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر».
قالت: «فرجعت». رواه الترمذي والنسائي.
- وقال علي بن الحسين بن واقد: حدثني أبي قال: حدثني عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبي بريدة، يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا». فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف». رواه الترمذي.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن واقد بنحوه.
ورواه أحمد وابن حبان من طريق أبي تميلة يحيى بن واضح عن حسين بن واقد به مختصراً من غير ذكر دخول عمر.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: أخبرني عبيد بن حنين، أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما، يحدث أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه، فقلت: يا أمير المؤمنين! من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟
فقال: (تلك حفصة وعائشة).
قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك.
قال: (فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به). رواه البخاري ومسلم.
فرار الشيطان منه
تقدّم في ذلك أحاديث سعد بن أبي وقاص، وعائشة، وبريدة بن الحصيب رضي الله عنهم.
- قال زيد بن الحباب: حدثني حسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأحسب الشيطان يفر منك يا عمر)). رواه ابن حبان.
خشيته ووقوفه عند آيات الله
مما عرف عن عمر شدّة خشيته من الله تعالى، ووقوفه عند آياته، وسرعة استجابته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
- قال ابن شهاب الزهري: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر؛ فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القراء أصحابَ مجلس عمر ومشاورته، كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي! هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟
قال: سأستأذن لك عليه.
قال ابن عباس: فاستأذنَ لعيينة؛ فلما دخل، قال: "يا ابن الخطاب! والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل"؛ فغضب عمر حتى همَّ بأن يقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، وإنَّ هذا من الجاهلين؛ «فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله». رواه البخاري في صحيحه.
علمه بالقضاء
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوّل قاضٍ للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد ولاه أبو بكر القضاء، وولّى أبا عبيدة بن الجراح الفيء، ولما تولى عمر الخلافة كان يقضي في المدينة، ويولّي القضاء في الأمصار؛ فكان القضاة يرفعون إليه ما يشكل عليهم؛ فيقضي فيه.
- قال هشام الدستوائي: أخبرنا عطاء بن السائب قال: لما استُخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق، وعلى رقبته أثواب يتّجر بها؛ فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح؛ فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟
قال: السوق.
قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟
قال: فمن أين أطعم عيالي؟
قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئاً؛ فانطلق معهما ففرضوا له كل يومٍ شطر شاة وماكسوه في الرأس والبطن.
فقال عمر: (إليَّ القضاء).
وقال أبو عبيدة: (وإليَّ الفيء).
قال عمر: (فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان). رواه ابن سعد في الطبقات.
- وقال عبد الله بن إدريس، عن مسعر بن كدام، عن محارب بن دثار قال: (لما ولي أبو بكر ولى أبا عبيدة بيت المال وولى عمر القضاء فمكث سنة لا يختصم إليه أحد). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب العلل لأبيه.
- وقال محمد بن فضيل بن غزوان الضبي، عن أشعث بن سوار، عن عامر الشعبي، قال: (إذا اختلف الناس في أمر فانظر كيف قضى فيه عمر، فإنه لم يكن يقضي في أمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور). رواه ابن سعد.
- وقال أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين قال: سألت عَبيدة عن شيء من الجد، فقال: ما تريد إليه؟! لقد حفظت فيه مِئَة قضية عن عمر.
قلت: كلها عن عمر؟
قال: (كلها عن عمر). رواه ابن سعد.
فراسته
- قال ابن وهب: حدثني عمر، أن سالماً حدَّثه عن عبد الله بن عمر، قال: ما سمعت عمر، لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس إذ مرَّ به رجلٌ جميل، فقال: لقد أخطأ ظني أو إنَّ هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، عليَّ الرجل؛ فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيتُ كاليوم استُقبل به رجلٌ مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني.
قال: كنت كاهنَهم في الجاهلية.
قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟!
قال: بينما أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع؛ فقالت: ألم تر الجنَّ وإبلاسها؟! ويأسها من بعد إنكاسها؟! ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟!
قال عمر: صدق بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجلٌ بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخاً قطّ أشدّ صوتاً منه يقول: يا جليح! أمرٌ نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم.
قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا الله؛ فقمت، فما نشبنا أن قيل: (هذا نبي). رواه البخاري.
وشيخ ابن وهب في هذا الحديث هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، نزيل عسقلان.
- وقال القاسم بن الفضل الحداني: حدثني معاوية بن قرة، عن الحكم بن أبي العاص الثقفي قال: كنت قاعداً مع عمر بن الخطاب، فأتاه رجلٌ فسلّم عليه، فقال له عمر: «بينك وبين أهل نجران قرابة؟ ».
قال الرجل: لا.
قال عمر: « بلى ».
قال الرجل: لا.
قال عمر: « بلى والله، أنشد الله كلَّ رجل من المسلمين يعلم أنَّ بين هذا وبين أهل نجران قرابة لما تكلم ».
فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين! بلى، بينه وبين أهل نجران قرابة من قبل كذا وكذا.
فقال له عمر: « مه، فإنا نقفو الآثار ». رواه ابن سعد.
- وقال مسعر بن كدام، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بن الخطاب بالحديث، فيكذب فيقول: «احبس هذه»، ثم يحدّث بالحديث فيكذب الكذب؛ فيقول: «احبس هذه» ، فيقول الرجل: (كلّ ما حدّثتك به حق إلا ما أمرتني أن أحبسه). رواه أبو بكر الخرائطي في مساوئ الأخلاق.
- قال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية: (ولله فراسة من هو إمام المتفرسين، وشيخ المتوسمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي لم تكن تخطئ له فراسة، وكان يحكم بين الأمة بالفراسة المؤيدة بالوحي).
- وقال ابن القيم أيضاً في مدارج السالكين: (وكان الصديق رضي الله عنه أعظم الأمة فراسة، وبعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووقائع فراسته مشهورة؛ فإنه ما قال لشيء أظنه كذا إلا كان كما قال، ويكفي في فراسته موافقته ربه في المواضع المعروفة).
كراماته
- قال ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب، عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطاب بعث جيشاً وأمَّر عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينا عمر يخطب قال: فجعل يصيح وهو على المنبر يا سارية! الجبل، يا سارية! الجبل.
قال: فقدم رسول الجيش؛ فسأله؛ فقال: يا أمير المؤمنين! لقينا عدونا فهزمونا، وإنَّ الصائح ليصيح: يا سارية! الجبل، يا سارية! الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل؛ فهزمهم الله.
فقيل لعمر: (إنك كنت تصيح بذلك). رواه البيهقي في دلائل النبوة، وفي الاعتقاد، وأبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين، وأبو نعيم في دلائل النبوة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وهذا إسناد جيد، وقد روي في شأن هذه روايات باطلة بأسانيد واهية؛ فلا يلتفت إليها.
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
صفاته وشمائله
- قال حسين بن محمد المرّوذي: حدثنا جرير بن حازم، عن أبي رجاء العطاردي، قال: كان عمر بن الخطاب رجلاً طويلاً جسيماً، أصلعَ شديد الصلع، أبيضَ شديدَ الحمرة، في عارضيه خفة، سبلته كبيرة، وفي أطرافها صهبة). رواه ابن أبي الدنيا كما تاريخ ابن عساكر، وزاد ابن عساكر في رواية له من غير طريقه: ( وكان إذا حزبه الأمر فَتَلَها).
- وقال معن بن عيسى: أخبرنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: «كان عمر رضي الله عنه إذا غضب فتل شاربه». رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
- وقال إسحاق بن عيسى الطباع: رأيت مالك بن أنس وافر الشارب، لشاربه ذنبتان؛ فسألته عن ذلك؛ فقال:(حدثني زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا كربه أمر فتل شاربه ونفخ؛ فأفتاني بالحديث). رواه أحمد في العلل.
- وقال سفيان بن عيينة، أخبرنا عمرو بن دينار قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: (كنتُ إذا رأيتُ عمر في قوم رأيته مشرفاً عليهم يفوقهم بهذه)، وأشار سفيان بيده فوضعها على شاربه. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش قال: خرج أهل المدينة في مشهد لهم؛ فإذا أنا برجلٍ أصلع أعسر أيسر، قد أشرف فوق الناس بذراع، عليه إزار غليظ، وبرد غليظ قطن، وهو متلبب به وهو يقول: (يا أيها الناس هاجروا، ولا تهجروا ولا يحذفن أحدكم الأرنب بعصاة أو بحجر، ثم يأكلها وليذكّ لكم الأسل: الرماح، والنبل).
فقلت: من هذا؟
فقالوا: (عمر بن الخطاب رضي الله عنه). رواه عبد الرزاق.
- وقال شعبة بن الحجاج: سمعت عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: كنت بالمدينة فإذا رجل آدم أعسر أيسر ضخم أجلح مشرف على الناس كأنه على دابة، يعني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه). رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
- وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا الحجاج، حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: رأيت عمر بن الخطاب أعسر أيسر أصلع آدم، قد فرع الناسَ كأنه على دابة).
قال يعقوب: فذكرت هذه الصفة لبعض ولد عمر، قال: سمعنا مشايخنا يذكرون أنَّ عمر كان أبيضَ، وإنما رآه من رآه في هذه الصفة عام الرمادة، وكان قد أجهد نفسه، وشحب وتغير لونه رحمة الله عليه).
- وقال شعبة، عن سماك، عن عبد الله بن هلال، قال: «رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رجلاً ضخماً كأنه من رجال بني سدوس». رواه ابن أبي عاصم.
- وقال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: سئل أنس رضي الله عنه عن خضاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكن شابَ إلا يسيراً، ولكن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما خضبا بالحناء والكتم». رواه ابن أبي عاصم.
- وقال علي بن الجعد: أخبرنا شعبة وزهير، عن حميد، عن أنس قال: (كان عمر يخضب بالحناء). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: «كان عمر يخضب بالحناء». رواه ابن سعد.
استفاضة ثناء الصحابة والأمة عليه
- قال صالح بن رستم، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله! ماذا تقول لربك إذا قدمت عليه غداً وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟
فقال: « أجلسوني، أبالله ترهبوني؟! ».
أقول: « استخلفت عليهم خيرهم ». رواه ابن سعد.
- وقال الليث بن سعد: كتب إليَّ هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال أبو بكر رضي الله عنه يوماً: (والله ما على وجه الأرض رجلٌ أحبُّ إليَّ من عمر).
فلما خرج رجع فقال: كيف حلفتُ أي بنية؟
فقلت له، فقال: (أعزُّ عليَّ، والولدُ أَلْوَط). رواه البخاري في الأدب المفرد.
وألْوَط: أي أَلْصَق بالقلب.
- وقال عبد الملك بن سلع الهمداني، عن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: « قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على خير ما قبض عليه نبي من الأنبياء».
قال: ( ثم استخلف أبو بكر فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسنته، ثم قبض أبو بكر على خير ما قبض عليه أحد، وكان خير هذه الأمة بعد نبيها، ثم استُخلف عمر فعمل بعملهما وسننهما، ثم قبض على خير ما قبض عليه أحد، وكان خير هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر). رواه ابن أبي شيبة، وعبد الله بن الإمام أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة لأبيه، والآجري في الشريعة.
- وقال عاصم، عن زر بن حبيش، عن علي، قال: «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر». رواه معمر بن راشد.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: قال علي على المنبر: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر). رواه ابن أبي شيبة، وعبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وغيرهم.
وروي أيضاً من طرق عن الشعبي عن وهب بن عبد الله السوائي عن عليّ.
- وقال شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: «كنا نتحدث أن السكينة تنزل على لسان عمر». رواه ابن أبي شيبة، والطبراني في المعجم الكبير.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، أنها كانت تقول: (من رأى عمر بن الخطاب عرف أنه خُلق غناءً للإسلام، كان والله أحوذياً، نسيج وحده، قد أعدّ للأمور أقرانها). رواه أحمد في فضائل الصحابة، والطبراني في المعجم الصغير، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال عاصم بن أبي النجود، عن زر، عن عبد الله بن مسعود قال: (إذا ذكر الصالحون فحيَّ هلاً بعمر، إنَّ إسلامه كان نصراً، وإن إمارته كانت فتحاً، وايم الله ما أعلم على الأرض شيئاً إلا وقد وجد فقد عمر حتى العضاه، وايم الله إني لأحسب بين عينيه ملكاً يسدده ويرشده). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في المعجم الكبير.
- وقال سفيان الثوري، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: «ما رأيت عمر رضي الله عنه إلا وكأن بين عينيه ملكا يسدده». رواه ابن أبي شيبة، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال أبو نعيم الحلبي: حدثنا عبيد الله بن عمرو [الرقي]، عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن وهب، قال: كنت في حلقة في المسجد فيها أناس من القراء؛ فاختلف رجلان في قراءة آية؛ فبينا هما كذلك إذ دخل عبد الله بن مسعود من أبواب كندة؛ فقاما إليه يسألانه عنها، وقمت معهما أنظر ما يرجع إليهما.
قال: فاحتبساه في صحن المسجد وهو قائم؛ فقالا: آية اختلفنا في قراءتها؛ فأحببنا أن نعلم موضعها.
فقال لأحدهما: اقرأه؛ فلما قرأ قال: (من أقرأكها؟).
قال: أقرأنيها معقل بن مقرن المزني.
ثم قال للآخر: اقرأه؛ فلما قرأ قال: (من أقرأكها؟)
قال: أقرأنيها عمر بن الخطاب.
فلما ذكر عمر بكى حتى نشج، وحتى رأيت في الحصا من دموعه أثراً، ثم قال: (إنَّ عمر كان أعلمنا بالله، وأفقهنا في دين الله، وأقرأنا لكتاب الله؛ فاقرأها كما أقرأكها عمر؛ فوالله لهي أبين من طريق السيلحين، وبالله ما من أهل بيت لم يدخل عليهم حزن عمر يوم أصيب إلا أهل بيت سوء، إنَّ عمر كان حصناً حصيناً يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه). رواه ابن عساكر.
وقد رويت هذه الحكاية مختصرة ومبسوطة من طرق عن عبد الملك بن عمير.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى قوله: (لهي أبين من طريق السيلحين) قال: (يعني أنَّ هذا أمر بيّن يعرفه الناس).
والسَّيْلَحُون موضع بين الكوفة والقادسية، له طريق بيّن يعرفه أهل الكوفة، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه بالكوفة.
- وقال سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش قال: سمعت حذيفة يقول: « ما كان الإسلام في زمان عمر إلا كالرجل المقبل ما يزداد إلا قرباً، فلما قتل عمر كان كالرجل المدبر ما يزداد إلا بعداً ». رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة، والحاكم.
- وقال حسين بن علي الجعفي، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن وهب، قال: قال عبد الله بن مسعود: (ما أظنُّ أهل بيت من المسلمين لم يدخل عليهم حزن عمر يوم أصيب عمر إلا أهل بيت سوء، إنَّ عمر كان أعلمنا بالله وأقرأنا لكتاب الله، وأفقهنا في دين الله). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال حميد الطويل: قال أنس بن مالك: لما أصيب عمر بن الخطاب قال أبو طلحة: « ما من أهل بيت من العرب حاضر ولا باد إلا قد دخل عليهم بقتل عمر نقص». رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة.
- وقال سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قالت أم أيمن لما قتل عمر: « اليوم وَهَى الإسلام». رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وإسحاق بن راهويه في المسند، وابن الأعرابي في معجمه، والطبراني في المعجم الكبير، وغيرهم.
- وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمر بن محمد أن زيد بن أسلم، حدثه عن أبيه، قال: سألني ابن عمر عن بعض شأنه - يعني عمر -، فأخبرته فقال: «ما رأيت أحداً قطّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض كان أجدّ وأجودَ حتى انتهى من عمر بن الخطاب». رواه البخاري.
- وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟
قال: «وماذا أعددت لها».
قال: (لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم).
فقال: «أنت مع من أحببت».
قال أنس: فما فرحنا بشيء، فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت».
قال أنس: «فأنا أحبّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم». رواه البخاري.
- وقال أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، قال: لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عباس وكأنه يجزّعه: يا أمير المؤمنين! ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون.
قال: «أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه، فإنما ذاك من من الله تعالى منَّ به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه، فإنما ذاك من من الله جل ذكره منَّ به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أنَّ لي طلاع الأرض ذهباً لافتديتُ به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه». رواه البخاري.
- وقال غسان بن الربيع: حدثنا ثابت بن يزيد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي عن ابن عباس أنه دخل على عمر حين طعن، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين، أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض، ولم يختلف في خلافتك رجلان، وقتلت شهيداً؛ فقال: أعد، فأعاد.
فقال: (المغرور من غررتموه، لو أنَّ لي ما على ظهرها من بيضاء وصفراء لافتديت به من هول المطلع). رواه ابن حبان، والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن داوود بن أبي هند به.
واختلف على داوود فيه؛ فرواه أبو معاوية الضرير وابن أبي عدي وعلي بن عاصم عن داوود عن الشعبي مرسلاً.
ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي مرسلاً بنحوه.
- وقال المعتمر بن سليمان: قال أبي: قال أبو عثمان: (إنما كان عمر ميزاناً، لا يقول كذا ولا يقول كذا). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
- وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: «ما أظنّ رجلاً ينتقص أبا بكر وعمر يحبّ النبي صلى الله عليه وسلم». رواه الترمذي.
- وقال الحسن بن صالح بن حي: سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول: (أنا برئ ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير). رواه ابن عساكر.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
وفاته
شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بالشهادة
- قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله، قال: «اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيدان». رواه البخاري.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوبا أبيض، فقال: ((أجديد قميصك أم غسيل؟)).
فقال: بل جديد.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً)). رواه أحمد، وابن ماجه، والنسائي في السنن الكبرى.
سؤاله الشهادة
- قال حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت أباها يقول: ( اللهم ارزقني قتلا في سبيلك، ووفاة في بلد نبيك).
قالت: قلت: وأنى ذلك؟
قال: (إن الله يأتي بأمره أنى شاء). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، أن عمر بن الخطاب كان يقول في دعائه: «اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، ووفاة ببلدة رسولك». رواه ابن سعد، وهو مرسل.
رؤياه قبل استشهاده
- قال قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة؛ فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر قال: (إني رأيتُ كأنَّ ديكاً نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإنَّ أقواماً يأمرونني أن أستخلف، وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فإنْ عجل بي أمر؛ فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ). رواه مسلم.
- قال ابن أبي عاصم: (خطب يوم الجمعة، وأصيب يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة).
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح. ثم كوم كومة بطحاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مد يديه إلى السماء فقال: (اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي؛ فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط).
ثم قدم المدينة فخطب الناس، فقال: (أيها الناس. قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يميناً وشمالاً، وضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال: (إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله؛ فقد رجم رسول الله ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: [الشيخ والشيخة فارجموهما البتة] فإنا قد قرأناها).
رواه مالك في الموطأ، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة،
قال مالك: قال يحيى بن سعيد: قال سعيد بن المسيب: (فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله).
ما رؤي فيه قبل استشهاده
- قال حماد بن سلمة: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (رأيت كأني أخذت جواداً كثيرة فجعلت تضمحل حتى بقيت جادة واحدة، فسلكتها حتى انتهت إلى جبل؛ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقه، وإلى جنبه أبو بكر رضي الله عنه، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى عمر رضي الله عنه).
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! مات والله أمير المؤمنين.
فقلت: ألا تكتب بهذا إليه؟
فقال: (ما كنت لأنعي له نفسه). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
خبر استشهاده
- قال أبو عوانة، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قبل أن يصاب بأيام بالمدينة، وقف على حذيفة بن اليمان، وعثمان بن حنيف، قال: (كيف فعلتما، أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟).
قالا: حملناها أمراً هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل.
قال: (انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق).
قال: قالا: لا.
فقال عمر: (لئن سلَّمني الله، لأدعنَّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً).
قال: فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب.
قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مرَّ بين الصفين قال: (استووا)، حتى إذا لم يرَ فيهنَّ خللاً تقدَّم فكبَّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل، أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس؛ فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني - أو أكلني - الكلب، حين طعنه فطار العلج بسكّين ذات طرفين لا يمرّ على أحدٍ يميناً ولا شمالاً إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجلٍ من المسلمين طرح عليه برنساً؛ فلما ظنَّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدَّمه، فمن يلي عمر؛ فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة؛ فلما انصرفوا قال: (يا ابن عباس! انظر من قتلني).
فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة.
قال: الصنع؟
قال: نعم.
قال: (قاتله الله، لقد أمرتُ به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنتَ أنت وأبوك تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة).
وكان العباس أكثرهم رقيقاً.
فقال: إن شئت فعلت، أي: إن شئت قتلنا.
قال: (كذبت، بعد ما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم).
فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأنَّ الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأُتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتيَ بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت؛ فدخلنا عليه، وجاء الناس؛ فجعلوا يثنون عليه، وجاء رجل شابّ، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة، قال: (وددت أن ذلك كفاف لا عليَّ ولا لي).
فلما أدبر إذا إزاره يمسّ الأرض؛ قال: ردّوا عليَّ الغلام، قال: (يا ابن أخي! ارفع ثوبك، فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربّك، يا عبد الله بن عمر! انظر ما عليَّ من الدَّين).
فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه.
قال: (إن وفى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلا فسلْ في بني عدي بن كعب، فإن لم تفِ أموالهم فسلْ في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم؛ فأدّ عني هذا المال، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين؛ فإني لستُ اليوم للمؤمنين أميراً، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه؛ فسلَّم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي؛ فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه؛ فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنَّ به اليوم على نفسي؛ فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: (ارفعوني).
فأسنده رجل إليه، فقال: (ما لديك؟)
قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين! أذنت، قال: (الحمد لله، ما كان من شيء أهمَّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قضيتُ فاحملوني، ثم سلّم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردَّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين).
وجاءت أمّ المؤمنين حفصة والنساء تسير معها؛ فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجَتَ داخلاً لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين! استخلف.
قال: (ما أجد أحداً أحقَّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ).
فسمَّى عليا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدا، وعبد الرحمن.
وقال: (يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعنْ به أيُّكم ما أُمّر، فإني لم أعزله عن عجز، ولا خيانة).
وقال: (أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً {الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم} أن يُقبل من محسنهم وأن يُعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً؛ فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأن لا يُؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيراً؛ فإنهم أصل العرب، ومادّة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم، ويردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم).
فلما قبض خرجنا به؛ فانطلقنا نمشي؛ فسلَّم عبد الله بن عمر، قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت: أدخلوه؛ فأُدْخِل، فوضع هنالك مع صاحبيه). رواه البخاري.
- وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون قال: صليت يوم قتل عمر الصبح؛ فما منعني أن أقوم مع الصف الأول إلا هيبة عمر قال: (فماج الناس؛ فقدموا عبد الرحمن بن عوف؛ فقرأ {إذا جاء نصر الله والفتح}، و{إنا أعطيناك الكوثر}). رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة.
- وقال وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون قال: كنت أدع الصف الأول هيبة لعمر، وكنت في الصف الثاني يوم أصيب؛ فجاء فقال: (الصلاةَ عبادَ الله! استووا).
قال: فصلَّى بنا؛ فطعنه أبو لؤلؤة طعنتين أو ثلاثاً.
قال: وعلى عمر ثوب أصفر.
قال: فجعله على صدره، ثم أهوى وهو يقول: {وكان أمر الله قدرا مقدورا}؛ ومال على الناس فقتل وجرح بضعة عشر؛ فمال الناس عليه فاتكأ على خنجره فقتل نفسه). رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة.
- وقال الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون قال: (رأيت عمر لما طعن عليه ملحفة صفراء قد وضعها على جرحه وهو يقول: «كان أمر الله قدراً مقدوراً». رواه ابن سعد.
- وقال أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: (لما طعن عمر ماج الناس بعضهم في بعض حتى كادت الشمس أن تطلع؛ فنادى منادٍ: الصلاة؛ فقدموا عبد الرحمن بن عوف فصلَّى بهم؛ فقرأ بأقصر سورتين في القرآن: {إنا أعطيناك الكوثر}، و{إذا جاء نصر الله}؛ فلما أصبح دخل عليه الطبيب وجرحه يسيل دماً؛ فقال: أي الشراب أحب إليك؟
قال: النبيذ؛ فدعا بنبيذ؛ فشربه؛ فخرج من جرحه؛ فقال له الطبيب: (أوصه فإني لا أظنك إلا ميتاً من يومك أو من غد). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن المسور بن مخرمة قال: دخلت أنا وابن عباس على عمر بعدما طُعن وقد أغمي عليه؛ فقلنا: لا ينتبه لشيء أفزع له من الصلاة؛ فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين! فانتبه وقال: « ولا حظ في الإسلام لامرئ ترك الصلاة؛ فصلى وجرحه ليثعب دماً». رواه ابن أبي شيبة.
وصاياه عند موته
- وقال وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر بن الخطاب لما حُضر قال: (ادعوا لي علياً، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً).
قال: فلم يكلم أحداً منهم إلا علياً وعثمان؛ فقال: (يا علي! لعلَّ هؤلاء القوم يعرفون قرابتك وما آتاك الله من العلم والفقه، واتق الله، وإن وليت هذا الأمر؛ فلا ترفعنَّ بني فلان على رقاب الناس).
وقال لعثمان: (يا عثمان! إنَّ هؤلاء القوم لعلهم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنَّك وشرفك؛ فإن أنت وليت هذا الأمر فاتق الله، ولا ترفع بني فلان على رقاب الناس).
فقال: (ادعوا لي صهيباً).
فقال: (صلّ بالناس ثلاثاً، وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا؛ فإن أجمعوا على رجل فاضربوا رأس من خالفهم). رواه ابن أبي شيبة.
وروى ابن سعد من طريق الواقدي قال: حدثني محمد بن موسى، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة الأنصاري قبيل أن يموت بساعة، فقال: « يا أبا طلحة! كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم، فقم على ذلك الباب بأصحابك، فلا تترك أحداً يدخل عليهم، ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمّروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم».
- قال جرير بن عبد الحميد: حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (يا عبد الله بن عمر! اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها أن أُدفن مع صاحبيَّ).
قالت: كنت أريده لنفسي فلأوثرنه اليوم على نفسي.
فلما أقبل، قال: له ما لديك؟
قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين.
قال: (ما كان شيء أهمّ إليَّ من ذلك المضجع؛ فإذا قُبضت فاحملوني، ثم سلموا، ثم قل: يستأذن عمر بن الخطاب؛ فإن أذنت لي فادفنوني، وإلا فردّوني إلى مقابر المسلمين، إني لا أعلم أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة؛ فاسمعوا له وأطيعوا).
فسمّى عثمان، وعلياً، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وولج عليه شابّ من الأنصار، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله، كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم الشهادة بعد هذا كله، فقال: ليتني يا ابن أخي وذلك كفافاً لا عليَّ ولا لي، أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيراً، أن يُعرف لهم حقهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوَّأوا الدار والإيمان أن يُقبل من محسنهم، ويُعفى عن مسيئهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم؛ ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما وجدوا أحداً يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: « لا والله ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم، ما هي إلا قدم عمر رضي الله عنه». رواه البخاري.
احتضاره
مكث عمر بجراحته ثلاثة أيام كان الناس يعودونه فيها، ويدعون له بخير، ويثنون عليه، وهو يوصيهم، ويرشدهم، على ما به من أثر الطعن، ولذلك كثرت الآثار في شأن وفاته.
- قال مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، قال: قال عثمان بن عفان: (أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر، فقال له: ضع خدي بالأرض، فقال: هل فخذي والأرض إلا سواء؟
قال: ضعْ خدي بالأرض لا أمَّ لك في الثانية أو الثالثة، ثم شبَّك بين رجليه فسمعته يقول: (ويلي وويل لأمّي إنْ لم يغفر الله لي حتى فاضت نفسه). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال محمد بن عمر بن علي المقدمي: حدثنا سعيد بن عامر، عن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رأس عمر في حجري، فقال: يا عبد الله! ضع رأسي بالأرض.
قال: فجمعت ردائي فوضعته تحت رأسه؛ فقال: (ضع رأسي بالأرض لا أمَّ لك).
ثم قال: (ويل عمر! وويل أمّه! إن لم يغفر الله له). رواه أبو داوود في الزهد.
تاريخ استشهاده
- قال قتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة في حديثه قال: (أصيب عمر رضى الله عنه يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة). رواه البخاري في التاريخ الكبير، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة. .
- وقال أبو نعيم: (مات سنة ثلاث وعشرين).
- وقال خليفة بن خياط: (استشهد بالمدينة في آخر سنة ثلاث وعشرين في ذي الحجة).
سنّه عند وفاته
- قال حكّام بن سلم الرازي: حدثنا عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك، قال: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين». رواه مسلم.
- وقال عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الجعفي: حدثنا سلام أبو الأحوص، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة قال: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين».
قال: فقال رجلٌ من القوم يقال له عامر بن سعد: حدثنا جرير، قال: كنا قعوداً عند معاوية فذكروا سني رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال معاوية: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، ومات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين». رواه مسلم.
- وقال شعبة: سمعت عامر بن سعد [البجلي]، يقول: سمعت جرير بن عبد الله، يقول: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول وهو يخطب: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين).
قال معاوية:(وأنا اليوم في ثلاث وستين). رواه أحمد، وأبو داوود الطيالسي.
- وقال عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: (قتل عمر وهو ابن خمسٍ وخمسين). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال أبو سعيد الأشج: سمعت أبا أسامة يقول: قال عبيد الله عن نافع قال: (قتل عمر وله سبع وخمسون). رواه أبو القاسم البغوي.
غسله وتكفينه
- وقال أحمد بن منصور المروزي: سمعت يحيى بن بكير يقول: (ولي غسل عمر ابنه عبد الله بن عمر، وكفنه في خمسة أثواب). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: حدثني مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أن (عمر غُسِّل وكُفِّنَ وصُلِّيَ عليه، وكان شهيداً). رواه أبو القاسم البغوي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ)
مواعظه ووصاياه
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه مواعظ نافعة، ووصايا قيمة، تدلّ على ما يختزن وراءها من العلم المتين، والفقه في الدين، وسأذكر منتخبات منها، وإن كانت لجديرة بالجمع والدراسة والتأمل.
- قال سفيان بن عيينة: حدثنا جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، قال: قال عمر بن الخطاب: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنَّ أهونَ عليكم في الحساب غداً أن تحاسِبوا أنفسكم، تزيَّنوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
- وقال هشام بن حسان عن الحسن قال: كتب عمر إلى أبي موسى: (أما بعد؛ فإن القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك تداركت عليكم الأعمال فلم تدروا بأيها تأخذون فأضعتم، وإن الأعمال مؤداة إلى الأمير ما أدَّى الأميرُ إلى الله؛ فإذا رتع الأميرُ رتعوا). رواه أبو عبيد في الخطب والمواعظ.
- وقال شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: أتانا كتاب عمر بن الخطاب، ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: (أما بعد: فائتزروا وارتدوا، وانتعلوا، وألقوا الخفاف، وألقوا السراويلات، وعليكم بالشمس؛ فإنها حمّام العرب، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعم، وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا، واخلولقوا، واقطعوا الركب، وانزوا نزوا، وارموا الأغراض). رواه علي بن الجعد في مسنده، وأبو عوانة في المستخرج، والبيهقي في شعب الإيمان.
وفي رواية عندهم من طريق عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نحوه، وزاد فيه: "وتعلموا العربية ".
- وقال أبو رجاء محمد بن سيف الحداني: سألت الحسن عن المصحف ينقط بالعربية قال: أوما بلغك كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن «تفقهوا في الدين، وأحسنوا عبارة الرؤيا، وتعلموا العربية». رواه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال ابن لهيعة: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عروة بن الزبير، عن أبي البختري، عن الباهلي قال: إن عمر رضي الله عنه قام في الناس خطيباً، مدخلَهم الشام بالجابية، فقال: (تعلموا القرآن تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وإنه لن يبلغ منزلة ذي حقّ أن يطاع في معصية الله تعالى، واعلموا أنه لا يقرّب من أجلٍ، ولا يبعد من رزق قولُ بحقّ وتذكير عظيم، واعلموا أن بين العبد وبين رزقه حجاب، فإن صبر أتاه رزقه، وإن اقتحم هتك الحجاب، ولم يدرك فوق رزقه، وأدبوا الخيل، وانتضلوا، وانتعلوا وتسوكوا، وتمعددوا، وإيّاكم وأخلاق العجم، ومجاورة الجبارين، وأن يرى بين أظهركم صليب، وأن تجلسوا على مائدة يشرب عليها الخمر). رواه ابن أبي عمر كما في المطالب العالية، وابن لهيعة متكلّم فيه من جهة ضبطه وطريقة روايته، وهذا الأثر رواه عنه بشر بن السريّ وهو ثقة متقن، وليس فيه ما ينكر.
- وقال سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح أن (علموا غلمانَكم العَوْم، ومقاتلتكم الرمي). رواه أحمد، وابن الجارود، والطبراني في فضل الرمي، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال بكير بن عبد الله بن الأشج، عن معمر بن أبي حبيبة، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، قال: قال عمر: (إنَّ العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته، وقال: انتعش نعشك الله؛ فهو في نفسه صغير، وفي أنفس الناس كبير، وإنَّ العبد إذا تعظم وعدا طوره رهصه الله إلى الأرض، وقال: اخسأ أخسأك الله؛ فهو في نفسه كبير، وفي أنفس الناس صغير، حتى لهو أحقر عنده من خنزير). رواه ابن أبي شيبة.
- قال شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، عن عمر، قال: (من لا يَرحم لا يُرحم، ولا يُغفر لمن لا يَغفر، ولا يُتاب على من لا يتوب، ولا يُوقى من لا يَتَوقَّى). رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في الزهد.
رواة التفسير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
روى مسائل التفسير عن عمر جماعة من الصحابة والتابعين:
فمن الصحابة: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وابن عباس، وفضالة بن عبيد، والنعمان بن بشير، وطارق بن شهاب.
ومن كبار التابعين الذين أدركوه وسمعوا منه: قيس بن أبي حازم، وعلقمة بن وقاص الليثي، ومولاه أسلم العدوي، وعمرو بن ميمون الأودي، وشريح القاضي، وزر بن حبيش، وأبو ميسرة عمرو بن شراحيل الهمداني، ومعدان بن أبي طلحة اليعمري، وأبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، وحسان بن فائد العبسي، وجماعة كثيرون.
ومن الذين اختلف في سماعهم منه: سعيد بن المسيب، وعبيدة بن عمرو السلماني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
ومن الذين أرسلوا عنه: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعامر الشعبي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وزيد بن أسلم، والحسن البصري، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى بن عباس، وسعيد بن جبير؛ ومسلم بن يسار، فهؤلاء روايته عنه مرسلة.
مما روي عنه في التفسير:
أ: شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب أن عمر أتاه ثلاثة نفر من أهل نجران؛ فسألوه وعنده أصحابه، فقالوا: أرأيت قوله: {وجنة عرضها السموات والأرض} فأين النار؟ فأحجم الناس، فقال عمر: «أرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟» فقالوا: نزعت مثلها من التوراة). رواه ابن جرير.
ب: وقال سماك بن حرب: سمعت النعمان بن بشير , يقول سمعت عمر بن الخطاب , يقول في قوله تعالى: {وإذا النفوس زوجت} قال: «يقرن بين الرجل الصالح مع الصالح في الجنة، ويقرن بين الرجل السوء مع السوء في النار، فذلك تزويج الأنفس». رواه عبد الرزاق في التفسير، وسعيد بن منصور، والحاكم في المستدرك.
ج: وقال أبو إسحاق الهمداني عن حسان بن فائد العبسي، عن عمر بن الخطاب، قال: (الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان). رواه سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وعلّقه البخاري في صحيحه.
د: وقال عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحدثان، أن عمر بن الخطاب قال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} حتى بلغ {عليم حكيم} ثم قال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} ثم قال: هذه لهؤلاء، ثم قرأ: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} حتى بلغ {والذين جاءوا من بعدهم} ثم قال: « هذه استوعبت المسلمين عامة؛ فلئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو حِمْيَر نصيبه منها، لم يعرق منها جبينه». رواه عبد الرزاق.
المؤلفات في سيرته وفضائله
وفضائل عمر كثيرة، كتب فيها جماعة من أهل العلم، وأفردت فيها مؤلفات،
ومن أجود ما كتب في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفضائله:
1: دواوين السنة، والأحاديث والآثار المروية فيها عن عمر وسيرته ومناقبه كثيرة جداً، وقد جمعت منها ما تيسّر لي مما ليس فيه ضعف ولا نكارة.
2: فصل طويل في ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد.
3. فصل طويل في أخباره في تاريخ المدينة لعمر بن شبة النميري.
4: فصل طويل في فضائله وأخباره وزهده في كتاب الزهد لأبي داوود السجستاني.
5: كتاب فضائل عمر من كتاب الشريعة للآجري.
6: فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم، لأبي نعيم الأصبهاني.
7: فضائل عمر الفاروق، لأبي بكر البيهقي، ذكره في كتاب شعب الإيمان.
8: ترجمة مطولة له في تاريخ دمشق لأبي القاسم ابن عساكر
9: مناقب عمر بن الخطاب، لأبي الفرج ابن الجوزي.
10: فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، للحافظ عبد الغني المقدسي.
11: منهاج القاصدين في فضل الخلفاء الراشدين، لموفق الدين ابن قدامة المقدسي.
12: الرياض النضرة في مناقب العشرة، لمحبّ الدين الطبري.
13: فضل الخلفاء الراشدين، لشيخ الإسلام ابن تيمية.
14: فصل طويل في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتاب منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
15: ترجمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء كلاهما لأبي عبد الله الذهبي.
16: محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لجمال الدين ابن المبرد، وهو من أوسع الكتب في سيرته، وقد اشتمل على مئة باب.
17: الغرر في فضائل عمر، للحافظ جلال الدين السيوطي.
18: السيرة العمرية، للشيخ موسى بن راشد العازمي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
العناصر:
● اسمه ونسبه
● مولده ونشأته وإسلامه
● مصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم
● هجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة
● مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم
● علمه وفقهه
- خشيته وبكاؤه
- زهده وتواضعه
● صفاته وشمائله
- حياؤه
- فراسته
● فضائله ومناقبه
- بشارته بالجنة
- بشارته بالشهادة
- الثناء على جوده وإنفاقه في سبيل الله تعالى
- ما روي أنه نزل فيه من القرآن
● استفاضة ثناء الصحابة والأمة عليه
● خلافته
- خبر توليته الخلافة
- جمعه القرآن على رسم واحد
- عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي
- سعة الأرزاق وكثرة العطايا في عهده
- اتساع الفتوحات في عهده
- التعليم في عهده
- سقوط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يده
● فتنة مقتله
- وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان في الفتنة
- خبر مقتله
- ورع عثمان وكفّه عن القتال
● مواعظه ووصاياه
● بعض ما قيل فيه من الرثاء
● رواة القراءة والتفسير عن عثمان رضي الله عنه
● مما روي عنه في التفسير
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
اسمه ونسبه
هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي، يلتقي نسبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.
وله صلة قرابة أخرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من جهة أمّه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهي بنت أم حكيم واسمها البيضاء بنت عبد المطلب عَمّة النبي صلى الله عليه وسلم، والبيضاء هي توأم عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال أبو عيسى الترمذي: (له كنيتان، يقال: أبو عمرو، وأبو عبد الله).
وكذلك قال أبو إسحاق ابن خزيمة في كتاب التوحيد.
مولده ونشأته وإسلامه
وُلد عثمان بعد عام الفيل بستّ سنين، ونشأ بمكة، وكان من السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم.
- قال إبراهيم بن سعد الزهري عن محمد بن إسحاق قال: (أسلم أبو بكر بن أبي قحافة؛ فأظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً؛ فأسلم على يديه فيما بلغني عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم؛ فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا فأسلموا وصلوا). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن بطة في الإبانة، وروى نحوه زياد البكائي عن ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام، ويونس بن بكير عن ابن إسحاق كما في دلائل النبوة للبيهقي.
مصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم
تفرّد عثمان رضي الله عنه بفضيلة لم يُذكر أنّ أحداً من لدن آدم يشاركه فيها، وهي أنه تزوّج بنتي نبيّ، واحدة بعد الأخرى، ولذلك لُقّب بذي النورين، وكان لقبه هذا مأثوراً في كتب بني إسرائيل.
زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقيّة قبل الهجرة بعشر سنين؛ فمكثت عنده نحو ثنتي عشرة سنة، وماتت عقيب غزوة بدر، ثم زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الأخرى أمّ كلثوم، وبقيت عنده إلى أن توفيت سنة تسع للهجرة.
ولدت له رقية ابنه عبد الله قبل الهجرة بسنتين، ومات في السنة الرابعة من الهجرة، وله ست سنتين، ولم تلد له أم كلثوم.
- قال محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس السدوسي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما قال: وجدت في بعض الكتب يوم غزونا يوم اليرموك: (أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان ذو النورين أوتي كفلين من الرحمة لأنه قتل مظلوماً أصبتم اسمه). رواه نعيم بن حماد في الفتن، وابن أبي شيبة في مصنفه، وأحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي عاصم في السنة.
- قل شيبان بن فروخ الأبلّي: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن البصري، قال: «إنما سمي عثمان ذا النورين لأنه لا يعلم أحد أغلق بابه على ابنتي نبي لله صلى الله عليه وسلم غيره». رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة.
- قال أبو بكر الآجري: (إنما يسمى عثمان ذا النورين؛ لأنه لم يجمع بين ابنتي نبي في التزويج واحدة بعد الأخرى من لدن آدم عليه السلام إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فلذلك سمّي ذا النورين؛ فهذه أحد مناقبه الشريفة).
- وقال أبو حفص ابن شاهين: (تفرّد عثمان بن عفان بهذه الفضيلة، ولم يتزوج ابنتي نبي غيره؛ فلذلك سمي ذا النورين، ولم يشركه فيها أحد).
وأما ما رواه أبو مروان محمد بن عثمان بن خالد العثماني قال: حدثنا أبي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر ابنته الثانية التي كانت عند عثمان، فقال: «ألا أبا أيم! ألا أخا أيم يزوّجها عثمان فلو كنّ عشراً لزوجتهن عثمان، وما زوجته إلا بوحي من السماء». فقد أخرجه الطبراني في الكبير، وابن أبي عاصم في السنة، وفيه عثمان بن خالد متروك الحديث، وقد روي نحوه من طرق لا تخلو من مقال، وليس فيها ما يعتمد عليه.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
هجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة
لقي عثمان رضي الله عنه أذى من قومه في أوّل الإسلام؛ فصبر على ما أصابه في سبيل الله حتى أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة؛ فهاجر ومعه رقية في جماعة من المسلمين قبل جعفر وأصحابه.
ثمّ عاد إلى مكة، وهاجر إلى المدينة بأهله، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن ثابت النجاري أخو حسان وزيد، ووالد شداد بن أوس وقد استشهد بأحد.
وكان بيت عثمان في وِجَاه بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة، أن عبيد الله بن عدي بن الخيار، أخبره أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، قالا: ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه، فقصدت لعثمان حتى خرج إلى الصلاة، قلت: إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة لك، قال: (يا أيها المرء أعوذ بالله منك).
فانصرفت، فرجعت إليهم إذ جاء رسول عثمان فأتيته، فقال: ما نصيحتك؟
فقلت: إن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكنتَ ممن استجاب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فهاجرت الهجرتين، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت هديه، وقد أكثر الناس في شأن الوليد.
قال: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قلت: لا، ولكن خلص إليَّ من علمه ما يخلص إلى العذراء في سترها.
قال: (أما بعد، فإنَّ الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، فكنت ممن استجاب لله ولرسوله، وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين كما قلتَ، وصحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته، فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثله، ثم عمر مثله، ثم استُخلفت، أفليس لي من الحقّ مثل الذي لهم؟
قلت: بلى.
قال: (فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟
أما ما ذكرت من شأن الوليد، فسنأخذ فيه بالحقّ إن شاء الله، ثم دعا علياً، فأمره أن يجلده فجلده ثمانين). رواه أحمد والبخاري.
- وقال بشار بن موسى الخفاف: حدثنا الحسن بن زياد البرجمي إمام مسجد محمد بن واسع، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: خرج عثمان رضي الله عنه مهاجراً إلى أرض الحبشة ومعه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاحتبس على النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، وكان يخرج يتوكَّف عنهم الخبر؛ فجاءته امرأة فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صحبهما الله، إن عثمان أوّل من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط». رواه الطبراني في الكبير، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
لكن بشار بن موسى مختلف فيه؛ فكان الإمام أحمد يروي عنه ويثني عليه لقيامه بالسنة، وقال علي بن المديني: ما رأيت ببغداد أصلب بالسنة منه، وقال يحيى بن معين: من الدجالين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة.
والحسن بن زياد البرجمي مجهول الحال، فالحديث ضعيف الإسناد، قد روي نحوه من حديث زيد بن ثابت، وحديث ابن عباس، ومرسل محمد بن إبراهيم التيمي، لكنها روايات ضعيفة جداً لا تصلح للاعتبار.
مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم
تجهّز عثمان لشهود بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم خلَّفه على ابنته رُقيَّة لما اشتدّ بها مرضها، وضرب له بسهمه، وأخبره أنّ له أجر من شهدها.
وزوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم بأمّ كلثوم بعد رقية فسُمّي ذا النورين.
وشهد عامّة المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا غزوتين فيما ذكر أهل السير لم يشهدهما استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم فيهما على المدينة، وهما غزوة ذي أَمَرّ، وغزوة ذات الرقاع على خلاف فيها.
وكان هو سببَ بيعة الرضوان لما أشيع خبر مقتله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى أهل مكة لما حصروهم عن البيت؛ فبايع الصحابةُ وأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال: هذه عن عثمان، فبايع عنه، فكانت بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه منقبة من مناقبه.
- قال عثمان بن موهب عن ابن عمر أنه قال في عذر عثمان لما تغيّب عن بدر وعن بيعة الرضوان: (وأما تغيّبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة)، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا، وسهمه»
وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعزَّ ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: «هذه يد عثمان». فضرب بها على يده، فقال: «هذه لعثمان»رواه أحمد والبخاري والترمذي.
