إلى صديق لم ألقه بعدُ ...
إلى صديقٍ لم ألقَه بعدُ
سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتُه وبركاته ، أما بعد ُ :
فقد وصلتني رسالتُك - وَصَلَ الله أيامَك بالسُّعودِ والسَّلامةِ - فرأيتُها نعمَ الألوكةُ من الصَّديقِ للصَّديقِ ، ومن المحب للحبيب ...
وإنِّي أبشِّرُكَ بتَوَاردِ نِعَمِ اللهِ عليَّ ، وتتابع آلائه إليَّ ، فلا أزالُ - بحمدِهِ وفضلِه - في عملٍ صالحٍ يُسعِدُ ، وإحسان أرجوه ليوم حسابي ... ولا أزال بعونِه تعالى محموداً عندَ خلقِهِ ، مُكرَّماً عندهم .
وإنَّ رسالتَك - أيُّها الصَادقُ العزمِ - تنكأُ فيَّ الأسَى ، مع إذْكَارِهَا فضلَك - دونَ النَّاس - عليَّ .
أيها القادمُ :
كمْ أحبُّ فيكَ الدأبَ على الكَمَالاتِ ، وتتبُّعَ الفَضَائلِ النادراتِ ، ولكم يُعجبني فيكَ ضربُك بأخلاقِ ذا الزمانِ الحائطَ ، والرجوعُ إلى أخلاقِ الأُلَى ، وسَلَفِنَا المجتبى ... فعليكَ سلام الله وتبريكاته .
أيها الآتي :
إذا ذكرتُ الصَّدَاقةَ والصَّديقَ فأنت -والله- المسمَّى ، فبك أَصُولُ ، وعليك - بعد الله - أستعينُ .
وإني يا صديقي أحدثُكَ بحديثٍ جَرَى البارحةَ :
كنتُ جالساً في جماعةٍ من أهل مودَّتِنَا فيهم ( أبو نصر بن محمد الأسلمي ) و ( سعيد بن أزهر الأكلبي ) فأجمعوا على الإلحاح أن يسألوني : من أقربُ حبيبٍ وصديقٍ إليكَ ؟! وألصقهم بقلبك ؟!
فتلكأتُ وقتاً واستقلتهم فلم يقيلوا ،فأنشأت أقول على الاقتضاب - وصورتك يا صديقُ لا تفارق مخيلتي - :
أيها الكرماء :
إنَّ الصَّديقَ من الصِّدقِ ، وصديقُكَ من صدَقَك وصدَّقك وصادقك ... وإنَّ أحبَّ النَّاسِ عندي من إذا وعدتُه وفى ، وإن أكرمتُه ملكتُه ، وإن أغضبتُه ما جَفَا ، وإذا ائتمنتُه حَفِظَ ، وإذا خَاصمْتُه صَدَقَ ، وإذا أسررتُ له إسراراً كَتَمَ ...
إنَّهُ - أيُّها السَّادةُ - رجلٌ تَسَربَلَ كَرَمَاً ، واكتَسى أَدَبَا ، وتَدَرَّعَ خُلُقَا . إنْ شئتَهُ كريماً أو أديباً أو ظَريفاً ألفيته كذلك .
وإنْ ملمةٌ نزلتْ وَوَجبتْ فأنا هو ، وماله مالي ، ووقته وقتي ، وهو أنا ...
إنَّ صديقيْ صديقُ عمرٍ وحبيبُ دهرٍ ، بَلَوتُهُ وسَبَرتُه فإذا الذهبُ كَامنٌ ، والمَكَارمُ بَاديةٌ ...
إنَّهُ الصَّديقُ الذي تَتَمنَّى لو بذلتَ روحَكَ ووقتَكَ له ، فلا أمنَّ عليك منه ، ولا أحق بها غيرُه . كيف لا وهو في حياتي مُتَكَأُ وغطاءٌ ، وفي سَيْري دَليلٌ، وفي الحَوَادثِ معينٌ .
