بسم الله و الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على محمد و آله و بعد
المتتبع لحال المسلمين على هذه المعمورة و إن رأى من زاوية حادة ما يبشر رأى من زاوية منفرجة ما يصيبه بالأسف و الحزن.. ضعف جعل باقي الملل تتسلط علينا على مر فترة ليست هيّنة من الزمن. حاربونا بالقوة فقتلوا و أسروا و عذبوا و هتكوا الأعراض و ما سلم منهم الأحجار و لا الأشجار و لا الدواب ، و قائمة الذل و الهوان ممتدة امتداد الآهات المنبعثة من صدور المكلومين و توصيف هذا الحال برع فيه المسلمين لأنهم بلغوا منه حد اللإشباع.
و ما يزيد الألم رغم ذلك أن لا يقف غزوهم عن غزو الديار بل غزوا عقولنا فبدلوا ثقافاتنا و غيروا سلوكنا و و كان لزاما أن تكون تبعا لهم قراراتنا.. ما تركوا ثغرة إلا ولجوا منها حتى ألفينا أنفسنا مثل الدمى المتحركة في أيديهم و فينا من يردد كلامهم بأصواتهم و على لكناتهم فلا تكاد ترى فرقا إلا مسحة الذل التي على وجوه أولئك المطبعين...
هذه مقدمة طويلة يجب إيقافها عنوة و إلا فإنها ستأخذ طول الصفحات و عرضها و حاشيتها دون أن تنتهي ما دام الليل لا زال مطبقا و الجراح الجديدة تزاحم القديمة على أسطرها و الموضوع الذي أردته تيار من ضمن دوامة ضخمة.
التضحية ... النجدة .. الإغاثة
هل أولئك القوم الذين لا يؤمنون بالجزاء و الحساب، فلا هم يطمعون في جنة مهرها إخراج بعض من حظ النفس بالقرض الحسن المضاعف أو بالإنفاق المخلوف أو بكفالة يتيم تكفل صحبة النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أو زد ما شئت من المرغبات ، و لا هم يخشون نارا اتقاؤها بشق تمرة أو حتى بسقي دابة فضلا عن بشر، و لا هم يعرفون معنى أن تبتغي وجه الله فتحب لأخيك ما تحب لنفسك و تؤثره على نفسك و لو كان بك خصاصة و لا كثيرا مما تعلمناه من الإيثار و التضحية و النجدة حتى صارت تربية نفسية قامت عليها مجتمعاتنا و صارت من طينتها..
هل هم أعرف منا بمثل هذه القيم فصدق من قال لو نطقوا بالشهادتين دخلوا قبلنا الجنة..؟!
كلا .. بل قتلوها فينا و استلّوها من بين عصب و دم و تلبّسوا بها و نظموها و أرسلوا بعثهم لتحقيق أهدافهم و ليبسطوا أيدهم فوق البلاد و تلين لهم قلوب العباد..
القرن الإفريقي يشهد جفافا ربما لم يمر عليهم مثله قرابة 60 سنة يصح أن يقال عنه أهلك الحرث و النسل لأن كل شيء على الأرض من نبات و دواب و منهم البشر منذَر بالهلاك بل و هلك، فالمتضررين نحو العشرة ملايين و النازحين من الأماكن الأكثر تضررا قد يفوق 370 ألف و الإحصاءات المذهلة في الحقيقة لم تعد تصلح منبها لجسد الأمة المخدر.
لذلك أتساءل مرارا و أنا أشاهد التقارير الإخبارية و أرى طبيعة من يقومون على إيصال المعونات و تقديم الخدمات الصحية و الطارئة لهؤلاء البائسين من المسلمين .. أتساءل حين أنظر الى امرأة لا تكاد تميز بين كونها امرأة من رجل إلا بأقراط في أذنها أو بعض المساحيق الخفيفة على وجهها ( للأسف أخف مما نراه في بعض متبرجات المسلمين ) و أخرى و آخر ظهرت آثار السنين في تقاسيم وجوههم .. أتساءل هل جاؤوا لينتحروا في صحاري إفريقيا تحت لهيب شمسها هربا من مدنيتهم السافلة التي أغرقتهم في الاكتئاب .. أم أنهم بلا أولاد و لا عوائل فجاءوا ليكفلوا أيتام المسلمين في إفريقيا شفقة عليهم و لأجل بشرتهم السمراء الجميلة و ليوفروا لهم الحنان و لأنفسهم الحاجة إلى الأبوة .. أم أنهم يردون جزءا من معروف آبائهم الذين استعبدوهم و قادوهم الى ديار ما وراء البحر مثلما يقودون البعير المذلل للركوب ..أم أم !!