علمه وفقهه
كان عثمان رضي الله عنه من علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم وموسريهم، ومن دلائل سعة علمه أمور:
أولها: أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم وطالت صحبته له، وصاهره، وجاوره في منزله، وكان من خاصة أصحابه فاستفاد منه علماً غزيراً مباركاً، ثم صحب أبا بكر وعمر وكان من وزرائهما وأعوانهما وخاصتهما، حتى روي أنه هو الذي كتب عهد أبي بكر لعمر بالخلافة؛ فاستفاد من علومهما وهديهما.
وثانيها:أنه قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع القرآن في عهده، وشهد كثيراً من وقائع التنزيل، فكان من أعلم الناس بالقرآن.
وقد يُسّرت له تلاوة القرآن؛ فكان سريع القراءة، كثير التلاوة، طويل التهجد، حتى روي عنه أنه ربما قرأ القرآن كلّه في ليلة، وله في ذلك أخبار مأثورة.
وثالثها: أنه كان ممن يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، بل روي عنه أنه أوّل من خطّ المفصّل.
ورابعها: أنه كان يفصل بين اختلاف القراء في زمان خلافته لما جمع القرآن على رسم واحد، وما كان يتهيّأ له ذلك إلا بعلم وإتقان للقراءة، ومعرفة بما يلزم من علوم القرآن.
وخامسها: أنه كان ممن يُعلّم القرآن، وقد قرأ عليه جماعة من التابعين قبل أن يتولى الخلافة؛ فلما تولى الخلافة شغل بأمر المسلمين، وممن قرأ عليه: المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش، وأبو الأسود الدؤلي.
وكان مع كل ذلك يتوقّى الإكثار من رواية الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم من الوعيد الشديد لمن قال عليه ما لم يقل؛ فلذلك آثر السلامة.
- قال شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عباد بن زاهر أبا رُوَاع، قال: سمعت عثمان يخطب، فقال: (إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإن ناساً يعلموني به، عسى أن لا يكون أحدهم رآه قط). رواه أحمد في المسند.
- وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت عثمان بن عفان، يقول: ما يمنعني أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون أوعى أصحابه عنه، ولكني أشهد لَسَمِعْتُه يقول: « من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار». رواه أحمد في المسند، والبخاري في التاريخ الكبير، والبزار في مسنده.
- قال محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: لما قدم المصريون دخلوا على عثمان رضي الله عنه؛ فضرب ضربة على يده بالسيف، فقطر من دم يده على المصحف وهو بين يديه يقرأ فيه على {فسيكفيكهم الله}
قال: وشدَّ يده وقال: «إنها لأول يد خطَّت المفصل»). رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: (لما ضَرب الرَّجلُ يدَ عثمان قال: «إنها لأول يد خطت المفصل»). رواه الطبراني وابن أبي عاصم.
- وقال عبد الرحمن بن عثمان التيمي: « قمت خلف المقام وأنا أريد أن لا يغلبني عليه أحد تلك الليلة، فإذا رجلٌ يغمزني فلم ألتفت، ثم غمزني فنظرت، فإذا [هو أمير المؤمنين] عثمان بن عفان فتنحيت، فتقدَّم فقرأ القرآن في ركعة، ثم انصرف» رواه ابن سعد، وعبد الرزاق والشافعي والدارقطني وغيرهم من طرق متعددة عن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله، أسلم يوم الفتح وهو في عداد الصحابة رضي الله عنهم.
- وقال يوسف بن يعقوب الماجشون: سمعت ابن شهاب يقول: (لو هلك عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض إلى يوم القيامة، ولقد جاء على الناس زمان وما يعلمها غيرهما). رواه أحمد في فضائل الصحابة، والدارمي في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال معاذ بن معاذ العنبري، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: (كانوا يرون أن أعلم الناس بالمناسك عثمان بن عفان، وبعده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما). رواه ابن أبي شيبة، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
ورواه ابن سعد من طريق سليم بن أخضر البصري عن ابن عون به.
خشيته وبكاؤه
- قال القاضي هشام بن يوسف الصنعاني: حدثني عبد الله بن بحير القاصّ، عن هانئ مولى عثمان، قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى، حتى يبلّ لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (( القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه، فما بعده أشد منه)).
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما رأيتُ منظراً قطّ إلا والقبر أفظع منه)). رواه البخاري في التاريخ الكبير، وعبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه، وابن ماجه، والحاكم في المستدرك.
زهده وتواضعه
- قال أبو جعفر الرازي، عن يونس بن عبيد، عن الحسن البصري، قال: «رأيت عثمان قائلاً في المسجد في ملحفة، ليس حوله أحد، وهو أمير المؤمنين». رواه أحمد في فضائل الصحابة، وأبو نعيم في الحلية.
- وقال ثابت بن يزيد الأحول، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي أنَّ عبداً للمغيرة بن شعبة تزوج، فدعا نفراً وعثمان بن عفان، فلما جاء وسّع له وقيل: أمير المؤمنين، فأخذ بسجفي الباب وقال: «إني صائم، ولكني أحببت أن أجيب الدعوة، وأدعو بالبركة». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
صفاته وشمائله
- قال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أم موسى جارية عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قالت: (كان عثمان من أجمل الناس). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه.
- وقال المسيب بن رافع الأسدي، عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، عن حمران قال: (كان عثمان بن عفان يغتسل كل يوم مرة منذ أسلم).رواه أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة.
- وقال حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن موسى بن طلحة «أن عثمان كان يغتسل في كل يوم مرة». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال ابن أبي ذئب، عن عبد الرحمن بن سعد مولى الأسود بن سفيان، قال: «رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يبني الزوراء، على بغلة شهباء مصفراً لحيته». رواه ابن سعد، وأبي شيبة، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وأبو حفص الفلاس في تاريخه، رووه من طرق عن ابن أبي ذئب به.
- وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن أبي عبد الله مولى شداد بن الهاد قال: « رأيت عثمان بن عفان على المنبر يوم الجمعة وعليه إزار عدني غليظ قيمته أربعة دراهم أو خمسة دراهم، وريطة كوفية ممشقة ضرب اللحم طويل اللحية حسن الوجه». رواه عبد الله بن المبارك في الزهد عن ابن لهيعة، والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة به، والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية من طريق أسد بن موسى عن ابن لهيعة به.
- وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله الأموي، قال: حدثتني جدتي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه «كان لا يوقظ أحدا من أهله في الليل إلا أن يجده يقظان، فيدعوه فيناوله قلة وضوئه، وكان يصوم الدهر». رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
وجدة الزبير يقال لها: رهيمة، وكانت خادمة لعثمان بن عفان.
حياؤه
- قال محمد بن أبي حرملة، عن عطاء وسليمان ابني يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي، كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدَّث، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدَّث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوى ثيابه؛ فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»رواه مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد.
- وقال الليث بن سعد: حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب الزهري، عن يحيى بن سعيد بن العاص، أن سعيد بن العاص، أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه، لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته، ثم انصرف.
قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة: «اجمعي عليك ثيابك» فقضيت إليه حاجتي، ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، كما فزعت لعثمان؟!!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنَّ عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته». رواه أحمد في المسند، ومسلم في الصحيح، وزاد أحمد: (قال الليث: وقال جماعة الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: (( ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة )).
- وقال خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أرحم أمَّتي بأمَّتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وزاد "وأقضاهم عليّ بن أبي طالب"، ومن أهل العلم من أعلّه بالرواية المرسلة.
فراسته
- قال ابن القيم في الطرق الحكمية: (ودخل رجل على عثمان رضي الله عنه؛ فقال له عثمان: (يدخل علي أحدكم والزنا في عينيه!
فقال: أوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: (لا؛ ولكن فراسة صادقة)
ومن هذه الفراسة: أنه رضي الله عنه لما تفرس أنه مقتول ولا بد أمسك عن القتال، والدفع عن نفسه، لئلا يجري بين المسلمين قتال، وآخر الأمر يقتل هو، فأحب أن يقتل من غير قتال يقع بين المسلمين).
فضائله ومناقبه
روي في فضل عثمان أحاديث وآثار كثيرة فرّقتُ أكثرها في سيرته، وتقدم ذكر بعضها في سيرة أبي بكر وعمر، ويتلخص منها:
1: بشارته بالجنة
وقد روي في ذلك أحاديث:
- قال صدقة بن المثنى: سمعت جدي رباح بن الحارث، عن سعيد بن زيد بن نفيل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عثمان في الجنة». رواه أحمد، وابن أبي شيبة، والنسائي في الكبرى، وهو جزء من حديث العشرة المبشرين بالجنة، وله طرق عن سعيد بن زيد، وعن غيره.
- وقال أبو عثمان النهدي، عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه»، فإذا عثمان بن عفان). رواه أحمد والبخاري ومسلم من طرق عن أبي عثمان، ورواه البخاري في صحيحه من طريق سعيد بن المسيب عن أبي موسى مطولاً.
2: بشارته بالشهادة
- قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه، حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحُداً، وأبو بكر، وعمر، وعثمان فرجف بهم، فقال: «اثبت أحد فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان» رواه أحمد والبخاري وأبو داوود والترمذي والنسائي في الكبرى.
- وقال الحسين بن واقد المروزي: حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً على حراء ومعه أبو بكر وعمر وعثمان؛ فتحرك الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثبت حراء؛ فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)). رواه أحمد "
3: الثناء على جوده وإنفاقه في سبيل الله تعالى
وقد كان رضي الله عنه جزل الإنفاق في سبيل الله، له في ذلك مواقف محمودة مشكورة أثنى فيها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمنها ما بشّر بها بالجنة، ومنها ما بشّر بها برفع المؤاخذة عنه في جميع أعماله، ومن أشهر تلك النفقات:
أ-أنه جهز جيش العُسرة من ماله.
ب- أنه اشترى مربداً مجاوراً لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وضمّه إلى المسجد ووسّعه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة.
ج- أنه اشترى بئر رومة، وكان ليهودي في المدينة يبيع ماءه، وليس في المدينة ماء يُستعذب غيره، فشقّ ذلك على المسلمين، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن يشتريه ويجعل دلوه مع دلاء المسلمين، فاشتراه عثمان وجعله سقاية للمسلمين.
- قال عبد الله بن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العُسْرَة فنثرها في حجره.
قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلّبها في حجره ويقول: (( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم )) مرتين. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، أن عثمان رضي الله عنه حين حوصر أشرف عليهم، وقال: أنشدكم الله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من حفر رومة فله الجنة»؟ فحفرتها، ألستم تعلمون أنه قال: «من جهز جيش العسرة فله الجنة؟» فجهَّزتُهم
قال: (فصدقوه بما قال). رواه البخاري في صحيحه مختصراً، وله روايات وطرق أخرى مفصلة.
- وقال يحيى بن أبي الحجاج المنقري، عن سعيد الجريري، عن ثمامة بن حزن القشيري قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان، فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة؟ فقال: (( من يشتري بئر رومة؛ فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟)) فاشتريتها من صلب مالي فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين، وأنتم اليوم تمنعوني من الشرب منها حتى أشرب من ماء البحر، قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله والإسلام، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟
قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتريتها من صلب مالي فزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين!!
قالوا: (اللهم نعم). رواه الترمذي والنسائي، وله طرق أخرى.
4: ما روي أنه نزل فيه من القرآن
وهو على صنفين؛ صنف يصح أن يُحمل على أنه من أسباب النزول أو أحواله، وصنف من باب التفسير، وتنبيه بعض الصحابة على أنّ عثمان رضي الله عنه ممن يشمله ما ذكر في الآية، لا أنه سبب نزولها.
- قال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم بن عكرمة بن يعلى بن أمية، عن ابن عباس في قوله تعالى: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا} قال: (نزلت في رجل من قريش وعبده، وفي قوله: {مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء} إلى قوله: {وهو على صراط مستقيم}قال: «هو عثمان بن عفان».
قال: «والأبكم الذي أينما يوجه لا يأت بخير، ذاك مولى عثمان بن عفان، كان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المئونة، وكان الآخر يكره الإسلام ويأباه، وينهاه عن الصدقة والمعروف، فنزلت فيهما». رواه ابن جرير.
ورواه ابن سعد، وابن أبي شيبة، والبخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة مختصراً.
- وقال عبد الله بن عيسى الخزاز: حدثنا يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر قرأ: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} قال ابن عمر: (ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه). رواه ابن أبي حاتم.
قال ابن أبي حاتم: (وإنما قال ابن عمر ذلك، لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته حتى إنه ربما قرأ القرآن في ركعة).
- وقال شعبة: حدثني أبو بشر، عن يوسف بن سعد المكي، عن محمد بن حاطب قال: سمعت علياً يخطب يقول: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} منهم عثمان). رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن جرير في تفسيره والطحاوي في شرح مشكل الآثار.
ورواه ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم لكن وقع عندهم يوسف بن ماهك بدل يوسف بن سعد.
- وقال شعبة، عن أبي عون قال: سمعت محمد بن حاطب قال: (سألت علياً عن عثمان، فقال: «هو من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم آمنوا ثم اتقوا» ولم يختم الآية). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
استفاضة ثناء الصحابة والأمة عليه
استفاض ثناء الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن تبعهم على عثمان رضي الله عنه، ولم يطعن فيه إلا أصحاب الأهواء الذين آل بهم الأمر إلى فتن عظيمة، ومحن جسيمة.
- قال عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا نفاضل بينهم»رواه البخاري وأبو داوود.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم»رواه البخاري.
- وقال عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: (لَعُثمان كان أتقاهم للرب عز وجل، وأحصنهم للفرج، وأوصلهم للرحم). رواه أحمد في فضائل الصحابة وعبد الرزاق في فضائل الصحابة، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، ورُوي نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
- وقال أحمد بن سنان الواسطي: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: (كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: صبره على نفسه حتى قتل مظلوماً، وجمعه الناس على المصحف). رواه أبو نعيم في الحلية.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
خلافته
تولّى عثمانُ الخلافة بعد عمر في آخر ليلة من سنة 23هـ، وكان الصحابة يرون أنهم ولَّوا أفضل من بقي منهم، وبقي في الخلافة ثنتي عشرة سنة، وقتل مظلوماً يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 36هـ.
- قال ابن أبي أويس عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب: (ولي ثنتي عشرة سنة حجها كلها إلا سنتين). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: (بويع له بالخلافة يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وقتل رحمه الله يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر، وكان يومئذ صائما، ودفن يوم السبت بين المغرب والعشاء في حش كوكب بالبقيع، وقتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة). رواه ابن أبي خيثمة.
خبر توليته الخلافة
- قال أبو عوانة اليشكري، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون الأودي في خبر مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فذكره بطوله ثم قال: فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف.
قال: (ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، أو الرهط، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمّى علياً، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعداً، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء - كهيئة التعزية له - فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز، ولا خيانة).
قال: فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر، فنجعله إليه والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليَّ، والله علي أن لا آلِ عن أفضلكم؟
قالا: نعم.
فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن، ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه، فبايع له علي، وولج أهل الدار فبايعوه). رواه البخاري.
- وقال وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر بن الخطاب لما حُضر قال: (ادعوا لي علياً، وطلحة، والزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً).
قال: فلم يكلم أحداً منهم إلا علياً وعثمان؛ فقال: (يا علي! لعلَّ هؤلاء القوم يعرفون قرابتك وما آتاك الله من العلم والفقه، واتق الله، وإن وليت هذا الأمر؛ فلا ترفعنَّ بني فلان على رقاب الناس).
وقال لعثمان: (يا عثمان! إنَّ هؤلاء القوم لعلهم يعرفون لك صهرك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنَّك وشرفك؛ فإن أنت وليت هذا الأمر فاتق الله، ولا ترفع بني فلان على رقاب الناس).
فقال: (ادعوا لي صهيباً).
فقال: (صلّ بالناس ثلاثاً، وليجتمع هؤلاء الرهط فليخلوا؛ فإن أجمعوا على رجل فاضربوا رأس من خالفهم). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الليث بن سعد، عن عبيد الله بن عمر، أن ابن شهاب حدَّثه عن المسور بن مخرمة قال: لما كانت الليلة التي في صبيحتها يفرغ النفر الذين استخلفهم عمر بن الخطاب عليه السلام من الخلافة صليت العشاء، ثم انصرفت إلى ستر لي فنمت عليه، فأيقظني من النوم صوت خالي عبد الرحمن بن عوف رحمة الله عليه: أيا مسور قال: فخرجت مشتملا بثوبي فقال: أنمت؟ قلت: نعم , قد نمت , قال: خذ عليك ثوبك ثم الحقني إلى المسجد ففعلت قال: " اذهب فادع لي الزبير وسعدا أو أحدهما قال: فانطلقت فدعوته فلما انتهيت به إليه قال: استأخر عنا قدر ما لا تسمع كلامنا قال: ففعلت شيئا يسيرا , ثم قال: ادع الآخر فلما انتهيت به إليه قال: استأخر عنا قدر ما لا تسمع كلامنا.
قال: فتناجيا شيئاً يسيراً، ثم نادى: يا مسور اذهب فادع لي علياً؛ فذلك حين ذهبت فحمة العشاء.
قال: فجئت بعلي.
قال: استأخر عنا قدر ما لا تسمع كلامنا.
قال: فلم يزالا يتكلمان من العشاء حتى كان السحر إلا أني أسمع من نجيهما ما أظني أنهما قد اقتتلا؛ فلما كان السحر ناداني وعلي عنده؛ فقال: اذهب فادع لي عثمان.
قال: ففعلت فتناجيا وأذّن المؤذن بالصبح.
قال: فتفرقوا للوضوء، وقد علم الناس أنها صبيحة الخلافة؛ فاجتمعوا للصبح كما يجتمعون للجمعة فأمر عبد الرحمن النفر أن يجلسوا بين يدي المنبر؛ فلما أبصر الناس بعضهم بعضاً وطلعت الشمس قام عبد الرحمن إلى جنب المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (يا أيها الناس قد علمتم الذي كان من وفاة أمير المؤمنين واستخلافه إيانا أيها النفر، ورضي أصحابي أن ألي ذلك لهم؛ فأختار رجلاً منهم، وهؤلاء بين أيديكم).
ثم استقبلهم رجلاً رجلاً، ثم قال: (أي فلان عليك عهد الله وميثاقه لتسمعن ولتطيعن لمن وليت ولترضين ولتسلمن).
فيقول: نعم، رافعاً صوته، يسمع الناس، حتى فرغ منهم رجلاً رجلاً، من عثمان، وعلي، والزبير، وسعد.
قال: أما طلحة فأنا حميلٌ برضاه.
ثم قال: (إني لم أزل دائباً منذ ثلاث أسألكم عن هؤلاء النفر، ثم سألتهم عن أنفسهم؛ فوجدتكم أيها الناس وإيّاهم اجتمعتم على عثمان، قم يا عثمان).
فلم يقل رجلٌ من المهاجرين والأنصار ولا وفود العرب ولا صالحي التابعين إنك لم تستشرنا ولم تستأمرنا؛ فرضوا وسلموا؛ فلبثوا ستَّ سنين لا يعيبون شيئاً.
قال: كان طائفة منهم يفضّلونه على عمر، يقول: (العدل مثل عمر، واللين ألين من عمر). رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده.
- وقال حماد بن سلمة: حدثنا عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل أن عبد الله بن مسعود سار من المدينة إلى الكوفة ثمانياً حين استخلف عثمان بن عفان، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد، فإنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مات، فلم ير يومٌ أكثرَ نشيجاً من يومئذ، وإنا اجتمعنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلم نألُ عن خيرنا ذا فُوق؛ فبايعنا أمير المؤمنين عثمان، فبايعوه). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- - قال الأصمعي: (قوله: "ذا فوق" يعني السهم الذي له فُوق، وهو موضع الوتر، وإنما نراه قال: "خيرنا ذا فوق" ولم يقل: "خيرنا سهما" لأنه قد يقال له: سهم، وإن لم يكن أُصلح فُوقُه، ولا أُحكم عملُه؛ فهو سهم وليس بتامّ كامل؛ حتى إذا أُصلح عمله، واستحكم؛ فهو حينئذ سهمٌ ذو فُوق؛ فجعله عبد الله مثلاً لعثمان رضي الله عنه يقول: إنه خيرنا سهماً تاماً في الإسلام والسابقة والفضل فلهذا خصّ ذا الفُوق). رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث.
- وقال عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال: خطبنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين استخلف عثمان فقال:(أمَّرْنا خير من بقي، ولم نَأْلُ).رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وغيرهم، وله طرق أخرى.
جمعه القرآن على رسم واحد
من أجلّ أعمال عثمان وأعظمها بركة على أمة الإسلام جمعه الناسَ على مصحف إمام، وكان ذلك في عام 25ه، ثم استننسخ من المصحف الإمام مصاحف بعث بها إلى الأمصار ليقوّموا مصاحفهم عليها فاشتهرت المصاحف العثمانية، وألغي ما سواها.
وكانت الفتوحات قد اتّسعت في عهده واختلف الناس في القراءات، ونُقل عن بعض الناس التكذيب ببعض القراءات والتنازع الشديد فيها؛ فاجتمع رأيه ورأي علماء الصحابة رضي الله عنه على جمع الناس على مصحف واحد؛ نصحاً للأمّة ودرءا للاختلاف والتنازع في كتاب الله تعالى، فأمر بالمصحف الذي جمعه أبو بكر فأُحضر، وكان عند حفصة بنت عمر بعد موت أبيها، فأمر زيد بن ثابت ومعه رهط من القرشيين بكتابة المصاحف فكتبوها، وبعث لكل مصر من الأمصار مصحفاً، وأبقى مصحفاً عنده، وردّ إلى حفصة المصحف الذي كان قد جمعه أبو بكر.
وكان جمع القرآن عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم لما رأوه من الاختلاف فجمعوا الناس على مصحف واحد، وما كان من خلاف ابن مسعود في أوّل الأمر فإنّه رجع عنه.
عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي
- قال أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي: أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، قال: كان المسجد الحرام ليس عليه جدرات محاطة، إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب، غير أن بين الدور أبوابا يدخل منها الناس من كل نواحيه؛ فضاق على الناس، فاشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دوراً فهدمها، وهدم على من قرب من المسجد، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن، وتمنَّع من البيع، فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جداراً قصيراً، وقال لهم عمر: (إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم).
ثم كثر الناس في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فوسَّع المسجد، واشترى من قوم، وأبى آخرون أن يبيعوا، فهدم عليهم فصيَّحوا به فدعاهم، فقال: « إنما جرأكم عليَّ حلمي عنكم، فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد؛ فاحتذيت على مثاله فصيَّحتم بي» ، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلَّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فتركهم). رواه أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة.
- وقال صالح بن كيسان: حدثنا نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللَّبِن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل؛ فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج). رواه أحمد، والبخاري، وأبو داوود.
- - قال أبو داوود: (القصة: الجص).
- وقال ابن وهب: أخبرني عمرو [بن الحارث] أن بكيراً حدّثه أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه أنه سمع عبيد الله الخولاني، أنه سمع عثمان بن عفان يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( من بنى مسجداً - قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله - بنى الله له مثله في الجنة)). رواه البخاري ومسلم.
سعة الأرزاق وكثرة العطايا في عهده
- قال خلف بن الوليد الجوهري: حدثنا مبارك بن فضالة، قال: سمعت الحسن [البصري] يقول: (أدركتُ عثمان وأنا يومئذ قد راهقت الحلم فسمعته يخطب، وما من يوم إلا وهم يقسمون فيه خيراً، يقال: يا معشر المسلمين اغدوا على أرزاقكم، فيغدون ويأخذونها وافرة: يا معشر المسلمين اغدوا على كسوتكم، فيجاء بالحلل فتقسم بينهم، قال الحسن: حتى والله سمع أوس يقال: اغدوا السمن والعسل، قال الحسن: والعدو ينفر، والعطيات دارة، وذات البين حسن، والخير كثير، ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمناً). رواه عمر بن شبّة.
- وقال عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: «أدركت زمن عثمان رضي الله عنه وما من نفس مسلمة إلا ولها في مال الله حق». رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة.
اتساع الفتوحات في عهده
اتّسعت مساحة بلاد الإسلام في عهد عثمان بن عفان اتّساعاً كبيراً:
ففي الشرق: فتحت الرَّي التي تسمّى طهران اليوم، وهمذان، وسابور، وأرجان، وداربجرد، وأذربيجان، وأصبهان، وإصطخر، وأرمينية، وجرجان، وسجستان، وسرخس، وطالقان، وفارياب، وجوزجان، وطبرستان، واستكملت فتوح بلاد خراسان والسند حتى بلغ المسلمون حدود الصين، وقتل يزدجرد ملك الفرس في عهد عثمان.
وبعض تلك الأقاليم كان أول فتحها في عهد عمر ثم استكمل فتحها في عهد عثمان، وبعضها انتقض أهلها ففتحت مرة أخرى في عهد عثمان.
وفي الشمال: استكملت الفتوح حتى حدود الترك، وقتل في الترك مقتلة عظيمة.
وفي الغرب: غزوا البحر في أول خلافة عثمان وفتحت قبرص، وفتحت بلاد النوبة، والحبشة، وأفريقيا الوسطى، ثم توسعوا حتى بلغوا أقصى أفريقيا ولله الحمد والمنة.
- قال هشام [بن عمار]: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثني مرزوق بن أبي الهذيل قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة أنه حدثه قال: (استُخلف عثمان بن عفان ففتح الله عليه إفريقية وخراسان؛ فعزل عمير بن سعد عن حمص، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمّر عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح - أحد بني عامر بن لؤي). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا ابن شهاب، أن أنس بن مالك حدثه أنَّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشأم في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق).رواه البخاري في صحيحه.
التعليم في عهده
كان تعليم القرآن وإقراؤه وتدارسه في عهد عثمان على الطريقة المعهودة من قبله؛ فقد تابع بعث المعلمين إلى الأمصار، وزاد ببعث المصاحف إلى الأمصار ليجتمع الناس على رسم واحد.
سقوط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من يده
- قال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس رضي الله عنه قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر؛ فلما كان عثمان جلس على بئر أريس.
قال: (فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط).
قال: (فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان؛ فنزح البئر فلم يجده). رواه البخاري.
- وقال عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من وَرِق؛ فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس، نقشه محمد رسول الله». رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب، وجعل فصه مما يلي بطن كفه، ونقش فيه محمد رسول الله، فاتخذ الناس خواتم الذهب، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: «لا ألبسه أبداً» ثم اتخذ خاتما من فضة، نقش فيه: "محمد رسول الله"، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر، ثم لبسه بعد أبي بكر عمر، ثم لبسه بعده عثمان، حتى وقع في بئر أريس). رواه البخاري وأبو داوود، واللفظ له.
- وقال المغيرة بن زياد الموصلي: حدثنا نافع، عن ابن عمر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً من ذهب ثلاثة أيام، فلما رآه أصحابه فشت عليهم خواتيم الذهب، فرمى به، فلا يدرى ما فعل، ثم أمر بخاتم من فضة، فأمر أن ينقش فيه: "محمد رسول الله" فكان في يد النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، وفي يد أبي بكر حتى مات، وفي يد عمر حتى مات، وفي يد عثمان ست سنين من عمله، فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار؛ فكان يختم به، فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان، فسقط، فالتمس فلم يوجد، فأمر بخاتم مثله، ونقش فيه محمد رسول الله». رواه النسائي.
- قال أبو داود: «ولم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده».
- وقال ابن حجر العسقلاني: (قال بعض العلماء: كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم من السرّ شيءٌ مما كان في خاتم سليمان عليه السلام؛ لأنَّ سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر، وخرج عليه الخارجون، وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله، واتصلت إلى آخر الزمان).
- وقال الليث بن سعد، عن عبيد الله بن عمر، أن ابن شهاب حدَّثه عن المسور بن مخرمة في خبر تولية عثمان الخلافة، قال: (فلبثوا ستَّ سنين لا يعيبون شيئاً).
قال: كان طائفة منهم يفضّلونه على عمر، يقول: (العدل مثل عمر، واللين ألين من عمر). رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
فتنة مقتله
وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان في الفتنة
عهد النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان عهداً أبلغه فيه بما سيصيبه من البلوى والقتل، وأوصاه بوصايا تمسّك بها عثمان حتى قتل شهيداً مظلوماً رضي الله عنه.
- قال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن قيس بن أبي حازم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: (( وددت أن عندي بعض أصحابي ))
قلنا: يا رسول الله ألا ندعو لك أبا بكر فسكت، قلنا: يا رسول الله ألا ندعو لك عمر فسكت، قلنا: يا رسول الله ألا ندعو لك عليا فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عثمان
قال: بلى.
فأرسلنا إلى عثمان فجاء فخلا به، فجعل يكلمه، ووجه عثمان يتغير.
قال قيس: فحدثني أبو سهلة – مولى عثمان - أن عثمان قال يوم الدار: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ عهداً، وأنا صابر عليه ).
قال قيس: (كانوا يرون أنه ذلك اليوم). رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وابن حبان.
- وقال الوليد بن سليمان بن أبي السائب: حدثني ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر [اليحصبي]، عن النعمان بن بشير، عن عائشة قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت إحدانا على الأخرى؛ فكان من آخر كلام كلمه أن ضرب منكبه، وقال: (( يا عثمان! إن الله عزَّ وجل عسى أن يلبسك قميصاً؛ فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني، يا عثمان! إن الله عسى أن يلبسك قميصاً؛ فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني)).
فقلت لها: يا أم المؤمنين! فأين كان هذا عنك؟
قالت: نسيته، والله فما ذكرته.
قال: (فأخبرته معاوية بن أبي سفيان؛ فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أمّ المؤمنين أن اكتبي إليَّ به، فكتبت إليه به كتاباً). رواه أحمد في مسنده.
- وقال هشام بن حسان القردوسي، عن محمد بن سيرين، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر فتنة فقرَّبها، ثم مرَّ رجل مقنَّع، فقال: «هذا يومئذٍ على الهدى»
قال: فاتَّبعْتُه حتى أخذت بضَبعيه؛ فحوَّلتُ وجهَه إليه، وكشفتُ عن رأسِه؛ فقلت: هذا يا رسول الله؟
قال: «نعم، هذا» فإذا هو (عثمان بن عفان رضي الله عنه). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي شيبة، وابن ماجه، والترمذي، وروي نحو هذا الخبر عن مرة بن كعب البهزي وعبد الله بن حوالة رضي الله عنهما.
- وقال سنان بن هارون البرجمي، عن كليب بن وائل، عن ابن عمر، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمرَّ رجل، فقال: «يقتل هذا المقنع يومئذ مظلوماً» قال: فنظرت فإذا هو (عثمان بن عفان رضي الله عنه). رواه أحمد، والترمذي، وصححه ابن حجر.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: كنت مع عثمان في الدار وهو محصور، وكنَّا ندخل مدخلاً إذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط، قال: فدخل عثمان يوما لحاجة، فخرج إلينا منتقعاً لونه، فقال: (إنهم ليتوعدوني بالقتل آنفا).
قلنا: يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين.
فقال: وبم يقتلوني؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إنه لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زني بعد إحصانه، أو قتل نفسا بغير نفس ))
(فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا تمنيت بدلاً بديني منذ هداني الله عز وجل، ولا قتلت نفسا؛ فبم يقتلوني؟!). رواه أحمد وابن سعد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وله طرق أخرى.
خبر مقتله
أصابته البلوى التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فصبر صبراً عجيباً، وكفَّ الناسَ عن القتال، وأمر كلَّ من أراد أن ينصره أن يكفّ سلاحه ويده لئلا يراق بسببه دم امرئ مسلم، وناظر البغاة، ثمّ حاصروه في بيته، ثمّ قَتلوه مظلوماً وهو صائم، يوم الجمعة لثمان عشرة من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة.
وكان - وهو محصور - قد استخلف ابن عباس على الحجّ أميراً ؛ فخطب فيهم في عرفة وفسّر لهم القرآن تفسيراً حسناً كان غاية في الحسن والتشويق، ولما انصرف إلى المدينة بلغه خبر مقتل عثمان وهو في الطريق.
- وقال أبو جعفر الرازي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن عثمان أصبح يحدث الناس قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: يا عثمان أفطر عندنا) فأصبح وقتل من يومه. رواه ابن أبي شيبة، والحاكم، وصححه، وروي خبر هذه الرؤيا من طرق متعددة عن عثمان رضي الله عنه.
ورع عثمان وكفّه عن القتال
- قال جرير بن حازم: سمعت يعلى بن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: " استشارني عثمان رضي الله عنه وهو محصور فقال: ما ترى فيما يقول المغيرة بن الأخنس؟ قلت: ما يقول؟
قال: يقول: إن هؤلاء القوم إنما يريدون أن تخلع هذا الأمر وتخلي بينهم وبينه.
فقلت: إن أنت فعلت، أمخلف أنت في الدنيا؟
قال: لا.
قلت: أفرأيتَ إن لم تفعل، هل يزيدوا على أن يقتلوك؟
قال: لا.
قلت: فيملكون الجنة والنار؟
قال: لا.
قلت: (فإنّي لا أرى أن تسنَّ هذه السنة في الإسلام، كلما أسخطوا أميراً خلعوه، ولا أن تخلع قميصاً ألبسكه الله عز وجل). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال أبو أسامة الكوفي: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت أبا ليلى الكندي قال: رأيت عثمان رضي الله عنه أشرف على الناس وهو محصور فقال: (يا أيها الناس لا تقتلوني واستعتبوني، فوالله لئن قتلتموني لا تصلون جميعاً أبداً، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا - وشبك بين أصابعه - {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد}).
قال: وأرسل إلى عبد الله بن سلام رضي الله عنه فسأله فقال: (الكفَّ الكفَّ، فهو أبلغ لك في الحجة).
قال: (فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة، وأبو بشر الدولابي في الكنى، وابن الأعرابي في معجمه.
- وقال الأعمش: حدثنا أبو صالح قال: قال عبد الله بن سلام لما حصر عثمان في الدار قال: «لا تقتلوه؛ فإنه لم يبق من أجله إلا قليل؛ والله لئن قتلتموه لا تصلون جميعاً أبداً». رواه ابن أبي شيبة، وأحمد في فضائل الصحابة.
- وقال عبد الله بن إدريس: أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين قال: جاء زيد بن ثابت إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب يقولون: إن شئت كنا أنصارا لله مرتين، قال: فقال عثمان: «أما القتال فلا». رواه ابن سعد.
- وقال هشام بن عروة: حدثني أبي، عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان يوم الدار: قاتلهم، فوالله لقد أحلَّ لك قتالهم؛ فقال له: (والله لا أقاتلهم أبداً).
قال: (فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم).رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر قال: سمعت عثمان يقول: «إن أعظمكم عندي غنى من كف سلاحه ويده». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال روح بن عبادة: حدثنا ابن عون، عن نافع أنَّ ابن عمر لبس يومئذ الدرع مرتين، يعني يوم الدار. رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: «هاتان رجلاي فإن وجدتم في كتاب الله أن تضعوهما في القيد فضعوهما». رواه أحمد في فضائل الصحابة، وأبو نعيم الأصبهاني في الإمامة.
مواعظه ووصاياه
- قال سفيان بن عيينة: حدثنا إسرائيل بن موسى قال: سمعت الحسن [البصري] يقول: قال عثمان رضي الله عنه: (لو أنَّ قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر في المصحف). رواه البيهقي في الاعتقاد، وابن عساكر في تاريخه.
- وقال معتمر بن سليمان: سمعت إسماعيل [بن أبي خالد] قال: سمعت نافع بن يحيى، قال: سمعت عثمان بن عفان، يقول: (من عمل عملاً كساه الله رداءه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر). رواه أبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه أحمد في فضائل الصحابة بنحوه من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عثمان.
- وقال مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول في خطبته: (لا تكلّفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب؛ فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها، ولا تكلفوا الصغير الكسب؛ فإنه إن لم يجد يسرق، وعفّوا إذ أعفكم الله عز وجل، وعليكم من المطاعم ما طاب منها). رواه مالك في الموطأ، والشافعي كما في الأم، وأبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال معمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه، قال: سمعت عثمان يقول: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: أنا أدعوك للشهادة فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي أو تشرب من هذه الخمر كأسا أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقيني من هذا الخمر كأساً، فسقته كأسا، فقال: زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا أوشك أن يخرج أحدهما صاحبه). رواه النسائي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
بعض ما قيل فيه من الرثاء
رثاه جماعة منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك رضي الله عنهما
- فقال حسان فيما قال:
ضحوا بأشمط عنوان السجود بــــه ... يقطّع الليل تسبيحـــــــاً وقرآنــــــــــ ــــــــــــــا
صبرا فدى لكم أمي ومــــا ولدت ... قد ينفع الصبر في المكروه أحيانــــــــــ ا
ليسمعن وشيكـــــــــــ ــا في ديـــــــــــار هم ... الله أكبر يا ثـــــــــــــا رات عثمانــــــــــ ــــــــــــا
- وقال كعب بن مالك:
فكــــــف يديــــــــــــ ــــــــــــه ثم أغلق بابــــــــــــ ــه ... وأيقـــــــــــ ــــــــــن أن الله ليس بغافـــــــــــ ــــــــل
وقــال لأهــــــــــــ ــــــل الدار لا تقتلوهـــــــــ ـم ... عفـــــــــــــ ـــــا الله عن كل امرئ لم يقاتـــــــل
فكيف رأيت الله صب عليهم الـــــــــــــ ــ ... عداوة والبغضـــــــــ ـــــــاء بعد التواصـــــــــ ـل
وكيف رأيت الخيـــــــــــ ر أدبــــــــــــ ــر بعــــــــــده ... عن الناس إدبار النعــــام الجوافـــــــــ ــــل
رواة القراءة والتفسير عن عثمان رضي الله عنه
قرأ عليه: أبو الأسود الدؤلي، وزر بن حبيش، وأبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب المخزومي، ويقال: قرأ عليه ابن عامر، ولا يصح.
وروى عنه في التفسير جماعة منهم: ابن عمر، وابن عباس، ومحمود بن لبيد، وسعيد بن العاص، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعبد الرحمن بن حاطب، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو عيسى يحيى بن رافع الثقفي، وكنانة بن نعيم العدوي، ومولاه حمران بن أبان الفارسي.
وأرسل عنه: الحسن البصري، ومجاهد، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وطاووس بن كيسان، وعبد الله بن موهب.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ) رضي الله عنه
العناصر:
● اسمه ونسبه
● مولده ونشأته
● إسلامه
● هجرته
● زواجه بفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم
● جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
● انتداب النبي صلى الله عليه وسلم له في المهمات
● فضائله ومناقبه
● أحاديث في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
● علمه وفقهه
... - علمه بالقرآن ونزوله وتفسيره
... - علمه بالقضاء
... - علمه بالفرائض
... - فراسته
... - فصاحته ومنطقه
● زهده وورعه
● صفاته وشمائله
● خلافته
● ظهور الخوارج في عهده
● مقتله
● سنّه عند وفاته
● مواعظه ووصاياه
● رواة التفسير عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
● مما روي عنه في التفسير
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
اسمه ونسبه
هو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب القرشي، ابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلّم وصهره، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة.
- قال عبد الله بن الإمام أحمد: قال أبي رحمه الله: (علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسم هاشم عمرو بن عبد مناف، واسم عبد مناف المغيرة بن قصي، واسم قصي زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر).
وأمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وتوفيت بالمدينة، وهي أوّل هاشمية وَلدت لهاشمي.
مولده ونشأته
ولد بمكة قبل البعثة بنحو عشر سنين على أرجح الأقوال، وكان أصغرَ ولدِ أبي طالب، ونشأ في مكة في كنف أبيه في أوّل الأمر، ثمّ روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وسلم كفله في حياة أبيه لما أصابت قريش أزمة، ثم إنّ عليّاً أسلم وهو صبيّ، ولزم النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر معه إلى المدينة، وزوّجه النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة، وجعل له حجرة بين حجرات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان مجاوراً للنبي صلى الله عليه وسلم، وملازماً له.
واختلف في مولده؛ فذكر ابن إسحاق: أنه أسلم وهو ابن عشر سنين، وهذا يقتضي أنه ولد قبل البعثة بعشر سنين.
وذكر قتادة عن الحسن وغيره ما يقتضي أنه ولد قبل البعثة بخمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة.
وقد تقدم إسناد ذلك في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
- وقال يحيى بن بكير: أخبرني الليث بن سعد: أن أبا الأسود حدثه قال عروة: (إنَّ علياً أسلم وهو ابن ثمان سنين). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال عمرو بن محمد الناقد: حدثنا سفيان [بن عيينة] قال: قال جعفر [الصادق]: (قتل عليّ وهو ابن ثمان وخمسين). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
وهذا خبر معضل، وهو يقتضي أن يكون مولده قبل البعثة بخمس سنين، وهذا يعارض ما ذكر من أنه أوّل من أسلم من الصبيان.
وأرجح الأقوال وأوسطها قول ابن إسحاق.
- وقال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال: (كان من نعمة الله على عليّ بن أبي طالب، ومما صنع الله له وأراده به من الخير أنَّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيالٍ كثيرٍ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمّه - وكان من أيسر بني هاشم -: (يا عباس إنَّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصابَ الناس ما ترى من هذه الأزمة؛ فانطلق بنا إليه؛ فلنخفّف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنكفلهما عنه).
فقال العباس: نعم؛ فانطلقا حتى أتيا أبا طالب؛ فقالا له: (إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه).
فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً؛ فاصنعا ما شئتما
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، فضمّه إليه، وأخذ العباس جعفراً فضمّه إليه؛ فلم يزل عليّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا، فاتبعه عليّ رضي الله عنه وآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه). ذكره ابن إسحاق في السيرة، ورواه من طريقه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في دلائل النبوة، وإسناده إلى مجاهد جيّد إلا أنّ مجاهداً لم يدرك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
إسلامه
تقدم في سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ذكر الخلاف في أوّل من أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّ أوّل من آمن به من الصبيان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وصحّ عن عليٍّ أنه أوّل رجلٍ صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا لا يقتضي أنّه أوّل من أسلم لأن الصلاة إنما فرضت بعد البعثة بمدة.
- قال شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت حبة العرني قال: سمعت علياً يقول: (أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي شيبة ولفظه (أول رجل صلى).
قلت: لفظ "أوّل رجل" لا يقتضي تقدّمه في الصلاة على خديجة رضي الله عنها.
- وقال أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمر بن ميمون، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وكان أول من أسلم - يعني علي بن أبي طالب - بعد خديجة ابنة خويلد).رواه ابن أبي خيثمة.
وذهب الحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي وابن إسحاق إلى أنه أولّ من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...c47d901371.gif
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ) رضي الله عنه
هجرته
لَزِمَ عليٌّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بمكة، وكان من أقرب الناس إليه، وبات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته، وبقي بعده ثلاثة أيام ليؤدّي عن النبي صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار جعل علياً معه.
- قال معمر بن راشد: أخبرني عثمان الجزري، أن مقسماً مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس: في قوله {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} ، قال: (تشاورت قريش ليلةً بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح؛ فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: بل اقتلوه.
وقال بعضهم: بل أخرجوه.
فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك؛ فبات عليٌّ على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً، يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه؛ فلما رأوا علياً ردَّ الله مكرهم؛ فقالوا: أين صاحبك هذا؟
قال: لا أدري.
فاقتصوا أثره؛ فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل؛ فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت؛ فقالوا: لو دخل هاهنا، لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال). رواه أحمد، وابن جرير الطبري، وأبو جعفر الطحاوي.
وعثمان الجزري قال فيه أحمد: (روى أحاديث مناكير، زعموا أنّه ذهب كتابه).
- وقال ابن كثير: (وهذا إسناد حسن، وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار).
- وقال محمد بن إسحاق: أخبرني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة قال: حدثني رجالٌ قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فذكر الحديث في خروج النبي صلى الله عليه وسلم، قال فيه: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ثلاث ليالٍ وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه البيهقي في السنن الكبرى.
زواجه بفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم
تزوّج عليّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر، وقبل غزوة أحد، وكان بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لي مولاة لي:
هل سمعت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقلت: لا.
قالت: فقد خُطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزوجك.
فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟!
فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوَّجك؛ فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلال وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما استطعت أن أتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟! فسكت.
فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت.
فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟
فقلت: نعم.
فقال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟
فقلت: لا والله يا رسول الله.
فقال: ما فعلت درعٌ سلحكتها، فوالذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعة دراهم.
فقلت: عندي.
فقال: قد زوجتكها فابعث بها إليها فاستحلها بها؛ فإن كانت لصداق فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ورواية مجاهد عن عليّ منقطعة.
- وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني علي بن حسين، أن حسين بن علي رضي الله عنهما أخبره أن علياً قال: «كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفاً من الخمس؛ فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلاً صواغاً من بني قينقاع أن يرتحل معي؛ فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه من الصواغين، وأستعين به في وليمة عرسي». رواه البخاري ومسلم.
- وقال زائدة بن قدامة: حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن علي قال: (جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خَميل، وقِرْبَة، ووسادة أدم حشوها ليفُ الإذخِر). رواه أحمد.
- وقال يونس بن بكير: سمعت ابن إسحاق قال: (فولدت فاطمة لعلي: الحسن، والحسين، ومحسن، فذهب محسن صغيراً، وولدت له: أم كلثوم وزينب).
- وقال زائدة، عن أبي حصين، عن سعد بن عبيدة، قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر محاسن عمله، قال: لعل ذاك يسوءك؟
قال: نعم.
قال: فأرغم الله بأنفك.
ثم سأله عن علي؛ فذكر محاسن عمله، قال: (هو ذاك بيته، أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم).
ثم قال: لعل ذاك يسوءك؟
قال: أجل.
قال: (فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد عليَّ جهدك). رواه البخاري.
جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
شهد عليّ المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليها إلا غزوة تبوك خلّفه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ليصلي بالناس وينوب عنه في مصالح المسلمين، وقال له: (( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )).
وكان له في عامة المشاهد التي شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم مواقف مأثورة
- ففي غزوة بدر كان أحد المبارزين، وقاتل فيها قتال الأبطال.
