قراءة القرآن بين الإكثار والتدبر
كثيراً ما أحدث نفسي بالكتابة حول هذه المسألة، وأراني أسوِّفها حتى يفوت وقتها، فقلت لا أقل من نقل كلام أهل العلم في ذلك، ومن ذلك كلام العلامة ابن القيم رحمه الله في الزاد حيث يقول:
وَقَدْ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ التّرْتِيلِ وَقِلّةِ الْقِرَاءَةِ أَوْ السّرْعَةِ مَعَ كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ أَيّهُمَا أَفْضَلُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ .
1-فَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُمَا إلَى أَنّ التّرْتِيلَ وَالتّدَبّرَ مَعَ قِلّةِ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ سُرْعَةِ الْقِرَاءَةِ مَعَ كَثْرَتِهَا .
وَاحْتَجّ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَهْمُهُ، وَتَدَبّرُهُ، وَالْفِقْهُ فِيهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَتِلَاوَتُهُ وَحِفْظُهُ وَسِيلَةٌ إلَى مَعَانِيهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ:نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ؛ فَاِتّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا.
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ الْعَالِمُونَ بِهِ وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ؛ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ .
وَأَمّا مَنْ حَفِظَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ أَقَامَ حُرُوفَهُ إقَامَةَ السّهْمِ .
قَالُوا : وَلِأَنّ الْإِيمَانَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَفَهْمُ الْقُرْآنِ وَتَدَبّرُهُ هُوَ الّذِي يُثْمِرُ الْإِيمَانَ، وَأَمّا مُجَرّدُ التّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ وَلَا تَدَبّرٍ؛ فَيَفْعَلُهَا الْبَرّ وَالْفَاجِرُ، وَالْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا مُرّ.
وَالنّاسُ فِي هَذَا أَرْبَعُ طَبَقَاتٍ:
أَهْلُ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ، وَهُمْ أَفْضَلُ النّاسِ .
وَالثّانِيَةُ مَنْ عَدِمَ الْقُرْآنَ وَالْإِيمَانَ.
الثّالِثَةُ مَنْ أُوتِيَ قُرْآنًا وَلَمْ يُؤْتَ إيمَانًا.
الرّابِعَةُ مَنْ أُوتِيَ إيمَانًا وَلَمْ يُؤْتَ قُرْآنًا .
قَالُوا : فَكَمَا أَنّ مَنْ أُوتِيَ إيمَانًا بِلَا قُرْآنٍ؛ أَفْضَلُ مِمّنْ أُوتِيَ قُرْآنًا بِلَا إيمَانٍ، فَكَذَلِكَ مَنْ أُوتِيَ تَدَبّرًا وَفَهْمًا فِي التّلَاوَةِ؛ أَفْضَلُ مِمّنْ أُوتِيَ كَثْرَةَ قِرَاءَةٍ وَسُرْعَتَهَا بِلَا تَدَبّرٍ .
قَالُوا : وَهَذَا هَدْيُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُ كَانَ يُرَتّلُ السّورَةَ حَتّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلِ مِنْهَا، وَقَامَ بِآيَةٍ حَتّى الصّبَاحِ .
2-وَقَالَ أَصْحَابُ الشّافِعِيّ رَحِمَهُ اللّهُ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ أَفَضْلُ.
وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ؛ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ؛ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ؛ وَلَامٌ حَرْفٌ؛ وَمِيمٌ حَرْف. رَوَاهُ التّرْمِذِيّ وَصَحّحَهُ .
قَالُوا : وَلِأَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ.
وَذَكَرُوا آثَارًا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السّلَفِ فِي كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ .
وَالصّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: إنّ ثَوَابَ قِرَاءَةِ التّرْتِيلِ وَالتّدَبّرِ أَجَلّ وَأَرْفَعُ قَدَرًا، وَثَوَابَ كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا.
فَالْأَوّلُ كَمَنْ تَصَدّقَ بِجَوْهَرَةٍ عَظِيمَةٍ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ نَفِيسَةٌ جِدّا.