أعذبُ النَّاسِ لِسَانَاً ، وأبرُّهُمْ جَنَاناً ، وأجملُهُمْ أَدَباً ومُرُوءةً ، وأَشجَعَهم جَنَاناً ، لا يُغضيْ دُونَ مُنكرٍ ، ولا يَستبطِأُ في مَعَروفٍ ... وَلَه في الحَقِّ قَوادمٌ ومناكبٌ وخَوافي . ما رأيتُه يَوماً إلا ازدادَ قرباً إلي ، ويشهدُ اللهُ مارأيتُه إلا في طاعة أو إليها أو راجعاً منها .
صَافي الوِدَادِ ، لَيِّنُ الجَنَاحِ ، سَهْلُ الطِّبَاعِ ، ميسُورُ الأَخلاقِ ، لَطِيفُ الشَّمَائلِ ، يَكَادُ يكونُ في الكرم الحقيقةَ لا المجازَ .
وتابعتُ حديثي قائلاً ( ومحيَّاك يا صديقُ أمام عيني ) :
إنَّ الشُّعراءَ والأُدَبَاءَ أكثَرُوا في ذِكْرِ خُلُوِّ الزَّمَانِ من صَدِيقٍ صَدوق صَادق الوعدِ ، ولو أنهم رَأَوكَ لرَأَوا غايةَ المنتَهى ، ونهايةَ المطْلَبِ ، وصَديقاً لا تجود الأيام بمثاله ...
ثم انفَتَلَ المجلسُ وتفرقتُ الجماعةُ ، وبقيتُ أنا شوقاً لرسالتِك هذه ، أزداد لها شوقاً وهي تزيدني هماً وصَبَابةً وتَذَكُّرَاً ، فاللهَ أسأل أن يعجل بقدومِكَ وسَلامتِكِ ، وأن يحفظك ويحميك ، ويقرّ عيني بك ، وأبلغ سلامي إلى الإخوان الذين خرجوا معك إلى الثغور الجنوبية ،،، ودمتم بحفظ مولاكم ، وانتصار على أعدائكم ...
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
صديقٌ لم تلقه
رد: إلى صديق لم ألقه بعدُ ...
عجيبة هذه الرسالة
هل تتكرمون بذكر صاحبها و كذا زمن كتابتها و مكانها
و جزاكم الله خيرا.
رد: إلى صديق لم ألقه بعدُ ...
ما شاء الله تبارك الرحمن ...
رسالة رائعة ...
رزق الله الجميع أصدقاء أوفياء
ذكرتني ( بدايتها ) برسالة المعري وابن القارح ورسائل الوهراني ...
جزيتم خيرا .
رد: إلى صديق لم ألقه بعدُ ...
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة القادر
عجيبة هذه الرسالة
هل تتكرمون بذكر صاحبها و كذا زمن كتابتها و مكانها
و جزاكم الله خيرا.
بقلم العبد الضعيف ...
رد: إلى صديق لم ألقه بعدُ ...
رسالة جميلة، بارك الله فيك:
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفًا فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلا خير في خل يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشًا قد تقادم عهده ويظهر سرًّا كان بالأمس في خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا
رد: إلى صديق لم ألقه بعدُ ...
يقول هذه الكلمات: صحيحٌ! أنه قد لا يصح لك في الحياة صاحبٌ صحيحٌ، في الحياة كلِّها، بطولِها، وعرضِها!
صحيحٌ! قد لا يصح لك فيها صاحبٌ صحيحٌُ، فَتَفْقِدُ بِفَقْدِهِ بَعْضَك، ويَتَلَدَّدُ لفَقدِه بدنُك، وجسدُك، وقلبُك !
صحيحٌ! قد لا يصح لك في الحياةِ رفيقٌ،ولا حبيبٌ، وتَبْقَى في الوحشةِ تُعَانِيهَا وتُعانِيك،وتُزَ اوِلُها وتُزاوِلُك، !
تبقى فَريدًا، غريبًا، في صحراواتٍ ليس لها بَدءٌ،ولا مُنتَهى ، في هذه الوحشة،وهذه الغربة،ولا أنيس إلا الله، هو الحي الباقي الذي لا يزول!!!
رد: إلى صديق لم ألقه بعدُ ...
حسين الحبشي ....
بارك الله فيك