إسناد غريب جدا لحديث معانقة النبي صلى الله عليه لجعفر بن أبي طالب

حكى الفقيهُ الأندلسيُّ المالكيُّ ابنُ رشدٍ الجدُّ في كتابه: "المقدِّمات المُمَهِدات" ج3/ص440
مذاهبَ العلماء في المعانقة.. وأوردَ مُساجلةً طريفةً، جرتْ بين عالميْن كبيريْن..
قـال رحمهُ اللهُ :
( وإنّما المعلوم مِنْ مذهبِ مالكٍ؛ كراهيةُ المعانقةِ، ومنْ أهلِ العلمِ مَنْ أجازها، منهم: ابنُ عيينة؛
رُويَ أنّه دخلَ على مالكٍ -رحمه الله- فصافحَهُ،
وقال له : يا أبا محمّد، لولا أنها بدعةٌ لعانقتُكَ.
فقال سفيانُ بنُ عيينة : عانقَ مَنْ هُو خيرٌ منك، ومنَي؛ النبيُّ (ص).
قال مالكٌ : جعفر؟.
قال: نعم .
قال: ذلكَ خاصٌ يا أبا محمّد، ليس بعام.
قال سفيانُ: ما يعمّ جعفر يعمّنا إذا كنّا صالحين، وما يخصّه يخصنا،
فتأذن لي أن أحدّث في مجلسك.
قال: نعم يا أبا محمد.
قال: حدّثني عبد الله بن طاووس، عن أبيه، عن عبد الله بن عباس، قال:
لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة اعتنقه النبي (ص) وقبّل بين عينيه،
وقال: جعفر أشبه النّاس بي خلقا وخلقا،
ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة ؟ الحديث.) انتـهى

قلتُ:
هذه القصّة لا أدري إنْ كان غيرُ ابن رشدٍ أوردَها.. أو أسندَها عن سفيان بن عيينة ؟؟
وحديثُ اعتناقِ النبي (ص) لجعفر بن أبي طالب يُروى مرسلاً.
وسفيان بن عيينة نفسُه ممن رواه كذلك.
وقد رُوي مُسنداً من وجوه ولم يصح.
ولم أقفْ عليه مُسنداً بهذا الإسناد الوارد عند ابن رشد.
وأظنه خطأ؛
غلط الذي حكاها في إسناد الحديث..وأدخل في متنه حديثاً آخرا.
حبّذا لو يتقصى بلديُّنا الحبيبُ: أبو صهيب طرقَه ، ويتكلم على أسانيده.

بارك الله فيك أخي الكريم أبا عبد الإله ورفع قدرك سأفعل إن يسر الله
وحديث مالك هذا اسنده ابن بطال في شرح البخاري (9/ 48) ثنا عبد الوهاب بن زياد بن يونس إجازة ثنا أبي ثنا سعيد بن إسحاق ثنا على بن يونس الليثى المدنى قال : كنت جالسا عند مالك بن أنس إذ جاء سفيان بن عبيينه يستأذن الباب فقال مالك رجل صاحب سنة أدخلوه فدخل فقال السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاتة فقال مالك وعليك السلام يا أبا محمد ورحمة الله وبركاتة فصافحة ثم قال يا أبا محمد لولا أنها بدعة لعنقناك قال سفيان عانق خير منك، النبى عليه السلام قال مالك جعفر ؟ قال نعم. قال ذلك حديث خاص يا أبا محمد قال سفيان ما يعم جعفر يعمنا وما يخص جعفر يخصنا إذ كنا صالحين أفتأذن لى أن [أحدث في مجلسك قال نعم حدث يا أبا محمد قال ]حدثنى عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال : لما قدم جعفر من أرض الحبشة أعتنقه النبى عليه السلام وقبل بين عينيه فقال جعفر أشبه الناس بى خلقا وخلقا .
المستدرك من اللسان (4/ 269)

قال الحافظ : وليس في الإسناد من ينظر في أمره سوى علي هذا والراوي عنه سعيد بن إسحاق ليس هو الراوي عن الليث الذي تقدم أنا أبا حاتم قال فيه مجهول بل هو غيره فقد ساقها ابن عساكر في ترجمة جعفر بن أبي طالب من تاريخه من طريق أخرى عن سعيد بن إسحاق وقال في روايته عن سعيد بن إسحاق صاحب سحنون وكذا وقعت لي هذه القصة في مشيخة أبي الغنائم النرسي قرأت علي الشيخ أبي إسحاق التنوخي عن محمد بن أبي الثابت سماعا أنا محمد بن أبي بكر البلخي عن السلفي أنا أبو الغنائم ثنا المظهر بن محمد أنا أحمد بن محمد بن زكريا حدثني جعفر بن محمد بن الربيع الأندلسي حدثني عبد الله ابن إسمعيل بن جرير الحافظ املاء حدثني إبراهيم بن عبد الله الزبيدي باالقيروان حدثني سعيد بن إسحاق صاحب سحنون به
وهذا السند من سفيان فصاعدا على شرط الصحيح لو كان الراوي عن سفيان موثوقا به فلهذا قال الذهبي أن السند مظلم يعني من دون ابن عيينة والمحفوظ عن سفيان بهذه القصة روايته عن الأجلح عن الشعبي مرسلا وقيل عنه عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله ابن جعفر عن أبيه والله أعلم.