- وفي غزوة أحد كسر جفن سيفه لما فرّ من فرّ ودخل في القوم يقاتل قتالاً شديداً حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في الجبل، ثمّ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في آثار المشركين لينظر خبرهم، ثم تولى مداواة النبي صلى الله عليه وسلم هو وفاطمة رضي الله عنهما.
- وفي غزوة الخندق: بارز عمرو بن عبد ودّ العامري وقتله، وكان من شجعان قريش المذكورين، وخبر مقتل عمرو بن عبد ود مبارزة مروي من طرق متعددة مراسيل حسان منها مرسل الزهري، ومرسل محمد بن إسحاق، ومرسل عروة بن الزبير، ومرسل عاصم بن عمر بن قتادة، ومرسل محمد بن كعب القرظي.
- وشهد بيعة الرضوان، وكان هو كاتب صحيفة الصلح بالحديبية.
- وشهد خيبر وهو الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية فيها، وفتح الله له.
- وشهد فتح مكة، وكانت له فيه مواقف مأثورة.
- وشهد حنين، وثبت مع من ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...c065de7712.gif
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
انتداب النبي صلى الله عليه وسلم له في المهمات
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتدب علياً رضي الله عنه في الأمور المهمة، والقضايا المشكلة،
- ففي أوّل الإسلام كان كالحاجب له.
- وفي الهجرة أمره أن ينام على فراشه، ويمكث ثلاثة أيام ليؤدي عنه الودائع.
- وبعثه عام خيبر في سرية لها شأن ففتح الله له.
- وبعثه بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه عام تسع من الهجرة في الحجة التي قبل حجة الوداع ليؤذن في الناس بسورة براءة.
- وبعثه ليدي القتلى الذين قتلهم خالد بن الوليد خطأ؛ ويرضي القوم.
- وبعثه مرة أن لا يدع تمثالاً إلا طمسه، ولا قبراً مشرفاً إلا سواه.
- وفي غزوة العسرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم) فخلّفه على المدينة حتى عاد من غزوته.
- قال روح بن عبادة: أخبرنا عوف بن بندويه، عن ميمون، عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا: (لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: «إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم» فخلَّفه، فلما فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً، قال ناس: ما خلَّف علياً إلا لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك علياً فاتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إليه؛ فقال له: «ما جاء بك يا علي؟!»
قال: (لا يا رسول الله إلا أني سمعت ناساً يزعمون أنك إنما خلَّفتني لشيء كرهته مني).
فتضاحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: « يا علي! أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غير أنك لست بنبي».
قال: بلى يا رسول الله.
قال: «فإنه كذلك». رواه ابن سعد في الطبقات.
- وبعثه إلى اليمن قاضياً يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، ومقسّماً للفيء.
- وبعثه إلى أهل نجران مصدقاً.
- وبعثه إلى همْدان فأسلموا جميعاً.
- وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي تولّى غسله، والإذن عليه، وكان معه عمه العباس وابنيه الفضل وقثم، وأسامة بن زيد.
فضائله ومناقبه
اجتمعت في عليّ رضي الله عنه خصال حسنة؛ ومناقب فاضلة؛ في العلم والدعوة والجهاد والقضاء وحسن الرأي في المعضلات مع ما تقدّم ذكره من كونه من أوائل السابقين إلى الإسلام.
- فكان مجاهداً بطلاً، لم يُذكر عنه أنه غُلب في مبارزة قطّ.
- وكان من كتّاب النبي صلى الله عليه وسلم، وممن كتب له الوحي.
- وكان ممن جمع القرآن؛ فقد حَبَس نفسه على جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمعه.
- وكان من أعلم الناس بالقرآن ونزوله، وأفقههم لأحكامه، وأعلمهم بالقضاء، يُفزع إليه في حلّ المعضلات، والجواب عن المشكلات، والاجتهاد في النوازل.
- وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم رديفاً لأبي بكر سنة 9هـ، ليؤذّن في الحجّ ببراءة، وأن لا يحجّ بعد ذلك العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
- ثمّ بعثه في رمضان من السنة العاشرة للهجرة أميراً على سريّة إلى اليمن؛ ففتح الله له، وأسلم أكثرهم طواعية، فمكث فيها إلى أن حضر موسم الحجّ فحجّ مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع.
- وكان بعد النبي صلى الله عليه وسلّم وزيراً للخلفاء الراشدين الثلاثة ونصيراً لهم، يستشار في النوازل، ويُرجع إليه في المعضلات.
وفضائله كثيرة جداً، أفردها بعض أهل العلم في مؤلفات، ومن أشهرها كتاب "خصائص عليّ" لأبي عبد الرحمن النسائي صاحب السنن.
أحاديث في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
روي فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحاديث كثيرة جمع الإمام أحمد في فضائل الصحابة منها قدر جزءٍ كبير، وأفرد كثيراً منها أبو عبد الرحمن النسائي صاحب السنن في كتاب سمّاه "خصائص عليّ"، ومن الأحاديث المروية في فضله:
1. قال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: (( أنت مني، وأنا منك )). رواه البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى وغيرهم.
2. وقال الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، قال: قال علي: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي: «أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق» رواه أحمد وأبي أبي شيبة، ومسلم، والترمذي، والنسائي في الكبرى وغيرهم.
3. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وروي نحوه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
4. وقال أبو حازم سلمة بن دينار: أخبرني سهل رضي الله عنه، يعني ابن سعد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: «أين علي؟»
فقيل: يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟
فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم» رواه البخاري ومسلم، ولهذا الحديث طرق أخرى كثيرة.
5. وقال شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي». رواه البخاري ومسلم.
6. وقال إسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا جلوساً ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله، فرمى بها إلى علي فقال: «إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله».
فقال أبو بكر: أنا؟
قال: «لا»
قال عمر: أنا؟
قال: «لا، ولكن صاحب النعل» رواه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والنسائي في الكبرى، وأبو يعلى والطحاوي، وابن حبان وغيرهم من طرق عن إسماعيل به.
وهذا الخبر من دلائل النبوة؛ فإنّ الخوارج ظهروا في عهده فقاتلهم.
7. وقال بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرورية لما خرجت - وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه- قالوا: "لا حكم إلا لله"، قال علي: "كلمة حق أُريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناساً، إني لأعرف صفتهم في هؤلاء: «يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم، - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود إحدى يديه طِبْي شاة أو حلمة ثدي» ".
فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئا، فقال: ارجعوا فوالله، ما كَذبت ولا كُذبت، مرتين أو ثلاثا، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه). رواه مسلم والنسائي في السنن الكبرى وابن حبان، ولهذا الخبر طرق كثيرة.
8. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غُفِرَ لك، مع أنه مغفور لك: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين)). رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والنسائي في الكبرى وابن حبان وابن أبي عاصم وغيرهم.
9. وقال أبو حيان يحيى بن سعيد بن حيان التيمي: حدثني يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً!! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً!! حدثنا يا زيد ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فما حدّثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه.
ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّا بين مكة والمدينة؛ فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثم قال: ((أما بعد، ألا أيّها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به))
فحثَّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: « وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».
فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال: (نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده).
قال: ومن هم؟
قال: (هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس).
قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟
قال: (نعم). رواه أحمد، ومسلم، والدرامي، والنسائي في السنن الكبرى، وغيرهم.
10: وقال الأعمش، عن سعد بن عبيدة السلمي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كنت وليّه فعليٌّ وليه )). رواه ابن أبي شيبة.
11. وقال عطاء بن السائب، عن سعد بن عبيدة، قال: سأل رجل ابن عمر، فقال: أخبرني عن علي، قال: « إذا أردت أن تسألَ عن عليٍّ؛ فانظر إلى منزله من منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا منزله، وهذا منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم».
قال: فإني أبغضه.
قال: «فأبغضك الله». رواه ابن أبي شيبة.
12. وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن ناجية بن كعب الأسدي عن علي رضي الله عنه قال: لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: يا رسول الله! إنَّ عمّك الشيخ الضالّ قد مات.
قال: فقال: «انطلق فواره، ثم لا تحدثنَّ شيئاً حتى تأتيَني».
قال: (فواريته ثم أتيته فأمرني فاغتسلت، ثم دعا لي بدعوات ما أحبّ أنَّ لي بهن ما على الأرض من شيء).رواه ابن أبي شيبة.
13. وقال هشام بن سعد عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب أو قال: أبي: (لقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليَّ من حمر النعم: زوجه ابنته فولدت له، وسد الأبواب إلا بابه، وأعطاه الحربة يوم خيبر). رواه ابن أبي شيبة.
14. وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان على جبل حراء فتحرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسكن حراء فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد» وعليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهم ». رواه أحمد، ومسلم، والنسائي في الكبرى.
15: وقال هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم التميمي، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال: (أشهد أنَّ علياً من أهل الجنة).
قلت: وما ذاك؟
قال: هو في التسعة، ولو شئت أن أسمي العاشر سميته، قال: اهتزَّ حراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثبت حراء؛ فإنَّه ليس عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد».
قال: ( رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وأنا [يعني سعيد نفسه]). رواه أحمد وابن أبي شيبة، وأبو داوود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي في السنن الكبرى.
16. وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت، فقال: «أين ابن عمك؟» قالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني، فخرج، فلم يقل عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: «انظر أين هو؟» فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب». رواه البخاري.
17. وقال عبد الله بن مسلمة: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه أن رجلاً جاء إلى سهل بن سعد، فقال: هذا فلان، لأمير المدينة، يدعو علياً عند المنبر.
قال: فيقول: ماذا؟
قال: يقول له: أبو تراب!!
فضحك، قال: (والله ما سماه إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان له اسم أحب إليه منه!!).
فاستطعمت الحديث سهلاً، وقلت: يا أبا عباس كيف ذلك؟
قال: دخل عليٌّ على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين ابن عمك؟
قالت: في المسجد.
فخرج إليه فوجد رداءَه قد سقط عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره؛ فيقول: «اجلس يا أبا تراب مرتين». رواه البخاري.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ) رضي الله عنه
علمه وفقهه
كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه من أعلم الصحابة وأفقههم، بل كان ممن يُرجع إليه في المعضلات، والمسائل التي تشكل على الخلفاء والقضاة.
- قال سفيان بن عيينة: أخبرنا يحيى بن سعيد [الأنصاري] عن سعيد بن المسيب قال: (كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن). رواه ابن سعد، وعبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد قال: أراه عن سعيد بن المسيب قال: (لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سلوني إلا علي). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة وقال: (ورواه غيره عن سفيان عن يحيى بن سعيد بغير شك).
- وقال شعبة، عن سماك بن حرب قال: سمعت عكرمة يحدث عن ابن عباس قال: «إذا حدثنا ثقة عن عليّ بفتيا لا نعدوها». رواه ابن سعد.
- وقال ابن جريج: حدثنا أبو حرب بن أبي الأسود [الدؤلي]، عن أبي الأسود، قال: سئل علي عن نفسه؛ فقال: (إني أحدث بنعمة ربي، كنت والله إذا سألتُ أُعطيت، وإذا سكتّ ابتُديت، فبين الجوانح مني علم جم). رواه أحمد في فضائل الصحابة، والنسائي في خصائص علي، وقال: ابن جريج لم يسمع من أبي حرب.
وروي نحو هذا الأثر من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن علي، ومن طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي، ومن طريق قيس بن الربيع عن أبي إسحاق السبيعي عن هبيرة بن يريم عن علي في خبر طويل في سؤال أصحاب عليّ إياه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
علمه بالقرآن ونزوله وتفسيره
كان عليّ من قراء الصحابة رضي الله عنهم، وكان من كتبة الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعلم الصحابة بنزل القرآن وتأويله، وقد حفظ قدراً حسناً من القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جمعه في أوّل عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
- قال وهب بن عبد الله الكوفي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: شهدت علياً وهو يخطب ويقول: (سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار وأم في سهل، أم في جبل). رواه عبد الرزاق في تفسيره، وابن سعد في الطبقات، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا ابن عونٍ، عن محمّد [بن سيرين]، قال: لمّا استُخلف أبو بكرٍ قعد عليٌّ في بيته؛ فقيل لأبي بكرٍ؛ فأرسل إليه: (أكرهت خلافتي؟)
قال: لا، لم أكره خلافتك، ولكن كان القرآنُ يزاد فيه، فلمّا قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلتُ عليّ أن لا أرتدي إلاّ لصلاةٍ حتّى أجمعه للنّاس، فقال أبو بكرٍ: (نعم ما رأيتَ). رواه ابن أبي شيبة.
وهذا مرسل جيد رجاله أئمة ثقات، غير أنّ محمّد بن سيرين لم يدرك عليّ بن أبي طالب.
وقد رواه ابن الضريس من طريق هوذة بن خليفة قال: (حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن عكرمة فيما أحسب .. ) فذكره بنحوه.
ورواه أيضا من طريق النضر بن شميل عن عوف عن ابن سيرين عن عكرمة (من غير شك).
وقد ورى نحو هذا الأثر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال: (لما بويع لأبي بكر تخلَّف عليٌّ في بيته فلقيَه عمر فقال: "تخلفت عن بيعة أبي بكر؟ "
فقال: "إني آليتُ بيمين حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى أجمع القرآن؛ فإنّي خشيتُ أن يتفلَّت القرآن" ثم خرج فبايعه).
علمه بالقضاء
- قال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا شاب، فقلت: يا رسول الله، تبعثني إلى قوم أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء؟!
فقال: «ادن»؛ فدنوت، فضرب يده على صدري فقال: «اللهم اهد قلبه، وسدد لسانه» ، قال: (فما شككت في قضاء بين اثنين). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن أبي شيبة في مصنفه.
- وقال سماك بن حرب، عن حنش بن المعتمر، عن علي رضي الله عنه، قال: لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قلت: تبعثني وأنا حديث السنّ لا علم لي بكثير من القضاء؟
فقال: «إذا أتاك الخصمان؛ فلا تقض للأول حتى تسمع ما يقول الآخر؛ فإنك إذا سمعت ما يقول الآخر عرفت كيف تقضي، إنَّ الله عز وجل سيثبّت لسانك، ويهدي قلبك».
قال علي: (فما زلت قاضياً بعد). رواه أحمد، وأبو داوود، والترمذي، وغيرهم من طرق عن سماك بن حرب.
- وقال إسرائيل: حدثنا سماك، عن حنش، عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زِبْية للأسد فبينا هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجلٌ فتعلَّق بآخر، ثم تعلَّق رجلٌ بآخر، حتى صاروا فيها أربعة فجرَّحهم الأسد، فانتدب له رجل بحربة فقتله، وماتوا من جراحتهم كلهم، فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر، فأخرجوا السلاح ليقتتلوا، فأتاهم عليٌّ على تفيئة ذلك، فقال: (تريدون أن تَقَاتَلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ، إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم فهو القضاء، وإلا حجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هو الذي يقضي بينكم، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له: «اجمعوا من قبائل الذين حفروا البئر ربع الدية، وثلث الدية، ونصف الدية، والدية كاملة، فللأول الربع لأنه أهلك من فوقه، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية» ، فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصّوا عليه القصة، فقال: ((أنا أقضي بينكم )) واحتبَى؛ فقال رجل من القوم: (إنَّ علياً قضى فينا)
قال: (فقصّوا عليه فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». رواه ابن ماجه بهذا اللفظ ورجاله ثقات، لكن رواه سفيان الثوري ووهيب بن خالد عن خالد الحذاء به عند أحمد وغيره من غير قوله: (وأقضاهم عليّ).
- وقال وهب بن جرير بن حازم: أخبرنا شعبة، عن حبيب بن الشهيد الأزدي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال عمر: «أقضانا عليّ، وأقرؤنا أبيّ». رواه ابن سعد، وهذا إسناد صحيح إلى عمر رضي الله عنه.
- وقال حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: (عليٌّ أقضانا، وأبي أقرؤنا، وإنا لندع كثيراً من لحن أبي، وأبيّ يقول: "سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدعه لشيء"، والله تبارك وتعالى يقول: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}). رواه أحمد، وابن سعد، وأصله في صحيح البخاري.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال عمر: «عليّ أقضانا، وأبيّ أقرؤنا، وإنا لنرغب عن كثيرٍ من لحنِ أبيّ». رواه ابن سعد.
- وقال شعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كنا نتحدث أن أقضَى أهل المدينة علي بن أبي طالب). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والحاكم في المستدرك، وابن بطة في الإبانة الكبرى.
ورواه ابن سعد بلفظ: (من أقضى أهل المدينة).
علمه بالفرائض
كان عليّ من أعلم الصحابة بالفرائض والمواريث، وكان علماء الصحابة يعرفون له تقدّمه في معرفة أحكام الفرائض.
- قال أبو إسحاق السبيعي ، عن سعيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ما تقولون؟ إن أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
فراسته
كان عليّ رضي الله عنه كيّساً فطناً، ذا فراسة وذكاء.
- قال ابن نمير: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: أتى رجل علياً يمدحه، وقد كان يقع فيه، فقال علي: (ما أنا كما تقول، وإني لخيرٌ مما في نفسك). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
فصاحته ومنطقه
اشتهر عليّ رضي الله عنه بفصاحته، وحسن منطقه، وله أقوال سائرة، ومواعظ حسنة.
- قال أبو بكر بن عياش، عن نصير بن أبي الأشعث، عن سليمان بن ميسرة الأحمسي، عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: «والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولاً، ولساناً طلقاً». رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو نعيم في الحلية.
وسيأتي ذكر شيء من مواعظه وأقواله رضي الله عنه، لكن مما ينبغي أن يُعلم أنه قد نسب إلى عليّ رضي الله عنه كلام كثير لا يصحّ عنه.
وألّف الشريف المرتَضَى عليّ بن حسين الموسوي(ت:436هـ) - وهو رافضي معتزليّ - كتاب "نهج البلاغة"، ونسب ما فيه إلى عليّ رضي الله عنه، وقيل: ألّفه أخوه الرضيّ، وقيل: اجتمعا عليه.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (أكثر الخطب التي ينقلها صاحب " نهج البلاغة " كذب على عليّ، وعليٌّ رضي الله عنه أجلّ وأعلى قدراً من أن يتكلم بذلك الكلام، ولكن هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح، فلا هي صدق ولا هي مدح).
- وقال شمس الدين الذهبي في ترجمة الشريف المرتضى : (وقد اختلف في كتاب " نهج البلاغة " المكذوب على علي عليه السلام، هل هو وضْعُه، أو وَضْع أخيه الرضي).
- وقال أيضاً: (هو جامع كتاب "نهج البلاغة" المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله عنه، ولا أسانيد لذلك، وبعضها باطل، وفيه حق، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها، ولكن أين المنصف؟!
وقيل: بل جمع أخيه الشريف الرضي).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
زهده وورعه
كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إماماً في الزهد والورع ذا تعفف وصيانة، ودين متين، وعلم واسع، وفقه فيما يأتي ويذر.
- قال محمد بن قيس، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن علي بن أبي طالب قال: جاءه ابن التياح فقال: يا أمير المؤمنين! امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء، قال: الله أكبر، قال: فقام متوكياً على ابن التيّاح حتى قام على بيت مال المسلمين فقال: هذا جناي وخياره فيه، وكل جان يده إلى فيه، يا ابن التياح، علي بأشياخ الكوفة، قال: فنودي في الناس، فأعطى جميع ما في بيت المسلمين وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، غرّي غيري، ها وها، وهو يقول: يا صفراء! يا بيضاء! غرّي غيري، ها وها، حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم، ثم أمر بنضحه وصلَّى فيه ركعتين). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: «ما رزأ عليٌّ من بيت مالنا حتى فارقنا إلا جبة محشوة وخميصة درابجردية». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي قال: خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي فقال: (لقد فارقكم رجل أمس، ما سبقه الأولون بعلم، ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه ويعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح له، وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم أهله). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال يحيى بن اليمان: أخبرني مجالد، عن الشعبي قال: (ما ترك علي إلا سبعمائة درهم من عطائه، أراد أن يشتري بها خادماً). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال وكيع، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن قيس الملائي قال: (رئي على علي ثوب مرقوع، فعوتب في لباسه فقال: يقتدي المؤمن، ويخشع القلب). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال وكيع، عن شريك، عن عثمان الثقفي، عن زيد بن وهب، أن بعجة عاتب علياً في لباسه، فقال: (يقتدي المؤمن، ويخشع القلب). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
وبعجة بن جعدة كان من رؤوس الخوارج في زمن عليّ رضي الله عنه.
صفاته وشمائله وبعض أخباره
- قال يزيد بن هارون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: (رأيت علياً، وكان عريض اللحية، وقد أخذت ما بين منكبيه، أصلع على رأسه زغيبات). رواه ابن سعد.
- قال إسماعيل بن أبي خالد: حدثنا عامر [الشعبي] قال: (ما رأيت رجلا أعظمَ لحيةً من عليٍّ، قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء، وفي الرأس زغبات). رواه أبو حفص الفلاس.
- قال الحسين بن حماد سجادة: حدثنا علي بن عابس، عن أبي إسحاق قال: قال أبي: يا بني! تريد أن أريك أمير المؤمنين؟ يعني علياً.
قلت: نعم؛ فرفعني على يديه، فإذا أنا برجل أبيض الرأس واللحية، أصلع، عظيم البطن، عريض ما بين المنكبين). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي سعد التيمي قال: كنا نبيع الثياب على عواتقنا، ونحن غلمان في السوق، فإذا رأينا علياً قد أقبل قلنا: بوذا شكب أمذ!!
فقال علي: ما يقولون؟
فقيل له: يقولون: عظيم البطن.
قال: (أجل! أعلاه علم، وأسفله طعام). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه أبي إسحاق قال: (رأيت علياً فقال لي أبي: قم يا عمرو فانظر إلى أمير المؤمنين؛ فقمتُ إليه فلم أره يخضب لحيته، ضخم اللحية). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق قال: (رأيت علياً أبيض الرأس واللحية).
- وقال شهاب بن عباد العبدي: أخبرنا إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال: (ما رأيت رجلاً قط أعرضَ لحية من علي، قد ملأت ما بين منكبيه، بيضاء). رواه ابن سعد.
- وقال شيبان بن فروخ: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا سوادة بن حنظلة قال: (رأيت علياً أصفر اللحية). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
- وقال أبو عمر البزاز عن محمد ابن الحنفية قال: (خضب علي بالحناء مرة ثم تركه). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان الثوري، عن سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة، أن عليا كانت له امرأتان، كان إذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم، وإذا كان يوم هذه اشترى لحماً بنصف درهم). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
خلافته
تولّى عليّ الخلافةَ بعد عثمان بمبايعة كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بايعه طلحة والزبير وغيرهما، واستوسقت له البيعة ولم ينازعه أحد في استحقاق الخلافة، وإنما كانت المنازعة في مسألة قتلة عثمان، وجرت بسببها فتنة عظيمة بين المسلمين، وكان عليٌّ ومن معه أقرب الطائفتين إلى الحق، وخرجت الخوارج في عهده؛ فدعاهم إلى التوبة والفيئة إلى جماعة المسلمين؛ وناظرهم فاستجاب له بعضهم، وعاندت طائفة منهم فقاتلهم وكسر قرنهم.
وسار على طريقة أسلافه الخلفاء في تعليم القرآن وإقرائه وتدارسه، وكان رضي الله عنه قد قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن يكتب الوحي، وجمع القرآن في خلافة أبي بكر، وكان من أعلم الصحابة بالقضاء والتفسير، وفضائله كثيرة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه سيلقى جهداً بعده، وأنه سيقتل، وأخبره ببعض ما يكون له من الأجر العظيم في قتل الخوارج.
- قال أحمد بن يونس: حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي حيان التيمي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: «أما إنك ستلقى بعدي جهداً»
قال: في سلامة من ديني؟
قال: «في سلامة من دينك». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد، عن محمد ابن الحنفية قال: كنت مع علي، وعثمان محصور، قال: فأتاه رجل فقال: إن أمير المؤمنين مقتول، ثم جاء آخر فقال: إن أمير المؤمنين مقتول الساعة، قال: فقام علي، قال محمد: فأخذت بوسطه تخوفاً عليه، فقال: خلِّ لا أمَّ لك، قال: فأتى عليٌّ الدارَ، وقد قُتِلَ الرجل، فأتى داره فدخلها، وأغلق عليه بابه، فأتاه الناس فضربوا عليه الباب، فدخلوا عليه فقالوا: إنَّ هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من خليفة، ولا نعلم أحداً أحقَّ بها منك؛ فقال لهم علي: (لا تريدوني، فإني لكم وزير خير مني لكم أمير).
فقالوا: لا والله، ما نعلم أحداً أحقَّ بها منك.
قال: (فإن أبيتم عليَّ فإنَّ بيعتي لا تكون سراً، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني).
قال: (فخرج إلى المسجد فبايعه الناس). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال محمد بن راشد البصري: حدثني عوف قال: كنت عند الحسن، فذكروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن جوشن الغطفاني: يا أبا سعيد! إنما أزري بأبي موسى اتباعه علياً، قال: فغضب الحسن حتى تبين الغضب في وجهه!
قال: (فمن يتبع؟!! قُتل أمير المؤمنين عثمان مظلوما، فعمد الناس إلى خيرهم فبايعوه، فمن يتبع؟!! حتى ردها مراراً). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
ظهور الخوارج في عهده
لما ظهرت فرقة الخوارج في عهده وكانوا يجادلون بالقرآن؛ وبلغ عليّا ما نقموا عليه، أمر أن يؤذّن بأن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن؛ فلما أن امتلات الدار من قراء الناس، دعا بمصحف إمام عظيم، فوضعه بين يديه، فجعل يصكّه بيده ويقول: أيها المصحف، حدّث الناس، فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟
قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله عز وجل، يقول الله تعالى في كتابه في امرأة ورجل: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل.
ونقموا علي أن كاتبت معاوية: كتب علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية، حين صالح قومه قريشا، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم» . فقال: سهيل لا تكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: «كيف نكتب؟» فقال: اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فاكتب: محمد رسول الله " فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك. فكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا، يقول: الله تعالى في كتابه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}.
ثم بعث إليهم عبدَ الله بن عباس، فلمّا توسّط عسكرهم قام ابن الكواء يخطب الناس، فقال: يا حملة القرآن، إن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرّفه من كتاب الله ما يعرفه به، هذا ممن نزل فيه وفي قومه: {قوم خصمون} فرُدّوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله.
فقام خطباؤهم؛ فقالوا: والله لنواضعنه كتاب الله، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه، وإن جاء بباطل لنبكّتنه بباطله؛ فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب، فيهم ابن الكوَّاء، حتى أدخلهم على علي الكوفة).
وخبرهم طويل قصّه عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة رضي الله عنها وكان قد شهد مناظرة ابن عباس للخوارج، والقصة مروية في مسند الإمام أحمد، ومسند أبي يعلى، ومستدرك الحاكم، وسنن البيهقي.
مقتله
استشهد عليّ رضي الله عنه في الكوفة سنة 40هـ. قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي من الخوارج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عليّاً بذلك.
- قال سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سبع: خطبنا علي قال: «لتخضبنَّ هذِهِ من هذا» يعني لحيته من رأسه.
قالوا: أخبرنا به نقتله.
قال: «إذا تالله تقتلون بي غير قاتلي». رواه أحمد وابن أبي شيبة، وعبد الله بن سبع مجهول الحال لم يرو عنه غير سالم، وله طرق أخرى يصحّ بها.
- وقال يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عَبيدة السلماني، قال: قال علي: «ما يحبس أشقاها أن يجيء فيقتلني؟!! اللهم إني قد سئمتهم وسئموني، فأرحني منهم وأرحهم مني». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت علياً حين ازدحموا عليه حتى أدموا رجله؛ فقال: «اللهم إني قد كرهتهم وكرهوني، فأرحني منهم وأرحهم مني». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال إبراهيم بن سعد، عن شعبة، عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي، عن أبي صالح الحنفي قال: رأيت علي بن أبي طالب أخذ المصحف فوضعه على رأسه حتى لأرى ورقه يتقعقع، ثم قال: (اللهم إنهم منعوني أن أقوم في الأمة بما فيه؛ فأعطني ثواب ما فيه)، ثم قال: (اللهم إني قد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً مني، اللهم أمت قلوبهم ميت الملح في الماء).
قال إبراهيم: (يعني أهل الكوفة). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال علي بن مسهر، عن الأجلح، عن الشعبي قال: (اكتنف عبدُ الرحمن بن ملجم وشبيبُ الأشجعي علياً حين خرج إلى الفجر؛ فأما شبيب فضربه فأخطأه؛ وثبت سيفه في الحائط، ثم أحصر نحو أبواب كندة، وقال الناس: عليكم صاحب السيف؛ فلما خشي أن يؤخذ رمى بالسيف ودخل في عرض الناس، وأما عبد الرحمن فضربه بالسيف على قرنه، ثم أحصر نحو باب الفيل؛ فأدركه عريض أو عويض الحضرمي؛ فأخذه فأدخله على علي؛ فقال علي: «إن أنا متّ فاقتلوه إن شئتم أو دعوه؛ وإن أنا نجوت كان القصاص». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال معتمر بن سليمان: قال أبي: حدثني حريث بن مخشٍّ (أنَّ علياً قتل صبيحة إحدى وعشرين من شهر رمضان). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
- وقال يحيى بن بكير المصري: أخبرني الليث بن سعد (أن عبد الرحمن بن ملجم ضرب علياً في صلاة الصبح على رأسه بسيف كان سمّه بالسم، ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلاً). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر قال: (قتل علي في رمضان يوم الجمعة في تسع عشرة ليلة من رمضان سنة أربعين، وكانت خلافته خمس سنين وثلاثة أشهر). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة لأبيه، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: (قتل علي رضي الله عنه في رمضان في تسع عشر خلت يوم الجمعة، ومات ليلة الأحد). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
فتنة الأمّة بعليّ رضي الله عنه
اختلفت الأمّة في شأن عليّ رضي الله عنه؛ فكانت ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: اعتدلوا في شأنه؛ فأحبّوه ووالوه، ولم يغلوا فيه، ولم يجفوه؛ وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
والصنف الثاني: غلوا فيه غلوّاً منكراً؛ فكانوا على دركات في غلوّهم:
- فمنهم من ادعى له العصمة.
- ومنهم من اعتقد فيه شيئاً من خصائص الربوبية وصرف له بعض أنواع العبادة.
- ومنهم ادّعى أنه أحقّ بالخلافة من أبي بكر وعمر، وأنه خير منهما، وهؤلاء
- ومنهم من فضَّله على عثمان، ولم يفضلوه على أبي بكر وعمر، ولم يدّعوا له العصمة، ولا شيئاً من خصائص الألوهية، وهؤلاء أخفّ طوائف الشيعة في زمان السلف الصالح.
والصنف الثالث: جفوه وأبغضوه وناصبوه العداء، ولذلك سمّوا النواصب.
- قال وكيع، عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم قال: سمعت علياً يقول: (يهلك فيَّ رجلان: مفرِطٌ غالٍ، ومبغضٌ قالٍ). رواه أحمد في فضائل الصحابة لأبيه.
- وقال أسود بن عامر الشامي: حدثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: (إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال وكيع، عن شعبة، عن أبي التياح، عن أبي السوار قال: قال علي: (لَيُحِبَّنّي قومٌ حتى يدخلوا النار في حبي، وليبغضَنِّي قومٌ حتى يدخلوا النار في بغضي). رواه ابن أبي شيبة، وأحمد في فضائل الصحابة.
- وقال مالك بن مغول، عن أكيل مؤذن إبراهيم النخعي، عن الشعبي قال: لقيت علقمة.
فقال: أتدري ما مثل علي في هذه الأمة؟
قال: قلت: وما مثله؟
قال: (مثل عيسى ابن مريم، أحبه قوم حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال محمد بن عبد الله بن نمير: أخبرنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى قال: ذكر عنده قول الناس في علي فقال عبد الرحمن: (قد جالسناه، وحادثناه، وواكلناه، وشاربناه، وقمنا له على الأعمال، فما سمعته يقول شيئا مما تقولون، أولا يكفيهم أن يقولوا: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختنه، وشهد بيعة الرضوان، وشهد بدراً).رواه أحمد في فضائل الصحابة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ) رضي الله عنه
مواعظه ووصاياه وأقواله السائرة
كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه فصيحاً نصوحاً، له مواعظ حسنة، ووصايا قيّمة، وأقوال سائرة، ومنها:
1. قال عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال علي: (خمس كلمات احفظوهن، لو رحلتم المطي فيهن لأنضيتموهنّ قبل أن تدركوا مثلهن: لا يرجُ عبد إلا ربه، ولا يخف إلا ذنبه، ولا يستحيي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي عالمٌ إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: "الله أعلم"، واعلموا أنَّ منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد؛ فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان). رواه ابن أبي شيبة، وابن مروان الدينوري في المجالسة.
ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق معمر عن ابن طاووس عن عكرمة بن خالد عن عليّ.
ورواه الزبير بن عدي في نسخته عن الحارث الأعور عن علي.
ورواه عبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، من طريق معمر عن الحكم بن أبان العدني عن عكرمة عن عليّ.
2. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن زبيد، عن المهاجر العامري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إنما أخاف عليكم اثنتين: طول الأمل، واتباع الهوى؛ فإنَّ طول الأمل ينسي الآخرة، وإنَّ اتباع الهوى يصدّ عن الحق، وإنَّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة، وإنَّ الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة؛ فإنَّ اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل). رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، وعلّقه البخاري في صحيحه.
3. وقال محمد بن طلحة، عن، زبيد، قال: قال علي: «خيرُ الناس هذا النمط الأوسط يلحق بهم التالي، ويرجع إليهم الغالي». رواه ابن أبي شيبة.
4. وقال معروف بن خربوذ المكي عن أبي الطفيل رضي الله عنه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله»رواه البخاري، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
5. وقال موسى بن أيّوب الغافقي: سمعت عمّي إياس بن عامرٍ، يقول: أخذ عليّ بن أبي طالبٍ، بيدي، ثمّ قال: (إنّك إن بقيت سيقرأ القرآن ثلاثة أصنافٍ: فصنفٌ للّه، وصنفٌ للجدال، وصنفٌ للدّنيا، ومن طلب به أدرك). رواه الدارمي.
6. وقال سفيان بن عيينة، عن عمران بن ظبيان، عن أبي يحيى حكيم بن سعد قال: سمعت علياً يقول: (لا تكونوا عُجُلاً مذاييعَ بُذُراً، فإنَّ من ورائكم بلاءً مبرّحاً مُكْلِحاً، وأموراً متماحلةً رُدُحاً). رواه البخاري في الأدب المفرد.
- قال أبو منصور الأزهري: (المتماحلة: المتطاولة، والرُّدُح: العظيمة، يعني الفتن، جمع رَدَاح)
وقال في موضع آخر: (أراد فتناً يطول أيامها، ويعظم خطرها، ويشتد كَلَبُها).
رواة التفسير عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
مما يدلّ على كثرة تعليمه التفسير وجوابه السائلين عن مسائله كثرة المرويات عنه في التفسير؛ فقد روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين:
قرئَ عليه في المدينة وانتفع به، ثم خرج في أوّل خلافته إلى الكوفة، وانتُفع به هناك انتفاعاً عظيماً، وأكثر من حملَ علمه وأدّاه علماءُ أهل العراق.
قرأ عليه: أبو الأسود الدؤلي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغيرهما.
وروى عنه من الصحابة: ابن عباس، وأبناؤه الحسن والحسين، وابن أخيه عبد الله بن جعفر ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم.
ومن التابعين: ابنه محمد المعروف بابن الحنفية، وعَبِيدة السلماني، وأبو عبد الرحمن السلمي، وقيس بن أبي حازم البجلي، وعلقمة بن قيس النخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وشريح القاضي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وزرّ بن حبيش، و خالد بن عرعرة التيمي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو عمارة عبد خير بن يزيد الهمداني.
وممن اختلف في روايته عنه: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، وعامر الشعبي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي.
وممن أرسل عنه: أبو البختري سعيد بن فيروز الطائي، وقتادة بن دعامة السدوسي، والمسيب بن رافع، وعلي بن الحسين، وسلمة بن كهيل.
وممن روى عنه ممن تكلم فيهم: أبو الصهباء صهيب البكري مولى ابن عباس، ضعفه النسائي، ووثقه ابن حبان.
وممن روى عنه من الضعفاء والمتّهمين: الحارث الأعور، وجابر الجعفي.
مما روي عنه في التفسير:
1. قال معتمر بن سليمان: سمعت أبي، قال: حدّثنا أبو مجلزٍ، عن قيس بن عُبادٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، قال: (أنا أوّل من يجثو بين يدي الرّحمن للخصومة يوم القيامة).
قال قيسٌ: وفيهم نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم}.
قال: (هم الّذين بارزوا يوم بدرٍ عليٌّ وحمزة وعبيدة، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة). رواه البخاري.
2. وقال عبد الله بن إدريس الأودي: سمعت ليثاً، عن مجاهد، قال: قال علي رضي الله عنه: (آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}). رواه ابن جرير.
وروى سعيد بن منصور نحوه عن سفيان بن عيينة، عن سليمان الأحول، عن مجاهد مختصراً.
3: وقال سفيان الثوري، عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال: قلنا لعَبيدة: سَلْ علياً عن صلاة الوسطى؛ فسأله؛ فقال: كنا نراها الفجر؛ فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول يوم الأحزاب: «شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً». رواه النسائي في الكبرى.
4. وقال نعيم بن أبي هندٍ: حدّثني ربعيّ بن حراشٍ، قال: إنّي لعند عليٍّ رضي الله عنه جالسٌ، إذ جاء ابنٌ لطلحة فسلّم على عليٍّ رضي الله عنه، فرحّب به فقال: ترحّب بي يا أمير المؤمنين! وقد قتلت أبي، وأخذت مالي؟
قال: (أمّا مالك فهو ذا معزولٌ في بيت المال، فاغد إلى مالك فخذه، وأمّا قولك قتلت أبي، فإنّي أرجو أن أكون أنا وأبوك من الّذين قال الله عزّ وجلّ {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانًا على سررٍ متقابلين}
فقال رجلٌ من همدان: إنّ الله أعدل من ذلك!
فصاح عليه عليٌّ صيحةً تداعى لها القصر، قال: (فمن إذًا إذا لم نكن نحن أولئك؟). رواه الحاكم في المستدرك، وقد رويت هذه الحادثة عن عليّ رضي الله عنه من طرق متعددة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)
العناصر:
● اسمه ونسبه
● مولده ونشأته
● سبقه إلى الإسلام
● مشاهده وجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده
● علمه وفقهه
●إمامته وتعليمه
● بعثته إلى اليمن
● سماحته وورعه
● صفاته وشمائله
● بعض أخباره
● مناقبه وفضائله
●استفاضة ثناء علماء الصحابة والتابعين عليه
● مواعظه ووصاياه
● وفاته
● رواة التفسير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
● مما روي عنه في التفسير
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)
اسمه ونسبه:
هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أُدَي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج.
ذكر نسبه الكلبي، وابن إسحاق، وخليفة بن خياط، ويعقوب بن سفيان، وغيرهم، ومنهم من لا يذكر أوساً، ومنهم وقع في الرواية عنه تصحيف، ووقع في بعض كتب الأنساب والتراجم خلاف في جرّ نسبه، لكن المعتمد وهو قول جمهورهم أنه من بني أديّ بن سعد بن علي، من الخزرج.
-قال أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق في تسمية من شهد العقبة: (معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن غنم بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم، وكان في بني سلمة). رواه الحاكم في المستدرك.
قوله: (ابن غنم) هذا تصحيف، وصوابه: (ابن أُدَيّ).
- وقال خليفة بن خياط: (معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أُدَي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم).
- وقال يعقوب بن سفيان: (معاذ بن جبل بن عمرو بن عائذ بن عدي بن كعب بن أُدَي بن سعد بن علي ابن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم، عقبي بدري).
-وقال إبراهيم الحزامي: حدثني محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة قال: «معاذ بن جبل بن عمرو أحد بني سَلِمَة بن الخزرج، يكنى أبا عبد الرحمن». رواه الحاكم في المستدرك.
قلت: قوله: (أحد بني سلمة) فيه تجوّز، فسلمة وأدي أخوان، وهما ابنا سعد بن علي بن أسد، لكن كان بنو أُدي بطن قليل العدد، ويجمعهم مع أبناء عمومتهم منازل متقاربة، وكان معاذ بن جبل يؤمّهم في الصلاة.
- وقال ابن إسحاق: (وإنما ادّعته بنو سلِمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجدّ بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة لأمّه).
- وقال ابن سعد: (وأخوه لأمّه عبد الله بن الجدّ بن قيس من أهل بدر).
فالأقرب أن يكون زوج أمّه الجدّ بن قيس.
- وقال خليفة بن خياط: (أمّه هند بنت سهل من بني رفاعة من جهينة).
ولمعاذ أخت اسمها الصعبة بنت جبل، ذكرها ابن سعد في المبايعات.
مولده ونشأته
ولد معاذ قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سبع سنين على أرجح الأقوال، ونشأ في المدينة على قلّة في خاصة قومه بني أُدي بن سعد، وكانت الكثرة لأبناء أعمامهم من بني سلمة بن سعد، رهط البراء بن معرور، وأبي اليَسَر، وكعب بن مالك، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، رضي الله عنهم.
ولم أجد لجَبلٍ والد معاذ ذكراً في كتب السير والأخبار، ولعله مات قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
سبقه إلى الإسلام
كان معاذ بن جبل من السابقين الأولين إلى الإسلام من الأنصار، أسلم مع أوّل من أسلم منهم قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو شابّ حدَث السنّ، وكان ممن يكسر أصنام قومه.
- قال ابن إسحاق: (والذين كسروا آلهة بني سلمة: معاذ بن جبل، وعبد الله بن أنيس، وثعلبة بن غنمة، وهم في بني سواد بن غنم).
- قال ابن هشام: (وإنما نسب ابنُ إسحاق معاذ بن جبل في بني سواد، وليس منهم، لأنه فيهم).
قلت: أي نشأ فيهم، وهم قرابته.
- وقال ابن سعد: (وكان معاذ بن جبل لما أسلم يكسر أصنام بني سلمة هو وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن أنيس).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)
مشاهده وجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده
شهد معاذ بيعة العقبة الثانية وهو ابن ثمان عشرة سنة، ثم شهد بدراً وهو ابن عشرين سنة أو إحدى وعشرين، ثم شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك إلى اليمن معلّماً وقاضياً وأميراً؛ فمكث فيها إلى أن مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعث إلى أبي بكر يستأذنه في الرجوع؛ فأذن له؛ فمكث في المدينة مدة يسيرة ثم خرج إلى الجهاد في الشام والتعليم والقضاء فيها، وبقي فيها إلى أن مات في طاعون عَمَواس.
علمه وفقهه
أوتي معاذ بن جبل قلباً واعياً، ونفساً زكية، وخلقاً سمحاً، وهمّة عالية، ونهمة في طلب العلم، وحرصاً على أبواب الخير، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان أحرص ما يكون على قراءة القرآن؛ فقرأ على ابن مسعود في أوّل الأمر حتى حذق ما لديه، ثمّ قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمع القرآن في عهده، وكان من المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
- قال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن عبد الله بن مسعود قال: (جاء معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أقرئني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرئه»، فأقرأته ما كان معي، ثم اختلفت أنا وهو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه معاذ، فكان معلّما من المعلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي شيبة.
-وقال شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي)متفق عليه.
- وقال إبراهيم النخعي، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «استقرئوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبيّ، ومعاذ بن جبل». رواه البخاري.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤمّ قومه». رواه البخاري، ورواه مسلم من طريق منصور بن المعتمر عن عمرو عن جابر أنَّ معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة.
- وقال زائدة الأعمش، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: ((كيف تقول في الصلاة؟))
قال: أتشهد ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حولها ندندن)). رواه أحمد وأبو داوود، ورواه ابن ماجه، وابن خزيمة وغيرهما من طريق جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.
قال ابن خزيمة: (الدندنة الكلام الذي لا يفهم).
- وقال معمر، عن عاصم، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويبعدني عن النار.
قال: « لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت».
ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل» ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى {يعملون}.
ثم قال: « ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟».
قلت: بلى يا رسول الله!
قال: « رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد».
ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟!».
قلت: بلى يا رسول الله!
فأخذ بلسانه فقال: «كفَّ عليك هذا».
قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟!!
قال: « ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟ ». رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي في الكبرى.
وقد رواه أحمد أيضاً وغيره من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عروة بن النزال وعن ميمون بن أبي شبيب، والحديث صحيح بمجموع هذه الطرق.
- وقال حرملة بن عمران التجيبي، عن أبي السِّمط سعيد بن أبي سعيد المهري، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ معاذ بن جبل أراد سفراً فقال: يا نبي الله أوصني؟
قال: (( اعبد الله ولا تشرك به شيئاً )).
قال: يا نبي الله زدني؟
قال: (( إذا أسأت فأحسن )).
قال: يا نبي الله زدني؟
قال: (( استقم وأحسن خلقك للناس)). رواه يعقوب بن سفيان، وابن حبان، والطبراني، والحاكم في المستدرك.
إمامته وتعليمه
انتدبه النبي صلى الله عليه وسلم مراراً لتعليم القرآن والتفقيه في شرائع الدين، فعلّم في المدينة، وفي مكة بعد الفتح، وفي اليمن بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليها معلّماً قاضياً وأميراً، ثمّ عاد إلى المدينة في خلافة أبي بكر، ثمّ انتدبه عمر إلى حمص وفلسطين ليقرئ أهلها ويعلّمهم؛ فعلّم في حمص حتى رضي، ثم انتقل إلى فلسطين؛ فبقي فيها معلّماً حتى مات في طاعون عمواس سنة 18هـ وهو ابن ثمانية وثلاثين.
-قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف معاذ بن جبل رضي الله عنه على أهل مكة حين خرج إلى حنين، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم الناس القرآن وأن يفقههم في الدين، ثم صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عامدا إلى المدينة، وخلف معاذ بن جبل على أهل مكة». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال مسلم بن خالد الزنجي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: (يا بني أود! إني رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، تعلمون أن المعاد إلى الله عز وجل، ثم إلى الجنة أو إلى النار، وإقامة لا ظعن، وخلود لا موت، في أجساد لا تموت). رواه الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في البعث والنشور.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)
بعثته إلى اليمن
- قال يحيى بن عبد الله بن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب». رواه البخاري.
- وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم جده أبا موسى ومعاذا إلى اليمن، فقال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا».
فقال أبو موسى: يا نبي الله إنَّ أرضنا بها شراب من الشعير المزر، وشراب من العسل البتع.
فقال: «كل مسكر حرام».
فانطلقا؛ فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟
قال: قائماً وقاعداً وعلى راحلتي، وأتفوّقه تفوّقاً.
قال: (أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي).
وضرب فسطاطا، فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق، فقال: ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد، فقال معاذ: (لأضربن عنقه). رواه البخاري في صحيحه.
- وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: حدثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكوني أنَّ معاذاً لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خرج معه النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: (( يا معاذ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمرَّ بمسجدي وقبري))
فبكى معاذ بن جبل جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا تبك يا معاذ، البكاء، أو إن البكاء من الشيطان )). رواه أحمد في المسند، والطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في السنن الكبرى.
قال البيهقي: (وهذا في بعثته الثانية).
- وقال أبو النضر هاشم بن القاسم الليثي: حدثنا أبو معاوية شيبان، عن أشعث، عن الأسود بن يزيد، قال: (أتانا معاذ بن جبل باليمن معلّماً وأميراً؛ فسألناه عن رجل توفي وترك ابنته وأخته، فأعطى الابنة النصف والأخت النصف). رواه البخاري.
- وقال الأوزاعي: حدثني حسان بن عطية، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلينا، قال: فسمعت تكبيرةً مع الفجر لرجلٍ أجشّ الصوت.
قال: فألقيت عليه محبَّتي.
قال: (فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتاً، ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده فأتيت ابن مسعود فلزمته حتى مات). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في السنن الكبرى.
سماحته وورعه
- قال معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: كان معاذ بن جبل رجلاً سمحاً شاباً جميلاً من أفضل شباب قومه، وكان لا يمسكُ شيئاً؛ فلم يزل يدّان حتى أغلق ماله كله من الدين، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يطلب إليه أن يسأل غرماءَه أن يضعوا له، فأبوا، فلو تركوا لأحد من أجل أحد، تركوا لمعاذ بن جبل من أجل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فباع النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ ماله في دينه، حتى قام معاذ بغير شيء، حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميراً ليجبره؛ فمكث معاذ باليمن وكان أوَّل من اتّجر في مال الله هو، ومكث حتى أصاب، وحتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قبض قال عمر لأبي بكر: (أرسل إلى هذا الرجل، فدع له ما يعيّشه، وخذ سائره منه).
فقال أبو بكر: (إنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجبره، ولست بآخذٍ منه شيئاً إلا أن يعطيني).
فانطلق عمر إلى معاذ إذ لم يطعه أبو بكر، فذكر ذلك عمر لمعاذ، فقال معاذ: (إنما أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبرني، ولست بفاعلٍ).
ثم لقي معاذ عمر فقال: (قد أطعتك، وأنا فاعل ما أمرتني به، إني أريت في المنام أني في حومة ماء، قد خشيت الغرق، فخلصتني منه يا عمر).
فأتى معاذٌ أبا بكر فذكر ذلك له، وحلف له أنه لم يكتمه شيئاً حتى بيَّن له سوطه.
فقال أبو بكر: (لا والله لا آخذه منك، قد وهبته لك).
قال عمر: (هذا حين طاب وحلَّ).
قال: (فخرج معاذ عند ذلك إلى الشام). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في دلائل النبوة.
وأما قوله: (حتى إذا كان عام فتح مكة بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على طائفة من اليمن أميراً) إن كانت هذه العبارة محفوظة ففيها تجوّز؛ لأنه ثبت شهوده لغزوة تبوك، وإنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك البعثة الأولى وذلك عام تسع للهجرة، ثم بعثه ثانية بعد ذلك بعام.
- وقال عبيد بن غنام بن حفص بن غياث النخعي: حدثني أبي، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله رضي الله عنه قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فاستعمل أبو بكر رضي الله عنهما عمر على الموسم، فلقي معاذاً بمكة ومعه رقيق، فقال: ما هؤلاء؟
فقال: «هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لأبي بكر».
فقال له عمر: إني أرى لك أن تأتي بهم أبا بكر.
قال: فلقيه من الغد، فقال: «يا ابن الخطاب، لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو إلى النار وأنت آخذ بحجزتي، وما أراني إلا مطيعك».
قال: فأتى بهم أبا بكر، فقال: «هؤلاء أُهْدوا لي وهؤلاء لك».
قال: فإنا قد سلمنا لك هديتك، فخرج معاذ إلى الصلاة، فإذا هم يصلون خلفه، فقال معاذ: «لمن تصلون؟»
قالوا: لله عز وجل.
فقال: «فأنتم له، فأعتقهم». رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في دلائل النبوة.
وروى ابن سعد والحاكم أيضاً نحوه من طريق شيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش، عن شقيق.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن سعيد بن وهب الخيواني قال: جلب أعرابيٌّ غنماً فمرَّ به معاذ بن جبل فساومه، فحلف الأعرابي أن لا يبيعه بذلك، ثم مرَّ به الأعرابي بعد ذلك، فقال لمعاذ: هل لك فيها؟
قال: «بكم؟»
قال: بالثمن الذي أعطيتني.
فقال معاذ: « ما كنت لأوثمك ». رواه عبد الرزاق.
صفاته وشمائله
- قال جعفر بن برقان الكلابي: أخبرنا حبيب بن أبي مرزوق، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي مسلم الخولاني قال: دخلت مسجد حمص فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلاً من أصحاب النبي عليه السلام، وإذا فيهم شاب أكحل العينين، برّاق الثنايا، ساكت لا يتكلم، فإذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه.
فقلت لجليس لي: من هذا؟
قال: (معاذ بن جبل). رواه ابن سعد، وابن عساكر، وزاد: (فوقع له في نفسي حبّ؛ فكنت معهم حتى تفرّقوا، ثم هجَّرتُ إلى المسجد؛ فإذا معاذ بن جبل قائمٌ يصلّي إلى سارية؛ فسكتّ لا يكلمني؛ فصليت ثم جلست بيني وبينه السارية؛ فاحتبيت بردائي، ثم جلس فسكت، لا يكلمني، وسكت لا أكلمه، ثم قلت: (والله إني لأحبك).
قال: (فيم تحبني؟).
قال: قلت: (في الله).
قال: فأخذ بحبوتي؛ فجرَّني إليه هنية ثم قال: (أبشر إن كنت صادقاً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء)).
قال: فخرجت فلقيت عبادة بن الصامت فقلت: يا أبا الوليد ألا أحدثك بما حدثني به معاذ بن جبل في المتحابين؟!
قال: فأنا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه إلى الربّ تعالى قال: [حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين في، وحقت محبتي للمتواصلين في].
ورواه أحمد وابن حبان بنحوه من طريق أبي المليح الرقي عن حبيب بن أبي مرزوق به.
-وقال أبو حازم بن دينار، عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجّرتُ فوجدتُه قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي.
قال: فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله
إني لأحبك لله
فقال: أالله؟
فقلت: أالله.
فقال: أالله؟
فقلت: أالله.
فقال: أالله؟
فقلت: أالله.
قال: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه، وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ)). رواه مالك في الموطأ، وأحمد في المسند، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان.
قلت: كان عمر أبي إدريس الخولاني عشر سنين حين رآه، وذلك أنه ولد عام حنين.
- وقال ابن وهب: أخبرني مالك بن أنس، عن أبي حازم بن دينار، عن أبي إدريس الخولاني قال: (دخلت مسجد دمشق فإذا أنا برجل براق الثنايا، طويل الصمت، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه فقيل: معاذ بن جبل رضي الله عنه). رواه الحاكم في المستدرك.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
بعض أخباره
- وقال عبد المؤمن بن خالد الحنفي: حدثنا عبد الله بن بريدة الأسلمي، عن أبي الأسود الديلي، قال: قلت لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: حدثني عن قصة الشيطان حين أخذته، فقال: جعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقة المسلمين فجعلت الثمر في غرفة، فوجدت فيه نقصانا، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذا الشيطان يأخذه» قال: فدخلت الغرفة فأغلقت الباب علي فجاءت ظلمة عظيمة فغشيت الباب، ثم تصور في صورة فيل، ثم تصور في صورة أخرى، فدخل من شق الباب فشددت إزاري علي فجعل يأكل من التمر، قال: فوثبت إليه فضبطته فالتقت يداي عليه فقلت: يا عدو الله، فقال: خل عني فإني كبير ذو عيال كثير وأنا فقير وأنا من جن نصيبين وكانت لنا هذه القرية قبل أن يبعث صاحبكم، فلما بعث أخرجنا عنها فخل عني، فلن أعود إليك فخليت عنه، وجاء جبريل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فنادى مناديه أين معاذ بن جبل، فقمت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك يا معاذ؟» فأخبرته فقال: «أما إنه سيعود» فعاد، قال: فدخلت الغرفة، وأغلقت علي الباب فدخل من شق الباب، فجعل يأكل من التمر فصنعت به كما صنعت في المرة الأولى، فقال: خل عني فإني لن أعود إليك، فقلت: يا عدو الله ألم تقل: لا أعود؟ قال: فإني لن أعود وآية ذلك علي أن لا يقرأ أحد منكم خاتمة البقرة فيدخل أحد منا في بيته تلك الليلة). رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال ابن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان، قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك، يحدث حين تخلَّف عن قصة تبوك ؛ فذكر الحديث بطوله، وفيه: قال كعب: ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك؛ فقال: وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب؟»
فقال رجل من بني سلمة: (يا رسول الله! حبسه برداه، ونظره في عطفه).
فقال معاذ بن جبل: (بئس ما قلت! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري.
- وقال معاذ بن هشام الدستوائي: حدثني أبي، حدثني القاسم بن عوف الشيباني قال: حدثنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه أتى الشام فرأى النصارى يسجدون لأساقفتهم وقسيسيهم وبطارقتهم، ورأى اليهود يسجدون لأحبارهم ورهبانهم وربانيهم وعلمائهم وفقهائهم، فقال: لأي شيء تفعلون هذا؟
قالوا: هذه تحية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قلت: فنحن أحق أن نصنع بنبينا.
فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إنهم كذبوا على أنبيائهم كما حرفوا كتابهم، لو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها، ولا تجد امرأةٌ حلاوةَ الإيمان حتى تؤدّي حقَّ زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب». رواه الحاكم في المستدرك.
ورواه بن ماجه وابن حبان والبيهقي بنحوه من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى.
ورواه البزار والطبراني في الكبير من طريق قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد بن أرقم.
مناقبه وفضائله
مناقب معاذ كثيرة جداً؛ فقد كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد بيعة العقبة، وغزوة بدر، وبيعة الرضوان، وجميع المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من علماء الصحابة وقرائهم، بل كان من المعلّمين في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة أبي بكر وعمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينتدبه للتعليم والقضاء.
وكان مع كلّ ذلك حسَن الخَلقِ والخُلُق، كريماً مفضالاً، وكان من أحبّ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل حلف له أنّه يحبّه.
-قال عقبة بن مسلم التجيبي: حدثني أبو عبد الرحمن الحبُلّي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوماً ثم قال:(( يا معاذ! والله إني لأحبك )).
فقال له معاذ: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك).
قال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داوود والنسائي في السنن الكبري.
-وقال خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( أرحم أمتي بأمّتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكلّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح).رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في الكبرى.
- وقال سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، بئس الرجل فلان وفلان» حتى عدّ سبعة، رواه ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والترمذي، والنسائي في السنن والكبرى، وغيرهم.
ورواه الحاكم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل به، وزاد قال عبد العزيز بن أبي حازم: (سبعة رجال سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمهم لنا سهيل).
-وقال يحيى بن أبي عمرو السَّيباني عن أبي العَجْفَاء عن عمر بن الخطاب مرفوعاً:(يأتي معاذ بين يدي العلماء رتوة).رواه أبو نعيم وابن أبي عاصم، وروي من طرق أخرى يشدّ بعضها بعضاً، وفي لفظ: (( معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة يوم القيامة )).
والسيباني بالسين المهملة بطنٌ من حِمْيَر.
واختلف في تفسير الرتوة؛ فقيل: هي الخطوة أو أقرب، وقيل: مقدار رمية بسهم، وقيل غير ذلك، والقول الأول أحظى بالشواهد.
استفاضة ثناء علماء الصحابة والتابعين عليه
- وقال موسى بن علي بن رباح اللخمي، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس بالجابية فقال: «من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإنَّ الله تعالى جعلني خازناً». رواه سعيد بن منصور في سننه، والحاكم في مستدركه.
- وقال حيوة بن شريح: أخبرني أبو صخرٍ أن زيد بن أسلم حدثه، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأصحابه: «تمنوا».
فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله وأتصدق.
وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجوهراً؛ فأنفقه في سبيل الله وأتصدق.
ثم قال عمر: «تمنوا».
فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين!
فقال عمر: «أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان». رواه أحمد في فضائل الصحابة، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم في المستدرك.
- قال شعبة بن الحجاج: حدثنا فراس [بن يحيى الهمداني] عن الشعبي عن مسروق قال: كنا عند بن مسعود فقرأ: (إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين)
فقال فروة بن نوفل: نسي.
فقال عبد الله: (من نسي أنا كنا نشبهه بإبراهيم عليه السلام). رواه مسدد بن مسرهد كما في إتحاف الخيرة، والحاكم في مستدركه.
- وقال سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان الكلاعي، قال: كان عبد الله بن عمرو يقول: (حدثونا عن العاقِلَين).
فيقال: من العاقلان؟
فيقول: (معاذ وأبو الدرداء). رواه ابن سعد، وابن عساكر.
- وقال مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق قال: (انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الستة: إلى عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت). رواه الحاكم وابن عساكر.
- وقال أبو زرعة الدمشقي: حدثنا أبو مسهر، أخبرنا سعيد بن عبد العزيز قال: (كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام، ثم كان العلماء بعد هؤلاء: زيد، ثم كان بعد زيد بن ثابت: ابن عمر، وابن عباس، ثم كان بعد سعيد بن المسيب). رواه ابن عساكر.
- قال الحافظ ابن عساكر: (كان ابن مسعود يسمّيه الأمة القانت، كان من أفضل شباب الأنصار حلماً وحياءً وبذلاً وسخاءً، وضيء الوجه، أكحل العينين، براق الثنايا، جميلاً وسيماً، أردفه النبي صلى الله عليه وسلم وراءه؛ فكان رديفه، وشيَّعه النبي صلى الله عليه وسلم ماشياً في مخرجه إلى اليمن وهو راكب، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عامله على اليمن، مات شهيداً بالشام في طاعون عمواس، لم يعقب).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
مواعظه ووصاياه
لمعاذ بن جبل وصايا جليلة نافعة تدل على ما يكتنز وراءها من العلم والفهم والنصح، وسأذكر طائفة منها هنا وطائفة منها في خبر وفاته رضي الله عنه.
- قال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذا الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا!
قال: أجلسوني.
فقال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، يقولها ثلاث مرات فالتمسوا العلم عند أربعة رهط، عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة» رواه أحمد، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، وأبو بشر الدولابي في الكنى، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم.
وفي رواية: ((إنَّ العلمَ والإيمانَ مكانهما إلى يوم القيامة، ومَنِ ابتغاهما وَجَدَهما)).
- وقال حماد بن سلمة: حدثنا أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن يزيد بن أبي عميرة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (تكون فتن فيكثر فيها المال، ويفتح القرآن حتى يقرأ الرجل والمرأة والصغير والكبير والمنافق والمؤمن، فيقرأه الرجل فلا يتبع، فيقول: والله لأقرأنه علانية، فيقرأه علانية فلا يتبع، فيتخذ مسجداً، ويبتدع كلاماً ليس من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإياكم وإياه؛ فإنه بدعة وضلالة). رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال ابن شهاب الزهري: حدثني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني أن يزيد بن عميرة - وكان من أصحاب معاذ بن جبل - أخبره قال: كان لا يجلس مجلساً للذكر حين يجلس إلا قال: «الله حكم قسط هلك المرتابون».
فقال معاذ بن جبل يوماً: (إنَّ من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟!! ما هم بمتبعيّ حتى أبتدع لهم غيره، فإيّاكم وما ابتدع، فإنَّ ما ابتدع ضلالة، وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنَّ الشيطانَ قد يقول كلمة الضلالةِ على لسانِ الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق).
قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أنَّ الحكيمَ قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟!
قال: «بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه؟!! ولا يثنينّك ذلك عنه، فإنَّه لعله أن يراجع، وتلقَّ الحقَّ إذا سمعتَه فإنَّ على الحقِّ نوراً». رواه أبو داوود في سننه، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والبيهقي في السنن الكبرى من طرق عن الزهري.
قال أبو داود: (قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: "ولا ينئينَّك ذلك عنه" مكان "يثنينك"، وقال صالح بن كيسان عن الزهري في هذا: "المشبهات" مكان "المشتهرات"، وقال: "لا يثنينك" كما قال عقيل، وقال ابن إسحاق عن الزهري قال: "بلى ما تشابه عليك من قول الحكيم حتى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟!!").
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو المغيرة الحمصي، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني عمرو بن قيس السكوني، قال: حدثني عاصم بن حميد قال: سمعت معاذاً يقول: (إنكم لن تروا من الدنيا إلا بلاء وفتنة، ولن يزداد الأمر إلا شدة، ولن تروا من الأئمة إلا غلظة، ولن تروا أمراً يهولكم أو يشتدّ عليكم إلا حقَّره بعده ما هو أشد منه).
قال أحمد بن حنبل: (اللهم رضينا . اللهم رضينا). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال محمد بن المبارك الصوري: حدثنا صدقة بن خالد، عن ابن جابر، حدثنا شيخ يكنى أبا عمرو، عن معاذ بن جبل، قال: (سيبلى القرآن في صدور أقوامٍ كما يبلى الثوب فيتهافت، يقرأونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا: سنبلغ، وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئاً). رواه الدارمي موقوفاً على معاذ، وله شواهد.
- وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سَلِمة عن معاذ بن جبل أنه قال: (كيف أنتم عند ثلاث: دنيا تقطع رقابكم، وزلة عالم، وجدال منافق بالقرآن؟)
فسكتوا.
فقال معاذ بن جبل: (أما دنيا تقطع رقابكم، فمن جعل الله غناه في قلبه فقد هُدي، ومن لا فليس بنافعته دنياه.
وأما زلة عالم؛ فإن اهتدى فلا تقلّدوه دينكم، وإن فتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن يفتن ثم يفتن ثم يتوب.
وأما جدال منافق بالقرآن، فإن للقرآن منارا كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد، فما عرفتم فتمسّكوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه). رواه وكيع في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والطبراني في الأوسط، أبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله كلهم من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة به، وألفاظهم متقاربة.
- وقال جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال المحاربي قال: قال معاذ بن جبل لرجل: (اجلس بنا نؤمن ساعة) يعني نذكر الله. رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان، وابن أبي شيبة في المصنف، وعلّقه البخاري في صحيحه.
- وقال محمد بن سيرين: جاء رجل معاذ بن جبل معه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه ويوصونه فقال له معاذ: (إني موصيك بأمرين إن حفظتهما حفظت ما قال لك أصحابك: إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فآثر نصيبك من الآخرة على نصيبك من الدنيا فإنه يأتي بك أو يمر بك على نصيبك من الدنيا فيتنظمه لك انتظاما فيزول معك أينما زلت). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الوهاب: حدثنا عبيد الله، عن سليمان بن حبيب، عن سعيد بن عشارة قال: كنت أرعى غنما نحو الشام، فذكر لي ركب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعرضت لهم فقلت: علموني، فقدموا إليَّ كلاماً كلّهم يأمرني بخير، وورائهم رجل على ناقة له فقال: مسألتك؟ وإني أراهم قد أكثروا عليك.
قال: أجل، والله لقد أكثروا علي حتى ما حفظت شيئاً مما قالوا.
قال: إني سأجمع لك ذلك في أمرين: إنه لا غنى بك عن حظك من الدنيا، وأنت إلى حظك من الآخرة أفقر، فإذا عرض لك أمران أحدهما لله، والآخر للدنيا فخذ الذي لله يأتي على حاجتك من الدنيا فينتظمها انتظام الدمية، ثم يزول معك حيث مازلت). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال مسعر، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: قال معاذ: «صل ونم، وصم وأفطر، واكتسب ولا تأثم، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوات أو دعوة مظلوم».رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، أن أبا الزاهرية، حدثه عن جبير بن نفير، عن معاذ بن جبل، أنه قال: (إذا أحببتَ أخاً فلا تماره، ولا تشاره، ولا تسأل عنه، فعسى أن توافق له عدواً فيخبرك بما ليس فيه فيفرّق بينك وبينه). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال الوليد بن مسلم: سمعت يزيد بن أبي مريم قال: سمعت أبا إدريس الخولاني، يقول: قال معاذ بن جبل رحمه الله: إنك مجالس قوما لا محالة يخوضون في الحديث، فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عز وجل عند ذلك رغبات، قال الوليد: فذكرت لعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فقال: نعم حدثني أبو طلحة حكيم بن دينار أنهم كانوا يقولون: (آية الدعاء المستجاب إذا رأيت الناس غفلوا، فارغب إلى ربك عز وجل عند ذلك رغبات). رواه أحمد في الزهد.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا الصلت بن راشد قال: سألت طاووسا عن شيء؛ فانتهرني.
وقال: أكان هذا؟
قلت: نعم.
قال: آلله؟
قلت: آلله.
قال: إن أصحابنا أخبرونا عن معاذ بن جبل أنه قال: (أيها الناس! لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله فيذهب بكم هاهنا وهاهنا، فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سُدّد، أو قال: وُفّق). رواه الدارمي في سننه، وأبو بكر الآجري في أخلاق العلماء، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن.
وفاته
- قال عبد الله بن العلاء بن زبر: سمعت بسر بن عبيد الله، أنه سمع أبا إدريس، قال: سمعت عوف بن مالك، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: (( اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً). رواه البخاري.
- وقال أبو أحمد الزبيري: حدثنا مَسَرَّة بن معبد، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: قال معاذ بن جبل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ستهاجرون إلى الشام فيفتح لكم ويكون فيكم داء كالدمل أو كالحرة يأخذ بمراقّ الرجل يستشهد الله به أنفسهم، ويزكي به أعمالهم )).
اللهم إن كنت تعلم أن معاذ بن جبل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطه هو وأهل بيته الحظ الأوفر منه، فأصابهم الطاعون فلم يبق منهم أحد فطعن في أصبعه السبابة، فكان يقول: (ما يسرني أن لي بها حمر النعم). رواه أحمد، وإسماعيل بن عبيد الله لم يدرك معاذاً، لكن يشهد له ما بعده.
- قال هشام بن خالد الدمشقي: الحسن بن يحيى الخشني، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن كثير بن مرة، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تنزلون منزلا يقال له: الجابية يصيبكم فيه داءٌ مثل غدَّة الجمل، يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم، ويزكّي به أعمالكم)). رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال موسى بن عبيدة الربذي، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أمّ سلمة قال: لما أصيب أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس استخلف معاذَ بن جبل، واشتد الوجع؛ فقال الناس: (يا معاذ! ادع الله يرفع عنا هذا الرجز).
فقال: « إنه ليس برجز، ولكنه دعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وشهادة يختص الله بها من يشاء منكم». رواه الطبراني في المعجم الكبير، وفيه انقطاع.
- وقال ثابت بن يزيد الأحول: حدثنا عاصم، عن أبي منيب الأحدب قال: خطب معاذ بالشام، فذكر الطاعون فقال: «إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم، وقبض الصالحين قبلكم. اللهم أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذه الرحمة» ثم نزل من مقامه ذلك، فدخل على عبد الرحمن بن معاذ فقال: عبد الرحمن: {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} فقال معاذ: ({ستجدني إن شاء الله من الصابرين}). رواه أحمد في المسند.
- وقال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن يزيد بن عميرة الزبيدي أنه لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا؟
قال: أجلسوني.
قال: (إنَّ العلم والإيمان مكانهما فمن ابتغاهما وجدهما، إن العلم والإيمان مكانهما فمن ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه عاشر عشرة في الجنة)). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال حماد بن سلمة: حدثنا أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن يزيد بن أبي عميرة قال: ولما مرض معاذ بن جبل مرضه الذي قبض فيه كان يغشى عليه أحيانا، ويفيق أحيانا، حتى غشي عليه غشية ظننا أنه قد قبض، ثم أفاق وأنا مقابله أبكي، فقال: «ما يبكيك؟»
قلت: والله لا أبكي على دنيا كنت أنالها منك، ولا على نسب بيني وبينك، ولكن أبكي على العلم والحكم الذي أسمع منك يذهب.
قال: (فلا تبكِ فإنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما؛ فابتغه حيث ابتغاه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنه سأل الله تعالى وهو لا يعلم وتلا: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين}، وابتغه بعدي عند أربعة نفر، وإن لم تجده عند واحد منهم فسل عن الناس أعيانه: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلمان، وعويمر أبو الدرداء، وإياك وزيغة الحكيم وحكم المنافق).
قال: قلت: وكيف لي أن أعلم زيغة الحكيم؟
قال: «كلمة ضلالة يلقيها الشيطان على لسان الرجل فلا يحملها ولا يتأمل منه، فإن المنافق قد يقول الحق، فخذ العلم أنى جاءك فإن على الحق نورا، وإياك ومعضلات الأمور». رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال يحيى بن عمرو بن راشد الليثي: حدثنا ابن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن شيخ بمكة - يعني ابن سابط - عن عمرو بن ميمون، قال: قدم علينا معاذ بن جبل ونحن باليمن، فقال: يا أهل اليمن أسلموا تسلموا، إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم؛ فوقعت له في قلبي محبة، فلم أفارقه حتى مات؛ فلما حضره الموت بكيتُ.
فقال لي: ما يبكيك؟
فقلت: أما إنه ليس عليك أبكي، إنما أبكي على العلم الذي يذهب معك.
قال: (إنَّ العلم والإيمان ثابتان إلى يوم القيامة، فالتمس العلم عند أربعة، عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام فإنه عاشر عشرة في الجنة، وسلمان الخير، وعويمر أبي الدرداء).
فلحقت بعبد الله بن مسعود فأمرني بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن «صلّ الصلاة لوقتها، واجعل صلاتهم تسبيحاً»
فذكرت فضيلة الجماعة فضرب على فخذي وقال: (ويحك إن الجماعة ما وافق طاعة الله). رواه الطبراني في مسند الشاميين، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وقوله: (واجعل صلاتهم تسبيحاً). أي: نافلة، وذلك لأنهم كانوا يؤخرون الصلاة.
- وقال معاذ بن هشام الدستوائي: حدثني أبي، عن قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاذ رديفه على الرحل، قال: «يا معاذ بن جبل!»، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك.
قال: «يا معاذ».
قال: لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً.
قال: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار».
قال: يا رسول الله! أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟
قال: «إذا يتكلوا»
قال: (وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً). رواه البخاري.
- وقال حميد بن عبد الله المزني، عن عيسى بن شريح بن حصين، عن ابن مالك بن يخامر، عن أبيه مالك بن يخامر أنه حضر وأصحابٌ له معاذ بن جبل عند وفاته؛ فقال له مالك: يا أبا عبد الرحمن حدثنا حديثا ينفعنا الله به.
فقال: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لكم فيه منفعة إلا قد حدثتكم به إلا حديثاً واحداً، ولو أعلم أني أقوم من مضجعي هذا لم أحدثكم به، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من مات لا يشرك بالله شيئاً وجبت له الجنة». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
- وقال سويد بن سعيد الحدثاني: حدثنا زياد بن الربيع، عن هشام، عن ابن سيرين، عن ابن الديلمي، قال: كنت ثالث ثلاثة ممن يخدم معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ فلما حضرته الوفاة قلنا له: يرحمك الله! إنا إنما صحبناك وانقطعنا إليك واتبعناك لمثل هذا اليوم لتحدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من مات وهو موقن بثلاث: أن الله تبارك وتعالى حقّ، وأنَّ الساعة قائمة، وأن الله يبعث من في القبور ))
قال ابن سيرين: فنسيت، إما قال: (( أدخله الجنة )) وإما قال: (( نجا من النار )). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
-قال موسى بن عقبة: (مات سنة ثمان عشرة في طاعون عمواس وهو ابن ثمان وثلاثين سنة).
- وقال النووي: (توفي في طاعون عَمَواس بالشام سنة ثمان عشرة، وقيل: سبع عشرة، والصحيح الأول، وقبره في مشاق غور بيان، وعمواس التي نسب إليها الطاعون بالرملة وبيت المقدس، نُسب الطاعون إليها لأنه بدأ بها، هو بفتح العين والميم، وتوفى شهيداً في الطاعون، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وقيل: أربع وثلاثين، وقيل: ثمان وثلاثين).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
5: سيرة معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ)
رواة التفسير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه
قرأ عليه جماعة من الصحابة والتابعين في بلدان شتى، ومن أشهر من قرأ عليه:الأسود بن يزيد النخعي قرأ عليه في اليمن قبل أن ينتقل إلى العراق، وفي حمص عبد الله بن قيس السكوني.
وروى عنه من الصحابة: أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وغيرهم.
ومن التابعين: مالك بن يخامر السكسكي، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وقيس بن أبي حازم البجلي، وكثير بن مرة الحضرمي، ويزيد بن عميرة الزبيدي، وأبو مسلم الخولاني، وعمرو بن ميمون الأودي، وعاصم بن حميد السكوني، وعبد الله بن سلِمة المرادي، وأبو إدريس الخولاني، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وغيرهم.
واختلف في سماع مسروق منه، وقد أدركه.
وأرسل عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وميمون بن أبي شبيب الربعي، وعطاء بن يسار المدني، وسالم بن أبي الجعد، وخالد بن معدان، وطاووس بن كيسان، ومصعب بن سعد بن أبي وقاص، وشهر بن حوشب، ومكحول، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعبادة بن نُسي الكندي، وعمرو بن مرة الجملي، وأبو ظبيان، وابن شهاب الزهري.
وقد قلّت الرواية عنه لتقدّم وفاته.
مما روي عنه في التفسير
أ: قال إبراهيم النخعي عن خاله الأسود بن يزيد عن ابن مسعود أنَّ رجلاً لقي امرأة في بعض طرق المدينة، فأصاب منها ما دون الجماع، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنزلت:{وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}، فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله! لهذا خاصة أو لنا عامة؟ قال: (( بل لكم عامة)). رواه عبد الرزاق وأحمد وابن جرير.
ب: وقال سريج بن النعمان الجوهري: حدثنا ابن الرماح عمر بن ميمون [البلخي] قال: حدثنا حميد بن أبي الخزامى قال: سئل معاذ بن جبل عن قول الله: {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} قال:{لا انفصام لها} يعني: لا انقطاع لها- مرتين- دون دخول الجنة). رواه ابن أبي حاتم، وفيه انقطاع.
ج: وقال مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي حسين، عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود! إني رسول رسول الله إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الله؛ إلى الجنة أو إلى النار {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير (29)}).رواه ابن أبي حاتم، والحاكم.
د: وقال الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة، قال: خطبنا معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه، فقال: (أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنّة، والله إنّي لأطمع أن يكون عامّة من تصيبون بفارس والرّوم في الجنّة، فإنّ أحدهم يعمل الخير فيقول: أحسنت بارك الله فيك، أحسنت رحمك الله، والله يقول: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم من فضله} ). رواه الحاكم في المستدرك.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
6: أبو المنذر أبيّ بن كعب بن قيس النجاري الأنصاري (ت:30هـ)
وهو أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الخزرجي الأنصاري.
يكنى أبا المنذر، وأبا الطفيل.
شهد بيعة العقبة الثانية، وبدراً وما بعدها، وكان من علماء الصحابة وقرائهم، بل روي أنه كان أقرأ الصحابة، وكان من أعلمهم بالقضاء.
- قال عمرو بن مرة، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق قال: ذكر عبد الله بن عمرو عبدَ الله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب». رواه البخاري في صحيحه، ورواه أحمد، ومسلم من طريق الأعمش عن أبي وائل عن مسروق.
- وقال همّامٌ: حدّثنا قتادة، قال: سألت أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه: من جمع القرآن على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟
قال: (أربعةٌ، كلّهم من الأنصار: أبيّ بن كعبٍ، ومعاذ بن جبلٍ، وزيد بن ثابتٍ، وأبو زيدٍ). رواه البخاري.
- وقال أبو السليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. قال: فضرب في صدري، وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر»رواه أحمد، ومسلم.
- وقال شعبة: سمعت قتادة، يحدث عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا}»، قال: وسماني لك؟ قال: «نعم»، قال: فبكى. رواه البخاري ومسلم.
- وقال أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت عليَّ سورة، وأمرت أن أقرئكها».
قال: قلت: أسميت لك؟
قال: «نعم».
قلت لأبيّ: أفرحت بذلك يا أبا المنذر؟
قال: (وما يمنعني والله تعالى وتبارك يقول: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}؟). رواه البخاري في خلق أفعال العباد، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر: « أبيّ أقرؤنا، وإنا لندع من لحنِ أبيّ، وأبيّ يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء » رواه البخاري.
- وقال محمّد بن شعيب بن شابورٍ: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبرٍ، عن بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس، عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه، أنّه كان يقرأ: [إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة، حميّة الجاهليّة ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فأنزل الله سكينته على رسوله] فبلغ ذلك عمر فاشتدّ عليه، فبعث إليه، وهو يهنأ ناقةً له، فدخل عليه، فدعا ناسًا من أصحابه، فيهم زيد بن ثابتٍ فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيدٌ على قراءتنا اليوم، فغلّظ له عمر، فقال له أبيٌّ: أأتكلّم؟
فقال: تكلّم.
قال: « لقد علمتَ أنّي كنتُ أدخل على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويقرئني، وأنتم بالباب، فإن أحببت أن أقرئ النّاس على ما أقرأني أقرأتُ، وإلّا لم أقرئ حرفًا ما حييت» قال: (بل أقرئ النّاس). رواه الحاكم في المستدرك.
ورواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، وغيره، عن عطية بن قيس، عن أبي إدريس الخولاني أن أبا الدرداء وأصحاباً له خرجوا بمصحفهم حتى قدموا المدينة يثبّتون حروفه على عمر، وزيد بن ثابت، وأبيّ بن كعب...) فذكر الخبر بنحوه.
- وقال هشيم بن بشير: أنبأنا مغيرة، عن إبراهيم، عن خرشة بن الحر، قال: رأى معي عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوحاً مكتوباً فيه: {إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}؛ فقال لي عمر: من أملى عليك؟
فقلت: أبي بن كعب.
فقال عمر: كان أبيٌّ أقرأنا للمنسوخ.
فقرأها عمر: [فامضوا إلى ذكر الله]). رواه سعيد بن منصور.
- وقال أيّوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب قال: سمعت أبيّ بن كعبٍ، «أما أنا فأقرأ القرآن في ثماني ليال». رواه عبد الرزاق، وابن سعد.
- وقال هشيم بن بشير: حدثنا خالد، عن أبي قلابة (أنّ أبيّ بن كعبٍ كان يختم القرآن في كلّ ثمانٍ، وأنّ تميمًا الدّاريّ كان يختم في كلّ سبعٍ). رواه سعيد بن منصور.
- وقال الحسن بن صالح عن مطرف، عن الشعبي، عن مسروق، قال: (كان أصحاب القضاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، وأبي، وزيد، وأبو موسى). رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي قال: قال رجل منا يقال له: جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر في خلافته، فانتهيت إلى المدينة ليلاً، فغدوت عليه، وقد أعطيت فطنةً ولساناً - أو قال: منطقاً - فأخذت في الدنيا فصغرتها، فتركتها لا تسوى شيئاً، وإلى جنبه رجل أبيض الشعر أبيض الثياب، فقال لما فرغت: (كل قولك كان مقارباً إلا وقوعك في الدنيا، وهل تدري ما الدنيا؟ إنَّ الدنيا فيها بلاغنا - أو قال: زادنا - إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة).
قال: فأخذ في الدنيا رجل هو أعلم بها مني.
فقلت: يا أمير المؤمنين! من هذا الرجل الذي إلى جنبك؟
قال: (سيد المسلمين أبي بن كعب). رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن سعد في الطبقات.
- قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: سمعت أبا مسهر يقول: (أبيّ بن كعب سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنصار، فلم يمت حتى قالوا: سيد المسلمين). رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال عبد الملك بن سعيد ابن أبجر الهمداني، عن الشعبي، عن مسروق قال: سألت أبي بن كعب عن مسألة؛ فقال: يا ابن أخي! أكان هذا؟
قلت: لا.
قال: «فأحمنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا». رواه ابن سعد.
- وقال ابن سعد: (وقد شهد أبي بن كعب العقبة مع السبعين من الأنصار في روايتهم جميعا، وكان أبي يكتب في الجاهلية قبل الإسلام، وكانت الكتابة في العرب قليلة، وكان يكتب في الإسلام الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
صفاته
- قال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت البناني، وحميد، عن الحسن، عن عتي السعدي قال: «قدمت المدينة فجلست إلى رجل أبيض الرأس واللحية يحدث، وإذا هو أبي بن كعب». رواه ابن سعد.
- وقال يونس ومبارك عن الحسن: حدثنا عتي السعدي، قال: «رأيت أبي بن كعب رضي الله عنه أبيض الرأس واللحية ما يخضب». رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
- وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: (إن أبي بن كعب بن عمرو بن مالك بن النجار مات في خلافة عثمان، وكان أبيض الرأس واللحية). رواه الحاكم.
مواعظه ووصاياه
- قال عثمان بن غياث الراسبي: سمعت أبا السليل، قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس حتى يكثر عليه، فيصعد على ظهر بيت، فيحدث الناس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أي آية في القرآن أعظم؟ "
فقال رجل: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}.
قال: فوضع يده بين كتفي، قال: فوجدت بردها بين ثديي، أو قال: فوضع يده بين ثديي، فوجدت بردها بين كتفي، قال: (( يهنك يا أبا المنذر العلم العلم)). رواه أحمد في المسند، ومسدد بن مسرهد كما في إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري، وزاد: فصعد فوق بيت فحدثهم، قال: إن الله تعالى إذا ما أحبَّ عبداً في السماء أنزل حبه إلى ملائكته فنادى مناد: إن الله تعالى قد أحبَّ فلاناً فأحبوه؛ فينزل حبّه إلى أهل الأرض، وإذا أبغض عبداً في السماء أنزل بغضه إلى الملائكة فنادى مناد: إن الله قد أبغض فلاناً فأبغضوه، فينزل بغضه إلى أهل الأرض).
- قال أبو هارون الغنوي، عن مسلم بن شداد، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب، قال: «ما من عبد ترك شيئا لله عز وجل إلا أبدله الله به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح إلا أتاه الله ما هو أشد عليه منه حيث لا يحتسب». رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال عبد الله بن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن أبي داوود، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ليس من عبدٍ على سبيلٍ، وسنةٍ ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فمسته النار أبدًا، وليس من عبدٍ على سبيلٍ، وسنةٍ ذكر الله فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرةٍ يبس ورقها، فهي كذلك إذ أصابتها ريحٌ فتحات ورقها عنها إلا تحاتت خطاياه، كما يتحات من هذه الشجرة ورقها، وإن اقتصادًا في سنةٍ وسبيلٍ خيرٌ من اجتهادٍ في غير سنةٍ وسبيلٍ، فانظروا أعمالكم، فإن كانت اقتصادًا واجتهادًا أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم). رواه ابن المبارك في الزهد، والإمام أحمد في الزهد وابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد، ويعقوب بن سفيان في المعرفة، وغيرهم.
ووقع عند أبي نعيم عن أبي العالية بدل أبي داوود.
- وقال أسلم المنقري: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، يحدث عن أبيه، قال: لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه قلت لأبي بن كعب: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: «كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم، فكلوه إلى عالمه». رواه الحاكم.
- وقال يحيى بن يعمر عن أبي بن كعب قال: « تعلموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه ». رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
وفاته
- قال جعفر بن سليمان الضبعي: أخبرنا أبو عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله البجلي قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم، وإذا الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق حلق يتحدثون، قال: فجعلت أمضي إلى الحلق حتى أتيت حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبين كأنما قدم من سفر، فسمعته يقول: هلك أصحاب العقد ورب الكعبة ولا آسى عليهم، قالها ثلاث مرات، قال: فجلست إليه فتحدث مما قضي له، ثم قام، فلما قام سألت عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبي بن كعب سيد المسلمين، فتبعته حتى أتى منزله، فإذا هو رث المنزل ورث الكسوة يشبه بعضه بعضا، فسلمت عليه، فرد علي السلام، ثم سألني ممن أنت؟ قلت: من أهل العراق، قال: أكثر شيء سؤالا. قال: فلما قال ذلك غضبت فجثوت على ركبتي واستقبلت القبلة ورفعت يدي، فقلت: اللهم إنا نشكوهم إليك، إنا ننفق نفقاتنا، وننصب أبداننا، ونرحل مطايانا ابتغاء العلم، فإذا لقيناهم تجهمونا، وقالوا لنا؛ فبكى أبي، وجعل يترضاني وقال: ويحك م أذهب هناك، ثم قال: إني أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمنَّ بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أخاف فيه لومة لائم، ثم أراه قام، فلما قال ذلك انصرفت عنه، وجعلت أنتظر الجمعة لأسمع كلامه، قال: فلما كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجاتي، فإذا السكك غاصة بالناس، لا آخذ في سكة إلا يلقاني الناس، قلت: ما شأن الناس؟
قالوا: نحسبك غريبا.
قلت: أجل.
قالوا: مات سيد المسلمين أبي بن كعب.
قال: فلقيت أبا موسى بالعراق، فحدثته بالحديث، فقال: والهفاه ألا كان بقي حتى يبلغنا مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن سعد، وأبو يعلى، والحاكم.
- وقال عوف، عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي، قال: قلت لابي بن كعب: ما شأنكم يا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نأتيكم من الغربة نرجو عندكم الخير أن نستفيده عندكم فتهاونون بنا؟!
فقال أبي: أما والله لئن عشت إلى هذه الجمعة لأقولنَّ قولاً لا أبالي استحييتموني أو قتلتموني.
قال: فلما كان يوم الجمعة من بين الأيام، خرجت من منزلي، فإذا أهل المدينة يؤذنون في سككها، فقلت لبعضهم: ما شأن الناس؟!
قالوا: وما أنت من أهل البلد؟
قلت: لا.
قال: فإنَّ سيد المسلمين مات اليوم.
قلت: من هو؟
قال: أبي بن كعب.
فقلت في نفسي: (والله ما رأيت كاليوم في الستر أشد مما ستر هذا الرجل). رواه ابن سعد
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
تاريخ وفاته
وقد اختلف في سنة وفاته اختلافاً كثيراً على أقوال أشهرها ستة أقوال:
القول الأول: سنة تسع عشرة للهجرة، وهو قول أبي أحمد الحاكم.
والقول الثاني: سنة تسع عشرة أو عشرين للهجرة، وهو قول يحيى بن معين.
والقول الثالث: سنة اثنتين وعشرين للهجرة، وهو قول محمد بن عبد الله بن نمير، وأبي عبيد.
والقول الرابع: سنة ثلاثين في خلافة عثمان سنة 30هـ وهو أرجح، لأنه روي عنه أنه شهد كتابة المصاحف العثمانية، وكانت سنة خمس وعشرين للهجرة.
- قال الواقدي: (وهو أثبت هذه الأقاويل عندنا، وذلك أن عثمان بن عفان أمره أن يجمع القرآن).
والقول الخامس: مات سنة اثنتين وثلاثين، وهو قول خليفة بن خياط.
والقول السادس: مات سنة اثنتين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين، وهو قول عبيد الله بن سعد الزهري.
- قال أبو الزنباع روح بن الفرج: حدثنا يحيى بن بكير، قال: (توفي أبي بن كعب رضي الله عنه، يكنى أبا المنذر بالمدينة سنة ثنتين وعشرين، وقائل يقول: سنة ثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه). رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال محمد بن عبد الله بن نمير: «مات أبي بن كعب رضي الله عنه، في خلافة عمر سنة اثنتين وعشرين» قال ابن نمير: ويقول بعضهم: «في خلافة عثمان رضي الله عنهم». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: (إن أبي بن كعب بن عمرو بن مالك بن النجار مات في خلافة عثمان، وكان أبيض الرأس واللحية). رواه الحاكم.
- قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: (كانت وفاته بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ظهر الطعن على عثمان). رواة التفسير عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه
رواة التفسير عن أبيّ بن كعب:
من الصحابة: سهل بن سعد، وابن عباس، وأنس بن مالك، وسليمان بن صرد الخزاعي، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي.
ومن التابعين: أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد الرحمن الحبُلّي، وزر بن حبيش، ويحيى بن يعمر.
وأرسل عنه: الحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة.
مما روي عنه في التفسير:
1: قال سفيان الثوري، عن عاصمٍ وعبدة، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: سألت أبيّ بن كعبٍ عن المعوّذتين؟ فقال: (سألت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «قيل لي فقلت» فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم). رواه البخاري.
2- قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ} قال: (مثل المؤمن قد جُعل الإيمانُ والقرآنُ في صدره {كمشكاةٍ} قال: المشكاة: صدره، {فيها مصباحٌ} قال: والمصباح القرآن والإيمان الّذي جعل في صدره، {المصباح في زجاجةٍ}، قال: والزّجاجة: قلبه، {الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ يوقد} قال: فمثله ممّا استنار فيه القرآن والإيمان كأنّه كوكبٌ درّيٌّ، يقول: مضيءٌ، {يوقد من شجرةٍ مباركةٍ} والشّجرة المباركة، أصل المباركة: الإخلاص للّه وحده، وعبادته، لا شريك له. {لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ} قال: فمثله مثل شجرةٍ التفّ بها الشّجر، فهي خضراء ناعمةٌ، لا تصيبها الشّمس على أيّ حالٍ كانت، لا إذا طلعت، ولا إذا غربت، وكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيءٌ من الغير، وقد ابتلي بها فثبّته اللّه فيها، فهو بين أربع خلالٍ: إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق؛ فهو في سائر النّاس كالرّجل الحيّ يمشي في قبور الأموات. قال: {نورٌ على نورٍ} فهو يتقلّب في خمسةٍ من النّور: فكلامه نورٌ، وعمله نورٌ، ومدخله نورٌ، ومخرجه نورٌ، ومصيره إلى النّور يوم القيامة في الجنّة). رواه ابن جرير.
