تمام البدر بشرح النداءات العشر
عن أبي ذر الغفاري ررر : عن النبي(ص) فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال :
يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا .
يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم .
يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم .
يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسُكم .
يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم .
يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني .
يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا .
يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا .
يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر .
يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) .
رد: تمام البدر بشرح النداءات العشر
شرح النداء الأول
* هذا الحديث رواه : مسلم (2577) ، و ابن حبان (619) ، والحاكم (7606) من طرق : عن سعيد بن عبد العزيز : عن ربيعة بن يزيد : عن أبي إدريس الخولاني : عن أبي ذر مرفوعا به .
قال سعيد : وكان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه .
* تكررت في هذا الحديث القدسي عبارة : يا عبادي عشر مرات ، وهي تفيد النداء . فالمنادي هو : الله تعالى ، والمنادى هم : عباده ؛ قَالَ الطِّيبِيُّ : الْخِطَابُ لِلثَّقَلَيْنِ لِتَعَاقُبِ التَّقْوَى وَالْفُجُورِ فِيهِمْ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُمَّ الْمَلائِكَةَ ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُمْ مُدْرَجًا فِي الْجِنِّ لِشُمُولِ الِاجْتِنَانِ لَهُمْ ، وَتَوَجُّهُ هَذَا الْخِطَابِ لا يَتَوَقَّفُ عَلَى صُدُورِ الْفُجُورِ ، وَلا عَلَى إِمْكَانِهِ . نقله عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي ، ثم عقب عليه بقوله: قُلْتُ : وَالظَّاهِرُ هُوَ الاحْتِمَالُ الأَوَّلُ .
ويُشكل على هذا القول ما في سياق هذا الخبر : لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . ولأن العبودية وصف لكل المخلوقات ؛ فقد قال تعالىفففإن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداققق . فالظاهر عموم النداء لكل موصوف بالعبودية .
* أول هذه النداءات جاء مُعلنا عن حقيقة تتعلق بالذات الإلاهية ، وهي : تحريمه سبحانه وتعالى الظلم على نفسه ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا حقيقة الظلم المنفي عن الذات الإلاهية : ((والظلم الذي حرمه الله على نفسه مثل: أن يترك حسنات المحسن فلا يجزيه بها ويعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات، ويعاقب هذا بذنب غيره، أو يحكم بين الناس بغير القسط، ونحو ذلك من الأفعال التي ينزه الرب عنها لقسطه وعدله وهو قادر عليها، وإنما استحق الحمد والثناء؛ لأنه ترك هذا الظلم وهو قادر عليه. وكما أن الله منزه عن صفات النقص والعيب فهو - أيضا - منزه عن أفعال النقص والعيب)) . مجموع الفتاوى (18/137) .
وفي القرآن الكريم تأييد لمعنى هذا الحديث القدسي ؛ فالله تعالى تارة ينفي الظلم عن نفسه ، فيقول فففوَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ققق[الكهف: 49] وفففوَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِققق [فصلت: 46] وفففإِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَاققق [النساء: 40] وفففقُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاققق [النساء: 77] . وتارة ينفي إرادته بقولهففف وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ققق [آل عمران: 108] ، وقولهففف وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِققق [غافر: 31] . وتارة ينفي خوف العباد له بقوله فففوَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًاققق [طه: 112] .
ولما كان الظلم قد حرمه الله تعالى على نفسه ، فقد حرمه على خلقه، ونهاهم تعالى عن التظالم بكل أشكاله ، بالقول والفعل ، وأوعد الظالمين وخوفهم في كتابه وعلى ألسنة رسله .