وهذا إسناد بن عساكر في تاريخه (58/ 364) أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن علي بن الحسين الصوفي أنا أبو محمد عبد الغني ابن بازل بن يحيى بن حسن بن ساهي الألواحي المصري أنا أبو عبد الله المطهر بن محمد ابن إبراهيم اللحافي ببغداد نا أبو العباس أحمد بن محمد بن زكريا النسوي قدم علينا حدثني أبو القاسم جعفر بن محمد بن الربيع المعافري الأندلسي حدثني أبو محمد عبد الله ابن إسماعيل بن حرب الأندلسي الحافظ إملاء حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الزبيدي القيرواني حدثني نصر بن إسحاق صاحب سحنون حدثني علي بن يونس المدني قال كنت جالسا في مجلس مالك بن أنس ...

أقول : كذا ورد في المطبوع نصر لا سعيد وهو تصحيف

وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد في الأدب في الاعتناق (2/ 288) أبو بكر بن محمد قال حدثنا سعيد بن إسحاق عن ابن يونس المديني قال كنت جالسا عند مالك ...

أقول : ذكر الذهبي عليا في الميزان فقال: علي بن يونس المديني عن مالك وقد رآه ابن عدي فذكر حكاية باطلة وإسنادها مظلم
وقال الحافظ في الفتح : (11/ 59) : سعيد بن إسحاق وهو مجهول عن علي بن يونس الليثي المدني وهو كذلك

أقول : علي بن يونس الليثي صحاب القصة ذكره أبو العرب في طبقات علماء إفريقية (ص 79) فقال : ومن القادمين علينا علي بن يونس الليثي سمع من مالك ومن ابن عيينة ومن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان ثقة حدثنا عنه سعيد بن إسحاق.

وسعيد بن إسحاق صحاب سحنون من شيوخ أبي العرب ولم أجد له ترجمة في طبقاته قال ابن عذاري في البيان المغرب (1/ 145) في وفيات (سنة 295) : وفيها مات سعيد بن إسحاق الفقيه مولى كلب وكان من رجال سحنون بن سعيد وسمع من جماعة من إفريقية وكان كثير الرباط والرواية والجمع للحديث وكان مولده سنة 212)
وترجم له الذهبي في تاريخه (22/ 149) فقال سعيد بن إسحاق أبو عثمان الكلبي المغربي مشهور بالصدق والصلاح أخذ عن سحنون وغيره وحج فأخذ بمصر عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حمل عنه بشر بالقيروان وعاش بضعا وثمانين سنة توفي سنة خمس وتسعين رحمه الله.

هذه بعض ما يتعلق بالقصة التي ذكر إسنادها أخونا الحبيب أبو عبد الإله ولم أنشط الآن لأكثر من هذا فالرجاء منه أو من بعض إخواننا أن يحرروا ذلك والله الموفق للجميع لما فيه رضاه

أتى أبو صهيب على ما عندي وزاد، إلا أن الخطيب أخرجها فيمن روى عن مالك؛ فيما ذكره ابن الملقن في البدر المنير (9/51)، وذكر ابن الملقن أنه أحسن طرق القصة.
وما في مطبوع اللسان: (عن مالك وقد رآه ابن عدي) تحريفٌ عن: (عن مالك -وقد زاره ابن عيينة-).

جزى الله خيرا أخانا الفاضل أبا صهيب على تقصيه لأسانيد القصة المذكورة
وأشكرُه على مسارعته في تلبية طلبتي.
وأشكرُ أيضا أخانا محمد بن عبد الله على ما زاده عليه..
وفي انتظار تخريج الحديث
لمعرفة كيف روى سفيانُ بن عيينة هذا الحديث.. ؟؟
ومُعَارَضَتِـهِ بما رُوي عنه في هذه القصّة ..؟ :
أدعو الله أن ييسّر لأخوي: عدلان، وابن عبد الله أمورَهما كلَّها .
وأسألُه أن يفتحَ عليهما في هذا العلم.
ويمكّنهما من الوصول إلى كل ما يأملاه ويتمنياه فيه.
و أدعوه سبحانه وتعالى أن يرزقَهما الإخلاصَ في كلّ ذلك،
وأن يلبسهما لباس التقوى.
وأن يختم أعمالهما بما هو خير .

اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين ولك بمثل ولك بمثل ولك بمثل

جزاكم الله خير الجزاء مشايخنا الأفاضل ... وفتح لكم فتوح العارفين