مفاهيم قرآنية فى البناء والتنمية -د/عبد الكريم بكار
قراءة في كتاب "مفاهيم قرآنية في البناء والتنمية"للدكتو عبد الكريم بكار.
هذا الكتاب من الكتب الذي أقل ما يوصف به انه رائع نظراً لما يحتويه من مفاهيم تربوية ومعاني قوية وصادقة تعين في نهضة الفرد والأمة ،لذا تم أختيار بعض النقاط المضيئة في الكتاب لعرضها .
-إن التفكير ينمي العقل ، كما ينميه الحوار والنقد والمراجعة والمقارنة .. والقرآن الكريم حث على ذلك ..
لقد اهتم القرآن الكريم بالثقافة والتعلم ..
ولعل من أكثر ما يلفت النظر أن أول آية من كتاب الله نزلت كانت تحث على القراءة : { إقرأ باسم ربك الذى خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذى علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم }العلق 1 – 5 .
والآيات الواردة فى مكانة العلم والعلماء كثيرة ومشهورة ، ومنها قوله سبحانه : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكّر أولوا الألباب } الزمر 9 .
وقوله تعالى : {إنما يخشى الله من عباده العلماء ، إن الله عزيز غفور } فاطر 28 .
إن القرآن الكريم يركّز على نحو كبير على بناء ثقافة المسلم على أسس صحيحة ، وذلك من خلال تمليكه عدداً كبيراً جداً من المفاهيم التى تساعده على تكوين صورة ذهنية جيدة عن نفسه وعن الحياة والأحياء من حوله .
.. إن الثقافة للعقل أشبه بالنظارة التى نضعها على عيوننا ، وكما أن الأشياء تتلون بلون تلك النظارة ، والعقل يرى الأشياء من أفق الثقافة والخبرة التى توفر له ما يحتاج من صور ومفاهيم وانطباعات .. بل لا يستطيع العقل أن يحدد مجرداً عن المعرفة والثقافة ما هو المهم ، وما هو غير المهم ، أو اللائق وغير اللائق ..
ومن أمثلة ذلك أنه حين غزى الأوربيون أفريقيا فى القرن التاسع عشر استهجنوا تبذل المرأة الأفريقية وعدم اهتمامها بمسألة الستر ، وكان ذلك يرجع إلى أن المرأة الأوربيةوقتها – كانت تلبس لياساً ساتراً إلى الكعبين ، وكثيراً ما كانت تضع شيئاً على رأسها ..!!
وبعد ذلك تحوّلت الأمور إلى ما نشاهده اليوم من تكشف وسفور وتجاوز لكل الحدود ..!! ) .. ص 23 – 26 . بتصرف .
يتبع إن شاء الله
رد: مفاهيم قرآنية فى البناء والتنمية -د/عبد الكريم بكار
بارك الله فيك
فى انتظار البقية.....
رد: مفاهيم قرآنية فى البناء والتنمية -د/عبد الكريم بكار
ممتاز
في انتظار التتمة ...
رد: مفاهيم قرآنية فى البناء والتنمية -د/عبد الكريم بكار
يقول الله عز وجل : " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا ، وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " التغابن 16 .
.. أيها المؤمنون ابذلوا جهدكم فى طاعة الله ، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقون ، واسمعوا ما توعظون به ، وأطيعوا ما تؤمرون به ، وأنفقوا فى سبيل الله من أموالكم يكن خيراً لأنفسكم ، ومن سلم من البخل والطمع الذى تدعو إليه النفس ، فقد فاز بكل مطلوب ، ونال الفلاح الأبدي ..
ولنا مع هذه الآية المباركة وقفات :
الوقفة الأولى :
أنه كثيراً ما تختلط علينا القدرة بالإرادة ، حيث نظن ، أو نعتقد أننا لا نستطيع فعل كذا وكذا ، وتكون الحقيقة أننا نستطيع فعلاً القيام بذلك لكن لا نريد أن نفعله ..!!
.. نعم .. إننا فى أحيان كثيرة لا نحاول ، ولا نهتم ، ولا نتهيأ .. ومع ذلك نقول إننا لا نستطيع !!
بل ربما تحوّل ذلك لدينا إلى لون من ألوان الكذب " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين " التوبة 46 .
الوقفة الثانية :
تبين من قصة اعتذار المنافقين عن الخروج إلى تبوك أن مشكلتهم لم تكن مشكلة قدرة ، وإنما كانت مشكلة إرادة ...