لماذا هم أقدر على هذا العطاء .. ألا يمكن أن يكون منا من يقوم بهذه المهمة ونحن أولى بأهلنا هناك مع فارق الأثر ؟ أم أننا لا نعرف لهم نسبا في بني العرب (أو بني الوطن )أو أنهم من غير القبيلة ؟
لا يمكن لأحد أن ينفي إمكانية ذلك و عندنا شواهد للأسف قليلة.
تحدث عبد الرحمن السميط عن رحلته في إفريقيا و تضحياته في إعانة المسلمين هناك و ما كان لها من وقع مبارك و كبير ، حاربوا الفقر و المرض و كذلك الجهل و لا أنسى أن ' بضع هللات كانت تكفي لإنقاذ حياة مسلم' كذا اخبر بها و حكى قصصا كثيرة عمن أنقذهم من الموت المحتم بإيثارهم على نفسه بالدواء او الطعام و كيف علمهم و تابعهم حتى شبوا و اشتد عودهم و صاروا ذا شأن في بلدانهم .. هكذا بنى صرحا بتضحيته هو و إخوانه حيث بنوا المدارس و علموا العلوم الشرعية و أزاحوا كثيرا من الجهل .. فشكر الله سعيهم
حكى كيف أن القوم كانوا يساوَمون على دينهم لفقرهم فمنهم من بدل و منهم من ثبت حتى لقي ربه و من أبلغها تأثيرا في النفس قصة الإمام الذي ثبت مع زوجه و أولاده و رفضوا بيع دينهم للمنصّرين ( بزيّ الإنسانية) حتى جادوا بأنفسهم صابرين على ألم الجوع و شقائه الذي بلغ حد العظام .. وجدهم بعد ذلك عظاما لا روح فيها .. فرحمة الله على الصابرين
بعد هذا أين هم المتطوعين من أبناء المسلمين من الأطباء الذين يجوبون الأرض و يفرطون في الأهل و الخلان لأجل نيل الشهادات العالمية و أين أصحاب الأموال الذين يذرونها بلا حساب على رؤوس المومسات يشرون الخزي و الهلاك..
أليابان أحق بأموالنا .. أم ضحايا برج الخسران ؟
أم فرق اللهو واللعب لبني الأشقر ؟
أم لتمتلئ خزائنهم حال الأزمة .. فيا قوم ارحموا عزيز قوم ذل.. يا قوم هذا من شيم أهل الكرم من بني العرب بل هذا فعل خير الأنام في تأليف القلوب على الإسلام.
هل من متطوع ؟
هل أفلست فينا النجدة و التطوع حتى ما نجد من يقوم بها و لو لفترة من الزمن قصيرة يكسب فيها من الخير و الأجر ما قد لا يكسبه طوال سنين ممتدة من عمره .. و لما لا نؤسس فرق المناوبة على مثل هذه الثغور فيساهم أصحاب المال بالمال و أصحاب العلوم بعلمهم و الجهد بجهدهم .. أم أننا نبحث عن رغد العيش و هم (هم) يبحثون عن الأجر و الثواب!
أو ننادي على أهل الثغور الذين باعوا أنفسهم لله ليجيبوا صرخات الجوعى أيضا .. فلله درهم حيث حلوا و ارتحلوا و جعل الله الفردوس محط رحالهم و منازلهم..
أين هم العلمانيون الذين يتغنون بالإنسانية و يعزفون على أوتار الحرية .. أين من ينشر ثقافة الحياة و يحارب صناعة الموت.. أم دعوتهم: فلنرضخ لقانون الغاب الذي سطروه هم (هم) فكتبوا فيه أن الأمر إلينا و لا طاعة لسوانا و نحن نحدد المصير .. !
ألا بؤسا لدينهم و لمن أطاعهم طمعا في رضاهم و فتات موائدهم.
في قانون الغاب جزء من جواب السؤال و جزء من حل المعادلة .. فمتى نقلب المعطيات ؟
و يتوالى النداء إلى القلوب الحية من قلوب مكلومة .. صوت لا يسمعه إلا اليقظان و لغة لا يفهمها إلا من يتقن الإحسان
(وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)
و الله أعلم
و صلى الله و سلم على محمد و اله و أتباعه بإحسان
