النقاب والمالكية وعلي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أمر بالتفقه في الدين وإنكار المنكر ليميز الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب وجعل من بني آدم قوم يقومون على إعلاء كلمته والتصدي للباطل وأهله والصلاة والسلام على خير خلقه الذي أخبر أن الخير كل الخير في التفقه في دين الله والشر كل الشر في ترك التفقه فيه، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وبعد... فإنه كثر الحديث عن النقاب هذه الأيام، وكان الحديث قبل ذلك عن وجوبه أو استحبابه فأصبح عن شرعيته وبدعيته وكأن البنيان ينهدم لا ينبني ولا يثبت ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما كان هذا إلا لتسلط الخبثاء على هذا الدين الذي يبحثون في أمهات الكتب عن منفذ ومخرج يخرجون به زيغهم وضلالهم على الناس ليفتنوهم عن دينهم الحق، فترى الشافعي يبحث في مذهب المالكي والمالكية عما يطيب خاطره في ترك طاعة أو فعل معصية وترى الحنبلي يبحث في مذهب الشافعي والشافعية، وما ذاك إلا لقلة دين وضيق أفق واستهتار بدين الله وأحكامه، فأن يصدر هذا عن أحد العوام -الذين لا يفقهون شيئا أو يسوغون لأنفسهم بحجة أنهم عوام لا يعرفون دين الله ويظنون أن هفوة العالم لهم مصلحه وأنه لو أخطأ فسيتحمل ذنوب من يتبعونه فيتركون البحث عن الصواب- أما أن يصدر عمن يظن الناس به العلم ومن يشغل منصب الإفتاء في مصر فهذا زيغ وضلال وشراء لرضى العلمانيين والليبراليين وحقد على أهل السنة من صوفي مبتدع، والعجب أنه قبل أو يولى الإفتاء كان يقول بفرضية النقاب لا مجرد استحبابه ونقل هذا عن الأمة الثلاثة الشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل وقال أن الإمام مالك لا يرى فرضيته، ثم هو بعد أن ولي الإفتاء قال أن الأئمة الثلاثة قالوا أن النقاب عادة، ثم هو اختار مذهب المالكية ليزعم أنهم يقولون أن النقاب للمرأة مكروه إذا لم تجر عادة أهل بلدها وأنه من الغلو فى الدين ولم ترد به السنة النبوية السمحة ولم يقم دليل صريح من القرآن على وجود، وليته أخذ من مذهب المالكية ما يوافق هواه وكفى إذا لأمكن لأنصاره أن يعذروه لكنه أخذ من مذهبهم كما يأخذ الفاسق من القرآن قول الله تعالى {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4]، ويستدل بها على حرمة الصلاة، وإنني بحثت في كتب المالكية عما يزعمه هذا الرجل ويفتريه عليهم فوجدت ما قاله صحيحا غير أنه انتزعه من بين كلامهم انتزاعا فأخرجه عن سياقه ليستدل به وما أجل من يفعل هذا وما أضله وما أخبثه، فقد قال المالكية بكراهة تغطية المرأة والرجل وجهيهما في الصلاة لا في العموم، قال الخراشي في شرح مختصر الخليل "وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ وَأَوْلَى الرَّجُلُ الِانْتِقَابُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ بِالنِّقَابِ وَاللِّثَامِ تَغْطِيَةُ الشَّفَةِ السُّفْلَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَلَا إعَادَةَ عَلَى فَاعِلِهِ"، وكذا في الإحرام، قال أبو عبد الله المالكي في شرحه لمختصر الخليل "لَا يَخْتَلِفُ فِي مَنْعِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَأَنَّ الْفِدْيَةَ فِي ذَلِكَ"، وقد ورد في كتبهم أيضا كراهة انتقاب المرأة في الصلاة ما لم يكن العرف جاريا بذلك، قال الشيخ الدردير في شرحه الكبير "وَكُرِهَ صَلَاةٌ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ (وَ) كُرِهَ (انْتِقَابُ امْرَأَةٍ) أَيْ تَغْطِيَةُ وَجْهِهَا بِالنِّقَابِ وَهُوَ مَا يَصِلُ لِلْعُيُونِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْغُلُوِّ وَالرَّجُلُ أَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ"، فانظر ثبتنا الله وإياك إلى نقله عنهم كيف انتزع كلامهم من سياقه انتزاع مصرِّ على التحريف والإضلال، أما وإني كنت أحسن الظن به بعض الشيء قبل هذا الأمر أما وقد حدث فإني لن أذره وما يدعي ويزعم ليضل الناس، ولعله يحق فيه ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"، وما رواه الإمام في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ"، فنسأل الله أن يفضح أمثاله ممن يجنون على هذا الدين بضلالهم وإضلالهم للناس، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.