ونحن إذا تأملنا أحوال المسلمين اليوم وجدنا أن ضعفهم وانحطاط مكانتهم .. كل ذلك لا يعود إلى ضآلة الإمكانات على نحو أساسي .. وإنما هو فى الأغلب يعود إلى أنهم لا يديرون الإمكانات التى فى حوزتهم على نحو جيد ، كما أنهم لا يملكون من صلابة الإرادة وقوة العزيمة ما يكفي لتحرير الطاقات وتوظيفها على النحو الأمثل ..
الوقفة الثالثة :
يسيطر اليأس والإحباط على كثير من الناس ، حتى أن الواحد منهم ليعتقد أنه أصبح أشبه بالسجين ، وإن الخيارات أمامه شبه معدومة .. وهذا – ولا شك – غير صحيح ؛ فإن كون الدنيا دار ابتلاء واختبار يعني بصورة دائمة أن هناك شيئاً يمكن أن نفعله ..
ومن هنا نقول : إن مشكلة المسلم الحقيقية ليست مع المستحيل ، وإنما مع الممكن ، وليست مع الصعب ، وإنما مع السهل ، وليست مع البعيد وإنما مع القريب ..
إنه لا ينبغي لأحد أن يتكلم فى الأمر المستحيلة التى لا يستطيع إنجازها وتحقيقها قبل أن يبذل وسعه ، ويستنفذ طاقته فى الممكن والمتاح ..
إن مما هو جدير بالملاحظة أن يغلب على أحاديثنا وعلى مجالسنا التعرض لذكر ما لا نحسن ، وما لا نستطيع ، وما لا ينبغي ، وما لا يجوز ؛ على حين أنه قلما نتحدث عما نريد ، وعما نطلب ، وقلما نتحدث فى كيفيات تحقيق ما نريد ، وقلما نتحدث عن الشروط التى يجب توفرها حتى يصبح ما نحلم به ، ونرجوه شيئاً واقعاً وملموساً ...
فمتى نحاول التحدث فى الممكنات والخيارات المتاحة والبدائل ؟!!
الوقفة الرابعة :
إذا أردنا أن نمتثل لأمر الله تعالى على قدر الوسع والطاقة ، فإن علينا أن نقوم بعدد من الأمور منها :
1 – أن نباشر ما هو ممكن ومتيسر لنا . ونحن على يقين أن عمل ما هو ممكن اليوم ، يجعل ما ليس ممكناً اليوم ممكناً غداً ..
2 – إننا كثيراً ما نحرم أنفسنا من عمل المستطاع والمتيسر لأننا نطمح لأشياء أكبر من طاقتنا ..
شىء جميل أن يطمح الإنسان ، وأن تكون آماله كبيرة ، لكن على المرء أن يكون حذراً من أن تكون لديه فجوة كبيرة بين ما هو ممكن ، وما هو مطلوب ..
إن الكثيرين منا أصبحوا مأسورين فى معادلة سيئة مفادها أن : ما هو ممكن لا نريده ، وما نريده ليس ممكناً ، وبالتالي فنحن فى إجازة مفتوحة ، نمارس العطالة والبطالة .. ) ص 38 – 46 بتصرف .
رد: مفاهيم قرآنية فى البناء والتنمية -د/عبد الكريم بكار
( إن الله – جل وعلا – جعل كل واحد منا عبارة عن مخطوطة فريدة فى تركيبه العقلي والنفسي . ومع الأيام يتكون لدى كل واحد منا مزاجه ورأيه الخاص فى أحداث الحياة ، وينفتح وعيه على مصالحه الخاصة . وهذا كله يجعل له فى نهاية المطاف شخصيته المستقلة ، ويدفعه فى اتجاه بناء فضاء خاص يتحصن داخله .
ولهذا ، فإن اجتماع الناس بعضهم ببعض كثيراً ما يكون مظنة للتوترات والمصادمات على ما نشاهده فى حياتنا اليومية ..
ومن هنا يمكننا القول : إن اختلافنا يشكل معقد الابتلاء فى حراكنا الاجتماعي .
هناك طريقان لا ثالث لهما فى التعامل مع الاختلاف والعقابيل الناشئة عنه : طريق التعانف والتشاجر واستخدام القوة ولي الذراع ..