3: وقال عليّ بن الحسين بن واقدٍ: حدّثني أبي، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: لمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوسٍ واحدةٍ، كانوا لا يبيتون إلّا بالسّلاح، ولا يصبحون إلّا فيه؛ فقالوا: ترون أنّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف إلّا الله؟
فنزلت: {وعد الله الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} إلى {ومن كفر بعد ذلك} يعني بالنّعمة {فأولئك هم الفاسقون}). رواه الحاكم في المستدرك.
4. وقال أبو رجاء محرز بن عبد الله الجزري، عن صدقة بن عبد الله السمين وفيه ضعف، عن إبراهيم بن مرة، قال: جاء رجل إلى أبي فقال: يا أبا المنذر، آية في كتاب الله قد غمّتني!
قال: أي آية؟
قال: {من يعمل سوءا يجز به}.
قال: (ذاك العبد المؤمن ما أصابته من نكبة مصيبة فيصبر فيلقى الله تعالى فلا ذنب له). رواه أبو نعيم في الحلية، وإبراهيم بن مرة لم يدرك أبيّ بن كعب.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
العناصر:
●اسمه ونسبه
●نشأته وإسلامه
● هجرته إلى الحبشة
● هجرته إلى المدينة
● جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
● شدة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
● ما روي أنه نزل فيه من القرآن
●علمه وقراءته وفقهه
●هديه وسمته
●ثناء الصحابة والتابعين عليه
● ابتعاثه إلى الكوفة
● إقراؤه وتعليمه
● إملاؤه المصاحف
●تهيّبه التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
● صفاته وشمائله
● بعض أخباره
● مرضه ووفاته
● مواعظه ووصاياه
● رواة القراءة والتفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه
● مما روي عنه في التفسير
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
اسمه ونسبه
اختلف في نسبه على أقوال أشهرها ما اختاره ابن سعد والبلاذري.
- قال ابن سعد: (عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأر بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة واسم مدركة عمرو بن إلياس بن مضر، ويكنى أبا عبد الرحمن).
وقال البلاذري مثله.
- وقال أحمد ابن رشدين المصري: أملى عليَّ موسى بن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: عبد الله بن مسعود بن كاهل بن حبيب بن فأر بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ». رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
- وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: «عبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن كاهل بن الحارث بن سعد بن هذيل من حلفاء بني زهرة». رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
وجدّة عبد الله لأمّه امرأةٌ من بني زهرة بن كلاب، ولذلك حالف أبوه مسعود أخوال زوجته وهو بنو عبدِ بن الحارث بن زهرة بن كلاب من قريش.
- قال أبو القاسم البغوي: (أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن الحارث بن الهذلي حليف بني زهرة).
- قال ابن سعد: (حالف مسعود بن غافل عبد بن الحارث بن زهرة في الجاهلية، وأم عبد الله بن مسعود أم عبد بنت عبد ود بن سواء بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل، وأمها هند بنت عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب).
نشأته وإسلامه
نشأ ابن مسعود بمكة، وكان يرعى الغنم لعقبة بن أبي معيط، وأسلم قديماً مع السابقين الأوّلين إلى الإسلام وهو غلام، ثم نشأ في الإسلام نشأة حسنة.
وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الزبير بن العوام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أوّل الإسلام يؤاخي بين بعض أصحابه ليعين الغنيّ الفقير، والقويّ الضعيف.
- قال يعلى بن مسلم المكي، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: (إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم آخى بين الزبير وابن مسعود). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- قال الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله: «لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا». رواه ابن أبي شيبة، والطبراني في الكبير.
- قال عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كنت غلاماً يافعاً أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين؛ فقالا: يا غلام! هل عندك من لبن تسقينا؟
قلت: إني مؤتمن ولست ساقيكما.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟»
قلت: نعم.
فأتيتهما بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح الضرع ودعا؛ فحفل الضرع، ثم أتاه أبو بكر بصخرة منقعرة أو منقرة؛ فاحتلب فيها فشرب، وشرب أبو بكر، ثم شربت، ثم قال للضرع: « اقلص » فقلص.
قال: فأتيته بعد ذلك فقلت: (علمني من هذا القول).
قال: « إنك غلام معلم». رواه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وأبو يعلى الموصلي.
- وقال يعقوب بن إبراهيم الزهري: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه قال: كان أوَّلَ من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود قال: اجتمع يوماً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمَن رجلٌ يُسمعِهُموه؟
قال عبد الله بن مسعود: «أنا».
قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه.
قال: «دعوني فإنَّ الله عز وجل سيمنعني».
قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها فقام عند المقام، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم رافعاً صوته {الرحمن علم القرآن}.
قال: ثم استقبلها يقرأ فيها.
قال: وتأملوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أم عبد؟
قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه.
فقالوا: هذا الذي خشينا عليك.
قال: «ما كان أعداءُ الله أهونَ عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها».
قالوا: (حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون). رواه أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، أن ابن مسعود، قال: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين). رواه مسلم.
هجرته إلى الحبشة
هاجر ابن مسعود الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم عاد إلى مكة مع من عاد، ثم هاجر إلى المدينة بعد ذلك.
- قال سعيد بن يحيى الأموي: حدثني أبي عن محمد بن إسحاق قال: فيمن شهد بدرا وفي مهاجرة الحبشة: (عبد الله بن مسعود حليف بني زهرة). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال محمد بن ربيعة الكلابي، عن أبي عميس، عن القاسم بن عبد الرحمن: «أن عبد الله بن مسعود أُخذ في أرض الحبشة في شيء، فرشا دينارين». رواه ابن سعد.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
هجرته إلى المدينة
هاجر ابن مسعود رضي الله عنه إلى المدينة، وكان شديد القرب منه، يخدمه، ويتعلّم منه، ويكثر الدخول عليه حتى ظُنَّ أنه من أهل بيته.
جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم
شهد بدراً، وهو الذي أجهز على أبي جهل، ثم شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان ممن استجاب الله وللرسول في غزوة حمراء الأسد، وممن بايع تحت الشجرة، وممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين.
- قال أبو خيثمة زهير بن معاوية الكوفي، عن سليمان التيمي، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ينظر ما صنع أبو جهل». فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، قال: أأنت، أبو جهل؟
قال: فأخذ بلحيته، قال: وهل فوق رجل قتلتموه، أو رجل قتله قومه). رواه البخاري.
شدة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم
كان ابن مسعود رضي الله عنه شديد الملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان من أعرف الناس بهديه وسمته، ومن أعلم الناس بتنزيل القرآن، ومقاصد الحديث النبوي.
- قال الحسن بن عبيد الله النخعي: حدثنا إبراهيم بن سويد، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذنك عليَّ أن ترفع الحجاب، وأن تستمع سوادي حتى أنهاك». رواه أحمد، ومسلم، وابن أبي شيبة.
- - قال أحمد بن حنبل: (سوادي: سرّي، أذن له أن يسمع سرّه).
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن الأسود بن يزيد، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «قدمت أنا وأخي من اليمن؛ فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمَّه إلا من أهل البيت، من كثرة دخولهم ولزومهم له» رواه البخاري، ومسلم.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعي قال: ذهب علقمة إلى الشأم؛ فأتى المسجد فصلى ركعتين، فقال: اللهم ارزقني جليساً، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت؟
قال: من أهل الكوفة؟
قال: (أليس فيكم صاحب السرّ الذي كان لا يعلمه غيره؟! يعني حذيفة
أليس فيكم - أو كان فيكم - الذي أجاره الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الشيطان؟! يعني عماراً
أوليس فيكم صاحب السواك والوساد؟! يعني ابن مسعود). رواه أحمد والبخاري، وابن سعد.
وفي رواية أحمد: "اللهمّ وفقني جليساً صالحاً".
وفي رواية ابن سعد: "صاحب السواد".
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: «كان عبد الله يُلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا، فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه، ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه ابن سعد، وهو مرسل.
- وقال وكيع: حدثنا المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي المليح الهذلي، قال: «كان عبد الله يستر النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، ويمشي معه في الأرض وحشا». رواه ابن أبي شيبة، وفيه انقطاع.
- وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص قال: شهدت أبا موسى وأبا مسعود حين مات عبد الله بن مسعود فقال أحدهما لصاحبه: (أتراه ترك بعده مثله؟!)
فقال: (إن قلت ذاك، إن كان ليدخل إذا حُجبنا، ويشهد إذا غبنا).رواه مسلم، وابن سعد.
- وقال مجاهد بن جبر: حدثني عبد الله بن سخبرة أبو معمر قال: سمعت ابن مسعود، يقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن: «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: (السلام - يعني - على النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
ما روي أنه نزل فيه من القرآن
- قال علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا} إلى آخر الآية، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قيل لي: أنت منهم». رواه مسلم.
- قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا سفيان، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (نزلت في ستة، أنا وابن مسعود منهم، وكان المشركون قالوا له: تدني هؤلاء؟!!). رواه مسلم في صحيحه، ورواه النسائي في فضائل الصحابة وقال في آخره: (فأنزلت أن ائذن لهؤلاء).
- وقال إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد: أنبأنا عبيد الله بن موسى، قال: أنبأنا المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر؛ فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك؛ فإنهم وإنهم.
قال: وكنت أنا، وابن مسعود، ورجلٌ من هذيل، وبلال، ورجلان نسيت أسماءَهما؛ فأنزل الله عز وجل {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} إلى قوله {الظالمين}). رواه النسائي في فضائل الصحابة.
- وقال محمد بن عبد الله الأسدي، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر؛ فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا.
قال: (وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه؛ فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}). رواه مسلم في صحيحه.
- وقال سًنيد: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: قال عكرمة [في قول الله تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}: (نزلت في ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل). رواه ابن جرير.
- وقال المسعودي، عن علي بن علي السائب، عن إبراهيم النخعي، قال: قال عبد الله: (نزلت هذه الآية فينا ثمانية عشر، قوله: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}). رواه ابن أبي حاتم.
علمه وقراءته وفقهه
كان من علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم، حسنَ الصوت بقراءة القرآن، حفظ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وجمع القرآن في عهده، وعرضه عليه مراراً، حتى روي أنه عرضه عليه في العام الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين؛ فأنبأه أنه محسن.
وكان من المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بشَّره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وشهد له بإحسان القراءة، وكان من أعلم الصحابة بنزول القرآن,
- قال مسروق بن الأجدع: كنا نأتي عبد الله بن عمرو فنتحدث إليه؛ فذكرنا يوماً عبد الله بن مسعود، فقال: لقد ذكرتم رجلاً لا أزال أحبّه بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد فبدأ به، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة )). رواه البخاري ومسلم.
- وقال إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «أحسنت»رواه البخاري وابن أبي شيبة.
- وقال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، قال: كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف؛ فقال رجل: ما هكذا أنزلت!!
قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنت» ووجد منه ريح الخمر، فقال: (أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر فضربه الحد). رواه البخاري.
- وقال عبد الملك بن ميسرة: سمعت النزال بن سبرة الهلالي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رجلا قرأ آية، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: «كلاكما محسنٌ، ولا تختلفوا، فإنَّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا». رواه البخاري في صحيحه.
- وقال عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعبد الله يصلي، فافتتح بسورة النساء فَسَحَلَها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد))، ثم قعد، ثم سأل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سل تعطه، سل تعطه)).
فقال فيما يقول: (اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، ومرافقة نبينا محمد في أعلى جنة الخلد)
(فأتى عمر عبد الله ليبشره، فوجد أبا بكر قد سبقه). رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان.
- وقال عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن المصطلق رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد.
- وقال الأعمش: حدثنا شقيق بن سلمة، قال: خطبنا عبد الله بن مسعود فقال: «والله لقد أخذتُ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم» رواه البخاري ومسلم.
- وقال الأعمش: حدثنا مسلم [بن صبيح]، عن مسروق، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه» رواه البخاري.
- وقال إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: نُبّئت أن ابن مسعود، قال: «لو أعلم أنَّ أحداً تبلغنيه الإبل أحدث عهداً بالعرضة الأخيرة مني لأتيته، أو لتكلفت أن آتيه». رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن، والواسطة بين ابن سيرين وابن مسعود لم تُسمَّ، لكن يشهد لهذا الخبر ما رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد والنسائي في الكبرى والحاكم وغيرهم من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أيّ القراءتين تعدون أوَّل؟
قالوا: قراءة عبد الله.
قال: (لا، بل هي الآخرة، كان يعرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عام مرة؛ فلما كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرتين، فشهد عبد الله؛ فعلم ما نُسخ وما بُدِّل).
- وقال الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي عبيدة، قال: سمعت أبا موسى، يقول: «لمجلسٌ كنت أجالسه عبد الله أوثق من عمل سنة». رواه ابن أبي شيبة.
هديه وسمته
كان ابن مسعود رضي الله عنه من أشبه الصحابة هدياً وسمتاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أقربهم وسيلة إلى الله، وأعلاهم منزلة في العلم والدين.
- قال عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد». رواه الحاكم في المستدرك، وهذا إسناد صحيح لولا أنّ بعض الرواة أدخل فيه بين عبد الملك وربعي مولى لربعيّ، لكن للحديث طرق وشواهد يقوّي بعضها بعضاً.
- وقال إسرائيل عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه، فقال: «ما أعرف أحدا أقرب سمتاً وهدياً ودلاً بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد» رواه البخاري في صحيحه، وأحمد في فضائل الصحابة.
- وقال زائدة، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنت قاعداً مع حذيفة؛ فأقبل عبد الله بن مسعود، فقال حذيفة: « إنَّ أشبه الناس هدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرج من بيته حتى يرجع فلا أدري ما يصنع في أهله لعبد الله بن مسعود، والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنَّ عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة). رواه أحمد، والترمذي.
- وقال أبو الوليد الطيالسي: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، يقول: قلنا لحذيفة: أخبرنا برجل قريب السمت والهدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ عنه، فقال: «ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أمّ عبد حتى يواريه جدار بيت».
قال: «ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله وسيلة». رواه ابن سعد.
- قال أبو معاوية الضرير: أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: «كان عبد الله يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته».
(وكان علقمة يشبه بعبد الله). رواه ابن سعد.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
ثناء الصحابة والتابعين عليه
ثناء الصحابة والتابعين على ابن مسعود رضي الله عنه مستفيض لما عرفوا عنه من العلم والهدي الصالح.
- قال عبد الله بن نمير عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: كنت جالساً في القوم عند عمر إذ جاء رجل نحيف قليل؛ فجعل عمر ينظر إليه ويتهلل وجهه، ثم قال: «كُنَيْفٌ ملئ علماً، كنيف ملئ علماً، كنيف ملئ علماً» فإذا هو ابن مسعود). ابن سعد في الطبقات، وأحمد في فضائل الصحابة.
والكُنيف تصغير كِنفٍ على جهة التحبيب والمدح، وهو وعاء يجمع فيه الراعي أو الصانع أداته وما يحتاج إليه.
- قال أبو منصور الأزهري: (شَبّه عمر قلْبَ ابنَ مسعودٍ بكِنْف الرَّاعِي، لأنَّ فيهِ مِبراتَه ومِقَصَّيْه وشَغِيزته ونُصُحَه، فَفِيهِ كلُّ مَا يُرِيد، هكذا قلْبُ ابن مسعود قد جمع فيه كلّ ما يحتاج إليهِ الناسُ من العلوم).
وقال في موضع آخر: (أراد أنه وعاء للعلوم بمنزلة الوعاء الذي يضع فيه الرجل أداته، وتصغيره على جهة المدح له).
- وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي خالد، قال: وفدت إلى عمر ففضل أهل الشام علينا في الجائزة، فقلنا له فقال: «يا أهل الكوفة أجزعتم أن فضلت أهل الشام عليكم في الجائزة لبعد شقتهم، لقد آثرتكم بابن أم عبد». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو أسامة الكوفي: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي، قالوا: أخبرنا عن عبد الله!
قال: «علم القرآن والسنة ثم انتهى وكفى بذلك علماً». رواه ابن أبي شيبة.
- قال الأعمش، عن حبة بن جوين قال: كنا عند علي، فذكرنا بعض قول عبد الله، وأثنى القوم عليه، فقالوا يا أمير المؤمنين: ما رأينا رجلا كان أحسن خلقا، ولا أرفق تعليما، ولا أحسن مجالسة، ولا أشد ورعاً من عبد الله بن مسعود فقال علي: نشدتكم الله، إنه لصدق من قلوبكم؟
قالوا: نعم.
فقال: «اللهم إني أشهدك اللهم إني أقول فيه مثل ما قالوا أو أفضل». رواه ابن سعد.
- وقال قبيصة بن عقبة: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حَبَّة قال: لما قدم علي الكوفة أتاه نفر من أصحاب عبد الله، فسألهم عنه حتى رأوا أنه يمتحنهم.
قال: (وأنا أقول فيه مثل الذي قالوا أو أفضل، قرأ القرآن؛ فأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنة). رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن أبي عبيدة المسعودي: حدثنا أبي، عن الأعمش، عن العلاء بن بدر، عن تميم بن حذلم قال: «قد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر فما رأيت أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون في مسلاخه يوم القيامة منك يا عبد الله بن مسعود». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في التاريخ الكبير، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم [بن صبيح]، عن مسروق، قال: (شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت.
ثم شاممت - يعني الستة - فوجدت علمهم انتهى إلى: علي، وعبد الله). رواه أبو زرعة الدمشقي، وابن سعد، والطبراني في الكبير.
- وقال الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: (لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجدتهم كالإخاذ؛ فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المِئَة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم؛ فوجدت عبد الله من ذلك الإخاذ). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو خيثمة في كتاب العلم، ويعقوب بن سفيان في المعرفة، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال أحمد بن حنبل: حدثنا ابن إدريس، عن مالك بن مغول قال: قال الشعبي: (ما دخل الكوفة أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنفع علماً، ولا أفقه صاحباً من ابن مسعود). رواه حنبل ابن إسحاق كما في تاريخ ابن عساكر.
ابتعاثه إلى الكوفة
كان ابن مسعود من جلساء عمر في المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى حمص غازياً، ثمّ كتب إليه عمر ينتدبه إلى الكوفة معلّماً ووزيراً لعمار بن ياسر، وأميناً على بيت المال.
فاتخذ سكناً بجوار المسجد الجامع في الكوفة، وكان له أثر مبارك على أهل الكوفة، أحبّوه وانتفعوا به، وكثر الناس في حلقاته، حتى كان يدور عليهم، ويحضهم على القرآن، وكان له مجلس وعظ كلّ خميس يذكّر فيه أصحابه ولا يطيل عليهم.
- قال وهيب بن خالد، عن داود، عن عامر الشعبي أنَّ مهاجرَ عبد الله بن مسعود كان بحمص، فحدره عمر إلى الكوفة، وكتب إليهم: «إني والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه». رواه ابن سعد.
- وقال سفيان الثوري، عن أي إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب العبدي قال: قرئ علينا كتاب عمر ههنا [يريد بالكوفة]: « إني بعثت إليكم عمارا أميراً، وبعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا، وآثرتكم بابن أم عبد على نفسي، وجعلته على بيت مالكم». رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في المصنف.
- وقال أبو القاسم البغوي: (سكن الكوفة، وابتنى بها داراً إلى جانب المسجد).
- وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: (عبد الله بن مسعود يكنى أبا عبد الرحمن، وكان على القضاء وبيت المال بالكوفة عاملاً لعمر). رواه أبو القاسم البغوي.
إقراؤه وتعليمه
- قال أبو إسحاق السبيعي: أخبرني أبو عبيدة أن ابن مسعود إذا أصبح فخرج، أتاه الناس إلى داره فيقول: «على مكانكم»، ثم يمر بالذين يقرئهم القرآن، فيقول: «يا فلان بأي سورة أنت؟» فيخبرونه، فيقول: «بأي آية فيفتح عليه الآية التي تليها، ثم يقول تعلّمها فإنها خير لك مما بين السماء والأرض».
قال: (فيظن الرجل أنها ليست في القرآن آية خير منها، ثم يمر بالآخر فيقول له مثل ذلك حتى يقول ذلك لكلهم).رواه عبد الرزاق في المصنف والطبراني في المعجم الكبير.
- قال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، قال: كنا جلوسا مع ابن مسعود، فجاء خبّاب، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرءوا كما تقرأ؟
قال: أما إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك؟
قال: أجل
قال: اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير، أخو زياد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟
قال: أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه!
فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال: قد أحسن.
قال عبد الله: (ما أقرأ شيئاً إلا وهو يقرؤه). رواه البخاري.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن جامع بن شداد المحاربي قال: أخبرنا عبد الله بن مرداس قال: «كان عبد الله يخطبنا كل خميس فيتكلم بكلمات، فيسكت حين يسكت ونحن نشتهي أن يزيدنا». رواه ابن سعد.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
إملاؤه المصاحف
كان ابن مسعود رضي الله عنه يملي المصاحف عن ظهر قلب، ويعلّم القرآن، فَكُثَرت كتابةُ المصاحف في الكوفة في عهده حتى جعل موضعاً في المسجد لعرض المصاحف.
- قال الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة أنه قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات؛ فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه!!
فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شُعبتي الرَّحْل!
فقال: ومن هو ويحك؟!
قال: عبد الله بن مسعود
فما زال يطفأ ويسرَّى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: (ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه"). رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وغيرهم.
- قال شريك بن عبد الله النخعي، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش قال: كنا نعرض المصاحف على عبد الله فسأله رجل من ثقيف فقال: يا أبا عبد الرحمن، أي الأعمال أفضل؟
قال: «الصلاة، ومن لم يصلّ فلا دين له»رواه ابن أبي شيبة ، وله متابع يأتي ذكره قريباً.
- وقال شعبة، عن عاصم، عن زر بن حبيش، قال: كان عبد الله رضي الله عنه يعجبه أن يقعد حيث تُعرض المصاحف فجاءه ابن الحضارمة، رجلٌ من ثقيف فقال: أي درجات الإسلام أفضل؟
قال: «الصلاة على وقتها من ترك الصلاة فلا دين له». رواه محمّد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وهذا يدلّ على أنه قد خصص مكاناً لعرض المصاحف.
- وقال سحيم بن نوفل: كنا نعرض المصاحف عند عبد الله؛ فجاءت جارية أعرابية إلى رجلٍ من القوم؛ فقالت: اطلب راقياً فإنَّ فلانا قد لقع فرسك بعينه؛ فتركه يدور كأنه فلك!!
قال: فقال عبد الله لا تطلب راقياً اذهب فانفث في منخره الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا ثم قل: "بسم الله، لا باس لا باس، أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا يذهب بالضر إلا أنت"
قال: فذهب الرجل ثم رجع؛ فقال: فعلت الذي أمرتني؛ فأكل وبال وراث). رواه الطبراني في الدعوات والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق سفيان الثوري عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن سحيم به.
تهيّبه التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
- قال مالك بن إسماعيل بن درهم الكوفي: أخبرنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود أنه حدث يوماً حديثاً، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أرعد، وأرعدت ثيابه، ثم قال: (أو نحو ذا، أو شبه ذا). رواه ابن سعد.
- وقال المسعودي، عن مسلم البطين، عن عمرو بن ميمون قال: اختلفت إلى ابن مسعود سنة فما سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فغشيه كرب حتى جعل العرق يتحدر، ثم قال: (إن شاء الله، إما فوق ذلك، أو دون ذلك، أو قريبا من ذلك). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن عمار الدهني، عن عمرو بن ميمون قال: (صحبت ابن مسعود ثمانية عشر شهراً؛ فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً واحداً). رواه ابن عساكر.
- وقال نعيم بن حماد: أخبرنا ابن زبان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري عن عون بن عبد الله قال: (أحصينا حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بضع وخمسون حديثاً). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
وابن زبان الدمشقي ويقال: الحمصي، ويقال: ابن زيّان بالياء، له ترجمة في تاريخ دمشق، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
صفاته وشمائله
- قال محمد بن الفضيل بن غزوان: حدثنا مغيرة، عن أم موسى، قالت: سمعت علياً يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود أن يصعد شجرة فيأتيه بشيء منها، فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه، فضحكوا منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تضحكون؟! لَرِجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد». رواه ابن سعد، وابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد.
- وقال حماد بن سلمة، عن عاصم ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأراك، قال: فضحك القوم من دقة ساقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مم تضحكون؟»
قالوا: من دقة ساقه.
فقال: «هي أثقل في الميزان من أحد». رواه ابن سعد، وأحمد في فضائل الصحابة.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: «رأيت عبد الله بن مسعود رجلاً خفيف اللحم». رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا المسعودي، عن سليمان بن ميناء، عن نفيع مولى عبد الله قال: «كان عبد الله بن مسعود من أجود الناس ثوبا أبيض، من أطيب الناس ريحا». رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن عبد الله الأسدي: أخبرنا مسعر، عن محمد بن جحادة، عن طلحة قال: «كان عبد الله يعرف بالليل بريح الطيب». رواه ابن سعد.
- وقال الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: (كان عبد الله لطيفاً فطناً). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
- وقال وكيع بن الجراح، عن سفيان، عن أبي إسحاق قال: قال هبيرة بن يريم: «كان لعبد الله شعر يرفعه على أذنيه، كأنما جعل بعسل».
قال وكيع: (يعني لا يغادر شعرة شعرة). رواه ابن سعد.
- وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان [الثوري]، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال: «كان ابن مسعود يغسل رأسه ثم يترك شعره من وراء أذنيه». رواه الطبراني في الكبير.
- وقال أبو نعيم الفضيل بن دكين: أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم قال: «كان شعر عبد الله بن مسعود يبلغ ترقوته، فرأيته إذا صلى يجعله وراء أذنيه». رواه ابن سعد.
- وقال يوسف بن عدي التيمي: أخبرنا محمد بن عتبة الرقي، عن ميمون بن مهران، عن سعيد بن المسيب قال: (كأني أنظر إلى ابن مسعود عظيم البطن حَمْش الساقين). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا سيار، عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلاً قد أسبل فقال: ارفع إزارك.
فقال: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك!
فقال عبد الله: (إني لست مثلك! إن بساقي حموشة، وأنا أؤم الناس).
فبلغ ذلك عمر فجعل يضرب الرجل ويقول: (أتردّ على ابن مسعود؟!). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
بعض أخباره
- قال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة قال: «كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس ورفع كلامه كي يستأنسوا». رواه ابن سعد.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ما رأيت فقيها أقلَّ صوماً من عبد الله بن مسعود.
فقيل له: لم لا تصوم؟
فقال: (إني أختار الصلاة عن الصوم، فإذا صمت ضعفت عن الصلاة). رواه ابن سعد.
- وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: " مرض مرضا فجزع فيه، قال: فقلنا له: ما رأيناك جزعت في مرض ما جزعت في مرضك هذا، فقال: «إنه أخذني وأقرب بي من الغفلة». رواه ابن سعد.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: أخبرنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عبد الله بن مسعود أوصى إلى الزبير، وقد كان عثمان حرمه عطاءه سنتين، فأتاه الزبير فقال: «إن عياله أحوج إليه من بيت المال، فأعطاه عطاءه عشرين ألفا، أو خمسة وعشرين ألفا». رواه ابن سعد.
- وقال يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: دخل الزبير بن العوام على عثمان بعد وفاة عبد الله بن مسعود فقال: «أعطني عطاء عبد الله، فأهل عبد الله أحق به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألف درهم». رواه ابن سعد.
مرضه ووفاته
قدم على عثمان المدينة، وفي طريقه اجتاز بالربذة وشهد وفاة أبي ذرّ رضي الله عنه، وصلى عليه، ثم مرض بالمدينة أياما ثم توفي بها سنة 32هـ، فصلى عليه عثمان، ودُفن بالبقيع رضي الله عنه.
وأوصى إلى الزبير بن العوام وابنه عبد الله.
- قال محمد بن إسحاق بن يسار: حدثني بريدة بن سفيان الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي قال: خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة فأصابه قدره فأوصاهم أن اغسلوني وكفنوني، ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأوّل ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأعينونا على غسله ودفنه، ففعلوا فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من العراق وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق؛ فقام إليه غلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك)). رواه ابن سعد في الطبقات، وإسحاق ابن راهويه كما في المطالب العالية، ومحمد بن كعب القرظي إمام في السِّيَر، لكن بريدة بن سفيان متكلَّم فيه.
- قال أبو الزنباع رَوْحُ بن الفرج المصري: حدثنا يحيى بن بكير قال: «توفي عبد الله بن مسعود ويكنى أبا عبد الرحمن وهو ابن بضع وستين سنة، وفي سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة، وأوصى إلى الزبير بن العوام، وصلى عليه ودفن بالبقيع». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
مواعظه ووصاياه
لابن مسعود وصايا جليلة مبثوثة في دواوين السنة، وقد أفردها ابن أبي شيبة في باب طويل من كتاب الزهد في مصنفه، وذكر أبو داوود في كتاب الزهد طائفة منها.
- قال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي، أن عامر بن واثلة [أبا الطفيل] حدثه أنه سمع عبد الله بن مسعود، يقول: (الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره). رواه مسلم في صحيحه.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود بن يزيد، قال: قال عبد الله: (ما من نفس برة ولا فاجرة إلا وإن الموت خير لها من الحياة، لئن كان براً لقد قال الله: {وما عند الله خير للأبرار}، ولئن كان فاجرا لقد قال الله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين}). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد.
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، والأعمش، عن عمارة، عن الأسود، قالا: قال عبد الله: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه؛ فقال به هكذا؛ فطار). رواه أحمد.
- وقال عبد الرحمن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال عبد الله: «كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار به جهلا». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف، والطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن زبيد اليامي قال: قال عبد الله بن مسعود: «إنَّ الرَّوْحَ والفَرَج في اليقين والرضى، وإنَّ الهمَّ والحزنَ في الشكّ والسخط». رواه ابن المبارك في الزهد.
- وقال سفيان الثوري، عن زبيد اليامي، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب؛ فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان، فمن ضنَّ بالمال أن ينفقه، وخاف العدو أن يجاهده، وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: "لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر"). رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في الزهد.
ورواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه من هذا الطريق دون قوله: (إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم).
- وقال جرير، عن منصور، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: لقد أتاني اليوم رجل، فسألني عن أمر ما دريت ما أرد عليه، فقال: أرأيت رجلاً مُؤْدِياً نشيطاً يخرج مع أمرائنا في المغازي؛ فيعزم علينا في أشياء لا نحصيها؟!
فقلت له: « والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعسى أن لا يُعزم علينا في أمرٍ إلا مرة حتى نفعله، وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا شكَّ في نفسه شيء سأل رجلاً فشفاه منه، وأوشك أن لا تجدوه، والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثَّغب شرب صفوه وبقي كدره». رواه البخاري.
المؤدِي بالتخفيف: مكتمل الأداة للحرب، والثَّغب بقيّة الغدير أو الماء القليل الذي استنقع في صخرة أو موضع مطمئنّ من الأرض.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: (ما شبهت ما غبر من الدنيا إلا بثَغْب شرب صفوه وبقي كدره، ولا يزال أحدكم بخير ما اتقى الله، وإذا حاك في صدره شيء أتى رجلاً فشفاه منه، وأيم الله لأوشك أن لا تجدوه). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن زبيد اليامي قال: قال عبد الله: «قولوا خيرا تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، ولا تكونوا عُجُلاً مذاييعَ بُذُرا». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه وكيع في الزهد من طريق سفيان الثوري عن زبيد به.
- وقال يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله، قال: (تعلموا تعلموا؛ فإذا علمتم فاعملوا). رواه ابن أبي شيبة، والدارمي، ويعقوب بن سفيان.
- وقال هارون بن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن مسعود: (إنما هذه القلوب أوعية؛ فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد: حدثني أشعث بن أبي خالد، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء فليفعل، حيث لا يناله اللصوص، ولا يأكله السوس؛ فإنَّ قلب كل امرئ عند كنزه). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال سفيان الثوري، عن أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « من أراد الآخرة أضرَّ بالدنيا، ومن أراد الدنيا أضرَّ بالآخرة، يا قوم فأضروا بالفاني للباقي». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك.
ورواه هناد بن السري في الزهد من طريق قبيصة عن سفيان الثوري به وزاد: (إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، كثير معطوه، قليل سؤّاله، الصلوات فيه طويلة، والخطبة فيه قصيرة، وإنَّ من ورائكم زماناً كثير خطباؤه، قليل علماؤه، كثير سؤاله، قليل معطوه، الصلاة فيه قصيرة، والخطبة فيه طويلة؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطب، إن من البيان سحراً).
- وقال الأعمش، عن عمارة بن عمير التيمي، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد الله: (تعودوا الخير فإنما الخير في العادة). رواه وكيع في الزهد، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والطبراني في الكبير.
- وقال جرير بن عبد الحميد، عن عبد العزيز بن رفيع، عن خيثمة، قال: قال عبد الله: (انظروا الناس عند مضاجعهم؛ فإذا رأيتم العبد يموت على خير ما ترونه فارجوا له الخير، وإذا رأيتموه يموت على شرّ ما ترونه فخافوا عليه؛ فإنَّ العبد إذا كان شقياً وإن أعجب الناس بعض عمله قيّض له شيطان فأرداه وأهلكه حتى يدركه الشقاء الذي كتب عليه، وإذا كان سعيداً وإن كان الناس يكرهون بعض عمله قيّض له ملك؛ فأرشده وسدده حتى تدركه السعادة التي كتبت له). رواه ابن أبي شيبة.
وخيثمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، وفد جده أبو سبرة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما خيثمة فإمام ثقة لكنّه لم يسمع من ابن مسعود، إنما كان يروي عن بعض أصحابه كالأسود بن يزيد، لكن لهذا الأثر ما يشهد له، وهو حديث ابن مسعود المشهور: حدثنا الصادق المصدوق إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوماً نطفة ... الحديث.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/61.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
رواة القراءة والتفسير عن ابن مسعود رضي الله عنه
رُزِقَ ابن مسعود أصحابَ صدق حفظوا علمه، ونشروه، فكثرت الروايات عنه جداً، فهو من أكثر من يروى عنهم التفسير من الصحابة رضي الله عنهم.
- قال صالح بن الإمام أحمد: حدثني أبي قال: (عبد الله بن مسعود هذلي، وكان بدرياً وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رضيت لأمتي بما رضي لها ابن أم عبد))، وهو فقيه أهل الكوفة ومعلمهم، وليس يعدل أهل الكوفة بقوله شيئاً، وليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبل صاحباً من ابن مسعود).
- وقال علي بن المديني: (أصحاب عبد الله سُرُجُ هذه القرية).
قرأ عليه: معاذ بن جبل، وجماعة من الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.
وقرأ عليه من التابعين: علقمة بن قيس، ومسروق، والأسود بن يزيد، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وأبو عمرو الشيباني، وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة.
وممن روى عنه في التفسير: مسروق بن الأجدع الهمداني، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعلقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، والربيع بن خثيم الثوري، وزر بن حبيش، وعمرو بن ميمون الأودي، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وأبو الزعراء عبد الله بن هانئ الكندي.
وأرسل عنه: ابنه أبو عبيدة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة، وأبو الجوزاء، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبد الله بن الحارث الزبيدي، والمسيب بن رافع، وأبو البختري، وعطاء بن يسار.
وأما ما أرسله إبراهيم النخعي فقد اختلف فيه؛ فمن أهل العلم من يصححه لأنه إنما يروي عن ابن مسعود من طريق الثقات كعلقمة بن قيس والأسود بن زيد.
مما روي عنه في التفسير
1: قال يزيد بن زريع: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان [النهدي]، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ رجلاً أصاب من امرأة قبلة؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه: {وأقم الصلاة طرفي النهار، وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين}.
قال الرجل: ألي هذه؟
قال: «لمن عمل بها من أمتي». رواه البخاري، ومسلم.
2: قال أبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، عن مسروق، عن ابن مسعود في قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} قال: إنّما كان هذا، لأنّ قريشًا لمّا استعصوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، فجعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل اللّه تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ. يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ}.
قال: فأُتي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقيل له: يا رسول اللّه: استسق اللّه لمضر، فإنّها قد هلكت!
قال: «لمضر؟! إنّك لجريءٌ».
فاستسقى لهم فسقوا، فنزلت: {إنّكم عائدون}؛ فلمّا أصابتهم الرّفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال: (يعني يوم بدرٍ). رواه البخاري، ومسلم.
3: قال الأعمش، عن أبي ظبيان قال: كنا نعرض المصاحف عند علقمة فقرأ هذه الآية: [إن في ذلك لآيات للموقنين]، فقال عبد الله: (اليقين الإيمان كله، وقرأ هذه الآية:{إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}).
قال: فقال عبد الله: (الصبر نصف الإيمان). رواه الحاكم في المستدرك، وعلّق البخاري بعضه في صحيحه، ورواه مختصراً وكيع في الزهد، وسعيد بن منصور في سننه، والطبراني في المعجم الكبير، وغيرهم.
تنبيه: وقوله: [إن في ذلك لآيات للموقنين] هكذا في مستدرك الحاكم وتفسير ابن جرير وتفسير ابن أبي حاتم، وهي ليست فيما بين أيدينا من المصاحف العثمانية، لكنّها رويت عن ثلاثة من السلف: ابن مسعود ومغيرة بن مقسم والعلاء بن يزيد؛ فإن لم يكن ذلك وهم من بعض الرواة فربما كانت في بعض المصاحف القديمة مما تركت القراءة به من الأحرف الأخرى، والذي في مصاحفنا قوله تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين}.
4. وقال أبو عوانة اليشكري: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، قال: سألت زرَّ بن حبيش عن قول الله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: حدثنا ابن مسعود: « أنه رأى جبريل له ستمائة جناح». رواه البخاري في صحيحه، ورواه مسلم من طريق عباد بن العوام عن أبي إسحاق الشيباني به.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
العناصر:
● اسمه ونسبه
● إسلامه
● مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي
● مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده
● أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
- تعليمه القرآن وتفقيهه في الدين
- تولّيه القضاء
● مختارات من أحاديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم
●تورّعه في التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
● فضائله ومناقبه
● علمه وعبادته
●زهده وورعه
● تخوّفه النفاق وتعوّذه منه
● تفكّره واعتباره
● أهله وأولاده
● بعض أخباره
● ثناء الصحابة والتابعين عليه
● مرض موته
●تاريخ وفاته
●ما رؤي فيه بعد موته
● مواعظه ووصاياه
●مراسيل المواعظ المروية عنه
● كتابة مواعظ أبي الدرداء رضي الله عنه
●رواة القراءة والتفسير عن أبي الدرداء رضي الله عنه
●مما روي عنه في التفسير
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
اسمه ونسبه
هو عويمرُ بن زيدِ بن قيسِ بن عيشةَ بنِ أميةَ بن مالكِ بنِ عامرةَ بن عديّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري.
وقد وقع في نسبه تصحيف كثير في كتب التراجم والأنساب، ومن أجود من حقّ نسبه عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه "أخبار قبائل الخزرج".
وقيل اسمه عامر، وعويمر لقب، لكنّه خلاف المشهور.
- قال أبو حفص الفلاس: سألت رجلاً من ولد أبي الدرداء فقال: (هو خامس أبٍ لي، اسمه عامر بن مالك).
اشتهر أبو الدرداء بكنيته، وهو أخو عبد الله بن رواحة لأمّه.
إسلامه
اجتهد أخوه لأمّه عبد الله بن رواحة في ترغيبه في الإسلام حتى أسلم بعد بدر؛ فحسن إسلامه، وأقبل على القرآن والعبادة، وفتح له فيهما حتى جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أكثر الصحابة عبادة وتعليماً للقرآن.
- قال عبد الله بن وهب: أخبرنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: كان أبو الدرداء يعبد صنماً في الجاهلية، وإن عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة دخلا بيته فسرقا صنمه؛ فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ذلك، ويقول: (ويحك! هلا امتنعت! ألا دفعت عن نفسك؟!)
فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عن أحدٍ دفع عن نفسه ونفعها.
فقال أبو الدرداء: أعدّي لي في المغتسل ماء؛ فجعلت له ماء فاغتسل، وأخذ حلَّته فلبسها، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنظر إليه ابن رواحة مقبلاً؛ فقال: (هذا أبو الدرداء ما أراه جاء إلا في طلبنا).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، إنما جاء ليسلم؛ فإنَّ ربي عز وجل وعدني بأبي الدرداء أن يسلم).رواه البيهقي في دلائل النبوة.
ورواه الطبراني وابن عساكر من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح بنحوه.
- وقال أبو مسهر الغساني: حدثني سعيد بن عبد العزيز أنَّ أبا الدرداء أسلم يوم بدر، وشهد أحداً؛ فأبلى يومئذٍ، وفرض له عمر في أربعمائة ألحقه بالبدريين). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي؛ فكان في تآخيهما بركة ونفع لهما وللمسلمين.
- قال جعفر بن عون المخزومي: حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء؛ فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟
قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً، فقال: كل؟
قال: فإني صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
قال: فأكل؛ فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.
قال: نم، فنام.
ثم ذهب يقوم فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن، فصليا؛ فقال له سلمان: (إنَّ لربّك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه).
فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان». رواه البخاري، والترمذي، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان.
- وقال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا ثابت، عن أنس، قال: «آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وآخى بين عوف بن مالك وبين صعب بن جثامة». رواه أبو يعلى الموصلي.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجهاده
شهد أبو الدرداء يوم أحد، وأبلى فيه بلاء حسناً، وشهد ما بعده من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاهد في زمان أبي بكر وعمر وعثمان، فشهد فتح دمشق وحمص، وقاد بعض السرايا في فتوح الشام، وكان على رأس جيش في فتح دمشق، وغزا في البحر في أوّل خلافة عثمان، وكان ممن شهد فتح قبرص، وكان يرابط أحياناً ببيروت.
- قال أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز أنّ أبا الدرداء أسلم بعد بدر وشهد أحداً وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يردَّ من على الجبل؛ فردّهم وحده). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال يحيى بن عبد الرحمن البابلتي: حدثنا صفوان بن عمرو، حدثني شريح بن عبيد، قال: لما هزم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد كان أبو الدرداء يومئذ فيمن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس , فلما أظلهم المشركون من [فورهم] فوقهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « [اللهم] ليس لهم أن يعلونا» فثاب إليهم [إليه] يومئذ ناس؛ فانتدبوا وفيهم عويمر أبو الدرداء حتى إذا دحضوهم عن مكانهم الذي كانوا فيه، وكان أبو الدرداء يومئذ حسن البلاء؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الفارس عويمر» وقال: «حكيم أمتي عويمر». رواه الطبراني في مسند الشاميين، وهو مرسل.
- وقال أبو الجماهر محمد بن عثمان الدمشقي: حدثنا الهيثم بن حميد، أخبرني محمد بن يزيد الرحبي: سمعت أبا الأشعث، عن أبي عثمان الصنعاني قال: (لما فتح الله عز وجل علينا دمشق؛ خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة ببرزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة بن الجراح؛ ففتح الله بنا حمص، ثم تقدمنا مع شرحبيل بن السِّمْط؛ فأوطأ الله بنا ما دون النهر يعني الفرات، وحاصرنا عانات، وأصابنا لأواء، وقدم علينا سلمان الخير في مدد لنا). رواه البخاري في التاريخ الأوسط، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، ويعقوب بن سفيان في المعرفة كما في تاريخ دمشق لابن عساكر.
- وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء أنه شهد فتح قبرس.
قال جبير: (ورأيته يبكي، والسبي يفرق). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال الوليد بن مسلم: أخبرنا ثور، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، قال: (لما افتتح المسلمون قبرس، وفرّق بين أهلها، فقعد بعضهم يبكي إلى بعض، وبكى أبو الدرداء، فقلت: ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأذلّ الشرك وأهله؟
قال: (دعنا منك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره! بينا هم أمة قاهرة قادرة إذ تركوا أمر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في العقوبات.
- وقال يحيى بن حمزة، عن عروة بن رويم، عن القاسم أبي عبد الرحمن قال: قدم علينا سلمان دمشق، فلم يبق فينا شريفٌ إلا عرض عليه المنزل.
فقال: إني عزمت أن أنزل على بشير بن سعد مرَّتي هذه.
فسأل عن أبي الدرداء فقيل: مرابط.
فقال: وأين مرابطكم يا أهل دمشق؟
قالوا: ببيروت.
قال: (فخرج إلى بيروت). رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، وأحمد بن يحيى البلاذري في "أنساب الأشراف" وزاد: قال سلمان: يا أهل بيروت! ألا أحدّثكم حديثا يُذهب الله به عنكم غرض الرباط، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( رباط يوم كصيام شهرٍ وقيامه، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من فتنة القبر، وأجري له ما كان يعمل إلى يوم القيامة)).
أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
شهد أبو الدرداء فتوح الشام، وقاد بعض السرايا فيها، وكان يقصّ على الجند، ويعلّم القرآن، ثم لما استقرّت ولاية للمسلمين على الشام؛ نزل حمص فعلّم بها، ثم نقله عمر إلى دمشق، وولاه القضاء، ونيابة الأمير معاوية إذا غاب، وبقي قاضياً، ومعلّماً للقرآن، وآمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، ومجتهداً في العبادة، والنصح، والتعليم، حتى توفي رضي الله عنه وأرضاه، وقد نشر في الشام علماً غزيراً مباركاً.
تعليمه القرآن وتفقيهه في الدين
كان أكثر اشتغاله رضي الله عنه بتعليم القرآن، والتفقيه فيه؛ وكثر طلابه في الشام جداً، حتى روي أنه طلب مرة أن يُعدّوا فعدّوهم فزادوا على ألف وستمائة، وكان يجعل على كلّ عشرة عريفاً، فإذا أحكم القارئ منهم انتقل إليه فعرض عليه.
