ما حكم (لا) في قولي: الله قد رفع السماء بلا عمدٍ؟ وهل وجودها كعدمها في أنها لا تمنع الجر بالباء؟ وما حكمها في قوله تعالى: (لئلا يكونَ) بالنصب بأَنْ المظهرة قبلها؟ ولماذا لم تمنع (لا) عمل ما قبلها فيما بعدها؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا
عرض للطباعة
ما حكم (لا) في قولي: الله قد رفع السماء بلا عمدٍ؟ وهل وجودها كعدمها في أنها لا تمنع الجر بالباء؟ وما حكمها في قوله تعالى: (لئلا يكونَ) بالنصب بأَنْ المظهرة قبلها؟ ولماذا لم تمنع (لا) عمل ما قبلها فيما بعدها؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا
زيادة ( لا ) :
زيدت في قولـه تعالى : } لِئَلّا يَعلَمَ أَهلُ الكِتابِ .. {([1]) أي : ليعلم أهل الكتاب([2])، ومن هذا قول الشاعر([3]):
تَذَكَّرتُ لَيلى فَاعتَرَتني صَبابَةٌفالمعنى : يتقطع .
وَكادَ ضَميرُ القَلبِ لا يَتَقَطَّعُ
وتزاد ( لا ) المذكــورة بعـــد حــــرف العطف لتوكيد النفـــي ، كما في قولــه تعـالى : } وَلا تَسـتَوي الحَســَــنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ... {([4]) ، " وتزاد لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب ، كقولـه([5]):
وَجهُكَ البَدرُ لا بَلِ الشَّمسُ لَو لَمولتوكيد تقرير ما قبلها بعد النفي ، ومنع ابن درستويه([6]) زيادتها بعد النفي ، وليس بشيء ؛ لقولـه([7]):
يُقضَ لِلشَّمسِ كَسفَةٌ أَو أُفولُ
وفي شعر أبي تمام وردت زيادتها في مواضع معروفة مألوفة ، كقولـه([9]):
- فَلَو كانَ ما يُعطيهِ غَيثًا لأمطَرَتوزيدت لتوكيد الإضراب بعد الإيجاب كما في قوله([10]):
سَحائِبُهُ مِن غَيرِ بَرقٍ وَلا رَعدِ
- وَكُنتُ بِها المُمَنَّعَ غَيرَ وَغدٍ
وَلا نَكدٍ إذا حَلَّ العَظيمُ
- بِأَحاظي الجُدودِ لا بَل بِوَشــومن زيادتها بعد النفي قولـه تعــالى : } ... غَيرِ المَغضـــوبِ عَلَيهِم وَلا الضّــــــالّين َ {([11])، " فـ ( لا ) زائدة ، لتوكيد النفي . قــالوا : وتعين دخــولــها في الآيــة ، لئلا يتوهم عطف ( الضالين ) على ( الذين ) "([12]).
ـكِ الجِدِّ لا بَل بِسُؤددِ الأَجدادِ
- لَهفَ نَفسي عَلَيَّ لا بَل عَلَيكا
إِذ تَجولُ العُيونُ في خَدَّيكا
والحقيقة أننا لا نحتاج لمثل هذا التعليل القائم على دفع التوهم ؛ إذ هناك نماذج كثيرة ، المعنى فيها واضح بيّن ومع ذلك جيء بـ ( لا ) زائدةً ، إذن العرب تؤكد النفي بالنفي ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها قول أبي تمام([13]):
- فَلَو كانَ ما يُعطيهِ غَيثًا لَأَمطَرَتولم يكتف أبو تمام بزيادتها مع المعطوف بل زادهــا في بعض أبياته مع المعطوف عليه ، ومن ذلك قوله([14]):
سَحائِبُهُ مِن غَيرِ بَرقٍ وَلا رَعدِ
- آثارُ أَيدي آلِ مُصعَبٍ الَّتي
بُسِطَت بِلا مَنٍّ وَلا إِخلافِ
- مِثلُ السَّبيكَةِ لَيسَ عَن أَعراضِهاوهذا شبيه بزيادتها بعد النفي في قول الشاعر([15]):
بِالغَيبِ لا نَدُسًا وَلا بَحّاثا
- كانَت حَوادِثُ في موقانَ ما تَرَكَت
لِلخُرَّميةِ لا رَأسًا وَلا ثَبَجا
قد يكسِبُ المالَ الهِدانُ الجافيوربما ساعد اختلافُ الكلمتين في اللفظ على اجتماعهما في موضع واحد دالتين على النفي دون فصل بينهما([16]).
