حن قلبي لأيام الطفولة
فأخرجت كتابا من صندوق قديم
كتاب المطالعة للسنة السادسة من التعليم الابتدائي
ومررت أثناء تصفحي له
بهذا النص
الذي أحببت أن أنقله لكم
ترويحا للقلوب
وتسلية للنفوس
عنوان النص:
في حمام حلوان
- حدثنا عيسى بن هشام قال: لما قفلت من الحج فيمن قفل، ونزلت حلوان مع من نزل،
قلت لغلامي: لقد اتسخ بدني فاختر لنا حماما ندخله، وليكن واسع الرقعة، نظيف البقعة، طيب الهواء، معتدل الماء.
- فخرج مليا، وعاد بطيا، وقال: قد اخترته كما رسمت، فقصدنا الحمام ودخلته، ودخل على إثري رجل عمد إلى قطعة من طين، فلطخ بها جبيني ووضعها على رأسي، ثم خرج ودخل آخر، فجعل يدلكني دلكا يكد العظام، ويغمزني غمزا يهد الأوصال، ثم عمد إلى رأسي يغسله وإلى الماء يرسله.
-وما لبث أن عاد الأول فحيا الثاني بمضمومة قعقعت أضراسه، وقال: يا لكع مالك ولهذا الرأس وهو لي، ثم عطف الثاني على الأول بمجموعة حبست أنفاسه وقال: بل هذا الرأس حقي وملكي وفي يدي، ثم تلاكما حتى عييا، ثم ذهبا إلى صاحب الحمام، فقال الأول: أنا صاحب هذا الرأس، لأني لطخت جبينه، ووضعت عليه طينة، وقال الثاني: بل أنا مالكه لأني دلكت حامله وغمزت مفاصله، فقال الحمامي: ايتوني بصاحب الرأس أسأله، فأتيا إلي وقالا: لنا عندك شهادة فتجشم.
-فقمت وأتيت، شئت أم أبيت. فقال الحمامي: يا رجل لا تقل غير الصدق، ولا تشهد بغير الحق، وقل لي : هذا الرأس لأيهما؟
فقلت: يا عافاك الله، هذا رأسي قد صحبني في الطريق وطاف معي بالبيت العتيق، وما شككت يوما أنه لي.
فقال لي: أسكت يا فضولي
ثم مال إلى أحد الخصمين فقال: إلى متى هذه المنافسة مع الناس؟ هبا أن هذا الرأس لتيس، وأنكما لم تريا هذا التيس؟
-قال عيسى بن هشام:
فقمت من ذلك المكان خجلا، ولبست الثياب وجلا، وانسللت من الحمام عجلا.
المقامة الحلوانية لبديع الزمان الهمذاني
بتصرف.