- قال سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن محمد بن كعب القرظ القرظي قال: جمع القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وأبيّ بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء؛ فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إنَّ أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم؛ فأعِنّي يا أميرَ المؤمنين برجالٍ يعلمونهم؛ فدعا عمرُ أولئك الخمسة فقال لهم: إنَّ إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين؛ فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أحببتم فاستهموا وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا؛ فقالوا: ما كنا لنتساهم؛ هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وأمَّا هذا فسقيم لأبيّ بن كعب؛ فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء.
فقال عمر: (ابدأوا بحمص؛ فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس؛ فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد، وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين، وقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، ومعاذ إلى فلسطين فمات بها، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات). رواه ابن سعد في الطبقات وهذا سياقه وهو أتمّ، ورواه البخاري في التاريخ الصغير باختصار فيه وزاد: (وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ومعاذ إلى فلسطين فمات بها، ولم يزل معاذ بها حتى مات عام طاعون عمواس، وصار عبادة بعدُ إلى فلسطين فمات بها، ولم يزل أبو الدرداء بدمشق حتى مات).
- وقال الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن أبي عبيد الله مُسْلِم بن مِشْكَم كاتبِ أبي الدرداء قال: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا يعني في مجلسنا هذا.
قال: (فعددت ألفاً وستمائة ونيفاً؛ فكانوا يقرأون ويتسابقون عشرة عشرة، لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء قائما يستفتونه في حروف القرآن، يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القراءة تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انفتل من الصلاة؛ فيقرأ جزءا من القرآن، وأصحابه محدقون به يسمعون ألفاظه؛ فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل منهم في موضعه، وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه، وكان ابنُ عامر مقدما فيهم). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ورجاله ثقات.
- وقال سويد بن عبد العزيز التنوخي: (كان أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء، فسأله عن ذلك.
وكان ابن عامر عريفاً على عشرة، وكان كبيراً فيهم، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر، وقام مقامه مكانه، وقرأ عليه جمعيهم، فاتخذه أهل الشام إماماً، ورجعوا إلى قراءته). ذكره علم الدين السخاوي في "جمال القراء"، والذهبي في معرفة القراء الكبار.
قلت: سويد بن عبد العزيز(ت:194هـ) ضعّفه غير واحد من الأئمة لضعف ضبطه، وكان قارئاً صدوقاً غير متّهم، وهو قاضي بعلبك، ولد سنة 108هـ، وقرأ على يحيى بن الحارث الذماري، بقراءته على ابن عامر، وابن عامر ولد سنة 21هـ؛ وكان له نحو 12 سنة حين مات أبو الدرداء.
- وقال إسماعيل بن عيّاشٍ الحمصي، عن محمّد بن يزيد، عن عمير بن ربيعة قال: «رأيت أبا الدّرداء يدرس القرآن في جماعةٍ من أصحابه». رواه سعيد بن منصور في سننه.
تولّيه القضاء
تولّى أبو الدرداء قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان ذلك في أوائل إمارة معاوية على الشام.
- قال خالد بن يزيد المري، عن هشام بن الغاز عن مكحول: (أنَّ عمر انتقل أبا الدرداء من حمص إلى دمشق). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: (عمر أمّر أبا الدرداء على القضاء يعني بدمشق، وكان القاضي يكون خليفة الأمير إذا غاب). رواه أبو زرعة الدمشقي، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال علي بن الجعد: حدثنا شعبة عن أبي النضر، مسلم بن عبد الله قال: سمعت جبلة بن عبد الرحمن قال: (كان أبو الدرداء خليفة معاوية بالشام). رواه ابن عساكر.
- وقال عفان بن مسلم: حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد قال: استُعمل أبو الدرداء على القضاء؛ فأصبح يهنئونه فقال: (أتهنئوني بالقضاء، وقد جعلت على رأس مهواة منزلتها أبعد من عدن أبين؟!! ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدول رغبة عنه وكراهية له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدول رغبة فيه وحرصا عليه). رواه ابن سعد، وابن عساكر.
- وقال مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي: أن هلمَّ إلى الأرض المقدسة؛ فكتب إليه سلمان: (إنَّ الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدّس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي؛ فإن كنت تبرئ فنعمّا لك. وإن كنت متطبباً؛ فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار).
فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما، وقال: ارجعا إليَّ أعيدا عليَّ قصّتكما، متطبب والله). رواه مالك في الموطأ، ويحيى بن سعيد لم يدرك أبا الدرداء.
- وقال الحافظ ابن عساكر: (شهد اليرموك، وكان قاص أهله، وحضر حصار دمشق، ثم سكن حمص ثم انتقله عمر بن الخطاب إلى دمشق وولي بها القضاء، وكانت داره بدمشق بباب البريد، وهو الذي يعرف اليوم بدار العزي).
مختارات من أحاديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم
روى أبو الدرداء أحاديث جليلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الأحاديث:
- قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي حظه من الرفق، أعطي حظه من الخير، ومن منع حظه من الرفق، منع حظه من الخير». رواه أحمد، وابن أبي شيبة، ورواه أبو جعفر ابن البختري، وزاد:
وقال: ما أثقل شيء في ميزان المؤمن؟
قال: ((خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش البذيء)).
- وقال إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن خاله عطاء بن نافع أنهم دخلوا على أم الدرداء، فأخبرتهم أنها سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أثقل شيء في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن)). رواه أحمد في المسند.
- وقال شعبة بن الحجاج: سمعت القاسم بن أبي بزة، عن عطاء الكيخاراني، عن أمّ الدرداء، عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن». رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داوود في سننه.
- وقال قتادة: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدّث عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟».
فقيل: ومن يطيق ذلك؟
قال: ((اقرأ: قل هو الله أحد)). رواه أحمد في المسند.
- وقال قتادة، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي الغطفاني، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال». رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود.
- وقال زائدة بن قدامة الثقفي: حدثنا السائب بن حبيش الكلاعي، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: قال أبو الدرداء أين مسكنك؟
قال: قلت: قرية دون حمص.
قال أبو الدرداء: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من ثلاثة نفر في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان)).
فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في شعب الإيمان، وفي ألفاظ بعضهم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة...)
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟».
قالوا: بلى.
قال: ((إصلاح ذات البين))
قال: ((وفساد ذات البين هي الحالقة)). رواه أحمد في المسند، والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه، والترمذي في جامعه، وهناد بن السري في الزهد.
- وقال أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي، عن يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه). رواه أحمد في المسند، والطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا أبو بكر النهشلي، عن مرزوق أبي بكر التيمي، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة». رواه أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه أحمد أيضاً وغيره من طريق ليث بن أبي سليم عن شهرب بن حوشب، عن أم الدرداء به.
وروى نحوه ابن أبي شيبة والبيهقي في السنن الكبرى من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم بن عتيبة، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه، مرفوعاً.
فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق.
- وقال بقية بن الوليد: حدثنا صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وشريح بن عبيد الحضرميان، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عزَّ وجلَّ: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري). رواه الطبراني في مسند الشاميين، والبيهقي في شعب الإيمان، ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن بن جبير وشريح بن عبيد لم يدركا أبا الدرداء، وبقية يدلّس تدليس التسوية.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
تورّعه في التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
- قال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي الدرداء أنه كان إذا حدَّث بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إن لا هكذا فكشكله). رواه أبو زرعة الدمشقي، وأبو خيثمة في كتاب العلم، والدارمي في سننه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في الكفاية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: حدثنا بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس قال: سمعت أبا الدرداء - إذا فرغ من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (هذا، أو نحو هذا أو شكله). رواه أبو زرعة الدمشقي، والطبراني في مسند الشاميين، والخطيب البغدادي في الكفاية.
- وقال محمد بن كثير الصنعاني، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله، قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا حدّث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هذا، أو نحوه، أو شبهه، أو شكله). رواه الدارمي.
- وقال أحمد بن إسحاق الباهلي: حدثنا ابن داود قال: حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة، عن يزيد بن أبي مالك وربيعة بن يزيد، ومكحول قالوا: إن أبا الدرداء رضي الله عنه كان إذا حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً قال: (هكذا أو شكله). رواه أبو يعلى الموصلي كما في المطالب العالية.
فضائله ومناقبه
مناقب أبي الدرداء رضي الله عنه كثيرة:
- منها ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنَّ ربي عزَّ وجلَّ وعدني بأبي الدرداء أن يسلم). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- ومنها حديث هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا يزيد بن أبي مريم، أنّ أبا عبد الله حدّثه أنَّ أبا الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا فرطكم على الحوض؛ فلا ألفينَّ ما نوزعت في أحدكم؛ فأقول: هذا منّي؛ فيقال: لا تدري ما أحدث بعدك؟!
فقلت: (يا رسول الله! ادع الله أن لا يجعلني منهم).
قال: (( إنك لستَ منهم)). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
وأبو عبد الله ، ويقال: عبيد الله هو مسلم بن مشكم كاتب أبي الدرداء.
- ومنها: بلاؤه الحسن يوم أحد، وشهوده المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنها: جمعه القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنها: اشتغاله بالجهاد والقضاء وتعليم القرآن والتفقيه في الدين والإفتاء والوعظ والإرشاد والتعبّد حتى توفيّ رضي الله عنه وأرضاه.
علمه وعبادته
قرأ أبو الدرداء على النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل على القرآن حتى جمعه في عهده صلى الله عليه وسلم، واجتهد في العلم والعبادة، وأكثر على نفسه حتى أمره سلمان الفارسي بالاقتصاد، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم سلمان على ذلك.
- قال عبد الله بن المثنى: حدثني ثابت البناني، وثمامة، عن أنس بن مالك، قال: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد). رواه البخاري.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن عامر بن شراحيل الشعبي وكان لقي نحو خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قرؤوا القرآن في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أبيٌّ، ومعاذٌ، وزيدٌ، وأبو زيدٍ، وأبو الدّرداء، وسعيد بن عبيدٍ، ولم يقرأه أحدٌ من الخلفاء من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ عثمان، وقرأه مجمّع ابن جارية إلاّ سورةً أو سورتين). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الأعمش، عن خيثمة، عن أبي الدرداء قال: «كنت تاجراً قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة؛ فلم يجتمعا لي، فأقبلت على العبادة، وتركت التجارة». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال الأوزاعي: حدّثنا حسان بن عطية، قال: قال أبو الدرداء: «لو أعيتني آية من كتاب الله عز وجل، فلم أجد أحداً يفتحها عليَّ إلا رجلاً ببِرْكِ الغُمَاد لرحلت إليه». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- - قال أبو عبيد: (وهو أقصى هجر باليمن... والصواب: ببرك بالكسر، والغماد بضم الغين).
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
زهده وورعه
- قال أبو سعيد الأشج: حدثنا المحاربي، عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرة قال: قال أبو الدرداء: (بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا تاجر؛ فأردت أن يجتمع مع العبادة فلم يجتمعا؛ فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة، والذي نفس أبي الدرداء في يده ما أحبّ أنَّ لي اليوم حانوتاً على باب المسجد لا تخطئني فيه صلاة، أربح فيه كلَّ يوم أربعين ديناراً أتصدق في سبيل الله!
قيل له: لم يا أبا الدرداء؟!! وما تكره من ذاك؟!!
قال: (شدة الحساب). رواه ابن عساكر.
وروى أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه وغيرهما من طريق الأعمش، عن خيثمة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه نحو هذا مختصراً، وقد تقدم.
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا موسى بن مسلم [وهو موسى الصغير]، عن هلال بن يساف، عن أم الدرداء قالت: قلت لأبي الدرداء: ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم؟
فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أمامكم عقبة كؤوداً، لا يجاوزها المثقلون؛ فأحبّ أن أتخفف لتلك العقبة). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال عون بن موسى الليثي، عن معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون، فكان إذا أعاره قال: هو يحمل كذا وكذا، فلا تحملوا عليه إلا كذا وكذا؛ فلما كان عند انقضاء هلاكه، قال: (دمّون! لا تخاصمني عند ربي، فإني كنت لا أحملك إلا طاقتك). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب في كتاب الورع، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن أمّ الدرداء، قالت: قال لي أبو الدرداء: لا تسألي الناس شيئاً.
قالت: فقلت: فإن احتجت؟
قال: (فإن احتجت فتتبعي الحصادين فانظري ما سقط منهم فاخبطيه ثم اطحنيه ثم كليه، ولا تسألي الناس شيئاً). رواه أحمد في الزهد.
تخوّفه النفاق وتعوّذه منه
- قال أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني: أنبأنا صفوان بن عمرو، عن سليم بن عامر [الخبائري]، عن جُبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص؛ فإذا هو قائم يصلي في مسجده؛ فلما جلس يتشهد جعل يتعوّذ بالله من النفاق؛ فلما انصرف قلت له: غفر الله لك يا أبا الدرداء! ما أنت والنفاق ما شأنك وشأن النفاق؟!!
فقال: (اللهم غُفْراً -ثلاثاً- لا يأمن البلاء من يأمن البلاء، والله إنَّ الرجل ليفتن عن ساعة واحدة فيقلب عن دينه). رواه البيهقي في شعب الإيمان واللفظ له، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق مختصراً، وابن عساكر في تاريخ دمشق ولفظه: (من يأمن البلاء؟ من يأمن البلاء؟).
- وقال بقية بن الوليد: حدثني صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر حدثني جبير بن نفير أنه سمع أبا الدرداء وهو في آخر صلاته، وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق؛ فأكثر التعوّذ منه.
قال: فقال له جبير: ما لك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟!!
قال: (دعنا عنك! دعنا عنك! فوالله إنَّ الرجلَ ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه). رواه ابن عساكر.
تفكّره واعتباره
- قال محمد بن عجلان، عن عون بن عبد الله قال: قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كان أكثر؟
قالت: (التفكر والاعتبار). رواه ابن المبارك في الزهد، والنسائي في السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال سفيان الثوري، عن مالك بن مغول، عن عون بن عبد الله، قال: سألت أم الدرداء: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟
فقالت: (التفكر والاعتبار). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
ورواه وكيع في الزهد، ومن طريقه الإمام أحمد في الزهد عن مالك بن مغول والمسعودي عن عون قال: سُئلت أم الدرداء ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟
قالت: (التفكر والاعتبار).
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء قال: قيل لها: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟
قالت: «التفكر». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو داوود في الزهد ولفظه: (طول التفكر).
- وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: (تفكر ساعة خير من قيام ليلة). رواه أحمد في الزهد، وابن سعد في الطبقات، وهناد بن السري في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: (لما فُتحت قبرس مُرَّ بالسبي؛ فجاء أبو الدرداء يبكي!!
فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله؟!!
قال: (يا جبير! بينا هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله؛ فلقوا ما قد ترى!).
ثم قال: (ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه). رواه ابن عساكر.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
أهله وأولاده
تزوّج أبو الدرداء امرأتين كنيتا أمَّ الدرداء:
الأولى: خيرة بنت أبي حدرد الأسلمية رضي الله عنها، وهي أم الدرداء الكبرى
والثانية: هُجيمة بنت حييّ الوصابية رحمها الله، وهي أمّ الدرداء الصغرى
- قال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: (أم الدرداء هجيمة بنت حيي الوصابية، وأمّ الدرداء الكبرى خيرة بنت أبي حدرد). رواه ابن عساكر.
فأما أمّ الدرداء الكبرى فصحابية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وأنجب منها أبو الدرداء: ابنته الدرداء، وابنيه: بلالاً، ويزيد.
- قال أبو القاسم ابن عساكر: (أم الدرداء الكبرى توفيت في حياة أبي الدرداء).
وابنته الدرداء تزوجها صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، وكان قد خطبها يزيد بن معاوية فردّه أبو الدرداء، وأنكحها صفوان.
- قال جعفر بن سليمان الضبعي: حدثنا ثابت البناني قال: خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنته فردَّه فقال رجلٌ من جلساء يزيد: أصلحك الله تأذن لي أن أتزوجها؟ قال: اعزب ويلك.
قال: تأذن لي أصلحك الله؟
قال: نعم، فخطبها فأنكحها أبو الدرداء الرجلَ.
قال: فسار ذلك في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فردَّه، وخطب إليه رجلٌ من ضعفاء المسلمين فأنكحه.
قال: فقال أبو الدرداء: (إني نظرت للدرداء، ما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان، ونظرت إلى بيوت يلتمع فيها بصرها؟! أين دينها منها يومئذ؟!). رواه أحمد في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية.
وبلال بن أبي الدرداء كان قاضياً على دمشق في زمن يزيد بن معاوية وبقي على القضاء حتى زمن عبد الملك بن مروان.
وأمّا أمّ الدرداء الصغرى فهي هجيمة بنت حيي الوصابية(ت: 81هـ)
والأوصاب بطن من حمير، وكانت فقيهة عالمة زاهدة، ذات حسن وبهاء، وجلالةِ قَدْرٍ، وحُرْمةٍ وافرة.
روت عن زوجها أبي الدرداء فأكثرت عنه، وروت عن عائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم.
وروى عنها: جبير بن نفير، وأبو قلابة الجرمي، ولقمان بن عامر الوصابي، ورجاء بن حيوة، ومولاها خليد، وصالح بن زيتون، وميمون بن مهران، وغيرهم كثير.
تزوّجها أبو الدرداء وهي صغيرة، وكانت شديدة المحبة له، ولما مات لم تتزوّج بعده، وقد خطبها معاوية بن أبي سفيان فأبت، وعمّرت حتى أدركت خلافة عبد الملك بن مروان.
- قال أبو الحسن الدارقطني: (أم الدرداء الصغرى هجيمة بنت حيي الأوصابية، هي التي خطبها معاوية بعد وفاة أبي الدرداء فأبت أن تزوجه).
- وقال إبراهيم بن المنذر: حدثنا الوليد قال: حدثنا عثمان بن أبي العاتكة وابن جابر قالا: كانت أم الدرداء يتيمة في حَجر أبي الدرداء، تختلف مع أبي الدرداء في ثوبين تصلي في صفوف الرجال، وتجلس في حِلَق القرّاء تعلَّم القرآن حتى قال لها أبو الدرداء يوماً: (الحقي بصفوف النساء). رواه البخاري في التاريخ الأوسط، وابن عساكر.
- وقال أحمد بن الفرج، عن بقية بن الوليد أنَّ إبراهيم بن أدهم قال: قال أبو الدرداء لأمّ الدرداء: (إذا غضبتِ أرضيتُك، وإذا غضبتُ فأرضيني؛ فإنك إنْ لم تفعلي ذلك؛ فما أسرع ما نفترق). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير عن أم الدرداء أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبويَّ في الدنيا؛ فأنكحوك وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة.
قال: (فلا تنكحي بعدي فخطبها معاوية بن أبي سفيان؛ فأخبرتُه بالذي كان فقال: (عليك بالصيام). رواه ابن عساكر.
- وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر عن أمّ الدرداء أنها قالت: (اللهم إنَّ أبا الدرداء خطبني؛ فتزوجني في الدنيا، اللهمّ فأنا أخطبه إليك؛ فأسألك أن تزوّجنيه في الجنة).
فقال لها أبو الدرداء: (فإن أردت ذلك؛ فكنتُ أنا الأول فلا تتزوجي بعدي).
قال: (فمات أبو الدرداء، وكان لها جمالٌ وحُسْن؛ فخطبها معاوية؛ فقالت: (لا والله لا أتزوّج زوجاً في الدنيا حتى أتزوّج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة). رواه ابن عساكر.
- وقال الوليد بن مسلم: أخبرني ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال: (كانت أم الدرداء فقيهة). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا ابن عياش عن عبد ربّه بن سليمان بن عمر بن زيتون قال: (رأيت أم الدرداء تلبس السواد). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال أبو مسهر الغساني: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثني ابن جابر قال: (كانوا يجتمعون في بيت أم الدرداء، يقرأ عليهم خليد بن سعد وكان رجلاً قارئاً). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال أبو مسهر الغساني: سمعت عبد الحليم بن محمد بن عبيد الله ابن أخي إسماعيل بن عبيد الله يحدّث عن عمه إسماعيل بن عبيد الله قال: قالت أم الدرداء: يا إسماعيل كيف نام رجلٌ تحت وسادته عشرة آلاف؟
قال قلت لها: بل كيف ينام إن لم يكن تحت رأسه عشرة آلاف؟
فقالت: (سبحان الله! ما أراك إلا ستبلى بالدنيا).
قال أبو مسهر: (فابتلي بالدنيا). رواه يعقوب بن سفيان.
- وقال أبو الوليد رديح بن عطية القرشي، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أم الدرداء أن رجلاً أتاها فقال لها: إنه قد نالَ منك رجلٌ عند عبد الملك.
قالت: (إن نُؤبن بما فينا؛ فطال ما زُكِّينا بما ليس فينا). رواه ابن عساكر.
- قال أبو عبد الله الذهبي: (كانت لأمّ الدرداء حُرْمة وجلالة عجيبة).
- وقال إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: حدثني أبي عن جدي قال: (كان عبد الملك بن مروان كثيراً ما يجلس إلى أمّ الدرداء في مؤخر المسجد بدمشق وهو خليفة؛ فجلس إليها مرّةً من المرار؛ فقالت له: يا أمير المؤمنين بلغني أنك شربت الطلاء بعد العبادة والنسك! قال: إي والله يا أمَّ الدرداء، والدماء قد شربتها). رواه ابن عساكر.
بعض أخباره
- قال الأعمش: سمعت سالماً [هو ابن أبي الجعد] قال: سمعت أم الدرداء، تقول: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: «والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعا». رواه البخاري في صحيحه، وأحمد في المسند والزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وسالم هو ابن أبي الجعد الأشجعي.
- وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: حدثتني أم الدرداء أنَّ أبا الدرداء كان يجيء بعد ما يصبح فيقول: (أعندكم غداء؟) فإن لم يجد قال: (فأنا إذا صائم). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وعلقه البخاري في صحيحه.
- وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا أبو غالب، عن أم الدرداء، قالت: قدم علينا سلمان؛ فقال: أين أخي؟
قلت: في المسجد.
فأتاه؛ فلما رآه اعتنقه). رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله قال: حدثتني أمُّ الدرداء أنَّ أبا الدرداء أتى باب معاوية، فاستأذن فلم يؤذن له، فرجع إلى جلسائه، ثم عاد فلم يؤذن له، فقال: «من يغش سُدّة السلطان يقم ويقعد، ومن يجد باباً مغلقاً يجد إلى جانبه باباً فيحاً رحباً، إن دعا أجيب، وإن سأل أعطي». رواه ابن المبارك في الزهد.
- وقال سليمان بن حرب: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: ذُكرتِ الأوجاعُ عند أبي الدرداء؛ فقال رجل: ما اشتكيتُ شيئاً قط.
قال: فقال أبو الدرداء: (أخرجوه عني، إنَّ ذنوبك لحمة عليك كما هي، ما حطّ عنك منها شيء). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي الزيات القشيري قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده؛ فدخل علينا أعرابي؛ فقال: ما لأميركم؟! وأبو الدرداء يومئذ أمير.
قلنا: هو شاكٍ.
قال: والله ما اشتكيت قط!
أو قال: ما صدعت قط.
فقال أبو الدرداء: (أخرجوه عني ليمت بخطاياه، ما أحبّ أنَّ لي بكل وصبٍ وُصِبْتُه حمر النعم، وإنَّ وَصَبَ المؤمن يكفر خطاياه). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وأبو الزيات لم أعرفه.
- وقال جعفر بن برقان الكلابي، عن ميمون بن أبي جرير، عن ميمون بن مهران قال: حدثتني أم الدرداء، قالت: (لقد رأيت أبا الدرداء ينفخ النار تحت قدرنا هذه حتى تسيل دموع عينيه). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال.
- وقال أبو هلال الراسبي، عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى؛ فدخل عليه أصحابه فقالوا: ما تشتكي؟
قال: (أشتكي ذنوبي).
قالوا: فما تشتهي؟
قال: (أشتهي الجنة).
قالوا: ألا ندعو لك طبيبا؟
قال: (هو الذي أضجعني). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب "المحتضرين".
ثناء الصحابة والتابعين عليه
- قال معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
قال: أجلسوني.
فقال: (إنَّ العلمَ والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهودياً، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة "). رواه أحمد، والترمذي، وأبو زرعة الدمشقي، والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال يحيى بن عبد الله بن بكير: حدثنا عبد الله بن لهيعة قال: حدثني الحارث بن يزيد قال: سمعت علي بن رباح يقول: حدثني ناشرة بن سميّ اليزني قال: كنت أتبع معاذ بن جبل أتعلم منه القرآن، وآخذ منه، فلما كنت بالمدينة وصليت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقرأت القرآن، فمر بي رجل فضرب كتفي قال لي: (ليس كما تقرأ).
فلما فرغت أتيت معاذاً فأخبرته بقول الرجل؛ فقال معاذ بن جبل: أتعرفه؟
قلت: نعم، وأريته إياه.
فانطلق إليه معاذ فقال: أخبرني هذا أنك رددت عليه ما قرأ.
قال: (نعم - وهو أبيّ بن كعب- نعم، يا معاذ! بعثك نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن؛ فأُنزل بعدك قرآن، ونُسخ بعدك قرآن، فأتني بأصحابك يعرضون عليَّ القرآن).
فقال معاذ: يا ناشرة إنَّ أعلمَ الناس بفاتحة آية وخاتمتها أبيّ بن كعب، وإنَّ أقدرَ الناس على كلمة حكمة أبو الدرداء، وإنَّ أعلمَ الناس بفريضة وأقسَمهم لها عمر بن الخطاب). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال عبد الرحمن بن سابط الجمحي: سمعت عمرو بن ميمون قال: قال لي معاذ بن جبل: (التمس العلم عند عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام - فإنه عاشر عشرة في الجنة - وسلمان الخير، وعويمر أبي الدرداء).
قال: (فلحقت بعبد الله بن مسعود). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال عبد الله [بن مسعود]: (علماءُ الأرض ثلاثة: فرجلٌ بالشام، ورجلٌ بالمدينة، ورجل بالكوفة؛ فأما هذان فيسألان الذي المدينة، والذي بالمدينة لا يسألهم عن شيء). رواه ابن عساكر.
- وقال إبراهيم بن الحكم: حدثنا أبي، عن السدي، عن مرّة بن شراحيل قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: (علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام يعني أبا الدرداء يحتاج إلى الذي بالعراق يعني نفسه، والذي بالشام والعراق يحتاجان إلى الذي بالمدينة يعني عليَّ بن أبي طالب، ولا يحتاج إلى واحد منهما). رواه ابن عساكر.
- وقال قبيصة بن عقبة: أخبرنا سفيان [ الثوري]، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان قال: كان عبد الله بن عمرو يقول: حدثونا عن العاقِلَين.
فيقال له: من العاقلان؟
فيقول: (معاذ بن جبل، وأبو الدرداء). رواه ابن سعد، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن عساكر.
- وقال سفيان بن عيينة، عن ابن أبي حسين قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: سمعت يزيد بن معاوية يقول: (كان أبو الدرداء من الفقهاء العلماء الذين يشفون من الداء). رواه ابن عساكر.
- وقال عبيد الله بن موسى الكوفي: أخبرنا جعفر بن زياد عن منصور عن مسروق قال: (انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق؛ فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالمُ الشام وعالمُ العراق عالمَ المدينة ولم يسألهم). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم، عن مسروق قال: (شامَمْتُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة: عمر، وعلي، وعبد الله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت.
ثم شاممت - يعني الستة - فوجدت علمهم انتهى إلى: علي، وعبد الله). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، عن عامر الشعبي قال: (انتهى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة نفر عمر وعلي وعبد الله وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
- وقال مسعر بن كدام، عن القاسم بن عبد الرحمن [الشامي]، قال: «كان أبو الدرداء من الذين أوتوا العلم». رواه سعيد بن منصور في سننه، وأحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
- وقال أبو مسهر الغساني: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز قال: (كان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام، ثم كان العلماء بعد هؤلاء: زيد، ثم كان بعد زيد بن ثابت: ابن عمر، وابن عباس).
قال: (ثم كان بعد هذين سعيد بن المسيب). رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق، والطبراني في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
مرض موته
مات أبو الدرداء رضي الله عنه بعد مرض أصابه في آخر حياته.
- قال ميمون بن موسى المَرَائي التميمي: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: صحبت أبا الدرداء أتعلّم منه، فلما حضره الموت قال: آذنِ الناس بموتي، فآذنت الناس بموته، فجئت وقد ملئ الدار وما سواه.
قال: فقلت: قد آذنتُ الناس بموتك، وقد مُلئ الدار، وما سواه.
قال: أخرجوني فأخرجناه.
قال: أجلسوني.
قال: فأجلسناه.
قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمّهما أعطاه الله ما سأل معجلاً أو مؤخراً».
قال أبو الدرداء: «يا أيها الناس! إياكم والالتفات؛ فإنّه لا صلاة لملتفت؛ فإن غُلبتم في التطوّع، فلا تُغلبنّ في الفريضة». رواه أحمد في المسند.
- وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: قال أبو الدرداء في مرضه الذي مات فيه: (ألا احملوني).
قال: فحملوه.
قال: (ألا أخرجوني).
قال: فأخرجوه.
قال: (حافظوا على هاتين الصلاتين - يعني صلاة العشاء، والصبح -، ألا اسمعوا وبلغوا من خلفكم: لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على مرافقكم وركبكم). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: أخبرني إسماعيل بن عبيد الله، قال: حدثتني أم الدرداء أنه أغمي على أبي الدرداء، فأفاق فإذا بلال ابنه عنده، فقال: «قم فاخرج عني».
ثم قال: (من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} أتيتم).
ثم أغمي عليه، فلبث لبثاً ثم يفيق؛ فيقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى قبض). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني قال: مرض أبو الدرداء مرضه الذي مات فيه، وكثر العوّاد في منزله؛ فأخرجوه إلى كنيسة النصارى؛ فجعل الناس يعودونه أرسالاً. فجاء أبو إدريس إلى أبي الدرداء وهو يجود بنفسه؛ فتخطّى الناس حتى جلس عند رأسه.
فقال أبو إدريس: الله أكبر، الله أكبر؛ فجعل يكثر؛ فرفع أبو الدرداء رأسه فقال: (إن الله عز وجل إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به).
ثم قال: (ألا رجلٌ يعمل لمثل مصرعي هذا! ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه!)
ثم قضى). رواه ابن زبر الربعي في وصايا العلماء عند الموت.
تاريخ وفاته
كان موته بعد موت ابن مسعود رضي الله عنهما، لكن اختلف في سنة وفاته على أقوال:
- فقال يحيى بن بكير، وابن سعد، وأبو مسهر الغساني، وخليفة بن خياط، ويعقوب بن شيبة، وأبو عبيد، وأبو حفص الفلاس، وابن نمير، وابن زبر الرَّبَعي: مات سنة 32ه.
- وقال الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز: مات قبل مقتل عثمان بسنتين، أي سنة 33هـ.
- وقال المفضل بن غسان، وخالد بن معدان: مات سنة 31هـ.
- وقال عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي دحيم: حدثنا سويد بن عبد العزيز عن الأوزاعي قال: (مات أبو الدرداء قبل قتل عثمان بسنتين). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال سعيد بن عبد العزيز، عن مغيث بن سمي (أنَّ أبا الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري وهو من بلحارث بن الخزرج مات بعد موت ابن مسعود في آخر خلافة عثمان قبل أن يقتل بقليل). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال: أبو مسهر الغساني: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: (مات أبو الدرداء وكعب الأحبار في خلافة عثمان). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال أبو زرعة الدمشقي: (رأيت أهل العلم ببلدنا يذكرون: أن بمقبرة دمشق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلال بن رباح مولى أبي بكر، وسهل بن الحنظلية، وأبو الدرداء).
ما رؤي فيه بعد موته
- قال الليث بن سعد: حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير الحضرمي، حدثنا عوف بن مالك الأشجعي قال: رأيت في المنام كأني أتيت مرجاً أخضر فيه قبة من أدم، حولها غنم ربّض تجتر وتبعر العجوة؛ فقلت: لمن هذه؟
فقيل لي: لعبد الرحمن بن عوف؛ فانتظرته حتى خرج من القبة.
قال: يا عوف بن مالك! هذا ما أعطى الله سبحانه بالقرآن؛ فلو أشرفت على هذه الثنية لرأيت ما لا ترى عينك، ولسمعت ما لم تسمع أذنك، ولا يخطر على قلبك، أعده الله عزّ وجل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر). رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/60.jpg
سِيَر أعلام المفسّرين
من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
عبد العزيز الداخل
8: سيرة أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
مواعظه ووصاياه
كان أبو الدرداء رضي الله عنه من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، كثير التفكر والاعتبار، وكان ينطق بالحكمة، ويعظ المواعظ البليغة، ويوصي الوصايا الجليلة، وقد تقدّم ما روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (وإنَّ أقدرَ الناس على كلمة حكمة أبو الدرداء).
والمواعظ والوصايا المروية عن أبي الدرداء رضي الله عنه كثيرة جداً، وقد انتخبت منها هذه الآثار الحسان:
1: قال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد وهو أمير بمصر: «أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، وإذا أحبه الله حبَّبَه إلى خلقه، وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، وإذا أبغضه الله بغَّضه إلى خلقه». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ووكيع في الزهد، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وأبو داوود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
2: وقال معمر بن راشد، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: «سلام عليك، أما بعد، فإنَّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده، وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغضه إلى عباده». رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
3: وقال الفُضيل بن عياض، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله وإذا أحبه الله حببه إلى عباده). رواه ابن عساكر.
4: وقال موسى بن داود الضبّي: حدثنا نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة قال: قال يزيد بن معاوية: قال أبو الدرداء - وكان من العلماء- : (تأملون وتجمعون؛ فلا ما تأملون تدركون، ولا ما تجمعون تأكلون). رواه ابن عساكر.
5: وقال موسى بن داود الضبّي: حدثنا نافع بن عمر الجمحي قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال يزيد بن معاوية: قال أبو الدرداء - وكان من العلماء الحكماء الذين يشفون الداء -: (يا أهل دمشق! اسمعوا قولَ أخٍ لكم ناصح، ما لي أراكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتؤمّلون ما لا تدركون، إنَّ من كان من قبلكم جمعوا كثيراً، وبنوا شديداً، وأمّلوا بعيداً؛ فأصبح ما جمعوا بورا، وما أمّلوا غرورا، وأصبحت مساكنهم قبوراً). رواه ابن عساكر.
وروى محمد بن العجلان، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن أبي الدرداء نحوه، وزاد: (ألا إنَّ عاداً ملأت ما بين عدن وعمان خيلا وركابا؛ فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين؟!). رواه أبو داوود في الزهد.
وروى ابن أبي الدنيا نحوه في كتاب "قصر الأمل" من طريق عمار بن محمد الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء.
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش بنحوه.
6: وقال عبد الله بن مسلمة القعنبي: حدثنا فضيل بن عياض، عن سليمان [الأعمش]، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن [بن أبي ليلى]، قال: قال حبيب بن مسلمة لأبي الدرداء: أوصني.
فقال: (عليك بكتاب الله). ثلاث مرات.
فلما ولى دعاه قال: (اعبد الله كأنك تراه، واعدد لنفسك قبرا، واحذر دعوة المظلوم). رواه أبو داوود في الزهد.
7: وقال زيد بن واقد، عن زيد بن عبيد، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: (لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاماً على شهوة أبداً، ولا شربتم شراباً على شهوة أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون فيه أبداً، ولبرزتم إلى الصُّعُدات تلزمون صدوركم وتبكون على أنفسكم).
ثم قال: (لوددت أني شجرة أعضد في كل عام، وأؤكل). رواه أبو داوود في الزهد.
8: وقال عبثر بن القاسم الزبيدي، عن برد بن سنان، عن حزام بن حكيم، قال: قال أبو الدرداء: « لو تعلمون ما أنتم راؤون بعد الموت لما أكلتم طعاماً على شهوة، ولا شربتم شراباً على شهوة، ولا دخلتم بيتاً تسكنون فيه، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم، ولوددت أني شجرة تعضد، ثم تؤكل». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين، وأبو نعيم في الحلية.
9: وقال الربيع بن نافع الحلبي: حدثنا علي بن حوشب[الفزاري]، عن أبيه، أنه سمع أبا الدرداء على المنبر يخطب الناس وهو يقول: (إني لخائف يوم ينادي مناد فيقول: يا عويمر!
فأقول: لبيك رب لبيك.
فيقول: أما علمت؟
فأقول: نعم.
فيقال: كيف عملت فيما علمت؟
فتأتي كل آية في كتاب الله زاجرة وآمرة تسألني فريضتها، فتشهد عليَّ الآمرةُ بأني لم أفعل، وتشهد علي الزاجرة بأني لم أنته أو أترك؛ فأعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عمل لا ينفع، ومن صوت لا يسمع، وأعوذ بالله من دعاء لا يجاب). رواه أبو داود في الزهد.
10: وقال عبيد الله بن موسى الكوفي: حدثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم، عن أبي وائل، عن أبي الدرداء قال: (اعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك مع الموتى، وإياك ودعوات المظلوم فإنهنَّ يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شرارات نار). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
11: وقال جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائل، عن أبي الدرداء، قال: «إني لآمركم بالأمر، وما أفعله، ولكني أرجو فيه الأجر، وإنَّ أبغض الناس إليَّ أن أظلمه الذي لا يستعين عليَّ إلا بالله». رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو داود في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن منصور به ولفظه: (إنَّ أبغضَ الناسِ إليَّ أن أظلمه من لا يستغيث عليَّ إلا الله عز وجل).
12: وقال أبو المُعلَّى صخر بن جندلة البيروتي: حدثني يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء يحلف: « وايم الله - ما سمعته يحلف قبلها - ما عمل آدمي عملاً خيراً من مشي إلى صلاة، ومن خلق جائز، ومن صلاح ذات البين». رواه ابن المبارك في الزهد.
13: وقال عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، أنَّ رجلاً أتى أبا الدرداء بابنه، فقال: يا أبا الدرداء! إنَّ ابني هذا قد جمع القرآن.
فقال: «اللهم غفراً، إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع».رواه أبو عبيد في فضائل القرآن.
14: وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني أبو عبيد الله، عن أبي الدرداء قال: «لا يزال نفس أحدكم شابة في حبّ الشيء ولو التقت ترقوتاه من الكبر، إلا الذين امتحن الله قلوبهم للآخرة، وقليل ما هم». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
15: وقال أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني، عن خالد بن محمد الثقفي، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (حبُّك الشيءَ يُعْمِي ويُصِمّ). رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد في مصنفه، وأبو داوود في سننه، والطبراني في المعجم الأوسط، وغيرهم.
16: وقال ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن حميد بن مسلم، قال: سمعت بلال بن أبي الدرداء، يقول: قال أبو الدرداء: (حبك للشيء يعمي ويصم). رواه أبو داوود في الزهد.
17: وقال يزيد بن هارون: حدثنا حريز بن عثمان، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه قال: (حبك الشيء يعمي ويصم). رواه ابن العرابي في معجمه، والبيهقي في شعب الإيمان.
18: وقال مسعر بن كدام: حدثني عون بن عبد الله قال: قال أبو الدرداء: «من يتفقَّد يَفْقِد، ومن لا يُعِدَّ الصبر لفواجع الأمور يعجز». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
19: وقال زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش، عن أبي بحرية عبد الله بن قيس السَّكوني، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم)).
قالوا: وذلك ما هو يا رسول الله؟
قال: ((ذكر الله عز وجل)). رواه أحمد في المسند، ورواه مالك في الموطأ من طريق زياد عن أبي الدرداء موقوفاً، ورواه ابن أبي شيبة من طريق صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء موقوفاً.
20: وقال موسى بن عقبة: حدثني بلال بن سعد التيمي، عن أبيه أنَّ أبا الدرداء رضي الله عنه ذكر الدنيا فقال: (إنها ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان لله عز وجل، أو ما ابتغي به وجهه تعالى). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد.
21: وقال إسماعيل بن عياش: حدثني شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: (من لم ير أنَّ لله عليه نعمة إلا في الأكل والشرب؛ فقد قلَّ فقهه وحضر عذابه). رواه ابن عساكر.
22: وقال إسماعيل بن عياش الحمصي: حدثنا شرحبيل بن مسلم، عن أبي مسلم الخولاني، عن أبي الدرداء، أنه قال: «بئس العون على الدين قلب نَخيب، وبطن رغيب، ونعظ شديد». رواه أبو بكر الخرائطي في اعتلال القلوب، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل ولم يذكر أبا مسلم الخولاني، والقلب النخيب هو الضعيف الجبان، والنعظ شهوة الجماع.
23: وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن حكيم بن جابر قال: كان أبو الدرداء مضطجعاً بين أصحابه وثوبه على وجهه، إذ مرّ بهم قسٌّ فأعجبهم سِمَنُه؛ فقالوا: اللهمَّ العنه، ما أعظمه!! وما أسمنه!!
فكشف الثوب عن وجهه؛ فقال: من ذا الذي لعنتم آنفا؟
فقالوا: قِسّا مرَّ بنا.
فقال: (لا تلعنوا أحداً؛ فإنه لا ينبغي للعان أن يكون عند الله يوم القيامة صديقاً). رواه ابن المبارك في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، وابن أبي الدنيا في "ذم اللعانين"، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
24: وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: (لولا ثلاث صلح الناس: شحٌّ مطاع، وهوى متبّع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه). رواه أحمد في الزهد.
25: وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا معاوية، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: (العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير فيما سواهما). رواه أحمد في الزهد.
26: وقال إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن أبي الدرداء قال: (معاتبة الأخ أهون من فقده، ومن لك بأخيك كله، أعطِ أخاك وهب له، ولا تطع فيه كاشحا فيكون مثله، غداً يأتيه الموت فيكفيك قِبَله، كيف تبكيه في الممات وفي الحياة تركت وصله؟). رواه ابن عساكر.
ورواه أبو داوود في الزهد من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي الدرداء.
- قال أبو داود: (بلغني عن الأصمعي: "من لك بأخيك كله": يراد لا بدَّ أن يكون فيه نقص ما تستنكر، وقال أبو قلابة: "أعياني أن أجد منكم رجلا كاملاً").
27: وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي: سمعت إسماعيل بن عبيد الله، يقول: سمعت أم الدرداء، تقول: سمعت أبا الدرداء، يقول: (لو أنَّ رجلاً هرب من رزقه كهربه من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
28: وقال إسماعيل بن عياش الحمصي، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء أنه كان يقول: (من يتبع نفسه ما يرى في الناس يطول حزنه ولا يشفي غيظه). رواه أبو داوود في الزهد.
29: وقال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، أنه كان يقول: (من لم يرَ لله عليه نعمة إلا في الأكل والشرب، فقد قلَّ فهمه، وحضر عذابه). رواه أبو داوود في الزهد.
30: وقال معن بن عيسى القزاز، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: (لولا ثلاث لصلح الناس، لولا هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب كل ذي رأى برأيه). رواه أبو داوود في الزهد.
31: وقال ابن وهب: أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء، قال: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان من ذكر الله، أو آوى إلى ذكر الله). رواه أبو داوود في الزهد.
32: وقال معاوية بن صالح الحضرمي: حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن أبي الدرداء، قال: «إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون». رواه ابن أبي شيبة.
33: وقال الهيثم بن خارجة: حدثنا سليمان بن عتبة، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيراً). رواه أحمد في المسند، والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه عن الهيثم بن خارجة به موقوفاً على أبي الدرداء.
ورواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق عن سليمان بن عتبة عن يونس بن ميسرة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء موقوفاً.
وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده نحوه موقوفاً من طريق محمد بن حرب، عن أبي سلمة سليمان بن سليم الكناني عن يحيى بن جابر القاضي عن أبي الدرداء، في قصة ذكرها، وهو منقطع.
34: وقال يوسف بن بحر التميمي قاضي حمص: حدثنا محمد بن سعيد بن سابق، عن مروان بن جناح أنه حدثه، عن ميسرة بن حلبس، أن أبا الدرداء، قال: (تعلموا العلم قبل أن يفتقر إليكم، فإن أعبد الناس رجل عالم، إن احتيج إليه نفع بعلمه، وإن استغني عنه نفع نفسه بالعلم الذي جعله الله عنده، فما مال علمائكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون؟ فلو أن العالم أراد أن يزداد علماً لازداد وما نقص العلم شيئاً، ولو أراد الجاهل أن يتعلم لوجد العلم). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
وروح بن جناح هو أبو سعد المدني متكلّم فيه، وميسرة بن حلبس لا أعلم له رواية، وإنما المعروف بالرواية ابناه: يونس، ويزيد، وهما لم يدركا أبا الدرداء.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
مراسيل المواعظ المروية عنه
لأبي الدرداء رضي الله عنه مواعظ جليلة، ووصايا قيّمة، وحكم بديعة، وأقوال سائرة، لكن أكثر ما يُروى عنه مراسيل، كمراسيل سالم بن أبي الجعد الأشجعي، وعبد الله بن مرة الهمداني، وخالد بن معدان الكلاعي، وأبي قلابة الجرمي، والحسن البصري، ورجاء بن حيوة الكندي، وشريح بن عبيد الحضرمي، وراشد بن سعد الحبراني، ومعاوية بن قرّة المزني، وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، ولقمان بن عامر الوصابي، وبلال بن سعد السكوني، وميمون بن مهران الجزري، وقتادة بن دعامة السدوسي، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، وربيعة بن يزيد القصير، وشرحبيل بن مسلم الخولاني، وأبو حبيب الحارث بن مخمر الظهراني، وأبو الزاهرية حدير بن كريب الحضرمي، وضمرة بن حبيب الزُّبَيدي، وموسى بن عقبة المدني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم كثير.
وهؤلاء عامتهم من الأئمة الكبار، ويروون عن أبي الدرداء بواسطة أمّ الدرداء، أو بلال بن أبي الدرداء، أو إسماعيل بن عبيد الله مولى أبي الدرداء، ومنهم من يروي عن غيرهم؛ فإذا كان الإسناد إليهم صحيحاً، والمتن ليس فيه نكارة؛ فالحكمة ضالّة المؤمن، وربّ كلمة لو قالها رجل من أفناد الناس لكانت حكمة بليغة، ومثلاً سائراً؛ فما يكون من رواية هؤلاء الأئمة عن أبي الدرداء أولى بالاعتبار والحفظ، وإن كان لا يحتجّ بها في الأحكام لانقطاع إسنادها، لكن يستفاد منها في الوعظ والتذكير، والتنبيه على ما قد يُغفل عنه؛ ولذلك رأيت من التفريط تركها؛ فانتخبت منها مراسيل جياد، ورتّبتها على ترتيب رواتها.