بِغَيرِ لا عَصفٍ ولا اصطِرافِ
([1]) الحديد : من الآية 29
([2]) الكشاف : 2 / 89 ، 4 / 483 ، وينظر : التفسير الكبير للرازي : 29 / 216
([3]) الجنى الداني : 302 ، وقائل البيت مجهول .
([4]) فصلت : من الآية 34
([5]) البيت بلا نسبة في : مغني اللبيب : 1 / 113 ، همع الهوامع : 5 / 257 ، شرح الأشموني : 3 / 168
([6]) عبد الله بن جعفر بن درستويه ، صحب المبرد ، ولقي ابن قتيبة ، كان شديد الانتصار للبصريين في النحو واللغة . مات سنة 347هـ . ( ينظر : بغية الوعاة : 2 / 36 )
([7]) البيت بلا نسبة في : مغني اللبيب : 1 / 113 ، همع الهوامع : 5 / 257 ، شرح الأشموني : 3 / 168
([8]) مغني اللبيب : 1 / 113 ، وينظر : همع الهوامع : 5 / 257 ، شرح الأشموني : 3 / 168
([9]) الديوان : 2 /120
([10]) نفسه : 1 / 367 ، 4 /246
([11]) الفاتحة : من الآية 7
([12]) الجنى الداني : 301
([13]) الديوان : 2 / 120 ، 2 / 393
([14]) نفسه : 1 / 316 ، 1 / 329
([15]) البيت بلا نسبة في : معاني القرآن : 1 / 176 ، الخصائص : 2 / 283 ، الإنصاف في مسائل الخلاف : 2 / 581 ، خزانة الأدب : 8 / 486
([16]) ينظر: معاني القرآن : 1 / 176 ، الإنصاف في مسائل الخلاف : 2 / 581 ، خزانة الأدب : 8 / 486
****************************** ****************************** ***********************
هذا مقتبس من رسالة ماجستير من جامعة تعز 2008م موسومة بـ : ( التوكيد في شعر أبي تمام - دراسة نحوية ) لكاتب هذه السطور ، وإشراف أ.د عباس السوسوة .
أعود - إن شاء الله - للإجابة عن الآيتين المذكورتين قريبًا . وبارك الله فيكم
في قولنا : ( الله رفع السماء بلا عمدٍ ) ، يقال عن ( لا ) هنا : معترضة بين الجار والمجرور ، لأنها تفيد معنى النفي ولا يُستغنى عنها ، والحرف الزائد يفيد التوكيد ويمكن أن يستغنى عنه ؛ لذلك وصفها بالزائدة فيه نوع من التساهل في الإعراب .
والكوفيون يجعلونها اسمًا بمنزلة ( غير ) ، فيكون المعنى : بغير عمدٍ .
من يجعلها معترضة يقول في إعرابها : ( لا : اسم بمعنى ( غير ) مجرور بالباء ، وظهر إعرابه على ما بعده بطريق العارية ، و( لا ) مضاف ، و( عمد ) مضاف إليه .
ويجعلون نظير هذا ( أل ) الموصولة ( الـضارب ، الـمضروب ) فالإعراب يكون لما بعدها بطريق العارية .
أعتقد أن جعلها اسمًا بمنزلة ( غير ) - على رأي الكوفيين - هو الأفضل والأوضح ، وإلا ما معنى أن نعربها ( مضافًا ) ، ومعلوم أن المضاف لا يكون إلا اسمًا . والله تعالى أعلم
أما في قوله تعالى : ( لئلا يكونَ ... ) فهي حرف يفيد النفي . والله أعلم