وطريق تحقيق الرغبات والمصالح عن طريق الحوار والتفاوض الذى يحقق نوعاً من الشعور بالرضا للجميع ..
وهذا ما يؤسس له القرآن الكريم فى كثير من آياته .. وكلما رقى الانسان فى سلم المدنية وجد نفسه منساقاً نحو التفاوض ، ووجد نفسه أعظم قدرة على السيطرة على النزعة العدوانية لديه ، وأعظم قدرة على إدارة علاقاته مع الناس عن طريق الإحسان والعدل والاحترام ، وعن طريق منهج السلم والتواصل الأخوي .
.. ولا شك أن المتتبع للآيات القرآنية ، وكذلك الأحاديث النبوية التى تناولت مجادلات الأنبياء – عليهم السلام – مع أممهم يلمس أمراً مهماً ، هو التأكيد على أن المجادلة بالتي هي أحسن لا ينبغي أن تكون وسيلة لتداول المعرفة وبلورة الأفكار فحسب ، و‘نما ينبغي أن تكون أسلوباً فى المعايشة وأسلوباً فى التربية والتعليم وفض النزاعات ، وحل المشكلات ..
وما أجمل المعنى الذى نجده فى قوله – جل وعلا - : " فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا فى قوم لوط ، إن إبراهيم لحليم أواه منيب ، يا إبراهيم أعرض عن هذا ، إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود " هود 74 – 76 .
قال المفسرون : حين بعث الله – تعالى – الملائكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم – وقد كان لوط ابن عمه – فما كان من إبراهيم إلا أن قدّم لهم طعاماً ، فلم يمدوا أيديهم إليه ، فخاف إبراهيم . فقالوا له : لا تخف ، إنا أرسلنا إلى قوم لوط . هنا سكن قلب إبراهيم وذهب عنه الخوف ، وأخذ يجادل الملائكة فى مسألة إنزال العذاب بأولئك القوم ، يريد منهم أن يكفوا عنهم ، ويروى أنهم لما سمعهم يقولون : إنا مهلكوا أهل هذه القرية ، قال : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم ؟ قالوا : لا . قال : فأربعون ؟ قالوا : لا . قال : فثلاثون ؟ قالوا : لا . قال : فعشرون ؟ قالوا : لا . قال : فإن كان فيهم عشرة أو خمسة ؟ قالوا : لا .
آنئذ قال إبراهيم : قوم ليس فيهم عشرة من المسلمين لا خيلار فيهم . وقيل : إن إبراهيم قال : إن كان فيها رجل مسلم ، أتهلكونها ؟ قالوا : لا . قال إبراهيم عند ذلك : إن فيها لوطاً . قالت الملائكة : نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين . ) ص 47 – 54 بتصرف .
رد: مفاهيم قرآنية فى البناء والتنمية -د/عبد الكريم بكار
( يعلمنا القرآن كيف نحفف من حساسية الآخرين تجاه الجدل ونقد الآراء ، وذلك حين يقول – سبحانه - : " وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " العنكبوت 46 .
أى قولوا لأهل الكتاب : إننا نؤمن بأن الله أنزل عليكم توراة وإنجيلاً كما أنزل علينا القرآن ، وإننا نؤمن بمضامين ما أنزل عليكم ، كما نؤمن أن ربنا وربكم واحد لا شريك له .
إننا حين نوضح لمن نجادلهم أن هناك أرضية مشتركة تجمعنا ، وأن هناك قواسم مشتركة تؤطر العلاقة بيننا نكون قد نزعنا من صدورهم الخوف من التأثيرات السلبية التى يمكن أمن تحل بهم نتيجة المجادلة ) ص 55 .
( إننا فى كثير من الأحيان لا نلقي بالاً للمعلومات الناقصة والمشوهة ، ونعتمدها فى حواراتنا وفى فهمنا للأشياء ، مع أن الجهل بالشىء قد يكون أفضل من امتلاك معارف مشوهة ، تعطينا صوراً ذهنية مزورة وبعيدة عن الواقع ..!!
إن الجاهل كثيراً ما يملك القابلية لأن يتعلم ، لكن الذى هيمنت عليه الأفكار والانطباعات الخاطئة والقاصرة ، يفقد الكثير من القابلية للتعلم ، ويمتلك جرأة على إلقاء الكلام على عواهنه ، فيشبع فى الناس الجهل عوضاً عن أن يشيع العلم ! . ) ص 60 – 61 .