مراسيل سالم بن أبي الجعد الأشجعي(ت:98هـ تقريباً )
- قال مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء قال: «تعلموا قبل أن يرفع العلم، فإن ذهاب العلم ذهاب العالم، وإن العالم والمتعلم في الأجر سواء». رواه وكيع في الزهد.
- وقال الفضيل بن عياض، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال أبو الدرداء: (ما لي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهّالكم لا يتعلمون، تعلّموا فإنَّ العالم والمتعلم في الأجر سواء، ولا خير في سائر الناس، ما لي أراكم تحرصون على ما كُفل لكم به، وتَباطَؤون عما أمرتم به). رواه ابن عساكر.
- وقال النضر بن شميل: أنبأنا شعبة، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال أبو الدرداء: (ما لي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، ما لي أراكم تحرصون على ما تكفل لكم، وتدعون ما أمرتم به، تعلموا قبل أن يرفع العلم، ورفع العلم ذهاب العلماء؛ فأنا أعلم بشراركم من البيطار بالفرس، هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبرا، ولا يقرءون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محررهم). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال حصين بن عبد الرحمن الأسدي، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء أنه قال: «مالي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، تعلّموا قبل أن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء، مالي أراكم تحرصون على ما قد تُكُفّل لكم به، وتضيعون ما وكلتم به، لأنا أعلم بشراركم من البيطار بالخيل، هم الذين لا يأتون الصلاة إلا دبراً، ولا يسمعون القرآن إلا هجرا، ولا يعتق محررهم». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال محمد بن فضيل، عن [حصين] بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء، قال: (يا أهل حمص! مالي أرى علماءكم يذهبون، وأرى جهالكم لا يتعلمون، وأراكم قد أقبلتم على ما تكفّل لكم به، وضيعتم ما وكلتم به؟
اعلموا قبل أن يرفع العلم، فإنَّ رفع العلم ذهاب العلماء، لولا ثلاث صلح الناس: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه.
من يكثر قرع الباب يفتح له، ومن يكثر الدعاء في الرخاء يستجاب له عند الكرب، ومن رزق قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنةً، فنعم الخيرات له، لم يترك من الخيرات شيئاً). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال محمد بن فضيل الضبّي: حدثنا أبو نصر [الضبي]، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء قال: (من يكثر الدعاء في الرخاء يستجاب له عند البلاء، ومن يكثر قرع الباب يفتح له). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال أبو الدرداء: (ما لي أراكم تجتهدون فيما قد توكل لكم به وتبطؤون عما أمرتم به). رواه ابن عساكر.
- وقال منصور بن المعتمر السلمي، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي قال: صعد رجل إلى أبي الدرداء وهو جالس فوق بيت يلتقط حباً، قال: فكأن الرجل استحيا منه فرجع، فقال أبو الدرداء: «تعال! فإنَّ من فقهك رفقك في معيشتك». رواه وكيع في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد بن السري في الزهد، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال"، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
مراسيل عبد الله بن مرة الهمداني(ت:100هـ)
- قال الأعمش، عن عبد الله بن مرّة قال: قال أبو الدرداء: (اعبدوا الله كأنكم ترونه، وعدّوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أنَّ قليلاً يكفيكم خير من كثير يلهيكم، واعلموا أنَّ البرَّ لا يَبْلى، وأنَّ الإثم لا يُنسى). رواه وكيع في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
ورواه أبو داوود في الزهد من طريق جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن عبد الله بن مرة الهمداني به.
مراسيل عبد الله بن جُليد الحجري(ت:100هـ)
- قال سعيد بن أبي أيوب: حدثني عبد الله بن الوليد [التجيبي]، عن عباس بن جُليد الحجري عن أبي الدرداء قال: (تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً، يكون حاجزاً بينه وبين الحرام، فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه قال الله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} فلا تحقرنّ شيئا من الشر أن تتقيه، ولا شيئا من الخير أن تفعله). رواه ابن المبارك في الزهد، والبيهقي في الزهد الكبير دون قوله: (فإن الله قد بيّن للعباد ... إلخ).
ورواه ابن بشران في أماليه، وأبو نعيم في الحلية و وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب به، وزاد في أوّله: «لولا ثلاث خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا».
فقلت: وما هن؟
فقال: «لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار يكون تقدمه لحياتي، وظمأ الهواجر، ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة».
فإن صحّت هذه الزيادة فيكون حديث عبد الله بن جليد عن أبي الدرداء متصلاً غير مرسل على أنّ بين وفاتيهما نحو 68 سنة.
مراسيل خالد بن معدان الكلاعي(ت:103هـ)
- قال ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء رحمه الله قال: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما أدى إلى ذكر الله، والعالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائر الناس همج لا خير فيهم). رواه ابن المبارك في الزهد، وأحمد في الزهد، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، وابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الدنيا"، والبيهقي في شعب الإيمان.
مراسيل أبي قلابة الجرمي (ت: 104هـ)
- قال النضر بن معبد، عن أبي قلابة الجرمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: (نزل القرآن على ست آيات: آية مبشرة، وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار). رواه يحيى بن سلام البصري في تفسيره.
- وقال إسماعيل ابن علية، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة الجرمي أنَّ رجلاً قال لأبي الدرداء: إن إخوانك من أهل الكوفة، من أهل الذكر، يقرئونك السلام. فقال: «وعليهم السلام، ومرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة، ويجنّبهم الجور والحزونة». رواه عبد الرزاق في مصنفه، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن، وابن أبي شيبة في مصنفه، والدارمي في سننه، ورواه عبد الرزاق من طريق معمر عن أيوب به.
- وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء: (البرّ لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديّان لا ينام، فكن كما شئت، كما تدين تدان). رواه أحمد في الزهد.
- وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (لا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله، ثم تقبل على نفسك فتكون لها أشد مقتا منك للناس). رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
وروى نحوه ابن أبي الدنيا في كتاب "محاسبة النفس" من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب السختياني به.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء رحمه الله قال: (ادع الله يوم سرائك لعله يستجيب لك يوم ضرائك). رواه أحمد في الزهد.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: قال أبو الدرداء: (ادع الله في يوم سرائك لعله يستجيب لك في يوم ضرائك). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: قال أبو الدرداء: «إن من فقه المرء ممشاه ومدخله ومجلسه».
ثم قال أبو قلابة: " قاتل الله الشاعر: لا تسأل عن المرء وانظر قرينه). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان.
قلت: البيت لعديّ بن زيد، وروايته المشهورة:
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن يقتدي.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، أنه قال: مُرَّ على أبي الدرداء برجل يقاد في حدٍّ أصابه قال: فنال القوم منه.
فقال: (لا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم).
قال: (أرأيتم لو رأيتموه في قليب أكنتم مستخرجيه؟)
قالوا: نعم.
قال: (فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله على الذي عافاكم).
فقيل: له أتبغضه؟
فقال: (إني لا أبغضه، ولكن أبغض عمله، فإذا تركه كان أخي). رواه أبو داوود في الزهد، ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب بنحوه.
- وقال معمر، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء، قال: «إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة، وحتى تمقت الناس في جنب الله، ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشد مقتا منك للناس». رواه معمر في جامعه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
ورواه أحمد في الزهد من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب به.
ورواه أبو داوود في الزهد من طريق وهيب بن خالد عن أيوب به.
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق روح بن عبادة عن حماد بن زيد عن أيوب به.
مراسيل الحسن بن أبي الحسن البصري(ت:110هـ)
- وقال أبو النضر هاشم بن القاسم الكناني: حدثنا المبارك [بن فضالة]، عن الحسن [البصري] عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (لئن شئتم لأقسمنَّ لكم: إنَّ أحبَّ عباد الله إلى الله الذين يحبّون الله، ويحبّبون الله إلى خلقه، ولئن شئتم لأقسمن لكم إن أحبّ عباد الله إلى الله رعاة الشمس والقمر يمشون في الأرض نصحاء). رواه وكيع في الزهد، وأحمد في الزهد.
ورعاة الشمس والقمر هم الذين يتعاهدون النظر إليهما لأداء الصلوات وقيام الليل، ودخول شهر رمضان.
- وقال أبو عمر الحوضي: حدثنا يزيد [بن إبراهيم التستري]، قال: سمعت الحسن يقول: قال أبو الدرداء: «ابن آدم! اعمل كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واتق دعوة المظلوم». رواه أبو حاتم الرازي في الزهد.
- قال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبو الأشهب [جعفر بن حيان العطاردي] عن الحسن [البصري]، عن أبي الدرداء قال: (إنما أخشى عليكم زلة عالم، وجدال المنافق بالقرآن، والقرآن حقٌّ، وعلى القرآن منار كمنار الطريق، ومن لم يكن غنياً من الدنيا فلا دنيا له). رواه أحمد في الزهد، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال سيار بن حاتم العنزي: حدثنا جعفر [بن سليمان الضبعي]، حدثنا يونس، عن الحسن قال: قال أبو الدرداء: (لولا ثلاث لأحببت أن أكون في بطن الأرض لا على ظهرها، لولا إخوان لي يأتوني ينتقون طيّب الكلام كما ينتقى طيّب التمر، أو أعفّر وجهي ساجداً لله عز وجل، أو غدوة أو روحة في سبيل الله عز وجل).رواه أحمد في الزهد.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن أبي الأشهب العطاردي عن الحسن البصري قال: قال أبو الدرداء: (من يتبع نفسه كل ما يرى في الناس يطلْ حزنه ولا يشفَ غيظه). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
ورواه أحمد في الزهد من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي الأشهب به، ورواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس" من طريق عبد الله بن المبارك، عن أبي الأشهب به.
- وقال روح بن حاتم البزاز: حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، قال: قال أبو الدرداء: «لا تتبع بصرك كلَّ ما ترى في الناس، فإنه من يتبع بصره كل ما يرى في الناس يطل حزنه ولا يشف غيظه، ومن لا يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه أو في مشربه فقد قل عمله وحضر عذابه، ومن لم يكن غنيا في [لعلّها: عن] الدنيا فلا دنيا له». رواه ابن أبي الدنيا في مداراة الناس.
- وقال إسماعيل بن إبراهيم[ابن علية]، عن موسى، عن الحسن [البصري]قال: قال أبو الدرداء: (يا بني! لا تتبع بصرك كلما ترى في الناس فإنه من يتبع بصره كلما يرى في الناس يطل تحزنه، ولا يشف غيظه، ومن لا يعرف نعمة الله إلا في مطعمه أو مشربه فقد قلَّ علمه وحضر عذابه، ومن لا يكن غنياً من الدنيا فلا دنيا له). رواه أحمد في الزهد.
- وقال أبو معاوية الضرير، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي الدرداء قال: «من تبع نفسه كل ما يرى في الناس يطل حزنه ولا يشف غيظه، ومن لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعم أو مشرب قلّ عمله وحضر عذابه». رواه هناد بن السري.
- وقال سالم بن نوح البصري: حدثنا يونس، عن الحسن، قال: قال أبو الدرداء لابنه: (يا بني! لا تتبع بصرك كلَّ ما ترى في الناس، فإنَّ كلَّ من تبع بصره كلَّ ما يرى في الناس يطول حزنه، ولا يشفي غيظه، ومن لا يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قصر عمله، وحضر عذابه). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا يزيد بن إبراهيم [التستري] عن الحسن [البصري] قال: قال أبو الدرداء: (من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قلَّ علمه وحضر عذابه). رواه البيهقي في شعب الإيمان، ورواه أبو حاتم الرازي في كتاب الزهد من طريق أبي عمر الحوضي عن يزيد به.
- وقال سفيان بن وكيع: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي موسى، عن الحسن قال: قيل لأبي الدرداء: إنَّ أصحابك بالأمصار قد قالوا شعراً؛ فهل قلت أنت شعراً؟
قال: نعم.
قالوا: ما هو؟
قال: قلت:
يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا).
رواه ابن عساكر.
مراسيل رجاء بن حيوة الكندي(ت:112هـ).
- قال عبيد الله بن عمرو الرَّقّي، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء قال: (إنما العلم بالتعلّم، والحلم بالتحلّم، ومن يتحرَّ الخير يعطه، ومن يتوقّ الشر يُوقَه، وثلاثة لا ينالون الدرجات العلى: من تكهن، أو استقسم، أو رجع من سفر من طيرة). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وفي المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
ورواه أبو خيثمة في كتاب العلم من طريق جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك به موقوفاً.
ورواه الطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن الحسن بن يزيد الهمداني سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء، عن أبي الدرداء مرفوعاً، لكن ابن الحسن متروك الحديث.
يتبع
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
مراسيل شريح بن عبيد الحضرمي(ت:112هـ تقريباً )
- قال أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني: حدثنا صفوان [بن عمرو السكسكي]، عن شريح بن عبيد [الحضرمي] أن أبا الدرداء، قال: (كم من نعمة لله في عرقٍ ساكن). رواه أبو داوود في الزهد.
مراسيل راشد بن سعد الحبراني(ت:113هـ)
محدّث حمص في زمانه.
- قال يزيد بن هارون: أنبأنا حريز بن عثمان الرحبي، حدثنا راشد بن سعد [الحَبراني] قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء؛ فقال: أوصني.
قال: (اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموتى فاجعل نفسك كأحدهم، وإذا أشْرَفَت نفسك على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير إليه). رواه أبو داوود في الزهد، وابن أبي الدنيا في "الفرج بعد الشدة"، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
مراسيل معاوية بن قرّة بن إياس المزني(ت:113هـ)
- قال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا شجاع [صاحب السابري] قال: سمعت معاوية بن قرة، يقول: قال أبو الدرداء: (اطلبوا العلم فإن لم تطلبوه فأحبّوا أهله، فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم). رواه أحمد في الزهد.
- وقال أبو أسامة الكوفي، عن خالد بن دينار، قال: سمعت معاوية بن قرة، قال: قال أبو الدرداء: «ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنَّ الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك، وأن تنادي الناس في عبادة الله؛ فإذا أحسنت حمدت الله، وإذا أسأت استغفرت الله». رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الحلم.
مراسيل عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي(ت: 115هـ تقريباً)
- قال محمد بن بشر العبدي، عن مسعر بن كدام، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قال: قال أبو الدرداء: (إنْ قارضت الناس قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك).
قال: فما تأمرني؟
قال: (أقرض من عرضك ليوم فقرك). رواه أبو داوود في الزهد.
مراسيل لقمان بن عامر الوصابي (ت:115هـ تقريباً )
وهو من قرابة أمّ الدرداء الصغرى.
- قال سعيد بن منصور: حدثنا فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (يا رُبَّ مكرمٍ لنفسه وهو لها مهين، ويا رُبَّ شهوة ساعة قد أورثت صاحبها حزناً طويلاً). رواه ابن عساكر.
- وقال إسماعيل بن عياش: أخبرني عقيل بن مدرك، عن لقمان بن عامر أنَّ أبا الدرداء قال: (أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضولٌ أموالٍ ينظرون إليها وننظر إليها معهم، عليهم حسابها ونحن منها برآء). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال الحكم بن موسى البغدادي: حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان قال: كان أبو الدرداء يقول: (إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق، فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربي، فيقول لي: ما عملت فيما علمت؟). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
مراسيل بلال بن سعد بن تميم السكوني(ت:115هـ تقريباً)
- قال أبو مسهر الغساني: (بلال بن سعد بالشام مثل الحسن بالعراق، وكان أبوه سعد بن تميم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قارئ الشام، وكان جهير الصوت). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال عبد الله بن المبارك: (كان محلّ بلال بن سعد بالشام ومصر كمحلّ الحسن بن أبي الحسن بالبصرة). رواه ابن عساكر.
- قال الوليد بن مسلم: قال الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي حوشب: سمعت بلال بن سعد، يقول: قال أبو الدرداء: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى فرعون منها شربة ماء». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا في الزهد.
- قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز، عن بلال بن سعد أنّ أبا الدرداء قال: كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول: «تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً»رواه ابن المبارك في الزهد، وابن بطة في الإبانة.
مراسيل أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي الأعور(ت:116هـ)
- قال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن أبي عون الأعور، عن أبي الدرداء قال: «ما أصبحت من ليلة لم يرمني الناس فيه بداهية إلا رأيت أنَّ عليَّ فيها من الله نعمة». رواه هناد بن السري في كتاب الزهد، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في معرفة السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
مراسيل ميمون بن مهران الجزري(ت:117هـ)
- قال جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: قال أبو الدرداء: (ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ثم لا يعمل سبع مرات). رواه وكيع في الزهد، ومن طريقه أحمد في الزهد.
مراسيل حميد بن هلال بن هبيرة العدوي البصري(ت:117هـ تقريباً)
- قال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: قال أبو الدرداء: (إن أخوف ما أخاف إذا لقيت ربي تبارك وتعالى أن يقول لي: قد علمت فماذا عملت فيما علمت).رواه أحمد في الزهد.
مراسيل قتادة بن دعامة السدوسي(ت:117هـ)
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة أنَّ أبا الدرداء، قال: (من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
وروى نحوه من مرسل ثابت البناني، والحسن البصري عن أبي الدرداء.
مراسيل عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي(ت:118هـ)
- قال ابن وهب، عن عمرو بن الحارث أنا أباه حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير أنَّ رجلاً قال لأبي الدرداء: علمني كلمة ينفعني الله بها.
قال: (واثنين، وثلاثاً، وأربعاً، وخمساً، من عمل بهن كان ثوابه على الله عز وجل الدرجات العلا: لا تأكل إلا طيباً، ولا تكسب إلا طيباً، ولا تدخل بيتك إلا طيباً، واسأل الله رزقك يوماً بيوم، وإذا أصبحت فاعدد نفسك مع الأموات؛ فكأنك قد لحقت بهم، وَهَبْ عرضك لله فمن سبَّك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله، فإذا أسأت فاستغفر الله). رواه أبو داوود في الزهد.
- وقال عبد الله بن المبارك: أنبأنا صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، قال: قال أبو الدرداء: « ألا إنَّ أعمالكم تعرض على عشائركم، فمُسَاؤون ومسرّون، فأعوذ بالله أن أعمل عملاً يُخزَى به عبد الله بن رواحة»
قال: (وهو أخوه من أمّه). رواه أبو داوود في الزهد.
مراسيل ربيعة بن يزيد القصير الدمشقي (ت:123هـ)
- قال أبو مسهر الغساني: حدثني عبد الرحمن بن عامر قال: سمعت ربيعة بن يزيد يقول: (ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- قال الوليد بن مسلم: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: حدثنا ربيعة بن يزيد أنَّ أبا الدرداء كان يقول: (اعمل عملاً صالحاً قبل الغزو؛ فإنما تقاتلون الناس بأعمالكم). رواه أحمد في الزهد.
ورواه ابن المبارك في الجهاد عن سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني ربيعة بن يزيد أو ابن حلبس أن أبا الدرداء قال: «عمل صالح قبل الغزو، فإنكم إنما تقاتلون بأعمالكم».
وقال البخاري في صحيحه: (بابٌ عمل صالح قبل القتال، وقال أبو الدرداء: «إنما تقاتلون بأعمالكم»).
- وقال أبو النضر، عن أبي عقيل، عن عبد الله بن يزيد، عن ربيعة قال: قال: أبو الدرداء: " إن لكل شيء جلاء، وإنَّ جلاء القلوب ذكر الله عزَّ وجل). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
مراسيل شرحبيل بن مسلم الخولاني(ت:125هـ تقريباً)
- قال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي الدرداء، قال: (الغنى صحة الجسد). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر إلا أن لفظه: «الصحة غنى الجسد».
- وقال إسماعيل بن عياش: حدثني شرحبيل بن مسلم الخولاني، وعبد الله بن عبيد الكلاعي أنَّ أبا الدرداء كان إذا رأى الجنازة قال: (اغدي فإنا رائحون، وروحي فإنا غادون، موعظة بليغة وغفلة سريعة، كفى بالموت واعظاً، يذهب الأوّل فالأوّل، ويبقى الآخر لا حلم له). رواه أبو داوود في الزهد.
مراسيل أبي حبيب الحارث بن مخمر القاضي(ت:126هـ)
- قال عثمان بن سعيد الحمصي: حدثنا حريز بن عثمان، عن أبي حبيب القاضي أنَّ أبا الدرداء كان يقول: (تعلَّموا الصمت كما تتعلمون الكلام؛ فإنَّ الصمت حكم عظيم، وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيء لا يعنيك، ولا تكن مِضْحاكاً من غير عَجَب، ولا مَشّاءً إلى غير أَرَب، يعني إلى غير حاجة). رواه ابن عساكر.
أبو حبيب اسمه الحارث بن مخمر الظهراني، ولي قضاء حمص وقضاء دمشق زمن الوليد بن اليزيد، وروايته عن أبي الدرداء منقطعة.
مراسيل يحيى بن جابر الطائي(ت:126هـ)
- وقال إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سليم الشامي، عن يحيى بن جابر الطائي، أنَّ أبا الدرداء كان يقول: (ألا ربَّ منعّم لنفسه، وهو لها جدّ مُهِين). رواه أبو الدرداء.
- وقال إسماعيل بن عياش: حدثنا سليمان بن سليم [الكناني]، عن يحيى بن جابر، قال: خرج أبو الدرداء في جنازة، فرأى أهل الميّت يبكون عليه، فقال: (مساكين موتى غدٍ يبكون على ميت اليوم). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو حاتم الرازي في كتاب الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب القبور.
مراسيل أبي حصين عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي(ت:127هـ)
- قال محمد بن بشر العبدي: حدثنا مسعر، قال: حدثنا أبو حصين قال: قال أبو الدرداء: (إذا جاءك أمرٌ لا كفاءَ لك به فاصبر، وانتظر الفرج من الله عز وجل). رواه أحمد في الزهد.
مراسيل أبي الزاهرية حدير بن كريب الحضرمي(ت:129هـ)
- وقال عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثنا معاوية بن صالح أن أبا الزاهرية حدثه، عن أبي الدرداء قال: ( إني لا أخشى أن يقال لي يوم القيامة: يا عويمر! ماذا عملت فيما جهلت؟ ولكن أخاف أن يقال لي: ماذا عملت فيما علمت). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
مراسيل ضمرة بن حبيب الزُّبَيدي(ت 130هـ)
- قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا صفوان بن عمرو، عن ضمرة بن حبيب [الزُّبَيدي] أنَّ أبا الدرداء قال: «إنَّ من فقه المرء إقبالَه على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ». رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وعلّقه البخاري في صحيحه.
مراسيل سليم بن عامر الكلاعي(ت:130هـ)
- وقال ثور بن يزيد، عن سليم بن عامر قال: قال أبو الدرداء: ((نعم صومعة المسلم بيته، يكف لسانه وفرجه وبصره، وإياكم والأسواق فإنها تُلغي وتُلهي)). رواه وكيع في الزهد، وأحمد في الزهد، وهناد بن السري في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي الدنيا في العزلة والانفراد.
مراسيل محمد بن سعد الأنصاري (ت:135هـ تقريباً)
- قال يحيى بن آدم: حدثنا محمد بن خالد الضبي، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن أبي الدرداء قال: (استعيذوا بالله من خشوع النفاق).
قيل له: وما خشوع النفاق؟
قال: (أن يرى الجسدُ خاشعاً، والقلب ليس بخاشع). رواه أحمد في الزهد.
مراسيل عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي(ت:136هـ)
- قال مالك بن مغول، عن عبد الملك بن عمير قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «من أكثر من ذكر الموت قل حسده وقل فرحه» رواه ابن المبارك وابن أبي شيبة.
مراسيل موسى بن عقبة المدني(ت:141هـ)
- قال سعيد بن منصور: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن قال: حدثني موسى بن عقبة، قال: كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: (أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا، والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم والسلام). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
مراسيل يحيى بن سعيد الأنصاري(ت:143هـ)
- قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن يحيى بن سعيد، قال: قال أبو الدرداء: (أدركت الناس ورقاً لا شوك فيه؛ فأصبحوا شوكاً لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك).
قالوا: كيف نصنع؟
قال: (تُقْرِضهم من عرضك ليوم فقرك). رواه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس"، وابن عساكر في تاريخ دمشق، ورواه مالك بن أنس في الموطأ عن أبي الدرداء بلاغاً.
مراسيل فرات بن سليمان الجزري
- قال جعفر بن برقان الكلابي، عن فرات بن سليمان، عن أبي الدرداء، قال: (إنك لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً، ولن تكون عالماً حتى تكون بما علمت عاملاً). رواه وكيع في الزهد.
- وقال معمر بن سليمان الرقي: حدثنا فرات بن سليمان أن أبا الدرداء كان يقول: «ويل لكل جمّاعٍ فاغرٍ فاه كأنه مجنون، يرى ما عند الناس ولا يرى ما عنده، لو يستطيع لوصل الليل بالنهار، ويله من حساب غليظ وعذاب شديد». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
كتابة مواعظ أبي الدرداء رضي الله عنه
رُوي ما يدلّ على عناية التابعين بمواعظ أبي الدرداء وحكمه وقصصه، وأنّ منهم من كان يكتبها، ولما حمل إلى ابن مسعود كتاب فيه كلام لأبي الدرداء نظر فيه ثم محاه؛ وذلك لأن ابن مسعود رضي الله عنه كان يرى عدم الترخيص في كتابة غير القرآن من مسائل العلم، حتى كان ينهى عن كتابة كلامه هو ولا يأذن به.
- قال أبو أمية عمرو بن هشام الحراني: حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفةٌ فيها كلامٌ من كلام أبي الدرداء، وقصص من قصصه؛ فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء؟!
فأخذ الصحيفة؛ فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله.
فقال: يا جارية ائتيني بالإجّانة مملوءةً ماء؛ فجاءت بها فجعل يدلكها، ويقول: {الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص} أقصصاً أحسن من قصص الله تريدون؟!! أو حديثا أحسن من حديث الله تريدون؟!!). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال عفاق المحاربي، عن أبيه، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: «إن ناساً يسمعون كلامي، ثم ينطلقون فيكتبونه، وإني لا أحلّ لأحد أن يكتب إلا كتابَ الله عزَّ وجلَّ» رواه الدارمي.
رواة القراءة والتفسير عن أبي الدرداء رضي الله عنه
قرأ على أبي الدرداء: زوجته أمّ الدرداء الصغرى، واسمها جهيمة الوصابية، وخليد بن سعد السلاماني، وراشد بن سعد الحبراني، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي على خلاف فيه.
وممن روى عنه في التفسير: فضالة بن عبيد، وأم الدرداء، وأبو إدريس الخولاني، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن المنكدر، ومرثد بن سمي الخولاني، وجبير بن نفير، ومعدان بن أبي طلحة، وعبادة بن نسي الكندي، وصالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، وحميد بن عقبة، وعطاء بن يسار المدني، وأبو صالح السمان، وخليد بن عبد الله العصري، وعبد الرحمن بن مسعود الفزاري.
وممن اختلف في روايته عنه: عبد الرحمن بن سابط الجمحي، وأبو قلابة الجرمي.
وممن أرسل عنه في التفسير: قتادة السدوسي، وعمرو بن دينار، ومكحول الدمشقي، وميمون بن مهران الجزري، ولقمان بن عامر الوصابي، وغيرهم.
وممن روى عنه من الضعفاء: عبد الله بن يزيد بن آدم، وشهر بن حوشب.
مما روي عنه في التفسير
- قال هشام بن عمار: حدثنا الوزير بن صبيح، قال: حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تبارك وتعالى: {كل يوم هو في شأن} قال: «من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين». رواه ابن أبي عاصم في السنة، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن حبان في صحيحه، وأبو الشيخ في العظمة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان، وعلّقه البخاري في صحيحه.
زاد ابن ابي عاصم: (ويجيب داعياً).
ورواه الطبراني في المعجم الأوسط من طريق نعيم بن حماد عن الوزير بن صبيح به.
- وقال الوليد بن مسلمٍ: حدثنا يزيد بن يوسف الصنعاني، عن يزيد بن يزيد بن جابرٍ، عن مكحولٍ، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء رضي الله عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قول الله عزّ وجلّ: {وكان تحته كنزٌ لهما} قال: «ذهبٌ وفضّةٌ». رواه الترمذي في جامعه، والبزار في مسنده، والطبراني في الأوسط والصغير، والحاكم في المستدرك، ويزيد بن يوسف ضعيف الحديث، وقد تركه بعضهم.
- وقال موسى بن عقبة، عن علي بن عبد الله الأزدي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} فأما الذين سبقوا بالخيرات فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} -إلى قوله- {لغوب})). رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيه انقطاع، وله طرق أخرى.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ثابت - أو عن أبي ثابت - أن رجلاً دخل مسجد دمشق فقال: (اللهم آنس وحشتي، وارحم غربتي، وارزقني جليساً حبيباً صالحاً).
فسمعه أبو الدرداء فقال: (لئن كنت صادقاً، لأنا أسعد بما قلتَ منك! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( {فمنهم ظالم لنفسه} قال: الظالم يؤخذ منه في مقامه ذلك الهم والحزن، {ومنهم مقتصد} قال: يحاسب حساباً يسيراً، {ومنهم سابق بالخيرات} قال: الذين يدخلون الجنة بغير حساب)). رواه أحمد في المسند.
ورواه ابن جرير الطبري من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ثابت من غير شكّ، ولم أعرفه، وفي رواية عند الحاكم في المستدرك نصّ على أنه ثقفي.
- وقال أبو علي الحنفي: حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضمّن الله عزَّ وجلَّ خلقَه أربعاً: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والغسل من الجنابة، وهنَّ السرائر التي قال الله عز وجل: {يوم تبلى السرائر} ). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال آدم بن أبي إياس: حدثنا شيبان، عن جابر، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء، في قوله: {ختامه مسك} قال: «هو شرابٌ أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، لو أنَّ رجلاً من أهل الدنيا أدخل يده فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها». رواه البيهقي في البعث والنشور.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
العناصر
● اسمه ونسبه وكنيته
● مولده ونشأته
● إسلامه ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم
● مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم
● فضائله ومناقبه
● علمه وفقهه
● معرفته بالفتن والمخارج منها
● معرفته بالمنافقين
● أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
● سعيه لجمع القرآن في زمن عثمان
● زهده وورعه وخشيته
● موقفه من فتنة مقتل عثمان
● مرضه ووفاته
● مواعظه ووصاياه
● رواة التفسير عن حذيفة
● مما روي عنه في التفسير
يتبع
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
اسمه ونسبه وكنيته
هو أبو عبد الله حذيفة بن حُسَيل ويقال: حِسْل، واليمان لقب لأبيه على الأرجح أو لجدٍّ له اسمه جروة كان قد أصاب دماً في الجاهلية في قومه؛ فارتحل عنهم إلى يثرب، وحالف بني عبد الأشهل من الأوس وهم من الأزد اليمانية؛ فلقبه قومه باليمان لمحالفته إياهم.
وذهب أبو عبيد القاسم بن سلام إلى أن اليمان اسم لأحد أجداده؛ فقال في نسبه كما في معجم الصحابة لأبي القاسم البغوي: (حذيفة بن حُسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن اليمان، وإنما قيل: حذيفة بن اليمان لأنه من ولد اليمان بن جروة بن الحارث بن قطيعة بن عبس).
- وقال محمد بن الحسن البغدادي: سمعت عليّ ابن المديني يقول: (حذيفة بن اليمان هو حذيفة بن حسل، وحسل كان يقال له: اليمان، وهو رجل من عبس حليف للأنصار). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال أبو المليح: قال سفيان [الثوري]: (اسم أبي حذيفة - يعني: اليمان: حُسيل). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن سعد: (حذيفة بن اليمان، وهو حسيل بن جابر من بني عبس حلفاء بني عبد الأشهل ويكنى أبا عبد الله).
- وقال ابن الكلبي: (جروة هو اليمان، وحذيفة من ولده، وإنما قيل حذيفة بن اليمان من ولد جروة، وبينه وبين اليمان آباء، وكان جروة قد أصاب دماً في قومه، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل؛ فسماه قومه اليمان لأنه حالف اليمانية، فقيل جروة اليماني). ذكره البلاذري في أنساب الأشراف.
- وقال البلاذري: (حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة، وجروة عبسي، وهو اليمان؛ فنُسب حذيفة إليه، وهم حلفاء لبني عبد الأشهل، سماه قومه "اليمان"، لأنه حالف اليمانية).
وما ذكره ابن الكلبي وتبعه عليه البلاذري فيه نظر؛ فلو كان جروة هو اليمان لكان آل اليمان قوماً بالمدينة.
وجروة هو ابن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، بينه وبين حذيفة نحو ثمانية آباء.
فالأقرب هو قول سفيان الثوري، وعلي بن المديني، وابن سعد، وهو أن اليمان لقب لأبي حذيفة.
- وقال ابن زنجويه: (حذيفة حليف بني عبد الأشهل وكان ممن هاجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وعدادهما في الأنصار ويكنى أبا عبد الله). ذكره أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة.
مولده ونشأته
تزوّج اليمانُ امرأة من الأوس يقال لها: الربابَ بنت كعب بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل، وهي صحابية أنصارية أوسية، من قرابة سعد بن معاذ رضي الله عنهما، وولد لليمان في المدينة: حذيفة، وصفوان، وليلى، وفاطمة، وخولة.
فنشأ حذيفة مع والديه وإخوته وأخواله بني عبد الأشهل من الأوس؛ فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أسلم هو وأبوه اليمان، وكان حذيفة كيساً فطناً نجيباً، ولم يزل مقرّباً من النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان من خاصة أصحابه وممن يفضي إليهم بسرّه، وله مناقب وفضائل مشهورة.
- قال ابن سعد: (وأمّه الرباب بنت كعب بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل).
- قال ابن حجر العسقلاني: (كان أبوه قد أصاب دماً فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان، لكونه حالف اليمانية، وتزوّج والدة حذيفة، فوُلد له بالمدينة، وأسلم حذيفة وأبوه، وأرادا شهود بدر فصدّهما المشركون وشهدا أُحُداً).
فأما أخوه صفوان بن اليمان فذكر ابن سعد عن الواقدي أنه شهد أحداً.
وأما أخواته ليلى وفاطمة وخولة، فكلهن صحابيات، ومنهنّ من بايعت النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أولاد حذيفة: سعد، وأبو عبيدة، لهم روايات عنه.
واختلف العلماء في عبد العزيز بن اليمان؛ فذهب البخاري في التاريخ الكبير إلى أنه أخو حذيفة، وعدّه ابن قانع من الصحابة، وقال أبو نعيم الأصبهاني: (هو وهم، وصوابه عبد العزيز ابن أخي حذيفة بن اليمان).
وقول أبي نعيم أقرب إلى الصواب، فالرواة عن عبد العزيز متأخرون، وقد صرّح في بعض الروايات بكونه ابن أخي حذيفة؛ ففي سنن أبي داوود من طريق عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حذيفة، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى».
وأما ورود اسمه في بعض الروايات عبد العزيز بن اليمان؛ فهو محمول على نسبته إلى جدّه كما وقع لجماعة غيره من الرواة.
- قال ابن حجر في الإصابة: (ليس عبد العزيز ولد اليمان، بل نسب إليه في هذه الرواية لكونه جدّه، وأما الحديث الّذي فيه عبد العزيز ابن أخي حذيفة ولم يُسمَّ فيه أبوه فهو المعتمد).
إسلامه ونصرته للنبي صلى الله عليه وسلم
لمّا قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ أسلم حذيفة بن اليمان وأبوه؛ وخيره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون من المهاجرين أو الأنصار فاختار أن يكون أنصارياً.
- قال حماد بن سلمة: أخبرنا علي بن زيد [بن جدعان]، عن سعيد بن المسيب، عن حذيفة بن اليمان قال: «خيرني رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة والنصرة؛ فاخترت النصرة». رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، والطبراني في المعجم الكبير.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم
شهد حذيفة المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير بدر، حبسه المشركون عنها ثم أطلقوه بعد أن أخذوا عليه العهد أن لا يقاتلهم، وله في بعض تلك الغزوات مناقب عظيمة، ولا سيما غزوة الأحزاب، وغزوة تبوك.
واستشهد اليمان والد حذيفة يوم أحد قتله المسلمون خطأ؛ فاستغفر حذيفة لقاتليه، وتصدّق بديته عليهم، فزاده ذلك خيراً ورفعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال الوليد بن عبد الله بن جُميع الزهري: حدثنا أبو الطفيل قال: حدثنا حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم». رواه أحمد ومسلم وغيرهما.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (لما كان يوم أحد هُزم المشركون هزيمة بيّنة، فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم على أخراهم، فاجتلدت أخراهم؛ فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه، فنادى أي عباد الله أبي أبي).
فقالت: (فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: غفر الله لكم).
قال عروة: (فوالله ما زالت في حذيفة منها بقية خير حتى لقي الله عز وجل).رواه البخاري.
- وقال يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن عروة أن حذيفة بن اليمان أحد بني عبس، وكان حليفاً في الأنصار، قتل أبوه مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، أخطأ به المسلمون؛ فجعل حذيفة يقول: أبي أبي؛ فلم يفهموا حتى قتلوه.
فقال حذيفة: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) فزادت حذيفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً. رواه ابن عساكر.
- وقال عقيل بن خالد الأيلي، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن حذيفة بن اليمان أحد بني عبس من الأنصار قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبوه اليمان يوم أحد؛ فأخطأ المسلمون يومئذ بأبيه يحسبونه من العدو؛ فتواسقوه بأسيافهم فجعل حذيفة يقول: إنه أبي! إنه أبي! فلم يفقهوا قوله حتى قتلوه؛ فقال حذيفة عند ذلك: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فزادت حذيفة عنده خيراً). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن إسحاق: حدّثني عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، قال: (لما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أحد رُفع ثابت بن وقش وحسل بن جابر وهو والد حذيفة بن اليمان في الآطام مع النساء والصبيان، وكانا شيخين كبيرين، فقال أحدهما للآخر: لا أبا لك! ما ننتظر؟! إنما نحن هامة اليوم أو غدا، فلحقا بالمسلمين ليرزقا الشّهادة، فلما دخلا في الناس قتل المشركون ثابت بن وقش، والتفّت أسياف المسلمين على والد حذيفة، فقال حذيفة: أبي، أبي، فقتلوه وهم لا يعرفونه.
فقال حذيفة: يغفر اللَّه لكم، وتصدق بديته على المسلمين). ذكره ابن حجر في الإصابة.
فضائله ومناقبه
كان حذيفة من نجباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب سِرّه، وأعلم الصحابة بالمنافقين وأحوالهم، وبالفتن وأنواعها والمخارج منها، وهو الذي ندبه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب؛ ليخبره خبر المشركين.
وكان جليل القدر عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عمر يسأله عنه الفتن والمخارج منها، ويرقبه إذا قُدّمت جنازة؛ فإن رأى حذيفة يصلي عليها صلى، وإن رآه تأخّر لم يصلّ عليها، وأناب غيره، وذلك لعلم حذيفة بالمنافقين.
- قال الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن حذيفة في خبر طويل: قال حذيفة: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، وأخذتنا ريح شديدة وقر،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا فلم يجبه منا أحد.
ثم قال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟» فسكتنا فلم يجبه منا أحد.
ثم قال: «ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟»، فسكتنا فلم يجبه منا أحد.
فقال: «قم يا حذيفة، فأتنا بخبر القوم»، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم.. ) الحديث، رواه مسلم والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحصوا لي كم يلفظ الإسلام؟
قلنا: يا رسول الله! أتخاف علينا ونحن ما بين الست مائة إلى السبع مائة؟
قال: فقال: (إنكم لا تدرون، لعلكم أن تبتلوا).
قال: (فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً). رواه أحمد، ومسلم، والنسائي في الكبرى.
- وقال المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم»، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد، فقال: «سبحان ربي الأعلى»، فكان سجوده قريباً من قيامه). رواه مسلم، وأحمد، والنسائي.
- وقال إسرائيل بن يونس السَّبيعي، عن ميسرة بن حبيب النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش، عن حذيفة بن اليمان قال: سألتني أمّي: منذ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
قال: فقلت لها: منذ كذا وكذا.
قال: فنالت مني وسبّتني.
قال: فقلت لها: دعيني فإنّي آتي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأصلّي معه المغرب، ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك.
قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فصلّيت معه المغرب؛ فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم إلى العشاء، ثم انفتل؛ فتبعتُه فعرض له عارض؛ فناجاه، ثم ذهب فاتبعتُه؛ فسمع صوتي فقال: من هذا؟
فقلت: حذيفة.
فقال: ما لك؟
فحدثته بالأمر؛ فقال: ((غفر الله لكَ ولأمّك)).
ثم قال: (أما رأيت العارضَ الذي عرض لي قُبيل؟)).
قال: قلت: بلى.
قال: ((فهو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة؛ فاستأذن ربه أن يسلّم عليَّ ويبشرني أنَّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة). رواه أحمد، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى من طرق عن إسرائيل به.
- وقال زيد بن الحباب: حدثنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بين المغرب والعشاء فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء فلما انصرف تبعته؛ فقال: من هذا؟
قلت: حذيفة.
قال: (اللهم اغفر لحذيفة ولأمّه). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- قال الخطيب البغدادي: (وكان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقربه منه، وثقته به وعلو منزلته عنده).
علمه وفقهه
كان حذيفة رضي الله عنه عالماً فقيهاً، كيّساً فطناً، وكان كثير السؤال للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان أكثر ما يسأله عما يحترز منه.
- وقال سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي السّفر، قال: قال حذيفة: «إنّا قومٌ أوتينا الإيمان قبل أن نؤتى القرآن، وإنّكم قومٌ أوتيتم القرآن قبل أن تؤتوا الإيمان». رواه سعيد بن منصور في سننه، والبيهقي في السنن الكبرى.
- وقال الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلمة، قال: قال حذيفة: (ما تقرؤون ربعها، يعني: براءة). رواه ابن أبي شيبة، والحاكم في المستدرك.
- قال بسر بن عبيد الله الحضرمي: حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني). رواه البخاري ومسلم.
- وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: قال لنا حذيفة: (إنّا حملنا هذا العلم، وإنّا نؤديه إليكم وإن كنا لا نعمل به). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- - قال أبو بكر البيهقي: (قوله: "وإن كنا لا نعمل به" يريد - والله أعلم - فيما يكون ندباً واستحباباً؛ فلا يُظنّ بهم أنهم كانوا يتركون الواجب عليهم؛ فلا يعلمون به إذ كانوا أعمل الناس بما وجب عليهم، ويحتمل أن يكون ذهب مذهب التواضع في ترك التزكية).
- وقال القاسم بن مالك المزني: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله قال: قال حذيفة: (إنا قوم عرب نردد الأحاديث فنقدم ونؤخّر). رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
معرفته بالفتن والمخارج منها
- قال شعبة بن الحجاج، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد الخطمي، عن حذيفة أنه قال: (أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة؛ فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داوود الطيالسي.
- وقال ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس الخولاني، كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَّ إليَّ في ذلك شيئاً لم يحدّثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعدّ الفتن:« منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار ».
قال حذيفة: (فذهب أولئك الرهط كلهم غيري). رواه مسلم.
- وقال الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه».رواه مسلم.
- وقال أبو وائل شقيق بن سلمة: سمعت حذيفة، قال: كنا جلوساً عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟
قلت: أنا كما قاله.
قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء.
قلت: «فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفرها الصلاة والصوم والصدقة، والأمر والنهي».
قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر.
قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين! إنَّ بينك وبينها باباً مغلقاً.
قال: أيكسر أم يفتح؟
قال: يكسر.
قال: إذاً لا يغلق أبداً.
قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟
قال: (نعم، كما أنَّ دون الغد الليلة، إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط).
فهبنا أن نسأل حذيفة، فأمرنا مسروقاً فسأله، فقال: (الباب عمر). رواه البخاري ومسلم.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا وائل يحدث عن حذيفة بن اليمان أنه قال: (ما بينكم وبين الشرّ إلا رجلٌ في عنقه الموت، ولو قد مات لقد صُبَّ عليكم الشرّ فراسخ). رواه نعيم بن حماد في الفتن، والبلاذري في أنساب الأشراف، وأبو يعلى الموصلي في جزء حديث محمد بن بشار عن شيوخه.
- وقال سفيان الثوري: نبأنا عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: قال حذيفة: (لو حدثتكم بحديث لكذبني ثلاثة أثلاثكم!).
قال: ففطن إليه شابٌّ؛ فقال: من يصدّقك إذا كذبك ثلاثة أثلاثنا؟!!
فقال: (إنَّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر).
قال: فقيل له: ما حملك على ذلك؟
فقال: (إنَّ من اعترف بالشرّ وقع في الخير). رواه ابن عساكر.
- قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن خالد بن خالد اليشكري قال: خرجت زمان فتحت تستر حتى قدمت الكوفة، فدخلت المسجد فإذا أنا بحلقة فيها رجلٌ صَدْعٌ من الرجال، حسن الثغر، يُعرف فيه أنه من رجال أهل الحجاز.
قال: فقلت: من الرجل؟
فقال القوم: أو ما تعرفه؟
فقلت: لا.
فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فقعدت وحدّث القومَ، فقال: إنَّ الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأنكر ذلك القوم عليه.
فقال لهم: إني سأخبركم بما أنكرتم من ذلك، جاء الإسلام حين جاء، فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية، وكنت قد أعطيتُ في القرآن فهماً، فكان رجال يجيئون فيسألون عن الخير، فكنت أسأله عن الشر؛ فقلت: يا رسول الله! أيكون بعد هذا الخير شر كما كان قبله شر؟
فقال: (( نعم )).
قال: قلت: فما العصمة يا رسول الله؟
قال: ((السيف)).
قال: قلت: وهل بعد هذا السيف بقية؟
قال: ((نعم، تكون إمارة على أقذاء وهدنة على دخن)).
قال: قلت: ثم ماذا؟
قال: ((ثم تنشأ دعاة الضلالة، فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك، وأخذ مالك فالزمه، وإلا فمتْ وأنت عاضّ على جذل شجرة)).