وَالثّانِي : كَمَنْ تَصَدّقَ بِعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الدّرَاهِمِ أَوْ أَعْتَقَ عَدَدًا مِنْ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ رَخِيصَةٌ.
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيّ " عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْت أَنَسًا عَنْ قِرَاءَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ كَانَ يَمُدّ مَدّا.
وَقَالَ شُعْبَةُ : حَدّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عَبّاسٍ إنّي رَجُلٌ سَرِيعُ الْقِرَاءَةَ وَرُبّمَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ مَرّةً أَوْ مِرّتَيْنِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : لَأَنْ أَقْرَأَ سُورَةً وَاحِدَةً أَعْجَبُ إلَيّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ الّذِي تَفْعَلُ، فَإِنْ كُنْت فَاعِلًا وَلَا بُدّ فَاقْرَأْ قِرَاءَةً تُسْمِعُ أُذُنَيْكُ وَيَعِيهَا قَلْبُك.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: قَرَأَ عَلْقَمَةُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ -وَكَانَ حَسَنَ الصّوْتِ- فَقَالَ: رَتّلْ فِدَاك أَبِي وَأُمّي؛ فَإِنّهُ زَيْنُ الْقُرْآنِ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : لَا تَهُذّوا الْقُرْآنَ هَذّ الشّعْرِ، وَلَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُنْ هَمّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السّورَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ أَيْضًا : إذَا سَمِعْتَ اللّهَ يَقُولُ: يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا.... فَأَصْغِ لَهَا سَمْعَك، فَإِنّهُ خَيْرٌ تُؤْمَرُ بِهِ، أَوْ شَرّ تُصْرَفُ عَنْه.
وَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى : دَخَلَتْ عَلَيّ امْرَأَةٌ وَأَنَا أَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ الرّحْمَنِ هَكَذَا تَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ ؟ وَاَللّهِ إنّي فِيهَا مُنْذُ سِتّةِ أَشْهُرٍ وَمَا فَرَغْتُ مِنْ قِرَاءَتِهَا .
انتهى النقل من كلام الإمام. ومن وجد نشاطاً فليضف لا محروماً من الأجر.
رد: قراءة القرآن بين الإكثار والتدبر
أخي أبا البراء..
حياك الله وبياك
للشيخ سلمان بن عمر السنيدي كتاب بعنوان (تدبر القرآن)
رد: قراءة القرآن بين الإكثار والتدبر
جزاك الله خيرا
ليجمع العبد بين الخيرين إذ لا تزاحم
رد: قراءة القرآن بين الإكثار والتدبر
" من لم يكن له علم وفهم وتقوى وتدبر ، لم يدرك من لذة القرآن شيئا " الزركشي ، البرهان 2/171
"يا ابن آدم ، كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة ؟ ! " الحسن البصري ، مختصر قيام الليل للمروزي 150
رد: قراءة القرآن بين الإكثار والتدبر
جزى الله الأخوين خيرا على مشاركتهما.
وأضيف بأن المسألة متوجهة لمن لايستطيع الجمع بين التدبر مع السرعة، ولذلك وجد التزاحم، وأما من جمع بينهما بصدق فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
رد: قراءة القرآن بين الإكثار والتدبر
مرادي بارك الله فيكم أن العبد ممكن أن يختم ختمة تدبر أو أكثر ثم ختمة حدر أو أكثر فالعمر يسع لهذا وذاك
وأما في رمضان فلا تزاحم أيضا فليشرع الإنسان بالختمتين فإن لم ينتهي من ختمة التدبر أنهاها في غير رمضان
لأن المقصود تكثير الحسنات
وفي حديث تقارب الخطى إلى المسجد وحديث بني سلِمة ما يشهد لذلك
والله أعلم
رد: قراءة القرآن بين الإكثار والتدبر
كلما أقراء عن تدبر القرآن أشعر بذنب عظيم على حالي
وكثيرا أهتم بنهاية الختم وماتبقى منه أكثر من تدبري وقد لاأتدبر الا القليل من الآيات فقط !!
فليتكم تصفون الدواء بعد وصفكم للداء