قال: قلت: ثم ماذا؟
قال: ((يخرج الدجال بعد ذلك معه نهر ونار، من وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره)).
قال: قلت: ثم ماذا؟
قال: ((ثم ينتج المهر، فلا يركب حتى تقوم الساعة)).
الصدع من الرجال: الضَّرب، وقوله: (فما العصمة منه؟ قال: السيف) كان قتادة يضعه على الردة التي كانت في زمن أبي بكر، وقوله: (إمارة على أقذاء) يقول: على قذى، وهدنة، يقول: صلح، وقوله: (على دخن)، يقول: على ضغائن.
قيل لعبد الرزاق: ممن التفسير؟ قال: (من قتادة زعم). رواه أحمد في المسند.
- وقال سليمان بن المغيرة: حدّثنا حميد بن هلالٍ قال: حدّثنا نصر بن عاصمٍ قال: أتيت اليشكريّ في رهطٍ من بني ليثٍ فقال: «من القوم؟»
قلنا: بنو ليثٍ فسألناه وسألنا، ثمّ قلنا: أتيناك نسألك عن حديث حذيفة.
قال: أقبلنا مع أبي موسى قافلين، وغَلَتِ الدّوابّ بالكوفة؛ فاستأذنت أنا وصاحبٌ لي أبا موسى؛ فأذن لنا فقدمنا الكوفة؛ فقلت لصاحبي: إنّي داخل المسجد فإذا قامت السّوق خرجت إليك.
قال: فدخلت المسجد فإذا فيه حلقةٌ يستمعون إلى حديث رجلٍ فقمت عليهم؛ فجاء رجلٌ فقام إلى جنبي.
فقلت له: من هذا؟
فقال: أبصريٌّ أنت؟
فقلت: نعم.
قال: قد عرفت لو كنت كوفيًّا لم تسل عن هذا، هذا حذيفة بن اليمان؛ فدنوت منه فسمعته يقول: «كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير، وأسأله عن الشّرّ وعرفت أنّ الخير لن يسبقني».
قلت: يا رسول الله! بعد هذا الخير شرٌّ؟
قال: « يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ
قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟
قال: « يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ.
قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الشّرّ خيرٌ؟
قال: «هدنةٌ على دخنٍ، وجماعةٌ على أقذاء فيها».
قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟
قال: يا حذيفة! تعلّم كتاب الله واتّبع ما فيه » ثلاث مرارٍ.
قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الخير شرٌّ؟
قال: «فتنةٌ عمياء صمّاء، عليها دعاةٌ على أبواب النّار، وأن تموت يا حذيفة، وأنت عاضٌّ على جذلٍ خيرٌ لك من أن تتّبع أحدًا منهم». رواه النسائي في السنن الكبرى.
معرفته بالمنافقين
- قال المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس أنه قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليسا صالحا، فأتيت قوما فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟
قالوا: أبو الدرداء.
فقلت: إني دعوتُ الله أن ييسّر لي جليساً صالحاً، فيَسَّركَ لي.
قال: ممن أنت؟
قلت: من أهل الكوفة.
قال: (أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - أوليس فيكم صاحب سرّ النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحد غيره). رواه أحمد والبخاري وغيرهما، وفي رواية أحمد: (أليس فيكم الذي يعلم السر، ولا يعلمه غيره يعني حذيفة).
- قال عليّ بن مسهر، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن صلة بن زفر قال: قلنا لحذيفة: من أين علمت المنافقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فبينا نحن نسير ليلاً إذ نام على راحلته فسمعتُ ناساً يقولون: قد نام على راحلته، ولو طرحناه لانكسرت عنقه؛ فاسترحنا؛ فلما سمعتُ ذلك جعلتُ أسير بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرأ وأرفع صوتي، وأخفتُ القومَ فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: (( من هذا؟)).
فقلت: يا رسول الله! هذا فلان وفلان.
فقال: سمعت ما قالوا؟
قلت: نعم.
قال: (فإنَّ هؤلاء فلانا وفلاناً، لا تخبر بذلك أحداً)). عن تلك الليلة علم المنافقين). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال أبو أسامة الحافظ وعبيدة بن الأسود الهمداني: حدثنا مجالد، عن الشعبي، قال: قلنا: كيف أصاب حذيفة ما لم يصب أبو بكر ولا عمر؟
قال صلة بن زفر: قد والله سألنا حذيفة عن ذلك، فقال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ذات ليلة، فأدلجنا دلجة، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال أناس: لو دفعناه الساعة فوقع فاندقت عنقه استرحنا منه. فلما سمعتهم تقدمتهم، فسرت بينه وبينهم، فجعلت أقرأ سورة من القرآن، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من هذا؟»
قلت: حذيفة يا رسول الله!
قال: «ادن» فدنوت.
فقال: «ما سمعت هؤلاء خلفك ما قالوا؟».
قلت: بلى يا رسول الله! ولذلك سرت بينك وبينهم.
قال: «أما إنهم منافقون، فلان وفلان وفلان». رواه الطبراني في الكبير.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، زيد بن وهب: مات رجل من المنافقين فلم يصل عليه حذيفة، فقال له عمر: أمن القوم هو؟
قال: نعم.
فقال له عمر: بالله منهم أنا؟
قال: (لا، ولن أخبر به أحداً بعدك). رواه ابن أبي شيبة.
- قال الأعمش: حدثني عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: سئل عليّ عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال: عن أيهم تسألوني؟
قالوا: عن عبد الله.
قال: (علم القرآن، وعلم السنة، ثم انتهى وكفى به علماً). فقالوا: أخبرنا عن أبي موسى؟
قال: (صُبغ في العلم صبغاً).
قالوا: أخبرنا عن حذيفة؟
قال: (أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين).
قالوا: حدثنا عن عمار؟
قال: (مؤمنٌ نَسِيٌّ، وإذا ذكّرته ذكر).
قالوا: حدثنا عن أبي ذر؟
قال: (وعى علماً عجز عنه).
قالوا: حدثنا عن سلمان؟
قال: (عن لقمان الحكيم تسألوني، عَلِمَ عِلْمَ الأولى وعلم الآخرة، بحرا لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت).
قالوا: حدثنا عن نفسك؟
قال: (كنتُ إذا سَألتُ أعطيت، وإذا سكتُّ ابتُديت). رواه يعقوب بن سفيان واللفظ له، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن، ورواية أبي البختري الطائي عن عليّ مرسلة.
- وقال إبراهيم بن يوسف الصيرفي: حدثنا علي بن عابس، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، وإسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قالا [ عمرو وقيس]: سُئل علي رضي الله عنه عن ابن مسعود فقال: «قرأ القرآن ووقف عند متشابهه، فأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه».
وسئل عن عمار فقال: «مؤمن نَسِيٌّ، وإذا ذُكّرَ ذَكَر، قد حُشي ما بين قرنه إلى كعبه إيماناً».
وسئل عن حذيفة فقال: «كان أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافقين، سأل عنهم فأُخبرَهم».
فقالوا: حدثنا عن سلمان، فقال: «أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا ينزح منا أهل البيت»
قالوا: أخبرنا عن أبي ذر، قال: «وعاء علم ضيعه الناس».
قالوا: فأخبرنا عن نفسك.
قال: «إياها أردتم، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، وإن بين الذقنين لعلماً جماً». رواه الطبراني في المعجم الكبير والسياق له، ورواه الحاكم في المستدرك مختصراً، عمرو بن مرة لم يدرك عليّ بن أبي طالب، وأدركه قيس بن أبي حازم، وعليّ بن عابس الملائي متكلّم فيه، ضعّفه يحيى بن معين، وقال الدارقطني: يُعتبر به.
- وقال حجاج بن محمد المصيصي: حدثنا ابن جريج قال: حدثنا أبو حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبي الأسود، وعن ابن جريج ورجل عن زاذان كذا قالا: (بينا الناس ذات يوم عند علي إذ وافقوا منه نفسا طيبة؛ فقالوا: حدّثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين!
قال: عن أيّ أصحابي؟
قالوا: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي فأيّهم تريدون؟
قالوا: النفر الذين رأيناك تلطفهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم.
قال: أيهم؟
قالوا: عبد الله بن مسعود.
قال: (علم السنة وقرأ القرآن وكفى به علماً، ثم ختم به عنده).
فلم يدروا على ما يريد بقوله: (كفى به علماً) كفى بعبد الله بن مسعود أم كفى بالقرآن.
قالوا: فحذيفة؟
قال: (عَلِمَ أو عُلّم أسماء المنافقين وسأل عن المعضلات حين غُفل عنها؛ فإن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً). ثم ذكر باقي الحديث بنحو ما تقدم، وفيه زيادات، وقد رواه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية، والضياء المقدسي في المختارة، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال قيس بن الربيع الأسدي، عن أبي إسحاق [السبيعي]، عن هبيرة [بن يريم] قال: شهدت علياً وسئل عن حذيفة فقال: (سأل عن أسماء المنافقين فأُخبر بهم). رواه أبو داوود الطيالسي، وابن عساكر.
- وقال أسود بن عامر الشامي: حدثنا شعبة بن الحجاج، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيسٍ ، قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأيا رأيتموه أو شيئا عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة » وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم). رواه أحمد، ومسلم.
- وقال الأعمش: حدّثني إبراهيم، عن الأسود، قال: كنّا في حلقة عبد اللّه فجاء حذيفة حتّى قام علينا فسلّم، ثمّ قال: «لقد أنزل النّفاق على قومٍ خيرٍ منكم»، قال الأسود: سبحان اللّه إنّ اللّه يقول: (إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار)، فتبسّم عبد اللّه، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد اللّه فتفرّق أصحابه، فرماني بالحصا، فأتيته، فقال حذيفة: «عجبت من ضحكه، وقد عرف ما قلت، لقد أنزل النّفاق على قومٍ كانوا خيرًا منكم ثمّ تابوا، فتاب اللّه عليهم». رواه البخاري في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
أعماله في زمن الخلفاء الراشدين
شهد حذيفة فتوحَ فارس في عهد أبي بكر وعمر، وهو الذي أخذ الراية بعد مقتل النعمان بن مقرّن بنهاوند، وفَتَحَ أصبهان والريّ وغيرهما، وكان مع أهل الشام في فتوح أرمينية وأذربيجان، وله جهاد طويل في بلاد فارس وخراسان.
وهو الذي ندب عثمان لجمع الناس على مصحف واحد، بعدما رأى من اختلاف الناس في القراءة.
وقد أمّره عمر على المدائن فبقي أميراً عليها حتى توفّي بعد مقتل عثمان في أوّل سنة 36هـ.
وروي في خبر لا يثبت أنه هو الذي بشّر عمر بانتصار المسلمين يوم اليرموك.
- قال وكيع، عن سفيان الثوري، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيّكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟
قال: فقال حذيفة: (أنا). رواه أحمد.
سعيه لجمع القرآن في زمن عثمان
- قال إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف: حدثنا ابن شهاب [الزهري] عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان - وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق - فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة؛ فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان؛ فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف).رواه البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى.
- وقال حفص بن عمر الدوري المقرئ: حدثنا إسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم المديني، عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب الزهري، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم من غزوة غزاها بفرج أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، ويأتون بما لم يسمع أهل الشام، ويقرأ أهل الشام، بقراءة أبي بن كعب، ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، فيكفرهم أهل العراق، قال: «فأمرني عثمان رضي الله عنه أن أكتب له مصحفاً» فكتبته، فلما فرغت منه عرضه).رواه عمر بن شبة.
زهده وورعه وخشيته
- قال مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف قال: «قدم حذيفة المدائن على حمارٍ بإكافه على إكاف، سادلاً رجليه، ومعه عِرْق ورغيف وهو يأكل». رواه ابن سعد في الطبقات.
عرْق: أي قطعة لحم.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث أميراً كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانا وأمرته بكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا.
فلما بعث حذيفة إلى المدائن كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانا فأطيعوه، فقالوا: هذا رجل له شأن فركبوا ليتلقوه، فلقوه على بغلٍ تحته إكاف، وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد فلم يعرفوه فأجازوه، فلقيهم الناس؛ فقالوا لهم: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيتم.
قال: فركضوا في إثره فأدركوه وفي يده رغيف، وفي الأخرى عرق وهو يأكل، فسلموا عليه، فنظر إلى عظيم منهم فناوله العِرق والرغيف.
قال: (فلما غفل ألقاه أو قال أعطاه خادمه). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال هدبة بن خالد الثوباني: حدثنا سلام بن مسكين، عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا استعمل عاملا كتب في عهده: واسمعوا له وأطيعوا ما عدل فيكم، فاستعمل حذيفة على المدائن، وكتب في عهده: اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم، فاستقبلوه فإذا هو على حمار مؤكف، وفي يده عرق يأكله، فقرأ عليهم عهده كتاب عمر رضي الله عنه، قالوا له: ما حاجتك فإن أمير المؤمنين لم يكتب إلينا بمثل ما كتب إلينا فيك قال: حاجتي أن تطعموني من الخبز ما دمت فيكم، وتعلفوا حماري، وتجمعوا خراجكم، فلما انقضى عمله دخل إلى المدينة، فلما بلغ عمر قدومه قعد له في الطريق لينظر كيف حاله مما فارقه عليه؟ فلما رآه في تلك الحال اعتنقه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك، أنت أخي وأنا أخوك). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه.
- وقال الأعمش، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن أم سلمة، قالت: قال حذيفة: «لوددت أن لي إنسانا يكون في مالي، ثم أغلق علي بابا فلا يدخل عليَّ أحد حتى ألحق بالله». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال ابن عون، عن أبي بشر [البصري]، عن جندب بن عبد الله البجلي، ثم البصري قال: استأذنتُ على حذيفة ثلاث مرات فلم يأذن لي، فرجعت، فإذا رسوله قد لحقني فقال: «ما ردك؟»
قلت: ظننت أنك نائم.
قال: «ما كنتُ لأنام حتى أنظر من أين تطلع الشمس؟!».
قال: فحدثتُ به محمداً [ابن سيرين]؛ فقال: (قد فعله غير واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي شيبة.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
موقفه من فتنة مقتل عثمان
- قال كثير بن أبي كثير البصري: حدثنا ربعي بن حراش، عن حذيفة أنه أتاه بالمدائن؛ فقال له حذيفة: ما فعل قومك؟
قال: قلت: عن أي بالهم تسأل؟
قال: من خرج منهم إلى هذا الرجل ـ يعني عثمان ؟
قال: قلت: فلان وفلان وفلان.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خرج من الجماعة، واستذلّ الإمارة لقي الله ولا وجه له عنده)). رواه أحمد.
- قال عمرو بن مرة، عن خيثمة، عن ربعي بن حراش قال: لما كانت الليلة التي حضر فيها حذيفة جعل يقول: أي الليل هذا؟
قال: قلت: هذا وجه السحر.
قال: فاستوى جالساً ثم قال: (اللهم إني أبرؤ إليك من دم عثمان، والله ما شهدتُ، ولا قتلتُ، ولا مالأتُ على قتله). رواه أبو القاسم البغوي.
- وقال هوذة بن خليفة البكراوي: حدثنا عوف، عن محمد [بن سيرين] قال: بلغني أن حذيفة رضي الله عنه لما أتاه قتل عثمان رضي الله عنه قال: «اللهم أنت تعلم إن كان قتل عثمان خيراً فإنه ليس لي منه نصيب، وإن كان شراً فإني منه بريء». رواه ابن شبة في تاريخ المدينة.
- وقال أبو الأشهب العطاردي: حدثني عوف، عن محمد بن سيرين أن حذيفة بن اليمان قال: (اللهم إن كان قتل عثمان خيرا فليس لي منه نصيب، وإن كان شراً؛ فأنا منه بريء، ولئن كان خيراً ليحتلبنها لبناً، وإن كان قتله شراً ليمتصنّها دماً). رواه ابن سعد في الطبقات، والبلاذري في أنساب الأشراف.
مرضه ووفاته
- قال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: دخل أبو مسعود الأنصاري على حذيفة في مرضه الذي مات فيه فاعتنقه فقال: الفراق
فقال: «نعم، حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، أليس بعد ما أعلم من اليقين» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو الأشهب العطاردي: حدثنا الحسن [البصري] قال: لما حضر بحذيفة الموت قال: (حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، الحمد لله الذي سبق علوجَ الفتنة وقادتها). رواه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، وابن عساكر.
- وقال وكيع بن الجراح، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي مسعود، قال: لما أتي حذيفة بكفنه قال: «إن يصب أخوكم خيراً فعسى، وإلا ليترامين به رجواها إلى يوم القيامة». رواه ابن أبي شيبة.
رجواها: مثنى رجا، والجمع أرجاء، أي أطراف وأنحاء.
- وقال أبو وائل شقيق بن سلمة، عن خالد بن ربيع العبسي، قال: لما بلغنا ثقل حذيفة خرج إليه نفر من بني عبس، ونفر من الأنصار معنا أبو مسعود.
قال: فانتهينا إليه في بعض الليل فقال: «أي ساعة هذه؟»
قلنا: ساعة كذا وكذا
قال: «أعوذ بالله من صباح إلى النار، هل جئتموني معكم بكفن؟»
قلنا: نعم.
قال: «فلا تغالوا بكفني؛ فإنْ يكن لصاحبكم خير عند الله يبدل خيراً منه، وإلا سلب سريعا»رواه ابن ابي شيبة.
- وقال أبو كريب: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق السبيعي أن صلة بن زفر حدثه أن حذيفة بن اليمان كُفّن في ثوبين.
قال: بعثني وأبا مسعود، فابتعنا له كفناً حلة عصب بثلاث مائة درهم، فقال: «أرياني ما ابتعتما لي».
فأريناه؛ فقال: «ما هذا لي بكفن، إنما يكفيني ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص، وإني لا أُترَك إلا قليلاً حتى أنال خيراً منهما أو شراً منهما» فابتعنا له ريطتين بيضاوين). رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال عبد الملك بن ميسرة: سمعت النزال بن سبرة قال: سألنا أبا مسعود: ما قال حذيفة عند الموت؟
قال: قال: «أعوذ بالله من صباح إلى النار، اشتروا لي ثوبين أبيضين فكفنوني فيهما، فإنهما لن يتركا عليَّ إلا يسيراً حتى أُكسى خيراً منهما، أو أسلبهما سلبا سريعا» رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- قال يحيى بن عبد الله بن بكير: «توفي حذيفة بن اليمان سنة ست وثلاثين» رواه الطبراني في المعجم الكبير.
وكذلك قال محمد بن عبد الله بن نمير.
- قال محمد بن إسحاق الصاغاني: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا سعد بن أوس [العبسي]، عن بلال بن يحيى [العبسيٍ قال: لما حضر حذيفة الموت، وكان قد عاش بعد عثمان أربعين ليلة، قال لنا: «أوصيكم بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب». رواه الحاكم في المستدرك، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.
- وقال أبو حفص الفلاس: (مات حذيفة بن اليمان، ويكنى أبا عبد الله بالمدائن، سنة خمس وثلاثين، بعد عثمان بأربعين ليلة).
- وقال أبو الحسن العجلي: (كان أميرًا على المدائن، استعمله عمر، ومات بعد قتل عثمان بأربعين يومًا، سكن الكوفة ... مات بالمدائن قبل الجمل).
وكان عثمان قد قُتل في الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 35هـ، وكانت وقعة الجمل في جمادى من عام 36هـ.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
9: سيرة حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:36هـ) رضي الله عنه
مواعظه ووصاياه
- قال آدم بن أبي إياس: حدثنا شعبة، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال: «إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرّون واليوم يجهرون» رواه البخاري.
- وقال مسعر بن كدام، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الشعثاء، عن حذيفة، قال: «إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان». رواه البخاري.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن حذيفة، قال: كان يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول: «يا معشر القراء! اسلكوا الطريق؛ فلئن سلكتموه لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً». رواه ابن أبي شيبة.
- قال رُزين الجهني: حدثنا أبو الرقاد، قال: خرجت مع مولاي وأنا غلام، فدفعت إلى حذيفة وهو يقول: «إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيصير منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتحاضن على الخير أو ليسحتنكم الله بعذاب جميعاً، أو ليؤمَّرَنَّ عليكم شرارُكم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم». رواه أحمد وابن أبي شيبة.
- وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي عمّارٍ، عن حذيفة، قال: «ليقرأنّ القرآن أقوامٌ يقيمونه كما يقام القدح، لا يدعون منه ألفًا، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم». رواه سعيد بن منصور في سننه.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابرٍ الأحمسي، قال: قال حذيفة: إنّ أقرأ النّاس المنافق الذي لا يدع واواً ولا ألفًا، يلفت كما تلفت البقر ألسنتها، لا يجاوز ترقوته). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والفريابي في صفة النفاق، ولفظه: «إن من أقرأ الناس المنافق الذي لا يترك واوا ولا ألفا يلفته كما تلفت البقرةُ الخلا بلسانها».
- وقال مجالد بن سعيد، عن محمد بن المنتشر الهمداني، عن ابن حراش، عن حذيفة بن اليمان، قال: «إنَّ في القبر حساباً، وفي يوم القيامة عذاباً، فمن حوسب يوم القيامة عذب». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الرزاق الصنعاني: حدثنا بكار بن عبد الله [اليماني] قال: حدثني خلاد بن عبد الرحمن أنه سمع أبا الطفيل يحدث، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: (يا أيها الناس! ألا تسألوني؟ فإنَّ الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، إنَّ الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم فدعا الناسَ من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلالة إلى الهدى، فاستجاب له من استجاب، فحيي من الحق ما كان ميتاً، ومات من الباطل ما كان حياً، ثم ذهبت النبوة؛ فكانت الخلافة على منهاج النبوة). رواه أحمد.
ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق بهذا الإسناد، وفيه: (أفلا تسألون عن ميت الأحياء؟ فقال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فاستجاب له من استجاب، فحيى بالحق من كان ميتاً، ومات بالباطل من كان حياً، ثم ذهبت النبوة فكانت الخلافة على منهاج النبوة، ثم يكون ملكاً عضوضاً، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه، والحقَّ استكمل، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافاً يده، وشعبةً من الحق ترك، ومنهم من ينكر بقلبه كافاً يده ولسانه وشعبتين من الحق ترك، ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه فذلك ميت الأحياء).
- وقال سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل حذيفة: ما ميت الأحياء؟
قال: (ميت الأحياء هو الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه). رواه ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال شعبة بن الحجاج، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت زياداً يحدث، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة أنه قال: «رب يوم لو أتاني الموت لم أشك، فأما اليوم فقد خالطت أشياء لا أدري على ما أنا منها»، وأوصى أبا مسعود فقال: «عليك بما تعرف، وإياك والتلوّن في دين الله». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن سليم العامري، قال: سمعت حذيفة، يقول: (بحسب المرء من العلم أن يخشى الله، وبحسبه من الكذب أن يستغفر الله ثم يعود). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وأبو داوود في الزهد، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء.
- وقال موسى بن أيوب البجلي: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: قال حذيفة بن اليمان: «ما استخفّ قوم بحق الله عز وجلّ إلا بعث الله عزّ وجل عليهم من يستخفّ بحقهم». رواه ابن أبي الدنيا في العقوبات.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا زائدة، عن عمر بن قيس، عن زيد بن وهب، قال: سمعت حذيفة يقول: (ألا إنَّ الفتنة تقبل مشبهة، وتدبر [مبيّنة]، ولها وقفات وبواعث؛ فمن استطاع أن يموت في مواقفها فليمت، فإنها مولعة بمن قال فيها وقال). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عكرمة بن عمار، عن جنيد أبي عبد الله الفلسطيني، قال: حدثني عبد العزيز ابن أخي حذيفة عن حذيفة، قال: «أوّل ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون الصلاة». رواه أبو بشر الدولابي في الكنى.
- وقال الأعمش عن يحيى بن وثاب قال: قال حذيفة: «والله لا يأتيهم أمر يضجون منه إلا أردفهم أمر يشغلهم عنه» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال معاوية بن هشامٍ القصار: حدّثنا سفيان [الثوري]، عن جبلة بن سحيمٍ، عن عامر بن مطرٍ، قال: كنت مع حذيفة فقال: «يوشك أن تراهم ينفرجون عن دينهم كما تنفرج المرأة عن قبلها؛ فأمسكْ بما أنت عليه اليوم؛ فإنها الطريق الواضح، كيف أنت يا عامر بن مطر إذا أخذ الناسُ طريقاً والقرآنُ طريقاً: مع أيهما تكون؟».
قلت: مع القرآن أحيا معه وأموت معه.
قال: «فأنت أنت إذا». رواه ابن أبي شيبة.
ورواه أحمد في الزهد من طريق وكيع قال: وكيع، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني أبو عبد الله الفلسطيني، عن عبد العزيز أخي حذيفة، عن حذيفة قال: (أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة).
- وقال محمد بن جعفر المَطِيري: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: سمعت حذيفة، رضي الله عنه يقول: " (إنَّ الفتنة وكلت بثلاث: بالجاد النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد، فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتبحثه حتى تبلو ما عنده). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة، قال: " وكلت الفتنة بثلاث: بالجاد النحرير الذي لا يريد أن يرتفع له منها شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليه الأمور، وبالشريف المذكور، فأما الجاد النحرير فتصرعه، وأما هذان الخطيب والشريف فتحثهما حتى تبلو ما عندهما). رواه نعيم بن حماد في الفتن، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو عمرو الداني في الفتن.
- وقال منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن همام بن الحارث قال: كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير، فكنا جلوساً في المسجد فقال: القوم هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير، قال: فجاء حتى جلس إلينا؛ فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة قتات». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
- وقال أبو الربيع الزهراني: حدثنا أبو شهاب الحناط، عن سعيد الجريري عن عمران العمي قال: (جاء رجل إلى حذيفة رضي الله عنه؛ فقال له: يا أبا عبد الله! إني أخشى أن أكون منافقاً.
فقال: تصلي إذا خلوت، وتستغفر إذا أذنبت؟
قال: نعم.
قال: (اذهب؛ فما جعلك الله منافقاً). رواه قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وهو منقطع، بل معضل؛ فعمران بن داور العمي من أصحاب الحسن البصري من طبقة تابعي التابعين، وقد تكلم فيه يحيى بن معين، والنسائي، والدارقطني، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث؛ فهذا الأثر لا يصحّ عن حذيفة.
رواة التفسير عن حذيفة
رويت عن حذيفة رضي الله عنه حروفٌ في القراءة، ومسائل في التفسير.
والذين لهم رواية عنه في كتب التفسير المسندة على أصناف:
فمن الصحابة: أنس بن مالك ، وأبو الطفيل، وجندب بن عبد الله.
ومن التابعين: صلة بن زفر، وزر بن حبيش، وربعي بن حراش، وعبد الله بن عبد الرحمن الأشهل، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعامر بن شراحيل الشعبي، وغيرهم.
وممن أرسل عنه: أبو البختري الطائي، وأبو الضحى مسلم بن صبيح، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو سلام الحبشي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، والضحاك بن مزاحم.
مما روي عنه في التفسير
كان حذيفة رضي الله عنه عالماً بالتفسير ونزول القرآن، وقد تقدّم قوله: (وكنت قد أعطيت في القرآن فهماً). رواه الإمام أحمد.
وقد رويت عنه مسائل في التفسير:
- قال شعبة، عن سليمان [ الأعمش]، قال: سمعت أبا وائلٍ، عن حذيفة، {وأنفقوا في سبيل اللّه ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} قال: «نزلت في النّفقة». رواه البخاري في صحيحه.
- وقال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيقٍ، عن حذيفة، في قوله عزّ وجلّ: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} قال: «ترك النّفقة».
وفي رواية عند ابن جرير الطبري من طرق عن أبي وائل عن حذيفة قال: (هو ترك النفقة في سبيل الله).
- وقال محاضر بن المورّع: حدثنا الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن حذيفة، أنّه سمع قارئًا يقرأ " {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله، وابتغوا إليه الوسيلة}
قال: (القربة).
ثمّ قال: (لقد علم المحفوظون من أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم أنّ ابن أمّ عبدٍ من أقربهم إلى الله وسيلةً). رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال جرير بن حازم، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همّامٍ بن الحارث، قال: كنّا عند حذيفة فذكروا {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}
فقال رجلٌ من القوم: إنّ هذا في بني إسرائيل فقال حذيفة: «نعم الإخوة بنو إسرائيل إن كان لكم الحلو ولهم المرّ، كلّا والّذي نفسي بيده حتّى تحذوا السّنّة بالسّنّة حذو القذّة بالقذّة». رواه محمد بن نصر المروزي في السنة، والحاكم في المستدرك.
ورواه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة بنحوه.
- وقال يونس بن أبي إسحاق: قال الشعبي: أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذَكَرا من أصحاب الأعراف ذِكْرا ليس كما ذَكَرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا: هات!
فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: (هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين} فبينا هم كذلك، اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: [اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم]). رواه ابن جرير الطبري.
ورواه سعيد بن منصور وابن جرير الطبري من طرق عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن حذيفة مختصراً.
- وقال حبيب بن أبي ثابتٍ: حدّثني أبو البختريّ الطّائيّ، قال: قيل لحذيفة: أرأيت قول الله عزّ وجلّ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}؟فقال حذيفة: «أما إنّهم لم يصلّوا لهم، ولكنّهم كانوا ما أحلّوا لهم من حرامٍ استحلّوه، وما حرّموا عليهم من الحرام حرّموه فتلك ربوبيّتهم». رواه سعيد بن منصور في سننه، وقد وقع في المطبوع: (قال لي حذيفة) وهو خطأ، فأبو البختري لم يسمع من حذيفة، وقد نقل الشاطبي في الاعتصام هذا الموضع من سنن سعيد بن منصور على الصواب.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد: حدّثنا زيد بن وهبٍ، قال: كنّا عند حذيفة، فقال: «ما بقي من أصحاب هذه الآية إلّا ثلاثةٌ، ولا من المنافقين إلّا أربعةٌ».
فقال أعرابيٌّ: إنّكم أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم تخبرونا فلا ندري؛ فما بال هؤلاء الّذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟
قال: «أولئك الفسّاق، أجل لم يبق منهم إلّا أربعةٌ، أحدهم شيخٌ كبيرٌ، لو شرب الماء البارد لما وجد برده». رواه البخاري في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى، والبيهقي في السنن الكبرى.
- - قال أبو بكر البيهقي: (أظنه أراد قوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} ... وأظنه أراد من المنافقين الذين سماهم له رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم).
وقد أورد البخاري هذا الأثر في باب {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم}.
- وقال إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضي الله عنه في قوله تعالى: {فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم} قال: لا عهد لهم.
قال حذيفة: (ما قوتلوا بعد). رواه الحاكم في المستدرك.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: يجمع الناس في صعيد واحد، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي، فينادي مناد: يا محمد، على رءوس الأولين والآخرين، فيقول صلى الله عليه وسلم: «لبيك وسعديك والخير بيديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، تباركت ربنا وتعاليت».
قال حذيفة: «فذلك المقام المحمود». رواه ابن أبي شيبة، والنسائي في السنن الكبرى.
- وقال وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مسلم، عن حذيفة: « {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: النظر إلى وجه الله». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، قال: قام حذيفة بالمدائن فخطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: {اقتربت الساعة وانشق القمر}: «ألا إنَّ الساعةَ قد اقتربت، وإنَّ القمر قد انشق، ألا وإنَّ الدنيا قد آذنت بالفراق، ألا وإنَّ المضمار اليوم، وإنَّ السباق غداً، وإنَّ الغايةَ النار، وإنَّ السابق من سبق إلى الجنة». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال هشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: قام سائلٌ على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسأل فسكت القوم، ثمّ إنّ رجلًا أعطاه فأعطاه القوم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من استنّ خيرًا فاستنّ به فله أجره، ومثل أجور من تبعه غير منتقصٍ من أجورهم شيئًا، ومن استنّ شرًّا فاستنّ به فعليه وزره، ومثل أوزار من اتّبعه غير منتقصٍ من أوزارهم شيئًا»قال: وتلا حذيفة بن اليمان {علمت نفسٌ ما قدّمت وأخّرت}). رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان.
https://majles.alukah.net/imgcache/2023/02/62.jpg
-
رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين
10: سيرة أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (ت:44هـ)
أصله ونسبه:
هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حُضار من بني الأشعر، وهم بطن من العرب القحطانية.
وأصله من اليمن، من بلدة يقال لها "رِمَع" قُرب زبيد.
- قال ياقوت الحموي: (رمع: بكسر أوّله، وفتح ثانيه، وعين مهملة، مرتجل، موضع باليمن، وقيل: هو جبل باليمن).
قال: (وقال نصر: رمع قرية أبي موسى ببلاد الأشعريّين من اليمن قرب غسّان وزبيد)ا.هـ..
إسلامه وهجرته:
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فأسلم، ثم رجع إلى أرض قومه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قدم هو وأناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر مع جعفر بن أبي طالب وأصحابه؛ فقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد ما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال أبو أسامة الكوفي الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه، أنا وأَخَوانِ لي، أنا أصغرهما، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال: بضعاً، وإما قال: ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي.
قال: فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده.
فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا.
قال: فوافقنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر؛ فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم.
قال: فكان ناس من الناس يقولون لنا - يعني لأهل السفينة -: نحن سبقناكم بالهجرة.
قال: فدخلتْ أسماء بنت عميس -وهي ممن قدم معنا- على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرةً، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه؛ فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها؛ فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟
قالت: أسماء بنت عميس.
قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟
فقالت أسماء: نعم.
فقال عمر: سبقناكم بالهجرة؛ فنحن أحقّ برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم.
فغضبت، وقالت كلمة: كذبتَ يا عمر كلا، والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعَكم، ويعظ جاهلَكم، وكنَّا في دار -أو في أرض - البعداء البغضاء في الحبشة، وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نُؤذَى ونُخَاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذبُ ولا أزيغُ ولا أزيد على ذلك.
قال: فلما جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبيَّ الله إنَّ عمر قال: كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهلَ السفينة هجرتان»
قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً، يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيءٌ هم به أفرحُ ولا أعظمُ في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بردة: فقالت أسماء: (فلقد رأيت أبا موسى وإنَّه ليستعيدُ هذا الحديثَ مني). رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو أسامة: حدثنا بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان» رواه البخاري.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي؛ فبلغ ذلك قريشاً؛ فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد، وجمعوا للنجاشي هدية، فقدمنا وقدموا على النجاشي). رواه ابن سعد.
مناقبه وفضائله:
لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه مناقب كثيرة؛ فقد كان من السابقين إلى الإسلام؛ وهاجر هجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن منيب، وأنه من قوم يحبهم الله ويحبونه، وأثنى على تلاوتهم للقرآن، وقيامهم به.
وكان من كبار علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم، وكان حسن الصوت بتلاوة القرآن، حسن القيام به.
دعا له النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، وبعثه إلى اليمن قاضياً ومعلّماً، وأميراً على مخلافٍ منها.
وقاد الجيوش في بعض فتوح فارس، وهو الذي افتتح أصبهان وتستر والسوس والأهواز وهمذان وغيرها من بلاد فارس.
- قال أبو أسامة الكوفي: حدثني بريد بن عبد الله عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال في دعائه: (( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريماً)). متفق عليه.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حُميد، عن أنس قال: إنه لما أقبل أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جاءكم أهل اليمن، هم أرق منكم قلوباً)).
قال أنس: (وهم أول من جاء بالمصافحة). رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وأبو داوود في سننه.
- وقال يحيى بن أيوب المصري، عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقدم عليكم غداً أقوام هم أرقّ قلوباً للإسلام منكم».
قال: (فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون، يقولون:
غدا نلقى الأحبة ... محمدا وحزبه
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أولَّ من أحدث المصافحة). رواه أحمد والضياء المقدسي في المختارة.
- وقال شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضاً الأشعري، يقول: (لما نزلت {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم قومك يا أبا موسى» وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري). رواه ابن سعد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه وأبو نعيم في تاريخ أصبهان.
- وقال مالك بن مغول، عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب قال: خرج بريدة عشاء فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيده فأدخله المسجد فإذا صوت رجل يقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تراه مرائيا؟» فأسكت بريدة.
فإذا رجل يدعو؛ فقال: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت. الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده - أو قال والذي نفس محمد بيده - لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب».
قال: فلما كان من القابلة خرج بريدة عشاء؛ فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأخذ بيده فأدخله المسجد؛ فإذا صوت الرجل يقرأ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتقوله مرائيا؟»
فقال بريدة: أتقوله مرائيا يا رسول الله؟
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا. بل مؤمن منيب، لا. بل مؤمن منيب»؛ فإذا الأشعري يقرأ بصوت له في جانب المسجد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريَّ، -أو إن عبد الله بن قيس- أعطي مزمارا من مزامير داود».
فقلت: ألا أخبره يا رسول الله؟
قال: «بلى فأخبره» فأخبرته، فقال: (أنت لي صديق أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث). رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو في السنن الكبرى للنسائي مختصرا.ً
- وقال بريد بن عبد الله، عن جدّه أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: «رد البشرى، فاقبلا أنتما» قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: «اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا». فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة). رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو بردة، عن أبي موسى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار)). علّقه البخاري في صحيحه، ووصله مسلم من طريق أبي أسامة الحافظ عن بريد بن عبد الله عن جدّه أبي بردة.
- وقال أبو أسامة الحافظ: حدثني بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد، بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم» رواه البخاري ومسلم.
حسن صوته بالقرآن
مما اشتهر عن أبي موسى رضي الله عنه حُسن صوته بالقرآن، بل ذكر بعض التابعين أنه أحسن الصحابة صوتاً بالقرآن.
وقد استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلاوته وعجب من حسن صوته، وعجب منه الصحابة، وكان ربما إذا قام يتهجّد من الليل استمعوا إلى تلاوته، وفي ذلك أحاديث وآثار.
- قال أبو يحيى الحِمَّاني: حدثنا بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود » رواه البخاري.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: حدثنا طلحة، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» رواه مسلم.
- وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري قام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته، وكان حلو الصوت، فقُمْن يستمِعْن، فلما أصبح، قيل له: إن النساء كنَّ يستمعن، فقال: (لو علمت لحبرتكن تحبيرا ولشوقتكن تشويقا). رواه ابن سعد.
- وقال ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر كان إذا رأى أبا موسى قال: (ذكّرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده). رواه ابن سعد، وهو منقطع لكن يعضده ما رواه شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة العبدي قال: قال عمر لأبي موسى: (شوّقنا إلى ربنا) فقرأ، فقالوا: الصلاة، فقال عمر: (أولسنا في صلاة؟). وقد أخرجه ابن سعد أيضاً، وأحمد في الزهد.
- وقال علي بن الجعد: حدثنا معاوية، حدثنا ثابت عن أنس قال: قدمنا البصرة مع أبي موسى وهو أمير على البصرة.
قال: فقام من الليل يتهجَّد؛ فلما أصبح قيل له: أصلح الله الأمير، لو رأيت إلى نسوتك وقرابتك وهم يستمعون لقراءتك!
فقال: (لو علمت أنَّ أحداً يستمع قراءتي لزيَّنت كتابَ الله بصوتي ولحبرته تحبيرا). رواه ابن عساكر.
- وقال يحيى بن صالح: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبي يوسف حاجب معاوية قال: (قدم أبو موسى الأشعري؛ فنزل بعض الدور بدمشق، فكان معاوية يخرج ليلاً يستمع قراءته). رواه أبو زرعة الدمشقي وابن عساكر.
- وقال صفوان بن عيسى القسام: حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال: (صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاةَ الصبحِ فما سمعتُ صوتَ صنجٍ ولا بربطٍ قطّ كان أحسن صوتاً منه). رواه أبو القاسم البغوي وابن سعد وأبو عوانة وأبو نعيم.
وفي رواية عند أبي سعد: (ولا نايٍ أحسن من صوته؛ فنود أنه قرأ البقرة من حسن صوته)..
ورواه البخاري في خلق أفعال العباد بسياق مقارب.
- وقال علي بن عاصم: حدثني سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: (كان الأشعريّ - يعني أبا موسى الأشعري - من أحسن الناس صوتاً، كأنه مزمار من مزامير داود، وكان يصلّي بنا الغداة؛ فأتمنى أن يقرأ بنا البقرة من حسن صوته). رواه ابن عساكر.
- وقد قدم أبو موسى على معاوية في دمشق وهو خليفة، فرُوي أن معاوية كان يخرج من الليل إلى منزل أبي موسى يستمع إلى قراءته.
جهاده وأعماله وأخباره في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
كان أبو موسى رضي الله عنه شجاعاً مقداماً لا يفرّ، بل كان يعيب على من يفرّ، وقد شهد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم مشاهده بعد خيبر؛ فشهد غزوة ذات الرقاع، وفتح مكة وحنين، ثم كان مع السرية التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أوطاس؛ وكانت الراية مع أبي عامر الأشعري عمّ أبي موسى؛ فقتل أبو عامر تسعةً من المشركين مبارزة يومئذ، ثمّ رماه أحدهم بسهم في ركبته؛ فجرح منها جرحاً شديداً ثم مات منها؛ فأخذ الرايةَ أبو موسى، وقتل قاتل عمّه، وقاتل حتى فتح الله له.
ثمّ غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن معلّما وقاضياً وأميراً ثمّ أتبعه بمعاذ بن جبل، واليمن مخلافان؛ والمخلاف بمعنى الإقليم والناحية؛ فكان معاذ على المخلاف الشمالي وهو من صنعاء إلى الجَنَد، وأبو موسى على المخلاف الجنوبي وهو من جنوب صنعاء إلى عدن، ويشمل زبيد والساحل ورِمَع وهي أرض قوم أبي موسى الأشعري.
ثم حجّ أبو موسى مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، وقال في إهلاله: لبيّك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد ساق الهدي، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أنّ يطوف ويسعى ثم يحلّ؛ فيكون متمتّعاً.
ثمّ عاد بعد الحجّ إلى اليمن، وتوفّي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو موسى باليمن، ثم إنّ أبا بكر الصدّيق استعمل على اليمن المهاجرَ بن أبي ميّة المخزومي، أخو أمّ سلمة رضي الله عنها، وكتب إليه معاذ يستأذنه في القفول إلى المدينة هو ومن معه من العمّال الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لهم؛ فرجعوا؛ بعد أن علّموا الناس القرآن وفقّهوهم في دين الله، وانتشر العلم في اليمن، وانتظم الأمر فيه.
وفي جهاده وأعماله وأخباره زمن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وآثار.
- قال بريد، عن جدّه أبي بردة، عن أبيه، قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامرٍ على جيش إلى أوطاس، فلقي دريدَ بن الصمَّة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه، فقال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، قال: فرُمي أبو عامر في ركبته، رماه رجل من بني جشم بسهم، فأثبته في ركبته فانتهيت إليه؛ فقلت: يا عم من رماك؟
فأشار أبو عامر إلى أبي موسى؛ فقال: إنَّ ذاك قاتلي، تراه ذلك الذي رماني، قال أبو موسى: فقصدت له فاعتمدته فلحقته، فلما رآني ولى عني ذاهبا، فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحيي؟ ألست عربيا؟ ألا تثبت؟ فكفَّ، فالتقيت أنا وهو، فاختلفنا أنا وهو ضربتين، فضربته بالسيف فقتلته، ثم رجعتُ إلى أبي عامر؛ فقلت: إن الله قد قتل صاحبك.
قال: فانزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء، فقال: يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك أبو عامر: استغفر لي.
قال: واستعملني أبو عامر على الناس، ومكث يسيرا ثم إنه مات، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم دخلت عليه، وهو في بيت على سرير مرمل، وعليه فراش، وقد أثر رمال السرير بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقلت له: قال: قل له: يستغفرْ لي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء؛ فتوضأ منه، ثم رفع يديه، ثم قال: «اللهم اغفر لعبيدٍ أبي عامر» حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: «اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك » أو من الناس
فقلت: ولي يا رسول الله فاستغفرْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» رواه البخاري ومسلم.
- قال أبو أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلفّ على أرجلنا الخِرَق، فسمّيت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا»
وحدّث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: (أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحُملان لهم، إذ هم معه في جيش العسرة، وهي غزوة تبوك..). فذكر الحديث، وهو في الصحيحين، وفيه: (فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((خذ هذين القرينين، وهذين القرينين، وهذين القرينين، لستة أبعرة ابتاعهنَّ حينئذ من سعد، فانطلق بهنَّ إلى أصحابك)). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم».
قال: وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال يا عبد الله بن قيس: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة.
فقلت: بلى، يا رسول الله.
قال: ((قل: لا حول ولا قوة إلا بالله)). رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية في صحيح البخاري من طريق أيوب السختياني عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى قال: ثم أتى عليَّ وأنا أقول في نفسي: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فقال لي: ((يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة)).
- وقال عمر بن علي بن مقدم: حدثنا أبو عميس، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري قال: أتاني ناس من الأشعريين فقالوا: اذهب معنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لنا حاجة.
قال: فقمت معهم؛ فقالوا: يا رسول الله استعن بنا في عملك فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قالوا.
وقلت: لم أدر ما حاجتهم.
فصدَّقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرني وقال: «إنا لا نستعين في عملنا من سألَناه» رواه أحمد.
- وقال حميد بن هلال: حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى، قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل العمل؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يستاك.
فقال: «ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس؟»
قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت.
فقال: «لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن» ثم أتبعه معاذ بن جبل). رواه أحمد والبخاري.
- وقال أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحداً حَرَص عليه» رواه مسلم.
- وقال شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» رواه البخاري ومسلم.
- وقال أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وبعث كلَّ واحد منهما على مخلاف، واليمن مخلافان.
ثم قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا» فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟
قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه.
قال: لا أنزل حتى يُقتل.
قال: إنما جيء به لذلك فانزل.
قال: ما أنزل حتى يقتل.
فأمر به فقتل، ثم نزل؛ فقال: يا عبد الله! كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوَّقه تفوقاً.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
قال: (أنام أوَّل الليل؛ فأقوم وقد قضيتُ جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري.
- قال قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم باليمن، فجئت وهو بالبطحاء، فقال: «بما أهللت؟»
قلت: أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: «هل معك من هدي؟»
قلت: لا، فأمرني، فطفت بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم أمرني، فأحللت). رواه البخاري ومسلم.
يتبع